Professional Documents
Culture Documents
أزمة المسرح أم ازمة المسرحيين؟
أزمة المسرح أم ازمة المسرحيين؟
متالحقة في األوضاع السياسية وتحوالت عاصفة في المواقف اإلجتماعية والثقافية جهدا نظريا
خالصا ،فيما ندرك أنه ال يمكن لمستقبل أن يتحقق بغير محاولة مراجعة الحاضر ومساءلة
الماضي بشكل جاد ومسئول ،لكي يتم بناء المستقبل علي ثوابت فاعلة وليس مجرد تكهنات
واستشرافات بالغية لقيم مجردة ،وبالتالي عندما نتكلم عن نشاط المسرح بعد مرور قرابة
المائتي عام علي ظهوره في دولة مصر الحديثة ،و انتشاره وازدهاره كأحد األنشطة الفنية
والمجتمعية المؤثرة ،ال نسعد بأحوال المسرح المصري الراهنة -مع بقية فروع الفنون المصرية
األخري كالغناء والسينما ،-ألنه ومنذ عقود طويلة تبدأ من نهايات ستينيات القرن العشرين -
كان وال يزال -عالم الفن المسرحي أو بالتحديد القطاع األكبر منه ،محكوما من قبل قوانين
ولوائح تضعها مؤسسة الثقافة الرسمية ممثلة في وزارة الثقافة بقطاعاتها المختلفة من ثقافة
جماهيرية إلي بيوت فنية لمختلف فنون اآلداء المسرحي والثقافي ،وهي المؤسسات التي تحمل
العبء األكبر -والوزر األكبر أيضا ،-في تعطيل فن المسرح المصري ،فالجميع اآلن يعلم أن
حركة المسرح المصري ليست بخير حال وأنه وعلي مدار السنوات الماضية تم تفريغ حركة
المسرح المصري من قدرتها علي اجتذاب الجمهور إلي القاعات والمسارح المعروفة ،اللهم إال
بضع عروض وفرق مسرحية -تعد علي أصابع اليد -نجحت بشكل ال يجسد تيارا وال فكرا
مسرحيا متواصال إلحياء المسرح من كبوته وعثراته المتراكمة منذ عقود طويلة ،ومن يري
ويعاين بعض فرق مسارح الدولة المحدودة اإلمكانات الفنية والمالية ،ويري كذلك حال المواطن
المصري في الشارع المصري بمقدراته المالية والسياسية ،هذا المواطن الذي يمثل نواة
الجمهور الشعبي ألي مسرح جماهيري متحقق ،يدرك كارثية األزمة المسرحية المصرية،
وصعوبة إيجاد حلول أو تصورات فنية مستقبلية للظاهرة المسرحية في مصر أو حتي إيجاد
رؤي فكرية تعالج العيوب وتحدد الخراب الواقع في الظاهرة المسرحية ككل دون حل
المعضالت األخرى السياسية واالقتصادية ،فنحن منذ ستينيات القرن العشرين والمسرح
المصري في أزمة .فقبل وفاته بفترة قصيرة كتب دكتور محمد مندور مقاال بعنوان " أزمة
المسرح ورسالته" ،ناقش فيها بعد مطالعته لبحثين من أبحاث طالبه ،قضية نقدية وصفها
باألزمة ،هي قضية التأصيل لظهور الظاهرة المسرحية بشكلها األوروبي الحديث في بيئتنا
المصرية المحلية ،وعرض فيها آراءه حول حقيقة أن المسرح فن مستورد ،وصل مصر في
القرن التاسع عشر مع مجيء الحملة الفرنسية ،وأن وجود الظواهر اآلدائية الشعبية الموروثة -
التي عرفها فيما بعد د.علي الراعي باسم "فنون الفرجة الشعبية" !-مثل عروض المحبظين
وخيال الظل واألراجوز وصندوق الدنيا ما هي إال مجرد أشكال فنية لآلداء أمام جمهور ،لكنها
بدائية ولم تحمل مفهوما واضحا لفن الدراما كما حملته الظاهرة المسرحية األوروبية الوافدة،
هذا هو محور األزمة الذي طرحه مندور في مقاالته وناقشه ضمن مجموعة أخرى من المشاكل
والقضايا النقدية المرتبطة بالمسرح في مقاالت نشرت فيما بعد في كتابه "في المسرح المصري
المعاصر" مثل :أزمة التأليف المسرحي ،والمسرحية بين الترجمة واالقتباس واإلعداد ،ومشكلة
اإلعداد المسرحي ،وطوفان مسرحة القصص ،والصحافة..وواجب األمانه واالحترام نحو
الجمهور.
