You are on page 1of 160

1

https://www.facebook.com/groups/rawae3rewayat/?ref=group_header

http://raw2e3.yoo7.com/
2
3
‫هل ميكن للحب أن أيتيك من السماء!‪..‬‬

‫سؤال غريب فالسماء دوما متطر مياه‪..‬‬

‫لكن هل مسعت هبا متطر حبا‪ ,‬أو عروس من قبل!‪..‬‬

‫هذا هو احلال حني يسقط فوق رأسك بال إنذار عروس‪,‬‬

‫فتكون كارثة ال تستطيع اهلرب منها؛ أو حىت إجياد حل هلا‪..‬‬

‫***************‬
‫‪4‬‬
‫واقفا ببذلته الكالسيكية‪ ,‬يستند جبسده املرتاخي إبمهال على اجلدار‪,‬‬

‫واضعا اهلاتف على أذنه يستمع إىل الطرف اآلخر مبلل واضح‪,‬‬

‫شفتاه تتحركان وكأنه يلوك شيء ما‪ ,‬وبينهما لُفافة من التبغ غري املشتعلة‪,‬‬

‫يتالعب هبا‪ ,‬متطلعا حوله حني املكان املكسو ابللون األخضر برتتيب أنيق‪ ,‬يُبهر‬
‫النظر‪,‬‬

‫إال أنه مل يكن كذلك ابلنسبة إليه‪ ,‬فهو يشعر ابحلنق لتواجده هبذا املكان‪..‬‬

‫وحني صمت الطرف األخر وأخريا‪,‬‬

‫‪5‬‬
‫علي فعله اآلن؟‪"..‬‬
‫قال بصوت أجش ملول‪ ":‬حسنا‪ ..‬وما الذي َّ‬
‫فريتفع الصوت ابلطرف املُقابل ابنزعاج‪ ,‬جعله يُبعد اهلاتف عن أذنه متأففا‪,‬‬

‫مث يُعيده مرة أخرى‪ ,‬قائال‪ ":‬هذه سخافة حقا‪"..‬‬

‫ومع البكاء الذي عاد من جديد جعله يود لو قام بشنق نفسه برابطة عنقه‪,‬‬

‫قائال بنزق حانق‪ ":‬توقفي عن البكاء‪ ..‬حبق هللا إنه وغد حقري‪"..‬‬

‫ومن بني شهقات البكاء‪ ,‬هتفت حبقد‪ ":‬أعلم‪ ..‬لذلك أريدك أن تُفسد ذلك‬
‫الزفاف‪"..‬‬

‫‪6‬‬
‫حني مل يصلها رد‪ ,‬عادت تقول بنعومة متوسلة‪ ":‬أرجوك دميي‪ ..‬ألست ابنة عمتك‪,‬‬
‫وعليك مؤازريت؟‪"..‬‬

‫زفر حبنق‪ ,‬يهز رأسه أيسا‪ ,‬وتلك احلمقاء تنوح منذ علمت خبطبة حبيبها‪ ,‬وزفافه‪,‬‬

‫وتريده أن يقوم إبفساده أبي طريقة‪ ,‬وهو حني وخبها‪ ,‬مستنكرا ما تريده‪,‬‬

‫وجد حزاب يتشكل ضده‪ ,‬حيث والدته‪ ,‬وعمته قد اجتمعا عليه‪ ,‬ليجرباه على فعل‬

‫ما تريده املُدللة‪ ,‬وهو وافق بال مباالة؛ كي يتخلص من ذلك اإلزعاج‪,‬‬

‫واآلن هو يقف حيث يُقام الزفاف‪ ,‬يستمع إىل تلك احلمقاء‪ ,‬ترغي وتزيد دون‬
‫انقطاع‪..‬‬
‫‪7‬‬
‫الصداع يغزوه‪,‬‬
‫رفع يده احلُرة يُدلك هبا جانب رأسه الذي بدأ ُ‬
‫فهتف حبنق ساخط احلديث‪ ":‬حسنا‪ ..‬يكفي‪ ..‬ماذا سأفعل كي أفسد ذلك‬
‫الزفاف؟‪ ..‬ماذا تظنينين حبق السماء!‪"..‬‬

‫_تصرف دمييرتي‪ ..‬ال أهتم ابلطريقة‪ ..‬فقط أفسد الزفاف‪ ..‬فجر املكان‪ ..‬حىت‬
‫وإن قمت بقتل العروس‪..‬‬

‫ونربهتا الصارخة ابنفعاهلا‪ ,‬جعلت عيناه تتسعان بذهول‪..‬‬

‫تلك اجملنونة تريده أن يقتل إن تطلب األمر!‪..‬‬

‫تبا‪ ..‬كم يكره أن يكون فردا لعائلة مزعجة كتلك‪ ,‬بل يكره عودته من سفره بذلك‬
‫‪8‬‬
‫التوقيت‪..‬‬

‫فيبدو أنه سيء احلظ بكل أتكيد‪..‬‬

‫أي بالء ينتظره!‪..‬‬

‫وأثناء وقوفه‪ ,‬وحديثه ابهلاتف‪ ,‬شعر بشيء غريب قد حجب ضوء الشمس قليال‪,‬‬

‫كظل خييم فوق رأسه‪,‬‬

‫بتلقائية رفع وجهه لينظر‪ ,‬فعقد حاجبيه بعدم استيعاب‪ ,‬وهو يرى كومة من البياض‬
‫حتلق فوق رأسه‪,‬‬

‫‪9‬‬
‫تندفع اجتاهه بسرعة صاروخية‪ ,‬ليجد نفسه قد سقط أرضا وفوقه جسد ملتف‬
‫ابألبيض‪,‬‬

‫مل يتبني مالحمه‪ ,‬سوى صوت انعم يتأوه إثر االصطدام‪,‬‬

‫وكل ذلك أصابه ابلذهول اللحظي شل حركته‪ ,‬وتفكريه متاما‪..‬‬

‫أما هي حني قفزت من النافذة‪ ,‬مل تكن تُفكر ابملسافة‪,‬‬

‫فبنظرها كانت مقبولة إىل حد ما‪ ,‬وظنها أن األرض العشبية قد متتص بعض من‬
‫االرتطام‪..‬‬

‫فأغمضت عينيها بقوة‪ ,‬وقفزت سريعا متمتمة بدعوات أال تُصاب بكسر ما‪..‬‬
‫‪10‬‬
‫إال أن سقوطها على ذلك اجلسد الصلب‪ ,‬محى جسدها من اإلصابة‪ ,‬جعل حاجبها‬
‫يرتفع دون أن تفتح عينيها‪,‬‬

‫مرددة حبرية‪ ":‬مل يكن األمر سيئا للدرجة‪ ..‬تلك احلمقاء ميال جعلتين أظن أن عنقي‬
‫سيتحطم‪"..‬‬
‫_ليس هناك محقاء ِ‬
‫سواك‪ ..‬اهنضي عين‪..‬‬

‫وصلها صوت خمتنق أبمل أسفلها‪ ,‬جعلها تفتح عيناها‪ ,‬تنظر سريعا إليه‪,‬‬

‫وهو ُُياول إبعادها عنه‪ ,‬وتلك الطبقات من الفستان األبيض تغطيه متاما‪..‬‬

‫‪11‬‬
‫حتركت سريعا‪ ,‬للجانب جتلس جبواره‪ ,‬تنظر إليه وهو يعتدل جبلسته‪,‬‬

‫فتسأله‪ ":‬هل أنت خبري؟‪"..‬‬

‫رمقها بنظرة حانقة‪ ,‬شامتا من بني شفتيه هبمس مل يصلها‪ ,‬فمطت شفتيها للجانب‬
‫تنهض من مكاهنا‪ ,‬تتحرك انظرة جلميع اجلهات حبذر‪,‬‬

‫وعادت ُحتدث نفسها بصوت مسموع‪ ":‬جيد‪ ..‬ال أحد هنا‪ ..‬يبدو أن احلظ‬
‫ِ‬
‫حليفك تينا‪"..‬‬

‫ابتسامة متسعة اببتهاج لونت ثغرها‪ ,‬مع هتافها املنتصر‪ ":‬سقوط موفق دون‬
‫إصاابت‪ ..‬هروب سهل‪ ..‬وتبا لك مارتن‪"..‬‬
‫‪12‬‬
‫يراقبها بدهشة جلية على مالحمه‪ ,‬وهو يستمع إىل حديثها‪ ,‬يبدو أن العروس قد‬
‫هربت من زفافها‪ ,‬وتبدو مريبة‪ ,‬بل جمنونة‪..‬‬

‫انتبه على الصوت املنطلق من هاتفه املُلقى جبواره‪ ,‬فمد يده ُميسك به‪ ,‬يضعه على‬
‫أذنه‪ ,‬يصله تساؤل ابنة عمته‪ ":‬ماذا هناك؟‪ ..‬أين ذهبت دمييرتي؟‪"..‬‬

‫ضحك خبفوت‪ ,‬يرمق تلك اهلاربة بنظرة خاطفة‪,‬‬

‫قبل أن يقول بتسلية‪ ":‬جوزيت‪ ..‬لن حنتاج إىل إفساد الزفاف‪ ..‬فيبدو أنه قد أفسد‬
‫للتو‪ ..‬لقد هربت العروس‪"..‬‬

‫شهقة مذهولة‪ ,‬مع صيحة غري مصدقة‪ ":‬ماذا؟‪"..‬‬


‫‪13‬‬
‫جعلته يهز رأسه إجيااب وكأهنا تراه‪ ,‬مؤكدا حديثه‪ ,‬وهو يتحرك بعرج خفيف متأمل إثر‬
‫سقوط العروس عليه‪ ":‬أجل‪ ..‬لقد هربت‪ ..‬واآلن وداعا‪ ,‬فلتحتفلي ابألمر‪"..‬‬

‫أهنى االتصال سريعا دون مساع بقية احلديث‪ ,‬يتحرك اجتاه سيارته‪ ,‬عازما السفر يف‬
‫احلال؛ فيكفيه ما حدث حىت اآلن‪..‬‬

‫غافال عن تلك اليت استمعت للحديث‪ ,‬مضيقة عينيها برتكيز‪ ,‬مث انطلقت خلفه‪,‬‬

‫هاتفة‪ ":‬أنت‪ ..‬انتظر‪"..‬‬

‫مل يكلف نفسه عناء االلتفاف إليها‪ ,‬انظرا من فوق كتفه‪ ,‬حباجب مرفوع بتساؤل‪,‬‬

‫فأسرعت تسأله بلهفة‪ ":‬هل قُلت أنك أتيت لتُفسد زفايف!‪"..‬‬


‫‪14‬‬
‫رمقها بنظرة غري مبالية‪ ,‬مث عاد يُكمل طريقه‪ ,‬يفتح ابب سيارته دالفا إليها‪,‬‬

‫يُغلقه خلفه‪,‬‬
‫قائال بفظاظة‪ ":‬لقد ا ِ‬
‫خطئت السمع‪"..‬‬

‫إال أهنا حتركت خلفه‪ ,‬تتلملم أطراف فستاهنا بعشوائية‪ ,‬هاتفة‪ ":‬انتظر‪ ..‬انتظر‪"..‬‬

‫أدار حمرك السيارة‪ ,‬دون أن يلتفت إليها أو يواليها اهتمام‪ ,‬إال أنه وقبل أن ينطلق‪,‬‬
‫وجد الباب اآلخر يُفتح‪ ,‬تينا تدلف مستقلة املقعد جبواره‪..‬‬

‫عقد حاجبيه بقوة‪ ,‬ينظر إليها وهي أتمره‪ ":‬هيا انطلق‪ ..‬حترك‪"..‬‬

‫‪15‬‬
‫_ما الذي تفعلينه ابلضبط؟‪..‬‬

‫نربته انطلقت حادة ساخطة وهي جتلس أبرُيية‪ ,‬بل وتضع حزام األمان‪,‬‬

‫جتيبه ببساطة‪ ":‬أريد الرحيل‪ ..‬هيا حترك قبل أن يكتشف أحدهم غيايب‪"..‬‬

‫إال أنه تراجع بظهره‪ ,‬عاقدا ذراعيه أمام صدره‪ ,‬قائال برفض قاطع‪ ":‬هذا لن ُيدث‬
‫أبدا‪ ..‬اخرجي من سياريت يف احلال‪"..‬‬
‫عقدت حاجبيها مضيقة عينيها تنظر إليه ابستنكار‪ ,‬ال يريد مساعدهتا‪ ,‬أمل ِ‬
‫أيت‬
‫إلفساد الزفاف!‪..‬‬
‫وترمجت أفكارها بسؤاهلا‪ ":‬أمل ِ‬
‫أتت إلفساد زفايف؟‪"..‬‬
‫‪16‬‬
‫أنت ِ‬
‫فعلت‪..‬‬ ‫ارتفع حاجبه يهز كتفه بال مباالة‪ ,‬جييبها ببساطة مغيظة‪ ":‬مل أفعل‪ِ ..‬‬
‫ُ‬
‫واآلن اخرجي من سياريت قبل أن أر ِ‬
‫كلك منها‪"..‬‬

‫فغرت شفتيها مع اتساع عينيها من وقاحته وبروده‪ ,‬إال أهنا كتمت غيظها منه‪,‬‬

‫تغلق فاها‪ ,‬تفكر بسخط‪,‬‬

‫عليها الرحيل قبل أن يعرف أحد بغياهبا‪ ,‬فهم لن يرتكوها مبفردها لوقت أطول‪,‬‬

‫فمراسم الزفاف على وشك البدء‪ ,‬وإن مل جيدوها ابلغرفة‪,‬‬

‫ويرون رسالتها؛ سيبحثون عنها‪ ,‬وهي أمام املكان قد يراها أحدهم؛‬

‫‪17‬‬
‫لذلك تراجعت جبلستها تُريح ظهرها‪,‬‬

‫أتمره برتفع ابرد يوازي بروده‪ ":‬بل ستتحرك يف احلال‪ ..‬وإن مل تفعل سأصرخ وأخرب‬
‫اجلميع أنك اختطفتين‪"..‬‬

‫ضحكة قصرية ساخرة ندت منه‪ ,‬يشيح بوجهه بعيدا عنها‪ ,‬قائال بتهكم‪ ":‬وكأنين‬
‫ِ‬
‫ابختطافك!‪"..‬‬ ‫ِ‬
‫نفسك كي أفكر‬ ‫سأهتم‪ ..‬من تظنني‬

‫زمت شفتيها حبقد‪ ,‬تكاد تنفث انرا‪ ,‬إنه يتعمد إهانتها والتقليل من أمرها‪ ,‬ولكنها‬
‫سرتيه‪ ,‬سيساعدها ُرغما عنه‪..‬‬

‫أخذت نفسا عميقا‪ ,‬مث زفرته بقوة‪ ,‬قائلة بتحذير انعم‪ ":‬انطلق عزيزي وإال‪".....‬‬
‫‪18‬‬
‫اتركة ابقي مجلتها ُمعلقة‪ ,‬فرفع حاجبه برتقب‪ ,‬جعل زاوية شفتيها ترتفع اببتسامة‬
‫خبيثة‪,‬‬

‫قائلة بقلة حيلة‪ ":‬لك ذلك‪"..‬‬

‫صرخة قوية منها جعلته ينتفض من جملسه ابرتياع‪ ,‬يتطلع حوله بريبة‪ ,‬مث احنى‬
‫اجتاهها يكتم صوهتا بيده‪,‬‬

‫هادرا حبدة‪ ":‬ما الذي تفعلينه؟‪"..‬‬

‫نظرت إليه بتحدي مهمهمة أسفل كفه املكمم فاها‪ ,‬فجز على أسنانه بغيظ‪,‬‬

‫يود ركلها فعليا‪ ,‬إال أنه إن أفلت يده عن فاها ستصرخ وجتذب األنظار‪,‬‬
‫‪19‬‬
‫ِ‬
‫سأقتلك‪"..‬‬ ‫ِ‬
‫صرخت‬ ‫بصوت قامت مشتعل حذرها‪ ":‬سأبعد يدي‪ ,‬إن‬

‫ابتسمت خببث‪ ,‬هتز رأسها بطاعة ماكرة‪,‬‬

‫ابتعد عنها يعتدل جبلسته‪ ,‬شامتا من بني أنفاسه‪ ,‬بصوت مسموع‪,‬‬

‫جعلها تعاتبه برقة خمادعة‪ ":‬ليس من الالئق أن تقول تلك الكلمات أمام النساء‪"..‬‬

‫كور قبضتيه يكاد ُيطم عظامهما‪ ,‬مث هدر بعنف‪ ":‬اصميت‪ ..‬أي بالء ألقي على‬
‫رأسي!‪"..‬‬

‫بعض الضوضاء‪ ,‬جعلتهما يلتفتان للخلف‪ ,‬ليجدا بعض األشخاص قد خرجوا‬


‫يتلفتون حوهلم‪,‬‬
‫‪20‬‬
‫فحولت أنظارها إليه‪ ,‬هاتفة ابرتياع‪ ":‬هيا‪ ..‬حترك‪ ..‬حترك‪"..‬‬

‫ُمصاحبة حديثها مبد يدها‪ ,‬ملفتاح السيارة‪ ,‬لتدير املُحرك‪,‬‬

‫فاتسعت عيناه جبنون‪ ,‬قابضا على كفها بقسوة‪,‬‬


‫ِ‬
‫سأقتلك وأسلم‬ ‫قائال بنربة شرسة مريبة‪ ":‬إن اقرت ِ‬
‫بت من سياريت أو ما خيصها‪,‬‬
‫ِ‬
‫جثتك إليهم‪"..‬‬

‫فغرت شفتيها قليال بذهول‪ ,‬هتز رأسها موافقة‪ ,‬مع إبعادها ليدها ببطء حذر‪,‬‬

‫وكأهنا تراقب جمنون خطري‪..‬‬

‫‪21‬‬
‫زفر بعنف‪ ,‬مث قام ابالنطالق ابلسيارة بسرعة رهيبة أدت إىل احتكاك إطاراهتا‬
‫املمهد بقوة‪,‬‬
‫ابلطريق ُ‬
‫يسري بال هدى‪ ,‬فقط يُفكر بتلك الكارثة اجلالسة جبواره‪ ,‬تبتسم ابنتشاء ُمغيظ‪,‬‬
‫جيعله يشدد من قبضتيه على املقود يكاد ينزعه من موضعه‪ ,‬يزيد من سرعة سيارته‬
‫وكأنه بسباق‪..‬‬

