You are on page 1of 386

‫الجمهــــورية الجـــزائــــرية الديــمقراطـــيـة الشعـــبيـة‬

‫وزارة التــعليـــم العــــالـــي والبحـــث العلــــمـي‬


‫كـليــة العلـوم االجتماعيـة‬
‫مستغانم‬

‫تخصص ‪ :‬مدرسة الدكتوراه في األنثروبولوجية‬


‫اإلجتماعية والثقافية – ‪-CRASC‬‬

‫‪ -‬رسالة لنيل شهادة الماجيستر في األنثروبولوجيا اإلجتماعية والثقافية ‪-‬‬


‫ظــــاهرة التصــوف عنــــد سعيـــــــــــد النـــــــورســــي‬
‫ظـ ــاهرة التصــوف عنـ ــد سعي ـ ـ ـ ـ ــد الن ـ ـ ــورسـ ــي‬
‫دراسة حول التجربة الصوفية عند سعيد النورسي من خالل رسائل النور‬
‫دراسة حول التجربة الصوفية عند سعيد النورسي من خالل رسائل النور‬

‫تحت إشراف األستاذ الدكتور‬ ‫من إعداد الطالبــــة‪:‬‬


‫أ‪.‬د‪ - /‬جرادي العربي‬ ‫‪ -‬ياحـــي فاطمــة الـــزهــــراء‬
‫لجنة المناقشة‬
‫الصفة‬ ‫الجامعة‬ ‫الرتبة العممية‬ ‫اإلسـ ك المقب‬
‫رئيسا‬ ‫جامعة مستغانـ‬ ‫أستاذ التعميـ العالي‬ ‫‪ -‬حمداكم محمد‬
‫مشرفا كمقر ار‬ ‫جامعة مستغانـ‬ ‫أستاذ التعميـ العالي‬ ‫‪ -‬جرادم العربي‬
‫مناقشا‬ ‫جامعة مستغانـ‬ ‫أستاذ محاضر – أ‪-‬‬ ‫‪ -‬راجعي مصطفى‬
‫مناقشا‬ ‫جامعة مستغانـ‬ ‫أستاذ محاضر – أ‪-‬‬ ‫‪ -‬خطاب محمد‬

‫السنة الجامعية ‪2018-2017 :‬م‬

‫‪-1-‬‬
‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‬
‫وزارة التعلـيم العالي و البحـث العلـمي‬
‫مدرسة الدكتوراه في األنثروبولوجيا‬

‫بالشراكة مع‪:‬‬

‫جامعة محمد بن أحمد – وهران (الجامعة المؤهلة)‬ ‫•‬


‫جامعة عبد الحميد ابن باديس‪ -‬مستغانم‬ ‫•‬
‫جامعة منتوري‪ -‬قسنطينة‬ ‫•‬
‫جامعة مولود معمري‪ -‬تيزي وزو‬ ‫•‬
‫جامعة عبد الرحمان ميرا‪ -‬بجاية‬ ‫•‬
‫جامعة أحمد دراية – أدرار‬ ‫•‬
‫جامعة محمد خيضر – بسكرة‬ ‫•‬
‫جامعة غرداية‬ ‫•‬
‫المركز البحت في األنثروبولوجيا االجتماعية و الثقافية‬ ‫•‬

‫السنة الجامعية ‪2017-2016‬‬

‫‪-2-‬‬
‫الػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػف ػ ػ ػي ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػرس‬
‫كممة شكر‬
‫اإلىداء‬
‫ممخص الدراسة‬
‫‪16‬‬ ‫المقدمة العامة‪.................................................................‬‬
‫‪18‬‬ ‫إشكالية كفرضيات البحث‪.....................................................‬‬
‫‪18‬‬ ‫أىداؼ البحث‪................................................................‬‬
‫‪19‬‬ ‫أسباب إختيار مكضكع البحث‪.................................................‬‬
‫‪19‬‬ ‫المصطمحات األساسية ‪........................................................‬‬
‫‪23‬‬ ‫مناىج البحث‪................................................................‬‬
‫‪23‬‬ ‫تقنيات البحث‪................................................................‬‬
‫‪25‬‬ ‫صعكبات البحث‪.............................................................‬‬
‫‪26‬‬ ‫معالجة مكضكع الدراسة مف المنظكر األنثربكلكجي‪.............................‬‬
‫‪30‬‬ ‫الدراسات السابقة‪.............................................................‬‬
‫الــفصــــــــل األول‪ :‬أوضاع الدولة العثمانية وقيام الجميورية التركية"‬
‫إبان عصر سعيد النورسي"‬
‫‪50‬‬ ‫تمييد‪........................................................................‬‬
‫المبحث األول ‪:‬أوضاع الدولة العثمانية إبان حكم السمطان "عبد الحميد الثاني‪".‬‬
‫المطمب األكؿ ‪ :‬األكضاع السياسية ‪51 .............................................‬‬
‫المطمب الثاني ‪ :‬األكضاع اإلجتماعية‪65 ..........................................‬‬
‫المطمب الثالث‪ :‬أكضاع الدكلة التعميمي كالثقافي ‪70 .................................‬‬
‫المطمب الرابع ‪ :‬األكضاع اإلقتصادية ‪72 ...........................................‬‬
‫‪74‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ :‬قيام الجميورية التركية والغاء الخالفة العثمانية‪...............‬‬
‫المطمب األكؿ ‪ :‬الدكلة العثمانية إباف حكـ السمطاف "محمد رشاد خاف الخامس"‪74 ...‬‬
‫المطمب الثاني‪ :‬الدكلة العثمانية إباف حكـ السمطاف "محمد السادس"‪75 ..............‬‬
‫المطمب الثالث ‪ :‬قياـ الجميكرية التركية‪75 .........................................‬‬

‫‪-3-‬‬
‫المطمب الرابع‪ :‬سياسة كماؿ أتاتكرؾ‪76 ............................................‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬التنظيمات العوائق واآلثار‪79 ....................................‬‬
‫المطمب األكؿ ‪ :‬عكائؽ اإلصبلحات كالتنظيمات‪79 ................................‬‬
‫المطمب الثاني ‪ :‬آثار التنظيمات كنتائجيا‪82 .......................................‬‬
‫المطمب الثالث‪ :‬مشركع الجامعة اإلسبلمية كانعكاساتو اإليجابية‪85 ..................‬‬
‫المطمب الرابع ‪ :‬مشركع سكة الحديد الحجاز كانعكاساتو‪93 .........................‬‬
‫خبلصة‪96 ......................................................................‬‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬حياة بديع الزمان سعيد النورسي وتطوراتيا‬
‫تمييد‪98 ........................................................................‬‬
‫المبحث األول ‪:‬المرحمة األولى من حياة سعيد النورسي "‪99 .......................‬‬
‫المطمب األكؿ ‪ :‬المكلد كالنشأة ‪99 ..................................................‬‬
‫المطمب الثاني ‪ :‬جيكده اإلصبلحية‪109 ............................................‬‬
‫المطمب الثالث ‪:‬إىتمامو بالسياسة‪119 ..............................................‬‬
‫المطمب الرابع ‪ :‬النكرسي بيف الحرب كاألسر‪135 ....................................‬‬
‫المبحث الثاني‪:‬المرحمة الثانية من حياتو "سعيد الجديد" من ‪140 ...5292-5291‬‬
‫المطمب األكؿ‪ :‬ىركب النكرسي مف األسر‪140 ......................................‬‬
‫المطمب الثاني‪ :‬مف األسر الى عضك في دار الحكمة االسبلمية‪140 .................‬‬
‫المطمب الثالث ‪ :‬مكقؼ بديع الزماف مف "مصطفى كماؿ"‪142 ........................‬‬
‫المطمب الرابع ‪ :‬منفى بارال بداية رحمة سعيد الجديد ‪149 ..............................‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬مرحمة سعيد الثالث ورسائل النور ‪5291-5292‬م‪153 ...........‬‬
‫المطمب األكؿ ‪ :‬إنتشار رسائؿ النكر‪153 ............................................‬‬
‫المطمب الثاني ‪ :‬محاكمة تبرئة رسائؿ النكر‪154 ....................................‬‬
‫المطمب الثالث ‪ :‬كفاة النكرسي كمطاردتو ‪155 ........................................‬‬
‫المطمب الرابع ‪ :‬اآلثار العممية لمنكرسي‪157 .........................................‬‬
‫خبلصة‪162 .......................................................................‬‬

‫‪-4-‬‬
‫الفصل الثالث ‪ :‬التصوف وموقف النورسي منو‬
‫تمييد ‪164 ..........................................................................‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬التصوف ومراحمو والموقف النورسي منو‪165 ......................‬‬
‫المطمب األكؿ ‪ :‬تعريؼ التصكؼ‪165 ..............................................‬‬
‫المطمب الثاني ‪ :‬مراحؿ الحياة الصكفية كمعالميا‪166 ...............................‬‬
‫المطمب الثالث ‪ :‬النكرسي كمكقفو مف التصكؼ‪178 .................................‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬وحدة الوجود والمعرفة عند النورسي‪180 ..........................‬‬
‫المطمب األكؿ‪ :‬كحدة الكجكد تاريخيا‪180 ...........................................‬‬
‫المطمب الثاني‪ :‬مكقؼ النكرسي مف كحدة الكجكد كأض ارراىا عمى المجتمع‪190 ........‬‬
‫المطمب الثالث ‪ :‬المعرفة كحقيقتيا كمراتبيا عند النكرسي‪193 ........................‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬النورسي والطريق الصوفي‪207 ...................................‬‬
‫المطمب األكؿ ‪ :‬طريؽ الكصكؿ الى ا﵀ عند النكرسي‪207 ...........................‬‬
‫المطمب الثاني ‪ :‬النكرسي كالجمع بيف العقؿ كالقمب كمزجيما‪212 ..................‬‬
‫المطمب الثالث ‪ :‬تمييز النكرسي بيف مسمكو كمسمؾ الطريقة‪216 .....................‬‬
‫‪222‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬الطريقة وفوائدىا ومزالق سالكي التصوف حسب النورسي‪.....‬‬
‫المطمب األكؿ ‪ :‬الطريقة كفكائدىا عند النكرسي‪222 .................................‬‬
‫المطمب الثاني ‪ :‬تصنيؼ النكرسي ألىؿ الطرؽ الذيف ىـ خارج عف الشرع‪224 ........‬‬
‫المطمب الثالث ‪ :‬مزالؽ سالكي التصكؼ حسب النكرسي‪226 ........................‬‬
‫خبلصة‪231 ......................................................................‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬األبعاد‪ ،‬ثنائية الشيخ والمريد ومواقع الكرامات عند النورسي‬
‫تمييد‪233 .........................................................................‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬المنيج ك كسائؿ الخطاب عند النكرسي‪234 .........................‬‬
‫المطمب األكؿ ‪ :‬منيج الكسطية عند النكرسي‪234 ...................................‬‬
‫المطمب الثاني ‪ :‬كسائؿ الخطاب لدل النكرسي‪236 ..................................‬‬
‫المطمب الثالث ‪ :‬المناظرات كالمحاكرات ككسائؿ لمخطاب‪238 .......................‬‬
‫المطمب الرابع ‪ :‬المرافعات القضائية ك السجف ككسائؿ لمخطاب‪241 ..................‬‬

‫‪-5-‬‬
‫المطمب الخامس ‪ :‬المسجد كالتأليؼ مف كسائؿ الخطاب‪247 .........................‬‬
‫‪256‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ :‬األبعاد التي تضمنيا الخطاب النورسي ‪......................‬‬
‫المطمب األكؿ ‪ :‬أبعاد الخطاب ذات البعد الديني العقدم‪256 ........................‬‬
‫المطمب الثاني ‪ :‬أبعاد الخطاب ذات البعد النفسي‪269 ..............................‬‬
‫المطمب الثالث ‪:‬البعد اإلجتماعي ضمف الخطاب النكرسي‪275 ......................‬‬
‫المطمب الرابع ‪ :‬البعد اإلقتصادم مف خبلؿ "رسالة اإلقتصاد "‪281 ..................‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬فئات الخطاب لدى النورسي‪285 ...............................‬‬
‫المطمب األكؿ‪ :‬خطابو لفئة األطفاؿ‪286 ...........................................‬‬
‫المطمب الثاني‪ :‬فئة الشباب مف خبلؿ حكار مع الشباب‪289 .........................‬‬
‫المطمب الثالث ‪ :‬فئة النساء مف خبلؿ "رسالة الحجاب"‪293 .........................‬‬
‫المطمب الرابع ‪ :‬فئة الشيكخ مف خبلؿ "رسالة الشيكخ"‪297 ...........................‬‬
‫المطمب الخامس ‪ :‬فئة المسجكنيف كالمرضي المبتميف ضمف الخطاب النكرسي‪303 ...‬‬
‫‪309‬‬ ‫المبحث الرابع ‪ :‬ثنائية الشيخ والمريد ومواقع الكرامات عند النورسي‪...........‬‬
‫المطمب األكؿ ‪ :‬ثنائية الشيخ كالمريد مف المنظكر النكرسي ‪309 .....................‬‬
‫المطمب الثاني ‪ :‬الكرامة مفيكميا ‪،‬أنكاعيا كعبلقتيا بالمعجزة‪314 ....................‬‬
‫المطمب الثالث ‪ :‬مكقع الكرامات عند النكرسي ‪320 ..................................‬‬
‫المطمب الرابع ‪ :‬نماذج مف الكرامات عند النكرسي‪325 ..............................‬‬
‫المطمب الخامس ‪ :‬عبلقة الكرامة باألنماط الثقافية األخرل‪332 .......................‬‬
‫‪346‬‬ ‫خبلصة ‪....................................................................‬‬
‫‪347‬‬ ‫الخاتمة العامة‪..............................................................‬‬
‫خبلصات عامة حكؿ التصكؼ عند النكرسي ‪348 ..................................‬‬
‫إستنتاجات خاصة بمبلمح كمعالـ التجديد في الفكر الصكفي عند النكرسي‪355 ......‬‬
‫قائمة المصادر‬

‫قائمة المراجع‬

‫المالحق‬

‫‪-6-‬‬
‫كلمــة شكــر وتقديــر‬

‫الحمد هلل الذي وىبنا علما نافعا وعقـال يافعا وقـلبا ولسانا ذاكرا سبحانو ييب نوره لمن يشاء وييدي‬

‫بيداه من يشاء‪. .‬‬

‫كما نعترف بالفضل الكبير لوالدين ــا الكــرام كأىم مصدر للعطــاء‬

‫نتقـدم بجـزيـل الشكــر الى‬

‫األستاذ المشرف"جرادي العربي" الذي أفـادنا بتوجيياتو ونصائحو القيمة نتمنى لو دوام التوفيق‬

‫والعافية في حياتو الشخصية والعملية ‪.‬‬

‫إلى اللجنة المناقشة وإلى أساتذة المدرسة الدكتورالية لالنثريولوجيا "‪"CRASC‬بوىران وكل‬

‫أساتذة علم االجتماع بمستغانم ‪.‬‬

‫الى جميع من ساعدنا في انجاز المذكرة من قريب أو من بعيد‪ .‬إلى كل من علمني حرفـا أقول أنا ىنا‬

‫وما زلت اشكر‪ .‬إلى كل من قـاسمني شعورا أنا ىنا لم أنسى وما زلت اذكر‬

‫‪-7-‬‬
‫اإلهداء‬

‫أهدي ثمرة جهدي إلى‬

‫الوالدٌن الكرٌمٌن أطال هللا فً عمرهما‬

‫وإلى إخوتً كل بإسمه والى كل‬

‫العابلة الكرٌمة والى كل األصدقاء والصدٌقات‬

‫والى أساتذتً طوال مشواري الدراسً‬

‫و إلى كل من ساعدنً من قرٌب أو بعٌدا‬

‫‪-8-‬‬
‫تمحورت دراستنا حول ظاهرة التصوؾ عند "سعٌد النورسً"‪ ،‬أحد أولبك الذٌن كان لهم‬
‫الفضل فً التجدٌد واإلصبلح الدٌنً فً المجتمع التركً خاصة والعالم اإلسبلمً عموما ‪،‬‬
‫وذلك من خبلل تن اول سٌرته الذاتٌة وأحوال عصره لتلمس اإلتجاة المإثرة فً توجهاته‬
‫الفكرٌة والروحٌة ‪ ،‬وبالتالً رصد مبلمح التجدٌد واإلصبلح فً الفكر الصوفً أو التصوؾ‬
‫النازع لئلتجاه العملً والتطبٌقً والممارساتً فً حٌاة إنسان القرن العشرٌن‪.‬‬

‫وبإعتبار أن التصوؾ هو ضمن حقل الفكر ا إلسبلمً ‪ ،‬إال أنه عرؾ بتعدد المناهج والطرق‬
‫لمروره بمراحل عدة‪ ،‬فهو إذن ٌعكس تلك الجهود البشرٌة والمحاوالت التفاعلٌة داخل مجال‬
‫مكانً وزمانً معٌن ضمن نطاق الوحً(الفكر اإلسبلمً) ‪ ،‬وبالرؼم مما تعرض له هذا الفكر‬
‫الصوفً أو التصوؾ من وشبهات وبدع وشكوك شوهت حقٌقته وجوهره و مست جوانبه‬
‫الفكرٌة أو الطرقٌة كممارسة وتؤرجح بٌن معارض ومإٌد ‪ ،‬بٌن مدافع عنه ومنتقد له ‪ ،‬إال أنه‬
‫فً كل عصر كانت توجد طفرة من العلماء والمفكرٌن من أهل التصوؾ والفكر اإلسبلمً من‬
‫ٌجدد ه وٌصٌؽه بشكل جدٌد وٌبعد تلك الشبهات والبدع من أولبك الذٌن إنحرفوا عنه رؼبة فً‬
‫مقاصد وؼاٌات شتى‪.‬‬

‫ولعل النورسً من بٌن هإالء الذٌن أبدعوا فً إعادة وإحٌاء التصوؾ إلى جوهره وإلى منبعه‬
‫الحقٌقً ومقاصده التً نشؤ فٌها بشكل جدٌد وبمنهج تمٌز به عن ؼٌره إذ جعله ٌتجاوب مع‬
‫متطلبات ومقتضٌات العصر دون إحداث العزلة (القطٌعة) عن المجتمع ‪ ،‬بل أعاد صٌاؼته‬
‫كنموذج وكؤسلوب حٌاة ممارسا قاببل للتفعٌل والتطبٌق ‪ ،‬بل أعاد إحٌاء الحٌاة الروحٌة‬
‫العرٌضة وبمعانٌٌها المعنوٌة الواسعة " اإلتحاد ‪ ،‬التضامن ‪ ،‬األخوة ‪،‬المحبة‪ ،‬الصدق ‪ ،‬األمل ‪،‬‬
‫الشورى ‪...‬إلخ فً زمن طؽت فٌها تٌارات اإللحاد والعلمانٌة (التؽرٌب) توجه أنظار الناس‬
‫للحٌاة المادٌة والتمتع بها ‪ ،‬فً خضم هاته األوضاع المزرٌة والعسٌرة جدد "النورسً" الفكر‬
‫الصوفً منهجا طرٌقا وسلوكا بالرؼم من نفٌه التام بؤنه لٌس شٌخ طرٌقة وال صوفٌا إال أن هذا‬
‫ال ٌلؽً أنه أحدث قطٌعة إبستمولوجٌة مع الفكرالصوفً وإنما إستفاد من التصوؾ كمنهج‬
‫لترشٌد خطابه الدعوي الهادؾ لئلصبلح والتؽٌٌر ‪ ،‬والتصوؾ عنده المعتمد والمستند كلٌا على‬
‫المنهج القرآنً الشامل فً دعوته مخاطبا كل الفبات وكل طبقات المجتمع وعلى السنة الشرٌفة‬

‫‪-9-‬‬
‫وعهد الصحابة بإعتبارهم النموذج المتمٌز للتصوؾ ممارسا سلوكا وأفعاال مجسدا على أرض‬
‫الواقع فً معامبلتهم وتفاعبلتهم مع اآلخرٌن حتى مع أعداء اإلسبلم‪.‬ذلك التصوؾ الذي ال‬
‫ٌعتمد على الذوق والرٌاضة الروحٌة فقط وأنما ٌتعداه بإعتباره منهجا ناقصا ال ٌفً بحاجات‬
‫وإحتٌاجات العصر الذي ٌمثل عصر صراع وتحدي للفلسفات المادٌة المعادٌة للدٌن اإلسبلمً‪.‬‬

‫ولكن الممٌز كٌؾ إستطاع إعادة إنتاجه بمنهج جدٌد بعٌدا عن المشٌخة الكبلسٌكٌة وبعٌدا عن‬
‫إنشاء طرٌقة صوفٌة بل األهم من ذلك ٌعتمد على الذكر القلبً والتؤمل العقلً لخدمة الحقابق‬
‫اإلٌمانٌة خدمة مباشرة ‪ ،‬كٌؾ أعاد إنتاج الحقابق اإلٌمانٌة التً هً مسعى كل متصوؾ وأعاد‬
‫هٌكلتها وفق ما ٌتطلب مع العصر ووفق إحتٌاجات إنسان الٌوم ‪ ،‬مما ٌعكس قابلٌة التصوؾ‬
‫إلى التجدٌد وإن دل فإنما ٌدل على مرونته للتطور والتجدٌد وفق متطلبات وحاجٌات العصر‬
‫فهو صالح لكل زمان ومكان ‪ .‬كما أنه أعاد إحٌاء الحٌاة الروحٌة على عهده األول حٌنما كان‬
‫أ سلوب عٌش ممارسا مجسدا فً سلوكات والتفاعبلت اإلجتماعٌة ‪ ،‬السٌاسٌة ‪ ،‬اإلقتصادٌة ‪،‬‬
‫الدٌنٌة ‪...‬ألخ للفرد داخل المجتمع ال باإلنعزال عن المجتمع بل كنموذج ٌعكس التربٌة الروحٌة‬
‫الحقة من أخبلق وبناء روحً متوازن ٌقؾ أمام هاته التٌارات التؽرٌبٌة و الشبهات والبدع‬
‫محقق ا توازنا روحٌا ومادٌا معا ‪ ،‬إنه النموذج الذي ٌبنً اإلنسان أخبلقٌا وٌضمن الصلة الدابمة‬
‫باهلل عن طرٌق العبادة التً فً مدلولها هً منبع الطاقة الروحٌة التً توقظ القلب وتحٌٌه‬
‫وتجعله ٌمارس وظٌفته التعبدٌة بإخبلص تام هلل وتنظٌم وتنمٌة العروج الروحً الذي ٌرتقً‬
‫باإل نسان دابما إلى األعلى وٌدفعه دوما إلى األسمى ‪.‬هكذا جعل "النورسي" بمنهج الوسطٌة‬
‫وثنابٌة العقل والقلب إعادة إنتاج القٌم والحٌاة الروحٌة وهذا هو جوهر التصوؾ‪.‬‬

‫فالتصوؾ عند النورسً هو التطبٌق الحقٌقً لئلسبلم فً السلوك وفً جوانب الحٌاة الحٌاة‬
‫المختلفة كؤسلوب م جسدا على أرض الواقع ٌخدم الفرد والمجتمع وٌحقق المحبة واإلخبلص‬
‫والتضامن فً زمن أصبحت المادٌات الشؽل الشاؼل إلنسان العصر وبذلك همش الجانب‬
‫الروحً‪.‬‬

‫‪- 10 -‬‬
Resumé

Notre étude axée sur le phénomène du soufisme chez « Said Nursi » , l’un des
chercheurs qui a eu l’honneur de la rénovation et la reformulation religieuse dans la
société Turque en particulier et dans le monde musulman généralement à travers son
itinéraire personnel et les circonstances de son époque afin que d’ implorer les orientations
affectants sur ses tendances spirituelles et enfin dépose les caractéristiques de rénovation
et de réforme dans la pensée soufi ou le soufisme extracteur d’orientation d’application
dans la vie de l’individu du XXe siècle (20ème siècle) .

En considérant que le soufisme est inclu dans le domaine de la pensée islamique , est
connu par de multiple méthodes et manières soufi suivant son passage par plusieurs
étapes, donc il reflète les efforts humaines et les tentatives d’interaction dans l’espace du
lieu et du temps connu dans le cadre de la prophisie (la religion islamique). Malgré
l’exposition de la pensée soufi aux interventions des souspiçions et les engouements
(hérésies) et les soupçons qui ont ternies (déviation) la réalité du soufisme et son contenu
et qui affectent ses aspects et ses méthodes d’application du soufisme qu’est été entre
opposant et partisan , défendeur et d’autre qui ont critiqué .

Par contre dans chaque époque il y‘avait une mutation de savants et chercheurs du
soufisme et la pensée islamique qui ont rénové et reformuler son aspect , dans un aspect
nouveau , qui repousse les soupçons de ceux qui ont détourné leur opinion envers le
soufisme suivant leurs désirs, objectifs et a des fins diverses.

Nursi est considéré comme l’un parmi ceux qui ont restauré et revivre le soufisme a
sa source véritable et ses objectifs ou a été développé dans une nouvelle forme et méthode
distinguée des autres qui l’a rendu conforme avec les exigences et les conditions de
l’epoque sans provoquer son isolement de la société , mais il a reformulé comme un
modèle et procédé de vie pratique apte (capable) a l’activation et d’application , mais il a
fait revivre la vie spirituelle d’une manière vaste avec ses significations morales larges
comme : l’union , solidarité, fraternité, l’amour, l’honnêteté, l’espoir, choura…etc . Dans
une époque ou les courants d’athéisme et laïque ont submergé qui orientent la vision des
gens vers la vie matérielle et son plaisir, dans ces conditions difficiles et misérables. Nursi
a rénové la pensée soufi et ces méthodes son itinéraire et comportement, malgré son refus
d’être un cheikh du soufisme (tarika soufia) ou soufiste.

Cela ne prouve pas sa rupture avec épistémologie avec la pensée du soufisme . mais il
a profité et bénéficie du soufisme une méthode pour rationaliser son discours prédicateur
soufi visant la reforme et le changement .

- 11 -
Le soufisme agréer et soutenu pour lui est basé totalement sur l’approche coranique
globale selon sa prédication .appelant tous les groupes et toutes les catégories de la société
, selon la souna et le serment des compagnons du messager comme modèle exemplaire du
soufisme appliqué , comportement et activité , incarnée sur le terrain réellement dans leur
relation et interactions avec les autres et même avec les ennemis de l’islam. Ainsi le
soufisme qui ne dépend pas du (dawek) goût et des sports spirituelles seul, mais il le
dépasse considéré comme méthode incomplète et ne répond pas aux besoins de l’époque
qui représente l’ère des conflits et de l’affrontement aux philosophies physiques hostiles ,
religion islamique.

Mais comment reproduire avec une méthode nouvelle loin des (Mecheikha)
classiques et loin de la création des sectes soufi (tarika soufia) , mais le plus important
dépend de la méditation du cœur et les contemplations mentales qui servent à la réalité de
la foi directement , comment reproduir les réalités de la foi qui sont des fins des gens soufi
, il les a restructurées selon les exigences de l’époque , ce qui reflète son aptitude de se
renouveler .ce qui prouve sa flexibilité de sa modernisation et son renouvèlement , selon
les exigences et les besoins individuels qui est valable pour tous les temps et lieux qui fait
revivre la vie spirituelle a son premièr temps, lorsqu’il était comme modèle de vie
représenter dans le comportement , interaction sociale , économique, politique , morale et
religieux…etc. de l’individu dans la société sans s’isoler de la société . mais comme
modèle qui reflète l’éducation spirituelle réelle , morale, développement spirituel équilibré
qui s’impose devant les courants d’aliénation , les suspiçions et les engouements. Qui
réalisé un équilibre physique et spirituel. C’est le modèle qui construit l’être humain
moralement .

Il assure le lien permanent avec le Dieu par le culte qui est dans sa signification la
source de l’énergie spirituelle qui éveille le cœur et qui le revivre , et qu’ il assure sa
fonction de culte avec fidélité complète a Dieu et organise l’ascension spirituelle , qui
assure la hausse de l’être humain vers le haut en permanence et qui le bouste toujours vers
le mieux .c’est ainsi que Nursi a fait de la modération et la dualité de l’esprit et du cœur a
fait de la reproduction et de revivre les valeurs ,et la vie spirituelle et c’est le noyau du
soufisme.

Le soufisme chez Nursi, c’est l’application réelle de l’islam dans le comportement et


dans tous les aspects de vie et comme un exemple modèle de vie réalise sur terrain qui sert
l’individu et la société et qui réalisé : l’amour, la loyauté , la solidarité, au moment où le
matérialisme est devenu la préoccupation prioritaire de l’être humain de l’époque. Ainsi il
a marginalisé l’aspect spirituel.

- 12 -
Abstract

Our study has focused on the phenomenon of mysticism by "Said Nawrasi", one of those
who have been credited with the renewal of religious reform particularly in the Turkish
society, and generally in the Muslim world, through shedding light on his autobiography and
the conditions of his time to touch the trends affecting his intellectual and spiritual
orientations, thus monitoring the features of renewal and reform in Sufism or Sufi Thought,
which draws on the practical direction of the twentieth-century human life.

The Sufism is part of the field of Islamic thought; however, it is known for its
multiplicity of approaches and methods for going through several stages. It, therefore, reflects
these human efforts and interactive attempts within a specific spatial and temporal domain
within the scope of revelation (Islamic thought). Although suspicions and doubts distorted the
truth and substance and the extent of intellectual or methodological aspects as a practice and
swung between the opposition and the support, between defenders and critics, there was in
every era a surge of scientists and thinkers of the mystics and Islamic thought who work on
renewing and formulating it in a new form and reject those suspicions and doubts of those
who deviated from it for various purposes and purposes.

Nawrasi is believed to be among those who were devoted of the revival of Sufism to its
essence, its true source and purposes, in which it grew up in its new manner and distinctive
approach. Such a fact made it responsive to the recent requirements and without
disconnecting it from society. However, he re-formulated it as a model and a way of life to be
practised, activated, and applied. In other words, he revived the broad spiritual life with its
broad moral meanings like: "union, solidarity, brotherhood, love, honesty, hope, consultation
(Shura) ... etc” in a time, where atheism, secular currents, and Westernization overwhelmed,
the attention of people was drawn towards the material life and enjoyment of it. In the midst
of these dire and difficult situations, he transformed the Suffism Thought into a method and a
behaviour despite his total denial of being a leader of the Sufi method. Nevertheless, this
doesn’t mean that he hasn’t created an epistemological break with the Sufi Thought, but has
taken advantage of Sufism as a method to rationalize his missionary speech for reform and
change. The comprehensive Quranic approach in his call to address all groups and all social
classes, and the honourable Sunna and the Companions’ (Sahabah) era as being the
distinctive model of Sufism in practicing behaviours and actions embodied, on the ground, in
their transactions and interactions with others even with the enemies of Islam. Sufism does
not depend on the personal tastes and spiritual acts only. It rather extends that since it is an

- 13 -
approach which does not meet the needs of the time as it represents an era of conflict and
challenge of physical philosophies that proved to be hostile to Islamic religion.

Nevertheless, what is more important is how he was able to reproduce it in a new way
away from the classic and far from the establishment of a Sufi method. In fact, it depends on
the spiritual supplication and mental reflection to serve the faith truths directly, how he re-
produced the truths that are the quest of all Sufis and restructured them as required through
time and according to the needs of man today. Such a fact reflects the ability of Sufism to
renewal, although it demonstrates the flexibility of development and renewal according to the
requirements and needs of the time. It is, thus, valid for at any time and place. He also
revived the spiritual life to its first era when the lifestyles practised were embodied in the
social, political, economic, religious interactions and behaviours of the individual within his
society rather than isolated from it. That’s to say, as a model reflecting the true spiritual
education of ethics and a balanced spiritual building, facing the Westernizing trends and
suspicion which achieve a spiritual and material balance. It is the model that constructs man
morally and ensures the constant connection to God through worship, which in its meaning is
the source of spiritual energy that awakens and revives the heart and makes him perform his
worshipping function with total devotion to God. All this without forgetting the organizing
and progressing of the spiritual raising that makes man rise to the top, and always push him to
the best. In this way, Nawras introduced both of the approach of moderation and mind-heart
duality, that reproduce values and spiritual life; and this is the essence of Sufism.
Sufism of Nawrasi is the true application of Islam in behaviour and all the different
aspects of life, serving the individual and society, and achieving love, sincerity and solidarity
at a time when materialism becomes the preoccupation of the modern man at the expense of
his spiritual side.

- 14 -
‫مقدمة عامة‬

‫‪- 15 -‬‬
‫مقدمة عامة‬
‫إن التصوؾ ٌعتبر ظاهرة روحٌة عالمٌة‪ ،‬طالما أنه هناك دٌن ٌقدس وطقوس تإدى‪،‬‬
‫وشعابر تقام ‪ ،‬وٌعد التصوؾ مبحثا من أهم المباحث التً ٌستند إلٌها الفكر اإلسبلمً حٌث‬
‫ٌرتكز التصوؾ اإلسبلمً على ثبلث مكونات أساسٌة وهً ‪ :‬الكتابة الصوفٌة والممارسة‬
‫الروحٌة واإلصبلح الصوفً ‪ .‬كما له مساهمة كبٌرة فً إؼناء الثراث الثقافً العالمً وعلى‬
‫الثقافة الشعبٌة والفنون ‪ .‬فقد ساهم الشعر و األدب و الموسٌقى فً بلورته حتى أنه تعدى‬
‫خارج حدود العالم العربً و اإلسبلمً ‪ .‬وبإعتباره ظاهرة معقدة ومتداخلة‪ ،‬فهو عملٌة مركبة‬
‫تستوعب اإلجتماع والفكر والدٌن واألدب والفن وؼٌر ذلك‪ ،‬وهو بهذه الصفة أٌضا ٌتناول‬
‫المسابل النفسٌة واإلجتماعٌة على حد سواء‪ ،‬كما أنه ٌمثل ظاهرة فلسفٌة بإعتباره معبرا عن‬
‫رإٌة فلسفٌة معٌنة وهو زٌادة على ما سبق ظاهرة أدبٌة لها مٌزتها المتشبعة بالرمزٌة ولؽة‬
‫اإلشارات لدى كثٌر من رواد هذا العلم‪ ،‬إضافة إلى الفن والموسٌقى‪ .‬وكثٌرا ما تتجلى مجموع‬
‫تلك الوجوه فً فعل تربوي واحد ‪.‬وقد إستصحب الدارسون تلك الوجوه فً دراسة التصوؾ‪،‬‬
‫والشك أن تلك الوجوه تعبر عن جزء من الظاهرة‪ ،‬وال تستوعب الظاهرة ككل‪.‬‬

‫ٌمثل التصوؾ اإلسبلمً ظاهرة عمٌقة وممتدة ومتعددة المظاهر فً تارٌخنا الفكري‬
‫وواقعنا اإلجتماعً والحضاري‪ ،‬كما أنه ٌعتبر جزءا أساسٌا فً التراث اإلسبلمً حٌث تبوأ‬
‫مكانة هامة فً الفكر العربً اإلسبلمً‪ ،‬واإلهتمام بالتصوؾ كموضوع للدراسة قدٌم‪ ،‬تناوله‬
‫المإرخون والعلماء العرب والمسلمون كالطوسً ‪ ،‬والكبلباذي‪ ،‬والقشٌري وؼٌرهم‪ ،‬كما ألؾ‬
‫فٌه الفبلسفة كابن سٌنا والؽزالً وإبن خلدون ‪ ،‬وتجادل فٌه الفقهاء وعلماء الكبلم إضافة إلى‬
‫جهود المستشرقٌن كنٌكلسون وآنا ماري شٌمل وؼٌرهم ‪ .‬ولم ٌتفق هإالء على رأي سواء‬
‫تعلق األمر بحدوده أو أصوله فإختلفت اآلراء والمشارب حوله‪ .‬فالتصوؾ لٌس ظاهرة‬
‫إسبلمٌة خاصة بل إن جذوره وعروقه لتمتد فً أي فكر دٌنً عموما‪ ،‬حتى إن كثٌرا من‬
‫الدارسٌن ربطه بؤصول ؼٌر إسبلمٌة كالمسٌحٌة والهندٌة والفارسٌة والفلسفة الٌونانٌة‪ .‬ورأي‬
‫آخر ٌرفض هذه الصبلت جملة وتفصٌبل وٌرده إلى أصوله اإلسبلمٌة ومنابعه األولى القرآن‬
‫والسنة‪.‬‬

‫‪- 16 -‬‬
‫تتجذر الطرق الصوفٌة فً بنٌة المجتمع التركً منذ مبات السنٌن‪ ،‬وقد ظلت الصوفٌة فً‬
‫تركٌا محافظة على وجودها بٌن أفراد المجتمع وطبقات المجتمع‪ ،‬على الرؼم من التحوالت‬
‫الفكرٌة الجذرٌة والمحطات التارٌخٌة الفاصلة التً مرت بها الدولة التركٌة وخاصة فً القرن‬
‫العشرٌن‪ ،‬السٌما مع سقوط الخبلفة العثمانٌة وإلؽابها رسمٌا عام ‪4691‬م‪ ،‬وإتجاه تركٌا‬
‫"الكمالٌة" أي "كمال أتاتورك" نحو تبنً العلمنة التً تهدؾ إلى إبعاد الدٌن عن وجه الدولة‬
‫والمجتمع والمجال العام وتهمٌشه إلى أقصى حد ممكن‪ ،‬بل ومحاربته والحد من مظاهره‬
‫كذلك فً الفضاء الخاص‪ ،‬وظلت محافظة على وجودها على الرؼم من كل محاوالت القضاء‬
‫علٌها‪ .‬من خبلل أشكال وطقوس دٌنٌة ‪ :‬أذكار وأوراد وأناشٌد وإبتهاالت‪ ،‬وعكفت طرق‬
‫أخرى صوفٌة تحفٌظ القرآن للناس وبعضها اآلخر إكتفى بالتعبٌر عن روحانٌته بالدروشة‬
‫التً تصورها وسابل اإلعبلم العربٌة فً كل مناسبة دٌنٌة معٌنة‪ ،‬وإختصت كل فبة أو طرٌقة‬
‫بلباس خاص بها‪ٌ ،‬مٌزها عن األخرى‪ .‬ولعل الناظر إلى طبٌعة التدٌن فً المجتمع التركً‬
‫إبان الحقبة العثمانٌة ٌمكنه بسهولة أن ٌلمح آثار التصوؾ الواضحة فٌه‪.‬‬

‫التصوؾ بوصفه ظاهرة دٌنٌة أنجبت منذ أن نشؤ ت رجاال تركوا بصمات واضحة على‬
‫التراث الدٌنً‪ ،‬بعدما إنتشروا فً مشارق األمة ومؽاربها‪ .،‬حٌث ٌشكل التصوؾ رصٌدا‬
‫ضخما من التراث البلمادي ‪ ،‬جدٌر باإلهتمام وإستثمار ما ٌكتنزه من طاقات أخبلقٌة وجمالٌة‬
‫فً مواجهة تحدٌات العصر وزحؾ التٌارات المادٌة وأزمة األخبلق فً كثٌر من المجتمعات‬
‫المعاصرة وسنحاول فً هذه الدراسة إلقاء الضوء علٌه بوصفه ظاهرة كظاهرة دٌنٌة من‬
‫خبلل التطرق إلى تجربة التصوؾ عند بدٌع الزمان النورسً‪ ،‬ذو علما ومكانة فً تارٌخ‬
‫تركٌا الحدٌثة التً شهدت تطورات خطٌرة فً القرن العشرٌن‪ ،‬وما تزال آثاره حتى اآلن‬
‫ٌتفاعل معها المجتمع التركً المعاصر‪ .‬وإستعراض إلنتشارها فً تركٌا ‪ ،‬مع إظهار‬
‫التطورات والتداعٌات التً واجهها المتصوؾ سعٌد النورسً ‪ ،‬وكٌفٌة تفاعله معها ‪،‬مع‬
‫التركٌز على تؤثٌره اإلجتماعً والدٌنً فً المجتمع التركً فً العصر الحدٌث‪.‬‬

‫ومما ال شك فٌه أن لتصوؾ النورسً إسهامات كبٌرة فً مجمل التحوالت الفكرٌة‬


‫والحضارٌة والمجتمعٌة التً عرفتها تركٌا عبر تارٌخها ‪ ،‬كما أنه ٌشكل مرجعا فكرٌا‬
‫لمجموعة من أتباعه‪ .‬فقد إشتهر حضورا وتؤثٌرا فً شرابح المجتمع التركً‪ ،‬باألرٌاؾ‬
‫‪- 17 -‬‬
‫والمدن مإكدا على البعد التربوي الذي كان ٌحث أتباعه على ضرورة ترسٌخه وتعمٌقه‬
‫بإعتباره األساس والمنطلق ألي عملٌة تؽٌٌرٌة فردٌة كانت أو جماعٌة‪.‬‬

‫تنسب جماعة النور‪/‬النورجٌة إلى الشٌخ بدٌع الزمان سعٌد النورسً‪ ،‬وتعد من أكثر‬
‫الجماعات اإلسبلمٌة حضورا وتؤثٌرا فً شرابح المجتمع التركً‪ ،‬باألرٌاؾ والمدن ومما‬
‫ٌمٌز هاته الجماعة حرصها على أن تستقل بخط فكري ٌمٌزها عن باقً الطرق الصوفٌة‪.‬‬
‫تحمل فً طٌاتها رإى وتصورات عمٌقة فٌما ٌخص تدبٌر شإون حٌاة اإلنسان بجوانبها‬
‫المتعددة الدنٌوٌة واألخروٌة ‪.‬‬

‫وعلٌه تتمحور إشكالية بحثنا كماٌلً‪:‬‬

‫ماهي طبيعة التصوف عند سعيد النورسي ؟ وما موقفه من التصوف ؟‬

‫ولئلجابة على إشكالٌة بحثنا ووفق المنهجٌة المتبعة وجب على كل باحث أثناء بحثه أن ٌصٌػ‬
‫له فرضٌات كإجابات مإقتة وعلٌه ففرضٌات بحثنا تتمثل فٌماٌلً‪:‬‬

‫‪ -1‬إستثمر النورسي الفكر الصوفي وجدده ليستجيب لمقتضيات التحديث القسري الكمالي ‪.‬‬
‫‪ -2‬ج اءت مواقف النورسي لمواجهة التحديث القسري من خالل فكر صوفي يستجيب‬
‫التحديات التي فرضها التحديث العلماني بتركيا‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بالهدف األول و الرئيسي من وراء إختٌار هذا الموضوع هو القٌام بدراسة‬
‫أنثربولوجٌة حول موضوع ظاهرة التصوؾ عند سعٌد النورسً والحاجة الملحة إلى معرفة‬
‫تجربته الصوفٌة روحا وخلقا وإنسانٌا واإلقتداء به لٌس فً المظاهر واللباس وإنما فً السلوك‬
‫واألقوال واألفعال‪ .‬بل إستحضار شخصٌته األخبلقٌة وتفعٌلها وهً ما ٌحتاج إلٌها النشا‬
‫للتربٌة فً مقابل التطور المادي للحٌاة‪ .‬وبالتالً معرفة مدى أهمٌة التصوؾ للفرد المعاصر‬
‫وممارسته وإنعكاسه على تفاعبلته داخل المجتمع كسلوك فً الحٌاة ‪.‬‬

‫وألن الهدؾ من أي دراسة ال ٌنفصل عن دوافعها فإن ؼاٌتنا من هذه الدراسة هو الكشؾ‬
‫عن حقٌقتها كما هو فً الواقع وإنجاز عمل أنثربولوجً عنها ٌكون وثٌقة عمل للدارسٌن بهذه‬
‫المواضٌع بعدنا ‪ ،‬وٌكون بالنسبة لدراسات أكثر عملٌة وأكثر عمقا‪ .‬كما أن هذا البحث ٌمثل‬
‫إستقصاء لحقابق متعلقة بتصوؾ "سعٌد النورسً" بتركٌا‪.‬‬
‫‪- 18 -‬‬
‫أسباب إختيار الموضوع ‪:‬‬

‫إن أهم األسباب التً دفعتنا إلى إختٌار هذا الموضوع للدراسة سببٌن أحدهما ذاتً والثانً‬
‫موضوعً فاألول مرده إلى حب اإلطبلع و اإلهتمام الشخصً والرؼبة الملحة فً تناول هذا‬
‫الموضوع بالدراسة والبحث‪ .‬بعدما إقترحه علٌنا ربٌس مشروع مدرسة الدكتورالٌة فً‬
‫األنثربولوجٌة سنة ‪ 9142-9141‬الدكتور موالي الحاج مراد‬

‫أما الثانً فقد تمثل فً كون أن ظاهرة التصوؾ وتؤثٌره أصبح ظاهرة تفرض نفسها على‬
‫الباحث لٌس فقط بؤنه عضو فً المجتمع بل ألن معرفتها خصوصا بالنسبة لدارس علم‬
‫األنثربولوجٌا و علم إالجتماع تمكنه من معرفة واقع هذا النمط وتؤثٌره على إتجاهات األفراد‬
‫وعلى باقً النظام اإلجتماعً ككل ومإسساته بما فً ذلك األسرة كوحدة جزبٌة من مجموعة‬
‫أفراد مكونة للمجتمع ‪ ،‬وهو ما ٌجعل إختٌارها للدراسة أمرا واقعا وٌشكل دافعا موضوعٌا‬
‫باإلضافة إلى وجود المصادر والمراجع والمقاالت كمادة علمٌة ٌستند علٌها فً أي بحث‬
‫علمً وأكادٌمً‪.‬‬

‫المصطلحات االساسية ‪:‬‬


‫تعريف الكتاني التصوف‪ :‬فقد حاول تعرٌؾ التصوؾ بصورة مختصرة فقال‬

‫« التصكؼ صفاء كمشاىدة»‪.1‬‬

‫عرفه أبو الحسن الشاذلي ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫«التصكؼ تدريب النفس عمى العبكدية ‪ ،‬كردىا ألحكاـ الربكبية»‬

‫فالتصوؾ عند الفالسفة‪:‬‬

‫المنقی می الظیل ‪ ،‬دار المعارر‪ ،،‬مرار ‪،‬‬ ‫‪ -1‬عبد الحلٌم محمود ‪ ،‬قضیة التصیف‬
‫الطبعة الثرلثة‪ 1988 ،‬م ‪ ،‬ص‪.74‬‬
‫‪ -2‬حامد إبراهٌم صقر ‪ ،‬نور التحقيق في صحة أعمال الطريق ‪ ،‬دار التؤلٌؾ للنشر‪ ،‬القااهرة ‪ ،‬مصار ‪4641 ،‬م ‪،‬‬
‫ص ‪.69‬‬
‫‪- 19 -‬‬
‫«حاالت فردية‪ ،‬كاجتيادات شخصية في طريؽ الكصكؿ إلى ا﵀ تعالى‪ ،‬أك اإلتصاؿ‬

‫بو بالعشؽ أك الفناء أك إدعاء اإلتحاد بو»‪.1‬‬

‫عرؾ إبن عجيبية التصوؾ ‪:‬‬

‫«ىك عمـ يعرؼ بو كيفية السمكؾ إلى حضرة ممؾ الممكؾ ‪ ،‬كتصفية البكاطف مف‬
‫الرذائؿ ‪ ،‬كتحميتيا بالفضائؿ ‪ ،‬كأكلو عمـ ككسطو عمؿ كآخره مكىبة»‪.2‬‬

‫ٌعرؾ سمير السعيدي التصوؾ فً قوله ‪:‬‬

‫«إف لغة التصكؼ ألفاظيا مكىمة في ظاىرىا‪ ،‬لكنيا كبلـ في الكشؼ عف الحقيقة‬
‫كعمكـ الغيب ‪ ...‬كىي "لمجرقات في عكالـ الككف كأنكاع الكرامات كينطؽ ليا أئمة القكـ»‪. 3‬‬

‫المفهوم اإلجرائي للتصوف ‪:‬نرى أن مفهوم التصوؾ أشمل وأعم من أن ٌطلق علٌه إحدى‬
‫هذه المسمٌات فإننا سوؾ نتناول التصوؾ بإعتباره مجاال لممارسة الحٌاة الروحٌة‪ ،‬ألن‬
‫الحٌاة الروحٌة إطار ٌشمل أؼراض ومعانً منها التخلً عن األخبلق الرذٌلة والتحلً‬
‫باألخبلق السامٌة‪.‬‬

‫تعريف الطريقة ‪:‬‬

‫«الطريقة في المغة ىي السيرة‪ ،‬كطريقة الرجؿ ‪:‬مذىبو‪ ،‬يقاؿ" ‪:‬ما زاؿ فبلف عمى طريقة‬
‫كاحدة أم عمى حالة كاحدة‪ ،‬كفبلف حسف الطريقة كالطريقة الحاؿ»‪. 4‬‬

‫الطريقة عند الشيخ محمد الكسنزان ‪:‬‬

‫‪ -1‬محمد علً الجندي ‪ ،‬نظرية اإلمامة بين الشيعة والمتصووفة‪ ،‬دار الزهاراء للنشار والتوزٌاع ‪ ،‬الطبعاة األولاى‪،‬‬
‫‪1991‬م ‪ ،‬ص‪.89‬‬
‫‪ -2‬أحمد بن عجٌبٌة ‪ ،‬معراج التشوف إلو حقوائق التصووف ‪ ،‬تحقٌاق‪ :‬عباد المجٌاد خٌاالً ‪ ،‬مركاز التاراث الثقاافً‬
‫المؽربً ‪ ،‬الدار البٌضاء ‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بدون سنة نشر ‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫‪ -3‬سمٌر السعٌدي‪ ،‬الحسين بن منصور الحالج‪ ،‬حياته وشعره ونثره‪ ،‬دار عبلء الدٌن للنشر‪ ،‬دمشق‪ ، ،‬بدون طبعة‬
‫وسنة نشر ‪ ،‬ص‪.91‬‬
‫‪ -4‬ابن منظور ‪،‬لسان العرب ج ‪ ، ،9‬دار صادق للطباعة والنشر‪ ،‬بٌروت‪ 1968 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.221‬‬
‫‪- 20 -‬‬
‫« ىي المنيج أك األسمكب الذم يستنبطو شيخ الطريقة مف الكتاب كالسنة المطيرة‬
‫‪1‬‬
‫لتطبيؽ الشريعة اإلسبلمية تطبيقا كامبل بظاىرىا كجكىرىا»‬

‫مصطلح الطريقة عند إبن خلدون ‪:‬‬

‫«ككصؼ لجماعة المتصكفة فيما سمككا مف السبؿ كتبعيـ في ذلؾ أىؿ الطريقة ممف‬
‫إشتممت رسالة القشيرم عمى ذكرىـ كمف تبع ‪.‬طريقتيـ مف بعده»‪.2‬‬

‫المفهوم اإلجرائي للطريقة ‪ :‬مفهوم الطرٌقة متعلق بؤركان الدٌن الثبلثة اإلسبلم واإلٌمان‬
‫واإلحسان فهً لٌست تطبٌقا لمقام اإلحسان فقط ‪،‬فهً تطبٌق لمقام اإلسبلم أوال ثم اإلٌمان‬
‫وأخٌرا اإلحسان ‪ ،‬إذ ال إحسان ببل إسبلم وإٌمان ‪ ،‬ونستنتج أن الطرٌقة هً التطبٌق األمثل‬
‫ألركان الدٌن الثبلثة ببل فصل أو تجزبة‪.‬‬

‫يعرف الجرجاني الكرامة ‪:‬‬

‫« أمر خارؽ لمعادة ‪ ،‬يظيره ا﵀ تعالى عمى يد كلي مف أكليائو تكريما لو أك نصرة لديف‬

‫ا﵀»‪.3‬‬

‫تعرؾ كذلك ‪:‬‬

‫« ىي أمر خارؽ لمعادة ‪ ،‬يظير عمى يد عبد ظاىر الصبلح ‪ ،‬ممتزـ بالشريعة ‪ ،‬نبي‬
‫مصحكب لصحيح اإلعتقاد كالعمؿ الصالح ‪ ،‬عمـ بيا أك لـ يعمـ»‪.4‬‬ ‫كمؼ بشريعتو‬

‫تعرف الكرامة أيضا ‪:‬‬

‫‪ -1‬جماعة من كبار اللؽوٌٌن العرب ‪،‬المعجم العربي األساسي ‪ ،‬المنظمة العربٌة للتربٌة والثقافة والعلوم للنشر ‪،‬‬
‫‪4656‬م ‪ ،‬تونس ‪ ،‬ص ‪.469‬‬
‫‪ -2‬إبن خلدون ‪ ،‬المقدمة ‪ ،‬دار مكتبة الهبلل للنشر ‪ ،‬بٌروت‪ 1991 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.296‬‬
‫‪ -3‬محمد بن صالح عثمٌن ‪ ،‬مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن عثيمين ‪ ،‬ج‪ ، 4‬محقق ‪ :‬فهد بن ناصار بان‬
‫إبراهٌم السلٌمان ‪ ،‬دار الوطن للطباعة والنشر والتوزٌع ‪،‬الرٌاض ‪ 4149 ،‬هـ ‪ ،‬ص ‪.944‬‬
‫‪ -4‬أحمد الجوهري الخالدي ‪ ،‬كرامات األوليواء فوي الحيواة وبعود اإلنتقوال ‪ ،‬تحقٌاق‪ :‬ساعٌد عباد الفتااح ‪ ،‬دار اآلفااق‬
‫العربٌة للنشروالتوزٌع ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬مصر ‪ 9115 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫‪- 21 -‬‬
‫« عبارة عف حكاية قصيرة تركم قصة بطؿ صكفي أك كلي صالح لو مف القدرات ما‬

‫يمكنو مف تحقيؽ ما ىك خارؽ لمعادة يظير كمخالؼ لسنف الطبيعة كالحديث مع المكتى كتسخير الحيكاف‬
‫كالجماد كالمشي عمى الماء كالطيراف في اليكاء»‪.1‬‬

‫تعريف الكرامة عند علي زيعور ‪:‬‬

‫« بنية أساسية في الفكر البشرم ‪ ،‬كىي كالبنية العقبلنية مرتبطة بنمط مجتمعي ‪،‬‬
‫كبأسمكب معيشي في الكجكد ‪ ،‬كىي ممارسة لمعتقد ديني ‪ ،‬كتأكيد ليذا المعتقد ‪ ،‬كالفكر الكرامي نمط فكرم‬
‫كاجتماعي كشمكلي النظرة ‪ ،‬كما أنو يأخذ كيعمؿ كؿ شيء بالمجكء إلى الخياؿ كأكليات الدفاع عف الذات ‪،‬‬
‫كاإلشباعات النفسية كما أنو يرضي الكعي إتجاه التحديات كالحكاجز ترضية سيمة»‪.2‬‬

‫تعريف لمكرامة ‪:‬‬

‫« ذلؾ الفعؿ الخارؽ كالسمكؾ المميز الذم يعتقد بأف ا﵀ خص بو صفكة مف خمقو‬
‫‪3‬‬
‫‪.‬‬ ‫»‬ ‫ىـ األكلياء‬

‫المفيوم اإلجرائي لمكرامة ‪ :‬ىي مجرد عطاء فكرم سمككي كثيؽ اإلرتباط بقكل غيبية ‪ ،‬بينما‬
‫ىي في الكاقع نتاج إجتماعي ‪ ،‬كافراز لشركط تاريخية كانعكاسات إلكراىات إجتماعية ‪ ،‬كتجؿ‬
‫ل كاقع يزخر بالتناقضات‪ .‬ال يمكف فيمو إال في ظؿ النظـ كالمعتقدات المجتمعية السائدة‪.‬‬

‫أما فٌما ٌخص منهج البحث والتقنٌة المستعملة حٌث أن المناهج تختلؾ بإختبلؾ‬
‫المواضٌع ألن المنهج هو الطرٌق الذي ٌسلكه الباحث للوصول إلى نتٌجة حٌث ٌعرؾ المنهج‬

‫‪ -1‬إبااراهٌم القااادري ‪ ،‬اإلسووالم السووري فووي المغوورب العربووي ‪ ،‬منشااورات سااٌنا للنشاار ‪ ،‬القاااهرة ‪ ،‬مصاار‪ ،‬الطبعااة‬
‫األولى‪ 4662 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.499‬‬
‫‪ -2‬علاً زٌعاور ‪ ،‬الكراموة الصووفية األسوطورة و الحلوم ‪ ،‬دار األنادلس للطباعاة والنشار والتوزٌاع ‪ ،‬بٌاروت ‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪4651 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.59‬‬
‫‪ -3‬محمد دحمانً ‪ ،‬حكايات كرامات األولياء في منطقة الشلف‪ ،‬مذكرة لنٌل شهادة ماجٌستر ‪ ،‬كلٌة اآلداب واللؽات‬
‫قسم اللؽة العربٌة وآدابها ‪ ،‬جامعة بن ٌوسؾ بن خدة ‪ ،‬الجزابر‪9113-9112 ،‬م‪ ،‬ص‪.44‬‬
‫‪- 22 -‬‬
‫« عمى أنو مجمكع السبؿ ك األدكات ك الكسائؿ التي يعتمدىا الباحث في دراستو‬
‫كيسمى مف خبللو أم الكشؼ عف حقائؽ عممية»‪. 1‬‬
‫والمنهج الذي إعتمدنا علٌه فً دراستنا هذه هو المنهج الوصفي اإلستقرائي الذي ٌهدؾ‬
‫إلى فهم الظاهرة والمنهج الوصفً لما له فابدة فً إستقصاء الظاهرة وتناسبه مع طبٌعة‬
‫الموضوع كما هً فً الواقع والذي ٌهدؾ إلى وصؾ واقع التجربة الصوفٌة عند "سعيد‬
‫النورسي " وتؤثٌره على إتجاهات وسلوكات االفراد باالضافة الى وإستقراء بحٌث نقوم‬
‫بعملٌة جمع أقوال "سعيد النورسي" الخاصة بموضوع بحثنا التصوؾ ‪ ،‬وكذلك إستخدام‬
‫المنهج التاريخي‬

‫‪2‬‬
‫«ييدؼ إلى إعادة بناء الماضي بدراسة األحداث الماضية»‬

‫وذلك من أجل معرفة التصوؾ و نشوءه وتطوراته عبر التارٌخ‪ .‬وكذلك من زاوٌة أخرى‬
‫معرفة األحداث التارٌخٌة بمختلؾ إتجاهاتها التً وقعت أثناء حٌاة " سعيد النورسي" أي‬
‫األوضاع اإلجتماعٌة والسٌاسٌة والدٌنٌة ‪...‬إلخ وتطوراتها فً عصره وبالتالً معرفة مدى‬
‫تؤثٌرها علٌه سواء على الصعٌد الفكري أو الروحً‪ .‬باإلضافة إلى المنهج المقارن وذلك‬
‫بهدؾ معرفة ورصد اإلختبلفات وحتى التشابه بٌن الفكر الصوفً عند النورسً وؼٌره من‬
‫المتصوفة اآلخرٌن وذلك ال ٌكون إال من خبلل عملٌة المقارنة ‪.‬‬

‫أما تقنٌة البحث سنستخدم فً بحثنا هذا تقنٌة سيرة الحياة أو بما ٌعرؾ بقصة الحٌاة أو‬
‫تارٌخ الحٌاة كوسٌلة أساسٌة لمدى تناسبها مع طبٌعة بحثنا من سٌرة ذاتٌة للمبحوث أو قصة‬
‫بالتالً الحصول على وصؾ دق ٌق لمسارات حٌاة المبحوث فً السٌاق‬ ‫حٌاته مكتوبة‬
‫اإلجتماعً وذلك لكشؾ أنماط العبلقات اإلجتماعٌة والعملٌات التً تشكل هذه العبلقات‪.‬‬
‫بالتالً فسٌرة الحٌاة وراءها باحث أنثربولوجً قد قام بجمع الحقابق وعاٌنها حتى وصلت‬

‫‪ - -1‬محمد زٌدان عمر ‪ ،‬البحث العلمي ومناهجه وتقنياته ‪ ،‬دٌوان المطبوعات الجامعٌة للنشر‪ ،‬الجزابر ‪4651 ،‬م‬
‫‪ ،‬ص ‪419‬‬
‫‪ -2‬مورٌس أنجرس ‪،‬منهجية البحث العلمي في العلوم اإلنسانية تدريبات علمية ‪ ،‬ترجمة‪ :‬بوزٌد صاحراوي كماال‬
‫بوشرؾ سعٌد سبعون ‪ ،‬دار القصبة للنشر ‪ ،‬الجزابر ‪ ، 9111 ،‬ص ‪.412‬‬
‫‪- 23 -‬‬
‫الٌنا‪1.‬وذلك لجمع المعلومات قصد تكٌٌؾ المعلومات بطرٌقة منظمة وممنهجة ٌمكن من‬
‫خبللها جمع المعلومات بطرٌقة أكثر علمٌة ‪.‬‬

‫مع إستخدام تقنٌة المالحظه كؤهم تقنٌة فً البحث‪ .‬أما المجال الزمانً تحدد وفق الشروع فً‬
‫دراسة المإلفات منذ إختٌار موضوع بحثنا فً جوان ‪ 9142‬إلى ؼاٌة ‪ 1‬أفرٌل‪9144‬م‪.‬‬

‫عينة البحث ‪ :‬أما عٌنة البحث فكانت عٌنة ق صدٌة تمثلت فً إختٌار مإلفات النورسً وآثاره‬
‫العلمٌة عن طرٌق إختٌار األجزاء التً تكلم فٌها عن التصوؾ والفكر الصوفً ألنها تمثل‬
‫موضوع بحثنا‪ .‬الكلمات‪ -‬المكتوبات – السٌرة الذاتٌة‪ -‬المثنوي النوري العربً‪ -‬اللمعات‪-‬‬
‫المبلحق ‪ ،‬صٌقل اإلسبلم ‪،‬إشارات اإلعجاز فً مظان اإلٌجاز وهً تمثل مصادر البحث‪.‬‬

‫خطة البحث ‪ :‬كان ال بد لنا من إتباع منهجٌة علمٌة من أجل إنجاز هذا البحث و الوصول إلى‬
‫نتابج ‪ ،‬قمنا بإتباع خطة بحث تشمل المقدمة كإطار منهجً لدراستنا وأربعة فصول لكل‬
‫فصل تمهٌد وخبلصة على النحو التالً ‪:‬‬

‫المقدمة ‪ :‬وهً بمثابة اإلطار المنهجً للدراسة تطرقنا فٌها إلى تحدٌد الموضوع ‪،‬أهمٌة‬
‫وأهداؾ الدراسة ‪،‬دوافع إختٌار الموضوع ‪ ،‬إشكالٌة وفرضٌات البحث ‪ ،‬تحدٌد المصطلحات‬
‫الخاصة بالبحث ‪ ،‬منهج البحث والتقنٌة المستعملة فً جمع البٌانات والمعلومات باإلضافة إلى‬
‫صعوبات البحث وإلى الدراسات السابقة ‪.‬‬

‫الفصل األول ‪ :‬تناولت فٌه األوضاع التً عاش فٌها "سعٌد النورسً " دراسة المجال المكانً‬
‫وأحوال عصره‪ .‬بتقسٌمه لثبلث مباحث أساسٌة ‪.‬‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬تناولت فٌه حٌاة "سعٌد النورسً" وتطوراتها وذلك بتقسٌمه إلى ثبلثة مباحث‬
‫المبحث األول المرحلة األولى من حٌاة "سعٌد القدٌم "من المولد حتى سنة ‪1925‬م والمبحث‬
‫الثانً ٌمثل المرحلة الثانٌة " سعٌد الجدٌد" من ‪4616-4692‬م والمبحث الثالث ٌدرس‬
‫المرحلة الثالثة من حٌاته "سعٌد الثالث" ورسابل النور ‪4631-4616‬م‪.‬‬

‫‪ -1‬مجموعة من المإلفٌن ‪ ،‬طرق البحث أدلة العمل الميداني في الدراسات األنثربولوجيوة ‪ ،‬دار المعرفاة الجامعٌاة‬
‫للنشر ‪ ،‬اإلسكندرٌة ‪ ،‬مصر‪ ،9112 ،‬ص ص ‪.53.59‬‬
‫‪- 24 -‬‬
‫الفصل الثالث ‪ :‬ركزت فٌه على دراسة التصوؾ وفق المنظور " النورسً " وموقفه من‬
‫التصوؾ وفق أربعة مباحث تناولت فٌها المبحث األول ‪ :‬التصوؾ ومراحله والموقؾ‬
‫النورسً منه ومبحث ثانً تناولت فٌه وحدة الوجود والمعرفة عند النورسً والمبحث الثالث‬
‫"النورسً" والطرٌق الصوفً والمبحث الرابع تطرقت فٌه إلى الطرٌقة وفوابدها ومزالق‬
‫سالكً التصوؾ حسب "النورسً"‪.‬‬

‫الفصل الرابع ‪ :‬تطرقت فٌه إلى تقسٌم هذا الفصل إلى أربعة مباحث المبحث األول دراسة‬
‫منهج والوسابل التً إعتمدها "النورسً" فً نشر دعوته وبما أن وخطابه الدعوي اإلصبلحً‬
‫والمبحث الثانً نظرا لسإالنا ‪ :‬لمن كانت موجهة خطاباته ؟ وبذلك تناولنا الفبات التً خاطبها‬
‫" النورسً" والمبحث الثالث أبعاد هذا الخطاب وما تضمنه من أهداؾ وؼاٌات متعددة‬
‫والمبحث الرابع تناولت فٌه ثنابٌة الشٌخ والمرٌد وإرتباط التصوؾ بما ٌعرؾ بالكرامة‬
‫وعبلقة هذه األخٌرة باألنماط الثقافٌة األخرى كاإلستدراج والرإٌة‪ .‬إلعطاء الصبؽة‬
‫األنثربولوجٌة على بحثنا ‪.‬‬

‫الخاتمة ‪ :‬كانت بمثابة خبلصات عامة وضمت كذلك إستنتاجات خاصة برصد معالم ومبلمح‬
‫التجدٌد "النورسً" فً الفكر الصوفً أو التصوؾ‪.‬‬

‫صعوبات البحث‬

‫ٌبقى البحث األنثربولوجً أو السوسٌولوجً دائمر كأي بحث ٌتعرض فٌه الطلبة إلى بعض‬
‫الرعوبرت أثنرء محرولتهم لإللمرم برل جوانب التً لهر عالقة برلمواضٌع فقد واجهنر فً إعداد‬
‫بحثنر هذه عدة رعرب التً نذكر منهر‪:‬‬

‫‪ -‬عدم وجود مؤلفرت النورسً فً الجرمعرت الجزائرٌة التً بحثت فٌهر منهر جرمعة مستغرنم ‪،‬‬
‫وهران ‪ ،‬تٌررت ‪ ،‬تلمسرن ‪ ،‬األغواط ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬معسكر‪ ،‬الشل‪ ، ،‬سعٌدة ‪،‬البٌض وكذلك‬
‫الدراسرت الجرمعٌة عنه ‪.‬‬

‫‪ -‬لم ٌتطرق النورسً إلى جرنب الترو‪ ،‬فقط ‪ ،‬بل مؤلفرته تعتبر موسوعة إٌمرنٌة عرلج فٌهر‬
‫الجرنب العقدي ‪ ،‬الجهرد ‪،‬الحضررة ‪ ،‬التعلٌم‪ ،‬األخالق‪ ،‬الدعوة ‪...‬إلخ ممر إستغرقنر فً‬

‫‪- 25 -‬‬
‫قراءة مؤلفرته عدة مرات وإستخراج مر هو متعلق برلترو‪ ،‬لحرر موضوع بحثنر ممر كلفنر‬
‫الوقت الكبٌر فً الدراسة‪.‬‬

‫الدين من المنظور األنثروبولوجي "معالجة ظاهرة التصوف من منظور أنثروبولوجي"‪.‬‬

‫بإعتبار أن الدٌن نظام للحٌاة ‪ ،‬بل ٌعتبرمن األنساق اإلجتماعٌة المإثرة على كافة األنساق‬
‫األخرى ‪ ،‬هذا باإلضافة إلى أنه كما قال الدكتور إسماعيل فاروق ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫« الديف عنصر فعاؿ كأساسي في تكامؿ الثقافة كتجانسيا»‪.‬‬

‫خاصة بالنظر الى أن وظٌفته تنحصر أساسا حسب الباحثة سلوى علي سليم فً‪:‬‬

‫«صياغة قكانيف كمعايير السمكؾ االجتماعي مف حيث تحديد كاجبات اإلنساف نحك ا﵀‬
‫كنحك نفسو كنحك افراد مجتمعو»‪.2‬‬

‫وقد تفسر هذه الحقٌقة إهتمام األنثربولوجٌٌن بالدٌن ‪،‬إذ هو ٌعطً صورة واضحة عن تفاعل‬
‫اإلنسان فً العالمٌن المربً والمتمثل فً المجتمع وؼٌر المربً والذي ٌمثل عالم ما فوق‬
‫الطبٌعة‪ .‬ودوره فً صٌاؼة وتحدٌد النظام داخل نسٌج المجتمع وتؤطٌره وفق ما ٌخدمه‬

‫فالدٌن كنسق إٌدٌولوجً ٌعبر عن منهجٌة ممٌزة لؤلسلوب الخاص لفكر الفرد أو الجماعة‪.‬‬

‫كما أن الشعابر اإلٌدٌولوجٌة تمثل نزعة المحافظة على القدٌم ومقاومة التؽٌٌر والعمل على‬
‫إستمرارها وكذا ضبط السلوك والقٌٌم واألخبلق الخاصة بالجماعة من أجل المصلحة العامة‬

‫وٌعرفه بارسونز كماٌلً ‪:‬‬


‫‪1‬‬
‫«أف الديف ىك نسؽ مف المعتقدات كالممارسات المتصمة باألشياء المقدسة»‬

‫‪ -1‬فاروق إسماعٌل ‪ ،‬دراسة أنثربولوجية في منطقة باو‪ ،‬دار النشر الجامعً ‪ ،‬القاهرة ‪4651 ،‬م‪ ،‬ص ‪.416‬‬
‫‪ -2‬سلوى علً سلٌم‪ ،‬اإلسالم والضبط االجتماعي ‪ ،‬مكتبة وهبة للطباعة والنشر ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬الطبعة األولاى‪،4652،‬‬
‫ص ‪.431‬‬
‫‪- 26 -‬‬
‫بالتالً إذا كان الدٌن ٌنظم سلوك اإلنسان فمن المنطق أن ٌكون ذلك عن طرٌق ممارسات‬
‫تكرر على الدوام فبل ٌوجد من ؼٌر طقوس و إحتفاالت مظاهر تقوي باطن المقدس وظاهر‬
‫سلوكه‪ .‬حٌث ٌشٌر األب شاتل إلى أن الدٌن هو‪:‬‬

‫« مجمكعة كاجبات المخمكؽ نحك الخالؽ ‪ ،‬ككاجبات اإلنساف نحك ا﵀ ‪ ،‬ككجباتو نحك‬
‫‪2‬‬
‫الجماعة ‪ ،‬ككجباتو نحك نفسو» "‬

‫فالطقوس والمراسم بإعتبارها تنبع من اإلعتقاد الدٌنً فهً أٌضا مإثرة فٌه وعلٌه من الناحٌة‬
‫األخرى‪ .‬وبالتالً الدٌن ال ؼنى له عن المظهر اإلجتماعً سواء تمثل فً ممارسات سنوٌة‬
‫كعٌد األضحى على سبٌل المثال أو دورٌة أو ٌومٌة كالصبلة ‪ٌ ،‬وثق بها األفراد عبلقاتهم‬
‫مع القوة الوجودٌة العلٌا ومع بعضهم البعض‪.‬‬

‫إن الفكرة الدٌنٌة فً إطارها المعن وي التجرٌدي تحتاج إلستكمال وجودها بالتجسٌد فً‬
‫سلوكات متمثلة فً مجموعة من الشعابر والطقوس بصور معٌنة ‪ ،‬وبالتالً هً تساعد على‬
‫تجدٌد وتقوٌة العقٌدة بحد ذاتها ٌشٌر الباحث عبد هللا دراز الى هذا بقوله ‪:‬‬

‫« إف تجسيد صكر معينة مف السمكؾ كالكاجبات ‪ ،‬كرسكـ محددة مف التقديس كالشعائر‬


‫عيده بعقيدتو التي ىي دائما عرضة لمنسياف مف جراء المشاغؿ الحياة‬ ‫يجدد مف خبلليا المتديف‬
‫الدنيكية»‪.3‬‬

‫وتعتبر الشعابر عند بارسونزوحسب رأٌه ما هً إال ‪:‬‬

‫« ككنيا تعبي ار تطبيقيا كعمميا تتميز بذاتيا عف التفكيرالنظرم»‪.4‬‬

‫فعالمٌة الدٌن فً كل المجتمعات اإلنسانٌة فكذلك فالتجربة الدٌنٌة متؤصلة فً االنسان حٌث‬
‫أن طبٌعته اإلنسانٌة تتضمن الحماس الدٌنً الذي هو أساس التجربة ومدخلها والتصوؾ‬

‫‪1‬‬
‫‪-Parsons Talcott, the structure of social action, the free press ,Glencoe‬‬
‫‪Illinois ,1949,P429 .‬‬
‫‪ -2‬محمد عبد هللا دراز ‪ ،‬الدين بحوث ممهدة لدراسة تاريخ األديان ‪ ،‬دار القلم للنشر ‪ ،‬كوٌت ‪4629 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫‪ -3‬محماد عباد هللا دراز ‪ ،‬الودين بحووث ممهودة لدراسوة تواريخ االديوان ‪ ،‬مطبعاة عالمٌاة للنشار ‪،‬القااهرة‪ 4629،‬م‬
‫‪،‬ص‪.25‬‬
‫‪4‬‬
‫‪-Parsons Talcott, op cit , p 432.‬‬

‫‪- 27 -‬‬
‫مجموعة أفعال وإلتزامات ‪.‬بقدر ما تكون التجربة منتجة لؤلفعال بقدر ما تكون تجربة روحٌة‬
‫مقدسة ‪ ،‬حٌث ٌمكن أن نعتبر التجربة الدٌنٌة ٌمكن التعرؾ على خصابصها من خبلل‬
‫المعاٌشة المباشر لتلك التجربة فً إطارها الثقافً الذي نشؤت فٌه ‪ ،‬حٌث ٌعتبر الباحث ويليام‬
‫جيمس أن التجربة الدٌنٌة ٌصعب فهمها فهً ذات مجال متسع ؼامض ومبهم‪ ،‬فخصابص‬
‫التجربة الصوفٌة حسب جيمس ويليام ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫«ىي بمثابة حاالت شعكرية ككذلؾ حاالت عقمية كفكرية »‬

‫والرمزٌة فً التجربة الدٌنٌة بحٌث ال ٌمكن التعبٌر عن الشعور الدٌنً ووصفه لفظٌا بل‬
‫الرمزٌة تقوم بإستجبلب المشاعر لذلك فالرموز تستخدم كؤداة للفهم واإلدراك‪ .‬وهً تعمل إذن‬
‫ع لى ترسٌخ بعض المعانً فً أذهان األفراد داخل المجتمع الواحد فهً جوهر الشعور‬

‫الدٌنً وٌعتبر الدكتور والباحث فاروق أحمد مصطف أن للرموز الدٌنٌة مكانة خاصة بحٌث ‪:‬‬

‫« لمرمكز الدينية مكانة خاصة ألنيا تساعد عمى تماسؾ الجماعات كترابطيا ‪ ،‬كنذكر‬
‫عمي سبيؿ المثاؿ األعبلـ المستخدمة لدل بعض الجماعات الدينية المشتركة في المكالد بإختبلؼ ألكانيا‬
‫»‪.2‬‬

‫فالتجربة الدٌنٌة مشحونة بالرمزٌة هً ذات معنى تعمل على توحٌد النمط السلوكً واألخبلقً‬
‫فً حٌاة األفراد وقد أشار الباحث األنثربولوجً كليفورد غيرتز بمقاربته األنثربولوجٌة‬
‫التؤوٌلٌة للدٌن من خبلل دراسة المعنى وكٌفٌة إنتاج هذه المعانً التً تساهم فً إعطاء‬
‫نماذج ذات نمط ثقافً دٌنً ‪ ،‬إجتماعً ‪ ،‬أخبلقً ‪ ،‬سلوكً ‪...‬الخ داخل المجتمع الواحد هً‬
‫فً حد ذاتها تتضمن رموز مترابطة فٌما بٌنها ‪ٌ .‬عتبر كليفورد غيرتز أن ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪-James‬‬ ‫‪William , The Varieties of Religious Experience , the modern liberary , New‬‬
‫‪York, 1936, p 371.‬‬
‫‪ -2‬فاروق أحمد مصطفى ‪ ،‬دراسات المجتمع المصري الموالد دراسة للعادات والتقاليد الشعبية في مصر ‪ ،‬الهٌبة‬
‫المصرٌة العامة للكتاب للنشر والتوزٌع ‪ ،‬اإلسكندرٌة ‪ ،‬الطبعة الثانٌة ‪4654 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪- 28 -‬‬
‫«األنماط الثقافية تمثؿ صك ار أك نماذج ىي عبارة عف مجمكعة مف الرمكز ذات الصمة‬
‫ببعضيا البعض ‪ ،‬كأف ىذه الصكر كالنماذج ليا معنيياف ‪ :‬معنى ليا في ذاتيا ‪ ،‬كمعنى تدؿ بو عمى معنى‬
‫آخر»‪.1‬‬

‫وبما أن الرموز الدٌنٌة معانً تعطً تلك الصور والنماذج فهً إذا لها وظابؾ فعالة داخل‬
‫المجتمع تعمل على توحٌد سلوكه وإتجاهاته فً مختلؾ مجاالت الحٌاة وٌضٌؾ ؼٌرتز ‪:‬‬

‫«كظائؼ الرمكز الدينية المقدسة في تكحيد ركح الناس كتكحيد إتجاىيـ السمككي كنمط‬
‫حياتيـ كأخبلقيـ كأحكاليـ ‪ ،‬فالممارسة الدينية تظير ركح الجماعة عف طريؽ تمثيؿ طريقة الحياة المثمى‬
‫بالتكيؼ مع الشؤكف الدنيكية»‪.2‬‬

‫فالشعابر والطقوس فً التجربة الدٌنٌة لها أهمٌة فً التحلٌل األنثربولوجً من حٌث أنها‬
‫تعكس طبٌعة وخصابص ومظاهر هذه الدٌانات ‪ ،‬كؤنساق تعبر عن مدى فعالٌة اإلنسان فً‬
‫مجاالت حٌاته ولٌس من حٌث الحكم على صحة أو خطؤ أو صدق أو كذب مقارنة كما هو‬
‫اإلعتقاد فً مجال الفبلسفة وعلماء العقٌدة ‪،‬وإنما اإلهتمام المنصب على المعتقدات والشعابر‬
‫والطقوس التً ٌمارسونها ومدى تؤثٌرها وتؤثرها فً النسق الثقافً الكلً ‪ ،‬وبالتالً من‬
‫بالرمزٌة تتضح أسالٌب تفكٌر الناس وإتجاهاتهم‬ ‫خبلل دراسة هذه األنساق المشحونة‬
‫السلوكٌة‪ .‬وما أقاموه من تنظٌمات ثقافٌة تخدم هذه الظواهر‪ .‬بالتالً فالطقوس والشعابر‬
‫لٌست خالٌة من المعنى وإنما هً مشحونة بالرمزٌة التً تعبر عن معنى ‪.‬‬

‫نستنتج أن الشعابر هً التعبٌر الرمزي عن المشاعر واإلتجاهات والقٌم والمعتقدات ‪،‬عن‬


‫طرٌ ق أفعال وممارسات منظمة تعمل على تقوٌة المعتقد ‪.‬كما تمد المشتركٌن فٌها ببعض‬
‫أسالٌب ووسابل الضبط حٌث أنها تحدد طبٌعة عبلقاتهم باآلخرٌن وتحدد أٌضا عبلقاتهم‬
‫بالقوى ما فوق الطبٌعة ‪ .‬وفً هذا الصدد ٌقول أحمد الخشاب‪:‬‬

‫«أف الشعائر تككف دكر الكسيط بيف الفرد كالمجتمع كآليتو»‪.1‬‬

‫‪1‬‬
‫‪-Geertz Clifford , Religion as a cultural system in Anthropological‬‬
‫‪Approaches to the‬‬
‫‪Study of Religion, by : Michael Banton , tavistock publications, London, 1973, pp 5-7.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-Ibid , p 7.‬‬
‫‪- 29 -‬‬
‫الدراسات السابقة ‪ :‬تطرقنا فٌها إلى المواضٌع التً قامت بدراسة التصوؾ بصفة عامة ثم‬
‫الدراسات التً تناولت دراسة "النورسً" وعبلقتها بموضوع الدراسة‪.‬‬

‫الدراسات التي تناولت التصوف األجنبية والعربية ‪:‬‬

‫‪ -1‬دراسة آنا ماري شيمل "األبعاد الصوفية في ااإلسالم وتاريخ التصوف" ‪:‬‬
‫ٌمثل هذا الكتاب دراسة واسعة عن تارٌخ التصوؾ فً اإلسبلم عن طرٌق التطرق إلى‬
‫جذوره وتٌاراته وإلى أعبلمه ‪ ،‬كما أن المإلفة تعتمد على كتب التصوؾ المرجعٌة القدٌمة‬
‫والحدٌثة بمختلؾ اللؽات التً كتبت بها خاصة الفارسٌة ‪ ،‬كما أن الباحثة "شيمل" إنتقلت إلى‬
‫مختلؾ الببلد كتركٌا ‪،‬الباكستان والهند من أجل الدراسة والبحث ومعالجة ثقافتها فً هذا‬
‫الكتاب‪.‬‬

‫تعتبر أن جذور التصوؾ العمٌقة فً الممارسات العبادٌة التً علمها القرآن‪ .‬بعد البحث عن‬
‫ما هو التصوؾ تبحث المإلفة فً اإلطار التارٌخً للتصوؾ التقلٌدي بحثا عن جذوره فً‬
‫اإلسبلم والتً تعود إلى النبً علٌه الصبلة والسبلم ‪ ،‬ثم تقوم بسرد سلسلة من األسماء البارزة‬
‫والتً ٌعتمدها الصوفٌة بدءا من الصحابة إلى عهد اإلمام الؽزالً وتجربته بحٌث ٌعتبر هذا‬
‫العبلمة ممن إجتذب الٌه الباحثٌن الؽربٌٌن وترجمت له الكثٌر من مإلفاته إلى لؽات الؽرب‪.‬‬

‫تبحث شٌمل فً أبعاد التصوؾ وتتطرق إلى أسس الطرق الصوفٌة وهً تعتبر‬

‫«تقسيـ اإلسبلمي لمطريؽ الصكفي "الشريعة‪ -‬الطريقة‪ -‬الحقيقة " يتطابؽ نكعا ما مع‬
‫‪2‬‬
‫التقسيـ المسيحي لمراحؿ التصكؼ إلى التجرد‪ -‬المشاىدة والكشؼ »‬

‫وتبحث ف ً مراتبها وأولوٌاتها ومقاماتها وتحوالتها عبر التارٌخ اإلسبلمً وإختبلفها حسب‬
‫رجال التصوؾ وتجاربهم ومراتبهم كما تتعمق فً قضاٌا المحبة والوفاء وصور العبادة‬
‫والذكر والدعاء والسماع والرقص الصوفً‪.‬‬

‫‪ -1‬أحمد الخشاب ‪ ،‬دراسات أنثربولوجية ‪ ،‬دار المعارؾ للنشر‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬مصر‪4641 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.194‬‬
‫‪ -2‬آنا ماري شٌمل ‪ ،‬األبعاد الصوفية في االسالم وتواريخ التصووف ‪ ،‬ترجماة ‪ :‬محماد اساماعٌل الساٌد ورضاا حاماد‬
‫قطب‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬منشورات الجمل ‪ ،‬كولونٌا (المانٌا )‪ -‬بؽداد ‪9113 ،‬م‪ ،‬ص ‪.449‬‬
‫‪- 30 -‬‬
‫تتابع البحث فً الطرق الصوفٌة والتً وصفتها بانها قابلة للتكٌٌؾ والتعدٌل مما ٌجعلها‬
‫وسٌلة مثالٌة لنشر تعالٌم اإلسبلم ‪ ،‬كما إستخدم هإالء الصوفٌون اللؽات المحلٌة بدال من اللؽة‬
‫العربٌة لؽة الطبقة المثقفة ‪ ،‬كما أن معظم الطرق الصوفٌة ٌتطابق مع طبقات معٌنة من‬
‫السكان تم تعرض ألبرز الطرق الصوفٌة وشخصٌاتها وأدوارها‪.‬‬

‫تتطرق كذل ك الباحثة إلى دراسة التصوؾ اإلشراقً الذي بدأت جذوره مع تصوؾ النور‬
‫بجبلء الؽزالً رابد التصوؾ الشرعً المعتدل وإنتشار النظرٌات الصوفٌة للسهروردي‬
‫وابن العربً الذي إنتشر فكره بسرعة فً أرجاء العالم اإلسبلمً ‪.‬ترجع "شيمل" النشاط‬
‫الصوفً إلى التؽٌرات السٌاسٌة خبلل القرن ‪49‬م‬

‫كما تتناول الباحثة الشعر الصوفً الفارسً التركً حٌث تعرض لموضوعات الشعر‬
‫ورموزه خاصة "لجالل الدين الرومي" الذي ٌعتبر أكثر شخصٌة معروفة فً الؽرب أكثر من‬
‫ؼٌره ‪ ،‬وقد كان للطرٌقة المولوٌة الدور الكبٌر فً نشر كبلم الرومً وموسٌقاه خبلل‬
‫اإلمبراطورٌة العثمانٌة ‪ ،‬وكان له حضور كبٌر فً التصوؾ الشعبً التركً‪.‬‬

‫ٌرجع تؤثٌر التصوؾ فً الهند والباكستان إلى أواخر القرن ‪49‬م وبداٌة القرن ‪49‬م إثر‬
‫إندماج الطرق الصوفٌة الربٌسٌة فً أقالٌم اإلسبلم المركزٌة ‪.‬‬

‫ال تستبعد شٌمل وجود تؤثٌرات متبادلة بٌن التصوؾ االسبلمً والتصوؾ الهندوسً وكذللك‬
‫مجاهدات األولٌاء الهنود تحت تؤثٌر رٌاضات الٌوؼا ‪ ،‬التً فً النصؾ الثانً من القرن‬
‫‪43‬لتؤسٌس دٌن مختار من أحسن عقابد األديان لكنها لم تفلح‪.‬‬

‫تعتبر الطرٌقة النقشبندٌة هً الطرٌقة الناجحة فً آسٌا الوسطى ولها دورا ربٌسٌا فً السٌاسة‬
‫خبلل القرن ‪44‬م واوابل القرن ‪ 45‬م ‪ ،‬تم تتطرق إلى التصوؾ فً الهند والباكستان والشعر‬
‫الصوفً فً اللؽات المحلٌة " السندٌة – البنجابٌة‪ -‬البشتٌة " حٌث ما تزال االؼانً والقصابد‬
‫والصوفٌة والقصص الشعبٌة رابجة كما كانت من قبل ‪.‬‬

‫ثم تناولت عرض العنصر االنسوي فً التصوؾ فترى أن موقؾ التصوؾ من الجنس‬
‫اللطٌؾ كان متؤرجحا ‪ ،‬حٌث ٌمكن القول أن التصوؾ كان أكثر تؤٌٌدا لتطور النشاطات‬
‫األنثوٌة مما كانت علٌه‪.‬وتذكر رابعة العدوٌة والصوفٌة فاطمة النٌسابورٌة ‪ ،‬ودور المرأة فً‬
‫‪- 31 -‬‬
‫الحٌاة الدٌنٌة وهو مبٌن فً القرآن وأشهر مثال هو إمرأة العزٌزوقد أصبحت زلٌخا فً‬
‫الشعر الصوفً رمزا للروح من خبلل الشوق المتواصل على طرٌق الحب والفقر‪ .‬حٌث‬
‫تعتبر ‪:‬‬

‫« مريـ نمكذج كرم از لمطير الذم غالبا ما يذكر في الشعر الصكفي مازاؿ لو قكتو‬
‫الحيكية في العالـ اإلسبلمي »‪. 1‬‬

‫‪ -2‬دراسة تأثير التصوف في المجتمعات األوروبية دراسة بجامعة جنيف بفرنسا‬


‫أكدت الباحثة فً دراستها على أن التطور اإلجتماعً كان له تؤثٌرات سلبٌة على الدول‬
‫األجنبٌة هذا التطور ساهم فً إنتشار العنؾ و التفكك األسري و الطبلق باإلضافة إلى‬
‫الحرٌات الجنسٌة ‪ ،‬ومن ثم كان البد من مخرج لهاته الظواهر السلبٌة فكان التصوؾ أحد‬
‫الحلول لهاته المشاكل المادٌة والذي ٌساهم فً الوصول إلى الوعً الذي بدوره ٌإدي إلى‬
‫فهم العبلقة بٌن اإلنسان والكون من جهة وبٌنه وبٌن خالقه من جهة ثانٌة‬

‫وإستنتجت الباحثة أن ‪:‬‬


‫«ىناؾ إنتشار نزعة إلى "اإلسبلـ الصكفي" كطقكسو الركحية بيف نخبة مف المفكريف‬
‫كالمثقفيف األكركبييف الذيف يندرجكف في فمسفة البحث عف الحقيقة كالتعمؽ بمعتقد جديد فيو ركحانية‬
‫كسمك التي يبرزىا شيكخ الطرؽ الصكفية الذيف يعيشكف في الدكؿ األكركبية كالتي تدعك الى‬
‫التسامح كاإلعتداؿ ك اإلعتراؼ باآلخر كالزىد في متاع الدنيا كالتقشؼ كالتفرغ لمتعبد كالتأمؿ»‪.2‬‬

‫أما فٌما ٌخص سبب اإلنتماء إلى اإلسبلم كانت نتٌجة التؤثر األوربٌن بؤوراد وأذكار أثناء‬
‫حضورهم لحلقات الذكر رفقة أصدقابهم المسلمٌن لشعورهم بالراحة والطمؤنٌنة والسكٌنة‬
‫النفسٌة بعٌدا عن المادٌات واللهو والفراغ الروحً والعنؾ المنتشر فً مجتمعاتهم إعتنقوا‬
‫اإلسبلم‪.‬‬
‫‪ -4‬إنتشر الفكر الصوفً بٌن المفكرٌن والمثقفٌن فً فرنسا فً بداٌة القرن‪ 91‬بسبب‬
‫شٌوخ الطرق الصوفٌة المؽاربة الذٌن نزحوا إلى فرنسا وإستقروا فٌها ونجحوا فً‬

‫‪ -1‬آنا ماري شٌمل ‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.164‬‬


‫‪ -2‬فوزٌة العشماوي ‪ ،‬تأثير التصوف في المجتمعات األوروبية ‪ ،‬جامعة جنٌؾ ‪9141 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.9‬‬
‫‪- 32 -‬‬
‫إستقطاب كثٌر من المرٌدٌن الفرنسٌٌن ومن المهاجرٌن المؽاربة ونشروا بٌنهم الثقافة‬
‫الصوفٌة ‪.‬‬
‫‪ -9‬كما نبلحظ أن الباحثة لم تهمل الجانب النسوي و تؤثٌر التصوؾ على النساء‬
‫حسب الباحثة فً إزدٌاد مستمر فً‬ ‫وظاهرة النساء المتصوفات‬ ‫األوروبٌات‬
‫المجتمعات األوروبٌة المعاصرة وٌمكن أن نقول أن أول مإشر هو التخلً عن‬
‫العادات والممارسات السٌبة كالتخلً عن إرتداء المبلبس الخلٌعة المثٌرة للؽرابز‬
‫واإلمتناع عن الذهاب أماكن اللهو والمجون والعدول عن شرب الخمور والكحولٌات‬
‫وأكل الخنزٌر وما إلى ذلك من العادات السٌبة المنتشرة فً المجتمعات األوروبٌة‪.‬‬
‫وبالتالً التحلً باألخبلق السامٌة إن معظم المتصوفات األوربٌات حسب الباحثة‬
‫فوزٌة العشماوي ترى أن ‪:‬‬

‫« يمجأف إلى التصكؼ ىربا مف الضياع كتفشي الرذيمة كالعرم كاإلنفبلت الجنسي‬
‫كشعكرىف بالميانة كاإلمتياف مف الصكرة التي أصبحت عمييا المرأة خاصة في مجاؿ اإلعبلـ» ‪.1‬‬

‫‪ -3‬دراسة التصوف في جامعة االمارات العربية المتحدة‪:‬‬


‫تمثلت الدراسة فً نشؤة التصوؾ‪ ،‬واألطوار التً مر بها‪ ،‬والمإثرات واألفكار والمعتقدات‬
‫التً أثرت فٌه‪ ،‬وموقؾ العلماء منه‪ .‬إضافة إلى التعرؾ على مراتب الصوفٌة وألقابهم‪،‬‬
‫وعلوم الصوفٌة ومصادر المعرفة عندهم‪ ،‬وأقسام التصوؾ وأبرز رجاالته فً كل قسم‬

‫‪ :‬نبلحظ من خبلل هذا البحث أن الصوفٌة حسب الباحث ‪:‬‬

‫« ليـ مصادرىـ كالمؤثرات التي تأثركا بيا فغالبيـ يعتبر العمكـ كىبيو يحصمكف‬
‫عمييا عف طريؽ الرياضات كالكشؼ كالذكؽ كالرؤل المنامية‪ ،‬مبتعديف بذلؾ عف اليدم النبكم متبعيف‬
‫لؤلفكار كالمعتقدات التي تأثركا بيا»‪.2‬‬

‫‪. -1‬فوزٌة العشماوي ‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.4‬‬


‫‪ -2‬محمود ٌوسؾ الشوبكً‪ ،‬مفهوم التصووف وأنواعوه فوي الميوزان الشورعي ‪ ،‬مجلاة الجامعاة اإلسابلمٌة للنشار ‪،‬‬
‫العدد الثانً ‪ ،‬كلٌة أصول الدٌن بالجامعة اإلسبلمٌة ‪ ،‬ؼزة‪9119 ،‬م‪ ،‬ص ‪.194‬‬
‫‪- 33 -‬‬
‫و بإعت بار أن التصوؾ هو ذو مدارس متعددة مختلفة الفكر والتوجه إذن ال ٌمكن الحكم‬
‫على هاته المدارس بنفس الحكم أو النظرة حٌث ٌإكد الباحث بقوله ‪:‬‬

‫« أف التصكؼ كالصكفية ليسكا مدرسة ك احدة بؿ ىـ مدارس كطرؽ كجماعات متباينة‬


‫كالتكجو‪ ،‬ال يمكف أف يعامؿ جميع الصكفية معاممة كاحدة ‪ ،‬فكمما كانكا أقرب إلى السنة كانكا أقرب‬ ‫الفكر‬
‫إلى الحؽ ‪ ،‬ككمما كانكا أبعد عف السنة كانكا أقرب إلى الضبلؿ»‪.1‬‬

‫‪ -4‬دراسة حفيظ هروس "التصوف اإلسالمي في الدراسات اإلسالمية في الغرب"‬


‫بتطوان بالمغرب‬
‫الباحث حاول فً أطروحته الجواب عن سإال جوهري مفاده‪ :‬لماذا إهتم الؽربٌون‬
‫بالتصوؾ اإلسبلمً؟ ما هً أهم السٌاقات التارٌخٌة والهموم الفكرٌة والظروؾ السٌاسٌة التً‬
‫أطرت إهتمام الؽربٌٌن بالتصوؾ اإلسبلمً؟ كٌؾ اإستطاع رواد اآلداب الؽربٌٌن الكبار أن‬
‫ٌستلهموا قٌم التصوؾ اإلسبلمً فً إبداعاتهم وتصوراتهم للكون والحٌاة؟‬

‫ما هً أهم المدارس الصوفٌة وأعبلم التصوؾ الذٌن إهتمت بهم الدراسات اإلسبلمٌة فً‬
‫الؽرب وإحتفلت بمذاهبهم ورإاهم اإلنسانٌة؟‬
‫كلها أسبلة حاول صاحب هذه الدراسة اإلجابة عنها فً هذا البحث‪ .‬إحتوت األطروحة إلى‬
‫خمسة فصول‪ٌ ،‬شتمل كل واحد منها على عدد من المباحث التً تضم بدورها عددا من‬
‫المطالب‪ .‬الفصل األول‪ :‬بمثابة المدخل التارٌخً والمنهجً للبحث‪ ،‬وٌنقسم إلى مباحث الفصل‬
‫الثانً خصص لحضور التصوؾ اإلسبلمً فً الكتابات الؽربٌة المبكرة الفصل الثالث توجه‬
‫فٌه الباحث إلى محاولة استقصاء جهود الدراسات اإلسبلمٌة الؽربٌة فً خدمة التراث‬
‫الصوفً سواء من حٌث النشر والتحقٌق أو من حٌث الترجمة الفصل الرابع‪ :‬حاول فٌه تدقٌق‬
‫النظر فً معالجة التصوؾ اإلسبلمً من خبلل الرإٌة االستشراقٌة بالطرٌقة التً تبلورت‬
‫فٌها منذ “مٌبلد االستشراق” إلى الوقت الذي أصبحت فٌه هذه المنظورات القابمة على‬
‫التحلٌبلت الفٌلولوجٌة والتارٌخٌة تعٌش أزمتها بفعل موجات النقد الشدٌدة التً تعرضت لها‬
‫‪،‬الفصل الخامس خصص لبعض المدارس واالتجاهات التحلٌلٌة للتصوؾ اإلسبلمً فً‬
‫الؽرب التً حاولت تجاوز سقطات المقاربات االستشراقٌة‪.‬‬

‫‪ -1‬محمود ٌوسؾ الشوبكً ‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.195‬‬


‫‪- 34 -‬‬
‫ومن بٌن أهم النتابج والتوصٌات التً خلص إلٌها هذا البحث‪:‬‬
‫توصل الباحث إلى أن دراسة قضاٌا التصوؾ اإلسبلمً والتعرٌؾ برجاله ومذهباهم‪ ،‬من‬
‫خبلل إهتمام الدراسٌٌن الؽربٌٌن بالبحث و الكشؾ عن رجال لم ٌعطوا حقهم ‪:‬‬

‫« رجاؿ طمرىـ التاريخ كأقصتيـ الذاكرة الجماعية الغالبة‪ ،‬فتـ إعادة اإلعتبار ليـ‬
‫عمى ضكء ىذه الدراسات الحديثة»‪.1‬‬

‫أن الدراسات الؽربٌة للتصوؾ اإلسبلمً ال ٌمكن أن ٌسلم بها تسلٌما مطلقا بسبب عدم‬
‫واإلسبلم ‪:‬‬ ‫التحرر من األفكار المؽلوطة وبالتالً الفصل بٌن المسٌحٌة‬

‫«عدـ قدرة المشتغميف بالتصكؼ اإلسبلمي في الدراسات الغربية عمى التحرر‬


‫كاإلنعتاؽ مف أسر المسممات الدينية كالفكرية المغمكطة التي طبعت ىذه الدراسات كبنيت بشكؿ ال يقبؿ‬
‫الشؾ عبر قركف مديدة‪ ،‬كعمى رأس ىذه “المسممات” التمييز الحاد كالفصؿ التاـ بيف المسيحية كاإلسبلـ كأف‬
‫التصكؼ اإلسبلمي إنما يرجع في بناء ذاتو كتككينيا إلى األصكؿ المسيحية التي اقتبس منيا أسسو‬
‫العامة»‪.2‬‬

‫كانت األبحاث الؽربٌة فً مجال الفكر التصوؾ اإلسبلمً نظرا للتطور الفكري و المادي‬
‫والهٌمنة المادٌة التً أدت إلى بروز الفردانٌة ‪ ،‬فجاءت إلعادة تنظٌم الؽرب ومعالجة‬
‫الباحث‪:‬‬ ‫مشاكله ٌإكد‬

‫«برزت في األبح اث الركحية الغربية التي جاءت نتيجة ىيمنة القيـ المادية كالفكر‬
‫العقبلني كشيكع الفردانية بحيث كانت بمثابة “المرآة التصحيحة” التي عالج مف خبلليا الغرب عبلتو»‪.3‬‬

‫‪ -1‬حفٌظ هروس ‪" ،‬التصوف اإلسالمي في الدراسات اإلسالمية في الغرب" ‪ ،‬أطروحة لنٌل شهادة الدكتوراه ‪ ،‬كلٌة‬
‫اآلداب والعلوم اإلنسانٌة ‪ ،‬جامعة عبد الملك السعدي ‪ ،‬تطوان ‪،‬المؽرب ‪9142،‬م‪ ،‬ص ‪.941‬‬
‫‪ -2‬حفٌظ هروس‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.949‬‬
‫‪ - 3‬حفٌظ هروس‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.944‬‬
‫‪- 35 -‬‬
‫‪" -5‬تاثير الطرق الصوفية عل المجتمع الصحراوي في الجزائر ‪ ،‬غرداية ‪.‬‬
‫تمثلت دراستهم فً ظاهرة التصوؾ أدت إلى إحداث تؽٌرات فً هذه المجتمعات ففً الجزابر‬
‫مثبل عرفت الحٌاة عبر أجٌال متعاقبة تطورا فكرٌا تمٌز بالمحافظة‪ ،‬وواقعا ثقافٌا ٌقوم هو‬
‫كذلك بالمحافظة على تراث الحضارة اإلسبلمٌة والعمل لتؤصٌله عن طرٌق أسالٌب التعلٌم‬
‫والتربٌة المتوارثة ‪ ،‬كما سمحت كذلك بإحداث تؽٌٌر اجتماع على عكس ما كانت تعٌش علٌه‬
‫الببلد سابقا من خبلل التركٌز على تؤثٌر الطرق الصوفٌة على المجتمع الصحراوي بالجزبر‬
‫التً هً محور الدراسة ‪.‬كما قدموا نماذج بعض الطرق الصوفٌة فً الجزابر كالطرٌقة‬
‫القادرٌة والرحمانٌة والشاذلٌة ثم التطرق إلى التؤثٌر اإلٌجابً والسلبً من خبلل هذه الطرق‬
‫على المجتمع البحث أال وهو المجتمع الجزابري ‪.‬‬

