Professional Documents
Culture Documents
ُتعّد البيئة الوسط ال ذي يعيش في ه اإلنس ان ،وي ؤمن من خالل ه اس تمراريته ،ويحاف ظ على
بقائه ،وبالتالي فإن الحفاظ على سالمة البيئة ،وصيانتها يع ني بالض رورة ص يانة وحماي ة
اإلنجازات التي حققها عبر تاريخه الطويل .وقد عمل اإلنسان منذ وج وده على األرض على
اس تغالل موارده ا الطبيعي ة لبن اء التط ور االقتص ادي ال ذي تنعم ب ه البش رية في وقتن ا
الحاض ر .لكن الض غوط الس كانية وأنم اط اإلنت اج واالس تهالك الحالي ة ،واإللح اح المتزاي د
لمتطلبات الحياة التنموية أدى إلى قصر النظر في استغالل موارد البيئة الطبيعية ومآلها إلى
التل ف والت دهور ،وأفس د ق درتها على التج دد التلق ائي ،وأخ ل ب التوازن الط بيعي للحي اة،
وصاحب النمو االقتصادي الذي لم يضع االعتبارات البيئية في حسبانه تكاليف بيئية معقدة،
تثير القلق حول أهمية المحافظة على البيئة التي تتميز نظمها بحساسية بالغة.
إن النمو االقتصادي المستند إلى التكنولوجيا الحديثة شره للطاقة وتزداد شراهته باض طراد
مع تزايده .ومن المعروف أن مصادر الوقود األحفوري وخاص ًة النف ط والغ از هي مص ادر
الطاقة الحالية ،وهي تعد أكبر مصدر لالنبعاثات المسببة لظ اهرة االحتب اس الح راري ال تي
تعتبر من أخطر المشكالت البيئية التي تعاني منها البشرية اليوم .وكلما تقدمنا في اس تخدام
التكنولوجيا الحديثة زاد اس تهالكنا من الطاق ة ،وزاد انبع اث الغ ازات الض ارة في مكون ات
البيئة ،فضًال عن المشكالت األخرى من اس تنزاف الم وارد وتزاي د النفاي ات نتيج ة اعتم اد
أنماط اإلنتاج واالستهالك الحالية .أي أننا نكون أمام مشكلة ثنائية األبعاد :المش كلة البيئي ة
المتمثل ة بالخل ل البي ئي في البع د األول ،وتعزي ز المش كلة االقتص ادية من خالل اس تنزاف
الموارد وبالتالي عدم القدرة على إشباع الحاج ات الجدي دة في البع د الث اني .وبالت الي ف إن
التكنولوجيا الحديثة تساعد على تس ريع خط وات تحقي ق النم و االقتص ادي ولكنه ا تس اعد
أيضًا على تجسيد مبدأ أن يستمر اإلنسان في تكييف البيئة من أجله وفق مفه وم "اإلنس ان
في مواجهة البيئة ومكوناتها" .وبعبارة أخرى ،تكريس التناقض بين النظام البيئي والنظ ام
االقتصادي الذي يعد ج زءًا من ه .وفي نظ رٍة أك ثر تمعن ًا نج د أن البيئ ة تالزم كاف ة أنش طة
اإلنسان بشكل عام وأنشطته االقتصادية بشكل خاص ،حيث أن األنشطة االقتصادية تأخذ م ا
ي دخل إليه ا من البيئ ة وتص ب م ا يخ رج عنه ا أيض ًا في البيئ ة ،فيجب أن تك ون العالق ة
تبادلية ،تفرض تكيف اإلنسان مع البيئة ،وبالتالي تكيف النظام االقتصادي مع النظام البيئي
من أجل تفادي حدوث المشكالت البيئية.
ص حيح أن ال دول المتقدم ة حققت درج ات عالي ة من النم و االقتص ادي إال أن نموه ا غ ير
المت وازن م ع البيئ ة يع د المس اهم األك بر في تف اقم المش كالت البيئي ة في وقتن ا الحاض ر،
والالفت في األمر أن تكاليف تفاقم المشكالت البيئية لن تتأثر به اقتصاديات الدول المتقدم ة
فحسب ،بل ستتأثر به اقتصاديات الدول النامية أيض ًا ،ألن المش كالت البيئي ة هي مش كالت
عابرة للحدود والحواجز الجغرافية ألية دولة.