‫أجفل على صوت هاتفه الذي عال صوته كاسرا الصمت ابلسيارة‪ ,‬فرمق شاشته‬
‫بنظرة خاطفة‪ ,‬ومل يرد‪,‬‬

‫مما دفع فضوهلا لتنظر‪ ,‬فتجد اسم جوزي على الشاشة‪,‬‬

‫‪22‬‬
‫تسأله بفضول‪ ":‬جوزي‪ ..‬جوزيت تلك اليت كنت تتحدث معها ابهلاتف إلفساد‬
‫زفايف!‪"..‬‬

‫مل جيبها‪ ,‬ومل يلتفت إليها‪ ,‬يتجاهلها‪ ,‬وكأهنا غري موجودة‪,‬‬

‫أبقرب مكان سيلقيها من سيارته ويراتح‪,‬‬

‫ومع حرارة الشمس اخلانقة بنهار سبتمرب‪ ,‬مد يده يرخي رابطة عنقه‪,‬‬

‫فاحتا أزرار قميصه األبيض‪,‬‬

‫فسمعها ختاطبه بتذمر‪ِ ":‬ملَ ال تُشعل مكيف السيارة؟‪ ..‬اجلو حار‪"..‬‬

‫‪23‬‬
‫جز على أسنانه جمددا‪ ,‬خياطب نفسه بصرب كي ال يقتلها‪ ":‬اهدأ دمييرتي‪ ..‬بعض‬
‫الوقت وستتخلص منها‪"..‬‬

‫إال أن عيناه قد اتسعتا بذهول‪ ,‬ضاغطا مكابح السيارة‪ ,‬جعل جسديهما يندفع‬
‫لألمام بعنف‪ ,‬هو يراها تقوم بفك سحاب الفستان من اخللف‪,‬‬

‫يتلفت حوله قلقا من أن يراها أحدهم‪,‬‬

‫هاتفا ابرتياع‪ ":‬ما الذي تفعلينه؟‪"..‬‬

‫نظرت إليه ابمتعاض من فعلته‪ ,‬مث هزت كتفها بال مباالة‪ ,‬تواصل عملها‬

‫بنزع الفستان‪ ,‬ترفع جذعها العلوي لتمرره لألسفل‪,‬‬


‫‪24‬‬
‫قائلة ببساطة‪ ":‬أنزع فستاين‪ ..‬اجلو حار ال أطيقه‪"..‬‬

‫لكن مع نزعها له وجدها ترتدي قميص وردي بال أكمام‪ ,‬وبنطال جينز يصل إىل‬
‫ركبتيها‪ ,‬وتلف حول خصرها حقيبة صغرية إىل حد ما‪..‬‬

‫جعل حاجباه يرتفعان متسائال ببالهة‪ ,‬مشريا إىل حقيبتها‪ ":‬ما هذا؟‪"..‬‬

‫التوت زاويتا شفتيها اببتسامة ماكرة‪ُ ,‬مفكرة ذلك األمحق ظنها ستقوم بعمل عرض‬
‫جماين له لريى جسدها‪,‬‬

‫وال يعرف أهنا قامت ابرتداء مالبس بسيطة أسفل الفستان كي تتحرك أبرُيية‪,‬‬

‫‪25‬‬
‫لكنها اجابته بزهو‪ ":‬هذه من مميزات الفساتني املنتفشة‪ ,‬تستطيع إخفاء ما تريد‬
‫أسفلها‪ ,‬ولكن إن كانت لديك املهارة‪"..‬‬

‫زفر حبنق يلتمس الصرب من تلك الكارثة‪ ,‬وعاد يقود السيارة‪ ,‬يزيد من سرعته‪ ,‬حىت‬
‫وصال ملنتصف املدينة‪,‬‬

‫شعر بقليل من االرتياح‪ ,‬يتطلع حوله‪ُ ,‬ياول إجياد مكان‪,‬‬

‫ليقف ابلسيارة‪ ,‬وحني وجده وتوقف‪,‬‬

‫نظرت إليه حبرية‪ ,‬تسأله‪ِ ":‬ملَ توقفت؟‪"..‬‬

‫هبدوء أشار بيده إليها‪ ,‬مع حديثه املُقتضب‪ ":‬هيا‪ ..‬اخرجي من سياريت‪ ..‬وصلنا‪"..‬‬
‫‪26‬‬
‫نظرت حوهلا بتعجب‪ ,‬وعادت تقول‪ ":‬لكين مل أخربك أنين أريد التوقف هنا‪"..‬‬

‫_وأين تريدين الذهاب سيديت!‪..‬‬

‫ونربته متشددة بتشنج من بني أسنانه‪,‬‬

‫_ال أدري‪..‬‬
‫أنت محقاء دوما‪ ,‬أم ِ‬
‫قمت‬ ‫وكلماهتا كانت كفيلة ابشتعاله‪ ,‬يهدر بعصبية‪ ":‬هل ِ‬
‫ابحتكار احلماقة كلها اليوم!‪ ..‬إن ِ‬
‫كنت تنوين اهلرب من ذلك العرس اللعني‪,‬‬

‫أمل خيطر بعقلك الغيب هذا عن مكان ختتبئني به!‪"..‬‬

‫‪27‬‬
‫توبيخه احلاد جعل كتفاها يتهدالن ببوس‪ ,‬تزم شفتيها بطريقة طفولية‪,‬‬

‫مغمغمة خبفوت‪ ":‬مل أفكر ابألمر‪ ..‬كل ما حدث كان مفاجئا‪"..‬‬

‫عض شفته السفلى يكاد يدميها من غيظه‪ ,‬مث تساءل اببتسامة صفراء‪ ":‬وما الذي‬
‫حدث سيديت؟‪"..‬‬

‫زمت شفتيها للجانب ابمتعاض‪ ,‬وقد ظهر الغضب على مالحمها‪,‬‬

‫جتيبه بقتامة مغتاظة‪ ":‬لقد تعرضت ملؤامرة سخيفة‪ ,‬كدت أن أكون الضحية‪..‬‬
‫ولكين جنوت‪"..‬‬

‫ارتفع حاجبه برتقب يتنظر أن تُكمل‪ ,‬فلم تبخل عليه‪,‬‬


‫‪28‬‬
‫وهي تضيف بغل‪ ":‬لقد قامت زوجة أيب خبداعي‪ ..‬تلك احلقرية أومهتين أهنا مريضة‬
‫ابلقلب‪ ,‬وسيسعدها أن تراين عروس البنها الغيب مارتن‪ ..‬وذلك حلبها الشديد يل‪..‬‬
‫إال أنين قد اكتشفت يوم الزفاف مصادفةَ أن كل ذلك ُخدعة‪ ,‬واشرتك هبا أيب أيضا‬
‫إلرضائها‪"..‬‬

‫_ ملاذا؟‪..‬‬

‫سؤاله املقتضب بفضول حاول أن خيفيه‪,‬‬

‫أجابته بنزق‪ ":‬ألهنا متسلطة خبيثة‪ ..‬سخيفة‪ ..‬تريد أن جتعل اجلميع طوع بناهنا‪,‬‬
‫وذلك األمحق مارتن‪ ,‬إن مل يوافقها ستقوم بسحب منصبه‪ ,‬وطرده من الشركة‪"..‬‬

‫‪29‬‬
‫ضيقت عينيها‪ ,‬زامة شفتيها متمتمة بغل‪ ":‬أمتى أن تُصاب أبزمة قلبية حادة بعد‬
‫معرفتها هبرويب‪ ..‬كم أود رؤية وجهها حني تعلم‪ ,‬وترى رساليت‪"..‬‬

‫وتلك االبتسامة الشامتة اليت ارتسمت على شفتيها‪ ,‬سرعان ما اختفت‪,‬‬


‫حني قال دمييرتي بنربة ملولة‪ ":‬قصة سخيفة مكررة‪ ..‬واآلن أر ِ‬
‫يدك أن ترتجلي من‬ ‫ُ‬
‫سياريت‪"..‬‬

‫عبست بوجهه بنعومة ماكرة‪ ,‬وقد رمست البؤس على مالحمها‪,‬‬

‫هامسة بيأس‪ ":‬عليك مساعديت‪ ..‬أان حباجة لذلك‪ ..‬مث إنين ساعدتك إبفساد‬
‫زفايف‪"..‬‬
‫‪30‬‬
‫ارتفع حاجبه ابستهجان‪ ,‬موجها سبابته بوجهها‪ ,‬قائال بنفي‪ ":‬مل أفعل‪ ..‬ما تقولينه‬
‫حمض افرتاء‪"..‬‬

‫مالت برأسها للجانب تنظر إليه بعدم تصديق‪ ,‬قبل أن تعلو شفتيها ابتسامة خبيثة‪,‬‬

‫قائلة بنعومة ماكرة‪ ":‬لقد مسعتك وأنت تتحدث مع تلك املدعوة جوزيت‪"..‬‬

‫مث وضعت سبابتها على شفتيها بتفكري‪ ,‬وبيدها األخرى عبثت مبحتوايت السيارة‪,‬‬
‫تنظر إىل بعض األوراق برتكيز‪ ,‬فتلمح امسه كامال‪,‬‬

‫مهمهمة خببث‪ ":‬أين مسعت ذلك االسم!‪ ..‬يشبه اسم حبيبة مارتن السابقة‪..‬‬
‫أليست هي!‪"..‬‬
‫‪31‬‬
‫جز على أسنانه بغيظ‪ ,‬يشيح بوجهه للجانب‪ ,‬قائال بعناد‪ ":‬ال أعرف عما‬
‫تتحدثني‪"..‬‬

‫هزت رأسها بتوعد‪ ,‬تتنهد بتثاقل‪ ,‬قبل أن متُد يدها إليه مطالبة‪ ":‬هال أعرتين‬
‫هاتفك!‪"..‬‬

‫_ملاذا؟‪..‬‬

‫رمشت بعينيها برباءة‪ ,‬جتيبه‪ ":‬سأتصل مبن يقلين كي تراتح‪"..‬‬

‫هز رأسه متفهما حبسن نية‪ ,‬يناوهلا اهلاتف‪ ,‬فتأخذه منه‪ ,‬تضغط على األزرار‪,‬‬
‫تضعه على أذهنا منتظرة لعدة ٍ‬
‫ثوان‪,‬‬
‫‪32‬‬
‫مث هتفت بنربة مراتعة‪ ":‬مرحبا‪ ..‬إهنا أان تينا‪"..‬‬

‫صمتت قليال‪ ,‬قبل أن تعود لتهتف هبلع مصطنع‪ ,‬وهي تراقب دمييرتي الذي يراقبها‬
‫بعدم فهم‪ ":‬لقد مت خطفي‪ ..‬من قبل شخص يُدعى دمييرتي لوجن‪ ..‬بتحريض من‬
‫جوزيت قريبته‪ ..‬ولكين استطعت اهلرب منه‪"..‬‬

‫دون شعور منه أسرع ابختطاف اهلاتف منها‪ ,‬هادرا بذهول‪ ":‬ما الذي تفعلينه؟‪..‬‬
‫هل ِ‬
‫جننت!‪"..‬‬

‫ابتسامتها اخلبيثة جعلته يود لكمها‪ ,‬وهي تقول بقلة حيلة‪ ":‬أنت ال تريد‬
‫مساعديت‪"..‬‬

‫‪33‬‬
‫نظر للهاتف بيده‪ ,‬لريى من اتصلت به‪ ,‬ليجد شاشة اهلاتف مكتوب عليها بعض‬
‫األرقام‪ ,‬دون ضغط زر االتصال‪,‬‬

‫فرفع وجهه ينظر إليها نظرة مشتعلة ساخطة‪ ,‬تلك املاكرة تتالعب به‪,‬‬
‫قائال من بني أنفاسه اهلادرة بغل‪ ":‬سأر ِ‬
‫يك أيتها املُخادعة‪"..‬‬

‫لكنها عادت هتز كتفها بعدم اكرتاث‪ ,‬انظرة ألظافر يدها‪,‬‬

‫قائلة بتحذير‪ ":‬عليك مساعديت؛ وإال سأنفذ ما فعلته منذ قليل حقا‪"..‬‬
‫ِ‬
‫صدقك أحد‪..‬‬‫_لن يُ‬

‫‪34‬‬
‫ونربته الواثقة بغرور‪,‬‬

‫قابلتها بنفسها وهي تقول‪ ":‬كلميت مقابل كلمتك‪ ..‬ما الذي كنت تفعله مبكان‬
‫الزفاف؟‪ ..‬وكيف وصلت أان العروس إىل سيارتك!‪"..‬‬

‫مسح وجهه بيده بقوة‪ ,‬ممسدا ذقنه بعنف‪ ,‬العنا إايها‪ ,‬وجوزيت‪ ,‬كل من أوقعه‬
‫بذلك املأزق‪..‬‬

‫***************‬

‫‪35‬‬
‫يدور ابملكان ذهااب وإاياب بعد أن علم بفرارها‪ ,‬تبا‪..‬‬

‫كم يشعر ابلغيظ والسخط من كل ما حدث‪ ,‬ود لو يلكم أحدهم كي يفرغ شحنة‬
‫غضبه‪ ,‬ذلك الغضب املرتاكم بداخله منذ أن أُجرب على الزواج منهاه‪ ,‬بُناء على‬
‫رغبة والدته‪,‬‬

‫واليت هي حبالة من فقدان الوعي منذ دلفت إىل الغرفة ومل جتدها‪,‬‬

‫بل اتسعت أعني اجلميع حني مل جيدوها‪ ,‬ووجدوا رسالتها السخيفة اليت قامت‬
‫بكتابتها على مرآة أبمحر الشفاه‪..‬‬

‫‪36‬‬
‫" تبا لك مارتن‪ ,‬ولوالدتك‪"..‬‬

‫فتتجمد والدته أمام الرسالة بعينني متسعتني بذهول‪ ,‬قبل أن تضع يدها على‬
‫صدرها موضع قلبها‪ ,‬فاغرة فاها شاهقة‪ ,‬وتسقط فاقدة الوعي‪,‬‬

‫رمق جسد والدته املسجى على الفراش وقد بدأت ابإلفاقة بنظرة حانقة‪,‬‬

‫‪37‬‬
‫وزوج والدته جالسا جبوارها‪ ,‬ممُسكا بيدها على وجهه عالمات األسى‪,‬‬

‫يتمتم بكلمات مواسية‪ ,‬ووالدته هتز رأسها بضعف ابكية‪..‬‬

‫أخذ أنفاسا مشتعلة يكتمها قليال‪ ,‬مث ينفثها بقوة‪..‬‬

‫جز على أسنانه بقوة‪ ,‬مع تكويره لقبضتيه حىت ابيضت مفاصل أصابعه‪,‬‬

‫ُُياول أال يقوم بعمل جنوين إجرامي‪ ,‬فهو إن رآها أمامه يُقسم أنه سيقتلها‪,‬‬

‫التفت حبدة إىل ميال الواقفة بركن تتطلع إليهم بعينني متوترتني‪ُ ,‬رغم ذلك العبوس‬
‫الذي يغطي مالحمها‪..‬‬

‫‪38‬‬
‫اقرتب منها خبطوات متأنية كفهد يكاد ينقض على فريسته‪ ,‬جعلها تبتلع ريقها‬
‫بصعوبة‪..‬‬

‫ميال رفيقتها الوفية‪ ,‬من على دراية بكل ما تقوم به‪..‬‬

‫ُرغم أهنا شقيقته إال أهنا تُفضل تينا عليه‪ ,‬بل وتساندها بكل شيء‪..‬‬

‫ارتفع حاجبه‪ ,‬بعد أن وقف أمامها‪ ,‬قائال بنربة مشتدة بتحذير‪ ":‬ميال؟‪"..‬‬

‫ازداد انعقاد حاجبيها زامة شفتيها‪ ,‬حدقتاها تدورها مبحجريهما‪ ,‬تتطلع لكل مكان‬
‫سواه‪,‬‬

‫مغمغمة بنزق‪ ":‬ما الذي تريده مارتن؟‪ ..‬ال أعرف شيء‪"..‬‬


‫‪39‬‬
‫مل تتغري هيئته‪ ,‬لكنه اقرتب حىت مل يعد يفصلهما سوى خطوة‪ ,‬مييل برأسه مقابال‬
‫عينيها املتهربتني‪,‬‬

‫قائال‪ ":‬ميال‪ ..‬ال تكذيب‪ ..‬أين ذهبت؟‪"..‬‬

‫زفرت حبنق‪ ,‬جتيبه بعناد‪ ":‬ال أعرف‪ ..‬مل ُختربين‪ ..‬كنت معكم ومل أرها‪"..‬‬

‫رفع ذقنه أيخذ أنفاسه بقوة‪ ,‬قبل أن يكور قبضته يرفعها بوجهها‪,‬‬
‫ِ‬
‫مبعرفتك‪"..‬‬ ‫ُمهددا‪ ":‬ال تتذاكي ميال‪ ..‬تلك السخيفة ال تفعل شيء سوى‬

‫ارتد للخلف حني هامجته بعنف‪,‬‬

‫‪40‬‬
‫مدافعة بنربة حادة ساخطة‪ ":‬ليس هناك سخيف سواك مارتن‪ ..‬ال تنعت صديقيت‬
‫ابلسخيفة‪ ..‬هي مل هترب سوى للتخلص منك‪ ..‬اي إهلي‪ ..‬أنت شخص مقيت‪"..‬‬

‫أطرقت برأسها قليال ترمش بعينيها حبركة عصبية‪,‬‬

‫مهمهمة خبفوت حانق‪ ":‬حقا هذا الوضع ال ُُيتمل‪"..‬‬

‫عض على شفته السفلى بقوة‪ ,‬وعاد إليها‪,‬‬

‫قائال من بني أسنانه خبفوت ساخط‪ ":‬أمل نتفق على األمر!‪ ..‬بضع شهور وننفصل‪,‬‬
‫وُيصل كل منا على ما يريده!‪"..‬‬

‫ارتفع حاجبها ترمقه بنظرة مستهجنة‪ ,‬تود لو ركلته بقسوة‪,‬‬


‫‪41‬‬
‫قبل أن تقول بتهكم‪ ":‬هذا قبل أن تعرف ابحلقيقة أيها الوغد‪ ..‬كيف خدعتموها‬
‫هكذا!‪"..‬‬