‫ومن بٌن النتابج المتوصل الٌها من خبلل هذا البحث التوصل إلى ماٌلً ‪:‬‬

‫« عممت الصكفية عمى التخفيؼ مف معاناة الشعب الجزائرم مف خبلؿ التكفؿ بالفقراء‬
‫كاليتامى كاألرامؿ كعمى تماسؾ المجتمع الجزائرم ككحدنو حيث أف الزكايا كانت تشمؿ عركشا كقبائؿ‬
‫مختمفة كمف مناطؽ شتى‪ ،‬فتمؾ عممت عمى إزالة الفكارؽ الجيكية »‪.1‬‬

‫مما نبلحظ الدور اإلجتماعً الذي كانت تقدمه الطرق الصوفٌة من تقدٌم الطعام والملبس و‬
‫اإلهتمام بالفبة الضعٌفة بإعتبارها جزء من المجتمع ‪ ،‬باإلضافة إلى تحقٌق المساواة وإزالة‬
‫الفوارق والتماٌزات الجهوٌة لتحقٌق اإلنسجام مما ٌبٌن التؤثٌر اإلٌجابً على األفراد‪.‬‬

‫« كانت الزكايا تمعب دكر القناة بيف فئات المجتمع خاصة بيف األغنياء كالفقراءحيث‬
‫كانت تستقبؿ األمكاؿ مف األغنياء كتعيد تكزيعيا عمى الفقراء ‪ ،‬كما عممت الزكايا عمى الحفاظ عمى تعاليـ‬
‫اإلسبلـ مف خبلؿ البرامج التعميمية كىذا ما كاف الصد المنبع لمحمبلت التنصيرية التي تستيدؼ الفئات‬
‫المحركمة بدعميا بالمساعدات اإلجتماعية ‪،‬كقامت بدحر المستعمر الفرنسي مف خبلؿ التكحد تحت راية‬
‫تحرير الجزائر »‪.2‬‬

‫‪ -1‬محمااد عجٌلااة والجٌبللااً بهاااز ومصااطفى عبااد النبااً ‪ ،‬تووأثير الطوورق الصوووفية علو المجتمووع الصووحراوي فووي‬
‫الجزائر‪ ،‬مجلة الواحات للبحوث والدراسات للنشر والتوزٌع ‪ ،‬العدد ‪ ، 42‬ؼرداٌة ‪ ،‬الجزابر ‪9144،‬م ‪ ،‬ص‪.949‬‬

‫‪ -2‬محمد عجٌلة والجٌبللً بهاز ومصطفى عبد النبً‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.949‬‬
‫‪- 36 -‬‬
‫مما ٌبٌن وٌثبت أن الطرٌقة الصوفٌة كان لها بعد إقتصادي ودور إقتصادي فعال بإعتبارها‬
‫وسٌط ٌتمثل فً التكفل بفبة الفقراء ‪ ،‬بحٌث تساهم بتوزٌع األموال المقدمة لها على الفقراء‬
‫باإلضافة إلى البعد الثقافً والتربوي من خبلل تحفٌظ القرآن والمحافظة على تعالٌم اإلسبلم‬
‫وبالتالً محو األمٌة والجهل‪.‬كان لها بعد تعلٌمً إلى جانب المدرسة وبالتالً مقاومة الجهل‬
‫وبعد الحماٌة والدفاع عن األرض والتعالٌم الدٌنٌة ومساندة الؤلفراد والدوله لصد العدوان ‪.‬‬

‫‪ -6‬مقال الدكتورة سعاد الحكيم حول "ما يقدمه التصوف لالنسان المعاصر"‬
‫تعتبرالدكتورة سعاد الحكيم أستاذة علم التصوؾ بالجامعة اللبنانٌة حٌث تركز على أن‬
‫التصوؾ هو إنفتاح على اآلخر‪ .‬وأهم ما ٌقدم التصوؾ إلنسان الٌوم أربعة أمورحٌث‬
‫تحصرها الدكتورة سعاد الحكٌم وتركزها فً أربعة أمور أساسٌة هً‪:‬‬

‫«أف التصكؼ يحقيؽ التقارب بيف المذاىب داخؿ الديف الكاحد بتقبؿ التنكع كالتعدد‬
‫كتديف األحادية أـ كاف طرفا خارجيا كديف أك ممة أخرل‪ ،‬يسيـ في تشييد مساحة إنسانية لتعارؼ‬
‫الديانات كحكارىا‪ ،‬كاإل لتزاـ بالقيـ العميا ‪ ،‬قيـ الحؽ كالخير كالمساكاة كالمحبة ‪ ،‬االرتقاء بممارسة‬
‫الطقكس الدينية ك إقتراف القكؿ بالعمؿ»‪.1‬‬

‫حٌث تستدل بقول ثبلثة أسماء المعة فً التصوؾ أبو ٌزٌد البسطامً ورابعة العدوٌة ‪،‬‬
‫والجنٌد كؤشهر أعبلم التصوؾ اإلسبلمً تؤثٌرا‪ ،‬كما تشٌر إلى أن الدور الفعال فً التصوؾ‬
‫حٌنما ٌعٌد إحٌاء القٌم لدى اإلنسان المعاصر الذي طؽت علٌه الحٌاة المادٌة حٌث قالت ‪:‬‬
‫«التجربة الصكفية تبدأ عادة بالرياضات كالمجاىدات ؛ كفي مضمكنيا ىي تركيض‬
‫لمنفس كمجاىدتيا عمى التحقؽ بالقيـ اإلنسانية العميا‪..‬إف ما يشتكي منو اإلنساف اليكـ ىك تفشي األنانية‬
‫المفرطة كالطمع المتكحش حيث ىناؾ لدل البعض إستعداد لمتدمير كقتؿ اآلخر دكف مراعاة لحرمة رحـ أك‬
‫جكار أك نسب إنساني‪ .‬فالبتصكؼ ينعش ركح البشرية ‪ ،‬كيعيد تدفؽ نسغ القيـ في عركقيا»‪.2‬‬

‫‪ -1‬سعاد الحكٌم ‪ ،‬ما يقدمة التصوف لالنسان المعاصر ‪ ،‬مجلة الكسنزان الصوفٌة والثقافٌة والعلمٌة ‪ ،‬لجناة االعابلم‬
‫واالرشاد الطرٌقة الكسنزانٌة للنشر ‪ ،‬العدد ‪ ، 6‬العراق ‪2008 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.33‬‬
‫‪ -2‬سعاد الحكٌم ‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.34‬‬
‫‪- 37 -‬‬
‫فبالقٌم السامٌة من تسامح ومحبة ورضا كل هذه الممارسات تعكس نظرة إٌجابٌة إلى اآلخر ‪.‬‬
‫فكلما حسن من ذاته تحسنت نظرته لآلخر وهذا ما ٌقدمه التصوؾ لئلنسان المعاصر‪.‬‬

‫الدراسات التي تناولت النورسي‬


‫‪-1‬المشكالت اإلجتماعية ومعالجتها من خالل رسائل النور لبديع الزمان سعيد النورسي‪.‬‬
‫تهدؾ هذه الدراسة إلى التعرٌؾ باإلمام النورسً ٕوإنتاجه الفكري المتمثل فً رسابل النور‬
‫وبٌان منهجه فً معالجة المشكبلت اإلجتماعٌة‪ ،‬وذلك بتوضٌح مفهوم المشكبلت اإلجتماعٌة‬
‫وأنواعها وإتجاهات تفسٌرها وأسالٌب معالجتها‪ ،‬مع بٌان نماذج من المشكبلت اإلجتماعٌة‬
‫التً تناولها النورسً بالبحث‪ ،‬كالتقلٌد‪ ،‬والترؾ اإلستهبلكً‪ ،‬والعنؾ‪ ،‬والفقر‪ ،‬والعنصرٌة‪،‬‬
‫واإلستبداد‪.‬‬

‫ركز الباحثان على أهم المشكبلت االجتماعٌة وفق رسابل النور‪ ،‬وإستنباط منهجه النورسً‬
‫فً معالجتها‪.‬وتمثلت إشكالٌة البحث فٌماٌلً ‪:‬‬

‫ما مفهوم النورسي للمشكالت اإلجتماعية وأنواعها؟ وما منهجه في معالجتها؟‬

‫وقد إستخدم الباحثان المنهج الوصفً التحلٌلً‪ ،‬الذي ٌقوم على وصؾ الظاهرة المتمثلة فً‬
‫المشكبلت اإلجتماعٌة وتحلٌلها‪ ،‬وذلك بإستقراء النصوص الخاصة بالمشكبلت اإلجتماعٌة فً‬
‫رسابله‪ ،‬والوصول إلى منهجه فً معالجتها‪ ،‬وكان من أهم نتابج هذا البحث أن النورسً ٌرى‬
‫ِّ‬
‫وتإثر فً‬ ‫أن المشكلة اإلجتماعٌة هً كل حالة أو ظاهرة تتناقض مع قٌم اإلسبلم الثابتة‪،‬‬
‫المجتمع تؤثٌرا سلبٌا‪ ،‬وقد إتبع فً منهجه العبلجً خطوات عملٌة مستخدما كل الوسابل التً‬
‫أتٌحت له‪ ، ،‬فكان له منهجه المتمٌز فً معالجة مشكبلت الفرد والمجتمع‪.‬‬

‫توصل الباحثان إلى النتابج التالٌة‪:‬‬

‫إستند النورسً فً معالجة المشكبلت اإلجتماعٌة بمنهج إسبلمً سلٌم ٌتوافق مع قٌم اإلسبلم‬
‫التً ٌنادي إلصبلح األسس األخبلقٌة والعبلقات اإلجتماعٌة والنظام حٌث ٌقول الباحثان‪:‬‬

‫«إتسـ منيج النكرسي في معالجة المشكبلت االجتماعية بأنو منيج يتناسب مع عقيدة‬
‫األ مة كقيميا كأحكاليا القائمة‪ ،‬كتطمعاتيا المستقبمية‪ .‬كيتضمف منيج تربية اإلعتقاد‪ ،‬كمنيج تربية‬

‫‪- 38 -‬‬
‫التفكير‪ ،‬كمنيج تربية الدكافع الغرائز‪ ،‬كمنيج تربية السمكؾ‪ ،‬كأما منيجو في معالجة مشكبلت المجتمع‬
‫كتربيتو‪ ،‬فيتضمف منيج إصبلح األسس األخبلقية‪ ،‬كمنيج إصبلح العبلقات االجتماعية‪ ،‬كمنيج‬
‫إصبلح النظاـ التعميمي لممجتمع‪ ،‬كمنيج إصبلح نظاـ الحكـ» ‪.1‬‬

‫كما أ ن المشكبلت اإلجتماعٌة ما هً إال نتٌجة حتمٌة للبعد عن القٌم الدٌنٌة أو التعارض‬
‫معها حٌث خلص الباحثان إلى أن ‪:‬‬

‫«المشكمة اإلجتماعية مف منظكر النكرسي ىي كؿ حالة أك ظاىرة تتناقض مع قيـ‬


‫اإلسبلـ العميا كمنيا ما ىك مخالؼ لمسنف الفطرية‪ ،‬مما يؤثر في المجتمع تأثي ار سمبيا»‪.2‬‬

‫ومنه نستنتج مدى جهود النورسً فً عمله اإلصبلحً الذي ٌتضمن القٌم اإلٌجابٌة المحددة‬
‫والمإطرة بالمفاهٌم اإلسبلمٌة التً تحقق المنفعة الفردٌة والجماعٌة ‪.‬‬

‫« شعار المنيج اإلصبلحي لمنكرسي القكمية اإليجابية المقيدة بالمفاىيـ‬

‫اإلسبلمية‪.‬كما نبو النكرسي إلى قانكف العدالة المحضة" القرآف الكريـ" كىذا ىك سر إلتزاـ المؤمف‬
‫باألمف عمى األركاح كاألمكاؿ كاألعراض لجميع أفراد البشر‪ ،‬كأمما غير المؤمف با﵀ تعالى كباليكـ‬

‫اآلخر فمستعد لتدمير العالـ كالجنس البشرم إف إستطاع تحقيقا ألنانيتة‪ ،‬كاشباعا لنزكاتو» ‪.3‬‬

‫‪" -1‬فلسفة االصالح التربوي عند االمام النورسي" الجزائر‬


‫تركز هذه الدراسة على إستقراء فلسفة الفكراإلصبلحً التربوي الذي خلفه سعٌد النورسً‪،‬‬
‫من خبلل رسابل النور ‪ ،‬والتً تعد منجم أفكار إٌمانٌة وإصبلحٌة‪ ،‬فً شتى المجاالت‪..‬‬
‫خاصة مجال التربٌة والتنشبة والتهذٌب والتعلٌم بإعتبارها مهمة فً تكوٌن القٌم واألخبلق‬
‫والسلوك الرشٌد‪ ،‬من خبلل البعد اإلٌمانً والتربٌة األخبلقٌة وإصبلح المعلم‪ ،‬والقضاء على‬

‫‪ -1‬محمد أحمد عبد القادر ملكاوي و نهٌل علاً حسان صاالح‪ ،‬المشوكالت االجتماعيوة ومعالجتهوا مون خوالل رسوائل‬
‫النور لبوديع الزموان سوعيد النورسوي‪ ،‬مجلاة الشارٌعة والقاانون ‪ ،‬كلٌاة القاانون ‪ ،‬جامعاة اإلماارات العربٌاة المتحادة‬
‫للنشر ‪،‬العدد ‪ 9149 ، ، 23‬م‪ ،‬ص ‪.915‬‬
‫‪ -2‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.916‬‬
‫‪ -3‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.921‬‬
‫‪- 39 -‬‬
‫الجهل ‪-‬الذي ٌعتبره السبب األصلً لكل أنواع األخبلق السٌبة والتؤخرواإلختبلؾ والهزابم‬
‫أمام األعداء وإصبلح المدارس الدٌنٌة التً ٌجب تؽٌٌرها تؽٌٌرا جذرٌا‪.‬‬
‫وٌعرض البحث لتلك القضاٌا بالتفصٌل‪ ،‬حٌث ٌتناول المحور األول نشؤة اإلمام النورسً‬
‫وتطوره‪ ،‬وٌتضمن المحور الثانً الحدٌث عن دوره فً إحٌاء حركة التعلٌم‪ ،‬فً حٌن ٌعرض‬
‫المحور الثالث لفلسفة اإلصبلح التربوي فً فكر اإلمام النورسً‪ .‬وتوصل إلى أن النورسً‬
‫كان له التؤثٌر اإلٌجابً والفعال فً إعادة إحٌاء الحركة التعلٌمة التً هً المإطر األساسً‬
‫للجٌل الناشا وتعلٌمه وتكوٌنه عن طرٌق العلم الذي ٌكسر شوكة الجهل الذي ٌنتج بدوره‬
‫فسادا فً المجتمع وٌبٌن البحث ما خلص الٌه ماٌلً ‪:‬‬
‫«كلقد إست طاع االنكرسي أف يؤثر تأثي ار إيجابيا في حياة المعمميف كالمربيف كالمكجييف‬
‫بإعتبارىـ القنكات التي تحمؿ العمـ إلى عقكؿ الناشئة ك يعتبر النكرسي أف جميع المفاسد‬
‫اإلجتماعية تنبع مف ىذه األعداء الثبلثة التي ىي الجيؿ ك الفقرك االختبلؼ»‪.1‬‬

‫مما نستنتج تعمٌق التربٌة األخبلقٌة عند النورسً وتؤطٌرها اإلطار اإلسبلمً السلٌم الذي‬
‫ٌحث على قٌم الصدق واإلخبلص والصبر واألمل إلرتقاء وسمو األنسان أخبلقٌا وروحٌا ‪.‬‬
‫حٌث توصل‬
‫« تقكـ فمسفتو التربكية عمى تعميؽ مفردات أخبلقية عديدة في نفكس الطبلب‪،‬‬
‫كالصدؽ كاألمؿ كالصبر كالشجاعة كالتضحية إلزدىار اإلنساف األخبلقي»‪.2‬‬

‫كما نبلحظ أن من بٌن أهم النتابج التً توصل إلٌها الباحث هو إستخدام النورسً المنهج‬
‫الوسطً الذي فً فلسفته التربوٌة اإلصبلحٌة إلعتباره منهج سلٌم ٌفً بؽرضه اإلصبلحً‬
‫عن طرٌق موازنته للعلوم الدٌنٌة والمدنٌة وخطابه المتوجه نحو العقل والقلب والروح حٌث‪:‬‬

‫« إعتماده المنيج الكسطي الف الكسطية كاالستقامة ىي أنفع طريؽ كأيسرىا كأقصرىا‬
‫مف بيف جميع الطرؽ المسمككة في حياة اإلنساف الشخصية كاالجتماعية كىكذا كانت مكازنتو بيف العمكـ‬

‫‪ -1‬أحمد علً سلٌمان ‪ ،‬فلسفة اإلصالح التربوي عند اإلمام النورسوي ‪ ،‬رابطاة الجامعاات االسابلمٌة ‪ ،‬قسانطٌنة ‪،‬‬
‫الجزابر‪9149 ،‬م ‪ ،‬ص ص ‪91 -43‬‬
‫‪ -2‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪93‬‬
‫‪- 40 -‬‬
‫كبعده عف اإلفراط كالتفريط‪ ،‬كتركيز فمسفتو‬
‫الدينية كالمدينة‪ ،‬كتكجيو خطابو إلى العقؿ كالقمب كالركح معا‪ُ ،‬‬
‫التربكية عمى ىذه المبادئ»‪.1‬‬

‫‪ -2‬دراسة وحدة شكران ‪" :‬اإلسالم في تركيا الحديثة‪ ،‬بديع الزمان النورسي"‬
‫ٌعد الكتاب دراسة تبحث فٌه المإلفة عن الحٌاة الثقافٌة واالجتماعٌة‪ ،‬وتحاول من خبلل‬
‫فصوله الثبلثة أن ترصد سٌرة حافلة باألحداث لرجل قل نظٌره فً التارٌخ اإلسبلمً هو‬
‫رصد لحٌاة وكفاح مجدد تركً مشهور أال وهو بدٌع الزمان سعٌد النورسً‪ ،‬ذلك الرجل الذي‬
‫وهب حٌاته ونفسه وكل ما ٌملك لخدمة االٌمان والقرآن فً عصر تهددت فٌه القٌم واستحالت‬
‫الساحة إلى عبث وفوضى وإنتشر الظلم فً كل مكان‬

‫إستعرضت المإلفة فً عملها الرابع كرونولوجٌة حٌاة النورسً منذ طفولته مرورا بنشؤته‬
‫خطوة خطوة ‪ .‬قسمت الباحثة كتابها إلى ثبلثة فصول عرضت فً الفصل األول مرحلة سعٌد‬
‫القدٌم وهً مرحلة النشؤة التعلٌمٌة والطفولة والشباب فً ذلك الجو الدٌنً العثمانً ونهله من‬
‫العلوم االسبلمٌة المختلفة التً كونت شخصٌته‪ ،‬ونبوؼه وشدة ذكابه والتهامه الكتب‪ ،‬دون أن‬
‫تؽفل الظروؾ القاسٌة فً تلك الفترة وفً الفصل الثانً توضح المإلفة مولد سعٌد جدٌد الذي‬
‫ترك الدنٌا مدافعا عن الدٌن بوسٌلة أخرى بعٌدة عن السٌاسة ومحافلها‪ ،‬مخرجا كذلك إلى‬
‫الوجود رسابل نور نورت تركٌا قبل أن تنتقل إلى العالم لتصنع المستحٌل وتإثر فً قراءها‬
‫أٌما تؤثٌر‪ .‬ألقت الباحثة الضوء على الفترتٌن المتناقضتٌن اللتٌن عاشهما النورسً‪ ،‬وهما‬
‫فترة الدولة العثمانٌة بتمسكها بالدٌن وفترة الجمهورٌة بمروقها عن الدٌن وعدابها له‪ ،‬وكذا‬
‫القوى السٌاسٌة الفاعلة واإلجتماعٌة والدٌنٌة التً كان لها دور كبٌر فً إنتاج فكره الرصٌن‬

‫الفترة األولى التً (مرحلة سعٌد القدٌم) ٌبلحظ تؤثره بالفترة العثمانٌة بطابعها الدٌنً‬
‫التقلٌدي كانت كل جهوده فً هذه المرحلة منصبة على إصبلح التعلٌم الدٌنً ومحاولة مزجه‬
‫بالتعلٌم العصري وفق نظام واحد وإصبلح النظام السٌاسً بنبذ الظلم والمطالبة باستتباب‬

‫‪ - -1‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪95‬‬


‫‪- 41 -‬‬
‫العدل ومحاربة الفقر واالختبلؾ وإصبلح المإسسات والهٌاكل االجتماعٌة والتربوٌة‬
‫باالضافة إلى جهوده العسكرٌة وذلك من خبلل مشاركته فً الحرب ضد العدو‪.‬‬

‫أما الفترة الثانٌة وهً التً مثلت مرحلة االنعطاؾ من سعٌد القدٌم إلى سعٌد الجدٌد فٌتجلّى‬
‫فٌها درجة تؤثره بعهد الجمهورٌة وذلك بانعزاله وتركه السٌاسة وإنخراطه فً تؤلٌؾ رسابل‬
‫النور التً تنسجم مع المرحلة‪ ،‬وهً المرحلة التً تمت فٌها محاربة الدٌن والنهوض إلى‬
‫جعل الدولة علمانٌة‪ ،‬بل األكثر من ذلك فصلها عن الدٌن بشكل صارم وقطعً‪ ،‬وقد كانت كل‬
‫الجهود فً هذه المرحلة منصبة على حماٌة حقابق االٌمان والقرآن ال ؼٌر‪.‬‬

‫وفً الفصل الثالث واألخٌر تعرض الكاتبة بشكل مفصل وقبل وفاة النورسً إنتشار حركة‬
‫النور الذي أسسها والجهاد المعنوي التً ترتكز علٌه المستمر إلى اآلن‪ٌ .‬عرض هذا الفصل‬
‫السنوات العشر األخٌرة من حٌاة النورسً التً أطلق علٌها بنفسه مرحلة سعٌد الثالث وهً‬
‫المرحلة التً وقعت فٌها العدٌد من التؽٌرات على المستوى السٌاسً حٌث انهزم الحزب‬
‫الجمهوري الذي ٌكن العداء الشامل لحركة النور والذي انعكس بدوره على الخدمة النورٌة‬
‫وتحركات سعٌد النورسً وطلبته‪ ،‬فنجاح الحزب الدٌموقراطً أتاح مجاال للحركة وجعل‬
‫النورسً ٌعلن ألول مرة عن عٌد رسابل النور بطبعها فً المطابع‪ .‬تصور الكاتبة تلك الفترة‬
‫تصوٌرا رابعا مدعما بالمراجع تتبعت من خبلله تنقبلت النورسً وطلبته بعدما تم رفع‬
‫الحصار عن حركته وعن نشاطاته إلى حٌن وفاته‪.1‬‬

‫‪ -3‬الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني "المنهج الصوفي المعرفي والسلوكي في‬
‫حياة األستاذ النورسي"‪ .‬استانبول‬

‫قدم الباحث الدكتور محمود أبو الهدى الحسٌنً البحث فً تصوؾ األستاذ وبما أن المعرفة‬
‫من أهم ما تطرق إلٌه الصوفٌٌن ‪ ،‬كان النورسً من بٌن أولبك الذٌن تطرقوا إلى المعرفة‬
‫كحقٌقة لمعرفة هللا من خبلل أدوات إعتمد علٌها تمثلت فٌماٌلً حسب الدراسة ‪:‬‬

‫‪ -1‬شااكران واحاادة‪ ،‬اإلسووالم فووي تركيووا الحديثووة‪ ،‬بووديع الزمووان النورسووي ترجمااة‪ :‬محمااد فاضاال ‪ ،‬سااوزلر للنشاار‬
‫والتوزٌع‪ ،‬القاهرة‪ 9114 ،‬م‪.‬‬
‫‪- 42 -‬‬
‫«كيتبيف أداة المعرفة لديو أصبل ىي الركح كالقمب‪ ،‬أما العقؿ فإنو يصمح أف يككف‬
‫‪1‬‬
‫مبتدأ الطريؽ ثـ ال بد لو مف الخضكع لسمطاف الركح‪».‬‬

‫كما بٌن الباحث الفروق بٌن األولٌاء والفبلسفة فً الكبلم على هذه الحقابق‪ ،‬وخبلصتها أن‪:‬‬

‫األكلياء الصكفية تكجيكا إلى ا﵀ تعالى كحده بكميتيـ ككانكا غائبيف بقمكبيـ‬ ‫«‬
‫كأركاحيـ عف المادة‪ .‬أما الفبلسفة الماديكف فقد تكجيكا بكميتيـ إلى المادة كصرفكا كؿ تفكيرىـ‬
‫ِ‬
‫األكلياء الصكفية مسمؾ ذكقي بينما مسمؾ المادييف‬ ‫كنظرىـ فييا‪ ،‬كصاركا ال يركف غيرىا‪ ..‬مسمؾ‬
‫‪2‬‬
‫مسمؾ عقمي‪ ...‬األكلياء يعبدكف ا﵀ كيستغرقكف في محبتو‪ ،‬كالماديكف يعبدكف أنفسيـ كىكاىـ»‬

‫أما فٌما ٌخص قواعد الطرٌقة التً إنتهجها ال نورسً تبٌن لنا مدى تؤثره بالطرٌقة النقشبندٌة‬
‫وتؤثره بها نتٌجة إنخراطه فٌها وتعكس المباديء نفسها التً قام علٌها النورسً خطابه‬
‫ودعوته فٌما بعد لخصها الباحث فٌماٌلً ‪:‬‬

‫« إتباع السنة النبكية المطيرة ‪ ،‬اإلخبلص ‪ ،‬المحبة الدنيا ىي دار العمؿ ‪ ،‬ال دار‬
‫لممكافأة كالجزاء»‪.3‬‬

‫إن الخوض والسٌر الصوفً ال بد ان ٌكون له سبٌل وطرٌق لبلوؼه ولعل النورسً قد وضع‬
‫طرٌقا ٌسلكه وموصل إلى الحقٌقة ومعرفة هللا وفق ما ٌتوافق مع الشرع والسنة وتمٌز طرٌقه‬
‫بالقصر لكنه بلٌػ وفعال وسرٌع لبلوغ هدؾ هذا السلوك والسٌر وأوراده بحٌث تمثل فً ‪:‬‬

‫« إف سالؾ الطريقة أف يسمؾ طريؽ العجز‪ ،‬كالفقر‪ ،‬كالشفقة‪ ،‬كالتفكر‪ ...‬أما أكراد‬
‫الطريقة كأفعاليا عند النكرسي ىي فعؿ الفرائض كالسنف كأنكاع القربات المتعددة »‪.4‬‬

‫وهذا ما ٌمٌز سلوك النورسً المتمٌز بسبلسة هذا الطرٌق وتطبٌقه وإختبلفه عن باقً الطرق‬
‫الصوفٌة التً تتمٌز باإلختبلؾ فً السٌر وأوراد إذ لكل طرٌقة أوراد وأذكار مخصوصة بها‪.‬‬

‫‪ -1‬محمود أبو الهدى الحسٌنً ‪ ،‬المنهج الصوفي المعرفي والسولوكي فوي حيواة األسوتاذ النورسوي محاضارة ألقٌات‬
‫فً ندوة اإلدراك الروحً بٌن التصوؾ والنورسً‪ .‬استانبول ٌوم ‪ .9112/14/93-92‬ص ‪1‬‬
‫‪ -2‬محمود أبو الهدى الحسٌنً ‪،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.3‬‬
‫‪ -3‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.46‬‬
‫‪ -4‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫‪- 43 -‬‬
‫‪ -4‬دراسة خاقان ياوز“تجديد الفكر االسالمي في القرن العشرين وبديع الزمان سعيد‬
‫النورسي استانبول‬

‫ركز الباحث على المفكر االسبلمً سعٌد النورسً وحركته‪ ،‬وسعى لتوضٌح العبلقة المتقابلة‬
‫التً أوجدت فراؼا فً المقولة الجدٌدة التً تضٌؾ هوٌة سٌاسٌة بٌن المجتمع السٌاسً‬
‫التركً واإلسبلم‪ ،‬والتً ستعطً شكبل ثقافٌا للدولة‬

‫‪ٌ -1‬قدم سعٌد النورسً للفرد المسلم اآلالت واالستراتٌجٌات التً ٌستطٌع مواجهة‬
‫تحدٌات العصر‪ .‬وقد قام بذلك بتفسٌر المجموعات الثقافٌة التً تظهر مفهوما‬
‫مشتركا ٌوحد بٌن العناصر المختلفة كالسٌاسة‪ ،‬والنقود‪ ،‬والمرحمة‪ ،‬والتربٌة‬
‫والعابلة‪.‬‬
‫‪ -2‬إن اقوى الجماعات واكثرها تؤثٌرا من الناحٌة االجتماعٌة ‪ -‬السٌاسٌة فً تركٌا‬
‫المعاصرة هً جماعات النور التً تطورت وانتظمت حول كلٌات رسابل النور التً‬
‫هً كتابات سعٌد النورسً "‪1960 -1876‬م"‪.‬‬
‫‪ -3‬وقد لعبت حركة النور دور المفتاح فً االنتقال من الثفافة الشفاهٌة الى الثقافة‬
‫المطبوعة‪ .‬وهذه الثفافة المطبوعة شكلت فً النتٌجة ثقافة حركٌة واكثر دٌموقراطٌة‬
‫فً تركٌا المعاصرة‪.‬‬
‫‪ -4‬ومٌزة حركة النور الجدٌدة واصرارها على الروابط العرقٌة ‪ -‬الدٌنٌة‪ ،‬تنظر نظرة‬
‫سلبٌة للفرد باسم الشعور الجماعً هً تقدم نفسها بمثال "جماعة ظاهرة مربٌة‬
‫ومستندة على المتن" كلٌات رسابل النور بقٌادة فتح هللا كولن‪.‬‬
‫‪ -5‬إن مشروع سعٌد ٌحتوي على التؽٌٌر داخل التقالٌد‪ ،‬وهذا المشروع كان موجها‬
‫للكتل البشرٌة التقلٌدٌة التً اكتسبت حركة وهاجرت الى مراكز المدن‪ .‬وكلما‬
‫تؽٌرت الحٌاة االجتماعٌة‪ ،‬ودخلت المجاهٌل فً جملة المعلومات‪ ،‬وتطورت اآلفاق‬
‫البشرٌة‪ٌ ،‬تعرض مفهوم الفرد للدٌن الى التؽٌر وتزداد الحاجة للمعنوٌات‪.‬‬
‫‪ -6‬تركٌز القرآن فً مركز التؤثٌر االجتماعً‪ ،‬واحٌاء الشعابر االسبلمٌة المشتركة‬
‫وتوفٌقها مع التؽٌرات المعاصرة‪.‬‬

‫‪- 44 -‬‬
‫‪ٌ -7‬إكد سعٌد انه بتمكٌن االٌمان التحقٌقً مكان اإلٌمان التقلٌدي ٌجعل المسلمٌن‬
‫قادرٌن على المقاومة تجاه القوى االشتباهٌة ٌعنً المادٌة والشٌوعٌة ولذلك فإن‬
‫االٌمان بالنسبة لسعٌد هو اساس االنسان‪ ،‬وهو مصدر المعرفة المتعلقة بعالم‬
‫االحداث‪.‬‬
‫‪ -8‬وان هوٌة النور تقدم إطار مفهومٌا ٌإمن التمسك بالتؤثراإلجتماعً على مستوى‬
‫الفرد إن كلٌات رسابل النور التً ٌع ّدونها علم وهبى من احسان هللا وقراءتها‬
‫جماعٌا أدت الى حصول سلوك مشترك ٌتعلق بعالم الحوادث والتؤثٌرات‬
‫االجتماعٌة‪.‬‬
‫‪ -9‬إن حركة النور صاحبة أكبر كتلة من المتعلمٌن وأكثر االتباع من الشباب‪ .‬وسٌطروا‬
‫على المدارس التً تعد المعلمٌن وبعض المإسسات التعلٌمٌة العلٌا‪ .‬وإن الساعٌن‬
‫وراء حركة النور إما هم من المتمدنٌن أو فً مرحلة التمدن‪.‬وأفراد ها الكبار فً‬
‫السن ٌستؽلون إما فً التجارة أو الحرؾ األخرى مثل الطب‪ ،‬والمحاماة‪ ،‬وعضوٌة‬
‫التعلٌم الجامعً‪ ،‬والتعلٌم‪ ،‬والهندسة وؼٌرها لذلك فقد صارت الشبكات التجارٌة‬
‫والبٌوت الداخلٌة للطلبة على رأس المراكز التً تنشر افكار سعٌد‪.‬‬
‫«كما تضـ جماعة النكر ثبلثة اجياؿ الجيؿ االكؿ ىـ الذيف شاىدكا سعيدنا‬
‫كشارككا في دركسو‪ ،‬كككف ىؤالء قد تعرضكا لمظمـ مف طرؼ الدكلة ككظيفتيـ الرئيسية نشر‬
‫كميات رسائؿ النكر كالمحافظة عمييا‪ .‬الجيؿ الثاني‪ :‬ىـ الذيف تربكا عمى يد الجيؿ االكؿ كالتي‬
‫تسيطر عمييـ مجمكعة الصحفييف‪ .‬كقد اىتمت ىذه المجمكعة بالعمـ كالتكنكلكجيا مف اجؿ جعؿ‬
‫نشر رسائؿ سعيد في ضكء القضايا الجارية الجيؿ الثالث‪ :‬كيشكؿ طمبة الجامعة معظـ افراد ىذا‬
‫الجيؿ‪ ،‬كىـ منفتحيف نسبيا عمى أفكار المفكريف اآلخريف باالتالي تيجيف افكارىـ»‪. 1‬‬

‫‪ -5‬التصوف وأثره في شخصية األستاذ بديع الزمان سعيد النورسي ‪:‬‬

‫‪ -1‬خاقان ٌاوز‪ ،‬تجديد الفكر االسالمي في القرن العشرين وبديع الزمان سعيد النورسي‪ ،‬الصحٌفة الحرٌة وسعٌد‬
‫النورسً ‪ ،‬استانبول – تركٌا‪4662 ،‬م‪.‬‬
‫‪- 45 -‬‬
‫إن التصوؾ والطرق الصوفٌة التً تحقق تزكٌة النفس وتهذٌبها من ظاهر اإلثم وباطنه‬
‫والتحلً باألخبلق السامٌة دلٌل على أن هذا منهاجها سلٌم ٌتوابم مع الشرع فً حٌن أننا‬
‫نبلحظ أن هناك بعض الطرق التً إنحرفت فً مسارها رؼبة فً الحصول على رؼبات شتى‬
‫مما جعل التصوؾ واجه فً مساره المعارضٌن ومنتقدٌن ورافضٌن هذا السلوك ‪،‬‬
‫ؼٌر أن النورسً إنتهج مسلك مؽاٌرا على النهج السابق من طرٌقة صوفٌة إال أننا نلمح‬
‫تصوفه وذلك من خبلل تداوله من مصطلحات صوفٌة كالسٌر والسلوك والطرٌقة ومن معالم‬
‫تؤثره بالتصوؾ خاصة تؤثره بالطرٌقة النقشبندٌة من خبلل الذكر الخفً فمن خبلل سٌرته أنه‬
‫كان ٌذكر بعٌد ع ن طبلبه وهذا ما ٌعكس تؤثره بذكر النقشبندٌة الخفً وٌإكد الباحث هذا بقوله‬
‫‪:‬‬

‫«كيثني الشيخ رحمو ا﵀ تعالى عمى السادة النقشبندية في طريقتيـ بالذكر الخفي كيرل‬
‫ليا أعظـ األثر في معالجة آفات النفس سكاء المتمثمة في آفة األنانية كالتكبر‪ ،‬كفي الكقت ذاتو ال ينكر‬
‫فضؿ الذكر الجيرم كيؤكد ىذا الثناءعمى أصحاب الطرؽ كأئمتيا مف أمثاؿ الشيخ الجيبلني كالسيد‬
‫الرفاعي كالشيخ الشاذلي‪،‬رضي ا﵀ عنيـ‪ ،‬في منيجيـ التربكم الذم يربط قمكب المريديف بربيـ بسبلسؿ‬
‫الذكر»‪.1‬‬

‫أما شخصٌته الروحٌة ساهمت العدٌد من الظروؾ فً تكوٌنها وأثر التصوؾ فً شخصٌة‬
‫النورسً ورسابله حددها الباحث فً هاته الدراسة على أهم العوامل التً ساعدت فً تكوٌن‬
‫شخصٌة النورسً كمقومات أساسٌة توصل الباحث إلى العوامل التالٌة‪:‬‬

‫« العمـ كالتربية كالكرع غ ازرة عممو كذكاؤه كالصمة الركحية المبكرة بينو كبيف الشيخ‬
‫عد القادر الجيبلني‪ ،‬كالتي تنـ عف صمة قائمة قبؿ الرؤيا‪ ...‬عكدتو مف األسر شعكره ببكادر الشيخكخة‬
‫كثالثا أكراده كأذكاره التي كاف حريصا كدؤكبا عمييا‪ ،‬كقيامو الميؿ ككثرة تبلكتو القرآف»‪.2‬‬

‫‪ -1‬محمد توفٌق رمضان البوطً ‪ ،‬التصووف وأثوره فوي شخصوية األسوتاذ بوديع الزموان سوعيد النورسوي ‪ ،‬مإسساة‬
‫الثقافة والعلوم مركز رسابل النور للنشر ‪ ،‬إستانبول ‪9112 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.49‬‬
‫‪ -2‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫‪- 46 -‬‬
‫وإعتبر الباحث أن النورسً فً المرحلة الثانٌة والتً لقب به نفسه بسعٌد الجدٌد ما هً إال‬
‫نتٌجة إعداد لسعٌد القدٌم أي المرحلة األولى من حٌاته حٌث ٌقول ‪:‬‬

‫« إف ثمرة لسعيد القديـ بتككينو العممي كالتربكم‪ ،‬بسعة عممو‪ ،‬كبكرعو كتقكاه‪ ،‬بزىده‬
‫كعبادتو ‪.‬لقد كانت فترة سعيد القديـ فترة إعداد كفترة سعيد الجديد فترة عطاء كانتاج‪ .‬فسعيد القديـ في‬
‫‪1‬‬
‫شخصية األستاذ بمثابة الجذع‪ ،‬كسعيد الجديد منيا بمثابة األغصاف كالثمار»‬

‫‪ -1‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.43‬‬


‫‪- 47 -‬‬
‫الفصل ا ألول‬

‫‪- 48 -‬‬
‫تمهيد‬

‫إن أوضاع الدولة العثمانٌة كانت تمتاز بالضعؾ فً نهاٌة القرن الثامن عشر وبداٌة‬
‫القر ن التاسع عشر خاصة فً فترة حكم السلطان "عبد الحمٌد الثانً" ‪1909-1876‬م كؤهم‬
‫فترة أثرت فً فكر النورسً‪ ،‬لما شهدته الدولة العثمانٌة من تكالب األعداء الخارجً‬
‫والداخلً مما ٌسوقها إلى اإلنحطاط والتراجع حسب ما ورد فً دراسات التارٌخ العثمانً‬
‫وذلك بإنهٌارها كدولة عث مانٌة وقٌام الجمهورٌة التركٌة العلمانٌة التً سخرت وساهمت بكل‬
‫ما لدٌها من أجل طمس الهوٌة اإلسبلمٌة وكل ما ٌتعلق بهذه األخٌرة من لؽة وممارسات‬
‫كمال‬ ‫وشعابر دٌنٌة كونها ال تحقق التقدم وبالتالً فالجمهورٌة التركٌة بقٌادة "مصطف‬
‫أتاتورك" أو ما لقبت "بتركيا الكمالية" كانت من أخطر ما تعرضت له الدولة العثمانٌة‬
‫أواخر عهدها نتٌجة اإلضطرابات واإلنقبلبات التً تمت من أجل القضاء على السلطان‬
‫وبالتالً القضاء على الخبلفة اإلسبلمٌة خاصة وحلول الجمهورٌة التركٌة كنموذج إللؽاء‬
‫الخبلفة العثمانٌة إمبراطورٌة إسبلمٌة أسسها "عثمان األول بن أرطغرل" ‪ ،‬وإستمرت قابمة‬
‫لما ٌقرب من ‪ 600‬سنة‪ ،‬وبالتحدٌد من ‪1299‬م حتى ‪1923‬م ‪ ،‬والمناداة للتقدم من خبلل‬
‫نموذخ ؼربً مخالؾ لما كانت تنتهجه الدولة العثمانٌة وطمس معالمها اإلسبلمٌة فالدولة‬
‫العثمانٌة أواخر عهدها واجهت اإلضطرابات الداخلٌة وخارجٌة مست كل األصعدة‬
‫اإلقتصادٌة السٌاسٌة واإلجتماعٌة والثقافٌة ‪...‬الخ ‪ ،‬وإن معرفة الفترة التً سبقت‬
‫"النورسي" أو أثناء ظهوره وتواجده فً الدولة العثمانٌة كان لها تؤثٌراتها على الفكر‬
‫"النورسي" سواء سٌاسٌا أو إجتماعٌا وحتى دٌنٌا لهذا سنتطرق الى أهم األحداث التً جرت‬
‫فً الدولة العثمانٌة إبان حكم السلطان "عبد الحميد الثاني" على وجه الخصوص بإعتبار‬
‫أن النورسً عاصر هاته الفترة ‪.‬‬

‫‪- 49 -‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬أوضاع الدولة العثمانية في فترة حكم السلطان "عبد الحميد الثاني"‬

‫تعتبر هذه الفترة مهمة بالنسبة لدراستنا بإعتبارها الفترة التً عاصرها "النورسي" وقد‬
‫تمٌزت هاته الفترة بعدة أحداث ساهمت فً بلورة فكره سواء السٌاسٌة أو الدٌنٌة لذلك‬
‫سنتطرق بشًء من التفصٌل حول أهم األحداث السٌاسٌة التً ساهمت بدرجة أولى فً التؤثٌر‬
‫على فكره وبالتالً توجهه الدعوي ‪ ،‬كما تمٌزت هاته الفترة بما ٌسمى عصر التنظٌمات‬
‫واإلصبلحات التً قام بها السلطان "عبد الحميد الثاني" التً كانت من أحلك فترات الدولة‬
‫العثمانٌة حتى أنها لقبت "بالرجل المريض" على جمٌع األصعدة السٌاسٌة ‪ ،‬اإلجتماعٌة ‪،‬‬
‫اإلقتصادٌة‪ ،‬الدٌنٌة ‪...‬الخ‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬األوضاع السياسية‬

‫« السمط اف "عبد الحميد الثاني" ىك السمطاف الرابع كالثبلثكف مف سبلطيف الدكلة‬


‫العثمانية‪، ,‬كلد السمطاف سنة ‪1842‬ـ كتكلى عرش الدكلة سنة ‪1876‬ـ ‪ ،‬بالغا مف العمر خمسة كثبلثيف سنة‬
‫كفي أكؿ جمكسو سنة ‪1876‬ـ أعمف الدستكر الذم يتضمف ‪ 119‬مادة كفي سنة ‪1877‬ـ تـ إفتتاح أكؿ‬
‫*‬
‫جمسات البرلماف العثماني كتـ في سنة ‪1878‬ـ قبكلو تحت الضغط الركسي شركط معاىدة "ساف إستيفانك"‬
‫كالتي إعترفت بمكجبيا الدكلة العثمانية بإستقبلؿ إمارة الجبؿ األسكد كببلد الصرب كركمانيا كتنازلت لصالح‬
‫*‪1 ‬‬
‫ركسيا عف قمعة "قارص" في أرمينيا بطكـ كفي السنة نفسيا عقدت معاىدة "برليف"«‬
‫وبها تم اإلعتراؾ فٌها بإستقبلل الدول األوربٌة الدول المذكورة آنفا وحصلت روسٌا على عدة‬
‫مواقع وحصلت النمسا على البوسنة والهرسك‪.‬‬

‫*‪ -‬تعد معرهدة "سرن استٌفرنو" من المعرهدات المهمة فً تررٌخ الدولة العثمرنٌة‪ ،‬عقدت المعرهدة بٌن روسٌر والدولاة‬
‫العثمرنٌة بعد حرب روسٌر وهزٌمتهر للدولة العثمرنٌة؛ بسبب رفاض السالطرن العثمارنً االعتارا‪ ،‬ببروتوكاول لنادن‬
‫الموقع من قبل برٌطرنٌر وفرنسر وروسٌر وألمرنٌر وإٌطرلٌر والنمسر‪ ،‬والذي دعر السلطرن العثمرنً برإلسراع فورا إلاى‬
‫إجراء إرالحرت داخلٌة تخص النرررى فً الدولة العثمرنٌة‪.‬حٌث فرضت هذه المعرهدة على العثمرنٌٌن المهزومٌن‬
‫أمرم روسٌر إدخرل إرالحرت جوهرٌة على أوضارع المساٌحٌٌن فاً الدولاة العثمرنٌاة‪ ،‬خرراة فاً أوروبار؛ وهاو مار‬
‫عنً حقوقر وامتٌرزات لألقلٌة ال تتمتع بهر األغلبٌة المسلمة‪ ،‬وكرن ذلك ٌشٌر إلاى رغباة الادول األوربٌاة فاً تفجٌار‬
‫الدولة العثمرنٌة من الداخل بعد إضعرفهر للغرٌة فً المحٌط الدولً‪ ،‬بحٌث تمثل "رجل أوروبر المرٌض" الذي ٌنتظر‬
‫الجمٌع موته لتقسٌم تركته الكبٌرة‪.‬‬
‫*‪ - ‬أكدت معاهدة برلٌن المكاسب الروسٌة التً استحوذت علٌها من الدولة العثمانٌاة خاصاة بواساطة معاهادة ساان‬
‫سااتفانو‪ ،‬بااالرؼم ماان عااودة وادي أالشااكرد وبلاادة دوؼوباٌزٌااد للعثمااانٌٌن‪ .‬معظاام األراضااً التااً فااازت بهااا روسااٌا‬
‫(أبرزها باساتثناء بااطوم وأجارٌاا الكبارى) أصابحت جازءا مان تركٌاا فاً أعقااب انهٌاار الدولاة العثمانٌاة وصاعود‬
‫االتحاد السوڤٌتً‪.‬‬
‫‪ -1‬إبراهٌم بك حلٌم ‪ ،‬تاريخ الدولة العثمانية العلية ‪ ،‬مإسسة المختار للنشر والتوزٌع ‪ ،‬مصر ‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪9111‬م ‪ ،‬ص ‪.944‬‬
‫‪- 50 -‬‬
‫وفً سنة ‪ 1830‬م تمكنت فرنسا من إحتبلل الجزابر طامعة فً توسٌع نفوذها خشٌة أن‬
‫تدخل إٌطالٌا إلى تونس فتسارعت إلى إحتبللها وبهذا تم توقٌع معاهدة باردو حٌث ‪:‬‬

‫« كأرغمت "محمد الصادؽ بام" عمى تكقيع معاىدة "باردك"* سنة ‪1880‬ـ كجعمت تكنس‬
‫تحت رايتيا كتمكنت بريطانيا مف فرض حمايتيا عمى مصر ‪ ،‬كفي سنة ‪1905‬ـ قاـ نزاع بيف الدكلتيف بسبب‬
‫نزاع بيف المسمميف كالمسيحييف بجزيرة "كريت" فتـ تعييف كاؿ مف المسيحيف فكقع الصداـ بيف الطائفتيف كاعترؾ‬
‫اليكنانييف كالعثمانيكف فألحؽ الفريؽ الثاني اليزيمة بالفريؽ األكؿ ‪ ،‬فتدخمت الدكؿ األكربية لحماية اليكنانييف‬
‫كأجبرت الدكلة العثمانية عمى تكقيع صمح معيـ‪.‬أدخؿ السمطاف " عبد الحميد الثاني" إصبلحات عسكرية‬
‫كاقتصادية كسياسية كقد إقترف إسمو بما يسمى " بالجامعة اإلسبلمية" كاستفاد منيا لتقكية الكازع الديني في‬
‫دكلتو كجمع شمؿ العالـ اإلسبلمي في مكاجية اإلستعمار»‪.1‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ،‬وبعد أن كانت المنظمات فً الدولة العثانٌة‬ ‫وفً سنة ‪1906‬م قامت جماعة "تركيا الفتاة"‬
‫تتشكل بشكل سري وٌبٌن هذا الباحث فً تارٌخ الدولة العثمانٌة ابراهٌم حلٌم بك ‪:‬‬

‫« فقد تأسست في ‪ 1906‬ـ رسميا كعمنيا كأحزاب بإنقبلب عمى السمطاف ‪ ،‬كعممت ىذه‬
‫الجماعة عمى تقميص صبلحيات السمطاف كقاـ الجيش بمحاصرة قصر "يمدز" كاجتمع األعضاء المجمس بسرية‬
‫في ساف استفانك كقرركا خمع السمطاف‪.‬كتكليو أخيو " محمد رشاد" ‪1907‬ـ نفي إلى سبلنيؾ مدة ثبلث سنكات‬
‫‪ ،‬ثـ نقؿ الى استانبكؿ سنة ‪1940‬ـ حيث بقي تحت الحراسة المشددة حتى آكاخر عمره ‪ ،‬كفي سنة ‪1916‬ـ‬
‫تكفي كدفف في ضريح السمطاف محمكد»‬
‫‪2‬‬

‫أما عن األحداث األساسٌ ة فً هاته الفترة الحالكة من أوضاع الدولة العثمانٌة نرى أن‬
‫السلطان قام بعدة إصبلحات ‪ ،‬بحٌت ٌمكن تقسٌمها إلى ثبلثة عناصر أساسٌة توضح أطوار‬

‫*‪ -‬تعلن هذه المعاهدة "حماٌة" فرنسا على الببلد التونسٌة وهً تشكل بداٌة اإلستعمار الفرنسً لتونس‪ .‬أعطت هاذه‬
‫المعاهادة لفرنساا حااق اإلشاراؾ الماالً والخااارجً والعساكري فاً تااونس‪ ،‬وحاق تعٌاٌن مفا ّاوض فرنساً فاً مدٌنااة‬
‫تونس‪ ،‬وتوإلى التدخل الفرنسً فً شإون الببلد‪ .‬حافظ الباي على مركازه‪ ،‬محتفظاا بسالطة التشارٌع واإلدارة‪ ،‬لكان‬
‫كل القرارات ال تكون نافذة إال بقبول المقٌم العام الفرنسً‪.‬‬
‫‪ -1‬إبراهٌم بك حلٌم ‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.944‬‬
‫‪ -‬تركٌا الفتاة أو األتراك الشباب (بالتركٌة‪ )Jön Türkler :‬هو اتحاد لمجموعات عدٌادة مإٌادة إلصابلح اإلدارة‬
‫فً الدولاة العثمانٌاة‪ .‬أدت الحركاة إلاى الحقباة الدساتورٌة الثانٌاة بواساطة ثاورة تركٌاا الفتااة‪ .‬فاً عاام ‪ 4556‬بادأت‬
‫الحركاة فاً صافوؾ الطابلب العساكرٌٌن وامتادت بعادها لتشامل قطاعاات أخارى‪ ،‬وكانات باداٌتها كممانعاة للسالطة‬
‫المطلقة للسلطان عبد الحمٌد الثانً‪.‬‬
‫‪ -2‬إبراهٌم بك حلٌم ‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.949‬‬

‫‪- 51 -‬‬
‫السٌاسٌة التً مرت بها الدولة العثمانٌة الى نهاٌتها وهً وضحت ما كانت تعانٌه الدولة العثمانٌة‬
‫من ضعؾ وإضطرابات داخلٌة تمثلت فً ‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬المشروطية ‪:‬وبدورها تنقسم إلى قسمٌن ‪:‬‬

‫أوال ‪:‬المشروطية األول ‪ :‬وٌقصد بها الدستور الذي أصدره السلطان "عبد الحمٌد الثانً"‬
‫(‪1909-1876‬م) فً ‪ 1876-3-16‬م بحٌث ٌذكر الباحث زكرٌا فاٌد أن ‪:‬‬

‫« إف المشركطية الذم أصدره السمطاف عبد الحميد الثاني في ‪ 1876-03-16‬عمى‬


‫أساسو تـ تشكيؿ أكؿ مجمس نيابي في الدكلة العثمانية دعي المبعكثاف كاف مجمس "المبعكثاف" ببمد الخبلفة‬
‫العثمانية يتألؼ مف‪ 116‬عضكا منيـ أربعكف مسيحيا»‪.1‬‬

‫والبد من أن لهاته المشروطٌة هدؾ تطمع لها بحٌث كان الهدؾ من هذه المشروطٌة حسب‬
‫الباحث ٌوسؾ آصاؾ هوالتقٌٌد وإعطاء إمتٌازات والحرٌة للمذاهب واألدٌان التً كانت تمثل‬
‫األقلٌة فً الدولة العثمانٌة حٌث قال ‪:‬‬

‫« كاف اليدؼ مف ىذه المشركطية تقييد السمطة المطمقة لمسبلطيف كاعطاء األقميات مف‬
‫أصحاب المذاىب كاألدياف المختمفة مزيدا مف الحرية كاإلمتيازات»‪. 2‬‬

‫ؼٌر أن هذه التجربة األولى التً تسعى لتطبٌق نطام نٌابً باءت بالفشل وبالتالً إستؽبللها ضد‬
‫الدولة العثمانٌة وٌذكر زكرٌا فاٌد الفشل واإلستؽبلل كماٌلً ‪:‬‬

‫«إف التجربة األكلى في تطبيؽ نظاـ نيابي أخفقت تماما ‪ ،‬كاستغمت ضد الدكلة العثمانية‬
‫‪ ،‬إذ تـ جرىا بمؤامرة شارؾ فييا نكاب األقميات غير المسممة إلى حرب ضركس مع ركسيا أنيكتيا تماما»‪.3‬‬

‫‪ -1‬زكرٌا فاٌد ‪ ،‬العلمانيوة النشوأة واألثور فوي الشورق والغورب ‪ ،‬الزهاراء لئلعابلم العرباً للنشار‪ ،‬القااهرة ‪،‬الطبعاة‬
‫األولى‪4655 ،‬م‪ ،‬ص ‪.414‬‬
‫‪ٌ -2‬وسااؾ آصاااؾ ‪ ،‬توواريخ سووالطين آل عثمووان ‪ ،‬تحقٌااق‪ :‬بسااام الجااابً ‪ ،‬دار البصااابر ‪ ،‬دمشااق ‪ ،‬الطبعااة الثالثااة‬
‫‪4112،‬هـ أي ‪4651‬م ‪ ،‬ص ‪.439‬‬
‫‪ -3‬زكرٌا فاٌد ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.413‬‬
‫‪- 52 -‬‬
‫ثانٌا‪ :‬المشروطية الثانية ‪ :‬وهً المرسوم الذي أصدره السلطان "عبد الحميد الثاني" سنة‬
‫م‪1908‬م إلعادة مجلس المبعوثان بعد تعطٌله قرابة ثبلثٌن عاما ‪.‬وٌشٌر سهٌل صابان إلى أن‬
‫هاته المشروطٌة إستهدؾ الحفاظ على السلطنة ووحدتها ضد العدوان الداخلً والخارجً‬

‫« كقد إستيدؼ إعبلف المشركطية الثانية إلعادة مجمس المبعكثاف بعد تعطيمو قرابة‬
‫ثبلثيف عاما الحفاظ عمى كياف السمطنة ككحدتيا ضد أم تدخؿ أجنبي أك حدكث أم إنفصاؿ داخمي»‪.1‬‬

‫لكن السلطان "عبد الحميد الثاني" إضطر إلى إحداث مزٌد من النظم اإلصبلحٌة ‪ ،‬ومنح‬
‫اإلمتٌازات المختلفة للدول األوروبٌة ‪ ،‬كً ٌكسب صداقتها فً حربه مع روسٌا حٌث ٌقول‬
‫الباحث زكرٌا فاٌد ‪:‬‬

‫« سمح لكؿ طائفة دينية بإنشاء مدارس خاصة بيا ‪ ،‬كبذلؾ «انيارت الجسكر األخيرة‬
‫التي حمت الدكلة العثمانية مف الطكفاف الزاحؼ عمى ىيئة تيارات قكية ‪ ،‬عبر المسالؾ التي فتحتيا أكركبا عمى‬
‫الشرؽ بمساعدة حكاـ ىذه الببلد أنفسيـ مف خبلؿ رغبتيـ في نقؿ النمكذج الغربي»‪.2‬‬

‫وكان جراء هذا اإلصبلح وجود توترات داخل الدولة العثمانٌة مما أثارت األقلٌات الؽٌر مسلمة‬
‫وبالتالً المطالبة باإلنفصال عنها ومطالبة بالحرٌة والتوجه نحو الثورة ممن خلق إظطراب‬
‫وتوتر داخل الدولة‬

‫«إستطاعت الدكؿ األكركبية أف تشدد الخناؽ عمى الدكلة العثمانية في أكثر مف مكقع ؛‬
‫كذلؾ بإثارتيا لؤلقميات غير المسممة ‪ ،‬كتشجيعيا عمى الثكرة كاإلنفصاؿ ‪ ،‬ففي سنة ‪1875‬ـ ثارت اليرسؾ‬
‫عمى الدكلة العثمانية مطالبة بمزيد مف اإلمتيازات كالحرية في تسيير شؤكنيا ‪ ،‬كقد كجدت كؿ الدعـ كالتأييد مف‬
‫ركسيا كالنمسا كبعض الدكؿ األكركبية األخرل ‪ ،‬كاستمر الصراع في ىذه المنطقة بضع سنكات باإلضافة‬
‫تككنت في تفميس "بأرمينيا الركسية" جماعة ثائرة ضد الدكلة العثمانية بدعـ سياسي بريطاني كاضح »‪.3‬‬

‫‪ -1‬سهٌل صابان ‪ ،‬األوضاع الثقافية في تركيا في القران الرابع عشر هجري‪ ،‬رسالة دكتوراء ‪ ،‬جامعة اإلمام كلٌة‬
‫الشرٌعة قسم الثقافٌة اإلسبلمٌة محمد بن سعود اإلسبلمٌة‪ ،‬الرٌاض ‪4661 ،‬م ‪ ،‬ص‪.6‬‬
‫‪ -2‬زكرٌا فاٌد‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪413‬‬
‫‪ -3‬محمد فرٌد بك المحامً ‪ :‬تاريخ الدولة العلية العثمانية ‪،‬تحقٌق ‪ :‬إحسان حقً ‪ ،‬دار النفاابس‪ ،‬بٌاروت‪4654 ،‬م‬
‫‪ ،‬ص‪. 314‬‬
‫‪- 53 -‬‬
‫بالتالً ٌمكن أن نستنتج أن هاته المواجهات والحروب كان البد لها من ممول مالً فكانت‬
‫ترهق كاهل خزٌنة الدولة بالدٌون كما سنبٌن ذلك الحقا ‪ ،‬وهو ما جعل أؼلب جهودها مركزة‬
‫على تسدٌد الدٌون بدل محاولة التعمٌر وتطوٌر مرافق الدولة ومإسساتها ‪.‬‬

‫ونبلحظ أن الضؽوطات الخارجٌة والتوترات واإلضطرابات الداخلٌة كانت من بٌن العوامل‬


‫التً وقفت فً سٌر اإلصبلحات التً سعى إلٌها السلطان "عبد الحميد الثاني" فً مجال‬
‫السٌاسٌة والتعلٌم واإلقتصاد والحد من النفوذ ‪ ،‬حٌث ٌشٌر إلى هاته النقطة "سمير رجب محمد"‬
‫بحٌث ٌعتبر أن ‪:‬‬

‫« إن محاكالت السمطاف عبد الحميد اإلصبلحية في بعض المجاالت السياسية‬


‫كاالقتصادية كالتعميمية كأف يعيد لمدكلة ىيبتيا ‪ ،‬كذلؾ بإخماد الجمعيات السرية كالحد مف نفكذ الدكنمة كالماسكف‬
‫كتشجيع رجاؿ الفكر اإلسبلمي كفتح المجاؿ لمطباعة كالصحافة كتأسيس جيش عصرل كانشاء جامعة إستانبكؿ‬
‫اإلسبلمية كالمصرؼ العثماني ‪ ،‬كاحداث إصبلحات كغيره مف الجكانب الثقافية فإف الضغكط الخارجية‬
‫كالتناقضات الداخمية لـ تسعفو لمكاصمة اإلصبلح ‪ ،‬كاف كاف قد نجح في تأخير السقكط النيائي لدكلة الخبلفة»‬
‫‪1‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬حركة اإلتحاد والترقي‬

‫تعتبرحركة اإلتحاد والترقً من بٌن الحركات السٌاسٌة التً نادت بقٌام جمهورٌة تركٌة‬

‫« في سنة ‪ 1989‬ـ شكؿ جماعة مف طمبة المدرسة الطبية العسكرية اإلمبراطكرية في‬
‫"إستانبكؿ"منظمة سرية ىدفيا الكاضح ىك عزؿ السمطاف "عبد الحميد الثاني" ‪ ،‬ككاف كراء ىذا التشكؿ السرم‬
‫رجؿ ماسكني مف ألبانيا إسمو "إبراىيم تيمو"‪ ‬أك بػ "أدىم" كما كاف يسمى أحيانا إتفق عدد من الطبلب‬

‫‪ -1‬سمٌر رجب محمد ‪ ،‬الداعية اإلسالمي بديع الزمان سعيد النورسوي‪ ،‬دار الهاانً ‪ ،‬القااهرة ‪4653 ،‬م ‪ ،‬ص ‪-1‬‬
‫‪.2‬‬
‫‪-‬إبراهيم تيمو ‪ :‬هو البانً األصل ‪ ،‬ولد فً مارس ‪4532‬م فً بلدة ستروؼا ‪ Struga‬التً تقع فاً أقصاى جناوب‬
‫ٌوؼسبلفٌا سابقا ‪ ،‬وهناك من ٌقول انه ولد فً بلدة اوهرٌد ‪ ، Ohrid‬وكان والده ٌدعى مراد بن مصاطفى ‪ ،‬وٌعاود‬
‫بؤصله إلى منطقة مات ‪ Mat‬فاً ألبانٌاا ‪ ،‬ولقاد انتقلات أسارته مان بلادة ماات إلاى ساتروؼا المجااورة ‪ ،‬حٌاث أنهاى‬
‫إبراهٌم تٌمو دراسته فً المدرسة االبتدابٌة باإلضافة إلى صفٌن من المدرسة اإلعدادٌة (الرشدٌة ) فاً ساتروؼا ثام‬
‫ؼادر إلى استانبول ‪ ،‬ولقد تمكن بمساعدة إساماعٌل طوبطاانً ‪ I.Tobtani‬ووحٌاد بلوشامٌا ‪ Bloshimia‬وهماا مان‬
‫أصدقاء والده من الوصول إلى أستاذ الجٌولوجٌا إبراهٌم باشا وهو أٌضا البانً األصل ‪ ،‬حٌاث قاام األخٌار بتساجٌل‬
‫إبراهٌم تٌمو فً المدرسة اإلعدادٌة الطبٌة ‪.‬انظر ‪ٌ http://www.muslm.org :‬وم ‪9143-12-92‬‬
‫‪- 54 -‬‬
‫عمى اإلشتراؾ في تمؾ المنظمة ككاف في مقدمتيـ "إسحاؽ سككتي" ك "شركس محمد رشيد" ك "عبد ا﵀ جكدت"‬
‫ك كردياف ‪ ،‬كتشكمت النكاة األساسية مف أعضائيا األربعة في ىذه الجمعية السرية »‪.1‬‬

‫وٌرجع السبب فً خروج هذه الجمعٌة حسب ميلر ويليام الذي ٌعتبر أنها إنبثقت من المدرسة‬
‫والكلٌة الحربٌة حٌث قال‬

‫« إف خركج ىذه الجمعية مف المدارس كالكميات الحربية ‪ ،‬إلى القطار الذم يأتي مف‬
‫باريس إلى محطة "سيركجي"‪ ،‬كالتي تقع قرب المدرسة العسكرية ‪ ،‬حيث كانت األفكار الغربية تصؿ لمطبلب‬
‫بشكؿ مباشر بسبب االحتكاؾ باألجانب ككصكؿ الصحؼ كالمجبلت الغربية إلييـ كقد باشرت أعماليا منذ عاـ‬
‫‪1891‬ـ في "جنيؼ" أكال ثـ نقمكىا إلى "باريس" ‪ ،‬ككانكا يعممكف عمى نشر دعكتيـ سريا ‪ ،‬كاتخذكا لذلؾ طريؽ‬
‫الجيش لبث أفكارىـ»‪.2‬‬

‫فسمٌت بجمعٌة اإلتحاد والترقً وهً فرع من تركٌا الفتاة حسب الباحث فتحي بشيرالبلعاوي‬
‫‪:‬‬

‫«عرؼ ىذا التنظيـ بإسـ " اإلتحاد كالترقي" ‪Committee of Union and Progress‬‬
‫"‪.‬كىك فرع مف "تركيا الفتاة"‪ ،‬كاف إسـ الجمعية في األكساط العسكرية ىك "اإلتحاد العثماني"‪ ،‬ككاف "أحمد رضا‬
‫بؾ" ‪ -‬ممثؿ الجناح المدني‪ -‬متأث ار بأفكار الفيمسكؼ "أكغست كانت" ككاف دستكر ىذا الفيمسكؼ ىك "االنتظاـ‬
‫كالترقي" ‪ ،‬فأخذ أحمد رضا كممة "الترقي" إستمياما مف دستكر "كانت" كاحتفظ العسكريكف بمسمى "اإلتحاد"‪،‬‬
‫كاتفؽ الجميع أف تككف جمعيتيـ بإسـ اإلتحاد كالترقي»‪.3‬‬

‫وكانت هاته الجمعٌة معارضة للحكم إذ كانت تخطط لئلطاحة بالسلطان كما كان لها صلة‬
‫بالماسونٌة ولقد بٌن "سعيد األفغاني " هذا حٌث وضح فً دراسته المعنونة ب "كانت الصهٌونٌة‬
‫هً خالعة السلطان "عبد الحمٌد الثانً" ومقوضة المملكة العثمانٌة" ‪.‬‬

‫‪ -1‬أرنست رامزور ‪ ،‬تركيا الفتاة وثورة ‪1998‬م‪ ،‬ترجمة‪ :‬صالح أحمد العلً وتقد ٌم نقوال زٌادة‪ ،‬مكتبة دار الحٌااة‬
‫للنشر والطباعة ‪ ،‬بٌروت ‪4631 ،‬م‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Miller William , the Ottoman Empire and is Successors 1801-1913, new impression ,‬‬
‫‪University Press, Cambridge ,1966,p 474.‬‬
‫‪ -3‬فتحً بشٌر البلعاوي‪ ،‬مساق تاريخ الدولة العثمانية ‪ ،‬الجامعة اإلسبلمٌة‪ ،‬ؼزة ‪9115 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.4-3‬‬
‫‪- 55 -‬‬
‫« كانت مخططاتيـ معارضة لحكـ السمطاف ‪ ،‬حيث دأب أعضاء الجمعية عمى عقد‬
‫إجتماعاتيـ السرية في المحافؿ الماسكنية ‪ ،‬ككاف أكؿ إجتماع ليـ في المحفؿ الماسكني اإليطالي كفتحت‬
‫السفارات األجنبية أبكابيا لكؿ مخطط عصياف عمى السمطاف " عبد الحميد الثاني " ‪ ،‬ككانت إنجمت ار كفرنسا‬
‫سابقتيف إلى إيكاء البلجئيف مف معارضي الحكـ الحميدم ‪ ،‬كتركتيـ يعممكف في عكاصميا عمنا إلسقاط‬
‫السمطاف»‪.1‬‬

‫ونتٌجة للمراسبلت السرٌة بٌن أعضاء الجمعٌة السرٌة فً الداخل وفً الخارج وفً نشر‬
‫أفكارهم داخل الدولة العثمانٌة وٌشٌر الباحث "ساطع الحصري" بقوله فً هذا الشؤن أنه ‪:‬‬

‫« إ عتمد اإلتحاديكف عمى تنظيماتيـ في أكربا لنشر أفكارىـ لصعكبة تحقيؽ ذلؾ مف‬
‫الداخؿ ‪ ،‬ألف طبع المنشكرات السرية في داخؿ الببلد كاف مستحيبل بسبب صرامة المراقبة المكضكعة عمى‬
‫مختمؼ المطابع كبيرة كانت أـ صغيرة ‪ ،‬لذا كانت تطبع الصحؼ كالمنشكرات في الخارج ككاف إدخاليا صعبا‬
‫إلى األراضي العثمانية إال أف كجكد السفارات األكربية كقنصمياتيا كاف يسيؿ كثي ار مف دخكؿ ىذه المنشكرات‬
‫ألف ىذه السفارت كانت مصكنة مف مراقبة الدكلة العثمانية بسبب اإلمتيازات األجنبية كما نشط اإلتحاديكف‬
‫بمساعدة الدكؿ األكربية لمكاصمة نشاطيـ في الخارج ‪ ،‬خاصة بعد إنتشار فركع الجمعية في بعض مناطؽ‬
‫الدكلة العثمانية »‪.2‬‬

‫إن الجمعٌات التً تؤسست داخل الدولة العثمانٌة لم تستطع أن توسع نشاطها بسبب صرامة‬
‫النظام الحمٌدي وإتقان عمل الجاسوسٌة ‪ ،‬لكن بعد عام ‪1905‬م توسع نشاطها حٌث أنه‬

‫« كجدت الجمعية بعد ‪1905‬ـ مجاال كاسعا لعمميا في الكاليات الثبلث ‪ :‬مناستر‪،‬‬
‫قوصوة وساالنيك ‪ ،‬بسبب المراقبة الدكلية المكجكدة فييا برعاية كؿ مف إنجمترا ‪ ،‬فرنسا ‪ ،‬النمسا كإيطاليا إال‬
‫أف ساالنيك تبعا ألىميتيا عيف ليا ىيئة عميا لممراقبة الدكلية حتى ال يتيسر عمى الدكلة العثمانية مراقبة‬

‫‪ -1‬سعٌد األفؽانً ‪ ،‬كانوت الصوهيونية هوي خالعوة السولطان ومقوضوه المملكوة العثمانيوة ‪ ،‬مجلاة العرباً‪ ،‬دٌسامبر‬
‫العدد ‪ ، 4649 ،36‬ص ‪.429‬‬
‫‪ -2‬ساطع الحصري ‪ ،‬البالد العربية والدولة العثمانية ‪ ،‬دار العلم للمبلٌٌن ‪ ،‬بٌروت ‪4632 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.411‬‬
‫‪- 56 -‬‬
‫التحركات المناىضة لمسمطاف كاف كاف ىناؾ مفتش عثماني عاـ إال أف كجكد الدكؿ الخمسة كاف يشؿ مف‬
‫تحركو »‪. 1‬‬

‫شهدت الفترة الممتدة بٌن ‪1907-1902‬م نشاطا ملوحظا ضد السلطان ‪ ،‬فقد بدأت أفكار‬
‫"تركيا الفتاة" تنشر من داخل وخارج اإلمبراطورٌة فهناك جماعات ركزت نشاطها فً جنيف‬
‫والقاهرة وما ٌثبت هذا أنه تم عقد مإتمر اتحادي ببارٌس ‪ ،‬وجماعات أخرى نشطت فً‬
‫إستانبول فً المدارس الحربٌة والمدنٌة التً كانوا نواة الحركة الثورٌة ‪ ،‬وبواسطة القابد التركً‬
‫"مصطف كمال" صار للجمعٌة فروع فً يافا و القدس ‪ ،‬وقد إنظم إلٌها قواد كما عملوا على‬
‫إجبار السلطان عن التخلً على العرش‪.‬‬

‫« كفي عاـ ‪1902‬ـ عقد في باريس مؤتمر إتحادم لمبحث في الخطط المستقبمية كفي‬
‫كيفية مناىضة السمطاف ‪ ،‬كفي عاـ ‪ 1907‬ـ عقد مؤتمر ثاني ككانت مقرراتو إجبار السمطاف " عبد الحميد‬
‫‪2‬‬
‫الثاني" عمى ترؾ العرش‪ ،‬تبديؿ اإلدارة الحاضرة مف أساسيا كتأسيس أصكؿ المشركطية كالمشكرة »‬

‫حٌث كانت أهداؾ اإلتحادٌٌن وشعاراتهم تتمثل فً حرية – عدالة – مساواة والواقع أن‬
‫هذه المباديء التً أشرنا سابقا أن لها عبلقة ب الٌهودٌة والماسونٌة أثر تؤثٌرا كبٌرا على منتسبً‬
‫الجمعٌ ة ‪ ،‬الذٌن حافظوا على تللك المباديء والتقالٌد حتى بعد الثورة‪ .‬وما ٌجدر اإلشارة إلٌه هو‬
‫إنتماء الٌهود فً هاته الجمعٌة وأصبحت لهم الكلمة وبالتالً النفوذ فٌها حٌث ٌشٌر الباحث‬
‫أرنست رامزور إلى هذا بقوله ‪:‬‬

‫« أف الييكد المنتسبيف لفرقة اإلتحاد كالترقي أصبحكا أصحاب الكممة العميا كالنفكذ في‬
‫ىذه الجمعية كفي عاـ ‪ 1908‬ـ إتسعت الجمعية كتفاقـ خطرىا خاصة بعد دخكؿ الييكد في عضكيتيا كدخكؿ‬
‫المقيميف في ساالنيك بإعتبار أف ىذه المدينة‬ ‫‪‬‬
‫ييكد الدونمة المتسترين ‪ Gyptic Jew‬او‪Donmeh‬‬

‫‪ -1‬ساطع الحصري‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.415‬‬


‫‪ -2‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.413‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬الدفنمه ‪ :‬كلمة تركٌة بمعناى المرتادٌن ‪ ،‬وكلماة «دونماه» مكوناة مان كلمتاٌن تاركٌتٌن مادغمتٌن "دو" بمعناى‬
‫"إثنٌن" و"نمه" بمعنى "عقٌدة" فهم أرحرب عقٌدتٌن واحدة ظرهرة وهً اإلسالم‪ ،‬والثرنٌة مبطنة وهاً الٌهودٌاة‪ .‬و‬
‫أٌضر ٌقرل إن الكلمة مشتقة من كلمة "دونمرك" بمعنى "العرئدٌن" أي ٌهود المررانو الاذٌن هارجروا مان شابه جزٌارة‬
‫أٌبٌرٌر إلى الدولة العثمرنٌة‪.‬‬
‫‪- 57 -‬‬
‫تضـ أكفر عدد مف الييكد في تركيا كتضـ عدد كبي ار مف الدكنمة ‪ ،‬فقرر أعضاء الجمعية القياـ بالثكرة يكـ ‪5‬‬
‫جكاف ‪1908‬ـ ك‪ 23‬جكيمية ‪1908‬م »‪.1‬‬

‫كما أن الٌهود هم الذٌن نشروا الفوضى داخل الببلد ونظموا القوة المناهضة للحكم‬
‫فً كتابه " ‪The Rice of Nationality in‬‬ ‫العثمانً‪ ،‬وٌإكد هذا "‪"seton Watson‬‬
‫‪ "Balkans‬أن الٌهود لعبوا دورا فعاال فً ثورة ‪1908‬م وذلك بقصد تحطٌم اإلمبراطورٌة‬
‫العثمانٌة وسلحوا أعضاء " تركٌا الفتاة" فً الخارج ونظموا صفوفهم وأمدوهم بالمال ‪ ،‬كما‬
‫نظموا عصابات حٌث قال ‪:‬‬

‫« إف أصحاب العقكؿ المحركة لثكرة اإلتحاد كالترقي عاـ ‪1908‬ـ كانكا ييكدا مف‬

‫الدكنمة ‪ ،‬كأما المساعدات المالية فإنما كانت عف طريؽ الدكنمة كييكد ساالنيؾ المتمكليف »‪.2‬‬

‫وٌعترؾ أحد المإرخٌن الصهٌونً ‪ kallen‬فً هذا الصدد كذلك حٌث صرح بقوله ‪:‬‬

‫« أف أكثر أعضاء جمعية اإلتحاد كالترقي كانكا مف الدكنمة ‪ ،‬كممف عاشكا في‬
‫المنفى ‪ ،‬ككاف ىؤالء تبلمذة السياسة األكربية ‪ ،‬الذيف كانت تأتييـ المساعدات المالية مف الرأسماليو العالمية‬
‫مف فيينا ‪ ،‬بودابست ‪ ،‬برلين كربما مف لندن وباريس »‪. 3‬‬

‫وٌإكد السلطان نفسه " عبد الحميد الثاني " فً مذكراته ‪ ،‬صله الجمعٌة بالماسونٌة و الدور‬
‫الذي لعبته الدول األوربٌة بمثابة الحصن لهاته الجمعٌة و القضاء على الدولة العثمانٌة وعلى‬
‫حكمه حٌث قال‪:‬‬

‫« أف أعضاء تركيا الفتاة في ساالنيؾ كانكا تحت تأثير الماسكف ألمانيا ك إيطاليا بدأ‬
‫أنكر كنيازم تحت ض غط الماسكف األلماف مع جماعة ساالنيؾ بالتحرؾ ضدم‪ ...‬كأف اإلتحادييف في ساالنيؾ‬
‫كانكا يركف أف التحالؼ مع اإلنجميز ضركرة ممحة ألنيا أكبر دكلة بحرية »‪.1‬‬

‫‪ -1‬أرنست رامزور ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.493‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- seton Watson, The Rice of Nationality in Balkans,l, , E.P. Dutton, New York ,1918 , p‬‬
‫‪134.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Ibid, p 135.‬‬
‫‪- 58 -‬‬
‫كما أنه إتبعت كافة الدول األوربٌة أسالٌب للحرص على التعاون مع أقلٌات الدولة العثمانٌة‬
‫السٌما الٌهود من ذوي النفوذ باإلضافة إلى العمبلء المحلٌٌن واألجانب على السواء وٌتحدث‬
‫"مصطف كامل" عن هذه الحقٌقة فٌقول ‪:‬‬

‫« لقد دخؿ في جسـ الدكلة كثير مف األجانب نساءا كرجاال كغيركا أسمائيـ بأسماء‬
‫إسبلمية كعممكا عمى اإلرتقاء في المناصب حتى كصؿ بعضيـ إل ى أسماىا ‪ ،‬كصاركا مف أقرب الدخبلء في‬
‫زمف عبد الحميد الثاني في كؿ فركع الدكلة العمية حتى في الجيش نفسو كصارت ليـ سمطة عظيمة كنفكذ كبير‬
‫ككنت مف يجد مف كزراء الدكلة العمية مف يعمؿ لصالح ركسيا مدعيا أنو ركسي السياسة ‪ ،‬كمف يعمؿ لصالح‬
‫إنجمت ار مدعيا أنو إنجميزم السياسة ‪ ،‬كلكف ليس منيـ مف كاف عثماني السياسة»‪.2‬‬

‫مما نستنتج أن هإالء الذٌن دخلوا الدولة العلٌة قد لعبوا دورا فً إنهاكها وتقصٌر عمر الدولة ‪،‬‬
‫ذلك أن والبهم لم ٌكن والءا عثمانٌا ولكن كان والءا أجنبٌا وبالتالً بلػ األمر إلى خٌانة الدولة‬
‫من الناحٌة العسكرٌة ‪.‬‬

‫«عندما نشبت الحرب الركسية – التركية ‪1877‬ـ ككصؿ الركس إلى بعض قرل‬
‫القسطنطينية كاستكلكا عمى أدرنة شرع الناس يذكركف فيما بينيـ بكقائع الحرب كينسبكف لمكزراء كرجاؿ الدكلة‬
‫‪3‬‬
‫إلى الخيانةكقكاد الجيش تارة أخرة إلى التقصيركذلؾ باإلتفاؽ مع اإلنجميز»‬

‫الفرع الثالث ‪ :‬عالقة جمعية اإلتحاد والترقي بيهود الدونمة والماسونية‬

‫المفهوم السٌاسً لٌهود الدونمة ٌعنً الٌهود المسلمٌن الذٌن لهم كٌانهم الخاص‪ ،‬وقد أطلق‬
‫المعنى الخاص بالدونمة منذ القرن السابع عشر على الٌهود الذٌن ٌعٌشون فً المدن اإلسبلمٌة‬
‫وخاصة فً والٌة سبلنٌك وأطلق العثمانٌون اسم الدونمة على الٌهود لؽرض بٌان وتوضٌح‬
‫العودة من الٌهودٌة إلى اإلسبلم ثم أصبح علما على فبة من ٌهود األندلس الذٌن لجإوا إلى الدولة‬
‫العثمانٌة وتظاهروا بإعتناق العقٌدة اإلسبلمٌة‪ .‬قد إستطاعوا أن ٌؤثروا فً جمعٌة اإلتحاد‬

‫‪ -1‬حسن حبلق ‪ ،‬موقف الدولوة العثمانيوة مون الحركوة الصوهيونية ‪1999-1897‬م ‪ ،‬دار النهضاة العربٌاة للنشار ‪،‬‬
‫بٌروت ‪ ،‬الطبعة الثانٌة ‪4666 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.911‬‬
‫‪ -2‬مصطفى كامل ‪ ،‬المسألة الشرقية ‪ ،‬مإسسة هنداوي للنشر ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬طبعة أولى‪4565 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪ -3‬إسماعٌل سرهنك ‪ ،‬حقائق األخبار عن دول البحار ج‪ ، 1‬المطبعة األمٌرٌة للنشر ‪،‬القاهرة ‪ ،‬مصر ‪ ،‬طبعة أولى‬
‫‪4563 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.499.499‬‬

‫‪- 59 -‬‬
‫والترقً‪ ،‬وكان السلطان "عبد الحميد الثاني" عارفا بحقٌقة الدونمة وٌإكد هذه الحقٌقة الجنرال‬
‫جواد رفعت أتلخان‪ ،‬حٌث ٌقول فً هذا الصدد‪:‬‬

‫« إف الشخص الكحيد في تاريخ الترؾ جميعو‪ ،‬الذم عرؼ حقيقة الصييكنية كالشبتائية‬
‫كأضرارىما عمى الترؾ كاإلسبلـ كخطرى ا تماما‪ ،‬ككافح معيما مدة طكيمة بصكرة جدية لتحديد شركرىـ ىك‬

‫السمطاف التركي العظيـ كافح ىذه المنظمات الخطيرة لمدة ثبلث كثبلثيف سنة بذكاء كعزـ كبإرادة مدىشة جدان‬
‫كاألبطاؿ»‪.1‬‬

‫‪‬‬
‫ونتٌجة لموقؾ عبد الحمٌد من الدونمة‪ ،‬قام ٌهود الدونمة بالتعاون مع المحافل الماسونٌة‬
‫ل ئلطاحة به‪ ،‬وقد إستخدم هإالء شعارات معٌنة كالحرٌة والدٌمقراطٌة وإزاحة "عبد الحميد"‪،‬‬
‫وعلى هذا األساس قاموا بنشر الشقاق والتمرد فً الدولة العثمانٌة بٌن صفوؾ الجٌش ‪ ،‬وكانت‬
‫الؽاٌة من هذا هً تحقٌق المشروع اإلستٌطانً الصهٌونً بإستٌطان فلسطٌن‪ ،‬وكان ٌهود‬
‫الدونمة ٌش كلون اللبنة األولى لتنفٌذ المخططات الٌهودٌة العالمٌة‪.‬‬

‫لقد لعب ٌهود الدونمة دورا كبٌرا فً تؤسٌس ونشاط جمعٌة اإلتحاد والترقً ‪ ،‬فهذه‬
‫الجمعٌة لم تكن مقتصرة على اإلطبلق على العنصر التركً حسب ما ذكره الباحث "محمد علي‬
‫الزعبي" ‪:‬‬

‫« كانت تضـ خميطا مف القكميات كاألجناس كالمذاىب المختمفة ‪ ،‬كاجماال فزعماء‬


‫اإلتحاد كالترقي كانكا بشكؿ عاـ مف أصكؿ إجتماعية متكاضعة ‪ ،‬إذ كانكا مف أبناء صغار المكظفيف ‪ ،‬كصغار‬
‫تجار المدف ‪ .‬كلقد عمؿ ييكد الدكنمة كفؽ منيجية كاستراتيجية عمى قدر مف التخطيط كالمتابعة ‪ ،‬ككاف مف‬
‫ىؤالء "جاويد ‪ " Cavid‬الذم أصبح فيما بعد كزي ار لممالية ‪ ،‬حيث أثبت جدارة كبيرة في الشؤكف المالية‬
‫كاإلقتصادية »‪. 2‬‬

‫‪ -1‬فتحً بشٌر البلعاوي‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.49‬‬


‫‪‬الماسونية ‪ :‬هً منظمة ٌهودٌة سرٌة هدامة‪ ،‬إرهابٌة ؼامضة‪ ،‬محكمة التنظٌم تهادؾ إلاى ضامان ساٌطرة الٌهاود‬
‫على العالم وتدعو إلاى اإللحااد واإلباحٌاة والفسااد‪ ،‬وتتساتر تحات شاعارات خداعاه مثال (حرٌاة ـا إخااء ـا مسااواة ـا‬
‫إنسانٌة) وجل أعضابها من الشخصٌات المرموقة فً العالم‪ ،‬مان ٌاوثقهم عهادا بحفاظ األسارار‪ ،‬وٌقٌماون ماا ٌسامى‬
‫بالمحافل للتجمع والتخطٌط والتكلٌؾ بالمهام‪ ،‬تمهٌادا لتؤساٌس جمهورٌاة دٌمقراطٌاة عالمٌاة ـا كماا ٌادعون ـا وتتخاذ‬
‫الوصولٌة والنفعٌة أساسا لتحقٌق أؼراضها فً تكوٌن حكومة ال دٌنٌة عالمٌة‬
‫‪ -2‬محمد علً الزعبً ‪ ،‬الماسونية في العراء ‪ ،‬معتوق اإلخوان ‪ ،‬بٌروت‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،4649 ،‬ص ‪.54‬‬
‫‪- 60 -‬‬
‫كما أشار إلى أن شعار الجمعٌة مقتبسا من الٌهودٌة ومما له عبلقة بالماسونٌة بإعتباره‪:‬‬

‫« أف كحي الحركة في ساالني ؾ يبدكا ييكديا بصفة رئيسية ‪ ،‬فكممات حرية‪ -‬عدالة‪-‬‬
‫مساكاة شعار األتراؾ اإلتحادييف ىي ذاتيا شعارات محفؿ ‪ Macedonia Ristora‬كشعارات الجمعية‬
‫الييكدية بني برث ‪ Beni Brith‬كىي إحدل فركع الماسكنية المتعاكنة مع اإلليانس اإلسرائيمي العالمي»‪.1‬‬

‫كما ٌإكد "جواد رفعت أتلخان " وهو القابد التركً المعاصر للسلطان "عبد الحميد الثاني"‬

‫« أنو في القرار المرقـ ب ‪ 70‬لمجمعية الماسكنية الفرنسية جاء فيو أف تأسست جمعية‬
‫سرية باسـ ‪ "Jeune Turque‬فباشرت نشاطيا مف سبلنيؾ التي تضـ الييكد األكثر نفكذا في أكربا كيعتبر أف‬
‫فرقة اإلتحاد كالترقي كلدت فعبل في محفؿ ماسكني المسمى ماكدكنيا ريزتك ار ‪ Macedonia Ristora‬المؤسس‬
‫مف قبؿ قارصكة الييكدم السبلنيكي»‪.2‬‬

‫ومن خبلل تصرٌحات الباحث "جواد رفعت" ٌمكن أن نستخلص أنه كان هناك إنتشار‬
‫الماسونٌة وتؽلؽلها داخل الدولة العثمانٌة ومدى مساهمة جمعٌة اإلتحاد والترقً فً نشر‬
‫أفكارها داخل المجتمع العثمانً بإستعمال كل الوسابل السٌاسٌة وحتى المالٌة كشعاراتها‬
‫وتعالٌمها التً تشبه شعارات الماسونٌة مما ٌعكس أن لها عبلقة بها ووجودها فً النقود‬
‫التركٌة بعد إحداث تؽٌرات وإستبدالها بنقود تحمل شعارات اإلتحاد كحقٌقة ولعل الصور‬
‫الموجودة فً المبلحق من شعارات والنقود المتداولة آنذاك تبٌن ذلك ‪.‬‬

‫كما ٌإكد "محمد خليفة التونسي" ذلك فً كتابه الخطر اليهودي إلى هاته العبلقة ‪:‬‬

‫« ىناؾ عبلقة إرتباط كثيؽ بيف الماسكنية ك الصييكنية بحيث يذكر أف الحركة‬
‫الصييكنية عمدت الى إبتداع الحركة الماسكنية الحديثة مف أجؿ أف يتخمى اإلنساف عمى كؿ ما يؤمف بو‬

‫‪ -1‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.54‬‬


‫‪ -2‬جواد رفعت أتلخاان ‪ ،‬الخطور المحويط باإلسوالم الصوهيونية وبروتوكوالتوه‪ ،‬ترجماة‪ :‬وهباً عاز الادٌن ‪ ،‬بؽاداد‪،‬‬
‫‪ ،4632‬ص ‪.421‬‬
‫‪- 61 -‬‬
‫ليصبح ما يسمكنو ككزمك بكليتني ‪ Cosmo-Politini‬كلذلؾ فإننا نرل أف نشاط الحركة يكاد بنحصر في‬
‫»‪.1‬‬ ‫األكساط الحاكمة كليس في األكساط الجماىيرية‬

‫كما أن هذه الجمعٌة كانت تتلقى الدعم المالً من طرؾ الدونمة والتً كان ٌمتلكون ثروات‬
‫فً الدولة العثمانٌة ابان الحكم الحمٌدي مما مكنهم للسٌطرة عل الجمعٌة باعتبار انهم كانت‬
‫لهم ثروة وكانوا ٌوافقون على مطلب الجمعٌة متظاهرٌن بذلك إلستمالة الجمعٌة والسٌطرة‬
‫علٌها حٌث أكد هذا كذلك خلٌفة التونسٌة حول الخطر الصهٌونً‬

‫» لقد تمقت جمعية اإلتحاد كالترقي مساعدات مالية مف ييكد الدكنمة الذيف كانكا‬
‫يمتازكف بإمتبلكيـ الكثير مف الثركات ‪ ،‬خصكصا إمتبلكيـ لتجارة ساالنيؾ ‪ ،‬كبيذا أحكـ ييكد الدكنمة‬
‫سيطرت يـ عمى الجمعية ‪ ،‬كحتى يحافظكا عمى ىذه السيطرة كاف ال بد ليـ أف يتظاىركا عمى األقؿ ‪ ،‬بأنيـ‬
‫يكافقكف عمى تحقيؽ جمعية اإلتحاد كالترقي ألحبلميا القكمية ‪ ،‬ككانت السرية كالطرؽ الممتكية أمريف رئيسييف‬
‫‪2‬‬
‫لكمييما ‪ ،‬كبيذا أكقع الييكد جمعية اإلتحاد كالترقي في شراكيـ«‬

‫وٌمكن مبلحظة وإستنتاج أن جمعٌة االتحاد والترقً تتمٌز وجهٌن ‪ ،‬الوجه األول وجه سري‬
‫الذي تتكون منه خبلٌا ومجموعات اإلتحاد والترقً داخل الدولة العثمانٌة وتتبع طرق الحذر‪،‬‬
‫بإعتبار أنها تؤسست بشكل سري أما الوجه الثانً نتٌجة مساندة الدول األوربٌة لها كان لها وجه‬
‫ع لنً ولكن بطبٌعة الحال خارج الدولة العثمانٌة خاصة فً أوربا ‪.‬‬

‫وكان الفكر السٌاسً لجمعٌة اإل تحاد والترقً ٌإكد على المفاهٌم الطورانٌة على المستوٌٌن‬
‫الداخلً والخارجً التً تهدؾ إ لى هدم القٌم اإلسبلمٌة فً المجتمع العثمانً وعملت على نشر‬
‫اإللحاد واألفكار الؽربٌة وإ نتشار الماسونٌة والدعوة لهتك حجاب المرأة المسلمة وإختبلطها مع‬
‫الرجال وخاصة فً المدارس وكان الكثٌر من رجال اإلتحاد والترقً ٌساهم فً بعض نشاطاتها‬
‫وأفراحها‪ .‬ولم تكتؾ الجمعٌة بإعبلن المشروطٌة " الدستور" ‪ ،‬بل قررت خلع السلطان " عبد‬
‫الحميد الثاني" وتحرٌض الجنود العثمانٌٌن على الثورة وخلع السلطان ‪ ،‬فتم تدبٌر حادثة ‪31‬‬

‫‪ -1‬محمد خلٌفة التونسً ‪ ،‬الخطر اليهودي برتوكوالت حكماء صهيون ‪ ،‬بٌاروت ‪4634 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 441-449‬أنظار‬
‫أٌضا ‪ :‬عودة بطرس عودة ‪ ،‬القضية الفلسطينية في الواقع العربي‪ ،‬دار الكتب المصارٌة‪ ،‬القااهرة ‪4641 ،‬م‪ ،‬ص‬
‫‪.419‬‬
‫‪ -2‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪419‬‬
‫‪- 62 -‬‬
‫مارس سنة ‪ 1909‬فً إستانبول‪ ،‬هً ثورة مضادة وهً الحادثة التً قتل فٌها بعض عسكر‬
‫جمعٌة اإلتحاد والترقً بإستانبول‪ ،‬وحدثت فوضى عارمة فً العاصمة بتخطٌط ٌهودي‬
‫صرؾ‪ ،‬وعلى أثره دخل عسكر اإلتحاد والترقً من سبلنٌك إلى إسـتانبول وإرتكبوا مذبحة‬
‫كبٌرة فً قصر الخبلفة ببل مبرر‪ ،‬وقتلوا إسماعٌل حقً وزٌر الحربٌة‪ ،‬ووجهوا إتهامات‬
‫للسلطان عبد الحمٌد بؤنه ٌرٌد إحٌاء الشرٌعة اإلسبلمٌة‬

‫« كانت حادثة الكاحد كالثبلثيف مف مارس ‪1909‬ـ الشييرة خير معبر عمى حالة‬
‫السخط المتزايدة التي عمت تركيا قد ظؿ كثير مف عناصر ىذا العصياف الذم بدأ بتمرد بعض فرؽ الجيش‬
‫‪1‬‬
‫في إستانبكؿ كاستمر إثني عشر يكما »‬

‫تم تشكٌل ما ٌسمى المجلس الملكً فً " سات إستفانو" ‪ ،‬فاجتمع مع مجلس حركة اإلتحاد‬
‫والترقً وقرروا ‪:‬‬

‫« خ مع السمطاف عبد الحميد‪ ،‬كذلؾ بعد إستصدار فتكل مف شيخ اإلسبلـ محمد‬
‫ضياء الديف تحت التيديد كتكجو كفد مككف مف الفريؽ بحرم "عارؼ حكمت"‪ ،‬كآراـ األرمني‪ ،‬كأسعد‬
‫تقبؿ األمر‬
‫طكبطاني‪ ،‬كعمانكئيؿ قره صك الييكدم؛ إلى قصر الخبلفة كسممكا رسالة الخمع لمسمطاف‪ ،‬الذم ّ‬
‫بيدكء ‪ ،‬كتـ نفيو سنة ‪ 1907‬ـ إلى قصر األتيني بسبلنيؾ الذم كاف يممكو شخص ييكدم إمعانا في إذاللو‪،‬‬
‫حيث عاش معزكال عف الناس‪ ،‬محاطا بحراسة مشددة بعد أف جرد مف كؿ ثركتو‪ ،‬ثـ نفي بعد ذلؾ إلى "قصر‬
‫بيمربي"‪ ،‬حيث تكفي عف عمر الػ ‪ 76‬عاما في (‪10‬فبراير ‪1918‬ـ)‪ .‬دفف في ضريح السمطاف محمكد الى‬
‫جانب عمو "عبد العزير"»‪.2‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬األوضاع اإلجتماعية للدولة العثمانية‬

‫إن األوضاع التً آلت إلٌها الدولة العثمانٌة فً أواخر عهدها كانت لها تؤثٌراتها على‬
‫المسار الفكري والروحانً "لسعيد النورسي " والتً بدورها ساهمت فً إنتقال "النورسي"‬
‫من مرحلة إلى أخرى نتٌجة هذا التراجع واالنحطاط الذي مس تركٌا من جمٌع النواحً‬
‫والمجاالت ولعل الجانب اإلجتماعً ٌعد إحدى هاته الجوانب التً كانت لها تداعٌاتها على‬

‫‪ -1‬واحدة شكران ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.444‬‬


‫‪ -2‬واحدة شكران ‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.494‬‬
‫‪- 63 -‬‬
‫الفكر النورسً وصقل منهجه وإنتهاج طرٌقا لمعالجة القضاٌا السلبٌة التً كانت تنتشر فً تللك‬
‫الحقبة التارٌخٌة والتً بدورها إنعكست فً الممارسات والمعامبلت لدى العوام ولدى الطبقات‬
‫الخاصة التً كان لها دورا فعال فً المجتمع لكونها تحتل مراكز علٌة داخل هٌكل الدولة‬
‫العثمانٌة وسنورد بعض الجوانب اإلجتماعٌة التً أثرت بشكل قوي فً تفكٌر النورسً وقوت‬
‫عزٌمته من أجل القضاء على ما حل بالدولة العثمانٌة ما ٌفسد مجتمعها عامة وأفراداها على‬
‫وجه الخصوص ‪ .‬ومن بٌن األوضاع التً كانت آنذاك‪:‬‬

‫« القضاء عمى معالـ القكمية العربية كلغتيا ككيانيا ‪ ،‬كلقد إمتدت يد العزؿ‬
‫‪1‬‬
‫كاإلضطياد كالسجف إلى الشخصيات العربية مف كزراء كعمماء كمكظفيف»‬

‫« كاف اإلتجاه القكمي الطكراني يقضي بسياسة التتريؾ كطمس معالـ المغة العربية‬
‫كالشخصية العربية بؿ اإلضطياد التركي حتى لمعرب إزداد عما كاف مف قبؿ كأحس العرب بالسخرية‬
‫‪2‬‬
‫كاإلحتقار بيـ كبتراثيـ كما أسيئت معاممتيـ كأضعفت لغتيـ»‬

‫وكان العربً أٌنما وجد ٌسمع كلمات اإلهانة والمذلة ‪ ،‬الدالة على التحقٌر وذلك لنشر الشقاق‬

‫« كانت كممة " بيس عرب" تطمؽ عمى كؿ عربي كالتي تعني "عربي قذر" يسمعيا‬
‫العربي أينما سار في األستانة ‪ ،‬حيث تـ كصفيـ بأنيـ جكاسيس لمسمطاف "عبد الحميد الثاني" سنة ‪1908‬ـ‬
‫»‪.3‬‬

‫نبلحظ من خبلل هذا ما هو إال مإامرة ٌهودٌة ماسونٌة لتكرٌس اإلنقسامات والخبلفات بٌن‬
‫األتراك نظرا لعظم نفوذ الٌهود الماسون فٌها حٌث كان لهذا النفوذ الدور البارز فً سٌاسة‬
‫اإلتحادٌٌن والسٌما فٌما ٌخص بسٌاسة تترٌك العرب للقضاء على معالم القومٌة العربٌة ولؽتها‬
‫وكٌانها بإعتبارها لؽة القرآن وبالتالً القضاء على معالم اإلسبلم ‪.‬‬

‫‪ -1‬حسان حبلق ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.44‬‬


‫‪2‬ـا أنااٌس صااٌػ ‪ ،‬الهاشووميون والثوورة العربيووة الكبورى ‪ ،‬دار الطلٌعاة للنشاار والتوزٌاع ‪ ،‬بٌااروت ‪ ،‬طبعاة أولااى ‪،‬‬
‫‪ 4633‬م ‪،‬ص ‪.46‬‬
‫‪ -3‬حسان حبلق ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.44‬‬
‫‪- 64 -‬‬
‫كما أن الٌهود كانت لها حٌاة طبٌعٌة داخل الدولة العثمانٌة ولها حقوق مثلها مثل ؼٌرها من‬
‫االقلٌات وممارسة األنشطة داخل الدولة العثمانٌة ‪ ،‬مما كان هناك هجرة متزاٌدة واإلستفادة‬
‫من الممتلكات ‪.‬‬

‫» تزايد اليجرة الييكدية ‪ ،‬تحكيؿ ممتمكات الدكلة العثمانية العربية إلى شبو مستعمرة‬

‫لمرأسماؿ األجنبي»‪.1‬‬

‫ولم ٌقتصر اإلتجاه الطورانً وتزاٌد الهجرة والتحقٌر من العربً كجوانب إحتماعٌة سادت تلك‬
‫الحقبة ومٌزتها بل تعدت إلى العمال خاصة الفبلحٌن كعملٌة اإلبتزاز وفرض الخراج على‬
‫األراضً مما ٌجعلهم فً حالة فقر وعوز ونقص وإحتٌاج‪.‬‬

‫« إبتزاز الفبلح كجميع فبلحي الدكلة عمكما مف خبلؿ حؽ جباية األعشار ك‬


‫الضرائب كالخراج ككاف ىذا العامؿ سبب بضيؽ العيش كفقداف حقكؽ شعب الدكلة العثمانية كما كانت ىناؾ‬
‫ضرائب غير رسمية تفرض عمى الفبلحيف إذ أنو مف الناحية العممية كاف يزداد عمى الضرائب كالخراج ما‬
‫يسمكنو بالماؿ المضاؼ أك الماؿ البراني«‪. 2‬‬

