Professional Documents
Culture Documents
بحث في التطوع
بحث في التطوع
�إعداد:
د� .أحمد بن حمد بن عبد العزيز الون ِّي�س
الأ�ستاذ امل�شارك بق�سم الفقه بكلية ال�رشيعة
ال�سالمية المام حممد بن �سعود إ
بجامعة إ
د .أمحد بن محد بن عبد العزيز الونيِّس
املقدمة
احلمد هلل رب العاملني ،وال�صالة وال�سالم على نبينا حممد و�آله و�صحبه �أجمعني،
�أما بعد.
ملزما �أو غري ملزم،
ف�إن ما �أمر اهلل به العباد ال يخلو من �أن يكون �أم ًرا ً
والأمر امللزم هو الواجب ،والأمر غري امللزم هو التطوع ،والتطوع على ق�سمني :تطوع
قا�صر ،وتطوع متعد ،والتطوع املتعدي عند الفقهاء ُيع ُّد من العمل التطوعي الذي
م�صطلحا عامل ًيا ،وانت�شر انت�شا ًرا وا�س ًعا يف بالد
ً ُع ِرف يف هذا الع�صر ،و�أ�صبح
امل�سلمني وغريها ،و�أ�صبح له م�ؤ�س�ساته ومنظماته ،واعتنت به الدول عناية كبرية؛
ملا ترجو يف �إ�شاعته بني �أفراد املجتمع من امل�صالح املتنوعة اجتماعية كانت �أو
اقت�صادية �أو غريها.
وقد كان العمل التطوعي �أ�سا�س بناء احل�ضارة الإ�سالمية ،فكثري من علماء
الإ�سالم يف خمتلف العلوم ال�شرعية والطبية والفلكية وغريها مل يكن عملهم �إال
تطوعا ،يرجون به الثواب من اهلل ،)1(فتحققت على �أيديهم كثري من املنجزات
ً
احل�ضارية.
و�س�أتناول يف هذا البحث � -إن �شاء اهلل تعالى -الت�أ�صيل الفقهي للعمل التطوعي
م�صطلحا عامل ًيا ،من حيث مفهومه،
ً مبعناه عند فقهاء ال�شريعة ،ومبعناه العام بو�صفه
وحكمه ،و�أثر النية فيه ،وتوثيقه ،و�أخذ احلوافز فيه ،والإلزام به� ...إلخ مما هو مبينّ
يف تق�سيمات البحث.
((( ينظر� :أ�س�س ومهارات العمل التطوعي �ص.14
وال ُيعنى هذا البحث ب�أحكام الأعمال التطوعية يف الإ�سالم ك�صالة التطوع
و�صيام التطوع ونحوها ،فهذه قد ب�سط الفقهاء الكالم عليها يف م�صنفاتهم.
و�أ�س�أل اهلل التوفيق والقبول ،و�أن يجعل العمل خال�صً ا �صوا ًبا ،و�أن ينفع بهذا
البحث ،ويجزي كل من �أعانني عليه خري اجلزاء ،وال حول وال قوة �إال باهلل العلي
العظيم.
�أهمية املو�ضوع:
تظهر �أهمية هذا املو�ضوع فيما يلي:
�1.1أن العمل التطوعي يف الإ�سالم باب عظيم من �أبواب اخلري ،فقد ح َّثت
ال�شريعة على الأعمال التطوعية ،ورتبت عليها الأجور العظيمة.
2.2اهتمام كثري من امل�سلمني بالأعمال التطوعية الفردية واجلماعية ،يف هذا
الع�صر.
3.3وجود العديد من اجلهات واملراكز التطوعية داخل اململكة( )1وخارجها،
والتي ُتعنى بالربامج والأن�شطة التطوعية املختلفة ،مما يحتاج معه �إلى
أ�صيل فقهي لرباجمها و�أن�شطتها.
ت� ٍ
4.4الأثر الإيجابي للعمل التطوعي يف اجلوانب االقت�صادية واالجتماعية وغريها،
وتعلُّق ذلك ببع�ض الأحكام الفقهية.
5.5ما جاء يف ر�ؤية اململكة 2030من العناية بالقطاع الثالث غري الربحي،
وال�سعي يف رفع عدد املتطوعني واجلمعيات غري الربحية(.)2
((( فمن تلك اجلهات واملراكز داخل اململكة :الدفاع املدين ،والهالل الأحمر ال�سعودي ،ومركز درا�سات
العمل التطوعي بجامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية ،ومكتب العمل التطوعي للحج والعمرة
والزيارة مبنطقة املدينة املنورة ،والذي يعمل حتت مظلة �إمارة منطقة املدينة املنورة ،وغريها.
((( ينظر :ر�ؤية اململكة �ص.73 ،71 ،69
�أهداف املو�ضوع:
يهدف هذا املو�ضوع �إلى ما يلي:
1.1الت�أ�صيل الفقهي للعمل التطوعي.
2.2توعية املتطوعني يف املجاالت املختلفة بالأحكام الفقهية املتعلقة بالعمل التطوعي.
3.3ربط الأحكام الفقهية للعمل التطوعي بالقواعد الفقهية ومقا�صد ال�شريعة.
�أ�سباب اختيار املو�ضوع:
1.1ما تقدم ذكره يف �أهمية املو�ضوع.
2.2ق ّلة الدرا�سات الفقهية املتخ�ص�صة يف ت�أ�صيل هذا املو�ضوع.
3.3وجود بع�ض املخالفات ال�شرعية من العاملني يف املجال التطوعي.
الدرا�سات ال�سابقة:
1.1العمل التطوعي ،نظرة ت�أ�صيلية فقهية ت�أريخية .د� .أحمد بن ح�سني بن �أحمد
املباركي ،بحث من�شور مبجلة مركز البحوث والدرا�سات الإ�سالمية ،العدد
( )35يف خم�س و�أربعني �صفحة.
ومل �أتفق معه �إال يف تعريف العمل التطوعي وحكمه و�أدلة م�شروعيته ،وهو
بحث �أقرب �إلى البحث الثقايف منه �إلى البحث الفقهي.
2.2الأحكام الفقهية للأعمال التطوعية وتطبيقاتها املعا�صرة ،عمر بن ن�صري
الربكاتي ال�شريف؛ بحث تكميلي لنيل درجة املاج�ستري من ق�سم الفقه املقارن
باملعهد العايل للق�ضاء بجامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية ،عام
1427-1426هـ ،يف (� )168صفحة.
وهذا البحث ُيع ّد �أبرز ما وقفت عليه مما له �صلة وثيقة بهذه الدرا�سة� ،إال �أن
االختالف بينه وبينها يف �أمرين:
�أ .عدم العمق العلمي يف بحث امل�سائل الفقهية ،كما هو ظاهر يف كثري من
البحوث التكميلية.
ب .انفراد هذه الدرا�سة مب�سائل مل ُتبحث يف هذا البحث التكميلي ،وهي كما
يلي:
•توثيق العمل التطوعي.
•�أثر النية يف العمل التطوعي.
•الإلزام بالعمل التطوعي.
•�أثر احلوافز على العمل التطوعي.
3.3مو�سوعة التطوع ،ت�أليف �أحمد بن �سليمان �أيوب ،ونخبة من الباحثني،
مطبوعة يف خم�سة جملدات ،عام 1439هـ(.)1
وباملقارنة بينها وبني البحث ظهر يل ما يلي:
املجلد الأول :يف ت�أ�صيالت العمل التطوعي ،من حيث تعريفه وحكمه و�أهميته
وف�ضله� ...إلخ ،وقد غلب عليه اجلانب الثقايف� ،إال �أنه ورد يف �ص 50وما
بعدها الكالم على حكم العمل التطوعي ،وما يف البحث من الكالم على
حكم العمل التطوعي خمالف له يف التق�سيم واال�ستدالل والأمثلة.
وورد يف �ص 96-95الكالم على قاعدة النفع املتعدي �أف�ضل من القا�صر
فيما يقارب ال�صفحة الواحدة ،وقد تكلمت على هذه القاعدة يف البحث
يف �ست �صفحات.
املجلد الثاين :وهو يف �أخالقيات املتطوع ،وبيان الأخالق احل�سنة واملذمومة،
ولي�س فيه ما يتعلق بالبحث.
املجلد الثالث :يف جماالت العمل التطوعي ،ودور املر�أة يف العمل التطوعي،
((( مل �أقف على هذه املو�سوعة �إال بعد الفراغ من �إعداد هذا البحث وحتكيمه ،وذلك بداللة من �أحد
حمكمي البحث وفقه اهلل تعالى ،فلذا جرى �إ�ضافة هذه املو�سوعة للدرا�سات ال�سابقة ،واملقارنة معها.
2.2العمل التطوعي يف ال�سنة النبوية ،رندة حممد زينو ،بحث مقدم ال�ستكمال
متطلبات درجة املاج�ستري من اجلامعة الإ�سالمية بغزة ،كلية �أ�صول الدين،
ق�سم احلديث ال�شريف وعلومه ،مطبوعة على احلا�سب الآيل.
�3.3أثر العمل التطوعي على الإميان ،د� .أ�سماء حممد ،بحث من�شور مبجلة
البحوث والدرا�سات ال�شرعية مب�صر ،العدد الثاين.
4.4درا�سة توثيقية للعمل التطوعي يف دولة الكويت (مدخل �شرعي ور�صد تاريخي)
د .خالد بن يو�سف ال�شطي ،طبعته الأمانة العامة للأوقاف بالكويت.
منهج البحـث:
1.1ت�صوير امل�س�ألة املراد بحثها �إن احتاجت �إلى ت�صوير.
2.2ذكر الأقوال يف امل�س�ألة معزوة لأ�صحابها ،مع توثيقها من م�صادرها يف كتب
الفقهاء.
3.3ذكر الأدلة لكل قول مع بيان وجه الداللة ،ومناق�شتها عند االقت�ضاء ،ف�إن
كانت مناق�شة الأدلة م�ستفادة من مرجع معني ف�أقول( :و ُنوق�ش) و�إن كانت
املناق�شة من الباحث ف�أقول( :وميكن مناق�شته).
4.4الرتجيح ،مع بيان �سببه.
5.5عزو الآيات ،وبيان �سورها.
6.6تخريج الأحاديث والآثار الواردة يف البحث ،ونقل ما وقفت عليه من كالم
حينئذ
املحدثني يف درجتها �إن مل تكن يف ال�صحيحني �أو �أحدهما و�إال ف�أكتفي ٍ
بتخريجها.
7.7مل �أترجم للأعالم يف هذا البحث.
8.8ذكرت يف اخلامتة النتائج التي تو�صلت �إليها يف البحث.
خطة البحث:
ا�شتمل هذا البحث على مقدمة وثمانية مباحث وخامتة ،كما يلي:
املقدمة :وفيها �أهمية املو�ضوع ،و�أهدافه ،و�أ�سباب اختياره ،والدرا�سات ال�سابقة،
ومنهج البحث وخطته.
املبحث الأول :حقيقة العمل التطوعي :وفيه ثالثة مطالب:
املطلب الأول :تعريف العمل التطوعي.
املطلب الثاين :امل�صطلحات ذات العالقة.
املطلب الثالث� :أنواع العمل التطوعي.
املبحث الثاين :حكم العمل التطوعي ،واحلكمة من م�شروعيته .وفيه ثالثة مطالب:
املطلب الأول :حكم العمل التطوعي.
املطلب الثاين� :ضوابط العمل التطوعي للمر�أة.
املطلب الثالث :احلكمة من م�شروعية العمل التطوعي.
املبحث الثالث :عالقة العمل التطوعي بقاعدة :النفع املتع ّدي �أف�ضل من القا�صر.
املبحث الرابع� :أثر النية يف العمل التطوعي.
املبحث اخلام�س :توثيق العمل التطوعي.
املبحث ال�ساد�س� :أثر احلوافز على العمل التطوعي.
املبحث ال�سابع :الإلزام بالعمل التطوعي.
املبحث الثامن :التعزير بالعمل التطوعي.
اخلامتة :وفيها �أبرز ما يتو�صل �إليه من نتائج البحث وتو�صياته.
فهر�س املراجع.
املبحث الأول
حقيقة العمل التطوعي
املطلب الأول
تعريف العمل التطوعي
م�صطلح العمل التطوعي مركب من كلمتني ،وال بد � اًأول من تعريف كل كلمة على
حدة ،ومن َث َّم تعريفه مرك ًّبا.
� اًأول :تعريف العمل:
العمل يف اللغة :م�صدر الفعل الثالثي َع ِم َل ،يقالَ :ع ِم َل َي ْع َم ُل َع َم اًل و�أَ ْع َم اًال،
فعل ُي ْف َعل ،وال َع َمل املهنة والعني وامليم والالم �أ�صل واحد �صحيح ،وهو عام يف كل ٍ
والفعل(.)1
والعمل يف ال�شرع :ال يخلو �أن يكون عمل قلب �أو ل�سان �أو جوارح.
�أما عمل القلب فهو :حتركه و�إرادته ،وانقياده مبقت�ضى ما �أَق َّر به ،كالإخال�ص،
وحمبة ما يحبه اهلل ور�سوله ،وبغ�ض ما يبغ�ضه اهلل ور�سوله ،والإقبال على اللهَّ
واحلياء والتوكل عليه وخ�شيته ورجائه واخلوف منه ،وغري ذلك من �أعمال القلوب،
�صدق و ُيق ُّر � اًأول ،ثم ينقاد ملا �ص َّدق به.
ف�إنه ُي ِّ
و�أما عمل الل�سان فهو :النطق مبا زاد على ما يدخله يف الإ�سالم من �أنواع
((( ينظر :مقايي�س اللغة ،مادة (عمل) ،145/4ول�سان العرب ،مادة (عمل) ،475/11واملعجم الو�سيط،
مادة (عمل) .628/2
العبادات التي ُت�ؤ َّدى بالل�سان ،كتالوة القر�آن و�سائر الأذكار من الت�سبيح والتحميد
والتهليل والتكبري والدعاء واال�ستغفار ،وغري ذلك من �أقوال الل�سان.
و�أما عمل اجلوارح فهو :ما ال ُي�ؤَ َّدى �إال بها ،مثل القيام والركوع وال�سجود وامل�شي
يف مر�ضاة اهلل كنقل اخلطا �إلى امل�ساجد و�إلى احلج واجلهاد يف �سبيل اهلل
والأمر باملعروف والنهي عن املنكر ،وغري ذلك من �أعمال اجلوارح(.)1
لكن هل يدخل الرتك يف العمل؟
اختلف الأ�صوليون هل الرتك(ُ )2يع ُّد اً
فعل؟.
واملراد الرتك املق�صود من التارك ،والذي ُيطلق عليه ال َك ّف ،وهو �أن يوجد
املقت�ضي للفعل فيرتكه وميتنع عنه ،كمن تهي�أت له �أ�سباب ال�سرقة فلم ي�سرق ،بخالف
الرتك غري املق�صود الذي ُيرتك غفلة عنه ،كمن ترك ال�سرقة لكونها مل تخطر له
مقت�ض لفعلها ،فهذا مبعنى العدم املح�ض ،وال ُيع ّد فعال(.)3
على بال ،ومل يوجد ٍ
واجلمهور من الأ�صوليني على �أن الكف ُيع ّد فعل( ،)4وا�ستدلوا ب�أدلة منها:
ينظر :جمموع الفتاوى ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية ،186/7ومعارج القبول ،591-589/2و�شرح العقيدة (((
الوا�سطية البن �إبراهيم �ص ،185-184و�شرح الوا�سطية البن عثيمني ،231-230/2وذلك �أن الإميان
قول وعمل ،قول القلب والل�سان ،وعمل القلب والل�سان واجلوارح ،واملراد بقول القلب :ت�صديقه و�إقراره
ومعرفته ،فجملة االعتقادات التي تكون يف القلب داخلة يف قول القلب ،كالإميان باهلل تعالى ومالئكته
وكتبه ور�سله ،واملراد بقول الل�سان :ما َي ُ
دخل العب ُد به يف الإ�سالم ،وهو النطق بال�شهادتني والإقرار
بلوازمها .ينظر :جمموع الفتاوى ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية ،186/7ومعارج القبول ،589-588/2
واللآلئ البهية يف �شرح العقيدة الوا�سطية .376/2
الفرق بني الرتك والكف� :أن الرتك �أعم في�شمل الرتك الذي فيه ق�صد من التارك ،والرتك الذي ال (((
يكون فيه ق�صد من التارك ،بل ت َر َكه غفلة عنه� ،أما الكف فهو يخت�ص بالرتك املق�صود ال غري .ينظر:
الرتوك النبوية �ص .55-51
ينظر :الأ�شباه والنظائر البن جنيم �ص ،25و�أفعال الر�سول ﷺ وداللتها على الأحكام ال�شرعية ،45/2 (((
،47-46ومو�سوعة القواعد الفقهية ،285/2والرتوك النبوية �ص .60
ينظر :ك�شف الأ�سرار 66/3 ،274/1والإبهاج يف �شرح املنهاج ،72/2 ،51/1واملوافقات ،419/4 (((
واملنثور يف القواعد ،284/1وت�شنيف امل�سامع ،162/1والتقرير والتحبري ،82/2والأ�شباه والنظائر
البن جنيم �ص ،25وتي�سري التحرير ،136/2ون�شر البنود ،70/1و�أ�ضواء البيان ،49/6ومذكرة يف
�أ�صول الفقه �ص .46
وجه الداللة� :أن النبي ﷺ �أخرب �أن من �أعمال �أمته ال�سيئة ترك دفن النخامة
ممن يراها يف امل�سجد؛ فدل على �أن الرتك فعل(.)1
«ا�ست َْح ُيوا ِمنَ اللهَّ ِ5.5عن عبداهلل بن م�سعود قال :قال ر�سول اهلل ﷺْ :
احل ْم ُد للِهَّ ِ َ ،ق َالَ « :ل ْي َ�س
ول اللهَّ ِ ِ�إ َّنا َن ْ�ست َْح ِيي َو َ
احل َياءِ»َ .ق َالُ :ق ْل َناَ :يا َر ُ�س َ َحقَّ َ
احل َيا ِء �أَنْ تحَ ْ َف َظ ال َّر�أْ َ�س َو َما َو َعى، اكَ ،و َل ِكنَّ اِال ْ�س ِت ْح َيا َء ِمنَ اللهَّ ِ َحقَّ َ َذ َ
َوال َب ْطنَ َو َما َح َوىَ ،و ْلت َْذ ُك ِر ا َمل ْوتَ َوال ِب َلىَ ،و َمنْ �أَ َرا َد ال ِآخ َر َة َت َر َك زِي َن َة ال ُّد ْن َيا،
احل َياءِ»(.)2 ا�ست َْح َيا ِمنَ اللهَّ ِ َحقَّ َ َف َمنْ َف َع َل َذ ِل َك َف َق ْد ْ
وجه الداللة� :أن النبي ﷺ جعل من احلياء حفظ الر�أ�س وما حوى من احلوا�س،
وحفظ البطن عن احلرام ،وحفظ الر�أ�س يقت�ضي ترك املحرمات املتعلقة
باحلوا�س واالمتناع منها ،وحفظ البطن يقت�ضي ترك �أكل احلرام ،وقد �س َّمى
فعل يف قوله( :فمن فعل ذلك) فدل على �أن الرتك فعل. النبي ﷺ ذلك اً
6.6داللة كالم العرب على �أن الرتك فعل ،ومنه قول بع�ض ال�صحابة
عند بناء م�سجده ﷺ باملدينة:
ُ لمْ ُ ِّ ُ ()3 َل َذ َ
اك ِم َّنا ا ْل َع َمل ا َ�ضلل َلئِنْ َق َع ْد َنا َوال َّن ِب ُّي َي ْع َم ُل
ف�س َّمى قعودهم عن العمل ،وتركهم اال�شتغال ببناء امل�سجد اً
عمل ُم�ض ِّلل(.)4
وبنا ًء على ما تقدم من �أن الرتك ُيع ّد فع ًال ف�إنه ال يثاب املرء على الرتك املق�صود
�إال �إذا كان بنية التقرب �إلى اهلل تعالى� ،أما لو ق�صد الرتك بغري هذه النية ف�إنه ال
يكون فعله قربة يثاب عليها(.)5
((( ينظر� :أفعال الر�سول ﷺ وداللتها على الأحكام ال�شرعية .47/2
((( �أخرجه الرتمذي يف جامعه� ،أبواب �صفة القيامة والرقاق والورع ،برقم ( )2458و�أحمد يف م�سنده
،187/6برقم ( )3671وقال الرتمذي :هذا حديث غريب .وح�سنه الألباين يف �صحيح الرتمذي.