‫بطرف عينه من فوق كتفه نظر لوالدته‪ ,‬مث التفت إليها‪,‬‬

‫هامسا بغيظ‪ ":‬مل أستطع الرفض‪ ..‬تعرفني أمي قد متوت حزان‪"..‬‬

‫تعابري وجهها كانت كفيلة إبيصال رسالتها الصامتة‬

‫علي‪"..‬‬
‫"هل تظن أن ُخدعتك ستنطلي َّ‬
‫لكنها مل تتنازل سوى ابلرد ابقتضاب منهية احلوار‪ ":‬ال أعرف أين ذهبت؟‪ ..‬نقطة‬
‫وانتهى‪ ..‬ارحل عين‪"..‬‬
‫‪42‬‬
‫اتركة إايه يتلوى غيظا يشتمها هي وتينا‪ ,‬إال أن صوت هاتفه أجفله‪ ,‬وجعل الصمت‬
‫يعم أكثر ابملكان برتقب من املتصل‪,‬‬

‫حىت والدته قد ارتفع جذعها العلوي قليال‪ ,‬تنظر إليه بعينني متسعتني برتقب‪,‬‬

‫فنظر لشاشة هاتفه يرى املتصل‪ ,‬إال أنه حني علم هبويته‪,‬‬

‫أغمض عينيه بقوة‪ ,‬العنا‪..‬‬

‫ضغط زر اإلجياب‪ ,‬مث وضعه على أذنه‪,‬‬

‫قائال جبمود ظاهري‪ ":‬ما الذي تريدينه؟‪"..‬‬

‫‪43‬‬
‫صوت انعم خبيث وصله برقة‪ ":‬ماذا مارتن؟‪ ..‬تبدو غاضبا‪ ..‬هل حدث شيء‬
‫ما!‪"..‬‬

‫وصلها أنفاسه اهلادرة فابتسمت ابنتشاء متشفية‪,‬‬

‫ُمضيفة برباءة ُخمادعة‪ ":‬مل أظنك ستجيب عن اتصايل هبذا التوقيت‪..‬‬

‫هل انتهى الزفاف؟‪ ..‬أين العروس؟‪ ..‬هل هي جبوارك!‪"..‬‬

‫هذا ما ينقصه ابلوقت الراهن‪ ,‬يكفيه ما هو به‪,‬‬


‫ِ‬
‫اتصلت للتهنئة؟‪"..‬‬ ‫لذلك قال بنربة متشنجة‪ ":‬ما الذي تريدينه جوزيت؟‪ ..‬هل‬

‫‪44‬‬
‫أظلمت عيناها اخلضراوين بشدة‪ ,‬واشتدت شفتاها بقوة‪ ,‬جتيبه بنربة قامتة مغلولة‪":‬‬
‫وهل مت الزفاف كي أهنئك عزيزي!‪"..‬‬

‫مث عادت نربهتا للنعومة الزائفة‪ ,‬مكملة‪ ":‬على حسب ما مسعت‪ ,‬أن العروس قد‬
‫فرت هاربة منك‪"..‬‬
‫ِ‬
‫عرفت ابألمر؟‪"..‬‬ ‫ضيق عينيه برتكيز‪ ,‬يستمع حلديثها‪ ,‬مث سأهلا برتقب‪ ":‬وكيف‬

‫التوت شفتاها اببتسامة حاقدة‪ ,‬تتلون نربهتا للدالل‪ ":‬األخبار تتناقل حيب‪"..‬‬

‫_جوزيت‪..‬‬

‫ونربته املشتدة بتحذير ابمسها‪ ,‬جعلتها تشتعل جبنوهنا املُعتاد‪,‬‬


‫‪45‬‬
‫فتهدر حبدة مهتاجة‪ ":‬أيها احلقري اخلائن‪ ..‬هل ظننت أنين سأدعك تنجو بفعلتك!‪..‬‬

‫لن أكون جوزيت‪ ..‬لكن يبدو أن العروس سهلت مهميت وهربت دون تدخل مين‪..‬‬

‫استمتع بفساد زفافك أيها الوغد‪"..‬‬

‫صمتت قليال تلهث بعنف‪ ,‬تتطلع حوهلا جبنون تكاد تبكي غيظا ُرغم هروب‬
‫العروس‪,‬‬

‫إال أهنا ال تزال تشعر ابألمل من فعلته‪,‬‬

‫وهو ُرغم عدم رده عليها؛ شعر بقلبه يتمزق مما ُيدث‪ ,‬فهي جوزيت حبيبته‪ ,‬من‬
‫تركها ُمكرها كي ينفذ أمر والدته‪..‬‬
‫‪46‬‬
‫ٍ‬
‫بتشف‪ ":‬اخرب والدتك‬ ‫وعلى ذكر والدته‪ ,‬مسع جوزيت تقول قبل أن تنهي اهلاتف‬
‫العزيزة حتيايت‪ ..‬قد أقوم بزايرهتا ملواساهتا‪"..‬‬
‫مث تغريت نربهتا للحادة حبقد‪ ":‬بل أخربها سحقا ِ‬
‫لك أيتها الشمطاء‪"..‬‬ ‫ُ‬
‫ُمغلقة اهلاتف بوجهه‪..‬‬
‫نظر للهاتف بتجهم وقد هتدل كتفاه‪,‬‬
‫يصله صوت والدته ِ‬
‫الباك بتساؤل ضعيف‪ ":‬ما الذي ُيدث؟‪"..‬‬
‫_إهنا جوزيت‪..‬‬
‫عبست مالحمها ترمقه ابمتعاض مستنكر‪ ,‬تفغر فاها لتعنفه‪,‬‬

‫‪47‬‬
‫لكنه قاطع حديثها‪ ,‬قائال حبنق‪ ":‬لقد علمت هبروب تينا‪"..‬‬

‫اتسعت عيناها بقوة‪ ,‬تنظر إليه بعدم تصديق‪ ,‬قائلة بنواح‪ ":‬لقد فُضحنا‪"..‬‬

‫ُملقية جسدها للخلف تسبل أهداهبا تكاد تفقد الوعي ُجمددا‪,‬‬

‫إال أهنا حني حملته يهم ابخلروج‪ ,‬هبت جالسة‪ ,‬هتتف حبدة‪ ":‬إىل أين أنت ذاهب؟‪"..‬‬

‫تنهد بتثاقل‪ ,‬ممُسكا مبقبض الباب يفتحه‪ ,‬جييبها ابختناق‪ ":‬احتاج للخروج قليال‪"..‬‬

‫فتوخبه ابمتعاض‪ ":‬هل سترتكين وأان هبذا احلال!‪ ..‬اي لك من فىت عاق مـ‪"......‬‬

‫لكنه قاطع مجلتها حني التفت إليها بغضب‪ ,‬هاتفا بنفاذ صرب‪ ":‬تبدين خبري أمي‬

‫‪48‬‬
‫ِ‬
‫لفقدانك الوعي منذ قليل‪ ..‬ميال هنا‪ ..‬وكذلك العم‬ ‫ِ‬
‫وأنت تتشاجرين ابلنسبة‬
‫رفاييل‪"..‬‬

‫مث خرج خبطوات ساخطة صافعا الباب خلفه بعنف‪ ,‬وهي تصرخ من خلفه جبنون‪,‬‬

‫والدته العزيزة كانت ُمتثل دورها إبتقان‪ ,‬كي يقوم اجلميع بتلبية ما تريده‪ ,‬إال أن تينا‬
‫قد هربت بعد أن علمت ابخلُدعة‪,‬‬

‫وهو خسر حبيبته بكل أتكيد‪ ,‬لكنه يعلم أهنا لن هتدأ إال حني تنتقم منه شر انتقام‪,‬‬
‫وتذيقه العذاب على فعلته تلك‪..‬‬

‫***********‬
‫‪49‬‬
‫يف اليوم التايل بعد عودة اجلميع للمنزل‪ ,‬وإخبار احلضور أن العروس قد أصيبت‬
‫بوعكة صحية‪ ,‬أتجل على أثرها الزفاف‪..‬‬

‫تتحرك بغرفتها ذهااب وإاياب بتوتر‪ ,‬تقطم أظافرها‪ ,‬تريد االطمئنان على تينا‪..‬‬

‫أين ذهبت؟‪ ..‬وما حاهلا!‪..‬‬

‫تنهدت بتثاقل شاعرة ابالختناق‪ ,‬فهبطت من غرفتها متجهة إىل هبو املنزل‪..‬‬

‫وهناك وقفت تنظر لباب املكتب املُغلق‪,‬‬

‫تتذكر كل ما حدث قبل الزفاف بيوم واحد‪..‬‬

‫‪50‬‬
‫حني كانتا عائدتني من اخلارج؛ ليستمعا حلديث والدهتا السعيدة ابلزفاف‪,‬‬

‫وأن ُخدعتها قد انطلت على تينا‪ ,‬وستتزوج مارتن‪..‬‬

‫هي ما أرادت ذلك الزفاف؛ إال رغبة منها جلعل األمور بيدها‪..‬‬

‫تريد لنصيب تينا ابلشركة أن يبقى حتت عينيها‪ ,‬وال يتدخل أحد به؛‬

‫فهي ال تريد أن ختسر املال‪..‬‬

‫ويف نفس الوقت تشعر ابلغضب من تعلق مارتن جبوزيت‪ ,‬وخوفها من أن يرتكها‬
‫ألجل الذهاب إليها‪..‬‬

‫‪51‬‬
‫فقامت ابالتفاق مع رفاييل أبن ختربمها أهنا مريضة ابلقلب‪ ,‬وحالتها حرجة كي ينفذا‬

‫ما تريد‪..‬‬

‫لكن حلظها استمعت هي وتينا لألمر‪..‬‬

‫فثارت األخرية بغضب تود الدخول والصراخ‪ ,‬فجذبتها ميال سريعا لغرفتها‪ ,‬قبل‬
‫أن ينتبه أحدهم‪..‬‬

‫وهناك حاولت هتدئتها شاعرة ابألسف واخلزي مما تفعله والدهتا‪..‬‬

‫ميال بنفس عمر تينا حني تزوجت والدهتا والد تينا كانتا ابحلادية عشر من العمر‪,‬‬

‫‪52‬‬
‫لكنهما كانتا سواي ابملدرسة قبل ذلك وحني انتقلت للعيش فرحت بشدة‪,‬‬
‫وأصبحتا أختني وأكثر‪..‬‬

‫ويف اليوم التايل يوم الزفاف كانتا قد اتفقتا على هروب تينا عقااب ملا فعلوه هبا‪..‬‬

‫وساعدهتا ابهلرب‪..‬‬

‫ابتسامة مرحة ارتسمت على شفتيها وهي تتذكر طردمها للجميع‪,‬‬

‫معللتان أن ميال ستساعدها ابألمر‪ ,‬وإلباسها فستان العُرس‪..‬‬

‫لتسرع وتغلق الباب وترتدي مالبس خفيفة أسفل الفستان‪..‬‬

‫‪53‬‬
‫لكن ميال شعرت ابخلوف حني نظرت الرتفاع املكان الذي ستقفز منه‪,‬‬

‫ترتاجع بقلق‪ ":‬يبدو عاليا تينا‪"..‬‬

‫إال أن تينا اليت كانت تدور ابلغرفة حاملة أطراف الفستان بيديها‪,‬‬

‫هتتف بال مباالة‪ ":‬لن ُيدث شيء‪ ..‬فأكون خبري‪"..‬‬

‫هزت ميال رأسها نفيا هبلع‪ ":‬ستصابني ابألذى‪ ..‬لنجد حال آخر‪"..‬‬

‫لكن تينا كان قد نفذ صربها تريد الرحيل أبي طريقة‪..‬‬

‫اندفعت اجتاه ميال ممسكة بذراعها‪ ,‬جترها اجتاه الباب‪,‬‬

‫‪54‬‬
‫قائلة‪ ":‬سأكون خبري‪ ..‬اذهيب اآلن‪"..‬‬

‫نظرت إليها بعينني ابئستني حبزن‪ ,‬فابتسمت هلا مطمئنة‪ ,‬لتندفع حتتضنها‪,‬‬
‫ِ‬
‫بنفسك جيدا حبيبيت‪ ..‬واتصلي يب‪"..‬‬ ‫قائلة ابختناق ِ‬
‫ابك‪ ":‬اع ِ‬
‫نت‬
‫شددت تينا من احتضاهنا هتمس إليها بتأثر‪ ":‬ال تقلقي‪ ..‬سأتواصل ِ‬
‫معك‪"..‬‬

‫مث ابتعدت عنها تبتسم ابصطناع متأففة‪ ":‬واآلن ارحلي قبل أن أييت أحدهم‪ ,‬وأجد‬
‫ِ‬
‫شقيقك األمحق‪"..‬‬ ‫نفسي متزوجة من‬

‫هزت رأسها موافقة‪ ,‬مث خرجت مغلقة الباب خلفها تنضم إليهم‪ ,‬مث عادت مع‬
‫اجلميع بعد عشر دقائق ليجدوا الغرفة فارغة ورسالة تينا‪..‬‬
‫‪55‬‬
‫أجفلت على هاتفها الذي عال صوته‪ ,‬فوجدته رقم غري معروف‪ ,‬لكنها أجابت؛‬

‫فجاءها صوت تينا‪ ":‬ميال‪"..‬‬


‫أنت خبري؟‪ ..‬أين ِ‬
‫أنت؟‪"..‬‬ ‫اتسعت عيناها بقوة‪ ,‬هاتفة بلهفة‪ ":‬تينا‪ ..‬هل ِ‬

‫هدأهتا ختربها بلطف‪ ":‬خبري عزيزيت‪"..‬‬


‫أنت؟‪ ..‬ما الذي حدث ِ‬
‫معك؟‪ ..‬هاتف من هذا؟‪"..‬‬ ‫عادت تسأهلا بقلق‪ ":‬أين ِ‬

‫مدت تينا رأسها تنظر لدمييرتي الواقف ابخلارج يقوم مبأل خزان السيارة‪,‬‬

‫قبل أن ينطلقا بطريقهما‪,‬‬

‫‪56‬‬
‫قائلة اببتسامة‪ ":‬لقد وجدت من يساعدين‪ ..‬إنه قريب جوزيت‪"..‬‬

‫فغرت ميال شفتيها شاهقة بذهول غري مصدقة‪ ,‬هاتفة بصوت عا ٍل‪ ":‬ماذااااا؟‪ ..‬تينا‬
‫هل ِ‬
‫جننت!‪"..‬‬

‫ابنزعاج أبعدت تينا اهلاتف قليال‪ ,‬قبل أن تعيده‪,‬‬

‫قائلة بنفاذ صرب‪ ":‬اهدئي قليال‪ ..‬يبدو أن جنون جوزيت قد أفادين هذه املرة‪..‬‬

‫أان سأسافر قليال معه‪"..‬‬


‫ِ‬
‫سيساعدك قريب‬ ‫عقدت حاجبيها بتعجب‪ ,‬متسائلة حبرية‪ ":‬تينا‪ ..‬إىل أين؟‪ ..‬وَِمل‬
‫جوزيت!‪"..‬‬
‫‪57‬‬
‫اتسعت ابتسامتها‪ ,‬جتيبها مبرح‪ ":‬يُدعى دمييرتي‪ ..‬وأان أجربته على ذلك‪"..‬‬

‫رمشت ميال بعينيها مفكرة أبهنا قد مسعت بذلك االسم من قبل‪ ,‬لكن ملعت عيناها‬
‫بشدة حني انتبهت جلملة تينا األخرية‪,‬‬

‫هاتفة بضحكة متسلية‪ ":‬أوه تينا‪ ..‬ما الذي ختططني إليه؟‪"..‬‬

‫علي الذهاب اآلن‪..‬‬


‫أسبلت تينا أهداهبا قليال مبتسمة بغموض‪ ,‬مث قالت سريعا‪َّ ":‬‬
‫سأتصل ِ‬
‫بك جمددا‪"..‬‬

‫إال أن ميال هتفت سريعا بلهفة‪ ":‬انتظري‪ ..‬تينا‪ ..‬تينا‪ ..‬هل دمييرتي ذاك وسيم!‪"..‬‬
‫قلبت عينيها بضجر‪ ,‬تتأفف بصوت ٍ‬
‫عال‪ ,‬موخبة‪ ":‬ميال‪ ..‬ما الذي تفكرين به!‪"..‬‬
‫‪58‬‬
‫ِ‬
‫أرجوك‪ ..‬إنه جمرد فضول‪ ..‬هل هو وسيم؟‪"..‬‬ ‫لكنها عادت تتوسلها‪":‬‬

‫عادت تينا تنظر لدمييرتي بوقفته املائلة بتكاسل على أحد اجلدران‪,‬‬

‫هيئته العضلية‪ ,‬طول قامته مع حنافة جسده واليت تزيده وسامة‪,‬‬

‫عيناه اخلضراوين اللتني ختتفيان اآلن خلف نظارته الشمسية‪,‬‬

‫شعره البين الفاتح ذو قصة قصرية رجولية‪,‬‬

‫إال أن ما يزعجها هو ذلك العبوس الذي يرمسه على مالحمه منذ البارحة‪ ,‬وال يزيده‬
‫إال جاذبية‪..‬‬

‫‪59‬‬
‫تنهدت بقوة‪ ,‬جتيب ميال ابستسالم‪ ":‬وسيم وللغاية ميال‪"..‬‬

‫ونربهتا تلك جعلت ابتسامة ميال تتسع‪ ,‬وعيناها تلمعان كألف جنمة متخيلة ما قد‬
‫ُيدث‪ ,‬مهمهمة بعبث‪ ":‬حسنا عزيزيت‪ ..‬استمتعي‪"..‬‬

‫بعد إن أهنت االتصال تتنهد حباملية‪ ,‬شعرت بشيء يقف خلفها‪,‬‬

‫وصوت حاد ُمفزع‪ ":‬أين هي؟‪"..‬‬

‫صرخت منتفضة وكاد اهلاتف يقع منها‪ ,‬وهي تلتفت لتجد والدهتا تنظر إليها‬

‫بعينني متسعتني مرعبتني‪..‬‬

‫‪60‬‬
‫ابتلعت ريقها بصعوبة تنظر حوهلا هبلع‪ ,‬متعلثمة‪":‬ممم‪ ..‬من تقصدين؟‪"..‬‬

