You are on page 1of 26

‫العدد التاسع والثالثون ج‪4‬‬ ‫جملة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬

‫مفهوم السيادة والسلطة املطلقة يف فلسفة جان بودان‬


‫‪The concept of sovereignty and absolute authority in‬‬
‫‪Jean Bodan's philosophy‬‬
‫تقدمي د‪ .‬منال وجدي علي‬
‫مدرس ابجلامعة الكندية ‪CIC‬‬
‫‪Dr.manal.wagdy@gmail.com‬‬

‫امللخص‪:‬‬
‫أتيت أمهية البحث يف حماولة التوصل إىل العالقة بني الدولة واملواطن أو السلطة واملواطن حيث‬
‫التطلع إىل اخلري العام‪ ،‬من خالل تركيز مسار العالقة بني القانون والسياسة‪ ،‬فإذا كانت السلطة تقوم‬
‫على رعاية املواطن‪ ،‬فإن مفهوم السيادة يقوم على العالقة بني الشكل الذي تكون عليه الدولة‪،‬‬
‫واالنسجام الذي مييز فاعليتها‪ ،‬ويربز دور املفكر السياسي الفرنسي جان بودان يف تنوع معاجلاته‬
‫الفكرية‪ ،‬حيث أكد جان بودان على ارتباط السيادة إبرادة السيد الواحد‪ ،‬فالسيادة ماهي إال متثيل‬
‫إلرادة السيد الذي ميثل القانون الذي يسود على حساب العرف‪ ،‬وقد تطرق البحث إىل التعرف على‬
‫مفهوم السيادة والتطور التارخيي الذي مر به املفهوم‪ ،‬ومفهوم السيادة املطلقة يف فلسفة جان بودان‬
‫الذي تناوله يف مؤلفه السياسي (الكتب الستة يف اجلمهورية) والذي يعد ذروة االشتغال املعريف يف‬
‫حق ل السياسة‪ ،‬فقد ركز بودان على حماولة الربط بني االجتاه األخالقي والنزعة الدينية حيث التأكيد‬
‫على العالقة القائمة بني الدولة واملواطن يف وحدة اهلدف املتمثل يف حماولة الوصول إىل اخلري املطلق‬
‫وعلى الرغم من التوجه املثايل يف تلك املزاوجة فإن أتكيده يف العمل السياسي كان يقوم على أمهية‬
‫اإلعالء من املمارسة بوصفها الطريق األكيد حنو تركيز معامل املعرفة‪ ،‬حمددا موجهاهتا عرب التأكيد على‬
‫الدرس التارخيي‪ ،‬والذي يقوم برأيه من خالل املزج بني القانون والسياسة‪.‬‬

‫الكلمات املفتاحية‬
‫السيادة املطلقة – السلطة – احلاكم – اجلمهورية‬

‫‪- 111 -‬‬


4‫العدد التاسع والثالثون ج‬ ‫جملة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬

Abstract:

The importance of research comes in trying to reach the relationship


between the State and the citizen or authority and the citizen where
aspiration for public good by focusing the relationship between law and
politics, if the authority is based on the care of the citizen sovereignty ", the
concept of sovereignty is based on the relationship between the form of a
State, The harmony that characterizes its effectiveness, and highlights the
role of French political thinker Jean Bodan in the diversity of his
intellectual remedies, Jan Bodan emphasized the attachment of sovereignty
to Mr. Al-Wahid's will sovereignty is only a representation of the will of
the Master who represents the law that prevails at the expense of custom,
The research examined the concept of sovereignty and the historical
evolution of the concept and the concept of absolute sovereignty in Jean
Bodan's philosophy, addressed in his political author (Six Books in the
Republic) which is the peak of knowledge work in the field of politics s
relationship with the citizen in unity of purpose of trying to reach the
absolute good. Despite the ideal orientation of that marriage, his emphasis
in political action was based on the importance of raising the profile of
practice as the surest way to focus knowledge, Identifying its orientations
by emphasizing the historical lesson, which is based on its view through
the combination of law and politics.

Keywords

Absolute sovereignty - Power - Governor - Republic

- 111 -
‫العدد التاسع والثالثون ج‪4‬‬ ‫جملة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬

‫املقدمة‪:‬‬

‫كبريا على الساحة السياسية يف دول العامل‬


‫اهتماما ً‬
‫ً‬ ‫حيزا ملحوظًا وينال‬
‫يشغل مفهوم السيادة ً‬
‫أمجع‪ ،‬حيث تقوم عليه الدولة الدميقراطية احلديثة أبركاهنا الثالثة اليت تشمل الشعب واإلقليم والسلطة‬
‫السياسية‪ ،‬ويرتتب على ذلك متيزها أبمرين أساسيني؛ يتضمن األمر األول منهما متتع الدولة‬
‫ابلشخصية القانونية االعتبارية‪ ،‬يف حني يرتبط األمر الثاين بكون السلطة السياسية فيها ذات سيادة‪،‬‬
‫حيث اعتربها كثري من الفالسفة الركن الثاين من أركان الدولة‪.‬‬

‫مل يكن قيام الدولة الدميقراطية احلديثة ابألمر السهل البسيط‪ ،‬بل جاء بعد نزاع طويل ومرير بني‬
‫سلطات كل من الكنيسة وامللوك‪ ،‬حيث نتج عن هذا النزاع بني السلطات خروج اإلرادة الشعبية‬
‫العامة منتصرة يف النهاية‪ ،‬مما يؤكد ضرورة وجود سلطة عليا أو وحدة سياسية مستقلة ال تعلو عليها أو‬
‫تنافسها سلطة أخرى إلدارة الشئون الداخلية واخلارجية للدولة ابستقالل وحرية كاملة‪ ,‬وهو ما يُعرف‬
‫ابلسيادة‪ ،‬وقد تنبع السيادة من سلطة احلاكم نفسه مبا يتمتع به من سلطات قاصرة عليه أو انبعة من‬
‫الشعب كله‪.‬‬

‫اختلف املفكرون والفالسفة منذ ظهور مصطلح السيادة حول شرعية احلائز على السيادة‪ ،‬فهل‬
‫هو احلاكم أم الشعب؟‪ ،‬وكان جان بودان (‪ )Jean Bodin 1530-1596‬من أكثر الفالسفة‬
‫اهتماما بسيادة احلاكم‪ ،‬حيث أوضح أن الوظيفة األوىل والرئيسية للسيادة تتمثل يف تطبيق القوانني‬
‫ً‬
‫على املواطنني واألفراد ال على احلاكمني‪ ,‬ألن احلاكم هو مصدر القانون‪ ,‬وال ميكن أن خيضع إىل‬
‫قوانني سنها بنفسه‪ ،‬إال أنه غري ُمعاىف من اخلضوع إىل القانون اإلهلي والقانون الطبيعي ألهنما‬
‫القانوانن اللذان حيكمان كل السيادات مبا فيها سيادة احلاكم‪ ،‬وكان هلذا املفهوم الشمويل لسيادة‬
‫احلاكم أكرب األثر يف حتول السلطة السياسية بصورة مطلقة إىل احلاكم دون تدخل أي سلطة قانونية‬
‫أو دينية يف هذه السلطات العليا‪.‬‬

‫‪- 111 -‬‬


‫العدد التاسع والثالثون ج‪4‬‬ ‫جملة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬

‫أولا‪ :‬مفهوم السيادة ونشأهتا‬


‫واصطالحا‪:‬‬
‫ا‬ ‫‪ -1‬تعريف السيادة لغةا‬
‫أ‪ .‬التعريف اللغوي‪:‬‬
‫سدودا‪ ,‬أي شرف وجمد‪ .‬وساد‬ ‫جاءت كلمة السيدة يف اللغة العربية من الفعل ساد مبعىن يسود ً‬
‫قومه‪ ,‬أي صار سيدهم‪ ،‬وتعد السود مصدر السيادة أو السودد‪ ,‬وتعين كرم املنصب واملكانة الرفيعة‪.‬‬
‫مجيل صليبا (‪ )2891‬ص‪879‬‬
‫أيضا لقبًا شرفيًا‪ ,‬أي صاحب سيادة ومسو‪ .‬مراد وهبة (‪ )1007‬ص‪948‬‬
‫تعين السيادة ً‬
‫وحمتَ ِمل أذى قومه‬
‫يُطلق لفظ "السيد" على الرب واملالك والشريف والفاضل والكرمي واحلليم ُ‬
‫والزوج والرئيس واملقدم‪ ,‬وأصله من ساد يسهود فهو سيود‪ ،‬والزعامة هي السيادة والرايسة‪ .‬صحاح‬
‫اللغة ولسان العرب‪.‬‬

‫تعين السيادة يف اللغة العربية عامةً ِرفعة القدر واملكانة وشرف املنزلة‪ ,‬وتدل على أن ً‬
‫فالان سيد‬
‫قومه وكبريهم‪ ،‬فهو مفهوم يدل على العلية والقوم واملنزلة‪ .‬ايسر العلوي وآخرون (‪ )1024‬ص‪42‬‬
‫ب‪ -‬التعريف الصطالحي‪:‬‬
‫مصطلحا قانونيًا مرتمجًا عن كلمة فرنسية "‪ ,"souverainete‬وهي‬
‫ً‬ ‫يعد مصطلح السيادة‬
‫مشتقة من األصل الالتيين "‪ "superanus‬الذي يعين "األعلى"‪ ،‬لذلك تُعرف السيادة يف كثري من‬
‫األحيان على أهنا السلطة العليا‪ .‬خدجية غرداين (‪ )1022‬ص‪12‬‬
‫نظرا‬
‫ظ بتعريف ُحمدد ُمتفق عليه ً‬ ‫يعد مفهوم السيادة من املفاهيم احلديثة نسبيًا‪ ,‬فلم حي َ‬
‫وليدا لبحوث‬
‫لالختالف حول أشكال السيادة وخصائصها والعناصر املكونة هلا؛ فاملفهوم مل يكن ً‬
‫ودراسات‪ ،‬بل جاء نتيجة صراع اترخيي طويل بني السلطة احلاكمة واألفراد احملكومني‪ .‬ويعود أصل‬
‫املفهوم إىل الصراع الذي حدث بني ملوك فرنسا يف العصور الوسطى ضد الكنيسة وطبقة األشراف‬
‫واإلمرباطورية لتكوين مملكة مستقلة عن التنظيمات الثالثة‪ .‬ورغم أن األصول احلديثة ملفهوم السيادة‬
‫ترجع إىل صلح وستفاليا (‪ )2849‬املك ِرس لقدسية الدولة "العلمانية" ومناعة حدودها اإلقليمية‪ ،‬فإن‬
‫ُ‬
‫اجلذور التارخيية لفكرة السيادة ترجع إىل العهد اليوانين القدمي الذي كان له السبق يف إرساء فن إدارة‬
‫شئون الدولة‪ .‬عدي حمسن غافل (‪ )1022‬ص‪227‬‬

‫‪- 114 -‬‬


‫العدد التاسع والثالثون ج‪4‬‬ ‫جملة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬

‫أ‪ .‬مفهوم السيادة يف العهد اليوانين القدمي‪:‬‬


‫جاءت تصورات الفالسفة اليوانن ملفهوم السيادة شديدة التباين حبكم آرائهم الفلسفية‬
‫وتوجهاهتم املذهبية؛ فقد أشار "أرسطو" يف كتابة "السياسة" إىل السيادة على أهنا "السلطة العليا‬
‫للدولة"‪ ,‬وهو تعريف فيه إحياء ابلطاعة املطلقة لقوانني الدولة على اعتبار أهنا صاحبة السيادة العليا‬
‫ُ‬
‫وال تعلوها أي سيادة أخرى‪ ،‬رابطًا إايها ابجلماعة‪ ،‬أما "أفالطون" فقد اعترب السيادة لصيقة بشخص‬
‫احلاكم‪ ،‬يف حني ذهب اجتاه آخر من الفالسفة إىل املزج بني مفهوم السيادة العليا وفكرة القانون‪.‬‬
‫حنان عماد زهران (‪)1028‬‬
‫ب‪ .‬مفهوم السيادة يف العصور الوسطى‪:‬‬
‫ظهرت النظرية الثيوقراطية للسيادة يف العصور الوسطى‪ ,‬حيث تطور املفهوم يف ضوء املفاهيم‬
‫الالهوتية اليت جعلت من احلاكم شبه إهله جيسد اإلرادة اإلهلية على وجه األرض‪ .‬وتقر نظرية احلق‬
‫اإلهلي ابعتبار اإلرادة اإلهلية املصدر األساسي للسلطة‪ ،‬وهذا ما جعل السيادة لصيقة بشخص‬
‫احلاكم‪ ,‬فتأسس احلكم املطلق القائم على االستبداد والطغيان‪ .‬حممد نصر مهنا (‪ )1008‬ص ‪82‬‬
‫اجتاحت أورواب أثناء القرن السادس عشر حركات اإلصالح الديين اليت ترتب عليها وجود‬
‫أقليات دينية اعتنقت مبدأ حق املقاومة أو حق الثورة‪ .‬ونتيجة اعتناق األقليات هلذا املبدأ‪ ,‬قامت‬
‫أيضا (حروب أهلية)‪ ،‬وأدى‬
‫بعضا‪ ،‬وداخل الدولة الواحدة ً‬‫حروب مدمرة يف أورواب بني الدول بعضها ً‬
‫ذلك إىل تعرض أورواب للدمار‪ .‬ودعت هذه الفوضى واالضطراابت بعض الكتاب إىل األخذ بنظرية‬
‫احلق اإلهلي يف احلكم‪ ،‬ليس إلمياهنم هبذه النظرية عن عقيدة‪ ،‬بل كوسيلة لتحقيق االستقرار‪ ,‬حيث‬
‫كان االستقرار هدفًا يسعى إليه الكتاب السياسيون خالل هذه الفرتة‪ .‬حممود امساعيل (‪)2888‬‬
‫ص‪82‬‬
‫رغم ذلك‪ ,‬عجزت نظرية احلق اإلهلي عن حتقيق استقرار دائم‪ ,‬فلم تكن وافية ابلغرض يف ذلك‬
‫الوقت‪ ،‬حيث كان من الصعب إرغام املواطنني يف فرنسا على طاعة ملك خيالفهم يف الدين‪ .‬ورغم‬
‫عدم وجود ضرر واضح من تويل امللك رعاية شئون مواطنيه دون تعصب أو حتيز ديين‪ ،‬فإن هذا مل‬
‫يتحقق يف واقع األمر‪ .‬حممود امساعيل (‪ )2888‬ص‪81‬‬
‫بعد أن أثبتت نظرية احلق اإلهلي فشلها‪ ،‬اهتم الفالسفة واملفكرون ابلتوصل إىل نظرية تعمل‬
‫على دعم االستقرار يف البالد يف ظل وجود االنقسامات الدينية والعقائدية‪ ,‬فظهرت يف أورواب فئة‬

‫‪- 111 -‬‬


‫العدد التاسع والثالثون ج‪4‬‬ ‫جملة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬

‫جديدة من السياسيني أثناء احلروب الدينية اندت حبرية العقيدة داخل الدولة‪ ،‬بسبب ما نتج عن‬
‫احلروب الدينية من انقسامات عقائدية ودينية‪ ,‬حيث أصبح من املهم التوصل إىل نظرية سياسية‬
‫متكاملة تقنع األفراد أبن يعيشوا يف دولة واحدة موحدة سياسيًا‪ ,‬وإن كانت منقسمة دينيًا‪ .‬حممود‬
‫امساعيل (‪ )2888‬ص‪81‬‬
‫كانت هذه بداية االجتاه احلديث لفصل الدين عن الدولة‪ ،‬وكان "جان بودان" من أبرز الكتاب‬
‫الذين أجادوا التعبري عن هذا االجتاه من خالل وضع السيادة يف أيدي السلطة املدنية دون السلطة‬
‫الدينية‪ ,‬وامتالك احلاكم سيادة مطلقة على بالده وشعبه‪.‬‬
‫ج‪ .‬مفهوم السيادة يف العصر احلديث‪:‬‬
‫دورا حمورًاي يف بلورة مفهوم السيادة‪ ,‬ورغم أن هذا املفهوم‬
‫أدى أقطاب الفكر السياسي احلديث ً‬
‫اسعا ابعتباره أحد املفاهيم احملورية املهمة يف الدراسات السياسية والقانونية‪ ,‬فإن‬
‫اهتماما و ً‬
‫ً‬ ‫انل‬
‫نظرا لتأثر املفهوم ابخللفيات‬
‫التعريفات اليت قُدمت له هبا درجة كبرية من التباين واالختالف ً‬
‫األيديولوجية واملدارس الفكرية اليت ينتمي إليها الفالسفة واملفكرون‪ .‬وسنحاول فيما يلي رصد أهم‬
‫املفاهيم والتعريفات اليت قدمها فالسفة العصر احلديث‪:‬‬
‫يرى عدد غري قليل من املفكرين والفالسفة أن الفيلسوف الفرنسي "جان بودان" ‪(Jean‬‬
‫)‪ Bodin‬يعد املنظر األهم ملفهوم السيادة‪ ،‬حيث تعود إليه أصول نظرية السيادة وتعريفها‪ ,‬كما تعود‬
‫إليه دالالت املفهوم وأوجه استعماله‪ ,‬وارتبطت به فكرة السيادة بعد طرحها يف مؤلفه بعنوان "ستة‬
‫كتب يف اجلمهورية"‪ ,‬حيث عرفها أبهنا "السلطة العليا اليت خيضع إليها املواطنون والرعااي وال حيد منها‬
‫القانون"‪ ,‬كما أكد ارتباط السيادة ابلدولة ارتباطًا وثي ًقا‪ ،‬فهي دائمة بدوام الدولة‪ ,‬وال تزول إال بزواهلا‪،‬‬
‫وتعترب مطلقة ابعتبار الدولة متارسها بال قيود؛ فهي غري خاضعة ألي قانون أو مقيدة به ليُستثىن من‬
‫ذلك القانون اإلهلي أو الطبيعي املرتبط ابلشرائع السماوية‪ ،‬ويعد بودان أول من وضع نظرية متكاملة‬
‫للسيادة حتمل أبدية وجودها رغم إمكانية زوال حاملها‪ ،‬لذلك أك د‬
‫أمهية السيادة يف ظل وجود الدولة واستقرارها‪ ,‬فال وجود للسيادة يف غياب الدولة‪ ,‬كما ختتفي الدولة‬
‫وتتالشى يف غياب السيادة‪ .‬حسن عبد هللا العايد (‪ )1009‬ص ‪29‬‬
‫نستخلص من ذلك أن "جان بودان" أسس احلكم املطلق‪ ,‬كما اعتمد يف تعريفه للسيادة على‬
‫الشأن الداخلي للدولة‪ ,‬ومل يكن وحده من استند يف تعريفه على الشأن الداخلي للدولة‪ ،‬حيث ذهب‬

‫‪- 111 -‬‬


‫العدد التاسع والثالثون ج‪4‬‬ ‫جملة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬

‫"توماس هوبز" (‪ )2878-2299‬إىل أتييد نظرية السيادة املطلقة للحاكم‪ ،‬حبيث يتمتع بسلطة‬
‫مطلقة ال تعلوها سلطة أخرى يف الدولة‪ ،‬كما حدد حقوقًا سيادية يتمتع هبا احلاكم وحده‪ ،‬وجاء ذلك‬
‫عديدا من اإلهاانت والتعذيب يف عصره‪ ،‬فعرف السيادة أبهنا‬ ‫كرد اعتبار للملوك الذين شهدوا ً‬
‫"سلطة ذلك الفرد أو تلك اهليئة الذي أو اليت متتلك سلطة اإلرادة اليت تنازلت عنها األغلبية يف مقابل‬
‫منح األغلبية حياة آمنة مطمئنة"‪ .‬جالب ذهبية ودين زهرة (‪ )1007‬ص‪11-22‬‬
‫هذا هو ما دفع هوبز لتربير سياسة القوة‪ ,‬فهي ال تتجزأ أو تنفصل عن صاحبها‪ ,‬وال ميكن‬
‫التنازل عنها‪ ,‬حيث تكمن سيادة الدولة يف السيادة الكاملة غري املجزأة وغري احملددة للحاكم‪ ،‬فدافع‬
‫ُ‬
‫عن احلكم املطلق ابسم مصلحة األفراد وليس ابسم احلق اإلهلي للملوك‪ ،‬لذا عارض هوبز بشدة‬
‫أولئك الذين يقرون بتقسيم القوة وجتزئتها‪ .‬ورغم أن هوبز كان من دعاة احلكم املطلق‪ ,‬فقد عرب جان‬
‫لوك (‪ )John locke 1632-1704‬يف كتابه "رسالتان يف احلكم" الصادر عام ‪ 2880‬عن‬
‫إميانه بسيادة القانون واحلرايت السياسية للمواطنني‪ ,‬وما يرتتب على ذلك من ضرورة الفصل بني‬
‫السلطات وإخضاعها للقانون‪ ،‬كما أوضح أن امللك صاحب السلطة نفسها خيضع ملساءلة القانون‪،‬‬
‫وإن مل يفعل ذلك‪ ,‬يكون من حق الشعب الثورة عليه‪ ,‬وأضاف أن "امللك ابعتباره طرفًا يف العقد‬
‫االجتماعي‪ ،‬عليه تسخري سلطته يف حتقيق الصاحل العام‪ ،‬واحرتام احلقوق الطبيعية لألفراد‪ ،‬حيث إن‬
‫إخالله هبذا االلتزام حيل لألفراد فسخ العقد والثورة عليه‪ .‬وبذلك عمل القانون املتحضر عند لوك على‬
‫احرتام احلقوق الطبيعية لألفراد‪ ،‬وكفالة االلتزامات اليت تفرض الطبيعة والعقل‪ ،‬فاعترب أن إقامة احلكومة‬
‫كثريا عن العهد الفطري األول الذي يضع اجملتمع املدين‪ ،‬ورغم اعتقاده بتفوق‬ ‫حادث أقل أمهية ً‬
‫السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية والفيدرالية‪ ،‬فقد رأى أن الشعب ميلك السلطة العليا يف تغيري‬
‫اهليئة التشريعية ذاهتا عندما تتصرف مبا يتعارض مع الثقة اليت ُوضعت فيها"‪ .‬علي عبد املعطي حممد‪،‬‬
‫حممد علي حممد (‪ )2874‬ص ‪272-270‬‬
‫أكد "جان جاك روسو" (‪ )2779-2721‬يف كتابه العقد االجتماعي الذي نُشر عام ‪2781‬‬
‫تعبريا عن اإلرادة العامة‪ ،‬حيث ذكر "إمنا هي للشعب بسائر أفراده‪ ,‬ميلك كل فرد‬
‫أن السيادة تعد ً‬
‫منها جزءًا‪ ،‬وإذا كانت الدولة تتكون من عشرة آالف مواطن‪ ,‬فإن كل مواطن ميلك جزءًا من عشرة‬
‫آالف جزء من السيادة؛ فالسيادة الشعبية هي السيادة املجزأة‪ ,‬ويرتتب على ذلك آاثر مهمة يف تنظيم‬
‫ُ‬
‫احلكم فيما بعد"‪ .‬مصطفى أبو زيد فهمي (‪ )2894‬ص ‪.72‬‬