((( ينظر :البداية والنهاية ،535 ،534/4وطبقات ال�شافعية لل�سبكي .102/1
((( ينظر :مذكرة يف �أ�صول الفقه �ص ،47و�أ�ضواء البيان .49/6
((( ينظر :تي�سري التحرير ،136/2وفتح الباري البن حجر .15/1
فمن ُعر�ض عليه �شرب اخلمر فرتكه لأنه مل ي�شته �شربه ،فال يثاب على هذا
الرتك؛ لأنه مل يفعل قربة يثاب عليها.
�أما لو ُعر�ض عليه �شرب اخلمر ،وكان قاد ًرا على الفعل ،ولكنه ترك ذلك ابتغاء
مر�ضاة اهلل ،ورجا َء ثوابه ،وخو ًفا من عقابه ،ف�إنه ُيثاب على هذا الرتك؛ لأنه
كف النف�س عن املع�صية؛ خو ًفا من اهلل تعالى ،ورجاء ثوابه(.)1 ح�صل منه فعل ،وهو ُّ
قال ابن جنيم“ :وحا�صله �أن ترك املنهي عنه ال يحتاج �إلى نية للخروج عن عهدة
النهي ،و�أما حل�صول الثواب ف�إن كان ك َّفا ،وهو �أن تدعوه النف�س �إليه قاد ًرا على فعله ُّ
فيكف
نف�سه عنه خوفا من ربه فهو مثاب ،و�إال فال ثواب على تركه ،فال يثاب على ترك الزنا
وهو ي�صلي ،وال يثاب الع ّنني على ترك الزنا ،وال الأعمى على ترك النظر �إلى املحرم”(.)2
وقال �سماحة ال�شيخ حممد بن �إبراهيم “ :فدخل يف هذا احلد -يعني حد
الإميان -جميع الطاعات من فر�ض ومندوب ،واالنكفاف عن جميع املحرمات ،فرتك
خ�صلة من املحرمات من الإميان ،وعمل خ�صلة من الواجبات من الإميان.)3(”...
ثانيا :تعريف التطوع:
التطوع يف اللغة :الطاء والواو والعني �أ�صل �صحيح واحد ،يدل على االنقياد،
طاع ُه َي ُط ُ
وع ُه و�ضده ال َك ْره ،ومنه قوله تعالى( :ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [ف�صلت ،]١١ :يقالَ :
�إذا انقاد معه ،وم�ضى لأمره(.)4
وال َّتط ُّوع يف الأ�صل :تَكلُّف الطاعة ،والتطوع بال�شيء :التربع مبا ال يلزمه ،كالتَّن ُّفل،
ومنه قوله تعالى( :ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [البقرة.)5(]١٨٤ :
ينظر :مو�سوعة القواعد الفقهية .285/2 (((
الأ�شباه والنظائر �ص.22 (((
�شرح العقيدة الوا�سطية �ص.186 (((
ينظر :ال�صحاح مادة (طوع) ،1255/3ومقايي�س اللغة مادة (طوع) ،431/3واملفردات مادة (طوع) (((
�ص ،529ول�سان العرب مادة (طوع) .240/8
ينظر :ال�صحاح مادة (طوع) ،1255/3واملفردات مادة (طوع) �ص ،530 ،529ول�سان العرب مادة (((
(طوع) .243/8
قال ابن فار�س“ :و�أ َّما قولهم يف التَّربع بال�شيء :قد تط َّوع به ،فهو من الباب،
حب �أَن َي ْف َعله .وال ُيقال هذا � اَّإل يف باب اخلري
لك َّنه مل َيلزَ ْمه ،لك َّنه انقاد م َع خ ٍري �أَ َّ
والبرِ ِّ ”(.)1
تربعا من نف�سه ،ومنه قوله تعالى( :ﯧ ﯨ واملتط ِّوع :الذي يفعل ال�شيء ً
ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [التوبة� ،]79 :أي املتطوعني ،ف�أدغمت التاء يف
الطاء(.)2
ا�صطالحا :التطوع يف ا�صطالح الفقهاء :التَّق ُّرب �إلى اهلل مبا لي�س
ً التطوع
بواجب(.)3
وبعبارة �أخرى( :التطوع :ا�سم ملا ُ�شرع زيادة على الفر�ض والواجبات)(.)4
وعند الأ�صوليني :ما �أُثيب فاعله ،ومل يعاقب تاركه(.)5
ويطلق التطوع على ال�س َّنة وامل�ستحب والنفل والندب ّ
واملرغب فيه والإح�سان(.)6
ثال ًثا :تعريف العمل التطوعي:
ُع ِّرف م�صطلح العمل التطوعي بتعريفات كثرية ،منها:
1.1اجلهد الذي يتربع الإن�سان به طواعية لعمل م�شروع ،يخدم املجتمع ،وينمي
�أفراده وم�ؤ�س�ساته ،تقر ًبا �إلى اهلل تعالى(.)7
2.2اجلهد الذي يتربع به الإن�سان طواعية من نف�سه ،ومل يكن واج ًبا عليه؛
((( مقايي�س اللغة ،مادة (طوع) .431/3
((( ينظر :ال�صحاح مادة (طوع) ،1255/3ول�سان العرب مادة (طوع) .243/8
((( ينظر :املجموع �شرح املهذب ،2/4والبناية �شرح الهداية ،506/2وك�شاف القناع .411/1
((( التعريفات �ص.61
((( ينظر� :شرح خمت�صر الرو�ضة ،353/1و�شرح الكوكب املنري .403 ،402/1
((( ينظر :ك�شف الأ�سرار ،302/2والبحر املحيط ،377/1و�شرح الكوكب املنري ،403/1و�إر�شاد الفحول
.26/1
((( �أ�س�س ومهارات العمل التطوعي للدكتور عي�سى القدومي �ص.12
لتقدمي عمل م�شروع يحقق معنى اال�ستخالف يف الأر�ض و�إعمار الكون ،تقر ًبا
�إلى اهلل ،وطاعة له ،من غري انتظار �أجر �إال من اهلل .)1(
تطوعا دون
3.3كل جهد بدين �أو فكري �أو عقلي �أو قلبي ي�أتي به الإن�سان �أو يرتكه ً
ملزما به ال من جهة املُ�ش ّرع وال من غريه(.)2
�أن يكون ً
4.4كل عمل يهدف �إلى حتقيق منفعة عامةُ ،ين َّفذ �ضمن �إطار ّ
منظم مبوجب
اتفاق التطوع ،ي�شارك مبوجبه املتطوع مبح�ض اختياره خارج نطاق عائلته
�سواء بوقته �أو جهده �أو مهاراته ،دون �أن يهدف �إلى حتقيق �أي عائد مادي
لنف�سه(.)3
5.5كل �أداء يقوم به املتطوع باختياره يف �إطار برنامج منظم مبوجب هذه الالئحة
م�ساهمة منه يف تنمية املجتمع(.)4
وهذه التعريفات منها ما ميكن �أن يكون تعري ًفا �شرع ًيا للعمل التطوعي ،ومنها ما
ميكن �أن يكون تعري ًفا للعمل التطوعي بامل�صطلح العاملي.
وبالنظر يف هذه التعريفات وغريها( ،)5وبعد الت�أمل يف واقع العمل التطوعي يف
ال�شريعة الإ�سالمية ،يظهر -واهلل �أعلم� -أنه ال بد يف العمل التطوعي يف ال�شريعة
الإ�سالمية من ا�شتماله على ما يلي:
عمل ،كالرتك املح�ض ،كرتك ال�سرقةعمل ،وهذا يخرج ما ال يعد اً �1.1أن يكون اً
عند عدم وجود مقت�ضيها ،فهذا ال ُيع ّد اً
عمل.
درا�سة توثيقية للعمل التطوعي �ص.15 (((
الأعمال التطوعية يف الإ�سالم �ص.15 (((
وهذا تعريف القانون رقم /5/ل�سنة 2018ب�ش�أن تنظيم العمل التطوعي يف �إمارة دبي ،على هذا (((
الرابط. http://arabic.arabianbusiness.com/content/337168 :
وهذا تعريف الالئحة التنظيمية للعمل التطوعي يف مدار�س التعليم العام باململكة العربية ال�سعودية �ص.9 (((
ينظر تعاريف �أخرى للعمل التطوعي يف :العمل التطوعي نظرة ت�أ�صيلية فقهية ت�أريخية �ص،626 (((
والدليل اال�سرت�شادي للتطوع يف بيئة العمل للجهات احلكومية بدولة الإمارات �ص ،14والعمل التطوعي
من منظور الرتبية الإ�سالمية لإح�سان حممد �ص ،19 ،18والريادة والعمل التطوعي �ص.125
وحينئذ ينظر يف هذا املرتوك ،ف�إن ٍ عمل، �أما الرتك املق�صود ف�إنه ُيع ّد اً
كان مما يجب تركه كالكف عن قتل النف�س التي حرم اهلل �أو الكف عن
ال�سرقة ونحو ذلك فال يدخل يف حد العمل التطوعي؛ لأنه فعل واجب ال
تطوع ،و�إن كان املرتوك مما ي�ستحب تركه فينظر فيه هل له نفع قا�صر
�أو متعد؟ ف�إن كان قا�ص ًرا فال يدخل يف حد العمل التطوعي ،و�إن كان
ال�ساب مبثل م�سبته، ّ متع ّد ًيا كالعفو عمن �أ�ساء �إليه ،كمن يرتك جواب
فهو داخل يف حد العمل التطوعي �إن نوى به التقرب �إلى اهلل تعالى.
قال �أبو داود يف �سننه( :باب ما جاء يف الرجل ُي ِح ُّل الرجل قد اغتابه)
ثم �ساق ب�إ�سناده �إلى قتادة قال�« :أَ َي ْع ِج ُز �أَ َح ُد ُك ْم َ�أنْ َي ُكونَ ِم ْث َل �أَ ِبي َ�ض ْي َغ ٍم
�-ش َّك ا ْبنُ ُع َب ْي ٍدَ ،-كانَ ِ�إ َذا �أَ ْ�ص َب َح َق َال :ال َّل ُه َّم ِ�إنيِّ َق ْد ت ََ�ص َّد ْق ُت
�أَ ْو َ�ض ْم َ�ض ٍم َ
ِب ِع ْر ِ�ضي َع َلى ِع َبا ِد َك»(.)1
وعن عبدالرحمن بن عجالن ،قال :قال ر�سول اللهَّ ﷺ�« :أَ َي ْع ِج ُز �أَ َح ُد ُك ْم �أَنْ
َي ُكونَ ِم ْث َل �أَ ِبي َ�ض ْم َ�ض ٍم؟»َ ،قا ُلواَ :و َمنْ �أَ ُبو َ�ض ْم َ�ض ٍم؟ َق َالَ « :ر ُج ٌل ِفي َمنْ َكانَ ِمنْ
َق ْب ِل ُك ْم» ...قال«ِ :ع ْر ِ�ضي لمِ َنْ َ�ش َت َم ِني»(.)2
ففي هذا الأثر �أن �أبا �ضم�ضم قد تط ّوع بالرتك� ،أي �أنه ترك املطالبة بحقه
ممن وقع يف عر�ضه ،وهذا يعد تر ًكا م�ستح ًبا ،وهو من باب العفو ،فيدخل
يف العمل التطوعي كل عفو م�ستحب ،وهو العفو الذي يرتتب عليه م�صلحة.
كما ي�ؤخذ من هذا الأثر التطوع بالعمل القلبي� ،إذ يظهر منه �سالمة قلبه ملن
�آذاه ووقع يف عر�ضه ،وهذا ُيع ّد من باب التطوع ،واهلل �أعلم(.)3
((( �أخرجه �أبو داود يف �سننه ،كتاب الأدب ،باب ما جاء يف الرجل ُي ِح ُّل الرجل قد اغتابه ،برقم ()4886
وقال الألباين يف �ضعيف �أبي داود� :صحيح مقطوع.
((( �أخرجه �أبو داود يف الكتاب والباب ال�سالفني ،برقم ( )4887وقال الألباين يف �ضعيف �أبي داود� :ضعيف
مر�سل.
((( ينظر :الأعمال التطوعية يف الإ�سالم �ص.21
�2.2أن يكون تطوع ًيا ،وهذا ُيخرج ما �سوى التطوع من الأحكام التكليفية اخلم�سة،
تطوعا
فيخرج الواجب واملحرم واملكروه واملباح ،فال ُيع ّد عمل �شيء من ذلك ً
تطوعا.
يف ال�شرع� ،إال �إذا نوى باملباح ما يتقرب به �إلى اهلل تعالى ،فيكون حينئذ ً
�3.3أن يقوم بالعمل اختيا ًرا ،فيخرج بذلك ما ُيلزَ م به املرء من الأعمال ،كالإلزام
بعمل من قبل
ب�ساعات �إ�ضافية من قبل جهة العمل بال مقابل� ،أو �إلزام الولد ٍ
عمل تطوع ًيا بل واج ًبا؛ لوجوب ب ّر الوالدين.والده؛ فال يكون اً
متعد ،فيخرج ما كان نفعه قا�ص ًرا على املتطوع ،كالتطوع
�4.4أن يكون له نفع ٍ
بال�صالة وال�صيام ونحوها.
وهذا النفع املتعدي -فيما يبدو -ال يلزم �أن يكون نف ًعا دنيو ًيا فح�سب،
كال�صدقة باملال� ،أو التنازل عن ال َّدين ونحوه ،بل ي�شمل النفع الأخروي ،كما
لو �س َّلم على غريه ،ف�إن امل�س َّلم عليه يح�صل له نفع �أخروي بردِّه ال�سالم على
من �س َّلم عليه ،فيح�صل له الثواب ،بل رمبا يقال� :إن ال�سالم على الغري دعا ٌء
له بال�سالمة وح�صول الرحمة والربكة ،فمتى ا�ستجاب اهلل دعاءه ح�صل له
اخلري الدنيوي والأخروي ،واهلل �أعلم.
�5.5أن ال ي�أخذ عليه �أج ًرا مكاف ًئا للعمل ،فيخرج بذلك الأعمال التي لها نفع متعد
و ُي�ؤخذ عليها �أجر ،ك�أعمال موظفي الدفاع املدين.
لكن �إن كان الأجر غري مكافئ للعمل التطوعي� ،أي �أن الأجرة دون ما قام
به من عمل فيكون متط ّو ًعا بالعمل الزائد الذي ال يقابله �أجر ،كما لو عمل
موظف الدفاع املدين �أكرث من �ساعات العمل امللزَ م بها ،ف�إن هذا القدر
الزائد من ال�ساعات يعد اً
عمل تطوع ًيا.
�6.6أن يريد بعمله التطوعي الثواب من اهلل ،فيخرج بذلك من قام بعمل
تطوعي له نفع متعد ،ومل ي�أخذ عليه �أج ًرا ،لكن �أراد به الرياء� ،أو ع َر�ضً ا من
�أعرا�ض الدنيا.
ومما تقدم ميكن �أن يكون التعريف املختار للعمل التطوعي يف ال�شرع� :أنه كل
متعد ،ويفعله املرء باختياره،
عمل مندوب �إليه يف ال�شريعة الإ�سالمية ،له نفع ٍّ
وال ي�أخذ عليه �أج ًرا مكاف ًئا ،و�إمنا يريد به الأجر من اهلل .
م�صطلحا عامل ًيا ،فيمكن تعريفه ب�أنه :كل
ً �أما تعريف العمل التطوعي بو�صفه
عمل فيه نفع للآخرين ،يقدمه املرء باختياره بال مقابل.
م�صطلحا
ً والفرق بني تعريف العمل التطوعي يف ال�شرع وتعريفه بو�صفه
عامل ًيا ،هو �أن العمل التطوعي يف ال�شرع ال يكون �إال مندو ًبا� ،سواء �أكان ذلك
العمل من العبادات املح�ضة التي ح َّثت عليها ال�شريعة �أو كان من املباحات
التي �صارت مندوبة بنية التقرب بها ،بخالف العمل التطوعي بو�صفه
مباحا �أو غريه من الأحكام التكليفية ،على م�صطلحا عامل ًيا ،ف�إنه قد يكون ً
ً
ما ي�أتي تف�صيله �إن �شاء اهلل تعالى(.)1
كما �أن العمل التطوعي يف الإ�سالم ال يكون كذلك �إال ملن نوى التقرب به
م�صطلحا عامل ًيا فيطلق عليه
ً �إلى اهلل تعالى ،بخالف العمل التطوعي بو�صفه
اً
عمل تطوع ًّيا ،ولو جت ّرد من نية التقرب �إلى اهلل تعالى.
وبنا ًء على هذا ف�إن من تط ّوع ب�أعمال مباحة مل ينو بها التقرب �إلى اهلل تعالى،
كالطبيب الذي يعالج الأيتام جما ًنا ،ومل ينو التقرب بهذا العمل ،ف�إن عمله
مباحا ال مندو ًبا ،والتطوع م�صطل ٌح
عمل تطوع ًّيا؛ لكونه ً ال ُيع ّد يف ال�شرع اً
�شرعي له داللته ال�شرعية ،لكن عمل هذا الطبيب بامل�صطلح العاملي للتطوع ٌ
عمل تطوع ًّيا ،وقد يثاب عليه من اهلل تعالى بثواب دنيوي ،ك�صح ٍة يف ُيع ّد اً
بدنه� ،أو مناءٍ يف ماله ،لكن لي�س ثواب يف الآخرة ،واهلل �أعلم.
((( يف املطلب الأول من املبحث الثاين.
املطلب الثاين
امل�صطلحات ذات العالقة
يكون فيه �إعانة ون�صرة للآخرين عند ال�شدائد ،كالزالزل والفي�ضانات واحلروب
ونحوها(.)1
وعلى هذا يكون العمل التطوعي �أعم من العمل الإغاثي؛ لكون العمل التطوعي
يكون بتقدمي النفع للآخرين يف حال ال�شدة وغريها ،كالتطوع بالدعوة �إلى اهلل
تعالى� ،أو التطوع يف مراكز اال�ست�شارات االجتماعية ونحو ذلك مما ال �شدة فيه،
بخالف العمل الإغاثي فهو ال يكون �إال يف حال ال�شدة.
كما �أن العمل الإغاثي قد يكون �أعم من العمل التطوعي ،من جهة �أن العمل
الإغاثي قد يكون مبقابل ،فال ي�سمى تطوع ًّيا ،كالعمل الإغاثي يف احلمالت الإغاثية
التي تنظمها الدولة ،وي�أخذ العاملون فيها اً
مقابل على عملهم الإغاثي ،وتدفع الأموال
من قبل الدولة ،فهذا عمل �إغاثي ال تطوعي ،واهلل �أعلم.
