You are on page 1of 85

‫العمل التطوعي‬

‫دراسة فقهية تأصيلية‬

‫�إعداد‪:‬‬
‫د‪� .‬أحمد بن حمد بن عبد العزيز الون ِّي�س‬
‫الأ�ستاذ امل�شارك بق�سم الفقه بكلية ال�رشيعة‬
‫ال�سالمية‬ ‫المام حممد بن �سعود إ‬
‫بجامعة إ‬
‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪210‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫املقدمة‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وال�صالة وال�سالم على نبينا حممد و�آله و�صحبه �أجمعني‪،‬‬
‫�أما بعد‪.‬‬
‫ملزما �أو غري ملزم‪،‬‬
‫ف�إن ما �أمر اهلل ‪ ‬به العباد ال يخلو من �أن يكون �أم ًرا ً‬
‫والأمر امللزم هو الواجب‪ ،‬والأمر غري امللزم هو التطوع‪ ،‬والتطوع على ق�سمني‪ :‬تطوع‬
‫قا�صر‪ ،‬وتطوع متعد‪ ،‬والتطوع املتعدي عند الفقهاء ُيع ُّد من العمل التطوعي الذي‬
‫م�صطلحا عامل ًيا‪ ،‬وانت�شر انت�شا ًرا وا�س ًعا يف بالد‬
‫ً‬ ‫ُع ِرف يف هذا الع�صر‪ ،‬و�أ�صبح‬
‫امل�سلمني وغريها‪ ،‬و�أ�صبح له م�ؤ�س�ساته ومنظماته‪ ،‬واعتنت به الدول عناية كبرية؛‬
‫ملا ترجو يف �إ�شاعته بني �أفراد املجتمع من امل�صالح املتنوعة اجتماعية كانت �أو‬
‫اقت�صادية �أو غريها‪.‬‬
‫وقد كان العمل التطوعي �أ�سا�س بناء احل�ضارة الإ�سالمية‪ ،‬فكثري من علماء‬
‫الإ�سالم يف خمتلف العلوم ال�شرعية والطبية والفلكية وغريها مل يكن عملهم �إال‬
‫تطوعا‪ ،‬يرجون به الثواب من اهلل ‪ ،)1(‬فتحققت على �أيديهم كثري من املنجزات‬
‫ً‬
‫احل�ضارية‪.‬‬
‫و�س�أتناول يف هذا البحث ‪� -‬إن �شاء اهلل تعالى ‪ -‬الت�أ�صيل الفقهي للعمل التطوعي‬
‫م�صطلحا عامل ًيا‪ ،‬من حيث مفهومه‪،‬‬
‫ً‬ ‫مبعناه عند فقهاء ال�شريعة‪ ،‬ومبعناه العام بو�صفه‬
‫وحكمه‪ ،‬و�أثر النية فيه‪ ،‬وتوثيقه‪ ،‬و�أخذ احلوافز فيه‪ ،‬والإلزام به‪� ...‬إلخ مما هو مبينّ‬
‫يف تق�سيمات البحث‪.‬‬
‫((( ينظر‪� :‬أ�س�س ومهارات العمل التطوعي �ص‪.14‬‬

‫‪211‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫وال ُيعنى هذا البحث ب�أحكام الأعمال التطوعية يف الإ�سالم ك�صالة التطوع‬
‫و�صيام التطوع ونحوها‪ ،‬فهذه قد ب�سط الفقهاء الكالم عليها يف م�صنفاتهم‪.‬‬
‫و�أ�س�أل اهلل التوفيق والقبول‪ ،‬و�أن يجعل العمل خال�صً ا �صوا ًبا‪ ،‬و�أن ينفع بهذا‬
‫البحث‪ ،‬ويجزي كل من �أعانني عليه خري اجلزاء‪ ،‬وال حول وال قوة �إال باهلل العلي‬
‫العظيم‪.‬‬
‫�أهمية املو�ضوع‪:‬‬
‫تظهر �أهمية هذا املو�ضوع فيما يلي‪:‬‬
‫‪�1.1‬أن العمل التطوعي يف الإ�سالم باب عظيم من �أبواب اخلري‪ ،‬فقد ح َّثت‬
‫ال�شريعة على الأعمال التطوعية‪ ،‬ورتبت عليها الأجور العظيمة‪.‬‬
‫‪2.2‬اهتمام كثري من امل�سلمني بالأعمال التطوعية الفردية واجلماعية‪ ،‬يف هذا‬
‫الع�صر‪.‬‬
‫‪3.3‬وجود العديد من اجلهات واملراكز التطوعية داخل اململكة(‪ )1‬وخارجها‪،‬‬
‫والتي ُتعنى بالربامج والأن�شطة التطوعية املختلفة‪ ،‬مما يحتاج معه �إلى‬
‫أ�صيل فقهي لرباجمها و�أن�شطتها‪.‬‬
‫ت� ٍ‬
‫‪4.4‬الأثر الإيجابي للعمل التطوعي يف اجلوانب االقت�صادية واالجتماعية وغريها‪،‬‬
‫وتعلُّق ذلك ببع�ض الأحكام الفقهية‪.‬‬
‫‪5.5‬ما جاء يف ر�ؤية اململكة ‪ 2030‬من العناية بالقطاع الثالث غري الربحي‪،‬‬
‫وال�سعي يف رفع عدد املتطوعني واجلمعيات غري الربحية(‪.)2‬‬
‫((( فمن تلك اجلهات واملراكز داخل اململكة‪ :‬الدفاع املدين‪ ،‬والهالل الأحمر ال�سعودي‪ ،‬ومركز درا�سات‬
‫العمل التطوعي بجامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية‪ ،‬ومكتب العمل التطوعي للحج والعمرة‬
‫والزيارة مبنطقة املدينة املنورة‪ ،‬والذي يعمل حتت مظلة �إمارة منطقة املدينة املنورة‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬ر�ؤية اململكة �ص‪.73 ،71 ،69‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪212‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫�أهداف املو�ضوع‪:‬‬
‫يهدف هذا املو�ضوع �إلى ما يلي‪:‬‬
‫‪1.1‬الت�أ�صيل الفقهي للعمل التطوعي‪.‬‬
‫‪2.2‬توعية املتطوعني يف املجاالت املختلفة بالأحكام الفقهية املتعلقة بالعمل التطوعي‪.‬‬
‫‪3.3‬ربط الأحكام الفقهية للعمل التطوعي بالقواعد الفقهية ومقا�صد ال�شريعة‪.‬‬
‫�أ�سباب اختيار املو�ضوع‪:‬‬
‫‪1.1‬ما تقدم ذكره يف �أهمية املو�ضوع‪.‬‬
‫‪2.2‬ق ّلة الدرا�سات الفقهية املتخ�ص�صة يف ت�أ�صيل هذا املو�ضوع‪.‬‬
‫‪3.3‬وجود بع�ض املخالفات ال�شرعية من العاملني يف املجال التطوعي‪.‬‬
‫الدرا�سات ال�سابقة‪:‬‬
‫‪1.1‬العمل التطوعي‪ ،‬نظرة ت�أ�صيلية فقهية ت�أريخية‪ .‬د‪� .‬أحمد بن ح�سني بن �أحمد‬
‫املباركي‪ ،‬بحث من�شور مبجلة مركز البحوث والدرا�سات الإ�سالمية‪ ،‬العدد‬
‫(‪ )35‬يف خم�س و�أربعني �صفحة‪.‬‬
‫ومل �أتفق معه �إال يف تعريف العمل التطوعي وحكمه و�أدلة م�شروعيته‪ ،‬وهو‬
‫بحث �أقرب �إلى البحث الثقايف منه �إلى البحث الفقهي‪.‬‬
‫‪2.2‬الأحكام الفقهية للأعمال التطوعية وتطبيقاتها املعا�صرة‪ ،‬عمر بن ن�صري‬
‫الربكاتي ال�شريف؛ بحث تكميلي لنيل درجة املاج�ستري من ق�سم الفقه املقارن‬
‫باملعهد العايل للق�ضاء بجامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية‪ ،‬عام‬
‫‪1427-1426‬هـ‪ ،‬يف (‪� )168‬صفحة‪.‬‬
‫وهذا البحث ُيع ّد �أبرز ما وقفت عليه مما له �صلة وثيقة بهذه الدرا�سة‪� ،‬إال �أن‬
‫االختالف بينه وبينها يف �أمرين‪:‬‬

‫‪213‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫�أ‪ .‬عدم العمق العلمي يف بحث امل�سائل الفقهية‪ ،‬كما هو ظاهر يف كثري من‬
‫البحوث التكميلية‪.‬‬
‫ب‪ .‬انفراد هذه الدرا�سة مب�سائل مل ُتبحث يف هذا البحث التكميلي‪ ،‬وهي كما‬
‫يلي‪:‬‬
‫•توثيق العمل التطوعي‪.‬‬
‫•�أثر النية يف العمل التطوعي‪.‬‬
‫•الإلزام بالعمل التطوعي‪.‬‬
‫•�أثر احلوافز على العمل التطوعي‪.‬‬
‫‪3.3‬مو�سوعة التطوع‪ ،‬ت�أليف �أحمد بن �سليمان �أيوب‪ ،‬ونخبة من الباحثني‪،‬‬
‫مطبوعة يف خم�سة جملدات‪ ،‬عام ‪1439‬هـ(‪.)1‬‬
‫وباملقارنة بينها وبني البحث ظهر يل ما يلي‪:‬‬
‫املجلد الأول‪ :‬يف ت�أ�صيالت العمل التطوعي‪ ،‬من حيث تعريفه وحكمه و�أهميته‬
‫وف�ضله‪� ...‬إلخ‪ ،‬وقد غلب عليه اجلانب الثقايف‪� ،‬إال �أنه ورد يف �ص‪ 50‬وما‬
‫بعدها الكالم على حكم العمل التطوعي‪ ،‬وما يف البحث من الكالم على‬
‫حكم العمل التطوعي خمالف له يف التق�سيم واال�ستدالل والأمثلة‪.‬‬
‫وورد يف �ص ‪ 96-95‬الكالم على قاعدة النفع املتعدي �أف�ضل من القا�صر‬
‫فيما يقارب ال�صفحة الواحدة‪ ،‬وقد تكلمت على هذه القاعدة يف البحث‬
‫يف �ست �صفحات‪.‬‬
‫املجلد الثاين‪ :‬وهو يف �أخالقيات املتطوع‪ ،‬وبيان الأخالق احل�سنة واملذمومة‪،‬‬
‫ولي�س فيه ما يتعلق بالبحث‪.‬‬
‫املجلد الثالث‪ :‬يف جماالت العمل التطوعي‪ ،‬ودور املر�أة يف العمل التطوعي‪،‬‬
‫((( مل �أقف على هذه املو�سوعة �إال بعد الفراغ من �إعداد هذا البحث وحتكيمه‪ ،‬وذلك بداللة من �أحد‬
‫حمكمي البحث وفقه اهلل تعالى‪ ،‬فلذا جرى �إ�ضافة هذه املو�سوعة للدرا�سات ال�سابقة‪ ،‬واملقارنة معها‪.‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪214‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫ويغلب عليه اجلانب الثقايف مع ذكر لبع�ض امل�سائل الفقهية املتعلقة‬


‫بذلك‪ ،‬ولي�س فيه ما يتعلق بالبحث‪.‬‬
‫املجلد الرابع‪ :‬وهو املخ�ص�ص لفقهيات العمل التطوعي‪ ،‬وقد ا�شتمل على ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫�أ‌‪ .‬من �ص ‪ 28-9‬يف القواعد وال�ضوابط الفقهية للعمل التطوعي‪ ،‬وقد‬
‫ذكروا عددًا من القواعد وال�ضوابط مل �أ�شرتك معهم يف �شيء منها‪.‬‬
‫ب‌‪ .‬من �ص ‪ 38-29‬يف التخريج الفقهي للم�ؤ�س�سات التطوعية‪ .‬وهي‬
‫لي�ست من م�سائل البحث‪.‬‬
‫ج‪ .‬من �ص ‪ 137-39‬يف �أخذ املال على �أعمال القرب‪ ،‬وتف�صيل كالم‬
‫الفقهاء يف ذلك‪ ،‬وهي لي�ست من م�سائل البحث‪.‬‬
‫د‪ .‬من �ص ‪� 139‬إلى �آخر املجلد يف الأبواب الفقهية املتعلقة بالعمل التطوعي‪،‬‬
‫وهي كما يلي‪ :‬الزكاة وعالقتها بالعمل التطوعي‪ ،‬من �ص ‪200-142‬‬
‫وكلها يف بيان �أحكام الزكاة‪ ،‬ثم �صدقة التطوع وتعلقها بالعمل التطوعي‬
‫من �ص ‪ ،259-201‬كذلك‪ ،‬ثم الأ�ضحية وعالقتها بالعمل التطوعي‪،‬‬
‫ثم الوقف وتطبيقاته على العمل التطوعي‪ ،‬ثم الهبة والهدية وعالقتها‬
‫بالعمل التطوعي‪ ،‬ثم القر�ض والعارية واللقطة واللقيط‪� ...‬إلخ‪ ،‬وكلها‬
‫يف بيان الأحكام الفقهية التي يذكرها الفقهاء يف هذه الأبواب‪ ،‬ومل‬
‫�أقف يف هذا املجلد على ا�شرتاك مع �أي م�س�ألة من م�سائل البحث‪.‬‬
‫املجلد اخلام�س‪ :‬وهو خا�ص بفتاوى العمل التطوعي‪ ،‬كفتاوى امل�ساجد والقر�آن‬
‫وال�صالة واجلنائز والزكاة‪� ...‬إلخ‪.‬‬
‫وهناك درا�سات �شرعية �أخرى غري داخلة يف تخ�ص�ص الفقه‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪1.1‬جماالت العمل التطوعي يف ال�سنة النبوية‪ ،‬د‪ .‬حممد عبدالرزاق �أ�سود‪ ،‬بحث‬
‫بحولية مركز البحوث والدرا�سات الإ�سالمية‪ ،‬ال�سنة ال�سابعة‪ ،‬العدد (‪.)25‬‬

‫‪215‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫‪2.2‬العمل التطوعي يف ال�سنة النبوية‪ ،‬رندة حممد زينو‪ ،‬بحث مقدم ال�ستكمال‬
‫متطلبات درجة املاج�ستري من اجلامعة الإ�سالمية بغزة‪ ،‬كلية �أ�صول الدين‪،‬‬
‫ق�سم احلديث ال�شريف وعلومه‪ ،‬مطبوعة على احلا�سب الآيل‪.‬‬
‫‪�3.3‬أثر العمل التطوعي على الإميان‪ ،‬د‪� .‬أ�سماء حممد‪ ،‬بحث من�شور مبجلة‬
‫البحوث والدرا�سات ال�شرعية مب�صر‪ ،‬العدد الثاين‪.‬‬
‫‪4.4‬درا�سة توثيقية للعمل التطوعي يف دولة الكويت (مدخل �شرعي ور�صد تاريخي)‬
‫د‪ .‬خالد بن يو�سف ال�شطي‪ ،‬طبعته الأمانة العامة للأوقاف بالكويت‪.‬‬
‫منهج البحـث‪:‬‬
‫‪1.1‬ت�صوير امل�س�ألة املراد بحثها �إن احتاجت �إلى ت�صوير‪.‬‬
‫‪2.2‬ذكر الأقوال يف امل�س�ألة معزوة لأ�صحابها‪ ،‬مع توثيقها من م�صادرها يف كتب‬
‫الفقهاء‪.‬‬
‫‪3.3‬ذكر الأدلة لكل قول مع بيان وجه الداللة‪ ،‬ومناق�شتها عند االقت�ضاء‪ ،‬ف�إن‬
‫كانت مناق�شة الأدلة م�ستفادة من مرجع معني ف�أقول‪( :‬و ُنوق�ش) و�إن كانت‬
‫املناق�شة من الباحث ف�أقول‪( :‬وميكن مناق�شته)‪.‬‬
‫‪4.4‬الرتجيح‪ ،‬مع بيان �سببه‪.‬‬
‫‪5.5‬عزو الآيات‪ ،‬وبيان �سورها‪.‬‬
‫‪6.6‬تخريج الأحاديث والآثار الواردة يف البحث‪ ،‬ونقل ما وقفت عليه من كالم‬
‫حينئذ‬
‫املحدثني يف درجتها �إن مل تكن يف ال�صحيحني �أو �أحدهما و�إال ف�أكتفي ٍ‬
‫بتخريجها‪.‬‬
‫‪7.7‬مل �أترجم للأعالم يف هذا البحث‪.‬‬
‫‪8.8‬ذكرت يف اخلامتة النتائج التي تو�صلت �إليها يف البحث‪.‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪216‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫خطة البحث‪:‬‬
‫ا�شتمل هذا البحث على مقدمة وثمانية مباحث وخامتة‪ ،‬كما يلي‪:‬‬
‫املقدمة‪ :‬وفيها �أهمية املو�ضوع‪ ،‬و�أهدافه‪ ،‬و�أ�سباب اختياره‪ ،‬والدرا�سات ال�سابقة‪،‬‬
‫ومنهج البحث وخطته‪.‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬حقيقة العمل التطوعي‪ :‬وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف العمل التطوعي‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬امل�صطلحات ذات العالقة‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪� :‬أنواع العمل التطوعي‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬حكم العمل التطوعي‪ ،‬واحلكمة من م�شروعيته‪ .‬وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬حكم العمل التطوعي‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪� :‬ضوابط العمل التطوعي للمر�أة‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬احلكمة من م�شروعية العمل التطوعي‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬عالقة العمل التطوعي بقاعدة‪ :‬النفع املتع ّدي �أف�ضل من القا�صر‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪� :‬أثر النية يف العمل التطوعي‪.‬‬
‫املبحث اخلام�س‪ :‬توثيق العمل التطوعي‪.‬‬
‫املبحث ال�ساد�س‪� :‬أثر احلوافز على العمل التطوعي‪.‬‬
‫املبحث ال�سابع‪ :‬الإلزام بالعمل التطوعي‪.‬‬
‫املبحث الثامن‪ :‬التعزير بالعمل التطوعي‪.‬‬
‫اخلامتة‪ :‬وفيها �أبرز ما يتو�صل �إليه من نتائج البحث وتو�صياته‪.‬‬
‫فهر�س املراجع‪.‬‬

‫‪217‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫املبحث الأول‬
‫حقيقة العمل التطوعي‬

‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬

‫املطلب الأول‬
‫تعريف العمل التطوعي‬

‫م�صطلح العمل التطوعي مركب من كلمتني‪ ،‬وال بد � اًأول من تعريف كل كلمة على‬
‫حدة‪ ،‬ومن َث َّم تعريفه مرك ًّبا‪.‬‬
‫� اًأول‪ :‬تعريف العمل‪:‬‬
‫العمل يف اللغة‪ :‬م�صدر الفعل الثالثي َع ِم َل‪ ،‬يقال‪َ :‬ع ِم َل َي ْع َم ُل َع َم اًل و�أَ ْع َم اًال‪،‬‬
‫فعل ُي ْف َعل‪ ،‬وال َع َمل املهنة‬ ‫والعني وامليم والالم �أ�صل واحد �صحيح‪ ،‬وهو عام يف كل ٍ‬
‫والفعل(‪.)1‬‬
‫والعمل يف ال�شرع‪ :‬ال يخلو �أن يكون عمل قلب �أو ل�سان �أو جوارح‪.‬‬
‫�أما عمل القلب فهو‪ :‬حتركه و�إرادته‪ ،‬وانقياده مبقت�ضى ما �أَق َّر به‪ ،‬كالإخال�ص‪،‬‬
‫وحمبة ما يحبه اهلل ور�سوله‪ ،‬وبغ�ض ما يبغ�ضه اهلل ور�سوله‪ ،‬والإقبال على اللهَّ ‪‬‬
‫واحلياء والتوكل عليه وخ�شيته ورجائه واخلوف منه‪ ،‬وغري ذلك من �أعمال القلوب‪،‬‬
‫�صدق و ُيق ُّر � اًأول‪ ،‬ثم ينقاد ملا �ص َّدق به‪.‬‬
‫ف�إنه ُي ِّ‬
‫و�أما عمل الل�سان فهو‪ :‬النطق مبا زاد على ما يدخله يف الإ�سالم من �أنواع‬
‫((( ينظر‪ :‬مقايي�س اللغة‪ ،‬مادة (عمل) ‪ ،145/4‬ول�سان العرب‪ ،‬مادة (عمل) ‪ ،475/11‬واملعجم الو�سيط‪،‬‬
‫مادة (عمل) ‪.628/2‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪218‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫العبادات التي ُت�ؤ َّدى بالل�سان‪ ،‬كتالوة القر�آن و�سائر الأذكار من الت�سبيح والتحميد‬
‫والتهليل والتكبري والدعاء واال�ستغفار‪ ،‬وغري ذلك من �أقوال الل�سان‪.‬‬
‫و�أما عمل اجلوارح فهو‪ :‬ما ال ُي�ؤَ َّدى �إال بها‪ ،‬مثل القيام والركوع وال�سجود وامل�شي‬
‫يف مر�ضاة اهلل كنقل اخلطا �إلى امل�ساجد و�إلى احلج واجلهاد يف �سبيل اهلل ‪‬‬
‫والأمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬وغري ذلك من �أعمال اجلوارح(‪.)1‬‬
‫لكن هل يدخل الرتك يف العمل؟‬
‫اختلف الأ�صوليون هل الرتك(‪ُ )2‬يع ُّد اً‬
‫فعل؟‪.‬‬
‫واملراد الرتك املق�صود من التارك‪ ،‬والذي ُيطلق عليه ال َك ّف‪ ،‬وهو �أن يوجد‬
‫املقت�ضي للفعل فيرتكه وميتنع عنه‪ ،‬كمن تهي�أت له �أ�سباب ال�سرقة فلم ي�سرق‪ ،‬بخالف‬
‫الرتك غري املق�صود الذي ُيرتك غفلة عنه‪ ،‬كمن ترك ال�سرقة لكونها مل تخطر له‬
‫مقت�ض لفعلها‪ ،‬فهذا مبعنى العدم املح�ض‪ ،‬وال ُيع ّد فعال(‪.)3‬‬
‫على بال‪ ،‬ومل يوجد ٍ‬
‫واجلمهور من الأ�صوليني على �أن الكف ُيع ّد فعل(‪ ،)4‬وا�ستدلوا ب�أدلة منها‪:‬‬
‫ينظر‪ :‬جمموع الفتاوى ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية ‪ ،186/7‬ومعارج القبول ‪ ،591-589/2‬و�شرح العقيدة‬ ‫(((‬
‫الوا�سطية البن �إبراهيم �ص‪ ،185-184‬و�شرح الوا�سطية البن عثيمني ‪ ،231-230/2‬وذلك �أن الإميان‬
‫قول وعمل‪ ،‬قول القلب والل�سان‪ ،‬وعمل القلب والل�سان واجلوارح‪ ،‬واملراد بقول القلب‪ :‬ت�صديقه و�إقراره‬
‫ومعرفته‪ ،‬فجملة االعتقادات التي تكون يف القلب داخلة يف قول القلب‪ ،‬كالإميان باهلل تعالى ومالئكته‬
‫وكتبه ور�سله‪ ،‬واملراد بقول الل�سان‪ :‬ما َي ُ‬
‫دخل العب ُد به يف الإ�سالم‪ ،‬وهو النطق بال�شهادتني والإقرار‬
‫بلوازمها‪ .‬ينظر‪ :‬جمموع الفتاوى ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية ‪ ،186/7‬ومعارج القبول ‪،589-588/2‬‬
‫واللآلئ البهية يف �شرح العقيدة الوا�سطية ‪.376/2‬‬
‫الفرق بني الرتك والكف‪� :‬أن الرتك �أعم في�شمل الرتك الذي فيه ق�صد من التارك‪ ،‬والرتك الذي ال‬ ‫(((‬
‫يكون فيه ق�صد من التارك‪ ،‬بل ت َر َكه غفلة عنه‪� ،‬أما الكف فهو يخت�ص بالرتك املق�صود ال غري‪ .‬ينظر‪:‬‬
‫الرتوك النبوية �ص ‪.55-51‬‬
‫ينظر‪ :‬الأ�شباه والنظائر البن جنيم �ص ‪ ،25‬و�أفعال الر�سول ﷺ وداللتها على الأحكام ال�شرعية ‪،45/2‬‬ ‫(((‬
‫‪ ،47-46‬ومو�سوعة القواعد الفقهية ‪ ،285/2‬والرتوك النبوية �ص ‪.60‬‬
‫ينظر‪ :‬ك�شف الأ�سرار ‪ 66/3 ،274/1‬والإبهاج يف �شرح املنهاج ‪ ،72/2 ،51/1‬واملوافقات ‪،419/4‬‬ ‫(((‬
‫واملنثور يف القواعد ‪ ،284/1‬وت�شنيف امل�سامع ‪ ،162/1‬والتقرير والتحبري ‪ ،82/2‬والأ�شباه والنظائر‬
‫البن جنيم �ص ‪ ،25‬وتي�سري التحرير ‪ ،136/2‬ون�شر البنود ‪ ،70/1‬و�أ�ضواء البيان ‪ ،49/6‬ومذكرة يف‬
‫�أ�صول الفقه �ص ‪.46‬‬

‫‪219‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫‪َ 1.1‬ق ْوله َت َعا َلى‪( :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الفرقان‪.]٣٠ :‬‬


‫وجه الداللة‪� :‬أن االتخاذ يف قوله‪( :‬ﯝ) افتعال‪ ،‬والأَ ْخذ‪ :‬التناول‪َ ،‬‬
‫وه ْجر‬
‫القر�آن �أي تركه‪ ،‬ف�صار املعنى‪� :‬أي فعلوا تركه‪ ،‬فدل على �أن الرتك فعل(‪.)1‬‬
‫‪ 2.2‬قوله تعالى‪( :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [املائدة ‪. ]٦٣‬‬
‫وجه الداللة‪� :‬أن اهلل تعالى �س َّمى ترك الربانيني والأحبار النهي عن املنكر‬
‫�صن ًعا‪ ،‬وال�صنع �أخ�ص من مطلق الفعل‪ ،‬فدل على �أن الرتك ُيع ّد فعل(‪.)2‬‬
‫«ع َلى ُك ِّل ُم ْ�س ِل ٍم َ�ص َد َق ٌة»‪،‬‬ ‫‪3.3‬عن �أبي مو�سى الأ�شعري ‪ ‬عن النبي ﷺ قال‪َ :‬‬
‫َف َقا ُلوا‪َ :‬يا َن ِب َّي اللهَّ ِ ‪َ ،‬ف َمنْ لمَ ْ َي ِج ْد؟ َق َال‪َ « :‬ي ْع َم ُل ِب َي ِد ِه‪َ ،‬ف َي ْن َف ُع َن ْف َ�س ُه َو َيت ََ�ص َّد ُق»‬
‫وف» َقا ُلوا‪َ :‬ف ِ�إنْ لمَ ْ َي ِج ْد؟ َق َال‪:‬‬ ‫اج ِة ا َمل ْل ُه َ‬‫احل َ‬‫َقا ُلوا‪َ :‬ف ِ�إنْ لمَ ْ َي ِج ْد؟ َق َال‪ُ « :‬ي ِع ُني َذا َ‬
‫ال�ش ِّر‪َ ،‬ف�إِ َّن َها َل ُه َ�ص َد َق ٌة»(‪.)3‬‬ ‫وف‪َ ،‬و ْل ُي ْم ِ�س ْك َع ِن َّ‬‫« َف ْل َي ْع َم ْل ِبالمْ َ ْع ُر ِ‬
‫وجه الداللة‪� :‬أن النبي ﷺ جعل ترك ال�شر �صدقة‪ ،‬وال�صدقة البد �أن تكون‬
‫فعل(‪.)4‬‬
‫«ع ِر َ�ض ْت َع َل َّي �أَ ْع َم ُال ُ�أ َّم ِتي َح َ�س ُن َها‬
‫‪4.4‬عن �أبي ذر ‪ ‬عن النبي ﷺ قال‪ُ :‬‬
‫الط ِر ِيق‪َ ،‬و َو َج ْدتُ فيِ‬ ‫اط َع ِن َّ‬ ‫الَ َذى يمُ َ ُ‬
‫َو َ�س ِّي ُئ َها‪َ ،‬ف َو َج ْدتُ فيِ محَ َ ِا�س ِن �أَ ْع َما ِل َها ْ أ‬
‫َم َ�سا ِوي �أَ ْع َما ِل َها ال ُّن َخ َاع َة َت ُكونُ فيِ المْ َ ْ�س ِج ِد‪ ،‬اَل ُت ْد َفنُ »(‪.)5‬‬
‫((( ينظر‪ :‬طبقات ال�شافعية لل�سبكي ‪ ،100/1‬والتقرير والتحبري ‪ ،82/2‬وقال ال�شنقيطي يف �أ�ضواء البيان‬
‫ال�سبكي من هذه الآية �أنّ ال َك َّف فع ٌل وتف�سريه لها مبا ي ُد ُّل على ذلك‪ ،‬مل يظهر يل َّ‬
‫كل‬ ‫‪“ :48/6‬ا�ستنباط ُّ‬
‫ُّ‬
‫الظهور”‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬مذكرة يف �أ�صول الفقه �ص‪ ،46‬و�أ�ضواء البيان ‪.48/6‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب على كل م�سلم �صدقة‪ ،‬فمن مل يجد فليعمل باملعروف‪،‬‬
‫برقم (‪ )1445‬وم�سلم يف �صحيحه‪ ،‬كتاب الأدب‪ ،‬باب كل معروف �صدقة‪ ،‬برقم (‪.)6022‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الرتوك النبوية �ص‪.70‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه‪ ،‬كتاب امل�ساجد وموا�ضع ال�صالة‪ ،‬باب النهي عن الب�صاق يف امل�سجد يف‬
‫ال�صالة وغريها‪ ،‬برقم (‪.)553‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪220‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫وجه الداللة‪� :‬أن النبي ﷺ �أخرب �أن من �أعمال �أمته ال�سيئة ترك دفن النخامة‬
‫ممن يراها يف امل�سجد؛ فدل على �أن الرتك فعل(‪.)1‬‬
‫«ا�ست َْح ُيوا ِمنَ اللهَّ ِ‬‫‪5.5‬عن عبداهلل بن م�سعود ‪ ‬قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ﷺ‪ْ :‬‬
‫احل ْم ُد للِهَّ ِ ‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ل ْي َ�س‬
‫ول اللهَّ ِ ِ�إ َّنا َن ْ�ست َْح ِيي َو َ‬
‫احل َياءِ»‪َ .‬ق َال‪ُ :‬ق ْل َنا‪َ :‬يا َر ُ�س َ‬ ‫َحقَّ َ‬
‫احل َيا ِء �أَنْ تحَ ْ َف َظ ال َّر�أْ َ�س َو َما َو َعى‪،‬‬ ‫اك‪َ ،‬و َل ِكنَّ اِال ْ�س ِت ْح َيا َء ِمنَ اللهَّ ِ َحقَّ َ‬ ‫َذ َ‬
‫َوال َب ْطنَ َو َما َح َوى‪َ ،‬و ْلت َْذ ُك ِر ا َمل ْوتَ َوال ِب َلى‪َ ،‬و َمنْ �أَ َرا َد ال ِآخ َر َة َت َر َك زِي َن َة ال ُّد ْن َيا‪،‬‬
‫احل َياءِ»(‪.)2‬‬ ‫ا�ست َْح َيا ِمنَ اللهَّ ِ َحقَّ َ‬ ‫َف َمنْ َف َع َل َذ ِل َك َف َق ْد ْ‬
‫وجه الداللة‪� :‬أن النبي ﷺ جعل من احلياء حفظ الر�أ�س وما حوى من احلوا�س‪،‬‬
‫وحفظ البطن عن احلرام‪ ،‬وحفظ الر�أ�س يقت�ضي ترك املحرمات املتعلقة‬
‫باحلوا�س واالمتناع منها‪ ،‬وحفظ البطن يقت�ضي ترك �أكل احلرام‪ ،‬وقد �س َّمى‬
‫فعل يف قوله‪( :‬فمن فعل ذلك) فدل على �أن الرتك فعل‪.‬‬ ‫النبي ﷺ ذلك اً‬
‫‪‬‬ ‫‪6.6‬داللة كالم العرب على �أن الرتك فعل‪ ،‬ومنه قول بع�ض ال�صحابة‬
‫عند بناء م�سجده ﷺ باملدينة‪:‬‬
‫ُ لمْ ُ ِّ ُ (‪)3‬‬ ‫َل َذ َ‬
‫اك ِم َّنا ا ْل َع َمل ا َ�ضلل‬ ‫ ‬ ‫َلئِنْ َق َع ْد َنا َوال َّن ِب ُّي َي ْع َم ُل‬
‫ف�س َّمى قعودهم عن العمل‪ ،‬وتركهم اال�شتغال ببناء امل�سجد اً‬
‫عمل ُم�ض ِّلل(‪.)4‬‬
‫وبنا ًء على ما تقدم من �أن الرتك ُيع ّد فع ًال ف�إنه ال يثاب املرء على الرتك املق�صود‬
‫�إال �إذا كان بنية التقرب �إلى اهلل تعالى‪� ،‬أما لو ق�صد الرتك بغري هذه النية ف�إنه ال‬
‫يكون فعله قربة يثاب عليها(‪.)5‬‬
‫((( ينظر‪� :‬أفعال الر�سول ﷺ وداللتها على الأحكام ال�شرعية ‪.47/2‬‬
‫((( �أخرجه الرتمذي يف جامعه‪� ،‬أبواب �صفة القيامة والرقاق والورع‪ ،‬برقم (‪ )2458‬و�أحمد يف م�سنده‬
‫‪ ،187/6‬برقم (‪ )3671‬وقال الرتمذي‪ :‬هذا حديث غريب‪ .‬وح�سنه الألباين يف �صحيح الرتمذي‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬البداية والنهاية ‪ ،535 ،534/4‬وطبقات ال�شافعية لل�سبكي ‪.102/1‬‬
‫((( ينظر‪ :‬مذكرة يف �أ�صول الفقه �ص‪ ،47‬و�أ�ضواء البيان ‪.49/6‬‬
‫((( ينظر‪ :‬تي�سري التحرير ‪ ،136/2‬وفتح الباري البن حجر ‪.15/1‬‬