‫‪- 111 -‬‬


‫العدد التاسع والثالثون ج‪4‬‬ ‫جملة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬

‫تكتمل نظرية روسو السيادية من خالل وصفه للسيادة أبهنا مطلقة وغري قابلة للتجزئة‪ .‬حسن‬
‫عبد هللا العايد (‪ )1009‬ص ‪ ,272-270‬فهي ال تقل عن كوهنا ممارسة اإلرادة العامة‪ ،‬وال ميكن أن‬
‫حيدث االنفصال بني السيادة واإلرادة‪ ،‬ورغم إمكانية نقل السلطة يف الواقع‪ ،‬ال ميكن نقل اإلرادة‬
‫العامة"‪ .‬جان جاك شوفالييه‪ ،‬حممد عرب (‪ )2892‬ص ‪489‬‬
‫مقرتاب من تعريفات‬
‫بذلك ال تعد السيادة إال ممارسة لإلرادة العامة‪ ,‬وجاء تعريف روسو للسيادة ً‬
‫كل من بودان وهوبز مع اختالف نظرة روسو للطبيعة اإلنسانية عن نظرة هوبز‪ .‬وجاء تعريف املفكر‬
‫الربيطاين "جون أوستون" (‪ )John Austin 1790-1859‬متواف ًقا مع آراء "هوبز" حول‬
‫السيادة‪ ،‬حيث يعد أوستني من رواد النظرية الكالسيكية يف السيادة‪ ،‬فحدد نظرية السيادة من منطلق‬
‫نظاما قانونيًا توجد فيها سلطة عليا تتصرف بوصفها املصدر النهائي للقوة‪ ,‬حيث جيب‬
‫أن الدولة تعد ً‬
‫أن تُوضع السيادة بيد شخص واحد‪ ,‬دون أن تنقسم بني أفراد الشعب كما ذهب "روسو"‪ ,‬وبذلك‬
‫أسس "أوستني" للحكم املطلق‪ .‬حسن عبد هللا العايد (‪ )1009‬ص ‪22‬‬
‫ذهب الفيلسوف اإلجنليزي "آدم مسيث" (‪ )Adam Smith 1723-1790‬إىل تعريف‬
‫السيادة أب هنا تلك القوانني والآليات اليت متنع شيوع الفوضى والظلم عندما يسعى كل فرد إىل حتقيق‬
‫مصلحته اخلاصة‪ ،‬وأوضح أن هذه القوانني كفيلة بقيام نظام دقيق هو "نظام السوق" كما يطلق عليه‬
‫"مسيث"‪ ,‬حيث يسري وف ًقا لقوانني ُحمكمة تعمل على تغيري حاجات الناس ورغباهتم بفاعلية كبرية‬
‫وأسعار تنافسية"‪ .‬بطرس غايل وآخرون (‪ )2891‬ص ‪298‬‬
‫وفق ما يرى ماركس‪ ,‬هناك معىن آخر ملفهوم السيادة‪ ,‬حيث تعد أداة نضال ضد اإلمربايلية‬
‫طابعا طبقيًا مل ينفصل عن السيادة عرب األزمنة‪ ,‬حيث ُولد‬
‫ووسيلة دفاع أمام توسعها‪ ,‬كما تتضمن ً‬
‫هذا الطابع يف زمن اإلقطاع خالل الصراع القائم بني السلطة امللكية وأمراء اإلقطاع‪ ،‬وجاء مفهوم‬
‫السلطة ليعرب عن السلطة املطلقة للحاكم‪ .‬خملوف ساحل (‪ )1009‬ص ‪11-12‬‬
‫انتقد التيار املاركسي بشدة فكرة السيادة ابعتبارها متثل إحدى األدوات األساسية خلدمة‬
‫مصاحل الطبقة الربجوازية على حساب مصاحل طبقة الربوليتاراي‪ ,‬فدعا التيار املاركسي إىل نقل السيادة‬
‫متهيدا إلقامة اجملتمع الشيوعي‪ .‬وعلى النقيض‬‫من الطبقة الربجوازية إىل ديكتاتورية طبقة الربوليتاراي ً‬
‫متاما‪ ,‬أييت الفيلسوف اهلولندي "هوجو جوروشيوس" )‪(Hugod Gratius 1583-1645‬‬ ‫ً‬
‫لريكز يف تعريفه للسيادة على االهتمام ابلشئون اخلارجية وعالقة الدولة بغريها من الدول‪ ,‬فيعرفها أبهنا‬
‫"السلطة السياسية العليا اليت ترتكز يف الشخص الذي ال تتمكن أي إرادة إنسانية من نقض أعماله"‪,‬‬

‫‪- 111 -‬‬


‫العدد التاسع والثالثون ج‪4‬‬ ‫جملة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬

‫وجند أن هذا التعريف أابح تقسيم بعض الدول األوروبية‪ ,‬مما دفع جوروشيوس إىل نقد التعريف نفسه‬
‫بعضا"‪ .‬خدجية غرداين‬
‫فيما بعد رغبةً منه يف القضاء على احلروب احملتملة بني األمراء وبعضهم ً‬
‫(‪ )1022‬ص ‪24‬‬
‫من خالل تتبع التطور الذي شهده مفهوم السيادة يف السطور السابقة‪ ,‬نستنتج أن هناك‬
‫ثالثة اجتاهات خمتلفة بشأن هذا املفهوم‪ ,‬هي‪:‬‬
‫الجتاه األول‪ :‬ميثله أنصار السيادة احملدودة أو املشروطة‪ ,‬مثل روسو ولوك‪.‬‬
‫الجتاه الثاين‪ :‬ميثله أصحاب الرأي القائل ابلسيادة املطلقة‪ ,‬وهذا ما دعا إليه جان بودان‬
‫وتوماس هوبز‪.‬‬
‫الجتاه الثالث‪ :‬ميثله الرافضون لفكرة السيادة والداعون إىل إلغائها كما ذهب االجتاه املاركسي‪.‬‬

‫اثنياا‪ :‬خصائص السيادة ومظاهرها‬


‫أ‪ .‬خصائص السيادة‪:‬‬
‫من خالل التعريفات السابقة ملفهوم السيادة‪ ,‬ميكن القول أبن السيادة ابملفهوم احلديث تعد‬
‫صفة متتلكها الدولة تكون انبعة من اإلرادة العامة للشعب‪ ،‬وال تعلو عليها أي سلطة من الداخل أو‬
‫اخلارج‪ .‬اس جولدستني جوشيو )‪ S. Goldstein, Joshua (1996‬ص ‪79‬‬
‫وف ًقا ألحكام القانون الذي خيضع إليه احلكام واحملكومون‪ ,‬تُستمد السيادة من قواعد قانونية‬
‫ودستورية ودولية‪ ,‬وعليه فإن للسيادة جمموعة من اخلصائص ميكن حتديدها يف سمس خصائص‬
‫رئيسية‪ ,‬هي‪:‬‬
‫‪ -1‬السيادة مطلقة‪:‬‬
‫أي أنه ال توجد أي سلطة أو هيئة أعلى منها يف الدولة‪ ,‬وبذلك تكون للدولة السلطة على‬
‫كافة املواطنني‪ .‬وتتحدد اخلصائص األساسية للسيادة يف درجة امللكية املطلقة للسلطة السيادية اليت ال‬
‫تكون مقيدة مبوجب قانون أو دستور أو معاهدة دولية أو حىت عرف‪ ,‬ماعدا القانون الطبيعي‪ .‬عبد‬
‫اهلادي العشري (‪ )1002‬ص ‪.88‬‬

‫‪- 111 -‬‬


‫العدد التاسع والثالثون ج‪4‬‬ ‫جملة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬

‫أيضا كافة امتيازات السلطة العليا اليت متكنها من إخضاع األفراد واهليئات داخل‬
‫تكون للدولة ً‬
‫إقليمها الذي تتوىل مسئوليته إلرادهتا املطلقة‪ ،‬من خالل ممارسة السيادة املطلقة داخل نطاق حدودها‪,‬‬
‫فهي القانون حبد ذاته‪ .‬أمين أمحد الورداين (‪ )1009‬ص ‪49‬‬

‫‪ -1‬السيادة غري قابلة للتنازل‪:‬‬


‫مبعىن أن الدولة ال تستطيع التنازل عن سيادهتا حىت ال تفقد ذاتيتها‪ ،‬وعلى هذا فإن الدولة‬
‫والسيادة متالزمتان‪ ،‬ويعد "روسو" أول من تناول هذا الرأي يف كتابة "العقد االجتماعي"‪ ,‬حيث‬
‫حدد أهم خصائص السيادة يف كوهنا غري قابلة للتنازل عنها؛ فهي ممارسة لإلرادة العامة‪ ,‬وال ميكن‬
‫للشعب أن يتنازل عن سيادة دولته‪ ،‬وإال فقدت الدولة إحدى ركائزها األساسية‪ ,‬وابلتايل تنعدم‬
‫السيادة‪ .‬جان جاك روسو (‪ )2781‬ص ‪98‬‬

‫‪ -1‬السيادة غري قابلة للتجزئة‪:‬‬


‫يُقصد بذلك أهنا تستمد جوهرها من ذاهتا‪ ،‬فالسبب الذي جعل السيادة غري قابلة للتنازل هو‬
‫ذاته ما جعلها غري قابلة للتجزئة‪ ،‬وهذا ما تطرق إليه روسو يف كتابه "العقد االجتماعي"؛ فاإلرادة‬
‫البد أن تكون عامة‪ ،‬والبد أن تتعلق جبسم الشعب وليس جبزء منه فقط‪ ،‬وإال أصبحت إرادة جزئية‬
‫مرسوما ال غري"‪ .‬جان جاك روسو (‪)2781‬‬ ‫ً‬ ‫أو عمل من أعمال والية احلكم‪ ،‬فهي ال تعد أن تكون‬
‫ص ‪207-208‬‬

‫‪ -4‬السيادة شاملة‪:‬‬
‫مبعىن أهنا تُطبق على مجيع املواطنني يف الدولة ومن يقيم داخل إقليمها‪ ,‬ابستثناء ما ورد يف‬
‫االتفاقيات واملعاهدات الدولية‪ ,‬مثل الدبلوماسيني وموظفي السفارات واملنظمات الدولية‪ .‬خالد‬
‫التومي (‪ )1010‬ص‪.‬‬
‫‪ -1‬السيادة دائمة‪:‬‬
‫أي أهنا تدوم بدوام الدولة‪ ،‬وال يؤدي تغري احلكومات ابلضرورة إىل فقدان السيادة أو زواهلا‪،‬‬
‫ورغم أن احلكومات تتغري‪ ,‬تبقى سيادة الدولة وتدوم؛ فالسيادة ال تنقضي ولو توقفت عن العمل ملدة‬