ثال ًثا :القطاع الثالث:
يطلق هذا امل�صطلح على العمل التطوعي باعتبار �أنه القطاع الثالث املك ِّمل
للقطاعني العام احلكومي والقطاع اخلا�ص ال�ساعي للربح(.)2
ويطلق على العمل التطوعي م�صطلحات �أخرى ،منها :القطاع غري الربحي،
والعمل الأهلي ،والعمل ال�شعبي ،والعمل غري احلكومي ،والقطاع امل�ستقل ،وغريها(.)3
كما يطلق على م�ؤ�س�سات العمل التطوعي عدة �أ�سماء ،منها :م�ؤ�س�سات املجتمع
املدين ،م�ؤ�س�سات العمل اخلريي ،م�ؤ�س�سات القطاع الثالث ،منظمات ذات النفع
العام ،منظمات االقت�صاد االجتماعي ،القطاع املعفي من ال�ضرائب ،وغريها(.)4
ينظر :الأحكام الفقهية للم�ؤ�س�سات اخلريية �ص ،27واململكة العربية ال�سعودية والعمل الإغاثي �ص .11 (((
ينظر :العمل االجتماعي التطوعي لأحمد عبدالفتاح �ص ،8والعمل التطوعي جلابر �أحمد برزان (((
�ص ،9 -8ومن ق�سمات التجربة الربيطانية يف العمل اخلريي والتطوعي �ص .4
ينظر :العمل االجتماعي التطوعي لأحمد عبدالفتاح �ص ،8ودرا�سة توثيقية للعمل التطوعي يف دولة (((
الكويت �ص.16
ينظر� :أ�س�س ومهارات العمل التطوعي �ص .25 (((
املطلب الثالث
�أنواع العمل التطوعي
اً
ات�صال مبا�ش ًرا 2.2العمل التطوعي املتخ�ص�ص :وهو كل عمل تطوعي يت�صل
بالتخ�ص�ص العلمي �أو العملي للمتطوع ،وال يتمكن من القيام به �إال املتخ�ص�ص
يف علم من العلوم �أو جمال من املجاالت ،كالتطوع بتعليم العلوم ال�شرعية،
وغريها من العلوم النافعة� ،أو تطوع املحامي بالرتافع لبع�ض اجلمعيات
اخلريية ،ونحو ذلك.
وال يخفى �أن املتمكن من القيام بالعمل التطوعي املتخ�ص�ص قادر على القيام
بالعمل التطوعي العام من باب �أولى ،وال عك�س ،فالذي ال يتمكن �إال من القيام بالعمل
التطوعي العام ال ميكنه القيام بالعمل التطوعي املتخ�ص�ص.
ثالثا :تنوع العمل التطوعي باعتبار ما كان نفعه قا�ص ًرا �أو متعد ًيا(:)1
1.1العمل التطوعي القا�صر :وهو ما كان نفعه للمتطوع فح�سب ،ك�صالة التطوع،
و�صيام التطوع ،ونحوها.
وللعمل التطوعي القا�صر �آثار ظاهرة على النف�س ،فهو يزكيها من الرذائل،
و ُي ِّنمي فيها الف�ضائل ،ويزيد يف �إميان العبد ،مما يجعل املتطوع بهذه
التطوعات القا�صرة اً
مقبل على الأعمال التطوعية املتعدية �أكرث من غريه،
فالعمل التطوعي القا�صر دافع كبري �إلى العمل التطوعي املتعدي ب�صورة غري
مبا�شرة.
2.2العمل التطوعي املتعدي :وهو ما يكون فيه نفع للآخرين ،كالتطوع بدعوة
النا�س �إلى دين اهلل تعالى ،والتطوع باملال على امل�ستحقني ،والتطوع من
امل�ست�شار بتقدمي اخلدمات اال�ست�شارية للجمعيات اخلريية ،ونحو ذلك.
راب ًعا :تنوع العمل التطوعي باعتبار ما له نظري من العبادات ،وما ال نظري له(:)2
1.1العمل التطوعي الذي له نظري من العبادات املفرو�ضة ،كال�صالة وال�صيام
((( ينظر :درا�سة توثيقية للعمل التطوعي �ص.13
((( ينظر :املو�سوعة الفقهية الكويتية .148/12
واحلج ونحوها ،فمنها فر�ض ومنها تطوع ،وهذا هو الأ�صل ،وهو املتبادر حني
يذكر لفظ التطوع.
2.2العمل التطوعي الذي ال نظري له من العبادات املفرو�ضة ،كالوقف والهبة
تطوعا.
و�إبراء املع�سر ونحو ذلك ،فهذه لي�س منها ما هو فر�ض ،بل ال تكون �إال ً
املبحث الثاين
حكم العمل التطوعي ،واحلكمة من م�شروعيته
وفيه ثالثة مطالب:
املطلب الأول
حكم العمل التطوعي
خمل�صً ا بها هلل تعالى (ﮚ) من حج وعمرة ،وطواف ،و�صالة ،و�صوم وغري
ذلك (ﮋ ﮌ ﮍ) فدل هذا ،على �أنه كلما ازداد العبد من طاعة اهلل ،ازداد
خريه وكماله ،ودرجته عند اهلل ،لزيادة �إميانه”(.)1
ا�س3.3عن �أبي هريرة قال :قال ر�سول اهلل ﷺُ « :ك ُّل ُ�س َال َمى ِمنَ ال َّن ِ
ال�ش ْم ُ�سَ ،ي ْع ِد ُل َبينْ َ اِال ْث َنينْ ِ َ�ص َد َق ٌةَ ،و ُي ِع ُني َع َل ْي ِه َ�ص َد َق ٌةُ ،ك َّل َي ْو ٍم ت َْط ُل ُع ِفي ِه َّ
ال َّر ُج َل َع َلى َدا َّب ِت ِه َف َي ْح ِم ُل َع َل ْي َها� ،أَ ْو َي ْر َف ُع َع َل ْي َها َمت ََاع ُه َ�ص َد َق ٌةَ ،وال َك ِل َم ُة َّ
الط ِّي َب ُة
الط ِر ِيق يط الأَ َذى َع ِن َّ ال�ص َال ِة َ�ص َد َق ٌة ،وَيمُ ِ ُ وها ِ�إ َلى َّ َ�ص َد َق ٌةَ ،و ُك ُّل ُخ ْط َو ٍة َي ْخ ُط َ
َ�ص َد َق ٌة»(.)2
وجه الداللة� :أن النبي ﷺ و�صف هذه الأعمال الواردة يف احلديث ب�أنها
متعد ،فالعدل بني االثنني ،و�إعانة الرجل على �صدقة ،وغالبها �أعمال ذات نفع ٍ
دابته ،وحم ُل متاعه عليها ،والكلمة الطيبة و�إماطة الأذى عن الطريق كل ذلك
رغب فيها يف هذا احلديث. ُيع ّد من الأعمال التطوعية املُ ّ
4.4عن جابر قال :قال ر�سول اهلل ﷺ« :خ ُري النا�س �أنف ُعهم للنا�س»(.)3
وجه الداللة� :أن الأعمال التطوعية فيها نفع ظاهر للنا�س ،فيكون القائم بها
مو�صو ًفا ب�أنه خري النا�س ،وكفاه بذلك �شر ًفا.
5.5عن ابن عبا�س � :أن ر�سول اهلل ﷺ �أتى زمزم وهم ي�سقون ويعملون
«اع َم ُلوا َف ِ�إ َّن ُك ْم َع َلى َع َم ٍل َ�صا ِل ٍح» ثم قالَ « :ل ْو َال �أَنْ ُت ْغ َل ُبوا َل َنزَ ْل ُت،
فيها ،فقالْ :
احل ْب َل َع َلى َه ِذ ِه» ،يعني :عا ِتقه ،و�أ�شار �إلى عا ِتقه(.)4 َحتَّى �أَ َ�ض َع َ
((( تي�سري الكرمي الرحمن �ص.76
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه ،كتاب اجلهاد وال�سري ،باب من �أخذ بالركاب ونحوه ،برقم ()2989
وم�سلم يف �صحيحه ،كتاب الزكاة ،باب بيان �أن ا�سم ال�صدقة يقع على كل نوع من املعروف ،برقم
(.)1009
((( �أخرجه الطرباين يف الأو�سط برقم ( )5787والق�ضاعي يف م�سند ال�شهاب برقم ( )1234وح�سنه
الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة برقم (.)426
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه ،كتاب احلج ،باب �سقاية احلاج ،برقم (.)1635
وجه الداللة� :أن فيه ترغيب النبي ﷺ وحثه على �سقاية احلاج ،وهي من
الأعمال التطوعية(.)1
�6.6أن النبي ﷺ كان يقوم ب�أعمال تطوعية قبل البعثة ،ومن ذلك �أنه ملا نزل عليه
الوحي ،وجاء �إلى خديجة خائ ًفا� ،أ َّم َنته و�س َّك َنت َروعه وقالتَ :ف َو اللهَّ ِ
يك اللهَّ ُ �أَ َبدً اَ ،ف َو اللهَّ ِ �إِ َّن َك َلت َِ�ص ُل ال َّر ِح َمَ ،وت َْ�صد ُُق َ
احل ِديثَ َ ،وتحَ ْ ِم ُل َال ُي ْخ ِز َ
احل ِّق(.)5( )4ال�ض ْي َفَ ،و ُت ِع ُني َع َلى َن َوا ِئ ِب َ
ُوم(َ ،)3و َت ْق ِري َّ ال َك َّل(َ ،)2و َت ْك ِ�س ُب ا َمل ْعد َ
متعد ،وكان ﷺ يفعلها مروءةفذكرت هذه ال�صفات التي نفعها ٍ ْ
و�شهامة ،فلما جاء الإ�سالم �صار يفعلها عبادة وقربة �إلى اهلل تعالى .
()6
والزكاة يف الإ�سالم واجبة ،بل ركن من �أركانه ،وهي باملفهوم العاملي للعمل
التطوعي ُتع ّد اً
عمل تطوع ًيا؛ لأنه ي�صدق عليها �أنها عمل يقدمه املرء باختياره لنفع
الآخرين.
وقد ي�صري العمل التطوعي محُ ّر ًما ،كمن يت�صدق مباله مع حلول دين عليه،
ومطالبة �صاحبه به ،وعدم وجود ما يق�ضي به دينه ،فيحرم عليه التطوع بال�صدقة
حينئذ؛ لأنه ال يجوز ترك الواجب لتح�صيل امل�ستحب(.)1
ٍ
وكمن ي�شتغل ب�أعمال تطوعية يرتتب عليها تفويت واجب ،كتق�صريه يف حق
حينئذ محُ ّر ًما؛ ملا تقدم(.)2
والديه� ،أو �أهل بيته ،فيكون عمله التطوعي ٍ
وقد ي�صري العمل التطوعي مكروهً ا ،فعطية الوالد لأوالده عمل تطوعي ،لكن
�إذا خ�ص بالعطية بع�ضهم دون بع�ض فهو مكروه عند جمهور الفقهاء ،ومحُ ّرم عند
�آخرين( ،)3فعلى ر�أي اجلمهور يكون هذا العمل التطوعي مكروهً ا(.)4
مباحا ،فيما �إذا كان العمل التطوعي ُيع َّلق فيه ح�صول
وقد ي�صري العمل التطوعي ً
الأجر على نية التقرب به �إلى اهلل تعالى ،وال ي�أثم بعدم نية التقرب ،ف�إن نوى به
مباحا.
عمل ً القربة �أُجر عليه ،و�إن مل ينو به القربة ف�إنه ال ي�ؤجر وال ي�أثم ،بل يكون اً
كما لو �أزال الأذى عن الطريق من غري نية التقرب ،بل بنية �أن �إزالة هذا الأذى
ُيع ّد من النظافة �أو التقدم احل�ضاري ونحوه ،فهذا العمل التطوعي مباح ،وال ي�أثم
بهذه النية.
مثال �آخر :تراف ُع املحامي عن قريبه املظلوم؛ لأخذ احلق له ،بنية احلم َّية ،فهذا
مباح؛ لأنه مل ينو التقرب �إلى اهلل تعالى بن�صرة املظلوم.
ينظر :املنثور يف القواعد ،278/3ودرا�سة توثيقية للعمل التطوعي �ص.27 (((
ينظر :الأحكام الفقهية للأعمال التطوعية �ص.82 (((
ينظر يف هذه امل�س�ألة :بدائع ال�صنائع ،127/6والكايف يف فقه �أهل املدينة ،1003/2ورو�ضة الطالبني (((
378/5وك�شاف القناع ،309/4وقيد املالكية الكراهة فيما �إذا كانت العطية لكل ماله.
ينظر :درا�سة توثيقية للعمل التطوعي �ص.27 (((
بخالف ما لو كان العمل التطوعي ال يجوز يف ال�شرع �أن يقع �إال قربة ،كالإمامة
�أو الأذان ،فهذا �إن نوى به القربة فهو م�أجور ،و�إن نوى به غري القربة كالرياء �أو
َع َر ٍ�ض من الدنيا ف�إنه ي�أثم ،كما �سي�أتي تف�صيله يف مو�ضعه �إن �شاء اهلل تعالى(،)1
واهلل �أعلم.
املطلب الثاين
�ضوابط عمل املر�أة التطوعي
الأ�صل ت�ساوي الرجال والن�ساء يف الأحكام ال�شرعية �إال ما ُي�ستثنى مما يخت�ص
به الرجال� ،أو تخت�ص به الن�ساء( ،)2والعمل التطوعي داخل يف هذا الأ�صل ،فحكمه
للمر�أة كحكمه للرجل على ما تقدم ،وقد ا�ستدل بع�ض الباحثني( )3على م�شروعية
العمل التطوعي للمر�أة مبا ورد عن بع�ض ال�صحابيات � أنهن قمن ب�أعمال
تطوعية يف حياة النبي ﷺ ،و�أق َّرهن عليها ،فمن ذلك:
هلل ﷺ َي ْغزُو ِب ُ�أ ِّم ُ�س َل ْي ٍم َو ِن ْ�س َو ٍة ِمنَول ا ِ ما روى �أن�س بن مالك قالَ :كانَ َر ُ�س ُ
الَ ْن َ�صا ِر َم َع ُه �إِ َذا َغزَ اَ ،ف َي ْ�س ِق َني المْ َا َءَ ،و ُي َدا ِوينَ الجْ َ ْر َحى(.)4
ْأ
ال�سقي
قال النووي يف �شرحه“ :فيه خروج الن�ساء يف الغزو واالنتفاع بهنّ يف َّ
واملداواة ونحوهما”(.)5
وعن ال ُّر َب ِّيع بنت ُم َع ِّو ٍذ قالتُ :ك َّنا َم َع ال َّن ِب ِّي ﷺ َن ْ�س ِقي َو ُن َدا ِوي َ
اجل ْر َحى،
َو َن ُر ُّد ال َق ْت َلى �إِ َلى ا َمل ِدي َن ِة(.)6
((( ينظر :املبحث الرابع من هذا البحث.
((( ينظر� :إعالم املوقعني ،114/2واملو�سوعة الفقهية الكويتية .78/7
((( ينظر :الأحكام الفقهية للم�ؤ�س�سات اخلريية �ص.440 -438
((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه ،كتاب اجلهاد وال�سري ،باب غزو الن�ساء مع الرجال ،برقم (.)1810
((( �شرح �صحيح م�سلم .188/12
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه ،كتاب اجلهاد وال�سري ،باب مداواة الن�ساء اجلرحى يف الغزو ،برقم:
(.)2882
قال ابن حجر يف �شرحه“ :وفيه جواز معاجلة املر�أة الأجنبية الرجل الأجنبي
لل�ضرورة”(.)1
وقال النووي“ :وهذه املداواة ملحارمهنَّ و�أزواجهنّ ،وما كان منها لغريهم ال
يكون فيه َم ُّ�س ب�شرة �إال يف مو�ضع احلاجة”(.)2
وقال ابن بطال“ :ف�إن قيل :كيف جاز �أن يبا�شر الن�ساء اجلرحى وهم غري ذوي
اَّ
للمتجالت( )3منهن؛ لأن مو�ضع اجلرح ال يلتذ حمارم منهن؟ فاجلواب� :أنه يجوز ذلك
بلم�سه ،بل تق�شعر منه اجللود ،وتهابه النفو�س ،ومل�سه عذاب لالم�س وامللمو�س ،و�أما غري
املتجالت منهن فيعاجلن اجلرحى بغري مبا�شرة منهن لهم ،ب�أن ي�صنعن الدواء وي�ضعه اَّ
غريهن على اجلرح ،وال مي�س�سن �شي ًئا من ج�سده ...والدليل على �صحة هذا الت�أويل
�أنى مل �أجد �أحدًا من �سلف العلماء يقول يف املر�أة متوت مع الرجال �أو الرجل ميوت مع
الن�ساء غري ذوى املحارم ال يح�ضر ذلك غريهم �أن �أحدًا منهما يغ�سل �صاحبه دون حائل
وثوب ي�سرته ...وهذا يدل من قولهم �أنه ال يجوز عندهم مبا�شرة غري ذوى املحارم؛ لأن
حالة املوت �أبعد من الت�سبب �إلى دواعي اللذة والذريعة �إليها من حال احلياة”(.)4
وبنا ًء على ما تقدم ف�إنه ي�شرتط لقيام املر�أة بالعمل التطوعي مراعاة عدد من
ال�ضوابط ال�شرعية ،وهي كما يلي:
�1.1أن توجد حاجة �إلى العمل التطوعي( :)5وهذا ال�ضابط يخت�ص بالعمل
التطوعي الذي حتتاج معه املر�أة �إلى اخلروج من البيت؛ لأن خروجها من
البيت مقيد باحلاجة؛ لقول اهلل تعالى( :ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ
ﭼ ﭽ) [الأحزاب.]٣٣ :
فتح الباري .80/6 (((
�شرح �صحيح م�سلم .188/12 (((
املتجا َّلة� :أي املر�أة التي �أ�سنت وكربت .ينظر :النهاية يف غريب احلديث والأثر ( 288/1جلل). (((
�شرح �صحيح البخاري البن بطال .80/5 (((
ينظر :العمل التطوعي للمر�أة �ص .44واملراد باحلاجة هي� :أن يبلغ املرء حدً ا �إن مل يفعل احلرام ف�إنه (((
يكون يف جهد وم�شقة ،لكنه ال يهلك .انظر :الأ�شباه والنظائر لل�سيوطي �ص.176
وحلديث عائ�شة � أن النبي ﷺ قالَ « :ق ْد �أُ ِذنَ َ�أنْ ت َْخ ُر ْجنَ فيِ
اج ِت ُكنَّ »( .)1واملعنى �أنه قد �أُذن للن�ساء �أن يخرجن لق�ضاء حاجتهن ،وذلك
َح َ
قبل �أن ُت َتخذ ال ُك ُنف يف البيوت( ،)2ففيه جواز خروج املر�أة عند احلاجة.
ف�إن كان العمل التطوعي الذي تقوم به املر�أة ال حتتاج معه �إلى اخلروج من
البيت ،بل تقوم به يف بيتها كاخلياطة للمحتاجني �أو �صنع الطعام للفقراء ،ونحو
ذلك ،فهذا ال ي�شرتط له وجود احلاجة؛ لكن مع مراعاة بقية ال�ضوابط الآتية.