‫كما أن السلطات المحلٌة العثمانٌة كان لها دورا فعاال فً زٌادة تردي األوضاع من‬
‫خبلل الرشوة فً التوظٌؾ وكذلك التعٌٌن لم ٌكن ٌتم إال بواسطة تقدٌم الرشوة لرجال‬
‫السلطان ‪ ،‬مما ٌعكس لنا إنتشار ظاهرة الرشوة وتفشٌها فً المجتمع العثمانً بطبٌعة الحال‬
‫كظاهرة سلبٌة مما نبلحظ عدم الشفافٌة والعدالة مما ٌجعل من ٌتولى المنصب أن ٌكرر ما‬
‫مورس علٌه فٌقوم بعد تنصٌبه بإسترجاع ما قدمه مضاعفا بإستخدامه نفس األسلوب‬

‫« أصبحت المناصب في تمؾ األياـ ال تقدر بركاتبيا الرسمية بؿ بمقدار ما تدره‬


‫عمى المكظؼ مف الماؿ البراني ‪ ،‬ككاف المكظفكف األتراؾ يذكركف أف الكظيفة الفبلنية راتبيا كذا مف القركش‬

‫‪ -1‬عااادل إسااماعٌل و إمٌاال خااوري‪ ،‬السياس وة الدوليووة فووي الشوورق العربووي ج‪ ،3‬دار النشاار للسٌاسااة و التااارٌخ ‪،‬‬
‫بٌروت ‪4634 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫‪ -2‬هارون كوهٌن ‪ ،‬الشرق العربي ‪ ،‬ترجمة ‪ :‬أنقوال عكا ‪ ،‬دار الطلٌعة للنشر ‪ ،‬بٌروت ‪4651 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.999‬‬
‫‪- 65 -‬‬
‫كلكف البراني فييا ىك ثبلثة أمثاؿ الراتب أك أربعة أمثالو ‪ ،‬ككانكا يكرركف لفظة "البراني" في منتيى البساطة ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫«‬

‫من خبلل هذا ٌتبٌن لنا سوء اإلدارة العثمانٌة وبالتالً اإلخبلل بالنظام وإنتشار النظام العثمانً‬
‫الفاسد داخل نسٌج المجتمع العثمانً ‪.‬‬

‫كما ٌإكد هرتزل فً وصفة الرشوة أٌام عهد السلطان "عبد الحميد الثاني" بؤن الرشوة‬
‫منتشرة بٌن جمٌع النافذٌن فً القصر ما عدا السلطان فقال ‪:‬‬

‫« كلعؿ عار اإلرتشاء الذم يبدأ عمى بكابة القصر كال ينتيي إال عمى بعد قدـ‬
‫كاحد مف العرش ليس أسكأ ما في األمر ‪ ،‬فكؿ مكظؼ لص‪ ،‬ىذا ىك عمى األقؿ ما سمعتو مف كؿ النكاحي ‪،‬‬
‫كما رأيتو يثبت أف ما سمعتو ليس بيتانا»‪. 2‬‬

‫وكان هرتزل فً وصفه إلنتشار الرشوة إال من خبلل تقدٌمه للرشوة التً ذفعها لرجال‬
‫السلطان كدلٌل على تفشٌها بشكل كبٌر بٌن النافذٌن فً جهاز الدولة وذكر ثمن البخشٌش الذي‬
‫دفعه أٌنما ذهب‬

‫« قدر ىرتزؿ ثمف البخشيش الذم دفعو لرجاؿ السمطاف كالكسطاء بحكالي أربعيف‬
‫ألؼ فرنؾ ‪ ،‬كبذلؾ يككف قد إضطر إلى المجكء إلى األساليب الييكدية القديمة جدا ‪ ،‬أساليب دبمكماسية‬
‫‪3‬‬
‫السبللـ الخمفية ‪ ،...‬ككاف يستعمؿ الرشكة حيثما ذىب«‬

‫وهذا ما ٌجعلنا نبلحظ تمٌز فترة السلطان " عبد الحمٌد الثانً" بتؽذٌة الروح القومٌة‬
‫واإلنفصالٌة لعناصر الدولة العثمانٌة والواقع أن السلطان أكد فً مذكراته هذا الواقع بقوله ‪:‬‬

‫‪ -1‬األمٌر مصطفى الشهابً ‪ ،‬محاضرات في اإلستعمار ج‪ ، 2‬جامعة الدول العربٌة معهد الدراساات العربٌاة العلٌاا‬
‫‪ ،‬القاهرة ‪4623 ،‬م ‪ ،‬ص‪.461‬‬
‫‪ -2‬أنٌس صاٌػ ‪ ،‬يوميات هرتزل ‪ ،‬ترجمة ‪ :‬هلدا شعبان صاٌػ ‪ ،‬مركز األبحا ث منظمة التحرٌر الفلسطٌنٌة للنشر‬
‫‪ ،‬طبعة ثانٌة ‪ ،‬بٌروت ‪4649 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.444‬‬
‫‪ -3‬جانساان ‪ ،‬الصوهيونية وإسورائيل وآسوويا ‪ ،‬ترجماة ‪ :‬راشاد حمٌااد ‪ ،‬مركاز األبحااث منظمااة التحرٌار الفلسااطٌنٌة‬
‫للنشر ‪ ،‬بٌروت ‪4649 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪- 66 -‬‬
‫« إف دكؿ أكربا الكبرل أرادت تقسيـ العالـ فييا بينيا كمف ضمف ذلؾ الدكلة‬
‫العثمانية إف دكؿ االكربية كانت تتذرع بإعطاء الحقكؽ لممسيحييف في الدكلة العثمانية ‪ ،‬كلكف فيمنا أف ىذا‬
‫‪1‬‬
‫مجرد كبلـ المقصكد منو تقسيـ الدكلة »‬

‫وأضاؾ أن الدول األوربٌة إتبعت أسالٌب "فرق تسد" بٌن مختلؾ طوابؾ الدولة ومن ذلك‬
‫أسلوبان هما ‪:‬‬

‫« األول ‪ :‬تؤٌٌد المسٌحٌٌن ضد المسلمٌن ومساعدتهم فً شن الثورات والحروب‬


‫ضد المسلمٌن والثانً ‪ :‬العمل على إٌجاد ضدٌات وفتن بٌن المسلمٌن أنفسهم ‪ ،‬وهذا ما ٌسهل أهداؾ الدول‬
‫‪2‬‬
‫األوربٌة بعد إضعافنا وكانت إنجلترا و أمرٌكا تساعدان على هذه الفتن و إثارتها »‬

‫ومن خبلل هذا ٌمكن أن نستخلص أن الفتن اآلرمنٌة عام ‪1890‬م كانت تحث على التمرد‬
‫والعصٌان من أجل إضعاؾ الدولة العثمانٌة واإلخبلل بنظامها وذلك ما ٌإدي إلى التدخل‬
‫األجنبً ومنه التدخل فً شإونها متحججة لحماٌة األقلٌات المتوجدة بؤراضٌها ‪.‬‬

‫« تمثؿ الفتف اآلرمنية ‪1890‬ـ تمرد كعصياف إلضعاؼ الدكلة العثمانية ‪ ،‬حتى‬
‫حتى يتيسر ألمريكا أف تعاقب الحككمة العثمانية مما دعى الدكؿ األكربية إلى عقد إتفاقية برليف بينيا كبيف‬
‫الحككمة العثمانية عمى إقرار بند خاص بالييكد كالنصارل المتكاجديف داخؿ األراضي الدكلة العثمانية ينص‬
‫عمى ال يمنع النصارل كالييكد مف إجراء رسكـ أديانيـ ك إشاع بطارقتيـ كككاىنيـ فيما يتعمؽ بمذاىبيـ»‪.3‬‬

‫ونبلحظ أن الٌهود قد عومل معاملة حسنة نتٌجة هذا التسامح الذي لمسه الٌهود فً‬
‫اإلمبراطورٌة العثمانٌة من جراء إعطابهم حرٌتهم الدٌنٌة ‪ .‬بل تعدت ممارسة الدٌانة إلى تولً‬
‫مناصب مرموقة فً جهاز الدولة العثمانٌة ‪.‬‬

‫‪ -1‬مجهول المإلؾ ‪ ،‬مخطوط سالطين آل عثمان ج‪ ، 23‬المكتبة الظاهرٌة ‪ ،‬دمشق ‪ ،‬بدون سنة نشر ‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫‪ -2‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫‪ -3‬حسان حبلق ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫‪- 67 -‬‬
‫« تكلى عدد كبير مف الييكد المناصب المرمكقة كاليامة كمنو أكجدكا ألنفسيـ‬
‫األحياء الخاصة بيـ ال قس ار كال إمتثاال كانما بدافع نفسي تقميدم كخركجيـ مف عزلتيـ كاف في مجممو لتركيج‬
‫تجارتيـ»‪.1‬‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬أوضاع الجانب التعليمي والثقافي‬

‫أما مإسسات التعلٌم كما هو معروؾ فً تارٌخ الدول اإلسبلمٌة عامة والعثمانٌة خاصة فكانت‬
‫تابعة ‪ -‬فً الؽالب لما ٌسمى باألوقاؾ ؛ وهً مإسسات شبه مستقلة وؼٌر مقٌدة بمقررات أو‬
‫مناهج تعلٌمٌة معٌنة ‪ ،‬ولم تستطع هذه المإسسات بمناهجها الجامدة أن تصمد أمام متؽٌرات‬
‫العصر‬

‫« لقد كانت المدارس في أكاخر عيد السمطاف عيد الحميد في حالة سيئة لمغاية‪،‬‬
‫حيث كانت تعاني مف كـ المناىج كالمكاد الدراسية الجامدة التي لـ تتغير منذ القرف الخامس عشر كالمباني‬
‫المتصدعة كعدـ كجكد مرافؽ لمطبلب بيا‪ ،‬باإلضافة إلى مصار الدخؿ المستقمة التي تعتمد عمى األكقاؼ‬
‫التي خصصتيا الحككمة المركزية ليا عاـ ‪1840‬ـ‪ ،‬ككاف ىذا نتاجا طبيعيا لفترة طكيمة مف التدىكر عجؿ بو‬
‫‪2‬‬
‫اإلصبلح التعميمي الذم قامت بو التنظيمات األكلى كالذم قاـ بو بعد ذلؾ السمطاف عبد الحميد نفسو»‬

‫وتمٌزت فترة السلطة الحمٌدٌة بعدة إنجازات ضخمة فً المجال التعلٌمً والثقافً من خبلل‬
‫اإلصبلحات التً قام بها وبتؽٌٌر النظام القدٌم بنظام جدٌد ؼربً كإنجاز الكلٌات والمعاهد‬

‫« تأسي س الكثير مف الكميات كالمعاىد العميا كمف أىميا كمية اليندسة ‪ ،‬كمية‬
‫الطب ‪ ،‬أكاديمية الفنكف الجميمة‪...‬الخ ‪ ،‬إلى جانب ىذا مئات المدارس كالمكتبات كالمتاحؼ كما فتح‬
‫مستشفى لؤلطفاؿ كالعساكر كدار لمعجزة ‪ ،‬كما قاـ بتطكير البكليس كأمف النيابة العامة»‪.3‬‬

‫وهذا ٌدل على إ ستبدال النظام السابد وإدخال النظام الؽربً وبالتالً إتباع المناهج التً تتبعها‬
‫لذلك داخل المجتمع العثمانً‬

‫‪1‬‬
‫‪-Tharaud jerome et Jean Tharaud, petite histoire des juifs , Editeur Plon, paris, 1927,‬‬
‫‪p 29.‬‬
‫‪ -2‬شكران واحدة ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.46‬‬
‫‪ -3‬إبراهٌم بك حلٌم ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.949‬‬
‫‪- 68 -‬‬
‫« أستبدلت المدارس الدينية كالمؤسسات التعميمية برمتيا باألنظمة القانكنية‬
‫‪1‬‬
‫كالتعميمية ذات الطابع الغربي التي جاءت بيا التنظيمات »‬

‫الفرع األول ‪:‬تعريب الدولة‬

‫فقد حاول السلطان "عبد الحمٌد الثانً" إدخال اللؽة العربٌة كلؽة رسمٌة للدولة فً الحكومة‬
‫والتعامبلت‪ ،‬وإصطدم مع القومٌٌن األتراك الذٌن خافوا من زوال التحكم والسٌطرة التركٌة‬
‫على الدولة لو عربت الدواوٌن ‪ ,‬وكان ٌهدؾ "السلطان" من ذلك القضاء على القومٌات الناشبة‬
‫والمتنامٌة‪ ،‬لٌس عند األتراك فقط ولكن عند العرب خاصة بالشام ومصر؛ ذلك ألن القومٌة‬
‫العربٌة ظهرت كرد فعل للقومٌة التركٌة‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬إصالح التعليم‬

‫رأى "عبد الحمٌد الثانً" أن نظام التعلٌم والمدارس التركٌة أصبحت معامل لتفرٌػ أتباع الفكر‬
‫القومً والعلمانً والمتؽربٌن والمفتونٌن بفكر والنوذج الؽربً خاصة بؤوربا ؛ لذلك إتخذ‬
‫قرارات سرٌعة إلصبلح التعلٌم وكل ما ٌساهم فً تعزٌز الفكر القومً ‪.‬‬

‫« ألغى كؿ المكاد التعميمية التي تساعد عمى إذكاء الشعكر القكمي كالتغريب‪،‬‬
‫كض ع مناىج مكاد شرعية في المدارس األكلية حتى الثانكية (فقو ‪ ،‬تفسير‪،‬أخبلؽ)‪،‬جعؿ المدارس كالجامعات‬
‫تحت رقابتو كاشرافو الخاص مباشرة‪ ،‬منع االختبلط في المدارس كالجامعات‪ ،‬كأنشأ مدارس خاصة بالنساء‬
‫كأنشأ مدرسة العشائر كالتي تقكـ فكرتيا عمى تعميـ أبناء العشائر كالقبائؿ العربية بإستانبكؿ‪ ,‬كالدراسة فييا‬
‫يغمب عمييا الجانب الشرعي مع بعض عمكـ الرياضيات كالمغات‪ ,‬ككاف اليدؼ منيا إعداد جيؿ صالح مف‬
‫قادة األمة‪ ،‬كالتكاصؿ مع المسمميف في أرجاء الدكلة العثمانية الكبيرة»‪.2‬‬

‫فقد قاومت المشارٌع اإلصبلحٌة التً دعا إلٌها بعض العلماء فً فترات مختلفة كما عارضت‬
‫فكرة إقامة المطبعة ؛ ألنها قادمة من الدول النصرانٌة ‪ .‬مما خلق صراع بٌن التعلٌم القدٌم‬
‫والحدٌث‬

‫‪ -1‬شكران واحدة ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.46‬‬


‫‪ -2‬خلووع السوولطان عبوود الحميوود ‪ ..‬السووقوط الحقيقووي أنظاار الموقااع ‪ٌ http://islamstory.com :‬ااوم ‪-11-92‬‬
‫‪.9143‬‬
‫‪- 69 -‬‬
‫« غير أف بعض السبلطيف إستطاع القياـ بمشاريع إصبلحية سمحت بابتعاث الطبلب إلى‬
‫المدارس األكركبية كافتتاح مدارس متكسطة ذات نيج ح ديث ‪ ،‬كىك ما عرؼ "بالمكتب" ‪ ،‬كبذلؾ ‪ ،‬نظ ار لما‬
‫كاف يجمبو مف إمتيازات لطالبيو ‪ ،‬كانما إستقدمت المدرسيف الغربييف لمعمؿ في المدارس والكلٌات العسكرية‬
‫‪1‬‬
‫‪ ،‬كسمحت بإقامة مؤسسات تعميمية أجنبية بإشراؼ الحككمات األكركبية مباشرة كفي عاصمة الخبلفة »‬

‫وبذلك نستنتج أن من خبلل إستحداث التعلٌم الحدٌث الذي ٌتمٌز بالمناهج الؽربٌة أدى إلى‬
‫إنتشار الؽزو الثقافً الؽربً للدولة ‪ ،‬وقوٌت حركة ترجمة الفكر األوروبً مما أدى إلى‬
‫التضٌٌق على التعلٌم الدٌنً والعمل على إلؽاءه من خبلل إستبداله بالمناهج الؽربٌة فً مراحل‬
‫التعلٌم بهدؾ تنشبة أج ٌال تعتمد على العلوم المادٌة باإلعتماد على علوم الحضارة الؽربٌة‬
‫كمنهاج للتقدم والرقً ألن التعلٌم القدٌم سبب فً التخلؾ والركود‪.‬‬

‫« ألغى ك ازرة األكقاؼ كالمدارس الدينية كحكؿ الجكامع إلى متاحؼ كمنع رحبلت‬
‫الحج كالعمرة‪ ،‬كألغى الحجاب كالحركؼ العربية‪ ،‬كألزـ األتراؾ بالتعبد بالمغة التركية‪ ،‬كنقؿ اإلجازة األسبكعية‬
‫‪2‬‬
‫ليكـ األحد مثؿ النصارل‪ ،‬كألزـ الناس لبس القبعة الفرنجية‪ ،‬كألغى األعياد كالمناسبات الدينية»‬

‫المطلب الرابع ‪:‬األوضاع اإلقتصادية للدولة العثمانية‬

‫كانت الدولة من الجانب اإلقتصادي تتمٌ ز بالتدهور نتٌجة الدٌون كما أنها كانت سببا فً سقوط‬
‫الدولة فٌما بعد مما جعل الدول األجنبٌة تتدخل فً شإونها الداخلٌة وبتالً لها دور فً‬
‫سقوطها‪.‬‬

‫« كاف اإلقتصاد العثماني متدىكر كيعاني مف الديكف المقدرة بمميكف كنصؼ مميكف جنيو‪ ،‬ىذا ما‬
‫ذكره "ىرتزؿ" خبلؿ اإلجتماع مع السمطاف "عبد الحميد الثاني" في ‪ 18‬مام ‪1901‬ـ كمقابمتو مع حاخاـ‬
‫الييكد في تركيا "مكسى بيفي "‪" Moshe levy‬كمترجـ القصر الخاص "ابراىيـ بؾ" ‪ ،‬كبقي ىرتزؿ أياما أخرل‬

‫‪.492‬‬ ‫‪ -1‬محمد أنٌس‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‬


‫هشرم عبد المنعم ‪ ،‬مصطفى كما أتاتفرك ‪ ،‬أنظر الموقع ‪ٌ http://islamstory.com‬وم ‪6712-74-11‬‬ ‫‪-2‬‬

‫‪- 70 -‬‬
‫في أستانبكؿ يحاكؿ اإلتصاؿ بالشخصيات التركية مثؿ " عزت بؾ" كابراىيـ بؾ" ك " نكرم بؾ" لمتباحث معيـ‬
‫بشأف القركض الييكدية لتغطية العجز المالي في الدكلة»‪.1‬‬
‫بالرؼم مما كانت تعانٌه الدولة العثمانٌة من ضعؾ وتدهور الجانب اإلقتصادي إال أن هناك‬
‫اإصبلحات قام بها السلطان " عبد الحمٌد الثانً" إنعكست إٌجابا على هذا القطاع‪.‬‬

‫« تميزت فترة حكمو بعدة إنجازات ضخمة عمى جميع المستكيات عمى المستكل‬
‫التعميمي ‪ ،‬الثقافي ‪ ،‬السياسي كالعسكرم بتطكير األمف كالبكليس كأمف النيابة إلى جانب ىذا الجانب‬
‫اإلقتصادم الذم لو دكر كبير في الدكلة العثمانية ‪ ،‬كما أنو أصدر مجمتي العقكبات كالتجارة ‪ ،‬كما أسس‬
‫مينائي "إستانبكؿ" ك "إزمير" كفتح معامؿ لمسجاد كالجمكد كالسجائر»‪.2‬‬

‫كما أنه بعد خلع السلطان عام ‪1909‬م تضمن التطوٌر اإلقتصادي ولكن الجهاز التركً‬
‫اإلقتصادي كان ضعٌفا وال ٌمكن أن ٌقؾ وحده بدون دعم ‪ ،‬وبالتالً أصبح الٌهود المسٌطر‬
‫على الجهاز الداخلً للدولة ‪ٌ ،‬عملون على السٌطرة اإلقتصادٌة والصناعٌة فً تركٌا الفتاة‪.‬‬

‫من خبلل هذا نبلحظ أن أثناء هاته فترة حكم السلطان "عبد الحمٌد الثانً" أنجز عدة إصبلحات‬
‫تمٌزت فً جانبها السٌاسً والعسكري واإلجتماعً منها التعلٌم والمستشفٌات ودار‬
‫العجزة‪...‬الخ والجانب اإلقتصادي كتؤسٌس الموانًء التً تعتبر من أهم الموانا إلى ٌومنا هذا‬
‫‪ ،‬كما إهتم بالجانب تؤمٌن وحماٌة المواطنٌن وذلك بتطوٌر البولٌس وأمن النٌابة وفً تطوٌر‬
‫إقتصاد من خبلل المعامل المنتجة للجلود والسجاد‪...‬الخ ‪ ،‬كما أنه إهتم بالجانب الثقافً كؽٌره‬
‫من الجوانب األساسٌة األخرى بإضافة المتاحؾ وبؤكادٌمٌة الفنون الجمٌلة من أجل المحافظة‬
‫على هوٌة وثقافة الدولة العثمانٌة آنذاك‪.‬‬

‫‪ -1‬حبلق حسان ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.443‬‬


‫‪ -2‬إبراهٌم بك حلٌم ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.949‬‬
‫‪- 71 -‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬قيام النظـام الجمهوري و إلغاء الخالفة العثمانية‬

‫إن المرحلة التً تلت خلع السلطان تعتبر مرحلة ما بٌن ‪1922 -1908‬تعتبر أخر‬
‫مرحلة من مراحل الدولة العثمانٌة والتً إنتهت بزوال الدولة العثمانٌة‪ .‬كان عام ‪ 1908‬نقطة‬
‫تحول جوهرٌة فً عهد عبد الحمٌد وفً تارٌخ الدولة العثمانٌة‪ .‬وعرؾ عن هذا السلطان سعٌه‬
‫لترسٌخ نظام الخبلفة اإلسبلمٌة وأطلق شعار "ٌا مسلمً العالم إتحدوا"‪ ،‬وكان عهده من أكثر‬
‫أوقات الدولة العثمانٌة نجاحا وصعوبة فً الوقت ذاته‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬الدولة العثمانية إبان فترة السلطان محمد رشاد خان الخامس‬

‫« كلد المشار إليو سنة ‪1844‬ـ كجمس سنة ‪1909‬ـ عمى الحكـ بالغا مف العمر ‪56‬‬
‫سنة دامت مدة حكمو بتسع سنكات بعد خمع السمطاف "عبد الحميدالثاني " عف الحكـ‪ .‬ليتكلى ىك الحكـ قضى‬
‫معظـ فترات حياتو في قصر زنجيرلي محاطا بالجكاسيس الذيف يرصدكف حركاتو كيقدمكف التقارير المشكىة‬
‫عنو في عيده إستمـ حزب اإلتحاد الترقي ا لحكـ الفعمي بالببلد ككانت سياستو قكمية تيدؼ إلى تتريؾ شعكب‬
‫‪1‬‬
‫اإلمبراطكية كقد أدت ىذه السياسة إلى تغذية الحركات القكمية ككثرة الثكرات كتفميس الخزينة»‬

‫كان بمثابة أداة طٌعة بٌد اإلتحادٌٌن الذٌن أصبحوا‬ ‫ومن خبلل هذا نبلحظ أن السلطان‬
‫مسٌطٌرٌن على جهاز الحكومة ومقدرات الدولة ومنه تؽٌر النظام فً تركٌا وأن الحكم الجدٌد‬
‫أصبح خاضعا لٌس فقط للنفوذ السٌاسً الصهٌونً وإنما للنفوذ اإلقتصادي أٌضا‪.‬‬

‫« بعد ثبلث سنكات مف حكمو إحتمت بريطانيا طرابمس الغرب ‪1910‬ـ كتمتيا ثكرة‬
‫البمقاف كاعبلف إستقبلؿ بمغاريا ‪ ،‬كفي سنة ‪1912‬ـ دخمت الدكلة العثمانية الحرب العالمية األكلى مؤازرة الدكؿ‬
‫‪2‬‬
‫الكسط كخرجت منيزمة كما فقدت كؿ أراضييا العربية»‬

‫توفً السلطان "محمد رشاد خان الخامس" سنة ‪1916‬م ‪ .‬قبل بضعة أشهر من إستبلم ببلده‬
‫للحلفاء‪ .‬لٌخلفة بعد ذلك السلطان "محمد وحٌد الدٌن" أو المعروؾ "بمحمد السادس"‪.‬‬

‫‪ -1‬إبراهٌم بك حلٌم ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.942‬‬


‫‪ -2‬إبراهٌم بك حلٌم‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.942‬‬
‫‪- 72 -‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬الدولة العثمانية في عهد السلطان "محمد وحيد الدين" أو "بمحمد السادس"‬

‫ولد سنة ‪1860‬م وحكم سنة ‪1918‬م عن عمر ٌناهز ‪ 57‬عاما كانت مدة حكمه أربع سنوات‬

‫« كلد في ‪1860‬ـ كجمس سنة ‪1918‬ـ لمدة أربع سنكات عف بالغا من العمر‬
‫سبعة وخمسون عاما بعد إعتبلئو العرش كانت الحرب العالمية األكلى عمى نيايتيا كاجبره الحمفاء عمى‬
‫تسميـ األسمحة ككضع كؿ الصناعات اإلستراتيجية تحت الرقابة كاستكلكا أيضا عمى مضيؽ الدردنيؿ كالبكسفكر‬
‫كلـ يبد أية مقاكمة بينما رفض "مصطفى كماؿ أتاتكرؾ" حركة المقاكمة إنطبلقا مف األناضكؿ كأعمف إلغاء‬
‫"سمطنة محمد كحيد الديف " الذم أصبح لعبة في يد الحمفاء فحكـ عميو السمطاف باإلعداـ ‪ ،‬كتمكف "مصطفى‬
‫كماؿ" مف تحرير إزمير كطرد الحمفاء مف تركيا كأعمف المجمس التركي حؿ السمطة سنة ‪1920‬ـ كذلؾ بتجريد‬
‫السمطاف مف سمطتو السياسية كأبقى عمى سمطتو الدينية عمى إعتباره خميفة لممسمميف وفً سنة ‪1922‬م تم‬
‫‪1‬‬
‫تجرٌده من هذه السلطة »‬

‫كانت وفاته سنة ‪1923‬م فً سان رٌمو بإٌطالٌا عن عمر ٌناهز ‪ 65‬عاما ونقل جثمانه الى‬
‫سورٌا ودفن فً فناء جامع السلطان "سلٌم"‪.‬‬

‫وبهذا ٌعتبر خلع السلطان "محمد السادس" كآخر سلطان ٌحكم الدولة العثمانٌة فً آواخر‬
‫زوالها‪ .‬وهكذا كانت نهاٌة الخبلفة األخٌرة ‪ ،‬بإعتبار أن اإلطاحة وخلع السلطان "عبد الحميد‬
‫الثاني" كانت بمثابة السقوط الحقٌقً للدولة العثمانٌة‪.‬‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬قيام الجمهورية التركية‬

‫شهدت تركٌا بعد الحرب العالمٌة األولى حركة قومٌة قادها "مصطفى كمال أتاتورك"‬
‫والتً تعنً "أبو األتراك"‪ ،‬وأعلن تركٌا الجمهورٌة فتولى رباستها عام ‪ ،1923‬حتى وفاته عام‬
‫‪ ، 1938‬وقد تمكن من إحبلل نظام علمانً فً الببلد‪ ،‬وأرسى أٌضا عددا من العادات الؽربٌة‬
‫إلحاقا للببلد بؤوروبا ومنها وإستبدل الكتابة باألحرؾ العربٌة إلى البلتٌنٌة‪.‬‬

‫المطلب الرابع ‪ :‬سياسة كمال أتاتورك‬

‫‪ -1‬إبراهٌم بك حلٌم ‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.946‬‬


‫‪- 73 -‬‬
‫إنتهج " مصطفى كمال أتاتورك" سٌاسٌة ترتكز على المفاهٌم الطورانٌة‪ ، ‬وٌمكن إجمال هذه‬
‫السٌاسة فٌماٌلً ‪:‬‬

‫« إبعاد كعزؿ العناصر العربية التي عينيا السمطاف المخمكع "عبد الحميد الثاني" مف‬
‫المناصب الحككمية بعد أف كجيت ليا مختمؼ التيـ ‪ ،‬ككانت نسبة المعزكليف منيـ عالية حتى لـ يبؽ‬
‫في الك ازرة الخارجية العثمانية مف العرب سكل مكظؼ كاحد»‪.1‬‬

‫ورؼم هذا اإلجراء الذي ٌتنافى مع الوزن الدٌمؽرافً الذي ٌمثله العنصر العربً فً‬
‫الخرٌطة السٌاسٌة العثمانٌة حٌت ٌبن هذا الباحث "برج محمد عبد الرحمن" ذلك ‪:‬‬
‫« في إنتخابات مجمس المبعكثاف التي أعقبت المشركطية الثانية مف بيف ‪275‬‬
‫كىك مجمكع أعضاء المجمس‪ ،‬لـ يكف نصيب العرب سكل ‪ 50‬نائبا ‪ ،‬رغـ أنيـ يمثمكف خمس سكاف‬
‫اإلمبراطكرية ‪ ،‬أما نصيب األتراؾ فكاف ‪ 152‬نائبا»‪.2‬‬

‫« تيميش المغة العربية كاحتقارىا ‪ ،‬كاعتبار المغة التركية لغة إجبارية كالزامية في‬
‫اإلدارة كالمدارس الحككمية ‪ ،‬أثار ىذا المسمؾ مف جانب اإلتحادييف ردكد فعؿ قكية خاصة مف الطبقة المثقفة‬
‫كالعرب ‘ فإندلعت حرب عمى صفحات الجرائد منددة كمستنكرة سياسة التتريؾ كطالب البعض مف المثقفيف مف‬
‫االتحادييف إعتبار المغة العربية لغة رسمية في البرلماف عمى غرار ما ىك جارم تطبيقو في النمسا التي تقر‬
‫بكجكد ست لغات رسمية»‪. 3‬‬

‫لقد أثبتت السٌاسة التركٌة فً ما بعد تناقضها والدٌن اإلسبلمً وأسسه ومبادبه ‪ ،‬فما سٌاسة‬
‫"مصطفى كمال" أبً األتراك إلى إقتبلع هذا الدٌن من المجتمع التركً بمحاربة تمظهراته‬
‫وذلك من خبلل ترجمة القرآن من لؽته األصلٌة العربٌة إلى التركٌة وإلؽاء الحجاب ‪...‬إلخ‬

‫‪ -‬هً سٌاسة عنصرٌة طورانٌة هدفها إحٌاء أمجاد األوابل ‪ ،‬وربط األتراك المحدثٌن باألقدمٌن عن طرٌق إحٌاء التراث‬
‫الحضاري القدٌم ‪.‬‬
‫‪ -1‬سلٌمان موسى‪ ،‬الحركة العربية الحديثة ‪1924-1998‬م ‪ ،‬دار النهار العرباً للنشار ‪ ،‬بٌاروت ‪4644 ،‬م ‪ ،‬ص‬
‫‪.93‬‬
‫‪ -2‬بارج محماد عباد الارحمن ‪ ،‬دراسوة فوي التواريخ العربوي الحوديث والمعاصور ‪ ،‬مكتباة األنجلاو المصارٌة للنشاار ‪،‬‬
‫القاهرة ‪4611 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.446‬‬
‫‪ -3‬برج محمد عبد الرحمن ‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.491‬‬
‫‪- 74 -‬‬
‫« ترجمة القرآف إلى التركية كالغاء الحجاب كمنع المظاىر اإلسبلمية كاستبداليا‬
‫بالمظاىر الغربية ‪ ،‬سكل دليؿ كاضح عمى العدكانية التركية حياؿ اإلسبلـ»‪.1‬‬

‫« في سنة ‪ 1925‬ـ منع الكماليكف الطرؽ الصكفية ‪ ،‬كأغمقكا التكايا كالزكايا ‪ ،‬كمنعكا‬
‫‪2‬‬
‫الزم الديني كالكطنى ‪ ،‬كألزمكا مكظفي الدكلة بمبس القبعة»‬

‫وهكذا نبلحظ أنه تم فرض القوانٌن التً تخالؾ الدٌن حتى قبل اإلعبلن الرسمً للعلمانٌة ‪،‬‬
‫حٌث شكلت لجنة من رجال القانون لتترٌك القانون المدنً السوٌسري وأخرى لشرحه ‪ ،‬وألؽى‬
‫العمل بالشرٌعة اإلسبلمٌة حتى فً األحوال الشخصٌة ‪ ،‬وتم إستبدال الحروؾ العربٌة بالبلتٌنٌة‬
‫والتقوٌم اإلفرنجى "المٌبلدي" بدل التقوٌم الهجري ‪.‬‬

‫وأكد "كمال أتاتورك" حرصه الشدٌد على محو النفوذ الدٌنً من شإون الحٌاة كامبل بقوله ‪:‬‬

‫« إنو ليس لتركيا الجديدة عبلقة بالديف‪ ،‬كاف ذكر الديف اإلسبلمي في الدستكر التركي‬
‫‪3‬‬
‫عاـ ‪ 1924‬ـ إثر إلغاء الخبلفة لـ يكف إال مجاراة لؤلفكار القديمة البالية ‪ ،‬كلكف ذلؾ مقضي عميو بالزكاؿ»‬

‫وبناء على منهج أتاتورك للعلمانٌة تم صٌاؼة وإصدار قرارات حول الدٌن اللؽة العربٌة‬

‫« تمنع قراءة القرآف الكريـ ككؿ ما يمت إلى المغة العربية بصمة ‪ ،‬كتـ تتريؾ كؿ ما‬
‫يتعمؽ بالصبلة كغيرىا مف الشعائر اإلس بلمية ‪ ، .‬فأصبح تعمـ القرآف الكريـ أك أم عمـ إسبلمي بالمغة العربية‬
‫جريمة يساؽ صاحبيا إلى المحاكـ بحجة معارضة قانكف الحركؼ البلتينية »‪.4‬‬

‫ولم ٌكتؾ "كمال أتاتورك" بؽلق الزواٌا والتكاٌا والطرق الصوفٌة فحسب ‪ ،‬بل صدر فً ‪25‬‬
‫نوفمبر ‪1925‬م قانون ٌنص على أن جمٌع أعضاء المجلس والموظفٌن والعاملٌن فً جمٌع‬

‫‪ -1‬عضااااااٌد جااااااواد الخمٌسااااااً‪ ،‬مفهوووووووم القوميووووووة التركيووووووة ( الطورانيووووووة) وجوووووورائم االبووووووادة‪ ،‬الحااااااوار‬
‫المتمدن‪،‬العدد‪ .9142،1361‬أنظر الموقع ‪ٌ /http://www.ahewar.org :‬وم ‪.9143-19-92‬‬
‫‪ -2‬أحمااد السااعٌد ساالٌمان ‪ ،‬التيووارات القوميووة والدينيووة فووي تركيووا المعاصوورة ‪ ،‬دار المعرفااة ‪ ،‬القاااهرة ‪4634 ،‬م ‪،‬‬
‫ص‪.31‬‬
‫‪ -3‬محااب الاادٌن الخطٌااب ‪ ،‬أنقوورة والوودين اإلسووالمي ‪ .‬مجلااة الفااتح ‪ ،‬دار المطبعااة الساالفٌة ‪ ،‬القاااهرة ‪ ،‬العاادد ‪36‬‬
‫‪4694،‬م ‪،‬ص ص ‪.959 -951‬‬
‫‪ -4‬سهٌل صابان ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪941‬‬
‫‪- 75 -‬‬
‫المإسسات الرسمٌة والخصوصٌة إكتساء القبعة التً إكتستها األمة و أصبحت ؼطاء الرأس‬
‫المعمم على جمٌع الشعب التركً ‪.‬‬

‫« أف قانكف ‪ 25‬نكفمبر ‪ 1925‬يحديد الزم العممي لرجاؿ الديف فقد أقر المجمس أف‬
‫تككف العبلمة المميزة لزم العمماء العمامة البيضاء كالجبة السكداء ‪ ،‬كأما قانكف لبس القبعة ”‪ " Sapka‬فكاف‬
‫نتيجة أف تحقؽ المظير الغربي الخارجي لمجميكرية التركية ‪ ،‬ككاف الشيكخ كرجاؿ الديف يجبركف عمى إرتداء‬
‫القبعة كىـ عمى أعكاد المشانؽ»‪.1‬‬

‫‪ -1‬إبراهٌم الدسوقً شتا ‪ ،‬الحركة اإلسالمية في تركيا ‪ ،‬الزهراء لئلعبلم العربً للنشار ‪ ،‬القااهرة ‪4653 ،‬م ‪ ،‬ص‬
‫‪.11‬‬
‫‪- 76 -‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬عوائق اإلصالحات والتنظيمات وآثارها‬

‫المطلب األول‪ :‬عوائق اإلصالحات‬

‫الفرع األول ‪ :‬المصاعب المالية‬

‫كانت الدولة العثمانٌة تعانً من مرحلة التنظٌمات وبالتحدٌد بدءا من عام ‪1869‬م ‪ ،‬إذ‬
‫كانت تمثل أخطر أزماتها المالٌة التً كانت تتصاعد سنة بعد سنة‬

‫« عاـ ‪ 1869‬ـ كانت الدكلة تشيد إفبلسا رىيبا ‪ ،‬فقد إرتفع الديف العاـ العثماني إلى‬
‫ما يقارب المميار فرنؾ‪ ،‬ككحؿ ليذه األزمة إتجيت الدكلة نحك التقميؿ مف اإلنفاؽ عمى اإلدارة ك المؤسسة‬
‫العسكرية فإنعكس ىذا بدكره سمبا عمى سمكؾ المكظفيف كالمسؤكليف بقبكليـ الرشاكم كميميـ إلى إختبلس أمكاؿ‬
‫الدكلة»‪.1‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬طبيعة اإلصالح والمصلحين‬

‫تتمثل حقٌقة فً الطبقة المثقفة التً حملت لواء التحدٌث ومناهضة له وبالتالً كانت طبقة تإمن‬
‫بحتمٌة اإلصبلح‪ ،‬لكنها لم تكن ثورٌة بالدرجة الكافٌة ‪ ،‬فبٌنما أدخلت نظم التعلٌم األوربً فً‬
‫مدارس الدولة بقٌت المعاهد الدٌنٌة دون أن تمتد إلٌها ٌد اإلصبلح وبذلك تمٌزت الحٌاة الفكرٌة‬
‫فً الدولة باإلزدواجٌة بٌن التعلٌم القدٌم والتعلٌم الحدٌث ‪.‬‬

‫« ظمت الطبقة المثقفة الجديدة تمثؿ النخبة التي تفصميا عف الجماىير كعف طبقة‬
‫العمم اء ىكة سحيقة ‪ ،‬فبينما كانت طبقة العمماء تعيش عمى التراث الفارسي كالعربي كانت الجماىير تعيش عمى‬
‫قيـ كأساليب بدائية كفي نفس الكقت كانت الطبقة المثقفة تعيش عمى أفكار أكربية باىتة»‪.2‬‬

‫‪ -1‬الؽالً ؼربً ‪ ،‬دراسات في تواريخ الدولوة العثمانيوة والمشورق العربوي ‪19166-1288‬م ‪ ،‬دٌاوان المطبوعاات‬
‫الجامعٌة ‪ ،‬الجزابر ‪9114 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.431‬‬

‫‪ -2‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.434‬‬


‫‪- 77 -‬‬
‫الفرع الثالث ‪ :‬الجهل‬

‫من الصعوبات الداخلٌة التً كانت تمثل عابقا فً وجه هاته اإلصبلحات تمثلت فً الجهل‬
‫وؼلبته فً المجتمع العثمانً ما عدا فبة قلٌلة ‪ ،‬زٌادة على ندرة المتعلمٌن الذٌن ٌتفقهون‬
‫اإلصبلح وٌإمنون بؤهمٌته فً إنقاذ الدولة وٌتجلى لنا ذلك من خبلل مإشرات تثبت هذا الجهل‬
‫فً الدولة والتً تمثلت فً إفتقاد الدولة ألخصابٌٌن فً جمٌع األصعدة خاصة المجال اإلقتصادي‬
‫الذي تمٌز بالتدهور ‪.‬‬

‫« إفتقاد الدكلة إلى الخبراء المالييف كاإلقتصادييف الذيف يتفادكف األخطاء المالية التي‬
‫أرتكبت ‪ ،‬كإنخفاض قيمة العممة كتفاقـ التضخـ كاصدار عممة كرقية دكف تغطيتيا بحسب األصكؿ العممية‬
‫المتعارؼ عمييا»‪.1‬‬

‫باإلضافة إلى ذلك ولطبٌعة النظام اإلقطاعً التقلٌدي الموجود كان هناك معارضة الطبقات‬
‫اإلقطاعٌة التً كان وجودها ٌعتمد على النظام اإلقطاعً واإلجتماعً التقلٌدي وبالتالً الحرص‬
‫الشدٌد على مصالحها القابمة إلعتبارهم أن أي تؽٌٌرات قانونٌة أو سٌاسٌة ٌمكن أن تعرض‬
‫وضعها إلى الخطر‬

‫« معارضة الطبقة اإلقطاعية ليذا راح رمكز ىذه الطبقة كالشريحة اإلجتماعية المتنفذة‬
‫في دكاليب الدكلة بإفتعاؿ األزمات الداخمية لعرقمة تطبيؽ ىذه التنطيمات»‪.2‬‬

‫الفرع الرابع ‪ :‬المركزية الحكومية‬

‫كانت التنظٌمات تهدؾ أساسا إلى مركزة السلطة العثمانٌة عبر إضعاؾ وسابط السلطة المحلٌة‬
‫فٌها وتحوٌل هذه الوسابط إلى وظابؾ إدارٌة متخصصة ومرتبطة إرتباطا وثٌقا بالقرار‬
‫المركزي الصادر عن اآلستانة‬

‫‪ -1‬أحمد طربٌن‪ ،‬تاريخ المشرق العربي المعاصر‪ ،‬مطبعة طربٌن للنشر والتوزٌع ‪ ،‬دمشق‪4654 ،‬م‪ ،‬ص ‪.929‬‬
‫‪ -2‬وجٌااه كااوثرانً‪ ،‬السوولطة والمجتمووع والعموول السياسووي موون توواريخ الواليووة العثمانيووة فووي بووالد الشووام‪ ،‬مركااز‬
‫الدراسات الوحدة العربٌة للنشر والتوزٌع ‪ ،‬بٌروت ‪4655 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.51‬‬
‫‪- 78 -‬‬
‫« كاف اليدؼ كراء التنظيمات اإلستغناء كالتخمص مف المكاقع كاألدكار التي كاف يقكـ‬
‫بيا األعياف كالعمماء كالمشايخ كمشايخ الحرؼ كالنقباء»‪.1‬‬

‫ؼٌر أن الدولة فشلت فً بناء إدارة مركزٌة قادرة على تلبٌة إتساع السلطة وعلى إنشاء‬
‫عساكر نظامٌة قادرة على تؽطٌة أمن كل الوالٌات وعلى إقامة شبكة من المواصبلت التً‬
‫تإمن سرع ة اإلنتقال لٌس للسلع وحسب وإنما أٌضا بشكل أساسً سرعة وصول القرار اإلداري‬
‫وتنفٌذه ‪ ،‬لذلك كانت المعاناة وعلى رأسها القصور الحكومً المركزي وشكواه من سوء‬
‫التطبٌق والبطء وفساد اإلدارة ‪ٌ ،‬شدد على عنصر من عناصر أزمة التنظٌمات وهو عدم أخذها‬
‫مبدأ التنوع اإلجتماعً و الجؽرافً والعرقً فً الببلد العثمانٌة بعٌن اإلعتبار‪.‬‬

‫الفرع الخامس ‪ :‬اإلمتيازات الخارجية‬

‫لم تمس اإلصبلحات النظام الداخلً فقط بل تعدت ذلك ومست النظام الخارجً فٌما ٌخص‬
‫اإلمتٌازات األوربٌة فقد فتحت أبواب السلطنة على مصراعٌها أمام الدول األوربٌة لممارسة‬
‫أنشطتها اإلقتصادٌة والسٌاسٌة والتبشٌرٌة ‪.‬‬

‫« ترسيخ اإلمتيازات األجنبية القديمة كتكسع إطارىا في مختمؼ مجاالت الحياة العامة‬
‫السياسية كاإلقتصادية كالثقافية كاإلجتماعية كىذا كمو أدل إلى مزيد مف التغريب الذم إستفادت منو فئات‬
‫‪2‬‬
‫إجتماعية غير إسبلمية كالتي سكؼ يحتؿ البعض منيا مكاقع ميمة في الييكمة اإلدارية الجديدة»‬
‫ومن هنا ٌمكن أن نبلحظ أن الرأسمال األجنبً ومدى تؤثٌره داخل الدولة العثمانٌة حٌث بدأ‬
‫ٌتؽلؽل فً السلطنة ومنه إدخال النظام األوربً والقروض األجنبٌة لٌسٌطر بفضل نظام‬
‫اإلمتٌازات على صادرات الدولة ووارداتها وعلى البنوك والسكك الحدٌدٌة والمرافق الحٌوٌة‬
‫األخرى كمصادر الطاقة والمٌاه والتعدٌن العثمانً‪ ،‬لنرى فٌما بعد إكتسب الرأسمال األجنبً‬
‫السٌطرة على صادرات اإلمبراطورٌة ووراداتها وسككها الحدٌدٌة وموانبها وإمداداتها الطاقٌة‬
‫والمٌاه ومصادر تعدٌنها وأصبح الحصول على عقود إمتٌاز للمناجم والسكك الحدٌدٌة سهبل‪.‬‬

‫‪ -1‬مصطفى أحمد عبد الرحٌم ‪ ،‬في أصول التاريخ العثمواني ‪ ،‬دار الشاروق للطباعاة والنشار‪ ،‬بٌاروت‪4659 ،‬م‪،‬‬
‫ص ‪.455‬‬
‫‪ -2‬وجٌه كوثرانً‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.51‬‬
‫‪- 79 -‬‬
‫«بعد رفع الحضر عمى بيع األراضي لؤلجانب عاـ ‪1867‬ـ إستخداـ اإلمتيازات كمضمة‬
‫لمتدخؿ في شؤكف الدكلة مما يبيف اإلحتكاؾ بالعالـ الغربي كالتعرؼ عمى أنظمتو السياسية الغربية كاقتباس‬
‫مفاىيـ جديد كالحرية كالديمقراطية كالدستكر كاإلستفادة مف التطكر السياسي كاإلقتصادم كالعسكرم الذم كصؿ‬
‫‪1‬‬
‫إليو الغرب»‬

‫الفرع السادس ‪ :‬الحروب الخارجية‬

‫إهتمام الدولة العثمانٌة بما ٌعرؾ بالحروب البلقانٌة وبالتالً عدم االهتمام بالجانب اإلصبلحً‬
‫التً كانت تقوم به‪.‬‬

‫« أدل إنشغاؿ الدكلة العثمانية بالثكرات البمقانية التي كانت تدعميا كتؤازرىا الدكؿ األكربية‬
‫خاصة ركسيا ‪ ،‬إلى إنصراؼ الدكلة عف التركيز عمى مشاريع اإلصبلح كالى التفكير في الدفاع عف كالياتيا ‪،‬‬
‫فصار الباب العالي مع كجكد ىذه اإلرتباكات كاألخطار الخارجية كالحركب مضطر إلى أف يستخدـ في‬
‫المجيكد اإلستعداد لمدفاع عف جميع مكاردىا كما عندىا مف ماؿ إلصبلح الحاؿ كلـ تركز عمى تنظيـ‬
‫األحكاـ»‪.2‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬آثار التنظيمات ونتائجها‬

‫من أهم اآلثار التً ترتبت عن تطبٌق اإلصبلحات و التنظٌمات تلك التً مست صبلحٌات‬
‫القاضً وتقلٌصها وبالتالً تقلٌص دوره فً الحٌاة السٌاسٌة فً المجتمع العثمانً‬

‫« تقميص صبلحيات القاضي التي يتمتع بيا بمكجب النظاـ الشرعي كالعرفي القديـ‬
‫‪ ،‬فقد تقمص مكقعو ىنا إلى كظيفة إدارية "مفتش" ‪ ،‬كلـ يبؽ مف صبلحياتو الشرعية الكاسعة سكل حؽ‬
‫النظر في األحكاؿ الشخصية لممسمميف العثمانييف»‪.3‬‬

‫« ترسيخ اإلمتيازات األجنبية القديمة كتكسع إطارىا في مختمؼ مجاالت الحياة‬


‫العامة السياسية كاإلقتصادية كالثقافية كاإلجتماعية كىذا كمو أدل إلى مزيد مف التغريب الذم إستفادت منو‬
‫فئات إجتماعية غير إسبلمية كالتي سكؼ يحتؿ البعض منيا مكاقع ميمة في الييكمة اإلدارية الجديدة»‪. 1‬‬

‫‪ -1‬أنظر الموقع ‪ٌ http://www.ouarsenis.com :‬وم ‪9143-19-92‬‬


‫‪ -2‬أحمد طربٌن ‪،‬تارٌخ المشرق العربً المعاصر ‪ ،‬مطبعة طربٌن للنشر والتوزٌع ‪ ،‬دمشق‪4654 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.929‬‬
‫‪ -3‬حرب خوري ‪ ،‬طبيعة السلطة السياسية وتوزعها في دمشق ‪1998-1869‬م ‪ ،‬ص ص ‪.132-124‬‬
‫‪- 80 -‬‬
‫رؼم أن منشور التنظٌمات ‪1856‬م أقر مبدأ المساواة بٌن جمٌع الفبات بؽض النظر عن‬
‫إنتماباتها من ؼٌر المسلمٌن ‪ ،‬إال أن الحكومة لم تستطع أن تطبق هذا المبدأ تطبٌقا مطلقا‬

‫« منشكر التنظيمات ‪1856‬ـ مبدأ المساكاة بيف تبعة الدكلة فقد ظمت الخدمة‬
‫العسكرية مقصكرة عمى المسمميف دكف غيرىـ بينما دفع المسيحيكف البدؿ كما ظمت الكظائؼ العامة‬
‫‪2‬‬
‫بصفة عامة كالسيما اإلدارية كالقضائية محصكرة في يد المسمميف»‬

‫إستمرار الدول األوربٌة بالتحجج و اإلدعاء بحماٌة الطوابؾ المسٌحٌة وزٌادة ترابط‬
‫الطوابؾ المسٌحٌة بفعل القوانٌن التً أصدرتها الدولة من أجل تنظٌم شإون البطرقٌات‬
‫واألسقفٌات وتكوٌن المجالس الملٌة كما أشرنا سابقا اإلمتٌازات األجنبٌة الدٌنٌة التبشٌرٌة‬

‫عرفت الحركة الفكرٌة والتعلٌمٌة إنتعاشا ملحوظا وذلك بسبب إنتشار موجة المدارس التً‬
‫هدفت الدولة من ورابها تخرٌج ضباط عسكرٌٌن وموظفٌن مدنٌٌن ٌساهمون فً تكوٌن‬
‫الجهازٌن العسكري واإلداري وهكذا تمكنت من التدخل فً شإونها‪.‬‬

‫« أكثرت الدكلة مف إنشاء المدارس الحديثة السيما العسكرية منيا كرغـ مساىمة‬
‫الدكلة في إنشاء المدارس المدنية إال أف نشاط الجمعيات كاإلرساليات التبشيرية الكاثكليكية كالبركتستانية‬
‫كاف قكيا في مجاؿ الثقافة كالتعميـ»‪. 3‬‬

‫كما تم خلق إزدٌاد اإلحساس باإلنتماء إلى الحضارة وإلى األمة العربٌة وهكذا ساهمت‬
‫التنظٌمات الخٌرٌة فً حركة الٌقظة الوطنٌة العربٌة واإلسبلمٌة‪.‬‬

‫« كانت التنظيمات أكؿ أعتراؼ رسمي بالمساكاة المدنية كاإلجتماعية بشكؿ كاسع‬
‫بيف جميع الرعايا الدكلة العثمانية أسيمت في الكقت نفسو في إزدياد التكتؿ الطائفي عندما منحت‬
‫‪1‬‬
‫لرجاؿ الديف صبلحيات كثيرة مكنتيـ مف صيانة مفاىيميـ الطائفية»‬

‫‪ -1‬وجٌه كوثرانً‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.51‬‬


‫‪ -2‬محمااد أنااٌس ‪ ،‬الدولووة العثمانيووة والشوورق العربووي ‪1914-1514‬م ‪ ،‬مكتبااة األنجلااو مصاارٌة للنشاار‪ ،‬القاااهرة‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪4669 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.945‬‬
‫‪ -3‬محمد أنٌس ‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.945‬‬
‫‪- 81 -‬‬
‫« زاد تطمع مختمؼ الممؿ نحك أكربا كؿ بحسب ميكليا كمبشرييا لتحقيؽ مزيد مف‬
‫المكاسب اإلجتماعية كاإلقتصادية بكاسطتيا»‪.2‬‬

‫فبالرؼم من التقصٌر الذي أصاب تطبٌق التنظٌمات عملٌا إال أن الدولة العثمانٌة طبقت إلتزاماتها‬
‫تجاه رعاٌاها من ؼٌر المسلمٌن التً وردت فً منشور كلخانة ‪ ،‬فٌما ٌتعلق بؤمنٌة الروح‬
‫والشرؾ والمال ‪ .‬إذ أبطلت عادة مصادرة األموال ووضع حد لتلك التعسفات التً كانت تصدر‬
‫من الوالة والباشوات وضباط اإلنكشارٌة وبذلك تمتع الرعاٌا بما فٌهم المسٌحٌون والٌهود بما‬
‫ٌملكون علنا ‪ ،‬بعد أن كانوا ٌضطرون إلى إخفاء ثرواتهم والتظاهر بالفقر ‪ ،‬كما تمتعوا بحرٌة‬
‫أكثر من ذي قبل‪.‬‬

‫رؼم كل النعوت واألوصاؾ السلبٌة التً توجه إلى عصر السلطان " عبد الحميد الثاني" من‬
‫طرؾ المدرسة التارٌخٌة الؽربٌة وإجماع رموزها على إعتباره من أحلك عصور الدولة‬
‫العثمانٌة ‪ ،‬إال أن حركة اإلصبلحات لم تتوقؾ فً عهده بل شهدت تطورا ملحوظا وبخاصة فً‬
‫مجال التعلٌم فقد زاد عدد المدارس التعلٌم الحدٌث وعدد طلبتها وكانت ملكٌة المإسسة األولى‬
‫للتعلٌم العالً والتً ظلت مركزا فكرٌا مهما ‪ ،‬موببل لؤلفكار الحرة المعادٌة لئلستبداد ‪ ،‬زٌادة‬
‫على هذا أنشؤ حوالً ثمانٌة عشر مكتبا حدٌثا لمختلؾ الصنابع والعلوم والفنون كالمالٌة‬
‫والحقوق والفنون الجمٌلة والتجارة والهندسة المدنٌة والبٌطرة والشرطة والجمارك والطب‬

‫« أفتتح أكؿ جامعة في الدكلة العثمانية ىي "دار الفنون" كاف مقرىا اآلستانة ‪،‬‬
‫أما في ميداف القكانييف فقد صدر في عيده أربعة قكانيف ميمة إثناف منيا يتعمقاف بتنظيـ المحاكـ كالباقياف‬
‫باإلجراءات المدنية ‪ ،‬أما القكات العسكرية العثمانية كانت مف أكلى األكلكيات التي إىتـ بيا السمطاف فقد زكد‬
‫ىذه ال قكات بالخبرة األجنبية مف خبراء كمدربيف مف الدكؿ األكربية كبصفة خاصة مف ألمانيا ‪ ،‬التي أرسؿ إلى‬

‫‪ -1‬أمٌل ثوما ‪ ،‬تاريخ مسيرة الشعوب العربية الحديث ج‪ ، ، 4‬دار الفارابً للطباعاة والنشار‪ ،‬بٌاروت ‪4646 ،‬م ‪،‬‬
‫ص ‪.54‬‬
‫‪ -2‬محمد مخزوم ‪ ،‬أزمة الفكر ومشكالت السلطة السياسية في المشرق العربي في عصر النهضة ‪ ،‬معهد اإلنمااء‬
‫العربً للطباعة والنشر ‪ ،‬بٌروت ‪4653 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫‪- 82 -‬‬
‫كمياتيا عدد مف الضباط العثمانييف لمتابعة الدراسة فييا كنشطت حركة ترجمة الكتب ذات الطابع العسكرم مف‬
‫طرؼ الضباط العثمانييف مف المغات األكربية إلى التركية»‪.1‬‬

‫كذلك فً عهد " عبد الحمٌد الثانً" تمٌز باإلستثمار وبالتالً إرتفاع الرأسمال األجنبً‬

‫«إزداد حجـ رؤكس األمكاؿ األجنبية التي إستغمت في إستثمار مكارد الدكلة‬
‫اإلقتصادية»‪.2‬‬

‫المطلب الثالث ‪:‬اآلثار اإليجابية كل من الجامعة االسالمية وخط سكة حديد الحجاز‬

‫نبلحظ من خبلل تتبع التارٌخ العثمانً أن فترة "السلطان عبد الحمٌد الثانً" كانت فترة تمتاز‬
‫بالضعؾ والتراجع واإلنعاكاسات السلبٌة على جمٌع األصعدة منها السٌاسٌة واإلقتصادٌة‬
‫واإلجتماعٌة وحتى الثقافٌة والدٌنٌة إال أنه ال ٌمكن التؽاضً عن ما حققه السلطان من إنجازات‬
‫كانت لها تؤثٌراتها اإلٌجابٌة داخل الوسط المجتمع التركً وعلى بلدان العالم اإلسبلمً‬
‫كمشروعً " الجامعة اإلسبلمٌة " و" السكة الحدٌدٌة الحجازٌة اللشامٌة" كانت من بٌن‬
‫اإلنجازات الهامة واإلٌجابٌة على الصعٌد اإلسبلمً العثمانً وللعالم اإلسبلمً كافة ‪ ،‬لذلك‬
‫سؤحا ول أن ابٌن الجوانب اإلٌجابٌة لهذٌن المشروعٌن فً عهد السلطة الحمٌدٌة فً وسط وصفه‬
‫المإرخٌن لتارٌخ الدولة العثمانٌة بؤحلك مراحل الدولة العثمانٌة ونهاٌة عهدها ‪.‬‬

‫الفرع األول ‪" :‬عبد الحميد الثاني "والجامعة اإلسالمية‬

‫فكر السلطان عبد الحمٌد فًِ قٌام الجامعة اإلسبلمٌة ‪ ،‬وما دفعه إلى ذلك أسباب من أهمها أن‬
‫دولة الخبلفة العثمانٌة كانت تمر فًِ ذلك الوقت بؤسوأ مراحل تارٌخها ‪ ،‬فإن نفوذها على العالم‬
‫اإلسبلمً بدأ ٌنكمش ‪ ،‬ودورها القٌادي أخذ ٌتقلص‪ .‬ووسط األحداث التً هزت كٌان الدولة‬
‫العثمانٌة رأى السلطان عبد الحمٌد فقد أقر باقامة جامعة إسبلمٌة تعٌد لم شمل العالم االسبلمً‬

‫‪ -1‬الؽالً الؽربً ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪431‬‬


‫‪ -2‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.431‬‬
‫‪- 83 -‬‬
‫« رأل استغبلؿ الكازع الديني ِفي ىذه الببلد ليقيـ عميو مشركعا يحيي بو الخبلفة‬
‫اإلسبلمية ِفي األستانة مرة أخرل ‪ .‬مف ىنا كانت دعكة السمطاف عبد الحميد لقياـ فكرة " الجامعة اإلسبلمية "‬
‫كرابطة دينية تجمع المسمميف ِفي شتى العالـ بعامة كفي المشرؽ اإلسبلمي بخاصة ِفي جبية كاحدة ‪ .‬كىذه‬
‫الجبية تعمؿ تحت قيادة الخبلفة ِفي األستانة " لتستظؿ بظميا ‪ ،‬كلتعتصـ بأمنيا»‪. 1‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬الجامعة اإلسالمية وإنعكاساتها عل الجانب الديني‬

‫من الجانب الدٌنً كانت " الجامعة اإلسالمية " قد قوت من شوكة السلطان " عبد الحمٌد الثانً "‬
‫بإعتباره ممثل المسلمٌن ورافع لواء الجامعة ‪ ،‬وقد رأت أوربا بؤن السلطان إستطاع إستؽبلل‬
‫المشاعر الدٌنٌة عند رعاٌاه خاصة وعند المسلمٌن عامة وبواسطة هذا اإلستؽبلل ٌستطٌع أن‬
‫ٌهدد ا لنفوذ األوربً لٌس فً المناطق العثمانٌة فحسب بل أٌضا فً المناطق اإلسبلمٌة الخاضعة‬
‫مباشرة للحكومات األوربٌة‬

‫« بدأ السمطاف ييدد الدكؿ األكربية بنصرة اإلسبلـ لمنصب الخبلفة ‪ ،‬فالمسممكف في‬
‫ألبانيا ييدد بيـ النمسا كالمسممكف التتر كاألكراد ي يدد بيـ ركسيا كالمسممكف في اليند ييدد بيـ إنجمت ار كالمممكف‬
‫في الغرب ييدد بيـ فرنسا»‪.2‬‬

‫« كما أنو أدل بو األمر إلى اإلنتساب إلى أحد الطرؽ الصكفية اإلسبلمية إلرضاء‬
‫نزعات بعض المسمميف ككسب تأييدىـ»‪.3‬‬

‫‪ -1‬محمد المعتصم ‪ ،‬الدعوة اإلصالحية في الجزيرة العربية وحركة الجامعة اإلسالمية ‪ ،‬مجلة البحاوث اإلسابلمٌة‬
‫‪ ،‬الرٌاض ‪ ،‬المملكة العربٌة السعودٌة ‪ ،‬العدد ‪ 4644 ، 9‬م ‪ ،‬ص ‪.933‬‬
‫‪ -2‬محمد أنٌس ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.919‬‬
‫‪ -3‬حبلق حسن ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.941‬‬
‫‪- 84 -‬‬
‫الفرع الثالث ‪ :‬دور الطرق الصوفية إتجاه الجامعة االسالمية‬

‫« يعتقد أف السمطاف عبد الحميد الثاني تبنى فكرة الجامعة اإلسبلمية ‪ ،‬بعد أف تبنى‬
‫أفكار أبرز دعاة العالـ االسبلمي حينيا ممف حمؿ ىذا المشركع كىـ ‪" :‬نامق كمال" في المجتمع التركي‬
‫‪1‬‬
‫ك"جمال الدين األفغاني" ك"محمد عبده" في العالميف العربي كاالسبلمي»‬
‫وأخذ السلطان عبد الحمٌد الثانً على عاتقه تنفٌذ هذه الفكرة عملٌا لكن هناك رأي آخر‬

‫« بغض النظر عف أىدافو األخرل التي تسعى الى تثبيت حكمو كحكـ بني عثماف كالتي‬
‫تعتبر ىدفو األساس في الكقت نفسو الذم دعت الطرؽ الصكفية إلى إعطاء مسحة مقدسة لمسمطاف فيك في‬
‫نظرىـ شخصية دينية جميمة ال يجكز أف تطاليا يد النقد كالتجريح‪ ،‬كىك رمز لكحدة المسمميف‪ ،‬كعزتيـ كفخرىـ‪،‬‬
‫كحامي الشريعة اإلسبلمية ‪ ،‬كالقيـ عمى تنفيذىا»‪.2‬‬

‫«بدأت الدعكة إلى الجامعة اإلسبلمية في النصؼ الثاني مف القرف التاسع عشر‪،‬‬
‫مف خبلؿ عدد مف المفكريف المسمميف الذيف دعكا إلى كحدة المسمميف في كفاحيـ ضد الغزاة كقياـ نيضة‬
‫حقيقية في كؿ المياديف‪ ،‬تعتمد مبادئ االسبلـ كالعمـ الحديث كالتربية المعاصرة كالتجديد في مختمؼ جكانب‬
‫ككاف أبرز ىؤالء ‪ :‬جماؿ الديف االفغاني‪،‬كالشيخ محمد عبده‪،‬كمحمد رشيد رضا‪ ،‬كعبد الرحمف‬ ‫الحياة‬
‫الككاكبي‪ ،‬كالطيطاكم كغيرىـ»‪.3‬‬

‫الفرع الرابع ‪ :‬أسباب إعتماد السلطان عل الطرق الصوفية‬

‫لقد حاول السلطان "عبد الحميد الثاني " من أن ٌستفٌد من هذه الفبات من المتنورٌن من جهة‬
‫والصوفٌة من جهة ثانٌة لصالح تمتٌن حكمه‪ ،‬لقد كانت سٌاستة تمتاز بالحنكة حاولت جمع‬
‫المتناقضات داخل العالم االسبلمً ووضعها فً خدمة السلطان‪ .‬وبالتالً معرفة الدور الذي‬

‫‪ -1‬ساامٌر أبااو حماادان‪ ،‬جمووال الوودين األفغوواني وفلسووفة الجامعووة االسووالمية‪ ،‬دار الكتاااب العااالمً للنشاار والتوزٌااع‪،‬‬
‫بٌروت ‪ ،4669 ،‬ص ‪.45‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Bernard lewis ,The Ottman Empire in the Mid Nineteenth Century , a review‬‬
‫‪Middle Eastern Studies, vol 4 , 1965, p3‬‬
‫‪ -3‬محمد جبلل كشك‪ ،‬القومية والغزو الفكري‪ ،‬مكتبة االمل‪ ،‬الكوٌت ‪ ،‬ب سنة‪ ،‬ص‪.469‬‬
‫‪- 85 -‬‬
‫قامت به الطرق الصوفٌة تجاه الجامعة االسبلمٌة فً هذه الظروؾ الصعبة التً تواجه السلطنة‬
‫العثمانٌة وبالتالً معرفة األسباب التً دفعت بالسلطان عبد الحمٌد الثانً إلى إعتماده على‬
‫الطرق الصوفٌة ‪.‬‬

‫من أبرز األسباب ماٌلً ‪:‬‬

‫« كانت السمطنة تتعرؼ عمى الرأم العاـ اإلسبلمي مف خبلؿ شيكخ ىذه الطرؽ‬
‫في مختمؼ أنحاء العالـ اإلسبلمي مف ببلد تركستاف حتى شماؿ إفريقيا أف الدكلة العثمانية كانت تعتمد‬
‫عمى بعض الشيكخ الصكفية في تمتيف عبلقتيا مع المسمميف كخصكصا في األماكف التي كاف يراد فتحيا‬
‫‪.‬حيث كانكا يؤدكف دك ار إعبلميا دعائيا لمسمطنة إتخذ السمطاف "عبد الحميد الثاني" مف ىؤالء المتصكفة‬
‫متطكعيف لخدمة سياستو كشكؿ رابطة بيف مقر الخبلفة‪" .‬إستانبكؿ" كبيف تكايا كزكايا الطرؽ في كافة أنحاء‬
‫العالـ االسبلمي‪ .‬ككاف السمطاف قد تأثر شخصيا بالتصكؼ كبالتحديد بالطريقة الشاذلية‪ ،‬حيث كاف لشيخيا‬
‫‪1‬‬
‫محمكد أبك الشامات مكانة خاصة لديو إستمرت حتى كفاتو»‬

‫ولعل أن نزعته التصوفٌة ومٌله للمشاٌخ وفضولٌته للتنبإ بالمستقبل وتعلقه بهم ساعده فً‬
‫إستقطاب عدد منهم‪ .‬لقد قرب السلطان عبد الحمٌد إلٌه مجموعة من شٌوخ الطرق الصوفٌة من‬
‫أمثال الشٌخ "أبً الهدى الصٌادي" من حلب والشٌخ "محمد ظافر المدنً" من طرابلس الؽرب ‪.‬‬
‫والشٌخ "سعٌد" من حمص‪ ،‬والشٌخ "أحمد القٌصرلً" من المدٌنة المنورة و"فضل العلوي" من‬
‫حضرموت ‪.‬‬

‫«تكسع نفكذ " أبك اليدل الصيادم" إلى الشؤكف السياسية كاالدارية‬
‫كالعسكرية‪،‬ككانت لو أعيف تأتيو بكؿ األخبار‪ ،‬كمما زاد في نفكذه اعتقاد السمطاف عبد الحميد الثاني أف أبا‬
‫اليدل كاف أحد الشيكخ الكبار لمطريقة الرفاعية»‪.2‬‬

‫‪ -1‬محمد حرب سلطان‪ ،‬عبد الحميد الثاني آخر سالطين العثمانيين الكبار‪ ،‬دار القلم للنشر‪ ،‬دمشق ‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪4661 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.462‬‬
‫‪ -2‬عبد العزٌز محمد الشاناوي‪ ،‬الدولوة العثمانيوة دولوة إسوالمية مفتورى عليهوا ‪ ،‬مكتباة األنجلاو مصارٌة ‪،‬القااهرة‪،‬‬
‫‪4651‬م‪ ،‬ص ‪.941‬‬
‫‪- 86 -‬‬
‫وبالفعل فإن "أبا الهدى" بصفته شٌخا للرفاعٌة ومرشدا للسلطان "عبد الحمٌد الثانً"‪،‬وضع تحت‬
‫تصرفه عددا كبٌرا من الوعاظ الذٌن كانوا ٌجوبون المشرق وٌزرعون بٌن سكانه الدعوة‬
‫للطرٌقة الرفاعٌة ولتؤٌٌد السلطة العثمانٌة ‪.‬‬

‫كما إعتمد على أحد كبار أش راؾ مكة "الشرٌؾ عون " الذي كان عضوا فً الطرٌقة الرفاعٌة‬
‫‪ .‬وقد نجح هذا األخٌر فً التوصل إلى منصب " شٌخ شٌوخ الطرق “ وبالتالً إستطاع أن‬
‫ٌستقطب أتباع الزواٌا المعارضة له حول فكرة الخطر األوروبً على اإلسبلم وضرورة التكتل‬
‫ضد هذا الخطر‪.‬لٌصبح شرٌؾ مكة عبر هذا التنظٌم المساعد المخلص للشٌخ أبً الهدى‬
‫الصٌادي ‪،‬والخادم األمٌن للسلطان‪ .‬ومن جهة أخرى كان لشرٌؾ مكة تؤثٌره الكبٌر على‬
‫الحجاج حٌث أرسل إلٌهم المرشدٌن ٌدعون للجامعة اإلسبلمٌة ولقابدها السلطان العثمانً وهكذا‬
‫أصبحت مكة المكرمة بفضل شرٌفها و "مرشدي الحجاج" وبفضل منصبه كشٌخ للطرق‪ .‬محورا‬
‫للسٌاسة اإلسبلمٌة المعاصرة‪ .‬وهذا ملخص عن فكر محمد الشناوي‬

‫« إعتمد عمى أحد كبار أشراؼ مكة "الشريؼ عكف " الذم كاف عضكا في الطريقة‬
‫الرفاعية ‪ ،‬فمف ىناؾ إنتشرت ىذه الدعكات‪ ،‬كانتقمت إلى العالـ االسبلمي كمو‪ ،‬عبر الحجاج الذيف نقمكا إلى‬
‫ببلدىـ بذرة الحمـ الكبير الذم كاف يدغدغ مخيمة السمطاف "عبد الحميدالثاني " في جمع شمؿ كممة العالـ‬
‫اإلسبلمي مف جديد حكلو كاعادتيـ إلى كنؼ الدكلة تحت شعار الجامعة االسبلمية»‪.1‬‬

‫وقد بلؽت مكانة الشٌخ "أبً الهدى الصٌادي" عند السلطان ‪،‬أن السلطان كان ال ٌرفض له أمرا‬
‫حتى رسخ فً ذهن معاصرٌه أنه صاحب الكلمة األولى عنده ‪ .‬وقد وصؾ "أحمد الشوابكة"‬
‫نشاط الطرق الصوفٌة فً تنفٌذ سٌاسة الجامعة اإلسبلمٌة ومقاومة اإلستعمار األوروبً‪ ،‬وتعببة‬
‫األهالً ضد المستعمرٌن وخصوصا فً شمال إفرٌقٌا ‪ .‬فتحدث عن أسلوب المقاومة السرٌة التً‬
‫نفذها أتباع الطرق الصوفٌة ومرابطو الزواٌا‪ ،‬وذكر أن هذه المقاومة كانت تدار من قبل لجنة‬
‫مركزٌة فً العاصمة "إستانبول" تتؤلؾ من مجموعة من علماء الدٌن ومشاٌخ الطرق الصوفٌة ‪.‬‬

‫‪ -1‬أحمد الشوابكة ‪ ،‬حركة الجامعة االسبلمٌة‪ ،‬ص ‪933 .‬‬


‫‪- 87 -‬‬
‫«كجكد ىيئات فرعية تعمؿ في أقاليـ مختمفة مف الدكلة العثمانية أبرزىا تمؾ المكجكدة‬
‫في مكة المكرمة كالتي كانت تعمؿ تحت إشراؼ شريؼ مكة كتنشط في مكسـ الحج لنشر فكرة الجامعة‬
‫اإلسبلمية بيف الحجاج‪ .‬كأخرل في بغداد‪ ،‬ككانت تنشط بيف القادميف مف شماؿ أفريقيا لزيارة ضريح الشيخ‬
‫عبد القادر الجيبلني‪ ،‬كقد قد ر عددىـ في إحدل السنكات بخمس كعشريف ألفا ‪ ،‬لقد سعت ىذه الطرؽ الصكفية‬
‫المكالية لسياسية الجامعة اإلسبلمية كالشاذلية كالقادرية كالمدنية الى مكاجية المستعمر الفرنسي في شماؿ‬
‫افريقيا كتعبئة األىالي ضده»‪.1‬‬

‫كما كان للدور الذي قامت به الطرٌقة السنوسٌة فً تعاطفها مع الدولة العثمانٌة‪ ،‬وتؤٌٌد السٌاسة‬
‫اإلسبلمٌة التً إ نتهجها السلطان عبد الحمٌد‪ ،‬ذلك أن السنوسٌٌن كانوا ٌنظرون إلى الخبلفة‬
‫العثمانٌة على أنها ضرورة دٌنٌة وسٌاسٌة‪.‬‬

‫وقد راسل السلطان "عبد الحمٌد الثانً" "محمد المهدي السنوسً" طالبا إلٌه المساعدة فً‬
‫الوقوؾ بوجه األوروبٌٌن مذكرا إٌاه بواجبه إتجاه الخبلفة ‪.‬‬

‫« كقد كثرت المراسبلت بيف اإلثنيف فردا عمى بعثة السنكسي إلى "عبد الحميد الثاني"‬
‫في أيمكؿ ‪ 1895‬أرسؿ عبد الحميد صادؽ المؤيد مرة ثانية إلى الكفرة مزكدا باليدايا التي ىي عبارة عف‬
‫صحيح البخا رم كساعة كلكي يطمئف السنكسي السمطاف "عبد الحميد الثاني" إلى سبلمة نكاياه أرسؿ الشيخ عبد‬
‫العزيز العيساكم مف المتصكفيف السنكسييف في أيمكؿ ‪ 1895‬إلى األستانة حيث أكد كالء الشيخ الميدم‬
‫لمسمطاف كتأييده لمسمطنة»‪.2‬‬

‫وذكرت المصادر أن السلطان عبد الحمٌد أرسل قافلة من المتصوفة إلى الهند حٌث عملت هناك‬
‫على تدعٌم فكرة الخبلفة العثمانٌة‪ ،‬ومحاربة الدعاٌة البرٌطانٌة الداعٌة إلى جعلها للعرب‪ ،‬وقد‬
‫زارت هذه القافلة بعض حكام شبه الجزٌرة العربٌة وال سٌما الحجاز طالبة تؤٌٌد هإالء الحكام‬
‫للسلطان عبد الحمٌد فً سٌاسته الداعٌة إلى الجامعة اإلسبلمٌة‬

‫‪ -1‬احمد الشوابكة ‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.931-939‬‬


‫‪ -2‬محمد فإاد شكري ‪,‬السنوسية دين ودولة ‪ ،‬مركزالدراسات اللٌبٌة للنشر ‪ ،‬إكسفورد ‪9119 .‬م ‪ ,‬ص ‪.53-52‬‬
‫‪- 88 -‬‬
‫« ىناؾ إتصاالت جرت بيف السمطاف "عبد الحميدالثاني" بكصفو رئيسا لمجامعة‬
‫‪1‬‬
‫اإلسبلمية‪ ،‬كتجمعات الطرؽ الصكفية كشيكخيا في تركستاف كجنكب افريقيا كالصيف»‬

‫نستنتج من خبلل ما تقدم أن فكرة "الجامعة اإلسبلمٌة" لقت فً عهد االسلطان "عبد‬
‫الحميد الثاني " رواجا و نجاحا الفتا وهذا ال ٌخلوا من أنها واجهت صعوبات من قبل الرافضٌن‬
‫لها كفكرة دٌنٌة ‪ .‬بالرؼم من ذلك فإن الطرق الصوفٌة لعبت دورا بارزا فً نجاح فكرة الجامعة‬
‫اإلسبلمٌة والعمل على نشرها ‪ .‬وقد شعرت الدول األوروبٌة بؤن السلطان "عبد الحمٌدالثانً"‬
‫قد إستطاع إستؽبلل مشاعر المسلمٌن الدٌنٌة وأن بإستطاعته أن ٌهدد النفوذ االوروبً فً‬
‫المناطق العثمانٌة والمناطق اإلسبلمٌة الخاضعة للسٌطرة األوروبٌة‪ ،‬فهو قد هدد عبر حركة‬
‫الجامعة اإلسبلمٌة النمسا بمسلمً ألبانٌا‪ ،‬وروسٌا بمسلمً التتار‪ ،‬وبرٌطانٌا بمسلمً الهند‬
‫وفرنسا بواسطة مسلمً شمال إفرٌقٌا‪.‬‬

‫» قد بمغ مف نفكذ ىذه الحركة في شماؿ إفريقيا أف كصفتيا إدارة المخابرات الفرنسية‬
‫أف يجمع مف خبلؿ إرتباطاتو‬ ‫‪ ...‬كيمكف لمسمطاف "عبد الحميد الثاني " بصفتو رئيسا لمجامعة اإلسبلمية‬
‫الكثيقة بالجماعات الدينية في شماؿ إفريقيا جيشا محميا منظما يتمكف إذا لزـ األمر أف يقاكـ بو أم قكة‬
‫أجنبية»‪.2‬‬

‫من خبلل هذا ٌتضح لنا دور الطرق الصوفٌة ومشاٌخها بدعم السلطان فً فكرة‬
‫الجامعة اإلسبلمٌة وإنتشارها بفضلهم‪ ،‬لعبت الطرق الصوفٌة دور وسابل اإلعبلم ‪ ،‬من أجل أن‬
‫ٌحقق المشروع الوحدة ‪ ،‬حتى أنه كان إعتراؾ ألمانٌا بحركة "الجامعة اإلسالمية" و بالسلطان‬
‫"عبد الحميد الثاني" خلٌفة للعالم اإلسبلمً‪ ،‬وزنا سٌاسٌا بارزا كونه صادر عن إمبراطور‪ .‬دولة‬
‫أوروبٌة كبرى فإستؽلها السلطان فً الدعوة لنفسه‪ ،‬وترسٌخ حركة الجامعة اإلسبلمٌة‪.‬‬

‫الفرع الخامس ‪ :‬الجامعة اإلسالمية من الناحية اإلجتماعية‬

‫‪ -1‬محمااد حاارب ‪ ,‬مووذكرات السوولطان عبدالحميوود الثوواني ‪ ,‬دارالقلاام للنشاار‪ ،‬دمشااق‪ ،‬الطبعااة األولااى ‪,4664 ،‬ص‬
‫‪.465‬‬
‫‪ -2‬علااً محمااد صاابلبً‪ ،‬الدولووه العثمانيووة عواموول النهوووض واسووباب السووقوط ‪ ،‬دار التوزٌااع والنشاار االساابلمٌة‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،9114 ،‬ص‪.191‬‬
‫‪- 89 -‬‬
‫ففً السنوات األخٌرة من القرن التاسع عشر ‪،‬عندما أدرك السلطان " عبد الحمٌد الثانً "‬
‫تدهور األوضاع فً الدولة العثمانٌة وال ٌمكن بقاءها إال باإلعتماد على المسلمٌن والعرب‬
‫وتؤٌٌد هم فً مواجهة التدخل األوربً فً شإون الدولة وكانت سٌاسته تقضً بالحفاظ على ما‬
‫تبقى من والٌبلت فً حوزة اإلمبراطورٌة العثمانٌة وبالتالً أن ال ٌثٌر ؼضب المسلمٌن‬
‫والعرب فً ممارسة نشاطاته السٌاسٌة ‪ ،‬ومن هنا كانت الحركة الصهٌونٌة تسعى لدى الحكومة‬
‫العثمانٌة بتحقٌق مشروع إستٌطان فلسطٌنً ومن هنا جاء رد السلطان بعدم الموافقة علٌه ‪ ،‬ثم‬
‫إن السلطان كان ٌعانً فً هذه الفترة من نمو الشعور القومً لدى قومٌات عدٌدة مثل القومٌة‬
‫العربٌة‪ ،‬القومٌة البلؽارٌة ‪ ،‬القومٌة الٌونانٌة و اآلرمنٌة والسبلفٌة وبالتالً كثٌرا ما حاولت‬
‫األقلٌات فً الدولة العثمانٌة أن تبرز نشاطها وتسعى إلستقبللها الثقافً واإلجتماعً وحتى‬
‫السٌاسً ‪ ،‬فكانت الدولة تحارب هذه اإلتجاهات سواء العربٌة أو اآلرمنٌة حٌث أن النزعة‬
‫االستقبللٌة االرمنٌة حاولت إعادة تراث وحضارة اآلرمنٌٌن فلم ٌجد الجو السٌاسً المبلبم‪.‬‬

‫الى جانب هذا تزعم السلطان " لحركة الجامعة اإلسبلمٌة " ‪1909-1908‬م والتً كانت تهدؾ‬
‫الى تحقٌق مكاسب سٌاسٌة ‪ ،‬حٌث كانت هذه الحركة تدعوا إلى ضرورة وحدة المسلمٌن شعوبا‬
‫وحكومات للوقوؾ فً وجه التٌار األوربً الزاحؾ ‪ ،‬دعا جمٌع مسلمً العالم فً آسٌا الوسطى‬
‫وفً الهند والصٌن وأواسط أفرٌقٌا وؼٌرها إلى الوحدة اإلسبلمٌة تحت لواء "الجامعة اإلسبلمٌة"‬

‫« نشر شعاره المعركؼ يا مسممي العالـ إتحدكا‪ ،‬كأنشأ مدرسة لمدعاة المسمميف‬
‫سرعاف ما أنتشر خريجكىا في كؿ أطراؼ العالـ اإلسبلمي الذم لقي منو السمطاف كؿ القبكؿ كالتعاطؼ كالتأييد‬
‫لتمؾ الدعكة‪ ،‬كلكف قكل الغرب قامت لمناىضة تمؾ الدعكة كمياجمتيا لذلؾ نراه إعتمد عمى تعاضد المسمميف‬
‫ككحدتيـ إستند عمى أسس إسبلمية كعمؿ عمى الصعيد السياسي مباشرة ضد النفكذ األكربي المتغمغؿ ‪ ،‬إلى‬
‫جانب الدعكة اإلصبلحية ضد المساكمء الدينية كاإلجتماعية التي دخمت المجتمعات اإلسبلمية»‪.1‬‬

‫‪ -1‬محمد أنٌس ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.914‬‬


‫‪- 90 -‬‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬مشروع سكة حديد الحجاز وإنعكاساته‬

‫وٌعتبر مشروع "خط سكة حديد الحجاز" الذي إنتهى عام ‪1908‬م من بٌن أهم المشروعات‬
‫التً قام بها السلطان " عبد الحميد الثاني" والتً كانت لها اٌجابٌات على المستوى الدٌنً‬
‫واإلجتماعً خاصة والسٌاسً والعسكري كذلك كماٌلً ‪:‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬إنعكاساته عل الجانب الديني‬

‫تكمن أهمٌته على الصعٌد اإلسبلمً حٌث نبلحظ أن تموٌله كان من خبلل تبرعات المسلمٌن‬

‫« ما أنفقو عمى ىذا المشركع ثبلثة مبلييف ليرة جمع أكثر مف ثمث المبمغ مف تبرعات‬
‫المسمميف في جميع أقطارىـ» ‪.1‬‬

‫من خبلل هذه النقطة نبلحظ كٌؾ أن هذا المشروع لم ٌكن مشروعا خاصا بالدولة العثمانٌة وانما‬
‫تعدى ذلك بكونه مشروعا إسبلمٌا قد ساهم فً استمالة عواطؾ المسلمٌن من جمٌع انحاء العالم‬
‫وهنا تكمن اهمٌته الدٌنٌة وعلى الصعٌد الدٌنً فً إستمالة عطؾ المسلمٌن أٌنما وجدوا وكسب‬
‫صداقتهم من جهة أخرى وذلك لما ٌترتب علٌه من تٌسٌر سبل أداء فرٌضة من فرابض االسبلم‬
‫المتمثلة فً فرٌضة "الحج"‪ ،‬والتً تستمهد الطرٌق فً القرٌب العاجل أمام كل مسلم للقٌام‬
‫بفرٌضة الحج ‪ ،‬نظرا ألن روح العصر فً الشرق العربً آنذاك إتسمت بالطابع الدٌنً فقد أثر‬
‫هذا المشروع لٌس على العامة من المسلمٌن فحسب ‪ ،‬بل كذلك على الخاصة أٌضا السٌما‬
‫المستفٌدٌن من النظام العثمانً وعلى بعض قاداتهم ومثقفٌهم مثال "علي باشا" اإلبن الثاني‬
‫لألمير عبد القادر الجزائري الذي شكر السلطان على تحقٌقه هذا المشروع‬

‫« ىك تمييد السبيؿ بيف الكعبة كتخفيؼ أثقاؿ الحجة عمى طبلبيا بإنشاء ىذا الخط‬
‫الحجازم ‪ ،‬الذم جمع قطر الحجاز كقصر الشاـ بؿ الدنيا بأجمعيا ‪ ...‬كالمسممكف في كؿ صقع مف الببلد‬
‫يجأركف بالدعاء إلى رب العباد أف يطيؿ عمر سمطانيـ ككفيؿ عمرانيـ»‪.2‬‬

‫‪ -1‬جورج أنطونٌوس‪ ،‬يقظة العرب‪ ،‬ترجمة ‪ :‬ناصر الدٌن االسد وإحسان عباس ‪ ،‬دار الكتب العربٌة للنشر والتوزٌع‬
‫‪ ،‬بٌروت ‪ ،4633‬ص ‪.919‬‬
‫‪ Revue du Monde Musulman , paris, 1907, 1909 p, 524-525. -2‬من خطاب من خطاب علً باشاا‬
‫عبد القادر الجزابري موجه إلى السلطان " عبد الحمٌد الثانً"‪.‬‬
‫‪- 91 -‬‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬إنعكاساته عل المجال اإلجتماعي‬

‫ومن الناحٌة اإلجتماعٌة تظهر أهمٌة مشروع "سكة حدٌد الحجاز" أي السكة الحدٌدٌة الحجازٌة‪-‬‬
‫الشامٌة ‪ ،‬أسفرت عن ثروة الببلد والعباد والراحة للحجاج وتوطٌد األمن والرفاهٌة وتعمٌر‬
‫الببلد والخرابة وت ؤهٌل العامرة الخالٌة وبالتالً ما عزز لدى المسلمٌن القٌام بهاته الفرٌضة دون‬
‫عناء بالنسبة للتنقل بل كانت كمحفز لدى المسلمٌن وبالتالً كانت كنقطة إلتقاء للتعارؾ بٌن‬
‫المسلمٌن ومعرفة بعضهم البعض من جمٌع أقطار العالم على إختبلؾ أجنساهم ولهجاتهم‬
‫المحلٌة ومنه تباد ل ثقافات إسبلمٌة بالدرجة األولى ومعرفة األحوال اإلجتماعٌة والدٌنٌة والثقافٌة‬
‫والسٌاسٌة واإلقتصادٌة فٌما بٌنهم كما أكده محمد عارؾ الحسٌنً‬

‫«أف ىذه السكة تقارب المسمميف مف بعضيـ البعض كتعارفيـ كائتبلفيـ كتكاددىـ ك‬
‫إتحادىـ كاتقاف كممتيـ كبياف أحكاليـ بالتبادؿ عمى إختبلؼ أجناسيـ كلغاتيـ كبعد ببلدىـ»‪.1‬‬

‫الفرع الثالث ‪:‬الجانب السياسي والعسكري من مشروع خط السكة الحديدية الحجازية‬

‫نظرا لما لمسه السلطان " عبد الحميد الثاني " من مشاعر لدى العوام المسلمٌن قد تفٌده فً‬
‫المجال ومٌادٌن السٌاسة والعسكرٌة عمد الى مضً بسٌاسة عسكرٌة ‪ ،‬فٌعتبرخط "سكة حدٌد‬
‫الحجاز" الذي أوصل القسطنطٌنٌة بالمدٌنة المنورة مخترقا سورٌا من الشمال إلى الجنوب حٌث‬
‫ٌرى "أنطونٌوس جورج" أن لهذا المشروع أهدافا سٌاسٌة وحربٌة قبل كل شًء ‪ ،‬إذ أن‬
‫السلطان كان ٌهدؾ من ورابه إنشابه وصول جٌشه بالسرعة البلزمة إلى شبه الجزٌرة العربٌة‬
‫والعودة منها وكان من قبل مظطرا إلى نقلهم بالبحر بواسطة قناة السوٌس وهو المشروع الذي‬
‫أشرؾ علٌه "عزت باشا العابد" ونفذه مهندسون ألمان ‪ ،‬كان له وقع طٌب ومإثر فً نفوس‬
‫المسلمٌن وٌإكد "أنطونٌوس" هذه الحقٌقة بقوله ‪:‬‬

‫« إف تنفيذ ىذا المشركع كاف ضربة خبير في السياسة فقد أثار الحماسة البالغة في‬
‫جميع ديار اإلسبلـ كربما كاف مف اآلثار في تثبيت مكانة الخبلفة أكثر مف جميع خطط عبد الحميد الثاني‬

‫‪ -1‬محمااد عااارؾ الحسااٌنً ‪ ،‬أعظووم موواثر السوولطانية العثمانيووة السووكة الحديديووة الحجازيووة الشووامية ‪ ،‬دار الكتااب‬
‫الوطنٌة الظاهرٌة للنشر والطباعة ‪ ،‬دمشق ‪4641 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫‪- 92 -‬‬
‫األخرل كما أف تنفيذ مشركع خط سكة حديد الحجاز‪ -‬الشاـ ‪ ،‬كانت مف األسباب السياسية كالعسكرية مف حيث‬
‫انيا يأتي في مقدمتيا عمميات نقؿ "الفيالؽ التركية" إلى المناطؽ العربية في حالة نشكب حركب أك ثكرات‬
‫معادية لمدكلة العثمانية‪.1».‬‬

‫‪ -1‬جااورج أنطونٌااو ‪ ،‬ةقظی اةم ی الةر ة ی ‪ ،‬دار العلاام للمالٌااٌن للنشاار والتوزٌااع‪،‬‬
‫بٌروت ‪ ،‬الطبعة الثرمنة ‪ 1894،‬م ‪ ،‬ص ‪.176‬‬
‫‪- 93 -‬‬
‫خالصة‬

‫إن األحداث التً شهدها النصؾ الثانً من القرن التاسع عشر والنصؾ األول من‬
‫القرن العشرٌن هً أكبر من أن تختزل فً سطور وإنما اكتفٌت بعرض سرٌع ألوضاع الدولة‬
‫العثمانٌة أثناءها حتى ٌتٌسر فهم الظروؾ التً نشؤ فٌها "بديع الزمان سعيد النورسي" ‪ ،‬ومدى‬
‫تؤثٌر ذلك كله فً فكره ‪ ،‬توجهاته وجهوده الدإوبة لمواجهة فترة حالكة من فترات تارٌخ العالم‬
‫اإلسبلمً ‪ ،‬بحٌث عاٌ ش هذه المراحل كلها ‪ ،‬وتؤثر بها وأثر فٌها ‪ ،‬وكان شاهدا علٌها وعلى‬
‫عصره ‪ ،‬دعا فً شبابه ‪ -‬فً عهد السلطان عبد الحمٌد وأواخر عهد الخبلفة إلى اإلصبلح‬
‫والتجدٌد ‪ ،‬وبناء الدولة على اإلسبلم بدل دعوة التترٌك التً أثارت القومٌات ؼٌر التركٌة وبذلك‬
‫نراه عاصر عهد الخبلفة العثمانٌة وقٌام الجمهورٌة التركٌة كما أنه عاٌش إن صح التعبٌر ذلك‬
‫التناقض‪.‬‬

‫‪- 94 -‬‬
‫الفصل الثاين‬
‫حياة بديع الزمان سعيد النوريس وتطوراهتا‬

‫‪- 95 -‬‬
‫تمهيد‬

‫إن بداٌة إنهٌار الدولاة العثمانٌاة نهاٌاة القارن التاساع عشار‪19‬م كانات مان باٌن أصاعب‬
‫الفترات التً واجهها العالم اإلسبلمً والتاً تمٌازت بالنكباات والصاعوبات بإعتبارهاا مركاز‬
‫الخبلفة اإلسبلمٌة وحاملة راٌة اإلسبلم ‪ ،‬لتحل على أنقاضها فً القارن العشارٌن ‪20‬م تركٌاا‬
‫الكمالٌة التً تهدؾ إلى إبعاد الدٌن عان وجاه الدولاة والمجتماع والمجاال العاام وتهمٌشاه إلاى‬
‫أقصى حد ممكن بال محاربتاه والحاد مان مظااهره حتاى فاً الفضااء الخااص ‪ ،‬فاً مثال هاذه‬
‫الظاااروؾ ظهااار "ساااعٌد النورساااً" مااان باااٌن الشخصاااٌات اإلسااابلمٌة المعاصااارة التجدٌدٌاااة‬
‫اإلصااابلحٌة التاااً كانااات لهاااا إساااهامات كبٌااارة فاااً مجمااال التحاااوالت الفكرٌاااة والحضاااارٌة‬
‫والمجتمعٌة التً عرفتها تركٌا الحدٌثة عبر تارٌخها ‪ ،‬كما أنه ٌشكل مرجعا فكرٌاا لمجموعاة‬
‫أتباعه ‪ ،‬فقد إشتهر حضورا وتؤثٌرا فً شرابح المجتمع التركً باألرٌاؾ والمدن مإكدا على‬
‫البعااد التربااوي الااذي كااان ٌحااث أتباعااه علااى ضاارورة ترسااٌخه وتعمٌقااه بإعتباااره األساااس‬
‫والمنطلق ألي عملٌة تؽٌٌر فردٌة كانت أو جماعٌة‪.‬‬

‫"سعٌد النورساً" هاو واحاد مان هاإالء العظمااء ألقاً هللا تعاالً علاى كاهلاه مساإولٌة‬
‫النهوض بتجدٌد الحٌاة فاً اإلٌماان الراكاد فاً القلاوب وبعابء التصادي لهاذا التٌاار الجاارؾ‬
‫المكتسااح الااذي كاااد ٌساالخ الشااعب التركااً المساالم عاان تارٌخااه ودٌنااه وإساابلمه‪ .‬ومااا تركتااه‬
‫شخصااٌة "سااعٌد النورس اً" ماان آثااار عمٌقااة واضااحة المعااالم فااً الحٌاااة السٌاسااٌة والفكرٌااة‬
‫واإلجتماعٌة والدٌنٌة فً الشعب التركً هاذا التاؤثٌر الاذي ماا زال ساارٌا ٌفعال فعلاه وٌاإدي‬
‫دوره حتى بعد وفاته ‪.‬‬

‫فٌا ترى من هو "سعٌد النورسً"؟‬

‫‪- 96 -‬‬
‫المبحث األول ‪:‬المرحلة األول من حياة سعيد النورسي‬

‫مرحلة سعٌد القدٌم من المولد حتى سنة ‪1925‬م‬

‫المطلب األول ‪ :‬مولد ونشأة النورسي‬

‫الفرع األول ‪ :‬المولد ونسبه وأسرته ‪:‬‬

‫كلد سعيد النكرسي الممقب ببديع الزماف حسب ما ذكره في سيرتو الذاتية أنو كلد بقرية نكرس‬

‫« ف ي قرية "نكرس" التابعة لناحية "إسباريت" المرتبطة بقضاء "خيزاف" مف اعماؿ‬


‫كالية "بتميس" عاـ ‪1977‬ـ (‪1294‬ىػ) ‪ ،‬مف أبكيف صالحيف كمسمميف ‪ ،‬ك كاف كالده " الصكفي مير از "‬
‫كرعا يضرب بو المثؿ‪ ،‬لـ يذؽ حراما كلـ يطعـ أكالده إال حبلال حتى أنو إذا عاد بمكاشيو مف المرعى شد‬
‫أفكاىيا لئبل تأكؿ مف مزارع اآلخريف ‪ ،‬أما كالدتو "نكرية" فكانت لـ تفارؽ صبلة التيجد طكاؿ حياتيا إال في‬
‫األياـ المعذكرة شرعا ك لـ ترضع أكالدىا إال عمى طير ك كضكء»‪.1‬‬

‫نرى أن النورسً ولد فً وسط صوفً إسبلمً و أسرة متدٌناة و محافظاة تتمٌاز باالورع‬
‫الدٌنً رؼم أنها مٌسورة الحال حٌث كانت ‪:‬‬

‫« تشتغؿ بالزراعة ك تمممؾ بعض المكاشي ك األبقار عندما جاء "سعيد " إلى الحياة‬
‫كانت لو أختاف ىما‪ :‬درية كخانـ ‪ ،‬ك أخ إسمو عبد ا﵀ ثـ جاء بعده ثبلثة إخكة ىـ ‪ :‬محمد ‪ ،‬عبد المجيد‬
‫كمرجاف‪ ،‬ك نستطيع أف نسجؿ مف مجمؿ المصادر المكثكقة ك نقبل عف لسانو أف أصؿ عائمتو ك أجداده‬
‫قد أتك مف كالية " إسبارطة" ك ىي كالية تقع في غربي تركيا‪ ،‬ك أف نسبو ينتيي الى أىؿ البيت ‪ ،‬فمف جية‬
‫األب إلى سيدنا الحسف رضي ا﵀ عنو كمف جية األـ إلى سيدنا الحسيف رضي ا﵀ عنو»‪.2‬‬

‫إن األسرة هً اللبنة األولى فً تنشبة الطفل و تكوٌن شخصٌته ‪،‬فاإذا كانات األسارة فاسادة‬
‫فسدت تنشبة الطفل أما إذا كانات صاالحة ٌانعكس هاذا علاى تربٌاة أبنابهاا ‪ ،‬لاذلك نساتنتج أن‬
‫صوفٌة النورسً ترجع بالدرجة األولى إلى الوسط األسرى الذي نشؤ فٌه المشاحون بالادٌن و‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمارن ساعٌد النورساً ‪ ،‬السیةر ال اتةی ‪ ،‬ترجماة ‪ :‬إحسارن قرسام الرارلحً ‪ ،‬شاركة ساوزلر للنشار و‬
‫التوزٌع‪ ،‬بدون طبعة ‪ ،‬بدون سنة ‪ ،‬ص ‪. 53‬‬
‫‪-2‬أورخان محمد علً ‪ ،‬سعيد النورسي رجل القدر في حياة أمة‪ ،‬دار الفضٌلة للنشر و التوزٌع‪ ،‬القااهرة‪ ،‬طبعاة‬
‫أولى‪ ،4666،‬ص ‪.5‬‬
‫‪- 97 -‬‬
‫الورع و الزهد الموروث أبا عن جد و هذا ما تثبته سٌرة حٌاته و نسبه األسري الذي ترجاع‬
‫جذوره إلى أهل الرسول صلً هللا علٌه و سلم مما ٌعكس تنشبته السلٌمة‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬نشــــأتـــــــه ودراسته األولية‬

‫أوال ‪ :‬نشــــأتـــــــه ‪:‬‬

‫إن البٌبة التً نشؤ فٌها النورسً أكسبته دقة المبلحظة و شدة اإلنتبااه و سارعة البدٌهاة ‪،‬‬
‫فلاام ٌكاان كؽٌااره ماان األطفااال لمااا ٌتمتااع بااه ماان ذكاااء و فطنااة و حااب لئلطاابلع و الفضااول و‬
‫اإلكتشاؾ فلم ٌكن ٌتقبال أي شاًء ٌسامعه دون محاولاة معرفاة ماوراباه و الكشاؾ عان ساببه‬
‫‪،‬كما أنه لم ٌإمن بالخرافات بل كان واقعٌا فً تفسٌراته لكل ما ٌجول فً خاطره و ما ٌحدث‬
‫فً حٌاته حٌث حدث فً صؽره واقعة تثبت أنه كان على قدر كبٌر مان نباوغ و فطناة و هاً‬
‫أنه ‪:‬‬

‫« حينما كاف صبيا خسؼ القمر فسأؿ كالدتو عف سبب الضجة التي يحدثيا أىؿ‬
‫القرية بالضرب عمى الدفكؼ كالدؽ عمى القدكر كعمى صفائح المعدف ‪ ،‬فأشارت إليو كىي تقكؿ لو كتكرر‬
‫ما تعرفو عف ىذه الظاىرة لقد بمع الثعباف القمر كاألىالي يحدثكف ىذه الضجة إلخافة الثعباف كتخميص‬
‫القمر منو ‪ ،‬لكف سعيد لـ يقتنع بيذا الجكاب فقاؿ كىك معترضا كلكف القمر لـ يختؼ تماما إذ يمكف رؤيتو‬
‫كىذا اإلعتراض الكجيو يبيف مدل قكة الترابط المنطقي في فكر سعيد الصغير كعدـ تسميمو بكؿ ما يقاؿ لو‬
‫‪ ،‬فأجابت كالدتو بالقكؿ‪ :‬إف الثعباف المكجكد في السماء شفاؼ مثؿ الزجاج ‪ ،‬لذا فإننا نستطيع رؤية القمر‬
‫في بطنو»‪.1‬‬