والمطالع لعناوين هذه المقاالت سيكتشف أننا وحتى يومنا هذا -وبعد ما يقرب من ستين عاما-
الزلنا نقف في مكاننا دون أن نتحرك لألمام خطوة ،واألدهى واألمر من ذلك وربما المضحك،
أنك ستجد للدكتور "لويس عوض" مقاال تم نشره في األهرام يوم الجمعة 16ديسمبر 1966
وأعيد نشره فيما بعد في كتاب "الثورة واألدب" يسجل به شرحا تفصيليا موثقا لمالمح وسمات
األزمة التي خلص إليها تقرير أعلنه دكتور ثروت عكاشه وزير الثقافة المصري في 7و8
وستجد أنه من أبرز مالمح األزمة وقتها غلبة الكم الرديء على الكيف الجيد فيما يقدم من
أعمال مسرحية ،وتفاقم الخسائر المالية للمسارح نتيجة سوء اإلدارة وتأخرها ،وغياب الرؤية
والتخطيط فيما يتعلق بكل مقومات العمل المسرحي بدءا من العاملين بالمسارح من ممثلين
وفنيين وعمال وصوال لسياسات الفرق المسرحية وأهدافها غير المنفذه بشكل منهجي سليم ،ثم
أوضاع المسارح وأبنيتها وعددها وأماكنها ،وانتهاءا بمناقشته لطبيعة دور الدولة في رعايتها
لفن المسرح والمسرحيين ،وحقيقة كونها غير قادرة على تفهم طبيعة هذا الدور ،في ظل عدم
وجود "سياسة ثقافية" تحمل رؤية ثقافية وفنية شاملة .يكتب هذا الكالم وينشر في مرحلة كان
المسرح فيها يعيش على حد تعبير معظم نقاد ومسرحيي تلك الفترة فترة ازدهاره الكبرى خالل
عقدي الخمسينيات والستينيات ،فما بالنا اليوم ونحن نطالع الملفات الصحافية واحدا تلو اآلخر
تتحدث عن نفس األزمة /األزمات وتعيد الحديث فيها إلى درجة تصل بالقاريء المتابع
والمهموم باألمر حد الملل واالختناق مما يقوله المسرحيون والنقاد والجمهور عن مالمح تلك
والرأي في هذه المسألة أن األزمة ال ترتبط بالمسرح كظاهرة بل بالمسرحيين ومن يحيطون بهم
من مجموعات مصالح جماعات وأفراد ،فالقضية الحقيقية التي ال يتم طرحها أوتناولها في
غالبية الملفات المكرورة عن أزمة المسرح المصري ،هي المصارحة بأن األزمة أزمة
مواطنين مسرحيين وليست أزمة مسرح ،فالمسرح كظاهرة وحركة مستمرة لم تتوقف رغم كل
الصعوبات والمعوقات طوال تلك العود وهناك حركة مسرحية ممتدة في كافة ربوع مصر رغم
تفاوت مستويات الجودة واإلتقان فيما يتم تقديمه للناس ،بسبب كبر حجم السكان وامتداد مواقع
الجهاز الثقافي في مختلف محافظات مصر مابين قصور وبيوت ثقافة وكليات وجامعات
ومسارح تابعة لوزارة الثقافة بمختلف قطاعاتها ،وهناك مسارح خاصة بدأت في تقديم أعمال
قليلة لكنها الزالت تحاول ،والمؤسف في األمر ليس هو تناقص العدد وال الكم الكبير لألعمال
والعاملين ولكن أبرز مالمح األزمة تظهر وتتبدى في الكيف أو الطريقة التي يقدم بها المسرح
ودرجة رداءته وتأخره في مجتمع يمارس المسرح قرابة القرنين من الزمان ،وهي أزمة ناتجة
عن صراعات بيروقراطية مزمنة ومتجذرة في طبيعة البنيان اإلداري لوزارة الثقافة وبقية
القطاعات المنتجة لعروض المسرح ،باإلضافة لوجود رقابة أمنية ال فنية مستمرة ودائمة،
تستهدف قمع وخنق المجال المسرحي العام ال مجرد ترويضه ،بالنظر إلى طبيعة الراهن
السياسي ،كما أن هناك أموال كبيرة يتم ضخها في المسارح ،ولكنها ال تؤتي ثمارها في صورة
أرباح ومدخوالت لجهاز الدولة والعاملين من المسرحيين ،ولنضرب مثال واحدا لمؤسسة من
أعرق مؤسسات المسرح المصري التابعة لجهاز الدولة اإلداري وهي "البيت الفني للمسرح"
كبيان حالة لراهن األزمة ،فالبيت الفني للمسرح هو المؤسسة األولى بين أجهزة الدولة المنوط
بها إنتاج ورعاية وتنمية وتنشيط الفن المسرحي في كافة مناطق وربوع جمهورية مصر
العربية ،سنراه اليوم بناءا مكبال ومقيدا يسعى غالبية موظفيه للحصول على مرتباتهم وإعاناتهم
المالية الشهرية ،دون أي مقابل ومردود حقيقي من العمل لقاء ما يتقاضونه من أجور ،لكن
وإداريين(غيرالفنانين) ،وكيف ينظرون لمكان عملهم وقيمته وأهميته؟ يفجر في وجهنا قنابل
وألغام موقوته ،حول حقيقة هذا الكم المهول من الموظفين اإلداريين الموجودين آلداء مهمات
إدارية في مؤسسة فنية (باألخص موظفي قطاعي الشئون القانونية والمالية) ،وبما يضعونه من
إجراءات وتعطيالت بيروقراطية إدارية ،تعاند وتعطل حركة العمل في المسرح والذي غالبا ما
يحتاج قدرا كبيرا من المرونة و الجاهزية والسرعة ،هذا الكم الهائل من الموظفين همهم األول
واألخير هوالحصول على رواتبهم الشهرية وإضافاتها وحوافزها باستدامة واستمرار دون
انقطاع ،وال يهمهم ال مسرح وال ثقافة ،وال يعنيهم بالمرة بأي شكل من األشكال أن يزدهر
وبعيدا عن أي كالم مجازي واستعارات فإن القائمين علي إدارة مؤسسات الثقافة في مصر
وخصوصا مؤسسات وهيئات وقطاعات المسرح تحديدا ،معظمهم من الفاسدين وغير جديرين
بالعمل في مجال المسرح الذي يحتاج للحرية والصدق والنزاهة كقيم محركه لصناعه ،والنماذج
كثيرة دون ذكر أشخاص وأسماء ،فكم من مديري هيئات ومسارح اليستحقون وجودهم في
أماكنهم ومع ذلك الزالوا قائمين علي إدارة هذه األماكن إلي اآلن .