‫‪221‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫فمن ُعر�ض عليه �شرب اخلمر فرتكه لأنه مل ي�شته �شربه‪ ،‬فال يثاب على هذا‬
‫الرتك؛ لأنه مل يفعل قربة يثاب عليها‪.‬‬
‫�أما لو ُعر�ض عليه �شرب اخلمر‪ ،‬وكان قاد ًرا على الفعل‪ ،‬ولكنه ترك ذلك ابتغاء‬
‫مر�ضاة اهلل ‪ ،‬ورجا َء ثوابه‪ ،‬وخو ًفا من عقابه‪ ،‬ف�إنه ُيثاب على هذا الرتك؛ لأنه‬
‫كف النف�س عن املع�صية؛ خو ًفا من اهلل تعالى‪ ،‬ورجاء ثوابه(‪.)1‬‬ ‫ح�صل منه فعل‪ ،‬وهو ُّ‬
‫قال ابن جنيم‪“ :‬وحا�صله �أن ترك املنهي عنه ال يحتاج �إلى نية للخروج عن عهدة‬
‫النهي‪ ،‬و�أما حل�صول الثواب ف�إن كان ك َّفا‪ ،‬وهو �أن تدعوه النف�س �إليه قاد ًرا على فعله ُّ‬
‫فيكف‬
‫نف�سه عنه خوفا من ربه فهو مثاب‪ ،‬و�إال فال ثواب على تركه‪ ،‬فال يثاب على ترك الزنا‬
‫وهو ي�صلي‪ ،‬وال يثاب الع ّنني على ترك الزنا‪ ،‬وال الأعمى على ترك النظر �إلى املحرم”(‪.)2‬‬
‫وقال �سماحة ال�شيخ حممد بن �إبراهيم ‪“ :‬فدخل يف هذا احلد ‪-‬يعني حد‬
‫الإميان‪ -‬جميع الطاعات من فر�ض ومندوب‪ ،‬واالنكفاف عن جميع املحرمات‪ ،‬فرتك‬
‫خ�صلة من املحرمات من الإميان‪ ،‬وعمل خ�صلة من الواجبات من الإميان‪.)3(”...‬‬
‫ثانيا‪ :‬تعريف التطوع‪:‬‬
‫التطوع يف اللغة‪ :‬الطاء والواو والعني �أ�صل �صحيح واحد‪ ،‬يدل على االنقياد‪،‬‬
‫طاع ُه َي ُط ُ‬
‫وع ُه‬ ‫و�ضده ال َك ْره‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪( :‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [ف�صلت‪ ،]١١ :‬يقال‪َ :‬‬
‫�إذا انقاد معه‪ ،‬وم�ضى لأمره(‪.)4‬‬
‫وال َّتط ُّوع يف الأ�صل‪ :‬تَكلُّف الطاعة‪ ،‬والتطوع بال�شيء‪ :‬التربع مبا ال يلزمه‪ ،‬كالتَّن ُّفل‪،‬‬
‫ومنه قوله تعالى‪( :‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [البقرة‪.)5(]١٨٤ :‬‬
‫ينظر‪ :‬مو�سوعة القواعد الفقهية ‪.285/2‬‬ ‫(((‬
‫الأ�شباه والنظائر �ص‪.22‬‬ ‫(((‬
‫�شرح العقيدة الوا�سطية �ص‪.186‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬ال�صحاح مادة (طوع) ‪ ،1255/3‬ومقايي�س اللغة مادة (طوع) ‪ ،431/3‬واملفردات مادة (طوع)‬ ‫(((‬
‫�ص‪ ،529‬ول�سان العرب مادة (طوع) ‪.240/8‬‬
‫ينظر‪ :‬ال�صحاح مادة (طوع) ‪ ،1255/3‬واملفردات مادة (طوع) �ص‪ ،530 ،529‬ول�سان العرب مادة‬ ‫(((‬
‫(طوع) ‪.243/8‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪222‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫قال ابن فار�س‪“ :‬و�أ َّما قولهم يف التَّربع بال�شيء‪ :‬قد تط َّوع به‪ ،‬فهو من الباب‪،‬‬
‫حب �أَن َي ْف َعله‪ .‬وال ُيقال هذا � اَّإل يف باب اخلري‬
‫لك َّنه مل َيلزَ ْمه‪ ،‬لك َّنه انقاد م َع خ ٍري �أَ َّ‬
‫والبرِ ِّ ”(‪.)1‬‬
‫تربعا من نف�سه‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪( :‬ﯧ ﯨ‬ ‫واملتط ِّوع‪ :‬الذي يفعل ال�شيء ً‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [التوبة‪� ،]79 :‬أي املتطوعني‪ ،‬ف�أدغمت التاء يف‬
‫الطاء(‪.)2‬‬
‫ا�صطالحا‪ :‬التطوع يف ا�صطالح الفقهاء‪ :‬التَّق ُّرب �إلى اهلل مبا لي�س‬
‫ً‬ ‫التطوع‬
‫بواجب(‪.)3‬‬
‫وبعبارة �أخرى‪( :‬التطوع‪ :‬ا�سم ملا ُ�شرع زيادة على الفر�ض والواجبات)(‪.)4‬‬
‫وعند الأ�صوليني‪ :‬ما �أُثيب فاعله‪ ،‬ومل يعاقب تاركه(‪.)5‬‬
‫ويطلق التطوع على ال�س َّنة وامل�ستحب والنفل والندب ّ‬
‫واملرغب فيه والإح�سان(‪.)6‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬تعريف العمل التطوعي‪:‬‬
‫ُع ِّرف م�صطلح العمل التطوعي بتعريفات كثرية‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪1.1‬اجلهد الذي يتربع الإن�سان به طواعية لعمل م�شروع‪ ،‬يخدم املجتمع‪ ،‬وينمي‬
‫�أفراده وم�ؤ�س�ساته‪ ،‬تقر ًبا �إلى اهلل تعالى(‪.)7‬‬
‫‪ 2.2‬اجلهد الذي يتربع به الإن�سان طواعية من نف�سه‪ ،‬ومل يكن واج ًبا عليه؛‬
‫((( مقايي�س اللغة‪ ،‬مادة (طوع) ‪.431/3‬‬
‫((( ينظر‪ :‬ال�صحاح مادة (طوع) ‪ ،1255/3‬ول�سان العرب مادة (طوع) ‪.243/8‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املجموع �شرح املهذب ‪ ،2/4‬والبناية �شرح الهداية ‪ ،506/2‬وك�شاف القناع ‪.411/1‬‬
‫((( التعريفات �ص‪.61‬‬
‫((( ينظر‪� :‬شرح خمت�صر الرو�ضة ‪ ،353/1‬و�شرح الكوكب املنري ‪.403 ،402/1‬‬
‫((( ينظر‪ :‬ك�شف الأ�سرار ‪ ،302/2‬والبحر املحيط ‪ ،377/1‬و�شرح الكوكب املنري ‪ ،403/1‬و�إر�شاد الفحول‬
‫‪.26/1‬‬
‫((( �أ�س�س ومهارات العمل التطوعي للدكتور عي�سى القدومي �ص‪.12‬‬

‫‪223‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫لتقدمي عمل م�شروع يحقق معنى اال�ستخالف يف الأر�ض و�إعمار الكون‪ ،‬تقر ًبا‬
‫�إلى اهلل ‪ ،‬وطاعة له‪ ،‬من غري انتظار �أجر �إال من اهلل ‪.)1(‬‬
‫تطوعا دون‬
‫‪3.3‬كل جهد بدين �أو فكري �أو عقلي �أو قلبي ي�أتي به الإن�سان �أو يرتكه ً‬
‫ملزما به ال من جهة املُ�ش ّرع وال من غريه(‪.)2‬‬
‫�أن يكون ً‬
‫‪4.4‬كل عمل يهدف �إلى حتقيق منفعة عامة‪ُ ،‬ين َّفذ �ضمن �إطار ّ‬
‫منظم مبوجب‬
‫اتفاق التطوع‪ ،‬ي�شارك مبوجبه املتطوع مبح�ض اختياره خارج نطاق عائلته‬
‫�سواء بوقته �أو جهده �أو مهاراته‪ ،‬دون �أن يهدف �إلى حتقيق �أي عائد مادي‬
‫لنف�سه(‪.)3‬‬
‫‪5.5‬كل �أداء يقوم به املتطوع باختياره يف �إطار برنامج منظم مبوجب هذه الالئحة‬
‫م�ساهمة منه يف تنمية املجتمع(‪.)4‬‬
‫وهذه التعريفات منها ما ميكن �أن يكون تعري ًفا �شرع ًيا للعمل التطوعي‪ ،‬ومنها ما‬
‫ميكن �أن يكون تعري ًفا للعمل التطوعي بامل�صطلح العاملي‪.‬‬
‫وبالنظر يف هذه التعريفات وغريها(‪ ،)5‬وبعد الت�أمل يف واقع العمل التطوعي يف‬
‫ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬يظهر ‪-‬واهلل �أعلم‪� -‬أنه ال بد يف العمل التطوعي يف ال�شريعة‬
‫الإ�سالمية من ا�شتماله على ما يلي‪:‬‬
‫عمل‪ ،‬كالرتك املح�ض‪ ،‬كرتك ال�سرقة‬‫عمل‪ ،‬وهذا يخرج ما ال يعد اً‬ ‫‪�1.1‬أن يكون اً‬
‫عند عدم وجود مقت�ضيها‪ ،‬فهذا ال ُيع ّد اً‬
‫عمل‪.‬‬
‫درا�سة توثيقية للعمل التطوعي �ص‪.15‬‬ ‫(((‬
‫الأعمال التطوعية يف الإ�سالم �ص‪.15‬‬ ‫(((‬
‫وهذا تعريف القانون رقم ‪ /5/‬ل�سنة ‪ 2018‬ب�ش�أن تنظيم العمل التطوعي يف �إمارة دبي‪ ،‬على هذا‬ ‫(((‬
‫الرابط‪. http://arabic.arabianbusiness.com/content/337168 :‬‬
‫وهذا تعريف الالئحة التنظيمية للعمل التطوعي يف مدار�س التعليم العام باململكة العربية ال�سعودية �ص‪.9‬‬ ‫(((‬
‫ينظر تعاريف �أخرى للعمل التطوعي يف‪ :‬العمل التطوعي نظرة ت�أ�صيلية فقهية ت�أريخية �ص‪،626‬‬ ‫(((‬
‫والدليل اال�سرت�شادي للتطوع يف بيئة العمل للجهات احلكومية بدولة الإمارات �ص‪ ،14‬والعمل التطوعي‬
‫من منظور الرتبية الإ�سالمية لإح�سان حممد �ص‪ ،19 ،18‬والريادة والعمل التطوعي �ص‪.125‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪224‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫وحينئذ ينظر يف هذا املرتوك‪ ،‬ف�إن‬ ‫ٍ‬ ‫عمل‪،‬‬ ‫�أما الرتك املق�صود ف�إنه ُيع ّد اً‬
‫كان مما يجب تركه كالكف عن قتل النف�س التي حرم اهلل �أو الكف عن‬
‫ال�سرقة ونحو ذلك فال يدخل يف حد العمل التطوعي؛ لأنه فعل واجب ال‬
‫تطوع‪ ،‬و�إن كان املرتوك مما ي�ستحب تركه فينظر فيه هل له نفع قا�صر‬
‫�أو متعد؟ ف�إن كان قا�ص ًرا فال يدخل يف حد العمل التطوعي‪ ،‬و�إن كان‬
‫ال�ساب مبثل م�سبته‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫متع ّد ًيا كالعفو عمن �أ�ساء �إليه‪ ،‬كمن يرتك جواب‬
‫فهو داخل يف حد العمل التطوعي �إن نوى به التقرب �إلى اهلل تعالى‪.‬‬
‫قال �أبو داود يف �سننه‪( :‬باب ما جاء يف الرجل ُي ِح ُّل الرجل قد اغتابه)‬
‫ثم �ساق ب�إ�سناده �إلى قتادة قال‪�« :‬أَ َي ْع ِج ُز �أَ َح ُد ُك ْم َ�أنْ َي ُكونَ ِم ْث َل �أَ ِبي َ�ض ْي َغ ٍم‬
‫‪�-‬ش َّك ا ْبنُ ُع َب ْي ٍد‪َ ،-‬كانَ ِ�إ َذا �أَ ْ�ص َب َح َق َال‪ :‬ال َّل ُه َّم ِ�إنيِّ َق ْد ت ََ�ص َّد ْق ُت‬
‫�أَ ْو َ�ض ْم َ�ض ٍم َ‬
‫ِب ِع ْر ِ�ضي َع َلى ِع َبا ِد َك»(‪.)1‬‬
‫وعن عبدالرحمن بن عجالن‪ ،‬قال‪ :‬قال ر�سول اللهَّ ﷺ‪�« :‬أَ َي ْع ِج ُز �أَ َح ُد ُك ْم �أَنْ‬
‫َي ُكونَ ِم ْث َل �أَ ِبي َ�ض ْم َ�ض ٍم؟»‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬و َمنْ �أَ ُبو َ�ض ْم َ�ض ٍم؟ َق َال‪َ « :‬ر ُج ٌل ِفي َمنْ َكانَ ِمنْ‬
‫َق ْب ِل ُك ْم»‪ ...‬قال‪«ِ :‬ع ْر ِ�ضي لمِ َنْ َ�ش َت َم ِني»(‪.)2‬‬
‫ففي هذا الأثر �أن �أبا �ضم�ضم قد تط ّوع بالرتك‪� ،‬أي �أنه ترك املطالبة بحقه‬
‫ممن وقع يف عر�ضه‪ ،‬وهذا يعد تر ًكا م�ستح ًبا‪ ،‬وهو من باب العفو‪ ،‬فيدخل‬
‫يف العمل التطوعي كل عفو م�ستحب‪ ،‬وهو العفو الذي يرتتب عليه م�صلحة‪.‬‬
‫كما ي�ؤخذ من هذا الأثر التطوع بالعمل القلبي‪� ،‬إذ يظهر منه �سالمة قلبه ملن‬
‫�آذاه ووقع يف عر�ضه‪ ،‬وهذا ُيع ّد من باب التطوع‪ ،‬واهلل �أعلم(‪.)3‬‬
‫((( �أخرجه �أبو داود يف �سننه‪ ،‬كتاب الأدب‪ ،‬باب ما جاء يف الرجل ُي ِح ُّل الرجل قد اغتابه‪ ،‬برقم (‪)4886‬‬
‫وقال الألباين يف �ضعيف �أبي داود‪� :‬صحيح مقطوع‪.‬‬
‫((( �أخرجه �أبو داود يف الكتاب والباب ال�سالفني‪ ،‬برقم (‪ )4887‬وقال الألباين يف �ضعيف �أبي داود‪� :‬ضعيف‬
‫مر�سل‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الأعمال التطوعية يف الإ�سالم �ص‪.21‬‬

‫‪225‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫‪�2.2‬أن يكون تطوع ًيا‪ ،‬وهذا ُيخرج ما �سوى التطوع من الأحكام التكليفية اخلم�سة‪،‬‬
‫تطوعا‬
‫فيخرج الواجب واملحرم واملكروه واملباح‪ ،‬فال ُيع ّد عمل �شيء من ذلك ً‬
‫تطوعا‪.‬‬
‫يف ال�شرع‪� ،‬إال �إذا نوى باملباح ما يتقرب به �إلى اهلل تعالى‪ ،‬فيكون حينئذ ً‬
‫‪�3.3‬أن يقوم بالعمل اختيا ًرا‪ ،‬فيخرج بذلك ما ُيلزَ م به املرء من الأعمال‪ ،‬كالإلزام‬
‫بعمل من قبل‬
‫ب�ساعات �إ�ضافية من قبل جهة العمل بال مقابل‪� ،‬أو �إلزام الولد ٍ‬
‫عمل تطوع ًيا بل واج ًبا؛ لوجوب ب ّر الوالدين‪.‬‬‫والده؛ فال يكون اً‬
‫متعد‪ ،‬فيخرج ما كان نفعه قا�ص ًرا على املتطوع‪ ،‬كالتطوع‬
‫‪�4.4‬أن يكون له نفع ٍ‬
‫بال�صالة وال�صيام ونحوها‪.‬‬
‫وهذا النفع املتعدي ‪-‬فيما يبدو‪ -‬ال يلزم �أن يكون نف ًعا دنيو ًيا فح�سب‪،‬‬
‫كال�صدقة باملال‪� ،‬أو التنازل عن ال َّدين ونحوه‪ ،‬بل ي�شمل النفع الأخروي‪ ،‬كما‬
‫لو �س َّلم على غريه‪ ،‬ف�إن امل�س َّلم عليه يح�صل له نفع �أخروي بردِّه ال�سالم على‬
‫من �س َّلم عليه‪ ،‬فيح�صل له الثواب‪ ،‬بل رمبا يقال‪� :‬إن ال�سالم على الغري دعا ٌء‬
‫له بال�سالمة وح�صول الرحمة والربكة‪ ،‬فمتى ا�ستجاب اهلل دعاءه ح�صل له‬
‫اخلري الدنيوي والأخروي‪ ،‬واهلل �أعلم‪.‬‬
‫‪�5.5‬أن ال ي�أخذ عليه �أج ًرا مكاف ًئا للعمل‪ ،‬فيخرج بذلك الأعمال التي لها نفع متعد‬
‫و ُي�ؤخذ عليها �أجر‪ ،‬ك�أعمال موظفي الدفاع املدين‪.‬‬
‫لكن �إن كان الأجر غري مكافئ للعمل التطوعي‪� ،‬أي �أن الأجرة دون ما قام‬
‫به من عمل فيكون متط ّو ًعا بالعمل الزائد الذي ال يقابله �أجر‪ ،‬كما لو عمل‬
‫موظف الدفاع املدين �أكرث من �ساعات العمل امللزَ م بها‪ ،‬ف�إن هذا القدر‬
‫الزائد من ال�ساعات يعد اً‬
‫عمل تطوع ًيا‪.‬‬
‫‪�6.6‬أن يريد بعمله التطوعي الثواب من اهلل ‪ ،‬فيخرج بذلك من قام بعمل‬
‫تطوعي له نفع متعد‪ ،‬ومل ي�أخذ عليه �أج ًرا‪ ،‬لكن �أراد به الرياء‪� ،‬أو ع َر�ضً ا من‬
‫�أعرا�ض الدنيا‪.‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪226‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫ومما تقدم ميكن �أن يكون التعريف املختار للعمل التطوعي يف ال�شرع‪� :‬أنه كل‬
‫متعد‪ ،‬ويفعله املرء باختياره‪،‬‬
‫عمل مندوب �إليه يف ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬له نفع ٍّ‬
‫وال ي�أخذ عليه �أج ًرا مكاف ًئا‪ ،‬و�إمنا يريد به الأجر من اهلل ‪.‬‬
‫م�صطلحا عامل ًيا‪ ،‬فيمكن تعريفه ب�أنه‪ :‬كل‬
‫ً‬ ‫�أما تعريف العمل التطوعي بو�صفه‬
‫عمل فيه نفع للآخرين‪ ،‬يقدمه املرء باختياره بال مقابل‪.‬‬
‫م�صطلحا‬
‫ً‬ ‫والفرق بني تعريف العمل التطوعي يف ال�شرع وتعريفه بو�صفه‬
‫عامل ًيا‪ ،‬هو �أن العمل التطوعي يف ال�شرع ال يكون �إال مندو ًبا‪� ،‬سواء �أكان ذلك‬
‫العمل من العبادات املح�ضة التي ح َّثت عليها ال�شريعة �أو كان من املباحات‬
‫التي �صارت مندوبة بنية التقرب بها‪ ،‬بخالف العمل التطوعي بو�صفه‬
‫مباحا �أو غريه من الأحكام التكليفية‪ ،‬على‬ ‫م�صطلحا عامل ًيا‪ ،‬ف�إنه قد يكون ً‬
‫ً‬
‫ما ي�أتي تف�صيله �إن �شاء اهلل تعالى(‪.)1‬‬
‫كما �أن العمل التطوعي يف الإ�سالم ال يكون كذلك �إال ملن نوى التقرب به‬
‫م�صطلحا عامل ًيا فيطلق عليه‬
‫ً‬ ‫�إلى اهلل تعالى‪ ،‬بخالف العمل التطوعي بو�صفه‬
‫اً‬
‫عمل تطوع ًّيا‪ ،‬ولو جت ّرد من نية التقرب �إلى اهلل تعالى‪.‬‬
‫وبنا ًء على هذا ف�إن من تط ّوع ب�أعمال مباحة مل ينو بها التقرب �إلى اهلل تعالى‪،‬‬
‫كالطبيب الذي يعالج الأيتام جما ًنا‪ ،‬ومل ينو التقرب بهذا العمل‪ ،‬ف�إن عمله‬
‫مباحا ال مندو ًبا‪ ،‬والتطوع م�صطل ٌح‬
‫عمل تطوع ًّيا؛ لكونه ً‬ ‫ال ُيع ّد يف ال�شرع اً‬
‫�شرعي له داللته ال�شرعية‪ ،‬لكن عمل هذا الطبيب بامل�صطلح العاملي للتطوع‬ ‫ٌ‬
‫عمل تطوع ًّيا‪ ،‬وقد يثاب عليه من اهلل تعالى بثواب دنيوي‪ ،‬ك�صح ٍة يف‬ ‫ُيع ّد اً‬
‫بدنه‪� ،‬أو مناءٍ يف ماله‪ ،‬لكن لي�س ثواب يف الآخرة‪ ،‬واهلل �أعلم‪.‬‬
‫((( يف املطلب الأول من املبحث الثاين‪.‬‬

‫‪227‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫املطلب الثاين‬
‫امل�صطلحات ذات العالقة‬

‫من امل�صطلحات ذات العالقة بالعمل التطوعي ما يلي‪:‬‬


‫� اًأول‪ :‬العمل اخلريي‪:‬‬
‫املراد بالعمل اخلريي هو‪( :‬كل عمل م�شروع فيه نفع للآخرين تطوع ًّيا كان �أم‬
‫ر�سم ًّيا‪ ،‬كالدعوة �أو تعليم علم‪� ،‬أو بذل مال‪� ،‬أو عالج مري�ض‪ ،‬ونحو ذلك)(‪.)1‬‬
‫وميكن التفريق بني العمل التطوعي واخلريي من جهتني‪:‬‬
‫‪�1.1‬أن العمل التطوعي �أعم من العمل اخلريي؛ لأن العمل التطوعي قد يكون فيما‬
‫ينفع �أو ي�ضر‪ ،‬بخالف العمل اخلريي فال يكون �إال فيما ينفع(‪.)2‬‬
‫‪�2.2‬أن الغالب على العمل اخلريي �أن يكون تطوع ًّيا‪ ،‬فامل�ؤ�س�سة اخلريية تتطوع‬
‫مبا تقدمه من �أعمال للمحتاجني‪ ،‬والعاملون فيها يف الغالب هم متطوعون‬
‫ب�أعمالهم اخلريية(‪.)3‬‬
‫وهذا يعني �أنه قد يوجد عمل خريي ي�أخذ القائمون عليه �أج ًرا‪ ،‬فعملهم‬
‫خريي ال تطوعي‪ ،‬ولكن الغالب فيمن يعمل العمل اخلريي �أن يكون متط ّو ًعا‬
‫به‪ ،‬ال ي�أخذ عليه اً‬
‫مقابل‪ .‬واهلل �أعلم‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬العمل الإغاثي‪:‬‬
‫الغوث يف اللغة‪ :‬من الإغاثة‪ ،‬وهي الإعانة والن�صرة عند ال�شدائد(‪.)4‬‬
‫والعمل الإغاثي يف اال�صطالح‪ :‬ال يخرج عن املعنى اللغوي‪ ،‬فهو العمل الذي‬
‫ينظر‪ :‬اجلهود الدعوية للم�ؤ�س�سات اخلريية يف اململكة العربية ال�سعودية �ص‪.38‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬العمل التطوعي للهطايل �ص‪ ،23‬والعمل التطوعي للمر�أة �ص‪.16‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬الأحكام الفقهية للم�ؤ�س�سات اخلريية �ص‪.28‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬مقايي�س اللغة (غوث) �ص‪ ،817‬وامل�صباح املنري (غوث) ‪.455/2‬‬ ‫(((‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪228‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫يكون فيه �إعانة ون�صرة للآخرين عند ال�شدائد‪ ،‬كالزالزل والفي�ضانات واحلروب‬
‫ونحوها(‪.)1‬‬
‫وعلى هذا يكون العمل التطوعي �أعم من العمل الإغاثي؛ لكون العمل التطوعي‬
‫يكون بتقدمي النفع للآخرين يف حال ال�شدة وغريها‪ ،‬كالتطوع بالدعوة �إلى اهلل‬
‫تعالى‪� ،‬أو التطوع يف مراكز اال�ست�شارات االجتماعية ونحو ذلك مما ال �شدة فيه‪،‬‬
‫بخالف العمل الإغاثي فهو ال يكون �إال يف حال ال�شدة‪.‬‬
‫كما �أن العمل الإغاثي قد يكون �أعم من العمل التطوعي‪ ،‬من جهة �أن العمل‬
‫الإغاثي قد يكون مبقابل‪ ،‬فال ي�سمى تطوع ًّيا‪ ،‬كالعمل الإغاثي يف احلمالت الإغاثية‬
‫التي تنظمها الدولة‪ ،‬وي�أخذ العاملون فيها اً‬
‫مقابل على عملهم الإغاثي‪ ،‬وتدفع الأموال‬
‫من قبل الدولة‪ ،‬فهذا عمل �إغاثي ال تطوعي‪ ،‬واهلل �أعلم‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬القطاع الثالث‪:‬‬
‫يطلق هذا امل�صطلح على العمل التطوعي باعتبار �أنه القطاع الثالث املك ِّمل‬
‫للقطاعني العام احلكومي والقطاع اخلا�ص ال�ساعي للربح(‪.)2‬‬
‫ويطلق على العمل التطوعي م�صطلحات �أخرى‪ ،‬منها‪ :‬القطاع غري الربحي‪،‬‬
‫والعمل الأهلي‪ ،‬والعمل ال�شعبي‪ ،‬والعمل غري احلكومي‪ ،‬والقطاع امل�ستقل‪ ،‬وغريها(‪.)3‬‬
‫كما يطلق على م�ؤ�س�سات العمل التطوعي عدة �أ�سماء‪ ،‬منها‪ :‬م�ؤ�س�سات املجتمع‬
‫املدين‪ ،‬م�ؤ�س�سات العمل اخلريي‪ ،‬م�ؤ�س�سات القطاع الثالث‪ ،‬منظمات ذات النفع‬
‫العام‪ ،‬منظمات االقت�صاد االجتماعي‪ ،‬القطاع املعفي من ال�ضرائب‪ ،‬وغريها(‪.)4‬‬
‫ينظر‪ :‬الأحكام الفقهية للم�ؤ�س�سات اخلريية �ص ‪ ،27‬واململكة العربية ال�سعودية والعمل الإغاثي �ص ‪.11‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬العمل االجتماعي التطوعي لأحمد عبدالفتاح �ص‪ ،8‬والعمل التطوعي جلابر �أحمد برزان‬ ‫(((‬
‫�ص ‪ ،9 -8‬ومن ق�سمات التجربة الربيطانية يف العمل اخلريي والتطوعي �ص ‪.4‬‬
‫ينظر‪ :‬العمل االجتماعي التطوعي لأحمد عبدالفتاح �ص‪ ،8‬ودرا�سة توثيقية للعمل التطوعي يف دولة‬ ‫(((‬
‫الكويت �ص‪.16‬‬
‫ينظر‪� :‬أ�س�س ومهارات العمل التطوعي �ص ‪.25‬‬ ‫(((‬

‫‪229‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫املطلب الثالث‬
‫�أنواع العمل التطوعي‬

‫يتنوع العمل التطوعي �إلى �أنواع باعتبارات خمتلفة‪:‬‬


‫� اًأول‪ :‬تن ُّوع العمل التطوعي باعتباره فرد ًيا �أو م�ؤ�س�س ًيا(‪:)1‬‬
‫‪1.1‬العمل التطوعي الفردي‪ :‬وهو العمل التطوعي الذي يقوم به الفرد بذاته‪،‬‬
‫يوما‬
‫خ�ص�ص ً‬ ‫كالعالمِ الذي ُيع ِّلم العلم النافع بال مقابل‪� ،‬أو الطبيب الذي ُي ِّ‬
‫يف الأ�سبوع لعالج الفقراء يف عيادته جما ًنا‪.‬‬
‫‪2.2‬العمل التطوعي امل�ؤ�س�سي‪ :‬وهو العمل التطوعي الذي تقوم به م�ؤ�س�سة‬
‫تطوعية‪ ،‬وفق نظام ولوائح خا�صة‪ ،‬ين�ضم حتتها جمموعة من املتطوعني‪،‬‬
‫ُيحدِّ د ك ُّل متطوع جماله الذي ميكن �أن ُيقدِّ م فيه خرباته و�إمكاناته‪ ،‬ب�ساعات‬
‫يومية �أو �أ�سبوعية معينة‪.‬‬
‫ويتميز العمل التطوعي امل�ؤ�س�سي عن الفردي ب�أن امل�ؤ�س�سي يعمل وفق �أنظمة‬
‫ولوائح معينة‪ ،‬ونطاقه �أو�سع‪ ،‬وموارده وم�شاريعه متنوعة‪ ،‬مما يجعله �أقدر على‬
‫اال�ستمرار من العمل التطوعي الفردي(‪.)2‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬تنوع العمل التطوعي باعتبار العموم والتخ�ص�ص(‪:)3‬‬
‫اً‬
‫ات�صال مبا�ش ًرا‬ ‫‪1.1‬العمل التطوعي العام‪ :‬وهو كل عمل تطوعي ال يت�صل‬
‫بالتخ�ص�ص العلمي �أو العملي للمتطوع‪ ،‬وميكن لغالب �أفراد املجتمع القيام‬
‫به‪ ،‬ك�إماطة الأذى عن الطريق‪ ،‬وال�صدقة على امل�سكني‪ ،‬ونحوها‪.‬‬
‫((( ينظر‪� :‬أ�س�س ومهارات العمل التطوعي �ص‪ ،22‬والريادة والعمل التطوعي �ص‪ ،144‬والدليل اال�سرت�شادي‬
‫للتطوع يف بيئة العمل للجهات احلكومية بدولة الإمارات �ص‪ ،17‬والعمل التطوعي لربزان �ص‪.88-87‬‬
‫((( ينظر‪� :‬أ�س�س ومهارات العمل التطوعي �ص‪.23‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الدليل اال�سرت�شادي للتطوع يف بيئة العمل للجهات احلكومية بدولة الإمارات �ص‪.17‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪230‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫اً‬
‫ات�صال مبا�ش ًرا‬ ‫‪2.2‬العمل التطوعي املتخ�ص�ص‪ :‬وهو كل عمل تطوعي يت�صل‬
‫بالتخ�ص�ص العلمي �أو العملي للمتطوع‪ ،‬وال يتمكن من القيام به �إال املتخ�ص�ص‬
‫يف علم من العلوم �أو جمال من املجاالت‪ ،‬كالتطوع بتعليم العلوم ال�شرعية‪،‬‬
‫وغريها من العلوم النافعة‪� ،‬أو تطوع املحامي بالرتافع لبع�ض اجلمعيات‬
‫اخلريية‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫وال يخفى �أن املتمكن من القيام بالعمل التطوعي املتخ�ص�ص قادر على القيام‬
‫بالعمل التطوعي العام من باب �أولى‪ ،‬وال عك�س‪ ،‬فالذي ال يتمكن �إال من القيام بالعمل‬
‫التطوعي العام ال ميكنه القيام بالعمل التطوعي املتخ�ص�ص‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬تنوع العمل التطوعي باعتبار ما كان نفعه قا�ص ًرا �أو متعد ًيا(‪:)1‬‬
‫‪1.1‬العمل التطوعي القا�صر‪ :‬وهو ما كان نفعه للمتطوع فح�سب‪ ،‬ك�صالة التطوع‪،‬‬
‫و�صيام التطوع‪ ،‬ونحوها‪.‬‬
‫وللعمل التطوعي القا�صر �آثار ظاهرة على النف�س‪ ،‬فهو يزكيها من الرذائل‪،‬‬
‫و ُي ِّنمي فيها الف�ضائل‪ ،‬ويزيد يف �إميان العبد‪ ،‬مما يجعل املتطوع بهذه‬
‫التطوعات القا�صرة اً‬
‫مقبل على الأعمال التطوعية املتعدية �أكرث من غريه‪،‬‬
‫فالعمل التطوعي القا�صر دافع كبري �إلى العمل التطوعي املتعدي ب�صورة غري‬
‫مبا�شرة‪.‬‬
‫‪2.2‬العمل التطوعي املتعدي‪ :‬وهو ما يكون فيه نفع للآخرين‪ ،‬كالتطوع بدعوة‬
‫النا�س �إلى دين اهلل تعالى‪ ،‬والتطوع باملال على امل�ستحقني‪ ،‬والتطوع من‬
‫امل�ست�شار بتقدمي اخلدمات اال�ست�شارية للجمعيات اخلريية‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫راب ًعا‪ :‬تنوع العمل التطوعي باعتبار ما له نظري من العبادات‪ ،‬وما ال نظري له(‪:)2‬‬
‫‪1.1‬العمل التطوعي الذي له نظري من العبادات املفرو�ضة‪ ،‬كال�صالة وال�صيام‬
‫((( ينظر‪ :‬درا�سة توثيقية للعمل التطوعي �ص‪.13‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املو�سوعة الفقهية الكويتية ‪.148/12‬‬