لقد أصبحت السياسات االقتصادية -البيئية حاجة ملحة في ظ ل تف اقم المش كالت البيئي ة في
عالمن ا الي وم ،وك ل ذل ك بس بب الفهم الخ اطئ للعالق ة ال تي يجب أن تك ون بين البيئ ة
واإلنسان ،أثناء سعيه لتحقيق النمو االقتص ادي .ل ذلك ،ف إن تط بيق سياس ة بيئي ة مدعم ة
بأدوات اقتص ادية يعت بر األداة الفعال ة للمحافظ ة على النم و االقتص ادي المحق ق بالدرج ة
األولى وعلى البيئ ة ثاني ًا .وبم ا أن المش روعات االقتص ادية الص غيرة تمث ل أح د حلق ات
سلسلة تتألف من مشاريعذات أنشطة اقتصادية مختلفة ومتكامل ة تس اهم في تحقي ق النم و
االقتصادي ،فإن تطبيق السياسة البيئية عليها ،باإلضافة إلى اعتم اد مب ادئ اإلدارة البيئي ة
للحد وتخفيض الملوثات عند المصدر ،وإعادة استخدامها وتكريرها في الصناعات ،سيخلق
أنموذجا من المشاريع االقتصادية المتوافق ة بيئي ًا ،مم ا ي ؤدي إلى انعكاس ات ايجابي ة على
مسيرة النمو االقتصادي في سورية.
إن االنطالق من حماية البيئة كأولوية أساسية ،يمهد الطريق لتحقيق النمواالقتص ادي بأق ل
تكلفة بيئية ممكنة على المدى البعيد .وبما أن دور التكنولوجيا أساس ي في تحقي ق أي نم و
اقتصادي ،فإنه ينبغي تط وير نم اذج جدي دة منه ا تحف ز على إنت اج أنم اط اإلنت اج النظي ف
واالس تهالك المس تدام وذل ك ض من ح دود ق درة البيئ ة على االس تيعاب ،حيث تس تطيع
التكنولوجي ا المط ورة أن تس تفيد من م وارد البيئ ة الطبيعي ة المتج ددة في إنت اج الطاق ة،
وخصوصًا الطاقة النظيفة بيئيًا على اعتبار أن قطاع الطاقة هو قطاع حيوي وه ام من أج ل
تش غيل االقتص اد .وبعب ارة أخ رى ،تط وير التكنولوجي ا الص ديقة للبيئ ة ،واس تخدامها في
تحقي ق النم و االقتص ادي ال ذي يض ع االعتب ارات البيئي ة في حس بانه ،وتل ك التكنولوجي ا
توظ ف الم وارد المتج ددة "مث ل طاق ة الري اح والش مس وغيره ا" ،من أج ل تحض ير
االقتصاديات العالمية إلى عصر ما بعد النفط ،إلى عصر خيارات الطاقة المتجددة والنظيف ة،
إلى عصر التكيف مع البيئة والعمل ضمن حدود قدرتها االستيعابية.
ومن أجل الوصول إلى النتائج اإليجابية المرجوة ،البد من التدخل الحكومي في ضبط النم و
العشوائي للمشروعات االقتص ادية الص غيرة وال تي ال تق وم على اعتب ارات بيئي ة ،وتك ون
ملوثاتها أكثر تركيزًا وأكثر استنزافًا لم وارد الطبيع ة .وتوجي ه النم و االقتص ادي من خالل
استخدام تكنولوجي ا مس اعدة وص ديقة للبيئ ة ،وإجب ار المش روعات االقتص ادية على دف ع
تكاليف ما تحدث ه من آث ار س لبية على البيئ ة ،وبتط بيق سياس ة بيئي ة متش ددة تق وم على
أساس فرض الضرائب البيئية ذات الص فة الرادع ة والتحفيزي ة .والمش كلة األساس ية هن ا
تكمن في عدم القي ام بدراس ات تق ييم األث ر البي ئي قب ل تنفي ذ المش روعات مم ا ي ؤدي إلى
ارتفاع التكاليف البيئية ،فعندما يكون قبول المشروعات قائمًا على أس اس ج دواها البيئي ة،
فإن تلك اآلثار ستصبح عند حدها األمث ل .فال دعوة إلى بيئ ة نظيف ة % 100هي ب األحرى
دعوة لتوقيف اإلنتاج واالستهالك بش كل كلي ،فال يوج د إنت اج أو اس تهالك بال آث ار س لبية
على البيئة ،ل ذا ف إن ال دعوة الواقعي ة لحماي ة البيئ ة تك ون من خالل تغي ير أنم اط اإلنت اج
واالستهالك الحالية لتكون ض من ح دود ق درة البيئ ة االس تيعابية .وبالت الي ف المطلوب ه و
وضع حد أمثل لإلساءة البيئية ،وذلك من خالل إتباع سياس ات اقتص ادية -بيئي ة من ش أنها
تص غير ه ذه المش كلة وجعله ا عن د الح دود ال دنيا ،وذل ك في س بيل تحقي ق نم و وازده ار
اقتصادي بأقل التكاليف البيئية.