‫ظلت هذه الفكرة راسخة فً ذهنه إلى أن درس علم الفلك فحاول دراساة ظااهرة الخساوؾ‬
‫و التعرؾ على كٌفٌة حدوثها معتمدا على باراهٌن علمٌاة و اقعٌاة خاضاعة للعقال و المنطاق‬
‫فوجد‬

‫« أف الذيف يقكلكف كما تقكؿ كالدتو قد تمقكا التشبيو حقيقة كاقعية ‪،‬الف الفمكييف‬
‫شبيكا القكسيف الناشئيف مف تداخؿ دائرة الشمس ( منطقة البركج) ك مدار دراجاتيا مع دائرة القمر كىي‬

‫‪ -1‬أورخان محمد علً ‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪5‬‬


‫‪- 98 -‬‬
‫ميؿ القمر ك مدار منازلو شبيكىما تشبييا لحيتيف ضخمتيف كسمكىما تنيف ‪ ،‬كأطمقكا عمى إحدل نقطتي‬
‫تقاطع تمؾ الدائرتيف (الرأس) ك االخرل (الذنب) ‪ ،‬فحينما يبمغ لقمر الرأس كالشمس الذنب تحصؿ حيمكلة‬
‫األرض بإصطبلح الفمكيكف ‪ -‬ام تقع االرض بينيما تماما – ك عندىا يخسؼ القمر أم كأف القمر يدخؿ‬
‫في فـ التنيف» ‪.1‬‬

‫و هكذا عرؾ أن تفسٌر أمه و أهل قرٌته لهاذه الظااهرة لام ٌكان نابعاا مان خٌاالهم بال كاان‬
‫مستمدا من تفسٌرات العلماء لكنهم قاموا بفهمه و تؤوٌله حسب تفكٌرهم البسٌط و العاامً‪ ،‬و‬
‫مع مرور الزمن أصبح هذه الفكرة عبارة عن مجرد حكاٌة خٌالٌة متداولة و كبلم للعوام ‪.‬مما‬
‫اهتم كذلك بالفلسفة وطبٌعتها الفكرٌة العمٌقة ‪ ،‬و ٌذكر هذا بقوله فً كلٌات رسابل الناور فاً‬
‫الجزء التاسع المعنون بالسٌرة الذاتٌة ‪:‬‬

‫« كاف النكرسي في مرحمة مبكرة مف صباه يشغؿ فكره مشكمة الحياة كالمكت كمشكمة الكجكد‬
‫كالعدـ ك ىذا ما يبيف لنا أف طبيعة ىاتو المشاكؿ ىي ذك طبيعة فمسفية كفكرية عميقة ‪ ،‬إذ شغمت الفبلسفة‬
‫ك المفكريف ك ال تزاؿ تشغميـ ‪ ...‬حدثت خيالي في عيد صبام أم األمريف تفضؿ؟ قضاء عمر سعيد‬
‫يدكـ ألؼ ألؼ سنة مع سمطنة الدنيا كأبيتيا عمى اف ينتيي ذلؾ إلى العدـ ‪ ،‬أـ كجكدا باقيا مع حياة‬
‫إعتيادية شاقة ؟ فرأيتو يرغب في الثانية كيضجر مف األكلى قائبل ‪ " :‬إنني ال أريد العدـ بؿ البقاء كلك كاف‬
‫في جينـ»‪. 2‬‬

‫بااالرؼم ماان صااؽر ساان النورسااً إلااى أن فكااره كااان واسااع ٌشااؽله الكثٌاار ماان التساااإالت‬
‫المرتبطااة بااالوجود و الحٌاااة ‪....‬و ؼٌرهااا ماان األفك اار الفلساافٌة التااً تشاابع بهااا ماان خاابلل‬
‫مبلحظته الدقٌقة وبحثه الدإوب و قراءاته المساتمرة فاً مختلاؾ الكتاب و حضاوره لمجاالس‬
‫الكبار و سماع ما ٌدور فٌها من نقاشات مختلفة حول مختلؾ المواضٌع و فً شتى العلوم ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬دراسته األولية ‪:‬‬

‫منذ السنة األولى من عمر النورسً و بعد ظهور مبلمح الوعً لدٌه بدأ فً تلقاً المباادىء‬
‫األولٌة للمعرفة و العلم من والدٌه ‪،‬إال أن إلتحاقه بالمدرسة و بداٌة تحصٌله العلمً كانت ‪:‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص‪.14،11‬‬


‫‪ -2‬نفس الصدر ‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪- 99 -‬‬
‫« سنة ‪1885‬ـ المكافؽ ؿ ‪1303‬ىػ بتعمـ القرآف الكريـ في مدرسة "المبل محمد‬
‫أميف أفندم" في قرية مجاكرة "لنكرس" في قرية " تاغ" إال أنو لـ يتحمؿ المككث فييا فتركيا فعاد إلى قريتو‬
‫"نكرس" المحركمة مف كتاب أك مدرسة لتمقي العمـ»‪.1‬‬

‫« بعد مدة قصيرة ذىب إلى قرية "برمس" كاف يشرؼ عمييا الشيخ " نكر محمد "‬
‫لكنو تشاجر مع أربعة طبلب حيث إتفؽ ىؤال ء الطبلب األربعة عمى مشاكستو بإستمرار مما دفعو لممثكؿ‬
‫بيف يدم الشيخ "سيد نكر محمد " شاكيا إليو ىؤالء االربعة قائبل بإعتزاز‪ ":‬أييا الشيخ المحترـ أرجكا أف‬
‫تقكؿ ليؤالء أال يأتكا لمشجار معي جميعا فميأتكا مثنى مثنى" ‪ ،‬تعجب الشيخ مف ىذه الرجكلة المبكرة في‬
‫سعيد الصغير كقاؿ مبلطفا ‪ :‬أ نت تمميذم لف يتعرض لؾ أحد ‪ ،‬كبعد ىذه الحادثة أطمؽ عميو تمميذ الشيخ‬
‫فظؿ في ىذه المدرسة مدة طكيمة كانت كافية لجمب إنتباه الشيخ كاعجابو بو حتى أنو قرر أف يذىب ليرل‬
‫كالدم ىذا الطفؿ الغريب المتميز في كؿ شيء كليسأؿ كيؼ إستطاعكا تربيتو مثؿ ىذه التربية كىذه‬
‫النشأة»‪.2‬‬

‫نبلحظ من خبلل هذا أن " النورسي" كان ٌجلاب إنتبااه كال مان تتلماذ علاى ٌادٌهم مان‬
‫العلماااء و المشاااٌخة ‪ ،‬لمااا ٌتمٌااز بااه ماان ذكاااء و حساان التصاارؾ و صااواب القااول و ببلؼااة‬
‫اللسان والحوار المقنع ‪،‬هذا كله مما جعل أحد مشاٌخته ٌشعر بالفضول للتعرؾ على أهله و‬
‫كٌفٌة تربٌته‪ ،‬فقرر هو و بعض من رجال القرٌة الذهاب إلى قرٌة نورس ‪ ،‬و بعادما وصالوا‬
‫إلى القرٌاة وساؤلوا عان "الصاوفً مٌارزا" فادلوهم علاى البٌات فطرقاوا علاى البااب فخرجات‬
‫والدته وأخبرتهم أن والده على وشك الرجوع من المزرعة ثم فرشت للزابرٌن حصٌرا تحت‬
‫شجرة أمام الدار ‪ ،‬سؤلها الشٌخ كٌؾ ربٌتم هذا الصؽٌر ؟‬

‫« أجابت الكالدة عندما أصبحت حامبل بسعيد لـ أطأ مكانا دكف كضكء كعندما‬
‫جاء سعيد إلى الدنيا لـ أرضعو دكف كضكء‪ ،‬ثـ جاء الصكفي مير از راجعا إلى بيتو كىك يسكؽ بقرتيف‬
‫كثكريف كلكف "الشيخ نكر محمد " ك أ صدقاءه دىشكا عندما رأك ا أف أفكاه ىذه الحيكانات مكممة ‪ ،‬لـ‬
‫يتمالككا أنفسيـ عف إبداء الدىشة كمف اإلستفسار عف سبب ىذا المنظر الغريب فقاؿ ليـ ‪ :‬إف مزرعتي‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬السيرة الذاتية ‪ ،‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪ -2‬أورخان محمد علً ‪ ،‬مرجع سبق ذكره ‪ ،‬ص‪.41‬‬
‫‪- 100 -‬‬
‫بعيدة بعض الشيء كأنا أضطر في الذىاب كاإلياب إلى المركر عبر مزارع الجيراف ‪ ،‬لذا أكمـ أفكاه ىذا‬
‫الحيكانات كي ال تأكؿ مف حشائش ىذه المزارع كنباتاتيا ألني أحذر أف تدخؿ بيتي لقمة حراـ "»‪.1‬‬

‫إن مارآه شٌخ النورسً و ما سمعه كان داال بؤن األسرة التً نشؤ فٌها كفٌلة بؤن ٌبرز منها‬
‫هااذا الطفاال المتمٌااز و النابؽااة‪ ،‬ف نشااؤة سااعٌد النورسااً كاناات فااً بٌبااة ساالٌمة ذو تربٌااة دٌنٌااة‬
‫وإسابلمٌة صاالحة وسالٌمة „نعكسات بادورها علاى فكاره وسالوكه فاً محٌطاه وتفاعبلتاه ماع‬
‫األ خرٌن مماا ؼارس فضاوال لادى العلمااء الاذٌن تتلماذ علاى ٌادهم و ٌندهشاون وٌعجباون مان‬
‫تصرفاته وتفكٌره رؼم صؽر سنه مقارنة مع أقرانه‪.‬‬

‫« إنتقؿ النكرسي مع أخيو إلى قرية نكرشيف أيف كاف التدريس في ىذه المنطقة‬
‫ك المدارس الدينية تدرس بالمغة العربية ‪ ،‬ك كاف يتـ الصرؼ عمى ىذه المدارس مف مبالغ الزكاة ك‬
‫التبرعاف التي تجمع مف أىالي تمؾ المنطقة ‪ ،‬ك كاف طبلب المدارس ىـ مف يجمعكف ىذه المبالغ في‬
‫مكاسـ معينة بيف القرل ‪ ،‬غير أف سعيد لـ يكف يخرج معيـ فقد كانت عزة نفسة تمنعو مف ذلؾ ك مف قبكؿ‬
‫أم عطاء مف أم شخص حيث صرح في كتابو المكتكبات بقكؿ في المكتكب الثاني ‪":‬لقد إقتنعت قناعة‬
‫تامة ك بإمارات كثيرة ‪ ،‬أنني لست مأذكنا بقبكؿ أمكاؿ الناس ‪ ،‬ك السيما ىدايا الميسكريف كالمكظفيف إذ‬
‫أتأذل بقسـ منيا ‪ ،‬فيذه الحالة إذف أمر معنكم‪ ،‬إنني أفضؿ أف آكؿ كسرة خبز يابس‪ ،‬ك أف ألبس ثكبا‬
‫فيو مئة رقعة كرقعة ينقذني مف التصنع ك التممؽ عمى اف آكؿ أطيب حمكل اآلخريف ك ألبس أفخر‬

‫مبلبسيـ كأضطر إلى مراعاة مشاعرىـ كىذا ما أكرىو"»‪. 2‬‬

‫رؼم أن النورسً كان فقٌرا إال أنه كان قنوعا و راضٌا بما ٌملكه ‪ ،‬لذلك كان ٌرفض كال‬
‫الهبات المالٌة المقدمة ألنه كان عزٌز النفس عفٌفا مما جعله ٌتوقؾ عن الدراسة للمرة الثانٌة‬
‫و الزم أبااه‪ .‬ولكان حادثاة مهماة جارت لاه فاً ذلاك الشاتاء‪ ،‬هاً رإٌاة الرساول علٌاه الصاابلة‬
‫والسبلم فً منامه حٌث رأى فٌما ٌرى الرأي أن ‪:‬‬

‫‪ -1‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.41‬‬


‫‪ -4‬باادٌع الزمااان سااعٌد النورسااً‪ ،‬المكتوبووات ‪ ،‬ترجمااة ‪ :‬إحسااان قاساام الصااالحً ‪ ،‬شااركة سااوزلر للنشاار و‬
‫التوزٌع‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ ،9114 ،‬ص ‪.45‬‬
‫‪- 101 -‬‬
‫« أف القيامة قامت كالكائنات بعثت مف جديد فإمتمكتو الرغبة القكية في رؤية‬
‫الرسكؿ صمى ا﵀ عميو كسمـ كلكف كيؼ يستطيع ذلؾ كأيف يمقاه؟ في مثؿ ىذا الزحاـ ؟ كبينما ىك يفكر في‬
‫ذلؾ خطرت لو فكرة الذىاب إلى الصراط المستقيـ الذم يسير منو الرسكؿ عميو الصبلة كالسبلـ فأسرع إليو‬
‫ككقؼ ينتظر مر بو األنبياء الكراـ صمكات ا﵀ عمييـ فقبؿ أيدييـ كميـ ‪ ،‬ثـ أقبؿ الرسكؿ الكريـ عميو‬
‫الصبلة كالسبلـ فيكل سعيد الصغير عمى يديو يقبميما ثـ طمب منو العمـ فقاؿ لو الرسكؿ صمى ا﵀ عميو‬
‫كسمـ‪ ":‬سييب لؾ عمـ القرآف شريطة أف ال تسأؿ أحدا مف أمتي سؤاال" كاف ذلؾ سنة ‪1891‬ـ»‪.1‬‬

‫بعد هذه الرإٌة التً بقٌت فً ذاكرته إلى آواخر حٌاته‪ ،‬عاد إلى الدراسة بناحٌة "أرواس"‬
‫لتلقً العلم من "المبل محمد امٌن أفندي"‬

‫« لكف الشيخ عندما رأل صغر سف سعيد لـ ييتـ بو ك ككؿ ميمة تدريسو إلى‬
‫بأنو قد ترفع عف تدريسو ‪ ،‬كفي أحد الدركس إعترض قائبل‬ ‫أحد طبلبو مما حز في نفس سعيد ك شعر‬
‫‪ ":‬إنو ليس كذلؾ يا سيدم ‪ ،‬ثـ ذكره بترفعو عف تدريسو‪ ،‬كلـ يمكث ىناؾ طكيبل بؿ ذىب إلى مدرسة "‬
‫مير حسف كلي" كىنا شاىد أيضا عدـ إىتماـ الطبلب في المراحؿ األكلى ‪ ،‬ترؾ سبعة مف الدركس المقررة‬
‫كبدأ بالكتاب الثامف ثـ ذىب لئلستجماـ في قصبة كسطاف (ككاش) لمدة شير‪ ،‬كمف بعده تكجو برفقة‬
‫صديقو " المبل محمد " نحك "بايازيد" كىي قضاء عمى الحدكد اإليرانية التابعة لكالية " آغرم"‪ ،‬كىنا بدأت‬
‫دراستو الحقة التي كانت دراستو االكلى في النحك كالصرؼ‪ ،‬دامت ىذه الدراسة المكثفة كالجادة ثبلثة أشير‬
‫عمى يد الشيخ "محمد الجبللي" ‪،‬حيث أكمؿ قراءة مايقارب خمسيف كتابا خبلؿ ثبلثة أشير ‪ ،‬كقد استكعبيا‬
‫ك أجيز عمييا كتسمـ الشيادة بإكماليا »‪. 2‬‬

‫عدم إهتمام المشاٌخة بالنورسً وإهماله و عدم المبااالت باه جعلاه دابام التنقال مان مدرساة‬
‫إلى أخرى حتاى وجاد مابلذه الاذي ٌرضاً فضاولة و ٌشابع قرٌرتاه فاً إحادى القارى التابعاة‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬السيرة الذاتية‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪ -2‬محمد على اورخان ‪ ،‬نفس المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.49‬‬
‫*‪ -‬احمد الخاني ‪ :‬األدٌب الكردي الشهٌر ولد فً خان التابعة لوالٌة حكاري جنوب شرقً تركٌاا عاام ‪4321‬م ‪،‬‬
‫درس العلوم االسبلمٌة فً القرى القرٌبة له مإلفات ودواوٌن منهاا "نوربهاار" و "ماٌم وزٌان" وٌعاد االخٌار مان‬
‫عٌاون األدب الكاردي‪ .‬نظام الشاعر فااً اللؽاات الكردٌاة والفارساٌة والتركٌاة‪ ،‬تااوفً فاً باٌازٌاد ودفان فٌهاا ساانة‬
‫‪4413‬م‪.‬‬
‫‪- 102 -‬‬
‫لوالٌة آؼرى حٌث كان متعطشاا للمعرفاة فاً مختلاؾ العلاوم ‪ ،‬فؤقبال علاى قاراءة الكثٌار مان‬
‫الكتب ‪.‬‬

‫« كاف يق أر مايقارب مائتي صفحة أك يزيد مف متكف أميات الكتب أمثاؿ‬


‫"جمع الجكامع" "شرح المكاقؼ" ك "إبف حجر" مع الفيـ التاـ دكف معكنة أحد ‪ .‬إال أنو ماكاف يسأؿ بسؤاؿ‬
‫عف أم عمـ كاف إال كيجيب عنو إجابة شافية ‪ .‬كتعتبر ىذه الفترة ىي الفترة الخصبة اساسية في تحصيمو‬
‫العممي فاستغرؽ في القراءة كالدراسة حتى انقطعت عبلقتو مع الحياة االجتماعية ككاف ناد ار ما يتكمـ ‪،‬‬
‫كيقضي معظـ أكقاتو عند ضريح الشيخ " أحمد الخاني"* كخاصة في الميالي‪ ،‬عمما أف الناس يتخكفكف‬
‫كيترىبكف مف دخكلو نيا ار ك ليذا كاف الناس يقكلكف ‪ ":‬أنو حظي بفيض مف أحمد الخاني ك يسندكف‬
‫كضعو إلى كرامة الشيخ‪ ،‬ك في ىذه الفترة دخؿ إلى مرحمة زىد ك تقشؼ ك رياضة نفس عنيفة متأث ار في‬
‫ذلؾ بأراء كسمكؾ بعض الحكماء اإلشراقيف»‪.1‬‬

‫«ك لـ يدخؿ إلى ذلؾ بشكؿ تدريجي كما فعؿ ىؤالء الحكماء بؿ دخميا فجأة‬
‫ثـ قرر الذىاب إلى بغداد كذلؾ بغية زيارة عممائيا‪ ،‬فتزيا بزم الدراكيش كانطمؽ مشيا عمى األقداـ يقطع‬
‫الجباؿ الكعرة كالكثيفة سالكا مسمؾ الزىاد حيث بدأ بممارسة الرياضة الركحية كممارسة الزىد حتى ىزؿ‬
‫يكما بعد يكـ كنحؿ جسمو ‪ ،‬حيث كاف يكتفي بقطعة صغيرة مف الخبز لمدة ثبلثة أياـ سعيا لبمكغ حالة‬
‫الحكماء الذيف ينظركف إلى الرياضة الركحية أنيا تكقد الفكر ‪ ،‬بؿ إنو إقتات فترة مف الكقت عمى األعشاب‬
‫فقط‪ ،‬كما أنو إتبع القاعدة النبكية الجميمة دستك ار لحياتو مف زاكية التصكؼ كعمؿ بيؿ طكاؿ مسيرتو في‬
‫الحياة »‪. 2‬‬

‫وهذه القاعدة هً ‪:‬‬

‫‪ -4‬اورخان علً ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.41‬‬


‫اإلشوراقيون ‪ :‬جماعاة ماان المتصاوفة ‪ ،‬جمعاوا بااٌن الفلسافة الٌونانٌااة و حكماة فاارس القاادٌم مان أذواق التصااوؾ‬
‫القلبً ‪ ،‬بحثوا فً مراتب الوجاود وفاً األناوار اإللهٌاة وأقساام البارزخ والمعااد والنباوءات ‪ ،‬وٌعاد الساهروردي‬
‫‪ 4464-4429‬م خٌر من ٌمثلهم إذ كان مذهبه ٌدور حول محور واحد هو النور ومراتبه التً هً مراتب الوجود‬
‫العلوٌاة والسافلٌة ‪ ،‬كمااا أن ال فلسافة اإلشاراقٌة نشااؤت فاً القاارن الثاانً عشار وكاناات لهاا أثار قااوي علاى الفلساافة‬
‫اإلسبلمً وخصوصا الفلسفة الفارسٌة والتً ال زالت ممتدة إلى ٌومنا هذا إلعتبارها أن الواقع كله سلسلة متصلة‬
‫مع العالم المادي كونه جانبا مان الجواناب االلوهٌاة وهاذا الناوع مان اللؽاة ٌاوحً بشاكل كبٌار أنهاا ضامن البنااء‬
‫الفلسفً الصوفً ‪ ،‬ولذا صنفت اإلشراقٌة ضمن التصوؾ اإلسبلمً‪.‬‬
‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬السيرة الذاتية ‪ ،‬مصدر السابق‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪- 103 -‬‬
‫« دع ما يريبؾ إلى ماال يريبؾ "»‪.1‬‬

‫لكن سعٌد النورسً لسبب ما ولم ٌذكره فً مإلفاته انه ؼٌر فكره فً الذهاب إلى مدٌنة بغداد‬
‫فتوجه إلى مدٌنة "بتليس " وعندما وصوله إلٌها ذهب عند أستاذه السابق الشٌخ " أحمود أموين‬
‫أفندي" حٌاث بقاً ٌاومٌن عناده حضار ٌهماا دروساه ‪ ،‬إقتارح علٌاه أساتاذه لابس زي العلمااء‬
‫والتً تتمثل فً "الجبة " التً كان ٌرتدٌها العلماء أنذاك وأن ٌدع زي الدراوٌش‪ ،‬لكنه رفض‬
‫قائبل‪:‬‬

‫«إنني ال أبمغ بعد الحمـ ‪ ،‬فبل أجدني الئقا بمبس مبلبس العمماء ككيؼ أككف‬
‫عالما كأنا ما زلت صبيا كلكف تقديـ جبة مكالنا خالد النقشبندم مف بعد مئة سنة مع العمامة الممفكفة بيا‬
‫كارساليا إلي في ىذا العاـ باسمكب غريب لكي ألبسيا ‪ ،‬قد أكرثتني قناعة ببعض اإلمارات‪ ،‬فأف ألبس تمؾ‬
‫الجبة المباركة التي يبمغ عمرىا مائة سنة عندما كاف في الرابعة عشر مف عمره ‪ ،‬ال تبلئـ صغر سنو‬
‫بإعتباره لبس الجبة خاصة بالعمماء كالكبار»‪.2‬‬

‫كل ما مر به سعٌد النورسً من عراقٌل و صعوبات جعلت فكاره و عقلاه ناضاجا قبال‬
‫الوقت و هو مازال لم ٌبلػ الحلم بعد عن عمر ٌناهز األربعة عشرة سنة ‪ ،‬و أصابحت تظهار‬
‫علٌه عبلمات العالم المتمكن الذي ال ٌهمل أبسط األمور و أدقها‪ ،‬مما جعل اخاه األكبر" المال‬
‫عبد هللا" ٌقتنع بما ٌمتلكه النورسً لٌرؼاب فاً الاتعلم عناد أخٌاه الصاؽٌر بعادما كاان تلمٌاذا‬
‫لدٌه أصبح أستاذا له‪.‬‬

‫الفرع الثالث ‪ :‬شهرته‬

‫ذاع صٌت سعٌد النورسً بٌن أفراد قرٌته و القرى المجاورة و اكتسب شهرة باٌن أوسااط‬
‫العلماء ‪ ،‬و هذا راجع لماا كاان ٌقاوم باه مان منااظرات باٌن العلمااء الكباار و اجابتاه عان كال‬
‫األسبلة التً كانوا ٌطرحونها علٌه ‪ ،‬بالرؼم من أنها كانت فً بعض األحٌان أسابلة تعجٌزٌاة‬
‫لما كانت تتمٌز به من ؼموض و تعقٌد ال ٌمكن لمن ٌبلػ سنه إدراكها ‪.‬‬

‫‪ -1‬حدٌث شرٌؾ رواه النسابً وقال الترمذي حدٌث حسن صحٌح‪.‬‬


‫‪ -2‬باادٌع الزمااان سااعٌد النورسااً‪ ،‬المالحووق فووي فقووه دعوووة النووور ‪ ،‬ترجمااة ‪ :‬إحسااان قاساام الصااالحً‪ ، ،‬شااركة‬
‫سوزلر للنشر ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬مصر‪ ،،‬الطبعة الثالثة ‪ ،4666 ،‬ص ‪.411‬‬
‫‪- 104 -‬‬
‫« ذىب إلى "سعرد" كالى مدرسة "المال فتح ا﵀ أفندي" كبدأ أستاذه بالثناء عميو‬
‫كاإلعجاب بو في جمساتو مع العمماء قائبل ‪":‬لقد أتى إلى مدرستنا طالب في أكج شبابو ‪ ،‬كأجاب عف كؿ ما‬
‫سألتو عنو دكف تكقؼ‪ ،‬فأعجبت بذكائو النادر كعممو الكافر أيما إعجاب»‪. 1‬‬

‫وبهااذا اإلعتااراؾ واإلعجاااب بالنورسووي شاااع بااذلك ومنااه أصاابح سووعيد النورسووي شااابعا‬
‫ومشهورا فً"سعرد كما أنه هناك‬

‫« حفظ كتاب "جمع الجوامع" في ظرؼ أسبكع ‪ ،‬ككاف أستاذه ال تجمعو جمسة‬
‫مع عمماء المدينة إال كيذكر إعجابو بعمـ تمميذه كبذكائو مما زاد فضكؿ عمماء " سعرد" ‪ ،‬كأرادكا أف يمتحنكا‬
‫ىذا الصبي العالـ كجاء " المبل سعيد " إلى جمسة إمتحاف بصحبة أستاذه " المال فتح ا﵀ أفندي" ‪ ،‬كبدأ‬
‫العمماء بإلقاء أصعب األسئمة عميو لكف سعيد أجاب عف ىذه األسئمة دكف إستثناء ‪.‬مما جعؿ العمماء‬
‫يعجبكف بو ايما إعجاب كتقدير ‪.‬ككاف يبمغ سعيد النكرسي في ىذه األثناء الخامسة عشر مف عمره حيث‬
‫كاف يتميز بقكة البدف كالنشاط كأفحـ جميع العمماء كتغمب عمييـ مما جعميـ يطمقكف عميو " سعيد‬
‫المشيور"»‪.2‬‬

‫الفرع الرابع ‪ :‬إلمامه بالعلوم الحديثة‬

‫أوال‪ :‬إلمامه بأمهات الكتب في علم الكالم‬

‫وفً سنة ‪1892‬م ذهب إلى مدٌنة "ماردين" ‪ ،‬إال أنه رؼم سانه الصاؽٌر وقدرتاه العلمٌاة‬
‫الفابقة رضوا به أستاذا لهم بعد أن قاموا علمابها بمناقشات معه‪ ،‬حٌث أنه خبلل هذه الفترة‬

‫« إطمع عمى منيج كؿ مف "جمال الدين األفغاني" ك"الطريقة السنوسية" ككاف‬


‫ىذا مف خبلؿ إلتقاءه بأحد طبلب جمال الدين االفغاني كاآلخر مف منتسبي الطريقة السنوسية ‪ ،‬كاف في‬
‫دار الكالي "عمرباشا" الذم إستدعاه بعدما خرج مف مدينة "ماردين" ‪1892‬ـ كذىب الى مدينة "بتميس"‪،‬‬
‫حيث كاف "عمر باشا " كاسع اإلطبلع كمحبا لمعمـ كالعمماء كلديو مكتبة تحتكم عمى أصناؼ كمختمؼ‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬سيرة ذاتية ‪ ،‬مصدر السابق‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫‪ -2‬أحمد علً سلٌمان ‪ ،‬فلسفة اإلصالح التربوي عند اإلمام النورسي ‪ ،‬ملتقى دولً حول الفكر اإلصبلحً عناد‬
‫اإلمامٌن عبد الحمٌد بن بادٌس وبدٌع الزمان النورسً ‪ ،‬جامعة األمٌار عباد القاادر للعلاوم اإلسابلمٌة‪ ،‬قسانطٌنة‪،‬‬
‫الجزابر‪ ،9149 ،‬ص‪ .4‬أنظر أٌضا سعٌد النورسً‪ ،‬السيرة الذاتية‪ ،‬ص ‪.29-29‬‬
‫‪- 105 -‬‬
‫العمكـ ‪ ،‬حيث إستدعاه ليقيـ في غرفة قصره الكبير ‪ ،‬كبقي "المال سعيد" لفترة دامت سنتيف إستطاع فييا‬
‫مطالعة أميات الكتب في المنطؽ كعمـ الكبلـ كفي التفسير كالحديث كالنحك كالفقو‪ ،‬كلقدرتو الفائقة لمحفظ‬
‫فقد إختار ثمانيف كتابا كحفظيا عف ظير قمب لمدة ثبلث أشير"كالمطالع"و "المواقف"وؼٌرهم »‪. 1‬‬

‫و بالرؼم من إقامته فً دار الوالً "عمر باشا" لمدة سنتٌن فً "بتليس" كان له ست بنات‬
‫‪ ،‬ثبلث منهن صؽٌرات وتبلث منهن كبٌرات بالرؼم مان أناه عااش معهام فاً بٌات واحاد إال‬
‫أنه لم ٌمٌز باٌن الاثبلث الكبٌارات‪ ،‬وقاد نازل عاالم لضاٌافته وعارؾ فاً ظارؾ ٌاومٌن ومٌاز‬
‫بٌنهن‪ ،‬حتى أنه سؤل " "سعيد" لماذا ال تنظر إلٌهن؟ فكان ٌجٌبه‬

‫« صكف عزة العمـ تمنعني مف النظر»‪.2‬‬

‫« في ‪1894‬ـ ذىب إلى إحدل قصبات مدينة " سعرد" تدعى "تيممو"*‪ ،‬حيث‬
‫إعتكؼ ىناؾ ك حفظ كتاب "القاموس المحيط" لمفيروزآبادي إلى باب السيف‪ ،‬أم حفظ ما يزيد عمى الؼ‬
‫كمئة ك خمسيف صفحة ك كاف ال يأكؿ سكل الحساء كالخيز الذم يجمبو لو أخكه الصغير "محمد" كاف‬
‫يقكـ بإعطاء حبات الحساء إلى النمؿ كيكتفي بغمس الخبز في سائؿ الحساء»‪.3‬‬

‫إطلع النورسً على أهم الكتب فً الفقه و اللؽة و التفسٌر و النحو حٌث كان عاددها ٌفاوق‬
‫مبة كتاب بل و حفظها فاً عمار الساابعة عشارة سانة وهاذا عنادما كاان ٌقاٌم فاً دار الاوالً‬
‫بمدٌنة ماردٌن ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬اإللمام بالعلوم الحديثة وتلقيبه ببديع الزمان‬

‫كان ذلك من خبلل دعوة الوالً "حسن باشا" سنة ‪1897‬م "سعيد النورسوي" إلاى مدٌناة‬
‫"وان" ‪ ،‬حٌث لم ٌكان فاً هاذ ه المدٌناة عالماا معروفاا ‪ ،‬فاساتجاب ساعٌد للادعوة وذهاب الٌهاا‬
‫وإستقر فٌها مدة خمسة عشر سانة ‪ ،‬كماا أناه إقتناع أن إستحصاال العلاوم الحدٌثاة إلاى جاناب‬
‫علم الكبلم القدٌم الذي ٌقتضً على رد الشبهات والشكوك الواردة فً الدٌن ‪،‬‬

‫‪ -1‬اورخان علً ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.45‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً‪ ،‬المالحق في فقه دعوة النور ‪ ،‬ص ‪.949‬‬
‫*‪ -‬تيللو ‪ :‬قصبة تمتاز إلى حد اآلن بتخرٌج العلماء الصالحٌن ‪ ،‬تبعد عن مدٌنة سعرد ب سبعة ‪ 4‬كلم ‪.‬‬
‫‪ -3‬أورخان علً محمد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ .42‬انظر أٌضا سعٌد النورسً ‪،‬السيرة الذاتية ‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪- 106 -‬‬
‫« فأصبح يطالع كتب العمكـ الحديثة حتى إستحصؿ عمى أسسيا تاريخ‪،‬‬
‫جغرافية‪ ،‬رياضيات‪ ،‬جيكلكجيا‪ ،‬فيزياء‪ ،‬كيمياء‪ ،‬فمؾ ‪،‬الفمسفة ك أمثاليا مف العمكـ كذلؾ خبلؿ مدة قصيرة‬
‫دكف معكنة أحد‪ ،‬كما حفظ خبلؿ أربع كعشريف ساعة كتابا لمجغرافية كتعد مناظرتو لمدرس الجغرافية ألزـ‬
‫الحجة في دار الكالي"طاىر باشا" ‪1897‬ـ كتعتبر ىذه أكؿ مناقشة عممية مع أحد أساتذة المدارس‪ ،‬كما‬
‫أنو أقاـ عند "طاىر باشا " كالذم كاف كذلؾ يممؾ مختب ار عمميا في قصره ككاف مجمسو ممتقى العمماء إلى‬
‫أف كصؿ بو أف ألؼ كتابا عف الرياضيات غير أنيا فقدت في إحدل الحرائؽ التي نشبت في "وان"‪ ،‬كمف‬
‫خبل ؿ مناقشاتو الرياضية كالعممية مما يبيف ذكاءه الخارؽ ‪ ،‬حيث أف كؿ مسألة رياضية طرحت أمامو إال‬
‫ك حميا في ذىنو كيسبؽ الجميع كىكذا نرل أف "سعيد النورسي" ذكاءه الخارؽ كعممو الغزير كاطبلعو‬
‫الكاسع ‪ ،‬كنظ ار لتعدد مكاىبو كلذكائو الخارؽ كقكة ذاكرتو أطمؽ العمماء عميو لقب"بديع الزمان"‪ ،‬كما أف ىذا‬
‫المقب شبيو بو األستاذ "المال فتح ا﵀"مف سعرد لسعيد القديم ببديع الزمان اليمذاني*‪ ،‬فأعطى إسـ "بديع‬
‫الزمان" لو»‪.1‬‬

‫لم ٌكتفً النورسً باإلطبلع على الكتب القدٌمة بل حاول اإللمام أٌضا بكل الكتب الجدٌادة‬
‫و العلااوم الحدٌثااة ‪ .‬وماان هنااا ناارى أن "سووعيد النورسووي" ٌقباال لقااراءة كتااب العلااوم الحدٌثااة‬
‫بشؽؾ وإهتمام ونظرا لتعدد مواهباه ولذكاباه الخاارق وقاوة ذاكرتاه أطلاق العلمااء علٌاه لقاب‬
‫بديع الزمان‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬جهوده اإلصالحية‬

‫الفرع األول ‪ :‬إصالحه بين العشائر ولقاءه بمصطف لدفع الظلم‬

‫اوال ‪:‬لقاءه مع مصطف باشا لدفع الظلم‬

‫كان السلطان عبد الحميد الثاني قد أعطى رتبة الباشوٌة لبعض رإساء العشاابر الكردٌاة‬
‫فً شارقً الاببلد وذلاك مإلفاون بإتبااعهم المسالحٌن تقاوم بوظٌفاة الحراساة علاى الحادود ماع‬

‫‪ -1‬واحدة شكران ‪،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.95‬‬


‫*‪ -‬بديع الزمان الهمداني‪ :‬هو أحمد بن الحسٌن ‪4114-636‬م أي ما ٌوافق ‪962-925‬هـ كاتب وأدٌب مان أسارة‬
‫عربٌة ذات مكانة علمٌة مرموقة فنسب اسمه لهمذان المنطقة التً ولد بها ‪ ،‬فكان له قاوة الاذكاء وسارعة الحفاظ‬
‫وقوة النفس ‪ ،‬كان ٌنشد الشعر فٌحفظ القصٌدة كلها وٌنظر فً اربعة أوراق فً الكتاب نظارة واحادة ثام ٌحفظهاا‬
‫عن ظهر قلب ‪ ،‬وذٌع صٌته عند الملوك والرإوساء ‪ ،‬الؾ حوله الكثٌر من طبلب العلم ‪.‬من أشهر مإلفاته كتاب‬
‫" المقامات"‪ .‬كنٌته ابو الفضل ولقبه بدٌع الزمان استقر فً خراسان ومات فً مدٌنة هراة‪.‬‬

‫‪- 107 -‬‬


‫روسٌا تحفظ األهالً من هجمات العصابات األرمنٌاة المسالحة‪ ،‬وكاان "مصوطف باشوا" أحاد‬
‫رإوساء هذه العشابر ‪ ،‬حٌث كان ربٌس عشٌرة "ميران"وكان معروفا بظلمه‬

‫« ذىب "المال سعيد" لمقاءه بعد رؤيتو في المناـ "الشيخ عبد القادر الكيالني*‪،‬‬
‫الذم قاؿ لو إذىب الى "مصطفى باشا " كأدعو الى اليداية كالى ترؾ الظمـ كالى أداء الصبلة ‪ ،‬فإف لـ‬
‫يستجب لؾ فقتمو‪ ،‬كفعبل ذىب سعيد النورسي الى عشيرة "ميران" كعند لقاءه بمصطفى طمب منو أف يترؾ‬
‫الظمـ كاف يصمي أك أف يقتمو حتى أنو جرت مشاداة بينيما إلى أف إقترح عميو "مصطفى باشا" مناظرة‬
‫عمماء جزيرة "ابن عمر" مناظرة عممية فيما بينيما ‪ ،‬فإذا أقاـ سعيد النورسي الحجة عمييـ كالزميـ قد ينفذ‬
‫مصطفى باشا طمبو كأف لـ يفعؿ سيمقي سعيد النورسي في النير ‪ ،‬لكف جكاب "المال سعيد " بقكلو‪ ":‬كما‬
‫أنو ليس من شأني إلزام جميع العمماء ‪ ،‬فميس بإستطاعتك أن تمقيني في النير ‪ ،‬ولكن إن تفوقت‬
‫عمييم أن أطمب منك بندقية ماوزر ألقتممك بيا إن لم تحافظ عمى وعدك ‪ ،‬كانعقد المجمس كبدأ العمماء‬
‫بطرح أسألتيـ الصعبة كالتي تضمنت ما يقارب األربعيف سؤاال كأجابيـ إجابات صائبة ‪ ،‬سكل سؤاؿ كاحد‬
‫أخطأ في جكابو ‪ ،‬دكف اف ينتبو إليو العمماء كبعد اف إنقض المجمس تبعيـ "المال سعيد" قائبل‪ ":‬أرجوا‬
‫المعذرة ‪...‬لقد سيوت في جواب السؤال الفالني ولم تفطنوا إليو والجواب الصحيح كذا وكذا" ‪،‬كأصبحكا‬
‫بعد ىذا المجمس يجمسكف منو مجمس الطالب لينيمكا مف عممو ‪ ،‬أما "مصطفى باشا" فقد كفى بكعده كأىدل‬
‫‪1‬‬
‫"سعيد النورسي" بندقية "ماوزر" كبدأ بإقامة الصبلة » ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬اإلصالح بين العشائر‬

‫كان ذلك من خبلل دعوة الوالً "حسن باشاا" سانة ‪1897‬م "ساعٌد النورساً" إلاى مدٌناة‬
‫"وان" ‪ ،‬حٌث لم ٌكن فً هذه المدٌنة عالما معروفاا ‪ ،‬فإساتجاب ساعٌد للادعوة وذهاب إلٌهاا و‬
‫إستقر فٌها مدة خمساة عشار سانة ‪ ،‬وكاان ٌتجاول باٌن عشاابرها لتادرٌس الطابلب وإرشاادهم‬
‫وتكااوٌن عبلقااات مااع الااوالً وا لمااوظفٌن ‪ ،‬حٌااث كااان معظاام وجاال إهتمامااه أن ٌصاالح بااٌن‬
‫العشابر المتخاصمة ‪ ،‬حتى أناه أصالح باٌن "مصاطفى باشاا" و" شاكر آؼاا"‪ ،‬حتاى أن اإلدارة‬

‫*‪ -‬عبد القادر الجيلي أو الجيالني أو الكيالني (‪ 141‬هـ ‪ 234 -‬هـ)‪) 4433–4144 (،‬هو أبو محمد عبد القاادر‬
‫بان موسااى بان عبااد هللا‪ٌ ،‬عاارؾ وٌلقاب فااً التاراث المؽاااربً بالشااٌخ باوعبلم الجٌبلنااً‪ ،‬وبالمشارق عبااد القااادر‬
‫الجٌبلنً‪ ،‬وٌعرؾ أٌضا ب"سلطان األولٌاء"‪ ،‬وهو إمام صوفً وفقٌه حنبلاً‪ ،‬لقباه أتباعاه باـ "بااز هللا االشاهب"‬
‫و"تاج العارفٌن" و"محًٌ الدٌن" و"قطب بؽداد"‪ .‬وإلٌه تنتسب الطرٌقة القادرٌة الصوفٌة‪-.‬‬
‫‪ -1‬أورخان علً ‪،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.45‬‬
‫‪- 108 -‬‬
‫العثمانٌة أخفقت فً فض النزاع بٌنهما‪ ،‬هذا األخٌر الذي كان ٌإدي إلى إراقة الدماء وإنتشار‬
‫العداوة والبؽضاء بٌنهما لمدة سنٌن‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬إصالحه في مجال التعليم‬

‫إستقر "سعيد النورسي" فً مدٌنة "وان" عدة سانوات لتادرٌس الطابلب وإرشااد النااس‬
‫حٌث أنه تمٌز بطرٌقة تدرٌس إختلفت عن طرق التادرٌس آناذاك فاً المادارس الدٌنٌاة ك مػف‬
‫ىنا بدأت فكرتو لئلصبلح أم إصبلح نظاـ التعميـ‬

‫« حيث أنو تميز بمزج الطرؽ القديمة المتبعة بالعمكـ الحديثة كذلؾ بغية تقكية‬
‫حججو كتكصيؿ معمكماتو إلى تبلمذتو بأسيؿ الطرؽ متفاديا الطرؽ المعقدة في التدريس‪ ، ،‬إذ رأل أنو ال‬
‫بد مف اإلصبلح كذلؾ كخطكة أكلى مف خطكات اإلصبلح التي يجب أف يبتدأ بيا ‪ ،‬فكاف يعتبر أف العمكـ‬
‫الحديثة يجب أف تدرس إلى جانب العمكـ الدينية ‪ ،‬حيث أف الحمقات العمماء في المدارس الدينية ال تجعؿ‬
‫الطبلب يتزكدكف بالعمكـ الحديثة كأف المدارس الحككمية اإلعتيادية تدرس القكانيف العممية دكف تدريس عمى‬
‫أنيا نكاميس إالىية»‪. 1‬‬

‫أراد سعٌد النورسً تؽٌٌر نظام التعلٌم و طرٌقة التدرٌس التً كانات معتمادة أناذاك و التاً‬
‫كاناات تقتصاار علااى الطاارق التقلٌدٌااة فااً التعلااٌم و الكتااب القدٌمااة‪ ،‬هااذا الاانقص فااً نظاار‬
‫النورسااً فااً كاال المدرسااتٌن جعاال فكاارة اإلصاابلح تتبااادر الااى ذهنااه ماان أجاال التوفٌااق بااٌن‬
‫العلمٌن فً آن واحد دون التركٌز على علم وإهماال اآلخار واقتصاار كال مدرساة بعلام واحاد‬
‫فً تدرٌسه وإنما إصبلحه ٌدعوا إلى المزج بٌن العلوم الدٌنٌة والعلوم الحدٌثة فً آن واحد ‪،‬‬
‫بحٌث المدارس الحكومٌة تدرس الادٌن إلاى جاناب العلام والمادارس الدٌنٌاة تادرس العلام إلاى‬
‫جانب الدٌن وبهذا ال ٌنحرؾ الطبلب إلى اإللحاد والشك والتعصب‪.‬‬

‫و كان ٌطمح وٌؤمل فً إنشاء جامعة إسابلمٌة تجماع باٌن تادرٌس العلاوم الدٌنٌاة وتادرٌس‬
‫العلوم الحدٌثة وكان ٌرٌد إنشابها فً شرقً "األناضول" فً "وان" أو "ديار بكور"ّ تحات إسام‬

‫‪ -1‬إحسااان قاساام الصااالحً‪ ،‬جوانووب موون حيوواة بووديع الزمووان‪ ،‬مركااز بحااوث رسااابل النااور للنشاار والتوزٌااع ‪،‬‬
‫إستانبول‪ ،‬تركٌا‪ ،9142 ،‬ص ‪ .9‬أنظر أٌضا بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬رسالة الحشر ‪ ،‬ترجمة‪:‬إحسان قاسم‬
‫الصالحً‪ ،‬دار ٌنً آسٌا للنشر و التوزٌع‪ ،‬إستانبول‪ ،4652،‬ص ‪.3‬‬

‫‪- 109 -‬‬


‫"مدرسووة الزهووراء"ّ مشااابهة بااذلك "األزهوور" بمصاار ‪ ،‬تاانهض بمهمااة نشاار حقااابق اإلساابلم‬
‫وتدمج فٌها العلمٌن " الدينية والحديثة" حٌث ٌإكد النورسي فكرة اإلصبلح بمقولته الشهٌرة‬

‫« ضياء القمب ىك العمكـ الدينية ‪ ،‬كنكر العقؿ ىك العمكـ الككنية الحديثة ‪،‬‬
‫كبإمتزاجيما تتجمى الحقيقة فتتربى ىمة الطالب ك تعمك بكبل الجناحيف ‪ ،‬ك بافتراقيما تتكلد تعب في االكلى‬
‫ك الحيؿ ك الشبيات في الثانية "»‪.1‬‬

‫« كقدـ مشركعا لمسمطاف عبد الحميد الثاني إلنشاء جامعة إسبلمية ‪ ،‬لكف‬
‫المشركع الذم يطمح لو لـ يكف إال في سنة ‪5255‬م في عيد "محمد رشاد"‪ ،‬عندما عاد مف ببلد الشام‬
‫رجع إلى إستانبول كعرض مشركعو بخصكص الجامعة االسبلمية عمى السمطاف رشاد ‪،‬فأعجب السمطاف‬
‫فخصص لو مقدا ار مف الماؿ لتنفيذه ك إنشاء ىذه الجامعة فشرع في كضع الحجر‬ ‫بيذا المشركع‬
‫االساس لمجامعة عمى ضفاؼ بحيرة "وان" غير أف الحرب العالمية األكلى حالت دكف إكماؿ المشركع»‪.2‬‬

‫الفرع الثالث ‪ :‬إصالحه الديني‬


‫أوال‪ :‬التحول الفكري عند سعيد النورسي ‪1899‬م وبداية إصالحه الديني‬
‫أثناء إقامته فً مدٌنة "وان" وخبلل هذه األثناء والفترة جرت حادثة ؼٌرت فكاره وأثارت‬
‫على تفكٌره تؤثٌرا قوٌا ‪ ،‬وتعود أحداث هذه الحادثة عندما نشر فاً أحاد الصاحؾ المحلٌاة أن‬
‫وزٌر المستعمرات البرٌطانً "غالدستون"* ‪ ،‬خطاب فاً مجلاس العماوم البرٌطاانً ‪ ،‬وبٌاده‬
‫نسخة من القرآن الكرٌم قاببل‪:‬‬

‫« خطب كزير المستعمرات البريطاني "غالدستون ‪ ،‬في مجمس العمكـ البريطاني‬


‫‪ ،‬كبيده نسخة مف القرآف الكريـ قائبل ما داـ القرآف بيد المسمميف ‪ ،‬فمف نستطيع أف نحكميـ ‪ ،‬لذلؾ فبل‬
‫مناص لنا مف أف نزيمو مف الكجكد أك نقطع صمة المسمميف بو»‪.3‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬صيقل االسالم ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.195‬‬
‫‪ -2‬إحسان قاسم الصالحً‪ ،‬جوانب من حياة بديع الزمان‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.3‬‬
‫*‪ -‬وليام غالدستون ‪ 4565-4516 :‬م ‪ ،‬رجل من رجال السٌاسة البرٌطانٌة ‪ ،‬بدات حٌاته السٌاساٌة مان ‪4599‬م‬
‫‪،‬عندما انتخب عضوا فً مجلس العموم البرٌطانً عن "حزب المحافظٌن"وقضى بقٌة حٌاته فً السٌاسة ‪،‬حٌث‬
‫شؽل مناصب عدة وزارات ‪،‬منها رباسة الوزراء عدة مرات ‪،‬كان ٌعرؾ بتعصابه المقٌات للنصارانٌة ‪ ،‬وعداباه‬
‫الشدٌد للدٌن اإلسبلمً والشعوب اإلسبلمٌة‪.‬‬
‫‪- 110 -‬‬
‫وقد علم هذا من الوالً " طاهر باشا" وبؤن أوربا تحٌك مإامرة خبٌثة حول القرآن الكارٌم‬
‫و بهااذا الخباار الااذي زعاازع كٌانااه وإتجاااه هااذا التصاارٌح المعااادي لمشاااعر المساالمٌن أعطااى‬
‫"سعيد النورسي" عهدا بؤن ٌكرس حٌاته إلظهار إعجاز القرآن الكرٌم للعالم حٌث قال‪:‬‬

‫» ألبرىنف لمعالـ أف القرآف شمس معنكية ال تخبك سناىا ‪ ،‬كال يمكف إطفاء نكرىا« ‪.1‬‬

‫أصاابح "سووعيد النورسووي" بعااد هااذه الحادثااة قااوي ممااا قااوى عزٌمتااه علااى إنشاااء "مدرسووة‬
‫الزهووراء" والتااً ماان خبللهااا ٌسااتطٌع أن ٌحقااق وعااده وماان هنااا باادأت رحلتااه إلااى العاصاامة‬
‫"إستانبول" عازما ومصرا على أن ٌقابل المسإولٌن وبالتالً أن ٌقنعهم‬

‫« بضركرة إنشاء ىذه المدرسة أك الجامعة اإلسبلمية كمدل أىميتيا كتجتمع‬


‫العناية بالعمكـ الشرعية كالدينية كالعمكـ الرياضية تحت سقؼ كاحد كيشاىد العالـ الغربي عظمة ىذا الديف ‪،‬‬
‫كيككف ذلؾ حصانة مف خطر إفساد الدعكات القكمية الشعكب اإلسبلمية«‪.2‬‬

‫ومن أجل النهوض بهذه المنطقة علمٌا ‪ ،‬ومن هنا بدأ " ساعٌد النورساً" بجهااده المعناوي‬
‫معتمدا على الحكمة القرآنٌة وخادما للقرآن وأصبح القارآن الكارٌم لاه دلاٌبل ومرشادا وأساتاذا‬
‫وأصاابحت جمٌااع العلااوم المتنوعااة فااً ذهنااه ماادارج إلدراك معااانً القاارآن الكاارٌم وإثبااات‬
‫حقابقه‪.‬‬

‫نستنتج من خبلل ما تقدم ومن خبلل ما لحظناه فً سٌرته الذاتٌة التً صرح بها عن نفساه‬
‫ومن خبلل ما كتب عنه من خبلل عدة مإلفات ومن خبلل عدة مإتمرات دولٌة تطرقت الاى‬
‫دراسات حاول "ساعٌد النورساً" مان خابلل تنااول عادة زواٌاا منهاا مااهو دٌناً ومنهاا مااهو‬
‫أخبلقً ومنها ماا هاو سٌاساً‪...‬الخ أن رحلتاه إلاى إساتانبول للمارة الثانٌاة أي ماا ٌوافاق سانة‬
‫‪ 1907‬م وهو ما ٌسبق عهد الحرٌة وقبل تدبٌر اإلنقبلب المادبر للخلاع السالطان عباد الحمٌاد‬

‫‪ -3‬سهٌل صابان ‪ ،‬عثمان علً‪ ،‬تطوور األوضواع الثقافيوة فوي تركيوا مون عهود التنظيموات الو عهود الجمهوريوة‬
‫‪1999-1839‬م ‪ ،‬المعهد العالمً للفكر االسابلمً ‪ ،‬مكتاب التوزٌاع فاً العاالم العرباً ‪ ،‬بٌاروت‪ ،‬لبناان‪ ،‬الطبعاة‬
‫األولى ‪9141 ،‬م‪ ،‬ص ‪.195‬‬
‫‪-1‬إحسان قاسم الصالحً ‪ ،‬بديع الزموان سوعيد النورسوي‪ :‬نظورة عاموة عون حياتوه وآثوره ‪ ،‬دار ساوزلر للنشار‪،‬‬
‫استانبول‪ ، 4654 ،‬ص‪ .92‬أنظر أٌضا سعٌد النورسً ‪ ،‬السيرة الذاتية‪ ،‬ص ‪..33‬‬
‫‪ -2‬صابان سهٌل‪،‬عثمان علً‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.196‬‬
‫‪- 111 -‬‬
‫الثااانً ‪ ،‬أن توجهااه كااان لااه ؼاٌااة أال وهااً مناااظرة العلماااء ومدرسااً الماادارس الدٌنٌااة الااى‬
‫مناقشته وأن ٌجٌب عن جمٌع أسبلتهم‪.‬‬

‫ثانيا ‪:‬إرسال عريضة للسلطان بإنشاء " مدرسة الزهراء"‬

‫» ك في عاـ ‪5211‬م اتجو النكرسي إلى إستانبول أم قبؿ عيد الحرية ‪ ،‬كجيتو ىك‬
‫دعكة إلى العمماء كمدرسي المدارس الدينية إلى مناقشاتو كمناظراتو ‪ ،‬فأجاب عف جميع أسئمتيـ إجابة‬
‫شافية كصائبة« ‪. 1‬‬

‫« ك ىذا بغية الحصكؿ عمى الدعـ ك المساندة الرسمية النشاء جامعتو االسبلمية‬
‫التي أطمؽ عمييا اسـ مدرسة الزىراء ‪ ،‬ك كاف يناىز الثبلثيف أنذاؾ»‪.2‬‬

‫كمااا أنااه أثناااء إقامتااه بإسااتانبول قااام بإرسااال عرٌضااة الااى "السوولطان عبوود الحميوود الثوواني "‬
‫وذلك لٌطلب منه بإنشاء " مدرسة الزهراء" ‪ ،‬بحٌاث شارح لاه "بوديع الزموان" المشاكلة التاً‬
‫تقع فً المنطقة الشرقٌة والتً تعانً من الجهل والفقر وقلة الخدمات حٌث قال‪":‬‬

‫« مع العمـ أف الدكلة عمى عمـ باحكاؿ أىالي المنطقة الشرقية الذيف يعدكف‬
‫جزءا ميما مف األمة العثمانية ‪ ،‬إال أنني أرجكا مف ذلؾ السماح لي بتقديـ بعض المطالب التي ىي ضمف‬
‫الكاجب العممي المقدس‪ ،‬لقد تـ فتح بعض المدارس في شرقي األناضكؿ ‪ ،‬كلكف ال يستفيد مف العمكـ التي‬
‫تدرس في ىذه المدارس سكل الطبلب الذيف يعرفكف المغة التركية ‪ ،‬أما الذيف ال يعرفكف التركية فبل يجدكف‬
‫أماميـ سكل اإلنخراط في المدارس الدينية ‪ ،‬كلعدـ معرفة معممي ىذه المدارس المغات المحمية فإف األطفاؿ‬
‫يبقكف محركميف مف الدراسة كالتعميـ كىذا يؤدم إلى زيادة الجيؿ كالى زيادة القبلقؿ كىذا يشغؿ أذىاف‬
‫ذكم الغيرة« ‪.3‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً‪ ،‬اللمعات ‪،‬تر‪ :‬إحسان قاسام الصاالحً‪ ،‬شاركة ساوزلر للنشار‪ ،‬القااهرة‪ ،‬مصار‪،‬‬
‫بدون سنة‪ ،‬وطبعة نشر ‪ ،‬ص ‪.939‬‬
‫‪ -2‬واحدة شكران ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.39‬‬
‫‪ -3‬أورخان محمد علً ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص ‪.91‬‬
‫‪- 112 -‬‬
‫وبالتالً إقتراح "سعيد النورسي" لتفادي هذا النقص كان ٌعتبر من أهام اإلصابلحات التاً‬
‫ٌجب على السلطة العثمانٌة القٌام بها من أجال اإلصابلح والقٌاام بجهاود فعلٌاة ومجسادة علاى‬
‫أرض الواقع وذلك بإقتراحه‬

‫« عمى الحككمة بالقياـ بفتح عدة مدارس كفي عدة مناطؽ مختمفة في شرقي‬
‫األناضكؿ مثؿ "بتميس" ‪" ،‬كاف" ك "سعرد" ‪ ،‬كتعميـ خمسيف طالبا في كؿ مدرسة عمى حسابيا عمى أف‬
‫تدرس المكاد العممية في ىذه المدارس جنبا إلى جنب مع العمكـ الدينية »‪.1‬‬

‫وهكااذا فااً نظااره ٌااتم إرساااء أسااس المعااارؾ ماان أجاال تقوٌااة الوحاادة وماان أجاال الاادٌن‬
‫والوطن ‪ ،‬ثم ٌقابل السلطات نفسه لٌس من أجل هذا الطلب فقط بل ناراه مان خابلل ماا سارد‬
‫عن حٌاته أنه الى جانب هذا الطلب اإلٌجابً أنه فً نفس الوقت وأثنااء ذلاك ٌنتقاد اإلساتبداد‬
‫والظلم ونظام االمن واإلستخبارات فً قصر "يلدز"‪.‬‬

‫وٌشٌر "سعٌد النورسً" إ لى نقطة أساسٌة أال وهً أنه لما قدم إلى إستانبول الحظ وشاهد‬
‫أن الماادارس الدٌنٌااة لاام تتقاادم كااالمرافق األخاارى فااً الااببلد وٌرجااع الساابب فااً ذلااك إلااى‬
‫اإلستنباط من الكتب وعدم إجراء المناظرات العلمٌة بٌن الطبلب‪ ،‬كما الحاظ أن هنااك تبااٌن‬
‫فً األفكار بٌن أهل المدارس الدٌنٌة والمدارس الحدٌثة والزواٌا فٌشٌر أٌضا‪:‬‬

‫« إلي أف أىؿ المدارس الدينية يتيمكف أىؿ المدرسة الحديثة بضعؼ العقيدة‬
‫لتأكيميـ ظكاىر بعض اآليات كاألحاديث تأكيبل ال يفض ي إلى غير المراد منيا‪ .‬كىؤالء يعدكف أكلئؾ غير‬
‫مكثكؽ بيـ لعدـ إقباليـ عمى العمكـ الحديثة ‪ ،‬فحيف ينظر أىؿ المدارس الحديثة إلى التكايا ك الزكايا كأنيـ‬
‫أىؿ بدعة حيث يبنكف رأييـ ىذا عمى ظف باطؿ لدل العكاـ كبعض الجيبلء الذيف يعدكف أعماال كحركات‬
‫في الذكر‪،‬كليذا دعى " سعيد النورسي " أف تصبح ىذه المرافؽ الثبلثة جيا از متناسقا لمتقدـ كالرقي بمزج‬
‫العمكـ الدينية مع العمكـ الحديثة»‪. 2‬‬

‫‪ -1‬إحسان قاسم الصالحً‪ ،‬بديع الزمان سعيد النورسي‪ ،‬نظرة عاموة عون حياتوه وآثواره‪ ،‬شاركة سوزلرللنشار ‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة العاشرة ‪ 9149 ،‬م‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬السيرة الذاتية‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.49‬‬
‫‪- 113 -‬‬
‫و لهااذا ناارى أن طموحااه كااان ٌاادعو إلااى أن تصاابح هااذه الماادارس ( الدٌنٌااة و الحدٌثااة و‬
‫التكاٌا) دون إقصاء أي واحدة منها أو تهمٌشاها متناساقة فٌماا بٌنهاا مان أجال التقادم ‪ ،‬وهاذه‬
‫هً الؽاٌة التً أتى من أجلها إلى إستانبول راؼبا فً تحقٌقها فً إساتانبول و لهاذا كاان دابماا‬
‫ٌكرر مقولته‪:‬‬

‫« الديف ىك ضياء القمكب ‪،‬أما العمكـ المدنية فيي نكر العقكؿ فبإمتزاجيما تتجمى‬
‫الحقيقة ‪ .‬فتتربى ىمة الطالب كت عمك بكؿ الجناحيف كبإفتراقيما يتكلد التعصب في االكلى كالحيؿ كالشبيات‬
‫في الثانية»‪. 1‬‬

‫ثالثا ‪ :‬لقاء بديع الزمان مع مفتي الديار المصرية الشيخ بخيت المطيعي‪:‬‬

‫«كاف ذلؾ في السنة األكلى مف عيد الحرية»‪. 2‬‬

‫حٌث حضر مفتً الدٌار المصرٌة "الشٌخ بخٌت المطٌعً" والذي كان عالما معروفا ‪،‬‬
‫وقد كان ٌبدو للبعض أنه سٌكون شٌبا طرٌفا أن ٌقوم هذا العالم بمناظرة "بديع الزمان" فلعله‬
‫ٌنجح فٌما لم ٌنجح فٌه علماء "إستانبول" فٌلزمه الحجاة ‪ ،‬وعارض هاذا اإلقتاراح علاى العاالم‬
‫المصري فلم ٌمانع ذلك بل قبله ‪ ،‬وفً ذات ٌاوم فاً مقهاى قارب جاامع "أيوا صووفيا" ‪ ،‬وبعاد‬
‫صبلة العصر إنتهز العالم المصري وجود "بديع الزمان" هناك وبدأ بالحدٌث معه أماام جماع‬
‫من العلماء بالسإال التالً‪:‬ما قولك عن الحرية الموجودة في الدولة العثمانيوة وعون المدنيوة‬
‫األروبية؟‬

‫فكان جواب سعٌد النورسً كالتالً ‪:‬‬

‫«إف الدكلة العثمانية حبمى اآلف بجنيف أكربا كستمد يكما حككمة مثميا‪ ،‬أما أكربا‬
‫فيي حاممة باإلسبلـ كستمد يكما ما»‪.3‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً‪ ،‬صيقل اإلسالم ‪ ،‬شركة سوزلر للنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر ‪ ،‬الطبعة الثالثاة ‪،9119 ،‬‬
‫ص ‪.195‬‬
‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً‪ ،‬السيرة ذاتية ‪ ،‬ص ‪.51‬‬
‫‪ -3‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً‪ ،‬المالحق ‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪953‬‬
‫‪- 114 -‬‬
‫وقد أعجب العالم المصاري بهاذا الجاواب الادقٌق والعمٌاق وإلتفات إلاى حولاه مان العلمااء‬
‫لٌقول لهم‪:‬‬

‫« ال يناظر ى ذا الشاب كال أتمكف أف أغمبو فمقد شاىدنا الكالدة األكلى أنيا سبقت‬
‫أكربا في بعدىا عف الديف بربع قرف‪ ،‬أما الكالدة الثانية فستظير بعد حكالي ثبلثيف سنة بإذف ا﵀‪ ،‬ستظير‬
‫قي الشرؽ كالغرب دكلة إسبلمية »‪.1‬‬

‫رابعا ‪ :‬رحلته للشام وخطبته المشهورة وتأثيرها الدعوي‬

‫فً شتاء سنة ‪1911‬م الموافق لـ ‪1327‬هـ ‪ ،‬زار " النورسي" دٌار الشاام حٌاث كانات لاه‬
‫أختااه هناااك‪ .‬وألقااى خطبااة باللؽااة العربٌااة فااً الجااامع األمااوي فااً دمشااق ‪ ،‬مخاطبااا العلماااء‬
‫وجمعااا ؼفٌاارا ماان المصاالٌن ‪ ،‬وقااد طبعاات خطبتااه هااذه فااً كراسااة تحاات عنااوان " الخطبووة‬
‫الشامية" والتاً شاخص فٌهاا أماراض األماة اإلسابلمٌة وعبلجاتهاا ‪ ،‬حضارها ماا ٌقارب مان‬
‫عشرة أالؾ شخص بٌنهم ما ال ٌقل عن مابة من كبار علماء الشام ‪.‬‬

‫ونبلحظ أن ما تطرق إلٌه "النورسي" تناوله لمجموعة من األماراض التاً تصاٌب المجتماع‬
‫والتااً تهااد كٌااان المجتمااع االساابلمً وتااإدي إلااى تاادهوره‪ .‬مثلهااا كااالمرض العضااوي ال اذي‬
‫ٌصٌب جسد االنسان فٌخل بوظابفاه وٌهادد نظاماه العاام وٌاإثر علٌاه تاؤثٌرا سالبٌا ‪ ،‬وسانذكر‬
‫بعض األمراض التً ذكرها وركز علٌها وذلك من أجل تسلٌط الضوء علٌها هً كاآلتً‪:‬‬

‫« ‪ -1‬اليأس كالقنكط الذم ما زاؿ يجد أسباب الحياة في نفكسنا‪ -2 .‬مكت الصدؽ‬
‫في حياتنا اإلجتماعية كالسياسية‪ -3.‬حب العداكة‪ -4.‬تجاىؿ الرابطة الركحية التي تربط المؤمنيف ببعضيـ‬
‫البعض‪ -5.‬ذيكع اإلستبداد ذيكع األمراض المعدية المختمفة‪ -6 .‬حصر اليمة في المنفعة الشخصية دكف‬
‫اإللتفات الى النفع العاـ»‪.2‬‬

‫ولم ٌتطرق إلى ذكر األمراض بل قدم كذلك الحلول لمواجهة هذه األمراض وبالتالً إعاادة‬
‫النظام لهذا المجتمع المرٌض ‪،‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬السيرة الذاتية‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص‪.51‬‬


‫‪ - 2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬صٌقل اإلسبلم ‪ ،‬ص ‪.164‬‬

‫‪- 115 -‬‬


‫‪1‬‬
‫« كما بٌن الدواء لكل مرض من األمراض المذكورة مبتدءا باألمل »‬

‫ومن دمشق ذهب إلى "بيروت" كمنيا سافر إلى "إستانبول" عن طرٌق البحر للسعً مرة‬
‫أخرى‬

‫« لتحقيؽ غايتو في إنشاء " مدرسة الزىراء" فيقابؿ السمطاف "محمد رشاد" كقد أخذ‬
‫كعدا مف السمطاف كمف جمعية االتحاد كالترقي بفتح دار لمفنكف اإلسبلمية "جامعة إسبلمية" في الشرؽ ‪،‬‬
‫إال أف أحداث الحرب العالمية األكلى قضت عمى ىذا المشركع »‪.2‬‬

‫الفرع الرابع ‪ :‬محاولة إبعاد ه من إستانبول‬

‫كاناات شااهرته العلمٌااة قااد إنتشاارت فااً أقطااار "إسووتانبول" فتجمااع حولااه الطاابلب والعلماااء‬
‫ٌسؤلونه وهو ٌجٌب بكل شفافٌة وصواب‪،‬‬

‫« إعترؼ لو الجميع باإلمامة كبأنيـ لـ يشاىدكا في عممو كفضمو أحدا‪ .‬كفي ختاـ‬
‫المناظرات العممية التي دامت بنجاح باى ار أياما كأسابيع قالكا إف ىذا الرجؿ مجنكف ألنو يعمـ كؿ شيء‬
‫كسجمكا إسـ "سعيد المسكين" في سجؿ المجانيف كألقكا أنو مجنكف العمـ كالمعرفة كالكطف كالمدينة في‬
‫مستشفى المجاذيب كبعثكا لو مف القصر طبيبا ليفحص قكاه العقمية في المستشفى بأمر مف السمطاف عبد‬
‫الحميد الثاني»‪. 3‬‬
‫وبعدما تحاور الطبٌب مع "سعيد النورسي" ‪ ،‬هذا األخٌر الذي تكلم عن سبب قدومه إلاى‬
‫"إستانبول" كان من أجال رفاع الجهال وذلاك عان طرٌاق اإلصابلح بمازج العلاوم الدٌنٌاة ماع‬
‫العلوم العلمٌة فٌما بٌنهاا مان أجال التقادم والرقاً وبعاد أن أعطاى المباررات الشاافٌة للطبٌاب‬
‫وبعد سماعه أدرك مدى جدٌتاه وساعٌه الحثٌاث فاً خدماة الاوطن ونفاع االهاالً فاً المعرفاة‬
‫وكٌؾ أنه فً قمة الذكاء ‪،‬فكتب الطبٌب تقرٌرا ضمنه بهذا الكبلم‪":‬‬

‫‪ -1‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.169‬‬


‫‪ -2‬إحسان قاسم الصالحً‪ ،‬بديع الزمان سعيد النورسي‪ ،‬نظرة عامة عن حياته وماثره‪ ،‬المرجاع الساابق ‪ ،‬ص‬
‫‪.94‬‬
‫‪ -3‬باادٌع الزمااان سااعٌد النورسااً ‪ ،‬الشووعاعات ‪ ،‬ترجمااة ‪ :‬إحسااان قاساام الصااالحً‪ ،‬دار سوزلرللنشاار‪ ،‬القاااهرة‬
‫‪،‬الطبعة الثالثة ‪ ،4669،‬ص‪.214‬‬
‫‪- 116 -‬‬
‫« ال يكجد بيف القادميف إلى إستانبكؿ مف يممؾ ذكاء كفطنة مثمو ‪ ،‬إنو نادرة العالـ"‬
‫‪،‬فأصدركا أم ار مستعجبل بإخراج" سعيد "مف المستشفى ‪ ،‬كبعثكا مع كزير األمف "شفيق باشا" أم ار إداريا‬
‫يتضمف تخصيص مبمغ قدره ثبلثكف ليرة ذىبية مرتبا شيريا مع مبمغ مف التبرعات كذلؾ ألجؿ إبعاده عف‬
‫إستانبكؿ»‪.1‬‬

‫لكن "سعيد النورسي" رفض ذلك وإعتبره إتاوة على سكوته‪.‬‬

‫وما ٌمكن اإلشارة إلٌه أن "سعيد النورسي" قضى فترة داخل المستشفى حٌث أنه ‪:‬‬

‫« قضى قرابة ثمانية أشير في المستشقى كذلؾ تبعا لئلجراءات كالركتيف المعقد‬
‫كالرسمي مف أجؿ خركجو مف المستشفى مف خبلؿ تقديـ التقرير كالمصادقة عميو حتى الخركج أخد كقتا‬
‫طكيبل‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬‬ ‫»‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬إهتمامه بالسياسة‬


‫الفرع األول ‪ .:‬بدايه إهتمامه بالسياسة وتأثيرها عل الفكر النورسي‪:‬‬
‫بدأ إهتمام سعٌد النورسً بالسٌاسة أثناء تواجده " بماردٌن" وذلك قبل اإلنقبلب حسب ما‬
‫ٌرده‬

‫« أثناء إعبلف المشركطية الثانية سنة ‪1908‬ـ ‪ ،‬حيث أنو عندما كصؿ الى " مارديف" يذكر في‬
‫سيرتو الذاتية أنو التقى خبلؿ سنة ‪1893-1892‬ـ‪ ،‬بشخص فاضؿ حكالي مدينة "مارديف" أرشده الى‬
‫الحؽ كبيف لو المسمؾ المعتدؿ القكيـ في السياسة ‪ ،‬كيقكؿ سعيد النكرسي أنو أفاؽ مف نكمو برؤية كماؿ‬
‫المشيكر كالذم يعتبر مف المؤمنيف بالحرية كاإلتحاد االسبلمي»‪.3‬‬

‫« حيث أنني بايعت السمطاف سميـ كقبمت فكره في االتحاد اإلسبلمي ‪ ،‬ألف ذلؾ‬
‫الفكر ىك الذم أيقظ الكاليات الشرقية ‪ ،‬فيـ قد بايعكه عمى ذلؾ ‪ .‬فالشرقيكف اآلف ىـ أؤلئؾ لـ يتغيركا ‪،‬‬
‫فأسبلفي في ىذه المسألة ىـ‪" :‬السيد جمال الدين األفغاني" كمفتي الديار المصرية "محمد عبده" كمف‬

‫‪ -1‬عماااد عبااد الساابلم رإوؾ ‪،‬مووذكرات عبوود المجيوود محمووود الوووزير فووي العهوود الملكووي بووالعراق ‪ ،‬دار الحكمااة‬
‫للطباعة والنشر والتوزٌع‪ ،‬لندن ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،9115،‬ص‪ . 3‬أنظر أٌضا ‪ :‬سعٌد النورسً ‪،‬السٌرة الذاتٌاة‪،‬‬
‫ص ‪.41‬‬
‫‪ -2‬أورخان علً ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.95‬‬
‫‪ -3‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً‪ ،‬السيرة الذاتية ‪ ،‬ص ‪.25‬‬
‫‪- 117 -‬‬
‫عمماء االعبلـ عمي صعاكم كالعالـ تحسيف كالشاعر نامؽ كماؿ الذم دعا الى اإلتحاد اإلسبلمي‬
‫كالسمطاف سميـ الذم قاؿ‪ " :‬إف مغبة اإلختبلؼ كالتفرقة حتى في قبرم فسبلحنا في دفع صكلة األعداء إنما‬
‫ىك اإلتحاد ‪ ،‬إف لـ تتحد األمة فإني أتحرؽ أسى"»‪.1‬‬

‫من خبلل هاذا نارى أن النورساً أبادى نشااطا دابباا ومناصارة للمناادٌن بالحرٌاة وإهتماماا‬
‫باااألمور اإلجتماعٌااة والسٌاسااٌة ‪ ،‬حتااى انااه فااً كثٌاار ماان األحٌااان سااوق بااه إلااى المحاااكم‬
‫العسكرٌة العرفٌة إلتهاماه بعادة جناٌاات كوناه مناصارا للحرٌاة وٌساعى إلاى تهدباة األوضااع‬
‫واإل ضطربات السٌاسٌة بعلوه المنصات وخطابه للحرٌة والوطنٌة ‪.‬‬

‫« أثناء تكاجده في " مارديف" كاف لو نصيب في إلتقاءه أيضا طالبيف أحدىما مف‬
‫طبلب السيد جماؿ الديف األفغاني كبالتالي إطمع بكاسطتو عمى منيج السيد جماؿ الديف االفغاني»‪.2‬‬

‫ومما تجدر اإلشارة الٌه أن منهج السٌد جمال الدٌن االفؽانً ترك بصمة على فكر "ساعٌد‬
‫النورسً" من خبلل منطلقاته الفكرٌة وإٌدٌولوجٌته فً عصرالنهضة فً القرن التاسع عشار‬
‫وبداٌة القرن العشرٌن التً كانت تعبٌرا عن واقع إجتماعً وفكري وسٌاساً وإقتصاادي لماا‬
‫كانت تعٌشه األمة اإلسبلمٌة آنذاك‪.‬‬

‫ونرى أنه منذ بداٌة إهتمامه بالسٌاسة سار على خطى السٌد "جماال الادٌن األفؽاانً" مان‬
‫أسبلفه الذٌن نادوا باإلتحاد االسبلمً ‪ ،‬حٌث عاصر "جمال الدٌن األفؽانً" ‪1897-1839‬م‬
‫الهجماة األمبرٌالٌااة الشرساة التااً تعاارض لهاا العااالم اإلسابلمً فااً الثلااث األخٌار ماان القاارن‬
‫التاسااع عشاار ‪ 19‬م والتاادخل فااً أمااور الدولااة العثمانٌااة الداخلٌااة ‪ ،‬هااذا الوضااع إنعكااس علااى‬
‫أفكاره اإلصبلحٌة التً إتخذت األ وضاع موقفاا مؽااٌرا ٌمكان أن ٌكاون أقارب للعاداء للؽارب‬
‫األوربً ‪.‬‬

‫« أىـ فكرة ركز عمييا "جماؿ الديف األفغاني" ‪ "Jamel Eddine Al Afghani‬في‬
‫تصكره لمنيضة الدينية إعتبار االسبلـ ديف كمدنية إنسانية مزدىرة في كؿ نكاحييا»‪. 1‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬صيقل االسالم ‪ ،‬ص ‪.113‬‬


‫‪ -2‬سعٌد النورسً ‪ ،‬السيرة الذاتية ‪ ،‬ص ‪.25‬‬
‫‪- 118 -‬‬
‫وسامحت لااه ظاروؾ إقامتااه فااً مصار تكااوٌن جٌاال مان الشااباب فااً األزهار قاااوم عملٌااة‬
‫التحدٌث والعلمنة التً كانت وراءها برٌطانٌا‪ .‬كما أنه أسس مجلة إسامها "العاروى الاوثقى"‬
‫مع "محمد عبده" والتً حمبل على عاتقهما مان خابلل مقاالتهاا ‪ ،‬إحٌااء اإلسابلم الصاافً باٌن‬
‫الشاارٌعة والعقاال خدمااة لبناااء األمااة اإلساابلمٌة الجدٌاادة‪ ،‬كمااا ساانرى أن هااذا األساالوب إتبعااه‬
‫"النورسااً" ماان خاابلل كتاباتااه لمقاااالت حااول الحرٌااة والمناااداة بهااا فااً إطااار مااا تنااادي بااه‬
‫الشرٌعة خاصة بعد إعبلن عهد الحرٌة‪.‬‬

‫كما تجادر اإلشاارة كاذلك الاى أن إرتبااط "جماال الادٌن األفؽاانً" بحركاة الجامعاة اإلسابلمٌة‬
‫التااً ماان خبللهااا دعااا إ لااى اإلتحاااد اإلساابلمً ووحاادة الصاافوؾ المساالمٌن شااعوبا وحكومااات‬
‫وعلى رأسها الدولة العثمانٌة لمجابهة الزحؾ اإلستعماري المتزاٌد على دٌار المسلمٌن وذلك‬
‫لمباشرة اإلصبلح الدٌنً واإلجتماعً والتعاون الوثٌق لتحرٌرهم من السٌطرة االجنبٌة ‪ ،‬كما‬
‫أكد بدوره على شعٌرة الحج كوسٌلة أساسٌة لتقوٌة هذه الوحدة ‪ ،‬ألن الحج عبارة عن مإتمر‬
‫إسبلمً سانوي كبٌار ٌلتقاً فٌاه المسالمون مان كافاة أرجااء األرض ‪ٌ ،‬تبااحثون فاً الشاإون‬
‫الدٌنٌ ة واإلسبلمٌة وٌضعون الخطط وٌرسمون الطرابق للدفاع عن اإلسبلم والمسلمٌن‪.‬‬

‫كما ٌمكن أن نشٌر الى ما أكاده " جماال الادٌن األفؽاانً" كحوصالة إلاى ماا ساعى إلٌاه مان‬
‫أجل اإلصبلح والنهوض باألمة اإلسبلمٌة ماٌلً ‪:‬‬

‫«ضركر اإلقتباس مف الحضارة الغربية في مياديف العمكـ الحديثة كاألنظمة السياسية‬


‫كالدستكرية ‪ ،‬كاقامة الدكلة عمى أساس العقؿ كتضامف الطكائؼ في كحدة المجتمع القكمي كالتمسؾ‬
‫‪2‬‬
‫بالسعي ال بالقدرية »‬

‫نبلحظ فً هاذه النقطاة وهاذه اإلٌادٌولو جٌاة أن "ساعٌد النورساً " قاد أكاد علاى ضارورة‬
‫اإللمام باالعلوم الحدٌثاة وقاد ذكرناا هاذا ساابقا حاٌن كاان ٌقاٌم فاً وان حٌاث أناه درس العلاوم‬
‫الحدٌثة أل ول مرة فً مكتبة الوالً مان خابلل هاذا نساتنتج أن ساعٌد النورساً و جماال الادٌن‬

‫‪ -1‬رفاعة رافع الطهطاوي ‪ ،‬مناهج األلباب المصرية في مناهج اآلداب العصرية‪ ،‬مطبعة شركة الرؼابب للنشر‬
‫و التوزٌع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪4649 ،‬م‪ ،‬ص‪.99‬‬
‫‪ -2‬الؽالً ؼرباً‪ ،‬درا سوات فوي تواريخ الدولوة العثمانيوة والمشورق العربوي ‪1916-1288‬م‪ ،‬دٌاوان المطبوعاات‬
‫الجامعٌة للنشر‪،‬بدون طبعة ‪ ،‬الجزابر‪9114 ،‬م‪ ،‬ص‪.994‬‬
‫‪- 119 -‬‬
‫االفؽانً إنتهجا نفس الفكرة أو حتى بعض األفكار إن صح القول وذلاك بهادؾ إصابلح دٌناً‬
‫إجتماعً‪...‬الخ من أجل دفع اإلستعمار األوربً عن اإلسبلم والمسلمٌن أٌنما وجدوا‪.‬‬
‫«أف الكحدة الحقيقية تقكـ عمى اإلعتقاد الديني المشترؾ ‪،‬أكثر مما تقكـ عمى أم نكع‬
‫مف أنكاع الكالءات األخرل بما فييا الكالءات الكطنية ‪ ،‬كما أف دكاء ضعؼ البمداف اإلسبلمية إنما يككف‬
‫بالعكدة كالرجكع الى القرآف الكريـ كاإلسبلـ الصحيح كبناء الدكلة عمى أساس ديني ‪ .‬كرغـ فشؿ حركة "‬
‫جماؿ الديف األفغاني" سياسيا‪ ،‬إال أنيا تركت أثار بعيدة المدل في حياة المجتمعات اإلسبلمية مف الناحية‬
‫الدينية‪ .‬كذلؾ أنيا كانت أكثر إدراكا لمشكبلت العالـ اإلسبلمي إذا قكرنت بالحركة الكىابية أك السنكسية‬
‫‪،‬كنرل اف جماؿ الديف االفغاني قد فضؿ النيج السياسي قبؿ كؿ إصبلح »‪. 1‬‬

‫ومما ال شك فٌه أن هنااك تقاارب جاد كبٌار فاً توجاه أفكاار " جماال الادٌن األفؽاانً" وماا‬
‫ٌنادي به "سعٌد النورسً" من خبلل ماا طرحاه "جماال الادٌن األفؽاانً" كمفكار إسابلمً فاً‬
‫عصاار النهضااة و كرابااد لئلصاابلحات التااً نااادى بهااا ‪ ،‬هااذا مااا ٌجعلنااا نلمااس تااؤثر " سااعٌد‬
‫النورسً" بحركة "جماال الادٌن األفؽاانً" ومحتواهاا وماا طمحات للوصاول إلٌاه كواقاع عان‬
‫أوضاع إجتماعٌة ودٌنٌة وسٌاسٌة ‪...‬الخ من أجل الوحدة واالتحاد اإلسبلمً فً وجه المدنٌاة‬
‫وفً وجه اإلستعمار األوربً اإلستبدادي‪.‬‬
‫ؼٌاار أن " محمااد عبااده" تلمٌااذ جمااال الاادٌن االفؽااانً إنااتهج طرٌقااة إصاابلحٌة بعٌاادة عاان‬
‫السٌاسة تختلؾ عن أستاذه جمال الدٌن إلنشاء حركة تجدٌدٌة فكرٌة إسبلمٌة فاً بداٌاة القارن‬
‫العشرٌن تعتمد على العمل التربوي الذي هو محور إهتمامه األكبار مان أجال القضااء علاى‬
‫الجمااود ال فكااري و الحضاااري‪ ،‬إلعااادة إحٌاااء األمااة اإلساابلمٌة التااً تتوافااق مااع مسااتجدات‬
‫العصر ‪ ،‬وهو بذلك ٌرى أن التربٌة والتعلٌم وسٌلتٌن من وسابل إٌقااظ الاوعً فاً االماة ‪،‬و‬
‫بواساطتهما تتجاادد حٌوٌااة األمااة وٌعااد تكوٌنهااا ‪ ،‬ومنااه نسااتنتج أنااه كاان بعٌاادا كاال البعااد عاان‬
‫السٌاسااٌة و مااا ٌاارتبط بهاا و لاام ٌدمجااه فااً تجدٌااده اإلصاابلحً عكااس أسااتاذه ‪ ،‬ك لخػػص فكػره‬

‫اإلصبلحي قائبل‪:‬‬

‫‪ -1‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.995‬‬


‫‪- 120 -‬‬
‫« إرتفع صكتي بالدعكة إلى أمريف عظيميف األكؿ تحرير الفكر مف قيد التقميد كفيـ‬
‫الديف عمى طريقة سمؼ األمة قبؿ ظيكر الخبلؼ ‪ ،‬األمر الثاني إصبلح المغة العربية ك أساليبيا في‬
‫التحرير سكاء كاف في المخاطبات الرسمية أك المراسبلت بيف الناس‪.‬كىنا أمر آخر كنت مف دعاتو ىك‬
‫التمييز بيف ما لمحككمة مف حؽ الطاعة عمى الشعب كما لمشعب مف حؽ العدالة عمى الحككمة"»‪. 1‬‬

‫كما دافع "محمد عبده" أٌضا عن موقؾ اإلسبلم من المدنٌة الؽربٌة بقوله ‪:‬‬
‫« إف اإلسبلـ لف يقؼ عثرة في سبيؿ المدنية أبدا كلكنو سييذبيا كينقييا مف‬
‫اكضارىا‪ .‬كستككف مف أقكل أنصاره متى عرفتو كعرفيا أىمو‪ ....‬كىذا الجمكد سيزكؿ ‪ ...‬بعكدة ىذا‬
‫الكتاب الذم كاف يتبعو العمـ حيثما سار شرقا أك غربا ‪ ،‬البد أف يعكد نكره الى الظيكر ك يمزؽ حجب‬
‫الضبلالت»‪.2‬‬

‫و من خبلل ماا تقادم نبلحاظ أن النقااط التاً تعارض لهاا "محماد عباده" مان خابلل فلسافته‬
‫اإل صبلحٌة تناولها النورسً وأكد علٌها من خبلل ما لمساناه مان ساٌرته الذاتٌاة وحاول فكاره‬
‫اإلصبلحً فً المجتمع التركً بإعتباار أن الادٌن – اإلسابلم‪ -‬قاادر علاى إساتٌعاب الحضاارة‬
‫الؽربٌة ومنافستها والسبق علٌها ‪.‬‬
‫« إذا ما أعيد إحياؤه بشكؿ يعطي لمعقؿ قيمتو التي إفتقدىا طيمة عصكر اإلنحطاط‬
‫كىذا االسبلـ المتنكر مف شانو اف يحمي المسمميف كالعرب مف أثر التدخؿ األجنبي بإسـ التحديث‬
‫كالتطكير»‪.3‬‬

‫إن نشاط السٌاسً "لسعٌد النورسً" كان ٌتجلى مان خابلل ماا ٌقاوم باه ‪ ،‬فعنادما دعااه‬
‫الوالً "حسن باشا" فً مدٌنة "وان" هذه االخٌرة التً مكث بها قرابة خمسة عشر سنة حٌث‬
‫« إستقر فييا قرابة خمسة عشرة سنة ‪ 15‬سنة عاـ ‪1897‬ـ ‪ ،‬قضاىا في التجكاؿ‬
‫بيف ال عشائر كالمصالحة فيما بينيـ حتى أنو إستطاع إجراء الصمح بيف "شكرآغا" ك "مصطفى باشا" رئيس‬

‫‪ -1‬الؽالً ؼربً‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.995‬‬


‫‪ -2‬نفس المرجع ‪،‬ص ‪.996‬‬
‫‪ -3‬أحمد السماوي‪ ،‬اإلستبداد والحرية في فكر النهضة‪ ،‬دار محمد علً الخامً للنشر والتوزٌع‪ ،‬تونس‪4655،‬م‪،‬‬
‫ص ‪.99‬‬
‫‪- 121 -‬‬
‫عشيرة "ميراف" بينما أخفقت اإلدارة العثمانية مف فض النزاع بينيما»‪.1‬‬

‫ومان خاابلل هااذا نارى كٌااؾ ان "النورسااً" كاان ٌمااارس السٌاسااة عان طرٌااق الموعظااة‬
‫واإلرشاد بٌن هذه العشابر و التً طالما السلطات والحكومة العثمانٌة عجزت عن فعل ذلك‪.‬‬
‫و نرى من خبلل ساٌرة "ساعٌد النورساً" الذاتٌاة وكال مجرٌاات حٌاتاه أناه فاً حٌاتاه فاً‬
‫إستانبول كانت له حٌااة ذات طابعاا سٌاساٌا إلاى حاد ماا إذ كاان ٌحمال فكارة خدماة الادٌن عان‬
‫طرٌق السٌاسة ‪ ،‬من خبلل ما كان ٌقوم به بصعوده المنصات وإلقاء الخطب ‪.‬‬

‫« ناصر بذلؾ الدعكة الى الحرية كعارض بشدة "جمعية اإلتحاد كالترقي" عنما شاىد‬
‫مف ظمميـ‪ ،‬كبعدما أعمف الدستكر نراه يناصر جمعية "اإلتحاد المحمدم" ‪ ،‬كالتي بدأت تتكسع كتنتشر في‬
‫‪2‬‬
‫زمف قصير حتى إنضـ إلييا خمسكف ألفا مف األعضاء كؿ مف "أدابازارم" ك " إزميت"»‬

‫ولم ٌقتصر عمله السٌاسً على إلقاء الخطاب وإعاتبلء المنصاات لتهدباة األوضااع وحااالت‬
‫الفوضااى التااً كاناات تعاام أرجاااء إسااتانبول والتااً سااٌتم ذكرهااا الحقااا ‪ ،‬وانمااا تعاادى نشاااطه‬
‫السٌاسً ذلك الى نشر وكتابة المقاالت فً هذه الفترة وتعاقبت فً الصاحؾ الدٌنٌاة فإساتفاد‬
‫الناس والسٌاسٌون والعلماء من تلك المقاالت والخطب أٌما إستفادة‪.‬‬

‫رؼم أن ممارسته السٌاسة هذه لم تكن فً خدمه مصالحته الشخصاٌة كماا هاً متدوالاة فاً‬
‫زماننا الحاضر وما ٌكشفه لنا واقعنا المعاش حالٌا‪ ،‬بل كانت من أجل المصلحة العاماة وذلاك‬
‫بهدؾ إخما د نار التشتت والقتال والفاتن‪ ،‬وباالرؼم مان هدفاه النبٌال والخاالً مان اي مصالحة‬
‫شخصٌة اال أنه فً ؼالب األحٌان وكثٌرا ما كانت تشٌر الٌه أصاابع اإلتهاام حاول التحارٌض‬
‫ودفع الناس الى التمرد والفوضى والعصٌان التً تعم شوراع إستانبول ‪ ،‬لٌلقى القبض علٌاه‬
‫عاادة ماارات وٌدخلونااه السااجن كمااا نااراه ٌتعاارض إلااى عاادة محاكمااات ماان خاابلل المحكمااة‬
‫العسكرٌة العرفٌة والتً كل مرة ٌتحصال فٌهاا علاى براءتاه مان جمٌاع الاتهم الموجهاة إلٌاه‪.‬‬
‫وسنذكر حادثة ‪ 31‬مارت والتً كانت سبب دخوله السجن ومحاكمته محاكمة عسكرٌة كاان‬
‫ذلك أٌام عهد السلطان "عبد الحميد الثاني"‪.‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً‪ ،‬السيرة الذاتية ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص‪.39‬‬


‫‪ -2‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.444‬‬
‫‪- 122 -‬‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬محاولة جمعية اإلتحاد والترقي ضم سعيد النورسي في صفوفهم بسالنيك‬

‫ذهااب "بووديع الزمووان سووعيد النورسووي" إلااى مدٌنااة "سووالنيك" التااً كاناات آنااذاك المركااز‬
‫الربٌسً واألساسً ألنشطة "جمعية اإلتحاد والترقي"(‪ ، )1‬التً كانت و تؤسست فاً سارٌة و‬
‫المناهضة لحكم "السلطان عبد الحميد الثاني" حٌث أن إتصال أعضاء هذه الجمعٌة بـ"سعيد‬
‫النورسووي" بإعتبااار أن شااعارهم حريووة – العوودل و المسوواواة – اإلتحوواد فااً خااط مااواز مااع‬
‫أفكاره حول الشورى وحول األخوة اإلسبلمٌة ‪ ،‬والعدالاة اإلسابلمٌة والتاً فاً مضامونها ال‬
‫تمٌز بٌن الؽنً والفقٌر وبٌن القوي والضعٌؾ‪.‬‬

‫كان "سعيد النورسي " ٌإكد على مبادأ الشاورى بشاكل خااص علاى أناه مبادأ إسابلمً لارد‬
‫اإلتهامات الؽرب بؤن النظام الدٌكتاتوري والنظام الفردي نتٌجاتان طبٌعٌتان للدٌن اإلسبلمً‪.‬‬

‫وعندما أعلنت المشروطٌة الثانٌاة سانة ‪1908‬م ‪ ،‬ألقاى "بوديع الزموان " خطباة فاً مٌادان‬
‫الحرٌة " سالنيك " شرح ضمنها مفهوم الحرٌة أي الحرٌة التً ٌرسم الشرع حدودها ولٌسات‬
‫الحرٌة الفوضوٌة التً ال ضابط لها‪.‬‬

‫أحاط أعضاء "جمعية اإلتحاد والترقي" بـ "بديع الزموان" محااولٌن باذلك جاره إلاى صافوفهم‬
‫واإلستفادة من شعبٌته ومن شهرته لدى العوام وبالتالً ٌستطٌعوا مان خبللاه إساتمالة العاوام‬
‫وتؤٌٌد الناس لهم ومن ما ٌطالبون به من مطالب تخدم بالدرجة األولى مصالحهم الذاتٌة التاً‬
‫ال تخدم المجتمع ككل وإنما تعزز مطالبهم الشخصٌة‪.‬‬

‫‪ -1‬اإلتحاد والترقي‪ :‬جمعٌة سرٌة شكلها طالب ألباانً فاً المدرساة الطبٌاة العساكرٌة السالطانٌة ٌادعى "إباراهٌم‬
‫تمو" مع قسم من أصدقابه من الطلبة سنة ‪ ، 4556‬وكانت تهدؾ إلى خلع السلطان عباد الحمٌاد الثاانً‪ ،‬ورفعات‬
‫شااعار "حرٌااة‪ ،‬مساااواة ‪،‬عدالااة" ساااعدتها المحافاال الماسااونٌة‪ ،‬وانتسااب كثٌاار ماان أعضااابها إلٌهااا‪ ،‬كمااا أن دوال‬
‫أوروبٌة عدٌدة مدت لها ٌاد المسااعد ة‪ .‬اساتفحل أمرهاا عنادما تؽلؽلات فاً صافوؾ الجاٌش الثالاث العثماانً فاً‬
‫مدٌنة "سبلنٌك" التً كانت مقرا لٌهاود "الدونماة" وفٌهاا محفال الماساونٌة‪ ،‬وبادأت حركاة تمارد فاً هاذا الجاٌش‬
‫وأرسل زعماء الحركة هذه برقٌات تطالب السلطان بإعبلن الدستور وإعادة مجلس المبعوثان (النواب) واضطر‬
‫السلطان إلى إعبلن المشروطٌة الثانٌة سنة ‪ 4615‬وبعد سنة من إعبلنه الدساتور تام خلعاه ونفٌاه إلاى "سابلنٌك"‬
‫ونصب أخوه "محمد رشاد "مكانه‪ ،‬ورؼام أن أعضااء جمعٌاةاإلتحاد والترقاً قاد حقاق إصابلحات فاً اإلدارة‬
‫والجااٌش إال أنااه قاابض علااى الحكاام بٌااد ماان حدٌااد و أقااام دكتاتورٌااة ظالمااة‪ ،‬وورط الدولااة فااً الحاارب العالمٌااة‬
‫األولى‪ ،‬وبعد إعبلن هدنة موندروس فً ‪4645/ 41/91‬م‪ .‬بٌوم هرب زعماء هذه الجمعٌة إلى خارج الببلد‬
‫‪- 123 -‬‬
‫وقد إلتقى "سعيد النورسي " عاددا مان شخصاٌاتها مان بٌانهم "ميكائيول قوره صوو" الاذي كاان‬
‫ٌطمح للقاء مع "النورسي" فً إطار محاوالت التؤثٌر فٌاه ولام ٌماانع "سوعيد النورسوي" ذلاك‬
‫‪،‬و لكن المقابلة التً جرت بٌنهما لم تطل ألن " قره صو" فر هاربا من اللقاء وهو ٌقول‪:‬‬

‫« كاد ىذا الرجؿ العجيب ‪-‬النكرسي‪ -‬أف يدخمني في اإلسبلـ بحديثو»‪.1‬‬

‫« لكف بعد نجاح ىذه الجمعية بدأت بإغتياؿ معارضييا في الطرقات ‪ ،‬قاـ "بديع‬
‫الزمان " منددا بظمميا ‪ ،‬ككصفيـ بأنيـ المعتدكف عمى الديف المكلكف ظيكرىـ إلى الشريعة ككشؼ عف‬
‫مخططاتيـ»‪.2‬‬

‫ومن ثم ألقت القبض علٌه وأرسلته إلى المحكمة العسكرٌة‪.‬‬

‫الفرع الثالث ‪:‬موقفه من "جون تورك" وجمعية اإلتحاد والترقي ومطاليبه منهم‬

‫أوال ‪ :‬موقفه من الجمعية ‪:‬‬

‫كااان "النورسووي" ٌحساان الظاان بااالطٌبٌن ماانهم ماان خاابلل جوابااه الااذي طاارح علٌااه فااً‬
‫محاورته العشابر‪ :‬كنا نسمع سابقا وإلى اآلن أن أكثر أفراد جون تورك* هم من الماساونٌٌن‬
‫الذٌن ٌعادون الدٌن‪ .‬حٌث كان ٌقول فً جوابه ‪:‬‬

‫« مما يسند ىذا الكىـ كيقكيو عدـ مباالة بعضيـ بالديف ‪ ،‬لكف إطمئنكا إف‬
‫قصد مف لـ ينظـ منيـ إلى الماسكنية ليس اإلضرار بالديف‪ ،‬بؿ نفع األمة كتأميف سبلمتيا كلكف البعض‬
‫منيـ يفرطكف في اليجكـ عمى التعصب المقيت الذم ال يميؽ بالديف‪ ،‬كأف الذيف سبؽ منيـ خدمات لمحرية‬
‫كالمشركطية أك الذيف إرتضكا بيا إسـ "جون تورك"* فاعممكا أف قسما مف أكلئؾ ىـ مجاىدك اإلسبلـ‬

‫‪ -1‬عبااد هللا الطنط ااوي‪ ،‬بووديع الزمووان النورسووي‪ ،‬انظاار ‪http://elrahmanmeawd.blogspot.com:‬‬


‫‪42‬ماي ‪9143‬م‪ ،‬بتوقٌت ‪.6146191‬‬
‫‪ -2‬حساان إزرال ‪ ،‬بووديع الزمووان سووعيد النورسووي ومشووروعه االصووالحي فووي التربيووة والتعلوويم ‪،‬مركااز النااور‬
‫للدراسات والحضارات الفكرٌة ‪ ،‬إسطنبول ‪ ،‬العدد ‪9144 ، 9‬م‪ ،‬ص ‪.422‬‬
‫*‪ -‬جووون تووورك‪ :‬أي "تركٌااا الفتاااة" ‪ :‬هاام االفااراد والجماعااات المعارضااٌن للحكاام فااً الدولااة العثمانٌااة منااذ عهااد‬
‫السلطان "عبد العزٌز" وفاٌهم ناامق كماال وضاٌاء باشاا ممان ٌطاالبون بالحرٌاة ‪ ،‬كانات مطالاب هاذه الجماعاات‬
‫تتلخص فً إعبلن الدستور وتؤسٌس حٌاة برلمانٌة ‪ ،‬وتعد جمعٌة االتحاد والترقً أقوى هذه الجماعات تؤثٌرا إذ‬
‫إستطاعت بالتعاون مع القوى الخارجٌة إزاحة السلطان عبد الحمٌد الثاانً مان الحكام ‪ .‬أنظار ساعٌد النورساً ‪،‬‬
‫صٌقل األسبلم ‪ ،‬ص ‪.961‬‬

‫‪- 124 -‬‬


‫كمنيـ فدائيكا سبلمة األمة ‪ ،‬فالذيف يشكمكف القسـ األعظـ منيـ ىـ غير ماسكنييف كيمثمكف أكثرية اإلتحاد‬
‫كالترقي ‪ ،‬فيناؾ عمماء كمشايخ في صفكؼ "جون تورك" ‪ ،‬رغـ كجكد زمرة مف الماسكنييف المفسديف كىـ‬
‫قمة قميمة ال يتجاكزف عشرة بالمئة منيـ بينما التسعكف بالمئة الباقية منيـ مسممكف كمعمكـ أف الحكـ‬
‫لؤلكثرية ‪ ،‬فأحسنكا الظف بيـ إذ أف سكء الظف يضركـ كيضرىـ معا"»‪.1‬‬

‫أما رأٌه عن اإلتحاد والترقً فكان جوابه ‪:‬‬

‫«أنو يعترض بشدة التي يزاكليا سياسيكىـ‪ ،‬كما أف "سعيد القديم" عمى الرغـ‬
‫مف معارضتو الشديدة ليذه المنظمة ‪ ،‬إال أنو كقؼ مكقؼ اإلعجاب كالتقدير كالتزاـ كطاعة مف أف تمؾ‬
‫الجماعات العسكرية سيظير منيـ بعد سبع سنكات مميكف مف الشيداء الذيف ىـ بمرتبة األكلياء ‪ ،‬فماؿ‬
‫إلييـ طكاؿ أربع سنكات دكف اختيار منيـ كبما يخالؼ مشربو كلكف بحمكؿ الحرب العالمية االكلى كخضيا‬
‫ليـ ‪ ،‬فعاد سعيد الجديد الى االستمرار في جياده كخالؼ سعيد القديـ"»‪.2‬‬

‫وٌقااول سااعٌد النورسااً أنااه فااً بداٌااة عهااد الحرٌااة ‪ ،‬ملحاادٌن داخلااٌن ضاامن اإلتحااادٌٌن‬
‫ٌقولون‪ :‬إن فً اإلسبلم والشرٌعة المحمدٌة دساتٌر قٌمة شاملة نافعة جدا فكانوا ٌنحازون إلى‬
‫الشاارٌعة المحمدٌااة بكاال مااا لاادٌهم ماان قااوة فهاام ماان هااذه النقطااة مساالمون أي ٌلتزمااون الحااق‬
‫وٌوالمونه مع أنهم ؼٌر مإمنٌن‪.‬‬