‫‪231‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫واحلج ونحوها‪ ،‬فمنها فر�ض ومنها تطوع‪ ،‬وهذا هو الأ�صل‪ ،‬وهو املتبادر حني‬
‫يذكر لفظ التطوع‪.‬‬
‫‪2.2‬العمل التطوعي الذي ال نظري له من العبادات املفرو�ضة‪ ،‬كالوقف والهبة‬
‫تطوعا‪.‬‬
‫و�إبراء املع�سر ونحو ذلك‪ ،‬فهذه لي�س منها ما هو فر�ض‪ ،‬بل ال تكون �إال ً‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪232‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫املبحث الثاين‬
‫حكم العمل التطوعي‪ ،‬واحلكمة من م�شروعيته‬
‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬

‫املطلب الأول‬
‫حكم العمل التطوعي‬

‫تقدم يف التعريف اال�صطالحي للعمل التطوعي �أن العمل التطوعي بو�صفه‬


‫م�صطلحا عامل ًيا‪ ،‬ميكن تعريفه ب�أنه‪ :‬كل عمل فيه نفع للآخرين‪ ،‬يقدمه املرء باختياره‬
‫ً‬
‫بال مقابل‪.‬‬
‫�أما العمل التطوعي يف ال�شرع فيختلف عن هذا املفهوم بع�ض ال�شيء‪ ،‬فهو كما‬
‫تقدم‪� :‬أنه كل عمل مندوب �إليه يف ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬له نفع متعد‪ ،‬ويفعله املرء‬
‫باختياره‪ ،‬وال ي�أخذ عليه �أج ًرا مكاف ًئا‪ ،‬و�إمنا يريد به الأجر من اهلل ‪.‬‬
‫وحكم العمل التطوعي يف ال�شرع ‪-‬من حيث الأ�صل‪ -‬وا�ضح‪ ،‬وهو اال�ستحباب‪.‬‬
‫وقد دل على ا�ستحباب العمل التطوعي ن�صو�ص كثرية(‪ ،)1‬منها‪:‬‬
‫‪1.1‬قوله تعالى‪( :‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [البقرة‪.]١٨٤ :‬‬
‫‪2.2‬قوله تعالى‪( :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [البقرة‪.]158 :‬‬
‫وجه الداللة من الآيتني‪� :‬أن فيهما الرتغيب يف التطوع‪ ،‬وهذا ي�شمل التطوع‬
‫القا�صر واملتعدي‪.‬‬
‫قال العالمة ابن �سعدي ‪“ :‬وقوله‪( :‬ﮘ ﮙ)‪� ،‬أي‪ :‬فعل طاعة‬
‫((( و�س�أقت�صر هنا على الآيات التي ورد فيها لفظ التطوع‪� ،‬أما الآيات التي فيها احلث على الرب والإح�سان‬
‫وفعل اخلري وامل�سابقة �إليه ونحوها فكثرية جدً ا‪.‬‬

‫‪233‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫خمل�صً ا بها هلل تعالى (ﮚ) من حج وعمرة‪ ،‬وطواف‪ ،‬و�صالة‪ ،‬و�صوم وغري‬
‫ذلك (ﮋ ﮌ ﮍ) فدل هذا‪ ،‬على �أنه كلما ازداد العبد من طاعة اهلل‪ ،‬ازداد‬
‫خريه وكماله‪ ،‬ودرجته عند اهلل‪ ،‬لزيادة �إميانه”(‪.)1‬‬
‫ا�س‬‫‪3.3‬عن �أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ﷺ‪ُ « :‬ك ُّل ُ�س َال َمى ِمنَ ال َّن ِ‬
‫ال�ش ْم ُ�س‪َ ،‬ي ْع ِد ُل َبينْ َ اِال ْث َنينْ ِ َ�ص َد َق ٌة‪َ ،‬و ُي ِع ُني‬ ‫َع َل ْي ِه َ�ص َد َق ٌة‪ُ ،‬ك َّل َي ْو ٍم ت َْط ُل ُع ِفي ِه َّ‬
‫ال َّر ُج َل َع َلى َدا َّب ِت ِه َف َي ْح ِم ُل َع َل ْي َها‪� ،‬أَ ْو َي ْر َف ُع َع َل ْي َها َمت ََاع ُه َ�ص َد َق ٌة‪َ ،‬وال َك ِل َم ُة َّ‬
‫الط ِّي َب ُة‬
‫الط ِر ِيق‬ ‫يط الأَ َذى َع ِن َّ‬ ‫ال�ص َال ِة َ�ص َد َق ٌة‪ ،‬وَيمُ ِ ُ‬ ‫وها ِ�إ َلى َّ‬ ‫َ�ص َد َق ٌة‪َ ،‬و ُك ُّل ُخ ْط َو ٍة َي ْخ ُط َ‬
‫َ�ص َد َق ٌة»(‪.)2‬‬
‫وجه الداللة‪� :‬أن النبي ﷺ و�صف هذه الأعمال الواردة يف احلديث ب�أنها‬
‫متعد‪ ،‬فالعدل بني االثنني‪ ،‬و�إعانة الرجل على‬ ‫�صدقة‪ ،‬وغالبها �أعمال ذات نفع ٍ‬
‫دابته‪ ،‬وحم ُل متاعه عليها‪ ،‬والكلمة الطيبة و�إماطة الأذى عن الطريق كل ذلك‬
‫رغب فيها يف هذا احلديث‪.‬‬ ‫ُيع ّد من الأعمال التطوعية املُ ّ‬
‫‪4.4‬عن جابر ‪ ‬قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ﷺ‪« :‬خ ُري النا�س �أنف ُعهم للنا�س»(‪.)3‬‬
‫وجه الداللة‪� :‬أن الأعمال التطوعية فيها نفع ظاهر للنا�س‪ ،‬فيكون القائم بها‬
‫مو�صو ًفا ب�أنه خري النا�س‪ ،‬وكفاه بذلك �شر ًفا‪.‬‬
‫‪5.5‬عن ابن عبا�س ‪� :‬أن ر�سول اهلل ﷺ �أتى زمزم وهم ي�سقون ويعملون‬
‫«اع َم ُلوا َف ِ�إ َّن ُك ْم َع َلى َع َم ٍل َ�صا ِل ٍح» ثم قال‪َ « :‬ل ْو َال �أَنْ ُت ْغ َل ُبوا َل َنزَ ْل ُت‪،‬‬
‫فيها‪ ،‬فقال‪ْ :‬‬
‫احل ْب َل َع َلى َه ِذ ِه»‪ ،‬يعني‪ :‬عا ِتقه‪ ،‬و�أ�شار �إلى عا ِتقه(‪.)4‬‬ ‫َحتَّى �أَ َ�ض َع َ‬
‫((( تي�سري الكرمي الرحمن �ص‪.76‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬كتاب اجلهاد وال�سري‪ ،‬باب من �أخذ بالركاب ونحوه‪ ،‬برقم (‪)2989‬‬
‫وم�سلم يف �صحيحه‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب بيان �أن ا�سم ال�صدقة يقع على كل نوع من املعروف‪ ،‬برقم‬
‫(‪.)1009‬‬
‫((( �أخرجه الطرباين يف الأو�سط برقم (‪ )5787‬والق�ضاعي يف م�سند ال�شهاب برقم (‪ )1234‬وح�سنه‬
‫الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة برقم (‪.)426‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬كتاب احلج‪ ،‬باب �سقاية احلاج‪ ،‬برقم (‪.)1635‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪234‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫وجه الداللة‪� :‬أن فيه ترغيب النبي ﷺ وحثه على �سقاية احلاج‪ ،‬وهي من‬
‫الأعمال التطوعية(‪.)1‬‬
‫‪�6.6‬أن النبي ﷺ كان يقوم ب�أعمال تطوعية قبل البعثة‪ ،‬ومن ذلك �أنه ملا نزل عليه‬
‫الوحي‪ ،‬وجاء �إلى خديجة ‪ ‬خائ ًفا‪� ،‬أ َّم َنته و�س َّك َنت َروعه وقالت‪َ :‬ف َو اللهَّ ِ‬
‫يك اللهَّ ُ �أَ َبدً ا‪َ ،‬ف َو اللهَّ ِ �إِ َّن َك َلت َِ�ص ُل ال َّر ِح َم‪َ ،‬وت َْ�صد ُُق َ‬
‫احل ِديثَ ‪َ ،‬وتحَ ْ ِم ُل‬ ‫َال ُي ْخ ِز َ‬
‫احل ِّق(‪.)5( )4‬‬‫ال�ض ْي َف‪َ ،‬و ُت ِع ُني َع َلى َن َوا ِئ ِب َ‬
‫ُوم(‪َ ،)3‬و َت ْق ِري َّ‬ ‫ال َك َّل(‪َ ،)2‬و َت ْك ِ�س ُب ا َمل ْعد َ‬
‫متعد‪ ،‬وكان ﷺ يفعلها مروءة‬‫فذكرت ‪ ‬هذه ال�صفات التي نفعها ٍ‬ ‫ْ‬
‫و�شهامة‪ ،‬فلما جاء الإ�سالم �صار يفعلها عبادة وقربة �إلى اهلل تعالى ‪.‬‬
‫(‪)6‬‬

‫م�صطلحا عامل ًيا جند‬


‫ً‬ ‫وعند النظر والت�أمل يف تعريف العمل التطوعي بو�صفه‬
‫�أنه ي�شمل كل عمل يقدمه املرء باختياره بال مقابل لنفع الآخرين‪ ،‬وهو بهذا املفهوم‬
‫يدخل فيه جميع الأحكام التكليفية اخلم�سة‪.‬‬
‫فقد ي�صري العمل التطوعي واج ًبا‪ ،‬ك�إنقاذ من وقع يف َه َلكة‪ ،‬فحكمه يف ال�شرع‬
‫واجب كفائي على كل من علم بحاله‪ ،‬وقدر على �إنقاذه‪ ،‬ف�إن مل يعلم بحاله �إال واحد‬
‫�صار احلكم يف حقه واج ًبا عين ًيا(‪ ،)7‬مع �أن هذا العمل ال يخرج عن كونه اً‬
‫عمل تطوع ًيا‬
‫باملفهوم العاملي‪ ،‬فهو عمل ق ّدمه املرء باختياره لنفع غريه‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬العمل التطوعي وخدمة احلجاج واملعتمرين والزوار �ص‪ ،773‬مروان يو�سف �أحمد كعكي‪ ،‬ال�سجل‬
‫العلمي للملتقى العلمي ال�سابع ع�شر لأبحاث احلج والعمرة والزيارة من ‪1438/8/15-14‬هـ‪.‬‬
‫((( ال َك َّل‪ :‬هو من ال ي�ستقل ب�أمره‪ ،‬كما قال اهلل تعالى‪( :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ)‪ .‬ينظر‪ :‬فتح الباري البن حجر ‪.24/1‬‬
‫((( �أي تعطي النا�س ما ال يجدونه عند غريك‪ ،‬وقيل‪ :‬معناه تك�سب املال املعدوم‪ ،‬وت�صيب منه ماال ي�صيب‬
‫غريك‪ ،‬و�إمنا ي�صح هذا املعنى �إذا ُ�ض ّم �إليه ما يليق به‪ ،‬من �أنه كان مع �إفادته للمال يجود به يف الوجوه‬
‫التي ذكرت يف املكرمات‪ .‬ينظر‪ :‬فتح الباري البن حجر ‪.25/1‬‬
‫((( هي كلمة جامعة لأفراد ما تقدم‪ ،‬وملا مل يتقدم‪ .‬ينظر‪ :‬فتح الباري البن حجر ‪.25/1‬‬
‫((( �أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب تف�سري القر�آن‪ ،‬باب‪( :‬ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ)‪ ،‬برقم (‪ )4953‬وم�سلم‪ ،‬كتاب‬
‫الإميان‪ ،‬باب بدء الوحي �إلى ر�سول اهلل ﷺ‪ ،‬برقم (‪.)252‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الأ�سرة والعمل التطوعي �ص‪.25 ،24‬‬
‫((( ينظر‪ :‬درا�سة توثيقية للعمل التطوعي �ص‪.26‬‬

‫‪235‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫والزكاة يف الإ�سالم واجبة‪ ،‬بل ركن من �أركانه‪ ،‬وهي باملفهوم العاملي للعمل‬
‫التطوعي ُتع ّد اً‬
‫عمل تطوع ًيا؛ لأنه ي�صدق عليها �أنها عمل يقدمه املرء باختياره لنفع‬
‫الآخرين‪.‬‬
‫وقد ي�صري العمل التطوعي محُ ّر ًما‪ ،‬كمن يت�صدق مباله مع حلول دين عليه‪،‬‬
‫ومطالبة �صاحبه به‪ ،‬وعدم وجود ما يق�ضي به دينه‪ ،‬فيحرم عليه التطوع بال�صدقة‬
‫حينئذ؛ لأنه ال يجوز ترك الواجب لتح�صيل امل�ستحب(‪.)1‬‬
‫ٍ‬
‫وكمن ي�شتغل ب�أعمال تطوعية يرتتب عليها تفويت واجب‪ ،‬كتق�صريه يف حق‬
‫حينئذ محُ ّر ًما؛ ملا تقدم(‪.)2‬‬
‫والديه‪� ،‬أو �أهل بيته‪ ،‬فيكون عمله التطوعي ٍ‬
‫وقد ي�صري العمل التطوعي مكروهً ا‪ ،‬فعطية الوالد لأوالده عمل تطوعي‪ ،‬لكن‬
‫�إذا خ�ص بالعطية بع�ضهم دون بع�ض فهو مكروه عند جمهور الفقهاء‪ ،‬ومحُ ّرم عند‬
‫�آخرين(‪ ،)3‬فعلى ر�أي اجلمهور يكون هذا العمل التطوعي مكروهً ا(‪.)4‬‬
‫مباحا‪ ،‬فيما �إذا كان العمل التطوعي ُيع َّلق فيه ح�صول‬
‫وقد ي�صري العمل التطوعي ً‬
‫الأجر على نية التقرب به �إلى اهلل تعالى‪ ،‬وال ي�أثم بعدم نية التقرب‪ ،‬ف�إن نوى به‬
‫مباحا‪.‬‬
‫عمل ً‬ ‫القربة �أُجر عليه‪ ،‬و�إن مل ينو به القربة ف�إنه ال ي�ؤجر وال ي�أثم‪ ،‬بل يكون اً‬
‫كما لو �أزال الأذى عن الطريق من غري نية التقرب‪ ،‬بل بنية �أن �إزالة هذا الأذى‬
‫ُيع ّد من النظافة �أو التقدم احل�ضاري ونحوه‪ ،‬فهذا العمل التطوعي مباح‪ ،‬وال ي�أثم‬
‫بهذه النية‪.‬‬
‫مثال �آخر‪ :‬تراف ُع املحامي عن قريبه املظلوم؛ لأخذ احلق له‪ ،‬بنية احلم َّية‪ ،‬فهذا‬
‫مباح؛ لأنه مل ينو التقرب �إلى اهلل تعالى بن�صرة املظلوم‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬املنثور يف القواعد ‪ ،278/3‬ودرا�سة توثيقية للعمل التطوعي �ص‪.27‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬الأحكام الفقهية للأعمال التطوعية �ص‪.82‬‬ ‫(((‬
‫ينظر يف هذه امل�س�ألة‪ :‬بدائع ال�صنائع ‪ ،127/6‬والكايف يف فقه �أهل املدينة ‪ ،1003/2‬ورو�ضة الطالبني‬ ‫(((‬
‫‪ 378/5‬وك�شاف القناع ‪ ،309/4‬وقيد املالكية الكراهة فيما �إذا كانت العطية لكل ماله‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬درا�سة توثيقية للعمل التطوعي �ص‪.27‬‬ ‫(((‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪236‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫بخالف ما لو كان العمل التطوعي ال يجوز يف ال�شرع �أن يقع �إال قربة‪ ،‬كالإمامة‬
‫�أو الأذان‪ ،‬فهذا �إن نوى به القربة فهو م�أجور‪ ،‬و�إن نوى به غري القربة كالرياء �أو‬
‫َع َر ٍ�ض من الدنيا ف�إنه ي�أثم‪ ،‬كما �سي�أتي تف�صيله يف مو�ضعه �إن �شاء اهلل تعالى(‪،)1‬‬
‫واهلل �أعلم‪.‬‬

‫املطلب الثاين‬
‫�ضوابط عمل املر�أة التطوعي‬

‫الأ�صل ت�ساوي الرجال والن�ساء يف الأحكام ال�شرعية �إال ما ُي�ستثنى مما يخت�ص‬
‫به الرجال‪� ،‬أو تخت�ص به الن�ساء(‪ ،)2‬والعمل التطوعي داخل يف هذا الأ�صل‪ ،‬فحكمه‬
‫للمر�أة كحكمه للرجل على ما تقدم‪ ،‬وقد ا�ستدل بع�ض الباحثني(‪ )3‬على م�شروعية‬
‫العمل التطوعي للمر�أة مبا ورد عن بع�ض ال�صحابيات ‪� ‬أنهن قمن ب�أعمال‬
‫تطوعية يف حياة النبي ﷺ‪ ،‬و�أق َّرهن عليها‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫هلل ﷺ َي ْغزُو ِب ُ�أ ِّم ُ�س َل ْي ٍم َو ِن ْ�س َو ٍة ِمنَ‬‫ول ا ِ‬ ‫ما روى �أن�س بن مالك ‪ ‬قال‪َ :‬كانَ َر ُ�س ُ‬
‫الَ ْن َ�صا ِر َم َع ُه �إِ َذا َغزَ ا‪َ ،‬ف َي ْ�س ِق َني المْ َا َء‪َ ،‬و ُي َدا ِوينَ الجْ َ ْر َحى(‪.)4‬‬
‫ْأ‬
‫ال�سقي‬
‫قال النووي يف �شرحه‪“ :‬فيه خروج الن�ساء يف الغزو واالنتفاع بهنّ يف َّ‬
‫واملداواة ونحوهما”(‪.)5‬‬
‫وعن ال ُّر َب ِّيع بنت ُم َع ِّو ٍذ ‪ ‬قالت‪ُ :‬ك َّنا َم َع ال َّن ِب ِّي ﷺ َن ْ�س ِقي َو ُن َدا ِوي َ‬
‫اجل ْر َحى‪،‬‬
‫َو َن ُر ُّد ال َق ْت َلى �إِ َلى ا َمل ِدي َن ِة(‪.)6‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املبحث الرابع من هذا البحث‪.‬‬
‫((( ينظر‪� :‬إعالم املوقعني ‪ ،114/2‬واملو�سوعة الفقهية الكويتية ‪.78/7‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الأحكام الفقهية للم�ؤ�س�سات اخلريية �ص‪.440 -438‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه‪ ،‬كتاب اجلهاد وال�سري‪ ،‬باب غزو الن�ساء مع الرجال‪ ،‬برقم (‪.)1810‬‬
‫((( �شرح �صحيح م�سلم ‪.188/12‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬كتاب اجلهاد وال�سري‪ ،‬باب مداواة الن�ساء اجلرحى يف الغزو‪ ،‬برقم‪:‬‬
‫(‪.)2882‬‬

‫‪237‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫قال ابن حجر يف �شرحه‪“ :‬وفيه جواز معاجلة املر�أة الأجنبية الرجل الأجنبي‬
‫لل�ضرورة”(‪.)1‬‬
‫وقال النووي‪“ :‬وهذه املداواة ملحارمهنَّ و�أزواجهنّ ‪ ،‬وما كان منها لغريهم ال‬
‫يكون فيه َم ُّ�س ب�شرة �إال يف مو�ضع احلاجة”(‪.)2‬‬
‫وقال ابن بطال‪“ :‬ف�إن قيل‪ :‬كيف جاز �أن يبا�شر الن�ساء اجلرحى وهم غري ذوي‬
‫اَّ‬
‫للمتجالت(‪ )3‬منهن؛ لأن مو�ضع اجلرح ال يلتذ‬ ‫حمارم منهن؟ فاجلواب‪� :‬أنه يجوز ذلك‬
‫بلم�سه‪ ،‬بل تق�شعر منه اجللود‪ ،‬وتهابه النفو�س‪ ،‬ومل�سه عذاب لالم�س وامللمو�س‪ ،‬و�أما غري‬
‫املتجالت منهن فيعاجلن اجلرحى بغري مبا�شرة منهن لهم‪ ،‬ب�أن ي�صنعن الدواء وي�ضعه‬ ‫اَّ‬
‫غريهن على اجلرح‪ ،‬وال مي�س�سن �شي ًئا من ج�سده‪ ...‬والدليل على �صحة هذا الت�أويل‬
‫�أنى مل �أجد �أحدًا من �سلف العلماء يقول يف املر�أة متوت مع الرجال �أو الرجل ميوت مع‬
‫الن�ساء غري ذوى املحارم ال يح�ضر ذلك غريهم �أن �أحدًا منهما يغ�سل �صاحبه دون حائل‬
‫وثوب ي�سرته‪ ...‬وهذا يدل من قولهم �أنه ال يجوز عندهم مبا�شرة غري ذوى املحارم؛ لأن‬
‫حالة املوت �أبعد من الت�سبب �إلى دواعي اللذة والذريعة �إليها من حال احلياة”(‪.)4‬‬
‫وبنا ًء على ما تقدم ف�إنه ي�شرتط لقيام املر�أة بالعمل التطوعي مراعاة عدد من‬
‫ال�ضوابط ال�شرعية‪ ،‬وهي كما يلي‪:‬‬
‫‪�1.1‬أن توجد حاجة �إلى العمل التطوعي(‪ :)5‬وهذا ال�ضابط يخت�ص بالعمل‬
‫التطوعي الذي حتتاج معه املر�أة �إلى اخلروج من البيت؛ لأن خروجها من‬
‫البيت مقيد باحلاجة؛ لقول اهلل تعالى‪( :‬ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ) [الأحزاب‪.]٣٣ :‬‬
‫فتح الباري ‪.80/6‬‬ ‫(((‬
‫�شرح �صحيح م�سلم ‪.188/12‬‬ ‫(((‬
‫املتجا َّلة‪� :‬أي املر�أة التي �أ�سنت وكربت‪ .‬ينظر‪ :‬النهاية يف غريب احلديث والأثر ‪( 288/1‬جلل)‪.‬‬ ‫(((‬
‫�شرح �صحيح البخاري البن بطال ‪.80/5‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬العمل التطوعي للمر�أة �ص‪ .44‬واملراد باحلاجة هي‪� :‬أن يبلغ املرء حدً ا �إن مل يفعل احلرام ف�إنه‬ ‫(((‬
‫يكون يف جهد وم�شقة‪ ،‬لكنه ال يهلك‪ .‬انظر‪ :‬الأ�شباه والنظائر لل�سيوطي �ص‪.176‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪238‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫وحلديث عائ�شة ‪� ‬أن النبي ﷺ قال‪َ « :‬ق ْد �أُ ِذنَ َ�أنْ ت َْخ ُر ْجنَ فيِ‬
‫اج ِت ُكنَّ »(‪ .)1‬واملعنى �أنه قد �أُذن للن�ساء �أن يخرجن لق�ضاء حاجتهن‪ ،‬وذلك‬
‫َح َ‬
‫قبل �أن ُت َتخذ ال ُك ُنف يف البيوت(‪ ،)2‬ففيه جواز خروج املر�أة عند احلاجة‪.‬‬
‫ف�إن كان العمل التطوعي الذي تقوم به املر�أة ال حتتاج معه �إلى اخلروج من‬
‫البيت‪ ،‬بل تقوم به يف بيتها كاخلياطة للمحتاجني �أو �صنع الطعام للفقراء‪ ،‬ونحو‬
‫ذلك‪ ،‬فهذا ال ي�شرتط له وجود احلاجة؛ لكن مع مراعاة بقية ال�ضوابط الآتية‪.‬‬
‫‪�2.2‬أال ي�ؤثر عملها التطوعي على واجباتها الأ�سرية(‪ ،)3‬كحق الوالدين �أو الزوج‬
‫�أو الأوالد‪ ،‬ف�إن ترتب على عملها التطوعي ت�ضييع حق َمن يلزمها القيام‬
‫بحقه؛ فيح ُرم عليها هذا العمل التطوعي؛ لأن ا�شتغالها بامل�ستحب ُيف ِّوت‬
‫عليها القيام بالواجب‪ ،‬ولأن عملها الواجب ال يقوم به �إال هي‪ ،‬بخالف العمل‬
‫التطوعي فتح�صل الكفاية بغريها من املتطوعات(‪.)4‬‬
‫فعن ابن عمر ‪ ‬قال‪� :‬سمعت ر�سول اهلل ﷺ يقول‪ُ « :‬كلُّ ُك ْم َر ٍاع‪َ ،‬و ُكلُّ ُك ْم‬
‫َم ْ�س ُئو ٌل َعنْ َر ِع َّي ِت ِه‪ ،‬الإِ َم ُام َر ٍاع َو َم ْ�س ُئو ٌل َعنْ َر ِع َّي ِت ِه‪َ ،‬وال َّر ُج ُل َر ٍاع فيِ �أَ ْه ِل ِه‬
‫َوهُ َو َم ْ�س ُئو ٌل َعنْ َر ِع َّي ِت ِه‪َ ،‬وا َمل ْر�أَ ُة َر ِاع َي ٌة فيِ َب ْي ِت َز ْو ِج َها َو َم ْ�س ُئو َل ٌة َعنْ َر ِع َّي ِت َها‪،‬‬
‫خلا ِد ُم َر ٍاع فيِ َم ِال َ�س ِّي ِد ِه َو َم ْ�س ُئو ٌل َعنْ َر ِع َّي ِت ِه»(‪.)5‬‬ ‫َوا َ‬
‫‪�3.3‬أن يكون عمل املر�أة التطوعي منا�س ًبا ملا تخت�ص به من �أحكام �شرعية‪ ،‬فال‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬كتاب الو�ضوء‪ ،‬باب خروج الن�ساء �إلى الرباز‪ ،‬برقم (‪.)147‬‬
‫((( ينظر‪ :‬فتح الباري البن حجر ‪.250/1‬‬
‫((( وهذا و�إن كانت ال تخت�ص به عن الرجل‪ ،‬فالرجل كذلك ال يجوز له �أن ي�شتغل بالعمل التطوعي مع‬
‫ت�ضييعه حلقوق زوجه وولده‪� ،‬إال �أن ا�شرتاط ذلك يف حق املر�أة �أظهر؛ لأن ان�شغالها بحقوق زوجها‬
‫و�أوالدها �أكرث من ان�شغال الرجل بذلك‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الأحكام الفقهية للم�ؤ�س�سات اخلريية �ص‪ ،440‬وتطوع املر�أة امل�سلمة ال�ضوابط واملجاالت �ص‪،35‬‬
‫على هذا الرابط‪.https://www.noor-book.com :‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬كتاب اجلمعة‪ ،‬باب اجلمعة يف القرى واملدن‪ ،‬برقم (‪ )893‬وم�سلم يف‬
‫�صحيحه‪ ،‬كتاب الإمارة‪ ،‬باب ف�ضيلة الإمام العادل‪ ،...‬برقم (‪.)1829‬‬

‫‪239‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫تزاول اً‬
‫عمل تطوع ًّيا ي�ؤدي �إلى ت�ساهلها يف حجابها‪� ،‬أو اختالطها بالرجال‬
‫الأجانب‪� ،‬أو اخللوة بهم‪� ،‬أو ال�سفر بال حمرم(‪)1‬؛ لورود الن�صو�ص ال�شرعية‬
‫الكثرية بالنهي عن ذلك‪ ،‬منها‪ :‬قوله تعالى‪( :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ) [الأحزاب‪.]٥٩ :‬‬
‫وعن ابن عبا�س ‪� ،‬أنه‪� :‬سمع النبي ﷺ يقول‪َ « :‬ال َي ْخ ُل َونَّ َر ُج ٌل ِب ْام َر َ�أ ٍة‪،‬‬
‫ول اللهَّ ِ ‪ ،‬ا ْك ُت ِت ْب ُت فيِ‬
‫َو َال ُت َ�سا ِف َرنَّ ْام َر�أَ ٌة ِ�إ اَّل َو َم َع َها محَ ْ َر ٌم»؛ َف َق َام َر ُج ٌل َف َق َال‪َ :‬يا َر ُ�س َ‬
‫«اذ َه ْب َف ُح َّج َم َع ْام َر�أَ ِت َك»(‪.)2‬‬ ‫اج ًة‪َ ،‬ق َال‪ْ :‬‬ ‫َغزْ َو ِة َك َذا َو َك َذا‪َ ،‬و َخ َر َج ِت ْام َر�أَ ِتي َح َّ‬
‫«خيرْ ُ ُ�ص ُف ِ‬
‫وف ال ِّر َج ِال‬ ‫وعن �أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ﷺ‪َ :‬‬
‫وف ال ِّن َ�سا ِء � ِآخ ُر َها‪َ ،‬و َ�ش ُّر َها �أَ َّو ُل َها»(‪.)3‬‬
‫�أَ َّو ُل َها‪َ ،‬و َ�ش ُّر َها � ِآخ ُر َها‪َ ،‬و َخيرْ ُ ُ�ص ُف ِ‬
‫وما ذاك �إال لأجل املباعدة بني الرجال والن�ساء حتى يف �أطهر البقاع وهي‬
‫امل�ساجد‪.‬‬
‫وعن �أبي �أُ�سيد الأن�صاري ‪� ‬أنه �سمع ر�سول اهلل ﷺ يقول وهو خارج‬
‫من امل�سجد‪ ،‬وقد اختلط الرجال مع الن�ساء يف الطريق‪« :‬ا�ست� ِأخرن‪ ،‬فلي�س‬
‫َل ُكنَّ �أن تحَ ْ ُق ْقنَ (‪ )4‬الطريق‪ ،‬عليكن بحافات الطريق»؛ فكانت املر�أة ت ِ‬
‫َلت�صقُ‬
‫باجلدار‪ ،‬حتى �إن ثوبها ليتعلق باجلدار من �شدة ل�صوقها به(‪.)5‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الأحكام الفقهية للم�ؤ�س�سات اخلريية �ص‪ ،440‬وتطوع املر�أة امل�سلمة ال�ضوابط واملجاالت �ص‪،36‬‬
‫على هذا الرابط‪ ،https://www.noor-book.com :‬والعمل التطوعي للمر�أة �ص‪.46‬‬
‫حاجة‪،...‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬كتاب اجلهاد وال�سري‪ ،‬باب من اكتتب يف جي�ش فخرجت امر�أته ّ‬
‫برقم (‪ )3006‬وم�سلم يف �صحيحه‪ ،‬كتاب احلج‪ ،‬باب �سفر املر�أة مع حمرم �إلى حج وغريه‪ ،‬برقم‬
‫(‪.)1341‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه‪ ،‬كتاب ال�صالة‪ ،‬باب ت�سوية ال�صفوف و�إقامتها‪ ،...‬برقم (‪.)440‬‬
‫((( قال يف مرقاة املفاتيح ‪( :2983/7‬حت ُققْن الطريق) ب�ضم القاف الأولى �أي تذهنب يف ّ‬
‫حاق الطريق‪،‬‬
‫ّ‬
‫واحلاق بت�شديد القاف‪ :‬الو�سط)‪.‬‬
‫((( �أخرجه �أبو داود يف �سننه‪� ،‬أبواب النوم‪ ،‬باب يف م�شي الن�ساء مع الرجال يف الطريق‪ ،‬برقم (‪)5272‬‬
‫وح�سنه الألباين يف �صحيح �سنن �أبي داود‪.‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪240‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫ولأن العمل التطوعي طاع ٌة هلل‪ ،‬وال ُي َّ‬


‫تو�سل �إلى طاعة اهلل مبع�صيته‪.‬‬
‫‪�4.4‬إذن ويل �أمر املر�أة لها بالعمل التطوعي(‪:)1‬‬
‫وذلك �أن ويل املر�أة له القوامة عليها؛ لقول اهلل تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [الن�ساء‪.]٣٤ :‬‬
‫قال اجل�صا�ص‪“ :‬فد ّلت الآية على‪ ...‬تف�ضيل الرجل على املر�أة يف املنزلة‪،‬‬
‫و�أنه هو الذي يقوم بتدبريها وت�أديبها‪ ،‬وهذا يدل على �أن له �إم�ساكها يف بيته‪،‬‬
‫ومنعها من اخلروج‪ ،‬و�أن عليها طاعته وقبول �أمره ما مل تكن مع�صية”(‪.)2‬‬
‫ويدل على �أن املر�أة ال تخرج من بيت زوجها �إال ب�إذنه ما روى ابن عمر ‪‬‬
‫ا�س َت ْ�أ َذ َن ْت َ�أ َح َد ُك ُم ْام َر�أَ ُت ُه ِ�إ َلى المْ َ ْ�س ِج ِد َفلاَ يمَ ْ َن ْع َها»(‪.)3‬‬
‫�أن النبي ﷺ قال‪�ِ « :‬إ َذا ْ‬
‫ففيه �أن املر�أة ال تخرج من بيتها �إلى امل�سجد بدون �إذن الزوج‪ ،‬ف�إنه لو مل يكن‬
‫�إذنه معتربا لأمرها �أن تخرج �سوا ًء �أذن �أو مل ي�أذن(‪.)4‬‬
‫قال ابن رجب ‪“ :‬وال نعلم خال ًفا بني العلماء‪� :‬أن املر�أة ال تخرج �إلى‬
‫امل�سجد �إال ب�إذن زوجها”(‪.)5‬‬
‫و�إذا كان ال بد من �إذن الزوج يف اخلروج �إلى امل�سجد‪ ،‬فخروجها لأجل العمل‬
‫التطوعي كذلك‪� ،‬أو �أولى‪.‬‬
‫وما تق ّدم �إمنا هو يف العمل التطوعي الذي ُي ْح ِوج املر�أة �إلى اخلروج من البيت‬
‫كما هو الغالب يف الأعمال التطوعية‪� ،‬أما �إن كانت املر�أة تقوم بعمل تطوعي يف بيتها‬
‫((( ينظر‪ :‬العمل التطوعي للمر�أة �ص‪ ،53‬والأحكام الفقهية للم�ؤ�س�سات اخلريية �ص‪.440‬‬
‫((( �أحكام القر�آن ‪.149 ،148/3‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬كتاب اجلمعة‪ ،‬باب هل على من مل ي�شهد اجلمعة غ�سل من الن�ساء‬
‫وال�صبيان وغريهم‪ ،‬برقم (‪ )900‬وم�سلم يف �صحيحه‪ ،‬كتاب ال�صالة‪ ،‬باب خروج الن�ساء �إلى امل�ساجد‪،‬‬
‫برقم (‪ )442‬واللفظ مل�سلم‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬فتح الباري البن رجب ‪.51/8‬‬
‫((( فتح الباري ‪.53/8‬‬