‫ارتفع حاجب ماري بشر تقرتب منها‪ ,‬قائلة بنربة خميفة فترتاجع للخلف‪,‬‬
‫ابرتياع‪ ":‬تينا‪ِ ..‬‬
‫كنت تتحدثني معها‪"..‬‬

‫زمت شفتيها مع انعقاد حاجبيها حتاول استجماع شجاعتها‪,‬‬

‫قائلة بتهرب‪ ":‬ليس صحيحا‪ ..‬ليست هي‪"..‬‬


‫ِ‬
‫هاتفك إذا‪..‬‬ ‫_اعطين‬

‫مدت يدها ترمقها بنظرة مشتعلة برتقب‪,‬‬

‫‪61‬‬
‫عضت على شفتها السفلى بقوة‪ ,‬مث حتركت للجانب تنوي اهلرب‪,‬‬

‫فهي إن بقيت أمامها لن ترتكها‪ ,‬وستخربها ابألمر‪..‬‬

‫لذلك اختذت موقف الغضب‪ ,‬هاتفة ابستنكار هبجوم‪ ":‬ما هذا أمي؟‪ ..‬مل أعد‬
‫صغرية على أخذ هاتفي‪ ..‬أخرب ِ‬
‫تك أنين ال أعرف‪ ..‬سأرحل من هنا ابت الوضع ال‬
‫ُُيتمل‪"..‬‬

‫مسرعة خبطواهتا بعيدا عن ماري اليت وقفت تنظر لظهرها حىت توارت عن النظر‪,‬‬

‫مغمغمة بغيظ متوعد من بني شفتيها املزمومتني‪ ":‬حسنا أيها املشاغبون سأريكم‪"..‬‬

‫**************‬
‫‪62‬‬
‫ذلك االتصال اهلاتفي الذي وصله من مدير أعماله‪ُ ,‬يثه على العودة‪ ,‬للقيام بتجربة‬
‫أداء‪,‬‬

‫ورغم غيظه من تلك املتطفلة جبواره‪ ,‬مل يستطع التخلص منها أبي طريقة منذ‬
‫ُ‬
‫البارحة‪ ,‬إال أن هناك محاس يدب أبوصاله حني مسع بوصول السيارة اجلديدة‪ ,‬جعله‬
‫يتجاهلها‪ ,‬وينفذ طلب مدير أعماله‪..‬‬

‫حسنا مل يكن طلبا‪ ,‬كان أمرا واجب النفاذ بعد صراخ بتأخره‪ ,‬وعدم إخباره بسفره‬
‫من األساس‪ ,‬استهتاره الذي يكلفه الكثري من العروض‪,‬‬

‫مستفز‪ ,‬يصيبه ابجلنون‪..‬‬

‫‪63‬‬
‫ابتسامة ملتوية ارتسمت على شفتيه مع رفعه إلحدى يديه ميسد هبا خصالت شعره‬
‫القصرية‪ ,‬حملتها وهي تراقبه بفضول‪ ,‬جعلها تسأله‪ ":‬ما الذي جعلت تبتسم!‪"..‬‬

‫جتهم وجهه حني تذكر وجودها معه‪ ,‬ومل يرد عليها وكأهنا غري موجودة‪ ,‬مما أشعرها‬
‫ابلغيظ‪ ,‬فهتفت حبنق‪ ":‬أنت غري لطيف‪ ..‬هل سنظل هبذا الصمت حىت نصل!‪"..‬‬

‫علي أن أكون لطيفا‪..‬‬


‫رمقها بطرف عينه‪ ,‬مث عاد ينظر للطريق‪ ,‬قائال بربود‪ ":‬ليس َّ‬
‫علي‪ ..‬لذلك اصميت‪"..‬‬ ‫ِ‬
‫نفسك َّ‬ ‫ِ‬
‫فرضت‬ ‫ِ‬
‫أنت‬

‫فغرت فاها لتتحدث وتكيل إليه الكلمات اليت يستحقها‪ ,‬إال أنه قام بتشغيل راديو‬
‫السيارة‪ ,‬بصوت ٍ‬
‫عال‪ ,‬خيربها بطريقته أن تتوقف‪..‬‬

‫‪64‬‬
‫زفرت حبنق‪ ,‬جتلس بسخط‪ ,‬عاقدة ذراعيها أمام صدرها‪ ,‬تستمع إىل األغنية‬
‫ورغما عنها اجنذبت إليها‪ ,‬خاصة مع اندماج رفيقها‪ ,‬وغناؤه هلا بصوت‬
‫املنطلقة ُ‬
‫ٍ‬
‫عال متحمس اببتسامة ساحرة‪..‬‬

‫تنهدت حبرارة غريبة عليها وهي تشعر بشيء مل تعهده من قبل اجتاه ذلك املستفز‪,‬‬
‫الوسيم‪..‬‬

‫إن كانت ميال معها لكانت اهنارت معرتفة حببه من أول نظرة‪ ,‬صارخة أبنه فىت‬
‫أحالمها‪..‬‬

‫عضت على شفتها السفلى تكتم ضحكتها وهي تتذكر كل مرة يقابال فيها شاب‬

‫‪65‬‬
‫وسيم فينظران إليه من أعلى رأسه ألمخص قدميه يتفحصانه بتدقيق شديد‪,‬‬

‫يكادا ُيصران عدد خصالت شعره‪..‬‬

‫عادت بنظراهتا تتفحصه وهو غافل عنها ملتفا للطريق وصوته يتعاىل مع األغنية‪,‬‬

‫قميصه القطين بلونه األصفر‪ ,‬منتصف األكمام‪ ,‬مع بنطال جينز ابللون األزرق‬
‫الباهت‪ ,‬يفصل جسده العضلي تفصيال‪,‬‬

‫فيعود شعورها ابلغيظ منه‪ ,‬فهو يبدو بكامل أانقته‪ ,‬وقد قام بتبديل مالبسه‪,‬‬

‫وهي ال تزال مبالبسها الوحيدة واليت ال متتلك سواها‪..‬‬

‫‪66‬‬
‫مل تدري كم مر عليها من الوقت تراقبه‪,‬‬

‫حىت مسعته ُيدثها بنربة ساخرة‪ ":‬هل انتهيت من مراقبيت كمراهقة بلهاء!‪"..‬‬

‫أجفلت تنظر إليه بشفتني مزمزمتني ابمتعاض‪ ,‬حتاول إجياد رد مناسب له‪,‬‬

‫إال أنه أكمل سريعا‪ ":‬هيا لقد وصلنا‪"..‬‬

‫تطلعت حوهلا بتعجب‪ ,‬ترى مضمار سباق للسيارات‪ ,‬تسأله حبرية‪ ":‬أين حنن؟‪"..‬‬

‫أوقف حمرك السيارة‪ ,‬يهم بفتح الباب‪ ,‬جييبها بنربة ملولة‪ ":‬العمل‪ ..‬هيا اخرجي من‬
‫السيارة‪"..‬‬

‫‪67‬‬
‫متطت إبهناك‪ ,‬ختربه بتكاسل‪ ":‬سأنتظرك هنا حىت تنتهي‪"..‬‬
‫ِ‬
‫أدعك بسياريت لتفسديها‪ ..‬هيا‬ ‫إال أنه هز رأسه رفضا‪ ,‬أيمرها بغالظة‪ ":‬لن‬
‫اخرجي‪"..‬‬

‫جزت على أسناهنا بغل تتمى لو حطمت سيارته السخيفة اليت يعاملها‪ ,‬وكأهنا‬
‫حبيبته‪..‬‬

‫لكنها ترجلت من السيارة‪ ,‬وقبل أن تقوم إبغالق الباب مقررة صفعه لتفرغ به‬

‫بعض غضبها‪ ,‬وجدته جبوارها‪ ,‬يدفعها قليال بكتفه‪ ,‬يُغلق الباب هبدوء‪,‬‬
‫ِ‬
‫أدعك تفعلني ذلك‪ ..‬هيا اتبعيين‪"..‬‬ ‫متهكما‪ ":‬لن‬
‫‪68‬‬
‫كورت قبضتيها بغيظ‪ ,‬تكاد تصرخ من بروده‪ ,‬تتبعه وفضوهلا ُيركها‪ ,‬تنظر للمكان‬
‫حوهلا‪,‬‬

‫حىت وصال ألربعة رجال يقفون على املدرجات‪ ,‬يفصلهم عن مضمار السباق سور‬
‫حديدي مفرغ‪ ,‬يشابه األسالك الشائكة‪..‬‬

‫اقرتب أحدهم من دميرتي قبل أن يصال لباقي الرجال‪,‬‬

‫وصاح حبدة‪ ":‬وأخريا وصلت دميي‪ ..‬اي إهلي أعصايب مل تعد حتتمل‪"..‬‬

‫مط األخري شفتيه للجانب‪ ,‬جييبه بعدم اكرتاث ابرد‪ ":‬كف عن التذمر ابتريك‪..‬‬
‫أصبحت كعجوز ثراثر‪"..‬‬
‫‪69‬‬
‫راقبت انتفاخ أوداج ذلك املدعو ابتريك‪ُ ,‬ياول التحكم أبعصابه‪,‬‬

‫مث حترك مرة أخرى يقرتب منه‪ ,‬حىت مل تعد يفصلهما شيء‪ ,‬فاتسعت عيناها بشدة‬
‫تكاد جتزم أنه سيقبله‪,‬‬

‫إال أن صوته اهلامس بتوسل مثري للشفقة وصلها‪ ":‬أتوسل إليك دميي‪ ..‬كن لطيفا‬
‫وقم بعملك دون تصرفاتك الباردة‪"..‬‬

‫قلب دميرتي عينيه مبلل‪ ,‬مث دفعه بعيدا عنه‪ ,‬يتحرك اجتاه الرجال‪,‬‬

‫اببتسامة ابردة‪ ,‬يرحبون به فريد حتيتهم بفتور‪ ,‬اتركا إايهم‪,‬‬

‫عيناه متعلقتان ابلسيارة املصطفة أمامه متجها إليها‪ ,‬وابتريك خلفه‪..‬‬


‫‪70‬‬
‫مل يعر أحد انتباه وهو يراقب السيارة يتلمس هيكلها اخلارجي برقة متناهية‪ ,‬يدور‬
‫حوهلا وكأنه عاشق هائم حببيبته‪..‬‬

‫ُمسرعا قفز بداخلها ُيتل مقعد السائق‪ ,‬يدير حمركها فتلتمع عيناه بشدة‪ ,‬وهو‬
‫يستمع لزئري املُحرك‪,‬‬

‫قائال خبفوت مبهور‪ ":‬رائع‪"..‬‬

‫التوى ثغر ابتريك اببتسامة راضية‪ ,‬مؤكدا‪ ":‬ابلطبع عزيزي‪ ..‬لقد قاموا بتعديل‬
‫املُحرك‪"..‬‬

‫مث التفت إىل تينا عاقدا حاجبيه حبرية متسائال‪ ":‬من هذه؟‪"..‬‬
‫‪71‬‬
‫قبل أن تعرف عن نفسها‪ ,‬وجدته يقول بال مباالة من داخل السيارة‪ ":‬ال أحد‪..‬‬

‫هيا ارحال سأبدأ ابلتجربة‪"..‬‬

‫هز ابتريك رأسه أيسا‪ ,‬يشيح بيده إليه‪ ,‬متحركا إىل املدرجات‪,‬‬

‫مشريا إليه بعالمة البدء‪ ,‬لكنه الحظ عبوس مالحمهم بعدم فهم‪ ,‬فالتفت انظرا ملا‬
‫ينظرون إليه‪ ,‬ليجد تينا معه ابلسيارة‪..‬‬

‫عقد حاجبيه ابستهجان‪ ,‬متسائال‪ ":‬ما الذي تفعلينه؟‪"..‬‬

‫هزت كتفها بال مباالة‪ ,‬جتيبه‪ ":‬سأقوم ابجلولة معك‪ ..‬هيا‪"..‬‬

‫‪72‬‬
‫_لن ُيدث أبدا‪ ..‬اخرجي‪..‬‬

‫لكنها مل متتثل ألمره‪ ,‬وقبل أن يتفوه بباقي كالمته كي خيرجها‪ ,‬وجد ابتريك‪,‬‬

‫يهتف‪ ":‬هيا دميي‪ ..‬يكفي إهدار للوقت‪"..‬‬

‫قبض على مقود السيارة بقوة يكتم غضبه منها‪ ,‬مث بدأ ابلتحرك بسرعة متوسطة‪,‬‬
‫بدأت ابلزايدة مع الوقت‪ ,‬حىت صارت كصاروخ نفاث ينطلق على املضمار‪,‬‬

‫وكأنه يسابق الريح‪ ,‬صارخا ابنتعاش‪ ,‬يقطع املضمار الدائري بلفات متعددة‪,‬‬

‫وحني انتهى من مخس دورات‪,‬‬

‫‪73‬‬
‫اقرتب حيث يقف ابتريك وابقي الرجال‪ ,‬مث قام جبعل السيارة تدور حول نفسها‬
‫حبركة متهورة‪ ,‬مسببة ارتفاع لألتربة‪ ,‬وتصاعد ال ُدخان منها‪..‬‬

‫وبعدها قام إبيقاف السيارة حبركة مفاجئة‪..‬‬

‫يستمع إىل هتليل الرجال بصيحات استحسان‪,‬‬


‫يف حني غمغم ابتريك‪ ":‬مغرور‪ٍ ..‬‬
‫متباه‪"..‬‬

‫صدره مضطرب أبنفاسه يعلو ويهبط بصورة خرافية‪ ,‬عيناه المعتان بشدة‪ ,‬وابتسامته‬
‫مشرقة بوجهه‪ ,‬مث التفت جبواره لتينا‪ ,‬فوجد عينيها متسعتني بشدة تنظر أمامها‬
‫بذهول‪,‬‬
‫‪74‬‬
‫التوت زاويتا شفتيه اببتسامة خبيثة‪ ,‬مرددا‪ ":‬إهنا بوادر الصدمة‪ ,‬حني تفيق منها‬
‫سرتكض هاربة‪"..‬‬

‫إال أنه أجفل ابرتياع حني وجدها‪,‬‬

‫تصرخ مبرح‪ ":‬هذا رائع‪ ..‬رائع‪ ..‬هل تفعل ذلك دوما!‪ ..‬هال فعلناها جمددا؟‪"..‬‬

‫نظر إليها بيأس يكاد يبكي قهرا‪ ,‬وهتدل كتفاه ببؤس‪,‬‬

‫متمتما بنربة شبه ابكية‪ ":‬تبا أي كارثة سقطت على رأسي!‪"..‬‬

‫خيرج من السيارة حبنق وقد طار كل محاسه‪ ,‬وهي خترج خلفه الهية حبماسها‪,‬‬
‫تتحدث دون توقف عما ميكنهما فعله‪..‬‬
‫‪75‬‬
‫اقرتب من اجلمع‪ ,‬فصاح ابتريك بتسلية‪ ":‬فتاتك تبدو جاحمة دميي‪"..‬‬

‫عبس بوجهه مستنكرا‪ ":‬ليست فتايت‪"..‬‬

‫إال أهنا ابتسمت بتحدي‪ ,‬وقد علمت أن من أمامها هو فىت أحالمها‪ ,‬حمدثة‬
‫نفسها‪ ":‬سأكون عزيزي‪ ..‬لن تُفلت مين‪"..‬‬

‫ووقفت جبواره‪ ,‬تراقبه وهو يتحدث مع اجلميع يتفق على بعض األشياء‪ ,‬وذلك‬
‫املوعد املُحدد للسباق‪..‬‬

‫****************‬

‫‪76‬‬
‫جالسا مبكتبه يتابع عمله بعد أن أُفسد الزفاف‪ ,‬وهربت تينا وال يدري أين‬
‫ذهبت!‪..‬‬

‫لكنه يشعر ابلشكر اجتاهها ألهنا أفسدت األمر؛ فهو مل يكن لديه الشجاعة ليفعل‬
‫مثلها وذلك إلرضاء والدته‪,‬‬

‫خشية أن تصاب أبزمة ما رغم أنه يعلم أن معظم ما تفعله جمرد متثيل‪..‬‬

‫زفر حبنق يقلب امللف أمامه‪ُ ,‬ياول الرتكيز ولكن عبثا‪..‬‬

‫عقله يشرد إىل جوزيت متمنيا أن كل ما حدث مل يكن‪,‬‬

‫يشعر ابحلزن ملا سببه هلا من أمل‪..‬‬


‫‪77‬‬
‫أغمض عينيه متنهدا بتثاقل‪ ,‬مرخيا رابطة عنقه مستندا برأسه على ظهر مقعده‪..‬‬

‫كلما أغمض عينيه يراها أمامه‪ ,‬مجاهلا‪ ,‬عيناها اخلضراوين اللتني تشعان بريق عاشق‬
‫مع نوابت جنوهنا‪..‬‬

‫ضحكاهتا الناعمة واليت تزلزل كيانه سارقة نبضاته‪ ,‬رائحة عطرها اليت تتغلغل ضاربة‬
‫خالاي عقله لتفقده السيطرة أمامها‪..‬‬

‫ال تزال رائحتها منتشرة حوله بل وكأهنا متواجدة‪ ,‬ملساهتا يكاد يقسم أهنا حية‪..‬‬

‫عقد حاجبيه دون أن يفتح عينيه مركزا؛ حني شعر أبحدهم مييل عليه‪,‬‬

‫هامسا أبذنه‪ ":‬تبدو مرهقا حيب‪"..‬‬


‫‪78‬‬
‫فتح عينيه على اتساعهما يراها أمامه متجسدة إبغواء‪,‬‬

‫فهمس بعدم تصديق‪ ":‬جوزي!‪"..‬‬

‫ابتسمت ابتسامة خالبة دون أن تبتعد عنه‪ ,‬هتمس إليه بدورها‪ ":‬من تظن‬
‫غريي؟‪"..‬‬

‫ملعت عيناها بشدة وهي تراه مشدوها حبضورها‪..‬‬

‫حني دلفت ملكتبه بزوبعة جمنونة دون استئذان كعادهتا‪ ,‬مستغلة انشغال مديرة‬
‫مكتبه‪ ,‬وكأهنا تكرتث إن كانت منتبهة‪..‬‬

‫تنوي قتله‪ ,‬وحني رأته على حاله رقت نظراهتا‪ ,‬وقلبها اخلائن يهفو إليه‪..‬‬
‫‪79‬‬
‫اقرتبت منه خبفة جتلس أمامه على حافة مكتبه ومل يشعر هبا‪..‬‬