�2.2أال ي�ؤثر عملها التطوعي على واجباتها الأ�سرية( ،)3كحق الوالدين �أو الزوج
�أو الأوالد ،ف�إن ترتب على عملها التطوعي ت�ضييع حق َمن يلزمها القيام
بحقه؛ فيح ُرم عليها هذا العمل التطوعي؛ لأن ا�شتغالها بامل�ستحب ُيف ِّوت
عليها القيام بالواجب ،ولأن عملها الواجب ال يقوم به �إال هي ،بخالف العمل
التطوعي فتح�صل الكفاية بغريها من املتطوعات(.)4
فعن ابن عمر قال� :سمعت ر�سول اهلل ﷺ يقولُ « :كلُّ ُك ْم َر ٍاعَ ،و ُكلُّ ُك ْم
َم ْ�س ُئو ٌل َعنْ َر ِع َّي ِت ِه ،الإِ َم ُام َر ٍاع َو َم ْ�س ُئو ٌل َعنْ َر ِع َّي ِت ِهَ ،وال َّر ُج ُل َر ٍاع فيِ �أَ ْه ِل ِه
َوهُ َو َم ْ�س ُئو ٌل َعنْ َر ِع َّي ِت ِهَ ،وا َمل ْر�أَ ُة َر ِاع َي ٌة فيِ َب ْي ِت َز ْو ِج َها َو َم ْ�س ُئو َل ٌة َعنْ َر ِع َّي ِت َها،
خلا ِد ُم َر ٍاع فيِ َم ِال َ�س ِّي ِد ِه َو َم ْ�س ُئو ٌل َعنْ َر ِع َّي ِت ِه»(.)5 َوا َ
�3.3أن يكون عمل املر�أة التطوعي منا�س ًبا ملا تخت�ص به من �أحكام �شرعية ،فال
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه ،كتاب الو�ضوء ،باب خروج الن�ساء �إلى الرباز ،برقم (.)147
((( ينظر :فتح الباري البن حجر .250/1
((( وهذا و�إن كانت ال تخت�ص به عن الرجل ،فالرجل كذلك ال يجوز له �أن ي�شتغل بالعمل التطوعي مع
ت�ضييعه حلقوق زوجه وولده� ،إال �أن ا�شرتاط ذلك يف حق املر�أة �أظهر؛ لأن ان�شغالها بحقوق زوجها
و�أوالدها �أكرث من ان�شغال الرجل بذلك.
((( ينظر :الأحكام الفقهية للم�ؤ�س�سات اخلريية �ص ،440وتطوع املر�أة امل�سلمة ال�ضوابط واملجاالت �ص،35
على هذا الرابط.https://www.noor-book.com :
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه ،كتاب اجلمعة ،باب اجلمعة يف القرى واملدن ،برقم ( )893وم�سلم يف
�صحيحه ،كتاب الإمارة ،باب ف�ضيلة الإمام العادل ،...برقم (.)1829
تزاول اً
عمل تطوع ًّيا ي�ؤدي �إلى ت�ساهلها يف حجابها� ،أو اختالطها بالرجال
الأجانب� ،أو اخللوة بهم� ،أو ال�سفر بال حمرم()1؛ لورود الن�صو�ص ال�شرعية
الكثرية بالنهي عن ذلك ،منها :قوله تعالى( :ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ
ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ
ﯓ ﯔ) [الأحزاب.]٥٩ :
وعن ابن عبا�س � ،أنه� :سمع النبي ﷺ يقولَ « :ال َي ْخ ُل َونَّ َر ُج ٌل ِب ْام َر َ�أ ٍة،
ول اللهَّ ِ ،ا ْك ُت ِت ْب ُت فيِ
َو َال ُت َ�سا ِف َرنَّ ْام َر�أَ ٌة ِ�إ اَّل َو َم َع َها محَ ْ َر ٌم»؛ َف َق َام َر ُج ٌل َف َق َالَ :يا َر ُ�س َ
«اذ َه ْب َف ُح َّج َم َع ْام َر�أَ ِت َك»(.)2 اج ًةَ ،ق َالْ : َغزْ َو ِة َك َذا َو َك َذاَ ،و َخ َر َج ِت ْام َر�أَ ِتي َح َّ
«خيرْ ُ ُ�ص ُف ِ
وف ال ِّر َج ِال وعن �أبي هريرة قال :قال ر�سول اهلل ﷺَ :
وف ال ِّن َ�سا ِء � ِآخ ُر َهاَ ،و َ�ش ُّر َها �أَ َّو ُل َها»(.)3
�أَ َّو ُل َهاَ ،و َ�ش ُّر َها � ِآخ ُر َهاَ ،و َخيرْ ُ ُ�ص ُف ِ
وما ذاك �إال لأجل املباعدة بني الرجال والن�ساء حتى يف �أطهر البقاع وهي
امل�ساجد.
وعن �أبي �أُ�سيد الأن�صاري � أنه �سمع ر�سول اهلل ﷺ يقول وهو خارج
من امل�سجد ،وقد اختلط الرجال مع الن�ساء يف الطريق« :ا�ست� ِأخرن ،فلي�س
َل ُكنَّ �أن تحَ ْ ُق ْقنَ ( )4الطريق ،عليكن بحافات الطريق»؛ فكانت املر�أة ت ِ
َلت�صقُ
باجلدار ،حتى �إن ثوبها ليتعلق باجلدار من �شدة ل�صوقها به(.)5
((( ينظر :الأحكام الفقهية للم�ؤ�س�سات اخلريية �ص ،440وتطوع املر�أة امل�سلمة ال�ضوابط واملجاالت �ص،36
على هذا الرابط ،https://www.noor-book.com :والعمل التطوعي للمر�أة �ص.46
حاجة،...
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه ،كتاب اجلهاد وال�سري ،باب من اكتتب يف جي�ش فخرجت امر�أته ّ
برقم ( )3006وم�سلم يف �صحيحه ،كتاب احلج ،باب �سفر املر�أة مع حمرم �إلى حج وغريه ،برقم
(.)1341
((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه ،كتاب ال�صالة ،باب ت�سوية ال�صفوف و�إقامتها ،...برقم (.)440
((( قال يف مرقاة املفاتيح ( :2983/7حت ُققْن الطريق) ب�ضم القاف الأولى �أي تذهنب يف ّ
حاق الطريق،
ّ
واحلاق بت�شديد القاف :الو�سط).
((( �أخرجه �أبو داود يف �سننه� ،أبواب النوم ،باب يف م�شي الن�ساء مع الرجال يف الطريق ،برقم ()5272
وح�سنه الألباين يف �صحيح �سنن �أبي داود.
كالتطوع بخياطة مالب�س للفقراء� ،أو �صنع الطعام لهم ،ونحو ذلك ،فال يرد هذا
ال�شرط يف حقها ،لكن ي�شرتط �أال يكون يف عملها التطوعي الذي تقوم به يف بيتها
�إخالل بحق الزوج �أو الأوالد ونحوهم كما تقدم.
وعند الت�أمل يف هذه ال�ضوابط ال�سالفة ميكن �إرجاعها �إلى �ضابط واحد كلي،
وهو �أن يكون العمل التطوعي للمر�أة على وفق �أحكام ال�شريعة الإ�سالمية ،ولكن نظ ًرا
لكون هذا ال�ضابط الكلي قد ال يت�ضح املراد به عند كثري من املتطوعات كان ال بد من
التف�صيل فيه بذكر ال�ضوابط املتقدمة ،واهلل �أعلم.
ويت�أكد قيام املر�أة بالعمل التطوعي -وفق ال�ضوابط ال�سالفة� -إذا كان من
الأعمال التي تخت�ص باملر�أة ،كتعليم القر�آن الكرمي للن�ساء ،وتطبيبهن ومتري�ضهن،
وح�ضانة الأطفال ،ونحو ذلك؛ ل�سد احلاجة يف هذه الأعمال ،واال�ستغناء عن قيام
الرجال بها(.)1
و�إذا تو ّفرت ال�شروط ال�سالفة جاز للمر�أة اخلروج من بيتها للعمل التطوعي ،لكن
مهما �أمكنها �أن تقوم بالأعمال التطوعية وهي يف بيتها� ،أو �أمكنها التقليل من اخلروج
لأجل ذلك فهو �أف�ضل؛ لأنه �أحفظ و�أ�سرت لها ،خا�صة مع التقدم التقني ،وتنوع و�سائل
التوا�صل التي متكنها من القيام ب�أعمال تطوعية كثرية يف بيتها( ،)2واهلل �أعلم.
املطلب الثالث
احلكمة من م�شروعية العمل التطوعي
ُ�ش ِرع العم ُل التطوعي ِ
حل َكم كثرية منها(:)3
1.1حتقيق العبودية هلل ،ف�إن العمل التطوعي من القربات اجلليلة التي
يتقرب بها العبد لربه ،وينال بها ر�ضوانه ،وت�ضاعف بها ح�سناته.
((( ينظر :الأحكام الفقهية للأعمال التطوعية �ص.84
((( ينظر :الأحكام الفقهية للم�ؤ�س�سات اخلريية �ص .441
((( ينظر :املو�سوعة الفقهية الكويتية ،151 -149/12ودرا�سة توثيقة للعمل التطوعي �ص.18-16
2.2جرب النق�ص الذي يقع يف بع�ض الفرائ�ض ،ف�صدقة التطوع جترب النق�ص
يف الزكاة ،فعن �أبي هريرة قال� :سمعت ر�سول اهلل ﷺ يقول�« :إِنَّ
ا�س ُب ِب ِه ال َع ْب ُد َي ْو َم ال ِق َي َام ِة ِمنْ َع َم ِل ِه َ�صلاَ ُتهَُ ،ف ِ�إنْ َ�ص ُل َح ْت َف َق ْد �أَ َّو َل َما ُي َح َ
ي�ض ِت ِه َ�ش ْي ٌء،
اب َو َخ ِ�س َرَ ،ف�إِنْ ا ْن َت َق َ�ص ِمنْ َف ِر َ �أَ ْف َل َح َو َ�أنجْ َ َحَ ،و ِ�إنْ َف َ�س َد ْت َف َق ْد َخ َ
َق َال ال َّر ُّب َع َّز َو َج َّل :ا ْن ُظ ُروا َه ْل ِل َع ْب ِدي ِمنْ ت ََط ُّو ٍع َف ُي َك َّم َل ِب َها َما ا ْن َت َق َ�ص ِمنَ
ي�ض ِةُ ،ث َّم َي ُكونُ َ�سا ِئ ُر َع َم ِل ِه َع َلى َذ ِل َك»(.)1
ال َف ِر َ
3.3حتقيق التكافل والتعاون بني �أفراد املجتمع ،امتثاال لقول اهلل تعالى( :ﯭ
ﯮ ﯯ ﯰ) [املائدةَ ،]٢ :وقول النبي ﷺَ « :واللهَّ ُ فيِ َع ْو ِن ا ْل َع ْب ِد َما كان
ا ْل َع ْب ُد فيِ َع ْو ِن �أَ ِخي ِه»(.)2
4.4تربية النف�س على البذل والعطاء� ،سوا ًء �أكان بالعلم �أو املال �أو الوقت �أو
اجلهد �أو غريه ،فقد كان النبي ﷺ �أجود النا�س ،وكان �أجود ما يكون يف
رم�ضان(.)3
5.5حماية املجتمع من الف�ساد يف االعتقاد والعبادة واملعاملة والأخالق؛ ملا
يف العمل التطوعي من التوعية الدينية واخللقية ،وحثّ الأفراد على فعل
اخلري الذي ُتدفع به عن املجتمع كث ٌ
ري من ال�شرور ،وملا فيه من �شغل �أوقات
املتطوعني بالعمل النافع لهم وملجتمعهم.
((( �أخرجه �أبو داود يف �سننه� ،أبواب تفريع ا�ستفتاح ال�صالة ،باب قول النبي ﷺ« :كل �صالة ال ُيت ُّمها
�صاحبها ُت َت ُّم من تطوعه» ،برقم ( )864والرتمذي يف جامعه� ،أبواب ال�صالة ،باب ما جاء �أن �أول ما
يحا�سب به العبد يوم القيامة ال�صالة ،برقم ( )413واللفظ له ،و�صححه الألباين يف �صحيح الرتمذي.
((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه ،كتاب الذكر والدعاء والتوبة واال�ستغفار ،باب ف�ضل االجتماع على تالوة
القر�آن وعلى الذكر ،برقم (.)2699
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه ،كتاب بدء الوحي ،باب كيف كان بدء الوحي �إلى ر�سول اهلل ﷺ ،برقم
( )6وم�سلم يف �صحيحه ،كتاب الف�ضائل ،باب كان النبي ﷺ �أجود النا�س باخلري من الريح املر�سلة،
برقم (.)2308
املبحث الثالث
عالقة العمل التطوعي بقاعدة :العمل املتعدي �أف�ضل من القا�صر
تقدم يف تعريف م�صطلح العمل التطوعي �أنه ال بد �أن يكون متع ّد ًيا يف نفعه
للآخرين ،وقد ق ّرر جماعة من الفقهاء قاعدة :العمل املتعدي �أف�ضل من القا�صر(،)1
عمل تطوعي �أف�ضل من العمل التطوعي القا�صر؟. فهل معنى ذلك �أن كل ٍ
للجواب عن هذا ال�س�ؤال ال بد � اًأول من درا�سة هذه القاعدة ،ومن َّثم بيان عالقتها
بالعمل التطوعي.
معنى القاعدة� :أن الفعل الذي يتعدى نفعه �إلى الآخرين ،فيعم نفعه �صاحبه
وغريه فهو �أف�ضل و�أعظم �أج ًرا من الفعل الذي يقت�صر نفعه على �صاحبه ،وال يتعداه
�إلى غريه(.)2
�أمثلة القاعدة(:)3
1.1فر�ض الكفاية �أف�ضل على فر�ض العني؛ لأن من قام بفر�ض الكفاية نفعه
متعدي؛ لكونه �أ�سقط احلرج عن الأ َّمة.
2.2اال�شتغال بالعلم �أف�ضل من �صالة النافلة؛ لأن نفع العلم متعدي.
�3.3أن العتق �أو الإطعام �أو الك�سوة يف ك ّفارة اليمني ُمقدَّم على ّ
ال�صيام؛ لأن هذه
ال ّثالثة يتعدّى نفعها �إلى غري املك ِّفرّ ،
وال�صيام قا�صر عليه ،ولذا كان فعل �أحد
وال�صيام ال يجوز �إال عند العجز عن �أحدها.
هذه الثالثة واج ًبا عند القدرة عليهّ ،
((( ممن ذكر هذه القاعدة :الزرك�شي يف املنثور يف القواعد ،240/2 ،339/1والـ َمقَّري يف القواعد
،412 ،411/2وال�سيوطي يف الأ�شباه والنظائر �ص ،144والبورنو يف مو�سوعة القواعد الفقهية .470/9
((( ينظر :مو�سوعة القواعد الفقهية ،470/9والقواعد الفقهية وتطبيقاتها يف املذاهب الأربعة .729/2
((( ينظر :املنثور يف القواعد ،421 ،420/2والأ�شباه والنظائر لل�سيوطي �ص ،144ومو�سوعة القواعد
الفقهية .470/9
وقال �أي�ضا“ :وال ُيخت َلف �أن النفع املتعدي �أف�ضل من القا�صر على املرء نف�سه
ب�شرط ال�سالمة من الآفات التي َت ْع َت ِو ُره يف ذلك”(.)1
وميكن مناق�شته ب�أن هناك من العلماء من يخالف يف �إطالق هذه القاعدة ،كما
�سي�أتي قري ًبا �إن �شاء اهلل تعالى.
مناق�شة هذه القاعدة:
مل ُي�س ِّلم جماع ٌة من الفقهاء( )2ب�إطالق هذه القاعدة ،وقالوا :قد يكون العمل
القا�صر �أف�ضل من املتعدي ،واحتجوا لذلك مبا يلي(:)3
1.1الإميان عمل قا�صر ،ومع ذلك فهو �أف�ضل الأعمال قا�صرها ومتعديها ،فهو
مثل �أف�ضل من اجلهاد يف �سبيل اهلل تعالى الذي هو عمل متعدي؛ فعن �أبي اً
هريرة � أن ر�سول اهلل ﷺ ُ�سئلُّ � :أي العمل �أف�ضل؟ فقال�« :إِ َميا ٌن ِباللهَّ ِ
«اجل َها ُد فيِ َ�س ِب ِيل اللهَّ ِ » ،قيل :ثم ماذا؟ قال:
َو َر ُ�سو ِل ِه» ،قيل :ثم ماذا؟ قالِ :
«ح ٌّج َمبرْ ُ و ٌر»(.)4 َ
2.2الت�سبيح بعد ال�صالة عمل قا�صر ،وهو �أف�ضل من ال�صدقة وهي عمل متعدي،
فعن �أبي هريرة � أن فقراء املهاجرين �أتوا ر�سول اهلل ﷺ فقالواَ :ذ َه َب
اك؟»َ ،قا ُلوا: �أَ ْه ُل ال ُّد ُثو ِر ِبال َّد َر َج ِ
ات ا ْل ُع َلىَ ،وال َّن ِع ِيم المْ ُ ِق ِيمَ ،ف َق َالَ « :و َما َذ َ
ومَ ،و َيت ََ�ص َّد ُقونَ َو اَل َنت ََ�ص َّد ُقَ ،و ُي ْع ِت ُقونَ
ُي َ�صلُّونَ َك َما ُن َ�ص ِّليَ ،و َي ُ�صو ُمونَ َك َما َن ُ�ص ُ
هلل ﷺ�« :أَ َفلاَ �أُ َع ِّل ُم ُك ْم َ�ش ْي ًئا ُت ْد ِر ُكونَ ِب ِه َمنْ َ�س َب َق ُك ْم
ول ا ِ َو اَل ُن ْع ِتقُ َ ،ف َق َال َر ُ�س َ
َوت َْ�س ِب ُقونَ ِب ِه َمنْ َب ْع َد ُك ْم؟ َو اَل َي ُكونُ �أَ َح ٌد �أَ ْف َ�ض َل ِم ْن ُك ْم �إِ اَّل َمنْ َ�ص َن َع ِم ْث َل َما
((( املدخل .160/2
((( ممن ذهب �إلى هذا ابن ر�شد اجلد والغزايل والعز بن عبدال�سالم .ينظر :املعيار املعرب ،318/12وخمت�صر
الفوائد يف �أحكام املقا�صد �ص ،122واملنثور يف القواعد ،421/2والأ�شباه والنظائر لل�سيوطي �ص.144
((( ينظر :املعيار املعرب ،318/12واملنثور يف القواعد ،421/2والأ�شباه والنظائر لل�سيوطي �ص.144
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه ،كتاب الإميان ،باب من قال �إن الإميان هو العمل ،برقم ( )26وم�سلم يف
�صحيحه ،كتاب الإميان ،باب بيان كون الإميان باهلل تعالى �أف�ضل الأعمال ،برقم (.)83
هلل َق َالُ « :ت َ�س ِّب ُحونَ َ ،و ُت َكبرِّ ُ ونَ َ ،وتحَ ْ َمدُونَ ُ ،د ُب َر
ول ا ِ َ�ص َن ْعت ُْم»َ ،قا ُلواَ :ب َلىَ ،يا َر ُ�س ُ
هلل ﷺ ُك ِّل َ�صلاَ ٍة ثَلاَ ًثا َوثَلاَ ِث َني َم َّر ًة»َ ،ف َر َج َع ُف َق َرا ُء المْ ُ َه ِاج ِرينَ �إِ َلى َر ُ�س ِول ا ِ
الَ ْم َو ِال بمِ َ ا َف َع ْل َناَ ،ف َف َع ُلوا ِم ْث َلهَُ ،ف َق َال َر ُ�س ِول ا ِ
هلل َف َقا ُلوا�َ :س ِم َع ِ�إ ْخ َوا ُن َنا �أَ ْه ُل ْ أ
ﷺ«َ :ذ ِل َك َف ْ�ض ُل ا ِ
هلل ُي�ؤْ ِتي ِه َمنْ َي َ�شا ُء»(.)1
3.3عن ثوبان قال :قال ر�سول اهلل ﷺَ ...« :و ْاع َل ُموا �أَنَّ َخيرْ َ �أَ ْع َما ِل ُك ُم
يعم جميع الأعمال مبا فيها املتعدية ،فال�صالة خري ال�صلاَ َة )2(»...وهذا ّ َّ
منها ،وهي عمل قا�صر.