‫‪241‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫كالتطوع بخياطة مالب�س للفقراء‪� ،‬أو �صنع الطعام لهم‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فال يرد هذا‬
‫ال�شرط يف حقها‪ ،‬لكن ي�شرتط �أال يكون يف عملها التطوعي الذي تقوم به يف بيتها‬
‫�إخالل بحق الزوج �أو الأوالد ونحوهم كما تقدم‪.‬‬
‫وعند الت�أمل يف هذه ال�ضوابط ال�سالفة ميكن �إرجاعها �إلى �ضابط واحد كلي‪،‬‬
‫وهو �أن يكون العمل التطوعي للمر�أة على وفق �أحكام ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬ولكن نظ ًرا‬
‫لكون هذا ال�ضابط الكلي قد ال يت�ضح املراد به عند كثري من املتطوعات كان ال بد من‬
‫التف�صيل فيه بذكر ال�ضوابط املتقدمة‪ ،‬واهلل �أعلم‪.‬‬
‫ويت�أكد قيام املر�أة بالعمل التطوعي ‪-‬وفق ال�ضوابط ال�سالفة‪� -‬إذا كان من‬
‫الأعمال التي تخت�ص باملر�أة‪ ،‬كتعليم القر�آن الكرمي للن�ساء‪ ،‬وتطبيبهن ومتري�ضهن‪،‬‬
‫وح�ضانة الأطفال‪ ،‬ونحو ذلك؛ ل�سد احلاجة يف هذه الأعمال‪ ،‬واال�ستغناء عن قيام‬
‫الرجال بها(‪.)1‬‬
‫و�إذا تو ّفرت ال�شروط ال�سالفة جاز للمر�أة اخلروج من بيتها للعمل التطوعي‪ ،‬لكن‬
‫مهما �أمكنها �أن تقوم بالأعمال التطوعية وهي يف بيتها‪� ،‬أو �أمكنها التقليل من اخلروج‬
‫لأجل ذلك فهو �أف�ضل؛ لأنه �أحفظ و�أ�سرت لها‪ ،‬خا�صة مع التقدم التقني‪ ،‬وتنوع و�سائل‬
‫التوا�صل التي متكنها من القيام ب�أعمال تطوعية كثرية يف بيتها(‪ ،)2‬واهلل �أعلم‪.‬‬

‫املطلب الثالث‬
‫احلكمة من م�شروعية العمل التطوعي‬
‫ُ�ش ِرع العم ُل التطوعي ِ‬
‫حل َكم كثرية منها(‪:)3‬‬
‫‪1.1‬حتقيق العبودية هلل ‪ ،‬ف�إن العمل التطوعي من القربات اجلليلة التي‬
‫يتقرب بها العبد لربه‪ ،‬وينال بها ر�ضوانه‪ ،‬وت�ضاعف بها ح�سناته‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الأحكام الفقهية للأعمال التطوعية �ص‪.84‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الأحكام الفقهية للم�ؤ�س�سات اخلريية �ص ‪.441‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املو�سوعة الفقهية الكويتية ‪ ،151 -149/12‬ودرا�سة توثيقة للعمل التطوعي �ص‪.18-16‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪242‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫‪2.2‬جرب النق�ص الذي يقع يف بع�ض الفرائ�ض‪ ،‬ف�صدقة التطوع جترب النق�ص‬
‫يف الزكاة‪ ،‬فعن �أبي هريرة ‪ ‬قال‪� :‬سمعت ر�سول اهلل ﷺ يقول‪�« :‬إِنَّ‬
‫ا�س ُب ِب ِه ال َع ْب ُد َي ْو َم ال ِق َي َام ِة ِمنْ َع َم ِل ِه َ�صلاَ ُتهُ‪َ ،‬ف ِ�إنْ َ�ص ُل َح ْت َف َق ْد‬ ‫�أَ َّو َل َما ُي َح َ‬
‫ي�ض ِت ِه َ�ش ْي ٌء‪،‬‬
‫اب َو َخ ِ�س َر‪َ ،‬ف�إِنْ ا ْن َت َق َ�ص ِمنْ َف ِر َ‬ ‫�أَ ْف َل َح َو َ�أنجْ َ َح‪َ ،‬و ِ�إنْ َف َ�س َد ْت َف َق ْد َخ َ‬
‫َق َال ال َّر ُّب َع َّز َو َج َّل‪ :‬ا ْن ُظ ُروا َه ْل ِل َع ْب ِدي ِمنْ ت ََط ُّو ٍع َف ُي َك َّم َل ِب َها َما ا ْن َت َق َ�ص ِمنَ‬
‫ي�ض ِة‪ُ ،‬ث َّم َي ُكونُ َ�سا ِئ ُر َع َم ِل ِه َع َلى َذ ِل َك»(‪.)1‬‬
‫ال َف ِر َ‬
‫‪3.3‬حتقيق التكافل والتعاون بني �أفراد املجتمع‪ ،‬امتثاال لقول اهلل تعالى‪( :‬ﯭ‬
‫ﯮ ﯯ ﯰ) [املائدة‪َ ،]٢ :‬وقول النبي ﷺ‪َ « :‬واللهَّ ُ فيِ َع ْو ِن ا ْل َع ْب ِد َما كان‬
‫ا ْل َع ْب ُد فيِ َع ْو ِن �أَ ِخي ِه»(‪.)2‬‬
‫‪4.4‬تربية النف�س على البذل والعطاء‪� ،‬سوا ًء �أكان بالعلم �أو املال �أو الوقت �أو‬
‫اجلهد �أو غريه‪ ،‬فقد كان النبي ﷺ �أجود النا�س‪ ،‬وكان �أجود ما يكون يف‬
‫رم�ضان(‪.)3‬‬
‫‪5.5‬حماية املجتمع من الف�ساد يف االعتقاد والعبادة واملعاملة والأخالق؛ ملا‬
‫يف العمل التطوعي من التوعية الدينية واخللقية‪ ،‬وحثّ الأفراد على فعل‬
‫اخلري الذي ُتدفع به عن املجتمع كث ٌ‬
‫ري من ال�شرور‪ ،‬وملا فيه من �شغل �أوقات‬
‫املتطوعني بالعمل النافع لهم وملجتمعهم‪.‬‬

‫((( �أخرجه �أبو داود يف �سننه‪� ،‬أبواب تفريع ا�ستفتاح ال�صالة‪ ،‬باب قول النبي ﷺ‪« :‬كل �صالة ال ُيت ُّمها‬
‫�صاحبها ُت َت ُّم من تطوعه»‪ ،‬برقم (‪ )864‬والرتمذي يف جامعه‪� ،‬أبواب ال�صالة‪ ،‬باب ما جاء �أن �أول ما‬
‫يحا�سب به العبد يوم القيامة ال�صالة‪ ،‬برقم (‪ )413‬واللفظ له‪ ،‬و�صححه الألباين يف �صحيح الرتمذي‪.‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه‪ ،‬كتاب الذكر والدعاء والتوبة واال�ستغفار‪ ،‬باب ف�ضل االجتماع على تالوة‬
‫القر�آن وعلى الذكر‪ ،‬برقم (‪.)2699‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬كتاب بدء الوحي‪ ،‬باب كيف كان بدء الوحي �إلى ر�سول اهلل ﷺ‪ ،‬برقم‬
‫(‪ )6‬وم�سلم يف �صحيحه‪ ،‬كتاب الف�ضائل‪ ،‬باب كان النبي ﷺ �أجود النا�س باخلري من الريح املر�سلة‪،‬‬
‫برقم (‪.)2308‬‬

‫‪243‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫املبحث الثالث‬
‫عالقة العمل التطوعي بقاعدة‪ :‬العمل املتعدي �أف�ضل من القا�صر‬

‫تقدم يف تعريف م�صطلح العمل التطوعي �أنه ال بد �أن يكون متع ّد ًيا يف نفعه‬
‫للآخرين‪ ،‬وقد ق ّرر جماعة من الفقهاء قاعدة‪ :‬العمل املتعدي �أف�ضل من القا�صر(‪،)1‬‬
‫عمل تطوعي �أف�ضل من العمل التطوعي القا�صر؟‪.‬‬ ‫فهل معنى ذلك �أن كل ٍ‬
‫للجواب عن هذا ال�س�ؤال ال بد � اًأول من درا�سة هذه القاعدة‪ ،‬ومن َّثم بيان عالقتها‬
‫بالعمل التطوعي‪.‬‬
‫معنى القاعدة‪� :‬أن الفعل الذي يتعدى نفعه �إلى الآخرين‪ ،‬فيعم نفعه �صاحبه‬
‫وغريه فهو �أف�ضل و�أعظم �أج ًرا من الفعل الذي يقت�صر نفعه على �صاحبه‪ ،‬وال يتعداه‬
‫�إلى غريه(‪.)2‬‬
‫�أمثلة القاعدة(‪:)3‬‬
‫‪1.1‬فر�ض الكفاية �أف�ضل على فر�ض العني؛ لأن من قام بفر�ض الكفاية نفعه‬
‫متعدي؛ لكونه �أ�سقط احلرج عن الأ َّمة‪.‬‬
‫‪2.2‬اال�شتغال بالعلم �أف�ضل من �صالة النافلة؛ لأن نفع العلم متعدي‪.‬‬
‫‪�3.3‬أن العتق �أو الإطعام �أو الك�سوة يف ك ّفارة اليمني ُمقدَّم على ّ‬
‫ال�صيام؛ لأن هذه‬
‫ال ّثالثة يتعدّى نفعها �إلى غري املك ِّفر‪ّ ،‬‬
‫وال�صيام قا�صر عليه‪ ،‬ولذا كان فعل �أحد‬
‫وال�صيام ال يجوز �إال عند العجز عن �أحدها‪.‬‬
‫هذه الثالثة واج ًبا عند القدرة عليه‪ّ ،‬‬
‫((( ممن ذكر هذه القاعدة‪ :‬الزرك�شي يف املنثور يف القواعد ‪ ،240/2 ،339/1‬والـ َمقَّري يف القواعد‬
‫‪ ،412 ،411/2‬وال�سيوطي يف الأ�شباه والنظائر �ص‪ ،144‬والبورنو يف مو�سوعة القواعد الفقهية ‪.470/9‬‬
‫((( ينظر‪ :‬مو�سوعة القواعد الفقهية ‪ ،470/9‬والقواعد الفقهية وتطبيقاتها يف املذاهب الأربعة ‪.729/2‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املنثور يف القواعد ‪ ،421 ،420/2‬والأ�شباه والنظائر لل�سيوطي �ص‪ ،144‬ومو�سوعة القواعد‬
‫الفقهية ‪.470/9‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪244‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫من �أدلة القاعدة‪:‬‬


‫الدليل الأول‪:‬‬
‫عن �أبي الدرداء ‪ ‬قال‪ :‬قال ر�سول ﷺ‪�« :‬أَ اَل ُ�أ ْخبرِ ُ ُك ْم ِب�أَ ْف َ�ض َل ِمنْ َد َر َج ِة‬
‫ال�ص َد َق ِة؟»‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬ب َلى َق َال‪�ِ :‬إ ْ�صلاَ ُح َذ ِات ا ْل َبينْ ِ ‪َ .‬ق َال‪َ « :‬و َف َ�سا ُد‬
‫ال�ص َي ِام‪َ ،‬و َّ‬‫ال�صلاَ ِة‪َ ،‬و ِّ‬ ‫َّ‬
‫َذ ِات ا ْل َبينْ ِ ِه َي الحْ َ ا ِل َق ُة(‪.)2(»)1‬‬
‫وجه الداللة‪� :‬أن �إ�صالح ذات البني عمل متعدي‪ ،‬وقد جعله النبي ﷺ �أف�ضل من‬
‫التطوع بال�صالة وال�صيام(‪ )3‬التي هي �أعمال قا�صرة‪ ،‬فدل على �أن العمل املتعدي‬
‫�أف�ضل من القا�صر(‪.)4‬‬
‫قال الطيبي‪“ :‬لأن الإ�صالح �سبب لالعت�صام بحبل اهلل‪ ،‬وعدم التفريق بني‬
‫امل�سلمني‪ ،‬وف�ساد ذات البني ثلمة يف الدين‪ ،‬فمن تعاطى �إ�صالحها ورفع ف�سادها نال‬
‫درجة عند اهلل ‪ ‬فوق ما ينالها ال�صائم القائم امل�شتغل بخوي�صة نف�سه”(‪.)5‬‬
‫الدليل الثاين‪:‬‬
‫عن �أبي الدرداء ‪ ‬قال‪� :‬سمعت ر�سول اهلل ﷺ يقول‪ ...« :‬و�إن ف�ضل العامل‬
‫على العابد‪ ،‬كف�ضل القمر ليلة البدر على �سائر الكواكب‪.)6(»...‬‬
‫((( �أي اخل�صلة التي حتلق الدين وت�ست�أ�صله كما ي�ست�أ�صل املو�سى ال�شعر‪ .‬ينظر‪ :‬في�ض القدير ‪.106/3‬‬
‫((( �أخرجه �أبو داود يف �سننه‪ ،‬كتاب الأدب‪ ،‬باب يف �إ�صالح ذات البني‪ ،‬برقم (‪ )4919‬والإمام �أحمد يف‬
‫م�سنده ‪ ،500/45‬برقم (‪ )27508‬والبخاري يف الأدب املفرد‪ ،‬باب �إ�صالح ذات البني‪ ،‬برقم (‪)391‬‬
‫و�صححه الألباين يف �صحيح الأدب املفرد �ص‪.155‬‬
‫ذات ال َب ِني خ ًريا من �صالة‬
‫إ�صالح ِ‬
‫((( قال ابن العربي يف امل�سالك يف �شرح موط�أ مالك ‪“ :251/7‬ال يكون � ُ‬
‫ال�صدَ قة الواجبة‪ ،‬و�إنمَّ ا �أراد ال َّنافلة”‪ ،‬وينظر نحوه يف املنتقى �شرح املوط�أ ‪213/7‬‬
‫الفري�ضة وال َّ‬
‫والكا�شف عن حقائق ال�سنن ‪.3213/10‬‬
‫((( �أ�شار �إلى هذا الدليل والدليل الثاين الدكتور عبدالرحمن الكيالين يف مقال له على الرابط‪:‬‬
‫‪https://www.facebook.com/AbedAlrahmanAlkilani/photos/a.1582969711926248/160147648‬‬
‫‪3408904/?type=3.‬‬
‫((( الكا�شف عن حقائق ال�سنن ‪.3214/10‬‬
‫((( �أخرجه �أبو داود يف �سننه‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬باب احلث على طلب العلم‪ ،‬برقم (‪ )3641‬وابن ماجه يف‬
‫�سننه‪ ،‬باب ف�ضل العلماء واحلث على طلب العلم‪ ،‬برقم (‪ )223‬والدارمي يف م�سنده‪ ،‬باب يف ف�ضل‬
‫العلم والعامل‪ ،‬برقم (‪ )354‬وح�سنه الألباين يف حتقيق م�شكاة امل�صابيح ‪.74/1‬‬

‫‪245‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫وجه الداللة‪� :‬أن النبي ﷺ َّ‬


‫ف�ضل العامل على العابد؛ لأن نفع العلم يتعدى‪� ،‬أما نفع‬
‫العبادة فهو قا�صر‪ ،‬فدل على �أن العمل املتعدي �أف�ضل من القا�صر‪.‬‬
‫قال البغوي‪“ :‬وف�ضل العلم على العبادة من حيث �إن نفع العلم يتعدى �إلى كافة‬
‫اخللق‪ ،‬وفيه �إحياء الدين‪ ،‬وهو ِت ْل ُو ال ُنب َّوة”(‪.)1‬‬
‫الدليل الثالث‪:‬‬
‫عن عمرو بن العا�ص ‪� ‬أنه �سمع ر�سول اهلل ﷺ يقول‪�« :‬إِ َذا َح َك َم َ‬
‫احل ِاك ُم‬
‫اج َت َه َد ُث َّم َ�أ ْخ َط َ�أ َف َل ُه َ�أ ْج ٌر»(‪.)2‬‬
‫اب َف َل ُه �أَ ْج َر ِان‪َ ،‬و�إِ َذا َح َك َم َف ْ‬
‫اج َت َه َد ُث َّم �أَ َ�ص َ‬
‫َف ْ‬
‫وجه الداللة‪ :‬ما قرره بع�ض العلماء من �أن احلاكم �إذا اجتهد ف�أ�صاب كان له‬
‫�أجران‪� ،‬أجر اجتهاده‪ ،‬و�أجر �إي�صال احلق لأهله‪ ،‬فهو نفع متعدي‪ ،‬فلهذا كان �أف�ضل‪،‬‬
‫بخالف من اجتهد ومل ي�صب‪ ،‬في�ؤجر على اجتهاده فقط؛ لأنه نفع قا�صر‪.‬‬
‫جاء يف فتح الباري‪“ :‬الأجر على العمل القا�صر على العامل واحد والأجر على‬
‫العمل املتعدي ي�ضاعف‪ ،‬ف�إنه ي�ؤجر يف نف�سه وينجر له كل ما يتعلق بغريه من جن�سه‪،‬‬
‫م�ستحق‬
‫ف�إذا ق�ضى باحلق و�أعطاه مل�ستحقه ثبت له �أجر اجتهاده‪ ،‬وجرى له مثل �أجر ِ‬
‫احلق”(‪.)3‬‬
‫الدليل الرابع‪:‬‬
‫�أنه ال خالف بني العلماء يف �أن النفع املتعدي �أف�ضل من القا�صر‪ ،‬حكى ذلك ابن‬
‫احلاج فقال‪“ :‬وال خالف بني الأئمة يف �أن اخلري املتعدي �أف�ضل من اخلري القا�صر‬
‫على املرء نف�سه”(‪.)4‬‬
‫((( �شرح ال�سنة ‪.278/1‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬كتاب االعت�صام بالكتاب وال�سنة‪ ،‬باب �أجر احلاكم �إذا اجتهد ف�أ�صاب‬
‫�أو �أخط�أ‪ ،‬برقم (‪ )7352‬وم�سلم يف �صحيحه‪ ،‬كتاب الأق�ضية‪ ،‬باب بيان �أجر احلاكم �إذا اجتهد ف�أ�صاب‬
‫�أو �أخط�أ‪ ،‬برقم (‪.)1716‬‬
‫((( فتح الباري البن حجر ‪.320/13‬‬
‫((( املدخل ‪.89/1‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪246‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫وقال �أي�ضا‪“ :‬وال ُيخت َلف �أن النفع املتعدي �أف�ضل من القا�صر على املرء نف�سه‬
‫ب�شرط ال�سالمة من الآفات التي َت ْع َت ِو ُره يف ذلك”(‪.)1‬‬
‫وميكن مناق�شته ب�أن هناك من العلماء من يخالف يف �إطالق هذه القاعدة‪ ،‬كما‬
‫�سي�أتي قري ًبا �إن �شاء اهلل تعالى‪.‬‬
‫مناق�شة هذه القاعدة‪:‬‬
‫مل ُي�س ِّلم جماع ٌة من الفقهاء(‪ )2‬ب�إطالق هذه القاعدة‪ ،‬وقالوا‪ :‬قد يكون العمل‬
‫القا�صر �أف�ضل من املتعدي‪ ،‬واحتجوا لذلك مبا يلي(‪:)3‬‬
‫‪1.1‬الإميان عمل قا�صر‪ ،‬ومع ذلك فهو �أف�ضل الأعمال قا�صرها ومتعديها‪ ،‬فهو‬
‫مثل �أف�ضل من اجلهاد يف �سبيل اهلل تعالى الذي هو عمل متعدي؛ فعن �أبي‬ ‫اً‬
‫هريرة ‪� ‬أن ر�سول اهلل ﷺ ُ�سئل‪ُّ � :‬أي العمل �أف�ضل؟ فقال‪�« :‬إِ َميا ٌن ِباللهَّ ِ‬
‫«اجل َها ُد فيِ َ�س ِب ِيل اللهَّ ِ »‪ ،‬قيل‪ :‬ثم ماذا؟ قال‪:‬‬
‫َو َر ُ�سو ِل ِه»‪ ،‬قيل‪ :‬ثم ماذا؟ قال‪ِ :‬‬
‫«ح ٌّج َمبرْ ُ و ٌر»(‪.)4‬‬ ‫َ‬
‫‪2.2‬الت�سبيح بعد ال�صالة عمل قا�صر‪ ،‬وهو �أف�ضل من ال�صدقة وهي عمل متعدي‪،‬‬
‫فعن �أبي هريرة ‪� ‬أن فقراء املهاجرين �أتوا ر�سول اهلل ﷺ فقالوا‪َ :‬ذ َه َب‬
‫اك؟»‪َ ،‬قا ُلوا‪:‬‬ ‫�أَ ْه ُل ال ُّد ُثو ِر ِبال َّد َر َج ِ‬
‫ات ا ْل ُع َلى‪َ ،‬وال َّن ِع ِيم المْ ُ ِق ِيم‪َ ،‬ف َق َال‪َ « :‬و َما َذ َ‬
‫وم‪َ ،‬و َيت ََ�ص َّد ُقونَ َو اَل َنت ََ�ص َّد ُق‪َ ،‬و ُي ْع ِت ُقونَ‬
‫ُي َ�صلُّونَ َك َما ُن َ�ص ِّلي‪َ ،‬و َي ُ�صو ُمونَ َك َما َن ُ�ص ُ‬
‫هلل ﷺ‪�« :‬أَ َفلاَ �أُ َع ِّل ُم ُك ْم َ�ش ْي ًئا ُت ْد ِر ُكونَ ِب ِه َمنْ َ�س َب َق ُك ْم‬
‫ول ا ِ‬ ‫َو اَل ُن ْع ِتقُ ‪َ ،‬ف َق َال َر ُ�س َ‬
‫َوت َْ�س ِب ُقونَ ِب ِه َمنْ َب ْع َد ُك ْم؟ َو اَل َي ُكونُ �أَ َح ٌد �أَ ْف َ�ض َل ِم ْن ُك ْم �إِ اَّل َمنْ َ�ص َن َع ِم ْث َل َما‬
‫((( املدخل ‪.160/2‬‬
‫((( ممن ذهب �إلى هذا ابن ر�شد اجلد والغزايل والعز بن عبدال�سالم‪ .‬ينظر‪ :‬املعيار املعرب ‪ ،318/12‬وخمت�صر‬
‫الفوائد يف �أحكام املقا�صد �ص‪ ،122‬واملنثور يف القواعد ‪ ،421/2‬والأ�شباه والنظائر لل�سيوطي �ص‪.144‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املعيار املعرب ‪ ،318/12‬واملنثور يف القواعد ‪ ،421/2‬والأ�شباه والنظائر لل�سيوطي �ص‪.144‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬كتاب الإميان‪ ،‬باب من قال �إن الإميان هو العمل‪ ،‬برقم (‪ )26‬وم�سلم يف‬
‫�صحيحه‪ ،‬كتاب الإميان‪ ،‬باب بيان كون الإميان باهلل تعالى �أف�ضل الأعمال‪ ،‬برقم (‪.)83‬‬

‫‪247‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫هلل َق َال‪ُ « :‬ت َ�س ِّب ُحونَ ‪َ ،‬و ُت َكبرِّ ُ ونَ ‪َ ،‬وتحَ ْ َمدُونَ ‪ُ ،‬د ُب َر‬
‫ول ا ِ‬ ‫َ�ص َن ْعت ُْم»‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬ب َلى‪َ ،‬يا َر ُ�س ُ‬
‫هلل ﷺ‬ ‫ُك ِّل َ�صلاَ ٍة ثَلاَ ًثا َوثَلاَ ِث َني َم َّر ًة»‪َ ،‬ف َر َج َع ُف َق َرا ُء المْ ُ َه ِاج ِرينَ �إِ َلى َر ُ�س ِول ا ِ‬
‫الَ ْم َو ِال بمِ َ ا َف َع ْل َنا‪َ ،‬ف َف َع ُلوا ِم ْث َلهُ‪َ ،‬ف َق َال َر ُ�س ِول ا ِ‬
‫هلل‬ ‫َف َقا ُلوا‪�َ :‬س ِم َع ِ�إ ْخ َوا ُن َنا �أَ ْه ُل ْ أ‬
‫ﷺ‪«َ :‬ذ ِل َك َف ْ�ض ُل ا ِ‬
‫هلل ُي�ؤْ ِتي ِه َمنْ َي َ�شا ُء»(‪.)1‬‬
‫‪3.3‬عن ثوبان ‪ ‬قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ﷺ‪َ ...« :‬و ْاع َل ُموا �أَنَّ َخيرْ َ �أَ ْع َما ِل ُك ُم‬
‫يعم جميع الأعمال مبا فيها املتعدية‪ ،‬فال�صالة خري‬ ‫ال�صلاَ َة‪ )2(»...‬وهذا ّ‬ ‫َّ‬
‫منها‪ ،‬وهي عمل قا�صر‪.‬‬
‫واختار ه�ؤالء الفقهاء �أن ف�ضل الأعمال على قدر امل�صالح النا�شئة عنها(‪.)3‬‬
‫(ف�إن كانت م�صلحة القا�صر �أف�ضل من م�صلحة املتع ّدي ُقدِّ مت على املتعدي‪،‬‬
‫و�إن كانت م�صلحة املتعدي �أرجح ُقدِّ مت على القا�صر‪ ،‬فتارة يقف على الرجحان‬
‫ف ُيق َّدم الراجح‪ ،‬وتارة ين�ص ال�شارع على تف�ضيل �أحد العملني فيقدمه و�إن مل يقف‬
‫على رجحانه‪ ،‬وتارة ال يقف على الرجحان وال ن�ص يدل على التف�ضيل‪ ،‬فلي�س لنا �أن‬
‫جنعل القا�صر �أف�ضل من املتعدي‪ ،‬وال �أن جنعل املتعدي �أف�ضل من القا�صر؛ لأن ذلك‬
‫موقوف على الأدلة ال�شرعية)(‪.)4‬‬
‫قال القرايف ‪“ :‬قول الفقهاء‪ :‬ال ُقربة املتعدية �أف�ضل من القا�صرة‪ .‬ال ي�صح؛‬
‫لأن الإميان واملعرفة �أف�ضل من الت�صدق بدرهم‪ ،‬و�إمنا الف�ضل على قدر امل�صالح‬
‫النا�شئة من ال ُق ُربات”(‪.)5‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬كتاب الأذان‪ ،‬باب الذكر بعد ال�صالة‪ ،‬برقم (‪ )843‬وم�سلم يف �صحيحه‪ ،‬كتاب‬
‫امل�ساجد وموا�ضع ال�صالة‪ ،‬باب ا�ستحباب الذكر بعد ال�صالة وبيان �صفته‪ ،‬برقم (‪ )595‬واللفظ مل�سلم‪.‬‬
‫((( �أخرجه ابن ماجه يف �سننه‪ ،‬كتاب الطهارة و�سننها‪ ،‬باب املحافظة على الو�ضوء‪ ،‬برقم (‪ )277‬والإمام‬
‫�أحمد يف م�سنده‪ 60/37 ،‬برقم (‪ )22378‬والدارمي يف م�سنده‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب ما جاء يف الطهور‪،‬‬
‫برقم (‪ )681‬و�صححه احلافظ ابن حجر يف فتح الباري ‪.108/4‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املعيار املعرب ‪ ،318/12‬واملنثور يف القواعد ‪ ،422-421/1‬والأ�شباه والنظائر لل�سيوطي‬
‫�ص‪ ،145‬وحتفة املحتاج ‪.233/2‬‬
‫((( املعيار املعرب ‪.319 ،318/12‬‬
‫((( الذخرية ‪.357/13‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪248‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫ولذا فقد ق َّيد بع�ض الفقهاء هذه القاعدة بالغالب‪ ،‬فقالوا‪ :‬العمل املتعدي �أف�ضل‬
‫من القا�صر غالبا؛ ملا تقدم من �أن العمل القا�صر قد يكون �أف�ضل من املتعدي‪.‬‬
‫قال الهيتمي‪“ :‬قاعدة �أن العمل املُتعدِّ ي �أف�ضل من القا�صر فهي �أغلبية؛ لأن‬
‫القا�صر قد يكون �أف�ضل كالإميان �أف�ضل من نحو اجلهاد”(‪.)1‬‬
‫وبع�ض الفقهاء جعل الأ�صل يف العمل املتعدي �أنه �أف�ضل من القا�صر �إال �أن يدل‬
‫دليل على �أن القا�صر �أف�ضل‪.‬‬
‫قال الـ َم َّقري‪“ :‬قال الفقهاء‪ :‬القربة املتعدية �أف�ضل من القا�صرة‪ ،‬واعترُ �ض‬
‫بالإميان مع ال�صدقة بدرهم‪ ،‬و�أُجيب ب�أن ذلك هو الأ�صل �إال بدليل”(‪.)2‬‬
‫وذهب بع�ض الباحثني �إلى �أن تقدمي العمل املتعدي على العمل القا�صر وتف�ضيله‬
‫عليه مق َّيد ب�أن يكون ك ٌل من العمل املتعدي والقا�صر مت�ساويني يف جملة من‬
‫االعتبارات‪ ،‬كالت�ساوي يف الرتبة من حيث كونهما من ال�ضروريات �أو احلاجيات �أو‬
‫التح�سينيات‪ ،‬والت�ساوي يف نوع الكلية من كليات الدين‪ ،‬وهي حفظ الدين والنف�س‬
‫والن�سل والعقل واملال‪ ،‬والت�ساوي يف قوة طلب ال�شارع للعمل‪ ،‬ب�أن يكون من الواجبات‬
‫�أو املندوبات‪ ،‬والت�ساوي يف الإخال�ص وق�صد التقرب �إلى اهلل تعالى‪ ،‬ف�إذا تفاوتت يف‬
‫�أي من هذه االعتبارات �أو غريها فال يكون الرتجيح باعتبار كون العمل متعد ًّيا �أو‬
‫فمثل امل�صلحة ال�ضرورية القا�صرة‬‫قا�ص ًرا‪ ،‬و�إمنا بنا ًء على تلك االعتبارات الأخرى‪ ،‬اً‬
‫مقدمة على امل�صلحة التح�سينية املتعدية‪ ،‬وم�صلحة الواجب القا�صرة مقدمة على‬
‫م�صلحة املندوب املتعدية‪ ،‬وهكذا(‪.)3‬‬
‫وبناء على ما تقدم فيمكن �أن يقال‪� :‬إن عالقة العمل التطوعي بقاعدة‪ :‬العمل‬
‫املتعدي �أف�ضل من القا�صر‪ ،‬تظهر يف التف�صيل الآتي‪:‬‬
‫((( حتفة املحتاج ‪ ،233/2‬وينظر نحوه يف الفتاوى الفقهية الكربى ‪ ،97/2‬والدر املن�ضود �ص‪.61‬‬
‫((( القواعد يف القاعدة‪.412 ،411/2 )164( :‬‬
‫((( ينظر‪ :‬مقال للدكتور عبدالرحمن الكيالين‪ .‬على الرابط‪https://www.facebook.com/AbedAlrah� :‬‬
‫‪.manAlkilani/photos/a.1582969711926248/1601476483408904/?type=3‬‬

‫‪249‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫‪1.1‬على ما ق ّرره جماعة من الفقهاء من الت�سليم بهذه القاعدة فيكون العمل‬


‫التطوعي املتعدي �أف�ضل من العمل التطوعي القا�صر مطل ًقا‪.‬‬
‫‪2.2‬وعلى ر�أي من يقول‪� :‬إنه ال ُي َّ‬
‫ف�ضل العمل املتعدي على القا�صر‪ ،‬و�إمنا التف�ضيل‬
‫فحينئذ ال‬
‫ٍ‬ ‫بح�سب ترجح امل�صلحة يف العمل �أو �أن يدل ن�ص على الرتجيح‬
‫ميكن �إطالق القول ب�أن العمل التطوعي املتعدي �أف�ضل من العمل التطوعي‬
‫القا�صر حتى ُينظر يف �أي العملني م�صلحته �أرجح �أو يوجد ن�ص يدل على‬
‫ترجيحه‪.‬‬
‫‪3.3‬على ر�أي من مل ُي�س ِّلم ب�إطالق القاعدة‪ ،‬ويرى �أنها �أغلبية‪ ،‬فيكون الغالب على‬
‫العمل التطوعي املتعدي �أنه �أف�ضل من العمل التطوعي القا�صر‪.‬‬
‫‪4.4‬على ر�أي من يقول ب�أن الأ�صل يف العمل املتعدي �أنه �أف�ضل من القا�صر �إال �أن‬
‫يدل دليل على تف�ضيل القا�صر‪ ،‬فيكون الأ�صل يف العمل التطوعي املتعدي �أنه‬
‫�أف�ضل من العمل التطوعي القا�صر �إال �أن يدل دليل على تف�ضيل القا�صر‪.‬‬
‫‪5.5‬على ر�أي من يقول‪� :‬إن تف�ضيل العمل املتعدي على العمل القا�صر مق َّيد ب�أن‬
‫فحينئذ ال ُيع ُّد العمل‬
‫ٍ‬ ‫يكون ك ٌل منهما مت�ساويني يف جملة من االعتبارات‪،‬‬
‫التطوعي �أف�ضل من القا�صر �إال عند ت�ساوي هذه االعتبارات‪.‬‬
‫ولعل هذا الأخري هو الأقرب؛ لأنه ُيق ِّيد �إطالق الأول‪ ،‬وال يخالف الثاين؛ لأنه‬
‫�إذا ت�ساوت االعتبارات فال �شك �أن امل�صلحة يف املتعدي �أكرب منها يف القا�صر‪ ،‬وال‬
‫يخالف الثالث؛ لأن الغلبة مبنية على عدم ت�ساوي هذه االعتبارات‪� ،‬أما مع الت�ساوي‬
‫فيكون العمل املتعدي �أف�ضل من القا�صر ب�إطالق‪ ،‬وال يخالف الرابع‪ ،‬لأنه حينئذ يكون‬
‫مواف ًقا للأ�صل‪ ،‬ومل يدل دليل على تف�ضيل القا�صر‪ ،‬واهلل �أعلم‪.‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪250‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫املبحث الرابع‬
‫(‪)1‬‬
‫�أثر النية يف العمل التطوعي‬