‫دون إرادة وجدت يدها تتلمس وجنته‪ ,‬تقرتب منه‪..‬‬

‫واآلن حتارب كي ال تضعف أمامه وتبكي بوهن‪..‬‬

‫ابتلعت ريقها بصعوبة وهو ميرر يده على وجنتها‪ ,‬مث تتخلل أصابعه خصالت شعرها‬
‫برقة متناهية حتارب أن تغلق عينيها‪,‬‬

‫تعض شفتها السفلى بقوة خانقة أتوه مشتاق‪,‬‬


‫وهو يهمس إليها حبرارة‪ ":‬اشتقت ِ‬
‫إليك حبيبيت‪"..‬‬

‫‪80‬‬
‫مل ترد عليه‪ ,‬مسبلة أهداهبا‪ ,‬تتنفس بروية لتجميع أفكارها‪..‬‬
‫ِ‬
‫رؤيتك‪..‬‬ ‫إال أنه مل ميهلها الوقت‪ ,‬يكمل ابشتياق‪ ":‬أشعر أبن دهرا مضى دون‬
‫ِ‬
‫عطرك يصاحبين بكل مكان عالق أبنفاسي‪ ..‬يذكرين ِ‬
‫بك‪"..‬‬

‫نظرت إليه عيناه أتسرا عينيها حبديث مشتعل‪,‬‬

‫ابحت به هي بقوة‪ ":‬بل ليذكرك أنك ملك يل‪ ..‬يل أان‪"..‬‬

‫_أجل‪..‬‬

‫كلمة واحدة نطقها مؤكدا حديثها‪,‬‬

‫‪81‬‬
‫قبل أن جيذهبا بقوة فتسقط على صدره‪ ,‬مقبال إايها جبنون ما مر به‪ ,‬وهي ابدلته‬
‫قبلته جبموح‪,‬‬

‫ذراعها التف حول عنقه تقربه إليها‪ ,‬أصابعها تتمسك خبصالت شعره تشدها‬
‫بقسوة‪,‬‬

‫ويدها األخرى تعبث أبزرار قميصه‪ ,‬مث ترتكها متمسكة برابطة عنقه‪..‬‬

‫ابتسم وسط قبالته يضمها إليه أكثر‪ ,‬فكت ذراعها من حول عنقه لتساعد‬
‫األخرى املمسكة برابطة عنقه‪,‬‬

‫فدمدم بعبث دون أن يرتك شفتيها‪ ":‬هل حتتاجني ملساعدة لفكها!‪"..‬‬


‫‪82‬‬
‫ملعت عيناها بشدة‪ ,‬تقربه إليها‪ ,‬مهمهمة‪ ":‬ال‪ ..‬ال أحتاج فكها‪"..‬‬

‫مث بلحظة شعر ابالختناق والرابطة تضيق على عنقه‪,‬‬

‫وجوزيت هتتف جبنون‪ ":‬بل أريد ربطها إبحكام حىت ختتنق أيها الوغد‪"..‬‬

‫أجفل مصدوما من حتوهلا يراها تنقض عليه كقطة برية‪ ,‬كل يد من يديها جتذب‬
‫طرفا من طريف رابطة عنقه قاصدة خنقه‪,‬‬

‫مكملة بغل مشتعل‪ ":‬سأقتلك مارتن قبل أن تتزوج‪..‬‬

‫سأقتلك قبل أن متتلكك واحدة غريي‪ ..‬أيها اخلائن‪"..‬‬

‫‪83‬‬
‫رمش بعينيه يسعل ابختناق‪ ,‬يبعدها عنه‪,‬‬

‫دافعا إايها فتنهض متقهقرة للخلف‪ ,‬ويرخي رابطته يتنفس الهثا ابضطراب‪,‬‬

‫لكنه مل يكد يتنفس حىت وجدها تلقي عليه ما تطاله يدها‪,‬‬

‫صارخة جبنون‪ ":‬تبا لك مارتن‪ ..‬أان أكرهك‪ ..‬أكرهك‪"..‬‬

‫هنض من مكانه ُياول جتنب ما تلقيه عليه‪ ,‬حىت وصل إليها يكبلها بني ذراعيه‬
‫بقوة‪,‬‬

‫هاتفا حبزم‪ ":‬توقفي‪ ..‬اهدئي جوزي‪"..‬‬

‫‪84‬‬
‫تلوت بني ذراعيه بعنق حتاول التحرر‪,‬‬

‫صارخة‪ ":‬تبا لك ولوالدتك الشمطاء‪..‬‬

‫هي فقط تفعل ذلك كي تبعدك عين‪ ..‬سأقتلك وأقتلها‪"..‬‬

‫شدد قبضتيه حوهلا جيربها على التوقف‪,‬‬

‫حىت تعبت لتنهار ابكية دافنة وجهها بصدره‪,‬‬

‫تعاتبه ابختناق‪ ":‬كيف تفعل هذا يب؟‪ ..‬لقد وعدتين‪"..‬‬

‫‪85‬‬
‫قبضة جليدية اعتصرت قلبه ينظر لرأسها املدفون بصدره أبسى‪,‬‬

‫قائال خبفوت‪ ":‬آسف حبيبيت‪"..‬‬

‫تشبثت يداها بقميصه بقوة‪ ,‬تشهق قائلة أبمل‪ ":‬لقد حطمت قليب‪"..‬‬

‫ضمها إليه بقوة متأوها بعذاب‪ ,‬يراها ترفع رأسها فتلتقي عيناها احلمراوين الباكيتني‬
‫بعتاب‪,‬‬

‫رفع يده ُيتضن وجهها احملتقن منحنيا برأسه مقبال كل جزء بوجهها معتذرا‪,‬‬

‫حىت وصل لشفتيها املرجتفتني‪,‬‬

‫‪86‬‬
‫هامسا‪ِ ":‬‬
‫أنت من تسكن قليب جوزي‪"..‬‬

‫_ملاذا فعلت ذلك؟‪..‬‬

‫مهستها من بني شفتيه قبل أن تلتقي بشفتيه بقبلة ايئسة‪,‬‬

‫فيغمغم بقلة حيلة‪ ":‬إهنا أمي‪"..‬‬

‫وكلماته كانت كفيلة إبشعال جنوهنا مرة أخرى‪ ,‬لتقوم بعض شفته السفلى بقسوة‪,‬‬
‫مع تصويب كعب حذائها العايل لقدمه بعنف‪,‬‬

‫هادرة جبنون‪ ":‬أيها الوغد‪"..‬‬

‫‪87‬‬
‫صرخة مكتومة مذهولة خرجت منه ينظر إليها‪ ,‬وقد ابتعد خطوتني يقفز على ساق‬
‫واحدة‪ ,‬إثر دفعها له‪,‬‬

‫فرياها عادت جلنوهنا‪ ,‬تتوعده‪ ":‬سأريك مارتن‪ ..‬سأريك أنت وأمك‪"..‬‬

‫اتركة إايه مندفعة كعاصفة من ابب مكتبه‪..‬‬

‫وهو هتاوى على كرسيه‪ ,‬يضغط زر مديرة مكتبه أيمرها بصوت متحشرج إبلغاء‬
‫مجيع مواعيد اليوم‪ ,‬واضعا ذراعيه على املكتب دافنا رأسه بينهما‪..‬‬
‫************‬

‫‪88‬‬
‫ال يعرف كيف يتخلص من تلك العلقة املتمركزة بشقته‪ ,‬ال يستطيع أن يزحزحها‬

‫من مكاهنا‪,‬‬

‫ظن أهنا سرتحل بعد يوم‪ ,‬أو بضع أايم‪ ,‬إال أهنا مل تتحرك قيد أمنلة من املكان‪,‬‬

‫بل وكأهنا قد امتلكته هو واملكان‪ ,‬تطلب منه الكثري‪..‬‬

‫كأنه قد أصبح حبيبها وال يدري!‪..‬‬

‫_دمييرتي أريد مالبس‪..‬‬

‫_دمييرتي أريد هذا‪ ..‬وذاك‪..‬‬

‫‪89‬‬
‫وحني يرفض متذمرا زاجرا إايها أبنه ليس مصرفها املتنقل‪ ,‬تتلبس الوجه البائس‪,‬‬
‫تنعته ابلبخيل‪,‬‬

‫متعللة أهنا ال تستطيع أن تستخدم بطاقة االئتمان اخلاصة هبا كي ال تعرف زوجة‬
‫والدها مكاهنا‪..‬‬

‫وازداد األمر سوء بعد مشاهدهتا إايه وهو يتسابق‪ ,‬لقد جن جنوهنا حرفيا‪,‬‬

‫تصرخ جبنون جعلت من حوهلا ينظرون إليها بتوجس‪,‬‬

‫معلنة عن نفسها بكل وقاحة أهنا صديقته‪..‬‬

‫يف أحالمها‪..‬‬
‫‪90‬‬
‫مث ذلك املعتوه ابتريك الذي يؤيدها‪ ,‬ويراها مناسبة إليه‪..‬‬

‫أال يكفيه جنون جوزيت‪ ,‬ليأيت بتلك البلهاء؟‪..‬‬

‫زفر حبنق "جوزيت" سبب تلك الكارثة اليت سقطت على رأسه‪ ,‬يتصل هبا كثريا‬

‫إال أن تلك البائسة قد اعتزلت اجلميع‪ ,‬تبكي وترثي حبها الضائع‪..‬‬

‫رفع وجهه ألعلى يدعو بتضرع أن ترحل‪ ,‬فهو مل يعد ُيتمل‪..‬‬

‫أخذ نفسا عميقا يزفره بقوة‪ ,‬مث اقرتب من ابب شقته‪ ,‬يضع املفتاح ابلباب يفتحه‪,‬‬
‫يطل برأسه أوال متفحصا املكان‪ ,‬مث دلف حبذر‪..‬‬

‫‪91‬‬
‫عقد حاجبيه بريبة وهو يرى املكان هادئ‪ ,‬حىت الضوء خافت بشدة‪ ,‬ال موسيقى‬
‫صاخبة‪ ,‬ال ظهور مفاجئ مرعب جيعله يرتد للخلف‪..‬‬

‫هل انصاعت حلديثه يف الصباح ورحلت؟‪..‬‬

‫ملعت عيناه مبتسما بسعادة متمنيا ذلك‪..‬‬

‫حترك خبطوات متأنية‪ ,‬إال أن ابتسامته جتمدت مع اتساع عينيه بذهول‪,‬‬

‫وهو يراها أمامه تقف جبسد مائل‪ ,‬مستندة على أحد جدران املنزل‪ ,‬تنظر إليه‬
‫اببتسامة انعمة‪,‬‬

‫وترتدي‪.....‬‬
‫‪92‬‬
‫فغر فاهه يكتم أنفاسه وهو يتفحصها من أعلى رأسها بشعرها األسود املسرتسل‬
‫على أحد كتفيها بتموجات رقيقة‪,‬‬

‫وجهها الناعم بلمسات خفيفة من مستحضرات جتميل‪,‬‬

‫عيناها مرسومتان بكحل أسود ُمظهرا لوهنما البين كشيكواله ذائبة تدعوك للغوص‬
‫فيهما‪,‬‬

‫وجنتاها املتوردتني‪ ,‬وشفتاها احلمراوين بدعوة صارخة للخطيئة‪..‬‬

‫يهبط بنظراته إىل عنقها الطويل الظاهر بسخاء‪ ,‬مع كتفها املتهدل من عليه‬
‫القميص‪ ,‬أبزراره الثالث املفتوحة‪ ,‬فتتيح إليه النظر بكل وضوح‪..‬‬
‫‪93‬‬
‫أليس هذا قميصه‪ ..‬واملفضل!‪..‬‬

‫التوت زاويتا شفتيه اببتسامة ذئب مفرتس‪ ,‬يقرتب منها خبطوات مدروسة‪,‬‬

‫عيناه ال ترتكاهنا‪,‬‬

‫وهي تراقب خطواهتا بعينني انعستني وابتسامة مدروسة إبغواء‪,‬‬

‫ترى أتثريها عليه بكل وضوح‪,‬‬


‫ِ‬
‫أحسنت تينا‪"..‬‬ ‫فتثين على نفسها بشدة‪":‬‬

‫وصل إليها ال يكاد يفصلهما سوى خطوة‪ ,‬قبل أن مييل عليها‪,‬‬

‫‪94‬‬
‫هامسا أبذهنا‪ ":‬أر ِ‬
‫اك ترتدين قميصي‪"..‬‬

‫مصاحبا مهساته بلمس بشرة عنقها أبطراف أصابعه بتلكؤ مقصود‪..‬‬

‫مالت برأسها للجانب قليال بقدر ما يتيح هلا النظر لعينيه‪,‬‬

‫ترمش بعينيها مسبلة أهداهبا‪ ,‬مهمهمة مبوافقة انعمة‪,‬‬

‫مرر لسانه على شفته السفلى دون أن يفقد ابتسامته اللعوب‪ ,‬مييل برأسه قليال‪,‬‬
‫ماسا بشفتيه عنقها‪ ,‬مسببا رعشة بكل جسدها‪,‬‬

‫يده تتلمس قماش القميص بلمسات خفيفة كالفراشات‪ ,‬جعلها تبتلع ريقها‬
‫بصعوبة‪ ,‬وأنفاسها تثقل‪,‬‬
‫‪95‬‬
‫وهو يسأهلا برتقب مثري‪ ":‬هل ترتدين شيء ما أسفله؟‪"..‬‬

‫ازدادت ضرابت قلبها‪ ,‬تقصف بصدرها الذي عال وهبط بشكل ملحوظ أمامه‪,‬‬

‫تعض على شفتها السفلى بقوة‪,‬‬

‫إال أهنا مهست ببحة لذيذة غامضة‪ ":‬رمبا‪"..‬‬

‫هز رأسه ابستحسان مثري‪ ,‬يهمس إليها بعبث‪ ":‬جيد‪"..‬‬

‫جسده يلتصق جبسدها ال يفصلهما سوى قماش مالبسهما‪,‬‬

‫واليت تشعر ابلسخط منها‪ ,‬تريد أن ترى جسده العضلي الذي افتتنت به؛‬

‫‪96‬‬
‫حني نزع قميصه يوم فوزه ابلسباق‪ ,‬يقفز بطريقة جعلتها تود القفز إليه‪,‬‬

‫وتنقض عليه ُمقبلة إايه‪..‬‬

‫أنفاسها خرجت متقطعة حني شعرت بيديه تتالعب أبزرار القميص‪,‬‬

‫قبل أن يبدأ بفك أزراره ببطء مستفز ألعصاهبا‪,‬‬

‫ومع انتهائه من فك مجيع األزرار‪,‬‬

‫أغمضت عينيها متنهدة أبنفاس متهدجة‪,‬‬

‫وهي تشعر به يبعد طريف القميص عنها‪ ,‬فيسقط عن كتفيها يستقر أسفل قدميها‪,‬‬

‫‪97‬‬
‫مسعته يهمس بنربة متالعبة‪ ":‬هل تعلمني أن هذا هو قميصي املُفضل‪,‬‬

‫ما أرتديه كل سباق؟‪"..‬‬

‫هزت رأسها موافقة دون قدرة على احلديث‪,‬‬

‫فعاد يقول بنربة غامضة‪ ":‬هل تعلمني ما سأفعله اآلن بسبب ارتداءك قميصي؟‪"..‬‬

‫كتمت أنفاسها دون قدرة على فتح عينيها‪ ,‬حني شعرت به يهبط قليال‪,‬‬

‫فتنتظر بتوق ما سيفعله‪ ,‬وهو يعود ليقف أمامها جمددا صامتا‪..‬‬

‫‪98‬‬
‫مث وبلحظة واحدة تغريت نربته‪ ,‬ليقول ابستياء حانق‪ ":‬سأقوم بغسله جيدا‬

‫أيتها احلمقاء السخيفة‪"..‬‬

‫جتمدت أبرضها تفتح عينيها على اتساعهما‪ ,‬تنظر إليه بذهول‪,‬‬

‫شاعرة ابلبالهة‪,‬‬

‫مرددة‪ ":‬ماذا؟‪"..‬‬

‫زم شفتيه بقوة‪ ,‬ونظراته تبدلت لغاضبة‪ ,‬بعيدة متام البعد عن تلك السابقة‬

‫برغبة واضحة‪ ,‬يتحرك من أمامها بسخط واضح‪,‬‬

‫‪99‬‬
‫يتمتم بكلمات تسمعها بوضوح‪ ":‬غبية‪ ..‬مستفزة‪ ..‬تستويل على أشيائي‬

‫بكل وقاحة‪ ..‬وتظنين سأقع فريسة هلا‪"..‬‬

‫وهي تقف مكاهنا ال تزال ال تستطيع التحرك‪,‬‬

‫متسائلة بغباء‪ ":‬ما الذي حدث للتو!‪"..‬‬

‫هزت رأسها تنفض ذهوهلا مما حدث‪ ,‬ذلك املعتوه البارد كل ما فعله منذ دقيقتني‬
‫جمرد متثيل!‪..‬‬

‫سرتيه‪ ..‬عضت على شفتيها بغيظ تكاد تبكي قهرا منه‪ ,‬تتحرك اجتاه الغرفة‪,‬‬

‫‪100‬‬
‫جتذب فستان قطين قصري ترتديه بعصبية‪ ,‬تتحرك ذهااب وإاياب تسبه بكل الكلمات‬
‫اليت تعرفها‪,‬‬

‫تود لو تستطيع أن تضرب رأسه بتلك القطعة اخلزفية أمامها‪ ,‬لكنها لن تيأس‪..‬‬

‫هي قررت أنه سيكون هلا‪ ..‬لن يدق قلبها دون مقدمات لذلك الغيب على غري‬
‫العادة‪ ,‬ويكون مصريها البقاء هكذا‪ ,‬يتجاهلها‪ ,‬يُشعرها بعدم التقدير‪..‬‬

‫عادت خترج من الغرفة‪ ,‬ابحثة عنه‪ ,‬فتجده قد بدل مالبسه‪,‬‬

‫جيلس أبرُيية على أحد األرائك‪,‬‬

‫مشغوال بتصفح بعض األشياء على حاسوبه اخلاص‪,‬‬


‫‪101‬‬
‫اقرتبت ببطء‪ ,‬تقف خلفه تراه يقرأ برتكيز شديد عن بعض حمركات السيارات‪,‬‬