واختار ه�ؤالء الفقهاء �أن ف�ضل الأعمال على قدر امل�صالح النا�شئة عنها(.)3
(ف�إن كانت م�صلحة القا�صر �أف�ضل من م�صلحة املتع ّدي ُقدِّ مت على املتعدي،
و�إن كانت م�صلحة املتعدي �أرجح ُقدِّ مت على القا�صر ،فتارة يقف على الرجحان
ف ُيق َّدم الراجح ،وتارة ين�ص ال�شارع على تف�ضيل �أحد العملني فيقدمه و�إن مل يقف
على رجحانه ،وتارة ال يقف على الرجحان وال ن�ص يدل على التف�ضيل ،فلي�س لنا �أن
جنعل القا�صر �أف�ضل من املتعدي ،وال �أن جنعل املتعدي �أف�ضل من القا�صر؛ لأن ذلك
موقوف على الأدلة ال�شرعية)(.)4
قال القرايف “ :قول الفقهاء :ال ُقربة املتعدية �أف�ضل من القا�صرة .ال ي�صح؛
لأن الإميان واملعرفة �أف�ضل من الت�صدق بدرهم ،و�إمنا الف�ضل على قدر امل�صالح
النا�شئة من ال ُق ُربات”(.)5
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه ،كتاب الأذان ،باب الذكر بعد ال�صالة ،برقم ( )843وم�سلم يف �صحيحه ،كتاب
امل�ساجد وموا�ضع ال�صالة ،باب ا�ستحباب الذكر بعد ال�صالة وبيان �صفته ،برقم ( )595واللفظ مل�سلم.
((( �أخرجه ابن ماجه يف �سننه ،كتاب الطهارة و�سننها ،باب املحافظة على الو�ضوء ،برقم ( )277والإمام
�أحمد يف م�سنده 60/37 ،برقم ( )22378والدارمي يف م�سنده ،كتاب الطهارة ،باب ما جاء يف الطهور،
برقم ( )681و�صححه احلافظ ابن حجر يف فتح الباري .108/4
((( ينظر :املعيار املعرب ،318/12واملنثور يف القواعد ،422-421/1والأ�شباه والنظائر لل�سيوطي
�ص ،145وحتفة املحتاج .233/2
((( املعيار املعرب .319 ،318/12
((( الذخرية .357/13
ولذا فقد ق َّيد بع�ض الفقهاء هذه القاعدة بالغالب ،فقالوا :العمل املتعدي �أف�ضل
من القا�صر غالبا؛ ملا تقدم من �أن العمل القا�صر قد يكون �أف�ضل من املتعدي.
قال الهيتمي“ :قاعدة �أن العمل املُتعدِّ ي �أف�ضل من القا�صر فهي �أغلبية؛ لأن
القا�صر قد يكون �أف�ضل كالإميان �أف�ضل من نحو اجلهاد”(.)1
وبع�ض الفقهاء جعل الأ�صل يف العمل املتعدي �أنه �أف�ضل من القا�صر �إال �أن يدل
دليل على �أن القا�صر �أف�ضل.
قال الـ َم َّقري“ :قال الفقهاء :القربة املتعدية �أف�ضل من القا�صرة ،واعترُ �ض
بالإميان مع ال�صدقة بدرهم ،و�أُجيب ب�أن ذلك هو الأ�صل �إال بدليل”(.)2
وذهب بع�ض الباحثني �إلى �أن تقدمي العمل املتعدي على العمل القا�صر وتف�ضيله
عليه مق َّيد ب�أن يكون ك ٌل من العمل املتعدي والقا�صر مت�ساويني يف جملة من
االعتبارات ،كالت�ساوي يف الرتبة من حيث كونهما من ال�ضروريات �أو احلاجيات �أو
التح�سينيات ،والت�ساوي يف نوع الكلية من كليات الدين ،وهي حفظ الدين والنف�س
والن�سل والعقل واملال ،والت�ساوي يف قوة طلب ال�شارع للعمل ،ب�أن يكون من الواجبات
�أو املندوبات ،والت�ساوي يف الإخال�ص وق�صد التقرب �إلى اهلل تعالى ،ف�إذا تفاوتت يف
�أي من هذه االعتبارات �أو غريها فال يكون الرتجيح باعتبار كون العمل متعد ًّيا �أو
فمثل امل�صلحة ال�ضرورية القا�صرةقا�ص ًرا ،و�إمنا بنا ًء على تلك االعتبارات الأخرى ،اً
مقدمة على امل�صلحة التح�سينية املتعدية ،وم�صلحة الواجب القا�صرة مقدمة على
م�صلحة املندوب املتعدية ،وهكذا(.)3
وبناء على ما تقدم فيمكن �أن يقال� :إن عالقة العمل التطوعي بقاعدة :العمل
املتعدي �أف�ضل من القا�صر ،تظهر يف التف�صيل الآتي:
((( حتفة املحتاج ،233/2وينظر نحوه يف الفتاوى الفقهية الكربى ،97/2والدر املن�ضود �ص.61
((( القواعد يف القاعدة.412 ،411/2 )164( :
((( ينظر :مقال للدكتور عبدالرحمن الكيالين .على الرابطhttps://www.facebook.com/AbedAlrah� :
.manAlkilani/photos/a.1582969711926248/1601476483408904/?type=3
املبحث الرابع
()1
�أثر النية يف العمل التطوعي
العمل التطوعي يف الإ�سالم عبادة ُيتقرب بها �إلى اهلل تعالى ،والعبادة ُي�شرتط
لقبولها �شرطان :الإخال�ص واملتابعة(.)2
وقد دل على هذين ال�شرطني �أدلة كثرية من الكتاب وال�سنة ،منها:
ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ) (ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ قول اهلل تعالى:
[الكهف.]١١٠ :
وقال ( :ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [امللك.]٢ :
ا�ض �“ :أخل�صه و�أ�صوبه ،قالوا يا �أبا علي :ما �أخل�صه َق َال ا ْل ُف َ�ض ْيل ْبنُ ِع َي ٍ
و�أ�صوبه؟ قال� :إذا كان العمل خال�صً ا ومل يكن �صوا ًبا مل يقبل ،و�إذا كان �صوا ًبا ومل
يكن خال�صً ا مل ُيقبل ،حتى يكون خال�صً ا �صوا ًبا؛ واخلال�ص �أن يكون هلل ،وال�صواب
�أن يكون على ال�سنة”(.)3
َو َق َال َت َعا َلى( :ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [ال�شورى.]٢١ :
وعن عائ�شة قالت :قال ر�سول اهلل ﷺ«َ :منْ �أَ ْح َد َث فيِ �أَ ْم ِر َنا َه َذا َما َل ْي َ�س
ِم ْن ُه َف ُه َو َر ٌّد»( )4ويف لفظ«َ :منْ َع ِم َل َع َم اًل َل ْي َ�س َع َل ْي ِه �أَ ْم ُر َنا َف ُه َو َر ٌّد»(.)5
((( �أفدت يف هذا املبحث من بحث� :شرك الأعرا�ض حقيقته و�أنواعه ،د� .سعيد بن حممد بن ح�سني معلوي،
املن�شور مبجلة الدرا�سات العقدية ،العدد ( )2رجب 1430هـ ،ومن بحث� :إرادة الإن�سان بعمله الآخرة.
�أ .د .عبداهلل بن حممد ال�سند ،املن�شور مبجلة الدرا�سات العقدية ،العدد ( )6رجب 1432هـ،
((( ينظر :جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم ابن تيمية ،124/3 ،80/1واجلواب الكايف �ص ،303وفتح املجيد .622/2
((( ينظر :جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم ابن تيمية .124/3
((( �أخرجه البخاري يف �صحيحه ،كتاب ال�صلح ،باب �إذا ا�صطلحوا على �صلح جور فال�صلح مردود ،برقم ()2697
وم�سلم يف �صحيحه ،كتاب الأق�ضية ،باب نق�ض الأحكام الباطلة ،ورد حمدثات الأمور ،برقم (.)1718
((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه ،بنف�س الباب والكتاب والرقم ال�سابق.
فال�شرط الأول وهو الإخال�ص ،معناه� :أن يريد من يقوم بالعمل ال�صالح وجه اهلل
تعالى ،وثوابه ،ال مراءاة النا�س ،وال � َّأي َع َر�ض دنيوي.
وامل�سلم الذي يقوم بعمل تطوعي -هو يف �أ�صله من القربات التي جاءت بها
ال�شريعة ،كالتطوع بالأذان �أو الإمامة� ،أو بال�صدقة� ،أو بن�شر العلم والدعوة �إلى اهلل
تعالى ونحو ذلك -ال يخلو من �أحوال:
احلال الأولى� :أن يعمله خال�صً ا لوجه اهلل تعالى ،ال يريد به َع َر�ضً ا من الدنيا،
فهذا مثاب على عمله؛ لتوفر �شرطي قبول العمل فيه.
احلال الثانية � :اَّأل يكون عمله خال�صً ا ،و�إمنا عمل لتح�صيل غر�ض دنيوي ،ولي�س
له ق�صد يف ثواب اهلل تعالى ،وهذه احلال على ق�سمني:
�أ� .أن يكون غر�ضه الدنيوي الريا َء ،فهو يريد بعمله التطوعي ثناء النا�س
ومدحهم.
ب� .أن يكون غر�ضه الدنيوي حت�صيل مال �أو جاه �أو من�صب ونحو ذلك ،كمن
يتطوع ب�إمامة ال�صالة للح�صول على املكاف�أة املالية التي هي �أقل من
�أجرة املثل� ،أو يتطوع بتقدمي دورات يف العلوم ال�شرعية لغر�ض احل�صول
على �شهادات ال�شكر؛ ليتو�سل بها �إلى الوظائف� ،أو يتطوع باجلهاد
وق�صده الغنيمة فقط� ،أو نحو ذلك من الأغرا�ض الدنيوية.
فهذان الق�سمان من ال�شرك الأ�صغر ،الذي ُيحبط العمل التطوعي()1؛ لتخلف
�أحد �شرطي قبول العمل ،وهو الإخال�ص؛ قال اهلل تعالى( :ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ
ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ
ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [هود.]١٦-١٥ :
((( ينظر :الفروق للقرايف ،22/3وجامع العلوم واحلكم ،82/1و�إنقاذ الهالكني �ص ،60وتف�سري �آيات من القر�آن
الكرمي �ص ،120وفتح املجيد ،625/2وحا�شية كتاب التوحيد �ص ،268والقول ال�سديد �ص ،130والتمهيد
ل�شرح كتاب التوحيد �ص .409 -405وقال القرايف يف الفروق “ :22/3والق�سم الآخر �أن يعمل العمل ال يريد
به وجه اهلل تعالى �ألبتة بل النا�س فقط ...فهذه قاعدة ال ِّرياء املبطلة للأعمال املُح َّرمة بالإجماع”.
احلال الثالثة� :أن يقوم بالعمل التطوعي مع ت�شريك النية هلل تعالى ولغر�ض
دنيوي وهذا على ق�سمني:
�أ� .أن يكون الغر�ض الدنيوي الرياء ،كمن يتطوع بالدعوة �إلى اهلل تعالى قا�صدًا
ثواب اهلل تعالى ،ول ُيثنى عليه عند النا�س ب�أنه من الدعاة ،فهذا �إن �شاركه
ق�صد الرياء من �أ�صله فهو �شرك �أ�صغر ،وعمله حابط( ،)1قال العالمة ابن
رجب “ :وممن ُروي عنه هذا املعنى ،و�أن العمل �إذا خالطه �شيء
باطل :طائفة من ال�سلف ،منهم عبادة بن ال�صامت ،و�أبو من الرياء كان اً
الدرداء ،واحل�سن ،و�سعيد بن امل�سيب ،وغريهم ...وال نعرف عن ال�سلف
يف هذا خال ًفا ،و�إن كان فيه خالف عن بع�ض املت�أخرين”(.)2
وذلك ملا تقدم من الأدلة يف احلال الثانية ،وملا روى �أبو �أمامة الباهلي
قالَ :جا َء َر ُج ٌل ِ�إ َلى ال َّن ِب ِّي ﷺ َف َق َال� :أَ َر�أَ ْي َت َر ُج اًل َغزَ ا َي ْلت َِم ُ�س
ول اللهَّ ِ ﷺ :اَ«ل َ�ش ْي َء َلهُ»؛ َف�أَ َعا َد َها ثَلاَ َث الذ ْك َرَ ،ما َلهُ؟ َف َق َال َر ُ�س ُالَ ْج َر َو ِّ ْأ
ول اللهَّ ِ ﷺ :اَ«ل َ�ش ْي َء َلهُ»ُ ،ث َّم َق َال�ِ « :إنَّ اللهَّ َ اَل َي ْق َب ُل ِمنَ ول َل ُه َر ُ�س ُ
َم َّر ٍاتَ ،ي ُق ُ
ا ْل َع َم ِل �إِ اَّل َما َكانَ َل ُه َخا ِل�صً اَ ،وا ْب ُت ِغ َي ِب ِه َو ْج ُههُ»(.)3
و�أما �إن كان �أ�صل العمل التطوعي هلل تعالى ،ثم طر�أت عليه نية الرياء
ف�إن كان خاطرا ودفعه فال ي�ض ّره بال خالف(.)4
و�إن ا�سرت�سل معه فهل يحبط عمله؟ �أو ال ي�ضره بل يجازى على �أ�صل
نيته؟
((( ينظر :الفروق للقرايف ،22/3وجامع العوم واحلكم ،79/1والقول ال�سديد �ص ،129قال القرايف يف
الفروق “ :22/3وحتقيق هذه القاعدة و�سرها و�ضابطها �أن يعمل العمل امل�أمور به واملتق َّرب به �إلى اهلل
عظم يف قلوبهم ،في�صل �إليه نفعهم �أو يندفع تعالى ويق�صد به وجه اهلل تعالى ،و�أن يعظمه النا�س �أو ُي َّ
عنه �ضررهم ...فهذه قاعدة الرياء املبطلة للأعمال املحرمة بالإجماع”.
((( جامع العلوم واحلكم 81/1بت�صرف ي�سري.
((( �أخرجه الن�سائي يف �سننه ،كتاب اجلهاد ،باب من غزا يلتم�س الأجر والذكر ،برقم ( )3141وقال ابن
رجب يف جامع العلوم واحلكم � :81/1إ�سناد جيد .وقال الألباين :ح�سن �صحيح.
((( ينظر :جامع العلوم واحلكم .83 ،82/1
قال العالمة ابن رجب “ :يف ذلك اختالف بني العلماء من
ال�سلف ،قد حكاه الإمام �أحمد وابن جرير الطربي ،ورجحا �أن عمله ال
يبطل بذلك ،و�أنه ُيجازى بنيته الأولى ،وهو مروي عن احل�سن الب�صري
وغريه ،و ُي�ستدل لهذا القول مبا خرجه �أبو داود يف مرا�سيله( )1عن عطاء
رجل قال :يا ر�سول اهلل� ،إن بني �سلمة كلهم يقاتل، اخلرا�ساين «�أن اً
فمنهم من يقاتل للدنيا ،ومنهم من يقاتل جندة ،ومنهم من يقاتل ابتغاء
وجه اهلل ،ف�أيهم ال�شهيد؟ قال :كلهم� ،إذا كان �أ�صل �أمره �أن تكون كلمة
اهلل هي العليا» وذكر ابن جرير �أن هذا االختالف �إمنا هو يف عمل يرتبط
�آخره ب�أوله ،كال�صالة وال�صيام واحلج ،ف�أما ما ال ارتباط فيه كالقراءة
والذكر و�إنفاق املال ون�شر العلم ،ف�إنه ينقطع بنية الرياء الطارئة عليه،
ويحتاج �إلى جتديد نية”(.)2
وقال ال�شيخ ابن �سعدي “ :و�إن كان احلامل للعبد على العمل
وجه اهلل وحده ،ولكن َع َر�ض له الرياء يف �أثناء عمله ،ف�إن د َف َعه وخ ُل�ص
�إخال�صه هلل مل ي�ضره ،و�إن �ساكنه واطم�أن �إليه نق�ص العمل ،وح�صل
ل�صاحبه من �ضعف الإميان والإخال�ص بح�سب ما قام يف قلبه من
الرياء ،وتقا َوم العمل هلل وما خالطه من �شائبة الرياء”(.)3
ب� .أن يكون الغر�ض الدنيوي غري الرياء ،كمن يتطوع باجلهاد يف �سبيل
اهلل تعالى قا�صدً ا �إعالء كلمة اهلل والتجار َة يف غزوه ،فهذا ال
يحبط عمله ،ولكن ينق�ص �أجره ،قال العالمة ابن رجب “ :ف�إن
خالط نية اجلهاد مثال نية غري الرياء ،مثل �أخذه �أجرة للخدمة� ،أو �أخذ
�شيء من الغنيمة� ،أو التجارة ،نق�ص بذلك �أجر جهادهم ،ومل يبطل
((( يف باب يف ف�ضل اجلهاد ،برقم (.)321
((( جامع العلوم واحلكم .83/1
((( القول ال�سديد �ص.130 ،129
ويكفل الأيتام ويق�ضي حوائج النا�س ،يفعل ذلك مبقت�ضى املحبة الفطرية
لهذه الأعمال التطوعية ،فهذا ال ُيذم وال ُيعاقب؛ لأنه مل ي�شرك يف عمله،
ولي�س له ثواب؛ لأنه ما �أراد وجه اهلل تعالى بهذه الأعمال ،فعمله هذا يعد
مباحا ،وقد يجزيه اهلل تعالى على هذا العمل ب�أن يزيده منه ومن �أمثاله ً
فيزداد تنع ُمه وتلذذه بها يف الدنيا(.)1
قال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية “ :ولهذا كان الكافر ُيجزى على ح�سناته
يف الدنيا و�إن مل يتقرب بها �إلى اهلل ،ولو كان ِف ْعل كل َح َ�س ٍن �إذا مل ُيفعل هلل
مذمو ًما ي�ستحق به �صاحبه العقاب ملا �أُطعم الكافر بح�سناته يف الدنياً � ،إذا
�سيئات ال ح�سنات ،و�إذا كان قد يتن ّعم بها يف الدنيا و ُيط َعم بها يف
ٍ كانت تكون
الدنيا ،فقد يكون من فوائد هذه احل�سنات ونتيجتها وثوابها يف الدنيا �أن يهديه
اهلل �إلى �أن يتقرب بها �إليه ،فيكون له عليها �أعظم الثواب يف الآخرة”(.)2
و�أما العمل التطوعي الذي ال يعد قربة يف الأ�صل� ،أي لي�س من العبادات التي
ُيراد بها تعظيم اهلل تعالى ،و�إمنا تكون عبادة بنية التقرب بها �إلى اهلل تعالى ،فهذه
مال �أم غريه ،بال خالف ال ي�ضر فعلها لغر�ض دنيوي� ،سوا ٌء �أكان ريا ًء �أم جاها �أم اً
بني �أهل العلم.