‫العمل التطوعي يف الإ�سالم عبادة ُيتقرب بها �إلى اهلل تعالى‪ ،‬والعبادة ُي�شرتط‬
‫لقبولها �شرطان‪ :‬الإخال�ص واملتابعة(‪.)2‬‬
‫وقد دل على هذين ال�شرطني �أدلة كثرية من الكتاب وال�سنة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ)‬ ‫(ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ‬ ‫قول اهلل تعالى‪:‬‬
‫[الكهف‪.]١١٠ :‬‬
‫وقال ‪( :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [امللك‪.]٢ :‬‬
‫ا�ض ‪�“ :‬أخل�صه و�أ�صوبه‪ ،‬قالوا يا �أبا علي‪ :‬ما �أخل�صه‬ ‫َق َال ا ْل ُف َ�ض ْيل ْبنُ ِع َي ٍ‬
‫و�أ�صوبه؟ قال‪� :‬إذا كان العمل خال�صً ا ومل يكن �صوا ًبا مل يقبل‪ ،‬و�إذا كان �صوا ًبا ومل‬
‫يكن خال�صً ا مل ُيقبل‪ ،‬حتى يكون خال�صً ا �صوا ًبا؛ واخلال�ص �أن يكون هلل‪ ،‬وال�صواب‬
‫�أن يكون على ال�سنة”(‪.)3‬‬
‫َو َق َال َت َعا َلى‪( :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [ال�شورى‪.]٢١ :‬‬
‫وعن عائ�شة ‪ ‬قالت‪ :‬قال ر�سول اهلل ﷺ‪«َ :‬منْ �أَ ْح َد َث فيِ �أَ ْم ِر َنا َه َذا َما َل ْي َ�س‬
‫ِم ْن ُه َف ُه َو َر ٌّد»(‪ )4‬ويف لفظ‪«َ :‬منْ َع ِم َل َع َم اًل َل ْي َ�س َع َل ْي ِه �أَ ْم ُر َنا َف ُه َو َر ٌّد»(‪.)5‬‬
‫((( �أفدت يف هذا املبحث من بحث‪� :‬شرك الأعرا�ض حقيقته و�أنواعه‪ ،‬د‪� .‬سعيد بن حممد بن ح�سني معلوي‪،‬‬
‫املن�شور مبجلة الدرا�سات العقدية‪ ،‬العدد (‪ )2‬رجب ‪1430‬هـ‪ ،‬ومن بحث‪� :‬إرادة الإن�سان بعمله الآخرة‪.‬‬
‫�أ‪ .‬د‪ .‬عبداهلل بن حممد ال�سند‪ ،‬املن�شور مبجلة الدرا�سات العقدية‪ ،‬العدد (‪ )6‬رجب ‪1432‬هـ‪،‬‬
‫((( ينظر‪ :‬جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم ابن تيمية ‪ ،124/3 ،80/1‬واجلواب الكايف �ص‪ ،303‬وفتح املجيد ‪.622/2‬‬
‫((( ينظر‪ :‬جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم ابن تيمية ‪.124/3‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬كتاب ال�صلح‪ ،‬باب �إذا ا�صطلحوا على �صلح جور فال�صلح مردود‪ ،‬برقم (‪)2697‬‬
‫وم�سلم يف �صحيحه‪ ،‬كتاب الأق�ضية‪ ،‬باب نق�ض الأحكام الباطلة‪ ،‬ورد حمدثات الأمور‪ ،‬برقم (‪.)1718‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه‪ ،‬بنف�س الباب والكتاب والرقم ال�سابق‪.‬‬

‫‪251‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫فال�شرط الأول وهو الإخال�ص‪ ،‬معناه‪� :‬أن يريد من يقوم بالعمل ال�صالح وجه اهلل‬
‫تعالى‪ ،‬وثوابه‪ ،‬ال مراءاة النا�س‪ ،‬وال � َّأي َع َر�ض دنيوي‪.‬‬
‫وامل�سلم الذي يقوم بعمل تطوعي ‪-‬هو يف �أ�صله من القربات التي جاءت بها‬
‫ال�شريعة‪ ،‬كالتطوع بالأذان �أو الإمامة‪� ،‬أو بال�صدقة‪� ،‬أو بن�شر العلم والدعوة �إلى اهلل‬
‫تعالى ونحو ذلك‪ -‬ال يخلو من �أحوال‪:‬‬
‫احلال الأولى‪� :‬أن يعمله خال�صً ا لوجه اهلل تعالى‪ ،‬ال يريد به َع َر�ضً ا من الدنيا‪،‬‬
‫فهذا مثاب على عمله؛ لتوفر �شرطي قبول العمل فيه‪.‬‬
‫احلال الثانية‪ � :‬اَّأل يكون عمله خال�صً ا‪ ،‬و�إمنا عمل لتح�صيل غر�ض دنيوي‪ ،‬ولي�س‬
‫له ق�صد يف ثواب اهلل تعالى‪ ،‬وهذه احلال على ق�سمني‪:‬‬
‫�أ‪� .‬أن يكون غر�ضه الدنيوي الريا َء‪ ،‬فهو يريد بعمله التطوعي ثناء النا�س‬
‫ومدحهم‪.‬‬
‫ب‪� .‬أن يكون غر�ضه الدنيوي حت�صيل مال �أو جاه �أو من�صب ونحو ذلك‪ ،‬كمن‬
‫يتطوع ب�إمامة ال�صالة للح�صول على املكاف�أة املالية التي هي �أقل من‬
‫�أجرة املثل‪� ،‬أو يتطوع بتقدمي دورات يف العلوم ال�شرعية لغر�ض احل�صول‬
‫على �شهادات ال�شكر؛ ليتو�سل بها �إلى الوظائف‪� ،‬أو يتطوع باجلهاد‬
‫وق�صده الغنيمة فقط‪� ،‬أو نحو ذلك من الأغرا�ض الدنيوية‪.‬‬
‫فهذان الق�سمان من ال�شرك الأ�صغر‪ ،‬الذي ُيحبط العمل التطوعي(‪)1‬؛ لتخلف‬
‫�أحد �شرطي قبول العمل‪ ،‬وهو الإخال�ص؛ قال اهلل تعالى‪( :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [هود‪.]١٦-١٥ :‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الفروق للقرايف ‪ ،22/3‬وجامع العلوم واحلكم ‪ ،82/1‬و�إنقاذ الهالكني �ص‪ ،60‬وتف�سري �آيات من القر�آن‬
‫الكرمي �ص‪ ،120‬وفتح املجيد ‪ ،625/2‬وحا�شية كتاب التوحيد �ص‪ ،268‬والقول ال�سديد �ص‪ ،130‬والتمهيد‬
‫ل�شرح كتاب التوحيد �ص‪ .409 -405‬وقال القرايف يف الفروق ‪“ :22/3‬والق�سم الآخر �أن يعمل العمل ال يريد‬
‫به وجه اهلل تعالى �ألبتة بل النا�س فقط‪ ...‬فهذه قاعدة ال ِّرياء املبطلة للأعمال املُح َّرمة بالإجماع”‪.‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪252‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫هلل ﷺ‪َ « :‬ق َال ُ‬


‫اهلل َت َبا َر َك َو َت َعا َلى‪:‬‬ ‫وعن �أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال ر�سول ا ِ‬
‫ال�ش ْر ِك‪َ ،‬منْ َعمِ َل َع َم اًل �أَ ْ�ش َر َك ِفي ِه َم ِعي َغيرْ ِ ي‪،‬‬ ‫ال�ش َر َكا ِء َع ِن ِّ‬ ‫�أَ َنا �أَ ْغ َنى ُّ‬
‫َت َر ْك ُت ُه َو ِ�ش ْر َكهُ»(‪.)1‬‬
‫وعن حممود بن لبيد ‪� ‬أن ر�سول اهلل ﷺ قال‪�ِ « :‬إنَّ �أَ ْخ َو َف َما �أَ َخ ُ‬
‫اف َع َل ْي ُك ُم‬
‫هلل؟ َق َال‪« :‬ال ِّر َيا ُء‪،‬‬ ‫ال ْ�ص َغ ُر َيا َر ُ�س َول ا ِ‬ ‫ال�ش ْر ُك َْ أ‬‫الَ ْ�ص َغ ُر»‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬و َما ِّ‬ ‫ال�ش ْر ُك ْ أ‬
‫ِّ‬
‫ا�س ِب�أَ ْع َما ِل ِه ْم‪ْ :‬اذهَ ُبوا �إِ َلى‬ ‫ول ُ‬
‫اهلل َع َّز َو َج َّل َل ُه ْم َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة‪� :‬إِ َذا ُج ِز َي ال َّن ُ‬ ‫َي ُق ُ‬
‫ا َّل ِذينَ ُك ْن ُت ْم ُت َرا ُءونَ فيِ ال ُّد ْن َيا َفا ْن ُظ ُروا هَ ْل تجَ ِ دُونَ ِع ْن َدهُ ْم َجزَ ا ًء»(‪.)2‬‬
‫وعن عبادة بن ال�صامت ‪� ‬أن ر�سول اهلل ﷺ قال‪«َ :‬منْ َغزَ ا فيِ َ�س ِب ِيل‬
‫هلل َوهُ َو اَل َي ْن ِوي فيِ َغزَ ا ِت ِه ِ�إ اَّل ِع َق اًال َف َل ُه َما َن َوى»(‪ )3‬فهذا مل ينو بجهاده ثواب‬
‫ا ِ‬
‫اهلل تعالى‪ ،‬و�إمنا ق�صده الغنيمة فح�سب‪ ،‬فيكون عمله ً‬
‫حابطا(‪.)4‬‬
‫ويف حديث الثالثة الذين هم �أول من ُت�س َّعر بهم النار يوم القيامة(‪ ،)5‬وهم‬
‫َمن تع َّلم العلم وع َّلمه وقر�أ القر�آن‪ ،‬واملجاهد‪ ،‬واجلواد‪ُ ،‬‬
‫فطلب العلم وتعلي ُمه‬
‫للنا�س واجلها ُد يف �سبيل اهلل تعالى واجلو ُد باملال يف وجوه اخلري �أعمال ذات‬
‫تعد‪ ،‬و�أجرها ملن �أخل�ص كبري عند اهلل تعالى‪ ،‬لكن ملا كان ق�صد ه�ؤالء‬‫نفع ُم ٍّ‬
‫ح�صول املحمدة يف الدنيا‪� ،‬صارت عقوبتهم �شديدة‪ ،‬بل هم �أول من يعذب يف‬
‫النار ً‬
‫عياذا باهلل تعالى‪.‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه‪ ،‬كتاب الزهد والرقائق‪ ،‬باب من �أ�شرك يف عمله غري اهلل‪ ،‬برقم (‪.)2985‬‬
‫((( �أخرجه الإمام �أحمد يف امل�سند برقم (‪ )39/39( )23630‬والبغوي يف �شرح ال�سنة ‪،324 ،323/14‬‬
‫وقال املنذري يف الرتغيب والرتهيب ‪ :34/1‬رواه �أحمد ب�إ�سناد جيد‪ .‬وقال الألباين يف ال�سل�سلة‬
‫ال�صحيحة رقم (‪ :)951‬وهذا �إ�سناد جيد‪.‬‬
‫((( �أخرجه الن�سائي يف �سننه‪ ،‬كتاب اجلهاد‪ ،‬باب من غزا يف �سبيل اهلل ومل ينو يف غزاته �إال عقاال‪ ،‬برقم‬
‫(‪ )3138‬والإمام �أحمد يف م�سنده ‪ 365/37‬برقم (‪ )22692‬وح�سنه الألباين يف �صحيح الن�سائي‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬مقا�صد املكلفني �ص‪.459-458‬‬
‫((( احلديث �أخرجه م�سلم يف �صحيحه‪ ،‬كتاب الإمارة‪ ،‬باب من قاتل للرياء وال�سمعة ا�ستحق النار‪ ،‬برقم‬
‫(‪.)1905‬‬

‫‪253‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫احلال الثالثة‪� :‬أن يقوم بالعمل التطوعي مع ت�شريك النية هلل تعالى ولغر�ض‬
‫دنيوي وهذا على ق�سمني‪:‬‬
‫�أ‪� .‬أن يكون الغر�ض الدنيوي الرياء‪ ،‬كمن يتطوع بالدعوة �إلى اهلل تعالى قا�صدًا‬
‫ثواب اهلل تعالى‪ ،‬ول ُيثنى عليه عند النا�س ب�أنه من الدعاة‪ ،‬فهذا �إن �شاركه‬
‫ق�صد الرياء من �أ�صله فهو �شرك �أ�صغر‪ ،‬وعمله حابط(‪ ،)1‬قال العالمة ابن‬
‫رجب ‪“ :‬وممن ُروي عنه هذا املعنى‪ ،‬و�أن العمل �إذا خالطه �شيء‬
‫باطل‪ :‬طائفة من ال�سلف‪ ،‬منهم عبادة بن ال�صامت‪ ،‬و�أبو‬ ‫من الرياء كان اً‬
‫الدرداء‪ ،‬واحل�سن‪ ،‬و�سعيد بن امل�سيب‪ ،‬وغريهم‪ ...‬وال نعرف عن ال�سلف‬
‫يف هذا خال ًفا‪ ،‬و�إن كان فيه خالف عن بع�ض املت�أخرين”(‪.)2‬‬
‫وذلك ملا تقدم من الأدلة يف احلال الثانية‪ ،‬وملا روى �أبو �أمامة الباهلي‬
‫‪ ‬قال‪َ :‬جا َء َر ُج ٌل ِ�إ َلى ال َّن ِب ِّي ﷺ َف َق َال‪� :‬أَ َر�أَ ْي َت َر ُج اًل َغزَ ا َي ْلت َِم ُ�س‬
‫ول اللهَّ ِ ﷺ‪ :‬اَ«ل َ�ش ْي َء َلهُ»؛ َف�أَ َعا َد َها ثَلاَ َث‬ ‫الذ ْك َر‪َ ،‬ما َلهُ؟ َف َق َال َر ُ�س ُ‬‫الَ ْج َر َو ِّ‬ ‫ْأ‬
‫ول اللهَّ ِ ﷺ‪ :‬اَ«ل َ�ش ْي َء َلهُ»‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪�ِ « :‬إنَّ اللهَّ َ اَل َي ْق َب ُل ِمنَ‬ ‫ول َل ُه َر ُ�س ُ‬
‫َم َّر ٍات‪َ ،‬ي ُق ُ‬
‫ا ْل َع َم ِل �إِ اَّل َما َكانَ َل ُه َخا ِل�صً ا‪َ ،‬وا ْب ُت ِغ َي ِب ِه َو ْج ُههُ»(‪.)3‬‬
‫و�أما �إن كان �أ�صل العمل التطوعي هلل تعالى‪ ،‬ثم طر�أت عليه نية الرياء‬
‫ف�إن كان خاطرا ودفعه فال ي�ض ّره بال خالف(‪.)4‬‬
‫و�إن ا�سرت�سل معه فهل يحبط عمله؟ �أو ال ي�ضره بل يجازى على �أ�صل‬
‫نيته؟‬
‫((( ينظر‪ :‬الفروق للقرايف ‪ ،22/3‬وجامع العوم واحلكم ‪ ،79/1‬والقول ال�سديد �ص‪ ،129‬قال القرايف يف‬
‫الفروق ‪“ :22/3‬وحتقيق هذه القاعدة و�سرها و�ضابطها �أن يعمل العمل امل�أمور به واملتق َّرب به �إلى اهلل‬
‫عظم يف قلوبهم‪ ،‬في�صل �إليه نفعهم �أو يندفع‬ ‫تعالى ويق�صد به وجه اهلل تعالى‪ ،‬و�أن يعظمه النا�س �أو ُي َّ‬
‫عنه �ضررهم‪ ...‬فهذه قاعدة الرياء املبطلة للأعمال املحرمة بالإجماع”‪.‬‬
‫((( جامع العلوم واحلكم ‪ 81/1‬بت�صرف ي�سري‪.‬‬
‫((( �أخرجه الن�سائي يف �سننه‪ ،‬كتاب اجلهاد‪ ،‬باب من غزا يلتم�س الأجر والذكر‪ ،‬برقم (‪ )3141‬وقال ابن‬
‫رجب يف جامع العلوم واحلكم ‪� :81/1‬إ�سناد جيد‪ .‬وقال الألباين‪ :‬ح�سن �صحيح‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬جامع العلوم واحلكم ‪.83 ،82/1‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪254‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫قال العالمة ابن رجب ‪“ :‬يف ذلك اختالف بني العلماء من‬
‫ال�سلف‪ ،‬قد حكاه الإمام �أحمد وابن جرير الطربي‪ ،‬ورجحا �أن عمله ال‬
‫يبطل بذلك‪ ،‬و�أنه ُيجازى بنيته الأولى‪ ،‬وهو مروي عن احل�سن الب�صري‬
‫وغريه‪ ،‬و ُي�ستدل لهذا القول مبا خرجه �أبو داود يف مرا�سيله(‪ )1‬عن عطاء‬
‫رجل قال‪ :‬يا ر�سول اهلل‪� ،‬إن بني �سلمة كلهم يقاتل‪،‬‬ ‫اخلرا�ساين «�أن اً‬
‫فمنهم من يقاتل للدنيا‪ ،‬ومنهم من يقاتل جندة‪ ،‬ومنهم من يقاتل ابتغاء‬
‫وجه اهلل‪ ،‬ف�أيهم ال�شهيد؟ قال‪ :‬كلهم‪� ،‬إذا كان �أ�صل �أمره �أن تكون كلمة‬
‫اهلل هي العليا» وذكر ابن جرير �أن هذا االختالف �إمنا هو يف عمل يرتبط‬
‫�آخره ب�أوله‪ ،‬كال�صالة وال�صيام واحلج‪ ،‬ف�أما ما ال ارتباط فيه كالقراءة‬
‫والذكر و�إنفاق املال ون�شر العلم‪ ،‬ف�إنه ينقطع بنية الرياء الطارئة عليه‪،‬‬
‫ويحتاج �إلى جتديد نية”(‪.)2‬‬
‫وقال ال�شيخ ابن �سعدي ‪“ :‬و�إن كان احلامل للعبد على العمل‬
‫وجه اهلل وحده‪ ،‬ولكن َع َر�ض له الرياء يف �أثناء عمله‪ ،‬ف�إن د َف َعه وخ ُل�ص‬
‫�إخال�صه هلل مل ي�ضره‪ ،‬و�إن �ساكنه واطم�أن �إليه نق�ص العمل‪ ،‬وح�صل‬
‫ل�صاحبه من �ضعف الإميان والإخال�ص بح�سب ما قام يف قلبه من‬
‫الرياء‪ ،‬وتقا َوم العمل هلل وما خالطه من �شائبة الرياء”(‪.)3‬‬
‫ب‪� .‬أن يكون الغر�ض الدنيوي غري الرياء‪ ،‬كمن يتطوع باجلهاد يف �سبيل‬
‫اهلل تعالى قا�صدً ا �إعالء كلمة اهلل ‪ ‬والتجار َة يف غزوه‪ ،‬فهذا ال‬
‫يحبط عمله‪ ،‬ولكن ينق�ص �أجره‪ ،‬قال العالمة ابن رجب ‪“ :‬ف�إن‬
‫خالط نية اجلهاد مثال نية غري الرياء‪ ،‬مثل �أخذه �أجرة للخدمة‪� ،‬أو �أخذ‬
‫�شيء من الغنيمة‪� ،‬أو التجارة‪ ،‬نق�ص بذلك �أجر جهادهم‪ ،‬ومل يبطل‬
‫((( يف باب يف ف�ضل اجلهاد‪ ،‬برقم (‪.)321‬‬
‫((( جامع العلوم واحلكم ‪.83/1‬‬
‫((( القول ال�سديد �ص‪.130 ،129‬‬

‫‪255‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫بالكلية”‪ ،‬ويف �صحيح م�سلم عن عبداهلل بن عمرو عن النبي ﷺ قال‪:‬‬


‫«�إن الغزاة �إذا غنموا غنيمة تعجلوا ثلثي �أجرهم‪ ،‬ف�إن مل يغنموا �شيئا‬
‫مت لهم �أجرهم»(‪ ...)1‬وقال الإمام �أحمد‪“ :‬التاجر وامل�ست�أجر واملكاري‬
‫�أجرهم على قدر ما يخل�ص من نيتهم يف غزاتهم‪ ،‬وال يكون مثل من‬
‫جاهد بنف�سه وماله ال يخلط به غريه”(‪.)2‬‬
‫ليح�صل طاعة‬
‫وقال القرايف ‪“ :‬و�أما مطلق الت�شريك كمن جاهد َّ‬
‫وليح�صل املال من الغنيمة فهذا ال ي�ضره وال يح ُرم عليه‬
‫ِّ‬ ‫اهلل باجلهاد‪،‬‬
‫بالإجماع؛ لأن اهلل تعالى جعل له هذا يف هذه العبادة‪ ...‬نعم ال مينع‬
‫�أن هذه الأغرا�ض املخالطة للعبادة قد تنق�ص الأجر‪ ،‬و�أن العبادة �إذا‬
‫جتردت عنها زاد الأجر وعظم الثواب‪� ،‬أما الإثم والبطالن فال �سبيل‬
‫�إليه‪ ،‬ومن جهته ح�صل الفرق ال من جهة كرثة الثواب وقلته”(‪.)3‬‬
‫لكن اجلمهور واملحققني من �أهل العلم يرون �أن ذلك فيما �إذا كان‬
‫الباعث الأ�صلي ح�صول الثواب من اهلل تعالى‪ ،‬واملقا�صد الدنيوية‬
‫تبع للمق�صد الأ�صلي(‪ ،)4‬ويدل لهذا ما روى عبداللهَّ بن َح َوالة الأزدي‬
‫ول اللهَّ ِ ﷺ ِل َن ْغ َن َم َع َلى �أَ ْق َد ِام َنا‪َ ،‬ف َر َج ْع َنا َف َل ْم َن ْغ َن ْم‬
‫‪َ ‬قال‪َ :‬ب َع َث َنا َر ُ�س ُ‬
‫َ�ش ْي ًئا‪َ ،‬و َع َر َف الجْ َ ْه َد فيِ ُو ُج ِ‬
‫وه َنا‪َ ،‬ف َق َام ِفي َنا‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬ال َّل ُه َّم اَل ت َِك ْل ُه ْم ِ�إليَ َّ ‪،‬‬
‫َف�أَ ْ�ض ُع َف َع ْن ُه ْم‪ ،)5(»...‬وحملوا هذا احلديث على �أن مق�صد الغنيمة تابع‬
‫للمق�صد الأ�صلي‪ ،‬وهو �إعالء كلمة اهلل تعالى(‪.)6‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه‪ ،‬كتاب الإمارة‪ ،‬باب بيان قدر ثواب من غزا فغنم ومن مل يغنم‪ ،‬برقم‬
‫(‪.)1906‬‬
‫((( جامع العلوم واحلكم ‪ ،82 ،81/1‬وينظر‪ :‬مقا�صد املكلفني �ص‪ ،457‬والقول ال�سديد �ص‪.130‬‬
‫((( الفروق ‪.23 ،22/3‬‬
‫((( ينظر‪ :‬فتح الباري البن حجر ‪ ،29 ،28/6‬وينظر‪ :‬املوافقات ‪.363 ،362/2‬‬
‫((( �أخرجه �أبو داود يف �سننه‪ ،‬كتاب اجلهاد‪ ،‬باب يف الرجل يغزو يلتم�س الأجر والغنيمة‪ ،‬برقم (‪ )2535‬والإمام‬
‫�أحمد يف م�سنده‪ 151/37 ،‬برقم (‪ )22487‬وقال احلافظ ابن حجر يف الفتح ‪� :29/6‬إ�سناد ح�سن‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬فتح الباري البن حجر ‪.29/6‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪256‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫وقد ورد يف كثري من الن�صو�ص الرتغيب يف العمل ال�صالح بثواب دنيوي‪،‬‬


‫كما يف قوله تعالى‪( :‬ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [نوح‪-١٠ :‬‬
‫(ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ)‬ ‫‪ ،]١٢‬وقال تعالى‪:‬‬
‫[الطالق‪ ،]٣-٢ :‬وعن �أن�س بن مالك ‪ ‬قال‪� :‬سمعت ر�سول اللهَّ ﷺ يقول‪:‬‬
‫َ«منْ َ�س َّر ُه �أَنْ ُي ْب َ�س َط َل ُه فيِ ِر ْز ِق ِه‪� ،‬أَ ْو ُي ْن َ�س�أَ َل ُه فيِ �أَ َث ِر ِه‪َ ،‬ف ْل َي ِ�ص ْل َر ِح َمهُ»(‪.)1‬‬
‫فمن قام بعمل تطوعي ورد يف الن�صو�ص الرتغيب فيه بثواب دنيوي و�أخروي‬
‫ف�إنه ال يجوز �أن يق�صد الغر�ض الدنيوي فقط‪ ،‬ويجوز �أن يق�صدهما متى ما‬
‫كان الق�صد الدنيوي تاب ًعا‪ ،‬كمن يتطوع بال�صدقة؛ مريدً ا ثواب اهلل تعالى‬
‫كمق�صد �أ�صلي‪ ،‬ويريد معه �أن ينمو ما ُله‪ ،‬ويدف ُع اهلل ‪ ‬عنه امل�صائب(‪،)2‬‬
‫لقول النبي ﷺ‪« :‬ما نق�صت �صدقة من مال»(‪� )3‬أو التطوع بالتي�سري على‬
‫املع�سر؛ مريدً ا ثواب اهلل تعالى كمق�صد �أ�صلي‪ ،‬و�أن يي�سر اهلل عليه �أمره‬
‫يف الدنيا‪ ،‬لقول النبي ﷺ‪« :‬ومن َي َّ�سر على مع�سر َي َّ�سر اهلل عليه يف الدنيا‬
‫والآخرة»(‪ ،)4‬و�إن كان الأف�ضل �أن يكون ق�صده خال�صً ا للآخرة(‪.)5‬‬
‫احلال الرابعة‪� :‬أن يقوم بالعمل التطوعي حمبة له ً‬
‫وتلذذا به‪:‬‬
‫فهو ال ي�ؤدي العمل التطوعي بق�صد القربة ورجاء ثواب اهلل ‪ ،‬وال لق�صد‬
‫الرياء وال�سمعة‪ ،‬وال لتح�صيل �أي غر�ض دنيوي‪ ،‬و�إمنا حمبة لهذا العمل‬
‫وتل ّذ ًذا به‪ ،‬وما يجد فيه من الفرح واالن�شراح‪ ،‬كمن ُيح�سن �إلى الفقراء‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب من �أحب الب�سط يف الرزق‪ ،‬برقم (‪ )2067‬وم�سلم يف‬
‫�صحيحه‪ ،‬كتاب الرب وال�صلة والآداب‪ ،‬باب �صلة الرحم وحترمي قطيعتها‪ ،‬برقم (‪.)2557‬‬
‫((( ينظر‪� :‬شرح م�سلم للنووي ‪.141/16‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه‪ ،‬كتاب الرب وال�صلة والآداب‪ ،‬باب ا�ستحباب العفو والتوا�ضع‪ ،‬برقم (‪.)2588‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه‪ ،‬كتاب الذكر والدعاء والتوبة واال�ستغفار‪ ،‬باب ف�ضل االجتماع على تالوة‬
‫القر�آن وعلى الذكر‪ ،‬برقم (‪.)2699‬‬
‫((( ينظر‪ :‬مقا�صد املكلفني �ص‪ ،402 ،401‬التمهيد ل�شرح كتاب التوحيد �ص‪.406‬‬

‫‪257‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫ويكفل الأيتام ويق�ضي حوائج النا�س‪ ،‬يفعل ذلك مبقت�ضى املحبة الفطرية‬
‫لهذه الأعمال التطوعية‪ ،‬فهذا ال ُيذم وال ُيعاقب؛ لأنه مل ي�شرك يف عمله‪،‬‬
‫ولي�س له ثواب؛ لأنه ما �أراد وجه اهلل تعالى بهذه الأعمال‪ ،‬فعمله هذا يعد‬
‫مباحا‪ ،‬وقد يجزيه اهلل تعالى على هذا العمل ب�أن يزيده منه ومن �أمثاله‬ ‫ً‬
‫فيزداد تنع ُمه وتلذذه بها يف الدنيا(‪.)1‬‬
‫قال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية ‪“ :‬ولهذا كان الكافر ُيجزى على ح�سناته‬
‫يف الدنيا و�إن مل يتقرب بها �إلى اهلل‪ ،‬ولو كان ِف ْعل كل َح َ�س ٍن �إذا مل ُيفعل هلل‬
‫مذمو ًما ي�ستحق به �صاحبه العقاب ملا �أُطعم الكافر بح�سناته يف الدنيا‪ً � ،‬إذا‬
‫�سيئات ال ح�سنات‪ ،‬و�إذا كان قد يتن ّعم بها يف الدنيا و ُيط َعم بها يف‬
‫ٍ‬ ‫كانت تكون‬
‫الدنيا‪ ،‬فقد يكون من فوائد هذه احل�سنات ونتيجتها وثوابها يف الدنيا �أن يهديه‬
‫اهلل �إلى �أن يتقرب بها �إليه‪ ،‬فيكون له عليها �أعظم الثواب يف الآخرة”(‪.)2‬‬
‫و�أما العمل التطوعي الذي ال يعد قربة يف الأ�صل‪� ،‬أي لي�س من العبادات التي‬
‫ُيراد بها تعظيم اهلل تعالى‪ ،‬و�إمنا تكون عبادة بنية التقرب بها �إلى اهلل تعالى‪ ،‬فهذه‬
‫مال �أم غريه‪ ،‬بال خالف‬ ‫ال ي�ضر فعلها لغر�ض دنيوي‪� ،‬سوا ٌء �أكان ريا ًء �أم جاها �أم اً‬
‫بني �أهل العلم‪.‬‬
‫قال الربكوي ‪“ :‬و�أما �إرادة الدنيا بعمل الدنيا جائز بال خالف”(‪.)3‬‬
‫يوما يف الأ�سبوع للك�شف املجاين على الفقراء‪ ،‬فهذا‬ ‫خ�ص�ص الطبيب ً‬ ‫كما لو ّ‬
‫عمل تطوعي باملفهوم العاملي للتطوع‪� ،‬إن �أراد به التقرب �إلى اهلل تعالى �صار اً‬
‫عمل‬
‫تطوع ًيا يف ال�شرع يثاب عليه‪ ،‬و�إن �أراد به الدنيا كالرياء �أو اجلاه �أو احل�صول على‬
‫�شهادة تثبت قيامه ب�ساعات تطوعية ليتو�سل بها �إلى مقا�صد دنيوية ف�إنه ال ي�أثم؛ لأن‬
‫هذا العمل يف �أ�صله من الأعمال املباحة‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬جامع امل�سائل ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية ‪ ،196 ،191/5‬و�إرادة الدنيا بعمل الآخرة �ص‪.42-40‬‬
‫((( جامع امل�سائل ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية ‪.196/5‬‬
‫((( �إنقاذ الهالكني �ص‪.95‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪258‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫إ�صالحا للعادات‬
‫قال ال�شاطبي ‪“ :‬و�أما الثاين‪ ،‬وهو �أن يكون العمل � ً‬
‫اجلارية بني العباد‪ ،‬كالنكاح‪ ،‬والبيع‪ ،‬والإجارة‪ ،‬وما �أ�شبه ذلك من الأمور التي ُعلم‬
‫ق�صد ال�شارع �إلى القيام بها مل�صالح العباد يف العاجلة‪ ،‬فهو حظ �أي�ضً ا قد �أثبته‬
‫وعلم ذلك من ق�صده بالقوانني املو�ضوعة له‪،‬‬ ‫ال�شارع وراعاه يف الأوامر والنواهي‪ُ ،‬‬
‫و�إذا علم ذلك ب�إطالق‪ ،‬فطلبه من ذلك الوجه غري خمالف لق�صد ال�شارع‪ ،‬فكان‬
‫و�صحيحا‪ ،‬هذا وجه‪.‬‬
‫ً‬ ‫حقا‬
‫قادحا يف التما�سه وطلبه‪ ،‬ال�ستوى‬ ‫ووجه ثان‪� :‬أنه لو كان طلب احلظ يف ذلك ً‬
‫مع العبادات كال�صيام وال�صالة وغريهما يف ا�شرتاط النية والق�صد �إلى االمتثال‪،‬‬
‫وقد اتفقوا على �أن العادات ال تفتقر �إلى نية‪ ،‬وهذا كاف يف كون الق�صد �إلى احلظ‬
‫ال يقدح يف الأعمال التي يت�سبب عنها ذلك احلظ‪ ،‬بل لو فر�ضنا رجال تزوج لريائي‬
‫بتزوجه‪� ،‬أو ليعد من �أهل العفاف‪� ،‬أو لغري ذلك‪ ،‬ل�صح تزوجه‪ ،‬من حيث مل ي�شرع‬
‫فيه نية العبادة من حيث هو تزوج فيقدح فيها الرياء وال�سمعة‪ ،‬بخالف العبادات‬
‫املق�صود بها تعظيم اهلل تعالى جم ّردًا”(‪.)1‬‬
‫وقال اخلادمي احلنفي‪“ :‬اعلم �أن الرياء بعمل الدنيا كال�شجاعة واحلذاقة يف‬
‫نحو الكتابة واخلياطة وغريها مما ُو�ضع لعمل الدنيا ال َي ْح ُرم �إن خال عن الت ْلبي�س‬
‫والتزوير‪ ،‬ب�أن يظهر ال�شجاعة يف �أمر ولي�س له �شجاعة يف الواقع‪ ،‬و�أما الرياء يف‬
‫العبادة التي كانت م�شروعيتها ملجرد تعظيم اللهَّ وحت�صيل ر�ضاه فحرام كلُّه بجميع‬
‫�أنواعه”(‪.)2‬‬
‫وتتمي ًما للفائدة يف نهاية هذا املبحث؛ �أرى من الأهمية الإ�شارة �إلى ال�شرط‬
‫الثاين من �شروط قبول العمل وهو حتقيق املتابعة عند القيام بعمل تطوعي‪ ،‬وذلك‬
‫مبراعاة ما جاءت به ال�شريعة من �أحكام‪ ،‬ب�أن يكون العمل التطوعي غري خمالف‬
‫للأحكام ال�شرعية‪ ،‬فال يقع من املتطوع خمالفة للكتاب �أو ال�سنة‪ ،‬وكذا �أال يقع منه‬
‫((( املوافقات ‪.374 ،373/2‬‬
‫((( بريقة حممودية ‪ 107 ،106/2‬بت�صرف‪.‬‬