‫مالت جبسدها إىل ظهر األريكة‪ ,‬وقد عادت للمحاولة مرة أخرى‪,‬‬

‫يدها تتالعب خبصالت شعره القصرية نسبيا‪,‬‬

‫متسائلة بنعومة‪ ":‬دميي‪ ..‬ماذا تفعل؟‪"..‬‬

‫قلب عينيه مبلل‪ ,‬يسمعها تنطق امسه املختصر وكأنه رفيقها‪,‬‬

‫فيجيبها بفظاظة‪ ":‬كما ترين عزيزيت‪ ..‬أابشر عملي الذي تعطليين عنه اآلن‪..‬‬
‫ِ‬
‫صفاتك املتعددة!‪"..‬‬ ‫أم ِ‬
‫أنك مصابة ابلعمى مثل ابقي‬

‫‪102‬‬
‫جزت على أسناهنا بغيظ‪ ,‬تزفر ابشتعال‪ ,‬متيل عليه أكثر تكاد حتتضنه‪,‬‬

‫متسائلة بنربة شبه ابكية بيأس‪ ":‬دمييرتي‪ ..‬أال أحرك بداخلك أي شيء؟‪"..‬‬

‫دون تفكري‪ ,‬قال بقوة‪ ":‬ال‪"..‬‬

‫مييل جبسده للجانب‪,‬‬

‫فتنكب على وجهها‪ ,‬منقلبة رأسا على عقب على األريكة جبواره بطريقة ُخمزية‪,‬‬

‫وهو ال يعريها انتباها‪..‬‬

‫اعتدلت حبركة حادة‪ ,‬ترمقه بنظرة حاقدة‪,‬‬

‫‪103‬‬
‫قبل أن هتدر بعصبية‪ ":‬أيها الوغد البارد‪ ..‬أان أريد الرحيل‪"..‬‬
‫اآلن قد جذبت انتباهه‪ ,‬التفت إليها اببتسامة واسعة‪,‬‬
‫يقول ببساطة دون أن خيفي نربة السعيدة‪ ":‬هذا ما أمتناه‪ ..‬ارحلي‪"..‬‬
‫بروده الذي يوازي القطب الشمايل‪,‬‬
‫جيعلها تشعر وكأن هناك محم بركانية مشتعلة تنصهر بداخلها‪,‬‬
‫حسنا دمييرتي انتظر وسرتى‪..‬‬
‫رفعت ذقنها إبيباء‪ ,‬ختربه بنربة جامدة‪ ":‬سأرحل‪ ..‬لكن عليك أن توصلين‪..‬‬
‫وأريد مقابلة جوزيت‪"..‬‬

‫‪104‬‬
‫عقد حاجبيه بدهشة‪ ,‬يسأهلا‪ ":‬ما الذي تريدينه منها؟‪"..‬‬
‫إال أهنا مل ترضي فضوله‪ ,‬وجلست جبسد منتصب عاقدة ذراعيها أمام صدرها‪,‬‬
‫جتيبه بفظاظة متاثله‪ ":‬ليس من شأنك‪ ..‬اوصلين وحسب‪"..‬‬
‫مط شفتيه للجانب بال مباالة‪ ,‬مغمغما‪ ":‬حسنا‪ ..‬ما يهمين أن ترحلي عين‪..‬‬
‫ِ‬
‫قتلتك جوزيت‪"..‬‬ ‫وال أهتم إن‬
‫أما هي فعقلها يفكر وخيطط ملا ستفعله بتلك املقابلة‪,‬‬
‫اليت سيرتتب على أساسها الكثري والكثري‪..‬‬

‫*************‬
‫‪105‬‬
‫بعد يومان أهنى دمييرتي بعض أعماله اخلاصة‪ ,‬انطلق معها إىل بلدهتا‪ ,‬قاصدا منزل‬
‫جوزيت‪..‬‬

‫طوال الطريق كانت متجهمة‪ ,‬مل تتحدث معه أبي شيء‪ ,‬وهذا غريب على طبيعتها‬
‫الثراثرة اليت عرفها خالل تلك األايم السابقة‪,‬‬

‫لكنه مل يكرتث‪ ,‬فهو سينتهي اليوم من كل ذلك‪ ,‬ويعود حلياته الطبيعية‪..‬‬

‫حني وصال ملنزل جوزيت تفاجأت عمته به‪ ,‬وبتينا اليت أخربهتا أبدب أهنا تريد مقابلة‬
‫جوزيت‪..‬‬

‫حاولت والدة جوزيت أن ترفض بلباقة؛ إال أن تينا أصرت‪ ,‬فما كان منها إال أهنا‬
‫‪106‬‬
‫امتثلت ألمرها‪ ,‬وتركتها واقفة عند املسبح‪,‬‬

‫وذهب دمييرتي لغرفة املكتب حيث تلقى اتصاال هاتفيا من ابتريك‪..‬‬

‫صعدت غرفة جوزيت كي ختربها‪ ,‬دقت الباب لكنها مل جتد ردا كالعادة‪,‬‬

‫ففتحته‪ ,‬ودلفت ليقابلها ظالم الغرفة احلالك؛‬

‫رغم سطوع مشس الظهرية ابخلارج؛ فابنتها امللكومة مغلقة غرفتها‪.‬‬

‫مانعة دخول أشعة الشمس‪,‬‬

‫بستائر مسيكة حتجب الضوء‪ ,‬دافنة نفسها بني طيات الفراش‪..‬‬

‫‪107‬‬
‫هزت رأسها بيأس مما تفعله‪ ,‬وحتركت تزيح الستائر تفتح النافذة فتضيء الغرفة‪,‬‬

‫وصوت جوزيت الصارخ‪ ":‬اغلقي النافذة أريد النوم‪"..‬‬


‫ِ‬
‫رؤيتك‪"..‬‬ ‫نظرت إليها والدهتا بعدم رضا‪ ,‬مث قالت حبنق‪ ":‬هناك من يريد‬
‫دفنت وجهها أكثر ابلوسادة‪ ,‬تقول بصوت مكتوم‪ ":‬ال أريد رؤية أحد‪"..‬‬
‫ِ‬
‫تنتظرك ابألسفل‪"..‬‬ ‫زفرت بيأس‪ ,‬مث قالت‪ ":‬إهنا تينا‪..‬‬
‫عند مساعها السم تينا انتفضت من الفراش‪ ,‬صارخة بذهول‪ ":‬من!‪"..‬‬
‫ِ‬
‫تنتظرك‪..‬‬ ‫ارتفع حاجب والدهتا مبكر‪ ,‬جتيبها بتلكؤ مشددة على كل حرف‪ ":‬تينا‪..‬‬
‫ابألسفل‪"..‬‬

‫‪108‬‬
‫اشتعلت عيناها جبنون‪ ,‬صدرها يعلو وينخفض ابنفعال‪ ,‬مث انطلقت كزوبعة من‬
‫غرفتها‪,‬‬

‫هادرة‪ ":‬تلك احلقرية سأريها‪ ..‬سأقتلها‪"..‬‬

‫صوهتا الصارخ وصل تينا الواقفة تنظر ملياه املسبح بشرود‪ ,‬فانتبهت لتلك العاصفة‬
‫املندفعة إليها تنوي االنقضاض عليها‪,‬‬
‫ِ‬
‫سأقتلك تينا‪"..‬‬ ‫متوعدة‪":‬‬

‫تنحت للجانب قليال مبتعدة عنها‪ ,‬فتعثرت جوزيت حتاول االتزان‪ ,‬كي ال تسقط‬
‫ابملسبح؛‬
‫‪109‬‬
‫لكن تينا دفعتها متعمدة‪ ,‬فسقطت مع صرختها املراتعة‪..‬‬
‫ِ‬
‫جنونك ولو قليال!‪"..‬‬ ‫متسائلة مبلل‪ ":‬هل هدأ املاء‬

‫رفعت وجهها الغارق ابملياه كجسدها تنظر إليها بكره ترتعش من فرط عصبيتها‪,‬‬
‫جتز على أسناهنا املسكينة تكاد حتطمهم‪,‬‬

‫يف حني تقابلها نظرات تينا اهلادئة حباجب مرفوع بتحدي‪,‬‬

‫جعلها تستشيط غيظا أكثر‪ ,‬صادحة‪ ":‬أيتها الوقحة‪ ..‬كيف أتتني إىل هناك!‪"..‬‬

‫زفرت بضجر فهي تعرف جنوهنا مث قالت هبدوء‪ ":‬اهدئي جوزيت‪ ..‬أريد التحدث‬
‫ِ‬
‫معك فقط‪"..‬‬
‫‪110‬‬
‫إال أهنا مل تكن تفكر لكي تتحدث رؤيتها لتينا أمامها؛ جيعل اجلنون يرتاقص أمام‬
‫عينيها‪ ,‬متذكرة زواجها من حبيبها اخلائن‪,‬‬
‫فتقول بعنف من بني أسناهنا املطبقة‪ ":‬كيف جتر ِ‬
‫أت على القدوم إىل هنا بعد‬
‫ِ‬
‫بوقاحتك‪"..‬‬ ‫ما فعلتِه!‪ ..‬مل أرى‬

‫أخذت نفسا عميقا تزفره بروية‪ ,‬قبل أن تنخفض أمامها جتثو على ركبتيها‪,‬‬

‫قائلة حبق‪ ":‬توقفي عن هذا اجلنون جوزيت‪ ..‬أتيت إىل هنا لنضع حال ملا ُيدث‪"..‬‬
‫ِ‬
‫سرقت حبييب‪..‬‬ ‫هزت رأسها رفضا بعنف‪ ,‬تتناثر املياه حوهلا‪ ,‬هادرة‪ ":‬أي حل وقد‬
‫أان‪"........‬‬
‫‪111‬‬
‫لكنها قاطعتها بنفاذ صرب صارخة‪ ":‬توقفي‪ ..‬أان مل أسرق ذلك األمحق‪ ..‬لقد‬
‫أُجربت على األمر‪ ..‬وهو كذلك‪"..‬‬

‫صمتت مرتدة برأسها للخلف مع صراخ تينا بوجهها‪ ,‬تزم شفتيها بقوة‪,‬‬

‫مث غمغمت بنزق‪ ":‬ال تنعتيه ابألمحق‪"..‬‬

‫كتمت غيظها منها‪ ,‬مث عادت تقول بصرب‪ ":‬جوزي عزيزيت‪ ..‬هل حتبني مارتن؟‪"..‬‬

‫ملعت عيناها‪ ,‬ولكن تعابري وجهها شعت ابستنكار هلكذا سؤال‪,‬‬


‫إيل إن كنت تريدين عودته ِ‬
‫إليك‪"..‬‬ ‫فأكملت تينا دون انتظار‪ ":‬حسنا‪ ..‬استمعي َّ‬

‫‪112‬‬
‫نظرت إليها بشك‪ ,‬تسأهلا حباجب مرفوع‪ ":‬هل تريدين أن تقنعيين ِ‬
‫أنك تريدين‬
‫مساعديت الستعادة مارتن!‪ ..‬هكذا ودون مقابل!‪"..‬‬
‫ِ‬
‫سأزوجك إايه‪..‬‬ ‫التوت زاويتا شفتيها اببتسامة غامضة‪ ,‬جتيبها ببساطة‪ ":‬بل‬
‫لكن‪".....‬‬

‫قطعت حديثها بتعمد ترى الفضول بعيين جوزيت تنتظرها‪,‬‬

‫متسائلة بنفاذ صرب‪ ":‬ماذا؟‪ ..‬ماذا تريدين؟‪"..‬‬

‫_أريد دمييرتي‪..‬‬

‫‪113‬‬
‫عقدت حاجبيها بعدم فهم مع نربة تينا اليائسة‪,‬‬

‫مرددة بغباء‪ ":‬تريدين دمييرتي!‪"..‬‬

‫هزت رأسها إجيااب‪ ,‬متنهدة حبرارة‪ ":‬أان معجبة به للغاية‪"..‬‬

‫مع هناية مجلتها صدحت ضحكة جوزيت الراننة‪ ,‬يهتز جسدها من قوهتا حىت‬
‫دمعت عيناها‪..‬‬
‫ِ‬
‫يضحكك!‪"..‬‬ ‫عبست تينا ابستياء‪ ,‬تزجرها‪ ":‬ما الذي‬

‫دون قدرة على التوقف قالت بتقطع‪ ":‬تريدين دمييرتي!‪ ..‬اي إهلي ال أصدق‪"..‬‬

‫‪114‬‬
‫مث تزداد ضحكاهتا لتستفز األخرى‪,‬‬

‫فتنهض حبدة موخبة‪ ":‬كفى ضحكا‪ ..‬ال أرى األمر مضحكا‪"..‬‬

‫توقفت قليال تلهث واضعة يدها على صدرها‪ ,‬تقول ببقااي ضحكها‪ ":‬بل األمر‬
‫ُمضحك للغاية‪ ..‬أمل جتدي سوى دمييرتي البارد لتعجيب به!‪"..‬‬

‫ختصرت تينا زامة شفتيها حبنق‪ ,‬مع هزها لساقها بعصبية‪,‬‬

‫جتيبها بتهكم ممتعض‪ ":‬كما مل جتدي سوى مارتن السخيف كي حتبيه‪"..‬‬

‫نظر كالمها إىل بعضهما البعض بنظرات انرية‪,‬‬

‫‪115‬‬
‫قبل أن تسبل تينا أهداهبا زافرة بقوة‪,‬‬
‫ِ‬
‫سأزوجك مارتن‬ ‫ِ‬
‫سأساعدك‪..‬‬ ‫قائلة ابقتضاب‪ ":‬يكفي هذا‪ ..‬ما أريد قوله‪..‬‬

‫كي أستطيع احلصول على دمييرتي‪ ..‬وأختلص من إحلاح زوجة أيب‪"..‬‬

‫اتسعت عينا جوزيت جبنون يالزمها كلما استمعت السم ماري والدة مارتن‪,‬‬

‫لكنها قالت إبصرار‪ ":‬حسنا‪ ..‬ماذا سنفعل؟‪"..‬‬


‫ِ‬
‫سأخربك‪"..‬‬ ‫ابتسمت تينا بتآمر تعود لتجثو أمامها‪ ,‬قائلة‪":‬‬

‫************‬

‫‪116‬‬
‫بعد خروجها من منزل جوزيت عادت ملنزهلا‪ ,‬فقابلتها ميال حبفاوة تقبلها‪ ,‬وتسأهلا‬
‫عما حدث‪,‬‬

‫ووالدها الذي هرع إليها ُيتضنها بقوة‪ ,‬يتفحصها إن كان قد أصاهبا مكروه‪,‬‬

‫يعاتبها على رحيلها هبذه الطريقة‪ ,‬مسببة الكثري من املشاكل‪,‬‬

‫لكن قاطع ذلك ظهور ماري اليت اقرتبت خبطوات مشتعلة‪ ,‬انظرة إليها شزرا‬
‫بغضب‪,‬‬

‫قابلته تينا هبدوء‪ ,‬تقرتب منها متأسفة بزيف‪ ,‬تتودد إليها بتصنع‪ ,‬تبدي أسفها على‬

‫ما فعلته‪ ":‬آسفة‪ ..‬مل أقصد ما فعلته‪"..‬‬


‫‪117‬‬
‫إال أن ماري مل تكلف نفسها عناء الرد‪ ,‬تعاتبها بنظراهتا الساخطة‪,‬‬

‫قبل أن تشيح بوجهها عنها‪,‬‬

‫وتينا تعلم أنه السكون الذي يسبق العاصفة‪,‬‬

‫فاقرتبت منها تسبل أهداهبا أبسى مفتعل‪ ,‬معللة غضبها حني علمت ابخلدعة‪,‬‬

‫فتضيف‪ ":‬لقد فوجئت ابألمر‪ ..‬ومل أستطع التفكري‪"..‬‬

‫التفتت إليها حبدة‪ ,‬تعنفها حبنق‪ ":‬وهل هذا يربر ما فعلتِه تينا!‪ ..‬لقد أصبحنا‬
‫حديث اجلميع‪"..‬‬

‫‪118‬‬
‫مث بدأت ابلنواح تبكي‪ ,‬متحسرة‪ ":‬اي هلا من فضيحة‪ ..‬اجلميع يتحدث من خلف‬
‫ظهري‪ ..‬أمسعهم يتهامسون بسخرية عين‪"..‬‬

‫رمقتها بنظرة مغتاظة‪ ,‬قبل أن تُكمل خبيبة‪ ":‬أنتم ال تفكرون سوى أبنفسكم‪..‬‬

‫ال تفكرون يب أبدا‪ ..‬هل هذا جزاء تربييت لكم لرتدوه إيل هبذا الشكل!‪"..‬‬

‫نظرت كل من تينا وميال لبعضهما البعض مبلل‪,‬‬

‫مث اقرتبت منها تضع يدها على كتفها‪ ,‬تتوسلها برقة‪ ":‬آسفة ال تغضيب‪..‬‬

‫سأفعل ما تريدينه‪"..‬‬

‫‪119‬‬
‫أزاحت يدها حبنق‪ ,‬هتدر بعصيبة مشتعلة‪ ":‬مل أعد أريد ِ‬
‫منك شيئا‪ ..‬ابتعدي عين‪"..‬‬

‫رمست تعابري البؤس على مالحمها‪ ,‬تنظر إليها حبزن مصطنع‪ ":‬أمل تعودي تريدينين!‪"..‬‬

‫مث احتضنتها وسط‪ ,‬متلملها حتاول التملص منها‪,‬‬

‫فتقول بنعومة مستسلمة‪ ":‬سأفعل ما تريدينه‪ ..‬أمي‪"..‬‬

‫توقفت ماري عن احلركة لسماعها كلمة أمي‪,‬‬

‫فتينا تقوهلا حني حتاول اسرتضائها‪,‬‬

‫فتسأهلا بشك من فوق كتفها‪ ":‬أحقا ما تقولني!‪"..‬‬

‫‪120‬‬
‫هزت رأسها بقوة مؤكدة‪ ":‬بلى‪ ..‬سأتزوج مارتن كما تريدين‪ ..‬أمي‪"..‬‬

‫مشددة على كلمة أمي من بني أسناهنا بغل‪,‬‬

‫فتشعر ابسرتخاء جسد ماري‪ ,‬قبل أن تبتعد عنها مهللة‪ ":‬هذه هي طفليت‪..‬‬
‫أان ِ‬
‫أحبك تينا‪ ..‬حىت أكثر من تلك احلمقاء ميال‪ِ ..‬‬
‫أنت ابنيت املطيعة‪"..‬‬