‫‪- 111 -‬‬


‫العدد التاسع والثالثون ج‪4‬‬ ‫جملة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬

‫زمنية معينة‪ ,‬سواء كانت املدة قصرية أو طويلة‪ ,‬كما أهنا غري قابلة للتقادم أو االنتقال من دولة إىل‬
‫أخرى‪ .‬أمرية حناشي (‪ )1009‬ص‪10‬‬
‫ب‪ .‬مظاهر السيادة‪:‬‬
‫عند احلديث عن مفهوم السيادة ومعرفة خصائصها‪ ,‬البد من التطرق إىل مظاهر السيادة اليت‬
‫تظهر هبا الدولة طاملا ارتبط مفهوم السيادة ابلدولة‪ ,‬وابعتبار السيادة السلطة العليا اليت متكن الدولة‬
‫من إدارة شئوهنا داخل إقليمها أو يف إطار املعامالت الدولية واخلارجية‪ ،‬وبذلك فإن السيادة تتمتع‬
‫مبظهرين أساسيني‪ ,‬مها السيادة الداخلية والسيادة اخلارجية‪.‬‬

‫‪ -‬السيادة الداخلية‪:‬‬
‫يتمثل املظهر الداخلي للسيادة يف أن تكون سلطة الدولة على إقليمها مطلقة؛ فهي صاحبة‬
‫السلطة العليا يف تيسري الشئون الداخلية‪ ,‬وال تستطيع أي سلطة أخرى أن تعلو عليها يف فرض إرادهتا‬
‫على املواطنني وكافة اهليئات واملؤسسات القائمة على إقليمها‪ ،‬وهو ما يربر احتكارها ألدوات القوة‬
‫"العنف الشرعي" الالزمة لتمكنها من القيام بوظائفها يف التشريع والقضاء وكافة السلطات‪ ,‬فالسيادة‬
‫تعين االستقالل‪ .‬حممد نصر حممد (‪ )1021‬ص ‪.178‬‬

‫‪ -‬السيادة اخلارجية‪:‬‬
‫تتمثل يف الوجه اخلارجي للدولة‪ ,‬أي استقالل السيادة وإدارة شئوهنا الدولية مع الدول األخرى‬
‫دون اخلضوع إليها‪ ,‬حيث يعين انضمام الدولة إىل حتالفات من خالل إبرام معاهدات واتفاقيات‬
‫ودخوهلا يف منظمات دولية أن هلا احلرية يف إقامة عالقاهتا مع أي كيان دويل خارجي دون قيد أو‬
‫تدخل يف شئوهنا‪ ،‬فينتج ذلك عن متتعها ابالستقالل‪ .‬بوراس عبد القادر (‪ )1008‬ص‪.40‬‬
‫يوضح دكتور علي عبد املعطي حممد الفرق بني مظهري السيادة الداخلية واخلارجية قائالً "إن‬
‫السيادة الداخلية متثل السلطة العامة داخل حدود الدولة‪ ,‬فهي تتمتع حبق تنظيم العالقات املتبادلة بني‬
‫األفراد واجلماعات‪ ،‬وهي الفيصل يف احلكم يف كل ما ينشأ بينهم من خالفات أو صراعات‪ .‬وميكن‬
‫القول أبن السيادة الداخلية هلا مفهوم سليب وآخر إجيايب‪ ,‬حيث يعين املفهوم السليب لسيادة الدولة‬
‫الداخلية عدم خضوعها لسلطة أخرى‪ ،‬يف حني يعين املفهوم اإلجيايب حق الدولة يف وضع دستورها‬
‫وفرض قانوهنا وأوامرها على رعاايها‪ .‬وتشري السيادة اخلارجية إىل احلقوق املكفولة للدولة ىف اجملال‬
‫الدويل اخلارجي‪ ,‬حيث تستطيع أن تدخل يف عالقات ومواثيق ومعاهدات بني الدول األخرى وف ًقا‬

‫‪- 111 -‬‬


‫العدد التاسع والثالثون ج‪4‬‬ ‫جملة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬

‫لقواعد القانون الدويل العام‪ ،‬وتقوم السيادة اخلارجية على فكرة استقالل الدولة السياسية‪ ,‬أي عدم‬
‫تبنيها ألي وحدات سياسية أخرى‪ ,‬وال يهم هنا نظام احلكم الداخلي للدولة‪ ،‬حيث تكمن األمهية يف‬
‫أن يكون أمر التوجيه السياسي ألبنائها وليس لعناصر أجنبية غريبة عنها‪ .‬علي عبد املعطي حممد‬
‫وحممد علي حممد (‪ )2874‬ص‪997‬‬

‫ج‪ .‬أنواع السيادة‪:‬‬


‫‪ -1‬السيادة الكاملة والناقصة‪:‬‬
‫متاما هي‬
‫يتمثل العنصر األساسي يف امتالك السيادة يف استقالل الدولة؛ فالدولة املستقلة ً‬
‫صاحبة السيادة املطلقة‪ ،‬يف حني تكون الدولة اليت تسيطر عليها قوة أخرى أو تقع حتت ضغط‬
‫خارجي ليست صاحبة سيادة‪ ،‬وهلذا تتميز السيادة بكوهنا سيادة كاملة وسيادة انقصة‪ .‬وتقتصر‬
‫السيادة الكاملة على الدول املستقلة فقط‪ ،‬يف حني تكون السيادة الناقصة على الدول املحتلة أو‬
‫ُ‬
‫املستعمرة‪.‬‬
‫ُ‬
‫حتصل الدولة كاملة السيادة على حقوقها كاملة‪ ،‬يف حني ال تنفرد الدولة انقصة السيادة‪ ,‬سواء‬
‫كان ذلك كليًا أو جزئيًا‪ ,‬ابختيار أسلوب احلكم‪ ،‬بل تشاركها يف هذا االختيار الدولة اليت متارس‬
‫عليها بعض مظاهر السيادة‪ ،‬سواء كانت هذه الدولة هي الدولة احلامية أو املتبوعة أو املنتدبة‪ .‬فؤاد‬
‫ُ‬
‫العطار (‪ )2874‬ص‪291‬‬

‫‪-1‬السيادة القانونية والسياسية‪:‬‬


‫قد يبدو من الوهلة األوىل أن املفهومني القانوين والسياسي للسيادة متصارعان أو متضارابن‪ ,‬إال‬
‫بعضا؛ فالسيادة القانونية تعين السيادة يف ضوء القانون‬
‫أهنما ىف حقيقة األمر يكمالن بعضهما ً‬
‫الرمسي‪ ،‬حيث يوجد يف كل دولة شخص أو مجاعة من األشخاص ميتلكون السلطة العليا اليت متكنهم‬
‫من إصدار األوامر وتنفيذ القوانني‪ ،‬ويكون هؤالء هم أصحاب السيادة القانونية‪ ،‬وعلى كافة األفراد أن‬
‫يطيعوا هذه السيادة القانونية‪ ,‬حبيث يرتتب العقاب على أي انتهاك هلا أو خروج عليها‪ ،‬يف حني تعين‬
‫السيادة السياسية أولئك الذين لديهم حق االنتخاب والتصويت‪ ،‬أو القاعدة الشعبية اليت يتم‬
‫بواسطتها اختيار أصحاب السيادة القانونية‪ .‬علي عبد املعطي حممد وحممد علي حممد (‪)2874‬‬
‫ص‪998‬‬

‫‪- 111 -‬‬


‫العدد التاسع والثالثون ج‪4‬‬ ‫جملة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬

‫‪ -1‬السيادة اإلقليمية والسيادة الشخصية‪:‬‬


‫موضحا خصائص‬
‫ً‬ ‫ىف هذا الصدد‪ ,‬مييز الفقه السياسي السيادة اإلقليمية عن السيادة الشخصية‬
‫كل منهما؛ فطاملا أن الدولة تستند إىل أركان أساسية ثالثة‪ ,‬تتضمن الشعب واإلقليم والسلطة‪ ،‬فإن‬
‫أيضا على أساس عنصر اإلقليم‪,‬‬
‫سلطتها العامة قد تتحدد على أساس عنصر الشعب‪ ،‬وقد تتحدد ً‬
‫وإذا حتددت على أساس الشعب‪ ,‬تكون سيادة الدولة سيادة شخصية‪ ,‬يتحدد موضعها األساسي يف‬
‫أشخاص األفراد املكونني لشعبها‪ ،‬حبيث تتبعهم أوامرها حينما أقاموا‪ ،‬سواء كانوا داخل إقليم الدولة‬
‫وعلى أرضها أو خارج هذا اإلقليم وعلى أرض دولة أخرى‪ .‬ويف الوقت احلاضر‪ ,‬مت فصل السيادة عن‬
‫متميزا هي موضعها األساسي‪ ،‬حيث بدأت‬
‫شخصا قانونيًا ً‬
‫ً‬ ‫أشخاص احلاكمني لتكون الدولة ابعتبارها‬
‫تتغلب فكرة السيادة اإلقليمية‪ .‬علي عبد املعطي حممد وحممد علي حممد (‪ )2874‬ص‪.997‬‬

‫اثلثاا‪ :‬السيادة املطلقة عند جان بودان )‪)jean bodin 1596-1530‬‬


‫ترجع مكانة بودان كمفكر سياسي إىل مؤلفيه الرئيسيني "منهج يف الفهم امليسر للتاريخ" الذي‬
‫وضعه عام ‪ ,2288‬و"ستة كتب عن اجلمهورية" الذي وضعه عام ‪ ،2278‬حيث يركز الكتاب األول‬
‫على تفسري مغزى التاريخ وبيانه‪ ،‬يف حني يوضح الكتاب الثاين طبيعة الدولة‪ .‬وقد اهتم بودان بدراسة‬
‫التاريخ‪ ،‬وصب اهتمامه ابلدرجة األوىل على التفسري والتحليل العقلي للتاريخ‪ ،‬ال احلوادث وتعاقبها‬
‫التارخيي‪ .‬علي عبد املعطي حممد وحممد علي حممد (‪ )2874‬ص‪.292‬‬
‫نظاما ملكيًا مطل ًقا (‪ ,)monarchie royale‬وتعين‬ ‫كانت فرنسا يف القرن الرابع عشر ً‬
‫كلمة موانركي "احلكم املطلق لرئيس واحد أو نظام سياسي يكون فيه رئيس الدولة مل ًكا ابلوراثة‪,‬‬
‫مبعىن متركز كل السلطات ىف يد امللك الذي ال ينازعه أحد يف فخامته امللكية‪ .‬القاموس الروسي‬
‫(‪)1020‬‬
‫أوضح هذا اإلقرار ألول مرة جان بودان من خالل صياغته للنظرية النهائية يف كتابه "ستة كتب‬
‫يف اجلمهورية"‪ ,‬حيث انطلقت نظرية السيادة لديه من فكرة تعويض املقدس ابلدنيوي‪ ،‬أي من‬
‫السيادة اإلهلية املقدسة إىل السيادة البشرية اليت ختضع حملددات زمنية مبعىن الصريورة التارخيية‪ ,‬وبذلك‬
‫ارتكزت الدولة لدى بودان على "القوة والعنف"‪ .‬جود بودان ‪.)2822( Jean bodin‬‬

‫‪- 111 -‬‬


‫العدد التاسع والثالثون ج‪4‬‬ ‫جملة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬

‫دعم بودان احلكومة الفردية القائمة على امللك‪ ،‬وذهب أبن األولوية تكون للدولة بشكل عام‬
‫وليس للفرد على وجه اخلصوص‪ ،‬لذلك البد من وجود قوى عظمى جترب هؤالء األفراد على الطاعة‬
‫واالنصياع ألوامر الدولة صاحبة السيادة‪ .‬ورأى بودان أن أهم خاصية متيز الدولة عن أي جتمعات‬
‫أخرى تتحدد يف امتالكها حلقوق سيادية‪ ،‬وال تستند هذه القوة السيادية إىل أي مرجعية خارقة أو‬
‫مفارقة‪ ,‬سواء كانت الهوتية أو طبيعية‪ ,‬إمنا هي علة ذاهتا وتعود دميومتها من عدمه إليها ال غري‪ ،‬وهبذا‬
‫املعىن تكون الدولة صناعة إنسانية‪ ,‬كما يعود بقاؤها إىل مدى عبقرية التدبري الزمين اإلنساين‪ ،‬فتُعرف‬
‫الدولة ابعتبارها "القوة املطلقة والدائمة للجمهورية"‪ ,‬وينطوي هذا التعريف على عنصرين‪ ,‬مها‪:‬‬

‫‪ -‬القوة السيادية‪.‬‬
‫‪ -‬توحيد األعضاء واألجزاء‪.‬‬
‫رأى بودان أن الفرد ال يشكل أي أمهية يف البناء السياسي وال يكون له أي أتثري حىت يندمج يف‬
‫جتمعا من األفراد‪ ،‬إمنا تتكون من مجاعة اجتماعية‬
‫مجاعة اجتماعية حمددة‪ ،‬وبذلك فإن الدولة ليست ً‬
‫متآلفة‪ .‬وتعد األسرة اخللية األوىل يف اجملتمع‪ ،‬وقد تشكل مجاعات خمتلفة يتم التفاعل بينها عن طريق‬
‫الصداقة أو القرابة أو روابط أخرى‪ ،‬يف حني ترتابط الدولة عن طريق القوة‪ .‬حممود إمساعيل (‪)2888‬‬
‫ص ‪81‬‬
‫أوضح بودان أن األسرة هي النموذج الذي يتوافق مع السيادة‪ ,‬حيث اعتربها الصورة احلقيقية‬
‫للنظام اجلمهوري‪ ,‬كما أوضح أن اجلمهورية تعد حكم جمموعات من األسر حتت سلطة سيادية راعية‬
‫يستند قوام التوحيد فيها إىل حالة االقرتان بني منوذج اجلمهورية ومسألة العام‪ ،‬حيث يتمثل ذلك يف‬
‫"القانون العام‪ ،‬واألعراف العامة‪ ،‬والقضاء العام‪ ،‬واألمالك العامة"؛ فهي السيادة اليت تعرب عن نفسها‬
‫من خالل القوة اليت حتدد "شكل الدولة وانسجامها"‪ .‬جود بودان ‪)2822( Jean bodin‬‬
‫ص‪88‬‬
‫أ‪ -‬سيادة احلاكم والدولة عند جان بودان‪:‬‬
‫أوضح بودان أن صاحب السيادة هو الفرد الذي ميلك دولة مستقلة ُمعرتف هبا عن ابقي الدول‬
‫اجملاورة‪ ،‬مبعىن أن يكون له إقليم خاص به‪ ,‬وحكومة يديرها‪ ،‬وشعب خيضع له‪ .‬وعلى هذا األساس‪,‬‬
‫وضع بودان تعري ًفا للسيادة أبهنا "تلك اخلاصية اليت جتعل صاحبها يف وضع يسمح له أبن يقود‬

‫‪- 114 -‬‬


‫العدد التاسع والثالثون ج‪4‬‬ ‫جملة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬

‫ويضغط دون أن يُقاوم أو يُضغط عليه من جانب كائن ما؛ فهو فوق اجلميع وال أحد فوقه"‪ .‬حسن‬
‫انفعة (‪ )1001‬ص‪429‬‬
‫مسحت هذه الصياغة القانونية للسلطة الزمنية كما قدمها بودان أبن حتكم قبضتها على زمام‬
‫األمور‪ ,‬كما أضفت يف الوقت نفسه على الدولة هالة جعلتها تبدو أساس القانون الدويل وركيزته‬
‫متيزا‪ .‬ويف هذا السياق‪ ,‬مت االعرتاف حبق الدولة يف التعاقد‪ ،‬ويف شن احلرب‪ ,‬ويف تبادل التمثيل‬
‫األكثر ً‬
‫الدبلوماسي مع اخلارج‪ ،‬ويف التفاوض أمام العدالة‪ ،‬كما متتعت الدول يف الوقت نفسه بصالحية‬
‫مطلقة لتمكينها من فرض سلطتها املنفردة يف حيزها اإلقليمي‪ ،‬وهو ما يعين احتكارها حلق سن‬
‫القوانني وفرض احرتامها داخل نطاق هذا احليز؛ فقد أدى هذا البناء القانوين إىل اعتبار مجاعة الدولة‬
‫املصدر الرئيسي للقانون الدويل الذي جيب تشكيل قواعده عن طريق االتفاق املتبادل أو التعاقدي‪,‬‬
‫بعضا إال بعد إمتام إجراءات التصديق عليها‪.‬‬ ‫مثل املعاهدات اليت ال تصبح سارية يف مواجهة بعضها ً‬
‫حسن انفعة (‪ )1001‬ص‪424-429‬‬
‫بذلك تستند سلطة األمري أو احلاكم يف الدولة البودانية إىل اتفاقية "الدائم واملطلق"؛ فالدائم‬
‫يعين السيادة املباشرة الناقضة ألي نيابة أو توكيل‪ ,‬يف حني يرتبط املطلق حبالة االنسجام بني املقدس‬
‫والطبيعي‪ .‬وأتيت الصياغة النظرية ملفهوم السيادة عند بودان من خالل قطع الصلة اليت تربط اإلله‬
‫ابمللك على مستوى عملية التدبري السياسي وإبقائها يف مستوى عملية اإلهلام‪ ,‬وابلتايل قطع الصلة‬
‫بني األمري واملؤسسة الكنسية اليت طاملا كبلت احلاكم واحتكرت السيادة‪ .‬ويف هذا اإلطار‪ ,‬يقر بودان‬
‫صراحة "لن أحتدث سوى عن سيادة زمنية" جود بودان ‪ )2822( jean bodin‬ص‪ .8‬وبني‬
‫طريف هذه العالقة ميكن حتديد واجبات األمري فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -2‬اإلشراف املباشر على سن القوانني اليت تضمن احلقوق والواجبات للرعية‪.‬‬
‫‪-1‬القدرة على تغيري القوانني وفق متطلبات املصلحة والتطورات الىت يفرضها الواقع‪.‬‬
‫‪ -9‬أتكيد إرادة األمري اليت يتم ربطها إبرادة هللا ومشيئته‪.‬‬
‫انطالقًا من مفهوم السيادة لدى بودان‪ ,‬حتدد نظام احلكم األفضل الذي يعمل على خلق نوع‬
‫من االستقرار واألمن يف الدولة‪ ,‬فعارض بودان التصنيف التقليدي الذي قال به أرسطو من حيث‬
‫وجود النظام املختلط الذي جيمع بني امللكية املطلقة واألرستقراطية والسلطة الشعبية‪ ,‬حيث اعتربه‬
‫يوما‪ ،‬مث تتجسد بعدد حمدود من أفراد الشعب يف اليوم‬
‫نظاما غري مستقر‪ ،‬تكون فيه السلطة مطلقة ً‬‫ً‬

‫‪- 111 -‬‬


‫العدد التاسع والثالثون ج‪4‬‬ ‫جملة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬

‫التايل‪ ,‬لتتحول ىف اليوم الثالث إىل الشعب نفسه‪ ,‬أي توجد ثالثة أنواع من اجلمهورية ُجمتمعة يف‬
‫واحدة‪ ,‬مما سيؤدي سر ًيعا إىل االهنيار والتفكك" جورج ليبيكيه‪ ،‬مارسيل بريلو (‪ )2889‬ص‪.288‬‬
‫ال يعرتف بودان ابلدولة املختلطة أو القانون املختلط الذي قال به "شيشرون" واملؤلفون اجلدد‬
‫ىف عصره‪ ,‬مثل ميكافيللى (‪ )Machiavelli‬وتوماس مور (‪ ,)Thomas mor‬حيث رفض‬
‫كدا أن "الطول واالستمرارية" للقوة السيدة جيب أن تكون يف يد شخص حمدد بعينه أو‬ ‫هذا الفكر‪ ،‬مؤ ً‬
‫جمموعة من األشخاص داخل احلكومة‪ ,‬وبذلك تصبح احلكومة املختلطة "شيئًا مستحيالً"‪ .‬كوينتني‬
‫سكينر (‪Quentin Skinner )2878‬‬
‫احدا من القالئل الذين أشاروا إىل ضرورة التمييز بني الدولة وحكومتها‪ ،‬فانتقد‬
‫كان بودان و ً‬
‫أرسطو ألنه مل مييز بوضوح بني الدول واحلكومة‪ .‬على عبد املعطى حممد‪ ،‬حممد على حممد (‪)2874‬‬
‫ص‪ .298‬واستطاع التمييز بني ثالثة أشكال خمتلفة من احلكومات وف ًقا لعدد األشخاص احلاكمني‬
‫للدولة‪ ,‬وهذه األشكال هي "امللكية" حيث ميتلك فرد واحد السيادة وال يكون لبقية الشعب "إال أن‬
‫يرى"‪ ,‬و"األرستقراطية" حيث ميتلك قسم ضئيل من الشعب (كجسم) السيادة‪ ،‬و"الدميقراطية" حيث‬
‫ميتلك الشعب كله أو أغلبه (كجسم) القوة السيدة‪ .‬جان جاك توفاليية‪ ،‬حممد عرب (‪)2892‬‬
‫ص‪197‬‬
‫ال يشرتط بودان أن يتفق شكل احلكومة مع شكل الدولة؛ فشكل الدولة ُحيدد طب ًقا لعناصر‬
‫السيادة املوجودة فيها‪ ،‬ويتشكل إىل ثالثة أنواع‪ ,‬هي املوانركية واألرستقراطية والدميقراطية‪ ،‬ويكون لكل‬
‫شكل من هذه األشكال الثالثة حكومة من شكل خمتلف‪ ،‬فقد تكون للدولة الدميقراطية مثالً حكومة‬
‫موانركية تتمثل يف امللك أو امللكة‪ ،‬وقد تكون السيادة يف احلكومة اجلمهورية يف يد شخص واحد هو‬
‫رئيس الدولة‪ .‬ومل حيدد بودان تفضيله ألي شكل ابلنسبة للدولة‪ ,‬يف حني فضل النظام املوانركي‬
‫للحكومة‪ ,‬حيث ال ميكن أن تكون السيادة ُمنقسمة أو ُجمزأة‪ ،‬وتكون العالمة املميزة الستمرارية سلطة‬
‫الدولة‪ .‬علي عبد املعطي حممد وحممد علي حممد (‪ )2874‬ص‪298‬‬
‫يقوم املرتكز البوداين على فكرة التوافق بني العامة والنبالء‪ ،‬واألغنياء والفقراء‪ ،‬ويعد ذلك سبب‬
‫اختيار بودان للحكم امللكي بوصفه األفضل‪ ،‬ومن الضروري الوقوف على بعض املميزات اخلاصة بكل‬
‫فئة رغم أمهية توفري العدالة؛ فالنبالء هلم خصائصهم ىف جمال احلرب والقانون‪ ،‬والعامة هلم القدرة على‬
‫إشغال الوظائف العامة‪ .‬أما على صعيد الغين والفقري‪ ,‬فإن األغنياء يبحثون عن اجملد‪ ،‬فيما يسعى‬