‫‪259‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫خمالفة للأنظمة التي ي�س ُّنها ويل الأمر؛ لتنظيم العمل التطوعي �أو تنظيم غريه من‬
‫�أمور النا�س‪ ،‬متى كانت تلك الأنظمة ال تخالف ال�شرع؛ لوجوب ال�سمع والطاعة له‬
‫يف املعروف‪ ،‬وبناء عليه فكل من زعم �أنه يتطوع بعمل يخالف ال�شرع �أو الأنظمة ف�إن‬
‫عمل تطوع ًيا يف الإ�سالم‪ ،‬بل هو مع�صية‪ ،‬يجب عليه التوبة منها‪ ،‬كمن‬ ‫عمله ال يعد اً‬
‫يتطوع بتقدمي حفل غنائي للأيتام‪ ،‬فهذا ال يعد اً‬
‫عمل تطوع ًّيا يف الإ�سالم‪ ،‬ملخالفته‬
‫لل�شريعة‪ ،‬وكذا من يتطوع بجمع التربعات بطريقة غري نظامية فال يعد عمله تطوع ًيا‬
‫يف الإ�سالم‪ ،‬بل هو مع�صية ملخالفته للأنظمة التي �سنها ويل الأمر‪ ،‬والذي �أوجب‬
‫ال�شرع طاعته يف ذلك‪ ،‬واهلل �أعلم‪.‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪260‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫املبحث اخلام�س‬
‫توثيق العمل التطوعي‬
‫املراد بتوثيق العمل التطوعي‪� :‬أن يتم �إثبات قيام ال�شخ�ص املعني �أو اجلهة املعينة‬
‫بعمل من الأعمال التطوعية‪ ،‬وذلك وفق �آلية معينة بحيث يتم االعرتاف بها من قبل‬
‫املنظمات الدولية املعتمدة‪.‬‬
‫وال يخفى �أن العمل التطوعي يف الإ�سالم ُي َع ُّد من العبادات التي يتقرب بها املرء‬
‫لربه ‪ ،‬والأ�صل يف امل�ؤمن الذي يرجو الثواب من اهلل تعالى �أنه ُيخفي �أعماله‬
‫ال�صاحلة التي ميكن �إخفا�ؤه(‪ ،)1‬وكذا ما ال ميكن �إخفا�ؤه من الأعمال‪ ،‬ف�إنه ال ي�سعى‬
‫حر�صا من امل�ؤمن على حتقيق �شرط �صحة‬ ‫يف ن�شرها عند غري َمن عرفها‪ ،‬كل ذلك ً‬
‫العبادة وهو الإخال�ص هلل تعالى‪ .‬ولذا �أجمع العلماء على �أن �إخفاء �صدقة التطوع‬
‫�أف�ضل من �إظهارها‪.‬‬
‫قال ابن بطال ‪“ :‬وال خالف بني �أئمة العلم‪� ...‬أن �إ�سرار �صدقة النافلة‬
‫�أف�ضل من �إعالنها”(‪.)2‬‬
‫ولكن ي�ستثنى من هذا الأ�صل ما لو كان يف �إظهار العمل ال�صالح م�صلحة �شرعية‪،‬‬
‫�أو دفع مف�سدة‪ ،‬كما لو كان يف �إظهاره م�صلحة اقتداء غريه من النا�س به‪� ،‬أو دفع‬
‫مف�سدة تهمته بالتق�صري يف العمل ال�صالح‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬مع غلبة ظنه ب�سالمته من‬
‫م�شروعا(‪.)3‬‬
‫ً‬ ‫حينئذ يكون‬
‫الرياء والعجب ف�إن �إظهاره ٍ‬
‫قال العز بن عبدال�سالم ‪ ‬عند كالمه على ف�ضل الإ�سرار والإعالن‬
‫بالطاعات‪�“ :‬إن الطاعات ثالثة �أ�ضرب‪:‬‬
‫((( ينظر‪ :‬ال�شرح املمتع ‪.206/6‬‬
‫((( �شرح �صحيح البخاري ‪ ،420/3‬وانظر فيه ‪ ،421/3‬وينظر حكاية الإجماع �أي�ضا يف فتح الباري البن‬
‫حجر ‪.289/3‬‬
‫((( ينظر‪ :‬فتح الباري البن حجر ‪.46/6‬‬

‫‪261‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫�أحدها‪ :‬ما ُ�شرع جمهو ًرا به‪ ،‬كالأذان والإقامة‪ ...‬فهذا ال ميكن �إخفا�ؤه‪...‬‬
‫الثاين‪ :‬ما يكون �إ�سراره خ ًريا من �إعالنه‪ ،‬ك�إ�سرار القراءة يف ال�صالة‪...‬‬
‫الثالث‪ :‬ما ُيخفى تارة و ُيظ َهر �أخرى كال�صدقات‪ ،‬ف�إن خاف على نف�سه الرياء �أو‬
‫َعرف ذلك من عادته‪ ،‬كان الإخفاء �أف�ضل من الإبداء‪ ،‬لقوله تعالى‪( :‬ﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [البقرة‪ ،]٢٧١ :‬ومن �أَ ِمن الرياء فله حاالن‪� :‬إحداهما‪:‬‬
‫�أال يكون ممن ُيقتدى به ف�إخفا�ؤها �أف�ضل‪� ،‬إذ ال ي�أمن من الرياء عند الإظهار‪،‬‬
‫و�إن كان ممن يقتدى به كان الإبداء �أولى ملا فيه من �سد خلة الفقراء مع م�صلحة‬
‫االقتداء‪ ،‬فيكون قد نفع الفقراء ب�صدقته وبت�سببه �إلى ت�صدق الأغنياء عليهم‪ ،‬وقد‬
‫نفع الأغنياء بت�سببه �إلى اقتدائهم به يف نفع الفقراء”(‪.)1‬‬
‫ويدل ال�ستحباب �إظهار ال�صدقة عند حتقق امل�صلحة �أنه ملا َق ِدم جماعة من‬
‫ُم َ�ضر من ذوي احلاجة على النبي ﷺ حثَّ �أ�صحابه ‪ ‬على ال�صدقة‪ ،‬فجاء‬
‫ب�ص َّرة كادت ك ُّفه تعجز عنها‪ ،‬ثم تتابع النا�س بال�صدقة‪ ،‬فقال‬ ‫رجل من الأن�صار ُ‬
‫ال ْ�سلاَ ِم ُ�س َّن ًة َح َ�س َن ًة‪َ ،‬ف َل ُه �أَ ْج ُر َها‪َ ،‬و َ�أ ْج ُر َمنْ َع ِم َل ِب َها َب ْع َد ُه‪،‬‬
‫النبي ﷺ‪«َ :‬منْ َ�سنَّ فيِ ْ إِ‬
‫ِمنْ َغيرْ ِ �أَنْ َي ْن ُق َ�ص ِمنْ �أُ ُجو ِر ِه ْم َ�ش ْي ٌء‪.)2(»...‬‬
‫و�إذا نظرنا �إلى واقع كثري من املتطوعني يف بالد امل�سلمني جند �أنهم ال يرغبون‬
‫يف توثيق �أعمالهم التطوعية لدى جهات معينة؛ لإميانهم الرا�سخ ب�أنها مكتوبة عند‬
‫اهلل ‪ ،‬يرجون ذخرها و�أجرها يوم القيامة‪.‬‬
‫و�أما يف كثري من املجتمعات الكافرة ف�إنهم يهتمون بتوثيق �أعمالهم التطوعية‪،‬‬
‫ور�صدها ون�شرها بني حني و�آخر‪ ،‬لكونها تعد من دالئل احل�ضارة والتقدم عندهم‪.‬‬
‫ولذا ف�إن تلك املجتمعات الكافرة قد فاقت كث ًريا من املجتمعات امل�سلمة يف توثيق‬
‫عدد املتطوعني‪ ،‬وما قاموا به من �أعمال تطوعية‪ ،‬و�صار ظاهر احلال هو تقدم تلك‬
‫((( قواعد الأحكام �ص‪ ،153 ،152‬وينظر‪ :‬فتح الباري البن حجر ‪.289/3‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب احلث على ال�صدقة‪ ،...‬برقم (‪.)1017‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪262‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫املجتمعات الكافرة على جمتمعات امل�سلمني‪ ،‬ورمبا عادُوا على امل�سلمني بالتنق�ص‬
‫واتهامهم بعدم القيام ب�أعمال تطوعية‪ ،‬مع �أن احلقيقة خالف ذلك‪� ،‬إذ ال �شك وال‬
‫ريب �أن �أعداد املتطوعني من امل�سلمني يفوقون ب�أ�ضعاف كثرية �أعداد املتطوعني يف‬
‫بالد الكفار‪.‬‬
‫وتوثيق العمل التطوعي يتحقق به عده م�صالح‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪�1.1‬إظهار حقيقة هذا الدين العظيم‪ ،‬وما ا�شتمل عليه من �أعمال تطوعية كثرية‪.‬‬
‫‪2.2‬ترغيب الكفار يف الدخول يف الإ�سالم‪� ،‬إذا علموا مبا يقوم به امل�سلمون من‬
‫�أعمال تطوعية كثرية‪ ،‬ال يرجون من ورائها عو�ضً ا دنيو ًيا‪.‬‬
‫‪3.3‬دفع املذمة عن امل�سلمني ب�أنهم ال يقومون ب�أعمال تطوعية(‪.)1‬‬
‫وبنا ًء على ما تقدم ف�إن �إظهار العمل التطوعي عن طريق توثيق ا�سم املتطوع‪،‬‬
‫وبيان نوع العمل التطوعي‪ ،‬وعدد �ساعاته‪ ،‬ونحو ذلك فيه تف�صيل(‪:)2‬‬
‫‪�1.1‬أن يح�صل بالتوثيق م�صلحة مما تقدم‪ ،‬ويغلب على ظن املتطوع ال�سالمة من‬
‫الرياء وال ُعجب في�ستحب له التوثيق؛ حتقي ًقا للم�صلحة‪.‬‬
‫‪�2.2‬أن يتحقق املتطوع �أو يغلب على ظنه وقوع الرياء منه �أو العجب بتوثيق عمله‬
‫التطوعي فحينئذ يحرم عليه التوثيق؛ لئال يقع يف احلرام‪.‬‬
‫‪�3.3‬أن يح�صل عنده تردد يف وقوع الرياء والعجب منه �أو ال بتوثيقه لعمله‬
‫التطوعي‪ ،‬فالأف�ضل الإ�سرار؛ طل ًبا لل�سالمة‪ ،‬واهلل �أعلم‪.‬‬

‫((( ميكن �أن ي�ؤخذ هذا املعنى مما ذكره �أهل العلم يف �أن �إظهار الزكاة �أف�ضل لئال ي�ساء الظن مبن‬
‫�أخفاها‪ .‬ينظر‪ :‬فتح الباري البن حجر ‪.289/3‬‬
‫((( ينظر نحو هذا التف�صيل يف‪ :‬مواهب اجلليل ‪ ،353/2‬وتي�سري الكرمي الرحمن �ص‪ ،116‬وال�شرح املمتع‬
‫‪.207 ،206/6‬‬

‫‪263‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫املبحث ال�ساد�س‬
‫حوافز العمل التطوعي‬

‫للعمل التطوعي عدة حوافز ت�شجع عليه‪ ،‬منها حوافز دينية‪ ،‬وحوافز دنيوية‪.‬‬
‫�أما احلوافز الدينية فهي التي ُت ِّ‬
‫رغب املتطوع امل�سلم يف القيام بالأعمال التطوعية؛‬
‫ملا يرجو بها من ر�ضا اهلل تعالى وثوابه‪� ،‬أو لكونها �سب ًبا للنجاة من عذابه‪ ،‬فهذه من‬
‫�أعظم املحفزات التي تدفع املتطوع امل�سلم �إلى العمل التطوعي(‪.)1‬‬
‫و�أما احلوافز الدنيوية فهي ما يناله املتطوع يف هذه احلياة الدنيا‪ ،‬وهي على‬
‫ق�سمني(‪:)2‬‬
‫‪1.1‬حوافز مادية‪ :‬وهي ما ُيق َّدم للمتطوع من املزايا املالية‪ ،‬كالأجور واملكاف�آت‬
‫والعالوات ونحوها‪.‬‬
‫‪2.2‬حوافز معنوية‪ :‬وهي ما ُيق َّدم للمتطوع من املزايا التي ُتر�ضي حاجته النف�سية‪،‬‬
‫وترفع من مكانته االجتماعية‪ ،‬ك�شهادات التقدير‪ ،‬وحفالت التكرمي‪ ،‬والثناء‬
‫على املتطوع‪ ،‬والزيادة يف درجات الطالب‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫وهذه احلوافز الدنيوية هي حمل البحث هنا‪ ،‬وميكن �أن يكون الكالم عليها يف‬
‫م�س�ألتني‪:‬‬
‫امل�س�ألة الأولى‪َ :‬ق ْ�ص ُد املتطوع بعمله التطوعي احل�صول على احلوافز املادية �أو‬
‫املعنوية‪.‬‬
‫وقد تقدم حكم ذلك مف�صال يف املبحث الرابع‪� :‬أثر النية يف العمل التطوعي‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬العمل التطوعي من منظور الرتبية الإ�سالمية �ص‪ ،104 ،103 ،101‬والأحكام الفقهية للأعمال‬
‫التطوعية �ص‪.53‬‬
‫((( ينظر‪ :‬العمل التطوعي من منظور الرتبية الإ�سالمية �ص‪.110-105‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪264‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫متطوعا؟‬
‫ً‬ ‫امل�س�ألة الثانية‪ :‬هل ُي َع ُّد َمن �أخذ على عمله التطوعي حوافز مادية �أو معنوية‬
‫�أما احلوافز املادية فقد تقدم يف تعريف العمل التطوعي يف الإ�سالم �أنه العمل‬
‫الذي ال ي�أخذ عليه املتطوع �أج ًرا مكاف ًئا‪.‬‬
‫وبنا ًء عليه‪ ،‬ف�إن كان قد �أخذ احلافز املايل املكافئ لعمله ف�إن عمله ال ُيع ّد تط ّو ًعا؛‬
‫لأخذه للعو�ض‪ ،‬فال يدخل يف حدِّ العمل التطوعي‪ ،‬و�إن كان �أخذ حاف ًزا مال ًيا غري مكافئ‬
‫لعمله ف�إنه يكون متط ّو ًعا تط ّو ًعا جزئ ًيا‪ ،‬مبعنى �أنه يكون متط ّو ًعا باجلزء من العمل‬
‫التطوعي الذي مل يقابله حافز مادي‪� ،‬أما اجلزء الذي قابله حافز مادي فال يعد تط ّو ًعا‪.‬‬
‫خرج‬‫و�إن كان احلافز معنو ًيا فقط ف�إن عمله ُيع ّد تط ّو ًعا؛ لأن العو�ض املعنوي ال ُي ِ‬
‫العمل عن كونه تط ّو ًعا؛ لأن النبي ﷺ كان يثني على كثري من ال�صحابة ‪ ‬عند‬
‫قيامهم ب�أعمال تطوعية‪ ،‬فعن عبدالرحمن بن �سمرة ‪ ‬قال‪ :‬جاء عثمان �إلى‬
‫النبي ﷺ ِب�أَ ْل ِف ِدي َنا ٍر ِح َني َج َّهزَ َج ْي َ�ش ا ْل ُع ْ�س َر ِة‪َ ،‬ف َنثرَ َ َها فيِ ِح ْج ِر ِه‪َ .‬ق َال َع ْبدُال َّر ْح َم ِن‪:‬‬
‫َف َر�أَ ْي ُت ال َّن ِب َّي ﷺ ُي َق ِّل ُب َها فيِ ِح ْج ِر ِه َو َي ُق ُ‬
‫ول‪«َ :‬ما َ�ض َّر ُع ْث َمانَ َما َع ِم َل َب ْع َد ال َي ْو ِم» َم َّر َتينْ ِ (‪.)1‬‬
‫عمل تط ّوع ًيا‪.‬‬ ‫وال �شك �أن تربع عثمان ‪ ‬بهذا املال ُيع ُّد اً‬
‫وعن عبداهلل بن عمر ‪ ‬قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ﷺ‪« :‬من ا�ستعاذ باهلل ف�أعيذوه‪،‬‬
‫ومن �س�أل باهلل ف�أعطوه‪ ،‬ومن دعاكم ف�أجيبوه‪ ،‬ومن �صنع �إليكم معرو ًفا فكافئوه‪ ،‬ف�إن‬
‫مل جتدوا ما تكافئونه‪ ،‬فادعوا له حتى تروا �أنكم قد كاف�أمتوه»(‪.)2‬‬
‫امل�سدي‬
‫عمل تطوع ًّيا‪ ،‬وقد �أمر النبي ﷺ مبكاف�أة ِ‬ ‫ف�إ�سداء املعروف للغري ُيع ُّد اً‬
‫للمعروف‪ ،‬ولو بالدعاء له‪ ،‬والدعاء حافز معنوي‪ ،‬واهلل �أعلم‪.‬‬

‫((( �أخرجه الرتمذي يف جامعه‪� ،‬أبواب املناقب‪ ،‬برقم (‪ )3701‬وقال الرتمذي‪ :‬حديث ح�سن غريب‪.‬‬
‫وح�سنه الألباين يف �صحيح الرتمذي‪.‬‬
‫((( �أخرجه �أبو داود يف �سننه‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب عطية من �س�أل باهلل‪ ،‬برقم (‪ )1672‬والن�سائي يف �سننه‪،‬‬
‫كتاب الزكاة‪ ،‬باب من �س�أل باهلل ‪ ،‬برقم (‪ )2567‬و�أحمد يف م�سنده‪ ،‬برقم (‪ )5365‬وقال �أحمد‬
‫�شاكر يف حتقيقه‪� :‬إ�سناده �صحيح‪ .‬و�صححه الألباين يف �صحيح �سنن �أبي داود‪.‬‬

‫‪265‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫املبحث ال�سابع‬
‫الإلزام بالعمل التطوعي‬
‫�صورة امل�س�ألة‪ :‬هل لويل الأمر �أو نائبه �أن ُي ِلزم بع�ض الرعية بالقيام ب�أعمال‬
‫أعمال تطوعية؟‬ ‫تطوعية؟ و�إذا �ألزمهم بها هل ُيخرجها هذا الإلزام عن كونها � اً‬
‫باعتبار �أن العمل التطوعي عمل اختياري ال �إجباري‪.‬‬
‫من �أمثلة ذلك‪� :‬إلزام بع�ض اجلامعات ال�سعودية طالبها ب�إجناز مائة �ساعة‬
‫تطوعية خالل �سنوات الدرا�سة اجلامعية(‪.)1‬‬
‫و�إلزام الأ�ستاذ طالبه يف اجلامعة �أن يقوموا بعمل تطوعي للح�صول على درجة‬
‫الن�شاط‪.‬‬
‫و�إلزام املدار�س طالبها بالقيام ب�ساعات عمل تطوعية(‪.)2‬‬
‫والذي يظهر واهلل �أعلم جواز الإلزام بالعمل التطوعي؛ ملا يرتتب على هذا الإلزام‬
‫من امل�صلحة الظاهرة‪ ،‬وهي تعويد الفرد على القيام بالأعمال التطوعية يف م�ستقبل‬
‫�أمره‪ ،‬ودعم كثري من اجلهات التطوعية باملتطوعني‪ ،‬وزيادة الأعمال التطوعية يف‬
‫املجتمع‪ ،‬وما يك�سبه املتطوع من اخلربة واملهارة‪ ،‬وغري ذلك من امل�صالح الأخرى‪.‬‬
‫وميكن اال�ستدالل للجواز مبا يلي‪:‬‬
‫‪1.1‬عن عائ�شة ‪ ‬قالت‪َ :‬د َّف �أَ ْه ُل �أَ ْب َي ٍات ِمنْ َ�أ ْه ِل ا ْل َبا ِد َي ِة ِح ْ�ض َر َة ا َلأ ْ�ض َحى‬
‫ول اللهَّ ِ ﷺ‪« :‬ا َّد ِخ ُروا َث َال ًثا‪ُ ،‬ث َّم ت ََ�ص َّد ُقوا بمِ َ ا‬ ‫َز َمنَ َر ُ�س ِول اللهَّ ِ ﷺ َف َق َال َر ُ�س ُ‬
‫َب ِق َي»؛ َف َل َّما َكانَ َب ْع َد َذ ِل َك َقا ُلوا‪َ :‬يا َر ُ�س َول اللهَّ ِ ‪�ِ ،‬إنَّ ال َّن َ‬
‫ا�س َيت َِّخ ُذونَ الأَ ْ�س ِق َي َة‬
‫اك»‪،‬‬ ‫ول اللهَّ ِ ﷺ‪َ « :‬و َما َذ َ‬ ‫ِمنْ َ�ض َحا َياهُ ْم‪َ ،‬و َي ْج ِم ُلونَ ِم ْن َها ا ْل َو َد َك(‪َ .)3‬ف َق َال َر ُ�س ُ‬
‫((( ينظر‪� :‬صحيفة عكاظ العدد ال�صادر بتاريخ ‪1433/5/29‬هـ‪.‬‬
‫((( ينظر‪� :‬صحيفة العني الإخبارية يف عددها ال�صادر يف ‪2016/8/17‬م‪ ،‬على الرابط‪:‬‬
‫‪.https://al-ain.com/article/232441‬‬
‫((( �أي‪ُ :‬يذيبون منها الدهن‪ .‬انظر‪� :‬شرح م�سلم للنووي ‪.190/13‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪266‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫ال�ض َحا َيا َب ْع َد َث َال ٍث‪َ .‬ف َق َال‪�ِ « :‬إنمَّ َ ا َن َه ْي ُت ُك ْم ِمنْ �أَ ْج ِل‬
‫َقا ُلوا‪َ :‬ن َه ْي َت �أَنْ ُت ْ�ؤ َك َل لحُ ُ ُوم َّ‬
‫ال َّدا َّف ِة(‪ )1‬ا َّل ِتي َد َّف ْت َف ُك ُلوا َوا َّد ِخ ُروا َوت ََ�ص َّد ُقوا»(‪ ،)2‬ويف رواية‪« :‬ف�إن ذلك العام‬
‫كان بالنا�س َجهد‪ ،‬ف�أردتُ �أن ُتعينوا فيها»(‪.)3‬‬
‫وجه الداللة‪� :‬أن النبي ﷺ �ألزم ال�صحاب َة ‪ ‬بال�صدقة‪ ،‬وهي من حيث‬
‫الأ�صل عمل تطوعي‪ ،‬ال جتب عليهم‪ ،‬لكن ملا ُوجدت امل�صلحة يف الإلزام بها‬
‫�ألزمهم بها النبي ﷺ؛ رف ًعا للحرج وامل�شقة عن �إخوانهم امل�سلمني(‪.)4‬‬
‫قال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية ‪“ :‬وقد توجب ال�شريعة التربع عند‬
‫احلاجة‪ ،‬كما نهاهم النبي ﷺ عن ادخار حلوم الأ�ضاحي؛ لأجل الدافة التي‬
‫د َّفت؛ ليطعموا اجلياع؛ لأن �إطعامهم واجب”(‪.)5‬‬
‫وبنا ًء على ذلك‪ ،‬فمتى ما كان يف الإلزام بالعمل التطوعي م�صلحة جاز‬
‫لويل الأمر �أو نائبه �أن ُي ِلزم به؛ لأن لويل الأمر �أن ُي ِلزم الرعية مبا يحقق‬
‫م�صاحلهم‪ ،‬عملاً بالقاعدة الفقهية‪( :‬تَ�ص ُّرف الإمام على الرعية منوط‬
‫بامل�صلحة)(‪ )6‬وامل�صلحة هنا تتمثل يف تعويد الرعية على العمل التطوعي‪،‬‬
‫ون�شر ثقافته بني �أفراد املجتمع(‪.)7‬‬
‫‪2.2‬عن عمرو بن �شعيب‪ ،‬عن �أبيه‪ ،‬عن جده‪ ،‬قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ﷺ‪« :‬مروا‬
‫((( هم‪ :‬القوم ي�سريون جماعة �س ًريا لي�س بال�شديد‪ ،‬يقال‪“ :‬هم يد ُّفون دفي ًفا‪ .‬والدافة‪ :‬قوم من الأعراب‬
‫يريدون امل�صر”‪ .‬النهاية مادة (دفف) ‪.124/2‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم‪ ،‬كتاب الأ�ضاحي‪ ،‬باب ما كان من النهي عن �أكل حلوم الأ�ضاحي بعد ثالث �أول‬
‫الإ�سالم‪ ،..‬برقم (‪.)1971‬‬
‫((( �أخرجها البخاري‪ ،‬كتاب الأ�ضاحي‪ ،‬باب ما ي�ؤكل من حلوم الأ�ضاحي وما يتزود منها‪ ،‬برقم (‪)5569‬‬
‫وم�سلم‪ ،‬كتاب الأ�ضاحي‪ ،‬باب ما كان من النهي عن �أكل حلوم الأ�ضاحي بعد ثالث �أول الإ�سالم‪،..‬‬
‫برقم (‪ )1974‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫((( ينظر نحوه يف احلاجة و�أثرها يف الأحكام ‪.262/1‬‬
‫((( جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم ابن تيمية ‪.115/29‬‬
‫((( انظر يف هذه القاعدة‪ :‬املنثور يف القواعد ‪ 309/1‬والأ�شباه والنظائر لل�سيوطي �ص‪ ،233‬و�شرح القواعد‬
‫الفقهية للزرقاء �ص‪.309‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الأحكام التبعية لعقود الت�أمني ‪.245/1‬‬

‫‪267‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫�أوالدكم بال�صالة وهم �أبناء �سبع �سنني‪ ،‬وا�ضربوهم عليها وهم �أبناء ع�شر‪،‬‬
‫وفرقوا بينهم يف امل�ضاجع»(‪.)1‬‬
‫وجه الداللة‪� :‬أن النبي ﷺ �أمر الأولياء �أن ي�ضربوا �أوالدهم على ال�صالة‬
‫لع�شر؛ مل�صلحة تعويدهم على الطاعة‪ ،‬وهذا نوع من الإلزام لهم على �أدائها‪،‬‬
‫وهي يف حق ال�صغار تطوع؛ لكونها مل جتب عليهم بعد‪ ،‬و�إذا جاز الإلزام‬
‫لل�صغار بالتطوع فكذا يجوز �إلزام الكبار بالتطوع؛ لتحقق امل�صلحة يف كل‬
‫منهما‪ ،‬وهي التعويد على العمل ال�صالح‪.‬‬
‫بل �إذا جاز �إلزام ال�صغار بال�صالة وهي يف حقهم تطوع قا�صر‪ ،‬فيجوز �إلزام‬
‫الكبار بالتطوع املتعدي من باب �أولى؛ لأن نفعه �أكرث غال ًبا‪.‬‬
‫ف�إن قيل‪� :‬إن العمل التطوعي عمل اختياري‪ ،‬والإلزام به يناق�ض االختيار‪.‬‬
‫فيمكن �أن يجاب مبا يلي‪:‬‬
‫إلزاما دائ ًما‪ ،‬و�إمنا �إلزام عار�ض‪،‬‬
‫‪�1.1‬أن الإلزام به يف مثل هذه ال�صور لي�س � ً‬
‫ُيق�صد منه التعويد على العمل التطوعي مدة معينة؛ ليقوم به املرء بعد ذلك‬
‫باختياره‪ ،‬فالإلزام به من باب ال�سيا�سة ال�شرعية‪.‬‬
‫‪�2.2‬أن هناك فئة من ه�ؤالء الذين ُيلزَ مون بالعمل التطوعي يقومون به برغبة‬
‫تامة‪ ،‬و�إقبال عليه‪ ،‬كما لو كان بغري �إلزام‪ ،‬فه�ؤالء ي�صدق عليهم �أن ما قاموا‬
‫به ُيع ّد اً‬
‫عمل تطوع ًيا؛ لأنه �أ�شبه باالختيار‪.‬‬
‫�أما الفئة التي ال تقوم بهذا العمل التطوعي عن رغبة‪ ،‬و�إمنا قاموا به لأجل‬
‫الإلزام به‪ ،‬فه�ؤالء عملهم يف ذاته ال ُيع ّد تطوع ًّيا؛ لأنهم ما �أرادوا به الثواب‬
‫الأخروي‪ ،‬وما فعلوه اختيا ًرا‪ ،‬لكن يرجى �أن يت�أثروا بهذه الأعمال التطوعية‪،‬‬
‫وتتغري نيتهم يف م�ستقبل �أمرهم‪ ،‬واهلل �أعلم‪.‬‬

‫باب متى ي�ؤمر الغالم بال�صالة‪ ،‬برقم (‪ )495‬وقال الألباين‪:‬‬


‫((( �أخرجه �أبو داود يف �سننه‪ ،‬كتاب ال�صالة‪ٌ ،‬‬
‫ح�سن �صحيح‪.‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪268‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫املبحث الثامن‬
‫التعزير بالعمل التطوعي‬

‫يب غ ُري مقدر �شرعا على مع�صية ال َح َّد فيها‬ ‫التعزير يف ا�صطالح الفقهاء‪َ :‬ت�أْ ِد ٌ‬
‫وال كفارة‪� ،‬سوا ٌء �أكانت حقا هلل تعالى �أم لآدمي(‪.)1‬‬
‫والتعزير م�شروع باتفاق الفقهاء‪ ،‬قال العالمة ابن القيم‪“ :‬واتفق العلماء على �أن‬
‫التعزير م�شرو ٌع يف كل مع�صية لي�س فيها ح ٌّد”(‪.)2‬‬
‫و�صورة امل�س�ألة‪ :‬هل يجوز للقا�ضي �أن يعزر اجلاين يف حق هلل تعالى �أو لآدمي‬
‫بدل من تعزيره بال�سجن �أو اجللد �أو نحوهما؟‪.‬‬ ‫ب�إلزامه ببع�ض الأعمال التطوعية‪ ،‬اً‬
‫فمحل البحث يف هذه امل�س�ألة هو عقوبة التعزير‪� ،‬أما احلدود والكفارات فال يجوز‬
‫�شرعا‪.‬‬
‫�أن تكون العقوبة فيها بالإلزام ب�أعمال تطوعية؛ لأنها عقوبة مقدرة ً‬
‫وقبل بيان حكم هذه امل�س�ألة ال بد من اجلواب عن �س�ؤال يتبادر �إلى الذهن هنا‪،‬‬
‫وهو‪:‬‬
‫هل التعزير يف ال�شريعة الإ�سالمية ُيقت�صر فيه على �أنواع العقوبات التي ذكرها‬
‫الفقهاء الأوائل �أو يجوز �إحداث �أنواع �أخرى يتحقق بها مق�صد ال�شريعة من العقوبة؟‬
‫واجلواب‪ :‬الذي عليه عامة الفقهاء �أن عقوبة التعزير ال يلزم االقت�صار يف نوعها‬
‫على ما ذكره الفقهاء الأوائل كالتعزير بال�سجن واجللد والنفي و�أخذ املال ونحوه‪ ،‬بل‬
‫هي حمل اجتهاد القا�ضي فله �أن يعزر ب�أي عقوبة يرى �أنه يتحقق بها مق�صد ال�شريعة‬
‫من ت�شريع العقوبات‪ ،‬وال تخالف ن�صًّ ا �شرع ًّيا(‪.)3‬‬
‫((( ينظر‪ :‬مغني املحتاج ‪ ،522/5‬وك�شاف القناع ‪ ،121/6‬والتعزير يف ال�شريعة الإ�سالمية �ص‪.52‬‬
‫((( الطرق احلكمية �ص‪ ،93‬وينظر حكاية الإجماع �أي�ضً ا يف تبيني احلقائق ‪.207/3‬‬
‫((( ينظر‪ :‬التعزير يف ال�شريعة الإ�سالمية �ص‪ ،482‬والإلزام بالأعمال التطوعية يف العقوبة التعزيرية‬
‫ملخ�ص البحوث املقدمة حللقة البحث التي عقدها مركز التميز البحثي �ص‪ ،13‬والتعزير باخلدمة =‬