‫ارتفع حاجب ميال ابستنكار مما تقوله والدهتا إال أهنا مل تعلق‪..‬‬

‫وهي تراها تبدأ إبعداد األمر‪ ,‬وكأن شيء مل يكن‪..‬‬

‫‪121‬‬
‫وكل ذلك حتت أنظار مارتن‪ ,‬الذي ما أن رأى تينا حىت اتسعت عيناه‪,‬‬

‫وهوى قلبه بني قدميه وهو يستمع للحديث‪,‬‬

‫صامتا غري قادر على االعرتاض‪ ,‬فوالدته العزيزة أصدرت التعليمات إبقامة الزفاف‬
‫مرة أخرى بعد عشرة أايم‪,‬‬

‫وحني حاول الرفض تصنعت املرض ابكية‪ ,‬مما دفعه جملاراهتا‪ ..‬ساخطا على رجوع‬
‫تينا‪..‬‬

‫***************‬

‫‪122‬‬
‫يف غرفتها جلست هي وميال ختربها عما حدث معها‪ ,‬وعن دمييرتي وإعجاهبا به‪,‬‬
‫وكيف كان ابردا معها مصيبا إايها ابإلحباط الشديد‪,‬‬

‫عيناها ملعتا بربيق حني تذكرته وهو يقود سيارة السباق‪ ,‬كيف وجدت نفسها تقفز‬
‫وتنادي ابمسه تشجعه واقعة حببه‪ ,‬ذلك احلماس الذي يدب أبوصاهلا كلما رأته‬
‫فينتفض قلبها شوقا إليه‪,‬‬

‫حىت حماوالهتا إلغوائه مل تغفلها‪ ,‬وحني شعرت ابليأس منه‪..‬‬

‫ذهبت جلوزيت‪ ,‬واضعة خطة ليقوما بتنفيذها‪..‬‬

‫لكنها على حني غرة وجدت ميال تنتفض واقفة‪,‬‬


‫‪123‬‬
‫تصرخ حبدة‪ ":‬تينا أيتها اخلائنة‪"..‬‬

‫عقدت تينا حاجبيها بدهشة من غضبها الغري مربر‪ ,‬تسأهلا‪ ":‬ما الذي تقولينه؟‪"..‬‬
‫لكن ميال عبست بوجهها‪ ,‬تعاتبها بسخط‪ ":‬مل ختربيين ِ‬
‫أنك مع دمييرتي‪ ..‬كيف‬
‫تفعلني ذلك يب؟‪ ..‬أال تعلمني أنين معجبة به!‪"..‬‬
‫ارتفع حاجبها تلقائيا‪ ,‬تنظر إليها كمن ينظر ملعتوهة‪ ,‬قائلة‪ ":‬لقد أخرب ِ‬
‫تك ميال‪,‬‬
‫ِ‬
‫نسيت؟‪"..‬‬ ‫أم‬

‫عقدت ذراعيها أمام صدرها عابسة كاألطفال‪,‬‬

‫‪124‬‬
‫ترميها بنربة اهتام‪ ":‬ال مل ختربيين أن دمييرتي هو نفسه "دي أم‪ ..‬لوجن"‬

‫قائد سباق السيارات‪ ..‬ال تعرفني كم توسلت جلوزيت كي تعرفين عليه؛‬

‫كنت معه‪..‬‬ ‫أنت وختربيين ِ‬


‫أنك ِ‬ ‫إال أن تلك اللئيمة مل تفعل‪ ,‬وأتتني ِ‬

‫هذه خيانة ال أقبل هبا‪"..‬‬

‫هزت رأسها بيأس من رفيقتها‪ ,‬ختربها ابمتعاض‪ ":‬ميال ِ‬


‫أنت تعجبني أبي شخص‬

‫تقابلينه‪ ,‬كم عدد أبطال الرواايت اليت حتبينهم!‪"..‬‬

‫‪125‬‬
‫هزت كتفها خبفة‪ ,‬جتيبها حبرية‪ ":‬ال أعرف لقد توقفت عن العد بعد اخلمسني‪"..‬‬
‫ِ‬
‫بغرفتك‪,‬‬ ‫_كم صورة ِ‬
‫لديك ِ‬
‫قمت جبمعها وتعليقها‬

‫والبقية حتتفظني هبم مبجلدات ملمثلني‪ ,‬والعيب الرايضات املختلفة‪,‬‬


‫وعابري الطريق‪ ,‬حىت معلمي املدرسة ِ‬
‫كنت تلتقطني هلم الصور‪..‬‬

‫زمت شفتيها للجانب تنظر بطرف عينها بعيدا عنها ال تستطيع الرد‪,‬‬

‫فهي مهووسة أبي رجل وسيم‪ ,‬خاصة إن كانت مهنته مثرية لالهتمام‪ ,‬وجسده‬
‫أكثر إاثرة‪,‬‬

‫‪126‬‬
‫فعادت تقول بعناد‪ ":‬ال أهتم‪ ..‬لكنه دي أم‪ ..‬لوجن‪"..‬‬
‫زفرت بيأس منها‪ ,‬لكنها قالت مهادنة‪ ":‬ساعديين وسأقوم بتعر ِ‬
‫يفك على قائدي‬
‫سباق سيارات مثريين‪ ,‬فأان تعرفت على أحد العاملني ابجملال‪"..‬‬

‫ملعت عينا ميال إباثرة‪ ,‬تقفز اجتاهها‪,‬‬

‫هاتفة بلهفة‪ ":‬حقا ستفعلني؟‪ ..‬حسنا‪ ..‬حسنا‪ ..‬لنقم ابألمر سريعا‪"..‬‬

‫ضحكت من تبدهلا ومحاسها‪ ,‬مث بدأت تسرد عليها دورها ابخلطة‪..‬‬

‫***************‬

‫‪127‬‬
‫على غري العادة طلبت منه تينا أن يذهب معها إىل زفاف إحدى رفيقاهتا‪,‬‬

‫وحني رفض أبدب متعلال ابلعمل‪ ,‬مل تتوقف‪ ,‬بل أحلت عليه‪,‬‬

‫مث جلأت تلك اللئيمة إىل والدته كي جتعله يذهب معها‪ ,‬ختربه أن األمر سيكون جيدا‬
‫لتحسني مظهرمها أمام اجلميع وقد ابت الزفاف بعد ثالثة أايم‪..‬‬

‫وها هو يقود السيارة وهي جبواره‪ ,‬وابملقعد اخللفي ميال‪ ,‬منشغلة كعادهتا ابلتطلع‬
‫هلاتفها النقال‪ ,‬ولكنها تبدو غريبة بعض الشيء‪..‬‬

‫زفر حبنق للمرة اليت مل يعد يعرف عددها‪,‬‬

‫يرى ابملرآة األمامية غمزة ميال لتينا‪ ,‬فينعقد حاجبيه بريبة‪ ,‬هو يعرف أن هناك شيء‬
‫‪128‬‬
‫مريب‪ ,‬يشعر به‪ ,‬وتريبته معهما بنفس املنزل‪ ,‬جعله قادر على معرفة تلك الدالئل‬
‫اليت توحي بوقوع الكوارث‪..‬‬

‫غري قادرا على كبت فضوله يسأهلما‪ ":‬ما الذي ختططان له؟‪"..‬‬

‫عادت ميال هلاتفها دون رد‪ ,‬يف حني هزت تينا كتفها خبفة‪ ,‬جتيبه هبدوء‪ ":‬ال شيء‪"..‬‬

‫هز رأسه دون اقتناع‪ ,‬ومل يعقب‪ ,‬حني وصلوا للمكان الذي سيُقام به الزفاف‪..‬‬

‫ترجل ثالثتهم من السيارة‪,‬‬

‫اقرتبت منه تينا متعلقة بذراعه فأجفل بدهشة من فعلتها‪ ,‬ينظر إليها‪,‬‬

‫‪129‬‬
‫فرمست ابتسامة رقيقة‪ ,‬جتيبه ببساطة‪ ,‬وهي تتحرك معه‪ ":‬علينا أن نعتاد األمر‬
‫عزيزي‪ ..‬سنتزوج بعد ثالثة أايم‪"..‬‬

‫نظر بطرف عينه للجانب زافرا بضيق‪ ,‬يتحرك معها آبلية‪ ,‬حىت دلفا جيلسان على‬
‫أحد املقاعد األمامية‪ ,‬وبعد دقائق انتبه حني مل جيد ميال معهما؛‬

‫فتساءل‪ ":‬أين ميال؟‪"..‬‬

‫دون أن تنظر إليه تتطلع حوهلا ابملكان‪ ,‬جتيبه‪ ":‬يف مكان ما‪"..‬‬

‫وقعت عيناها عليه‪ ,‬فخفق قلبها بشدة‪ ,‬وارتعش جسدها بطريقة ملحوظة‪,‬‬
‫شعر هبا مارتن فسأهلا‪ ":‬هل ِ‬
‫أنت خبري؟‪"..‬‬
‫‪130‬‬
‫ابتلعت ريقها اجلاف تومئ برأسها اجيااب‪ ,‬مفكرة حبنق ليس عدال أن يكون ذلك‬
‫البارد بتلك الوسامة‪ ,‬هبذه البذلة السوداء وكأهنا صممت ألجله‪..‬‬

‫زمت شفتيها بعبوس طفويل تلتمس الصرب‪ ,‬حتمس نفسها أنه مهما حدث سيكون‬
‫هلا‪..‬‬

‫ومع مضي بعض الوقت أتفف مارتن‪ ,‬ينظر حوله بضيق‪ ,‬قبل أن يعود لتينا يسأهلا‬
‫بضجر‪ ":‬تينا‪ ..‬لقد مللت مىت سيبدأ الزفاف؟‪"..‬‬

‫ملعت عيناها بشدة‪ ,‬وابتسامة خبيثة ترتسم على شفتيها‪,‬‬

‫جتيبه هبدوء‪ ":‬بعد قليل عزيزي‪"..‬‬


‫‪131‬‬
‫صمتت قليال مث أكملت متصنعة الدهشة‪ ":‬مل تسألين عن هذا الزفاف مارتن‪..‬‬
‫حىت مل تسأل من العروس!‪"..‬‬

‫مط شفتيه للجانب يقلب عينيه مبلل‪ ,‬مكررا بسخافة‪ ":‬زفاف من هذا؟‪"..‬‬

‫_جوزيت‪..‬‬

‫لوهلة مل يعي ما تقوله‪ ,‬فالتفت ينظر إليها‪ ,‬متسائال ببالهة‪ ":‬عفوا!‪"..‬‬

‫هزت كتفيها خبفة‪ ,‬جتيبه برباءة انعمة‪ ":‬إنه زفاف جوزيت‪..‬‬

‫إيل دعوة‪ ..‬واصرت على احلضور‪"..‬‬


‫لقد ارسلت َّ‬

‫‪132‬‬
‫اتسعت عيناه بطريقة مثرية للشفقة‪ ,‬وقد شحب وجهه‪ ,‬يسأهلا خبفوت‪ ":‬جوزيت‬
‫خاصيت!‪"..‬‬

‫التوت شفتيها أكثر اببتسامتها الشامتة‪ ,‬مصححة‪ ":‬كانت خاصتك مارتن‪ ..‬وأنت‬
‫اآلن ستتزوجين‪"..‬‬

‫تبدلت مالحمه وكسا وجهه االمحرار الشديد من الغضب‪ ,‬جعلها تتوجس قليال‬
‫حتاول البقاء اثبتة‪,‬‬

‫لكنها انتفضت‪ ,‬حني وقف حبدة‪,‬‬

‫يهدر جبنون‪ :‬أي محاقة هذه؟‪"..‬‬


‫‪133‬‬
‫التفتت إليهما الوجوه ابستنكار‪ ,‬فأرسلت إليهم نظرة معتذرة‪ ,‬تقف أمامه‪,‬‬

‫هامسة من بني أسناهنا‪ ":‬توقف أن جتذب األنظار‪"..‬‬

‫لكنه مل يكرتث فمن سيجذهبا من شعرها اآلن هي العروس املبجلة‪..‬‬

‫خبطوات سريعة ساخطة حترك من املكان‪ ,‬قاصدا الدور العلوي‪ ,‬يتحرك جبنون بني‬
‫األروقة حىت وصل للباب املنشود‪ ,‬واملعلق عليه الزينة واسم العروس‪..‬‬

‫دون مقدمات فتح الباب بعنف وتينا خلفه‪ ,‬فجفل من ابلغرفة ينظرون ابستنكار‬
‫لذلك الفظ الذي اقتحم الغرفة‪..‬‬

‫إال جوزيت اليت كانت واقفة أمام املرآة الطولية‪ ,‬تنظر لفستاهنا الضخم اببتسامة‬
‫‪134‬‬
‫خالبة‪ ,‬دون أن تلتفت إليه‪,‬‬

‫قالت بنربة خمملية مستنكرة‪ ":‬كيف تقتحم الغرفة هكذا؟‪ ..‬هذا تصرف مهجي‪"..‬‬
‫الهثا يكاد ينفث نرياان‪ُ ,‬يدق مبا حوله بتشوش الغضب‪ ,‬هدر جبنون‪ ":‬قد أر ِ‬
‫يك‬
‫اهلمجية حبق جوزيت‪ ..‬ما هذا اهلراء الذي ُيدث!‪"..‬‬

‫التفتت إليه ببطء صوت حفيف فستاهنا جيذبه بتلقائية‪ ,‬فيقف مبهورا مقطوع‬
‫األنفاس هو يراها هبذا الشكل‪..‬‬

‫وكأهنا أمرية من عامل اخليال جبماهلا االخاذ‪ ,‬يقف عاجزا عن االتيان حبركة‪ ,‬أو النطق‬
‫وقد نفذت منه الكلمات‪..‬‬
‫‪135‬‬
‫مل يدري مىت خرج من ابلغرفة هبدوء من حوهلما‪ ,‬وقد أخرجتهم تينا اتركة إليهما‬
‫املساحة مغلقة الباب خلفها‪..‬‬

‫حتركت جوزيت حىت وقفت أمامه‪ ,‬تسأله دون أن تفقد ابتسامتها‪ ":‬ما الذي تفعله‬
‫مارتن؟‪ ..‬ماذا تريد!‪"..‬‬
‫أنت‪ِ ..‬‬
‫أنت‪"......‬‬ ‫ابتلع ريقه بصعوبة‪ ,‬يهمس دون شعور ابنبهار‪ ":‬اي إهلي‪ِ ..‬‬

‫متعثرا بكلماته‪ ,‬اقرتبت منه أكثر‪ ,‬تردد هبمس رقيق‪ ":‬أان ماذا!‪"..‬‬

‫_ساحرة‪ ..‬مل أختيل أن تكوين هبذه الروعة‪..‬‬

‫مالت برأسها قليال للجانب تتطلع إليه‪,‬‬


‫‪136‬‬
‫مث اعتدلت بوقفتها بشموخ‪ ,‬قائلة بلطف‪ ":‬شكرا لك‪ ..‬لقد أتكدت اآلن أنين‬
‫سأُعجب العريس‪"..‬‬

‫مع ذكرها لكلمة عريس طار سحر اللحظة‪ ,‬وعاد غضبه‪ ,‬هادرا‪ ":‬أي أمحق هذا‬
‫من تنوين الزواج منه؟‪"..‬‬

‫هزت كتفها مع مطها لشفتها السفلى بال اكرتاث‪,‬‬

‫جتيبه ببساطة مغيظة‪ ":‬ليس من شأنك‪ ..‬سأتزوج من أريد‪"..‬‬

‫إال أن كلماهتا زادته جنوان‪ ,‬يصدح بشراسة‪ ":‬يف اجلحيم إن حدث ذلك‪ ..‬لن أمسح‬
‫ِ‬
‫لك‪"..‬‬
‫‪137‬‬
‫جنونه انتقل إليها لتتسع عيناها بغضب‪ ,‬صارخة ابشتعال‪ ":‬أبي حق أيها الوغد‬
‫حتاسبين!‪ ..‬ألن تتزوج بعد ثالثة أايم!‪"..‬‬
‫ِ‬
‫سأتزوجك بعد أن أقتل ذلك احلقري الذي جترأ على التفكري‬ ‫_لن ُيدث هذا!‪ ..‬بل‬
‫يف ِ‬
‫أخذك مين‪ ..‬وان اعرتض أحدهم طريقي سأقتله معه أيضا‪..‬‬

‫أهنى كلماته صارخا بعنف‪ ,‬مث توقف يلهث بقوة‪ ,‬وقد برزت عروقه يكاد ينفجر‪..‬‬

‫وهي تراقبه بدقات قلب تتقافز من الفرح؛ ومل تستطع كبح ابتسامتها اليت حتولت‬
‫لضحكة‪ ,‬مع قفزها بقدر ما يسمح هلا الفستان‪,‬‬

‫هاتفة بسعادة‪ ":‬أجل‪ ..‬أحسنت‪"..‬‬


‫‪138‬‬
‫عقد حاجبيه يرمقها بعدم فهم‪ ,‬حىت انتهت من قفزها‪,‬‬

‫وقالت بنربة مبتهجة‪ ":‬هذا ما كنت أريده‪"..‬‬

‫رمش بعينيه متسائال بغباء‪ ":‬تريديين أن أقتل العريس؟‪"..‬‬

‫هزت رأسها أيسا‪ ,‬ترفع ذراعيها تلفهما حول عنقه‪,‬‬

‫جتيبه اببتسامتها مستنكرة‪ ":‬إن قتلت عريسي من سأتزوج اي أمحق!‪"..‬‬

‫تشنج جسده بغضب‪ ,‬لكنها عادت تقول برقة‪ ":‬كنت أريدك أن تقول ذلك‪..‬‬
‫تتحدى اجلميع معلنا حبك يل‪"..‬‬

‫‪139‬‬
‫زم شفتيه بقوة قائال من بني أسنانه املطبقة بغضب‪ ":‬وماذا عن ذلك الوغد الذي‬
‫ستتزوجني منه؟‪"..‬‬