‫ثانيا‪: :‬مطاليبه من اإلتحاد والترقي‪:‬‬


‫كان للنورسً عدة مطالب لجمعٌة اإلتحاد والترقً والتً ٌمكن ذكرها فً اآلتً‪:‬‬
‫‪ -1‬مطالبته بإنشاء مدرسة الزهراء‪.‬‬
‫‪ -2‬الصدق واأل مانة وضمان مساتقبل العلمااء وكانات دعوتاه هاذه موجهاة إلاى األعضااء‬
‫الذٌن لٌسوا من الماسونٌٌن من هذه الجماعة قاببل‪:‬‬
‫«يا طبقة الخكاص ‪ ،‬نحف العكاـ كمعاشر أىؿ المدرسة الدينية نطالبكـ بحقنا‬
‫‪ ،‬نريد أف تصدقكا قكلكـ بفعمكـ كال تعتذركا بقصكر غيركـ ك ال تتكاكمكا فيما بينكـ كتتكاسمكا في خدمتنا‬
‫الكاجبة عميكـ‪ ...‬كأف تستمعكا الى احكالنا كتستشيركا حاجاتنا كأف تستفسركا عف أكضاعنا‪ ...‬إننا نطمب‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬صيقل االسالم ‪،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً‪ ،‬المالحق‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.494‬‬
‫‪- 125 -‬‬
‫ضماف مستقبؿ العمماء في الكاليات الشرقية كنطمب نصيبنا مف معنى " اإلتحاد" ك"الترقي " ال مف اإلسـ ‪،‬‬
‫فنطمب ما ىك ىيف عميكـ كعظيـ عندنا»‪.1‬‬

‫‪ -3‬إنشاء مجلس شورى لئلجتهاد‪.‬‬

‫« كانت المشيخة مكدعة إلى مجمس الشكرل كلك بصكرة غير منتظمة كيتركب مف‬
‫شخصيات مرمكق ة ‪ ،‬كلقد أظير الزماف أف ىذه المشيخة اإلسبلمية كالتي تمثؿ الخبلفة ليست خاصة ألىؿ‬
‫إستانبكؿ أك لمدكلة العثمانية ‪ ،‬كانما ىي مؤسسة جميمة تعكد لممسمميف عامة‪ ،‬فكضعيا الحالي ال يؤىميا‬
‫لمقياـ بأعباء إرشاد إستانبكؿ كحدىا‪ ،‬بؿ العالـ اإلسبلمي لذا ينبغي أف تؤكؿ ىذه المشيخة الى درجة كمنزلة‬
‫تتمكف بيا مف كسب ثقة العالـ االسبلمي كمرآة عاكسة لمشاكؿ المسمميف ‪ ،‬كتغدكا منبعا لئلجتيادات‬
‫كاألفكار كعندىا تككف قد أدت ميمتيا ‪ ،‬لقد طالب بيذه الفكرة أعضاء "تركيا الفتاة" إباف إعبلف الدستكر ‪،‬‬
‫فمـ يكافقكا عمييا ك بعد مضي إثني عشرة سنة طالبتيـ بيا أيضا فقبمكىا كلكف المجمس النيابي قد حؿ‬
‫كاآلف أعرضيا مرة أخرل عمى نقطة تمركز العالـ اإلسبلمي»‪.2‬‬

‫وعندما أعلن الدساتور أي فاً عاام ‪1908‬م الموافاق ل ‪1306‬هاـ ‪ ،‬أنتخاب مجلاس الناواب‬
‫حٌث تكون الاوزارة مساإولة أماماه ‪.‬فصارؾ جال هماه فاً إلقااء الخطاب وكتاباة المقااالت ‪،‬‬
‫مبٌنا مفهوم الحرٌة فً اإلسبلم ومطالبا بتحكٌم الشرٌعة اإلسبلمٌة‪.‬‬

‫كما تحدث عن الفترة التً كان ٌعٌش فٌهاا موضاحا تمٌزهاا عان ؼٌرهاا بقولاه إن عصارنا‬
‫هذا ٌتمٌز بطابعٌن عجٌبٌن‪:‬‬

‫«أوليما‪ :‬أف المرء في زماننا ىذا مع عممو ك تأكػده مػف نعػـ كلػذات اآلخػرة التػي تشػبو المػاس‬
‫يفضؿ عمييا المتع الدنيكية ‪،‬الشبيية بالقطع الزجاجيػة المكسػرة‪ ،‬ك بػذلؾ ينسػاؽ كراء أربػاب الضػبللة بعػد أف‬
‫كاف مػف أىػؿ اإليمػاف ‪ ،‬ثانييمـا‪ :‬الضػبلؿ المترتػب عػف اإللحػاد كالعمػكـ الطبيعيػة كالتمػرد المتكلػد عػف الكفػر‬

‫‪ -1‬بدٌع الزماان ساعٌد النورساً ‪ ،‬السويرة الذاتيوة‪ ،‬المصادر الساابق ‪ ،‬ص ‪ . 61‬أنظار أٌضاا‪ :‬ساعٌد النورساً ‪،‬‬
‫صيقل االسبلم‪ ،‬ص ‪.194‬‬
‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬صيقل االسالم‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.924‬‬
‫‪- 126 -‬‬
‫العنػػادم فػػي الماضػػي ‪ ،‬أمػػا اليػػكـ فقػػد تغيػػر الحػػاؿ ‪ ،‬كث ػر الممحػػدكف كزاد الضػػبلؿ بسػػبب ضػػبلالت العمػػكـ‬
‫كالفنكف ككقفكا في كجو حقائؽ اإليماف»‪.1‬‬

‫الفرع الرابع ‪ :‬تمرد الجيش ومحاكمته‬


‫أوال ‪ :‬تمرد الجيش‬
‫ٌعود تارٌخ هذه الحادثاة الاى ‪31‬ماارت* أي ماا ٌوافاق ‪ 13‬أفرٌال‪1909‬م‪ ،‬وهاذه الحادثاة‬
‫هً عبارة عن عصٌان بٌن أفراد الطابور العسكري الاذي قاد أرسال مان قبال اإلتحاادٌٌن مان‬
‫مدٌناة "ساابلنٌك" إلااى إسااتانبول لحماٌاة المشااروطٌة ‪ ،‬فقااد ثااار الجناود وحبسااوا ضااباطهم فااً‬
‫الثكنة‪.‬‬

‫بدأت الحركة قارب منتصاؾ لٌلاة ‪ 31‬ماارس‪ 1909‬م فاً ثكناة "طااش قشالة"‪ 2‬عنادما قاام‬
‫جنود "آوجً طابوري"* بحبس ضباطهم فً الؽرؾ ثم تدفقوا إلاى سااحة "سالطان أحماد" و‬
‫بدإوا عند حلول صباح الٌوم التالً بإطبلق الرصاص فً الهواء مما ولد فزعا و رعباا عناد‬
‫األهالً‪ ،‬ثم أخذوا ٌهتفون ‪ :‬نرٌد الشرٌعة! نرٌد الشرٌعة! ثم أرسل الجناود المتماردون رسابل‬
‫إلااى معسااكرات الجااٌش األخاارى ٌطلبااون االلتحاااق بهاام‪ ،‬وفعاابل التحااق بهاام بعااض الجنااود‬
‫اآلخاارٌن كمااا التحااق بهاام بعااض طلبااة الماادارس الدٌنٌااة والصااوفٌة و بعااض الماادنٌٌن ماان‬
‫المعارضٌن لجمعٌة االتحاد و الترقً‪ ،‬و مع أن السلطان أرسل ربٌس كتابه للمتمردٌن حاال‬
‫ساماعه النباؤ ٌخبارهم باؤن الشارٌعة بخٌار و أناه ال ٌساتطٌع أحاد أن ٌمساها بساوء إال أن‬
‫المتمردٌن أصبحت لهم مطالب أخرى منها تؽٌٌر الصدر األعظم حسٌن حلمً باشا‪ ،‬و وزٌر‬
‫الحربٌة علً رضا باشا‪ ،‬و قابد الفرقة األولى محمود مختار باشا‪ ،‬و ربٌس مجلس المبعوثان‬
‫أحمد رضا‪ ،‬و نفً االتحادٌٌن من البلد و إعادة ضباط الـ"آالٌلً"‪ 3‬إلى الخدماة و العفاو عان‬
‫جمٌع المشتركٌن فً هذا التمرد ألنهم ال ٌقصدون سوءا‪.‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬صيقل االسالم‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪929‬‬
‫*‪ -‬هذا حسب التقوٌم الرومً لسنة ‪4992‬هـ ‪ ،‬و ٌصادؾ ‪ 99‬ربٌع األول ‪ 4994‬هـ‪4616/11/49 -‬‬
‫‪-2‬هذه البناٌة تستعمل اآلن كإحدى بناٌات جامعة الهندسة فً إسطنبول و هً خلؾ فندق) هٌلتون(‬
‫‪ -‬كان الضباط فً الدولة العثمانٌة على نوعٌن ‪:‬الضباط من خرٌجً الكلٌة الحربٌة‪ ،‬و ٌطلق علٌهم) مكتبلً (أي‬
‫خرٌجاً المادارس‪ ،‬و الضاباط الاذٌن تادرجوافً الرتاب العساكرٌة بطاول الممارساة مان رتباة الجنادي حتاى رتباة‬
‫الضابط) آالٌلً ‪(.‬و قد بدأ االتحادٌون بإخراج هإالء من الجٌش و إحالتهم على التقاعد مما ولاد تاذمرا فاً الجاٌش‬
‫‪- 127 -‬‬
‫«لـ تمبث سبلنيؾ ك ىي مركز االتحاد ك الترقي أف انيالت بالبرقيات عمى قصر‬
‫)يمدز (تتيـ السمطاف بأنو ىك المدبر ليذا التمرد لكي يقضي عمى المشركطية الثانية ك عمى جمعية االتحاد‬
‫ك الترقي حامية ىذه المشركطية‪ ،‬ك أخي ار تقرر إرساؿ قكة مف سبلنيؾ لمقضاء عمى ىذا التمرد ك قد أطمؽ‬
‫عمى ىذه القكة اسـ "جيش الحركة"تحت قيادة" محمكد شككت باشا"‪ ،‬كلـ تكف ىذه الثكة جيشا نظاميا‪ ،‬بؿ‬
‫كانت تتألؼ باإلضافة إلى الجنكد األتراؾ مف متطكعيف مف مختمؼ الجنسيات مف بمغارييف ك ألبانييف ك‬
‫مف ييكد مدينة سبلنيؾ‪ ،‬ك الحقيقة أف ىؤالء المتطكعيف لـ يككنكا سكل أعضاء العصابات المقدكنية التي‬
‫حاربت الدكلة العثمانية طكاؿ سنكات عديدة ‪ ،‬انتيت ىذه الحادثة بكصكؿ ىذا الجيش الذم كجيو‬
‫اإلتحادييف لقمع العصياف فكصؿ الى استانبكؿ كسيطر عمى الكضع يكـ ‪ 23‬افريؿ ‪ ،‬بعدما داـ العصياف‬
‫إحدل عش ار يكما ‪ ،‬كما أعمنت المحمكة العرفية كشكمت محكمة عسكرية لمحاكمة المسؤكليف عف ىذه‬
‫الحادثة ‪ ،‬كبعد ىذه الحادثة تـ عزؿ السمطاف "عبد الحميد الثاني" مف الحكـ عاـ ‪ 26‬أفريؿ ‪1909‬ـ»‪.1‬‬

‫وكان "سعٌد النورسً " أحد المتهمٌن فً هذه الحادثة والتً تمت محاكمته ‪ ،‬وٌذكر لنا‬
‫"سعٌد النورسً" عان األساباب الحقٌقٌاة بعاد تقصاٌه مان الجناود وإطبلعاه علاى األخباار فاً‬
‫الجرابد و االسباب الربٌسٌة وراء هذا العصٌان وٌعددها فٌماٌلً وٌحصرها فً سبعة أساباب‬
‫أدت إلى تلك الحادثة‪:‬‬

‫« لقد كاف تسعكف بالمئة ‪ %90‬مف ىذه الحركة مكجية ضد اإلتحاد كالترقي‬
‫كضد إستبدادىـ كدكتاتكريتيـ‪ ،‬كانت ترمي إلى تبديؿ الكزراء الذيف كانكا محؿ النقاش كالجداؿ بيف‬
‫الفرقاء كاألحزاب‪ ،‬إنقاذ السمطاف المظمكـ مف الخمع الذم تقرركصمـ عميو‪ ،‬منع التعميمات كانياء‬
‫التمقينات التي ال تميؽ باآلداب العسكرية كاآلداب الدينية الكشؼ عف قاتؿ السيد "حسف فيمي" بعد أف‬
‫تـ تضخيـ مكضكع إغتيالو ‪ ،‬تسكية مكضكع الضباط "آاليمي" الذيف أخرجكا مف الخدمة العسكرية‬
‫كانصافيـ ‪ ،‬الكقكؼ تجاه تعميـ مفيكـ الحرية ‪ ،‬أم تحديد معنى الحرية باآلداب الشرعية ثـ القياـ‬
‫بتطبيؽ الحدكد الشرعية التي ال يفيـ العكاـ منيا سكل القصاص كقطع اليد‪.2».‬‬

‫لكثرة عدد هإالء الضباط‪ ،‬و كان أحد أسباب هذا التمرد‪ .‬للتطلع اكثر على الحادثة انظر ‪ :‬بدٌع الزماان ‪ ،‬صاٌقل‬
‫االسبلم ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.115‬‬
‫‪ -1‬إحساان قاسام الصاالحً ‪ ،‬سووعيد النورسوي نظورة عامووة عون حياتوه وآثوواره‪،‬ص‪ .99.91‬أنظار أٌضاا ‪ :‬سااعٌد‬
‫النورسً‪ ،‬السيرة الذاتية ‪ ،‬ص ‪.419‬‬
‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً‪ ،‬صيقل اإلسالم ‪،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.115‬‬
‫‪- 128 -‬‬
‫وما كان رد فعل "النورسً" سوى أناه خاطاب الجناود بلساان جمٌاع الجراباد وذهاباه بصاحبة‬
‫من العلماء ٌوم الجمعة إلى الجنود الذٌن هم فً الوزارة الحربٌة وأخضع ثمانٌة طاوابٌر إلاى‬
‫الطاعااة بخطااب مااإثرة جاادا ‪ ،‬ولقااد أظهاارت نصااابحه فواباادها بعاادها بماادة ودوره فااً تهدبااة‬
‫الجٌش والجنود من حالة الفوضى وهذه مقتطفات من خطابه‪:‬‬

‫« أييا العسكر المكحدكف ‪ ،‬إف شرؼ ثبلثيف مميكنا مف العثمانييف كثبلثمائة مميكنا‬
‫مف المسمميف ككرامتيـ كسعادتيـ ك رمز كحدتيـ منكطة مف جية بطاعتكـ إف كانكا يظممكف أنفسيـ‬
‫بخطيئة كاحدة فإنكـ بعصيانكـ ىذا تظممكف ثبلثمائة مميكنا مف المسمميف ألنكـ بعصيانكـ ىذا تمقكف اإلخكة‬
‫اإلسبلمية إلى التيمكة‪ ،‬إعممكا جيدا إف مركز الجندم عظيـ جدا ‪،‬إذ ىك أشبو ما يككف بالمعمؿ فإذا إختؿ‬
‫دكالب منو يختؿ العمؿ في المعمؿ كمو‪ .‬اال إف جنكد األفراد ال يتدخمكف بالسياسة ‪،‬كاإلنكشاريكف خير‬
‫شاىد عمى ىذا ‪ ،‬انكـ تطالبكف بالشريعة اال أنكـ تخالفكنيا كتمكثكنيا‪ ...‬إنني أبمغكـ ما أمره الرسكؿ صمى‬
‫ا﵀ عميو كسمـ كىك أف الطاعة فرض ‪ ،‬فبل تعصكا ضباطكـ فميحيا كلتعش المشركطية المشركعة»‪.1‬‬

‫ولم ٌقتصر دوره السٌاسً على تهدبة الجنود فحسب وإنما تعدت لتهدبة المشاعر المتهٌجة‬
‫لعامة الناس خشٌة منه أن ٌخل الناس النظام وأمن الببلد بتدخلهم فً السٌاسة ‪ .‬فقاام بتهادبتهم‬
‫بلسان طالب علم قروي قد تعلم اللؽة التركٌة حدٌثا ومثال ذلك فً إجتماعه بالطبلب‬

‫« في جامع بايزيد" كفي المكلد النبكم الشريؼ المقاـ في "آيا صكفيا"‪ ،‬كفي مسرح‬
‫الفرح ىدأ الى حد ما ثكرة الناس كغضبيـ ‪ ،‬فمكال تمؾ الكممات كالخطب التي القاىا عمى مسامعيـ لكانت‬
‫الفكضى قد عمت أرجاء المسرح كانقمبت إلى إقتتاؿ دمكم بيف أنصار جمعية "االتحاد كالترقي"‬
‫كمعارضييـ‪ ،‬لكف بفضؿ حنكتو استطاع "سعيد النكرسي" إعتبلء المنصة كخاطب بصكتو الجيكرم‬
‫الحاضريف كدعاىـ إلى النظاـ كاإلخبلد كالسككف أكال ‪ ،‬ثـ بيف ليـ أف عمييـ أف يرضكا أنفسيـ عمى إحتراـ‬
‫رأم المقابؿ كاحتراـ حرية النقاش ‪ ،‬كاف مف العار عمى امة أعمنت المشركطية أال تراعي ىذا األمر ‪،‬‬

‫*‪ -‬حسن فهمً ‪ :‬صحفً معروؾ بمعارضته لجمعٌة اإلتحاد والترقً ‪ ،‬تم إؼتٌالاه مان قبال هاذه الجمعٌاة فاوق‬
‫جسر ؼلطة‪ ،‬مما أثار إؼتٌاله إستٌاءا عاما ونقمة ضد اإلتحادٌٌن‪.‬‬
‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً‪ ،‬صيقل االسالم‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.121 -116‬‬
‫‪- 129 -‬‬
‫مذك ار اياىـ برحابة صدر الرسكؿ صمى ا﵀ عميو كسمـ كقيامو بالمشكرة مع أصحابو كاستطاع فعبل إقرار‬
‫السككف كاليدكء في ذلؾ اإلجتماع الذم كاد ينقمب إلى مذبحة»‪.1‬‬

‫كما أ نه خاطب جمٌع فبات المجتمع دون اسثناء ودون تمٌٌز بٌن فباته وعلى سابٌل الاذكر‬
‫نراه مرة أخرى ٌهدئ من فبة الحمالٌن‬

‫« كيعكد بنا ذلؾ التاريخ الى ‪ 4‬أكتكبر ‪1908‬ـ أم ما يكافؽ ‪9‬‬


‫رمضاف‪ 1326‬ىػ ‪ ،‬عندما أعمنت النمسا ضـ البكسنؾ كاليرسؾ الييا مستفيدة مف افكؿ "السمطاف عبد‬
‫الحميد الثاني" عمى إثر ىذا القرار تـ إعبلف مقاطعة جماىيرية لمبضائع النمساكية كلممخازف التي تبيع ىذه‬
‫البضائع ك أعمف الحمالكف مقاطعتيـ لتفريغ البضائع النمساكية كلكف االمكر لـ تبؽ محصكرة في ىذا‬
‫المجاؿ بؿ تطكرت الى حد ىدد الحياة التجارية في "إستانبكؿ" ‪ ،‬كما إنحرفت كجية المقاطعة إلى عصياف‬
‫الحماليف ألكامر رؤسائيـ ‪ ،‬كأصبحكا يجتمعكف كيتجمعكف في بعض المقاىي كفي مركز رئيسي ليـ في‬
‫"خاف عشيرة" فأصبح الجك ميددا باإلنفجار ‪ ،‬فتكجو إلييـ "بديع الزماف" كالقى عمييـ خطبة حسب مداركيـ‬
‫إستطاع فييا الحيمكلة دكف التطكر السيء لؤلحداث ‪ ،‬حتى إف مفتش الشرطة العاـ إلستانبكؿ قدـ شكره‬
‫كتقديره لمساعيو الحميدة» ‪. 2‬‬

‫وقد أثارت فاٌهم خطبتاه تاؤثٌرا وتارك أثارا علاى اإلباك الحماالٌن الاذٌن قااطعوا العمال ‪،‬‬
‫وأرشدهم‬

‫« أف بسبلح الصناعة كالمعرفة كاال تفاؽ يمكف مجاىدة األعداء الثبلثة كالتي تتمثؿ‬
‫في الجيؿ كالضركرة كاالختبلؼ ‪ ،‬كاف يتصرفكا تصرفا يتسـ بالعقبلنية بعيدا عف التيكر ألف الخصاـ‬
‫كالعداء فساد»‪.3‬‬

‫ثالثا‪ :‬محاكمة سعيد النورسي ‪:‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬السيرة الذاتية ‪،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.69‬‬
‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً‪ ،‬السيرة الذاتية ‪ ،‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.61‬‬
‫‪ -3‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً‪ ،‬صيقل االسالم ‪،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.119‬‬
‫‪- 130 -‬‬
‫كانت محاكمته على إثر حادثة ‪ 13‬أفرٌل ‪1909‬م ‪ ،‬وكاان دوره الناصاح للجناود باالعودة‬
‫الااى ثكناااتهم ولكنااه مااع ذلااك قاادم للمحاكمااة لااٌحكم علٌااه باالعاادام وقااال لااه الحاااكم العسااكري‬
‫"خورشٌد باشا" ‪:‬‬

‫« كأنت أيضا طمبت بالشريعة ‪ ،‬كتدعكا الى تطبيؽ الشريعة ؟ إف مف يطالب بيذا‬
‫يشنؽ ىكذا مشي ار بيده الى المشنكقيف»‪.1‬‬

‫فقام سعٌد النورسً وألقى على سمع المحكمة خطابا قال فٌه ‪:‬‬

‫« لك أف لى ألؼ ركح لما ترددت أف أجعميا فداء لحقيقة كاحدة مف حقائؽ اإلسبلـ ‪،‬‬
‫كأنا مستعد لمذىاب مع ىؤالء الذيف عمقكا في المشانؽ‪ . .‬لقد كانت ىذه الحككمة تخاصـ العقؿ أياـ‬
‫االستبداد كاآلف فإنيا تعادم الحياة فميمت الجنكف كليعش المكت كلمظالميف فمتعش جينـ »‪.2‬‬

‫و ٌواصل خطابه بقوله ‪:‬‬

‫« فمئف أعدمت ظمما فإني أغنـ ثكاب شييديف معا‪ ،‬كاف لبثت في السجف فيك بؿ ريب‬
‫أفضؿ مكاف في ظؿ ىذه الحككمة الظالمة التي ليس فييا مف الحرية إال لفظيا فالمكت مظمكما ىك خير‬
‫مف العيش ظالما ‪ ،‬كأقكؿ كذلؾ إف بعضا ممف جعمكا السياسة أداة لئللحاد ‪ ،‬يتيمكف اآلخريف بالرجعية أك‬
‫باإلستغبلؿ الديف ألجؿ السياسة ليستركا عمى سيئاتيـ كجرائميـ ‪ ،‬إف عيكف السمطة كجكاسيسيا أشد قسكة‬
‫‪3‬‬
‫مف سابقييـ فكيؼ يكثؽ بيـ كيعتمد عمييـ ككيؼ نبني العدالة عمى أقكاليـ؟» ‪.‬‬

‫« كذكر الجنايات البالغة إحدل عشرة جناية كنصؼ»‪.4‬‬

‫لقد قام النورسً بالدفاع عان نفساه أماام المحكماة مان أجال أن ٌثبات براأتاه أماام هاذا الحكام‬
‫الجابر فً حقه و الظالم من قبل المحكماة العساكرٌة التاً كانات تتهماه بؤناه سابب فاً التمارد‬

‫‪ -1‬علً القاضً‪ ،‬ماذا تعرف عن بديع الزمان سعيد النورسي‪ ،‬دار الهداٌاة للطباعاة والنشار والتوزٌاع ‪ ،‬تركٌاا‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪ ،9114 ،‬ص ‪.41‬‬
‫‪ -2‬علً القاضً‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪ -3‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬السيرة الذاتية‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.416‬‬
‫‪ -4‬ثم ذكر الجناٌات البالؽة إحدى عشرة جناٌة ونصؾ أنظر الٌهاا بالتفصاٌل فاً كتااب ساعٌد النورساً ‪ ،‬صويقل‬
‫االسالم ‪ ،‬المحكمة العسكرٌة العرفٌة ‪،‬ص ‪ 114‬الى ؼاٌة الصفحة ‪.139‬‬
‫‪- 131 -‬‬
‫‪،‬فً حٌن كان هو ٌسعى إلى توعٌة الناس من خبلل الخطابات الصوفٌة التاً كاان ٌلقٌهاا ‪ ،‬و‬
‫بعدما إقتنعت المحكمة بحججه و دفاعه عن نفسه منحته البراءة‪.‬‬

‫« ذىب "بديع الزماف" مف مدينة "بايزيد "‪ -‬حيث المحكمة‪ -‬الى منطقة "السمطاف‬
‫أحمد"كيتبعو جمع غفير مف الناس ييتفكف فمتعش جينـ لمظالميف كغادر مدينة استانبكؿ متكجيا إلى‬
‫"كاف"سنة ‪1910‬ـ"‪،‬حيث بدأ "سعيد النكرسي " يتجكؿ بيف القبائؿ كالعشائر يعمميـ أمكر دينيـ كيرشدىـ‬
‫إلى الحؽ ك يمقي دركسا كمحاضرات»‪.1‬‬

‫كماا كااان ٌقااوم بإلقاااء دروسااه االجتماعٌاة ومحاضااراته العلمٌااة بؤساالوب المحاااورة ضاامن‬
‫*‬
‫أسبلة و أجوبة ‪،‬ثم نشرها فً رسالة باللؽة التركٌة أسماها "المناظرات"‬

‫« كاف يجرم في الكقت نفسو محاكرات مع السياسيف كالمسؤكليف بغية نشر أنكار‬
‫االسبلـ في صفكفيـ ‪ ،‬كىناؾ ألؼ كتابو " المناظرات " الذم طبع في استانبكؿ سنة " ‪1913‬ـ"‪ ،‬كمما‬
‫يمكف اإلشارة إليو كذلؾ أثناء دفاعو في المحكمة العسكرية قد طبع مرتيف في كقتو كنشر»‪.2‬‬

‫الفرع الخامس ‪ :‬نظرته للمدنية وتأثيراتها السلبية عل المجتمعات المسلمة والعثمانية خاصة‬

‫إن األ وضاع التً آلت الٌها الدولة العثمانٌة فً أواخر عهادها واإلضاطربات السٌاساٌة‬
‫واإلجتماعٌاة وتاادهور أوضااعها علااى جمٌاع األصااعدة ‪ ،‬مااهً إال إنعكاااس لتطبٌاق سٌاسااات‬
‫اإلصبلح التً مست نظامها أٌام عهد السالطان عباد العزٌاز إلاى السالطان عباد الحمٌاد الثاانً‬
‫هذا االخٌر الذي فً اٌام حكمه أعلن الدستور أو ما ٌعارؾ ٌسامى بالمشاروطٌة الثانٌاة والتاً‬
‫تنادي بالنظام المدنً وقٌام المدنٌة علاى ؼارار النظاام الدولاة االوربٌاة الؽربٌاة وذلاك كمانهج‬
‫للتطااور والتقاادم والرقااً‪.‬لكن الواقااع بااٌن أن التٌااار سااار عكااس ذلااك لنسااتخلص ونسااتنتج أن‬
‫المدنٌة التً سعت إ لٌها الدولة العثمانٌة كانت النكبة الحقٌقٌة على الدولة العثمانٌة والتً كانت‬
‫من بٌن األسباب التً ادت الى إنهٌارها وإنحطاطها أواخر القرن التاسع عشر ‪19‬م‪.‬‬

‫‪ - 1‬علً القاضً ‪ ،‬المرجاع الساابق ‪ ،‬ص ‪ ، 44‬أنظار أٌضاا ‪ :‬إحساان قاسام الصاالحً ‪ ،‬المرجاع الساابق ‪ ،‬ص‬
‫‪93‬‬
‫*‪ -‬تم ترجمتها الى اللؽة العربٌة ونشرها فً كتاب صٌقل االسبلم فً جزء المناظرات ص ‪.945‬‬
‫‪ -2‬سعٌد النورسً‪ ،‬المصدر السابق ص‪.416‬‬

‫‪- 132 -‬‬


‫من خبلل هذا سؤتطرق إلى ر إٌة النورسً حول هاته المدنٌاة والتاً كاان لاه رإٌاه حولهاا‬
‫من خبلل مفهومها وأساس قٌامها فً مقابل دولة تقوم على الشرٌعة وذلك لماا أشاار إلٌاه مان‬
‫خبلل تناوله لهذا الجانب الذي لم ٌؽفل عنه ولم ٌهمله‪.‬‬

‫ٌعتبر النورسً فً عام ‪1919‬م أن المدنٌة هاً خبٌثاة ولام ٌارى منهاا ؼٌار الضارر وهاً‬
‫مرفوضة فً نظر الشرٌعة‪ ،‬حٌث أن سٌباتها طؽت على حساناتها فوجاه ساإال لاه حاول هاذه‬
‫المدنٌة كالتالً ‪ :‬لماذا ترفض الشرٌعة هذه المدنٌة ؟‬

‫فكان جوابه كالتالً ‪:‬‬

‫« ألنيا تأسست عمى خمسة أسس سمبية ‪ ،‬فنقطة استنادىا ىي القوة كىذه شأنيا‪:‬‬
‫اإلعتداء كىدفيا كقصدىا المنفعة كىذه شأنيا‪ :‬المزاحم كدستكرىا في الحياة الجدال كالصراع كىذا شأنو‪:‬‬
‫التنازع ‪ ،‬كالرابطة التي تربط المجمكعات البشرية ىي العنصرية والقومية السمبية التي تنمك عمى حساب‬
‫اآلخريف كىذه شأنيا ‪:‬التصادم كما نراه‪ ،‬كخدمتيا لمبشرية خدمة فانية جذابة ىي ‪ :‬تشجيع اليوى المنفعة‬
‫واثارة النفس األمارة كتطميف رغباتيا كتسييؿ مطالبيا كىذا اليكل شأنو‪ :‬إسقاط االنسان من درجة‬
‫المالئكية الى درك الحيوانية الكمبية ‪ ،‬كبيذا تككف سببا لمسخ االنساف معنكيا‪ ،‬كألجؿ ىذا فقد دفعت ىذه‬
‫المدنية الحاضرة ثمانيف بالمئة ‪ %80‬مف البشرية إلى الشقاء ‪ ،‬كأخرجت عشرة بالمئة ‪ %10‬منيا الى‬
‫سعادة ممكىة زائفة ك ظمت العشرة الباقية ‪ %10‬بيف ىؤالء كأكلئؾ أف السعادة تككف سعادة عندما تصبح‬
‫عامة لؤلكثرية بيد أف سعادة المدنية ىي ألقؿ القميؿ مف الناس كألجؿ كؿ ىذا ال يرضى القرآف الكريـ‬
‫بمدنية ال تضمف سعادة الجميع أك ال تعـ الغالبية العظمى»‪.1‬‬

‫كما أ نه أصبح ال ٌؽفى عنا ان سعٌد النورسً ال ٌتطرق إلى أي جانب أو موضاوع ٌشخصاه‬
‫لنا إال ووصؾ لناا كٌفٌاة معالجتاه أو الوقاٌاة مناه‪ ،‬حٌاث أناه باٌن لناا كٌاؾ أناه باتحكم الهاوى‬
‫الطلٌق من عقاله ‪ .‬تحولت الحاجات ؼٌر الضرورٌة الى ما ٌشابه الضارورٌة ‪ ،‬إذ بٌنماا كاان‬
‫االنسان محتاجا الى أربعة أشٌاء فً حٌاة البدواة والبساطة ‪ ،‬إذ به فً هذه المدنٌة ٌحتاج إلاى‬
‫مبااة حاجااة ‪ ،‬وهكااذا أردتااه المدنٌااة فقٌاارا ماادقعا ‪ .‬كمااا أن السااعً والعماال ال ٌكفٌااان لمواجهااة‬

‫‪ -1‬إبراهٌم علً العوضً‪ ،‬بديع الزمان النورسي فكره ودعوته ‪ ،‬المعهد العالمً للفكر األسبلمً ‪ ،‬عمان‬
‫‪،‬األردن ‪4665،‬م ص ‪.96‬‬
‫‪- 133 -‬‬
‫المصارٌؾ المتزاٌدة إنساق اإلنسان الى مزاولة الخداع والحيلة وأكول الحورام ‪ ،‬وهكاذا فساد‬
‫أساس األخبلق‪.‬حسب فكر ورأي النورسً‪.‬‬

‫نرى أ ن ما تقدم هاته المدنٌة وحشٌة فاقت جمٌع القرون ‪ ،‬إذ بها أن هذه المدنٌة بٌنماا تماد‬
‫للجماعة والناوع ثاروة وؼناى وبهرجاة إذ بهاا تجعال الفارد فقٌارا محتاجاا فاساد األخابلق‪ .‬فاً‬
‫مقابل هذه المدنٌة ذات األساس السلبً قدم لنا النورسً مدنٌة جاءت بهاا الشارٌعة ذات أساس‬
‫إٌجابٌة‬

‫« مدنية تقكـ عمى أسس ايجابية تقكـ عمى أسس مستنبطة مف الشريعة االسبلمية‬
‫بغرض مكاجية الفساد ‪ .‬كما أ ف المدنية التي تأمرنا بيا الشريعة ىي المدنية التي تصنع أسسا إيجابية بناءة‬
‫مكاف تمؾ االسس النخرة الفاسدة السمبية»‪.1‬‬

‫« فالمدنية التي تنص عمييا الشريعة ىي أف نقطة إستنادىا ىي الحق بدال مف القوة ك‬
‫الحؽ مف شأنو العدالة والتوازن كىدفيا الفضيمة بدال مف المنفعة ‪،‬كالفضيمة مف شأنيا المحبة والتجاذب‬
‫‪ ،‬كجية الكحدة فييا كا لرابطة التي تربط بيا المجمكعات البشرية الرابطة الدينية كالكطنية كالمينية بدال مف‬
‫العنصرية كمف شأنيا األخوة الخالصة ‪ ،‬والسالم والوئام كالذكد عف الببلء عف الببلء عند إعتداء األجانب‬
‫‪ .‬كدستكرىا في الحياة التعاون بدؿ الصراع كالجدال ‪ ،‬كالتعاكف مف شأنو التساند واالتحاد ‪ ،‬كتصنع‬
‫اليدى بدؿ اليوى ليككف حاكما عمى الخدمات التي تقدـ لمبشر كشأف اليدل ‪ :‬رفع االنسانية الى مراقي‬
‫الكماالت ىي تحد مف اليكل كتحد مف النزعات النفسانية كتطمئف الركح »‪.2‬‬

‫ماان خاابلل مااا قدمااه لنااا باادٌع الزمااان سااعٌد النورسااً وتشخٌصااه الاادقٌق لهاتااه المدنٌااة‬
‫وطرحها لنا بٌن لنا أنه ٌمكن إعتبارها كعملة ذات وجهٌن ‪ ،‬حٌث جعلناا نحكام علاى أن هاتاه‬
‫المدنٌة هً فً حد ذاتها ذات تٌاارٌن متناقضاٌن ومتضاادٌن ‪ ،‬أهادافهما ومنافعهماا متضاادة ‪،‬‬
‫فنفع إحداهما ٌستلزم الضرر واإلختبلؾ والتدنً و الضعؾ واإلنحطااط والتبعٌاة وماا ٌتبعهاا‬
‫من فساد على األمة وعلى المجتمع خاصة وعلى الفرد بشكل أخص‪.‬‬

‫المطلب الرابع ‪ :‬النورسي بين الحرب واألسر‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬صيقل اإلسالم ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.926‬‬
‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬صيقل اإلسالم ‪ ،‬ص ‪931.926‬‬
‫‪- 134 -‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬بديع الزمان قائدا للقوات الفدائية ومفتيا‬
‫فً عام ‪1912‬م عٌن "بوديع الزموان" قابادا للقاوات الفدابٌاة التاً تشاكلت مان المتطاوعٌن‬
‫المسلمٌن القادمٌن من شرق األناضول‪ .‬كان "النورسوي" صااحب عقٌادة وإٌماان‪ ،‬وٌاإمن أن‬
‫حب الوطن من اإلٌمان‪ ،‬فعندما أعلنات كال مان (الٌوناان وبلؽارٌاا وصاربٌا والجبال األساود)‬
‫الحرب على (تركٌا)‪ ،‬قام "النورسي" بتشكٌل فرق من المتطوعٌن ‪.‬‬

‫و قبٌاال إنااادالع الحااارب العالمٌااة األولاااى أصااابح "بوووديع الزمووان "عضاااوا فاااً تشاااكٌبلت‬
‫خاصة*‪ ،‬و كان هدفها المحافظة على وحدة األراضً اإلمبراطورٌة ‪ ،‬وقاد أفتاى جماعاة مان‬
‫علماااء الاادٌن فتااوى الجهاااد ‪ ،‬وذهااب "سووعيد النورسووي" إلااى مدٌنااة "وان" حٌااث شااكل ماان‬
‫المتطوعٌن فرقا للجهاد وقال لهم ‪:‬‬

‫«تييؤكا كاستعدكا إف زلزاال شديدا أكشؾ عمى األبكاب»‪.1‬‬

‫إن الفرق التً شكلها النورسً كانت ٌحسب لهاا ألاؾ حساب ألنهاا كانات تتمٌاز باالجرأة و‬
‫القوة و عدم الخوؾ ‪ ،‬حٌث زرعت فٌهم خطابات النورسً و فتاوٌه بذرة الجهاد بالتقدم نحاو‬
‫األمام دابما و عدم التراجع إلى الوراء‪.‬‬

‫وقااام السااٌد "محمووود أسووعد أفنوودي" بكتابااة نااص الفتااوى ومااع أن "بووديع الزمووان" كااان ماان‬
‫أنصار الصلح المنفرد ‪ ،‬وكان معارضا لدخول الحرب إال أن عندما إندلعت الحارب العالمٌاة‬
‫األولى (‪ 1918 -1914‬م)‪ ،‬دخلت فٌها الدولة العثمانٌة ‪ ،‬حمل السبلح وأسرع إلى جبهاة‬
‫القتال ‪ ،‬و‬

‫«قد قامت التشكٌبلت الخاصة باإلستفادة من جمٌع القدرات المتاحة لها‬


‫لنشر فتوى الجهاد فً جمٌع أنحاء الدولة العثمانٌة وفً جمٌع الممالك اإلسبلمٌة التً كانت‬
‫مستعمرة بٌد األجانب وقد طبعت الفتوى بجمٌع لؽات المسلمٌن»‪.2‬‬

‫*‪ -‬تشووكيالت خاصووة‪ :‬هااً مإسسااة سٌاسااٌة وعسااكرٌة وأمنٌااة ساارٌة ‪ ،‬شااكلت بااؤمر ماان الساالطان ووظٌفتهااا‬
‫المحافظة على وحدة االراضً االمبراطورٌة العثمانٌة ومحاربة أعدابها‪.‬‬
‫‪ -1‬إحسان قاسم الصالحً‪ ،‬بديع الزمان نظرة عامة عن حياته وآثاره ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.96‬‬
‫‪ -2‬إحسان قاسم الصالحً ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.96‬‬

‫‪- 135 -‬‬


‫الفرع الثاني ‪ :‬النورسي في الحرب العالمية االول (‪1918 -1914‬م)‬

‫دخاال "النورسووي" واعظااا فااً الجااٌش العثمااانً ساانة ‪1914‬م وفااً ساانة ‪1915‬م حٌااث قااام‬
‫بماٌلً‪:‬‬

‫« شكؿ فرقة المتطكعيف "األنصار" كقادىـ في جبية القفقاس‪ .‬حيث إحتؿ‬


‫الركس شرقي األناضكؿ في ‪1914-10-31‬ـ كتـ دفعيـ في ‪1915-01-15‬ـ بعد أف إستشيد ستكف‬
‫ألؼ جندم عثماني كعاد الركس إلحتبلؿ المنطقة مرة أخرل في ‪1916-01-13‬ـ بثبلثة أضعاؼ القكات‬
‫‪1‬‬
‫العثمانية كدخمكا "أرضروم" في ‪1916-02-16‬ـ أثناء الحرب العالمٌة األولى »‬

‫وأثناء هذه المعارك الدامٌة كان " سعيد النورسي" ٌقاتل هو وطبلبه الجٌش الروسً بكل ماا‬
‫أوتوا من جهد وفً هذه المعارك وفً خنادق القتال ألاؾ "سوعيد النورسوي" كتاباه "إشوارات‬
‫اإلعجاز في مظان اإليجاز" باللؽة العربٌة ‪ ،‬فكان ٌملً وتلمٌذه "المال حبيب" ٌكتب‪.‬‬

‫وعندما دخل الجٌش الروسً الاى مدٌناة "بتلويس" كاان "النورسوي" وطبلباه ٌادافعون عان‬
‫المدٌنة ببسالة نادرة‪ ،‬حٌث جرى قتال شدٌد فً شوارع المدٌنة و أزقتها إال أن القوة الروسٌة‬
‫كانت متفوقة إلى درجة كبٌرة على القوة الصؽٌرة المدافعة عن البلدة‪.‬‬

‫و خبلل المعركة جرح "سعيد النورسوي" جرحاا بلٌؽاا وساقط فاً بركاة للمااء تحات أساوار‬
‫الجسور مع أحد طبلبه‬

‫« بقي في تمؾ الحالة ثبلثيف ساعة مغشيا عميو نتيجة إستمرار النزؼ ‪ ،‬ك عندما‬
‫‪2‬‬
‫رأل تمميذه أف النزؼ مستمر كالبرد الشديد سيقضياف عمى أستاذه ذىب ك أخبر الركس باألمر»‬

‫وهكذا تم أسر " سعيد النورسي" من قبل الروس فؤصبح بذلك أسٌرا‬

‫الفرع الثالث‪ :‬النورسي أسيرا بيد الروس عام ‪1916‬م‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬السيرة الذاتية‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.499‬‬
‫‪ -2‬إحسان قاسم الصالحً ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫‪- 136 -‬‬
‫« أسر "سعيد النكرسي" مف قبؿ الركس كأرسؿ إلى أحد معسكرات األسر في‬
‫‪1‬‬
‫"قوصورما" في شرقي ركسيا»‬

‫« كذلؾ بعدما ذىب أحد مف طبلبو كفي فكجو كالذم يسمى "عبد الوىاب" الذم يعرؼ‬
‫شيئا مف الركسية إلببلغ الركس عف مكضعيـ كانقاذ أستاذه مف المكت ‪ ،‬كفعبل تـ ذلؾ فأخذ الركس‬
‫األستاذ في سدية عمى أكتافيـ»‪. 2‬‬

‫«كتـ أسره أم إسارتو في تمؾ الميمة في بتميس»‪.3‬‬

‫عندما كان أساٌرا فاً "قوصوتورما" ماع تساعٌن ضاابطا كؤسارى فاً ردهاة واحادة ‪ ،‬كاان‬
‫ٌلقً علٌهم دروسا ‪ ،‬وفً أحد األٌام حضر القابد الروسً وشاهد الموقؾ وقال‪:‬‬

‫« إف ىذا الكردم قائد المتطكعيف قد ذبح كثي ار مف جنكدنا ‪ ،‬كيأتي اآلف كيمقي دركسا‬
‫سياسية ىنا ال يمكف ىذا ‪ ،‬إمنعو قطعا»‪.4‬‬

‫ولكن بعد ٌومٌن قال‪:‬‬

‫« يبدكا أف دركسكـ غير سياسية ‪ ،‬بؿ دينية كأخبلقية ‪،‬إستمر عمييا ‪ ،‬فسمح بإلقاء‬
‫الدركس»‪.5‬‬

‫و بعدما قاله القابد الروسً استمر النورسً فً القاء محاضراه على السجناء ‪.‬‬

‫«كما أف "النورسي " إلى جانب الدركس التي كاف يمقييا ‪ ،‬إال أنو جعؿ غرفة في‬
‫الثكنة مسجدا ألداء الصبلة الجماعية ككاف يأـ الجماعة ‪ ،‬كلـ يتدخؿ في ذلؾ قط ‪ ،‬كلـ يمنعكىـ مف‬
‫االختبلط كاالتصاؿ ببعضيـ البعض كلـ يقطعكا عنيـ المراسبلت»‪.6‬‬

‫‪ -1‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.91‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً‪ ،‬السيرة الذاتية‪ ،‬ص ‪.495‬‬
‫‪ -3‬بادٌع الزمااان سااعٌد النورسااً‪ ،‬إشووارات اإلعجوواز فووي مظووان اإليجوواز ‪،‬ترجمة‪:‬إحسااان قاساام الصااالحً‪ ،‬شااركة‬
‫سوزلر للنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ ،9119 ،‬ص ‪.445‬‬
‫‪ -4‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً‪ ،‬السيرة الذاتية‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.496‬‬
‫‪ -5‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً‪ ،‬الشعاعات ‪،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.241‬‬
‫‪ -6‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.61‬‬
‫‪- 137 -‬‬
‫بقً فً األسر فً روسٌا لمدة ثبلث سنوات تقرٌبا‪.‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬محاكمته باإلعدام في األسر وتأثيره ذلك عليه‬

‫تعود هذه المحاكمة إلى أٌام األسر"سعيد النورسي" فاً روساٌا ‪ ،‬ولعابل أهام األساباب التاً‬
‫أدت إلى محاكمته إلى أنه فً ٌوم من األٌام عندما ٌزور "نيقوال نيقوالفيتج" معسكر األسرى‬
‫للتفتٌش ٌقوم له األسرى إحتراما وعندما ٌمر من أمام "سعيد النورسي" ال ٌحارك سااكنا وال‬
‫ٌهتم به مما لفت نظر القابد العام فٌرجع وٌمر من أمامه بحجة أخرى ‪ ،‬فابل ٌكتارث باه أٌضاا‬
‫وفً المرة الثالثة ٌقؾ أمامه وتجري بٌنهما المحاورة اآلتٌة بواسطة مترجم‬

‫« المترجـ ‪ :‬أما عرفتني ؟‬

‫النورسي ‪ :‬نعـ لقد عرفتو انو "نيقوال نيقوالفيتج" ‪ ،‬خاؿ القيصر كالقائد العاـ لجبية القفقاس‪.‬‬

‫المترجم ‪ :‬فمما اذف قصد االىانة ؟‬

‫النورسي ‪ :‬كبل ! انني لـ استيف بو ‪ ،‬كانما فعمت ما تأمرني بو عقيدتي ‪.‬‬

‫المترجم ‪ :‬كما تأمرؾ عقيدتؾ ؟‬

‫النورسي ‪ :‬انني عالـ مسمـ أحمؿ في قمبي االيماف ‪ ،‬فالذم يحمؿ االيماف في قمبػو أفضػؿ ممػف ال يحممػو ‪،‬‬
‫فمك أنني قد قدمت لو احترما لكنت اذا قميؿ االحتراـ لعقيدتي ‪ ،‬كليذا لـ أقـ لو»‪.1‬‬

‫لكن نيقوال نيقوالفيتج ‪ :‬ما كانت ردة فعله إال أنه إعتبر جواب "النورسي" إال إهانة له فقال‬

‫« إ ذف فيك باطبلقو صفة عدـ االيماف عمي يككف قد اىانني ك أىاف جيشي كأىاف‬
‫أمتي كالقيصر"‪ ،‬فميشكؿ حاال محكمة عسكرية لمنظر في استجكابو ‪ .‬كقد تشكمت محكمة عسكرية بناءا‬
‫عمى ىذا االمر كيأتي الضباط االتراؾ كااللماف كالنمساكيكف لئللحاح عمى "سعيد النكرسي" باالعتذار مف‬
‫القائد الركسي كطمب العفك منو اال أف جكابو كاف كاآلتي ‪ ":‬انني راغب في الرحيؿ الى دار اآلخرة كالمثكؿ‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬الشعاعات‪ ،‬المصدر السابق ‪،‬ص ‪. 244‬‬


‫‪- 138 -‬‬
‫بيف يدم الرسكؿ الكريـ صمى ا﵀ عميو كسمـ ‪ ،‬فأنا بحاجة الى جكاز سفر فحسب لآلخرة كال استطيع أف‬
‫‪1‬‬
‫اعمؿ بما يخالؼ ايماني»‬

‫ونرى فٌما بعد أن هذه المحاكماة أنهات أعمالهاا باصادار قارار اإلعادام بموجاب ماادة إهاناة‬
‫القٌصر والجٌش الروسً ‪ ،‬وتحضر مفرزة ٌقودها ضاابط روساً ألخاذه إلاى سااحة اإلعادام‬
‫وٌقوم "سعٌد النورسً" إلى الضابط الروسً قاببل له بإبتهاج ‪:‬‬

‫« اسمحكا لي بخمس عشرة دقيقة ألؤدم كاجبي فيقكـ لمكضكء كأثناء صبلتو‬
‫كآدائيا يحضر "نيقكال نيقكالفيتج" كيخاطبو ‪ :‬أرجك منؾ المعذرة ‪ ،‬كنت أظف انكـ قمتـ بعممكـ ىذا قصد‬
‫اىانتي ‪ ،‬فاتخذت االجراءات القانكنية بحقكـ ‪ ،‬كلكف اآلف أدركت انكـ تستميمكف ىذا العمؿ مف إيمانكـ ‪،‬‬
‫كتنفذكف ما تأمركـ بو عقيدتكـ لذا ابطمت قرار الحكـ بحقكـ ‪ ،‬انكـ تستحقكف كؿ تقدير كاعجاب لصبلحكـ‬
‫كتقكاكـ ‪ ،‬أرجك المعذرة فقد ازعجتكـ كاكرر رجائي م ار ار أرجك المعذرة »‪.2‬‬

‫و من خبلل هذا تقرر العفو عنه من اإلعدام وأصبح "ساعٌد النورساً" حارا كماا أناه نجاا‬
‫مرة أخرى من اإلعدام ‪.‬‬

‫‪ -1‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.249‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬الشعاعات ‪ ،‬ص ‪. 249‬‬
‫‪- 139 -‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬المرحلة الثانية من حياة النورسي‬

‫مرحلة سعيد الجديد من ‪1925‬م‪1949-‬م‬

‫المطلب األول ‪ :‬هروب النورسي من األسر‬

‫من خبلل ما تقدم فً سٌرته الذاتٌة وما كتبه عنه عدة مإلفٌن حول سٌرته الذاتٌة بعد أن‬
‫مكث "سعٌد النورسً" فً األسر مادة سانتٌن وأربعاة اشاهر وأربعاة أٌاام وهاذا ماا صارح باه‬
‫مترجم كلٌات رسابل النور إحسان قاسم الصالحً ‪.‬‬

‫« مكث في األسر مدة سنتيف كأربعة اشير كأربعة أياـ إستطاع اليرب كالفرار منو‬
‫اثر حدكث " الثكرة البمشفية" كماتبعيا مف اضطراب كفكضى فكصؿ الى ألمانيا حيث استقبؿ ىناؾ استقباال‬
‫كبي ار كمنيا تكجو الى إستانبكؿ»‪. 1‬‬

‫خبلل رحلته مر بعدة مدن من بٌنها‪:‬‬

‫« "كارشك" ك "فيينا" حيث يقكؿ ىكذا أكممت سياحة األسر بصكرة تدعكا الى الدىشة‬
‫لسيكل تيا حيث اكممت سياحة الفرار الطكيؿ بسيكلة كيسر كبيريف بحيث لـ يكف لينجزىا اشجع االشخاص‬
‫كاذكاىـ كامكرىـ كممف يممكف بالمغة الركسية »‪. 2‬‬

‫« كما أستقبؿ إستقباال رائعا مف طرؼ الخميفة ك شيخ اإلسبلـ كالقائد العاـ كمف‬
‫قبؿ طمبة العمكـ الشرعية كقكبؿ بتكريـ كحفاكة أكثر مما إستحؽ بكثير» ‪. 3‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬من األسر ال عضو في دار الحكمة االسالمية‬

‫« بعد عكدتو مف األسر ككصكلو الى استانبكؿ اعطت لو الك ازرة الحربية مكافأة‬
‫قدرىا " ‪ 150‬ليرة ‪،‬مئة كخمسكف ليرة " مع ميدالية حربية تقدي ار لشجاعتو كجياده في جبيات القتاؿ ك لـ‬

‫‪ -1‬احسان قاسم الصالحً ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.99‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 934‬‬
‫‪ -3‬باادٌع الزمااان سااعٌد النورسااً ‪ ،‬السوويرة الذاتيووة ‪ ،‬ص ‪ . 499‬أنظاار اٌضااا ‪ ،‬محمااد علااً اورخااان ‪ ،‬المرجااع‬
‫السابق‪ ،‬ص‪.29‬‬
‫‪- 140 -‬‬
‫تقتصر مكافأتو عمى اعطائو ىذا بؿ انو في ‪ 13‬أكت ‪ 1918‬عيف في استانبكؿ عضكا في دار الحكمة‬
‫االسبلمية تقدي ار لو كاعترافا لعممو كفضمو كذلؾ دكف عممو» ‪. 1‬‬

‫و تعتبر دار الحكمة تتمثل فً هٌبة علمٌة عالٌة المستوى تضم أكبر المشاٌخة والعلماء ‪.‬‬

‫« دار الحكمة االسبلمية تابعة لممشيخة االسبلمية العامة لمدكلة العثمانية ككانت‬
‫ال تضـ إ ال كبار العمماء األفاضؿ كػ "محمد عاكؼ" شاع ار ‪" ،‬اسماعيؿ الحقي" العالـ ‪" ،‬ازميريمي"‬
‫ك"حمدم" مفسر ‪"،‬الماليمي" ‪ ...‬الخ» ‪.2‬‬

‫وكاناات عضااو ٌة دار الحكمااة االساابلمٌة ال توجااه اال لؤلشااخاص والعلماااء البااارزٌن ‪ ،‬ولاام‬
‫ٌشارك "سعٌد النورسً" فً إجتماعات دار الحكمة بسبب ما كاان ٌحاس باه مان حاجاة ماساة‬
‫إ لى الراحة لما تعرض له من معاناة فً األسر وطلب عدة مرات إعفابه من العضاوٌة إال أن‬
‫طلبه رفض ‪.‬‬

‫« في ىذه الفترة كانت الحككمة خصصت لو مرتبا ‪ ،‬كلـ يأخذه مف ىذا المرتب‬
‫سكل ما يقيـ اكده كالباقي طبع بو ما ألفو مف إثنتي عشرة "‪ "12‬رسالة ‪ ،‬فدفع ما إدخره مف مرتبو الى‬
‫مصاريؼ الطبع ‪ ،‬كما انو كزع الرسائؿ مجانا»‪.3‬‬

‫لم ٌحتفظ سوى برسالة أو رسالتٌن أماا االخارى وزعات مجاناا علاى المسالمٌن‪ ،‬كماا نشاٌر‬
‫أنه خبلل هذه الفترة وهذه االثناء لم ٌكن مستقبل وانما كان ٌقٌم مع إبن أخٌه "عبد الرحمن"*‪.‬‬

‫وماان خاابلل التااارٌخ العثمااانً نبلحااظ أن اثناااء هااذه الفتاارة إحتلاات اإلنجلٌااز إسااتانبول فااً‬
‫‪1920‬م‪ ،‬فشعر النورسً بؽٌرته على دٌنه فقررتؤلٌؾ و نشر رسالة الخطوات الست مهاجما‬
‫فٌها العدو‬

‫‪ -1‬محمد على اورخان ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.24‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً‪ ،‬السيرة الذاتية ‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.492‬‬
‫‪ -3‬إحسان قاسم الصالحً‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.93‬‬
‫‪- 141 -‬‬
‫« أف طعنة كبيرة كجيت إلى العالـ اإلسبلمي‪ ،‬كلذؾ ألؼ "بديع الزماف " كتابو "‬
‫الخطكات الست"‪ ،‬كبدأ ينشر رسالة الخطكات الست س ار بمساعدة طبلبو كأصدقائو حيث ىاجـ فييا الغزاة‬
‫اإلنجميز بشدة أزاؿ دكاعي اليأس الذم خيـ عمى كثير مف الناس»‪. 1‬‬

‫« ىاجـ بمغة قكية رادعة كيحكـ الشبيات التي أثيرت آنذاؾ ببراىيف قاطعة مفندا‬
‫حججيـ كيمفت أنظار المسمميف إلى أطماعيـ كيحارب اليأس الذم تسمط عمى كثير مف النفكس كبشد‬
‫العزائـ»‪. 2‬‬

‫وذلك ألن اإلنجل ٌز بدأوا بإتباع أسلوب الحرب النفسٌة وبنشر أفكار معٌنة ضامن هاذه‬
‫الحرب ؼاٌتهم تحطاٌم روح المقاوماة لادى الشاعب المسالم ‪ ،‬حٌاث سارت اآلثاار هاذه الحارب‬
‫النفسٌة فً كثٌر من األوساط الشعبٌة والعلمٌة وإستمالة بعض الشٌوخ حٌث صرح النورسً‬

‫« إستطاعت القكل المحتمة عمى رأسيا اإلنجميز إستمالة بعض العمماء إلى صفها‬
‫مف ضمنيـ شيخ اإلسبلـ آنذاؾ الى جانبيا بالترغيب كالترىيب كضد حركة االستقبلؿ التي إشتعمت في‬
‫االناضكؿ‪ ،‬مف خبلؿ كؿ ىذا كعندما شاىد النكرسي مدل سرياف ىذه الحرب النفسية كقكة تأثيرىا قاـ بنشر‬
‫‪3‬‬
‫ىذه الرسالة " الخطكات الست" بيف فييا مكايد االنجميز»‬

‫إن الرسااابل التااً كااان ٌوزعهااا النورسااً علااى الناااس ساارا ماان أجاال أن ٌبااٌن لهاام مكابااد‬
‫اإلستعمار و الؽاٌة منه حتى ال ٌتم خداعهم مان طارؾ االساتعمار الاذي كاان ٌقادم لهام أفكاار‬
‫خاطبة و واهٌة ‪،‬لكن اإلنجلٌز لم ٌدعه ٌكمل ما بدء به ألنه كان ٌقؾ فً طارٌقهم فحااربوه و‬
‫حكموا علٌه باإلعدام مرة أخرى ولكن هذه المرة ؼٌابٌا ‪.‬‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬موقف بديع الزمان من مصطف كمال‬

‫‪ -1‬إحسان قاسم الصالحً‪ ،‬جوانب من حياة بديع الزمان‪ ،‬مرجع السابق‪ ،‬ص ‪.2‬‬
‫‪ -2‬على القاضً ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.49‬‬
‫‪ -3‬محمد علً اورخان ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪- 142 -‬‬
‫حٌنما تم عصٌان األناضول‪ ،‬وكان مصطفى كمال على رأس الحركة‪ ،‬إستدعى بادٌع‬
‫الزمان سنة ‪1920‬م إلى أنقرة لبلحتفال به وتكرٌمه‪ ،‬ولكنه فاوجا حٌنماا وصال إلٌهاا بخٌباة‬
‫أمل كبرى إذ شعر باإلتجاه نحو معاداة الشرٌعة اإلسبلمٌة‪ ،‬وحٌنبذ قاطع إحتفال تكرٌمه‪.‬‬

‫« أرسػػؿ بيانػػا مط ػكال إلػػى المجمػػس النيػػابي الػػذم كػػاف مصػػطفى كمػػاؿ رئيسػػا لػػو‬
‫ضػمنو نصػائح ليػـ فػػي عشػر فقػرات‪ ،‬كجعػػؿ عنكانػو ىػذه الجممػػة" اعممػكا أييػا المبعكثػػكف أنكػـ مبعكثػكف ليػػكـ‬
‫عظيـ"‪.‬ككاف مف تأثير ىػذا البيػاف الػذم تػكلى إلقػاءه (كػاظـ قػره بكػر) أف إسػتقاـ عمػى التػديف كاقامػة الصػبلة‬
‫ستكف نائبا منيـ»‪.1‬‬
‫ؼٌر أن هذا أثار حفٌظة مصطفى كمال‪ ،‬فاستدعى بدٌع الزمان ودخال معاه فاً مناقشاة حاادة‬
‫فً دٌوان المجلس النٌابً وكان مما قاله مصطفى كمال‪:‬‬

‫« الريب أننا بحاجة إلى أستاذ قدير مثمؾ‪ ،‬لقد دعكناؾ إلى ىنا لبلستفادة مف‬
‫آرائؾ الميمة‪ ،‬كلكف أكؿ عمؿ قمت بو لنا ىك الحديث عف الصبلة‪ ،‬لقد كاف أكؿ جيكدكـ ىنا ىكية الفرقة‬
‫في أىؿ ىذا المجمس ‪،‬فأجا بو بديع الزماف مشي ار إليو بإصبعو ‪":‬باشا‪ ...‬باشا إف أعظـ حقيقة تتجمى بعد‬
‫‪2‬‬
‫اإلسبلـ إنما ىي الصبلة‪ ،‬إف الذم اليصمي خائف‪ ،‬كحكـ الخائف مردكد»‬

‫وهنا إ ضطر مصطفى كمال أن ٌعتذر وٌنهى الحدٌث ومع ذلك فقد كان بدٌع الزمان ٌؤمل أن‬
‫ٌخرج من ظبلم الحكومة الكمالٌة نورا‪ ،‬وأن ٌقلب سعٌها إلاى خدماة اإلسابلم‪ ،‬ولكان العقباات‬
‫أخذت تظهر متوالٌة‪.‬‬

‫ونظرا لمكانة بدٌع الزمان بٌن النااس فقاد أحاب مصاطفى كماال أن ٌساتجلب قلباه فجعلاه‬
‫ربٌسا للوعاظ فً شارق األناضاول كلاه‪ ،‬وعضاوا فاً رباساة جامعاة دارالحكماة ومنحاه بٌتاا‬
‫ضخما ٌسكن فٌه وجعله من المقربٌن إلٌه ؼٌر أنه لم ٌوافق على قبول شًء منه‪ ،‬ولام ٌلباث‬
‫أن فارق "أنقره" إلى "وان"‪ ،‬بعد أن تزلؾ إلٌاه الناواب طاوٌبل أن الٌفاارقهم‪ ،‬وهنااك انازوى‬
‫عن الحكام والناس فً مكان منعزل عن الجمٌاع‪ ،‬وذلاك عاام ‪1921‬م وكاان هاذا التاارٌخ هاو‬

‫‪ -1‬جمال الدٌن فالح الكٌبلنً و زٌاد حمد الصمٌدعً‪ ،‬بديع الزمان سعيد النورسي قراءة جديدة في فكره‬
‫المستنير‪ ،‬دار الزنبقة للنشر‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬الطبعة األولى ‪9141 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.99‬‬

‫‪ -2‬جمال الدٌن فالح الكٌبلنً و زٌاد حمد الصمٌدعً ‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫‪- 143 -‬‬
‫الفاصل بٌن مرحلتٌن متماٌزتٌن من حٌاة بدٌع الزمان‪ ،‬كان ٌطلق بعد ذلك على فتارة ماا قبال‬
‫هذا التارٌخ من حٌاته اسم سعٌد القدٌم‪ ،‬وٌطلق على نفسه فً ما بعد ذلك اسم‪ :‬سعٌد الجدٌد‪.‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬ردود فعل اإلتجاهات الدينية من إجراءات الحركة الكمالية‬

‫كانت ردود كل من ردود فعل النقشابندٌٌن و فعال النورساٌن وفعال تبلماذة اإلماام سالٌمان‬
‫حلمً تتمٌز بصد ومجابهة الحركة الكمالٌة المعادٌاة للادٌن بالمرصااه لهاا حٌاث إن علمناة‬
‫الدولة العثمانٌة وقٌام الجمهورٌة برباسة "كمال أتاتورك" الاذي قااد الدولاة الاى للاتخلص مان‬
‫االساتعمار األورباً وعلمنتهاا والتاً كاان لهاا رد فعاال فعال كبٌار لادى الشاعب التركاً ‪ ،‬فقااد‬
‫حاول " كمال أتاتورك" فً بداٌة حكمه أن ٌسبػ على ثورته طابعاا إسابلمٌا لنٌال تؤٌٌاد شاعب‬
‫األناضول ‪ ،‬فقام بالتحدث بلؽاة إسابلمٌة فاً أكثار مان مناسابة ‪ ،‬وقاد جااء فاً خطاباه بمساجد‬
‫مدٌنة "بالٌكسٌر" عام ‪1923‬م ماٌلً ‪:‬‬

‫« إف المساجد ليست لكي ينظر بعضنا إلى بعض رككعا كسجكدا بؿ ىي‬
‫‪1‬‬
‫لمطاعة كالعبادة كأف نتداكؿ أمكر الديف كالدنيا ‪ ،‬ككؿ فرد يجب أف يعمؿ لصالح بلده جسما وروحا»‬

‫وقد سٌطر على عقول المسلمٌن أنه ٌعٌاد للخبلفاة مجادها وقوتهاا خاروج قاوات الحلفااء وقاد‬
‫رأو فٌه اإلخبلص والتفانً حتى إنهم عرضوا علٌه أن ٌنصب نفسه خلٌفاة للمسالمٌن لكناه لام‬
‫ٌقبل ‪ ،‬وبدأ ٌنفذ أهدافه ببطء شدٌد وبدراٌاة كاملاة بعقلٌاة وروح الشاعب الاذي أراد تؽٌٌاره ‪،‬‬
‫حتى إن الشعراء والمعاصرٌن له تؽنوا بؤمجاده وخدماته وجهاده من أجل الوطن ‪ ،‬ولكان ماا‬
‫لبثوا أن إكتشفوا نواٌاه الدسٌسة التً كان ٌوجهها من أجل فصل اإلسبلم عن الدولة العثمانٌاة‬
‫وتترٌك كل ما هو عربً وإسبلمً وبدأ فً تنفٌذ إجراءاته الواحدة تلو األخرى‪.‬‬

‫ساانورد بعااض اإلجااراءات التااً قااام بهااا " كمااال أتاااتورك" فااً ساابٌل ترسااٌخ العلمانٌااة‬
‫والقضاء على كال ماا هاو إسابلمً والتاً أدت الاى ردود و أفعاال قوٌاة لادى الشاعب التركاً‬
‫خاصة ا إلتجاهات الدٌنٌة التً كانات مان ضامن مخططاات الحركاة األتاتوركٌاة لطمساها مان‬
‫التراب التركً ألنها منبع الدٌن وتكرٌس مبادبه وإنتشاره لدى العوام التركً وحتى الطبقات‬

‫‪.449‬‬ ‫‪ -1‬إ حسان قاسم الصالحً ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‬


‫‪- 144 -‬‬
‫« ففي عاـ ‪1924‬ـ صدر قرار يتعمؽ بالعممانية كالتي بدكرىا غير المادة التي‬
‫تنص ع مى أف اإلسبلـ ىك ديف الدكلة الرسمي" كالتي تعدلت إلى ‪ ":‬الدكلة التركية ىي جميكرية قكمية ك‬
‫دكلية ك عممانية ك إصبلحية» ‪.1‬‬

‫« كانت الطرؽ الصكفية تنتشر في كؿ أنحاء تركيا مف البكتاشية إلى النقشبندية‬


‫إلى المكلكية كالقادرية كالشاذلية كالرفاعي ة كالخمكاتية كالمبلمتية كالعشاقية كغيرىا ‪ ،‬كقد كاف لمشايخ ىذه‬
‫الطرؽ كالزكايا الصكفية في تركيا كقت إعبلف الجميكرية ضمع في الجمعيات كاإلجتماعات السرية كالدعكة‬
‫إلى التظاىر كاثارة العصبية ضد الحككمة الكمالية الجديدة كمف أبرز زعمائيـ كانكا " أبك اليدل الصيادم‬
‫الكرم" ك"الحجازم سيد أحمد أسعد" زعيـ الطريقة الرفاعية ك"محمد ظافر" زعيـ الطريقة الشاذلية»‪. 2‬‬

‫وكان النظام العلمانً ٌسعى إلى إنهاء دور رجال الدٌن فً أمور الدولة بل أكثر من ذلك‬
‫وهو دورهم فً حٌااة النااس اإلجتماعٌاة والثقافٌاة المعٌشاٌة ‪ ،‬وعنادما إرتضاى شاٌخ اإلسابلم‬
‫إرتااداء القبعااة والظهااور مرتاادٌا إٌاهااا بجااوار أتاااتورك ‪ ،‬لاام تكاان التنظٌمااات الصااوفٌة قااد‬
‫استسلمت وكان التٌار الصوفً بالمرصاد امام حملة أتاتورك ضدهم حٌن أعلان أن تركٌاا لان‬
‫تكون بلد المشاٌخ والادراوٌش والمرٌادٌن ‪ ،‬كماا أعلان أن المتصاوفة ٌجهلاون أصاول الشارع‬
‫ولٌست لدٌهم مقدر ة على تبلوة الفاتحة‪ ،‬وما إن تسلم "أتااتورك " تاولً زماام حكام الاببلد بادأ‬
‫بقمع المظاهر الدٌنٌة بحٌث إعتبرها عادات وتقالٌد موروثة منذ مبات السنٌن ‪ ،‬كماا أعلان أن‬
‫هذه الطرق الصوفٌة تقوم علاى األسااطٌر والخرافاات والمبالؽاات ‪ ،‬وأن مشااٌخ هاذه الطارق‬
‫ٌقومون بخوارق ومعجزات ال أساس لها ‪ ،‬كما ذكار "مصاطفى كماال أتااتورك " فاً خطاباه‬
‫فااً مدٌنااة "قسااطمونً" ‪ 30‬أوت ‪1925‬م ‪ ،‬حٌااث تنتشاار "الطرٌقااة المولوٌااة" تعاارض فٌااه‬
‫للطرق الصوفٌة فقال‪:‬‬

‫« إف طمب العكف كالمساعدات مف قبكر األمكات ىك صفعة مف لممجتمع‬


‫اإلنساني المتحضر كاني أتساءؿ ماذا عسى أف يككف ىدؼ رجاؿ الديف جعؿ حياة أتباعيـ أفضؿ مما ىي‬

‫‪ -1‬أحمد ناوري النعٌماً ‪ ،‬الحركوات اإلسوالمية الحديثوة فوي تركيوا‪ ،‬دار النشار عماان ‪ ،‬األردن ‪4669 ،‬م ‪ ،‬ص‬
‫‪.44‬‬
‫‪ -2‬سلٌم الصوٌص ‪ ،‬أتاتورك منقذ تركيا وباني نهضتها الحديثة ‪ ،‬مطبعة تشالز ‪ ،‬عماان ‪ ،‬األردن ‪ ،‬بادون سانة‬
‫نشر ‪،‬‬
‫ص ‪.926‬‬
‫‪- 145 -‬‬
‫عميو ركحيا كماديا فإذا كاف ىذا ىك ىدفيـ فإنني أرفض مجرد التصكر بأنو مازاؿ في تركيا بعد كؿ ىذا‬
‫الجياد لمقضاء عمى الجيؿ كالتخمؼ أناس مازالكا يمتمسكف تحسيف أكضاعيـ المعيشية مف خبلؿ مشايخ‬
‫الطرؽ كاساليب الشعكذة ‪ ،‬ك عمى األمة التركية بأسرىا أف تعمـ أف الجميكرية التركية العممانية ال يمكف أف‬
‫تككف بعد اليكـ أرضا خصبة لممشايخ كالدراكيش كأتباعيـ مف أصحاب الطريقة ‪ ،‬كاف كاف ىناؾ طريقة‬
‫حقيقية فيي طريقة الحضارة المبنية عمى العمـ ‪ ،‬كعمى مشايخ الطرؽ أف يفيمكا ىذا كبالتالي يغمقكا زكاياىـ‬
‫كتكاياىـ عف طيب خاطر كالى األبد قبؿ أف أدمرىا فكؽ رؤكسيـ »‪.1‬‬

‫و نبلحاظ بعااد عااودة "اتاااتورك" مان "قسااطمونً" نحااو "أنقاارة" إذ باه أصاادر مجموعااة ماان‬
‫القوانٌن‬

‫« ت ػػنص عم ػػى غم ػػؽ التكاي ػػا كحميػػا كمنعي ػػا م ػػف ممارس ػػة شػػعائرىـ تح ػػت طائف ػػة العقكب ػػة‬
‫الصارمة»‪.2‬‬
‫حٌث إحتوى على ماٌلً ‪:‬‬

‫« إلغاء كؿ الطرؽ بأنكاعيا كمشايخيا كالغاء ألقاب الدراكيش كالمريد كاألستاذ كالسيد‬
‫كالجمبي كالبابا كاألمير كالنقيب كالخميفة ك العرافة كالسحر كالتنجيـ ككتابة التعاكيذ كاألحجبة كالتمائـ‪،‬‬
‫إغبلؽ الزكا يا كالتكايا المكجكدة بالدكلة سكؿء كانت كقفا أك ممكا لمشايخيا ‪،‬حظر إستعماؿ عناكيف‬
‫كصفات أزياء تدؿ عمى تمؾ الطرؽ الصكفية ‪ ،‬إغبلؽ جميع الم ازرات كقبكر السبلطيف كاألكلياء كمشايخ‬
‫الطرؽ ‪،‬يحكـ كؿ مف يخالؼ ىذه الق اررات بالحبس مدة ال تقؿ عف ثبلثة أشير كغرامة ال تقؿ عف خمسيف‬
‫ليرة ‪،‬تحكيؿ جميع ما في الزكايا كالتكايا مف أثاث إلى المتاحؼ التابعة لمدكلة‪ ،‬زم العمماء ىك عمامة‬
‫بيضاء كجبة سكداء كىي العبلمة المميزة»‪. 3‬‬
‫«إجبار العمماء عمى إرتداء الزم خارج كظائفيـ ‪ ،‬تخيير العمماء في السبلـ بيف‬
‫رفع غطاء الرأس أك اإلشارة بأيدييـ»‪. 4‬‬

‫‪ -1‬هاادى دروٌااش ‪ ،‬اإلسووالميون وتركيووا العلمانيووة ‪ ،‬دار اآلفاااق العربٌااة للنشاار ‪ ،‬القاااهرة‪ ،‬الطبعااة األولااى ‪،‬‬
‫‪4665‬م‪ ،‬ص ‪.441‬‬
‫‪ -2‬مصطفى الزٌن‪ ،‬ذئب األناضول‪ ،‬رٌاض الرٌس للنشر‪ ،‬لندن‪ ،‬بدون سنة نشر ‪،‬ص ‪.941-916‬‬
‫‪ -3‬فتحااً رضااوان ‪ ،‬مصووطف كمووال أتوواتورك ‪ ،‬دار مطااابع المسااتقبل ومإسسااة المعااارؾ للنشاار‪ ،‬بٌااروت ‪،‬‬
‫‪4659‬م‪ ،‬ص ‪.61‬‬
‫‪ -4‬هدى دروٌش‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.442‬‬
‫‪- 146 -‬‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬النورسي وجمعية اإلتحاد المحمدي‬

‫ساند "بدٌع الزمان سعٌد النورسً" وناصر جمعٌة "اإلتحاد المحمدي" التً تؤسسات فاً ‪2‬‬
‫أفرٌل ‪4616‬م ‪،‬أي ماا ٌوافاق عاام ‪4994‬هاـ‪ ،‬وأعلان أن هاذه الجمعٌاة فاً إجتمااع حاشاد فاً‬
‫جامع " آٌا صوفٌا" المساجد الشاهٌر فاً مدٌناة إساتانبول باالقرب مان منطقاة السالطان ‪،‬حٌاث‬
‫ألقى هناك خطبة‪.‬‬

‫أسااس هااذه الجمعٌااة مجموعااة ماان األشااخاص المرمااوقٌن كؤمثااال "سااهٌل باشااا" و"الشااٌخ‬
‫صادق" بعدما قطعوا صلتهم بتلك الجمعٌة السٌاساٌة ‪.‬وأصابحت هاذه الجمعٌاة محصاورة فاً‬
‫العبااادة وإتباااع الساانن المطهاارة ‪ ،‬وأن جهااة اإلرتباااط فااً هااذا اإلتحاااد هااو توحٌااد هللا ‪ ،‬قساامه‬
‫ووعده هو اإلٌمان‪.‬‬

‫« كيعتبر المنتسبكف ليذه الجمعية مف جميع فئات المجتمع دكف إستثناء‪ ،‬أم‬
‫جميع المؤمنيف اينما كجدكا ‪ ،‬كما نرل أف ىذه الجمعية ناشرة أفكارىا في الكتب اإلسبلمية كالصحؼ‬
‫اليكمية كالتي تستيدؼ إعبلء كممة ا﵀ ‪ ،‬كتعتبر اجتماعاتو كنكاديو ىي الجكامع كالمساجد كالتكايا كالمدارس‬
‫الدينية مف أجؿ إحياء السنة النبكية كاسداء النصح ليـ كالنظاـ الداخمي ليذا اإلتحاد ىك "السنة النبكية "‬
‫كقانكنو األكامر الشرعية كنكاىييا كسيكفو البراىيف القاطعة ‪ ،‬أما مقاصدىا فيي إعبلء كممة ا﵀ »‪.1‬‬

‫« تأسست ىذه الجمعية كجاءت كرد فعؿ لممخاكؼ التي بدأت تسرم بيف صفكؼ‬
‫الشعب»‪.2‬‬

‫بدأت بعض الصحؾ بنشر المقاالت اإللحادٌة ‪ ،‬وقد حضر "بدٌع الزمان " هذا اإلجتماع‬
‫ٌحؾ به جمع ؼفٌر من طبلب المدارس الدٌنٌة وألقى فً هذا اإلجتماع خطبة إستمرت قرابة‬
‫ساعتٌن حث فٌها الجمٌع على التمسك بآداب اإلسبلم ‪ .‬وكاان ممان أساس هاذه الجمعٌاة كاذلك‬
‫"الدروٌش وحدتً"* ‪ ،‬وبالرؼم من أن " بدٌع الزمان لم ٌكن من مإسسً هذه الجمعٌاه إال أناه‬
‫كان ٌناصرها وكان ٌنشر بعض مقاالته فٌها مثلما‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬السيرة الذاتية ‪ ،‬ص ‪.62‬‬


‫‪ -2‬محمد علً أورخان ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫‪- 147 -‬‬
‫« كاف ينشر في جرائد أخرل عديدة كػجريدة " األقداح" ك"سربستي" ك" الميزاف"ك‬
‫"المصباح"‪...‬الخ ‪ ،‬ك كانت مقاالت "بديع الزماف" في جريدة "ككلقاف" كميا مف المقاالت البناءة التي‬
‫‪1‬‬
‫تحض عمى كحدة الصؼ كتجنب الفرقة كتجنب الحركات المتطرفة »‬

‫كمااا أن بعااض المقاااالت كاناات موجهااة إلااى "دروٌااش وحاادتً" نفسااه ٌنصااحه فٌهااا وٌبااٌن لااه‬
‫الطرٌق الصحٌح ‪ ،‬فقد كتب له مرة إلى أخً الدروٌش وحدتً‬

‫«إف األدباء يجب أف يتحمكا باألدب كالسيما باألدب اإلسبلمي ‪ ،‬كليكف الضمير‬
‫الديني ىك الحارس لنظاـ المطبكعات ‪ ،‬لكف نصائح "بديع الزماف" لو ذىبت أدراج الرياح كاستمر عمى‬
‫نيجو حتى عندما ألقي القبض عميو في حادثة ‪13‬افريؿ ‪ 1909‬كقدـ الة المحاكمة كشنؽ»‪.2‬‬

‫«كاف بديع الزماف يقكؿ عنو " أنو متمسؾ بالديف إال أنو يعكزه المنطؽ‬

‫العقبلني‬
‫‪3‬‬
‫‪.‬‬ ‫»‬

‫‪4‬‬
‫الفرع الثالث ‪ :‬ثورة الشيخ سعيد البيراني‬

‫ثورة الشٌخ سعٌد بٌران أو ثورة الشٌخ سعٌد النقشبندٌة هاً ثاورة قامات فاً جناوب شارق‬
‫تركٌااا ضااد سٌاسااة التترٌااك والتعسااؾ التااً إنتهجتهااا حكومااات "مصااطفى كمااال أتاااتورك"‬
‫المتعاقبة بحق األقلٌات‪.‬‬

‫‪ -1‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.92‬‬


‫*‪ " -‬الدرويش وحدتي"‪ :‬قبرصً األصل أتى إلى إستانبول بعد إعبلن المشروطٌة الثانٌة وعمره عشرون سنة ‪،‬‬
‫وهو صااحب جرٌادة "وولقاان" بمعناى "البركاان" اشاتهر بمقاالتاه العنٌفاة ضاد جمعٌاة "االتحااد والترقاً" كاان‬
‫جرٌدته "وولقان" بمثابة لسان حال جمعٌة اإلتحاد المحمدي‪.‬‬
‫‪ -2‬محمد على اورخان ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪93‬‬
‫‪ -3‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬صٌقل االسبلم‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.295‬‬
‫‪ -4‬الشويخ سوعيدالبيراني‪:‬هاو مرشاد الطرٌقاة النقشابندٌة وزعاٌم الثاورة الكوردٌاة فاً تركٌاا أثنااء حكام "كماال‬
‫أتاتورك"‬
‫‪- 148 -‬‬
‫وقد حاصرت القوات التركٌة الثوار ومنعتهم من دخول العاراق وساورٌا و إٌاران ‪،‬و فاً‬
‫أواسط نٌسان ‪ 4692‬تم اعتقال الشٌخ سعٌد مع عدد من قادة االنتفاضة التً خبت نارها شاٌبا‬
‫فشٌبا‪ ،‬وفً نهاٌاة أٌاار حاوكم الشاٌخ ساعٌد وقاادة االنتفاضاة اآلخارون‪ ،‬وصادر حكام اإلعادام‬
‫بحقه مع ‪ 14‬من قادة الثورة‪.‬‬

‫نفذ حكم اإلعدام فٌهم فً ‪ 91‬أٌار ‪ 4692‬و أمام حبل المشنقة قال الشٌخ سعٌد‪:‬‬

‫« إف الحياة الطبيعية تقترب مف نيايتيا‪ ،‬كلست آسفا قط عندما أضحي بنفسي‬


‫في سبيؿ شعبي‪ ،‬إننا مسركركف ألف أحفادنا لف يخجمكا منا أماـ األعداء"‪ .‬كقد بمغت خسائر الكرد تدمير‬
‫‪ 900‬بيت كحرؽ كازالة ‪ 210‬قرل‪ ،‬فيما كصؿ عدد القتمى إلى ‪ 15‬ألفا‪ ،‬فضبلن عف نيب ممتمكات كثركات‬
‫كؿ مف كصمت إلييـ أيدم الجنكد األتراؾ‪ .‬أسفر قمع ىذه الحركة عف تيجير مثات اآلالؼ مف الكرد‬
‫كالعرب كاآلشكرييف إلى سكريا»‪.1‬‬

‫الفرع الرابع ‪:‬موقفه من ثورة الشيخ "سعيد البيراني"‬

‫أثار اتجاه أتاتورك وحكومته المعادي للدٌن السخط والنقمة بٌن أوساط الشعب ؛ لاذا قامات‬
‫حركات تمرد ضاد السالطة ‪ ،‬كاان أهمهاا حركاة ساعٌد البٌراناً عاام ‪ 1925‬م ‪ ،‬وهاو زعاٌم‬
‫للعشابر الكردٌة‪ .‬وتذكر بعض المصادر أنه كانت هناك مراسبلت بٌن النورسً والبٌرانً ‪:‬‬

‫« تمت مراسبلت بيف سعيد البيراني كبديع الزماف ‪ ،‬مف أجؿ قياـ ىذا األخير بدعـ‬
‫الثكرة المسمحة ‪ ،‬نظ ار لما كاف لو مف تأثير كسط العشائر الكردية ‪ ،‬كالسيما بمدينة "كاف" » ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫كما وتضٌؾ مصادر أخرى فً عدم قبول النورسً لهذه الثورة وإنما رفضها حٌث قٌل‬

‫« أف النكرسي رفض رفضا قاطعا ‪ ،‬ناسبة إليو أقكاال مختمفة في سبب التحذير مف‬
‫‪1‬‬
‫اإلقداـ عمى الثكرة أك التفكير فييا»‬

‫‪ -1‬أنظر الموقع ‪ٌ https://ar.wikipedia.org‬وم ‪.9143-5.-99‬‬


‫‪ -2‬جمال الدٌن فالح الكٌبلنً و زٌاد حمد الصمٌدعً ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 91‬‬
‫‪- 149 -‬‬
‫لم تختلؾ المصادر على عدم مشاركة النورسً فً ثورة عام ‪ 1925‬م ‪،‬وإنما الخبلؾ بٌنها‬
‫فااً ساابب عاادم المشاااركة فااؤكثر المصااادر ذكاارت أن إحجامااه عاان المشاااركة راجااع إلااى‬
‫معارضته مبدأ الثورة ذاته الذي ٌنجم عنه قتل األخ ألخٌه ‪،‬لكن كل هذا ولام ٌانج مان حكوماة‬
‫أنقرة التً أمرت بالقبض علٌه ونقلاه إلاى اساتانبول ومان ثماة إلاى مدٌناة "باوردور " ثام إلاى‬
‫بارال ‪.1926‬‬

‫المطلب الرابع ‪:‬منف بارال بداية رحلة سعيد الجديد‬


‫أوال ‪ :‬منف بارال‬
‫بعااد فشاال ثااورة الشااٌخ " سااعٌد بٌرانااً" قاماات قاماات الحكومااة بإعتقااال زعماااء العشااابر‬
‫الكردٌاة ونفااٌهم إلااى أمااكن أخاارى حتااى ٌظلااوا تحات المراقبااة كااان النورساً ماان بااٌن الااذٌن‬
‫إعتقلوهم ‪.‬‬

‫« كفي بارال بدأت المرحمة االخرل الثانية مف حياة بديع الزماف كىي المسماة مرحمة‬
‫سعيد الج ديد ‪ ،‬كقد كانت حافمة باإلتيامات كالمبلحقات كالمطاردات كالسجكف كالمعتقبلت ‪،‬ك المحاكمات‬
‫كالمنافي مما لـ يمر في حياة إنساف شعاره في ذلؾ " إف طبلب النكر ليست ليـ أم عبلقة بالسياسة»‪.2‬‬

‫« أمضى النكرسي في "بارال " ثماني سنكات كنصؼ السنة ألؼ فييا أكثر رسائؿ‬
‫النكر كىك يعاني مف عدة أمراض كال يشتيي الطعاـ بؿ كاف يكتفي مف الطعاـ بكسيرات مف الخبز مع‬
‫قميؿ مف الحساء كال يقبؿ اليدية كال تبرعا كال زكاة مف أحد كاف كما قاؿ عف نفسو يعيش عمى البركة‬
‫كاإلقتصاد ‪،‬كخبلؿ مدة النفي في " بارال" استطاع النكرسي أف يكسر طكؽ العزلة ‪ ،‬فعمى رغـ مراقبة‬
‫السمطات لو ‪ ،‬تعرؼ عميو بعض شباب البمدة»‪. 3‬‬

‫وبتوالً اللقاءات أصبح هإالء الشباب من أخلص طلبة النورسً ؛ إذ أخذوا على عااتقهم‬
‫مهمة نشر رسابل النور عن طرٌق استنساخ هاته الرسابل ونشرها فً أوساط تركٌا سرا‬

‫‪ -1‬نجم الدٌن شاهٌن ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.921‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬السيرة الذاتية ‪ ،‬ص ‪.292‬‬
‫‪ -3‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.944‬‬
‫‪- 150 -‬‬
‫«إستنساخ رسائؿ النكر بمئات اآلالؼ مف النسخ ‪ ،‬كتكزيعيا س ار في أرجاء تركيا‬
‫كميا ‪ ،‬متحمميف تبعات ىذا العمؿ مف اعتقاؿ كمطاردة كتعذيب عف طيب خاطر كاطمئناف نفس»‪. 1‬‬

‫وفً الوقت الذي بدأت تتسع فٌه دابرة رسابل النور ‪ ،‬وتجمع حوله ااآلالؾ من الشاباب ‪،‬‬
‫و الموظفٌن ‪ ،‬والتجار ‪ ،‬وؼٌرهم أصدرت الحكومة أمرا بمنع األذان بالعربٌة عام ‪ 1931‬م‬
‫‪ ،‬وأصبح ٌردد باللؽة التركٌة ‪ .‬وبسبب عدم تنفٌذ النورسً ومجموعة من طبلباه هاذا القارار‬
‫قامت السلطات فً (بارال) بنفٌهم إلى إسبارطة‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬النورسي في إسبارطة‪:‬‬

‫وفً إسبارطة اساتمر النورساً فاً تاؤلٌؾ رساابله إلاى ؼاٌاة سانة ‪ 1935‬م ‪،‬حٌاث بادأت‬
‫موجة اعتقاالت لطلبة النور شملت مابة وعشرٌن طالب ‪ ،‬كما طالت النورسً نفسه ‪ ،‬وسٌق‬
‫الجمٌع إلى سجن مدٌنة (اسكً شهر) ‪ ،‬بانتظار محاكمتهم إلتهامهم بماٌلً‪:‬‬

‫« تأليؼ جمعية سرية ‪ ،‬السعي ليدـ أسس الثكرة الكمالية‪ ،‬تشكيؿ طريقة صكفية‬
‫في الكقت الذم منعت فيو الحككمة ىذه الطرؽ‪ ،‬إثارة ركح التديف بنشر رسالة التستر "الحجاب" التي تدعك‬
‫بل ضد قانكف‬
‫النساء إلى االحتشاـ كالتستر كاتباع تكجيو اإلسبلـ ‪ ،‬كقد عدت الحككمة ىذه الرسالة عم ن‬
‫"الزم"»‪. 2‬‬

‫وعلى إثر ذلك وضاع النورساً ‪ -‬أوال ‪ -‬فاً ساجن انفارادي بهادؾ الضاؽط علٌاه وتحطاٌم‬
‫روحه المعنوٌة ‪ ،‬إال أنه استمر فً التؤلٌؾ ‪.‬‬

‫« فألؼ ىناؾ ‪" :‬الممعة الثامنة كالعشريف" ‪ ،‬ك "الممعة التاسعة كالعشريف" ‪ ،‬ك "الممعة‬
‫الثبلثيف" ثـ"الشعاع األكؿ" ‪ ،‬ك "الشعاع الثاني" كلـ يقتصر نشاطو عمى التأليؼ ‪ ،‬كانما كاف يدعك كثي ار‬
‫‪3‬‬
‫مف المجرميف أثناءاتصالو بيـ ‪ ،‬فاىتدكا عمى يديو كاستقامكا عمى الطريؽ المستقيـ»‬

‫‪ -1‬إحسان قاسم الصالحً ‪ ،‬بدٌع الزمان حٌاته وأثاره ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.36‬‬
‫‪ -2‬جمال الدٌن فالح الكٌبلنً و زٌاد حمد الصمٌدعً ‪ ،‬المرجاع الساابق ‪،‬ص ‪ 99‬أنظار أٌضاا ‪ :‬أورخاان محماد‬
‫على ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.451‬‬
‫‪ -3‬إ حسان صالح القاسمً ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ ، 46‬أنظر أٌضا ‪:‬اورخان محماد علاً ‪ ،‬المرجاع الساابق ‪،‬‬
‫ص ‪.454‬‬
‫‪- 151 -‬‬
‫وبعد فترة من إعتقاله قدم بدٌع الزمان للمحاكمة ‪.‬‬

‫ثالثا ‪:‬النورسي أمام محكمة دينزلي‬

‫« تـ تحكيؿ النكرسي كتبلميذه مف أنقرة إلى إسبارطة ‪ ،‬ثـ إلى دنيزلي ‪ ،‬كفي‬
‫عاـ ‪ 1934‬قدـ إلى المحاكمة ‪،‬ك تمييدا ليذه المحاكمة شكمت السمطات لجنة تحقيؽ في رسائؿ النكر ك‬
‫دراستيا كقد جاء في قرار المجنة المدققة لرساْئؿ النكر في مدينة دينزلي ‪ ،‬ليس لبديع الزماف فعالية سياسية‬
‫‪ ،‬كما ال يكجد أم دليؿ عمى أنو يؤسس طريقة صكفية أك قا ْئـ بانشاء أم جمعية ك إف مكضكعات كتبو‬
‫تدكر حكؿ المسائؿ العممية كاإليمانية كتفسير لمقرآف الكريـ»‪. 1‬‬

‫أطلق سراحه بعد أكثار مان ثمانٌاة أشاهر علاى تبرباة المحكماة لاه ‪ ،‬وكاان عماره زمان‬
‫آنااذاك فااً السااابعة والساابعٌن وكااان ٌقااول لزابرٌااه أو الااذٌن ٌرؼبااون فااً زٌارتااه ومشاااهدته‬
‫بماٌلً‬

‫« فإف كؿ رسالة مف رسائؿ النكر تطالعكنيا تستفيدكف مف فكائد أفضؿ مف‬


‫مكاجيتي بعشرة أضعاؼ ‪،‬ك قد طمب أكثر مف مرة مف تبلميذ طمبة النكر أال يربطكا الرسائؿ بشخصو‬
‫الضعيؼ كما كاف يدعك تبلميذه إلى عدـ التعمؽ بو ال في حياتو كالبعد مماتو ‪ ،‬كذلؾ لو أضرار جسيمة‬
‫عمى الدعكة ‪ ،‬كقد انتشرت رسائؿ النكر انتشا ار عظيما داخؿ تركيا األمر الذم حدا بالسمطات إلى سجنو‬
‫بمدينة " أفيكف "مع جممة مف تبلميذه كتمت محاكمتيـ بالتيـ السابقة نفسيا‪ .‬كقد أصدرت محكمة "أفيكف‬
‫"عمى بديع الزماف حكما لمدة عشريف شي ار كعمى طمبتو بفترات مختمفة»‪.2‬‬

‫« كقد ألؼ في سجف أفيكف رسالة الحجة الزىراء كىك الشعاع الخامس عشر»‪. 3‬‬

‫ولما خرج من سجنه بؤفٌون سانة ‪ ، 1949‬وجاد أن السالطات التركٌاة قاد أعادت لاه منازال‬
‫تحت اإلقامة الجبرٌة فً بٌت مقابل لمركز الشرطة لمدة سبع سانوات ‪ ،‬أنجاز خبللهاا قسامان‬
‫ماان رسااابل النااور ‪ ،‬حٌااث كتااب ‪" :‬الشااعاع الثالااث" الااذي هااو رسااالة "المناجاااة"‪ ،‬و "الشااعاع‬

‫‪ -1‬إحسان قاسم الصالحً ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.995‬‬


‫‪ -9‬أورخان محمد علً ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.421‬‬
‫‪ -3‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬الشعاعات ‪ ،‬المصدر السابق ‪،‬ص‪.313‬‬
‫‪- 152 -‬‬
‫الرابع"‪ ،‬و "الشعاع الخامس" ‪ ،‬و "الشعاع السادس" ‪ ،‬و "الشعاع السابع" و "الشعاع الثامن"‬
‫و "الشعاع التاسع" ‪ .‬ومن هنا تبدأ مرحلة أخرى لسعٌد النورسً داخل إقامته الجبرٌة‪.‬‬

‫المبحث الثالث ‪ :‬مرحلة سعيد الثالث ورسائل النور‬


‫المطلب األول ‪ :‬إنتشار رسائل النور‬
‫كاان تاؤلٌؾ " رسااابل الناور" ونشارها شااٌبا متمٌازا وفرٌادا فااً تاارٌخ الادعوات اإلساابلمٌة‬
‫المعاصرة ذلك ألن األستاذ سعٌد النورسً لم ٌكن ٌكتب كثٌرا من رساابله بٌاده لكوناه نصاؾ‬
‫أمً " من حٌث القدرة الكتابٌة" وإنما كان ٌملً هذه الرساابل علاى بعاض طبلباه فاً حااالت‬
‫من الجٌشان الروحً والوجدانً وبعد ذلك تتداول النسخة األصلٌة بٌن التبلمٌذ الذٌن ٌقومون‬
‫بدورهم استنساخها بالٌد ثم ترجع هذه النسخ جمٌعها إلٌاه لكاً ٌقاوم بتادقٌقها واحادة وتصاحح‬
‫أخطاء االستنساخ إن وجدت ولم ٌكن لدٌه أٌة كتب أو مصادر ٌرجع إلٌها عند التاؤلٌؾ ساوي‬
‫القرآن الكرٌم وقد ساعده على ذلك ماا وهباه هللا مان ذاكارة خارقاة وقادرة عجٌباة علاى لحفاظ‬
‫فكان ٌستقً عند تؤلٌفه رسابله من مخزونات محفوظاته فً مصاادر العلاوم الدٌنٌاة التاً كاان‬
‫قد قرأها فً بداٌة حٌاته‪.‬‬

‫« استمر األستاذ سعيد النكرسي في تأليؼ رسائؿ النكر حتى سنة ‪1950‬ـ فأصبحت‬
‫في ‪ 130‬رسالة جمعت تحت عنكاف "كميات رسائؿ النكر "كقد استطاع طبلبو نشر ىذه الرسائؿ بسرعة‬
‫كبيرة ‪ ،‬فكصمت إلى كؿ مدينة كقرية مف أنحاء تركيا حيث بمغ عدد النسخ المتداكلة ستمائة ألؼ نسخة ‪،‬‬
‫كقد جمعت ىذه الرسائؿ فيما بعد في مؤلؼ كاحد تحت عنكاف" ممحؽ قسطمكني"»‪.1‬‬

‫األمر الذي سبب مصدر إزعاج للحكومة ‪ ،‬فحاولت التخلص منه بواسطة دس السم له فً‬
‫الطعام فً أؼسطس عام ‪1943‬م لكنه نجا من الهبلك‪.‬‬

‫فإنااه راح ٌبااث صااٌحات التوجٌااه واإلرشاااد بااٌن صاافوؾ الشااباب‪ ،‬وبصااورة خاصااة بااٌن‬
‫المثقفٌن منهم من هذه الرسابل التً عرفت برسابل النور‪ ،‬وعرؾ أنصارها بجماعة النور‪.‬‬

‫و"رسااابل النااور" تتناااول مختلااؾ المشااكبلت الروحٌااة والنفسااٌة والعقلٌااة التااً تطااوؾ‬
‫بؤذهان الجٌل الحاضر‪ ،‬وهً تنطلق من محور القرآن وتفسٌره‪ ،‬ولم ٌكن بادٌع الزماان ٌكتاب‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المالحق ‪ ،‬المصدرالسابق ‪ ،‬ص ‪64‬‬


‫‪- 153 -‬‬
‫هااذه الرسااابل إال نااادرا‪ ،‬فكااان ٌملااً أفكاااره فااً حاااالت وجدانٌااة متااؤثرة‪ ،‬علااى حااٌن ٌسااجل‬
‫تبلمٌذه من حوله ما ٌقول‪.‬‬

‫وكان "مصطفى كمال" إذ ذاك قد أسفر عن وجهه‪ ،‬فؤلؽى كل ما كاان لاه طاابع إسابلمً‪،‬‬
‫وفً مقدمته الكتابة باألحرؾ العربٌة‪ ،‬فلم ٌكن من السهل أن تنشر هذه الرسابل‪ ،‬فاتخذ أفاراد‬
‫جماعة النور لنشر هذه الرسابل طرٌقة عجٌبة‪ ،‬وهً أن ٌؤخذ كل فرد منهم علاى نفساه كتاباة‬
‫ما ٌمكنه من النسخ عان كال رساالة تظهار‪ ،‬فاإذا وزع علاى القاراء كاان علاى كال مان هاإالء‬
‫أٌضا أن ٌقوم بنفس الوظٌفة‪،‬‬

‫« لقد ظؿ أفراد جماعة النكر قرابة عشريف عاما ينشركف رسائؿ النكر بيذه‬
‫الكسيمة‪ ،‬فقد كانت أيدم الشباف كالفتيات تقكـ بما تعجز عنو آالت الطباعة‪ ،‬ككثي ار ما تعرضت فتيات‬
‫لمسجف كالتنكيؿ عندما يظير لمسمطات أنيف يسيرف الميالي الطكيمة كىف ينسخف ىذه الرسائؿ ثـ يكزعنيا‬
‫في صناديؽ البريد أك في صفكؼ المدارس »‪.1‬‬

‫« كلػ ػػـ يتيسػ ػػر ليػ ػػا أف تػ ػػرل طريقيػ ػػا إلػ ػػى المطػ ػػابع إال بعػ ػػد سػ ػػنة ‪ 1954‬عنػ ػػدما‬
‫إستطاع الحزب الديمقراطي الفكز فاإلنتخابات عاـ ‪ ، 1950‬كالػذم أيػد فيػو النكرسػي "عػدناف منػدريس" عمػى‬
‫غيره مف حزب الشعب الجميكرم كدعا إلى إنتخاب "عدناف مندريس" بإعتباره حسنا كلكنو أحسػف مػف حػزب‬
‫أتاتكرؾ الجميكرم ‪ ،‬كىنا تمكف النكرسي مف نشر أعمالو ك رسائمو بنفسو عف طريػؽ الطباعػة الحديثػة حتػى‬
‫أكمؿ طباعة االرسائؿ جميعيا» ‪. 2‬‬

‫ومن ثمة توزٌع هذه الرسابل إلى كبار الساسة وؼٌرهم ودعوتهم إلى إتباع هدي اإلسبلم‪.‬‬

‫المطلب لثاني ‪:‬محاكمة تبرئة رسائل النور‬

‫قامت محكمة آفٌون سانة ‪ 1948‬م بتشاكٌل لجناة خباراء لدراساة محتوٌاات رساابل الناور‪،‬‬
‫وإبداء الرأي حولها من الناحٌة القانونٌة‪ ،‬وبالرؼم من أن هاذا التادقٌق دام فتارة طوٌلاة‪ ،‬فاإن‬