‫‪- 111 -‬‬


‫العدد التاسع والثالثون ج‪4‬‬ ‫جملة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬

‫الفقراء من أجل الربح‪ ،‬وهكذا فإن ثنائية العدالة والتوافق تشكل املعيار الرئيسي لدى بودان ىف متييزه‬
‫للحكم األفضل‪ .‬جني بويدن (‪ Jean bodin )2822‬ص ‪79‬‬
‫كي تكون هناك سيادة لدى بودان‪ ,‬جيب أن يتحقق وجود احلاكم والرعية‪ ،‬ويُقصد ابلرعية هنا‬
‫املواطنون اخلاضعون حلاكم مشرتك‪ ,‬حيث يكون هذا اخلضوع هو السبب يف كوهنم مواطنني‪ .‬ويعد‬
‫احدا ليس له حق املشاركة يف احلكومة وال تكون له أدىن سلطة‪ ،‬فكل ما‬ ‫فردا و ً‬
‫املواطن لدى بودان ً‬
‫عليه هو الطاعة واخلضوع ألوامر احلاكم‪ .‬ورغم أن بودان وضع األسرة كمجموع يف االعتبار‪ ،‬مل يضع‬
‫موضحا للمواطن ينص على ما يلي‪" :‬هو اإلنسان احلر‬
‫ً‬ ‫املواطن الفرد يف عداد العبيد‪ ،‬وهلذا قدم تعري ًفا‬
‫الذي خيضع للسيادة وقوهتا‪ ،‬تلك اليت تنبع من شخص آخر غريه"‪ .‬علي عبد املعطي حممد وحممد‬
‫علي حممد (‪ )2874‬ص‪299‬‬
‫تبىن بودان موق ًفا سلبيًا جتاه أي تقسيم للسلطة‪ ،‬مبا يف ذلك اجلمهورية الشعبية‪ ,‬حيث يكون‬
‫سيدا"‬
‫الشعب هو املصدر األصلي للسيادة "فال وجود البتة جلمهورية شعبية حيث يكون الشعب ً‬
‫جني بويدن (‪ Jean bodin )2822‬ص ‪7‬‬
‫عرف بودان اجلمهورية من خالل املفهوم الذي يهبها الوجود‪ ,‬وابلتايل فإن السيادة ال تشكل‬
‫السلطة اليت ميارسها السيد‪ ,‬يف حني تشكل القوة اليت متارسها الدولة‪ ،‬وال وجود لسيادة يكون الشعب‬
‫طرفها األصلي واجلوهري‪ .‬وقد يكون من املشروع اإلقرار بوجود شعب سيد دون اإلقرار بوجود سيادة‬
‫جدا‪ ،‬حيث تكون‬ ‫شعبية‪ ،‬حيث ذهب بودان إىل إقصاء الشعب من حقل السيادة‪ ,‬وهو أمر حمري ً‬
‫العلية يف اجلمهورية للشعب رغم تنايف ذلك فعليًا مع اجلمهورية‪ ,‬وميكن تفسري ذلك يف ضوء عدم‬
‫وخاضعا يف الوقت نفسه‪ ،‬وعندئذ ال وجود لإلكراه‪ .‬لذلك جيب‬ ‫ً‬ ‫سيدا‬
‫إمكانية أن يكون الشعب ً‬
‫احرتام الفصل التكويين جلوهر السيادة‪ ،‬ألن اجلمهورية "جيدة التنظيم" تنقسم إىل حاكم وحمكومني‬
‫"الواحد السيد والكثرة املطيعة"‪ .‬ويف ظل هذا التقسيم‪ ,‬ال ميكن أن حندد كل العناصر لتؤدي الدور‬
‫نفسه‪ ،‬وهذا األمر ليس غريبًا عن النظام والقانون الطبيعيني‪ .‬جني بودان (‪Jean bodin )2822‬‬
‫ص‪4‬‬
‫إن القول ابلشعب السيد ميحي ماهية السيادة‪ ،‬ألن السيادة واحدة وبسيطة وغري قابلة للقسمة‬
‫أو التقاسم مع أي طرف كان‪ ،‬وتعد هذه النتيجة مبثابة النواة األساسية ملؤلف بودان "الكتب الستة يف‬
‫اجلمهورية"‪ .‬وأتيت الثورة يف رأي بودان من خالل حدوث خلل يف شكل احلكومة أو نظام احلكم‪،‬‬
‫كما تعد خطوة لالنتقال إىل األفضل‪ ,‬حيث أوضح بودان أن الدولة كالفرد تُولد وتنمو وتزدهر مث‬

‫‪- 111 -‬‬


‫العدد التاسع والثالثون ج‪4‬‬ ‫جملة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬

‫تضمحل وتتدهور ومتوت‪ ،‬وال ميكن أن تقوم الثورة يف اجملتمع إال إذا تغري شكل احلكومة‪ ،‬وتغريت‬
‫السيادة يف اجملتمع‪ .‬وال ميكن اعتبار التغريات الكلية احلادثة يف القوانني والدين والتجمعات األخرى‬
‫وتركيباهتا ثورة‪ ،‬حيث حتدث الثورة احلقيقية عندما تتغري القوة العظمى من موانركية إىل أرستقراطية رغم‬
‫بقاء القوانني والدين وسائر املنظمات األخرى كما هي‪ .‬وكانت نظرة بودان إىل الثورة علمية‪ ،‬إذ قرر‬
‫أن مثة عوامل طيوغرافية وجغرافية تسهم يف أحداث الثورات‪ ،‬وهذا ما جعل كثريين يعتربون بودان‬
‫حديثًا بصورة أكرب من كثري من املفكرين احملدثني‪ .‬علي عبد املعطي حممد وحممد علي حممد (‪)2874‬‬
‫ص‪297‬‬
‫ب‪ -‬خصائص السيادة عند جون بودان‪:‬‬
‫حدد بودان ثالث خصائص مميزة للسيادة‪ ,‬هي‪:‬‬
‫‪ -2‬دائمة بدوام حياة الذي ميلكها‪ ،‬وميلكها ابمسه اخلاص‪ ،‬وليس فقط بواسطة جلنة أو‬
‫مؤسسة أو توكيل من أي جهة كانت‪ .‬جان جاك شوفالية وحممد عرب (‪ )2892‬ص ‪ .198‬ومل‬
‫يكن لدى بودان أي تصور للعقد االجتماعي الذي يتوىل احلاكم مبقتضاه السلطة مثلما فعل كل من‬
‫هوبز ولوك ورسو فيما بعد‪ ،‬أو من سبق بودان اترخييًا‪ ,‬مثل مارسيل دي ابدو ( ‪Marsile De‬‬
‫‪.)2949-2172 – Padoue‬‬
‫‪ -1‬غري حمددة زمنياا ول ميكن التنازل عنها‪ ،‬ولكن يستطيع صاحب السيادة أن يبيح هليئة أو‬
‫عدة هيئات أن متارس السيادة نيابة عنه لفرتة معينة‪ ,‬مثل دولة فرنسا حني منح امللك الربملان الفرنسي‬
‫حق استعمال السيادة لفرتة معينة‪ ،‬بشرط أن يسرتد هذا احلق من الربملان يف أي وقت‪ ،‬مما يعين أن‬
‫تكون سلطة الربملان استشارية حبتة وغري ملزمة‪ .‬حممود إمساعيل (‪ )2888‬ص ‪82-84‬‬
‫رغم الفسحة املتاحة أمام االستشارة اليت ميكن أن يقوم هبا جملس من املستشارين‪ ،‬فإهنا قد‬
‫تصطدم جبدار السلطة اليت متيز سيادة السيد‪ ،‬وبذلك فهي تبقى رهنًا إبرادة السيد حني يرضى هبا أو‬
‫يرفضها‪ ،‬ومرتبطة ابلقدر الذي تتجلى به سلطة املستشارين عرب اجملالس واهليئات يف اإلقليم‪ ،‬إال أهنا‬
‫تتمثل ابلدور التنظيمي ابعتبارها الوسيلة اليت يتم من خالهلا ربط األطراف ابملركز‪ ،‬ويف حالة حماولة‬
‫تلك األطراف التوجه حنو توطيد أوامر نفوذها‪ ,‬حيدث جتاوز مباشر على مالمح السيادة غري القابلة‬
‫ابملساس‪ .‬إمساعيل نوري الربيعي (‪ )1024‬ص ‪21‬‬

‫‪- 111 -‬‬


‫العدد التاسع والثالثون ج‪4‬‬ ‫جملة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬

‫يتشابه دور اجملالس عند بودان بدور جملس الشيوخ الذي يُقصد به "مجعية مستشارين يستشريهم‬
‫مالك السيادة‪ ،‬دون أن يكون هلم أي سلطة لتنفيذ آرائهم‪ ،‬أو األمر مبا يشريون به أو أي شيء من‬
‫سيدا‬
‫هذا القبيل‪ ،‬وإال فإهنم سيصبحون سادة‪ ،‬وليسوا جمرد مستشارين‪ ،‬وسيصبح جملس الشيوخ ً‬
‫خالقًا للغاية اليت ُوجد من أجلها"‪ .‬وينطبق األمر نفسه على جمالس الطبقات العامة يف املقاطعات‬
‫واهليئات والتجمعات اليت تعترب حلقات وصل بني السيد والرعية‪ ،‬واليت ميكن تشبيهها ابلعقد القوية‬
‫اليت تشد وتدعم السلسلة االجتماعية‪ .‬وبقدر ما تكون مؤسسات اجملالس واجلمعيات اجلزئية مفيدة يف‬
‫أماكنها‪ ،‬بقدر ما تصبح ضارة إذا مسحت لنفسها ابلتطاول ولو قليالً على السلطة السيدة‪ ,‬حيث‬
‫جدا‪ .‬جان جاك توفاليه وحممد عرب (‪ )2892‬ص‬ ‫يؤدي ذلك إىل إفراغ السيادة السامية واملقدسة ً‬
‫‪198‬‬
‫‪ -1‬مطلقة‪ :‬مبعىن أنه ال توجد قوة تقف أمام احلاكم؛ فهو الذي يضع القانون وال جيوز معاقبته‬
‫به‪ ،‬ألنه من يقوم بسنه‪ ،‬ويعد معاىف منه‪ .‬وقد اعرتف بودان بقانون واحد يكون فوق احلاكم‪ ,‬هو "ما‬
‫أيضا قوانني السابقني عليه‪ .‬جان جاك توفاليه وحممد‬
‫أيمر به هللا والطبيعة"‪ ,‬وال يُطبق على احلاكم ً‬
‫عرب (‪ )2892‬ص ‪198‬‬
‫إن إدراك بودان للسيادة يقوم على أهنا اإلرادة األعلى اليت ميكن أن توجد يف اجملتمع‪ ،‬واليت‬
‫تتحدد وظيفتها األوىل والرئيسية يف تطبيق القوانني على املواطنني واألفراد دون احلكام الذين يعدون‬
‫منبع القانون‪ .‬وملا كان نظام احلكم األمثل يتمثل يف املوانركية‪ ،‬أي حكومة الفرد الواحد‪ ،‬اثرت عدة‬
‫مقيدا بقوانني‬
‫تساؤالت حول مدى تقيد امللك ابلقانون‪ ,‬فأوضح بودان أن امللك ال ميكن أن يكون ً‬
‫وضعها بنفسه‪ ،‬ألن سيادة امللك ال ختضع لقانونه‪ ،‬إمنا ختضع للقانون اإلهلي والقانون الطبيعي اللذين‬
‫حيكمان كل السيادات مبا فيها سيادة امللوك‪ ،‬فامللك إذن يشرح القانون األرضي وال خيضع له‪ ،‬ولكنه‬
‫ال يشرح القانون اإلهلي وال القانون الطبيعي‪ ،‬فيخضع هلما"‪ .‬علي عبد املعطي حممد وحممد علي‬
‫حممد (‪ )2874‬ص‪292‬‬
‫رسم بودان صورة شديدة املباشرة للقانون‪ ،‬من خالل تركيزه بيد السيد املطلق‪ ،‬حيث تتمثل‬
‫أمرا يدل على قوة السيد‪ ،‬يف حني يصف احلق ابعتباره عدالة ميكن‬ ‫مالمح السيطرة والتوجيه بوصفه ً‬
‫أن يتم تفسريها وفق رغبات هذه اجملموعة أو تلك‪ .‬وبذلك تظهر السيادة يف صورة القانون العام الذي‬
‫يشمل جممل العالقات الرئيسية اليت توجه مسار العالقات يف الدولة‪ ،‬من خالل قرارات احلرب‬
‫والسالم‪ ،‬وتعيني الضباط والقادة وكبار املوظفني يف أجهزة الدولة‪ ,‬واإلشراف العام على سن القوانني‪.‬‬