قال الربكوي “ :و�أما �إرادة الدنيا بعمل الدنيا جائز بال خالف”(.)3
يوما يف الأ�سبوع للك�شف املجاين على الفقراء ،فهذا خ�ص�ص الطبيب ً كما لو ّ
عمل تطوعي باملفهوم العاملي للتطوع� ،إن �أراد به التقرب �إلى اهلل تعالى �صار اً
عمل
تطوع ًيا يف ال�شرع يثاب عليه ،و�إن �أراد به الدنيا كالرياء �أو اجلاه �أو احل�صول على
�شهادة تثبت قيامه ب�ساعات تطوعية ليتو�سل بها �إلى مقا�صد دنيوية ف�إنه ال ي�أثم؛ لأن
هذا العمل يف �أ�صله من الأعمال املباحة.
((( ينظر :جامع امل�سائل ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية ،196 ،191/5و�إرادة الدنيا بعمل الآخرة �ص.42-40
((( جامع امل�سائل ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية .196/5
((( �إنقاذ الهالكني �ص.95
إ�صالحا للعادات
قال ال�شاطبي “ :و�أما الثاين ،وهو �أن يكون العمل � ً
اجلارية بني العباد ،كالنكاح ،والبيع ،والإجارة ،وما �أ�شبه ذلك من الأمور التي ُعلم
ق�صد ال�شارع �إلى القيام بها مل�صالح العباد يف العاجلة ،فهو حظ �أي�ضً ا قد �أثبته
وعلم ذلك من ق�صده بالقوانني املو�ضوعة له، ال�شارع وراعاه يف الأوامر والنواهيُ ،
و�إذا علم ذلك ب�إطالق ،فطلبه من ذلك الوجه غري خمالف لق�صد ال�شارع ،فكان
و�صحيحا ،هذا وجه.
ً حقا
قادحا يف التما�سه وطلبه ،ال�ستوى ووجه ثان� :أنه لو كان طلب احلظ يف ذلك ً
مع العبادات كال�صيام وال�صالة وغريهما يف ا�شرتاط النية والق�صد �إلى االمتثال،
وقد اتفقوا على �أن العادات ال تفتقر �إلى نية ،وهذا كاف يف كون الق�صد �إلى احلظ
ال يقدح يف الأعمال التي يت�سبب عنها ذلك احلظ ،بل لو فر�ضنا رجال تزوج لريائي
بتزوجه� ،أو ليعد من �أهل العفاف� ،أو لغري ذلك ،ل�صح تزوجه ،من حيث مل ي�شرع
فيه نية العبادة من حيث هو تزوج فيقدح فيها الرياء وال�سمعة ،بخالف العبادات
املق�صود بها تعظيم اهلل تعالى جم ّردًا”(.)1
وقال اخلادمي احلنفي“ :اعلم �أن الرياء بعمل الدنيا كال�شجاعة واحلذاقة يف
نحو الكتابة واخلياطة وغريها مما ُو�ضع لعمل الدنيا ال َي ْح ُرم �إن خال عن الت ْلبي�س
والتزوير ،ب�أن يظهر ال�شجاعة يف �أمر ولي�س له �شجاعة يف الواقع ،و�أما الرياء يف
العبادة التي كانت م�شروعيتها ملجرد تعظيم اللهَّ وحت�صيل ر�ضاه فحرام كلُّه بجميع
�أنواعه”(.)2
وتتمي ًما للفائدة يف نهاية هذا املبحث؛ �أرى من الأهمية الإ�شارة �إلى ال�شرط
الثاين من �شروط قبول العمل وهو حتقيق املتابعة عند القيام بعمل تطوعي ،وذلك
مبراعاة ما جاءت به ال�شريعة من �أحكام ،ب�أن يكون العمل التطوعي غري خمالف
للأحكام ال�شرعية ،فال يقع من املتطوع خمالفة للكتاب �أو ال�سنة ،وكذا �أال يقع منه
((( املوافقات .374 ،373/2
((( بريقة حممودية 107 ،106/2بت�صرف.
خمالفة للأنظمة التي ي�س ُّنها ويل الأمر؛ لتنظيم العمل التطوعي �أو تنظيم غريه من
�أمور النا�س ،متى كانت تلك الأنظمة ال تخالف ال�شرع؛ لوجوب ال�سمع والطاعة له
يف املعروف ،وبناء عليه فكل من زعم �أنه يتطوع بعمل يخالف ال�شرع �أو الأنظمة ف�إن
عمل تطوع ًيا يف الإ�سالم ،بل هو مع�صية ،يجب عليه التوبة منها ،كمن عمله ال يعد اً
يتطوع بتقدمي حفل غنائي للأيتام ،فهذا ال يعد اً
عمل تطوع ًّيا يف الإ�سالم ،ملخالفته
لل�شريعة ،وكذا من يتطوع بجمع التربعات بطريقة غري نظامية فال يعد عمله تطوع ًيا
يف الإ�سالم ،بل هو مع�صية ملخالفته للأنظمة التي �سنها ويل الأمر ،والذي �أوجب
ال�شرع طاعته يف ذلك ،واهلل �أعلم.
املبحث اخلام�س
توثيق العمل التطوعي
املراد بتوثيق العمل التطوعي� :أن يتم �إثبات قيام ال�شخ�ص املعني �أو اجلهة املعينة
بعمل من الأعمال التطوعية ،وذلك وفق �آلية معينة بحيث يتم االعرتاف بها من قبل
املنظمات الدولية املعتمدة.
وال يخفى �أن العمل التطوعي يف الإ�سالم ُي َع ُّد من العبادات التي يتقرب بها املرء
لربه ،والأ�صل يف امل�ؤمن الذي يرجو الثواب من اهلل تعالى �أنه ُيخفي �أعماله
ال�صاحلة التي ميكن �إخفا�ؤه( ،)1وكذا ما ال ميكن �إخفا�ؤه من الأعمال ،ف�إنه ال ي�سعى
حر�صا من امل�ؤمن على حتقيق �شرط �صحة يف ن�شرها عند غري َمن عرفها ،كل ذلك ً
العبادة وهو الإخال�ص هلل تعالى .ولذا �أجمع العلماء على �أن �إخفاء �صدقة التطوع
�أف�ضل من �إظهارها.
قال ابن بطال “ :وال خالف بني �أئمة العلم� ...أن �إ�سرار �صدقة النافلة
�أف�ضل من �إعالنها”(.)2
ولكن ي�ستثنى من هذا الأ�صل ما لو كان يف �إظهار العمل ال�صالح م�صلحة �شرعية،
�أو دفع مف�سدة ،كما لو كان يف �إظهاره م�صلحة اقتداء غريه من النا�س به� ،أو دفع
مف�سدة تهمته بالتق�صري يف العمل ال�صالح ،ونحو ذلك ،مع غلبة ظنه ب�سالمته من
م�شروعا(.)3
ً حينئذ يكون
الرياء والعجب ف�إن �إظهاره ٍ
قال العز بن عبدال�سالم عند كالمه على ف�ضل الإ�سرار والإعالن
بالطاعات�“ :إن الطاعات ثالثة �أ�ضرب:
((( ينظر :ال�شرح املمتع .206/6
((( �شرح �صحيح البخاري ،420/3وانظر فيه ،421/3وينظر حكاية الإجماع �أي�ضا يف فتح الباري البن
حجر .289/3
((( ينظر :فتح الباري البن حجر .46/6
�أحدها :ما ُ�شرع جمهو ًرا به ،كالأذان والإقامة ...فهذا ال ميكن �إخفا�ؤه...
الثاين :ما يكون �إ�سراره خ ًريا من �إعالنه ،ك�إ�سرار القراءة يف ال�صالة...
الثالث :ما ُيخفى تارة و ُيظ َهر �أخرى كال�صدقات ،ف�إن خاف على نف�سه الرياء �أو
َعرف ذلك من عادته ،كان الإخفاء �أف�ضل من الإبداء ،لقوله تعالى( :ﭨ ﭩ
ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [البقرة ،]٢٧١ :ومن �أَ ِمن الرياء فله حاالن� :إحداهما:
�أال يكون ممن ُيقتدى به ف�إخفا�ؤها �أف�ضل� ،إذ ال ي�أمن من الرياء عند الإظهار،
و�إن كان ممن يقتدى به كان الإبداء �أولى ملا فيه من �سد خلة الفقراء مع م�صلحة
االقتداء ،فيكون قد نفع الفقراء ب�صدقته وبت�سببه �إلى ت�صدق الأغنياء عليهم ،وقد
نفع الأغنياء بت�سببه �إلى اقتدائهم به يف نفع الفقراء”(.)1
ويدل ال�ستحباب �إظهار ال�صدقة عند حتقق امل�صلحة �أنه ملا َق ِدم جماعة من
ُم َ�ضر من ذوي احلاجة على النبي ﷺ حثَّ �أ�صحابه على ال�صدقة ،فجاء
ب�ص َّرة كادت ك ُّفه تعجز عنها ،ثم تتابع النا�س بال�صدقة ،فقال رجل من الأن�صار ُ
ال ْ�سلاَ ِم ُ�س َّن ًة َح َ�س َن ًةَ ،ف َل ُه �أَ ْج ُر َهاَ ،و َ�أ ْج ُر َمنْ َع ِم َل ِب َها َب ْع َد ُه،
النبي ﷺ«َ :منْ َ�سنَّ فيِ ْ إِ
ِمنْ َغيرْ ِ �أَنْ َي ْن ُق َ�ص ِمنْ �أُ ُجو ِر ِه ْم َ�ش ْي ٌء.)2(»...
و�إذا نظرنا �إلى واقع كثري من املتطوعني يف بالد امل�سلمني جند �أنهم ال يرغبون
يف توثيق �أعمالهم التطوعية لدى جهات معينة؛ لإميانهم الرا�سخ ب�أنها مكتوبة عند
اهلل ،يرجون ذخرها و�أجرها يوم القيامة.
و�أما يف كثري من املجتمعات الكافرة ف�إنهم يهتمون بتوثيق �أعمالهم التطوعية،
ور�صدها ون�شرها بني حني و�آخر ،لكونها تعد من دالئل احل�ضارة والتقدم عندهم.
ولذا ف�إن تلك املجتمعات الكافرة قد فاقت كث ًريا من املجتمعات امل�سلمة يف توثيق
عدد املتطوعني ،وما قاموا به من �أعمال تطوعية ،و�صار ظاهر احلال هو تقدم تلك
((( قواعد الأحكام �ص ،153 ،152وينظر :فتح الباري البن حجر .289/3
((( �أخرجه م�سلم يف �صحيحه ،كتاب الزكاة ،باب احلث على ال�صدقة ،...برقم (.)1017
املجتمعات الكافرة على جمتمعات امل�سلمني ،ورمبا عادُوا على امل�سلمني بالتنق�ص
واتهامهم بعدم القيام ب�أعمال تطوعية ،مع �أن احلقيقة خالف ذلك� ،إذ ال �شك وال
ريب �أن �أعداد املتطوعني من امل�سلمني يفوقون ب�أ�ضعاف كثرية �أعداد املتطوعني يف
بالد الكفار.
وتوثيق العمل التطوعي يتحقق به عده م�صالح ،منها:
�1.1إظهار حقيقة هذا الدين العظيم ،وما ا�شتمل عليه من �أعمال تطوعية كثرية.
2.2ترغيب الكفار يف الدخول يف الإ�سالم� ،إذا علموا مبا يقوم به امل�سلمون من
�أعمال تطوعية كثرية ،ال يرجون من ورائها عو�ضً ا دنيو ًيا.
3.3دفع املذمة عن امل�سلمني ب�أنهم ال يقومون ب�أعمال تطوعية(.)1
وبنا ًء على ما تقدم ف�إن �إظهار العمل التطوعي عن طريق توثيق ا�سم املتطوع،
وبيان نوع العمل التطوعي ،وعدد �ساعاته ،ونحو ذلك فيه تف�صيل(:)2
�1.1أن يح�صل بالتوثيق م�صلحة مما تقدم ،ويغلب على ظن املتطوع ال�سالمة من
الرياء وال ُعجب في�ستحب له التوثيق؛ حتقي ًقا للم�صلحة.
�2.2أن يتحقق املتطوع �أو يغلب على ظنه وقوع الرياء منه �أو العجب بتوثيق عمله
التطوعي فحينئذ يحرم عليه التوثيق؛ لئال يقع يف احلرام.
�3.3أن يح�صل عنده تردد يف وقوع الرياء والعجب منه �أو ال بتوثيقه لعمله
التطوعي ،فالأف�ضل الإ�سرار؛ طل ًبا لل�سالمة ،واهلل �أعلم.
((( ميكن �أن ي�ؤخذ هذا املعنى مما ذكره �أهل العلم يف �أن �إظهار الزكاة �أف�ضل لئال ي�ساء الظن مبن
�أخفاها .ينظر :فتح الباري البن حجر .289/3
((( ينظر نحو هذا التف�صيل يف :مواهب اجلليل ،353/2وتي�سري الكرمي الرحمن �ص ،116وال�شرح املمتع
.207 ،206/6
املبحث ال�ساد�س
حوافز العمل التطوعي
للعمل التطوعي عدة حوافز ت�شجع عليه ،منها حوافز دينية ،وحوافز دنيوية.
�أما احلوافز الدينية فهي التي ُت ِّ
رغب املتطوع امل�سلم يف القيام بالأعمال التطوعية؛
ملا يرجو بها من ر�ضا اهلل تعالى وثوابه� ،أو لكونها �سب ًبا للنجاة من عذابه ،فهذه من
�أعظم املحفزات التي تدفع املتطوع امل�سلم �إلى العمل التطوعي(.)1
و�أما احلوافز الدنيوية فهي ما يناله املتطوع يف هذه احلياة الدنيا ،وهي على
ق�سمني(:)2
1.1حوافز مادية :وهي ما ُيق َّدم للمتطوع من املزايا املالية ،كالأجور واملكاف�آت
والعالوات ونحوها.
2.2حوافز معنوية :وهي ما ُيق َّدم للمتطوع من املزايا التي ُتر�ضي حاجته النف�سية،
وترفع من مكانته االجتماعية ،ك�شهادات التقدير ،وحفالت التكرمي ،والثناء
على املتطوع ،والزيادة يف درجات الطالب ،ونحو ذلك.
وهذه احلوافز الدنيوية هي حمل البحث هنا ،وميكن �أن يكون الكالم عليها يف
م�س�ألتني:
امل�س�ألة الأولىَ :ق ْ�ص ُد املتطوع بعمله التطوعي احل�صول على احلوافز املادية �أو
املعنوية.
وقد تقدم حكم ذلك مف�صال يف املبحث الرابع� :أثر النية يف العمل التطوعي.
((( ينظر :العمل التطوعي من منظور الرتبية الإ�سالمية �ص ،104 ،103 ،101والأحكام الفقهية للأعمال
التطوعية �ص.53
((( ينظر :العمل التطوعي من منظور الرتبية الإ�سالمية �ص.110-105
متطوعا؟
ً امل�س�ألة الثانية :هل ُي َع ُّد َمن �أخذ على عمله التطوعي حوافز مادية �أو معنوية
�أما احلوافز املادية فقد تقدم يف تعريف العمل التطوعي يف الإ�سالم �أنه العمل
الذي ال ي�أخذ عليه املتطوع �أج ًرا مكاف ًئا.
وبنا ًء عليه ،ف�إن كان قد �أخذ احلافز املايل املكافئ لعمله ف�إن عمله ال ُيع ّد تط ّو ًعا؛
لأخذه للعو�ض ،فال يدخل يف حدِّ العمل التطوعي ،و�إن كان �أخذ حاف ًزا مال ًيا غري مكافئ
لعمله ف�إنه يكون متط ّو ًعا تط ّو ًعا جزئ ًيا ،مبعنى �أنه يكون متط ّو ًعا باجلزء من العمل
التطوعي الذي مل يقابله حافز مادي� ،أما اجلزء الذي قابله حافز مادي فال يعد تط ّو ًعا.
خرجو�إن كان احلافز معنو ًيا فقط ف�إن عمله ُيع ّد تط ّو ًعا؛ لأن العو�ض املعنوي ال ُي ِ
العمل عن كونه تط ّو ًعا؛ لأن النبي ﷺ كان يثني على كثري من ال�صحابة عند
قيامهم ب�أعمال تطوعية ،فعن عبدالرحمن بن �سمرة قال :جاء عثمان �إلى
النبي ﷺ ِب�أَ ْل ِف ِدي َنا ٍر ِح َني َج َّهزَ َج ْي َ�ش ا ْل ُع ْ�س َر ِةَ ،ف َنثرَ َ َها فيِ ِح ْج ِر ِهَ .ق َال َع ْبدُال َّر ْح َم ِن:
َف َر�أَ ْي ُت ال َّن ِب َّي ﷺ ُي َق ِّل ُب َها فيِ ِح ْج ِر ِه َو َي ُق ُ
ول«َ :ما َ�ض َّر ُع ْث َمانَ َما َع ِم َل َب ْع َد ال َي ْو ِم» َم َّر َتينْ ِ (.)1
عمل تط ّوع ًيا. وال �شك �أن تربع عثمان بهذا املال ُيع ُّد اً
وعن عبداهلل بن عمر قال :قال ر�سول اهلل ﷺ« :من ا�ستعاذ باهلل ف�أعيذوه،
ومن �س�أل باهلل ف�أعطوه ،ومن دعاكم ف�أجيبوه ،ومن �صنع �إليكم معرو ًفا فكافئوه ،ف�إن
مل جتدوا ما تكافئونه ،فادعوا له حتى تروا �أنكم قد كاف�أمتوه»(.)2
امل�سدي
عمل تطوع ًّيا ،وقد �أمر النبي ﷺ مبكاف�أة ِ ف�إ�سداء املعروف للغري ُيع ُّد اً
للمعروف ،ولو بالدعاء له ،والدعاء حافز معنوي ،واهلل �أعلم.
((( �أخرجه الرتمذي يف جامعه� ،أبواب املناقب ،برقم ( )3701وقال الرتمذي :حديث ح�سن غريب.
وح�سنه الألباين يف �صحيح الرتمذي.
((( �أخرجه �أبو داود يف �سننه ،كتاب الزكاة ،باب عطية من �س�أل باهلل ،برقم ( )1672والن�سائي يف �سننه،
كتاب الزكاة ،باب من �س�أل باهلل ،برقم ( )2567و�أحمد يف م�سنده ،برقم ( )5365وقال �أحمد
�شاكر يف حتقيقه� :إ�سناده �صحيح .و�صححه الألباين يف �صحيح �سنن �أبي داود.
املبحث ال�سابع
الإلزام بالعمل التطوعي
�صورة امل�س�ألة :هل لويل الأمر �أو نائبه �أن ُي ِلزم بع�ض الرعية بالقيام ب�أعمال
أعمال تطوعية؟ تطوعية؟ و�إذا �ألزمهم بها هل ُيخرجها هذا الإلزام عن كونها � اً
باعتبار �أن العمل التطوعي عمل اختياري ال �إجباري.
من �أمثلة ذلك� :إلزام بع�ض اجلامعات ال�سعودية طالبها ب�إجناز مائة �ساعة
تطوعية خالل �سنوات الدرا�سة اجلامعية(.)1
و�إلزام الأ�ستاذ طالبه يف اجلامعة �أن يقوموا بعمل تطوعي للح�صول على درجة
الن�شاط.