‫‪ -1‬ماااه جباااٌن أختااار‪ ،‬الشووويخ بوووديع الزموووان النورسوووي وجهووووده اإلصوووالحية‪http://www.darululoom- ،‬‬
‫‪ٌ deoband.com‬وم ‪.9143-49-2‬‬
‫‪-2‬إحسان قاسم الصالحً ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.133‬‬
‫‪- 154 -‬‬
‫اللجنة انتهت سنة ‪ 1956‬م إلى إصدار تقرٌر ٌفٌد أن الرسابل ال تحوي أي عنصر مخالؾ‬
‫للقانون‪ ،‬وإستنادا إلى هذا التقرٌر‪ ،‬بدأ النورساً بنشار رساابله فاً أنحااء تركٌاا‪ ،‬وهناا شاعر‬
‫النورسً أن مهمته قد أنجزت‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫» ىذا ىك عيد رسائؿ النكر كنت أنتظر مثؿ ىذا اليكـ‪ ،‬لقد انتيت ميمتي‪ ،‬إذف فسأرحؿ‬

‫قريبا‪. «1‬‬

‫لقد كانت تبربة رسابل النور نتٌجة للتؽٌٌرات فً الساحة السٌاسٌة آنذاك‪ ،‬هذه التؽٌٌارات‬
‫التً جعلت النورسً نفسه ٌشارك فاً انتخااب عاام ‪ 1957‬م‪ ،‬حٌاث أعطاى صاوته للحازب‬
‫الدٌمقراطً‪ ،‬ودعا طبلبه إلى تؤٌٌده‪ ،‬لٌس ألن هذا الحزب كان ذا إتجاه إسبلمً‪ ،‬وإنما لكونه‬
‫أقال ضاررا مان" حازب الشاعب ‪ ،‬بعاد تاولً "الحازب الادٌمقراطً" الحكام سانة( ‪ 1950‬م)‬
‫أشاع جوا من الحرٌة ‪ ،‬حٌث أعاد األذان الشرعً بالعربٌة ‪ ،‬وسمح بتدرٌس الدٌن اإلسبلمً‬
‫فً المدارس بعد أن كان ممنوعا فً عهد "حزب الشعب" ‪ ،‬وفتح مدارس األبمة والخطبااء ‪،‬‬
‫فانحسرت موجة العداء لئلسبلم إلى حد ما ‪.‬‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬وفاة النورسي ومطاردته‬


‫الفرع األول ‪ :‬أواخر أيام حياته‬
‫أقام النورساً فاً أواخار أٌاماه بمدٌناة "إسابارطة" ‪ ،‬وباالرؼم مان تقدماه فاً السان وساوء‬
‫حالته الصحٌة‪ ،‬إال أنه كان ٌقوم بزٌارات لبعض المدن التً ٌنتشر فٌها طبلباه‪ ،‬مثل"باارال"و‬
‫"أمٌرداغ" و ٌتابع ما ٌجرى فً العالم اإلسبلمً‪ ،‬لكن كثرة تنقبلته بٌن المدن أزعج األوساط‬
‫المعادٌة له فً السلطة‪ ،‬فشنت علٌه صحفها حملة عنٌفة؛ إلثارة الرأي العاام ضاده‪ ،‬والتهوٌال‬
‫مان دعوتاه‪ .‬فماا أن وصال الاى "أنقارة" فاً ‪ 11‬جاانفً ‪ 1960‬م‪ ،‬حتاى أبلؽتاه الحكوماة أن‬
‫ٌستقر فً ( أمٌرداغ) ‪،‬فتوجه إلٌها‪ ،‬وأصبح ٌتنقل بٌنها وبٌن (إسبارطة) فقط ‪.‬‬

‫‪ -1‬جمال الدٌن فالح الكٌبلنً وزٌاد حمد الصمٌدعً ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.96‬‬
‫‪- 155 -‬‬
‫» كفي شير رمضاف مف عاـ ‪ 1960‬ـ‪ ،‬مرض النكرسي مرضا شديدا حتى فقد‬
‫كعيو مرات عدة‪ ،‬إال أنو في الثامف عشر مف الشير ذاتو استدعى طبلبو ككدعيـ كاحدا كاحدا‪،‬‬
‫قائبل‪:‬استكدعكـ ا﵀ ‪ّ ...‬إني راحؿ«‪. 1‬‬

‫ثاام توجااه إلااى إساابارطة‪ ،‬حٌااث إشااتد علٌااه الماارض‪ ،‬وبااالرؼم ماان ذلااك ألااح علااى طبلبااه‬
‫بالذهاب إلى (أورفة)‪ ،‬وعند وصوله بتارٌخ‪ 21‬مارس‪ 1960‬م‪ ،‬أقام فً الفندق ٌوما واحدا‪،‬‬
‫ثام حاصاارته الشاارطة ألن الحكومااة لاام تصارح لااه بالتنقاال خااارج (أمٌاارداغ) أو (اساابارطة)‪،‬‬
‫وبعد إببلغ المسإول له بوجوب عودته إلى (إسبارطة) ردد النورسً بقوله ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫«عجيب أمركـ ‪ ...‬إنني لـ آت ىنا لكي أغادرىا إنني قد أمكت ‪ ...‬أال تركف حالي؟»‬

‫‪.‬‬

‫« ك لشدة مرضو ظؿ محاص ار في فندؽ (أكرفة) إلى يكـ األربعاء ‪ 26‬رمضاف ‪1379‬‬
‫ىػ ‪23‬مارس‪ 1960‬ـ حيث فارؽ الحياة ‪ ،‬كبعد انتشار خبر كفاتو في جميع أنحاء تركيا‪ ،‬تقاطر عمى‬
‫أكرفة سيؿ مف الناس لبلشتراؾ في تكديعو إلػى مثكاه األخير بمقبرة أكلك جامع "‪.3»" Ulu Cami‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬مطاردة النورسي بعد وفاته‬

‫«عقب كفاة النكرسي بشيريف كقع إنقبلب عسكرم في تركيا في ‪1960 /5/27‬‬
‫أطاح بحككمة الحزب الديمقراطي التيسيؽ أعضاؤىا إلى (محكمة الدستكر) ‪ ،‬فقضت بإعداـ رئيس الكزراء‬
‫(عدناف مندريس) كاثنيف مف كزرائو‪ ،‬كبالسجف لممسؤكليف السابقيف في الحزب المطاح بو‪ ،‬لقد رأل‬
‫العسكريكف أف استمرار سياسة الحزب الديمقراطي سينسؼ مبادئ أتاتكرؾ‪ ،‬كسيمكف لمحركة اإلسبلمية التي‬
‫اتسع نفكذىا كتأثيرىا ‪ ،‬فأبدكا عداء كاضحا لمتيارات اإلسبلمية السيما حركة "طبلب النكر"‪ ،‬كلعؿ ما يبرىف‬
‫عمى ىذا العداء قياميـ ‪ -‬بعد أربعة أشير مف االنقبلب ‪ -‬بنقؿ رفات النكرسي مف قبره في أكرفة إلى جية‬
‫أخرل ظمت مجيكلة إلى حد اآلف‪ ،‬حيث أجبركا أخاه (عبد المجيد) عمى تكقيع طمب ‪ -‬معد سمفا– بنقؿ‬

‫‪ -1‬إحسان قاسم الصالحً ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.496‬‬


‫‪ -2‬إحسان قاسم الصالحً ‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪491‬‬
‫‪ -3‬محمد على أورخان ‪ ،‬النورسً رجل القدر ‪ ،‬ص ‪.961‬‬
‫‪- 156 -‬‬
‫جثماف بديع الزماف مف (أكرفة)‪ ،‬كاقتيد إلى ىناؾ تحت حراسة مشددة‪ ،‬كفي جكؼ الميؿ حفر قبره ‪.‬كنقؿ‬
‫جثمانو إلى مكاف مجيكؿ»‪.1‬‬

‫لكن وفاة النورسً لم توقؾ دعوته؛ إذ ظل موجودا ومإثرا بمإلفاته ورسابله التً حملت‬
‫أفكاره و استمرت فً أداء وظٌفته‪ ،‬وال شك أنه كان صادقا حٌنما قال‪:‬‬

‫« إف رسائؿ النكر تقكـ بإيفاء كظيفتيا أفضؿ مني عشر مرات ‪ ،...‬لذا فمـ تبؽ‬
‫‪2‬‬
‫ىناؾ حاجة لكجكدم»‬

‫المطلب الرابع ‪ :‬آثار العلمية للنورسي‬

‫توفى النورسً تاركا تراثا علمٌاا مهماا ٌزٌاد علاى ماباة وثبلثاٌن رساالة‪ ،‬هاً أسااس فكاره‬
‫ودعوته‪ ،‬ألؾ أؼلبها فاى المرحلاة الثانٌاة مان حٌاتاه‪ ،‬وضام إلٌهاا أؼلاب ماا ألفاه فاً المرحلاة‬
‫األولى‪ ،‬وسماها جمٌعا رسابل النور وٌقول النورسً ‪:‬‬

‫« إف سبب إطبلؽ اسـ رسائؿ النكر ىك أف كممة "النكر" قد جابيتني فى كؿ‬


‫مكاف طكاؿ حياتى ‪،‬منيا ‪ :‬قريتى إسميا نكرس ‪ ،‬إسـ كالدتى المرحكمة نكرية ‪ ،‬إسـ أستاذم فى الطريقة‬
‫النقشبندية سيد نكر محمد ‪ ،‬كأحد أساتذتى فى الطريقة القادرية نكر الديف ‪ ،‬كأحد أساتذتى في القرآف‬
‫نكرل ‪ ،‬كأكثر مف يبلزمنى مف طبلبى مف يسمكف باسـ نكر ‪،‬كأكثر ما يكضح كتبي كينكرىا ىك التمثيبلت‬
‫النكرية ‪ ،‬كأكثر ما حؿ مشكبلتي في الحقائؽ اإلليية ىك اسـ "النكر" مف األسماء الحسنى ‪ .‬كلشدة شكقي‬
‫نحك القرآف كانحصار خدمتي فيو ‪ ،‬فإف إمامي الخاص ىك سيدنا عثماف ذك النكريف رضي ا﵀ عنو»‪.3‬‬

‫كما حقق كثٌرا من الكتاب والمقااالت‪ ،‬منهاا مااطبع‪ ،‬ومنهاا لام ٌار الناور لسابب أو آلخار‪،‬‬
‫والمبلحااظ أن الرسااابل تختلااؾ اختبلفااا كبٌاارا ماان حٌااث الحجاام‪ ،‬فهناااك رسااابل هااً بضااع‬
‫صفحات‬

‫فقط‪ ،‬وهناك كتاب كامل ٌُعد رسالة واحدة‪ ،‬وكتب باللؽتٌن العربٌة والتركٌة ‪.‬‬

‫‪ -1‬نجم الدٌن شاهٌن ‪ ،‬حٌاة بد ٌع الزمان وجوانبها المجهولة ‪ ،‬ص ‪ .111-143‬انظر اٌضا ‪ :‬بدٌع الزماان ساعٌد‬
‫النورسً ‪ ،‬الشعاعات ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.161‬‬
‫‪ -2‬جمال الدٌن فالح الكٌبلنً و زٌاد حمد الصمٌدعً ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪ -3‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المالحق في فقه دعوة النور ‪ ،‬المصدرالسابق ‪ ،‬ص ‪.44-41‬‬
‫‪- 157 -‬‬
‫جمعاات هااذه الرسااابل فااً ثمانٌااة مجلاادات ضااخام‪ ،‬هااً‪ :‬الكلمااات‪ -‬المكتوبااات‪ -‬اللمعااات‪-‬‬
‫الشعاعات‪ -‬إشارات اإلعجاز فً مظان اإلٌجاز‪ -‬المثنوي العرباً الناوري‪ -‬المبلحاق‪ -‬صاٌقل‬
‫اإلساابلم‪ ،‬وقااد ترجماات إلااى اللؽااات العربٌااة واإلنكلٌزٌااة‪ ،‬واأللمانٌااة‪ ،‬واألردٌااة‪ ،‬والفارسااٌة‪،‬‬
‫والكردٌة‪ ،‬والفرنسٌة‪ ،‬والروسٌة وؼٌرها‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬آثاره العلمية‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مؤلفاته باللغة العربية‬

‫‪ -1‬إشارات اإلعجاز فً مظان اإلٌجاز‪ :‬ألفه وهو ٌخوض ؼمار الحرب العالمٌة األولى فً‬
‫جبهاات القتاال‪ .‬وهاو تفساٌر للقارآن الكارٌم‪ ،‬وٌعاد تحفاة رابعاة علاى رؼام إٌجاازه ‪،‬طباع سانة‬
‫‪ 1918‬م‪.‬‬

‫‪ -2‬المثنوي العربً النوري‪ :‬وهو استعراض للمعارؾ اإلٌمانٌة وضارورتها وفاق المانهج‬
‫القرآنً والسنة النبوٌة‪ ،‬طبع سنة ‪ 1923‬م‪.‬‬

‫‪ -3‬قزل إٌجاز على سلم المنطق ‪:‬وهو حاشٌة على كتاب السلم المنورق للشٌخ عباد الارحمن‬
‫الخضري وٌوجد اآلن ضمن كتاب الصٌقل اإلسبلمً‪.‬‬

‫‪ -4‬تعلٌقات فً علم المنطق‪ :‬وهو تعلٌق على كتاب برهان الكلنبوي فً المنطق‪.‬‬

‫‪ -5‬صٌقل اإلسبلم‪ :‬وهو مختصر المحاكمات البدٌعٌة‬

‫‪ -1‬دواء الٌؤس ( الخطبة الشامٌة )‪ :‬وهً توضاح أساباب تخلاؾ العاالم اإلسابلمً وطارق‬
‫عبلجها‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬مؤلفاته باللغة التركية‪ :‬كليات رسائل النور‬

‫‪ -1‬الكلمات ‪ :‬وتضم ‪ 33‬كلمة فً ‪ 650‬صفحة‪.‬‬


‫‪ -2‬المكتوبات‪ :‬وتضم ‪ 33‬مكتوبا قً ‪ 450‬صفحة‪.‬‬
‫‪ -3‬اللمعات‪ :‬وهو شرح لٌلعقابد اإلسبلمٌة‪،‬ممتزجة بالتفسٌر وعلم الكبلم‪،‬وتضم ‪ 33‬لمعة فً‬
‫‪ 430‬صفحة‪.‬‬
‫‪ -4‬الشعاعات‪ :‬وتضم ‪ 15‬شعاعا فً ‪ 640‬صفحة‪.‬‬

‫‪- 158 -‬‬


‫‪ -5‬المبلحق فً دعوة النور‪.‬‬
‫‪ -6‬تعلٌقات على برهان الكلنبوي متارجم مان العربٌاة وهاو كتااب تعلٌقاات فاً علام المنطاق‬
‫نفسه‪.‬‬
‫‪ -7‬السانحات‪.‬‬
‫‪ -8‬الخطوات الست‪ :‬وهً خطة تقضً حماٌة األمة من خطر المحتلٌن الؽزاة وكٌفٌة التعامل‬
‫معهم‪.‬‬
‫‪ -9‬سٌرة ذاتٌة ‪ :‬استعراض لحٌاته الطوٌلة والملٌبة باألحداث الكثٌرة‪ ،‬وهً قراءة‬

‫حقٌقٌااة للاازمن الااذي عاااش فٌااه النورسااً‪ ،‬كاناات متفرقااة فااً ثناٌااا تؤلٌفاتااه فؤعاادت وجمعاات‬
‫وحققت فً كتاب سمً بهذا االسم من طرؾ الدكتور إحسان قاسم الصالحً ‪.‬‬

‫‪ -10‬المناظرات‪.‬‬

‫‪ -11‬محاكمات عقلٌة فً التفسٌر والببلؼة والعقٌدة‬

‫الفرع الثاني‪ :‬طلبته‪.‬‬

‫رأٌت من الواجب علً أن أذكار بؤإلباك الاذٌن حملاوا رساابل الناور وأوصالوها لناا ؼضاة‬
‫طرٌااة‪ ،‬و هااإالء الااذٌن تحملااوا المشاااق وركبااوا الصااعاب وأدخلااوا السااجون وأرعبااوا أعااداء‬
‫النااور و أحبااوا النااور و طااردوا الظاابلم بحملهاام مشاااعل النااور‪ ،‬و كااانوا أوفٌاااء للرجاال الااذي‬
‫أضاااء لهاام ذلااك الطرٌااق فوقفااوا معااه وقاادموا الؽااالً والنفااٌس ماان أجلااه ‪ ،‬ماان أجاال خدمااة‬
‫القاارآن‪،‬و خدمااة دعااوة اإلساابلم ‪ ،‬وال ٌسااعنً أن أذكاارهم جمٌعااا ‪ ،‬لااذلك سااؤذكر بعااض الااذٌن‬
‫إلتفوا حوله وذكرهم فً رسابله وفً مإلفاته ‪:‬‬

‫«السػػيد بكػػر أفنػػدم ‪ :‬مػػف أكائػػؿ طػػبلب النػػكر كلػػد سػػنة ‪1898‬ـ فػػي بػػارال تػػكفي‬
‫سنة ‪1954‬ـ ىك الذم تكلى طبع الكممة العاشرة في استانبكؿ»‪.1‬‬

‫«الحافظ تكفيؽ ‪ :‬الممقب بالشامي ‪1887‬ـ‪1965-‬ـ مف أكائؿ طبلب النكر ككتابيا‬


‫لقب بالحافظ لحفظو القرآف الكريـ كبالشامي لبقاءه في الشاـ بصحبة كالده الذم كاف ضابطا ىناؾ مشيكد‬
‫لو بالصبلح كالتقكل كالعمـ الزـ االستاذ النكرسي في بارال كفي سجكف اسكي شير كدينزلي»‪.1‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬ص ‪49-44‬‬


‫‪- 159 -‬‬
‫« السيد حقي ‪ :‬كاف يخبأ رسائؿ النكر عندما عيف في القضاء خشية اف يصيبو‬
‫كأستاذه النكرسي أذل ككاف مف بيف االكائؿ الذيف عندما فتح اماـ الطبلب ميداف اإلستنساخ جديد لمقرآف‬
‫بخط جميؿ كبنمط جديد اعطي لو حصتو مف اإلستنساخ فأجاد القياـ بيا»‪. 2‬‬

‫«الحافظ أحمد عمي‪ :‬كىك مف أقدـ طبلبو كالمستنسخ األكؿ لمرسائؿ كيمتاز بالخط‬
‫الحسف‪ ,‬استشيد في‪ .‬سجف دينزلي سنة ‪ 1944‬ـ»‪.3‬‬

‫« طاىرم مكطمك‪ :‬كالذم لقبو األستاذ بالرائد كىك مف العباد كالممتزميف بأكامر‬
‫أستاذه‪ ،‬تكفي سنة ‪1977‬ـ»‪.4‬‬

‫« خمكصي يحيى كيؿ‪ :‬مف السابقيف الذيف تتممذكا عمى يد األستاذ النكرسي في‬
‫بارال‪،‬ككاف ضابطا برتبة نقيب كاف يبعث الى استاذه النكرسي أسئمتو كما يستفسر منو مف أمكر إيمانو‬
‫‪،‬جمعت ىذه األجكبة بتكجيو األستاذ كسميت بالمكتكبات تكفي سنة ‪1986‬ـ»‪. 5‬‬

‫« المعمـ أحمد غالب‪ :‬شاعر كخطاط جد كأجتيد في استنساخ المكتكبات كالكممات‬


‫كىك مف المخمصيف القريبيف‪ ،‬كلد سنة ‪1900‬متكفي سنة ‪1940‬ـ كاف يستنسخ الرسائؿ لنفسو مع الحضكر‬
‫الدائـ لمدركس حتى إستكتب لنفسو جميع الكممات ك المكتكبات ‪ ،‬كاف يقصد كراء ىذا اإلستنساخ نشر‬
‫رسائؿ النكر في مدينتو كارشاد أصدقاءه»‪.6‬‬

‫«عبد الﻤﺠ ٌد‪ :‬هو أصؽر إخوة األستاذ النورسً‪ ،‬ترجم كثٌرا من رسابله إلى العربٌة‬
‫ترجم إشارات اإلعجاز والمتنوي العربً الى اللؽة التركٌة ‪ ،‬كان مدرسا ثم مفتٌا للعلوم اإلسبلمٌة‪ .‬توفً‬
‫سنة ‪1968‬م»‪.7‬‬

‫‪ -1‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.49‬‬


‫‪ -2‬نفس المصدر ص ‪.44‬‬
‫‪ -3‬نفس المصدر‪،‬ص ‪42‬‬
‫‪ -4‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪943‬‬
‫‪ -5‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪42 :‬‬
‫‪ -6‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً‪ ،‬اللمعات‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪42‬‬
‫‪ -7‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً المكتوبات‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫‪- 160 -‬‬
‫« عبد الرحمف عبد ا﵀‪ :‬إبف شقيؽ األستاذ النكرسي كتب تاريخ حياة األستاذ منذ‬
‫كالدتو ك حتى عاـ ‪ 1918‬ـ ‪ ،‬تكفي عاـ ‪1928‬ـ كما قاـ بنشر رسائؿ النكر أثناء نفي النكرسي في‬
‫‪1‬‬
‫بارال» ‪.‬‬

‫« سيراني صنك خسرك‪ :‬كاف في مقدمة الذيف إستنسخكا المئات مف الرسائؿ ك نشركىا‬
‫في أحمؾ الظركؼ‪ ،‬ك قضى حياتو مع أستاذه في سجكف إسكي شير كدينزلي كآفيكف كىك الذم كتب‬
‫مصحفا بتكجية مف أستاذه النكرسي إلظيار اإلعجاز في التكافقات المطيفة إلسـ الجبللة في صفحة كاحدة‬
‫كلد سنة ‪1899‬ـ بإسبارطة تكفي عاـ ‪1977‬ـ بإستانبكؿ»‪. 2‬‬

‫«السيد سميماف‪ :‬ك ىك الذم خدـ األستاذ النكرسي في منفاه في بارال طكاؿ ثماني‬
‫سنكات‪ ،‬كاف مثاال لمصدؽ ك الكفاء ك اإلخبلص‪ ،‬تكفي عاـ ‪1965‬ـ»‪.3‬‬

‫«الحافظ أحمد ‪ :‬احد الذيف استنسخكا رسائؿ النكر لمدة ثبلث سنكات كىك شغكؼ‬
‫بيذا العمؿ»‪.4‬‬

‫« الحافظ خالد ‪ :‬ىك خالد عمر أفندم مف أكائؿ طبلب النكر ككتاب الرسائؿ مف‬
‫مكاليد ‪1891‬ـ في بارال تكفي سنة ‪1946‬ـ باستانبكؿ إشتغؿ بالتعميـ ثـ تركو كأصبح إماما في أحد‬
‫المساجد بارال» ‪.5‬‬

‫‪ -1‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪ ، 42‬أنظر اٌضا ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬ص ‪.941-949‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪41‬‬
‫‪ -3‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪، 49‬‬
‫‪ -4‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫‪ -5‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪43‬‬
‫‪- 161 -‬‬
‫خالصة‬

‫إن ما ٌمٌز "سعٌد النورسً" أناه عااش فاً ظاروؾ خاصاة وهاً أواخار الدولاة العثمانٌاة ثام‬
‫إعبلن الجمهورٌاة التركٌاة‪ ،‬ودخاول كثٌار مان البلادان العربٌاة واإلسابلمٌة تحات ساٌطرة اإلساتعمار‬
‫الؽرباً ‪ ،‬وعاااش أٌضااا مؤساااة الحارب العالمٌااة األولااى باال شااارك فٌهاا و وقااع فااً األساار الروسااً‬
‫فؤمضى نحو عام‪ ،‬منفٌا وأسٌرا فً سبٌرٌا‪ ،‬وعاٌش الحرب العالمٌاة الثانٌاة كاذلك‪ ،‬وماا ترتاب عنهاا‬
‫ماان نتااابج أثاارت بكثٌاار علااى مسااتقبل العااالم‪ ،‬وكااان مشااروعه محاال اعتااراض قااوي ماان قباال دعاااة‬
‫العلمانٌاة‪ ،‬فاً تركٌاا‪ ،‬أوالباك الاذٌن أمساكوا بزمااام الحكام بعاد ساقوط الدولاة العثمانٌاة‪ ،‬ولهاذا عاااش‬
‫معاناة حقٌقة‪ ،‬فتوزعت حٌاته بٌن المحاكمات‪ ،‬والسجون‪ ،‬والمنافً‪ ،‬واإلقامة الجبرٌة ولكنه بقً وفٌا‬
‫لمنهجه فً العمل بالمحاجة الفكرٌة‪ ،‬والعمال السالمً وحفاظ األمان‪ ،‬والتعااون علاى القاٌم اإلنساانٌة‪،‬‬
‫وجمع النورسً خبلصة منهجه اإلصبلحً فً “رسابله”‪ ،‬التً كتبها على امتداد ثبلثٌن عاما‪ٌ ،‬ساٌر‬
‫بها الوقابع واألحداث‪ ،‬وهً مجموعة فً “كلٌات رسابل النور”‪ ،‬وهكذا‪ ،‬نشؤت مدرسة معاصرة فً‬
‫الفكر اإلسبلمً‪ ،‬لها معاالم متمٌازة نالات إعجااب كثٌار مان أهال الفكار فاً العاالم العرباً اإلسابلمً‬
‫أوال‪ ،‬ثم فً العالم كله‪ ،‬من المسلمٌن وؼٌر المسلمٌن‪ ،‬وكثرت العناٌة بهذه المدرسة فؤنجزت بحاوث‬
‫ودراسات حولها‪ ،‬من جهة التعرٌؾ بصاحبها‪ ،‬ومن جهة بٌان معالمها المتمٌزة فً الفكار اإلسابلمً‬
‫ماان أجاال اكتشاااؾ ممٌاازات هااذه المدرسااة وضااع القواعااد الناجعااة للفكاار اإلساابلمً‪ ،‬وإصاابلح واقااع‬
‫الركود والخلل فً الفكر اإلسبلمً المعاصر‪.‬‬

‫فمن خبلل ما تقدم من سٌرة لحٌاة " سعٌد النورسً" وجهوده اإلصبلحٌة ساواء السٌاساٌة أو‬
‫الدٌنٌاة أو اإلجتماعٌااة ساااهمت فااً إنتقالااه ماان مرحلااة إلااى أخاارى وهااذا اإلنتقااال لاام ٌكاان ساارٌعا ‪،‬‬
‫"فسعٌد النورسً" حاول خدمة اإلسبلم عان طرٌاق اإلنخاراط فاً مٌادان السٌاساة ومحاولاة التاؤثٌر‬
‫فٌها ‪ ،‬ؼٌر أن "النورسً" أدرك فً هذه المرحلة عقم األسلوب السٌاسً بعاد إنعادام الحرٌاة وإتسااع‬
‫موجة العداء للدٌن بكل األساالٌب فوجاه جمٌاع جهاوده لتجدٌاد أمار الادٌن وبنااء العقٌادة القاادرة علاى‬
‫البناء اإلسبلمً ‪.‬‬

‫‪- 162 -‬‬


‫الفصــل الثــالــث‬
‫التصوف وموقف النورسي منو‬

‫‪- 163 -‬‬


‫تمهيد‬
‫إن التصوؾ بإعتباره جزء أساسً من التراث اإلسبلمً ‪ ،‬فقد تبوأ مكانة فً الفكر‬
‫اإلسبلمً ‪ ،‬مما جعله متناول من قبل المإرخٌن والعلماء منذ القدم ولعل أعبلم كبار مثلوا‬
‫هذه المكانة كؤمثال الطوسً والكبلباذي والقشٌري ‪ ،‬باإلضافة إلى الفبلسفة أمثال ابن سٌنا‬
‫والؽزالً وإبن خلدون ‪ ،‬باإلضافة إلى دراسات المستشرقٌن كؤمثال ماسٌنٌون وآنا ماري‬
‫شٌمل وؼٌرهما مما جعل هذا التصوؾ ٌختلؾ بإختبلؾ اآلراء وبالتالً تعددت المشارب ‪.‬‬

‫حاول "النورسً " أن ٌكون موضوعٌا فً تناوله لمباحث التصوؾ ‪ ،‬وقد أواله‬
‫إهتماما ٌلٌق به ؛ ألنه ٌعده أساسا مهما من أسس إٌصال اإلنسان المسلم إلى اإلستقامة‬
‫والتقوى ‪ ،‬إال أنه ٌنبه إلى اإلنحرافات والسلبٌات التً دخلت إلٌه نتٌجة الممارسة الخاطبة‬
‫واإلبتعاد عن القرآن والسنة ومسلك الصحابة الكرام‪.‬‬

‫مستندا فً ذلك إلى عدد من األسس الفكرٌة منها ‪ :‬العودة إلى اإلسبلم بنقابه األصٌل ‪،‬‬
‫والتوحٌد ‪ ،‬وتؤكٌد وجود هللا ‪ ،‬واإلجتهاد ‪ ،‬والجهاد ‪ ،‬ورفض األسس الثقافٌة للحضارة‬
‫الؽربٌة ‪ ،‬ونبذ بعض المظاهر الؽربٌة التً ال تتبلءم ومجتمعنا اإلسبلمً ‪.‬‬

‫‪- 164 -‬‬


‫المبحث األول ‪ :‬التصوف تعريفة ومعالمه الروحية وموقف النورسي منه‬
‫المطلب األول ‪ :‬تعريف التصوف‬

‫الفرع األول ‪ :‬التعريف من حيث اللغة‬

‫« لغة ‪ :‬لـ تعرؼ كممة التصكؼ في لغتنا إشتقاقا كاحدا يتفؽ عميو ‪,‬اذ قيؿ أنيا‬
‫مشتقة مف صفاء القمكب كقيؿ أنيا مشتقة مف الصفة أك صفة المسجد ‪,‬مكاف في مؤخرة مسجد الرسكؿ‬
‫"صمى ا﵀ عميو ك سمـ" كاف يجمس فيو متعبدكف زىاد ‪,‬اك مف الصؼ كىك اشتقاؽ مشككؾ فيو ك ىك‬
‫‪1‬‬
‫الصؼ االكؿ في المسجد اك مف المفظ اليكناني صكفكص "أم حكيـ»‬

‫ٌقول القشٌري فً رسالته ‪:‬‬

‫« ليس يشيد ليذا اإلسـ مف حيث العربية قياس كال إشتقاؽ»‪.2‬‬

‫علً الهجوٌري ٌقول ‪:‬‬

‫« إف اشتقاؽ ىذا االسـ ال يصح مف مقتضى المغة في أم معنى‪ ،‬ألف ىذا االسـ‬
‫أعظـ مف أف يككف لو جنس ليشتؽ منو»‪.3‬‬

‫أما المستشرقٌن ٌرون أن كلمة صوفً مؤخوذة ‪:‬‬

‫« مف "صكفيا" اليكنانية بمعنى الحكمة كعندما فمسفت العرب عبادتيـ حرفكا الكممة‬
‫كأطمقكىا عمى رجاؿ التعبد كالفمسفة الركحية‪ ،‬أك مأخكذة مف "ثيكصكفيا" بمعنى اإلشراؽ أك محب الحكمة‬
‫اإلليية»‪.4‬‬

‫‪ - 1‬الفرد بل‪ ,‬الفرق االسالمي في الشمال االفريقي‪ ,‬ترجمة‪ :‬عبد الرحمان البدوي‪ ,‬دار الؽرب االسبلمً للنشر ‪ ,‬بٌروت‪,‬‬
‫الطبعة الثالثة‪4654 ,‬م ‪ ,‬ص ‪.941‬‬
‫‪ - 2‬عبد الكرٌم القشٌري‪ - ،‬الرسالة القشيرية ج‪ ،2‬دار الكتب الحدٌثة للنشر والتوزٌع ‪،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪.221‬‬
‫‪ - 3‬علً الهجوٌري‪ ،‬كشف المحجوب ‪ ،‬ترجمة ‪ :‬أسعاد عبد الهادي قندٌل ‪ ،‬دار النهضة العربٌة للنشر ‪ ،‬بٌروت ‪4651،‬‬
‫م‪ .‬ص ‪.991‬‬
‫‪ - 4‬محمد عبد المنعم الخفاجً ‪ ،‬األدب في التراث الصوفي ‪ ،‬دار ؼرٌب للطباعة للنشر‪ ،‬القاهرة ‪4695،‬م‪ ،‬ص ‪.91-99‬‬

‫‪- 165 -‬‬


‫الفرع الثاني ‪ :‬من حيث اإلصطالح‬

‫لم ٌكن هناك إتفاق كذلك على مصطلح التصوؾ وبالتالً نجد عدة تعرٌفات مختلفة حول‬
‫مصطلح التصوؾ من بٌنها ‪:‬‬

‫« ىك إمتثاؿ األمر كاجتناب النيي في الظاىر كالباطف مف حيث يرضي ال مف حيث‬


‫ترضى»‪.1‬‬

‫ٌعرؾ أبو بكر الكتاني التصوؾ ‪:‬‬


‫‪2‬‬
‫« كمو خمؽ فمف زاد عميؾ في الخمؽ زاد في الصفاء»‬

‫تعرٌؾ أبو محمد الجريري التصوؾ ‪:‬‬

‫« الدخكؿ في كؿ خمؽ سني‪ ،‬كالخركج عف كؿ خمؽ دني »‪.3‬‬

‫كما ٌقول ابن عجيبة أن التصوؾ هو‪:‬‬

‫« صدؽ التكبة إلى ا﵀ بما يرضاه كمف حيث يراه كلقد كادت كتب التصكؼ تجمع‬
‫عمى أنو صدؽ التكجو ب ار ا﵀ سبحانو ك تعالى»‪.4‬‬

‫‪ - 1‬أٌمن حمدي ‪ ،‬قاموس المصطلحات الصوفية ‪ ،‬دار قباء للطباعة والنشر والتوزٌع ‪ ،‬القاهرة ‪9111 ،‬م‪ ،‬ص‪21‬‬
‫‪ٌ -2‬وسؾ محمد طه زٌدان ‪ ،‬الطريق الصوفي وفروع القادرية بمصر ‪ ،‬دار الجٌل للنشر ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬الطبعة األولى ‪،‬‬
‫‪4664‬م‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪ - 3‬عبد الحلٌم محمود ‪،‬قضية التصوف المدرسة الشاذلية ‪ ،‬دار المعارؾ للنشر ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬ببدون سنة‬
‫نشر‪ ،‬ص ‪.192‬‬
‫‪ٌ - 4‬وسؾ هاشمً الرفاعً ‪ ،‬الصوفية والتصوف في ضوء الكتاب والسنة‪ ، ,‬منشورات منتدٌات دار اإلٌمان ‪ ،‬الكوٌت‪,‬‬
‫الطبعة األولى‪4666 ,‬م ‪ ,‬ص ‪.99‬‬

‫‪- 166 -‬‬


‫المطلب الثاني ‪ :‬مراحل الحياة الصوفية ومعالمها‬

‫الفرع األول ‪ :‬الحياة الصوفية عند المسلمين في المرحلة األول ‪:‬‬

‫كانت معالم الحٌاة الصوفٌة عند المسلمٌن متمثلة فً القرنٌن األول والثانً الهـجرٌٌن‬
‫تمٌزت وتحددت بعدة معالم هً ‪:‬‬

‫تمٌزت الحٌاة الصوفٌة أي الروحٌة فً القرن األول والثانً الهجرٌٌن بالزهد والتقشؾ‬
‫والعبادة ‪ ،‬كما أن من ممٌزاته أنه الزهاد لم ٌنفصلوا عن الجماعة والحٌاة بل كان جمعا بٌن‬
‫الحٌاة الدنٌوٌة واآلخروٌة معا وكان ذو نزعة فردٌة بعٌد عن ما ٌعرؾ بالحركات‬
‫والمذاهب والطوابؾ ‪ ،‬مستندا على القرآن والسنة فقط‬

‫وهذا ما أكده الدكتور أبو العبل عفٌفً حٌث لقبه بالزهد الساذج ‪:‬‬

‫« كانت الحياة الركحية في ىاتو المرحمة قائمة عمى الزىد كالتقشؼ كالعبادة كالتنسؾ‬
‫كالمجاىدة كرياضة النفس بكبح جماح ىذه النفس كتعكيدىا عمى القميؿ مف متاع الحياة الدنيكية‪.‬‬
‫كذلؾ لـ يكف ىذا الزىد في ىذا العصر اإلسبلمي أم خبلؿ القرنيف األكؿ كالثاني اليجرييف‬
‫حركة مف الحركات الدينية كال مذىبا مف المذاىب كال نظاما جماعيا بؿ كاف نزعة فردية رائدىا‬
‫الديف كحده القرآف الكريـ كسنة الرسكؿ عميو الصبلة كالسبلـ بالزىد الساذج الذم كاف مصدره‬
‫القرآف كالحديث مباشرة »‪.1‬‬

‫من خبلل هذا نستنتج أن تعالٌم اإلسبلم ال تدعوا إلى العزلة وإعتزال المجتمع‬
‫‪.،‬فكل السٌر سواء عن الصحابة الكرام أو عن السٌرة النبوٌة الشرٌفة تثبت فعبل أنه لم‬
‫ٌحدث عملٌا من المسلمٌن األوابل من إعتزل بعضهم جماعة المسلمٌن تطبٌقا لمذهب معٌن‬
‫أو إتباعا لفرقة أو مدرسة أو طابفة ‪ ،‬بل ا ألفكار الدٌنٌة والعبادات كانت كلها مؤخوذة من‬
‫كتاب هللا وسنة الرسول علٌه السبلم‪ .‬وبالتالً فإن العزلة قد تقضً على البناء االخبلقً‬
‫ومبادبه كالتعاطؾ وقول النبً علٌه الصبلة والسبلم « ترى المؤمنين في تراحميم وتوادىم‬

‫‪ - 1‬محمد شبلً شتٌوي ‪ ،‬التصوف والصوفية في ضوء النصوص الدينية والبراهين العقلية ‪ ،‬دار السحاب للنشر‬
‫والتوزٌع ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬الطبعة األولى ‪9114 ،‬م‪ ،‬ص ‪.23- 22‬‬

‫‪- 167 -‬‬


‫اإل ثِْم‬
‫وتعاطفيم كمثل الجسد »‪ ،1‬والتعاون لقوله تعالى﴿ َوتَ َع َاوُنوا َعمَى ا ْل ِبِّر َوالتَّ ْق َوى َوَال تَ َع َاوُنوا َعمَى ِْ‬

‫‪ ،‬والوحدة ونبذ األنانٌة لقول الرسول علٌه الصبلة والسبلم «ال يؤمن أحدكم حتى‬
‫‪2‬‬
‫َوا ْل ُع ْد َو ِ‬
‫ان ﴾‬

‫يحب ألخيو ما يحبو لنفسو »‪ ،3‬وبالتالً هذه النزعة الفردٌة تتعارض مع محبة المسلم الخٌه‬

‫الخٌر فهاته األخبلق السامٌة عززها اإلسبلم ‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى نرى أن نبٌنا علٌه الصبلة والسبلم نهى عن العزلة والؽلو فٌها عندما سمع‬
‫أن بعض من صحابته ٌلزم نفسه بالعبادة وبالتشدد وعزلة وؼلة نهاهم بقوله ‪:‬‬

‫« لكني اصمي كأرقد ‪ ،‬أصكـ كأفطر كالذم اكجب عمى نفسو أف ال يتزكج ابدا "لكني‬
‫أتزكج النساء" " فمف رغب عف سنتي فميس مني »‪.4‬‬

‫كذلك من بٌن المعالم الروحٌة للمسلمٌن األوابل أن الهدؾ من الحٌاة الروحٌة حسب‬
‫الباحث شتٌوي تتمثل فً ‪:‬‬

‫« طيارة القمب كالنفس كنقاء الركح كقمب مممؤ بالكرع كالخشية كحب ا﵀‪ ،‬كفي نفس‬
‫الكقت الذم تنظر فيو ىذه النفس إلى الحياة الدنيكية كمتعيا كمغراياتيا عمى أنيا أمكر فانية كأنو يجب‬
‫عمى العبد أال يأخذ منيا إال بالقدر الذم يعينو عمى العبادة كيكصمو إلى الدار اآلخرة بسبلـ ‪ ،‬بإعتبار أف‬
‫اإلنشغاؿ كاإلىت ماـ اإلستزادة مف ىذه المتع الدنيكية يشغؿ العبد عف حب ا﵀ كعف التقرب منو إذ أف ىذه‬
‫‪5‬‬
‫المتع الدنيكية تعتبر كمعيقات في طريؽ السائريف إلى الحضرة اإلليية»‪.‬‬

‫كذلك مما ٌمٌز هاته الفترة عند المسلمٌن أنها لم ٌكن هناك مظهر من مظاهر العشق‬
‫والمحبة وهوما ٌعرؾ ب "الفناء" أو "وحدة الوجود" أو "الصحو والسكر" ‪ ،‬تلك األفكار‬

‫‪ - 1‬فتح الباري بشرح صحٌح البخاري ‪ ،‬الصبلة ‪،‬ج‪ ،4‬من باب تشبٌك األصابع‪ ،‬ص ‪.232‬‬
‫‪ - 2‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة المابدة ‪ ،‬اآلٌة ‪.9‬‬
‫‪ - 3‬فتح الباري بشرح صحٌح البخاري‪ ،‬اإلٌمان ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬من باب اإلٌمان أن ٌحب ألخٌه ‪ ،‬ص ‪.24‬‬
‫‪ - 4‬فتح الباري بشرح صحٌح البخاري‪ ،‬النكاح ‪ ،‬ج‪ ،6‬من باب الترؼٌب فً النكاح ‪ ،‬ص ‪.411‬‬
‫‪ - 5‬محمد شلبً شتٌوي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.26‬‬

‫‪- 168 -‬‬


‫والتً ظهرت فٌما بعد على ٌد بعض المسلمٌن الذٌن إتسموا بإسم الصوفٌة كالمقامات‬
‫واألحوال البد للمتصوؾ أن ٌسلكها وفً هذه النقطة ٌشٌر نيكلسون بقوله ‪:‬‬

‫« إف متصكفة القرف الثاني ظمكا عمى مذىب أىؿ السنة ممتزميف قكاعد الشرع مع‬
‫تمسكيـ بالفقر كمحاربة النفس كالتككؿ عمى ا﵀ في جميع أمكرىـ ‪ ،‬كما لـ يكف لعباد كنساؾ ىذه الفترة‬
‫لغة رمزية أك تعبيرات أك إصطبلحات خاصة بيـ أك يجمعيـ إسـ خاص يميزىـ عف بقية المسمميف»‪.1‬‬

‫من المعالم أٌضا وتعتبر من المٌزات الهامة هن مما ٌعكس لنا أن الحٌاة الروحٌة كانت‬
‫مجسدا واقعا زهدا وتقشفا ومجاهدة عملٌا ولٌس تنظٌرٌا ‪.،‬إذ كان كما ٌقول الدكتور قاسم‬
‫ؼنً ‪:‬‬

‫« إذا كاف التصكؼ بادمء ذم بدء طريقة عممية ال مذىبا نظريا إف الحياة‬
‫الركحية كانت تقكـ عمى العمؿ فقط كالسمكؾ العممي كتطبيقا عمميا لنصكص الشرع الديني كمكازنة عممية‬
‫بيف أمكر الدنيكية ككاجبات الحياة اآلخركية فمـ يكف في ىذا الفترة مجاؿ لنظريات فمسفية »‪.2‬‬

‫وٌقدم لنا الدكتور "قاسم غني " بعض العوامل واألسباب التً فً نظره كان لها دورا مهما‬
‫فً كون زهد المسلمٌن األ وابل وتقواهم وتنسكهم وتقشفهم كان أمرا فعلٌا فٌه إعتدال وإتزان‬
‫وموازنة بٌن ما هو دنٌوي وما هو آخروي تمثلت فٌماٌلً ‪:‬‬

‫« العامل األول ‪ :‬إنشغاؿ المسمميف في ىذه الفترة بأمكر معاشيـ كحياتيـ اليكمية‬
‫ككاجباتيـ اإلجتماعية باإلضافة إلى محاكلتيـ إيجاد حمكؿ مناسبة ألم مشكمة إجتماعية تقؼ أماميـ‪.‬‬
‫كفي نفس الكقت محاكلتيـ إقامة مجتمع راؽ قائـ عمى سمك األخبلؽ ‪.‬العامل الثاني ‪ :‬قياـ اإلسبلـ عمى‬
‫مبدأ الترغيب كالترىيب ‪ ،‬كانما إلتزـ اإلسبلـ منيج اإلتزاف كاإلعتداؿ بيف الترغيب كالترىيب حيث بشر‬
‫الصالحيف كأنذر الع صاة بالعذاب في يكـ الحساب‪ .‬كقد دفعيـ حب الجنة إلى التمسؾ بالزىد كالفقر‬
‫كالعبادة كالتنسؾ ‪ ...‬ىذا يدفع باإلنساف قي ار كقطعا إلى العزلة كالتسميـ الكامؿ إلرادة ا﵀ ‪.‬العامل الثالث ‪:‬‬
‫أف العزلة كالفقر كانا كسيمة مف كسائؿ التي تدفع بالمسمـ إلى التفكر في القرآف كتدبر آياتو كمعانيو‬

‫‪ - 1‬نٌكلسون رٌنولد إلٌن ‪ ،‬في التصوف اإلسالمي وتاريخه ‪ ،‬ترجمة ‪ :‬أبو العبل عفٌفً ‪ ،‬لجنة التؤلٌؾ والترجمة والنشر ‪،‬‬
‫القاهرة ‪4614 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫‪ - 2‬قاسم ؼنً ‪ ،‬تاريخ التصوف في اإلسالم‪ ،‬مإسسة طهران للنشر والتوزٌع ‪،‬إٌران ‪4999 ،‬هـ ‪ ،‬ص ‪.92‬‬

‫‪- 169 -‬‬


‫بصكرة أدؽ كأكفى كأفضؿ ‪ ،‬ك يككف المسمـ أكثر قربا مف ا﵀ بكاسطة العبادات كاألذكار كاإلستغفار‪.‬‬
‫العامل الرابع ‪ :‬الحالو اإلجتماعية التي سادت القرنييف األكؿ كالثاني اليجرم في تعرض المجتمع إلى‬
‫حركب داخمية كمظالـ مف بعض الحكاـ كاألمراء ‪ ،‬كاف ليا دكر كبير في إندفاع كثير مف المسمميف إلى‬
‫الزىد كالتنسؾ كالعبادات الكثيرة ببل إنقطاع عف الحياة الدنيكية بما فييا مف متع كشيكات»‪.1‬‬

‫وٌإكد الدكتور قاسم ؼنً وٌشٌر إلى أن هناك مسؤلة أخرى سببت هٌاج أفكار المسلمٌن فً‬
‫صدر اإلسبلم ‪ ،‬وكان لها األثر فً سوق أذهانهم إلى الزهد والتصوؾ وتعد من العوامل‬
‫اإلجتماعٌة الهامة وهً ‪:‬‬

‫« اإلضطربات كالطغياف كالقتؿ كالحركب الداخمية المكحشة كمظالـ األمراء‬


‫كانيماكيـ في األمكر الدنيكية كالمادية تمؾ التي بدأت بثكرة الناس عمى عثماف كقتمو المؤلـ »‪.2‬‬

‫الفرع الثاني ‪:‬الحياة الصوفية عند المسلمين في المرحلة الثانية وأهم معالمها‪:‬‬

‫الحظنا فً المرحلة األولى أن الحٌاة الروحٌة كانت قابمة على األسلوب العملً والمنهج‬
‫التطبٌقً فقط سنرى فً المرحلة الثانٌة من الحٌاة الروحٌة المتمثلة فً القرن الثالث‬
‫والرابع هـجرٌٌن ‪ ،‬كٌؾ تطور ت عن ما سبق إذ ظهر مجال الدراسات الفلسفٌة بدأت‬
‫تتؽلؽل فً دراسة الحٌاة الروحٌة ودراسات علمٌة مختلفة حول النفس اإلنسانٌة وكٌفٌة‬
‫تربٌتها تربٌة روحٌة وأخبلقٌة عالٌة وراقٌة بالتالً ظهور الدراسات النظرٌة التً ظهرت‬
‫من خبللها خصابص نفسٌة وأخبلقٌة وفلسفٌة لم ٌكن ٌعرؾ بها أحد من قبل‪ ،‬وأشار إلى‬
‫هاته النقطة الباحث محمد مصطفى حلمً ‪:‬‬

‫« التصكؼ لـ يكف عمما لؤلخبلؽ الدينية اإلسبلمية كانما كاف كذلؾ عمما‬
‫لمنفس اإلنسانية كلممنازع الميتافيزيقية التي تنزع إلييا النفس كترمي مف خبلليا إلى التحقؽ بالفناء عف‬

‫‪ - 1‬قاسم ؼنً ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.91- 99‬‬


‫‪ - 2‬قاسم ؼنً ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.94‬‬

‫‪- 170 -‬‬


‫كجكدىا كاإلتحاد بالذات اإلليية عمىى نحك ما يظيرنا أبك زيد البسطامي كالحبلج كأمثاليما مف أصحاب‬
‫األذكاؽ كأرباب األحكاؿ »‪. 1‬‬

‫من خبلل هذا نستنتج أن الحٌاة الروحٌة عند المسلمٌن فً مرحلتها الثانٌة كانت تتمٌز‬
‫باألسلوب العلمً والمنهج النظري الذي كان ٌتماشى جنبا إلى جنب مع األسلوب العملً‬
‫والمنهج التطبٌقً ‪ ،‬بل أن المنهج النظري القابم على التفكر والتدبر فً األمور كان طاؼٌا‬
‫على المنهج العلمً‪ .‬وكان صوفٌة هذه المرحلة ٌرون أن المنهج النظري هو فً حد ذاته‬
‫الؽاٌة العظمى واألسمى‪ .‬لذلك من الناحٌة النظرٌة للتصوؾ نبلحظ أنها فً هذه المرحلة‬
‫أصبحت ذات أهمٌة كبرى وبالتالً تؽلبها على الجانب العملً الذي مٌز المرحلة األولى‪.‬‬

‫وٌشٌر األستاذ "أحمد أمين" إلى أن طابع التفكٌر الفلسفً فً المرحلة الثانٌة‬

‫« أصبح أكثر إنتشا ار ك أكثر عمقا خاصة عند معركؼ الكرخي المتكفي عاـ‬
‫بالرغـ مف أنو مف مشاىير المرحمة األكلى في الحياة الركحية عند المسمميف غير أف تأثير تفكيره كفعاليتو‬
‫لـ يكف ليا التأثير إال في القرنيف الثالث كالرابع ىجرم»‪.2‬‬

‫ومما مٌز هذه المرحلة الثانٌة ظهور أمكنة للتعبد ؼٌر المساجد ‪ ،‬وأن بعض الصوفٌة قد‬
‫خصصوا أماكن معٌنة ٌجتمعون فٌها للقٌام بالعبادات واألذكار كتبلوة القرآن وذكر هللا أو‬
‫مدارسة بعض األفكار الصوفٌة الجدٌدة مثل فكرة الفناء التً ظهر بها ابو ٌزٌد البسطامً‬
‫المتوفً عام ‪261‬هـ ‪ ،‬وفكرة وحدة الوجود التً ظهر بها الجنيد المتوفً عام ‪297‬هـ ‪،‬‬

‫ومن بٌن المظاهر التً إنتشرت وتعتبر سلب ٌة هً وجود العداء بٌن الصوفٌة علماء الدٌن‬
‫بجمٌع تخصصاتهم والفقهاء رفضوا فكرة الفناء فً هللا أو الحلول فً هللا أو اإلتحاد فً هللا‬
‫أو وحدة الوجود بإعتبار أن تلك النظرٌات كانت سببا فً الحكم على بعض هإالء الصوفٌة‬
‫بالكفر بسبب إبتداع هذه الفكرة وإشاعتها والتروٌج لها ‪ ،‬ولعل الحبلج مثال على ذلك حكم‬
‫علٌه بالقتل وتم تنفٌذ القتل فٌه بسبب هذه الفكرة التً رآها علماء الدٌن آنذاك نوعا من‬

‫‪ - 1‬محمد مصطفً حلمً ‪ ،‬الحياة الروحية في اإلسالم ‪ ،‬الهٌبة المصرٌة العامة للتؤلٌؾ والنشر‪ ،‬القاهرة ‪4641 ،‬م‪ ،‬ص‬
‫‪.414-411‬‬
‫‪ - 2‬أحمد أمٌن ‪ ،‬ظهر اإلسالم ج‪ ، 2‬مكتبة النهضة العربٌة ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر ‪ ،‬الطبعة الخامسة ‪4644 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.25‬‬

‫‪- 171 -‬‬


‫أنواع الكفر واإللحاد ألنها منافٌة للتوحٌد الخالص الذي جاء به رسولنا الكرٌم علٌه الصبلة‬
‫والسبلم‪.‬‬

‫كذلك من معالم المرحلة الثانٌة التً أشار إلٌها المستشرق "نيكلسون " إلى أن ‪:‬‬

‫« أف التصكؼ أصبح مذىبا منظما أثناء الجزء األخير مف القرف الثالث ىجرم‬
‫‪ ،‬كصار لمصكفية أساتذة كتبلميذ كقكاعد لمسمكؾ ‪ ،‬كلكنيـ بذلكا ما في كسعيـ مف جيد التكفيؽ بيف‬
‫‪1‬‬
‫تصكفيـ كبيف القرآف كالسنة المذيف إتخذكىما أساسا لجميع أقكاليـ كأفعاليـ»‬

‫وقد استتبع هذا وجود ظاهرة التؤوٌل وإستعمال لؽة الرمز واإلشارت فً تؤوٌل آٌات‬
‫القرآن وتفسٌرها ‪ ،‬وكذلك القول بالعلم الباطن‪ .‬وقد إشتهر فً هذه المرحلة بعض الصوفٌة‬
‫التً كانت لهم نظرٌات صوفٌة جدٌدة كؤبو عبد هللا الحرث بن أسد المحاسبً من أقواله‬

‫« العمـ يكرث المخافة كالزىد يكرث الراحة كالمعرفة تكرث اإلنابة »‪.2‬‬

‫ومن أقواله المهمة فً الجانب الصوفٌة والتصوؾ قوله ‪:‬‬

‫« ال ينبغي العبد أف يطمب الكرع بتضييع الكاجب»‪. 3‬‬

‫الفرع الثالث ‪:‬المرحلة الثالثة من التطور الصوفي‪:‬‬

‫كانت تتمٌز بالتدهور خبلل القرن السادس الهجري وكان العالم اإلسبلمً ٌتمٌز‬
‫بالحروب وبالتالً إنتشار القتل وانتشار العداء والخصومات بٌن الفرق اإلسبلمٌة لٌس من‬
‫اجل معرفة الحقٌقة‪ ،‬كما أن المإلفات ال تكن كما كانت علٌه من قبل كما تمٌزت هذه الفترة‬
‫بظهور الشبهات وما ٌعرؾ بالبدع وظهور ما ٌعرؾ بالكرامة خاصة‬

‫‪ - 1‬نٌكلسون ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.94‬‬


‫‪ - 2‬الحافظ أبو نعٌم أحمد بن عبد هللا األصفهانً ‪ ،‬حلية األولياء وطبقات األصفياء ج‪ ،5‬دار الفكر للطباعة‬
‫والنشروالتوزٌع ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬مصر ‪ 4663،‬م ‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫‪ - 3‬الحافظ أبو نعٌم أحمد بن عبد هللا األصفهانً ‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.44‬‬

‫‪- 172 -‬‬


‫« شيكع كانتشار الخرافات في أرجاء الكطف اإلسبلمي كادعاء بما يعرؼ‬
‫بالكرامات كخكارؽ العادات إلى جانب التصكؼ مف بعض المتصكفة كضيؽ األفؽ عند كثير مف العامة‬
‫كبالتالي إنحطاط الفكر في ىذا الجانب مف الحياة الفكرية كالعممية»‪.1‬‬

‫بقً التصوؾ بعٌدا عن الدٌن فً هذه الفترة إذ أصبح تصوفا مصطبؽا بالفلسفة أصبح له‬
‫منحى جدٌد وبالتالً منهجا جدٌدا‪ ،‬أي أصبح تصوفا فلسفٌا إذ تؽلبت هاته الدراسات‬
‫الفلسفٌة وأخذت مكانة الظهور أكثر منه من الدراسات الروحٌة الدٌنٌة الخالصة التً كانت‬
‫من قبل عامة وفً الفكر الصوفً على وجه الخصوص بحٌث نبلحظ كٌؾ أصبح التصوؾ‬
‫فلسفٌا‬

‫« إبتعد الفكر الصكفي الجديد عف الديف بعدا كبي ار كأصبح ىذا الفكر الجديد‬
‫قريبا مف المذاىب الفمسفي ة كبالتالي مف األفكار المختمفة الكاردة مف مصادر كجيات مختمفة بما فييا‬
‫المصادر الغربية كالغريبة عف اإلسبلـ التي بدكرىا تتضمف كتحتكم عمى ما يظير تناقض أك تعارض‬
‫مع اإلسبلـ كبما أتى بو‪ .‬مف أصكؿ كحقيقة اإليماف ‪ ،‬لذلؾ يرل بعض المتخصصيف في الدراسات‬
‫الركحية أك الصكفية أف ىذه الفترة ىي تعتبر فترة تراجع»‪.2‬‬

‫ومن بٌن المتصوفة الذٌن تمٌزوا بالصبؽة فلسفٌة بصورة فبلسفة دٌنٌٌن أولبك الذٌن‬
‫مزجوا بٌن الفلسفة القابمة على الفكر والجدل والمناقشة وبٌن التصوؾ القابم على الذوق‬
‫واإللهام والوجدان ‪ ،‬ولعل ما ٌمثل هذا اإلتجاه والفكر الصوفً الجدٌد فً هاته الفترة‬
‫السهروردي صاحب حكمة اإلشراق المقتول ‪ ،‬ومحً الدٌن بن عربً ‪ ،‬إبن سبعٌن‬

‫‪ -1‬محمود أبو الفٌض المنوفً ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.959‬‬


‫‪ - 2‬محمود أبو الفٌض المنوفً ‪ ،‬جمهرة أولياء وأعالم أهل التصوف ج‪ ، 1‬مإسسة الحلبً للطباعة والنشر ‪،‬بٌروت ‪،‬‬
‫لبنان ‪ ،‬الطبعة األولى ‪4634 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.959‬‬

‫‪- 173 -‬‬


‫« كاف ىدؼ ىؤالء الصكفية الفبلسفة كمف إتبع منيجيـ إقامة تصكؼ عمى‬
‫دعائـ فمسفية فكانت ليـ نظريات في الكجكد كالمعرفة تقترب كؿ القرب مف النظريات الفمسفية الخالصة ‪،‬‬
‫كاختمط التصكؼ بالفمسفة إختبلطا كبي ار لدرجة أنو في القرنييف ‪ 7-6‬ىػ إكتمؿ التصكؼ الفمسفي»‪.1‬‬

‫من خبلل هذا نستنتج أنه هناك صورتٌن من التصوؾ أو نوعٌن والمتمثل فً التصوف‬
‫الديني أقرب إلى الدٌن من الفلسفة ‪ ،‬والتصوف الفلسفي وهذا األخٌر أخذ ٌشق طرٌقه فً‬
‫الظهور واإلنتشار ومحاولة إثباته منذ القرن السادس هجري ‪ ،‬أما التصوؾ الدٌنً بدأ ٌشق‬
‫طرٌقه نحو اإلنحطاط والتراجع ومن أسباب هذا التراجع ماٌلً ‪:‬‬

‫« أوال ‪ :‬طغياف العنصر الفمسفي عمى العنصر الديني في الدراسات الركحية أك‬
‫الصكفية ثانيا ‪ :‬إختمط عمـ الذكؽ كالكجداف كاإللياـ بالديانات المحرفة كما إرتبط بيا مف فمسفات دينية‬
‫كالييكدية كالنصرانية‪ .‬ثالثا ‪ :‬إختبلط الدراسات الصكفية عند المسمميف بتمؾ الدراسات الفمسفية الشرقية‬
‫التي في قكاعدىا كمنيجيا كحتى مكضكعاتيا متناقضة مع الديف اإلسبلمي عمى سبيؿ المثاؿ كالفمسفات‬
‫اليندية كالبكذية باإلضافة إلى الفمسفة اليكنانية التي أعجب بيا الكثير مف مفكرم العالـ اإلسبلمي رابعا ‪:‬‬
‫إختبلط الدراسات الصكفية عند المسمميف بعمـ الكبلـ القائـ عمى الجدؿ كالمغالطات كاألفكار الفمسفية‬
‫‪2‬‬
‫الكاردة مف ىنا كىناؾ»‬

‫ن ستنتج من خبلل هذا أنه بعدما كان العنصر المهم فً الدراسات الصوفٌة هو دراسة النفس‬
‫وأحوالها ورسم طرٌق وصولها إلى هللا باإلضافة إلى تعمٌق الدراسات األخبلقٌة وتطبٌقاتها‬
‫باإلعتماد على المنهج اإلسبلمً واألخذ من المصادر القرآن الكرٌم والسنة النبوٌة الشرٌفة‬
‫وهما مص دري اإلسبلم ‪ ،‬بعد هذا نرى منهج فلسفً عقلً أخذ مكانة تلك الدراسات‬
‫الصوفٌة‪ .‬كذلك ظهور اإلطبلع على الؽٌب فً مجال التصوؾ من قبل المتصوفة حٌث‬
‫ٌإكد محمد مصطف حلمي هذا بقوله ‪:‬‬

‫‪ - 1‬إبراهٌم مدكور ‪ ،‬في الفلسفة اإلسالمية منهج وتطبيقه ج ‪ ، 2‬دار المعارؾ ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر ‪ ،‬الطبعة الثالثة‬
‫‪9119،‬م‪ ،‬ص ‪.36‬‬
‫‪ - 2‬محمد حلمً مصطفى ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.494‬‬

‫‪- 174 -‬‬


‫« إدعاء بعض المتصكفة باإلطبلع عمى الغيب كمعرفة بعض الغيبيات‬
‫قبؿ كقكعيا ‪ ،‬بؿ زعميـ كشؼ الحجب كاإلطبلع عمى المستكر‪.‬كىذا راجع إلى أنيـ أىؿ المجاىدات كأف‬
‫ا﵀ قد أحبيـ دكف غيرىـ فأعطاىـ مقدرة عمى التصرؼ في ىذه الغيبيات قبؿ كقكعيا‪ ....‬كظير في‬
‫كبلـ الصكفية القكؿ بالقطب الذم يدؿ عندىـ إما عمى الحقيقة المحمدية التي كانت قبؿ أف يككف الخمؽ‬
‫ك إما عمى اإلنساف الكامؿ الذم تحقؽ مف كماؿ العمـ كالعمؿ بحيث جعمو أىبل ألف يككف في أعمى‬
‫مراتب الصكفية كىي مرتبة رأس العارفيف»‪.1‬‬

‫وهكذا أصبحت األفكار الصوفٌة مطعمة باألفكار الفلسفٌة والكبلمٌة وكثٌرا من األبحاث‬
‫المتعلقة بالفلسفة وعلم الكبلم ؼزت األفكار الصوفٌة ‪ ،‬بل أصبحت أساسٌة فٌه حٌث أكد‬
‫مصطفى حلمً هذا بؤن ‪:‬‬

‫« قضايا صكفية أساسية تدكر حكليا األبحاث كالدراسات الصكفية مف ذلؾ‬


‫مسألة حقيقة ا﵀ كالعالـ كالمعرفة ‪ ،‬عمى التككيف‪ ،‬كمسألة ربط القديـ بالحادث كمسألة الركح كالبدف‬
‫كعبلقتيما ببعضيما البعض»‪.2‬‬

‫وٌرى الدكتور "محمود ابو الفيض المنوفي" أن صبػ الدراسات الروحٌة باألفكار الفلسفٌة‬
‫فً هذه المرحلة كان أمرا طبٌعٌا وضرورٌا حٌث رأى أنه ‪:‬‬

‫« يبدكا أف محاكلة الربط بيف حقائؽ الديف القائمة عمى الكحي الديني‬
‫كا لنظريات الفمسفية القائمة عمى الشؾ كالتعميؿ كالترجيح كانت ضركرية لقكـ دخمكا في اإلسبلـ مف ممؿ‬
‫مختمفة ككانت عقمياتيـ أك قؿ دراساتيـ العقمية تختمؼ عف حقائؽ الديف الذم إعتنقكه فمـ يركا أبدا مف‬
‫محاكلة التكفيؽ بيف معتقدىـ الديني كخبرتيـ الفمسفية الشتيتة المعتمدة عمى منطؽ فيو الصكاب كالخطأ‬
‫كالقضية كعكسيا في كقت كاحد »‪.3‬‬

‫ٌمكن إستخبلص مما تقدم أنه كان هناك إتجاهٌن جراء هذا التراجع الذي لحق‬
‫بالتصوؾ الدٌنً والذي ال ٌتوافق مع أصول الحقابق اإلٌمانٌة متمثبل فً ‪:‬‬

‫‪ - 1‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.495‬‬


‫‪ - 2‬عبد الرحمن بدوي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.36‬‬
‫‪ - 3‬محمود أبو الفٌض المنوفً ‪ ،‬التصوف اإلسالمي الخالص ‪ ،‬دار نهضة مصر‪ ،‬القاهرة ‪4636،‬م‪ ،‬ص ‪.446‬‬

‫‪- 175 -‬‬


‫« اإلتجاه األول ‪:‬اإلتجاه العممي بمعنى التراجع في المؤلفات العممية التي تبدع في‬
‫الفكر الصكفي كتبسطو لمناس‪ ،‬كمقارنة بما قبميا كانت قميمة ‪ ،‬اإلتجاه الثاني ‪ :‬كىك اإلتجاه العممي‬
‫كيقصد بيذا أف بعض الرجاؿ التصكؼ أصبحكا بعيديف كؿ البعد عف منيج الحياة الركحية الحقة سمككا‬
‫كتطبيقا كمالكا إلى المناقشات الفمسفية كالمجادالت المنطقية»‪. 1‬‬

‫ولعل من بٌن العوامل التً ساهمت فً تراجع هذا الفكراال اإلبتعاد عن منهجه القوٌم‬
‫المرتبط بالدٌن والتوجه كما اسلفنا نحو التنظٌر وبالتالً ادماج الفلسفة فٌه ولعل من بٌن‬
‫االسباب والعوامل التً ساهمت بشكل مباشر حسب محمد مصطف حلمي هو ‪:‬‬

‫« إف كثي ار منيـ تشبع بشيء مف عناصر الغركر كحب الظيكر كالتقرب إلى‬
‫السمطة الحاكمة في ذلؾ الكقت ‪ ،‬مع محاكلة بعض مف الصكفية السيطرة عمى عقكؿ العامة مف الناس‬
‫بتمؾ الكرامات كفكارؽ العادات التي قد تككف مزعكمة كمدعاة كذبا كزك ار مف ضركب المخرقة كألكاف‬
‫الشعكذة ‪ ،‬حتى لقد خالؼ الكثير مف المنتسبيف إلى بعض الطرؽ الصكفية ما سار عميو السمؼ الصالح‬
‫مف سنف الزىد كالعبادة كأصكؿ المجاىدة كالرياضة ‪ ،‬كانحرفت عف غايتيا التي ينبغي أف تسعى‬
‫إلييا»‪.2‬‬

‫ونستنتج من هذا أن الحٌاة الروحٌة إبتعدت عن المعنى الحقٌقً الذي ٌنبؽً أن تدل علٌه‬

‫وهب البناء الروحً واألخبلقً والسمو بالنفس إمتثاال وطاعة هلل عز وجل بل أتجهت نحو‬
‫إنتشار مفاهٌم ومعانً جدٌدة ومصطلحات ٌصعب على العقل السلٌم للمسلم والمإمن قبولها‬
‫أو الرضا بها كالقول باإلتحاد بٌن الخالق والمخلوق ‪ ،‬بٌن المادي والمحسوس والؽٌبً‬
‫الروحانً‪ .‬أو القول بالحلول حٌث تحل الذات البشرٌة فً الذات اإللهٌة وتفنى فٌها ‪.‬‬

‫‪ -1‬محمد مصطفى حلمً ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.431‬‬


‫‪ - 2‬محمد مصطفى حلمً ‪ ،‬الحياة الروحية في اإلسالم ‪ ،‬ص ‪.431‬‬

‫‪- 176 -‬‬


‫« ظيكر ما يسمى "بكحدة الكجكد" ‪ " ،‬كحدة الشيكد" ك" الكحدة المطمقة" ‪ ،‬تمؾ‬
‫النظريات أك العقائد الصكفية الجديدة التي أججت الخصكمات السابقة كأكقدتيا حربا شعكاء مف جديد بيف‬
‫التصكؼ كالديف أك بيف الصكفية كعمماء الديف اإلسبلمي مف كافة التخصصات الدينية »‪.1‬‬

‫ومما ٌمكن مبلحظته أن التصوؾ الذي إنتقل إلى القرن السادس هـجري المرتبط بالدٌن أو‬
‫وفً نفس الوقت ظهور التصوؾ المتشبع بالفلسفة أو ما سمً بالتصوؾ الفلسفً الذي نراه‬
‫فً حالة تقدم وإزدهار لدرجة أن كثٌرا من الباحثٌن والدارسٌن قد رأوا أنه ما إن جاء‬
‫القرن ‪7‬هـ حسب الدكتور قاسم غني‬

‫« بمغ ىذا التصكؼ الفمسفي درجة النضكج كالكماؿ مستدليف عمى بعض ظيكر‬
‫العمالقة في ىذا النيج الصكفي الجديد كأمثاؿ السيركردم ‪ ،‬بف عربي‪ ،‬ابف السبعيف»‪.2‬‬

‫وعلٌه فإن التصوؾ فً القرنٌٌن السادس والسابع هجرٌٌن قد تناول بعض الموضوعات‬
‫التً ٌمكن أن تمٌزه فً نظر كثٌر من الباحثٌن فً مجال التصوؾ القرون السابقة ‪ ،‬لكن إن‬
‫كانت هذه الموضعات قد رفعته وعلت به فكرا وفلسفة إال أنها من جهة أخرى نزلت به‬
‫دٌنٌا فً قلوب كثٌر من المسلمٌن وبخاصة العلماء منهم أما موضوعات ما تمٌزت به هذه‬
‫الفترة هً كماٌلً ‪:‬‬

‫« أف الصكفية عند المسمميف حاكلكا رسـ الطريؽ لكصكؿ العبد إلى الصفاء‬
‫كالنقاء كعمك الركح كسمكىا حتى تصؿ إلى المكانة العالية إلى الحضرة اإلليية إما بطريؽ الحمكؿ في‬
‫الذات اإلليية أك اإلتحاد بيف الخالؽ كالمخمكؽ أك عف طريؽ الفناء كاإلستغراؽ في ذات ا﵀ كذلؾ مرك ار‬
‫بالمجاىدات النقسية كالرياضات البدنية التي تعني العبادة الشاقة فضبل عف الزىد كالتنسؾ كمحاكلة معرفة‬
‫الذات اإلليية بتمؾ المناىج الصكفية مف طرؼ الصكفييف»‪.3‬‬

‫‪ - 1‬محمد شلبً شتٌوي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.424‬‬


‫‪ - 2‬قاسم ؼنً ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص ‪.362‬‬
‫‪ - 3‬مصطفى حلمً ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.496‬‬

‫‪- 177 -‬‬


‫وقد صور الدكتور محمد مصطف حلمي هذه الحالة بؤن هذه المجاهدات والرٌاضات إذ‬
‫أنه تكون هناك ثمرة لكل نوع من أنواع المجاهدة ومن مجمل هذه المجاهدات ٌكون للعبد‬
‫السابر فً هذا الطرٌق ثمرات متعددة ‪.‬‬

‫« تمؾ األحكاؿ الصكفية التي عف طريقيا كرسكخيا في النفس تأتي المقامات حتى‬
‫ينتيي األمر بصاحب ىذا الطريؽ إلى مقاـ التكحيد كالعرفاف الذم ال يصؿ إليو إال أىؿ الذكؽ كالعبادة»‬
‫‪1‬‬

‫وبالتالً نبلحظ كٌؾ أن طرٌق المجاهدات ٌختلؾ إذ عنده بدأ باألحوال ثم المقامات ‪ ،‬لكن‬
‫هناك نظرٌة صوفٌة أخرى تبدأ بالمقامات وتنتهً باألحوال على سبٌل المثال كتاب اللمع‬
‫فٌما ٌخص المقامات واألحوال‪ .‬ومن هنا نستنتج اإلختبلفات بٌن الصوفٌة حول ما ٌتعلق‬
‫بالتصوؾ ‪ ،‬لم تكن محاوالتهم فً هذٌن القرنٌٌن عند حد اإلتحاد باهلل أو اإلستؽراق فً ذاته‬
‫ولكن هناك طموح أكبر من هذا وهو محاولة إزالة الحجب التً تقؾ عقبة بٌن العبد وربه‬
‫حتى ٌتٌسر لهذا العبد كشؾ الؽٌبٌات ‪ ،‬كل بحسب ما ٌكون علٌه من ذوق ووجدان وما‬
‫وصل إلٌه من أحوال ومقامات ‪.‬‬

‫« كمما إرتقى ىذا العبد في األحكاؿ كالمقامات كمما تكشقت الحجب إلى أف‬
‫ال يككف ىنا ؾ حجب حينئذ يطمع ىذا العبد عمى كثير مف الغيبيات كالصفات الربانية ‪ ،‬العرش كالكرسي‬
‫‪ ،‬المبلئكة ‪ ،‬الكحي كالنبكة ‪ ،‬كالركح ‪ ،‬كحقائؽ كؿ مكجكد غائب أك شاىد ‪ ،‬ترتيب األككاف في صدكرىا‬
‫عف مكجدىا كتككنيا»‪.2‬‬

‫ومما ٌمكن مبلحظته وتعتبر من المعتقدات التً ٌإمن بها الصوفٌة وٌرون أنها تحققت مع‬
‫هذا الشٌخ الصوفً أو ذاك الشٌخ الصوفً معتقد "الكرامات وخوارق العادات" ‪ ،‬فالصوفٌة‬
‫ٌكثرون من هذا المعتقد إلى مشاٌخهم إلى درجة المبالؽة فً هذه الكرامات من ناحٌة‬
‫المشاٌخ الذٌن تقع على أٌدٌهم هذه الكرامات ومن ناحٌة عدد هذه الكرامات على ٌد الشٌخ‬
‫الواحد‪ .‬وٌمكن تلمس هذه الكرامات عند كثٌر من صوفٌة القرنٌٌن ‪ 7-6‬هجرٌٌن‪.‬‬

‫‪ - 1‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.496‬‬


‫‪ - 2‬محمد شلبً شتٌوي ‪ ،‬المرجع السابق ص ‪.442‬‬

‫‪- 178 -‬‬


‫« أف الشيخ الصكفي صاحب الكرامات كخكارؽ العادات يستطيع أف‬
‫يتصرؼ في العالـ كفي الككف كمو تصرؼ اإللو في مخمكقاتو بأنكاع الكرامات يظيرىا ا﵀ عمى يد‬
‫أصحاب الذكؽ كالعرفاف كأىؿ األحكاؿ كالمقامات حتى أنو يستطيع أف يتصرؼ بيمتو كفي نفسو في‬
‫المكجكدات السفمية بحيث تصير طكع إراداتو عمى كجو ال يستطيع أف يدركو أك يعرفو أك يتصرؼ فيو‬
‫غيره ممف لـ يتحقؽ بمثؿ ما تحقؽ بو ىك مف كشؼ حجاب الحس»‪.1‬‬

‫المطلب الثالث ‪:‬النورسي وموقفه من التصوف‬

‫قبل الولوج فً دراستً المتمثلة فً التصوؾ عند النورسً كنت أعتقد أنه شٌخ طرٌقة‬
‫لزاوٌة معٌنة ‪ ،‬وقد ٌظن و ٌعتقد كل من لم ٌطلع على سٌرة حٌاة بدٌع الزمان سعٌد‬
‫النورسً وفكره أنه رجل صوفً وال شك أن له أتباع ومرٌدٌن فً تكٌة ‪ ،‬وهو بذلك ٌمثل‬
‫شٌخ لطرٌقة صوفٌة ‪ ،‬ولكن بعد اإلطبلع والقراءة فً سٌرته من خبلل كلٌات رسابل النور‬
‫سرعان ما تكتشؾ أن هذا الحكم ٌحتاج إلى إعادة مراجعة ‪ ،‬خاصة بعدما نبلحظ فً كذا‬
‫من موضع وتكرارات عدٌدة أن " النورسً" ٌنفً نفٌا تاما بؤنه صوفٌا وذلك من خبلل‬
‫قوله ‪:‬‬

‫« أنا لست شيخ طريقة صكفية ‪ ،‬كانما أنا عالـ ديف ‪ ...‬إف ىذا الزماف ليس زمف‬
‫‪2‬‬
‫الطريقة»‬

‫« إف ىذا الزماف زماف حفظ اإليماف»‪.3‬‬

‫لكن على الرؼم من النفً الصرٌح والمتكرر فً عدة مواضع " لسعٌد النورسً" إال أننا‬
‫نلمح من خبلل مإلفاته فً أن ٌكون رجبل صوفٌا‪ .‬إال أننا نبلحظ فً رسابله تلك اللمسة‬
‫الصوفٌة لشخصٌته وهذا ما ٌإكده مإلفاته من خبلل إستعمال إشارات ومصطلحات ال نكاد‬
‫نراها إال لدى أهل التصوؾ ‪ ،‬وكذلك من خبلل كتابته للرسابل التً تعكس تلك المسحة‬
‫الصوفٌة الممتزجة بٌن العقل والقلب‪ ،‬كما ٌشٌر أٌضا بقوله ‪:‬‬

‫‪ - 1‬محمد مصطفى حلمً ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.496‬‬


‫‪ - 2‬سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.46‬‬
‫‪ - 3‬سعٌد النورسً ‪ ،‬المبلحق ‪،‬ص ص ‪916-939‬‬

‫‪- 179 -‬‬


‫« حيث أف مسمكنا حقيقة عممية كليست طريقة صكفية »‪.1‬‬

‫والذي أراه أن هذه المسحة الصوفٌة قد شارك فً تكوٌنها ثبلثة عوامل هً ‪ :‬البناء النفسً‬
‫لبدٌع الزمان من قضول ونبوغ ومحاولة إستكشاؾ ‪ ،‬والمحٌط العابلً ‪ ،‬والبٌبة اإلجتماعٌة‬
‫التً كان اإلنتساب فٌها إلى طرٌقة صوفٌة هو األمر المؤلوؾ فشخصٌته قد جمعت بٌن ما‬
‫ٌبدو أنه متناقض ‪ ،‬جمعت بٌن الحدة واإلنفعال وبٌن الرقة والشفقة ‪.‬‬

‫« كما تأثرت بدرجة كبيرة بالمحيط العائمي الذم كاف مشحكف عمى قدر كبير‬
‫‪2‬‬
‫الزىد كالكرع ‪ ،‬ككاف األخ األكبر منتسبا إلى إحدل الطرؽ الصكفية »‬

‫ولهذه المإثرات المذكورة ‪ ،‬سلك "النورسً" منذ بداٌة حٌاته مسلك الزهد والتقشؾ وظل‬
‫كذلك إلى حٌن وفاته فاألسرة والمحٌط اإلجتماعً عزز وساهم بدور كبٌر فً توجهه‬
‫الروحً منذ نشؤته األولى ‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬النورسي ووحدة الوجود والمعرفة وطريق الوصول ال هللا‬

‫المطلب األول ‪ :‬ووحدة الوجود تاريخيا‬

‫منذ أن جاء اإلسبلم وحتى ٌومنا هذا وإلى قٌام الساعة ‪ ،‬القرآن الكرٌم ٌقرر حقٌقة واضحة‬
‫وهً صرٌحة هً أن لهذا الكون إلها واحدا لٌس كمثله شًء‪ ،‬خالق كل شًء ‪ٌ ،‬طلب من‬
‫اإلنس والجن بعبادته‪ ،‬وذلك لٌس لهدؾ ولمنفعة تعود إلٌه حٌث ٌبٌن ذلك من خبلل آٌاته‬
‫قوله تعالى‪:‬‬

‫َف‬
‫يد أ ْ‬ ‫يد ِم ْنيُ ْـ ِم ْف ِرْز ٍ‬
‫ؽ َك َما أ ُِر ُ‬ ‫ِإ َّال ِلَي ْعُب ُد ِ‬
‫كف (‪َ )56‬ما أ ُِر ُ‬ ‫ت اْل ِج َّف ك ِْ‬
‫اإل ْن َس‬ ‫﴿ َك َما َخَم ْق ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫كف (‪ِ )57‬إ َّف المَّ َو ُى َك َّ‬
‫ط ِع ُم ِ‬
‫‪.3﴾58‬‬ ‫اؽ ُذك اْلقُ َّكِة اْل َمت ُ‬
‫يف‬ ‫الرَّز ُ‬ ‫ُي ْ‬

‫‪ - 1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬ص ‪.913‬‬


‫‪ - 2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المبلحق ‪ ،‬ص ‪.499‬‬
‫‪ - 3‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة الذارٌات ‪ ،‬اآلٌة رقم ‪25-23‬‬

‫‪- 180 -‬‬


‫وكل مإمن ومسلم ٌصدق هذه الحقٌقة مهما كان مذهبه ومهما كان إتجاهه ‪ ،‬ألن لو لم‬
‫ٌصدق بهذه الحقٌقة ال ٌكون مسلما وال ٌكون مإمنا‪.‬‬

‫« يككف في ىذا الككف كجكداف مختمفاف عف بعضيما البعض‪ ،‬كمكجكداف‬


‫متمايزاف في حقيقتيما كصفاتيما ىما ا﵀ ككجدكه كالمكجكدات التي ىي غير ا﵀ ككجكدىا ‪.‬فأما عف ا﵀‬
‫‪1‬‬
‫ككجكده فعقيدة المسمـ في ىذا أنو ىك الخالؽ كالرازؽ ‪ ،‬المكجد لمككف كمو كالمصرؼ لشؤكنو»‬

‫لقوله تعالى ‪:‬‬

‫كت ُك ِّؿ َش ْي ٍء َكِاَل ْي ِو تُْرَج ُعك َف ﴾‬


‫اف الَِّذم بَِي ِد ِه َمَم ُك ُ‬
‫﴿أ َف ُس ْب َح َ‬
‫‪2‬‬

‫أما عن الموجودات ووجودها فهً مخلوقة وهً التً تتلقى وسابل وجودها وتصرٌؾ‬
‫شإونها من خالقها وموجدها‪ ،‬ولٌس لها من رازق سوى هللا وال ملجؤ وال مصرؾ لشإونها‬
‫اال هللا‪.‬‬

‫إذن نستنتج أن الوجود وجودان هما ‪ :‬وجود خالق ومخلوق ‪ ،‬عابد ومعبود ‪ ، ،‬ومخلوقات‬
‫تدٌن لهذا ا لخالق بوجودها وحٌاتها وتلجؤ إلٌه فً كل األمور صؽٌرها وكبٌرها ‪ ،‬وهذا هو‬
‫ما بلؽه رسول هللا علٌه الصبلة والسبلم للناس أجمعٌن ‪ ،‬وآمن به المسلمون وصدق به‬
‫المإمنون وأٌقنوا بهذه اإلثنٌنٌة وأنه ال ٌمكن أن ٌتساوى طرفا هذه اإلثنٌنٌة ألنها بٌن فاعل‬
‫ومفعول ‪ ،‬بٌن من ٌحتاج إلى الؽٌر ومن هو مستؽن عن هذا الؽٌر‪.‬‬

‫« كجد في تاريخ الفكر اإلسبلمي مف اليرل ىذه الرؤية أك يراىا كلكف يتأكليا تأكيبل‬
‫يخرجيا عف مضمكنيا اإلسبلمي كعف حقيقتيا الدينية التي حددىا القرآف الكريـ كسنة النبي عميو الصبلة‬
‫كالسبلـ كسيرة الصحابة الكراـ كالتابعيف ليـ بإحساف حيث ظير ىذا الفريؽ بنظرية في الكجكد سماىا "‬
‫‪3‬‬
‫كحدة الكجكد" إستنكرىا البعض »‬

‫فما هً وحدة الوجود؟ وما مضمونها ؟‪.‬‬

‫‪ - 1‬محمد شلبً شتٌوي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.944‬‬


‫‪ - 2‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة ٌس‪ ،‬اآلٌة ‪.59‬‬
‫‪ - 3‬محمد شلبً شتٌوي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.945‬‬

‫‪- 181 -‬‬


‫الفرع األول ‪:‬وحدة الوجود تاريخيا ‪:‬‬

‫تكاد تجمع البحوث والدراسات الفكرٌة والتارٌخٌة على أن القول بوحدة الوجود قد ظهر‬
‫على ٌد "محي الدين بن عربي"‪569‬ـ ‪ 638‬هـ ‪ ،‬حٌث إنتشر أمر هذه الوحدة على ٌد‬
‫بعض الصوفٌة الذٌن كان منهم إبن الفارض وأبن السبعٌن والعفٌؾ التلمسانً وكثٌر من‬
‫المتصوفة المتؤخرٌن‪ .‬ؼٌر أن نٌكلسون ٌرى أنه كانت هناك نزعة إلى وحدة الوجود عند‬
‫أبً ٌزٌد البسطامً المتوفً ‪934‬هـ بقوله ‪:‬‬

‫« فأبك يزيد ىك الذم أدخؿ في التصكؼ اإلسبلمي فكرة كحدة الكجكد التي‬
‫كانت ذائعة ذيكعا عظيما في أنحاء فارس حتى زمف الساسانييف ‪ ،‬كىذه النزعة الفارسية اليندية ىي مف‬
‫‪1‬‬
‫خصائص التفكير الشرقي»‬

‫كما ٌشٌر إلى ذلك أٌضا ب قوله ‪:‬وإنك لتلمح نزعة أبً ٌزٌد البسطامً إلى وحدة الوجود‬
‫ماثلة فً األقوال‬

‫« خرجت مف الحؽ حتى صاحكا مني في يا مف أنا أنت ‪ ،‬إني أنا ا﵀ ال إلو إال‬
‫أنا فاعبدني سبحاني ما أعظـ شأني»‪.2‬‬

‫بالتالً فؤن القول بالحلول واإلتحاد كانت فٌهما نزعة إلى وحدة الوجود ‪ ،‬بل وحدة الوجود‬
‫ال ٌمكن تحققها إال إذا سبقتها مرحلة الحلول واإلتحاد فً ذات هللا كما ٌقول بهذا الجنٌد‬
‫والحبلج لذلك وجب علً إعطاء فكرة واضحة فٌما ٌخص الحلول واإلتحاد‪.‬‬

‫« الحمكؿ كىك إتحاد جسميف بحيث تككف أإلشارة إلى أحدىما إشارة إلى اآلخر‪،‬‬
‫كمذىب الحمكؿ القكؿ بأف ا﵀ حاؿ في كؿ شيء كالحمكلية فرقة مف المتصكفة تعتقد مذىب الحمكؿ»‪.3‬‬

‫‪ -1‬نٌكسلون ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.91- 99‬‬


‫‪ - 2‬نٌكلسون ‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.42‬‬
‫‪ - 3‬المعجم الوسٌط ‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪ .461‬أنظر أٌضا ‪ :‬محمد شلبً شتٌوي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.946‬‬

‫‪- 182 -‬‬


‫فبالتالً ال ٌصح القول بؤن إدعاء حلول هللا فً فبلن فً الدٌن اإلسبلمً ‪ ،‬لكن فً‬
‫النصارى فهو موجود وذلك بإدعابهم حلول البلهوت "وهو هللا عندهم" فً الناسوت "‬
‫وهو جسد عٌسى أبن مرٌم علٌه السبلم" أو إدعاء بعض الؽبلة من الشٌعة أو ؼٌرهم من أن‬
‫هللا حل فً "علي بن أبي طالب"‪ .‬فمثل هذه األقاوٌل هً إدعاءات كاذبة ومضللة وال‬
‫تصدر إال عن إنسان فاقد إلٌمانه ودٌنه‪ ،‬بحٌث جاءت النصوص القرآنٌة الرافضة لمثل هذا‬
‫الحل ول رفضا إجمالٌا وتفصٌلٌا ومن ذلك قوله تعالى ‪ ":‬لٌس كمثله شًء وهو السمٌع‬
‫البصٌر"‪ 1‬وكذلك قوله ‪:‬‬

‫ِ‬ ‫َح ٌد المَّ ُو َّ‬


‫َح ٌد ﴾‪.2‬‬
‫الص َم ُد َل ْم َيم ْد َوَل ْم ُيوَل ْد َوَل ْم َي ُك ْن َل ُو ُكفُ ًوا أ َ‬ ‫﴿ ُق ْل ُى َو المَّ ُو أ َ‬

‫وٌظهر الحلول الذي قال به الصوفٌة فٌما قٌل عن الحبلج أٌضا إنتهى به الحال إلى زعمه‬

‫« أف مف ىذب في الطاعة نفسو كأشغؿ باألعماؿ الصالحة قمبو كصبر عمى‬


‫مفارقة المذات كممؾ نفسو في منع الشيكات إرتقى بو إلى مقاـ المقربيف ‪ ،‬ثـ ال يزاؿ يتنزؿ في درج‬
‫المصافاة حتى يصفكا عف البش رية ‪ ،‬فإذا لـ يبؽ فيو مف البشرية نصيب حؿ فيو ركح ا﵀ الذم كاف منو‬
‫عيسى بف مريـ فيصير مطاعا فبل يريد شيئا إال كاف مف كؿ ما ينفذ فيو أمر ا﵀ ‪ ،‬كأف جميع فعمو حينئذ‬
‫فعؿ ا﵀ كجميع أمره أمر ا﵀»‪. 3‬‬

‫حلمي على هذا النص ٌدل بؤن الحبلج قد إعتنق عقٌدة حلول هللا فً‬ ‫وٌعلق مصطف‬
‫اإلنسان وإستحالة أي تحول اإلرادة اإلنسانٌة إالى إرادة إلهٌة بحٌث ٌصبح كل ما ٌصدر‬
‫عن اإلنسان من فعل هو فعبل هلل‪.‬‬

‫« أف العقؿ السميـ كالمتزف يرفض الحمكؿ في كؿ صكره كأشكالو فالقكؿ بحمكؿ‬


‫ا﵀ في فبلف يؤدم إلى كصؼ ا﵀ بصفات ال تميؽ بجبللو ككمالو ‪ ،‬كجكب ا﵀ كاجب كجكبا ذاتيا ‪ ، ،‬أما‬
‫كجكد عيسى أك عمي ‪...‬الخ فكجكد جائز بمعنى ليس ببلزـ ‪ ،‬فإذا أجيز حمكؿ ا﵀ في اإلنساف أم حمكؿ‬

‫‪ - 1‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة الشورى ‪ ،‬اآلٌة ‪.44‬‬


‫‪ - 2‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة اإلخبلص‪.‬‬
‫‪ - 3‬محمد مصطفى حلمً ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.444‬‬

‫‪- 183 -‬‬


‫الكاجب في الجائز ترتب عميو نفي الكجكد الكاجب ﵀ تعالى ألنو أصبح حاال فيما كجكده جائز كىذا ال‬
‫يقكؿ بو مؤمف ميما كانت التفسيرات كالتأكيبلت التي تقاؿ في ىذا المكقؼ»‪.1‬‬

‫وهذا القول بالحلول قوال ٌتنافى مع اإلسبلم وما جاء به دٌننا الحنٌؾ ولم ٌذكر فً قرآننا‬
‫الكرٌم ‪ ،‬كذلك ٌظهر فً أقوال بعضهم فعلى سبٌل المثال‬

‫« أقكاؿ بعضيـ شطحات كانحرافات تنطؽ بيذه المعاني الباطمة مف ذلؾ قكؿ‬
‫أبي يزيد البسطامي ‪ ":‬سبحاني سبحاني "‪ " ،‬سبحاني ما أعظـ شأني »‪. 2‬‬

‫بالتالً نستنتج من خبلل هذا أن اإلنسان محتاج إلى هللا وسٌظل كذلك دابما وأبدا إذن من‬
‫المستحٌل حلول هللا فً الموجودات أو حلول الموجودات فً هللا واألنسان دابما ٌحتاج إلى‬
‫هللا مما ٌبٌن لنا انه عاجزا أمام هللا‪.‬‬

‫اما اإلتجاه الثاني ‪:‬هناك تعدد حول فكرة األتحاد وما ٌعكس هذا تعدد التعارٌؾ حوله عند‬
‫الجرجانً على سبٌل المثال ال الحصر حٌث ٌقول عنه ‪:‬‬

‫« أف تصير الذاتيف كاحدة ‪ ،‬شيكد الكجكد الحؽ الكاحد المطمؽ الذم الكؿ مكجكد‬
‫بالحؽ فيتحد بو الكؿ مف حيث ككف كؿ شيء مكجكدا بو ‪ ،‬معدكما بنفسو ‪ ،‬ال مف حيث إف لو‬
‫كجكدا خاصا إتحد بو فإنو محاؿ‪ ،‬إمتزاج الشيئيف ك إختبلطيما حتى يصي ار شيئا كاحدا إلتصاؿ‬
‫نيايات اإلتحاد القكؿ مف غير ركية أك فكر »‪.3‬‬

‫أما عن اإلتحاد الصوفً المعروؾ وهو ما تم ذكره فً الكتب الصوفٌة فٌقوم على‬
‫طرٌقتٌن أي وجود نوعٌن من اإلتحاد وهما ‪ :‬أتحاد صعودي واألخر نزولً‬

‫« الطريقة األولى ‪ :‬ىي إتحاد العبد با﵀ باإلتحاد الصعكدم تتحد ىذه الركح بالركح‬
‫اإلليي كتصير ىي الذات اإلليية ‪ ،‬الطريقة الثانية ‪ :‬إتحاد العبد با﵀ إتحادا نزكليا بمعنى أف إرتقاء‬

‫‪ -1‬محمد مصطفى حلمً ‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.445‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Massignon Louis, Recueil de Textes Inédits concernant L’histoire de la mystique en Pays‬‬
‫‪d’Islam, librairie orientaliste . Paris , 1929, P30.‬‬
‫‪ - 3‬محمد شلبً شتٌوي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.992‬‬

‫‪- 184 -‬‬


‫العبد في التنسؾ كالصفاء الركحي كالزىد يجعمو مييئا ألف تحؿ فيو ركح ا﵀ كتتحد بو كما حمت الركح‬
‫‪1‬‬
‫اإلليي»‬

‫« أف أصحاب الحمكؿ كاإلتحاد كضعكا الكسيمة التي يركف أف العبد إذا قاـ بيا كصؿ‬
‫إلى اإلتحاد مع الذات اإلليية ىذه الكسيمة ىي ‪ :‬تنقية الطبيعة البشرية مف كؿ ما ىك حسي حتى يصير‬
‫ىذا العبد ركحا محضا كحينئذ تمتزج الركح البشرية مع الركح اإلليية عف طريؽ حمكؿ الركح اإلليية في‬
‫‪2‬‬
‫الركح البشرية أكالعكس»‬

‫ولعل النموذج ٌمثله الجنٌد اما الطر ٌقة الثانٌة وماهو مجسد فً المسٌحٌة بتقولهم بإتحاد‬
‫روح هللا فً عٌسى بن مرٌم أي الحلول وبالتالً كل ما ٌصدر منه فهو من هللا‪.‬‬

‫وما ٌمكن مبلحظته هو أن االتحاد بنوعٌه ال ٌتبلءم مع الدٌن اإلسبلمً إذ ٌتنافى مع‬
‫األلوهٌة ‪ ،‬فبل حلول وال إتحاد كما أن وحدة الوجود ووحدة الشهود هم من النظرٌات‬
‫الجدٌدة فً المنهج الصوفً الذي أحدث صراع بٌن الصوفٌة وعلماء الدٌن ‪ .‬واتهم ببعض‬
‫روادها بالكفر والقتل كما فعل بالحبلج ‪ ،‬ؼٌر أن هناك فرق بٌن وحدة الشهود ووحدة‬
‫الوجود حسب المنوفً ابو الفٌض ‪:‬‬

‫« كحدة الشيكد الركحية المبرأة مف المغاالة يككف صاحبيا قائبل بتنزيو ا﵀ في‬
‫نفس الكقت الذم يشاىد فيو كؿ شيء في ا﵀ مع إعتبار أف ا﵀ فكؽ كؿ شيء مخالفا لكؿ مخمكؽ كال‬
‫يقر بأف الكؿ ىك ا﵀ ‪ ،‬كما ىك الحاؿ في كحدة الكجكد‪ .‬كيككف ذلؾ بالتجرد عف حكؿ العبد كقدرتو إلى‬
‫حكؿ ا﵀ كقدرتو ف يقكل بذلؾ كتتبلشى شخصية البشرية المدعاة في الذات اإلليية عف طريؽ عدـ رؤية‬
‫‪3‬‬
‫العبد لنفسو كاستمرار الشيكد بغية الكصكؿ كالتعرؼ إلى حؽ اليقيف»‬

‫كما تناول عبد الرحمن بدوي فكرة اإلتحاد فً القرنٌن السادس والسابع الهجرٌٌن والدور‬
‫الكبٌر ا لذي لعبه صوفٌة هذه المرحلة بظهور ما ٌعرؾ بالشطح الذي ٌساٌره حلول واتحاد‬
‫ووجود مبٌنا حقٌقتها ودوافعها وأساس بنٌانها فقال ‪:‬‬

‫‪ -1‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.999‬‬


‫‪ - 2‬محمود أبو الفٌض المنوفً ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.943‬‬
‫‪ - 3‬محمود أبو الفٌض المنوفً ‪ ،‬جمهرة األولياء وأعالم أهل التصوف ج‪ ، ،1‬ص ‪.942‬‬

‫‪- 185 -‬‬


‫« أىمية فكرة اإلتحاد في تكييؼ عممية الشطح كبيرة خصكصا في تفسير‬
‫الشطحات التي تعبر عف تساكم األدياف كميا إليية كغير إليية كىذا ما قاؿ بو ابف عربي بالنسبة إلى‬
‫الصكفي فاألدياف عنده متساكية ألف الكجكد كاحدكالكجكد ىك ا﵀ فكميا إذف مف ا﵀ كبالنسبة إلى ا﵀ تنتفي‬
‫‪1‬‬
‫كؿ تفرقة»‬

‫كما ٌرى أصحاب الحلول واإلتحاد كالحبلج وأتباعه أنه لٌس من السهل الوصول إلى هذا‬
‫اإلتحاد الروحً إ ذ أنه هناك بعض العقبات التً تعرقل السالك فً مسٌرته إلى هذا اإلتحاد‬
‫والتً ٌمكن إجتٌازها ثم الوصول بعدها إلى الهدؾ األسمى وتتمثل هذه العقبات فٌماٌلً‪:‬‬

‫« العقبة األولى‪ :‬الحجب كتعني أنو تظير أماـ العبد السائر إلى ا﵀ في‬
‫طريؽ اإل تحاد أمكر تحجبو عف ىدفو كالرغبات الحسية التي تتكؽ إلييا النفس كجمع الماؿ أك النساء أك‬
‫حب الدنيا ‪...‬الخ وسيمة تجاوزىا ‪ :‬ىي الرياضة الركحية ككبح النفس عف رغباتيا بالزىد كالتقشؼ ‪،‬‬
‫كىذه الدرجة سماىا الحبلج " درجة المريد"‪.‬العقبة الثانية ‪ :‬اإلبتبلء كتعني أف العبد كىك في مسيرتو إلى‬
‫ىذا اإلتحاد يمكف أف يبتمى ببعض األمكر كاإلغراء بالماؿ أك بالنساء أك بإسناد بعض الكظائؼ الميمة‬
‫إلى ىذا العبد ‪.‬وسيمة تجاوزىا ‪ :‬لتخطي ىذه العقبة يككف بالفناء عف األكصاؼ البشرية كميا إلى أف‬
‫تستيمؾ الناسكتية عف آخرىا كقد سمى الحبلج ىذه الدرجة "درجة المراد"‪.‬العقبة الثالثة ‪ :‬اإلنية كرفع‬
‫اإلنية كتعني تخمص العبد في مسيرة اإلتحاد مف اإلنية أم مف قكلو أنا كأنت ‪ ،‬ألنو إذا زالت ىذه اإلنية‬
‫يككف قد تـ الجمع بيف الركح البشرية كالركح اإلليية فيحصؿ اإلتحاد األبدم‪ .‬الذم سماه الحبلج "عيف‬
‫الجمع " أك " رفع اإلنية " كىذه الدرجة ىي التي عناىا الحبلج بقكلو ‪ :‬ىا أنا األكؿ ك اآلخر كالظاىر‬
‫كالباطف ألني أنا الحؽ كأنا الكؿ ككجكدم غير محتاج لدليؿ ألني في كؿ شيء مقيـ»‪.2‬‬

‫وٌبلحظ فً هذه العقبات ووسابل تجاوزها أنها متبلزمة مع بعضها البعض ومرتبة‬
‫ومتدرجة إذا تخطاه العبد الواحدة بعد األخر ٌكون قد وصل إلى اإلتحاد التام‪.‬‬

‫وٌعبر الحبلج عن هذه الحالة بقوله ‪:‬‬

‫‪ - 1‬عبد الرحمن بدوي ‪ ،‬شطحات صوفية ‪ ،‬وكالة المطبوعات للنشر ‪ ،‬الكوٌت ‪ ،‬الطبعة الثانٌة ‪4643 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.43‬‬
‫‪ - 2‬محمود أبو الفٌض المنوفً ‪ ،‬التصوف اإلسالمي الخالص ‪ ،‬ص ‪.451‬‬