‫‪- 111 -‬‬


‫العدد التاسع والثالثون ج‪4‬‬ ‫جملة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬

‫هيونسن جونر واوتو ستيجر (‪ Heinsohn Gunnar & otto steiger )2888‬ص‬
‫‪449-419‬‬
‫ميز بودان بني القدرة املطلقة والسيادة‪ ،‬فلم يذكر القدرة املطلقة ضمن خصائص السيادة‪ .‬ويف‬
‫جمال توضيح أقواله‪ ,‬قدم مثاالً عن الديكتاتورية ابعتبارها القدرة املطلقة‪ ،‬إال أن الديكتاتوري قدميًا مل‬
‫يكن مال ًكا للسيادة‪ ،‬إذ مل يكن يف يده إال سلطة إعالن احلرب أو قمع العصيان أو إصالح الدولة‪,‬‬
‫وكانت السيادة يف يد الشعب‪ ،‬ميكن للملك أن حيوزها لكن دون القدرة‪ ،‬وهو ما ميكن تشبيهه‬
‫سيدا‪ .‬جورج‬‫ابلنظام امللكي الربملاين‪ ،‬حيث إن امللك ميلك وال حيكم‪ ،‬ومع ذلك يبقى يف نظر الناس ً‬
‫ليسيكيه ومارسيل زبليو (‪ )2898‬ص ‪198‬‬
‫تُستمد النظرة الكلية الشاملة إىل مفهوم السيادة من خالل األصول الرومانية‪ ،‬وفق ما قدمه‬
‫القانون الروماين من رؤية للسيادة ملواجهة املؤسسة الكنسية والسادة اإلقطاعيني‪ ،‬ورغم أمهية القانون‬
‫الروماين‪ ،‬يبقى التعامل معه مبنتهى احلذر يف حالة متسك بعض األطراف ابحلد من صالحيات األمري‪.‬‬
‫وحول كيفية الوعي مبثل هذه العالقة املتناقضة اليت صاغها بودان‪ ,‬رفض بودان أي مساس ابمللكية ومل‬
‫يقتنع بنظرية احلق اإلهلي‪ ،‬وعمل على نبذ حصول األمري على السيادة عن طريق حق الشعب يف‬
‫االنتخاب‪ .‬جيوالن اتش فرانكلني (‪ Julian H.franklin )1008‬ص‪91‬‬
‫ترتبط السيادة إبرادة السيد الواحد‪ ،‬وتصدر عن املدى الذي يربز مدى قدرته على ممارسة القوة‬
‫الكامنة فيه‪ ،‬يف مقابل إرادة اجلماعة اليت تقوم على التوافق؛ فالسيادة متثيل إلرداة السيد الذي ميثل‬
‫القانون السائد على حساب العرف الذي مييز العالقة بني اجلماعة ابلطريقة العفوية‪ ،‬ومن هذا فإهنا‬
‫تقوم على‪:‬‬
‫‪ .2‬السلطة الصافية غري النابعة‪.‬‬
‫‪ .1‬اخلصوصية الكاملة‪.‬‬
‫‪ .9‬عدم اخلضوع ألي طرف‪.‬‬
‫‪ .4‬القدرة على السيطرة واهليمنة السياسية الكاملة‪.‬‬
‫‪ .2‬احلصانة إزاء املعرتضني‪ ،‬من أي طرف‪.‬‬

‫‪- 111 -‬‬


‫العدد التاسع والثالثون ج‪4‬‬ ‫جملة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬

‫‪ .8‬احلصول على سلطة القرار األخري‪ ،‬هبدف البحث عن االنسجام الداخلي للدولة‪ .‬إمساعيل‬
‫نوري الربيعي (‪ )1024‬ص‪29‬‬

‫ج‪ :‬حدود السيادة عند جان بودان‪:‬‬


‫‪ -1‬امللكية اخلاصة (‪:(Private property‬‬
‫جعل بودان قانون الطبيعة فوق سيادة احلاكم‪ ،‬وجعل امللكية اخلاصة من قواعد القانون‬
‫الطبيعي‪ ،‬فنادى بعدم املساس هبا‪ ،‬وانطلق تفسريه هلذا التقيد من اعتبار امللكية اخلاصة قاعدة أساسية‬
‫من قواعد القانون الطبيعي وقاعدة رئيسية لتكوين الدولة‪ ،‬إذ أن األصل يف الدولة أن تتكون من‬
‫اجتماع عدة عائالت‪ ،‬وأن ختضع هذه العائالت لسلطة عليا تتميز أبهنا صاحبة ملكية خاصة‪ ,‬فإذا‬
‫قام احلاكم بنزع امللكية اخلاصة‪ ,‬يُهدم النظام العائلي من أساسه‪ ،‬كما ُهتدم للدولة"‪ .‬حممود إمساعيل‬
‫(‪ )2888‬ص ‪88‬‬
‫وقف بودان عند احلق األول الذي يركز على األسرة بوصفها التكوين الذي ميثل منتهى‬
‫ونظرا لقيام الدولة على جتمعات األسر اليت تكون هذا اجلسم السياسي‬ ‫اخلصوصية حيث التملك‪ً ،‬‬
‫املنظم‪ ،‬فإن الوقوف على إبراز امللكية اخلاصة وجمال املشاركة وفصله يعد من األسس اليت تقوم عليها‬
‫الدولة‪ .‬وهكذا فإن العالقة األساسية تقوم على أن السيادة من حق احلاكم‪ ،‬فيما تكون امللكية من‬
‫حق املواطنني‪ ,‬ويكون العدل هو األساس الذي مييز السيد دون االعتداء على حق اجلمهور‪ .‬ومن هنا‬
‫عمد بودان إىل متييز أنظمة احلكم وف ًقا لطريقة استخدام القوة‪ ،‬فأصبح احلكم امللكي مرتبطًا ابخلضوع‬
‫املطلق لسلطة القانون‪.‬‬
‫تكون السيادة شاملة للسلطة واألموال يف النظام اإلقطاعي‪ ,‬يف حني يُنظر إىل القانون يف حكم‬
‫عبيدا له حق التصرف هبم كما يشاء‪ .‬وبذلك تقوم اخلالصة‬ ‫الطاغية نظرة اثنوية‪ ,‬حيث يعترب اجلمهور ً‬
‫البودانية على أمهية احلكم الرشيد‪ ،‬حيث يتوجه السيد حنو توافق القانون مع القاعدة الروحية والطبيعة‪،‬‬
‫وتكون شرعيته مرهونة مبدى توافقه وانسجامه مع روح القوانني اليت ختدم مصلحة الدولة‪ .‬إمساعيل‬
‫نوري الربيعي (‪ )1024‬ص ‪24‬‬
‫‪ -1‬القانون الطبيعي (‪:)Natural law‬‬
‫ركز بودان يف املقام األول على أن "صاحب السيادة يتقيد ابلقانون الطبيعي وقواعده‪ ،‬وعليه أن‬
‫يتقيد ابملعاهدات واالتفاقيات اليت يعقدها"‪ .‬حممود إمساعيل (‪ )2888‬ص‪ .82‬ورغم تعريفه للقانون‬

‫‪- 111 -‬‬


‫العدد التاسع والثالثون ج‪4‬‬ ‫جملة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬

‫أبدا قدرة احلاكم على إنشاء احلق مبجرد مشيئته‪،‬‬‫أبنه عمل صادر عن إرادة احلاكم‪ ،‬مل يفرتض ً‬
‫وابلنسبة إليه وإىل مجيع معاصريه "يقف قانون الطبيعة على رأس قانون البشر ويضع للحق مناذج معينة‬
‫ال ميكن تغيريها"‪ .‬ويف مراعاة هذا القانون‪ ,‬تتميز الدولة احلقيقية عن جمرد العنف احلقيقي‪ ،‬ولكن‬
‫يفرض بودان بعض القيود على قانون الطبيعة‪ ،‬تتمثل يف عدم خمالفة االتفاقيات واحرتام امللكية‬
‫اخلاصة؛ فقد حتتوى االتفاقيات اليت يكون احلاكم طرفًا فيها على التزامات سياسية جتاه رعاايه أو‬
‫احلكام الآخرين‪.‬‬
‫‪-1‬القوانني الدستورية (‪:)The constitution laws‬‬
‫جعل بودان القوانني الدستورية من ضمن حدود سيادة احلاكم‪ ،‬فرفض "إخالل احلاكم ابلقوانني‬
‫الدستورية اليت متس التاج‪ ,‬مثل قانون التوارث وقانون عدم إمكانية التنازل عن األمالك العامة"‪ ،‬ألنه‬
‫كان مؤمنًا ابلدستور وموقنًا أبثر تغيري قوانني وراثة العرش يف إحداث القالقل واالضطراابت وحدوث‬
‫االنقسامات داخل الدولة‪ .‬حممود إمساعيل (‪ )2888‬ص‪82‬‬