‫‪269‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫قال الزيلعي ‪ ‬يف ف�صل التعزير‪“ :‬قد يكون باحلب�س‪ ،‬وقد يكون بال�صفع‪،‬‬
‫وبتعريك الآذان‪ ،‬وقد يكون بالكالم العنيف‪� ،‬أو بال�ضرب‪ ،‬وقد يكون بنظر القا�ضي‬
‫�إليه بوجه عبو�س‪ ،‬ولي�س فيه �شيء مقدر‪ ،‬و�إمنا هو مفو�ض �إلى ر�أي الإمام على ما‬
‫تقت�ضي جنايتهم‪ ،‬ف�إن العقوبة فيه تختلف باختالف اجلناية”(‪.)1‬‬
‫وقال ابن �شا�س ‪ ‬عند كالمه عن التعزير‪“ :‬و�أما جن�سه‪ ،‬فال يتخ�ص�ص‬
‫ب�سوط‪� ،‬أو يد �أو حب�س �أو غريه‪� ،‬إمنا ذلك موكول �إلى اجتهاد الإمام”(‪.)2‬‬
‫وقال الهيتمي ‪ ‬يف ف�صل التعزير‪(“ :‬ويجتهد الإمام يف جن�سه وقدره) كما‬
‫�شرعا‪ ،‬فوكل �إلى ر�أيه واجتهاده؛ الختالفه باختالف مراتب‬
‫تقرر؛ لأنه غري مق َّدر ً‬
‫النا�س واملعا�صي”(‪.)3‬‬
‫وقال املرداوي ‪“ :‬قال ال�شيخ تقي الدين ‪ :‬يعزره مبا يردعه‪ ،‬كعزل‬
‫متول‪ .‬وقال‪ :‬ال يتقدر‪ .‬لكن ما فيه مقدر ال يبلغه”(‪.)4‬‬
‫وقال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية ‪“ :‬ولي�س لأقل التعزير ح ّد؛ بل هو بكل ما فيه‬
‫�إيالم الإن�سان‪ ،‬من قول وفعل‪ ،‬وترك قول‪ ،‬وترك فعل”(‪.)5‬‬
‫= االجتماعية �ص‪ ،66-65‬لكن خالف يف ذلك عبدالقادر عودة يف كتابه الت�شريع اجلنائي الإ�سالمي‬
‫‪ 148/1‬حيث قال‪“ :‬ال جرمية وال عقوبة يف التعزير بغري ن�ص‪ :‬وظاهر مما �سبق �أن ال�شريعة الإ�سالمية‬
‫ن�صت على جرائم التعزير وعقوباتها‪ ،‬وعينت اجلرائم وحددت العقوبات حتديدً ا دقي ًقا بحيث ال‬
‫ي�ستطيع القا�ضي �أن يعاقب على فعل مل حترمه ال�شريعة‪ ،‬وال ي�ستطيع �أن يعاقب بغري العقوبات املقررة‬
‫للتعازير‪ ،‬وال �أن يخرج على حدودها”‪ ،‬وما ذكره غري م�س َّلم؛ ملخالفته ملا قرره فقهاء املذاهب الأربعة‬
‫واملحققني من �أهل العلم من �أن التعزير يرجع يف جن�سه �إلى اجتهاد الإمام‪ ،‬وعلى الت�سليم بقاعدة‪“ :‬ال‬
‫جرمية وال عقوبة يف التعزير �إال بن�ص” فاجلواب �أنه قد د ّلت الأدلة على جواز التعزير بغري العقوبات‬
‫التي قررها الفقهاء الأوائل كما �سي�أتي قري ًبا �إن �شاء اهلل تعالى‪ .‬ينظر‪ :‬الإلزام بالأعمال التطوعية يف‬
‫العقوبات التعزيرية �ص‪.18‬‬
‫تبيني احلقائق ‪.208 ،207/3‬‬ ‫(((‬
‫عقد اجلواهر الثمينة ‪.1178/3‬‬ ‫(((‬
‫حتفة املحتاج ‪.179/9‬‬ ‫(((‬
‫الإن�صاف ‪.249/10‬‬ ‫(((‬
‫ال�سيا�سة ال�شرعية يف �إ�صالح الراعي والرعية �ص‪.91‬‬ ‫(((‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪270‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫وقال العالمة ابن القيم ‪“ :‬ثم ملا كانت مفا�سد اجلرائم بعد متفاوت ًة غري‬
‫من�ضبطة يف ال�شدة وال�ضعف والقلة والكرثة ‪-‬وهي ما بني النظرة واخللوة واملعانقة‪-‬‬
‫ُجعلت عقوباتها راجعة �إلى اجتهاد الأئمة ووالة الأمور‪ ،‬بح�سب امل�صلحة يف كل زمان‬
‫النا�س يف ذلك وبني‬
‫ومكان‪ ،‬وبح�سب �أرباب اجلرائم يف �أنف�سهم‪ ،‬فمن �س ّوى بني ِ‬
‫الأزمنة والأمكنة والأحوال مل يفقه حكم َة ال�شرع”(‪.)1‬‬
‫وقال ال�شيخ حممد بن �إبراهيم �آل ال�شيخ ‪“ :‬باب التعزير وا�سع‪ ،‬ي�ستطيع‬
‫ويل الأمر عن طريقه �أن يفر�ض من العقاب ما يكون كاف ًيا للزجر مان ًعا للإجرام؛‬
‫لأن ال�شريعة مل حتدد له عقوبة معينة‪ ،‬و�إمنا هو يقوى وي�ضعف بح�سب عظم اجلناية‬
‫و�صغرها‪ ،‬وبح�سب اجلاين يف تكرر ال�شر منه وعدمه”(‪.)2‬‬
‫وبنا ًء على ما تقدم فقد �أجاز جم ٌع من الباحثني والق�ضاة مبحاكم اململكة العربية‬
‫ال�سعودية التعزير بالعمل التطوعي‪ ،‬ومل �أقف على خمالف يف ذلك(‪.)3‬‬
‫من �أدلة اجلواز‪:‬‬
‫الدليل الأول‪:‬‬
‫الن�صو�ص التي ورد فيها التكفري بالإطعام‪ ،‬ككفارة الظهار‪ ،‬وكفارة اليمني‪،‬‬
‫وغريها‪.‬‬
‫(ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬ ‫قال اهلل تعالى‪:‬‬
‫ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ) [املجادلة‪.]٤-٣ :‬‬
‫((( �إعالم املوقعني ‪.84/2‬‬
‫((( فتاوى ور�سائل �سماحة ال�شيخ حممد بن �إبراهيم �آل ال�شيخ ‪ ،116/12‬وينظر نحوه يف ‪.109/12‬‬
‫((( ينظر‪ :‬التعزير باخلدمة االجتماعية �ص‪ ،73 -70 ،67-66‬وجاء يف ختام ملخ�ص بحوث حلقة البحث‬
‫عن الإلزام بالأعمال التطوعية يف العقوبة التعزيرية �ص‪“ :41‬تبني من خالل البحوث املقدمة وما دار‬
‫حولها من مناق�شات �أن التعزير بالإلزام بالأعمال التطوعية ذات النفع العام بال�ضوابط املذكورة يف‬
‫هذا امللخ�ص ال خالف فيها”‪.‬‬

‫‪271‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫‪( :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬ ‫وقال‬


‫ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯼ)‬ ‫ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ‬
‫[املائدة‪.]٨٩ :‬‬
‫وجه الداللة منها‪� :‬أن �إطعام امل�ساكني من حيث الأ�صل يعد اً‬
‫عمل تطوع ًيا ذا نفع‬
‫متعد‪ ،‬والكفارة نوع من العقوبة ملرتكب املع�صية(‪ّ ،)1‬‬
‫فدل على م�شروعية العقوبة بعمل‬ ‫ٍ‬
‫تطوعي(‪.)2‬‬
‫الدليل الثاين‪:‬‬
‫الَ ْ�س َرى َي ْو َم َب ْد ٍر لمَ ْ َي ُكنْ َل ُه ْم ِف َدا ٌء‪،‬‬
‫ا�س ِمنَ ْ أ‬ ‫عن ابن عبا�س ‪ ‬قال‪َ :‬كانَ َن ٌ‬
‫الَ ْن َ�صا ِر ا ْل ِكتَا َب َة(‪.)3‬‬
‫هلل ﷺ ِف َدا َءهُ ْم �أَنْ ُي َع ِّل ُموا �أَ ْو اَل َد ْ أ‬ ‫َف َج َع َل َر ُ�س ُ‬
‫ول ا ِ‬
‫وجه الداللة‪� :‬أن تعليم الكتابة يعد يف الأ�صل من الأعمال التطوعية‪ ،‬وقد �ألزم به‬
‫النبي ﷺ بع�ض الأ�سرى من امل�شركني عو�ضً ا عن العقوبة املالية ‪-‬وهي الفداء‪ -‬التي‬
‫عجزوا عنها‪ ،‬فدل على �أن العقوبة بعمل تطوعي له �أ�صل يف ال�شريعة(‪.)4‬‬
‫((( قال الآمدي يف الإحكام يف �أ�صول الأحكام ‪( :62/4‬الكفارات فيها �شائبة العقوبة) وقال ال�شيخ ابن‬
‫عثيمني يف ال�شرح املمتع ‪“ :311/14‬الكفارة نوع تعزير‪ ،‬فهي �إلزام له‪� ،‬إما بعمل �شاق‪ ،‬و�إما مبال يفدي‬
‫به نف�سه”‪ ،‬وينظر‪ :‬التعزير باخلدمة االجتماعية �ص‪.84 ،83‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الإلزام بالأعمال التطوعية يف العقوبة التعزيرية ملخ�ص البحوث املقدمة حللقة البحث التي‬
‫عقدها مركز التميز البحثي �ص‪ ،25‬والتعزير باخلدمة االجتماعية �ص‪ ،82-79‬والتعزير بخدمة‬
‫املجتمع‪ ،‬بحث من�شور باملجلة العربية للدرا�سات الأمنية والتدريب العدد (‪� )60‬ص‪.281‬‬
‫((( �أخرجه الإمام �أحمد يف امل�سند برقم (‪ )2216‬والبيهقي يف ال�سنن الكربى‪ ،‬كتاب الإجارة‪ ،‬باب �أخذ‬
‫الأجرة على تعليم القر�آن والرقية به‪ ،‬برقم‪ )11680( :‬واحلاكم يف امل�ستدرك برقم (‪ )2621‬و�أخرجه‬
‫مر�سل وقال احلاكم‪( :‬حديث �صحيح الإ�سناد ومل‬ ‫اً‬ ‫ابن �سعد يف الطبقات الكربى ‪ 22/2‬عن ال�شعبي‬
‫يخرجاه) وقال �أحمد �شاكر يف حتقيق م�سند الإمام �أحمد‪� :‬إ�سناده �صحيح‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الإلزام بالأعمال التطوعية يف العقوبة التعزيرية ملخ�ص البحوث املقدمة حللقة البحث التي‬
‫عقدها مركز التميز البحثي �ص‪ ،21‬والتعزير باخلدمة االجتماعية �ص‪ ،79-78‬والتعزير بخدمة‬
‫املجتمع‪ ،‬بحث من�شور باملجلة العربية للدرا�سات الأمنية والتدريب العدد (‪� )60‬ص‪ ،280‬وينظر �أي�ضا‪:‬‬
‫التعزير بالإلزام بالأعمال التطوعية واالجتماعية �ص‪.137‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪272‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫ونوق�ش‪ :‬ب�أن هذا لي�س من باب العقوبات‪ ،‬و�إمنا هو من باب املعاو�ضات(‪.)1‬‬


‫وميكن اجلواب ب�أنه على الت�سليم ب�أنه من باب املعاو�ضات‪ ،‬فهو معاو�ضة على‬
‫عقوبة مالية بعقوبة عملية‪ ،‬فهو ال يخرج عن باب العقوبات‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪:‬‬
‫ول اللهَّ ِ ﷺ َع ِن ال ِو َ�ص ِال فيِ َّ‬
‫ال�ص ْو ِم َف َق َال َل ُه‬ ‫عن �أبي هريرة ‪ ‬قال‪َ :‬ن َهى َر ُ�س ُ‬
‫يت ُي ْط ِع ُم ِني‬ ‫ول اللهَّ ِ ‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬و�أَ ُّي ُك ْم ِم ْث ِلي‪�ِ ،‬إنيِّ �أَ ِب ُ‬
‫ا�ص ُل َيا َر ُ�س َ‬ ‫َر ُج ٌل ِمنَ املُ ْ�س ِل ِمنيَ‪�ِ :‬إ َّن َك ُت َو ِ‬
‫ا�ص َل ِب ِه ْم َي ْو ًما‪ُ ،‬ث َّم َي ْو ًما‪ُ ،‬ث َّم َر�أَ ُوا‬ ‫َر ِّبي َو َي ْ�س ِق ِني»‪َ ،‬ف َل َّما �أَ َب ْوا �أَنْ َي ْن َت ُهوا َع ِن ال ِو َ�ص ِال‪َ ،‬و َ‬
‫ا ْل ِهلاَ َل‪َ ،‬ف َق َال‪َ « :‬ل ْو َت�أَ َّخ َر َل ِز ْد ُت ُك ْم» َكال َّت ْن ِك ِيل َل ُه ْم ِح َني �أَ َب ْوا �أَنْ َي ْن َت ُهوا(‪.)2‬‬
‫وجه الداللة‪� :‬أن النبي ﷺ وا�صل بال�صحابة ‪ ‬ملا مل ميتثلوا �أمره‪ ،‬ثم �أراد‬
‫�أن يزيدهم تنكيال بهم‪ ،‬وهذا نوع من التعزير بالعمل التطوعي القا�صر‪ ،‬و�إذا جاز يف‬
‫القا�صر الذي ال يتعدى نفعه فلأن يجوز فيما يتعدى نفعه من باب �أولى(‪.)3‬‬
‫وميكن �أن يناق�ش ب�أن الو�صال ‪-‬وهو �أال يفطر بني اليومني‪ -‬دائر بني التحرمي‬
‫أ�صل اً‬
‫عمل تطوع ًيا‪ ،‬وحينئذ فال ي�صح اال�ستدالل بهذا احلديث‪.‬‬ ‫والكراهة(‪ ،)4‬فال يعد � اً‬
‫الدليل الرابع‪:‬‬
‫اال�ستدالل بقاعدة‪� :‬أن ال�شريعة جاءت بجلب امل�صالح وتكثريها‪ ،‬ودرء املفا�سد‬
‫وتقليلها(‪.)5‬‬
‫((( ينظر‪ :‬التعزير باخلدمة االجتماعية �ص‪.79‬‬
‫((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه‪ ،‬كتاب ال�صوم‪ ،‬باب التنكيل ملن �أكرث الو�صال‪ ،‬برقم‪ )1965( :‬وم�سلم يف‬
‫�صحيحه‪ ،‬كتاب ال�صيام‪ ،‬باب النهي عن الو�صال يف ال�صوم‪ ،‬برقم‪.)1103( :‬‬
‫((( ينظر‪ :‬التعزير بالإلزام بالأعمال التطوعية واالجتماعية �ص‪ ،137‬والإلزام بالأعمال التطوعية يف العقوبة‬
‫التعزيرية ملخ�ص البحوث املقدمة حللقة البحث التي عقدها مركز التميز البحثي �ص‪ ،21‬والتعزير‬
‫بخدمة املجتمع‪ ،‬بحث من�شور باملجلة العربية للدرا�سات الأمنية والتدريب العدد (‪� )60‬ص‪.280‬‬
‫((( فاجلمهور على كراهة الو�صال‪ ،‬وذهب ال�شافعية �إلى حترميه‪ .‬ينظر‪ :‬بدائع ال�صنائع ‪ ،79/2‬و�شرح‬
‫اخلر�شي ‪ ،163/3‬ومغني املحتاج ‪ ،165/2‬واملغني ‪.175/3‬‬
‫((( ينظر‪ :‬جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم ابن تيمية ‪ ،265/1‬واملوافقات ‪.346/4‬‬

‫‪273‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫ووجه اال�ستدالل بهذه القاعدة‪� :‬أن التعزير بالأعمال التطوعية يحقق م�صالح‬
‫كثرية‪ ،‬وتندفع به مفا�سد كثرية‪ ،‬منها(‪:)1‬‬
‫‪1.1‬تعويد َمن وقع يف اجلرمية على العمل التطوعي‪ ،‬وخمالطة املتطوعني‪ ،‬وتهيئة‬
‫البيئة الطيبة له‪ ،‬مما يعينه على �إ�صالح نف�سه‪ ،‬وتي�سري طرق اخلري له‪،‬‬
‫بخالف العقوبة بال�سجن فهي مظنة خمالطة �أهل ال�شر والف�ساد‪ ،‬والت�أثر‬
‫بهم‪ ،‬مما يكون له �أثر �سيء على ِد ْين امل�سجون و�أخالقه‪.‬‬
‫‪2.2‬قلة التكاليف املادية مقارنة بالتعزير بعقوبة ال�سجن‪ ،‬التي ُتك ِّلف الدول كث ًريا‬
‫من الأعباء املالية‪.‬‬
‫‪3.3‬النفع املتعدي املرتتب على هذه العقوبة التعزيرية لكثري من اجلهات الر�سمية‬
‫وغريها‪ ،‬بتوفري عدد من الأفراد الذين يقومون ب�أعمال تطوعية متنوعة‪،‬‬
‫وهذا ال يتحقق يف عقوبة ال�سجن واجللد ونحوهما‪.‬‬
‫‪4.4‬اكت�ساب املحكوم عليه خربات ومعارف تعينه على تطوير ذاته‪ ،‬واخلروج‬
‫من �آثار اجلرمية التي ارتكبها‪ ،‬ورمبا كان هذا العمل التطوعي �سببا لفر�ص‬
‫وظيفية يف امل�ستقبل‪ ،‬وهذا كله ال يتحقق غال ًبا يف عقوبة ال�سجن‪.‬‬
‫‪�5.5‬أن التعزير بالعمل التطوعي يعود بامل�صلحة على �أ�سرة اجلاين‪ ،‬من جهة‬
‫بقائه معهم‪ ،‬ورعايته لهم‪ ،‬والقيام مب�صاحلهم‪ ،‬بخالف التعزير بال�سجن‬
‫ف�إنه يعود بال�ضرر على �أ�سرة اجلاين‪ ،‬بفقدهم ملن يعولهم‪ ،‬ورمبا كان �سب ًبا‬
‫ل�ضياع �أوالده‪ ،‬وطالق زوجه‪.‬‬
‫و�إذا كان التعزير بالعمل التطوعي تتحقق به هذه امل�صالح‪ ،‬وتندفع به كثري من‬
‫م�شروعا؛ لكون هذه امل�صالح مالئمة ملق�صود ال�شرع‪ ،‬وال تعار�ض ن�صًّ ا‪.‬‬
‫ً‬ ‫املفا�سد ف�إنه يكون‬
‫((( ينظر‪ :‬التعزير بالإلزام بالأعمال التطوعية واالجتماعية �ص‪ ،134‬والإلزام بالأعمال التطوعية يف‬
‫العقوبة التعزيرية ملخ�ص البحوث املقدمة حللقة البحث التي عقدها مركز التميز البحثي �ص‪-22‬‬
‫‪ ،24‬والتعزير باخلدمة االجتماعية �ص‪ ،87 -84‬والتعزير بخدمة املجتمع‪ ،‬بحث من�شور باملجلة العربية‬
‫للدرا�سات الأمنية والتدريب العدد (‪� )60‬ص‪.283 -281‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪274‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫الدليل اخلام�س‪:‬‬
‫�أن التعزير بالعمل التطوعي يتحقق به املق�صد ال�شرعي من �إيقاع العقوبة وهو‬
‫تقومي �سلوك اجلاين‪ ،‬و�إ�صالحه‪ ،‬وزجره عن العود �إلى اجلرمية‪ ،‬وردع غريه‪ ،‬وذلك‬
‫مبا يلحق اجلاين من م�شقة التنفيذ‪ ،‬ور�ؤية غريه من �أفراد املجتمع له‪ ،‬وما يناله من‬
‫رادعا له ولغريه‪ ،‬و�إذا كان كذلك فهو تعزير م�شروع(‪.)1‬‬‫م�شقة العمل‪ ،‬مما يكون ً‬
‫و�إذا كان التعزير بالعمل التطوعي يح�صل به مق�صود ال�شرع من �إيقاع العقوبة مل‬
‫ُينتقل �إلى ما هو �أ�شد من �أنواع التعزير؛ حل�صول املق�صد ال�شرعي مبا دونه‪.‬‬
‫قال العز بن عبدال�سالم ‪“ :‬ومهما ح�صل الت�أديب بالأخف من الأفعال‬
‫عدل �إلى الأغلظ؛ �إذ هو مف�سدة ال فائدة فيه؛‬ ‫والأقوال واحلب�س واالعتقاد‪ ،‬مل ُي َ‬
‫حل�صول الغر�ض مبا دونه”(‪.)2‬‬
‫وما تقدم من �أدلة هي مع�ضدة للأ�صل املتقدم‪ ،‬وهو جواز التعزير ب�أي نوع من‬
‫�أنواع التعزيرات التي يراها احلاكم حمققة ملق�صد ال�شريعة من العقوبة‪ ،‬وال تعار�ض‬
‫كاف يف اال�ستدالل جلواز التعزير بالعمل التطوعي؛ لكن‬ ‫ن ّ�صً ا �شرع ًّيا‪ ،‬وهذا الأ�صل ٍ‬
‫جرى ذكر هذه الأدلة لتقوية هذا الأ�صل(‪ ،)3‬واهلل �أعلم‪.‬‬
‫�شكل على جواز التعزير بالعمل التطوعي �أن العمل التطوعي ُيع ّد اً‬
‫عمل‬ ‫لكن ُي ِ‬
‫تطوع ًّيا‪ ،‬ويف التعزير به �إلزام به‪ ،‬والإلزام يناق�ض االختيار‪.‬‬
‫�أُجيب ب�أنه ال تناق�ض يف ذلك؛ لأن املق�صود بهذه امل�س�ألة هو �أن العمل الذي يف‬
‫عمل تطوع ًيا هل يجوز للقا�ضي �أن يق�ضي بالإلزام به تعزيرا؟(‪.)4‬‬ ‫�أ�صله يعد اً‬
‫ينظر‪ :‬التعزير بالإلزام بالأعمال التطوعية واالجتماعية �ص‪ ،138‬والإلزام بالأعمال التطوعية يف‬ ‫(((‬
‫العقوبة التعزيرية ملخ�ص البحوث املقدمة حللقة البحث التي عقدها مركز التميز البحثي �ص‪،25‬‬
‫والتعزير باخلدمة االجتماعية �ص‪ ،92 ،88‬والتعزير بخدمة املجتمع‪ ،‬بحث من�شور باملجلة العربية‬
‫للدرا�سات الأمنية والتدريب العدد (‪� )60‬ص‪.281‬‬
‫قواعد الأحكام ‪.88/2‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬التعزير باخلدمة االجتماعية �ص‪.89 ،75‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬الإلزام بالأعمال التطوعية يف العقوبة التعزيرية ملخ�ص البحوث املقدمة حللقة البحث التي‬ ‫(((‬
‫عقدها مركز التميز البحثي �ص‪.34 ،33‬‬

‫‪275‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫وميكن �أن يجاب �أي�ضً ا ب�أن بع�ض الأحكام ال�صادرة من الق�ضاة ال ُيلزَ م فيها‬
‫املحكوم عليه بالعمل التطوعي‪ ،‬و�إمنا ُيح َكم عليه بال�سجن واجللد مع وقف التنفيذ‬
‫مقابل قيامه بعمل تطوعي معني‪ ،‬ومتى ما قام به �سقطت عنه عقوبة ال�سجن واجللد‪،‬‬
‫فقيامه بالعمل التطوعي ‪-‬واحلال هذه‪ -‬له فيه نوع اختيار‪.‬‬
‫كما ميكن اجلواب �إذا كان احلكم الق�ضائي قد �صدر بالإلزام بعمل تطوعي‬
‫ابتدا ًء ب�أن لويل الأمر �أن يلزم بالعمل التطوعي �إذا ر�أى امل�صلحة يف ذلك‪ ،‬بغ�ض‬
‫النظر عن كونه ُيع ّد اً‬
‫عمل تطوع ًيا يف حق املحكوم عليه �أو ال‪ ،‬كما تقدم يف املبحث‬
‫الثامن من هذا البحث‪ ،‬واهلل �أعلم‪.‬‬
‫�إذا تبني جواز التعزير بالأعمال التطوعية‪ ،‬فيح�سن هنا �أن �أذكر ال�ضوابط التي‬
‫ينبغي مراعاتها عند التعزير بالعمل التطوعي‪ ،‬فمن تلك ال�ضوابط(‪:)1‬‬
‫نظاما‪.‬‬
‫�شرعا �أو ً‬
‫‪�1.1‬أال تكون اجلرمية من اجلرائم التي ورد فيها عقوبة مقدرة ً‬
‫‪�2.2‬أن تكون اجلرمية املراد التعزير عليها بعمل تطوعي من اجلرائم ال�صغرية‪،‬‬
‫التي ال ت�شكل خط ًرا على املجتمع‪ ،‬كامل�شاجرات التي حت�صل من الأحداث‪،‬‬
‫واملعاك�سات ونحوها‪� ،‬أما اجلرائم الكبرية التي تتعلق ب�أمن الدولة‪� ،‬أو‬
‫جرائم ترويج املخدرات وتهريبها‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فال ينا�سبها التعزير بالعمل‬
‫التطوعي‪ ،‬بل تقرر لها العقوبة املنا�سبة لها‪.‬‬
‫‪�3.3‬أن يظهر يف العقوبة بالعمل التطوعي املعنى املق�صود من العقوبات وهو‬
‫الزجر والردع‪ ،‬ف�إن مل تكن كذلك فال تعد عقوبة‪ ،‬كما لو حكم عليه بالعمل‬
‫يف �إحدى اجلمعيات اخلريية ب�أن يقوم بتوزيع وجبات �إفطار ال�صائم وقت‬
‫املغرب يف �شهر رم�ضان‪ ،‬ف�إنه ال يظهر يف هذه العقوبة معنى الزجر والردع‪،‬‬
‫((( ينظر‪ :‬التعزير بالإلزام بالأعمال التطوعية واالجتماعية �ص ‪ ،132‬بحث من�شور مبجلة العدل ال�سعودية‬
‫العدد (‪ ،)43‬والإلزام بالأعمال التطوعية يف العقوبة التعزيرية ملخ�ص البحوث املقدمة حللقة البحث‬
‫التي عقدها مركز التميز البحثي �ص‪ ،32 -29‬والتعزير باخلدمة االجتماعية �ص‪ ،102 -97‬والتعزير‬
‫بخدمة املجتمع‪ ،‬بحث من�شور باملجلة العربية للدرا�سات الأمنية والتدريب العدد (‪� )60‬ص‪.284 -283‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪276‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫بخالف ما لو حكم عليه بالعمل يف هذه اجلمعية �ست �ساعات يوم ًّيا خالل‬
‫�شهر رم�ضان‪ ،‬ف�إنه يتحقق بها مق�صد الزجر والردع‪.‬‬
‫‪�4.4‬أال يتعدى �ضرر احلكم بهذه العقوبة �إلى غري اجلاين‪ ،‬من �أهله وقرابته‪ ،‬كما‬
‫لو حكم عليه بالتطوع ب�أعمال فيها دناءة‪ ،‬تلحق معرتها قرابة اجلاين‪.‬‬
‫‪�5.5‬أن تكون العقوبة التعزيرية حافظة لكرامة املحكوم عليه‪ ،‬وحقوقه التي‬
‫�شرعها الإ�سالم‪ ،‬كما قال تعالى‪( :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [الإ�سراء‪ ،]٧٠ :‬فال‬
‫يكون يف العقوبة �إهدار لكرامته‪ ،‬واملرجع يف ذلك �إلى ما قرره ال�شرع‪ ،‬وكذا‬
‫العرف ال�سائد يف البلد الذي تطبق فيه العقوبة‪.‬‬
‫‪�6.6‬أال يكون يف العقوبة تعري�ض اجلاين للخطر‪ ،‬ك�أن يعزر ب�أعمال تطوعية فيها‬
‫خطورة على حياته‪ ،‬كبع�ض �أعمال الإنقاذ‪ ،‬ونحوها من الأعمال التي ال ُيك َّلف‬
‫بها �إال من لديه تدريب م�سبق وخربة عالية‪ ،‬و�إال كان مع ّر�ضً ا نف�سه وغريه‬
‫للخطر‪.‬‬

‫‪277‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫اخلامتة‬

‫�أختم هذا البحث بذكر �أهم ما تو�صلت �إليه من النتائج والتو�صيات‪:‬‬


‫� اًأول‪� :‬أهم النتائج‪:‬‬
‫‪�1.1‬أن العمل التطوعي له مفهوم �شرعي‪ ،‬ومفهوم عاملي‪ ،‬فهو يف ال�شرع‪ :‬كل عمل‬
‫مندوب �إليه يف ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬له نفع متعد‪ ،‬ويفعله املرء باختياره‪،‬‬
‫وال ي�أخذ عليه �أج ًرا متكاف ًئا‪ ،‬و�إمنا يريد به الأجر من اهلل ‪ .‬وباملفهوم‬
‫العاملي‪ :‬كل عمل فيه نفع للآخرين‪ ،‬يقدمه املرء باختياره بال مقابل‪.‬‬
‫‪�2.2‬أن حكم العمل التطوعي يف ال�شرع ال يخرج عن اال�ستحباب‪� ،‬أما باملفهوم‬
‫العاملي فترَ ِ ُد عليه الأحكام التكليفية اخلم�سة‪.‬‬
‫‪�3.3‬أنه ُي�شرع للمر�أة القيام بالعمل التطوعي كالرجل‪ ،‬مع مراعاة ال�ضوابط‬
‫ال�شرعية التي تخت�ص بها‪.‬‬
‫‪�4.4‬أن تف�ضيل العمل املتعدي على العمل القا�صر مق َّيد ب�أن يكون ك ٌل منهما‬
‫وحينئذ ال ُيع ُّد العمل التطوعي �أف�ضل من‬
‫ٍ‬ ‫مت�ساويني يف جملة من االعتبارات‪،‬‬
‫القا�صر �إال عند ت�ساوي هذه االعتبارات‪.‬‬
‫‪�5.5‬أن النية لها �أثر ظاهر يف حكم العمل التطوعي‪ ،‬ويف البحث تف�صيل لهذه‬
‫امل�س�ألة يف �أربع حاالت‪.‬‬
‫‪�6.6‬أن الأَولى بامل�سلمني توثيق �أعمالهم التطوعية لدى اجلهات املخت�صة‪ ،‬متى‬
‫غلب على الظن ال�سالمة من الرياء �أو ال ُع ْجب‪.‬‬
‫‪7.7‬يجوز لويل الأمر �أو نائبه الإلزام ببع�ض الأعمال التطوعية‪.‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪278‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫‪8.8‬يجوز للق�ضاة التعزير بالعمل التطوعي الذي يح�صل به املق�صود من الردع‬


‫والزجر‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬التو�صيات‪:‬‬
‫‪1.1‬هذا املو�ضوع وا�سع‪ ،‬وهو بحاجة �إلى مزيد من الدرا�سات الفقهية املتخ�ص�صة‪.‬‬
‫‪2.2‬ينبغي للجهات املعنية �سن الأنظمة املتعلقة بالعمل التطوعي‪ ،‬ومراعاة‬
‫موافقتها لأحكام ال�شريعة الإ�سالمية‪.‬‬
‫واحلمد هلل الذي بنعمته تتم ال�صاحلات‪ ،‬و�صلى اهلل و�سلم وبارك على نبينا‬
‫حممد و�آله و�صحبه �أجمعني‪.‬‬

‫‪279‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫قائمة امل�صادر واملراجع‬

‫‪1.1‬الإبهاج يف �شرح املنهاج‪ ،‬لأبي احل�سن تقي الدين ال�سبكي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬عام ‪1416‬هـ‪.‬‬
‫‪2.2‬الأحكام التبعية لعقود الت�أمني درا�سة فقهية تطبيقية‪� ،‬أحمد بن حمد الون ِّي�س‪،‬‬
‫دار كنوز �إ�شبيليا‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬عام ‪1435‬هـ‪ ،‬الطبعة الأولى‪.‬‬
‫‪3.3‬الأحكام الفقهية للأعمال التطوعية وتطبيقاتها املعا�صرة‪ ،‬عمر بن ن�صري‬
‫الربكاتي ال�شريف‪ ،‬بحث تكميلي من ق�سم الفقه املقارن باملعهد العايل للق�ضاء‬
‫بجامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية‪ ،‬عام ‪1427 -1426‬هـ‪.‬‬
‫‪4.4‬الأحكام الفقهية للم�ؤ�س�سات اخلريية‪ ،‬د‪ .‬في�صل بن عبدالرحمن‬
‫ال�سحيباين‪ ،‬ر�سالة دكتوراه يف الفقه املقارن‪ ،‬من املعهد العايل للق�ضاء‪،‬‬
‫بجامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية‪ ،‬عام ‪1430 -1429‬هـ‪ ،‬مطبوعة‬
‫على احلا�سب الآيل‪.‬‬
‫‪5.5‬الإحكام يف �أ�صول الأحكام‪ ،‬لأبي احل�سن الآمدي‪ ،‬تعليق‪ :‬ال�شيخ عبدالرزاق‬
‫عفيفي‪ ،‬املكتب الإ�سالمي‪ ،‬بريوت ‪ -‬لبنان‪.‬‬
‫‪�6.6‬أحكام القر�آن‪ ،‬لأبي بكر الرازي احل�صا�ص احلنفي‪ ،‬حتقيق حممد �صادق‬
‫قمحاوي‪ ،‬دار �إحياء الرتاث العربي ‪ -‬بريوت‪ ،‬طبعة ‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪7.7‬الأدب املفرد‪ ،‬للإمام البخاري‪ ،‬حتقيق حممد ف�ؤاد عبدالباقي‪ ،‬دار الب�شائر‬
‫الإ�سالمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1409 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�8.8‬إرادة الدنيا بعمل الآخرة‪ ،‬د‪ .‬عبداهلل بن حممد ال�سند‪ ،‬بحث من�شور مبجلة‬
‫الدرا�سات العقدية‪ ،‬العدد (‪ )6‬رجب ‪1432‬هـ‪.‬‬
‫‪�9.9‬إر�شاد الفحول �إلى حتقيق احلق من علم الأ�صول‪ ،‬ملحمد ال�شوكاين‪ ،‬حتقيق‬
‫�أحمد عزو عناية‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬الطبعة الأولى‪1419 ،‬هـ‪.‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪280‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫‪�1010‬أ�س�س ومهارات العمل التطوعي‪ ،‬د‪ .‬عي�سى القدومي‪ ،‬الطبعة الأولى‪1434 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪1111‬الأ�شباه والنظائر‪ ،‬جلالل الدين ال�سيوطي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة الأولى‪،‬‬
‫‪1411‬هـ‪.‬‬
‫‪1212‬الأ�شباه والنظائر‪ ،‬لزين الدين ابن جنيم‪ ،‬و�ضع حوا�شيه وخرج �أحاديثه زكريا‬
‫عمريات‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة الأولى ‪1419‬هـ‪.‬‬
‫‪�1313‬أ�ضواء البيان يف �إي�ضاح القر�آن بالقر�آن‪ ،‬ملحمد الأمني ال�شنقيطي‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫بريوت ‪ -‬لبنان‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�1414‬إعالم املوقعني عن رب العاملني‪ ،‬ل�شم�س الدين ابن قيم اجلوزية‪ ،‬حتقيق حممد‬
‫عبدال�سالم �إبراهيم‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة الأولى‪1411 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪1515‬الأعمال التطوعية يف الإ�سالم‪ ،‬ملحمد بن �صالح القا�ضي‪ ،‬ورقة عمل مقدمة‬
‫للقاء ال�سنوي الرابع للجهات اخلريية باملنطقة ال�شرقية‪.‬‬
‫‪�1616‬أفعال الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم وداللتها على الأحكام‪ ،‬د‪ .‬حممد الأ�شقر‪.‬‬
‫‪1717‬الأ�سرة والعمل التطوعي‪ ،‬د‪ .‬علي بن حممد ال�شبيلي‪ ،‬مركز �إب�صار للن�شر‬
‫والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الأولى‪1437 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪1818‬الإلزام بالأعمال التطوعية يف العقوبة التعزيرية‪ ،‬ملخ�ص البحوث املقدمة حللقة‬
‫البحث التي عقدها مركز التميز البحثي بجامعة الإمام‪ ،‬يف ‪1430/4/5‬هـ‪.‬‬
‫‪1919‬التعزير بالإلزام بالأعمال التطوعية واالجتماعية‪ ،‬د‪ .‬نا�صر بن �إبراهيم‬
‫املحيميد‪ ،‬بحث من�شور مبجلة العدل‪ ،‬العدد (‪ )43‬رجب ‪1430‬هـ‪.‬‬
‫‪2020‬الإن�صاف يف معرفة الراجح من اخلالف‪ ،‬لعالء الدين املرداوي احلنبلي‪ ،‬دار‬
‫�إحياء الرتاث العربي‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪�2121‬إنقاذ الهالكني‪ ،‬تقي الدين الربكوي احلنفي‪ ،‬حتقيق د‪ .‬ح�سام عفانة‪ ،‬الطبعة‬
‫الأولى‪1423 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪2222‬البحر املحيط يف �أ�صول الفقه‪ ،‬بدر الدين الزرك�شي ال�شافعي‪ ،‬حترير د‪.‬‬