‫‪- 186 -‬‬


‫ســرسنا الىوتــو الثـــاقب‬ ‫«سبحان من أظير ناسوتو‬

‫في صورة اآلكل والشارب‬ ‫ثم بـــدا لخمـــقو ظــاىــ ار‬

‫كمحـظة الحاجب بالحاجب»‪.1‬‬ ‫حتـى لقـد عاينــو خمقـــو‬

‫إن علماء الدٌن على مختلؾ تخصصاتهم قد تصدوا لفكرة الحلول واإلتحاد هذه ‪ ،‬بل إن‬
‫الكثٌر من عامة المسلمٌن قد رفضوا هذه النظرٌات ألنها تتنافى مع حقابق الدٌن وأصوله ‪.‬‬

‫فمن خبلل ما تتضمنه "وحدة الوجود " و ما تقدم عرضه نستنتج أن هذه النظرٌة ال تتفق‬
‫مع الدٌن اإلسبلمً فهً متناقضة مع الدٌن وباطلة عقبل وتطبٌقا ‪ .‬وهذا ما أكدة النورسً‬
‫ببطبلن هذه النظرٌة بإعتبارها ال تقوم على أسس إٌمانٌة وبالتالً ال تإدي إلى المعرفة‬
‫الحقٌقٌة‪.‬‬

‫كما ٌشٌر الدكتور "مدكور إبراهيم"‬

‫« كيثبت عدـ إتفاؽ ىذه النظرية مع اإلسبلـ كمف عكامؿ ذلؾ أنيا تخمط السماكم‬
‫باألرضي كاإلليي باإلنساني أك تغفؿ اإلنساف كالعالـ معا»‪.2‬‬

‫ووحدة الوجود التً قال بها ابن عربً وأتباعه فً هذه النظرٌة قابمة على حلول الناسوت‬
‫فً البلهوت وفناإه فٌه حتى ال ٌكون للعبد وجود أو شهود ‪ ،‬كما أن اإلسبلم كفر‬
‫النصارى لزعمهم أن سٌدنا عٌسى علٌه السبلم إبن مرٌم هو هللا أو أن هللا قد حل فً عٌسى‬
‫حٌث ٌقولون ‪":‬حل البلهوت فً الناسسوت" ‪ .‬والنص القرآنً ٌقول ‪:‬‬

‫َن ُي ْيِم َك‬ ‫يح ْاب ُن َم ْرَي َم ُق ْل فَ َم ْن َي ْمِم ُك ِم َن المَّ ِو َ‬


‫ش ْي ًئا إِ ْن أََر َ‬
‫اد أ ْ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ لَقَ ْد َكفََر الَِّذ َ‬
‫ين قَالُوا إِ َّن المَّ َو ُى َو ا ْل َمس ُ‬
‫السماو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُم ُو وم ْن ِفي ْاألَر ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اء‬
‫ش ُ‬ ‫ق َما َي َ‬‫يخ ُم ُ‬
‫ض َو َما َب ْي َن ُي َما ْ‬ ‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫يعا َوِلمَّو ُم ْم ُك َّ َ َ‬ ‫ض َجم ً‬ ‫ْ‬ ‫يح ْاب َن َم ْرَي َم َوأ َّ َ َ‬‫ا ْل َمس َ‬
‫ير ﴾‪.3‬‬ ‫والمَّ ُو عَمى ُك ِّل َ ٍ ِ‬
‫ش ْيء قَد ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫‪ - 1‬نٌكلسون ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.499‬‬


‫‪ - 2‬إبراهٌم مدكور ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫‪ - 3‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة المابدة ‪ ،‬اآلٌة ‪.44‬‬

‫‪- 187 -‬‬


‫كما أ ن الوحدة عند إبن عربً لم تتوقؾ على الوحدة فً الوجود ‪ ،‬بل تعدت ذلك ‪،‬‬
‫للقول بإختراع فلسفً صوفً جدٌد هو القول ‪:‬‬

‫«"بكحدة األدياف" ‪ ،‬فإذا كاف الكجكد يرجع إلى ا﵀ ‪ ،‬فكذلؾ األدياف كميا راجعة إلى‬
‫ا﵀ أم أف مصدر األدياف كميا كاحد كىك ا﵀ لذلؾ فاألدياف كميا تشكؿ كحدة كاحدة ال تناقض بينيا كال‬
‫‪1‬‬
‫تضارب كالمؤمف الحؽ كالعارؼ الكامؿ ىك مف نظر إلى كؿ معبكد عمى أنو مجمى لمحؽ يعبد فيو »‬

‫كانت العبادة عند ابن عربً هً أن ٌقؾ العبد عند مجلى واحد ٌقصر علٌه عبادته من دون‬
‫بقٌة المجالً وٌتخذ من هذا المجلى معبودا ٌسمٌه إلها‪ ،‬وقد صاغ ابن عربً "وحدة األدٌان"‬
‫هذه فً بعض من األبٌات من الشعر منها‪:‬‬

‫فمرعى لغـزالن ودير لرىبـان‬ ‫« لقد صار قمبي قابال كل صورة‬

‫وألواح توراة ومصحف وقرآن‬ ‫وبيت ألوثـان وكعبـة وطــائف‬

‫ركائبــو فالــدين ديني وايماني» ‪.2‬‬ ‫أدين بدين الحب أني توجــيت‬

‫باإلضافة الى هذا خطورة هذه النظرٌة "وحدة الوجود" على الجانب األخبلقً الذي ٌعتبر‬
‫الجانب الً ٌتمظهر من خبلله الدٌن عند اإلنسان الذي له تفاعل مع البٌبة اإلجتماعٌة التً‬
‫ٌعٌش فٌها إذ ٌعكس تفاعله مع الوسط البٌبً ‪ ،‬فتؤثٌر هذه النظرٌة على الجانب األخبلقً‬
‫فً إعتبارها أن أصحاب هذه الدعوى "وحدة الوجود" ٌعتقدون أنه لٌس فً العالم شر أبدا‬
‫‪،‬وأن كل ما هو موجود فٌه هو خٌر ‪ ،‬مما ٌدهون نقول أو نتسابل حول هذا اإلعتقاد بطرح‬
‫السإال التالً الذي ٌتبادر فً ذهننا وهو هل أن كل الموبقات والمعاصً تعتبر خٌر فً‬
‫نظر هذه النظرٌة ؟ وهذا بدوره ٌإدي ببل شك الى إنتشار السلوكات المحرمة شرعا والى‬
‫أنتشار وإستباحة المحرمات من وجهة نظرهم إلعتبارهم أن هذا خٌر ‪ ،‬وهذا ٌتنافى مع ما‬
‫شرع به اإلسبلم لتنظٌم الحٌاة للمسلم وأستحضر الحدٌث الشرٌؾ من حدٌث أبً هرٌرة ‪-‬‬
‫رضً هللا عنه – عن النبً علٌه الصبلة والسبلم أنه قال‪:‬‬

‫‪ - 1‬فمن ٌعبد النم فهذا مجلى للحق ٌعبد فٌه ‪ ،‬ومن ٌعبد بقرة فهذه البقرة مجلى للحق ٌعبد فٌه ‪ ،‬ومن ٌعبد الشٌطان فهذا‬
‫مجلى للحق ٌعبد فٌه ‪ ...‬وهكذا دوالٌك كل معبود هو مجلى للحق ٌعبد فٌه‪.‬‬
‫‪ - 2‬محمد مصطفى حلمً ‪ ،‬الحٌاة الروحٌة فً االسبلم ‪ ،‬ص ‪.424‬‬

‫‪- 188 -‬‬


‫"إنما بعثت ألتمم مكارم األخالق"‪ .‬فالدٌن ٌحث على البناء األخبلقً السلٌم للفرد و للمجتمع‬
‫اإلسبلمً حتى ال تعم الفوضى والفساد واإلنحرافات وبالتالً تنظٌم المجتمع ككل ‪.‬‬

‫وقد تطرق وأشار ألى هاته النقطة "نيكلسون" أحد المستشرقٌن الى هذه الحقٌقة وبٌن ما‬
‫فٌها من إنحراؾ فقال ‪:‬‬

‫« قد لزـ القكؿ بكحدة الكجكد ‪ ،‬أم القكؿ بأف كؿ كجكد ككا فكر ككؿ عمؿ إنما‬
‫ىك في الحقيقة ﵀‪ ،‬لكازـ لـ يتحرج الصكفيو مف التسميـ بيا ‪ ،‬مف ذلؾ أف العالـ ككؿ ما فيو خير في ذاتو‬
‫بما في ذلؾ ال شرؾ كالمعاصي ألنيا ال تعدكا أف تككف آثا ار كمظاى ار ألفعاؿ ا﵀ كأنيا مف ىذه الناحية مف‬
‫صفات الكماؿ اإلليي ‪ ،‬فيـ يتكرعكف عف القكؿ بأف إبميس نفسو قد سبح ا﵀ بعصيانو ألف ىذا العصياف‬
‫كاف خاضعا لممشيئة اإلليية ‪ ...‬كمف لكازـ مذىبيـ في كحدة الكجكد ‪ ،‬أيضا قكليـ بصحة جميع العقائد‬
‫الدينية "وحدة األديان " عند الحبلج كابف عربي كعمر بف الفارض كجبلؿ الديف الركمي كعبد الكريـ‬
‫الجيمي ‪ ،‬أيا كانت فإف الحؽ كما يقكؿ ابف عربي ال تحصره عقيدة أخرل»‪.1‬‬

‫وٌشٌر كذلك االستاذ "محمد بن الطيب" فً كتابه وحدة الوجود فً التصوؾ اإلسبلمً إلى‬
‫عبلقة الفناء واإلباحة حٌث ٌقول ‪:‬‬

‫« أف نظرية الفناء إقترف بما يكر صفكىا كيذىب ركنقيا كيطفيء بريقيا مف‬
‫تصكرات غالية ال يقبميا المسممكف ‪ ،‬مف ذلؾ القكؿ باإلباحة كاسقاط التكاليؼ كتجاكز األحكاـ الشرعية ‪،‬‬
‫فقد أدعي القكؿ بأف المحظكر مف المحرمات مباح لمف بمغ مقاـ الفناء ‪ ،‬كقيؿ بإطراح الشرائع بدعكل أف‬

‫اع ُب ْد َرَّب َك َحتَّى َيأِْت َي َك ا ْل َي ِق ُ‬


‫‪2‬‬
‫ين﴾‬ ‫﴿و ْ‬
‫مف كصؿ إلى المعبكد سقط عنو الفرض كلـ تمزمو عبادة كأكلت اآلية َ‬
‫‪،‬بأف مف كصؿ إلى مقاـ اليقيف سقطت عنو العبادة»‪.3‬‬

‫فبالتالً كما ٌقول الدكتور "محمود أبو الفيض المنوفي" فً كتابه جمهرة األولٌاء وأعبلم‬
‫أهل التصوؾ أن وحدة الوجود ال تتفق مع اإلسبلم‬

‫‪ - 1‬نٌكلسون ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.499-494‬‬


‫‪ - 2‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة الحجر ‪ ،‬اآلٌة ‪.66‬‬
‫‪ - 3‬محمد بن الطٌب ‪ ،‬وحدة الوجود في التصوف اإلسالمي في ضوء وحدة التصوف وتارخيته ‪ ،‬دار الطلٌعة للطباعة‬
‫والنشر ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬الطبعة األولى ‪9115 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.19‬‬

‫‪- 189 -‬‬


‫« فيي تقكـ عمى فكرة فمسفية باطمة أك عقيدة دينية مضممة مستقاة مف مذىب‬
‫ىندم أك نصراني لكنيا ليست مف اإلسبلـ في شيء»‪.1‬‬

‫وٌشٌر النورسً فً جواب عن سإال وجه له حول أن ابن عربً قال ‪ ":‬إن مخلوقٌة‬
‫الروح عبارة عن إنكشافها " فٌجٌب بقوله ‪:‬‬

‫« إعمـ أف محي الديف بف عربي ال يخدع كلكف ينخدع فيك ميتد كلكف ال‬
‫يككف ىاديا لغيره في كؿ ما كتبو ‪ ،‬فما رآه صدؽ كصكاب كلكف ليس ىك الحقيقة ‪ ،‬نعـ إف الركح مف‬
‫حيث الماىية ىي قانكف أمرم كلكف ألبست كجكدا خارجيا فيي نامكس في الحياة كقانكف ذك كجكد‬
‫خارجي إلى أف الشيخ محي الديف بف عربي قد نظر إلى الركح مف حيث ماىيتيا فحسب ‪ ،‬كيرل األشياء‬
‫خياال حسب مشرب كحدة الكجكد‪ .‬كلما كاف الشيخ قد إنتيج مسمكا مستقبل ككاف صاحب مشرب ميـ كلو‬
‫كشفيات كمشاىدات خارقة فإنو يمجأ بإضطرار تأكيبلت ضعيفة كتكمؼ كتمحؿ ليطبؽ بعض اآليات‬
‫الكريمة حسب مشربو كمشيكداتو ‪ ،‬مما يخدش صراحة اآلية الكريمة كيجرحا فالشيخ ابف عربي لو مقاـ‬
‫خاص لذاتو كىك مف المقبكليف إال أنو بكشفياتو التي ال ضكابط ليا خرؽ الحدكد كتجاكزىا كخالؼ‬
‫جميكر المحققيف العمماء في كثير مف المسائؿ»‪.2‬‬

‫المطلب الثاني ‪:‬موقف النورسي من وحدة الوجود وأضراراها عل المجتمع المعاصر‬

‫الفرع األول ‪ :‬أوال ‪ :‬موقفه من وحدة الوجود‬

‫وٌشٌر النورسً فً كتابه السٌرة الذاتٌة وفً الكلمات إلى " وحدة الوجود " حٌث ٌعتبر أن‬
‫الطرٌق الذي إنتهجوه أدى بهم إلى إعدام الكابنات أو سجنها فٌقول ‪:‬‬

‫« حيث أف أىؿ وحدة الوجود تكىمكا الكائنات عدما ‪ ،‬فقالكا "ال موجود‬
‫إال ىو " ألجؿ الكصؿ إلى اإلطمنئاف كالحضكر القمبي ككذا " أىل الشيود" حيث سجنكا الكائنات في‬
‫سجف النسياف فقالكا "المشيود إال ىو " لمكصكؿ إلى اإلطمئناف القمبي ‪ ،‬بينما القرآف الكريـ يعفكا الكائنات‬
‫بكؿ كضكح عف اإلعداـ كيطمؽ سراحيا مف السجف ‪ ،‬فيذا الطريؽ عمى نيج القرآف ينظر إلى الكائنات‬

‫‪ - 1‬محمود أبو الفٌض المنوفً ‪ ،‬جمهرة األولياء وأعالم أهل التصوف ‪ ، ،‬ص ‪.969‬‬
‫‪ - 2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬ص ‪.29- 29‬‬

‫‪- 190 -‬‬


‫أنيا مسخرة لفاطرىا الجميؿ كخادمة في سبيمو ‪ ،‬كانيا مظاىر لتجميات األسماء الحسنى كأنيا مرايا‬
‫تعكس تمؾ التجميات ‪ ،‬أم أنو يستخدميا بالمعنى الحرفي كيعزليا عف المعنى األسمى مف أف تككف‬
‫خادمة كمسخرة بنفسيا ‪ ،‬كعندىا ينجكا المرء مف الغفمة كيبمغ الحضكر الدائمي عمى نيج القرآف الكريـ ‪،‬‬
‫فيجد إلى الحؽ سبحانو طريقا في كؿ شيء كأف ىذا الطريؽ ال ينظر إلى المكجكدات بالمعنى األسمى ‪،‬‬
‫أم ال ينظر إلييا مسخرة لنفسيا كلذاتيا بؿ يعزليا مف ىذا كيقمدىا كظيفة أنيا مسخرة ﵀ سبحانو‬
‫كتعالى»‪. 1‬‬

‫أما فً كتابه "المثنوي العربي" فتطرق النورسً إلى وحدة الوجود كان عبارة عن جواب‬
‫لسإال وجه له تمحور حول ‪ :‬ما ترى فً وحدة الوجود ؟ فكان رده وجوابه كاآلتً ‪:‬‬

‫« إنو إستغراؽ في التكحيد ‪ ،‬كتكحيد ذكقي ال ينحصر في نظر العقؿ‬


‫كالفكر ‪ ،‬إذ أف شدة اإلستغراؽ في التكحيد بعد تكحيد الربكبية كتكحيد األلكىية ‪ ،‬يفضي إلى كحدة القدرة‬
‫أم ال مؤثر في الككف إال ا﵀ ‪ ،‬ثـ يؤدم ىذا إلى كحدة اإلدارة كىذا يسكؽ إلى " وحدة الشيود" ثـ إلى "‬
‫وحدة الوجود " ‪ ،‬كمف بعدىا رؤية كجكد كاحد ثـ إلى رؤية مكجكد كاحد ‪ ...‬فشطحات عمماء الصكفية‬
‫التي ىي مف قبيا المتشابيات ال تقاـ دليبل عمى ىذا المذىب ‪ ،‬فالذم لـ تتخمص ركحو مف تأثير‬
‫األسباب كلـ تتجرد مف دائرتيا إذا ما تكمـ عف كحدة الكجكد يتجاكز حده‪ .‬كالذيف يتكممكف بو إنما حصركا‬
‫نظرىـ في " واجب الوجود " حص ار بحيث تجرءكا عف الممكنات فأصبحكا ال يركف إال كجكدا كاحدا بؿ‬
‫مكجكدا كاحدا ‪...‬نعـ إف رؤية النتيجة ضمف الدليؿ أم رؤية الصانع الجميؿ ضمف مكجكدات العالـ شيء‬
‫ذكقي كال يمكف بمكغيا إال بإستغراؽ ذكقي ‪ ،‬فإدراؾ حقيقة جرياف التجميات اإلليية في جداكؿ األككاف ‪،‬‬
‫كسرياف فيكضات األليية في ممككتية األشياء ‪ ،‬كرؤية تجمي األسماء كالصفات في مزايا المكجكدات‬
‫‪...‬أف إدراؾ ىذه الحقائؽ أمر ذكقي ‪ ،‬إال أف أصحاب مذىب كحدة الكجكد لضيؽ األلفاظ عبر عف ىذه‬
‫الحقيقة باأللكىية السارية كالحياة السارية في المكجكدات ‪ ،‬كحينما حصر أىؿ الفكر كالعقؿ ىذه الحقائؽ‬
‫الذكقية في مقاييس فكرية كعقمية جعمكىا مصدر كثير مف األكىاـ كاألفكار الباطمة»‪.2‬‬

‫‪ - 1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬السٌرة الذاتٌة ‪ ،‬ص ‪ .451‬أنظر الكلمات أٌضا ‪ ،‬ص ص ‪.234-225‬‬
‫‪ - 2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً‪ ،‬المثنوي العربي النوري ‪ ،‬تحقٌق‪ :‬إحسان قاسم الصالحً ‪ ،‬دار سوزلر للنشر والتوزٌع‬
‫‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬الطبعة األولى ‪4662 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.199‬‬

‫‪- 191 -‬‬


‫ثانيا ‪:‬فروقات مذهب "وحدة الوجود " بين الفالسفة الماديين واألولياء حسب النورسي‬

‫ٌبٌن النورسً أن هناك عدة فروقات بٌن الفبلسفة المادٌٌن ومن انتهج منهجهم وبٌن ما لدى‬
‫األولٌاء من مذهب وحدة الوجود وذكر هذه الفروقات حٌث قال ‪:‬‬

‫إن ما لدى الفبلسفة المادٌٌن ومن وهنت عقٌدتهم من المفكرٌن من مذهب وحدة الوجود وما‬
‫لدى األولٌاء بون ساشع وفروق كثٌرة بل إنهما متضادان ونقٌضان فهناك خمسة فروق‬

‫« إف عمماء الصكفية قد حصركا نظرىـ في "كاجب الكجكد" كاستغرقكا في‬


‫التأمؿ فيو بكؿ قكاىـ حتى أنكركا كجكد الكائنات كلـ يعكدكا يركف في الكجكد إال ىك ‪ ،‬أما اآلخركف‬
‫الفبلسفة الماديكف كضعفاء اإليماف فقد صرفكا كؿ تفكيرىـ كنظرىـ في المادة حتى إبتعدكا عف إدراؾ‬
‫األلكىية ‪ ،‬بؿ أكلكا المادة أىمية عظيمة حتى جعمتيـ ال يركف مف الكجكد إال المادة بؿ تمادكا في‬
‫الضبللة بحيث مزجكا األلكىية في المادة بؿ إستغنكا عنيا لشدة حصرىـ النظر في الكائنات ‪ ،‬إف ما لدل‬
‫الصكفية مف كحدة كجكد تتضمف كحدة شيكد في حيف ما لدل الفبلسفة يتضمف كحدة المكجكد‪ ،‬أف مسمؾ‬
‫األكلياء مسمؾ ذكقي بينما مسمؾ اآلخريف مسمؾ عقمي‪ ،‬يحصر األكلياء نظرىـ في الحؽ تعالى ثـ‬
‫ينظركف نظ ار تبعيا ثانكيا إلى المخمكقات ‪ ،‬بينما اآلخركف يحصركف نظرىـ أكال بالذات في المخمكقات إف‬
‫األكلياء عباد ا﵀ كحبكه ‪ ،‬بينما الفبلسفة يعبدكف أنفسيـ كىكاىـ فأيف الثرل مف الثريا كأيف الضياءالساطع‬
‫مف الظممة الدامسة»‪.1‬‬

‫ثم ٌشٌر إلى أن مشرب وحدة الشهود هو الصحو والسكر أما وحدة الوجود الفناء والسكر‬

‫« أىؿ كحدة الشيكد ىك الصحك كالتمييز كاإلنتباه بينما مشرب أىؿ كحدة‬
‫الكجكد ىك الفناء كالسكر كالمشرب الصافي ىك مشرب الصحك كالتمييز فيقكؿ ‪ ":‬تفكركا في آالء ا﵀ كال‬
‫تفكركا في ذاتو فإنكـ لف تقدركا »‪.2‬‬

‫‪ - 1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المثنوي العربً‪ ،‬ص ‪199‬‬


‫‪ - 2‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪..191‬‬

‫‪- 192 -‬‬


‫الفراع الثاني ‪ :‬تشخيص أضراراها عل المجتمع حسب النورسي‬
‫ٌتبٌن من خبلل موقؾ النورسً حول مذهب "وحدة الوجود" وبطبلنها وبالتالً فهً‬
‫مصدر لكثٌر من األوهام واألفكار الباطلة ‪ ،‬وقد شخص لنا "النورسً" األضرار التً‬
‫تنعكس على تلقٌن هذا المذهب فً الوقت الحاضر ومدى أضراره البالؽة حٌث حصرها فً‬
‫ثبلث مضار مهمة حٌق ٌقول فً كتابه اللمعات فً اللمهة الثامنة والعشرون ٌقول‬
‫"النورسي" إن تلقٌن مسؤلة وحدة الوجود فً الوقت الحاضر للناس ٌضرهم ضررا بالؽا‬
‫‪ ،‬تتمثل فً ثبلث مضار مهمة‪:‬‬

‫« إف مشرب كحدة الكجكد مع أنو في حكـ إنكار كجكد الكائنات إزاء كجكد‬
‫ا﵀ سبحانو كتعالى ‪ ،‬إال أنو كمما دخؿ بيف العكاـ يمضي بيـ إلى أف يصؿ في فكر الغافميف منيـ‬
‫كالسيما المكلكثيف بالماديات إلى إنكار األلكىية إزاء الككف كالماديات‪ -9.‬إف مشرب كحدة الكجكد يرد ردا‬
‫شديدا ربكبية ما سكل ا﵀ تعالى ‪ ،‬حتى أنو ينكر ما سكاه تعالى كيرفع الثنائية ‪ ،‬فبل يرل كجكدا مستقبل‬
‫لمنفس اآلمارة كال ألم شيء كاف ‪ ،‬كلكف في ىذا الزماف الذم إستكلت فيو مفاىيـ الطبيعة كتفرعنت‬
‫نفكس أمارة كبخاصة مف لو إستعداد ليتخذ نفسو معبكده مف دكف ا﵀ ‪ ،‬كنفخ الغركر ك األنانية أكداجو ‪،‬‬
‫فضبل عف نسياف الخالؽ كاآلخرة إل ى حد ما ‪ ،‬فتمقيف ىؤالء بكحدة الكجكد يطغي نفكسيـ حتى ال يسعيا‬
‫شيء كالعياذ با﵀ ‪ -3‬أنو يكرث أفكار كتصكرات ال تميؽ بكجكب كجكد الذات الجميمة ‪ ،‬المنزىة المبرأة‬
‫المتعالية المقدسة عف التغير كالتبدؿ كالتجزؤ كالتحيز كال تبلئـ تنزىو كتقدسو سبحانو فيككف بذلؾ سببا‬
‫ل تمقينات باطمة ‪ ،‬كمف يتكمـ عف كحدة الكجكد عميو أف يعرج فك ار مف الثرل إلى الثريا تاركا الكائنات‬
‫كراءه ظيريا محدقا بنظره إلى العرش األعمى ‪ ،‬عادا الكائنات معدكمة في حالة اإلستغراؽ ‪ ،‬فيمكنو أف‬
‫يرل بقكة اإليماف أف كؿ شيء مف الكاحد األحد»‪.1‬‬

‫‪ - 1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬ص ‪.411- 419‬‬

‫‪- 193 -‬‬


‫المطلب الثالث ‪ :‬المعرفة وحقيقتها ومراتبها عند النورسي‬

‫الفرع األول ‪:‬معرفة هللا وحقيقتها عند النورسي ‪:‬‬

‫ٌعتبر النورسً أن معرفة هللا المستنبطة بدالبل علم الكبلم لٌست هً المعرفة الكاملة ‪ ،‬وال‬
‫تورث اإلطمبنان القلبً فً حٌن أن تلك المعرفة متى ما كانت على نهج القرآن الكرٌم‬
‫المعجز ت صبح معرفة تامة وتكسب اإلطمبنان الكامل فً القلب‪ .‬كما ٌشٌر إلى أن ‪:‬‬

‫« أف معرفة الرازم التي إستاقيا مف عمـ الكبلـ كانت تبدك ناقصة كقاصرة‬
‫في نظر إبف عربي ‪ ،‬فإف المعرفة عف طريؽ التصكؼ أيضا ناقصة كمبتكرة بالنسبة نفسيا أماـ المعرفة‬
‫الت ي إستاقاىا كرثة األنبياء مف القرآف الكريـ ‪،‬ذلؾ ألف ابف عربي يقكؿ ‪":‬ال مكجكد إال ىك " ألجؿ‬
‫الحصكؿ عمى الحضكر القمبي الدائـ أماـ ا﵀ حتى كصؿ بع األمر إلى إنكار كجكد الكائنات ‪ ،.‬أما‬
‫اآلخركف فؤلجؿ الحصكؿ عمى الحضكر القمبي أيضا قالك ‪ ":‬ال مشيكد إال ىك" كألقكا ستار النسياف‬
‫المطمؽ عمى الكائنات»‪.1‬‬

‫بٌنما المعرفة المستقاة من القرآن الكرٌم تمنح الحضور القلبً الدابم فضبل عن أنها ال‬
‫تقضً على الكابنات بالعدم وال تسجنها فً سجن النسٌان المطلق ‪ ،‬بل تنقذها من اإلهمال‬
‫والعبثٌة وتستخدمها فً سبٌل هللا سبحانه وتعالى ‪ ،‬جاعلة من كل شًء مرآة تعكس المعرفة‬
‫اإللهٌة وتفتح فً كل شًء نافذة إلى المعرفة اإللهٌة ‪.‬كما ٌرى أن من ٌستلهمون نهجهم من‬
‫القرآن الكرٌم ذلك المنهج األقوم والذٌن ٌسلكون نهج علماء الكبلم‬

‫« فاإليماف ال يحصؿ عف طريؽ العمـ كحده ‪ ،‬إذ ىناؾ لطائؼ كثيرة في‬
‫اإلنساف ليا حظيا مف اإليماف فكما أف األكؿ إذا ما دخؿ المعدة ينقسـ كيتكزع إلى مختمؼ العركؽ حسب‬
‫كؿ عضك مف األعضاء ‪ ،‬كذلؾ المسائؿ اإليمانية اآلتية عف طريؽ العمـ إذا ما دخمت معدة العقؿ كالفيـ‬
‫‪ ،‬فإف كؿ لطيفة مف لطائؼ الجسـ كالركح كالقمب كالسر كالنفس ك أمثاليا تأخذ منيا كتمصيا حسب‬

‫‪ - 1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪. 192.191‬‬

‫‪- 194 -‬‬


‫درجاتيا ‪ ،‬فإف فقدت لطيفة مف المطائؼ غذائيا المناسب فالمعرفة إذف ناقصة كمبتكرة ‪ ،‬كتظؿ تمؾ‬
‫المطيفة محركمة منو»‪.1‬‬

‫من خبلل هذا ٌتبٌن لنا أن المعرفة عند النورسً كانت مستقاة من القرآن الكرٌم وهو‬
‫المنهج القوٌم لهذه المعرفة والتً بدورها توصل إلى الحقابق اإلٌمانٌة لكن هاته المعرفة‬
‫تمثلت فٌماٌلً ‪:‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬حقيقة معرفة هللا وأداة هذه المعرفة‬

‫ٌعتبر "النورسً" أن أداة المعرفة لحقٌقة معرفة هللا تتمثل فً الروح والقلب ‪ ،‬وأن هذه‬
‫األداة هً مستقاة من مرشده القرآن الكرٌم وبالتالً أستقابه هاته األداة كان من استرشاده‬
‫من القرآن الكرٌم الذي ٌعتبر المصدر لدى النورسً للوصول الى هاته الحقٌقة وهً‬
‫معرفة هللا ‪ ،‬حٌث أنه سلك إلى حقابقه عن طرٌق روحه وقلبه ولعل قوله ٌبثبت وٌبٌن ذلك‬

‫« إف األستاذ الحقيقي إنما ىك القرآف ليس إال ‪ ،‬كاف تكحيد القبمة إنما يككف‬
‫القدسي‪ ،‬بالسمكؾ بركحو كقمبو عمى أغرب كجو‬
‫ِ‬ ‫باستأذية القرآف فقط ‪ ،‬فشرع بإرشاد مف ذلؾ األستاذ‬
‫كاضطرتو نفسو األمارة بشكككيا كشبياتيا الى المجاىدة المعنكية كالعممية »‪. 2‬‬

‫كما وضح أنه ما كتبه فً المثنوي العربً لم ٌكن إال تعبٌرا عن ذوقه وشهوده حٌث قال ‪:‬‬

‫« فما كتبت إال ما شاىدت ‪ ..‬بحيث لـ يبؽ لنقيضو عندم إمكاف كىمي‬
‫‪..‬فأشير بعضا إلى حقيقة طكيمة مع دليميا بقيد أك صفة إندمج دليؿ الحكـ فييما يعرؼ بالدقة كما‬
‫صرحت ليحس بالمراـ مف إحتياج كال يشتغؿ مف لـ يحتج فيحتاج»‪. 3‬‬

‫ألن ذلك المإلؾ المثنوي العربً حسب النورسً وهذا ما صرح به بقوله ‪:‬‬

‫‪ - 1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص‪.193‬‬


‫‪ - 2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المثنوي العربً النوري ‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫‪ - 3‬نفس المصدر‪ ،‬ص ‪.411‬‬

‫‪- 195 -‬‬


‫« إف ىذه الرسالة نكع تفسير شيكدم لبعض اآليات القرآنية كما فييا مف‬

‫المسائؿ»‪.1‬‬

‫كما ٌتطرق إلى القلب بقوله ‪:‬‬


‫« كالقمب مرآة األحد الصمد‪ ،‬لكف لو شعكر إحساس بما تجمى فيو‪ ،‬كعبلقة‬
‫مفتكنية بما تمثؿ فيو‪ ،‬خبلفا لسائر المرايا‪ ،‬كما بينو اإلماـ الرباني رضي ا﵀ عنو ‪ ،‬كبيذه الخاصية‬
‫يستعد القمب لسعادات ال تعد»‪.2‬‬
‫بٌنما ٌشٌر إلى أن من إعتمد على العقل كان معرضا لؤلوهام واألفكار الباطلة‬

‫« كحينما حصر أىؿ الفكر كالعقؿ ىذه الحقائؽ الذكقية في مقاييس فكرية‬
‫عقمية جعمكىا مصدر كثير مف األكىاـ ك األفكار الباطمة»‪.3‬‬

‫وبالتالً فهو ٌرى من خبلل ما قال أن هذا ؼٌر مقبول أن ٌخوض العقل والفكر فً الحقابق‬
‫الصوفٌة الذوقٌة بمقاٌسهما المجردة ‪ ،‬النها جعلته مصدر ٌبتعد عن الحقٌقة وبالتالً فهً‬
‫باطلة ومصدر الكثٌر من األوهام‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى ٌعتبر "النورسً" أن مجرد النظر فً الكتب الفلسفٌة والمداومة علٌها‬
‫ٌورث العقل بعض األسقام ‪ ،‬وبالتالً عند المطلعة ٌجب تصفٌة العقل من شواببها حٌث‬
‫ٌقول ‪:‬‬

‫« كاف سعيد القديـ قبؿ حكالي خمسيف سنة لزيادة إشتغالو بالعمكـ العقمية‬
‫كالفمسفية يتحرل مسمكا كمدخبل لمكصكؿ إلى حقيقة الحقائؽ داخبل في عداد الجامعيف بيف الطريقة‬
‫كالحقيقة ككاف ال يقنع كال يكتفي بالحركة القمبية كحدىا كأكثر أىؿ الطريقة ‪ ،‬بؿ جيد كؿ الجيد أكال‬
‫إلنقاذ عقمو كفكره مف بعض األسقاـ التي أكرثتيا إياىا مداكمة النظر في كتب الفبلسفة" كقكلو‪" :‬قد‬

‫‪ - 1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المثنوي العربً النوري ‪ ،‬ص ‪.91‬‬


‫‪ - 2‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.965‬‬
‫‪ - 3‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.199‬‬

‫‪- 196 -‬‬


‫شاىدت إزدياد العمـ الفمسفي في إزدياد المرض‪ ،‬كما رأيت إزدياد المرض في إزدياد العمـ العقمي‪،‬‬
‫فاألمراض المعنكية تكصؿ إلى عمكـ عقمية‪ ،‬كما أف العمكـ العقمية تكلد أمراضا قمبية»‪. 1‬‬

‫ثم أراد بعد أن تخلص من هذه األسقام أن ٌقتدي ببعض عظماء أهل الحقٌقة المتوجهٌن‬
‫إالى الحقٌقة بالعقل والقلب ‪ ،‬فرأى أن لكل من أولبك العظماء خاصٌة جاذبة خاصة به‬
‫فحار فً ترجٌح بعضهم على بعض وٌظهر بهذا جلٌِا تجانس مشربه مع مشرب اإلمام‬
‫الؽزالً واإلمام الربانً وجبل ل الدٌن الرومً هذا المسلك الذي ٌختلؾ عن ما قام به أهل‬
‫اإلستؽراق فً ؼض األبصار بل كما فعله هإالء العلماء ‪.‬‬

‫« مف فتح أبصار القمب كالركح كالعقؿ فسار فييا أم في المقامات كرأل ما‬
‫فييا بتمؾ األبصار كميا ‪ ،‬فحمدا ﵀ عمى أف كفؽ في الجمع بيف الطريقة كالحقيقة بفيض القرآف كارشاده‬
‫حتى بيف رسائؿ النكر التي ألفيا سعيد الجديد عمى أنيا حقيقة»‪.2‬‬

‫وما ٌمكن الوصل إلٌه واستنتاجه أن " النورسً " ٌبٌن أن أداة المعرفة لدٌه قابمة أصبل‬
‫على الروح والقلب‪ ،‬بٌنما نجد العقل فإنه ٌصلح أن ٌكون مبتدأ الطرٌق ثم ال بد له من‬
‫الخضوع لسلطان الروح‪.‬‬

‫الفرع الثالث ‪ :‬مراتب المعرفة عند النورسي‬

‫إن المعرفة ال تقوم على نوع واحد فقد تتضمن عدة مراتب عند أهل الطرٌقة الصوفٌة‬
‫وعند العلماء المتوجهٌن إلى الحقٌقة ‪ ،‬كون هذه المعرفة لها مراتب بإعتبار أن أولى هذه‬
‫المراتب الخاصة بمعرف ة هللا تعالى الذوقٌة والتً تتجلى وتتمثل فً التوحٌد الحضوري‬
‫الشهودي‪.‬‬

‫ولعل النورسً لم ٌؽفل على هذا الجانب بإعتباره أن للتوحٌد أهمٌة كبرى فً المعرفة‬
‫اإللهٌة حٌث ٌخلص "النورسً" إلى وجود نوعٌن من التوحٌد ‪ ،‬ومنه فالتوحٌد عنده هو‬
‫توحٌدان أي التوحٌد نوعٌن ‪:‬‬

‫‪ - 1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً‪ ،‬المثنوي العربً النوري ‪ ،‬ص ‪.96‬‬


‫‪ - 2‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.94‬‬

‫‪- 197 -‬‬


‫« أوليما توحيد عامي ‪ :‬يقكؿ "ال شريؾ لو ‪ ،‬ليس ىذه الكائنات لغيره ‪ ،‬كما‬
‫يمكف تداخؿ الغفبلت بؿ الضبلالت في أفكار صاحبو ‪ ،‬ثانييما ‪ :‬توحيد حقيقي يقكؿ ‪":‬ىك ا﵀ كحده لو‬
‫الممؾ‪ ،‬كلو الككف‪ ،‬لو كؿ شيء فيرل سكتو عمى كؿ شيء كيق أر خاتمو عمى كؿ شيء ‪ ،‬فيثبتو لو إثباتا‬
‫‪1‬‬
‫حضكريا‪ ،‬كال يمكف تداخؿ الضبللة كاألكىاـ في ىذا التكحيد»‬

‫كما ٌقول فً كتابه الكلمات ‪:‬‬

‫« أف التكحيد الحقيقي ىك اإليماف بيقيف أقرب ما يككف إلى الشيكد‪ ،‬بكحدانيتو‬


‫سبحانو‪ ،‬كبصدكر كؿ شئ مف يد قدرتو‪ ،‬كبأنو ال شريؾ لو في ألكىيتو‪ ،‬كال معيف لو في ربكبيتو‪ ،‬كال ند‬
‫لو في ممكو‪ ،‬إيمانا ييب لصاحبو اإلطمئناف الدائـ كسكينة القمب‪ ،‬لرؤيتو آية قدرتو كختـ ربكبيتو كنقش‬
‫قممو‪ ،‬عمى كؿ شئ‪ .‬فينفتح شباؾ نافذ مف كؿ شئ إلى نكره سبحانو»‪.2‬‬

‫وفً هذا التوحٌد تزول ‪:‬‬

‫« ظممات الجيات الستة‪ ،‬كتتنكر الجيات اآلفاقية كاألنفسية الستة ‪ ،‬كتظير‬


‫األضكاء الثبلثة ‪ ،‬المنعكسة مف شمس معرفة سمطاف األزؿ»‪. 3‬‬

‫ٌشٌر إلى ضوء المصباح وضوء الزجاجة وضوء المشكاة‪ ،‬المذكورة فً سورة النور اآلٌة‬

‫اج ُة َكأ ََّن َيا َك ْو َك ٌ‬


‫ب‬ ‫اج ٍة ُّ‬
‫الز َج َ‬ ‫اح في ُز َج َ‬
‫اة ِفييا ِمصباح ا ْل ِمصب ِ‬
‫َْ ُ‬ ‫َ َْ ٌ‬
‫ش َك ٍ‬
‫ورِه َك ِم ْ‬ ‫ض َمثَ ُل ُن ِ‬ ‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫السماو ِ‬
‫ور َّ َ َ‬ ‫َّ‬
‫﴿ الم ُو ُن ُ‬
‫ور َعمَى‬ ‫ِ‬ ‫شْرِق َّي ٍة َوَال َغْرِب َّي ٍة َي َك ُ‬
‫ش َجَرٍة ُم َب َارَك ٍة َزْيتُوَن ٍة َال َ‬
‫ي ُيوقَ ُد ِم ْن َ‬
‫س ُو َن ٌار نُ ٌ‬ ‫سْ‬‫يء َولَ ْو لَ ْم تَ ْم َ‬
‫اد َزْيتُ َيا ُيض ُ‬ ‫ُدِّر ٌّ‬
‫اس والمَّوُ ِب ُك ِّل َ ٍ ِ‬ ‫ض ِرب المَّوُ ْاألَمثَ َ ِ‬ ‫ور َي ْي ِدي المَّوُ لِ ُن ِ‬
‫ال ل َّمن ِ َ‬ ‫ورِه َم ْن َي َ‬ ‫ُن ٍ‬
‫‪4‬‬
‫يم ﴾‬‫ش ْيء َعم ٌ‬ ‫ْ‬ ‫اء َوَي ْ ُ‬ ‫ش ُ‬

‫« فإذا تحقؽ بيذا التكحيد الشيكدم‪ ،‬كىك مف المشارب الصكفية الميمة‬


‫إنحصر نظره في كجكد "كاجب الكجكد" كرأل المكجكدات كميا ظبلال باىتة كزيؼ ككىـ ال تستحؽ إطبلؽ‬
‫صفة الكجكد عمييا حياؿ كاجب الكجكد لذا فإف أىؿ ىذا المشرب يذىبكف إلى إعتبار المكجكدات خياال‬

‫‪ - 1‬سعٌد النورسً ‪ ،‬المثنوي العربً النوري ‪ ،‬ص ‪.11‬‬


‫‪ - 2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬الكلمات ‪ ،‬ص ‪.932‬‬
‫‪ - 3‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المثنوي العربً النوري ‪ ،‬ص ‪.492‬‬
‫‪ -4‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة النور ‪ ،‬األٌة ‪.92‬‬

‫‪- 198 -‬‬


‫ككىما ‪ ،‬كيتصكركنيا عدما في مرتبة ترؾ ما سكاه أم "ترؾ ما سكل ا﵀ تعالى " ‪ ،‬حتى أنيـ يتطرفكف‬
‫كيذىبكف إلى حد إعتبار المكجكدات مراي ا خيالية لتجميات األسماء الحسنى‪.‬إف أىـ حقيقة يحتكييا ىذا‬
‫المشرب ىي أف المكجكدات الممكنة "الممكنات كالمخمكقات" تصغر كتتضاءؿ عند أصحابيا مف كبار‬
‫أم‬ ‫األكلياء الذيف كصمكا إلى مرتبة حؽ اليقيف بقكة إيمانيـ بحيث تنزؿ عندىـ إلى درجة العدـ كالكىـ‬
‫أنيـ ينكركف كجكد الككف بجانب كجكد ا﵀ الذم ىك كاجب الكجكد »‪.1‬‬

‫هذا المشرب ٌصلح حسب "النورسً" للمتجردٌن من الحٌاة المادٌة وهم أهل الخواص‬

‫« ألخص الخكاص عند حاالت اإلستغراؽ المطمؽ‪ ،‬كلممتجرديف مف األسباب‬


‫المادية كمف الذيف قد قطعكا عبلئقيـ بما سكل ا﵀ مف الممكنات كاألشياء فإذا أفاؽ مف عالـ إستغراقو‬
‫كنشكتو‪ ،‬أثبت األشياء المخمكقة بإثبات األزؿ ‪ ,‬كليس بإعتبار كجكداتيا اإلستقبللية »‪. 2‬‬

‫وٌبٌن هذا من خبلل قوله ‪:‬‬

‫« كبسر أف في إسناد كؿ األشياء إلى الكاحد ال يككف اإليجاد مف العدـ المطمؽ‬


‫بؿ يككف اإليجاد عيف نقؿ المكجكد العممي إلى الكجكد الخارجي»‪.3‬‬

‫وٌقول فً اللمعة السادسة من المثنوي العربً النوري ‪:‬‬

‫« ختـ أقطار السمكات كاألرض بخاتـ الكاحدية‪ ،‬كضرب عمى مجمكع العالـ‬
‫سكة األحدية بصكرة جمية كاضحة »‪.4‬‬

‫« ىك الشمس األزلي الذم ىذه الكائنات ظبلؿ أنكاره كتجميات أسمائو كآثار‬
‫أفعالو‪ ,‬بإتفاؽ أىؿ الشيكد ‪ ،‬ىك الحاكـ األزلي الذم نظـ الكائنات بقكانيف سنتو كدساتير قضائو كقدره‬

‫‪ - 1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.246‬‬


‫‪ - 2‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.251‬‬
‫‪ - 3‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المثنوي العربً النوري ‪ ،‬ص ‪.419‬‬
‫‪ - 4‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.12‬‬

‫‪- 199 -‬‬


‫كنكاميس مشيئتو كحكمتو ‪ ،‬كجمكات عنايتو كرحمتو كتجميات أسمائو كصفاتو ‪ ،‬كما القكانيف كالنكاميس إال‬
‫أسماء لتجمي مجمكع العمـ كاالمر كاإلرادة عمى األنكاع »‪.1‬‬

‫التوحٌد الخالص حسب النورسً هو ما جاء فً سورة اإلخبلص بٌنما توحٌد الصوفٌة‬
‫بعٌد كل البعد عن التوحٌد الخالص حٌث أن ‪:‬‬

‫« تكحيد الصكفيو الذم كصفو كحدة الكجكد المكحدة ﵀ تكحيدا خالصا ىي‬
‫بعيدة كؿ البعد عف التكحيد الذم جاء في سكرة اإلخبلص ‪ ،‬ألف التكحيد الخالص عندىـ يعني أف الكجكد‬
‫الحؽ ﵀ كحده ‪ ،‬أما كجكد الككف فميس بشيء كال يعتبر كجكدا كىك عند الصكفية كجكد متبلش في كجكد‬
‫ا﵀ ‪ ،‬كال شؾ أف ىذا إنكار لكاقع مقرر كمشاىد ال ينكره إال معاند أك جاىؿ»‪.2‬‬

‫بٌنما على سبٌل المثال ال الحصر نجد أن الجنٌد ٌضع التوحٌد مرتبة وفق درجات كما‬
‫أشار إلٌها األستاذ محمد بن الطيب حٌث ٌقول ‪ :‬وقد رتب الجنٌد التوحٌد درجات ‪:‬‬

‫«األكلى ‪ :‬تكحيد العكاـ ‪ ،‬كىك إقرار بالكحدانية ‪ ،‬كانكار لؤلرباب كاألنداد مع‬
‫السككف إلى الرغبة كالرىبة المتعمقيف بما سكل ا﵀ ك تكحيد أىؿ الظاىر ‪ ،‬كىك اإلقرار بالكحدانية كانكار‬
‫األرباب كاألنداد مع إقامة األمر كاإلنتياء عمى النيي في الظاىر كالسككف إلى الرغبة كالرىبة ك تكحيد‬
‫الخكاص كىك عمى كجييف األكؿ ىك اإلقرار بالكحدانية عمى الكجو السابؽ مع إقامة أكامر الشريعة في‬
‫الظاىر كالباطف كازالة الرغبة كالرىبة المتعمقيف بما سكل ا﵀‪ ،‬ك الثاني ىك كصؿ العبد إلى حاؿ يككف‬
‫فييا شبحا بيف يدم ا﵀ سبحانو تجرم عميو تصاريؼ تدبيره في مجارم أحكاـ قدرتو في لجج بحار‬
‫تكحيده بالفناء عف نفسو كعف دعكل الخمؽ لو كعف إستجابة لو بحقائؽ كجكده ككحدانيتو في حقيقة قربو‬
‫بذىاب حسو كحركتو لقياـ الحؽ لو سبحانو فيما أراد منو ‪ ،‬كىك أف يرجع العبد إلى أكلو فيككف كما كاف‬
‫قبؿ أف يككف»‪.3‬‬

‫‪ - 1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المثنوي العربً النوري ‪ ،‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.495‬‬
‫‪ - 2‬محمد شلبً شتٌوي ‪ ،‬المرجع السابق ‪.992 ،‬‬
‫‪ - 3‬محمد بن الطٌب ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.21‬أنظر أٌضا ‪ :‬القشٌري ‪ ،‬المرجع السابق ص ‪.911-966‬‬

‫‪- 200 -‬‬


‫وٌقول ابو العال عفيفي أن التوحٌد الذي ٌسعى إلٌه الجنٌد هو الذي ٌصل إلٌه السالك فً‬
‫نهاٌة الطرٌق ‪ ،‬بعد أن ٌكون قد قطع جمٌع مراحله‬

‫« كىك تكحيد ينبعث مف قرار تجربة صكفية خالصة إنو تكحيد ىك الفناء بعينو‬
‫‪1‬‬
‫حيث تغيب شخصية المكحد في الكحدة الشاممة التي يغيب فييا الكعي بالتمايز بيف "األنا" ك"اليك»‬

‫فلم ٌعد التوحٌد عنده كبلما وإنما أصبح تجربة روحٌة معٌشة وحالة وجدانٌة متحققة‪.‬‬

‫« فتكحيد الخاصة ليس كبلما منطكقا عمى المساف كاعتقادا مستكنا في‬
‫‪2‬‬
‫الضمير كأنما ىك تجربة تعاش كحاؿ يذاؽ »‪.‬‬

‫فقد سبل الجنٌد عن التوحٌد فقال ‪:‬‬

‫« معنى تضمحؿ فيو الرسكـ ‪ ،‬كتندرج العمكـ ‪ ،‬كيككف ا﵀ كما لـ يزؿ»‪، 3‬‬

‫إنه العودة إلى ما قبل الخلق أي األزل الذي ال بداٌة له والذي ٌعنً أبعد نقطة فً الماضً‬
‫أو كما هو ٌقول فً عبارة أخرى ‪:‬‬

‫« الخركج مف ضيؽ الرسكـ الزمانية إلى سعة فناء السرمدية»‪،4‬‬

‫أو كما نقول فً عبارتنا المعاصرة ‪:‬‬


‫« ىك الخركج مف عالـ الزماف كالمكاف كالدخكؿ في المطمؽ »‪.5‬‬

‫‪ - 1‬أبو العبل عفٌفً ‪ ،‬التصوؾ التورة الروحٌة فً اإلسبلم ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.449‬‬
‫‪ -2‬محمد بن الطٌب ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.24‬‬
‫‪ - 3‬القشٌري ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.966‬‬
‫‪ - 4‬السراج ‪ ،‬اللمع ‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪ - 5‬نهاد خٌاطة ‪ ،‬توحيد الصوفية ‪ ،‬مجلة الموقؾ األدبً ‪ ،‬العدد ‪ ،441-436‬ماي‪ -‬جوان ‪ -‬جوٌلٌة ‪ ،‬إتحاد الكتاب العرب‬
‫‪ ،‬دمشق‪4652 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.93‬‬

‫‪- 201 -‬‬


‫وبالتالً الجنٌد وما ٌقوله عن التوحٌد الصوفً لٌس بمعنى الفناء فً هللا وال فً قوله إنه‬
‫معنى ٌنكشؾ للنفس عن طرٌق صلتها باهلل فً تجربة روحٌة ؼامرة وإنما هو فً رجوعه‬
‫بالتوحٌد الصوفً إلى جبلة النفس اإلنسانٌة التً ٌتجلى فً صفحتها معنى التوحٌد بعد أن‬
‫تصقلها الرٌاضٌات والمجاهدات وتتخلص من شوابب البدن وكدوراته ونظرٌته تؤسست‬
‫وإستندت على اآلٌة القرآنٌة المعروفة ب آٌة المٌثاق‬

‫ت ِبَرِّب ُك ْم َقالُوا َبَمى َ‬


‫ش ِي ْد َنا‬ ‫ِ‬ ‫ورِى ْم ُذِّرَّيتَ ُي ْم َوأَ ْ‬ ‫آد َم ِم ْن ُ‬‫﴿ َوِا ْذ أَ َخ َذ َرُّب َك ِم ْن َب ِني َ‬
‫سُ‬‫ش َي َد ُى ْم َعَمى أَنفُس ِي ْم أََل ْ‬ ‫ظ ُي ِ‬
‫ين ﴾‪.1‬‬ ‫ام ِة إِ َّنا ُك َّنا َع ْن َى َذا َغا ِفِم َ‬ ‫ِ‬
‫َن تَقُولُوا َي ْوَم ا ْلق َي َ‬
‫أْ‬
‫فهو ٌرى أن النفوس البشرٌة لها وجود سابق على وجودها المتصل باألبدان ‪،‬‬

‫« أنيا كانت في ىذا الكجكد صافية طاىرة مقدسة عمى إتصاؿ مباشر‬
‫با﵀ ال يحجبيا عنو حجاب ‪ ،‬إذ الحجب كميا كليدة اإلتصاؿ بعالـ المادة كاإلشتغاؿ بشيكات البدف ‪ ،‬كقد‬
‫عبر عف تمؾ الحجب بكممتي " الرغبة كالرىبة" المتصمتيف بما سكل ا﵀ كفي ىذا المقاـ القديـ أقرت‬
‫ت ِبَرِّب ُك ْم " فأجابت بمساف الحاؿ "بمى " فأقرت‬
‫سُ‬‫النفكس اإلنسانية بكحدانية ا﵀ عندما خاطبيا بقكلو ‪" :‬أَلَ ْ‬
‫بالتكحيد اإلليي ألنيا لـ ترل سكل ا﵀ في الكجكد فاعبل مريدا قاد ار كلـ تكف ليا صفات عينية ‪ ،‬ألف‬
‫الصفات العينية تظير في النفكس عند تمبسيا باألجساـ كقد كانت ىناؾ ال جساـ ليا»‪.2‬‬

‫كان لهذه اآلٌة موقع خاص فً إهتمامات المتصوفة فعلى هذه اآلٌة‬

‫« بنى الجنيد نظريتو الجديدة في التكحيد لـ يسبؽ إلييا أحد تشيد بعمؽ تجربتو‬
‫الصكفية كصفائيا»‪.3‬‬

‫كما بٌن النورسً حقٌقة األزلٌة والتعلق بها ومبلحظة المخلوقات الضبللٌة وذلك من خبلل‬
‫ما أسماه التدلً والترقً وال ٌتم هذا إال من خبلل أسلوبً ما أسماه السٌر األنفسً والسٌر‬
‫اآلفاقً للوصول إلى الحقابق ‪.‬وذلك من خبلل قوله ‪:‬‬

‫‪ - 1‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة األعراؾ ‪ ،‬اآلٌة ‪.449 ،‬‬


‫‪ - 2‬محمد بن الطٌب ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.24‬‬
‫‪ - 3‬أبو العبل عفٌفً ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.441- 449‬‬

‫‪- 202 -‬‬


‫« يتدحرج رأسي في آف كاحد مف األكج إلى الحضيض‪ ،‬كمف الحضيض إلى‬
‫األكج ‪ ،‬سمكت طريقا غير مسمكؾ‪ ،‬في برزخ بيف العقؿ كالقمب‪ ،‬كدار عقمي مف دىشة السقكط‬
‫‪1‬‬
‫كالصعكد»‬

‫حٌث ٌبٌن فً ترقٌه بقوله ‪:‬‬

‫« مكممية ىذه اآلثار المشيكدة في ىذه الكائنات ببل قصكر كال فطكر‪ ،‬تشيد‬
‫بالمشاىدة الحد سية عمى مكممية أفعاؿ مستترة خمفيا‪ ...‬كمكممية ىذه األفعاؿ التي ىي كالمشيكدة ‪ ،‬تشيد‬
‫بالبداىة عمى كماؿ أسماء ذلؾ الفاعؿ؛ ككماؿ تمؾ األسماء‪ ،‬يشيد بالضركرة عمى كماؿ الصفات؛ إذ‬
‫األسماء ناشئة مف نسب الصفات‪ ،‬ككماؿ الصفات يكشؼ باليقيف عف كماؿ الشؤكف الذاتية التي ىي‬
‫مبادئ الصفات القدسية‪ ،‬ككماؿ الشؤكف يشيد بحؽ اليقيف عمى كماؿ الذات بما يميؽ بجنابو سبحانو بؿ‬
‫مجمكع ما في الكائنات مف الكماؿ كالجماؿ إنما ىك ظؿ ضعيؼ مفاض بالنسبة إلى كمالو عز كمالو ‪،‬‬
‫كالى جمالو جؿ جمالو»‪.2‬‬

‫قد بٌن أن الترقً والتدلً وذلك من خبلل تقسٌمه السٌر إلى نوعٌن هما السٌر األنفسً‬
‫والسٌر اآلفاقً وهما مشربان ونهجان فً الطرٌقة‬

‫« فالسير األنفسي يبدأ مف النفس كيصرؼ صاحب ىذا السير نظره عف‬
‫الخارج كيحدؽ في القمب مخترقا أنانيتو‪ .‬ثـ ينفذ منيا كيفتح في القمب كمف القمب سبيبل إلى الحقيقة‪..‬‬
‫كمف ىناؾ ينفذ إلى اآلفاؽ الككنية فيجدىا منكرة بنكر قمبو‪ ،‬فيصؿ سريعا إلى أف الحقيقة التي شاىدىا في‬
‫دائرة النفس يراىا بمقياس أكبر في اآلفاؽ‪ ،‬كأغمب طرؽ المجاىدة الخفية يسير كفؽ ىذه السبيؿ‪ ،‬كأىـ‬
‫أسس ىذا السمكؾ ىك كسر شككة األنانية كتحطيميا‪ ،‬كترؾ اليكل كاماتة النفس»‪.3‬‬

‫أما النهج الثانً فٌما ٌخص السٌر اآلفاقً ‪:‬‬

‫‪ - 1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المثنوي العربً النوري ‪ ،‬ص ‪.92‬‬


‫‪ - 2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المثنوي العربً النوري ‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫‪ - 3‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.242‬‬

‫‪- 203 -‬‬


‫« فيبدأ مف اآلفاؽ كيشاىد صاحب ىذا النيج تجميات أسماء ا﵀ الحسنى‬
‫كصفات ِو الجميمة في مظاىر تمؾ الدائرة اآلفاقية الككنية الكاسعة‪ ,‬ثـ ينفذ إلى دائرة النفس فيرل أنكار تمؾ‬
‫التجميات بمقاييس مصغرة في آفاؽ ككنو القمبي‪ ،‬فيفتح في ىذا القمب أقرب طريؽ إليو تعالى‪ ،‬كيشاىد أف‬
‫القمب حقا مرآة الصمد فيصؿ إلى مقصكده كمنتيى أممو »‪.1‬‬

‫وٌبٌن " النورسً" فً وجه آخر من وجوه التدلً والترقً قوله ‪:‬‬

‫« إعمـ أف محبة ما سكاه تعالى عمى كجييف ‪ :‬كجو ينػزؿ مف عمك؛ أم يحب‬
‫ا﵀ فبحبو يحب مف يحبو ا﵀‪ ،‬فيذه المحبة ال تنقص مف محبة ا﵀ بؿ تزيدىا‪ .‬كالكجو الثاني‪ :‬يعرج مف‬
‫سفؿ؛ أم يحب الكسائؿ فيتدرج في محبتيا ليتكسؿ إلى محبة ا﵀‪ ،‬فيذه المحبة تتفرؽ ‪ ،‬كقد تصادؼ‬
‫كسيمة قكية فتقطع عمييا الطريؽ فتيمكيا‪ ،‬كاف كصمت كصمت بنقصاف» ‪. 2‬‬

‫الفرع الرابع ‪ :‬حقيقة معرفة النبي محمد رسول هللا عليه الصالة والسالم ‪:‬‬

‫هو المرآة الصفابٌة لؤلسماء الحسنى‪ ،‬فالمعرفة المحمدٌة وحقٌقتها حسب النورسً حٌث ‪:‬‬

‫« ال يمكف حسف ال نياية لو‪ ،‬ببل طمب ذم الحسف‪ ،‬كمحبتو لمشاىدة محاسف‬
‫جمالو كلطائؼ حسنو في مرآة‪ .‬كببل إرادتو إلشياد أنظار المستحسنيف عميو كاراءتو ليـ بكاسطة ٍ‬
‫عبد‬
‫ٍ‬
‫كرسكؿ يحببو إلى الناس‪ ,‬أم ىك بعبكديتو مرآة لشيكد ذم الجماؿ‪ ،‬جماؿ ربكبيتو ‪،‬‬ ‫حبيب يتحبب إليو‬
‫كبرسالتو مدار إشياده »‪،3‬‬

‫كما ٌشٌر بقوله فً موضع آخر ‪:‬‬

‫« فمحمد رسكؿ ا﵀ كما يتضمف مف اإليماف خمسة أركانو ‪ ،‬كذلؾ ىك مظير‬


‫كمرآة لصفة الربكبية فبيذا السر صار قرينا مكازيا ؿ ال إلو إال ا﵀ في ميزاف اإليماف ‪ ،‬كألف النبكة مظير‬
‫لصفة الربكبية تككف جامعة ككمية ‪ ،‬كالكالية خاصة كجزئية »‪.4‬‬

‫‪ - 1‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.242‬‬


‫‪ - 2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المثنوي العربً النوري ‪ ،‬ص ‪.439‬‬
‫‪ - 3‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫‪ - 4‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.499‬‬

‫‪- 204 -‬‬


‫كما ٌشٌر النورسً إلى أنه عندما ال نسترشد بالنبً علٌه الصبلة والسبلم ونستضًء به‬
‫وبنوره بقوله ‪:‬‬

‫« إذا لـ نستضيء بنكره نرل في الكائنات مأتما عمكميا‪ ،‬كنرل مكجكداتيا‬


‫كاألجانب كاألعداء ال يعرؼ بعضيا بعضا‪ ،‬كنرل جامداتيا جنائز دىاشة‪،‬كنرل حيكانتيا كأناسييا أيتاما‬
‫باكيف بضربات الزكاؿ كالفراؽ‪ ...‬كنرل اإلنساف قد صار بعجزه المزعج كفقره المعجز كعقمو الناقؿ‬
‫ألحزاف الماضي كمخاكؼ المستقبؿ عمى رأس اإلنساف أدنى كأخسر مف جميع الحيكانات‪ .‬فيذه ىي‬
‫ماىية الكائنات عند مف لـ يدخؿ في دائرة نكره فانظر اآلف بنكره‪ ،‬كبمرصاد دينو‪ ،‬كفي دائرة شريعتو‪،‬إلى‬
‫الكائنات كيؼ تراىا؟ انظر قد تبدؿ شكؿ العالـ‪ ،‬فتحكؿ بيت المأتـ العمكمي مسجد الذكر كالفكر كمجمس‬
‫الجذبة كالشكر‪ ...‬كتحكؿ األعداء األجانب مف المكجكدات أحبابا كاخكانا‪ ...‬كتحكؿ ذكك الحياة منيا‪،‬‬
‫األيتاـ الباككف المشتككف‪ ،‬ذاكريف في تسبيحاتيـ شاكريف لترخيصاتيـ عف كظائفيـ »‪.1‬‬

‫الفرع الخامس ‪ :‬حقيقة معرفة الكائنات‬


‫ٌرى "النورسً" أن العارفٌن وحدهم ٌشهدون حسن الكابنات؛ ألنها مراٌا أسماء األزل‪،‬‬
‫بٌنما ٌقول النورسً فً هذا الشؤن وٌقول‪:‬‬

‫« أكثر الغافميف ال يدرؾ حسف الحادثات كال يعرؼ حكمتيا فيشتكي ببلحؽ‬

‫كيعترض جيبل»‪.2‬‬

‫« ككذا إف ما يتممع عمى كجو الكائنات مف الحسف العرضي كالتحسيف‬


‫المشيريف إلى كجكب كجكد مف لو الحسف الذاتي كاإلحساف‪ ،‬كما يرل في الجماؿ الحزيف في خد‬
‫الكائنات المنعكس المرمز إلى كجكب كجكد ذم الجماؿ المجرد ‪ ،‬ما يرل في قمبيا مف العشؽ الصادؽ‬
‫المنادم عمى المحبكب الحقيقي‪ ،‬كما يحس بو في صدرىا مف اإلنجذاب كالجذبة الممكحيف بالحقيقة‬

‫‪ - 1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المثنوي العربً النوري نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.52‬‬
‫‪ - 2‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪11‬‬

‫‪- 205 -‬‬


‫الجاذبة التي تنجذب إلييا األسرار‪ ،‬كما يسمع مف كؿ الكمميف مف شيادتيـ بمشاىدتيـ ككف كؿ األككف‬
‫ضبلؿ أنكار ذات كاحد»‪.1‬‬

‫الفرع السادس ‪ :‬حقيقة معرفة اإلنسان‬

‫إن معرفة اإلنسان فً نظر "النورسً" تعتبر آخر المعارؾ فً منازل التدلً فهو ٌتمٌز‬
‫بوجهٌن األول وجه له قٌمة للخالق والثانً لٌس له قٌمة لزوال الخلق وفناءه فهو ٌرى‪:‬‬

‫« أف اإلنساف في تككينو مزكد بكجييف‪ ،‬كجو ناظر إلى الحؽ سبحانو لو قيمة‬
‫عالية غالية يقكؿ أنؾ صنعة لطيفة كأثر نظيؼ نزيو لمف فطر السمكات كاالرض ‪ ،‬ككجو ناظر إلى‬
‫الخمؽ ال قيمة لو لفنائو كزكالو يقكؿ ‪ :‬أنؾ مجمكع عناصر ترافقت بإتفاقية عمياء كعف قريب تتفرؽ بفراؽ‬
‫اليـ مفارقة صماء»‪.2‬‬

‫كما ٌرى أن اإلنسان ٌعتبر كثمرة فً شجرة الكون حٌث ٌقول فً خطاباته ‪:‬‬

‫« أف اإلنساف الذم ىك أمؿ المصنكعات كأبدعيا كأجمؿ المخمكقات كأجمعيا‬


‫‪ ،‬كىك المظير الجامع كالمدار البارع لتمؾ المحبة كالرغبة ‪ ،‬كلككنو أجمع كأبدع المصنكعات فيك الثمرة‬
‫الشع كرية لشجرة خمقو ‪ ،‬أم ىك ليا كثمرة ذات شعكر ‪...‬فيك ما بيف أجزاء الكائنات جزء أجمع كأبعد مف‬
‫جميع األجزاء ‪ ،‬فمككنو أجمع ك أبعد كذا شعكر ‪ ،‬فمو نظر عاـ كشعكر كمي ‪ ،‬فمككف نظره عاما يرل‬
‫مجمكع شجرة الخمقو ‪ ،‬كلككف شعكره كميا يعرؼ مقاصد الصانع ‪ ،‬فيك المخاطب الخاص لمصانع »‪.3‬‬

‫« انظر إلى اإلنساف في ىذه الكائنات حتى تشاىد بالعياف دائرتيف متقابمتيف‪،‬‬
‫كلكحتيف متناظرتيف ‪ :‬فأما إحدل الدائرتيف ‪ ،‬فدائرة ربكبية محتشمة منتظمة في غاية اإلحتشاـ كاإلنتظاـ‪،‬‬
‫كأما أحد المكحيف فمكح صنعة مصنع مرصع في غاية اإلتقاف كاالتزاف ‪.‬كأما الدائرة األخرل فيي دائرة‬

‫‪ - 1‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.445- 444‬‬


‫‪ - 2‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.969‬‬
‫‪ - 3‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.34- 33‬‬

‫‪- 206 -‬‬


‫عبكدية منكرة مزىرة في غاية اإلنقياد كاإلستقامة‪ .‬كأما المكح اآلخر‪ ،‬فيك لكح تفكر كاستحساف في غاية‬
‫‪1‬‬
‫الكسعة‪ ،‬كصحيفة تشكر كايماف في غاية الجمع»‬

‫وٌقول أٌضا فً موضع آخر ‪:‬‬

‫« فالبشر ثمر ليذه الكائنات فيك المقصكد األظير لخالؽ المكجكدات ‪...‬‬
‫فاإلنساف األصغر في ىذه الكائنات ىك المدار األظير لمنشر كالمحشر في ىذه المكجكدات كالتخريب‬
‫كالتبديؿ كالتحكيؿ كالتجديد ليذه الكائنات»‪.2‬‬

‫الفرع السابع‪ :‬مانع المعرفة عند النورسي ‪:‬‬

‫إن فً نظر النورسً أن المعرفة ٌكون لها مانع ٌحول للوصول إلى الحقابق وقد حصر هذا‬
‫المانع فً ما حدده بوجود النفس حٌث قال ‪:‬‬

‫« إف كجكد النفس عمى في عينيا‪ ،‬بؿ عيف عمييا‪ ،‬كلك بقي مف الكجكد‬
‫مقدار جناح الذباب يصير حجابا يمنع رؤيتيا شمس الحقيقة‪ ,‬فقد شاىدت أف النفس بسبب الكجكد ترل‬
‫عمى صخرة صغيرة في قمعة عظيمة مرصكصة‪ ,‬مف البراىيف القاطعة ضعفا كرخاكة فتنكر كجكد القمعة‬
‫بتماميا فقس مف ىنا درجة جيميا ناشئ مف رؤيتيا لكجكدىا»‪.3‬‬

‫المبحث الثالث ‪ :‬النورسي والطريق الصوفي‬

‫المطلب األول ‪ :‬طريق الوصول إل هللا عند النورسي‬

‫إن طرٌق السلوك هلل فً الطرق الصوفٌة كثٌرة ومتعددة وما تتضمنه من مسالك طوٌلة‬
‫التً تعتمد على اإلجتهادات الذاتٌة التً قد تكون ؼٌر منضبطة بالكتاب والسنة ‪.‬ونظرا‬

‫‪ - 1‬سعٌد النورسً ‪ ،‬المثنوي العربً النوري ‪ ،‬ص ‪.34‬‬


‫‪ - 2‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.413‬‬
‫‪ - 3‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المثنوي العربً ‪ ،‬ص ‪.441‬‬

‫‪- 207 -‬‬


‫لكون النورسً ٌخاطب وسطا مشحونا بؤجواء التصوؾ ‪ ،‬فإنه ٌقدم طرٌقا ومسلكا سلٌما‬
‫وآمنا للسلوك إلى هللا ‪.‬‬

‫ٌشٌر النورسً إلى أنه هناك طرابق كثٌرة وسبل عدٌدة للوصول إلى هللا سبحانه وتعالى ‪،‬‬
‫ومورد جمٌع الطرق الحقة ومنهل السبل الصاببة إنما هو القرآن الكرٌم ‪ ،‬إال أن بعض‬
‫الطرق أقرب من بعض وأسلم وأعم‪ .‬ومن خبلل تؤمله فً القرآن الكرٌم أنه إستفاد من‬
‫فٌض القرآن الكرٌم ٌقدم طرٌقا قصٌرا وآمنا للسلوك إلى هللا وهو بمثابة سبٌبل سوٌا تمثل‬
‫هذا الطرٌق فً طرٌق ‪ :‬العجز و الفقر و الشفقة و التفكر وٌشٌر إلى أن ‪:‬‬

‫« العجز كالعشؽ طريؽ مكصؿ إلى ا﵀ ‪ ،‬بؿ أقرب ك أسمـ إذ يكصؿ إلى‬
‫المحبكبية بطريؽ العبكدية‪ ،‬كالفقر مثمو يكصؿ إلى اسـ "الرحمػػف" ككذلؾ الشفقة كالعشؽ مكصؿ إلى ا﵀‬
‫‪ ،‬إاال أنفذ منو في السير ككاسع منو مدل ‪ ،‬إذ ىك يكصؿ بإسـ ا﵀ "الرحيـ" كالتفكر أيضا كالعشؽ إال أنو‬
‫أغنى منو كأسطع نك ار كأرحب سبيبل إذ ىك يكصؿ السالؾ إلى إسـ ا﵀ الحكيـ»‪.1‬‬

‫وٌشٌر النورسً فً كتابه اللمعات إلى أن ‪:‬‬

‫« التفكر ىك سبب في إحراز اإلخبلص الذم يكسب المرء حضك ار كسكينة‬


‫باإليماف التحقيقي كبالممعات الكاردة عف التفكر اإليماني في المخمكقات كىذا التأمؿ يسكؽ صاحبو إلى‬
‫معرفة الخالؽ سبحانو ‪ ،‬فتنسكب الطمأنينة كالسكينة في القمب ‪ ،‬حقا أف تممع ىذا النكع مف التأمؿ في‬
‫فكر اإلنساف يجعمو يفكر دائما في حضكر الخالؽ الرحيـ سبحانو كرؤيتو لو ‪ ،‬أم أنو حاضر كناظ ار إليو‬
‫دائما فبل يمتفت عندئذ إلى غيره كال يستمد مف سكاه حيث أف النظر كاإللتفات إلى ما سكاه يخؿ بأدب‬
‫الحضكر كسكينة القمب كبيذا ينجكا اإلنساف مف الرياء كيتخمص منو ‪ ،‬فيظفر باإلخبلص بإذف ا﵀ ‪ ،‬كما‬
‫يشير إلى أف في ىذا التأمؿ كالتفكر درجات كثيرة كمراتب عدة ‪ ،‬فحظ كؿ شخص بما يكسبو كربحو ما‬
‫يستفيد منو حسب قابميتو كقدراتو»‪.2‬‬

‫‪ - 1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ص ‪.261‬‬


‫‪ - 2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬ص ‪.914‬‬

‫‪- 208 -‬‬


‫وهذا المسلك أو الطرٌق الذي قدمه النورسً ٌختلؾ عما سلكه أهل السلوك فً طرٌق‬
‫الخفاء ذات الخطوات العشر كاللطابؾ العشر‪ ,‬وفً طرق الجهر ذات الخطوات السبع‬
‫حسب النفوس السبعة على سبٌل المثال ال الحصر ‪.‬‬

‫فهذا الطرٌق عبارة عن أربع خطوات فحسب وٌقول النورسً فٌما ٌخص هذا الطرٌق ‪:‬‬

‫« ىذا الطريؽ ىك حقيقة شرعية أكثر مما ىك طريقة صكفية »‪.1‬‬

‫وٌشٌر النورسً إلى أن قصده بالعجز والفقر والتقصٌر إنما هو إظهار ذلك كله أمام هللا‬
‫تعالى ولٌس أمام الناس ‪.‬‬

‫« أما فيما يخص أكراد ىذا الطريؽ القصير كأذكاره ‪ ،‬فيي محصكرة في ‪:‬‬
‫"اتباع السنة النبكية كالعمؿ بالفرائض ‪ ،‬السيما إقامة الصبلة باعتداؿ األركاف ‪ ،‬كالعمؿ باألذكار عقبيا‬
‫كترؾ الكبائر»‪.2‬‬

‫وفٌما ٌخص منبع هذه الخطوات كان من القرآن الكرٌم من خبلل اآلٌات التً إستند علٌها‬
‫فً ذلك كاآلتً ‪:‬‬

‫‪ -1‬قوله تعالى ‪َ ﴿ :‬ف َال ُت َز ُّكوا أَ ْنفُ َس ُك ْم ﴾‪ 3‬الذي ٌشٌر إلى الخطوة األولى ‪ ،‬وهً تزكٌة‬

‫النفس وطهارتها بعدم تزكٌتها ‪.‬‬


‫سوا َّ َ‬
‫هللا َفأ َ ْن َسا ُه ْم أَ ْنفُ َس ُه ْم ﴾‪ .4‬والذي ٌشٌر إلى‬ ‫‪ -2‬وقوله تعالى ‪َ ﴿ :‬و َال َت ُكو ُنوا َكالَّذِينَ َن ُ‬
‫الخطوة الثانٌة وهـً ‪ :‬تزكٌة النفس بنسٌان النفس فً الحظوظ واألجرة ‪ ،‬والتفكر‬
‫فٌها عند الخدمات والموت ‪.‬‬

‫‪ - 1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.261‬‬


‫‪ - 2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.261‬‬
‫‪ - 3‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة النجم ‪ ،‬اآلٌة ‪.99‬‬
‫‪ - 4‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة الحشر ‪ ،‬اآلٌة ‪.46‬‬

‫‪- 209 -‬‬


‫‪1‬‬
‫صا َب َك مِنْ َس ِّي َئ ٍة َفمِنْ َن ْفسِ َ‬
‫ك﴾‬ ‫صا َب َك مِنْ َح َس َن ٍة َفمِنَ َّ ِ‬
‫هللا َو َما أَ َ‬ ‫‪ -3‬وقوله تعالى ‪َ ﴿ :‬ما أَ َ‬
‫وٌشٌر إلى الخطوة الثالثة ‪ ،‬وهً ‪ :‬تزكٌة النفس بؤن تعلم أن كمالها فً عدم كمالها ‪،‬‬
‫وقدرتها فً عجزها أمام هللا وؼناها فً فقرها إلٌه ‪.‬‬
‫ش ْي ٍء هَالِ ٌك إِ َّال َو ْج َه ُه﴾‪ ، 2‬وٌشٌر إلى الخطوة الرابعة ‪ ،‬وهً‬
‫‪ -4‬وقوله تعالى ‪ُ ﴿ :‬كل ُّ َ‬

‫أن تزكٌة النفس فً معرفة أن عدمها فً وجودها ووجودها فً عدمها وإٌضاح هذه‬
‫الخطوات األربع بإٌجاز شدٌد هو حسب النورسً ‪:‬‬
‫أوال ‪َ ﴿:‬ف َال ُت َز ُّكوا أَ ْنفُ َس ُك ْم ﴾ ‪ ،‬تشٌر اآلٌة الكرٌمة حسب النورسً إلى أن عدم تزكٌة النفس‬

‫‪ ،‬ذلك أل ن اإلنسان حسب جبلته وبمقتضى فطرته محبا لنفسه بالذات ‪ ،‬بل ال ٌحب إال ذاته‬
‫فً المقدمة ‪ ،‬وٌضحً بكل شًء من أجل نفسه ‪ ،‬وٌمدح نفسه مدحا ال ٌلٌق إال بالمعبود‬
‫وحده ‪ ،‬وٌنزه شخصه وٌبريء ساحة نفسه بل ال ٌقبل التقصٌر لنفسه أصبل وٌدافع عنها‬
‫دفاعا قوٌا بما ٌشبه العبادة حتى كؤنه ٌصرؾ ما أودعه هللا فٌه من أجهزة لحمده وتقدٌسه‬
‫﴿م ْن اتَّ َخ َذ إَِل َيوُ َى َواهُ ﴾‪ 3‬أي‪ :‬جعل شهوته هً الموجهة‬
‫إلى نفسه فٌصٌبه وصؾ اآلٌة الكرٌمة َ‬

‫لحركاته وسكناته‪ ،‬واإلنسان ٌتحرك بباعثٌن ولهدفٌن‪ ،‬الباعث مصلحته‪ ،‬أو الباعث طاعة‬
‫ربه‪ ،‬ولهدفٌن‪ ،‬إما إرضاء هللا أو إرواء شهواته‪،‬‬

‫فسلوك اإلنسان له باعثان‪ ،‬وله هدفان حسب ما ٌراه النورسً كاآلتً ‪:‬‬

‫« مصالحو‪ ،‬اليدؼ إركاء شيكاتو ك طاعة ربو‪ ،‬اليدؼ السعادة في الدنيا‬


‫كاآلخرة‪ ،‬إنساف يتخذ ىكاه شيكتو‪ ،‬شيكة النساء‪ ،‬كيؼ يتخذىا إليا مف دكف ا﵀‪ ،‬فيقيـ عبلقة مع امرأة‬
‫خارج نطاؽ الزكجية‪ ،‬خارج نطاؽ المنيج اإلليي‪ ،‬إذا ىذه الشيكة عبدىا مف دكف ا﵀‪ ،‬أم ركاىا بخبلؼ‬
‫منيج ا﵀‪ .‬حبو الماؿ طبيعي‪ ،‬لؾ أف تكسبو مف طريؽ مشركع‪ ،‬أما حينما ال يعنيؾ إال أف تأخذ الماؿ مف‬
‫أم سبيؿ‪ ،‬فقد إتخذت الماؿ إليا مف دكف ا﵀‪ ،‬فيك الذم يحرؾ سمككؾ ؛ تحمؼ كأنت كاذب‪ ،‬تبيع دينؾ‬

‫‪ - 1‬القرآن الكرٌم‪ ،‬سورة النساء ‪ ،‬اآلٌة ‪.46‬‬


‫‪ - 2‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة القصص ‪ ،‬اآلٌة ‪.55‬‬
‫‪ - 3‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة الفرقان ‪ ،‬اآلٌة ‪.19‬‬

‫‪- 210 -‬‬


‫كأىمؾ كذمتؾ كأمانتؾ‪ ،‬اليدؼ أف تقبض الماؿ فقط‪ ،‬إذا حينما يتخذ اليكل إليا ليس معنى ذلؾ أف اليكل‬
‫إلو‪ ،‬لكنو عكمؿ معاممة اإللو»‪.1‬‬

‫فٌعجب بنفسه وٌعتد بها ‪ ،‬فبل بد إذن من تزكٌتها فتزكٌتها فً هذه الخطوة وتطهٌرها هً‬
‫بعدم تزكٌتها‪.‬‬

‫سوا َّ َ‬
‫هللا َفأ َ ْن َسا ُه ْم أَ ْنفُ َس ُه ْم ﴾ وٌشٌر النورسً مما تتضمنه هذه‬ ‫ثانٌا ‪َ ﴿ :‬و َال َت ُكو ُنوا َكالَّذِينَ َن ُ‬
‫اآلٌة وتحتوٌه ‪ ،‬إذ ٌرى أن اإلنسان ٌنسى نفسه وٌؽفل عنها ‪ ،‬فإذا ما فكر فً الموت صرفه‬
‫إلى ؼٌره ‪ ،‬وإذا ما رأى الفناء والزوال دفعه إلى اآلخرٌن وكؤنه ال ٌعنٌه بشًء ‪ ،‬إذ‬
‫مقتضى النفس األمارة أنها تذكر ذاتها فً مقام أخذ األجرة والحظوظ وتلتزم بها بشدة ‪،‬‬
‫بٌنما تتناسى ذاتها فً مقام الخدمة والعمل والتكلٌؾ ‪ ،‬فتزكٌتها وتطهٌرها فً هذه الخطوة‬
‫هً العمل بعكس هذه الحالة أي عدم النسٌان فً عٌن النسٌان ‪ ،‬أي نسٌان النفس فً‬
‫الحظوظ و األجرة والتفكر فٌها عند الخدمات والموت‪.‬‬

‫صا َب َك مِنْ َس ِّي َئ ٍة َفمِنْ َن ْفسِ َك﴾ ‪ٌ ،‬رى النورسً‬ ‫س َن ٍة َفمِنَ َّ ِ‬


‫هللا َو َما أَ َ‬ ‫ثالثا ‪َ ﴿ :‬ما أَ َ‬
‫صا َب َك مِنْ َح َ‬
‫أن ما تقتضٌه النفس دابما أنها تنسب الخٌر إلى ذاتها ‪ ،‬مما ٌسوقها إلى الفخر والعجب ‪،‬‬
‫فعلى ال مرء فً هذه الخطوة أن ال ٌرى من نفسه إال القصور والنقص والعجز والفقر ‪ ،‬وأن‬
‫ٌرى كل محاسنه وكماالته إحسانا من فاطره الجلٌل وٌتقبلها نعما منه ‪ ،‬فٌشكر عندبذ بدل‬
‫الفخر وٌحمد بدل المدح والمباهاة ‪ ،‬فتزكٌة النفس فً هذه المرتبة فً سر اآلٌة الكرٌمة ﴿‬

‫َقدْ أَ ْف َل َح َمنْ َز َّكاهَا ﴾‪ .2‬وهً أن تعلم بؤن كمالها فً عدم كمالها وقدرتها فً عجزها وؼناها‬

‫فً فقرها ‪ ،‬أي كمال النفس فً معرفة عدم كمالها وقدرتها فً عجزها أمام هللا ‪ ،‬وؼناها‬
‫فً فقرها إلٌه‪.‬‬

‫‪ -1‬تفسٌر اآلٌة لفضٌلة الدكتور محمد راتب النابلسً أنظر الموقع ‪ٌ /http://www.nabulsi.com :‬وم ‪- 49-92‬‬
‫‪9143‬‬
‫‪ - 2‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة الشمس ‪ ،‬اآلٌة ‪.6‬‬

‫‪- 211 -‬‬


‫ش ْي ٍء هَالِ ٌك إِ َّال َو ْج َه ُه﴾ ذلك بؤن النفس حسب النورسً تتوهم نفسها حرة‬
‫رابعا ‪ُ ﴿ :‬كل ُّ َ‬

‫مستقلة بذاتها ‪ ،‬لذا تدعً نوعا من الربوبٌة وتضمر عصٌانا حٌال معبودها الحق‪ .‬فبإدراك‬
‫الحقٌقة اآلتٌة ٌنجو اإلنسان من ذلك وهً كل شًء بحد ذاته وبمعناه األسمى زابل ومفقود‬
‫حادث معدوم ‪ ،‬إال أنه فً معناه الحرفً وبجهة قٌامه بدور المرآة العاكسة ألسماء الصانع‬
‫الجلٌل وبإعتبار مهامه ووظابفه ‪:‬‬

‫« شاىد كمشيكد كاجد كمكجكد فتزكيتيا في ىذه الخطكة ىي معرفة أف عدميا‬


‫في كجكدىا ككجكدىا في عدميا ‪ ،‬أم أنيا رأت ذاتيا كأعطت لكجكدىا كجكدا ‪ ،‬فإنيا تغرؽ في ظممات‬
‫عدـ يسع الكائنات كميا يفنى إذا غفمت عف مكجكدىا الحقيقي كىك ا﵀ ‪ ،‬مغترة بكجكدىا الشخصي فإنيا‬
‫تجد نفسيا كحيدة غريقة في ظممات الفراؽ‪ .‬كبالعدـ غير المتناىية كأنيا اليراعة في ضيائيا الفردم‬
‫الباىت في ظممات الميؿ البييـ‪ ،‬كلكف عندما تنرؾ األنانية كالغركر ترل نفسيا حقا ال شيء بالذات كانما‬
‫ىي مرآة تعكس ت جميات مكجدىا الحقيقي ‪ ،‬فتظفر بكجكد غير متناه كتربح كجكد جميع المخمكقات ‪ ،‬مف‬
‫يجد ا﵀ فقد كجد كؿ شيء ‪ ،‬فما المكجكدات جميعيا إال تجميات أسمائو الحسنى جؿ جبللو»‪.1‬‬

‫إن هذا الطرٌق الذي ٌتكون من أربع خطوات حسب النورسً وهً العجز والفقر والشفقة‬
‫والتفكرهذا الطرٌق ال ذي ٌبحث فً علم الحقٌقة ‪ ،‬حقٌقة الشرٌعة ‪ ،‬حكمة القرآن الكرٌم ‪،‬‬
‫فٌقول النورسً ‪ ":‬إال أننا نشٌر هنا إشارة قصٌرة إلى بضع نقاط وهً ‪:‬‬

‫« أف ىذا الطريؽ ىك أقصر كأقرب مف غيره ألنو عبارة عف أربع خطكات ‪،‬‬
‫فالعجز إذا ما تمكف مف النفس يسمميما مباشرة إلى القدير ذم الجبلؿ ‪ ،‬بينما إذا تمكف العشؽ مف‬
‫النفس في طريؽ العشؽ الذم ىك أنفذ الطرؽ المكصمة إلى ا﵀ ‪ ،‬فإنيا تتشبث بالمعشكؽ المجازم ‪،‬‬
‫كعندما تبمغ زكالو تبمغ المحبكب الحقيقي»‪. 2‬‬

‫ثم إن هذا الطرٌق أسلم من ؼٌره ‪ ،‬ألن لٌس للنفس فٌه شطحات أو إدعاءات فوق طاقتها ‪،‬‬
‫إذ المرء ال ٌجد فً نفسه ؼٌر العجز والفقر والتقصٌر كً ٌتجاوز حده‪.‬‬
‫إن هذا الطرٌق عام وجادة كبرى ألنه ال ٌضطر إلى إعدام الكابنات وال إلى سجنها فٌقول ‪:‬‬

‫‪ - 1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.163‬‬


‫‪2‬‬
‫‪ -‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬السٌرة الذاتٌة ‪ ،‬ص ‪.451‬‬

‫‪- 212 -‬‬


‫« أف أىؿ كحدة الكجكد تكىمكا الكائنات عدما ‪ ،‬فقالكا "ال مكجكد إال ىك "‬
‫ألجؿ الكصؿ إلى اإلطمنئاف كالحضكر القمبي ككذا " أىؿ الشيكد" حيث سجنكا الكائنات في سجف‬
‫النسياف فقالكا "المشيكد إال ىك " لمكصكؿ إلى اإلطمئناف القمبي ‪ ،‬بينما القرآف الكريـ يعفكا الكائنات بكؿ‬
‫كضكح عف اإلعداـ كيطمؽ سراحيا مف السجف ‪ ،‬فيذا الطريؽ عمى نيج القرآف ينظر إلى الكائنات أنيا‬
‫مسخرة لفاطرىا الجميؿ كخادمة في سبيمو ‪ ،‬كانيا مظاىر لتجميات األسماء الحسنى كأنيا مرايا تعكس‬
‫تمؾ التجميات ‪ ..‬كعندىا ينجكا المرء مف الغفمة كيبمغ الحضكر الدائمي عمى نيج القرآف الكريـ ‪ ،‬فيجد إلى‬
‫الحؽ سبحانو طريقا في كؿ شيء‪ .‬أف ىذا الطريؽ ال ينظر إلى المكجكدات بالمعنى األسمى ‪ ،‬أم ال‬
‫ينظر إلييا مسخرة لنفسيا كلذاتيا بؿ يعزليا مف ىذا كيقمدىا كظيفة أنيا مسخرة ﵀ سبحانو كتعالى»‪. 1‬‬

‫تلك هً الخطوات التً ترسمها اآلٌات الكرٌمة لطرٌق النورسً ‪ ،‬فهً طرٌق مضبوطة‬
‫بضابطً القرآن الكرٌم والسنة النبوٌة الشرٌفة التً هً ترجمان للقرآن الكرٌم ‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬النورسي والجمع بين العقل والقلب ومزجهما‬

‫لقد سلك "النورسي " فً مسلكه ‪ ،‬وهذا ما ٌتضح من خبلل مإلفاته رسابل النور وهً‬
‫شخصه المعنوي مسلكا خاصا به جعله ٌتمٌز عن ؼٌره من المصلحٌن والمجددٌن ‪ ،‬إذ تمٌز‬
‫م سلكه هذا بالمزج بٌن العقل والقلب وما ٌبٌن هذا المسلك مزج بٌن ما ٌقوم على البرهان‬
‫العقلً واإلستدالل العقلً وبٌن ما ٌتحقق بالتجربة الوجدانٌة " الذاتٌة" والذوق ‪ ،‬وما ٌمكن‬
‫اإلشارة إلٌه لٌس من السهل تحقٌق هذا النهج فً المزج خاصة عندما ٌتعلق األمر فً‬
‫الجانب العقدي وأٌضا فً مجال الدفاع عن العقٌدة من أجل ترسٌخ أركانها‪.‬‬

‫كما حاول "النورسي " بؤسلوبه هذا التجدٌدي من خبلل تناوله وصٌاؼة المسابل‬
‫والقضاٌا اإلٌمانٌة عن طرٌق البرهنة على صدقها وأحقٌتها بهذا األسلوب والذي ٌشتمل‬
‫على فكر العقل ومشاعر القلب ‪ ،‬ولعله بهذا المسلك ومن خبلل هذا األسلوب وفً محاولته‬
‫هذه قد حقق نجاحا واضحا وما ٌثبت ذلك النجاح قوة تؤثٌر هذه المإلفات " رسابل النور"‬
‫على قاربٌها ‪ ،‬حٌث أنها إستطاعت أن تجمع حولها العدٌد من الطلبة بل اآلالؾ والمبات‬

‫‪ - 1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً‪ ،‬المكتوبات ‪،‬ص ‪ .264‬أنظر أٌضا ‪ :‬الكلمات ‪ ،‬ص ص ‪.234- 225‬‬

‫‪- 213 -‬‬


‫من الطلبة والذٌن تحملوا مصاعب ومشاق الحٌاة ‪ ،‬من سجون ومنافً وتؽرٌب وذلك رؼبة‬
‫فً إستنساخ هذه الرسابل من أجل نشرها والدفاع عنها وهذا ما ٌتضح من خبلل مإلفات‬
‫رسابل النور‪.‬‬

‫وٌصرح "النورسً" عن تجربته الوجدانٌة والتً كانت بداٌتها خبلل أسره فً الروس‬
‫خبلل الحرب العالمٌة األولى ‪ ،‬والتً إتضحت معالمها أثناء نفٌه فً "بارال" وذلك من‬
‫خبلل قوله ‪:‬‬

‫« لقد إمتزج قمبي بعقمي منذ ثبلثة عشر عاما ضمف إنتياج مسمؾ التفكر‬

‫كف ﴾‪﴿،‬أ ََكَل ْـ َيتََف َّك ُركا ِفي أ َْنفُ ِس ِي ْـ َما َخَم َ‬
‫ؽ‬ ‫َّ‬
‫الذم يأمر بو القرآف المعجز البياف كقكلو تعالى ‪َ ﴿ :‬ل َعم ُك ْـ تَتََف َّك ُر َ‬
‫ِ‬ ‫الن ِ ِ ِ‬ ‫َج ٍؿ ُم َس ِّمى َكِا َّف َكثِي نار ِم َف َّ‬ ‫ض َك َما َب ْيَنيُ َما ِإ َّال بِاْل َح ِّ‬ ‫المَّو الس ِ‬
‫كف ﴾‪﴿ 1‬‬ ‫اس ِبم َقاء َرِّب ِي ْـ َل َكاف ُر َ‬ ‫ؽ َكأ َ‬ ‫َّم َاكات َك ْاأل َْر َ‬
‫ُ َ‬
‫ََ ٍ ِ‬
‫كف﴾‪، 2‬كأمثاليا مف اآليات التي تحث عمى التفكر مثمما يحث عميو حثا عظيما الحديث‬ ‫آلَيات ل َق ْكٍـ َيتََف َّك ُر َ‬
‫الشريؼ كقكلو " تفكر ساعة خير مف عبادة سنة»‪.3‬‬

‫« كلقد تكاردت في غضكف ىذه السنكات الثبلثيف عمى عقمي كقمبي ضمف‬
‫إنتياج مسمؾ التفكر أنكار عظيمة كحقائؽ متسمسمة طكيمة ‪ ،‬فكضعت بضع كممات مف قبيؿ اإلشارات‬
‫ال لداللة عمى تمؾ األنكار بؿ لئلشارة عمى كجكدىا كلتسييؿ التفكر فييا كالمحافظة عمى إنتظاميا »‪.4‬‬

‫وما ٌمكن اإلشارة إلٌه أن هذا الجمع بٌن العقل النورسً وقلبه لم ٌكن متوازنا أو‬
‫متساوٌا ‪،‬حٌث لم ٌكن بنسب متساوٌة وذلك ٌتبٌن من خبلل مإلفاته ‪ ،‬فً كثٌر من األحٌان‬
‫وبالتالً نراه ٌبتعد عن المقاٌٌس العقلٌة‬ ‫أو الذاتً‬ ‫نبلحظ تؽلب الجانب الوجدانً‬
‫والضوابط المنطقٌة وهذا ما ٌعترؾ به فً اللمعة الثالث إذ ٌقول قبٌل تفسٌره لقوله تعالى‪:‬‬

‫ش ْي ٍء َى ِال ٌك إَِّال َو ْج َي ُو لَ ُو ا ْل ُح ْك ُم َوِالَ ْي ِو تُْر َج ُع َ‬


‫﴿ ُك ُّل َ‬
‫‪5‬‬
‫ون ﴾‬

‫‪ - 1‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة الروم ‪ ،‬اآلٌة ‪.5‬‬


‫‪ - 2‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة الروم ‪ ،‬اآلٌة ‪.94‬‬
‫‪ -3‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.261‬‬
‫‪ - 4‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬ص ‪.123‬‬
‫‪ - 5‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة القصص ‪ ،‬اآلٌة ‪.55‬‬

‫‪- 214 -‬‬


‫« لقد مازج ىذه الممعة شئ مف األذكاؽ كالمشاعر ‪ ،‬فأرجك عدـ تقييميا‬
‫بمكازيف عمـ المنطؽ ؛ ألف ما تجيش بو المشاعر ال يراعي كثي ار قكاعد العقؿ ‪ ،‬كال يعير سمعا إلى‬
‫مكازيف الفكر»‪.1‬‬

‫« إف رسائؿ النكر ليست كبقية مصنفات العمماء تسير عمى كفؽ خطى العقؿ‬
‫كأدلتو كنظراتو ‪ ،‬كال تتحرؾ كما ىك الشأف لدل األكلياء المتصكفيف بمجرد أذكاؽ القمب ككشكفاتو كانما‬
‫تتحرؾ بخطى إتحاد العقؿ كالقمب معا كامتزاجيما ‪ ،‬كتعاكف الركح كالمطائؼ األخرل ‪ ،‬فتحمؽ إلى أكج‬
‫العبل كتصؿ إلى مراؽ ال يصؿ إلييا نظر الفمسفة المياجمة فضبل عف إقداميا كخطكاتيا ‪ ،‬فتبيف أنكار‬
‫الحقائؽ اإليمانية كتكصميا إلى عيكنيا المطمكسة»‬
‫‪2‬‬

‫كما أننا نجد النورسً ٌتجنب فً حاالت معٌنة التطرق إلى مناقشة القضاٌا العلمٌة‬
‫للسبب السابق ذاته ‪ ،‬ففً رده على أسبلة أحد طبلبه ٌقدم أسباب إمتناعه عن اإلجابة عن‬
‫أحد األسبلة ‪ ،‬موضحا بقوله ‪:‬‬

‫« أنني ال أنشغؿ إال بالسكانح القمبية ‪ ،‬فيناؾ حاالت طارئة في الكقت‬


‫الحاضر تحكؿ – مع األسؼ ‪ -‬دكف إشتغالي بالمسائؿ العممية ‪ ،‬لذلؾ ال أستطيع اإلجابة عف سؤالكـ‬
‫بجكاب شاؼ ‪ ،‬كاف كفؽ ا﵀ كفتح عمينا سكانح قمبية أضطر إلى اإلنشغاؿ بيا»‪.3‬‬

‫إن ؼلبة الجانب الوجدانً على شخصٌة‬ ‫وٌشٌر الدكتور "حسن عبد الرحمن بكير‬
‫النورسً لها ما ٌبررها ‪ ،‬فقد كان ٌخوض صراعٌن مستمرٌن وعلى درجة كبٌرة من القوة‬

‫« صراع مع النفس ‪ ،‬كصراع مع المادييف الذيف أنكركا اإليماف ‪ .‬كاذا كاف‬


‫الصراع في ميداف العقيدة ‪ ،‬فإننا نستكعب أسباب قكتو كضراكتو ؛ إذ ‪ -‬ميما كاف اإلنساف مكضكعيا‬

‫‪ - 1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬ص ‪.94‬‬


‫‪ - 2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المبلحق فً فقة العوة إلى النور‪ ،‬ص ‪.412‬‬
‫‪ - 3‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬ص ‪.494‬‬

‫‪- 215 -‬‬


‫كممتزما بمناىج البحث العممية المتعارؼ عمييا ‪ -‬ال يستطيع أف يتجرد مف ذاتيتو كىك يتناكؿ قضايا‬
‫العقيدة ‪ ،‬كالسيما إذا كانت ىذه العقيدة تتعرض ليجكـ عنيؼ»‪.1‬‬

‫إن رسابل النور تنقل لنا تصوٌرا واضحا لهذٌن الصراعٌن ‪ ،‬إذ ٌقول "النورسي" ‪:‬‬

‫« أف ىذه ثبلثكف سنة لي مجادلة مع طاغكتيف ‪ ،‬كىما ‪ " :‬أنا" في اإلنساف ‪،‬‬
‫ك"الطبيعة" في العالـ ‪ . .‬أما ىذا ‪ ،‬فرأيتو مرآة ظميا حرفيا ‪ ،‬لكف نظر اإلنساف إليو نظ ار إسميا قصديا‬
‫باألصالة ‪ ،‬فتفرعف عميو كتنمرد ‪ ،‬كأما ىذه فرأيتيا صنعة إليية ‪ ،‬كصبغة رحمانية ‪ .‬لكف نظر البشر‬
‫‪2‬‬
‫إلييا بنظر الغفمة ‪ ،‬فتحكلت ليـ "طبيعة" فتأليت عند ماديييـ ‪ ،‬فأنشأت كفراف النعـ المنجر إلى الكفر»‬

‫وعندما ٌتوجه "النورسي" باللوم والتعنٌؾ إلى نفسه الجموح ‪ ،‬فهو ٌخاطب من خبللها كل‬
‫نفس بشرٌة مؽرورة عصٌة على االقتناع إال بالدلٌل القاطع ‪ ،‬فالدرس الذي أقنع مإلفه –‬
‫كما ٌوضح النورسً – بقوله ‪:‬‬

‫« إف رسائؿ النكر تحاكؿ إقناع نفس مؤلفيا ثـ تخاطب اآلخريف ‪ ،‬لذا فالدرس‬
‫الذم أقنع نفس المؤلؼ األمارة بالسكء إقناعا كافيا كتمكف مف إزالك كساكسيا كشبياتيا إزالة تامة ‪ ،‬ليك‬
‫درس قكم كخالص أيضا بحيث يتمكف كحده أف يصد تيار الضبللة الحاضرة التي اتخذت شخصية‬
‫معنكية رىيبة ‪ -‬بتشكيبلتيا الجماعية المنظمة ‪ ، -‬بؿ أف يجابييا كيتغمب عمييا»‬
‫‪3‬‬

‫إذن "فالنورسي" ال ٌمكث حبٌس نفسه وذاتٌته ‪ ،‬وإنما ٌحاول أن ٌتجاوزها لمخاطبة كل‬
‫نفس بشرٌة لكونها ذات خصابص ومكونات واحدة ‪ ،‬مستعٌنا فً ذلك بطول التؤمل فً‬
‫اآلٌات القرآنٌة واآلٌات الكونٌة ‪ ،‬الستخراج النكت اإلعجازٌة التً تزٌل كل رٌب أو تردد‬
‫‪.‬‬