‫رفرفت بعينيها تعاتبه‪ ":‬ال تقل ذلك عليه‪"..‬‬

‫_ال تدافعي عنه وتثريي جنوين جوزيت‪..‬‬

‫رافعا يديه يفك ذراعيها من حول عنقه انفضا إايهم بقوة‪ ,‬يدور حول نفسه‬
‫ابهتياج‪ ,‬إال أنه تسمر مبكانه‪,‬‬

‫حني مسعها تقول‪ ":‬مل أكن ألتزوج غريك مارتن‪ ..‬أان مل أكن ألتركك لغريي أبدا‪"..‬‬

‫مشريا بيده ملا حوله‪ ,‬مستهجنا‪ ":‬حقا‪ ..‬وما ذلك إذا!‪"..‬‬


‫‪140‬‬
‫ابتسامة ماكرة لونت ثغرها‪ ,‬جتيبه ببساطة‪ ":‬زفايف‪"..‬‬

‫رمقها بنظرة مشتعلة؛ لتكمل‪ ":‬زفايف أان وأنت‪"..‬‬

‫هز رأسه ُياول الفهم وقد تلبسه الغباء اليوم‪ ,‬فعادت تقرتب منه‪,‬‬

‫تقول بصوهتا الناعم موضحة‪ ":‬هذا زفافنا مارتن‪ ..‬كانت خطة من تينا جلعلك‬
‫تشعر بفقداين فتثور ألجل حبك‪ ..‬ال أن تتزوجها بناء على طلب والدتك دافنا‬
‫سعادتك‪"..‬‬
‫ِ‬
‫ستحقك جوزي‪ ..‬أان‬ ‫ابتلع ريقه منكسا رأسه خبزي‪ ,‬هامسا أبسى‪ ":‬أان حقا ال أ‬
‫جبان‪"..‬‬
‫‪141‬‬
‫_وأان أحبك‪..‬‬

‫كلمتها جعلته يرفع رأسه انظرا إليها بعذاب‪ ,‬جعلها تستشيط غضبا‪,‬‬

‫تزجره بعصبية‪ ":‬كف عن تضييع الوقت واألسى على نفسك مارتن‪ ..‬هيا لدينا‬
‫زفاف ينتظران‪"..‬‬

‫ودون انتظار جذبت يده تتحرك خارجة من الغرفة؛‬

‫إال أنه جذب يده فتوقفت‪ ,‬تنظر إليه ابستفهام‪,‬‬

‫وهي تراه خيرج هاتفه من جيبه‪ ,‬يضغط على بعض األرقام‪,‬‬

‫‪142‬‬
‫مث يضعه على أذنه ينتظر الرد‪ ,‬وحني أاته‪,‬‬

‫وجدته يقول هبدوء‪ ":‬مرحبا أمي‪"..‬‬

‫اتسعت عينا جوزيت تفغر فاها لتتحدث؛‬

‫لكنه أشار إليها ابلصمت‪ ,‬مضيفا‪ ":‬أمي لقد قررت‪ ..‬سأتزوج جوزيت واليوم‪..‬‬

‫لن أستطيع أن أفقدها بعد اآلن‪"..‬‬

‫وصل جوزيت صراخ ماري املذهول‪,‬‬

‫ومارتن يكمل‪ ":‬سأتزوجها اآلن‪ ..‬تينا مبثابة ميال ابلنسبة يل‪ ..‬أما جوزي‪"..‬‬

‫‪143‬‬
‫صمت ينظر إليها بعشق‪,‬‬

‫مث أكمل بكلمات جعل قلبها صريع هواه أكثر‪ ":‬من ملكت قليب وروحي‪..‬‬
‫عذرا أمي لن أستطيع جمار ِ‬
‫اتك هذه املرة‪"..‬‬

‫ُمغلقا اهلاتف‪ ,‬يتحرك اجتاهها‪ ,‬ميد ذراعه إليها فتتعلق به دون أن ترتك عيناها‬
‫وجهه‪,‬‬

‫وهو يقول بعذوبة‪ ":‬هال حتركنا!‪ ..‬فاحلضور قد ضجروا من االنتظار‪"..‬‬

‫هزت رأسها موافقة تبتسم ابتساع أظهر أسناهنا‪ ,‬يتحركان حنو القاعة‪,‬‬

‫‪144‬‬
‫لكنها مل تستطع كبح سؤاهلا‪ ":‬ماذا كنت ستفعل إن كنت وجدتين مع أحدهم!‪"..‬‬
‫ِ‬
‫وتزوجتك‪"..‬‬ ‫ِ‬
‫محلتك على كتفي‬ ‫التفت بوجهه إليها جييبها ببساطة‪ ":‬كنت قتلته‪ ,‬مث‬

‫عضت على شفتها السفلى بقوة تشعر مبوجات السعادة تضرب كل عصب منها‪,‬‬

‫فتقول إباثرة‪ ":‬حسنا سأطالبك بذلك املشهد الذي حتملين فيه على كتفك‪ ,‬بعد‬
‫أن نتزوج‪"..‬‬

‫التوت زاويتا شفتيه اببتسامة لعوب عيناه تعداها ابلكثري‪,‬‬

‫حىت وصال لباب القاعة يدلفان منه وسط املوسيقى املنطلقة‪,‬‬

‫‪145‬‬
‫ووقفا أمام املذبح يتلوان عهودمها‪,‬‬

‫عهود انبعة من القلب دون أي كتابة أو ترتيب ُمسبق هلا‪..‬‬

‫تراقبهما تينا اببتسامة راضية‪ ,‬وجبوارها ميال تدمع عيناها من التأثر‪,‬‬

‫ترى أمامها رواية رومانسية تتجسد بكل ما فيها‪,‬‬

‫تتنهد حاملة متمنية أن حتصل على قصتها اخلاصة‪ ,‬ومع مجلة‬

‫"واآلن أعلنكما زوجا وزوجة‪ ..‬ميكنك أن تُقبل العروس‪"..‬‬

‫انتفض كل من تينا وميال تسرعان اجتاه العروسني‪,‬‬

‫‪146‬‬
‫مع رؤيتهما ملاري هترول للمكان‪ ,‬صارخة حبدة‪ ":‬أوقفوا هذا الزفاف يف احلال‪"..‬‬

‫أجفل مارتن ينظر بعينني متسعتني إىل والدته املتجهة حنومها‪,‬‬

‫لكن جوزيت قطعت إجفاله‪ ,‬حني مد ذراعها تلفه حول عنقه‪ ,‬وكفها يستقر على‬
‫مؤخرة رأسه‪ ,‬جتذبه إليها‪ ,‬شفتاها تعانقان شفتيه بقبلة سريعة‪,‬‬

‫قبل أن تبتعد عنه‪ ,‬انظرة ملاري‪ ,‬هاتفة بتحدي‪ ":‬ها قد تزوجنا‪"..‬‬

‫نقلت ماري نظراهتا بينها وبني مارتن‪ ,‬مث تينا‪ ,‬وميال الواقفة تنظر إليها ابرتياع‪,‬‬

‫تبتلع ريقها بصعوبة‪,‬‬

‫‪147‬‬
‫لتشعر ماري أن الدنيا تدور هبا‪ ,‬مرتحنة‪ ,‬ساقطة فاقدة الوعي‪ ,‬وسط ذهول احلضور‪,‬‬

‫وجوزيت تنظر إليها اببتسامة متشفية‪,‬‬


‫ِ‬
‫بغيظك‪"..‬‬ ‫متمتمة هبمس‪ ":‬تزوجته أيتها الشمطاء‪ ..‬مويت‬

‫نُقلت ماري للغرفة اليت كانت حتتلها جوزيت ابلطابق األول‪ ,‬ومعها ميال وتينا‪,‬‬

‫اليت وقفت تنظر ملارتن بشفقة‪ ,‬وهي ترى نظراته املُحملة ابلذنب لوالدته‪,‬‬

‫لكنها ربتت على كتفه‪ ,‬قائلة مبؤازرة‪ ":‬هيا مارتن‪ ..‬ستكون خبري‪ ..‬اذهب مع جوزي‬
‫واستمتعا بشهر العسل‪ ..‬تستحقا ذلك‪"..‬‬

‫‪148‬‬
‫نظر إليها‪ ,‬مث عاد بنظراته إىل والدته برتدد‪,‬‬

‫لكنها أصرت‪ ":‬حنن معها ال تقلق‪ ..‬هيا‪ ..‬فجوزيت ستنفجر قريبا‪"..‬‬

‫رمق جوزيت الواقفة عند الباب عاقدة ذراعيها أمام صدرها‪ ,‬تكاد تشتعل‪,‬‬
‫زم شفتيه بقوة‪ ,‬مث مال حمتضنا تينا‪ ,‬قائال خبفوت‪ ":‬شكرا ِ‬
‫لك عزيزيت‪..‬‬

‫على كل شيء‪"..‬‬

‫ربتت على ظهره خبفة‪ ,‬مث ابتعد عنها‪ ,‬يتجه لوالدته مييل عليها ُمقبال جبينها‪,‬‬
‫هامسا‪ ":‬أعتذر أمي لكنين أحبها‪"..‬‬

‫‪149‬‬
‫اعتدل بوقفته‪ ,‬مث حترك اجتاه جوزيت‪ ,‬ميد يده إليها‪ ,‬فتُمسك هبا بقوة‪,‬‬

‫قائال‪ ":‬هيا حبيبيت‪"..‬‬

‫فتح الباب وخرجا سواي‪ ,‬مث أغلقه خلفهما‪,‬‬

‫يف حني نظرت تينا الواقفة قرب النافذة إىل ميال اجلالسة جبوار والدهتا بقلة حيلة‪,‬‬

‫مث التفتت تنظر من النافذة ترى مارتن وجوزيت يستقالن السيارة‪ ,‬وينطلقا هبا‪,‬‬

‫استندت بكتفها على اجلدار وعيناها ال تفارقان النافذة متنهدة خبفوت‪,‬‬

‫إال أهنا اعتدلت حبدة‪ ,‬عيناها تتسعان‪ ,‬وهي ترى دمييرتي‪ ,‬يقف أسفل النافذة‪,‬‬

‫‪150‬‬
‫يتحدث ابهلاتف‪ ,‬تسمعه خيرب ُحمدثه أبنه راحل‪..‬‬

‫انتبهت ميال على حركتها الغريبة‪ ,‬وهي تتحرك خبطوات مشتتة‪ ,‬عيناها زائغتان‪,‬‬
‫فتسأهلا بقلق‪ ":‬ماذا هناك؟‪"..‬‬

‫علي اللحاق به‪"..‬‬


‫فتجيبها بنربة ملهوفة ابرتياع‪ ":‬إنه دمييرتي سريحل‪َّ ..‬‬
‫متسك ِ‬
‫حببك‪..‬‬ ‫_اذهيب اي محقاء‪ِ ..‬‬

‫ونربة ميال احلادة بتوبيخ‪ ,‬جعلتها هتز رأسها موافقة‪ ,‬تسرع إىل الباب‪ ,‬لكن قبل أن‬
‫تصل إليه عادت للنافذة‪,‬‬

‫وميال تراقبها بدهشة‪ ":‬ماذا هناك!‪"..‬‬


‫‪151‬‬
‫_إن ذهبت من الباب والدرج رمبا لن أحلق به‪..‬‬

‫اتسعت عينا ميال بذعر‪ ,‬وهي تراها تنزع حذائها‪ ,‬وترفع فستاهنا كي تستطيع تسلق‬
‫النافذة والقفز‪,‬‬

‫فتصرخ برعب‪ ":‬لن تفعليها جمددا‪"..‬‬

‫لكن تينا كانت قد وقفت على حافة النافذة بتحفز‪,‬‬

‫جتيبها بقوة‪ ":‬بل سأفعل‪"..‬‬

‫‪152‬‬
‫ودون تردد قفزت من النافذة‪ ,‬وسط صرخات ميال‪,‬‬

‫اليت أجفلت حني وجدت والدهتا ترتفع جبذعها معتدلة‪,‬‬

‫تسأهلا هبلع‪ ":‬ما الذي ُيدث؟‪ ..‬أين ذهبت؟‪"..‬‬

‫بذهول أجابتها مشرية بيدها ألسفل‪ ":‬لقد ذهبت لتلحق بدمييرتي‪ ..‬إهنا حتبه‪"..‬‬

‫ارتسم البؤس على وجه والدهتا‪ ,‬تنظر إليها شبه ابكية‪ ,‬يتحرك رأسها للجانبني‪,‬‬

‫قبل أن ترمتي للخلف مرة أخرى‪..‬‬

‫‪153‬‬
‫أما ابألسفل وكاملرة السابقة‪ ,‬وجد دمييرتي ظلها خييم فوق رأسه دون إنذار‪,‬‬

‫وهي تسقط عليه جبسدها‪ ,‬فيتسطح أرضا وهي فوقه‪..‬‬

‫ابتعدت عنه سريعا‪ ,‬تسأله بلهفة‪ ":‬هل أنت خبري دميي؟‪"..‬‬

‫متاوها اعتدل‪ ,‬يعض شفته السفلى بقوة‪ ,‬يشعر أبمل ُمربح بظهره‪ ,‬تلك احلمقاء‬
‫ستصيبه بعاهة بال ريب‪..‬‬

‫ومع إحلاحها ابلسؤال‪ ,‬نظر إليها بغضب‪,‬‬

‫يزجرها بعصبية‪ ":‬ألن تكفي عن فعل ذلك؟‪ ..‬دوما تسقطني فوق رأسي بال إنذار‪..‬‬
‫أمل تسمعي عن الدرج من قبل!‪"..‬‬
‫‪154‬‬
‫هنض متأملا بشدة‪ ,‬يتحرك مبتعدا عنها‪ ,‬متمتما بكلمات ساخطة‪ ,‬حىت وصل‬
‫لسيارته‪..‬‬

‫ولكن قبل أن تتحرك تينا خلفه‪ ,‬ألقت إليها ميال حذائها‪,‬‬

‫هاتفة مبرح‪ ":‬احلذاء سندريال‪ ..‬احلقي ابألمري اهلارب‪"..‬‬


‫ضحكت بسعادة‪ ,‬ملقية إليها قبلة ابهلواء هاتفة‪ِ ":‬‬
‫أحبك ميال‪"..‬‬

‫مث ركضت خلفه تركب سيارته‪ ,‬نظر إليها ابمتعاض‪,‬‬


‫يسأهلا بفظاظة‪ ":‬ألن أختلص ِ‬
‫منك قط!‪"..‬‬

‫‪155‬‬
‫فتجيبه بنفاذ صرب‪ ":‬لن تفعل‪ ..‬سأظل معك دوما حىت تعرتف حبيب أيها البارد‪..‬‬

‫أان أحبك وإن كنت ال تشعر يب‪"..‬‬

‫أغمض عينيه إبهناك‪ ,‬يتوسلها‪ ":‬توقفي عن الثرثرة‪"..‬‬

‫إال أهنا مل تفعل فتهدر حبدة‪ ":‬لن أتوقف‪ ..‬لقد قمت بكل ذلك كي أكون معك‪..‬‬
‫ال تظن أنين سأتركك أبدا‪ ..‬أان‪".........‬‬

‫إال أهنا أجفلت صارخة بذهول‪ ,‬حني وجدته ُميسك بيدها يضعها بني أسنانه‪,‬‬

‫يعضها بقوة‪,‬‬

‫‪156‬‬
‫سحبت يدها سريعا‪ ,‬تضم قبضتها املضمومة إىل صدرها‪,‬‬

‫تنظر إليه بعينني متسعتني بعدم تصديق‪ ,‬تفغر فاها لتتحدث وال تعرف‪,‬‬

‫ضي للتو!‪"..‬‬
‫وحني استطاعت جتميع الكلمات‪ ,‬سألته ابنشداه‪ ":‬هل قمت بع ّ‬

‫زفر بقوة‪ ,‬عابسا‪ ,‬يوخبها‪ ":‬مل تكفي عن الثرثرة‪ ..‬وهذا هو احلل الوحيد‪"..‬‬

‫حينها انفجرت به وقد نفذ صربها من فظاظته‪ ":‬أيها الغيب البارد‪ ..‬أمل تستمع‬

‫أبفضل وأقدم طريقة ابلتاريخ جلعل مرأة ُحمبة تصمت!‪"..‬‬

‫‪157‬‬
‫ارتفع حاجبه يسأهلا بتهكم ساخر‪ ":‬وما هي تلك الطريقة عزيزيت؟‪"..‬‬

‫جزت على أسناهنا بغيظ‪ ,‬تتوعده‪ ":‬حسنا دمييرتي سأريك‪"..‬‬


‫دون إنذار وجدها متيل عليه‪,‬‬
‫مدمدمة أمام شفتيه حبنق‪ ":‬هذه هي الطريقة‪"..‬‬
‫مث قبلته بقوة مشتاقة ايئسة‪ ,‬وللغرابة ابدهلا قبلتها‪,‬‬
‫بل لف ذراعه حول خصرها يقرهبا إليه‪ ,‬قبل أن يبتعدا الهثني طلبا للهواء‪,‬‬
‫فتتنهد بتثاقل هامسة‪ ":‬أحبك دميي‪"..‬‬

‫مط شفتيه للجانب بيأس‪ ,‬دون أن تفارق عينيه عينيها‪,‬‬


‫‪158‬‬
‫وعلي االعتياد على األمر‪"..‬‬ ‫قائال ابستسالم‪ ":‬يبدو أنين لن أختلص ِ‬
‫منك تينا‪َّ ..‬‬
‫اتسعت ابتسامتها السعيدة‪ ,‬ترمقه بعشق‪,‬‬

‫قائلة مبرح‪ ":‬أجل هذا ما عليك أن تعتاد عليه‪"..‬‬

‫مث حركت حاجبيها بتالعب‪ُ ,‬مضيفة بشقاوة‪ ":‬هذا ما جتنيه من وقوفك أسفل‬
‫النوافذ عزيزي‪"..‬‬

‫فيشاكسها ابلقول‪ ":‬أانل عروس من السماء‪"..‬‬

‫ضحكت هتز رأسها موافقة‪ ,‬وهو يدير حمرك السيارة‪ ,‬منطلقا هبا إىل شقته‪,‬‬

‫‪159‬‬
‫وهذه املرة دون غضب من اقتحامها حياته دون إنذار‪..‬‬

‫فالعروس اليت سقطت عليه قبال من السماء‪ ,‬لن ميكنه التخلص منها بسهولة‪..‬‬

‫ورمبا لن يفعل‪..‬‬

‫***************‬

‫‪160‬‬

You might also like