و�إلزام املدار�س طالبها بالقيام ب�ساعات عمل تطوعية(.)2
والذي يظهر واهلل �أعلم جواز الإلزام بالعمل التطوعي؛ ملا يرتتب على هذا الإلزام
من امل�صلحة الظاهرة ،وهي تعويد الفرد على القيام بالأعمال التطوعية يف م�ستقبل
�أمره ،ودعم كثري من اجلهات التطوعية باملتطوعني ،وزيادة الأعمال التطوعية يف
املجتمع ،وما يك�سبه املتطوع من اخلربة واملهارة ،وغري ذلك من امل�صالح الأخرى.
وميكن اال�ستدالل للجواز مبا يلي:
1.1عن عائ�شة قالتَ :د َّف �أَ ْه ُل �أَ ْب َي ٍات ِمنْ َ�أ ْه ِل ا ْل َبا ِد َي ِة ِح ْ�ض َر َة ا َلأ ْ�ض َحى
ول اللهَّ ِ ﷺ« :ا َّد ِخ ُروا َث َال ًثاُ ،ث َّم ت ََ�ص َّد ُقوا بمِ َ ا َز َمنَ َر ُ�س ِول اللهَّ ِ ﷺ َف َق َال َر ُ�س ُ
َب ِق َي»؛ َف َل َّما َكانَ َب ْع َد َذ ِل َك َقا ُلواَ :يا َر ُ�س َول اللهَّ ِ �ِ ،إنَّ ال َّن َ
ا�س َيت َِّخ ُذونَ الأَ ْ�س ِق َي َة
اك»، ول اللهَّ ِ ﷺَ « :و َما َذ َ ِمنْ َ�ض َحا َياهُ ْمَ ،و َي ْج ِم ُلونَ ِم ْن َها ا ْل َو َد َك(َ .)3ف َق َال َر ُ�س ُ
((( ينظر� :صحيفة عكاظ العدد ال�صادر بتاريخ 1433/5/29هـ.
((( ينظر� :صحيفة العني الإخبارية يف عددها ال�صادر يف 2016/8/17م ،على الرابط:
.https://al-ain.com/article/232441
((( �أيُ :يذيبون منها الدهن .انظر� :شرح م�سلم للنووي .190/13
ال�ض َحا َيا َب ْع َد َث َال ٍثَ .ف َق َال�ِ « :إنمَّ َ ا َن َه ْي ُت ُك ْم ِمنْ �أَ ْج ِل
َقا ُلواَ :ن َه ْي َت �أَنْ ُت ْ�ؤ َك َل لحُ ُ ُوم َّ
ال َّدا َّف ِة( )1ا َّل ِتي َد َّف ْت َف ُك ُلوا َوا َّد ِخ ُروا َوت ََ�ص َّد ُقوا»( ،)2ويف رواية« :ف�إن ذلك العام
كان بالنا�س َجهد ،ف�أردتُ �أن ُتعينوا فيها»(.)3
وجه الداللة� :أن النبي ﷺ �ألزم ال�صحاب َة بال�صدقة ،وهي من حيث
الأ�صل عمل تطوعي ،ال جتب عليهم ،لكن ملا ُوجدت امل�صلحة يف الإلزام بها
�ألزمهم بها النبي ﷺ؛ رف ًعا للحرج وامل�شقة عن �إخوانهم امل�سلمني(.)4
قال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية “ :وقد توجب ال�شريعة التربع عند
احلاجة ،كما نهاهم النبي ﷺ عن ادخار حلوم الأ�ضاحي؛ لأجل الدافة التي
د َّفت؛ ليطعموا اجلياع؛ لأن �إطعامهم واجب”(.)5
وبنا ًء على ذلك ،فمتى ما كان يف الإلزام بالعمل التطوعي م�صلحة جاز
لويل الأمر �أو نائبه �أن ُي ِلزم به؛ لأن لويل الأمر �أن ُي ِلزم الرعية مبا يحقق
م�صاحلهم ،عملاً بالقاعدة الفقهية( :تَ�ص ُّرف الإمام على الرعية منوط
بامل�صلحة)( )6وامل�صلحة هنا تتمثل يف تعويد الرعية على العمل التطوعي،
ون�شر ثقافته بني �أفراد املجتمع(.)7
2.2عن عمرو بن �شعيب ،عن �أبيه ،عن جده ،قال :قال ر�سول اهلل ﷺ« :مروا
((( هم :القوم ي�سريون جماعة �س ًريا لي�س بال�شديد ،يقال“ :هم يد ُّفون دفي ًفا .والدافة :قوم من الأعراب
يريدون امل�صر” .النهاية مادة (دفف) .124/2
((( �أخرجه م�سلم ،كتاب الأ�ضاحي ،باب ما كان من النهي عن �أكل حلوم الأ�ضاحي بعد ثالث �أول
الإ�سالم ،..برقم (.)1971
((( �أخرجها البخاري ،كتاب الأ�ضاحي ،باب ما ي�ؤكل من حلوم الأ�ضاحي وما يتزود منها ،برقم ()5569
وم�سلم ،كتاب الأ�ضاحي ،باب ما كان من النهي عن �أكل حلوم الأ�ضاحي بعد ثالث �أول الإ�سالم،..
برقم ( )1974واللفظ للبخاري.
((( ينظر نحوه يف احلاجة و�أثرها يف الأحكام .262/1
((( جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم ابن تيمية .115/29
((( انظر يف هذه القاعدة :املنثور يف القواعد 309/1والأ�شباه والنظائر لل�سيوطي �ص ،233و�شرح القواعد
الفقهية للزرقاء �ص.309
((( ينظر :الأحكام التبعية لعقود الت�أمني .245/1
�أوالدكم بال�صالة وهم �أبناء �سبع �سنني ،وا�ضربوهم عليها وهم �أبناء ع�شر،
وفرقوا بينهم يف امل�ضاجع»(.)1
وجه الداللة� :أن النبي ﷺ �أمر الأولياء �أن ي�ضربوا �أوالدهم على ال�صالة
لع�شر؛ مل�صلحة تعويدهم على الطاعة ،وهذا نوع من الإلزام لهم على �أدائها،
وهي يف حق ال�صغار تطوع؛ لكونها مل جتب عليهم بعد ،و�إذا جاز الإلزام
لل�صغار بالتطوع فكذا يجوز �إلزام الكبار بالتطوع؛ لتحقق امل�صلحة يف كل
منهما ،وهي التعويد على العمل ال�صالح.
بل �إذا جاز �إلزام ال�صغار بال�صالة وهي يف حقهم تطوع قا�صر ،فيجوز �إلزام
الكبار بالتطوع املتعدي من باب �أولى؛ لأن نفعه �أكرث غال ًبا.
ف�إن قيل� :إن العمل التطوعي عمل اختياري ،والإلزام به يناق�ض االختيار.
فيمكن �أن يجاب مبا يلي:
إلزاما دائ ًما ،و�إمنا �إلزام عار�ض،
�1.1أن الإلزام به يف مثل هذه ال�صور لي�س � ً
ُيق�صد منه التعويد على العمل التطوعي مدة معينة؛ ليقوم به املرء بعد ذلك
باختياره ،فالإلزام به من باب ال�سيا�سة ال�شرعية.
�2.2أن هناك فئة من ه�ؤالء الذين ُيلزَ مون بالعمل التطوعي يقومون به برغبة
تامة ،و�إقبال عليه ،كما لو كان بغري �إلزام ،فه�ؤالء ي�صدق عليهم �أن ما قاموا
به ُيع ّد اً
عمل تطوع ًيا؛ لأنه �أ�شبه باالختيار.
�أما الفئة التي ال تقوم بهذا العمل التطوعي عن رغبة ،و�إمنا قاموا به لأجل
الإلزام به ،فه�ؤالء عملهم يف ذاته ال ُيع ّد تطوع ًّيا؛ لأنهم ما �أرادوا به الثواب
الأخروي ،وما فعلوه اختيا ًرا ،لكن يرجى �أن يت�أثروا بهذه الأعمال التطوعية،
وتتغري نيتهم يف م�ستقبل �أمرهم ،واهلل �أعلم.
املبحث الثامن
التعزير بالعمل التطوعي
يب غ ُري مقدر �شرعا على مع�صية ال َح َّد فيها التعزير يف ا�صطالح الفقهاءَ :ت�أْ ِد ٌ
وال كفارة� ،سوا ٌء �أكانت حقا هلل تعالى �أم لآدمي(.)1
والتعزير م�شروع باتفاق الفقهاء ،قال العالمة ابن القيم“ :واتفق العلماء على �أن
التعزير م�شرو ٌع يف كل مع�صية لي�س فيها ح ٌّد”(.)2
و�صورة امل�س�ألة :هل يجوز للقا�ضي �أن يعزر اجلاين يف حق هلل تعالى �أو لآدمي
بدل من تعزيره بال�سجن �أو اجللد �أو نحوهما؟. ب�إلزامه ببع�ض الأعمال التطوعية ،اً
فمحل البحث يف هذه امل�س�ألة هو عقوبة التعزير� ،أما احلدود والكفارات فال يجوز
�شرعا.
�أن تكون العقوبة فيها بالإلزام ب�أعمال تطوعية؛ لأنها عقوبة مقدرة ً
وقبل بيان حكم هذه امل�س�ألة ال بد من اجلواب عن �س�ؤال يتبادر �إلى الذهن هنا،
وهو:
هل التعزير يف ال�شريعة الإ�سالمية ُيقت�صر فيه على �أنواع العقوبات التي ذكرها
الفقهاء الأوائل �أو يجوز �إحداث �أنواع �أخرى يتحقق بها مق�صد ال�شريعة من العقوبة؟
واجلواب :الذي عليه عامة الفقهاء �أن عقوبة التعزير ال يلزم االقت�صار يف نوعها
على ما ذكره الفقهاء الأوائل كالتعزير بال�سجن واجللد والنفي و�أخذ املال ونحوه ،بل
هي حمل اجتهاد القا�ضي فله �أن يعزر ب�أي عقوبة يرى �أنه يتحقق بها مق�صد ال�شريعة
من ت�شريع العقوبات ،وال تخالف ن�صًّ ا �شرع ًّيا(.)3
((( ينظر :مغني املحتاج ،522/5وك�شاف القناع ،121/6والتعزير يف ال�شريعة الإ�سالمية �ص.52
((( الطرق احلكمية �ص ،93وينظر حكاية الإجماع �أي�ضً ا يف تبيني احلقائق .207/3
((( ينظر :التعزير يف ال�شريعة الإ�سالمية �ص ،482والإلزام بالأعمال التطوعية يف العقوبة التعزيرية
ملخ�ص البحوث املقدمة حللقة البحث التي عقدها مركز التميز البحثي �ص ،13والتعزير باخلدمة =
قال الزيلعي يف ف�صل التعزير“ :قد يكون باحلب�س ،وقد يكون بال�صفع،
وبتعريك الآذان ،وقد يكون بالكالم العنيف� ،أو بال�ضرب ،وقد يكون بنظر القا�ضي
�إليه بوجه عبو�س ،ولي�س فيه �شيء مقدر ،و�إمنا هو مفو�ض �إلى ر�أي الإمام على ما
تقت�ضي جنايتهم ،ف�إن العقوبة فيه تختلف باختالف اجلناية”(.)1
وقال ابن �شا�س عند كالمه عن التعزير“ :و�أما جن�سه ،فال يتخ�ص�ص
ب�سوط� ،أو يد �أو حب�س �أو غريه� ،إمنا ذلك موكول �إلى اجتهاد الإمام”(.)2
وقال الهيتمي يف ف�صل التعزير(“ :ويجتهد الإمام يف جن�سه وقدره) كما
�شرعا ،فوكل �إلى ر�أيه واجتهاده؛ الختالفه باختالف مراتب
تقرر؛ لأنه غري مق َّدر ً
النا�س واملعا�صي”(.)3
وقال املرداوي “ :قال ال�شيخ تقي الدين :يعزره مبا يردعه ،كعزل
متول .وقال :ال يتقدر .لكن ما فيه مقدر ال يبلغه”(.)4
وقال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية “ :ولي�س لأقل التعزير ح ّد؛ بل هو بكل ما فيه
�إيالم الإن�سان ،من قول وفعل ،وترك قول ،وترك فعل”(.)5
= االجتماعية �ص ،66-65لكن خالف يف ذلك عبدالقادر عودة يف كتابه الت�شريع اجلنائي الإ�سالمي
148/1حيث قال“ :ال جرمية وال عقوبة يف التعزير بغري ن�ص :وظاهر مما �سبق �أن ال�شريعة الإ�سالمية
ن�صت على جرائم التعزير وعقوباتها ،وعينت اجلرائم وحددت العقوبات حتديدً ا دقي ًقا بحيث ال
ي�ستطيع القا�ضي �أن يعاقب على فعل مل حترمه ال�شريعة ،وال ي�ستطيع �أن يعاقب بغري العقوبات املقررة
للتعازير ،وال �أن يخرج على حدودها” ،وما ذكره غري م�س َّلم؛ ملخالفته ملا قرره فقهاء املذاهب الأربعة
واملحققني من �أهل العلم من �أن التعزير يرجع يف جن�سه �إلى اجتهاد الإمام ،وعلى الت�سليم بقاعدة“ :ال
جرمية وال عقوبة يف التعزير �إال بن�ص” فاجلواب �أنه قد د ّلت الأدلة على جواز التعزير بغري العقوبات
التي قررها الفقهاء الأوائل كما �سي�أتي قري ًبا �إن �شاء اهلل تعالى .ينظر :الإلزام بالأعمال التطوعية يف
العقوبات التعزيرية �ص.18
تبيني احلقائق .208 ،207/3 (((
عقد اجلواهر الثمينة .1178/3 (((
حتفة املحتاج .179/9 (((
الإن�صاف .249/10 (((
ال�سيا�سة ال�شرعية يف �إ�صالح الراعي والرعية �ص.91 (((
وقال العالمة ابن القيم “ :ثم ملا كانت مفا�سد اجلرائم بعد متفاوت ًة غري
من�ضبطة يف ال�شدة وال�ضعف والقلة والكرثة -وهي ما بني النظرة واخللوة واملعانقة-
ُجعلت عقوباتها راجعة �إلى اجتهاد الأئمة ووالة الأمور ،بح�سب امل�صلحة يف كل زمان
النا�س يف ذلك وبني
ومكان ،وبح�سب �أرباب اجلرائم يف �أنف�سهم ،فمن �س ّوى بني ِ
الأزمنة والأمكنة والأحوال مل يفقه حكم َة ال�شرع”(.)1
وقال ال�شيخ حممد بن �إبراهيم �آل ال�شيخ “ :باب التعزير وا�سع ،ي�ستطيع
ويل الأمر عن طريقه �أن يفر�ض من العقاب ما يكون كاف ًيا للزجر مان ًعا للإجرام؛
لأن ال�شريعة مل حتدد له عقوبة معينة ،و�إمنا هو يقوى وي�ضعف بح�سب عظم اجلناية
و�صغرها ،وبح�سب اجلاين يف تكرر ال�شر منه وعدمه”(.)2
وبنا ًء على ما تقدم فقد �أجاز جم ٌع من الباحثني والق�ضاة مبحاكم اململكة العربية
ال�سعودية التعزير بالعمل التطوعي ،ومل �أقف على خمالف يف ذلك(.)3
من �أدلة اجلواز:
الدليل الأول:
الن�صو�ص التي ورد فيها التكفري بالإطعام ،ككفارة الظهار ،وكفارة اليمني،
وغريها.
(ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ قال اهلل تعالى:
ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ
ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ) [املجادلة.]٤-٣ :
((( �إعالم املوقعني .84/2
((( فتاوى ور�سائل �سماحة ال�شيخ حممد بن �إبراهيم �آل ال�شيخ ،116/12وينظر نحوه يف .109/12
((( ينظر :التعزير باخلدمة االجتماعية �ص ،73 -70 ،67-66وجاء يف ختام ملخ�ص بحوث حلقة البحث
عن الإلزام بالأعمال التطوعية يف العقوبة التعزيرية �ص“ :41تبني من خالل البحوث املقدمة وما دار
حولها من مناق�شات �أن التعزير بالإلزام بالأعمال التطوعية ذات النفع العام بال�ضوابط املذكورة يف
هذا امللخ�ص ال خالف فيها”.
ووجه اال�ستدالل بهذه القاعدة� :أن التعزير بالأعمال التطوعية يحقق م�صالح
كثرية ،وتندفع به مفا�سد كثرية ،منها(:)1
1.1تعويد َمن وقع يف اجلرمية على العمل التطوعي ،وخمالطة املتطوعني ،وتهيئة
البيئة الطيبة له ،مما يعينه على �إ�صالح نف�سه ،وتي�سري طرق اخلري له،
بخالف العقوبة بال�سجن فهي مظنة خمالطة �أهل ال�شر والف�ساد ،والت�أثر
بهم ،مما يكون له �أثر �سيء على ِد ْين امل�سجون و�أخالقه.
2.2قلة التكاليف املادية مقارنة بالتعزير بعقوبة ال�سجن ،التي ُتك ِّلف الدول كث ًريا
من الأعباء املالية.
3.3النفع املتعدي املرتتب على هذه العقوبة التعزيرية لكثري من اجلهات الر�سمية
وغريها ،بتوفري عدد من الأفراد الذين يقومون ب�أعمال تطوعية متنوعة،
وهذا ال يتحقق يف عقوبة ال�سجن واجللد ونحوهما.
4.4اكت�ساب املحكوم عليه خربات ومعارف تعينه على تطوير ذاته ،واخلروج
من �آثار اجلرمية التي ارتكبها ،ورمبا كان هذا العمل التطوعي �سببا لفر�ص
وظيفية يف امل�ستقبل ،وهذا كله ال يتحقق غال ًبا يف عقوبة ال�سجن.
�5.5أن التعزير بالعمل التطوعي يعود بامل�صلحة على �أ�سرة اجلاين ،من جهة
بقائه معهم ،ورعايته لهم ،والقيام مب�صاحلهم ،بخالف التعزير بال�سجن
ف�إنه يعود بال�ضرر على �أ�سرة اجلاين ،بفقدهم ملن يعولهم ،ورمبا كان �سب ًبا
ل�ضياع �أوالده ،وطالق زوجه.
و�إذا كان التعزير بالعمل التطوعي تتحقق به هذه امل�صالح ،وتندفع به كثري من
م�شروعا؛ لكون هذه امل�صالح مالئمة ملق�صود ال�شرع ،وال تعار�ض ن�صًّ ا.
ً املفا�سد ف�إنه يكون
((( ينظر :التعزير بالإلزام بالأعمال التطوعية واالجتماعية �ص ،134والإلزام بالأعمال التطوعية يف
العقوبة التعزيرية ملخ�ص البحوث املقدمة حللقة البحث التي عقدها مركز التميز البحثي �ص-22
،24والتعزير باخلدمة االجتماعية �ص ،87 -84والتعزير بخدمة املجتمع ،بحث من�شور باملجلة العربية
للدرا�سات الأمنية والتدريب العدد (� )60ص.283 -281
الدليل اخلام�س:
�أن التعزير بالعمل التطوعي يتحقق به املق�صد ال�شرعي من �إيقاع العقوبة وهو
تقومي �سلوك اجلاين ،و�إ�صالحه ،وزجره عن العود �إلى اجلرمية ،وردع غريه ،وذلك
مبا يلحق اجلاين من م�شقة التنفيذ ،ور�ؤية غريه من �أفراد املجتمع له ،وما يناله من
رادعا له ولغريه ،و�إذا كان كذلك فهو تعزير م�شروع(.)1م�شقة العمل ،مما يكون ً
و�إذا كان التعزير بالعمل التطوعي يح�صل به مق�صود ال�شرع من �إيقاع العقوبة مل
ُينتقل �إلى ما هو �أ�شد من �أنواع التعزير؛ حل�صول املق�صد ال�شرعي مبا دونه.