‫‪281‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫عبدال�ستار �أبو غدة‪ ،‬طبع وزراة الأوقاف وال�ش�ؤون الإ�سالمية بالكويت‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪1413 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪2323‬بدائع ال�صنائع يف ترتيب ال�شرائع‪ ،‬لعالء الدين الكا�ساين احلنفي‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬الطبعة الثانية‪1406 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪2424‬البداية والنهاية‪ ،‬لأبي الفداء �إ�سماعيل بن كثري‪ ،‬حتقيق د‪ .‬عبداهلل الرتكي‪،‬‬
‫دار هجر‪ ،‬الطبعة الأولى‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪2525‬بريقة حممودية يف �شرح طريقة حممدية‪ ،‬حممد اخلادمي احلنفي‪ ،‬مطبعة‬
‫احللبي‪1348 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪2626‬البناية يف �شرح الهداية‪ ،‬لبدر الدين العيني احلنفي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪2727‬تبيني احلقائق �شرح كنز الدقائق‪ ،‬لفخر الدين الزيلعي احلنفي‪ ،‬املطبعة‬
‫الكربى الأمريية ‪ -‬بوالق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطيعة الأولى‪1313 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪2828‬حتفة املحتاج يف �شرح املنهاج‪ ،‬لأحمد بن حجر الهيتمي ال�شافعي‪ ،‬املكتبة‬
‫التجارية الكربى مب�صر‪1357 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪2929‬الرتغيب والرتهيب‪ ،‬لزكي الدين املنذري‪ ،‬حتقيق �إبراهيم �شم�س الدين‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى‪1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪3030‬الرتوك النبوية ت�أ�صيال وتطبيقا‪ ،‬حممد �صالح الإتربي‪ ،‬وزارة الأوقاف‬
‫وال�ش�ؤون الإ�سالمية بدولة قطر‪ ،‬الطبعة الأولى‪1433 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪3131‬الت�شريع اجلنائي الإ�سالمي مقارنا بالقانون الو�ضعي‪ ،‬لعبدالقادر عودة‪ ،‬دار‬
‫الكاتب العربي‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪3232‬ت�شنيف امل�سامع بجمع اجلوامع‪ ،‬بدر الدين الزرك�شي‪ ،‬حتقيق �سيد عبدالعزيز‪،‬‬
‫وعبداهلل ربيع‪ ،‬مكتبة قرطبة‪ ،‬الطبعة الأولى‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪3333‬تطوع املر�أة امل�سلمة ال�ضوابط واملجاالت‪ ،‬د‪ .‬م�سلم اليو�سف‪ ،‬على هذا الرابط‪:‬‬
‫‪.https://www.noor-book.com‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪282‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫‪3434‬تف�سري �آيات من القر�آن الكرمي‪ ،‬لل�شيخ حممد بن عبدالوهاب‪ ،‬مطبوع �ضمن‬


‫جمموع م�ؤلفات ال�شيخ‪ ،‬املجلد اخلام�س‪ ،‬حتقيق حممد بلتاجي‪ ،‬النا�شر جامعة‬
‫الإمام‪.‬‬
‫‪3535‬التعريفات‪ ،‬لعلي اجلرجاين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة‬
‫الأولى‪1403 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪3636‬التعزير باخلدمة االجتماعية‪ ،‬د‪ .‬عبدالعزيز احلجيالن‪ ،‬د‪� .‬إبراهيم امليمن‪،‬‬
‫مركز التميز البحثي‪ ،‬بجامعة الإمام‪1431 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪3737‬التعزير بخدمة املجتمع‪ ،‬د‪ .‬منى بنت �إبراهيم التويجري‪ ،‬بحث يف املجلة‬
‫العربية للدرا�سات الأمنية والتدريب‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬العدد ‪ 60‬عام ‪1435‬هـ‪.‬‬
‫‪3838‬التعزير يف ال�شريعة الإ�سالمية لعبدالعزيز عامر‪ ،‬دار الفكر العربي‪.‬‬
‫‪3939‬التمهيد ل�شرح كتاب التوحيد‪ ،‬لل�شيخ �صالح �آل ال�شيخ‪ ،‬دار التوحيد‪ ،‬الطبعة‬
‫الأولى‪1424 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪4040‬تنظيم العمل التطوعي يف �إمارة دبي‪ ،‬على الرابط‪:‬‬
‫‪http://arabic.arabianbusiness.com/content/337168.‬‬
‫‪4141‬التقرير والتحبري‪ ،‬البن �أمري حاج احلنفي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ‪ -‬لبنان‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪1403 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪4242‬تي�سري التحرير‪ ،‬لأمري باد�شاه احلنفي‪ ،‬مطبعة البابي احللبي‪ ،‬م�صر‪1351 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪4343‬تي�سري الكرمي الرحمن يف تف�سري كالم املنان‪ ،‬لل�شيخ عبدالرحمن بن �سعدي‪،‬‬
‫حتقيق د‪ .‬عبدالرحمن اللويحق‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬الطبعة الأولى‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪4444‬جامع الرتمذي‪ ،‬املطبوع با�سم‪� :‬سنن الرتمذي‪ ،‬لأبي عي�سى حممد بن عي�سى‬
‫الرتمذي‪ ،‬مكتبة ومطبعة م�صطفى البابي احللبي ‪ -‬م�صر‪ ،‬حتقيق �أحمد‬
‫�شاكر وغريه‪1395 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪4545‬جامع العلوم واحلكم يف �شرح خم�سني حديثا من جوامع الكلم‪ ،‬لزين الدين‬

‫‪283‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫عبدالرحمن بن رجب احلنبلي‪ ،‬حتقيق �شعيب الأرن�ؤوط و�إبراهيم باج�س‪،‬‬


‫م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة ال�سابعة‪1422 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪4646‬جامع امل�سائل‪ ،‬ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية‪ ،‬املجموعة اخلام�سة‪ ،‬حتقيق حممد‬
‫عزيز �شم�س‪� ،‬إ�شراف ال�شيخ بكر �أبو زيد‪ ،‬دار عامل الفوائد‪ ،‬الطبعة الأولى‪،‬‬
‫‪1424‬هـ‪.‬‬
‫‪4747‬اجلهود الدعوية للم�ؤ�س�سات اخلريية يف اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬لعبداهلل بن‬
‫حممد املطوع‪ ،‬ر�سالة دكتوراه يف الدعوة واالحت�ساب من كلية الدعوة والإعالم‬
‫بجامعة الإمام ‪1425 -1424‬هـ‪ ،‬مطبوعة على احلا�سب الآيل‪.‬‬
‫‪4848‬اجلواب الكايف ملن �س�أل عن الدواء ال�شايف (الداء والدواء) ل�شم�س الدين ابن‬
‫قيم اجلوزية‪ ،‬دار املعرفة ‪ -‬املغرب‪ ،‬الطبعة الأولى‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪4949‬احلاجة و�أثرها يف الأحكام‪ ،‬د‪� .‬أحمد الر�شيد‪ ،‬دار كنوز �إ�شبيليا‪ ،‬الطبعة‬
‫الأولى‪1429 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪5050‬حا�شية كتاب التوحيد‪ ،‬لل�شيخ عبدالرحمن بن قا�سم‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1408 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪5151‬درا�سة توثيقية للعمل التطوعي يف دولة الكويت‪ ،‬د‪ .‬خالد يو�سف ال�شطي‪،‬‬
‫الأمانة العامة للأوقاف بالكويت‪ ،‬الطبعة الثانية‪1431 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪5252‬الدر املن�ضود يف ال�صالة وال�سالم على �صاحب املقام املحمود‪ ،‬البن حجر الهيتمي‪،‬‬
‫عني به‪ :‬بوجمعة عبدالقادر‪ ،‬ورفيقه‪ ،‬دار املنهاج‪ ،‬جدة‪ ،‬الطبعة الأولى‪1426 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪5353‬الدليل اال�سرت�شادي للتطوع يف بيئة العمل للجهات احلكومية بدولة الإمارات‪،‬‬
‫�إ�صدار الهيئة االحتادية للموارد الب�شرية احلكومية‪.‬‬
‫‪5454‬الذخرية‪ ،‬ل�شهاب الدين القرايف املالكي‪ ،‬د‪ .‬حممد حجي و�آخرون‪ ،‬دار الغرب‬
‫الإ�سالمي ببريوت‪ ،‬الطبعة الأولى‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫‪5555‬ر�ؤية اململكة ‪ ،2030‬على الرابط‪:‬‬
‫‪file:///C:/Users/Micro/Downloads/Saudi_Vision2030_AR.pdf.‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪284‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫‪5656‬الريادة والعمل التطوعي‪ ،‬عثمان ر�شدي‪ ،‬دار الراية‪ ،‬عمان ‪ -‬الأردن‪ ،‬الطبعة‬
‫الأولى‪2013 ،‬م‪.‬‬
‫‪5757‬رو�ضة الطالبني وعمدة املفتني‪ ،‬ملحيي الدين النووي ال�شافعي‪ ،‬حتقيق زهري‬
‫ال�شاوي�ش‪ ،‬املكتب الإ�سالمي ببريوت‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1412 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�5858‬سل�سلة الأحاديث ال�صحيحة‪ ،‬حممد نا�صر الدين الألباين‪ ،‬مكتبة املعارف‪،‬‬
‫الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأولى‪.‬‬
‫‪�5959‬سنن ابن ماجه‪ ،‬لأبي عبداهلل حممد القزويني‪ ،‬حتقيق حممد ف�ؤاد عبدالباقي‪،‬‬
‫دار �إحياء الكتب العربية‪.‬‬
‫‪�6060‬سنن �أبي داود‪ ،‬لأبي داود ال�سج�ستاين‪ ،‬حتقيق حممد حميي الدين عبداحلميد‪،‬‬
‫املكتبة الع�صرية‪� ،‬صيدا ‪ -‬بريوت‪.‬‬
‫‪6161‬ال�سنن الكربى‪ ،‬لأحمد بن احل�سني البيهقي‪ ،‬حتقيق حممد عبدالقادر عطا‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية بريوت‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1424 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�6262‬سنن الن�سائي‪ ،‬لأبي عبدالرحمن الن�سائي‪ ،‬حتقيق عبدالفتاح �أبو غدة‪ ،‬مكتب‬
‫املطبوعات الإ�سالمية ‪ -‬حلب‪ ،‬الطبعة الأولى‪1406 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪6363‬ال�سيا�سة ال�شرعية يف �إ�صالح الراعي والرعية‪ ،‬ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية‪ ،‬وزارة‬
‫ال�ش�ؤون الإ�سالمية‪ ،‬الطبعة الأولى‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�6464‬شرح خمت�صر خليل‪ ،‬ملحمد بن عبداهلل اخلر�شي املالكي‪ ،‬دار الفكر للطباعة‬
‫‪ -‬بريوت‪.‬‬
‫‪�6565‬شرح ال�سنة‪ ،‬ملحيي ال�سنة البغوي‪ ،‬حتقيق �شعيب الأرن�ؤوط ورفيقه‪ ،‬املكتب‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬دم�شق‪ ،‬الطبعة الثانية‪1403 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�6666‬شرح �صحيح البخاري‪ ،‬لأبي احل�سني علي بن خلف بن بطال‪ ،‬حتقيق �أبو متيم‬
‫يا�سر بن �إبراهيم‪ ،‬مكتبة الر�شد بالريا�ض‪ ،‬الطبعة الثانية‪1423 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�6767‬شرح �صحيح م�سلم‪ ،‬لأبي زكريا حميي الدين النووي‪ ،‬دار �إحياء الرتاث العربي‬

‫‪285‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية‪1392 ،‬هـ‪.‬‬


‫‪�6868‬شرح القواعد الفقهية �أحمد الزرقاء‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دم�شق‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫‪1409‬هـ‪.‬‬
‫‪�6969‬شرح الكوكب املنري‪ ،‬البن النجار الفتوحي‪ ،‬حتقيق حممد الزحيلي ونزيه‬
‫حماد‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ ،‬الطبعة الثانية‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪7070‬ال�شرح املمتع على زاد امل�ستقنع‪ ،‬لل�شيخ حممد بن عثيمني‪ ،‬دار ابن اجلوزي‪،‬‬
‫الطبعة الأولى‪1422 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�7171‬شرح العقيدة الوا�سطية لل�شيخ حممد بن �إبراهيم �آل ال�شيخ‪ ،‬كتبها ورتبها‬
‫حممد بن قا�سم‪ ،‬الطبعة الثانية‪1428 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�7272‬شرح العقيدة الوا�سطية‪ ،‬لل�شيخ حممد بن عثيمني‪ ،‬اعتنى بها‪� :‬سعد ال�صميل‪،‬‬
‫دار ابن اجلوزي‪ ،‬الطبع ال�ساد�سة‪1421 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�7373‬شرح خمت�صر الرو�ضة‪ ،‬لنجم الدين الطويف‪ ،‬حتقيق د‪ .‬عبداهلل الرتكي‪،‬‬
‫م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬الطبعة الأولى‪1407 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�7474‬شرك الأعرا�ض حقيقته و�أنواعه د‪� .‬سعيد بن حممد ح�سني معلوي‪ ،‬بحث‬
‫من�شور مبجلة الدرا�سات العقدية‪ ،‬العدد (‪ )2‬رجب ‪1430‬هـ‪.‬‬
‫‪7575‬ال�صحاح‪ ،‬لأبي ن�صر �إ�سماعيل اجلوهري‪ ،‬حتقيق �شهاب الدين �أبو عمرو‪ ،‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬الطبعة الأولى‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�7676‬صحيح الأدب املفرد‪ ،‬حممد نا�صر الدين الألباين‪ ،‬دار ال�صديق‪ ،‬الطبعة‬
‫الرابعة‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�7777‬صحيح البخاري‪ ،‬حممد بن �إ�سماعيل البخاري‪ ،‬حتقيق حممد زهري بن نا�صر‬
‫النا�صر‪ ،‬دار طوق النجاة‪ ،‬الطبعة الأولى‪1422 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�7878‬صحيح م�سلم‪ ،‬مل�سلم بن احلجاج الني�سابوري‪ ،‬حتقيق حممد ف�ؤاد عبدالباقي‪،‬‬
‫دار �إحياء الرتاث العربي ‪ -‬بريوت‪.‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪286‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫‪�7979‬صحيفة عكاظ‪ ،‬العدد ال�صادر بتاريخ ‪1433/5/29‬هـ‪.‬‬


‫‪�8080‬صحيفة العني الإخبارية‪ ،‬العدد ال�صادر يف ‪2016/8/17‬م‪ ،‬على الرابط‪:‬‬
‫‪.https://al-ain.com/article/232441‬‬
‫‪8181‬طبقات ال�شافعية الكربى‪ ،‬لتاج الدين ال�سبكي‪ ،‬حتقيق حممود الطناحي‬
‫ورفيقه‪ ،‬دار هجر‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1413‬هـ‪.‬‬
‫‪8282‬الطبقات الكربى‪ ،‬لأبي عبداهلل حممد بن �سعد‪ ،‬حتقيق حممد عبدالقادر‬
‫عطا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى‪1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪8383‬الطرق احلكمية‪ ،‬البن قيم اجلوزية‪ ،‬مكتبة دار البيان‪.‬‬
‫‪8484‬عقد اجلواهر الثمينة يف مذهب عامل املدينة‪ ،‬جلالل الدين بن �شا�س املالكي‪،‬‬
‫حتقيق د‪ .‬حميد بن حممد حلمر‪ ،‬دار الغرب الإ�سالمي‪ ،‬الطبعة الأولى‪1423 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪8585‬العمل االجتماعي التطوعي‪ ،‬د‪� .‬أحمد عبدالفتاح ناجي‪ ،‬املكتب اجلامعي‬
‫احلديث‪ ،‬الطبعة الأولى‪2017 ،‬م‪.‬‬
‫‪8686‬العمل التطوعي‪ ،‬د‪ .‬جابر �أحمد برزان‪ ،‬اجلنادرية‪ ،‬الأردن ‪ -‬عمان‪ ،‬الطبعة‬
‫الأولى‪2017 ،‬م‪.‬‬
‫‪8787‬العمل التطوعي‪ .‬خطوات عملية للنهو�ض بالأمة‪ ،‬د‪� .‬صالح بن مطر الهطايل‪،‬‬
‫الإ�صدار الأول‪1431 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪8888‬العمل التطوعي للمر�أة‪ ،‬جماالته و�ضوابطه و�آثاره‪ ،‬بحث تكميلي لنيل درجة‬
‫املاج�ستري‪ ،‬من ق�سم الثقافة الإ�سالمية‪ ،‬كلية ال�شريعة‪ ،‬بجامعة الإمام‪� ،‬إعداد‪:‬‬
‫غادة بنت ح�سن ال�شبانات‪ ،‬العام اجلامعي ‪1435‬هـ‪.‬‬
‫‪8989‬العمل التطوعي وخدمة احلجاج واملعتمرين والزوار‪ ،‬مروان يو�سف �أحمد‬
‫كعكي‪ ،‬ال�سجل العلمي للملتقى العلمي ال�سابع ع�شر لأبحاث احلج والعمرة‬
‫والزيارة من ‪1438/8/15-14‬هـ‪ ،‬تنظيم معهد خادم احلرمني ال�شريفني‬
‫لأبحاث احلج والعمرة والزيارة بجامعة �أم القرى‪.‬‬

‫‪287‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫‪9090‬العمل التطوعي من منظور الرتبية الإ�سالمية‪� ،‬إح�سان حممد علي اليف‪ ،‬دار‬
‫النفائ�س‪ ،‬الأردن ‪ -‬عمان‪ ،‬الطبعة الأولى‪1429 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪9191‬العمل التطوعي نظرة ت�أ�صيلية فقهية ت�أريخية‪ ،‬د‪� .‬أحمد بن ح�سني املباركي‪،‬‬
‫بحث من�شور مبجلة مركز البحوث والدرا�سات الإ�سالمية‪ ،‬العدد (‪.)35‬‬
‫‪9292‬الفتاوى اخلانية املطبوع مع الفتاوى الهندية‪ ،‬الطبعة الثانية باملطبعة الكربى‬
‫الأمريية‪ ،‬ببوالق م�صر املحمية‪� ،‬سنة ‪1310‬هـ‪.‬‬
‫‪9393‬الفتاوى الفقهية الكربى‪ ،‬لأحمد بن حجر الهيتمي املكي‪ ،‬املكتبة الإ�سالمية‪.‬‬
‫‪9494‬فتاوى ور�سائل �سماحة ال�شيخ حممد بن �إبراهيم �آل ال�شيخ‪ ،‬جمع حممد بن‬
‫قا�سم‪ ،‬مطبعة احلكومة مبكة املكرمة‪ ،‬الطبعة الأولى‪1399 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪9595‬فتح الباري �شرح �صحيح البخاري‪ ،‬لأحمد بن علي بن حجر الع�سقالين‪ ،‬دار‬
‫املعرفة‪ ،‬بريوت‪1379 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪9696‬فتح الباري �شرح �صحيح البخاري‪ ،‬البن رجب احلنبلي‪ ،‬دار الغرباء الأثرية‪،‬‬
‫املدينة‪ ،‬الطبعة الأولى‪1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪9797‬فتح املجيد ل�شرح كتاب التوحيد‪ ،‬عبدالرحمن بن ح�سن بن حممد بن‬
‫عبدالوهاب‪ ،‬حتقيق د‪ .‬الوليد الفريان‪ ،‬دار ال�صميعي‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة‬
‫الأولى‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪9898‬الفروق‪ ،‬لأبي العبا�س القرايف‪ ،‬النا�شر‪ :‬عامل الكتب‪.‬‬
‫‪9999‬في�ض القدير �شرح اجلامع ال�صغري‪ ،‬لزين الدين عبدالر�ؤوف املناوي‪ ،‬املكتبة‬
‫التجارية الكربى ‪ -‬م�صر‪ ،‬الطبعة الأولى‪1356 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪10100‬القواعد‪ ،‬لأبي عبداهلل امل َّقري‪ ،‬حتقيق د‪� .‬أحمد بن حميد‪ ،‬طبعة جامعة �أم‬
‫القرى‪.‬‬
‫‪10101‬قواعد الأحكام يف م�صالح الأنام‪ ،‬لعز الدين بن عبدال�سالم‪ ،‬راجعه وعلق‬
‫عليه‪ :‬طه عبدالر�ؤوف �سعد‪ ،‬مكتبة الكليات الأزهرية‪ ،‬القاهرة‪1414 ،‬هـ‪.‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪288‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫‪10102‬القواعد الفقهية وتطبيقاتها يف املذاهب الأربعة‪ ،‬د‪ .‬حممد الزحيلي‪ ،‬دار‬


‫الفكر‪ ،‬دم�شق‪ ،‬الطبعة الأولى‪1427 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪10103‬القول ال�سديد �شرح كتاب التوحيد‪ ،‬لعبدالرحمن بن �سعدي‪ ،‬جمموعة التحف‬
‫النفائ�س الدولية‪ ،‬الطبعة الثالثة‪.‬‬
‫‪10104‬الكا�شف عن حقائق ال�سنن‪� ،‬شرف الدين الطيبي‪ ،‬د‪ .‬عبداحلميد هنداوي‪،‬‬
‫مكتبة نزار م�صطفى الباز مبكة‪ ،‬الطبعة الأولى‪1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪10105‬الكايف يف فقه �أهل املدينة‪ ،‬لأبي عمر بن عبدالرب القرطبي‪ ،‬حتقيق حممد‬
‫حممد �أحيد ولد ماديك املوريتاين‪ ،‬مكتبة الريا�ض احلديثة‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫‪1400‬هـ‪.‬‬
‫‪10106‬ك�شاف القناع عن منت الإقناع‪ ،‬من�صور البهوتي احلنبلي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪10107‬ك�شف الأ�سرار �شرح �أ�صول البزدوي‪ ،‬عبدالعزيز البخاري‪ ،‬دار الكتاب‬
‫الإ�سالمي‪.‬‬
‫‪10108‬الالئحة التنظيمية للعمل التطوعي يف مدار�س التعليم العام باململكة العربية‬
‫ال�سعودية‪� ،‬إ�صدار وزارة التعليم‪.‬‬
‫‪10109‬اللآلئ البهية يف �شرح العقيدة الوا�سطية‪� ،‬صالح �آل ال�شيخ‪ ،‬دار العا�صمة‪،‬‬
‫الطبعة الأولى‪1430 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪11110‬ل�سان العرب‪ ،‬البن منظور‪ ،‬دار �صادر‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪11111‬املجموع �شرح املهذب‪ ،‬ملحيي الدين النووي‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪11112‬جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم ابن تيمية‪ ،‬جمع عبدالرحمن بن قا�سم‪ ،‬جممع‬
‫امللك فهد لطباعة امل�صحف ال�شريف‪ ،‬املدينة النبوية‪ ،‬اململكة العربية‬
‫ال�سعودية‪1416 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪11113‬خمت�صر الفوائد يف �أحكام املقا�صد (القواعد ال�صغرى) العز بن عبدال�سالم‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬د‪� .‬صالح املن�صور‪ ،‬دار الفرقان‪ ،‬الطبعة الأولى‪1417 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪289‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫‪11114‬املدخل‪ ،‬البن احلاج املالكي‪ ،‬دار الرتاث‪.‬‬


‫‪11115‬مذكرة يف �أ�صول الفقه‪ ،‬ملحمد الأمني ال�شنقيطي‪ ،‬مكتبة العلوم واحلكم‪،‬‬
‫املدينة‪ ،‬الطبعة اخلام�سة‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪11116‬مرقاة املفاتيح �شرح م�شكاة امل�صابيح‪ ،‬علي املال القاري‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت ‪-‬‬
‫لبنان‪ ،‬الطبعة الأولى‪1422 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪11117‬امل�سالك يف �شرح موط�أ مالك‪ ،‬لأبي بكر ابن العربي‪ ،‬دار الغرب‪ ،‬الطبعة الأولى‪،‬‬
‫‪1428‬هـ‪.‬‬
‫‪11118‬امل�ستدرك على ال�صحيحني‪ ،‬لأبي عبداهلل احلاكم الني�سابوري‪ ،‬حتقيق‬
‫م�صطفى عبدالقادر عطا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة الأولى‪1411 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪11119‬م�سند الإمام �أحمد‪ ،‬لأبي عبداهلل �أحمد بن حممد بن حنبل ال�شيباين‪ ،‬حتقيق‬
‫�شعيب الأرن�ؤوط و�آخرون‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬الطبعة الأولى‪1421 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪12120‬م�سند الإمام �أحمد‪ ،‬لأبي عبداهلل �أحمد بن حممد بن حنبل ال�شيباين حتقيق‬
‫�أحمد �شاكر‪ ،‬دار احلديث بالقاهرة‪ ،‬الطبعة الأولى‪1416 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪12121‬م�سند الدارمي‪ ،‬لأبي حممد عبداهلل الدارمي‪ ،‬حتقيق د‪ .‬مرزوق الزهراين‪،‬‬
‫الطبعة الأولى‪1436 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪12122‬م�سند ال�شهاب‪ ،‬لأبي عبداهلل حممد الق�ضاعي‪ ،‬حتقيق حمدي ال�سلفي‪ ،‬م�ؤ�س�سة‬
‫الر�سالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية‪1407 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪12123‬امل�صباح املنري يف غريب ال�شرح الكبري‪� ،‬أحمد بن حممد الفيومي‪ ،‬املكتبة‬
‫العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪12124‬معارج القبول ب�شرح �سلم الو�صول �إلى علم الأ�صول‪ ،‬حلافظ حكمي‪ ،‬حتقيق‬
‫عمر �أبو عمر‪ ،‬دار ابن القيم‪ ،‬الدمام‪ ،‬الطبعة الأولى‪1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪12125‬املعجم الأو�سط‪ ،‬لأبي القا�سم الطرباين‪ ،‬حتقيق طارق بن عو�ض اهلل‪ ،‬دار‬
‫احلرمني‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪290‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫‪12126‬املعجم الو�سيط‪ ،‬جممع اللغة العربية بالقاهرة‪ ،‬دار الدعوة‪.‬‬


‫‪12127‬املعيار املعرب واجلامع املغرب عن فتاوي �أهل �أفريقية والأندل�س واملغرب‪ ،‬لأبي‬
‫العبا�س الون�شري�سي‪ ،‬ن�شر وزارة الأوقاف وال�ش�ؤون الإ�سالمية للمملكة املغربية‪،‬‬
‫‪1401‬هـ‪.‬‬
‫‪12128‬املغني‪ ،‬ملوفق الدين ابن قدامة احلنبلي‪ ،‬مكتبة القاهرة‪1388 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪12129‬مغني املحتاج �إلى معرفة معاين �ألفاظ املنهاج‪ ،‬للخطيب ال�شربيني ال�شافعي‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة الأولى‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪13130‬املفردات يف غريب القر�آن‪ ،‬لأبي القا�سم الأ�صفهاين‪ ،‬حتقيق د‪� .‬صفوان‬
‫الداوودي‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دم�شق‪ ،‬الطبعة الأولى‪1412 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪13131‬مقا�صد املكلفني (النيات يف العبادات) د‪ .‬عمر الأ�شقر‪ ،‬دار النفائ�س‪ ،‬الأردن‪،‬‬
‫الطبعة الثالثة‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪13132‬املقايي�س يف اللغة‪ ،‬البن فار�س‪ ،‬حتقيق عبدال�سالم حممد هارون‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫‪1399‬هـ‪.‬‬
‫‪13133‬اململكة العربية ال�سعودية والعمل الإغاثي (حقائق و�أرقام) د‪� .‬أحمد بن يو�سف‬
‫الدريوي�ش‪ ،‬طبعة جامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية‪ ،‬الطبعة الأولى‪،‬‬
‫‪1422‬هـ‪.‬‬
‫‪13134‬املنثور يف القواعد الفقهية‪ ،‬لبدر الدين الزرك�شي‪ ،‬طبعة وزارة الأوقاف‬
‫الكويتية‪ ،‬الطبعة الثانية‪1405 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪13135‬املنتقى �شرح املوط�أ‪ ،‬لأبي الوليد الباجي‪ ،‬مطبعة ال�سعادة مب�صر‪ ،‬الطبعة‬
‫الأولى‪1332 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪13136‬من ق�سمات التجربة الربيطانية يف العمل اخلريي والتطوعي‪ ،‬بدر بن نا�صر‬
‫املطريي‪ ،‬الأمانة العامة للأوقاف بالكويت‪ ،‬الطبعة الأولى‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪13137‬املوافقات‪ ،‬لإبراهيم بن مو�سى ال�شاطبي‪ ،‬حتقيق م�شهور بن ح�سن �آل �سلمان‪،‬‬
‫دار ابن عفان‪ ،‬الطبعة الأولى‪1417 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪291‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬


‫د‪ .‬أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس‬

‫‪13138‬مواهب اجلليل يف �شرح خمت�صر خليل‪ ،‬للحطاب الرعيني املالكي‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫الطبعة الثالثة‪1412 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪13139‬املو�سوعة الفقهية الكويتية‪ ،‬وزارة الأوقاف وال�شئون الإ�سالمية ‪ -‬الكويت‪.‬‬
‫‪14140‬مو�سوعة القواعد الفقهية‪ ،‬د‪ .‬حممد �صدقي البورنو‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫الطبعة الأولى‪1424 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪14141‬ن�شر البنود على مراقي ال�سعود‪ ،‬عبداهلل بن �إبراهيم ال�شنقيطي‪ ،‬مطبعة‬
‫ف�ضالة باملغرب‪.‬‬
‫‪14142‬النهاية يف غريب احلديث والأثر‪ ،‬ملجد الدين �أبي ال�سعادات ابن الأثري‪ ،‬حتقيق‬
‫طاهر �أحمد الزاوي ‪ -‬حممود حممد الطناحي‪ ،‬املكتبة العلمية ‪ -‬بريوت‪،‬‬
‫‪1399‬هـ‪.‬‬

‫العدد اخلمســــون‬ ‫‪292‬‬


‫العمل التطوعي ‪ -‬دراسة فقهية تأصيلية‬

‫فهر�س املحتويات‬

‫املقدمة ‪211 .....................................................................‬‬


‫املبحث الأول‪ :‬حقيقة العمل التطوعي‪ :‬وفيه ثالثة مطالب‪218 ................... :‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف العمل التطوعي ‪218 ........................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬امل�صطلحات ذات العالقة ‪228 ....................................‬‬
‫املطلب الثالث‪� :‬أنواع العمل التطوعي ‪230 ........................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬حكم العمل التطوعي‪ ،‬واحلكمة من م�شروعيته‪.‬‬
‫وفيه ثالثة مطالب‪233 ...................................................... :‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬حكم العمل التطوعي ‪233 .........................................‬‬
‫املطلب الثاين‪� :‬ضوابط العمل التطوعي للمر�أة ‪237 ...............................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬احلكمة من م�شروعية العمل التطوعي ‪242 ........................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬عالقة العمل التطوعي بقاعدة‪ :‬النفع املتعدي �أف�ضل من القا�صر ‪244 ..‬‬
‫املبحث الرابع‪� :‬أثر النية يف العمل التطوعي ‪251 ..................................‬‬
‫املبحث اخلام�س‪ :‬توثيق العمل التطوعي‪261 ......................................‬‬
‫املبحث ال�ساد�س‪� :‬أثر احلوافز على العمل التطوعي ‪264 ..........................‬‬
‫املبحث ال�سابع‪ :‬الإلزام بالعمل التطوعي ‪266 .....................................‬‬
‫املبحث الثامن‪ :‬التعزير بالعمل التطوعي‪269 .....................................‬‬
‫اخلامتة‪278 ....................................................................‬‬
‫قائمة امل�صادر واملراجع ‪280 ...................................................‬‬

‫‪293‬‬ ‫العدد اخلمســــون‬

You might also like