‫بعد هذا العرض لنظرية السيادة عند جان بودان‪ ,‬نستخلص عدة نتائج منها‪:‬‬
‫‪ -2‬إن نظرية بودان يف السيادة تشمل بعض التناقضات‪ ,‬خاصة فيما يتعلق ابحلدود اليت وضعها‬
‫لنظريته؛ ففي الوقت الذي أكد فيه بودان أن السلطة العليا ال حد هلا يف الدولة‪ ،‬ذكر عدة‬
‫عوامل حمددة هلا‪ ،‬مثل القانون الطبيعي وامللكية اخلاصة والقوانني الدستورية‪ ،‬وذهب إىل أهنا‬
‫استثناءات‪ ،‬لكنها يف الواقع هتدم تعريفه للسيادة أبهنا السلطة العليا اليت ال حد هلا‪ ,‬ألن هذه‬
‫احلدود تعد سلطة أعلى من سلطة الدولة‪ ،‬كما أنه مل حيدد من يفرض هذه االستثناءات‬
‫وينفذها‪ ،‬واعرتف حبق الثورة يف حالة التعدي على أي من احلدود الثالثة اليت ذكرها‪ ،‬مما يؤدي‬
‫إىل عدم االستقرار‪.‬‬
‫‪ -1‬هناك تباين آخر يف نظرية بودان عن السيادة ينبع من إخالصه للقانون الدستوري الفرنسي‪،‬‬
‫حيث إن ميوله كقانوين وكاتب أخالقي متيل حنو احلكم الدستوري واحرتام أعراف اململكة‬
‫وطرقها القدمية‪ ،‬ومتشيًا مع الرأي القانوين الشائع يف زمانه‪ ،‬أقر ببعض احلدود القانونية اليت ال‬
‫حيق للحاكم املساس هبا‪ ,‬مثل مسألة الوراثة أو التنازل عن أي جزء من املمتلكات العامة‪ .‬ورغم‬
‫إميانه ابلسيادة الكاملة مللك فرنسا‪ ،‬أقر بوجود فئة خاصة من القوانني املرتبطة مبمارسة السيادة‬
‫نفسها مل يكن مبقدور احلاكم تغيريها‪ ،‬ويتضح هذا التباين يف اعتبار احلاكم مصدر القانون‬

‫‪- 111 -‬‬


‫العدد التاسع والثالثون ج‪4‬‬ ‫جملة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬

‫واخلاضع يف الوقت نفسه إىل القوانني الدستورية اليت ال يضعها وال حيق له تغيريها‪ ،‬حيث كان‬
‫يصا على حتقيق األمن واالستقرار يف الدولة‪.‬‬
‫بودان حر ً‬
‫‪ -9‬اختلف بودان عن غريه من املفكرين الذين اعتربوا احلقوق النوعية املعرتف هبا للحاكم سلسلة‬
‫ُ‬
‫من االمتيازات املستحقة‪ ,‬حيث نظر إليها يف نظريته للسيادة كسلطة جمردة وغري متميزة لإلكراه‬
‫ُ‬
‫تعبريا عن هذه السلطة‪ ،‬إذ‬
‫الشرعي‪ ,‬واعترب أن عالماهتا املختلفة أو خصائصها ليست سوى ً‬
‫تعد السيادة اجلوهر اخلاص الذي يعطي للجمهورية نوعها على حد تعبريه‪.‬‬
‫‪ -4‬كان بودان أكثر واقعية يف مناقشته ألصل الدولة‪ ،‬فلم يتحدث عن فكرة امليثاق أو العقد‬
‫االجتماعي كما ذهب "هوبز ولوك روسو"‪ ,‬حيث إن اجلماعات القروية قد تنشأ على شيء‬
‫مثل هذا االتفاق‪ ،‬يف حني تنشأ الدولة نتيجة غلبة جمموعة ما‪.‬‬
‫‪ -2‬مل ينبع إقرار القوانني عند بودان من إرادة الشعب أو سيادته‪ ,‬بل من القوة النظامية للحكومة‪,‬‬
‫أمرا طبيعيًا لتعبريها عن استمرار سلطة األب يف األسرة األبوية‪،‬‬
‫كما كانت امللكية املطلقة ً‬
‫وأوضح أنه لن تكون هناك سيادة ألي دولة إذا خضعت لغري قوانني الطبيعة‪.‬‬
‫‪ -8‬رأى بودان أن السيادة املطلقة تعد املخرج الوحيد من احلروب الدينية ومتزيق فرنسا‪ ،‬وأوضح أن‬
‫مهمة الدولة يف احلفاظ على النظام ال تتحقق سوى عن طريق سيادة مطلقة غري قابلة للتحويل‬
‫أو التخلي عنها‪ ,‬وبناء على ذلك اعترب امللكية الوراثية غري املقيدة خري أشكال احلكومات‪.‬‬

‫‪- 111 -‬‬


‫العدد التاسع والثالثون ج‪4‬‬ ‫جملة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬

‫مراجع الدراسة‪:‬‬
‫أولا‪ :‬املراجع العربية‬
‫إمساعيل‪ ,‬حممود (‪ ،)2888‬علم السياسة ىف الدولة والفكر السياسي‪ ،‬ط(‪ ،)2‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫التومي‪ ,‬خالد (‪ ،)1010‬السيادة الوطنية وحتوالت العالقات الدولية الراهنة‪ ،‬جملة املعهد املصري‪ ,‬ع‬
‫(‪.)27‬‬
‫حناشي‪ ,‬أمرية (‪ ،)1009‬مبدأ السيادة يف ظل التحوالت الدولية الراهنة‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬كلية‬
‫احلقوق‪ ,‬جامعة قسنطينة‪.‬‬
‫ذهبية‪ ,‬جالب وزهرة‪ ,‬دين (‪ ,)1027‬مفهوم السيادة عند توماس هوبز وأثرها يف الفكر املعاصر‪،‬‬
‫رسالة ماجستري‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية واجلوائز‪ ,‬جامعة اجلياليل بونعامة‪.‬‬
‫الربيعي‪ ,‬إمساعيل نوري (‪ ،)1024‬يف أصول السلطة والسيادة‪ ،‬دفاتر السياسة والقانون‪ ،‬ع (‪،)20‬‬
‫البحرين‪ ,‬ص‪.21‬‬
‫روسو‪ ,‬جان جاك (‪ ،)2781‬يف العقد االجتماعي أو مبادئ القانون السياسي‪ ،‬ط(‪ ,)2‬ترمجة عبد‬
‫العزيز لبيب‪ ,‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ,‬بريوت (‪.)1022‬‬
‫زهران‪ ,‬حنان عماد (‪ ,)1028‬تشريح مفهوم السيادة‪ ,‬املركز الدميقراطي العريب‬
‫‪https://democraticac.de/?p=59802‬‬
‫ساحل‪ ,‬خملوف (‪ ،)1009‬اشكالية مفهوم السيادة يف مرحلة ما بعد احلرب الباردة يف العامل‬
‫ال‪Y‬سرتاتيجي‪ ،‬ع (‪ ,)8‬مركز الشعب للدراسات‪ ،‬اجلزائر‪ ,‬ص ص ‪.11-12‬‬
‫شوفالييه‪ ,‬جان جاك وعرب‪ ,‬حممد‪ ,)2892( ،‬اتريخ الفكر السياسي‪ ،‬املؤسسة اجلامعية للدراسات‬
‫والنشر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫صحاح اللغة ولسان العرب‪.‬‬
‫صليبا‪ ,‬مجيل (‪ ,)2891‬املعجم الفلسفي ج‪ ،2‬دار الكتاب اللبناين‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫العايد‪ ,‬حسن عبد هللا (‪ ،)1009‬انعكاسات العوملة على السيادة الوطنية‪ ،‬دار كنوز املعرفة‪ ،‬عمان‪.‬‬

‫‪- 114 -‬‬


‫العدد التاسع والثالثون ج‪4‬‬ ‫جملة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬

‫عبد القادر‪ ,‬بوراس (‪ ،)1008‬التدخل الدويل اإلنساين وتراجع مبدأ السيادة الوطنية‪ ,‬دار اجلامعة‬
‫اجلديدة‪ ،‬اإلسكندرية‪.‬‬
‫العشري‪ ,‬عبد اهلادي (‪ ،)1002‬التدخل الدويل من أجل الدميوقراطية‪ ،‬كلية احلقوق‪ ،‬املنوفية‪.‬‬
‫العطار‪ ,‬فؤاد (‪ ،)2874‬النظم السياسية والقانون الدستوري‪ ,‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫العلوي‪ ,‬ايسر وآخرون (‪ ,)1024‬معجم املصطلحات السياسية‪ ،‬معهد البحرين للتنمية السياسية‪.‬‬
‫غافل‪ ,‬عدي حمسن (‪ ,)1022‬صلح وستفاليا ‪ Westphalia‬وأثره يف إهناء الصراع الديين يف أوراب‬
‫عام ‪2849‬م‪ ,‬جملة أهل البيت عليهم السالم‪ ,‬ع (‪.)29‬‬
‫غايل‪ ,‬بطرس وآخرون (‪ ،)2891‬مدخل إىل علم السياسة‪ ،‬مكتبة األجنلو املصرية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫غرداين‪ ,‬خدجية (‪ ،)1022‬إشكالية السيادة والتدخل اإلنساين حالة الدول العربية‪ ,‬رسالة ماجستري‪,‬‬
‫قسم القانون العام‪ ,‬كلية احلقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة تلمسان‪ ،‬اجلزائر‪.‬‬
‫فهمي‪ ,‬مصطفى أبو زيد (‪ ،)2894‬مبادئ األنظامة السياسية‪ ,‬ط(‪ ،)2‬منشأة املعارف‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪.‬‬
‫ليسيكيه‪ ,‬جورج وزبليو‪ ,‬مارسيل (‪ ،)2898‬اتريخ األفكار السياسية‪ ،‬األهلية للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫بريوت‪.‬‬
‫حممد‪ ,‬علي عبد املعطي‪ ،‬وحممد‪ ,‬حممد علي (‪ ،)2874‬السياسة بني النظرية والتطبيق‪ ,‬دار‬
‫اجلامعات املصرية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫حممد‪ ,‬حممد نصر (‪ ،)1021‬الوسيط يف القانون الدويل العام‪ ،‬ط(‪ ،)2‬مكتبة امللك فهو الوطنية‪،‬‬
‫الرايض‪.‬‬
‫حممد نصر (‪ ،)1008‬علوم السياسة األصول والنظرايت‪ ,‬مؤسسة شباب اجلامعة‪،‬‬ ‫مهنا‪,‬‬
‫اإلسكندرية‪.‬‬
‫انفعة‪ ,‬حسن (‪ ،)1001‬مبادئ علم السياسة‪ ,‬الشروق الدولية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫الورداين‪ ,‬أمين أمحد (‪ ،)1009‬حق الشعب يف اسرتداد السيادة‪ ,‬مكتبة مدبويل‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫وهبة‪ ,‬مراد (‪ ,)1007‬املعجم الفلسفي‪ ,‬ط(‪ ،)2‬دار قباء احلديثة‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪- 111 -‬‬


4‫العدد التاسع والثالثون ج‬ ‫جملة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬

‫ املراجع األجنبية‬:‫اثنياا‬

Bodin, Jean (1955), six books of the commonwealth, p1,


translated by m.j tooley, basil black well, oxford .
Dictinnaire la rouse (2010)
Gunnar, Heinsohn and steiger, otto (1999), Birth control;
The political – economic rationale behind jean bodin’s
denomomanie, history of political economy, v. 31 (3), fall
Julian H. franklin; Bodin, jean and ashgate, Aldershot
(2006), international library of essays in the history of social and
political thought, History of Economic Ideas, Fabrizio Serra
Editore, Pisa - Roma, v. 15(3), pp 182-184
S. Goldstein, Joshua (1996), international relations, second
edition, Harper colins college publishers.
Skinner, Quentin (1979), the foundations of modern political
thought, volume Cambridge. University Press London.

- 111 -

You might also like