قال العز بن عبدال�سالم “ :ومهما ح�صل الت�أديب بالأخف من الأفعال
عدل �إلى الأغلظ؛ �إذ هو مف�سدة ال فائدة فيه؛ والأقوال واحلب�س واالعتقاد ،مل ُي َ
حل�صول الغر�ض مبا دونه”(.)2
وما تقدم من �أدلة هي مع�ضدة للأ�صل املتقدم ،وهو جواز التعزير ب�أي نوع من
�أنواع التعزيرات التي يراها احلاكم حمققة ملق�صد ال�شريعة من العقوبة ،وال تعار�ض
كاف يف اال�ستدالل جلواز التعزير بالعمل التطوعي؛ لكن ن ّ�صً ا �شرع ًّيا ،وهذا الأ�صل ٍ
جرى ذكر هذه الأدلة لتقوية هذا الأ�صل( ،)3واهلل �أعلم.
�شكل على جواز التعزير بالعمل التطوعي �أن العمل التطوعي ُيع ّد اً
عمل لكن ُي ِ
تطوع ًّيا ،ويف التعزير به �إلزام به ،والإلزام يناق�ض االختيار.
�أُجيب ب�أنه ال تناق�ض يف ذلك؛ لأن املق�صود بهذه امل�س�ألة هو �أن العمل الذي يف
عمل تطوع ًيا هل يجوز للقا�ضي �أن يق�ضي بالإلزام به تعزيرا؟(.)4 �أ�صله يعد اً
ينظر :التعزير بالإلزام بالأعمال التطوعية واالجتماعية �ص ،138والإلزام بالأعمال التطوعية يف (((
العقوبة التعزيرية ملخ�ص البحوث املقدمة حللقة البحث التي عقدها مركز التميز البحثي �ص،25
والتعزير باخلدمة االجتماعية �ص ،92 ،88والتعزير بخدمة املجتمع ،بحث من�شور باملجلة العربية
للدرا�سات الأمنية والتدريب العدد (� )60ص.281
قواعد الأحكام .88/2 (((
ينظر :التعزير باخلدمة االجتماعية �ص.89 ،75 (((
ينظر :الإلزام بالأعمال التطوعية يف العقوبة التعزيرية ملخ�ص البحوث املقدمة حللقة البحث التي (((
عقدها مركز التميز البحثي �ص.34 ،33
وميكن �أن يجاب �أي�ضً ا ب�أن بع�ض الأحكام ال�صادرة من الق�ضاة ال ُيلزَ م فيها
املحكوم عليه بالعمل التطوعي ،و�إمنا ُيح َكم عليه بال�سجن واجللد مع وقف التنفيذ
مقابل قيامه بعمل تطوعي معني ،ومتى ما قام به �سقطت عنه عقوبة ال�سجن واجللد،
فقيامه بالعمل التطوعي -واحلال هذه -له فيه نوع اختيار.
كما ميكن اجلواب �إذا كان احلكم الق�ضائي قد �صدر بالإلزام بعمل تطوعي
ابتدا ًء ب�أن لويل الأمر �أن يلزم بالعمل التطوعي �إذا ر�أى امل�صلحة يف ذلك ،بغ�ض
النظر عن كونه ُيع ّد اً
عمل تطوع ًيا يف حق املحكوم عليه �أو ال ،كما تقدم يف املبحث
الثامن من هذا البحث ،واهلل �أعلم.
�إذا تبني جواز التعزير بالأعمال التطوعية ،فيح�سن هنا �أن �أذكر ال�ضوابط التي
ينبغي مراعاتها عند التعزير بالعمل التطوعي ،فمن تلك ال�ضوابط(:)1
نظاما.
�شرعا �أو ً
�1.1أال تكون اجلرمية من اجلرائم التي ورد فيها عقوبة مقدرة ً
�2.2أن تكون اجلرمية املراد التعزير عليها بعمل تطوعي من اجلرائم ال�صغرية،
التي ال ت�شكل خط ًرا على املجتمع ،كامل�شاجرات التي حت�صل من الأحداث،
واملعاك�سات ونحوها� ،أما اجلرائم الكبرية التي تتعلق ب�أمن الدولة� ،أو
جرائم ترويج املخدرات وتهريبها ،ونحو ذلك ،فال ينا�سبها التعزير بالعمل
التطوعي ،بل تقرر لها العقوبة املنا�سبة لها.
�3.3أن يظهر يف العقوبة بالعمل التطوعي املعنى املق�صود من العقوبات وهو
الزجر والردع ،ف�إن مل تكن كذلك فال تعد عقوبة ،كما لو حكم عليه بالعمل
يف �إحدى اجلمعيات اخلريية ب�أن يقوم بتوزيع وجبات �إفطار ال�صائم وقت
املغرب يف �شهر رم�ضان ،ف�إنه ال يظهر يف هذه العقوبة معنى الزجر والردع،
((( ينظر :التعزير بالإلزام بالأعمال التطوعية واالجتماعية �ص ،132بحث من�شور مبجلة العدل ال�سعودية
العدد ( ،)43والإلزام بالأعمال التطوعية يف العقوبة التعزيرية ملخ�ص البحوث املقدمة حللقة البحث
التي عقدها مركز التميز البحثي �ص ،32 -29والتعزير باخلدمة االجتماعية �ص ،102 -97والتعزير
بخدمة املجتمع ،بحث من�شور باملجلة العربية للدرا�سات الأمنية والتدريب العدد (� )60ص.284 -283
بخالف ما لو حكم عليه بالعمل يف هذه اجلمعية �ست �ساعات يوم ًّيا خالل
�شهر رم�ضان ،ف�إنه يتحقق بها مق�صد الزجر والردع.
�4.4أال يتعدى �ضرر احلكم بهذه العقوبة �إلى غري اجلاين ،من �أهله وقرابته ،كما
لو حكم عليه بالتطوع ب�أعمال فيها دناءة ،تلحق معرتها قرابة اجلاين.
�5.5أن تكون العقوبة التعزيرية حافظة لكرامة املحكوم عليه ،وحقوقه التي
�شرعها الإ�سالم ،كما قال تعالى( :ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [الإ�سراء ،]٧٠ :فال
يكون يف العقوبة �إهدار لكرامته ،واملرجع يف ذلك �إلى ما قرره ال�شرع ،وكذا
العرف ال�سائد يف البلد الذي تطبق فيه العقوبة.
�6.6أال يكون يف العقوبة تعري�ض اجلاين للخطر ،ك�أن يعزر ب�أعمال تطوعية فيها
خطورة على حياته ،كبع�ض �أعمال الإنقاذ ،ونحوها من الأعمال التي ال ُيك َّلف
بها �إال من لديه تدريب م�سبق وخربة عالية ،و�إال كان مع ّر�ضً ا نف�سه وغريه
للخطر.
اخلامتة
1.1الإبهاج يف �شرح املنهاج ،لأبي احل�سن تقي الدين ال�سبكي ،دار الكتب العلمية،
بريوت ،عام 1416هـ.
2.2الأحكام التبعية لعقود الت�أمني درا�سة فقهية تطبيقية� ،أحمد بن حمد الون ِّي�س،
دار كنوز �إ�شبيليا ،الريا�ض ،عام 1435هـ ،الطبعة الأولى.
3.3الأحكام الفقهية للأعمال التطوعية وتطبيقاتها املعا�صرة ،عمر بن ن�صري
الربكاتي ال�شريف ،بحث تكميلي من ق�سم الفقه املقارن باملعهد العايل للق�ضاء
بجامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية ،عام 1427 -1426هـ.
4.4الأحكام الفقهية للم�ؤ�س�سات اخلريية ،د .في�صل بن عبدالرحمن
ال�سحيباين ،ر�سالة دكتوراه يف الفقه املقارن ،من املعهد العايل للق�ضاء،
بجامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية ،عام 1430 -1429هـ ،مطبوعة
على احلا�سب الآيل.
5.5الإحكام يف �أ�صول الأحكام ،لأبي احل�سن الآمدي ،تعليق :ال�شيخ عبدالرزاق
عفيفي ،املكتب الإ�سالمي ،بريوت -لبنان.
�6.6أحكام القر�آن ،لأبي بكر الرازي احل�صا�ص احلنفي ،حتقيق حممد �صادق
قمحاوي ،دار �إحياء الرتاث العربي -بريوت ،طبعة 1405هـ.
7.7الأدب املفرد ،للإمام البخاري ،حتقيق حممد ف�ؤاد عبدالباقي ،دار الب�شائر
الإ�سالمية ،بريوت ،الطبعة الثالثة1409 ،هـ.
�8.8إرادة الدنيا بعمل الآخرة ،د .عبداهلل بن حممد ال�سند ،بحث من�شور مبجلة
الدرا�سات العقدية ،العدد ( )6رجب 1432هـ.
�9.9إر�شاد الفحول �إلى حتقيق احلق من علم الأ�صول ،ملحمد ال�شوكاين ،حتقيق
�أحمد عزو عناية ،دار الكتاب العربي ،الطبعة الأولى1419 ،هـ.
�1010أ�س�س ومهارات العمل التطوعي ،د .عي�سى القدومي ،الطبعة الأولى1434 ،هـ.
1111الأ�شباه والنظائر ،جلالل الدين ال�سيوطي ،دار الكتب العلمية ،الطبعة الأولى،
1411هـ.
1212الأ�شباه والنظائر ،لزين الدين ابن جنيم ،و�ضع حوا�شيه وخرج �أحاديثه زكريا
عمريات ،دار الكتب العلمية ،بريوت -لبنان ،الطبعة الأولى 1419هـ.
�1313أ�ضواء البيان يف �إي�ضاح القر�آن بالقر�آن ،ملحمد الأمني ال�شنقيطي ،دار الفكر،
بريوت -لبنان1415 ،هـ.
�1414إعالم املوقعني عن رب العاملني ،ل�شم�س الدين ابن قيم اجلوزية ،حتقيق حممد
عبدال�سالم �إبراهيم ،دار الكتب العلمية ،الطبعة الأولى1411 ،هـ.
1515الأعمال التطوعية يف الإ�سالم ،ملحمد بن �صالح القا�ضي ،ورقة عمل مقدمة
للقاء ال�سنوي الرابع للجهات اخلريية باملنطقة ال�شرقية.
�1616أفعال الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم وداللتها على الأحكام ،د .حممد الأ�شقر.
1717الأ�سرة والعمل التطوعي ،د .علي بن حممد ال�شبيلي ،مركز �إب�صار للن�شر
والتوزيع ،القاهرة ،الطبعة الأولى1437 ،هـ.
1818الإلزام بالأعمال التطوعية يف العقوبة التعزيرية ،ملخ�ص البحوث املقدمة حللقة
البحث التي عقدها مركز التميز البحثي بجامعة الإمام ،يف 1430/4/5هـ.
1919التعزير بالإلزام بالأعمال التطوعية واالجتماعية ،د .نا�صر بن �إبراهيم
املحيميد ،بحث من�شور مبجلة العدل ،العدد ( )43رجب 1430هـ.
2020الإن�صاف يف معرفة الراجح من اخلالف ،لعالء الدين املرداوي احلنبلي ،دار
�إحياء الرتاث العربي ،الطبعة الثانية.
�2121إنقاذ الهالكني ،تقي الدين الربكوي احلنفي ،حتقيق د .ح�سام عفانة ،الطبعة
الأولى1423 ،هـ.
2222البحر املحيط يف �أ�صول الفقه ،بدر الدين الزرك�شي ال�شافعي ،حترير د.
عبدال�ستار �أبو غدة ،طبع وزراة الأوقاف وال�ش�ؤون الإ�سالمية بالكويت ،الطبعة
الثانية1413 ،هـ.
2323بدائع ال�صنائع يف ترتيب ال�شرائع ،لعالء الدين الكا�ساين احلنفي ،دار الكتب
العلمية ،الطبعة الثانية1406 ،هـ.
2424البداية والنهاية ،لأبي الفداء �إ�سماعيل بن كثري ،حتقيق د .عبداهلل الرتكي،
دار هجر ،الطبعة الأولى1418 ،هـ.
2525بريقة حممودية يف �شرح طريقة حممدية ،حممد اخلادمي احلنفي ،مطبعة
احللبي1348 ،هـ.
2626البناية يف �شرح الهداية ،لبدر الدين العيني احلنفي ،دار الكتب العلمية،
بريوت ،الطبعة الأولى1420 ،هـ.
2727تبيني احلقائق �شرح كنز الدقائق ،لفخر الدين الزيلعي احلنفي ،املطبعة
الكربى الأمريية -بوالق ،القاهرة ،الطيعة الأولى1313 ،هـ.
2828حتفة املحتاج يف �شرح املنهاج ،لأحمد بن حجر الهيتمي ال�شافعي ،املكتبة
التجارية الكربى مب�صر1357 ،هـ.
2929الرتغيب والرتهيب ،لزكي الدين املنذري ،حتقيق �إبراهيم �شم�س الدين ،دار
الكتب العلمية ،بريوت ،الطبعة الأولى1417 ،هـ.
3030الرتوك النبوية ت�أ�صيال وتطبيقا ،حممد �صالح الإتربي ،وزارة الأوقاف
وال�ش�ؤون الإ�سالمية بدولة قطر ،الطبعة الأولى1433 ،هـ.
3131الت�شريع اجلنائي الإ�سالمي مقارنا بالقانون الو�ضعي ،لعبدالقادر عودة ،دار
الكاتب العربي ،بريوت.
3232ت�شنيف امل�سامع بجمع اجلوامع ،بدر الدين الزرك�شي ،حتقيق �سيد عبدالعزيز،
وعبداهلل ربيع ،مكتبة قرطبة ،الطبعة الأولى1418 ،هـ.
3333تطوع املر�أة امل�سلمة ال�ضوابط واملجاالت ،د .م�سلم اليو�سف ،على هذا الرابط:
.https://www.noor-book.com
5656الريادة والعمل التطوعي ،عثمان ر�شدي ،دار الراية ،عمان -الأردن ،الطبعة
الأولى2013 ،م.
5757رو�ضة الطالبني وعمدة املفتني ،ملحيي الدين النووي ال�شافعي ،حتقيق زهري
ال�شاوي�ش ،املكتب الإ�سالمي ببريوت ،الطبعة الثالثة1412 ،هـ.
�5858سل�سلة الأحاديث ال�صحيحة ،حممد نا�صر الدين الألباين ،مكتبة املعارف،
الريا�ض ،الطبعة الأولى.
�5959سنن ابن ماجه ،لأبي عبداهلل حممد القزويني ،حتقيق حممد ف�ؤاد عبدالباقي،
دار �إحياء الكتب العربية.
�6060سنن �أبي داود ،لأبي داود ال�سج�ستاين ،حتقيق حممد حميي الدين عبداحلميد،
املكتبة الع�صرية� ،صيدا -بريوت.
6161ال�سنن الكربى ،لأحمد بن احل�سني البيهقي ،حتقيق حممد عبدالقادر عطا،
دار الكتب العلمية بريوت ،الطبعة الثالثة1424 ،هـ.
�6262سنن الن�سائي ،لأبي عبدالرحمن الن�سائي ،حتقيق عبدالفتاح �أبو غدة ،مكتب
املطبوعات الإ�سالمية -حلب ،الطبعة الأولى1406 ،هـ.
6363ال�سيا�سة ال�شرعية يف �إ�صالح الراعي والرعية ،ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية ،وزارة
ال�ش�ؤون الإ�سالمية ،الطبعة الأولى1418 ،هـ.
�6464شرح خمت�صر خليل ،ملحمد بن عبداهلل اخلر�شي املالكي ،دار الفكر للطباعة
-بريوت.
�6565شرح ال�سنة ،ملحيي ال�سنة البغوي ،حتقيق �شعيب الأرن�ؤوط ورفيقه ،املكتب
الإ�سالمي ،دم�شق ،الطبعة الثانية1403 ،هـ.
�6666شرح �صحيح البخاري ،لأبي احل�سني علي بن خلف بن بطال ،حتقيق �أبو متيم
يا�سر بن �إبراهيم ،مكتبة الر�شد بالريا�ض ،الطبعة الثانية1423 ،هـ.
�6767شرح �صحيح م�سلم ،لأبي زكريا حميي الدين النووي ،دار �إحياء الرتاث العربي
9090العمل التطوعي من منظور الرتبية الإ�سالمية� ،إح�سان حممد علي اليف ،دار
النفائ�س ،الأردن -عمان ،الطبعة الأولى1429 ،هـ.
9191العمل التطوعي نظرة ت�أ�صيلية فقهية ت�أريخية ،د� .أحمد بن ح�سني املباركي،
بحث من�شور مبجلة مركز البحوث والدرا�سات الإ�سالمية ،العدد (.)35
9292الفتاوى اخلانية املطبوع مع الفتاوى الهندية ،الطبعة الثانية باملطبعة الكربى
الأمريية ،ببوالق م�صر املحمية� ،سنة 1310هـ.
9393الفتاوى الفقهية الكربى ،لأحمد بن حجر الهيتمي املكي ،املكتبة الإ�سالمية.
9494فتاوى ور�سائل �سماحة ال�شيخ حممد بن �إبراهيم �آل ال�شيخ ،جمع حممد بن
قا�سم ،مطبعة احلكومة مبكة املكرمة ،الطبعة الأولى1399 ،هـ.
9595فتح الباري �شرح �صحيح البخاري ،لأحمد بن علي بن حجر الع�سقالين ،دار
املعرفة ،بريوت1379 ،هـ.
9696فتح الباري �شرح �صحيح البخاري ،البن رجب احلنبلي ،دار الغرباء الأثرية،
املدينة ،الطبعة الأولى1417 ،هـ.
9797فتح املجيد ل�شرح كتاب التوحيد ،عبدالرحمن بن ح�سن بن حممد بن
عبدالوهاب ،حتقيق د .الوليد الفريان ،دار ال�صميعي ،الريا�ض ،الطبعة
الأولى1415 ،هـ.
9898الفروق ،لأبي العبا�س القرايف ،النا�شر :عامل الكتب.
9999في�ض القدير �شرح اجلامع ال�صغري ،لزين الدين عبدالر�ؤوف املناوي ،املكتبة
التجارية الكربى -م�صر ،الطبعة الأولى1356 ،هـ.
10100القواعد ،لأبي عبداهلل امل َّقري ،حتقيق د� .أحمد بن حميد ،طبعة جامعة �أم
القرى.
10101قواعد الأحكام يف م�صالح الأنام ،لعز الدين بن عبدال�سالم ،راجعه وعلق
عليه :طه عبدالر�ؤوف �سعد ،مكتبة الكليات الأزهرية ،القاهرة1414 ،هـ.
13138مواهب اجلليل يف �شرح خمت�صر خليل ،للحطاب الرعيني املالكي ،دار الفكر،
الطبعة الثالثة1412 ،هـ.
13139املو�سوعة الفقهية الكويتية ،وزارة الأوقاف وال�شئون الإ�سالمية -الكويت.
14140مو�سوعة القواعد الفقهية ،د .حممد �صدقي البورنو ،م�ؤ�س�سة الر�سالة ،بريوت،
الطبعة الأولى1424 ،هـ.
14141ن�شر البنود على مراقي ال�سعود ،عبداهلل بن �إبراهيم ال�شنقيطي ،مطبعة
ف�ضالة باملغرب.
14142النهاية يف غريب احلديث والأثر ،ملجد الدين �أبي ال�سعادات ابن الأثري ،حتقيق
طاهر �أحمد الزاوي -حممود حممد الطناحي ،املكتبة العلمية -بريوت،
1399هـ.
فهر�س املحتويات