‫‪ - 1‬د‪ -‬حسن عبد الرحمن بكٌر ‪ ،‬بديع الزمان سعيد النورسي وأثـره فـي الفكـر والدعـوة ‪ ،‬بدون دار وسنة نشر ‪ ،‬ص‬
‫‪.65-64‬‬
‫‪ - 2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪،‬المثنوي العربً النوري ‪ ،‬ص ‪.994‬‬
‫‪ - 3‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المبلحق فً فقة الدعوة إلى النور ‪ ،‬ص ‪.412‬‬

‫‪- 216 -‬‬


‫المطلب الثالث ‪ :‬النورسي وتمييزه بين مسلك الطريقة ومسلكه‬

‫ٌعتبر النورسً أن مسلكه الذي ٌنتهجه ٌختلؾ عن مسلك الطرق الصوفٌة التً تعتبر‬
‫متجذرة فً مجتمعه ‪ ،‬إال أن ظروؾ عصره فً نظره جعلت هذا التصوؾ عاجزا أمام‬
‫التٌارات المعادٌة لئلسبلم وبالتالً عجز هاته الطرق الصوفٌة فً دفع التٌارات المعادٌة‬
‫لئلسبلم ‪ ،‬بإعتباره أن التصوؾ هو قابم على التجربة الذاتٌة فً إدراك الحقابق وال ٌعتمد‬
‫على البراهٌن المنطقٌة والحجج واألدلة العقلٌة والعلمٌة التً هً بمثابة صفة العصر ٌقول‬
‫النورسي ‪:‬‬

‫« إف ميمة رسائؿ النكر كطبلبيا ىي الحفاظ عمى مسمؾ أستاذىـ حجة‬


‫اإلسبلـ "اإلمام الغزالي" كالذكد عنو ما كسعيـ ‪ ،‬كانقاذه مف ىجمات أىؿ الضبللة ‪ .‬كىك أستاذم الكحيد‬
‫الذم يربطني باإلماـ عمي رضى ا﵀ عنو ‪ .‬كلكف في زمانيـ لـ يكف ىجكـ الزندقة الرىيبة يزعزع أركاف‬
‫اإلسبلـ ؛ لذا فاألسمحة التي إستعمميا أكلئؾ العمماء المحققكف األجبلء كالمجتيدكف العظاـ حسب‬
‫عصكرىـ في المناظرات كالمناقشات العممية كالدينية ال يحصؿ عمييا بسرعة كال تقير أعداء ىذا الزماف‬
‫قي ار تاما ‪ .‬إال أف رسائؿ النكر باستمياميا القرآف المبيف قد كجدت أسمحة يمكف الحصكؿ عمييا بسرعة‬
‫كىي قكية نافذة ‪ ،‬كفي الكقت نفسو تمزؽ العدك»‪.1‬‬

‫وبالتالً ٌقدم موازنة ومقارنة بٌن مسلكه والذي ٌمثل مسلك رسابل النوركشخصه المعنوي‬
‫وبٌن ومسلك الطرٌقة الصوفٌة حٌث ٌبٌن عجزها وقصورها ‪ ،‬كما ٌبٌن ‪:‬‬

‫« أف مسمؾ رسائؿ النكر ال تطمب مقاصد دنيكية بالعبادة الفكرية ‘ إذ ال‬


‫تككف كسيمة قطعا لكسب مصالح دنيكية كال تستغؿ ترسا لدفع أضرارىا ‪ ،‬لككنيا عبادة فكرية ذات شأف‬
‫كأىمية ‪ ،‬فبل تطمب تمؾ المقاصد دنيكية بالذات ‪ ،‬إذ لك طمبت يفسد اإلخبلص كيتغير شكؿ تمؾ العبادة‬
‫الجميمة»‪.2‬‬

‫‪ - 1‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.469‬‬


‫‪ - 2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المبلحق فً فقة الدعوة إلى النور ‪ ،‬ص ‪.946‬‬

‫‪- 217 -‬‬


‫كما ٌبٌن أٌضا بقوله ‪:‬‬

‫« إف رسائؿ النكر كعدـ تتبعيا أم قصد كاف سكل خدمة اإليماف ‪ ..‬كمف عدـ‬
‫إلتفاتيا إلى الكشؼ كالكرامات الشخصية التي يكلييا بعض أىؿ الطرؽ أىمية ‪ ..‬كمف ككنيا تحصر‬
‫كظيفتيا في نشر أنكار اإليماف كانقاذ إيماف المؤمنيف»‪. 1‬‬

‫بل إنه ٌإكد على أن طبلب النور هدفهم خدمة اإلٌمان بدل التطلع للقطبٌة ‪:‬‬

‫« أف طبلب رسائؿ النكر الحقيقييف يركف خدمة اإليماف فكؽ كؿ شئ ‪ ،‬فحتى‬


‫لك منحكا مرتبة القطبية يفضمكف عمييا خدمة اإليماف حفاظا عمى اإلخبلص»‪.2‬‬

‫وعلى هذا األساس فإن مسلك رسابل النور هو مسلك بعٌد كل البعد عما ٌطلب فً الطرق‬
‫الصوفٌة من أذواق وكرامات مإقتة وٌبٌن النورسً أن هذا راجع لعدة إعتبارات وحكم‬
‫كثٌرة من بٌنها ‪:‬‬

‫« أوال ‪:‬اإلخبلص‪ :‬حيث أف أىؿ الطرؽ الصكفية يتطمعكف إلى الكشؼ‬


‫كالكرامات لقطؼ ثمرات اآلخرة في الدنيا ‪ ،‬إذ أف ىذه األذكاؽ كالكرامات المؤقتة في الدنيا تصبح مقصكدة‬
‫لذاتيا لدل مف لـ يتمكنكا مف ضبط أنفسيـ كتركيضيا ‪ ،‬فيفسد بذلؾ اإلخبلص ‪ ،‬ثانيا ‪ :‬إف مسمؾ‬
‫رسائؿ النكر ال يركز األىمية عمى الشخص ‪ ،‬حيث يكتفي الجميع بما نالتو رسائؿ النكر مف الكرامات‬
‫‪3‬‬
‫العممية في نشر الحقائؽ اإليمانية»‬

‫حٌث ٌقول النورسً كذلك فً هذا الصدد وحول ما ٌخص الشهرة وطلب نٌل المقامات‬
‫والتً عرفت سابقا بٌن المتصوفٌٌن وبالتالً خلق تلك المنافسات بٌنهم ما هً إال شكل من‬
‫أشكال الرٌاء كما أنها تكرس وتعزز األنانٌة ماٌلً ‪:‬‬

‫‪ - 1‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.946‬‬


‫‪ - 2‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.945‬‬
‫‪ - 3‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المبلحق فً فقة الدعوة إلى النور ‪ ،‬ص ‪.461‬‬

‫‪- 218 -‬‬


‫« إف حرص اإلنساف عمى الشيرة كحب الجاه كطمب نيؿ المقامات كالتفكؽ عمى‬
‫األقراف كأمثاليا مف األحاسيس كالمشاعر ‪ ،‬ككذا التظاىر بمظير حسف رفيع كتقمص أشخاص عظاـ ال‬
‫يميؽ بو كجمب أنظار الناس كاعجابيـ نحكه بما ىك فكؽ حده كما شابييا مف أنكاع التصنع كالتكمؼ في‬
‫األعماؿ ‪ ..‬كميا تسكؽ إلى الرياء ‪ ،‬كلكف لما كاف طبلب رسائؿ النكر قد حكلكا "أنا " إلى "نحف" أم‬
‫ترككا األنانية بإسـ تمؾ الشخصية ‪ ،‬أم يقكلكف نحف بدؿ أنا أم إذابة الشخصية الفردية في حكض‬
‫‪1‬‬
‫الشخصية المعنكية إلخكانو »‬

‫فً حٌن قد ٌختلؾ أهل الطرٌقة من أصحاب الكرامات والمتلذذٌن من الكشفٌات ‪ ،‬وقد‬
‫ٌوجد شا من الحسد والمنافسة فٌما بٌنهم ‪ ،‬والسٌما فً هذا العصر الذي عمت فٌه األنانٌة‪.‬‬

‫« ثالثا ‪ :‬ال يسأؿ طبلب النكر األذكاؽ كالكشفيات في الدنيا ‪ ،‬ألنيا فانية ‪ ،‬أما‬
‫المذة الحقيقية فيي في اآلخرة الباقية رابعا ‪ :‬إف الكرامات كالكشفيات ىي لبث الثقة في نفكس العكاـ مف‬
‫‪2‬‬
‫أىؿ الطريقة ‪ ،‬كبما أف الرسائؿ تمنح إيمانا تحقيقيا‪ ،‬فإنيا التدع حاجة إلى تحرم مثؿ ىذه الكرامات »‬

‫خامسا ‪ :‬وٌإكد بدٌع الزمان أن مسلكه مخالؾ لمسلك الصوفٌة وما صاحبها من بدع‬
‫وشبهات كالفناء والوجود واالتحاد والشطحات كما أسلفنا الذكر بقوله ‪:‬‬

‫« فيناؾ إصطبلحات تدكر بيف المتصكفة أمثاؿ ‪ :‬الفناء في الشيخ ‪ ،‬الفناء في‬
‫الرسكؿ‪ ،‬كلكف "الفناء في اإلخكاف" دستكر جميؿ يناسب مسمكنا تماما ‪ ..‬أم أف ينسى كؿ أخ حسياتو‬
‫النفسانية ‪ ،‬كيعيش فك ار مع مزايا إخكانو كفضائميـ ‪ ،‬حيث إف أساس مسمكنا كمنيجنا ىك "األخكة" في‬
‫‪3‬‬
‫ا﵀»‬

‫وأما فٌما ٌخص عبلقة النورسً بطلبته إختلفت عن ثنابٌة الشٌخ والمرٌد الكبلسٌكٌة إذ أنها‬

‫‪ - 1‬نفس المصدر‪ ،‬ص ‪.461‬‬


‫‪ - 2‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.945‬‬
‫‪ - 3‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬ص ‪912‬‬

‫‪- 219 -‬‬


‫« األخكة الحقيقية ‪ ،‬كليست عبلقة األب مع اإلبف ‪ ،‬كال عبلقة الشيخ مع المريد‬
‫‪ ،‬كاف كاف البد ‪ ،‬فمجرد العبلقة باألستاذ‪ .‬كماداـ مسمكنا ىك الخميمية فمشربنا إذا الخمة كالخمؽ تقتضي‬
‫صديؽ صدكقا ‪ ،‬كرفيقا مضحيا ‪،‬كأخا شيما غيك ار ‪..‬كأس األساس ليذه الخمة ّ" اإلخبلص التاـ»‪.1‬‬

‫فحسب النورسً الدنٌا مثلما ٌبٌن لٌس دار التمتع بالحٌاة الدنٌوٌة فقط بل اإللتزام حسب‬
‫الشرع وذلك من خبلل التمتع بما ٌوافق الشرع ومنه العمل للدار اآلخرة فً نفس الوقت‬

‫« ىي دار حركة كعمؿ كسعي كليست دار جزاء كثكاب لذا فبل تطمب فييا‬
‫المذائذ كاألذكاؽ ‪ ،‬كال تقصد فييا الكرامات ‪ ،‬كانما ينبغي فييا االلتزاـ بالشريعة ‪ ،‬ألف الحقيقة كالطريقة‬
‫كنتائجيما كما يؤكالف إليو فيي األكامر الشرعية المحكمة فيما دائما ك أبدا يظبلف بحكـ الخادـ لمشريعة‬
‫ككسيمة إلييا كمقدمة ليا»‪.2‬‬

‫وما إهتمام النورسً إال بقضاٌا عصره وواقعه المعاش ‪ ،‬ولما كان التصوؾ والطرٌقة‬
‫والسٌر والسلوك والوالٌة من بٌن هذه القضاٌا التً كان لها رواجا فً بٌبته وفً محٌطه‬
‫ومجتمعه قد تناولها وعالجها ولكن وفق منظور الشرٌعة وفً ضوء ما ٌخدم اإلسبلم‬
‫والمجتمع عامة‪.‬‬

‫وٌخلص بذلك إلى عدم صحة ما ٌتصوره قسم من المتصوفة من أن الشرٌعة قشر ظاهري‬
‫‪ ،‬لكن النورسً ٌدافع عن الطرٌقة ‪ ،‬مبٌنا أنه ال ٌنبؽً أن تدان بسبب سٌبات مذاهب‬
‫ومشارب أطلقت على نفسها زورا إسم الطرٌقة وهً خارج دابرة التقوى ‪ ،‬بل خارج دابرة‬
‫اإلسبلم فلو صرفنا النظر عن النتابج السامٌة التً توصل إلٌها الطرٌقة سواء الدٌنٌة أو‬
‫اآلخروٌة أو الروحٌة ونظرنا فقط إلى نتٌجة واحدة منها ضمن نطاق العالم اإلسبلمً ٌرى‬
‫أن‪:‬‬

‫‪ . - 1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المبلحق فً فقة الدعوة إلى النور ‪ ،‬ص ‪.461‬‬
‫‪ - 2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.259‬‬

‫‪- 220 -‬‬


‫« الطريقة ىي في مقدمة الكسائؿ اإليمانية التي تكسع مف دائرة األخكة‬
‫اإلسبلمية بيف المسمميف كتبسط لكاء رابطتيا المقدسة في أرجاء العالـ اإلسبلمي»‪.1‬‬

‫ودفاعه عنها من جراء إدراكه للدور الذي قامت به فً تارٌخ الدولة العثمانٌة وتصدٌها‬
‫للحركات التؽرٌبٌة والهجمات األوربٌة التً أرادت اإلطاحة باإلسبلم إذ ٌقول‪:‬‬

‫« كانت الطرؽ كمازالت كذلؾ إحدل القبلع الثبلث التي تتحطـ عمى جدرانيا‬
‫الصمدة ىجمات النصارل‪ ...‬فيجب أال ننسى فضؿ أىؿ الطرؽ في المحافظة عمى مركز الخبلفة‬
‫اإلسبلمية إستانبكؿ طكاؿ ‪ 550‬سنة برغـ ىجمات عالـ الكفر كصميبية أكركبا فالقكة اإليمانية كالمحبة‬
‫الركحانية كاألشكاؽ المتفجرة مف المعرفة اإلليية ألكلئؾ الذيف يرددكف ا﵀ ا﵀ في الزكايا كالتكايا المتممة‬
‫لرسالة الجكامع كالمساجد‪ ...‬حيث كانت تنبعث أنكار التكحيد في ‪ 500‬مكاف لتشكؿ بمجمكعيا أعظـ‬
‫نقطة إرتكاز لممؤمنيف في ذلؾ المركز اإلسبلمي»‪.2‬‬

‫وٌإكد النورسً أن اإللتزام فً الطرٌق هو دلٌل على بلوغ الوالٌة الكبرى حٌث ٌقول‪:‬‬

‫« اآلداب الشرعية التي ىي ثمرة الكحي أسمى كأعمى مف آداب الطريقة التي‬
‫ىي ثمرة اإللياـ ؛ لذا فإف أىـ أساس لمطريقة ىك اتباع السنة النبكية المطيرة»‪، 3‬‬

‫بل ٌضٌؾ فً موضع آخر قوله ‪:‬‬

‫« إف اتباع السنة النبكية المطيرة ىك طريؽ الكالية الكبرل‪ ،‬كىك طريؽ كرثة النبكة‬
‫مف الصحابة الكراـ كالسمؼ الصالح»‪.4‬‬

‫ومن خبلل هذا فالنورسً ٌحذر من إنفصال الطرٌقة عن الشرٌعة ؛ ألن ذلك ٌعنً تمزٌق‬
‫المنهج الشمولً لفهم اإلسبلم الكامل ‪ ،‬خاصة فً عصره الذي هو عصر إنقاذ اإلٌمان ‪،‬‬

‫‪ - 1‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.241‬‬


‫‪ - 2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.252-251‬‬
‫‪ - 3‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.251‬‬
‫‪ - 4‬إحسان قاسم الصالحً ‪ ،‬بدٌع الزمان النورسً نظرة عامة عن حٌاته وآثاره ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.62‬‬

‫‪- 221 -‬‬


‫ولهذا نجده ٌنبه أرباب التصوؾ على المخاطر التً تحٌط بمسلكهم حٌث ٌقول فً التلوٌح‬
‫الرابع من المكتوب التاسع والعشرٌن ‪:‬‬

‫« إف سمكؾ طريؽ الكالية مع سيكلتو ىك ذك مصاعب ‪ ،‬كمع قصره فيك طكيؿ‬


‫جدا‪ ،‬كمع نفاستو كعمكه فيك محفكؼ بالمخاطر ‪ ،‬كمع سعتو فيك ضيؽ جدا ‪ ،‬فؤلجؿ ىذه األسرار الدقيقة‬
‫قد يغرؽ السالككف في ىذه السبيؿ ‪ ،‬كقد يتعثركف كيتأذكف ‪ ،‬بؿ قد ينكصكف عمى أعقابيـ كيضمكف‬
‫اآلخريف»‪.1‬‬

‫وبقوله أٌضا ‪:‬‬

‫« ينبغي أال تتحكؿ الطريقة كالحقيقة مف ككنيما كسيمتيف إلى غايتيف بحد ذاتيما‬
‫تستحكذاف عمى قمب السالؾ كفكره ككجدانو فإف أصبحتا الطريقة كالحقيقة مقصكدتيف بالذات فإف االعماؿ‬
‫الشرعية المحكمة كآداب السنة النبكية الشريفة تنحسر حتى تأخذ الدرجة الثانية مف اإلىتماـ لدل السالؾ‬
‫كتصبح صكرة شكمية بإنشغاؿ القمب بالتكجو إلى آداب الطريقة كرسكميا ‪ ،‬أم أف المرء عند ئذ يفكر‬
‫بحم قة الذكر أكثر مف تفكيره بالصبلة كينجذب إلى أكراده أكثر مف إنجذابو إلى الفرائض كيمزـ نفسو‬
‫تجنب مخالفة آداب الطريقة أكثر مف إلتزامو بتجنب الكبائر ‪ ،‬كالحاؿ اف أداء فريضة كاحدة إلتزاما‬
‫باألكامر الشرعية ال يمكف اف يكازييا أكراد الطريقة أك تحؿ محميا‪ .‬فآداب الطريقة كأكراد التصكؼ كما‬
‫يحصؿ السالؾ منيما مف أذكاؽ ينبغي أف تككف مدخبل ألذكاؽ أحمى كأسمى كأعمى يحصؿ عمييا السالؾ‬
‫مف أداء الفرائض كالسنف ‪،‬أم ما يأخذ المرء مف التكية مف أذكاؽ ال بد أف تككف إستيبلال ألذكاؽ الصبلة‬
‫التي يؤدييا في الجامع ‪ ،‬بقيامو بأركانو كأدائيا عمى الكجو المطمكب ‪ ،‬كاال فالذم تشغمو أذكاقو في التكية‬
‫عف صبلتو في الجامع ‪ ،‬فيؤدييا بسرعة بصكرة شكمية ال ح اررة فييا كال ركح إنما يبتعد عف الحقيقة"‪.2‬‬

‫‪ - 1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً المكتوبات ‪،‬المصدرالسابق ‪ ،‬ص ‪.242‬‬


‫‪ - 2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.252‬‬

‫‪- 222 -‬‬


‫المبحث الرابع ‪ :‬الطريقة وفوائدها ومزالق سالكي التصوف حسب النورسي‬

‫المطلب األول ‪ :‬الطريقة وفوائدها عند النورسي ‪:‬‬

‫ٌشٌر النورسً فً المكتوب التاسع والعشرون فً كتابه المكتوبات أن للطرٌقة عدة فوابد‬
‫حٌث ٌطلق على هذه األخٌرة إسم الثمرات وٌبٌن لنا من خبلل التلوٌح التاسع فً المكتوب‬
‫السالؾ الذكر أنها مجمبل فً تسع ثمرات وهً من الثمار الوفٌرة للطرٌقة وفوابدها‬

‫« ىي ظيكر الحقائؽ اإليمانية كانكشافيا ككضكحيا إلى درجة عيف اليقيف‬


‫بكساطة الطريقة الصحيحة المستقيمة‪ -2 ،‬تحقيؽ الكجكد الحقيقي لئلنساف بإنسياؽ لطائفو جميعا إلى‬
‫ما خمقت ألجمو كذلؾ بأف تككف الطريقة كاسطة لتحريؾ قمب اإلنساف الذم يعبر مرك از لجسمو كلكلبا‬
‫لحركتو كتكجييو إلى ا﵀ ‪ ،‬فيندفع بيذا كثي ار مف المطائؼ اإلنسانية إلى الحركة كالظيكر فتتحقؽ حقيقة‬
‫اإلنساف‪ -3.‬التخمص مف كحشة اإلنفراد كالكحدة في السير كالسمكؾ كالشعكر باألنس المعنكم في الحياة‬
‫الدنيا كالبرزخ باإللتحاؽ بإحدل سبلسؿ الطريقة عند سيرىا كتكجييا كسفرىا نحك الحياة البرزخية كنحك‬
‫الحياة اآلخركية ‪ ،‬كعقد أكاصر الصداقة كالمحبة بتمؾ القافمة النكرانية في طريؽ أبد اآلباد ‪ ،‬فتندفع‬
‫األكىاـ ك الشبو عف النفس بإستناد المريد إلى إجماعيـ كاتفاقيـ بإعتبار كؿ أستاذ مرشد حجة قكية كسندا‬
‫ال يضعؼ في دفع األضاليؿ كاألكىاـ التي ترد إلى الذىف»‪.1‬‬

‫«‪ -4‬ىي خبلص اإلنساف مف الكحشة اليائمة التي تكتنفو مف حياتو الدنيا‬
‫كاإلنسبلؿ مف الغربة األليمة التي يحسيا إزاء الككف ‪ ،‬كذلؾ بما تقكـ بو الطريقة الصائبة الصافية مف‬
‫تفجير ينابيع محبة ا﵀ كمعرفتو في اإليماف كباف سعادة الداريف كالمذة ال يشكبيا ألك األنس الذم ال‬
‫تخالطو كحشة كالسعادة الحقيقية ال تكجد إال في حقائؽ اإليماف كاإلسبلـ التي تسعى الطريقة لمكصكؿ‬
‫إلييا ‪ ،‬كبأف اإليماف يحمؿ بذرة شجرة طكبى فالجنة فبالتربية المكجكدة في الطريقة تنمك تمؾ البذرة‬
‫كتكبر»‪.2‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.264‬‬


‫‪ - 2‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.264‬‬

‫‪- 223 -‬‬


‫كما ٌشٌر ا لنورسً إلى أن نٌل مقامات التوكل ال ٌكون طرٌقا اال لبلوغ السعادة والمعرفة‬
‫الحقٌقٌة والشعور بالحقابق اللطٌفة فً العبادات وال ٌكون ذلك إال من خبلل دوام الذكر‬
‫وبالتالً ٌعمل على تربٌة النفس والروح وتزكٌتها بدوام الذكر والتفكر والطاعة والتسلٌم‬
‫وبالتالً نجاته من الرٌاء والشرك‬

‫« ‪ -5‬نيؿ مقاـ التككؿ كدرجة الرضى كمرتبة التسميـ ‪ ،‬ىذه المقامات ىي‬
‫السبيؿ إلى تذكؽ السعادة الحقيقية كالتسمية الخالصة كالمذة التي ال يشكبيا حزف كاألنس الذم ال تقربو‬
‫كحشة ‪ -6‬الشعكر بالحقائؽ المطيفة في التكاليؼ الشرعية كتقديرىا بكساطة القمب المنتبو بدكاـ ذكر ا﵀‬
‫‪ ،‬كما يعينو عمى ذلؾ المنيج التربكم لمطريقة كبذلؾ تككف الطاعة كالعبادة مثؿ إشتياؽ كحب كال مثار‬
‫‪1‬‬
‫تعب كتكميؼ‪».‬‬

‫«‪ -7‬ىي نجاة اإلنساف مف الشرؾ الخفي كراء الرياء كالتصنع كأمثاليا مف‬
‫الرذائؿ كذلؾ باإلخبلص الذم ىك أىـ شرط لدل سالؾ الطريقة كأىـ نتيجة ليا ‪ ،‬ككذا التخمص مف‬
‫أخطار النفس اآلمارة بالسكء كمف أدراف األنانية بتزكية النفس التي ىي السمكؾ العممي في الطريقة ‪- 8‬‬
‫ىي جعؿ اإلنساف عادتو اليكمية بحكـ العبادات كأعمالو الدنيكية بمثابة أعماؿ آخركية كاإلحساف في‬
‫إستغبلؿ رأس ماؿ عمره مف الحياة بدقائقيا كجعميا بذك ار تتفتح عف زىرات الحٌاة اآلخروٌة‬
‫وسنابلها‪ .‬كذلؾ بدكاـ الذكرالقمبي كالتأمؿ العقمي مع الحضكر القمبي الدائـ كاإلطمئناف بدكاـ شحذ اإلرادة‬
‫‪2‬‬
‫كالنية الصافية كالعزيمة الصادقة التي تمقنيا الطريقة‪».‬‬

‫وٌعتبر ا لنورسً أن اإلنسان الكامل إنما هو من كان بدوام عمل الطاعة هلل فً السلوك‬
‫والسٌر من خبلل تجلً اإلخبلص التام حتى ٌصل إلى اإلنسان المإمن المسلم والصادق‬

‫«‪ -9‬ىي العمؿ لمكصكؿ إلى مرتبة اإلنساف الكامؿ كذلؾ بالتكجو القمبي إلى ا﵀‬
‫طكاؿ سيره كسمككو ‪ ،‬كأثناء معاناتو الركحية التي تسمك بحياتو المعنكية ‪ ،‬أم الكصكؿ إلى مرتبة المؤمف‬
‫الحؽ المسمـ الصادؽ ‪ ،‬أم نيؿ حقيقة اإليماف كاإلسبلـ ال صكرتييما ‪ ،‬ثـ أف يككف اإلنساف عبدا خالصا‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.269‬‬


‫‪ - 2‬نفس المصدر ص ‪269‬‬

‫‪- 224 -‬‬


‫لرب العالميف كمكضع خطابو الجميؿ كممثبل عف الكائنات مف جية ككليا ﵀ كخميبل لو ‪ ،‬حتى كأنو مرآة‬
‫‪1‬‬
‫عاكسة لتجمياتو سبحانو كفي أحسف تقكيـ حقا فيقيـ الحجة عمى أفضمية بني آدـ عمى المبلئكة»‪.‬‬

‫ومن خبلل هذا ٌشٌر كذلك أنه بهذا ٌطٌر بجناحً اإلٌمان والعمل بالشرٌعة إلى المقامات‬
‫العلٌا والتطلع من هذه الدنٌا إلى السعادة األبدٌة بل الدخول فٌها وهو ما ٌطمح الٌه‬
‫المتصوفة ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تصنيف النورسي ألهل الطريقة الذين هم خارج الشرع‬

‫إن تعدد الطرق الصوفٌة وتنوعها وإنتشارها ‪ ،‬وبما تتضمنه من مسالك وصعوبات التً‬
‫تعترٌها البد أن ٌجعلها تتفاوت فً الطرق وتتماٌز عن بعضها البعض بإختبلؾ المسالك‬
‫والمناهج والو صول الى معرفة الحقٌقة ‪ ،‬ولوال هذا لما وجد هذا التنوع والتعدد فً الطرق‬
‫الصوفٌة وال تتمٌز طرٌقة صوفٌة عن أخرى إال بتعدد منهاجها التً تنتهجها ‪ ،‬بالرؼم من‬
‫هذا إال أنه ال ٌعنً بالضرورة أن كل هاته الطرق المتعددة قد تتبع فً مسلكها ما ٌتفق مع‬
‫الشرع أي قد تكون على درجة واحدة من المعرفة الحقٌقة أو الوصول إلى الوالٌة والعرفان‬
‫عن طرٌق اإلعتماد المستند على الشرع ‪ ،‬فقد تكون هناك طرق تصنؾ ضمن الطرق التً‬
‫ال تتفق مع الدٌن اإلسبلمً والتارٌخ الصوفً ٌشهد على هذا كونها خارجة عما تتصؾ به‬
‫تلك الطرق التً تنتهج النهج السلٌم والشرع لبلوغ الحقابق بطرق شرعٌة ال تتنافى مع‬
‫اإلسبلم فً مسلكها ‪.‬‬

‫ولعل النورسً قد أشار من خبلل مإلفاته إلى هاته الطرق التً ٌعتبرها خارجة عن‬
‫دابرة الشرع ‪ ،‬كون هذه الطرق قسما منها إما قد ؼلب علٌه الحال واإلستؽراق والجذب‬
‫والسكر ‪ ،‬أو ٌكون مؽلوبا لسٌطرة لطابؾ ال تنقاد للتكالٌؾ الشرعٌة وال تعٌر باإلرادة‬
‫فتخرج بذلك عن دابرة الشرع ‪ ،‬كون أن أهل الجذب والسكر واإلستؽراق لٌسوا مسإولٌن‬
‫عن مخالفاتهم لما فً اإلنسان من لطابؾ ال ترضخ للتكالٌؾ الشرعٌة ‪ ،‬فعندما تتحكم فٌه‬
‫تلك اللطٌفة ال ٌبقى مسإوال أمام التكالٌؾ الشرعٌة ‪ ،‬ومادام فً اإلنسان لطابؾ أخرى ال‬

‫‪ - 1‬نفس المصدر ‪.969‬‬

‫‪- 225 -‬‬


‫ترضخ إلرادة اإلنسان كعدم رضوخها للتكالٌؾ بل ال تنقاد لتدبٌر العقل وال تذعن ألوامر‬
‫القلب والعقل فبل بد من تلك اللطٌفة عندما تستحوذ على شخص ما فإنه ال ٌسقط من مرتبة‬
‫الوالٌة بمخالفة الشرع وإنما ٌعدوا معذورا فً تلك األثناء فقط بشرط أن ال ٌصدر عنه‬
‫شًء ٌنافً حقابق الشرع وقواعد اإلٌمان إنكارا أو تزٌٌفا أو إستخفافا وٌنبؽً أن ٌصدق‬
‫بؤحقٌة الشرع وأن لم ٌكن ٌإدي حقه حق األداء وإال ؼلبت علٌه الحال وصدر منه التكذٌب‬
‫واإلنكار لتلك الحقابق المحكمة ‪.‬‬

‫من هنا فؤهل الطرٌقة حسب النورسً والذي إعتبرهما خارجٌن عن دابرة ونطاق الشرع‬
‫هما قسمان ‪ :‬قسم ٌؽلب علٌه الحال واإلستؽراق وقسم األذواق واإللهام‬

‫« القسم األول ‪ :‬قسـ منيـ إما يككف غمب عميو الحاؿ كاإلستغراؽ كالجذب‬
‫كالسكر ‪ ،‬أك يككف مغمكبا لسيطرة لطائؼ ال تنقاد لمتكاليؼ كال تعير باال لئلرادة فيخرج عف الشرع ‪،‬‬
‫لكف ىذا الخركج ال ينشأ مف عدـ الرضى بالشرع أك مف رفض األحكاـ الشرعية بؿ يترؾ تمؾ األحكاـ‬
‫إضط ار ار دكف إرادة منو ‪ ،‬فيناؾ بعض األكلياء كىـ أكلياء كبا ار قضكا كقتيـ فترة بينيـ متمبسيف بيذه‬
‫الحاؿ ‪ ،‬بؿ مف ىذا النكع مف حكـ عمييـ أكلياء محققكف ‪ ،‬إنيـ ليسكا خارجيف عف دائرة الشرع كحدىا بؿ‬
‫منيـ مف ىك خارج عف دائرة اإلسبلـ ‪.‬اال بشرط أال يكذبكا بجميع ما جاء بو الرسكؿ صمى ا﵀ عميو‬
‫كسمـ مف أحكاـ مع أنيـ ال يؤدكف حقيا إما لعدـ تفكرىـ بيا أك لعدـ إستطاعتيـ التكجو إلييا أك لعدـ‬
‫‪1‬‬
‫تمكنيـ مف معرفتيا أك عدـ فيميا كلكف إذا عرفيا أحد منيـ كرفضيا فقد ىمؾ»‬

‫« القسم الثاني ‪ :‬فيـ المنجذبكف لنشكة األذكاؽ البراقة لمطريقة كالحقيقة فبل‬
‫يبالكف بالحقائؽ الشرعية التي ىي أرقى مف مستكل مذاقيـ ‪ ،‬كيعتبرىا أحدىـ غير ذات مذاؽ لعجزه عف‬
‫بمكغيا ‪ ،‬فيؤدييا صكرة شكمية كىذا يبمغ بو األمر تدريجيا إلى أف يظف الشريعة مجرد قشر ظاىرم كأف‬
‫ما كجده مف الحقيقة ىك األساس كالغاية كالقصد فيقكؿ ‪ :‬حسبي ما كجدتو فيقكـ بأفعاؿ مخالفة لما يأمر‬
‫بو الشرع»‪.2‬‬

‫‪ - 1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.253‬‬


‫‪ - 2‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.253‬‬

‫‪- 226 -‬‬


‫وبالتالً فؤهل الطرٌقة الخارجٌن عن السنة المطهرة ومخالفتهم أٌضا حسب النورسً لها‬
‫جهتٌن وٌصنفها كاآلتً ‪:‬‬

‫« األكلى ‪ :‬أف ينجذب الكلي لحالو كنيجو كإنجذاب الزمخشرم‪ 1‬لمذىبو ‪،‬‬
‫غير ميتـ إلى حد ما بآداب الشرع التي لـ يبمغ أذكاقيا بعد ك الثانية ‪ :‬أف يظر الكلي إلى آداب الشريعة‬
‫أنيا غير ذات أىمية أصبل ب النسبة لدساتير الطريقة كقكاعدىا ‪ ،‬لككنو قد عجز عف أف يستكعب تمؾ‬
‫األذكاؽ الكاسعة ‪ ،‬فمقامو القصير ال يستطيع أف يبمغ تمؾ اآلداب الرفيعة»‪.2‬‬

‫من خبلل هذا نرى مدى إدراك النورسً ما تتضمنه الطرق الصوفٌة من إنحرافات قد‬
‫تخالؾ الشرٌعة وبالتالً تخرجها عن دابرة اإلسبلم كله ‪ ،‬لهذا كان حرٌصا فً مسلكه أن‬
‫ٌكون فً طرٌقه ومسلكه للوصل إلى المعرفة الحقٌقٌة هً المعرفة الشرعٌة كما ٌسمٌها‬
‫والتً تتفق مع ما نص علٌه القرآن والسنة النبوٌة الشرٌفة حتى ال ٌؽرق فٌما ؼرقت فٌه‬
‫بعض الطرق الصوفٌة وبالتالً إبتعادها عن الحقٌقة الشرعٌة‪ .‬فالمعرفة الحقٌقٌة الشرعٌة‬
‫هً تلك الحقٌقة المضبوطة بالوحً القرآنً والذي ٌعتبر أسمى من تلك اإللهامات واألذواق‬
‫الجانب‬ ‫الصوفٌة ‪ ،‬وعلى سنة نبٌنا محمد صلى هللا علٌه وسلم التً تعتبر تجسٌد‬
‫المعامبلتً فً التعامل مع الحقابق الشرعٌة‪.‬‬

‫« لذلؾ فإتباع السنة المطيرة ىك طريؽ الكالية الكبرل ‪ ،‬كىك طريؽ كرثة النبكة‬
‫مف الصحابة كالسمؼ الصالح كألمع طريؽ مكصمة إلى مرتبة الكالية مف بيف جميع الطرؽ بؿ أقكميا‬
‫كأغناىا »‪.3‬‬

‫‪ - 1‬الزمخشري ‪ :‬هو أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد الزمخشري جار هللا ولد بزمخشر ‪134‬هـ ‪ -‬توفً ‪ 295‬هـ ‪ ،‬من‬
‫أصحاب المعتزلة شدٌد التعصب لمذهبه ال ٌكفره أهل التحقٌق من أهل السنة وال ٌدرجونه فً صفوؾ الضالٌٌن رؼم‬
‫إعتراضاته القاسٌة علٌهم‪ ،‬إمام عصره فً اللؽة والتفسٌر له " الكشاؾ عن حقابق التنزٌل " " الفابق فً ؼرٌب الحدٌث‬
‫"و " المفصل " فً النحو وأساس الببلؼة وؼٌرها‪.‬‬
‫‪ - 2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.255-254‬‬
‫‪ - 3‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.254‬‬

‫‪- 227 -‬‬


‫المطلب الثالث ‪ :‬مزالق سالكوا التصوف عند النورسي‬

‫ٌشٌر "سعيد النورسي" من خبلل تلوٌحاته حول التصوؾ إلى أن هناك مزالق ٌقع فٌها‬
‫سالكوا هذا الطرٌق ‪ ،‬وذلك لعدم إتباعهم فً هذا المسلك الطرٌق النبوي على الوجه‬
‫الصحٌح مما ٌدخلهم فً مزالق وورطات كما سماها وٌشٌر إلى هذه المزالق وٌعددها فً‬
‫ثمانٌة مزالق وورطات وهذا حسب قوله فً التلوٌح الثامن من كتابه المكتوبات حٌث ٌقول‬
‫فً التلوٌح الثامن ماٌلً ‪:‬‬

‫إن الورطة التً ٌقع فٌها سالكون من الطرق الصوفٌة مما ال ٌتبعون السنة النبوٌة على‬
‫الوجه الصحٌح ‪ ،‬حددها النورسً وحصرها فً ثمانٌة مزالق وورطات هً كاآلتً‪:‬‬

‫« أوال ‪ :‬إعتقادىـ بأرجحية الكالية عمى النبكة ‪ ،‬فحيف أف مدل سمك النبكة‬
‫عمى الكالية كخفكت ضكء األخيرة أماـ نكر النبكة الساطع ‪.‬ثانيا ‪ :‬تفضيؿ قسـ مف المفرطيف األكلياء‬
‫عمى الصحابة الكراـ رضكاف ا﵀ عمييـ ‪ ،‬بؿ رؤيتيـ في مرتبة األنبياء‪ ،‬كيرل النكرسي أف األكلياء ال‬
‫يمكف أف يبمغكا مرتبة األنبياء أصبل كفضبل عف أف يتفكقكا عمييـ كال يمكنيـ أف يبمغكا قطعا مرتبة‬
‫األنبياء‪.‬ثالثا ‪ :‬ترجيح بعض المتعصبيف كالمتطرفيف جدا لمطريقة ألكراد طريقتيـ كآدابيـ عمى أذكار‬
‫السنة النبكية الشريفة ‪ ،‬فيسقطكف بذلؾ الى منزلؽ مخالفة السنة النبكية كتركيا في الكقت الذم يظمكف‬
‫متشبتيف بأكراد طريقتيـ أم أنيـ يسمككف سمكؾ غير المبالي بآداب السنة النبكية الشريفة ‪ ،‬فييككف في‬
‫الكرطة كيشيركيستند النكرسي في ىذه النقطة الى كبارمحققي الطرؽ الصكفية كأمثاؿ الغزالي كاإلماـ‬
‫الرباني بقكليـ‪ ":‬إف إتباع سنة كاحدة مف السنف النبكية يككف مقبكال عند ا﵀ أعظـ مف مائة مف اآلداب‬
‫كالنكافؿ الخاصة ‪ ،‬إذ كما أف فرضا كاحدا يرجح ألفا مف السنف ‪ ،‬فإف سنة كاحدة مف السنف ترجح ألفا مف‬
‫آداب التصكؼ » "‪.1‬‬

‫كما ٌعتبر أن اإللهام هو عند المتصوفة من بعتبره بمثابة وحٌا الذي ٌعتبر أسمى من ذلك‬
‫فهو ٌعتبره أمرا سلبٌا وومن المزالق الخطٌرة فً الطرٌق الصوفً إذ ٌعبر النورسً بقوله‬

‫‪ - 1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.255‬‬

‫‪- 228 -‬‬


‫« رابعا ‪ :‬إف بعض مف المتطرفيف مف أىؿ التصكؼ يظنكف خطأ أف "اإللياـ"‬
‫ىك بمرتبة "الكحي"‪ ،‬كما يعتبركف أف اإللياـ نكعا مف أنكاع الكحي فيسقطكف في ىذا المزلؽ الخطير ‪...‬‬
‫أف الكحي ىك ساـ كعاؿ كساطع كضاء ككمي شامؿ بينما اإللياـ بالنسبة إليو جزئي خافت‪.‬خامسا ‪ :‬أف‬
‫بعض مف المتصكفيف مما لـ يدرككا تماما سر الطريقة في ككنيا كسيمة كليست غاية بحد ذاتيا ‪ ،‬قد‬
‫ينجذبكف كيتكجيكف إلى ما يفاض عمييـ مف الكرامات كاألذكاؽ كاألنكار ‪ ،‬تمؾ التي تكىب كال تسأؿ إذ‬
‫يمنحيا ا﵀ سب حانو كتعالى لتقكية الضعفاء كتشجيعا لممتكاسميف ‪ ،‬كتخفيفا مف المشقة كالسأـ ‪ ،‬الذم‬
‫يعترييـ مف شدة اإلجياد في العبادة ‪ ،‬فينجركف إلى تفضيؿ تمؾ الكرامات كاألذكاؽ كاألنكار عمى فركض‬
‫الديف كالخدمو تحت لكائو كقراءة األذكار كاألكراد فسيسقطكف في ىذا المزلؽ»‪. 1‬‬

‫وبالتالً ٌشٌر "النورسً إلى أن الدار الدنٌا هً دار عمل لآلخرة ولٌس لئلستمتاع بها فقط‬

‫« أف ىذه الدنيا ىي دار خدمة كعمؿ كليس دار ثكاب كمكافأة ‪ ،‬فالذيف‬
‫يرغبكف في قطؼ ثمار أعماليـ في ىذه الحياة الفانية ‪ ،‬إنما يستبدلكف المكافأة الدنيكية الفانية بثمار‬
‫اآلخرة األبدية ‪ ،‬فضبل عف ىذا أف ىذا يدؿ عمى بقايا تعمؽ بالدنيا كرغبة في اإلستمتاع بيا ‪ ،‬كيككف ىذا‬
‫سببا في خفكت شكقيـ كتطمعيـ إلى الحياة البرزخية ‪ ،‬بؿ يريدكف ىذه الحياة ‪ ،‬إذ يجدكف فييا نكعا مف‬
‫ثمار اآلخرة »‪.2‬‬

‫«‪ -6‬المزلؽ الذم يقع فيو قسـ مف سالكي الطرؽ الصكفية مف غير أىؿ‬
‫الحقيقة ‪ ،‬عندما يمتبس عمييـ األمر فيتكىمكف بأف ظبلؿ مقامات الكالية كنماذجيا المصغرة كأنيا ىي‬
‫المقاـ الحقيقي كالكمي كاألصمي‪ ،‬كيشبو النكرسي ىذا بقكلو في الكممة الرابعة كالعشركف مف الكممات " أف‬
‫الشمس كاف تعدد ت صكرىا بتعدد المرايا التي تنعكس عمييا فيذه الصكر تممؾ ضياء الشمس كح اررتيا‬
‫كلكف ليس الضياء األصمي نفسو ‪ ،‬كال ىي الح اررة نفسيا فيي باىتة األنكار بالنسبة لمشمس الحقيقية ‪،‬‬
‫كذلؾ فإف مقاـ النبكة كلمقاـ كبار األكلياء شيئا مف الظبلؿ التي يمكف ألىؿ الطرؽ أف يستظمكا بيا ‪،‬‬
‫لكنيـ يظنكف أثناء دخكليـ فييا أنيـ أعظـ درجة مف كبار األكلياء ‪ ،‬بؿ حتى مف األنبياء»‪.3‬‬

‫‪ - 1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.256‬‬


‫‪ - 2‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.256‬‬
‫‪3‬‬
‫المردر‪ ،‬ص ‪.387-398‬‬ ‫‪ -‬نف‬
‫‪- 229 -‬‬
‫كما ٌعتبر النورسً أن الشطحات واالذواق هً من بٌن المزالق الصوفٌة وذلك ألنه ٌرى‬
‫أن هاته الشطحات واألذواق تدعوا إلى التفاخر وجذب المرٌدٌن بدل الشكر والحمد وبالتالً‬
‫الدعاء الذي ٌعتبر عبادة هلل واإلستؽناء عن الناس‬

‫«‪ -7‬كىي المزلؽ الذم يقع فيو قسـ مف أىؿ األذكاؽ كاألشكاؽ مف أصحاب‬
‫الطرؽ عندما ينصرفكف إلى الفخر كاإلدعاء كاشاعة الشطحات كطمب تكجو الناس كنيؿ المرجعيات‬
‫الدينية ‪ ،‬كيفضمكف في ىذه العجاالت عمى الشكر كالتضرع كالحمد كاإلستغناء عف الناس ‪ ،‬بينما عبكدية‬
‫محمد صمى ا﵀ عميو كسمـ ىي أسمى مرتبة في العبكدية ‪ ،‬تمؾ العبكدية التي نستطيع كصفيا بالمحبكبية‬
‫أك عبكدية المحبة‪،‬فأساس العبكدية كسرىا ىك التضرع كالحمد كالدعاء كالخشكع كالعجز كالفقر كاإلستغناء‬
‫عف الناس كبيذا فقط يمكف الكصكؿ إلى كماؿ تمؾ الحقيقة ‪ ،‬حقيقة العبكدية» ‪. 1‬‬

‫وٌذكر النورسً فً هذه النقطة أنه ال ٌجب على المسلم السابق أن ٌتبع هإالء واإلقتداء بهم‬
‫ألنهم نموذج للفخر والطلب وهو ما جاء عكس دٌننا الذي ٌنادي بالتضرع والشكر وبالتلً‬
‫ال ٌصح اإلقتداء بهم‬

‫« إف عددا مف األكلياء الكبار إضطركا دكف إختيار منيـ لغمبة الحاؿ كبشكؿ‬
‫مكقؼ فقط إالى الخركج إلى ساحة الفخر كالطمب كالشطحات ‪ ،‬لذا فبل يجكز إتباعيـ إختيا ار في حاليـ‬
‫ىذه فيـ ميتدكف كلكنيـ ىنا في ىذه النقطة بالذات ليسكا قدكة في اليداية ‪ ،‬لذا ال يمكف السير كراءىـ‬
‫كاإلقتداء بيـ»‪.2‬‬

‫« كىي الكرطة التي يتكرط فييا قسـ مف المتعجميف كالقاصديف المنافع الذاتية‬
‫مف أىؿ الطرؽ كالذيف يرغبكف في تناكؿ ثمرات الكالية في الدنيا بدال مف قطفيا في اآلخرة‪ .‬كعندما يدؿ‬
‫سمككيـ عمى ىذه الرغبة كتتكشؼ نيتيـ مف خبلؿ ىذا السمكؾ يككنكف فعبل قد أسقطكا في ىذه الكرطة ‪،‬‬

‫‪ - 1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.261‬‬


‫‪ - 2‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.261‬‬

‫‪- 230 -‬‬


‫كيشير بيذا "النكرسي" إلى اإلستناد بآيات قرآنية كآية آؿ عمراف اآلية ‪ ":185‬كما الحياة الدنيا إال متاع‬
‫الغركر»‪.1‬‬

‫ومن خبلل هذا نستنتج أن النورسً كان ٌرفض من كان كان ٌطلب الثمرات فً هذا‬
‫الطرٌق من كرامات‪ ،‬بل فً حالة أعطٌت له دون أن ٌطلب هذا أن ٌحمد هللا وٌشكره وهذا‬
‫ما ٌعكس أن الطرٌق الصوفً عند النورسً هو خالً مما هو موجود فً السابق لبلوغ‬
‫كرامات معٌنة فً مقابل هذا السٌر والرٌاضة الروحٌة وإنما اعظم الكرامات عنده إنما هً‬
‫دوام اإللتزام بالشرع والسنة الشرٌفة كما أسلفنا سابقا ‪.‬‬

‫وٌشٌر "النورسً " إلى أنه ٌمكن تخطً هذه المزالق بقوله ‪:‬‬

‫« كإلنقاذ أنفسيـ مف جميع ىذه المزالؽ المذككرة سابقا ‪ ،‬عمييـ أف يضعكا‬

‫أصكؿ اإليماف كأسس الشرع نصب أعينيـ كيتخذكىا مرشدا دائما ليـ ‪ ،‬كأف يخالفكا أذكاقيـ كمشيكداتيـ‬

‫كينيمكىا عند تعارضيا مع تمؾ األسس»‪.2‬‬

‫وبهذا نستنتج أنه ال ٌمكن تخطً هاته المزالق والشبهات التً صاحبت الفكر والمنهج‬
‫الصوفً إال من خبلل اإلستناد على المرجعٌة الدٌنٌة الصحٌحة أال وهً القرأن الكرٌم‬
‫والسنة النبوٌة الشرٌفة الخالٌة من تلك النظرٌات والعقابد التً شوهت جوهر التصوؾ وهو‬
‫األخبلق ‪.‬‬

‫‪ - 1‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.264‬‬


‫‪ - 2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.261‬‬

‫‪- 231 -‬‬


‫خالصة‬

‫لقد أراد النورسً أن ٌخاطب أكبر عدد من الناس لٌبرز لهم حقابق اإلٌمان جلٌة ‪ ،‬وٌحثهم‬
‫بالتالً على إتباعها والتمسك بها والدفاع عنها فً خضم الصراع مع التٌارات الؽربٌة‬
‫المعادٌة لئلسبلم ولعله حقق فً ذلك شٌبا كثٌرا وإن لم ٌكن كل ما أراده وطمح إلٌه‬

‫وقد تبٌن أن النورسً لم ٌسع إلى إنشاء طرٌقة صوفٌة معٌنة وإن كان زاهدا وورعا دابم‬
‫الذكر والعبادة‪ .‬وإنما كان هدفه أبعد من ذلك وهو إعادة إحٌاء التصوؾ ومعالمه التً‬
‫تمٌزت بها الحٌاة الروحٌة لدى المسلمٌن خبلل المرحلة األولى التً جاء بها وهً العمل به‬
‫كمنهج تطبٌقً وسلوكً بعٌد كل البعد عن مجال التنظٌر فٌه ‪.‬‬

‫‪- 232 -‬‬


‫الفصل الرابع‬
‫األبعاد ثنابٌة الشٌخ والمرٌد وموقع الكرامات عند النورسً‬

‫‪- 233 -‬‬


‫تمهٌد‬

‫إن النورسً ٌعتبر من دعاة الوسطٌة واإلعتدال وإتباعه المنهج الصوفً لٌبٌن تلك‬
‫الحقابق اإلٌمانٌة والدعوة إلى التمسك بها فً خضم الصراع القابم مع تٌارات التؽرٌب التً‬
‫تعادي اإلسبلم ‪ ،‬وبالتالً إتبع المنهج الصوفً لترشٌد عمله الذي كان بمثابة الدعوة ومن‬
‫جانب آ خر لما ٌتناسب مع إنسان العصر لتحقٌق توازن روحً ومادي فً آن واحد ‪ ،‬وألن‬
‫معرفة المنهج الصوفً الذي إتبعه النورسً خبلل جهوده اإلصبلحٌة من خبلل توجٌه‬
‫خطابه المإسس على منهج القرآن الكرٌم والسنة النبوٌة الشرٌفة ‪ ،‬وإلرتباط المنهج‬
‫بالوسابل كان ال بد لنا من دراسة ومعرفة الوسابل التً إعتمدها فً منهجه وفً مساره‬
‫اإلصبلحً حتى نتلمس مدى تؤثٌرها على اآلخرٌن بإعتبارها الحاملة لخطاباته للتؤثٌر فٌهم‬
‫وتوجٌههم التوجٌه السلٌم ‪ ،‬كما أن لهذه الوسابل اإلسهام الكبٌر فً عملٌة التؤثٌر على اآلخر‬
‫وبؤنها تمٌزت بالتنوع والتعدد بحسب تعدد فبات المجتمع فلم ٌختص خطابه بفبة معٌنة بل‬
‫كان شمولٌا وبذلك كان هناك تكامل بٌن تعدد الوسابل وفبات هذا المجتمع وهذا ما ٌعكس‬
‫شمولٌة هذا المنهج فً إٌصال خطابه وفكره ‪ ،‬وبالرؼم من تعدد فبات المجتمع و الوسابل‬
‫إال أنها كانت تتفق مع ؼاٌات وأهداؾ الفكر اإلصبلحً الذي ٌعتبره النورسً بمثابة الدعوة‬
‫كما سندرج فً هذا الفصل عبلقة التصوؾ بالكرامة وهً الجانب األنثربولوجً حتى‬
‫نعطً صبؽة أنثربولوجٌة لبحثنا وبالتالً عبلقة هذا التصوؾ بما ٌعرؾ بالكرامة فً الفكر‬
‫الصوفً وعرض بعض نماذج الكرامات عند النورسً ومن جهة أخرى ربط هذه الكرامة‬
‫ببعض األنماط الثقافٌة األخرى تمارس داخل المجتمعات ذات الصبؽة الصوفٌة‬
‫كاإلستدراج والرإٌة كل هاته األنماط الثقافٌة تعكس الجانب األنثربولوجً وهو الجانب‬
‫الذي ٌكشؾ عن المستور وعما هو ؼٌر مكشوؾ عنه داخل هاته المجتمعات بالرؼم من‬
‫تجسٌدها وممارستها داخل النسٌج اإلجتماعً‪.‬‬

‫‪- 234 -‬‬


‫المبحث األول ‪ :‬منهج ووسائل الخطاب عند النورسي‬

‫المطلب األول ‪ :‬منهج الوسطية عند النورسي‬

‫إن الوسطٌة واإلعتدال تحقق السعادة ‪ ،‬بحٌث ال ؼلو وال جفاء ‪ ،‬وال إفراط وال‬
‫تفرٌط لقوله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا ‪ ،‬إن الوسطٌة منهج ربانً ٌمنع العبد من‬
‫الظلم و الحٌؾ إلى أحد الطرفٌن ‪ ،‬وإن من ممٌزات اإلسبلم أنه دٌن وسط ‪ ،‬فالوسطٌة‬
‫إحدى الخصابص العامة لئلسبلم ظهر فً سٌاق التطرؾ ومواجهة العنؾ الذي أصبح‬
‫نهجا للعدٌد من الحركات اإلسبلمٌة‬
‫لذا فالوسطٌة منهج فكري ٌقوم على اإلعتدال فً كل أمور الحٌاة ‪ ،‬وهً إجتناب‬
‫كل مظاهر الؽلو سواءا فً الفكر أوالسلوك أوالممارسة ‪.‬‬

‫« فالديف االسبلمي ىك كسط بيف الييكدية كالنصرانية ‪ ،‬الييكدية التي‬


‫حممت العمـ كألغت العمؿ ‪ ،‬كالنصرانية التي غالت في العبادة كأطرحت الدليؿ ‪ ،‬فجاء اإلسبلـ بالعمؿ‬
‫‪1‬‬
‫كالعمـ كالركح كالجسد كالعقؿ كالنقؿ »‬

‫كما أن الوسطٌة فً الحٌاة اإلنسانٌة تعتبر كمنهج ٌبعث السعادة ‪ ،‬فالوسطٌة فً‬
‫العبادات على سبٌل المثال فً الجانب الدٌنً أنك ال تؽالً فتنهك جسدك وتقضً على‬
‫نشاطك ومداومتك ‪ ،‬وال تجؾ فتطرح النوافل وتخدش الفرابض وتركن إلى التسوٌؾ ‪،‬‬
‫وفً الجانب اإلقتصادي إنفاقك ‪ ،‬فبل تتلؾ أموالك وتهلك دخلك ‪ ،‬وفً الجانب اإلجتماعً‬
‫وسط فً خلقك بٌن الجد المفرط والٌن المتداعً بٌن العزلة المتوحشة وبٌن الخلطة الزابدة‬
‫‪ ،‬إن الوسطٌة تعتبر منهج اإلعتدال فً أخذ األمور والحكم على األشٌاء ومعاملة اآلخرٌن‬
‫فبل زٌادة ٌطفوا بها كٌل القٌم وال نقص ٌضمحل به أصل الخٌر ‪ ،‬ألن الزٌادة ترؾ‬
‫وسرؾ والنقص جفاء وحفاء‪.‬‬

‫‪ -1‬عرئض القرنً ‪ ،‬ال تحز ‪ ،‬دار البرهرن للنشر والطبرعة والتوزٌع ‪ ،‬بٌروت ‪،‬‬
‫لبنرن ‪ ،‬الطبعة الترسعة عشر ‪6772 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.577‬‬
‫‪- 235 -‬‬
‫فمن عرؾ حقٌقة هذا الدٌن ‪ ،‬علم أنه جاء لتنظٌم حٌاة الفرد أو العبد فً قلٌلها وكثٌرها‬
‫صؽٌرها وجلٌلها وكل شًء عند بحسبان ‪ ،‬فمن الشرابع السماوٌة الدعوة إلى التنظٌم‬
‫وا لتنسٌق والترتٌب حٌث قال بعض أهل العلم القرآن الكرٌم مبارك فً تبلوته والعمل‬
‫به ‪.‬‬

‫وبإعتبار أن النورسً كان مشربه من القرآن الكرٌم والسنة المطهرة الشرٌفة إلى أنه‬
‫إستلهم منهج الوسطٌة واإلعتدال ‪ ،‬بل كان من دعاة الوسطٌة واإلعتدال فً جمٌع مناحً‬
‫الحٌاة الدٌنٌة نبلحظ فً طرٌقتة أنه إقتصر على العبادات المفروضة واألذكار بعد‬
‫الصبلة كاإلستؽفار واإلبتعاد عن الكبابر والموبقات السبع ‪ .‬وهذا ما ٌدل على أن من‬
‫مظاهر الوسطٌة فً اإلسبلم ماٌلً ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬فً العقٌدة تتجلى فً توحٌد هللا وإفراده بالعبودٌة‪ ،‬وتنزٌهه عن الشرك ‪.‬‬

‫ثانٌا ‪ :‬فً التشرٌع تتجلى فً إباحة الطٌبات وتحرٌم الخبابث‪ ،‬التوازن بٌن مطالب‬
‫الروح والجسد والعمل للدنٌا واآلخرة ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬فً العبادات تكلٌؾ العباد بما ٌطٌقونه – التروٌح عن النفس وتجدٌد نشاطها بما‬
‫أحل هللا‪.‬‬

‫وإذا قارنا الوسطٌة بالؽلو والتقصٌر نجد األضرار التالٌة ‪:‬‬

‫فً شؤن الؽلو فإنه ٌسبب فً إرهاق النفس وؼالبا ما ٌفضً إلى الملل ‪.‬فً شؤن التقصٌرفإنه‬
‫ٌعطل النفس البشرٌة وقدراتها الطبٌعٌة‪ ،‬وٌفضً إلى عدم نشاطها وٌفضً بها إلى الكسل‬
‫والخمول‬

‫بٌنما نبلحظ أن من أثر اإللتزام بالوسطٌة واإلعتدال إنما هو حدوث التوازن فً اإلنسان‬
‫بٌن المادة والروح بحٌث ال ٌطؽى جانب على آخر المحافظة على حقوق الؽٌر وهذا ما حث‬
‫علٌه النورسً من خبلل خطابه بٌن تحقٌق التوزان الروحً والتوازن المادي عن طرٌق‬
‫تربٌة روحٌة بترسٌخ حقابق اإلٌمان فً القلوب والحث على التضامن واألخوة والمحبة‬
‫واألخبلق الفاضلة بٌن األ فراد لبناء مجتمع قوٌم وسلٌم من اإلنحراؾ وٌحقق التوازن‬
‫‪- 236 -‬‬
‫الروحً والمادي الذي ٌشمل مناحً الحٌاة وذلك بؤن ٌتحلوا باإلعتدال والوسطٌة فً كل‬
‫شًء سواء فً األكل أو الشرب أو الملبس أو العمل أو اإلنفاق‪...‬الخ ولعلى رسالة اإلقتصاد‬
‫هً النموذج األمثل الذي ٌوضح معنى اإلعتدال فً المفهوم النورسً وقد أشرنا إلٌها فً‬
‫األبعاد النورسً اإلقتصادٌة ‪ ،‬ولهذا كان النورسً ٌعتبر أن الوسطٌة هً أنفع طرٌق فً‬
‫حٌاة اإلنسان بكل جوانبها ومجاالتها المتعددة ‪.‬‬

‫« فإف الكسطية كاإلستقامة ىي أنفع طريؽ كأيسرىا كأقصرىا مف بيف جميع‬


‫‪1‬‬
‫الطرؽ المسمككة في حياة اإلنساف الشخصية كاإلجتماعية »‬

‫وما ٌبٌن أنه إنتهج الوسطٌه هو موازنته بٌن العلوم الحدٌثة والعلوم الدٌنٌة ومخاطبة‬
‫العقل والقلب والروح وبعده عن اإلفراط والتفرٌط إال دلٌل على إنتهاجه مسلك الوسطٌة‬
‫واإلعتدال الذي ٌمثل تٌار الفكر اإلسبلمً المعتدل ‪ ،‬فالوسطٌة بالمعنى النورسً هً‬
‫منهج فكري أخبلقً وسلوكً ‪ .‬وال ٌكون التوسط واإلعتدال إال باإلستقامة على أمر هللا‬
‫تعالى وطاعته من خبلل اإللتزام بطاعة هللا ظاهرا وباطنا‪ ،‬والبعد عن معصٌة هللا ظاهرا‬
‫وباطنا‪ ،‬دون مٌل ال إلى إفراط وال إلى تفرٌط ‪ ،‬ال إلى ؼلو وال إلى تقصٌر‪ ،‬وبهذا فإن‬
‫النورسً ٌرى أن الوسطٌة تمثل توازن عجٌب بٌن الدٌن والدنٌا ‪ ،‬فهو ال ٌطلب الحٌاة‬
‫الدنٌا على حساب اآلخرة وال اآلخرة على حساب الدنٌا‪ .‬وهذا ما ٌعكس أن الوسطٌة التً‬
‫نصت علٌها الشرٌعة اإلسبلمٌة أنها تتسم بالمرونة‪ ،‬وقابلٌة تشرٌعاته للتجدٌد‪ ،‬والتمشً‬
‫مع مقتضٌات العصر والحاجات والمسابل المستجدة فً كل عصر‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬وسائل منهج الخطاب عند النورسي‬

‫إن محاولة بدٌع الزمان سعٌد النورسً فً عملٌة التجدٌد واإلصبلح والنهوض باألمة‬
‫اإلسبلمٌة خاصة فً المجتمع التركً من حٌث اإلٌمان باهلل وإعادة إحٌاء وتقوٌة الصله به‬
‫‪ ،‬كانت تتجسد فً رسابل النور التً نعتبرها فً حد ذاتها وسٌلة لنشر الدعوة اإلسبلمٌة‬
‫التً لم تقتصر على طبلب النور وإنما تعدت إلى كل خادم القرآن الكرٌم فً كل أنحاء‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬الشعاعات ‪ ،‬ص ‪.321‬‬


‫‪- 237 -‬‬
‫العالم اإلسبلمً ‪ ،‬ففً مضامٌنها تحوي رسابل إرشادٌة وواعظة تؤسست على األسس‬
‫اإلسبلمٌة الصحٌحة منبعها المصدر المقدس لدى العالم اإلسبلمً أال وهو القرآن الكرٌم‬
‫والسنة الشرٌفة المطهرة كترجمان وتفسٌر لما جاء فً القرآن الكرٌم ‪ .‬كانت محاوالته‬
‫بمثابة إرهاصات قام بها فً ظل ظروؾ صعبة تم فٌها إستبصال الدٌن من المجتمع أي‬
‫الواقع اإلجتماعً ا لتركً إن صح التعبٌر‪ ،‬بؽٌة إنقاذ إٌمان الناس وبالتالً إعادة إحٌاء‬
‫معانً القرآن الكرٌم ومقاصده ذات األبعاد الثبلثٌة المتمثلة فً النفس والعقل والروح فهً‬
‫منها ؼنً جدا من منبع قرآنً صاؾ ‪ ،‬وقد وصؾ بدٌع الزمان رسابله فً هذا الصدد‬
‫بقوله ‪:‬‬

‫« إف رسائؿ النكر ال تعمر تخريبات جزئية كال ترمـ بيتا صغي ار ميدما بؿ‬
‫تعمر أيضا تخريبات عامة كمية كترمـ قمعة عظيمة صخكرىا كالجباؿ تحتضف اإلسبلـ كتحيط بو ‪،‬كىي‬
‫ال تسعى إلصبلح قمب خاص ككجداف معيف بؿ تسعى أيضا كبيدىا إعجاز القرآف لمداكاة القمب العاـ‬
‫المجركح كضماد أفكار العامة المكمكمة بالكسائؿ المفسدة التي ىيئت لو كركمت منذ ألؼ سنة ‪ ،‬كتنشط‬
‫لمداكاة الكجداف العاـ الذم تكجو نحك الفساد نتيجة تحطـ األسس اإلسبلمية كتياراتو كشعائره التي ىي‬
‫المستند العظيـ لمجميع ك السيما عكاـ المؤمنيف ‪ ،‬نعـ إنيا تسعى لمداكاة تمؾ الجركح الكاسعة الغائرة‬
‫بأدكية إعجاز القرآف كاإليماف»‪.1‬‬

‫وبما أن الدعوة ال تقتصر على وسٌلة واحدة وإنما تختلؾ ‪ ،‬وبإدراك النورسً لهاته‬
‫النقطة فٌما ٌخص إختبلؾ الوسابل لكن أن تبقى محافظة على نفس األسس والؽاٌات‬
‫المحددة بالرؼم من تعددها إال أن مضمونها واحد تساهم فً الكشؾ عن الحقٌقة‬
‫بوضوح‪ .‬ونبلحظ أن "بدٌع الزمان سعٌد النورسً " قد إعتمد على العدٌد من الوسابل‬
‫المختلفة لنشر أفكاره اإلصبلحٌة والتجدٌدٌة لبلوغ ؼاٌاته من الدعوة ‪ ،‬ومن المبلحظ أنها‬
‫تنوعت وذلك حسب الظروؾ الزمانٌة والمكانٌة التً كان ٌعاٌشها حتى فً أزماته‬
‫وظروفه ا لصعبة ولكن لم تكن هاته الظروؾ تشكل عابقا أمام نشر أفكاره اإلصبلحٌة‬
‫وإنما بلػ به األمر أن حول هاته الظروؾ واألزمات فً حد ذاتها إلى وسابل لتبلٌػ‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المبلحق ‪ ،‬ص ‪.445‬‬


‫‪- 238 -‬‬
‫رسالته ونرى هنا اللمسة التجدٌدٌة حتى فً الوسابل منها على سبٌل التوضٌح كٌؾ‬
‫جعل السجن الذي ٌعتبر كظرؾ قاهر وصعب على أي فرد تواجد به وحوله إلى وسٌلة‬
‫ومنبرا من منابر دعوته ومجهوداته اإلصبلحٌة وأطلق علٌها إسم المدرسة الٌوسفٌة‬
‫نسبة وتشبٌها لسٌدنا ٌوسؾ علٌه السبلم حٌنما كانت دعوته إلى هللا داخل السجن وكٌؾ‬
‫أن هاته الدعوة كانت سببا إلرتقابه الروحً والدنٌوي حتى أصبح عزٌز مصر‪،‬‬
‫باإلضافة إلى هذا نراه من خبلل سٌرته الذاتٌة كٌؾ حول تلك المرافعات القضابٌة ضده‬
‫فً المحاكم كٌؾ حول هاته المرافعات إلى دفاعات قوٌة بالحجج والبراهٌن المنطقٌة‬
‫اإلقناعٌة وبشجاعة أمام دعاة العلمانٌة ‪.‬‬

‫فمن خبلل متابعة سٌرته الذاتٌة تبٌن لنا إنه إعتمد وإستعان بعدة وسابل مختلفة تجاوبت‬
‫مع الواقع والبٌبة من أجل تحقٌق أهداؾ دعوته كما نبلحظ تكامل هذه الوسابل فٌما بٌنها‬
‫وثرابها فقد تمثلت هذه الوسابل فٌماٌلً ‪:‬‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬المناظرات العلمية والمحاورات‪:‬‬

‫إستعان بدٌع الزمان سعٌد النورسً بالمناظرة والمحاورة ‪ ،‬حٌث كانت بداٌته مع ذلك مع‬
‫علماء عصره وقد أشرنا إلى هاته النقطة فً الفصل األول الخاص بسٌرته ‪ ،‬حٌث كان‬
‫ٌقوم ٌمناظرات علمٌة كما كان ٌناقشهم وٌحاورهم وٌجادلهم وٌشٌر كذلك إلى تقصٌراتهم‬
‫باعتبار أن الدولة العثمانٌة آنذاك كانت تعٌش ظروؾ صعبة وكان بحاجة ماسة إلى أهل‬
‫العلم والدعوة ‪ ،‬ونبلحظ من خبلل سٌرته والتؤمل فٌها أن هاته المناظرة كانت لها عدة‬
‫مناحً فلم تشمل المناظرات والحوارات العلمٌة فقط وانما شملت عدة حوارات‬
‫ومناظرات فً مواضٌع عدٌدة منها اآلتً ‪:‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬حوار مع النفس ‪ :‬أطلق "بديع الزمان سعيد النورسي" علٌها هذا اإلسم‬
‫بعد محاوراته مع نفسه ٌقول النورسً فً حواره مع نفسه ‪:‬‬

‫«يا نفسي الجزعة ‪ ‬لقد إقتنعت قناعة تامة – بمئات مف تجاربؾ‪ -‬إف‬
‫المصائب الظاىرية كنتائجيا تنشؽ عف ثمرات عناية إليية في منتيى المذة‪ .‬لما تنص عميو اآلية‬

‫‪- 239 -‬‬


‫ش ْيئاً َو ُى َو َخ ْيٌر لَ ُك ْم ﴾‪ ،‬تمقف درس حقيقة يقينية‪ .‬تذكرم دائما ىذا الدرس‬
‫سى أَ ْن تَ ْكَرُىوا َ‬
‫﴿و َع َ‬
‫الكريمة َ‬
‫القرآني‪ .‬ثـ إف النامكس اإلليي الذم يدير عجمة الككف‪ ،‬ذلؾ القانكف القدرم الكاسع العظيـ ال يبدؿ‬
‫ألجمؾ‪ .‬إتخذم ىذا الدستكر السامي دليبل‪" .‬مف آمف بالقدر أمف مف الكدر"‪ .‬ال تميثي كراء لذائذ مؤقتة‬
‫تافية كالطفؿ الغرير‪ .‬فكرم دكما أف األذكاؽ الفانية تكرث فيؾ حسرات كآالما معنكية ‪ ،‬بينما اآلالـ‬
‫كالمشقات تكرث لذائذ معنكية كأثكبة أخركية‪.‬فإف لـ تككني بمياء يمكنؾ أف تتحرم عف األذكاؽ المكقتة‬
‫لمشكر كحده ‪ ،‬كما أعطيت المذات إال لمشكر»‪.1‬‬

‫وفً محاورة أخرى ٌقول النورسً فً موضع آخر ‪:‬‬

‫« فيا نفسي المفتكنة بتمؾ األذكاؽ ‪ ،‬أال تزيؿ ىذه الحاالت تمؾ األذكاؽ‬
‫كميا ‪.‬يا نفسي ‪ ‬كيا دكاعي الحس الشقية العمياء ‪ ،‬المبتبلة باألذكاؽ ‪ ‬لك إستمتعت بألكؼ أصناؼ‬
‫المتع كتذكقت ألكؼ أنكاع األذكا ؽ الدنيكية فيي إلى زكاؿ في ىذا الكضع‪ .‬بؿ يتحكؿ ذلؾ الذكؽ ألما‬
‫‪2‬‬
‫بعينو‪»..‬‬

‫وفً حوار آخر أٌضا ٌقول ‪:‬‬

‫« يا نفسي لقد تجكلت ‪ -‬أنت كالركح كالقمب – في ىذه السنة كلمرة كاحدة‬
‫في أرجاء الماضي جكالت حقيقية كخيالية لمشاىدة مف تشتاقكف إليو مف المدف التي أمضيت فييا‬
‫حياتي سابقا الممتعة‪ ..‬فمـ تشاىدم في أكطاني المحبكبة تمؾ إال كاحدا أك إثنيف مف األحبة‪ .‬أما الباقكف‬
‫فمقد إرتحمكا إلى عالـ البرزخ‪ ،‬فمقد تبدلت لكحات تمؾ الحياة التي كانت تطفح بالمذة كالمتعة إلى لكحات‬
‫أليمة تقطر الحزف كاألسى»‪.3‬‬

‫ونستشهد بمحاو رة وذلك بعد رجوعه من األسر وإقامته عند أبن اخٌه "عبد الرحمن"‬
‫فً قصر على قمة "جاملجة" فً إستانبول وكانت هذه الفترة من حٌاته حٌاة مثالٌة من‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المبلحق ‪ ،‬ص ‪.961‬‬


‫‪ -2‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.969‬‬
‫‪ -3‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪،‬المبلحق ‪ ،‬ص ‪.961‬‬
‫‪- 240 -‬‬
‫الناحٌة الدنٌاوٌة ‪،‬بٌنما جرت محاورة مع نفسه أثناء نظره فً المرآة وإمعان النظر فً‬
‫تلك الشعٌرات البٌضاء من رأسه إذ به ٌحادث نفسه قاببل‪:‬‬

‫« كلكف النفس كالشيطاف‪ ،‬شنا ىجكما عنيفا عمى العقؿ كالقمب‪ ،‬كذلؾ بما‬
‫أخذاه مف تعميمات كتمقياه مف دركس مف أىؿ الضبللة كالفمسفة‪ ،‬فبدأت المناظرة النفسية في ىذا‬
‫اليجكـ حتى اختتمت‪ -‬ك﵀ الحمد كالمنة ‪ -‬بانتصار القمب كفكزه‪...‬قالت نفسي مستفسرة باسـ العمكـ‬
‫المادية الفمسفية إف األشياء المكجكدة في الككف بطبيعتيا تتدخؿ في المكجكدات ‪ ،‬فكؿ شيء متكجو‬
‫إلى سبب كصادر منو فالثمرة تؤخذ مف الشجرة كالحبكب تطمب مف التراب فماذا يعني التضرع مف‬
‫ا﵀ كطمب أصغر شيء كجزئية منو سبحانو؟ انكشؼ حاال سر التكحيد بنكر القرآف الكريـ بالصكرة‬
‫اآلية أجاب قمبي لنفسي المتفمسفة ‪ :‬إف أصغر شيء كأكثر جزئية إنما ىك كأكبر شيء كأعظمو فيك‬
‫يصدر مف قدرة خالؽ الكائنات مباشرة كيأتي مف خزينتو سبحانو فميس ىناؾ صكرة قط ‪ ،‬كما االسباب‬
‫إال ستائر»‪.1‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬حواره مع جميع فئات المجتمع ‪ :‬لم ٌنحصر حواره مع طلبته فقط أي‬
‫طبلب النور وإنما تعدى حواره لٌحاور جمٌع فبات المجتمع من نساء وشٌوخ وأطفال‬
‫وشباب ‪ ،‬وقد أدرجنا بعض من حوراته حسب كل فبة فً المبحث الخاص بفبات الدعوة‬
‫النورسً وذلك لتجنب تكرار نفس المعلومات‪.‬‬

‫الفرع الثالث ‪:‬المناظرة الخارجية أي مع األوروبٌن والمتشككٌن ٌقول بدٌع الزمان ‪:‬‬

‫« اعمـ! يامف يشتغؿ بالمناظرة مع الممحديف كالمتشككيف كالمقمديف لمزنادقة‬


‫األكربائييف! إنؾ عمى خطر عظيـ إف كانت نفسؾ غير مزكاة‪ ،‬ألجؿ إلتحاؽ نفسؾ س ار كتدريجا مف‬
‫حيث التشعر ب خصمائؾ‪ ..‬عمى أف المناظرة باإلنصاؼ المسمى بالتركي " بي طرفانة محاكمة" أشد‬
‫خط ار عمى ذم النفس األمارة »‪.2‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬ص ‪.935‬‬


‫‪ - 2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المثنوي العربً ‪ ،‬ص‪.949‬‬
‫‪- 241 -‬‬
‫نستنتج من خبلل ما قاله أن محاورة المجتمع الخارجً هً ضرورة حتمٌة ال تستطٌع أن‬
‫تتخلى عنها أي حضارة مهما بلؽت وإرتقت من التقدم والسمو وتحت هذا المنطلق حدد‬
‫النورسً شرطا مهما للمشتؽلٌن بالمناظرة الخارجٌة أال وهو تزكٌة النفس أوال وبالتالً‬
‫ٌمكن أن ٌتحدى الفبلسفة الؽربٌٌن وكذلك علمابها وحكمابها‪.‬‬

‫الفرع الرابع ‪ :‬محاورته مع الكون ‪ :‬تمثل هذا على سبٌل المثال فً محاورته للشمس‬
‫بقوله ‪:‬‬

‫« إيو يا شمس! يا مف تربعت عمى عرش جماؿ العالـ! يا لطيفة السماء‬


‫كزىراءىا! يا مف أضفيت عمى األرض بيجة كنكرا‪ ،‬كمنحت األزىار ابتسامة كسركرا‪ ،‬فمقد منحت‬
‫الدؼء كالنكر معا لبيتي كمشتمي الصغير كما كىبت لمعالـ أجمع الدؼء كالنكر»‪.1‬‬

‫كما ٌشٌر فً قول آخر الى محاورة اإلنسان الكابنات وذلك من خبلل قوله أثناء‬
‫محاورتها قاببل‪:‬‬

‫« ارفع رأسؾ ياأخي‪ ،‬كألؽ نظرة في الكائنات ‪،‬كحاكرىا‪ ...‬نعـ!اف صكت‬


‫االشياء‪ ،‬صدل كجكدىا‪ ،‬يقكؿ‪ :‬انا مكجكد‪.‬كىكذا تنطؽ الكائنات كميا معا كتقكؿ‪ :‬أييا اإلنساف‬
‫الغافؿ ال تحسبنا جامدات! فالطيكر تنطؽ‪ ،‬في تذكؽ نعمة‪ ،‬أك نزكؿ رحمة فتزقزؽ بأصكات‬
‫عذبة‪ ،‬بأفكاه دقيقة ترحابا بنزكؿ الرحمة الميداة‪ .‬حقا النعمة تنزؿ عمييا‪ ،‬كالشكر يديميا‪ ،‬كىي‬
‫تقكؿ رمز‪ :‬أيتيا الكائنات! يا إخكتي! ما أطيب حالنا! أال نربى بالشفقة كالرأفة‪ ..‬نحف راضكف‬
‫عما نحف عميو مف أحكاؿ‪ ..‬كىكذا تبث اناشيدىا بمناقيرىا الدقيقة‪ ،‬حتى تحكؿ الكائنات كميا الى‬
‫‪2‬‬
‫مكسيقى رفيعة»‬

‫المطلب الرابع ‪ :‬المرافعات القضائية والسجن كوسائل لدى النورسي في خطابه‬

‫الفرع األول ‪ :‬مرافعاته القضائية كوسيلة للخطاب النورسي‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪،‬الكلمات ‪ ،‬ص ‪.413‬‬


‫‪ -2‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.561‬‬
‫‪- 242 -‬‬
‫تمثلت فً الدفاعات التً قدمها "النورسً" أثناء محاكمته المتكررة إما وحده أو مع‬
‫طبلبه مع العلم ؼٌاب وجود محامً مكلؾ بالدفاع عنه ‪ ،‬بالتالً " فالنورسً " كان‬
‫ٌحرر مرافعاته بنفسه لٌدافع عن نفسه وعن طبلبه ولعل أول مرفاعاته كانت فً عهد‬
‫السلطان "عبد الحمٌد الثانً" إبان قترة اإلتحادٌٌن وكان سبب محاكمته هو المطالبة‬
‫بإصبل ح التعلٌم عن طرٌق إنشاء جامعة شرقً األناضول بإسم "مدرسة الزهراء" تم‬
‫رمٌه فً مستشفى المجانٌٌن وبعدها سٌق إلى المحكمة العسكرٌة العرفٌة بتهمة مطالبته‬
‫بعودة الشرٌعه اإلسبلمٌة ‪ ،‬وتجنبا لتكرار نفس المعلومات لقد أدرجت مرافاعته هذه فً‬
‫الفصل الثانً من سٌرة "بدٌع الزمان سعٌد النورسً " فً محاورته مع ربٌس المحكمة‪.‬‬

‫وهذا ال ٌعنً أنه ال توجد مرافعات ضد التهم المنسوبة إلٌه بل سؤذكر ما عرضه أمام‬
‫محكمة دٌنزلً اسكً شهر المرافعة الثانٌة فً محاكم دٌنزلً حٌث وجه قوله إلى سٌد‬
‫ربٌس المحكمة حٌث تم إتخاذ ثبلثة أسس فً قرار المحكمة ‪ٌ :‬قول المادة األولى ‪ :‬فً‬
‫الجمعٌة‬

‫« إنني أشيد جميع طبلب النكر المكجكديف ىنا كجميع مف تحدثكا كتقابمكا‬
‫معي كجميع مف ق أركا أك استنسخكا رسائؿ النكر‪ ،‬كتستطيعكف أف تسألكا أنتـ منيـ بأنني لـ أقؿ ألم‬
‫أحد ‪:‬أننا سنشكؿ جمعية سياس ية أك طريقة نقشبندية‪ ،‬بؿ كنت أقكؿ دائما ‪:‬أننا نحاكؿ إنقاذ إيماننا‪،‬‬
‫كلـ يجر بيننا حديث خارج عمكـ أىؿ اإليماف كخارج الجماعة اإلسبلمية المقدسة التي يربك عدد‬
‫أفرادىا عمى ثبلثمائة مميكف مسمـ‪ ،‬كلـ نجد ألنفسنا مكانا خارج ما أطمؽ القرآف الكريـ عميو إسـ" حزب‬
‫ا﵀" الذم يجمع تحت ظؿ اخكة اإليماف جميع أىؿ اإليماف ‪ .‬كألننا حصرنا جيدنا في خدمة القرآف‬
‫فبلشؾ أننا مف" حزب القرآف " كمف" حزب ا﵀ " فإف كاف قرار اإلتياـ يشير إلى ىذا فإننا نقر بذلؾ‬
‫بكؿ خمجة مف خمجات أركاحنا كبكؿ فخر كاعتزاز ‪.‬أما اف كاف يشير إلى معاف أخرل فإننا ال نعمـ‬
‫عنيا شيئا»‪.1‬‬

‫« إف قرار اإلتياـ يعترؼ إستنادا إلى تقرير كشيادة شرطة قسطمكني بأف‬
‫"رسالة الحجاب" ك "رسالة اليجمات الست كذيميا "كجدت داخؿ صناديؽ مغمقة كمسمرة كتحت أككاـ‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬الشعاعات ‪ ،‬ص ‪991‬‬


‫‪- 243 -‬‬
‫الحطب كالفحـ ‪.‬أم لـ تكف معدة لمنشر أبدا ‪ .‬كقد مرت مف تدقيؽ كنقد محكمة "اسكي شير" كأدت إلى‬
‫إصدار عقكبة خفيفة لي ‪.‬كلكف اإلدعاء العاـ الذم أخذ بعض الجمؿ مف ىذه الرسائؿ كأعطى ليا‬
‫مفيكما كمعاني غير صحيحة‪ ،‬يريد أف يرجع بنا تسع سنكات إلى الكراء كأف يحممنا مسؤكلية جديدة‬
‫‪1‬‬
‫حكؿ ما سبؽ كاف عكقبنا مف أجميا«‬

‫المادة الثالثة ‪ :‬وردت فً قرار اإلتهام وفً مواضع عدة عبارات أمثال ٌمكن أن ٌخل‬
‫بؤمن الدولة‪ ،‬أي تم وضع اإلحتماالت واإلمكانات محل الوقابع الثابتة وأنا أقول ‪:‬‬

‫« إف مف الممكف كمف المحتمؿ أف يقكـ كؿ شخص باقتراؼ جريمة القتؿ‪،‬‬


‫فيؿ يمكف إدانة كؿ شخص كتجريمو عمى أساس اإلحتماؿ»‪.2‬‬

‫كما دافع أٌضا أمام محكمة "إسكً شهر" ومحكمة التمٌٌز وآخرها كان فً محكمة‬
‫"الجزاء الكبرى"‪ ،‬مما إستدعى مثوله أمام هذه المحاكم للرد على كل اإلدعاءات الموجهة‬
‫إلٌه وبالتالً قدم "النورسً" مرفعاته ردا على هاته التهم المنسوبة إلٌه وبدال من أن تكون‬
‫وسٌلة تدٌنه إال أنه حول تلك المرافعات إلى جدال قابم بٌنه وبٌن القضاة والمدعً العام‬
‫إلى منبر إعبلمً ٌخدم دعوته وٌشٌر وٌإكد هذا بقوله‪:‬‬

‫« لقد كنت آمؿ أف يييء لي مكضع ألبيف فيو أفكارم كىا قد أصبحت ىذه‬
‫المحكمة العرفية خير مكاف ألبث منيا أفكارم»‪.3‬‬

‫ولئلطبلع أكثر على مرفعات "النورسً" أنظر صٌقل اإلسبلم من الصفحة رقم ‪194‬‬
‫إلى ؼاٌة ‪ . 141‬المعنونة ب المحكمة العسكرٌة العرفٌة دٌوان حرب عرفً أو شهادة‬
‫مدرستً المصٌبة التً طبعت سنة ‪4615‬م ‪ ،‬كذلك أنظر فً مإلفة السٌرة الذاتٌة من‬
‫الصفحة ‪ 113‬إلى ؼاٌة ‪ 121‬تحت عنوان دفاع األستاذ النورسً‪.‬‬

‫‪ -1‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.992‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬الشعاعات ‪ ،‬ص ‪.992‬‬
‫‪ - 3‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬صٌقل االسبلم ‪ ،‬ص ‪ .111‬أنظر أٌضا ‪ :‬السٌرة الذاتٌة ‪ ،‬ص ‪.415‬‬
‫‪- 244 -‬‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬السجن كمدرسة يوسفية‬

‫إن المبلحظ فً حٌاة بدٌع الزمان سعٌد النورسً أنها كانت مقدرة باإلبتبلءات والمحن‬
‫والشدابد ‪ ،‬فمن خبلل التؤمل فً سٌرته أن معظم حٌاته تتؤرجح بٌن السجن والنفً ‪،‬‬
‫وبالرؼم من هذ ا إال أنها لم تشكل عابقا أمامه بل الجدٌر بالذكر أنه إستؽل فترة األسر‬
‫داخل السجن فً التؤمل والتفكٌر والعبادة ‪ ،‬ولعل فترة األسر التً دامت أكثر من سنتٌن‬
‫من المراحل التً أثرت تؤثٌرا عمٌقا ‪ .‬وقد أطلق النورسً على هاته السجون التً كانت‬
‫من أقداره على أنها "مدارس ٌوسفٌة " ‪ ،‬حٌث جعل السجن الذي ٌعتبر كظرؾ قاهر‬
‫وصعب على أي فرد تواجد به وحوله إلى وسٌلة ومنبرا من منابر دعوته ومجهوداته‬
‫اإلصبلحٌة وأطلق علٌها إسم المدرسة الٌوسفٌة نسبة وتشبٌها لسٌدنا ٌوسؾ علٌه السبلم‬
‫حٌنما كانت دعوته إلى هللا داخل المسجن وكٌؾ أن هاته الدعوة كانت سببا إلرتقابه‬
‫الروحً والدنٌوي حتى أصبح عزٌز مصر وإعتبره كمدرسة تربوٌة إرشادٌة توجٌهٌة‬
‫ٌلقً من خبللها دروس حول الصبر والثبات أمام المحن واإلبتبلءات التً هً ضرورة‬
‫حتمٌة لئلنسان فً الحٌاة الدنٌوٌة فً سبٌل ؼاٌة سامٌة وبالتالً نشٌر إلى نقطة مهمة‬
‫وأساسٌة وهً إعتبار وإستؽبلل "النورسً" السجن كوسٌلة للتؽٌٌر واإلصبلح بدل الٌؤس‬
‫والقنوط وبالتالً نبلحظ جهوده اإلصبلحٌة والتؽٌٌرٌة وكٌؾ إستطاع تحوٌل هذه السجون‬
‫إلى منابر للدعوة وإنقاذ اإلٌمان ومعرفة الحقابق اإلٌمانٌة وكٌؾ حول هذه المعتقبلت‬
‫والسجون إلى ‪ -‬مدرسة ٌوسفٌة ‪ -‬على حد تعبٌره وإستثمرها فً إلقاء الدروس والمواعظ‬
‫واإلرشاد وهو ٌماثل دور األستاذ الجامعً الذي ٌلقً الدروس على الطلبة ‪ ،‬حٌث ٌعتبر‬
‫أن المسجونٌٌن ٌعدون بمثابة الطلبة فهم ٌحتاجون إلى اإلرشاد والتوجٌه وهم كذلك‬
‫معنٌٌن بالدخول إلى حظٌرة إنقاذ إٌمانهم كؽٌرهم من شرابح المجتمع التركً وكافة‬
‫المسلمٌن جمعاء ومن هذا المنطلق ركز النورسً على جعل هإالء المسجونٌن أفرادا‬
‫نافعٌن للببلد والعباد وٌنقذوا مستقبلهم وآخرتهم ‪ ،‬كما ٌعتبر أن هذه المدرسة ٌتوب فٌها‬
‫العاصون والظالمون ونستشهد بوصفه لهذه المدرسة بقوله فً مإلفه اللمعات بقوله ‪:‬‬

‫‪- 245 -‬‬


‫« سجف دينزلي مثاؿ كاضح كنمكذج جيد ليذا الكبلـ ‪ ،‬فما إف دخؿ طبلب‬
‫النكر كرسالة "الثمرة" التي كتبت لممسجكنيف حتى تاب أكثر مف مائتي سجيف كتحمكا بالطاعة كالصبلح‬
‫كذلؾ في غضكف ثبلثة أشير أك تزم‪ ،‬حتى أف قاتبل ألكثر مف ثبلثة أشخاص كاف يتحاشى أف يقتؿ(‬
‫بقة الفراش) ‪ ،‬فمـ يعد عضكا ال يضر بؿ أصبح نافعا رحيما لمببلد»‪.1‬‬

‫كما صرح بعض الشباب فً السجن قبل أن ٌستلموا قرار المحكمة بقولهم ‪:‬‬

‫« إذا لبث طبلب النكر في السجف فسنحكـ عمى أنفسنا كندينيا لنظؿ معيـ‬
‫كنتتممذ عمى أيدييـ كنصمح أنفسنا بإرشاداتيـ لنككف أمثاليـ»‪.2‬‬

‫وٌعتبر "النورسً" أنه ٌجب قضاء العمر مهما كانت أحواله فً اإلشتؽال على اآلخرة‬

‫« إلى أف مضي العمر بالعناء كالسجف يجب الرضا بو ألف العمر ال يتكقؼ ‪،‬‬
‫كأف زكاؿ المذة يكرث األلـ فمك كف زكاؿ األلـ يكرث لذة معنكية كأف مثؿ ىذا العمر يعد نكعا مف العبادة‪،‬‬
‫لذؿ يظؿ باقيا مف جية فيجعؿ صاحبو يفكز بعمر خالد بثمرات خالدة كمف جية أخرل يككف كفارة‬
‫لمذنكب السابقة كتزكية األخطاء التي سببت السجف فمف زاكية النظر ىذه عمى المسجكنيف الذيف يؤدكف‬
‫الفرائض أف يشكركا ا﵀ تعالى ضمف الصبر»‪. 3‬‬

‫ونبلحظ أن النورسً وجهوده اإلصبلحٌة قد وجدت إستجابة سرٌعة داخل السجن وتجاوبها‬
‫مع المساجٌن وندعم إستنتاجنا هذا بقوله ‪:‬‬

‫« ‪ ..‬حتى أنو في سجف دينزلي ق أر الكثيركف سكاء مف المسؤكليف أك غيرىـ –‬


‫دكف عممنا – رسالة "اآلية الكبرل" المطبكعة بسرية تامة فإزدادكا إيمانا كأصبحكا سببا لجعؿ مصيبتنا كأف‬
‫‪4‬‬
‫لـ تكف»‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬ص ‪111‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫‪ -3‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.119‬‬
‫‪ -4‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪- 246 -‬‬
‫وٌقول فً نفس السٌاق أن السجن مدرسة ٌوسفٌة تشبٌها لسٌدنا ٌوسؾ علٌه السبلم ودعوته‬
‫فً السجن وكٌؾ ؼٌرت مساره الدٌنً والدنٌوي بترقً روحً ودنٌوي حٌث أصبح وزٌر‬
‫مصر‬

‫« أغاثتني العناية الربانية فحكلت ذلؾ السجف الرىيب إلى مدرسة نكرية فحقا إف‬
‫السجف – مدرسة يكسفية ‪ -‬كبدأت رسائؿ النكر في اإلنتشار كالتكسع حيث بدأ أبطاؿ "مدرسة الزىراء"‬
‫بكتابة تمؾ الرسائؿ بأقبلميـ األلماسية حتى أف بطؿ النكر إستنسخ أكثر مف عشريف نسخة مف رسالتي‬
‫"الثمرة" ك" الدفاع" خبلؿ مدة لـ تتجاكز أربعة أشير مع ضراكة الظركؼ المحيطة ‪ ،‬فكانت تمؾ النسخ‬
‫سببا لمفتكحات في السجف كخارجو كحكؿ ضررنا في تمؾ المصيبة إلى منافع كبدؿ ضجرنا كحزننا إلى‬
‫َن‬
‫سى أ ْ‬
‫ش ْيئاً َو ُى َو َخ ْيٌر لَ ُك ْم َو َع َ‬
‫َن تَ ْكَرُىوا َ‬
‫سى أ ْ‬ ‫أفراح مبديا مرة أخرل س ار مف أسرار» اآلٌة الكرٌمة َ‬
‫﴿و َع َ‬
‫‪1‬‬

‫شٌّر لَ ُكم َو َّ‬ ‫تُ ِح ُّبوا َ‬


‫‪2‬‬
‫ون﴾‬
‫الم ُو َي ْعمَ ُم َوأَْنتُ ْم َال تَ ْع َم ُم َ‬ ‫ش ْيئاً َو ُى َو َ ْ‬

‫وٌشٌر "النورسً" إلى أن السجن كان بمثابة خلوة مشابهة لخلوات الزهاد فً المؽارات‬
‫والكهوؾ بالنسبىة إلى طبلب النور وإستثمروها فً إستنساخ رسابله حٌث ٌقول ‪:‬‬

‫« إف أعداءنا إنضمكا إلى الرأم القائؿ لضركرة إخراجنا مف السجف خكفا مف‬
‫سعة إنتشار الرسائؿ بيف المساجيف كسرعة إستجابتيـ ليا ليحكلكا بيننا كبيف السجناء‪ .‬كقد حكؿ تبلميذ‬
‫النكر تمؾ الخمكة المزعج ة إلى ما يشبو كيؼ أصحاب الكيؼ ‪ ،‬أؤلئؾ الفتية المؤمنكف ‪ ،‬أك ما يشبو‬
‫مغارات المنزكيف مف الزىاد كسعكا بكؿ إطمئناف كسكينة في كتابة الرسائؿ كنشرىا ‪ ...‬كؿ ذلؾ أثبتت‬
‫العناية اإلليية كانت تمدنا كتغيثنا»‪. 3‬‬

‫وٌصؾ النورسً حاله بقوله ‪:‬‬

‫« كنت أكرر كأقكؿ في العشريف مف عمرم ‪ :‬سأنزكم في آخريات حياتي في‬


‫مغارة مبتعدا عف الحياة اإلجتماعية كما كاف ينزكم الزىاد في الجباؿ‪ ،‬ككذا قررت عندما كنت أسي ار في‬
‫شماؿ شرقي ركسيا في الحرب العالمية األكلى أف أقضي بقية أياـ عمرم في الكيكؼ كالمغارات ‪ ،‬منسبل‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬ص ‪.111‬‬


‫‪ -2‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة البقرة ‪ ،‬اآلٌة ‪.943‬‬
‫‪ -3‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬ص ‪.113‬‬
‫‪- 247 -‬‬
‫مف الحياة اإلجتماعية كالسياسية كفاني تدخبل ‪ ،‬فتجمت العناية الربانية كعدالة القدر ‪ -‬رحمة بشيخكختي‬
‫– كحكلتا تمؾ المغارات التي كنت أتصكرىا إلى ما ىك خير كأفضؿ منيا كبما يفكؽ كثي ار رغبتي كقرارم‬
‫‪ ،‬حكلتاىا إلى سجكف إنزكاء كانفراد كمنحتا لي " مدارس يكسفية" بدال عف تمؾ المغارات في الجباؿ‬
‫كالمنزكيف كأىؿ الرياضة الركحية ‪...‬حيث أف في تمؾ المغارات فكائد آخركية زيادة عما فييا مف أداء‬
‫ميمة الجياد ألجؿ القرآف كالحقائؽ اإليمانية ‪...‬حيث البقاء في ردىات السجف أفضؿ»‪. 1‬‬

‫من خبلل ما تقدم نخلص إلى أن النورسً إستثمر السجن كوسٌلة فً منهجه الدعوي‬
‫اإلصبلحً وإعتبره كمنبر من منابر الدعوة ‪ ،‬أحسن إستؽبلله لتمرٌر فكره وتصورة من‬
‫خبلل اإلرشاد والموعظة والتوجٌه وبإلقاء الدروس اإلٌمانٌة ودروس والتربٌة الروحٌة ‪،‬‬
‫كما أن طبلبه إتخذوا من السجون وسٌلة للدعوة ونشر رسابل النور التً إنتفع بها مبات‬
‫الناس‪.‬‬

‫والتأليف العلمي والكتابة من وسائل الخطاب عند‬ ‫المط لب الخامس ‪ :‬المسجد‬


‫النورسي‪.‬‬

‫الفرع األول المسجد ‪ :‬بإعتباره مركزا أساسٌا للمجتمع اإلسبلمً ال ٌتمٌز مجتمع اإلسبلم‬
‫إال به ‪ ،‬لما له من أدوار وأهمٌة على المجتمع اإلسبلمً‪ ،‬ولعل أول دور وأول رسالة‬
‫للمسجد إقامة الصلوات ‪ ،‬وهً الركن الثانً من أركان اإلسبلم ‪ ،‬ومن هنا تؤتً عظمة‬
‫المساجد حٌث أنها إختصت بقٌام الركن الثانً األعظم واألكثر أهمٌة بعد التوحٌد وهو‬
‫الركن الذي ٌتكرر فً الٌوم واللٌلة خمس مرات لٌجدد صلته بربه فً كل حٌن وقت‬
‫الصبلة والذي ٌعتبر تؽذٌة روحٌة وفكرٌة ‪ ،‬فؤول ما قام به نبٌنا خبلل الهجرة إلى المدٌنة‬
‫المنورة هو بناء مسجد جعله مكانا ومقرا للعبادة والتعلٌم وتهذٌب األخبلق وأصبح مركزا‬
‫لئلشعاع طوال العهود اإلسبلمٌة‪ ،‬كما نشٌر إلى أن دور المسجد فً الدعوة والتعلٌم ‪،‬‬
‫نبلحظ الٌوم فً العصر الحالً األعداد الهابلة التً تتخرج من الجامعات والمعاهد من‬
‫طلبة العلم والدعاة‪ ،‬لكن لو رجعنا بذاكرتنا واطلعنا على تارٌخ أمتنا اإلسبلمٌة وتصفحنا‬
‫سٌر أولبك العلماء الذٌن ال ٌزال علمهم ومٌراثهم العلمً والدعوي ٌذكر إلى ٌومنا لوجدنا‬

‫‪ -1‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.114‬‬


‫‪- 248 -‬‬
‫أن تخرجهم كان عن طرٌق المساجد والجوامع ولعل جامع األزهر بمصر وجامع الزٌتونة‬
‫بتونس وجامع والجامع األموي بدمشق كلها كانت محاضن للدعاة والصالحٌن ‪ ،‬إلى جانب‬
‫الدور اإلجتماعً إذ كان ملتقى األفراد خبلل الصلوات الخمس مما ٌوثق أواصر األخوة‬
‫والمحبة باإلضافة إلى التشاور والتفقد والتزاور والتكافل والتعاون ‪...‬الخ‪.‬‬

‫خبلفا لسابر األركان التً قد تكون فً العام أو قد تكون فً العمر كما فً الحج‬
‫‪.‬وكذلك المنافع التً تتحقق من خبلل الصبلة فً المساجد من تذكٌر بكتاب هللا ‪ -‬عز وجل‬
‫– كما أشرنا سابقا للمنافع التً تحققها الصبلة فً المساجد مما ٌدفع إلى التعلٌم لئلنتظام‬
‫والنظام فً حٌاة األمة‪ ،‬وإحٌاء لمشاعر الوحدة بٌن أبناء األمة‪ ،‬وؼٌر ذلك من المنافع‪.‬‬

‫لقد كان النورسً من السباقٌن إلستؽبلل المسجد فً المجال الدعوي كوسٌلة فعالة‬
‫باإلضافة إلى ما تتركه الصبلة من آثار روحٌة فً نفوس الناس ‪ .‬حٌث سافر النورسً إلى‬
‫الشام عام ‪4644‬م وق دم خطبة فً الجامع األموي وذلك باللؽة العربٌة تلبٌة إلستدعابهم إلٌه‬
‫ملبٌا طلبهم ‪ ،‬إذ أطلق علٌها فٌما بعد "الخطبة الشامٌة" مخاطبا علماء الشام من خبلل‬
‫خطابه الذي شخص فٌه العالم اإلسبلمً وما ٌعانٌه من أمراض روحٌة ومنه طرٌقة معالجة‬
‫هذه األمراض والتخلص منها لمواكبة العصر حٌث لخص هذه األمراض بماٌلً ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬اليأس وشفاؤه األمل حٌث ٌقول ‪:‬‬

‫« كاذا كاف اليأس المدمر لمركح البشرية يؤدم إلى القمؽ‪ ،‬االضطراب‪ ،‬القنكط‪،‬‬
‫الكسؿ‪ ،‬الشعكر بالعجز‪ ،‬كاالنحطاط‪ ،‬فإ ف األمؿ في المنظكر النكرم يبعث الحياة في االناس‪ ،‬ك"يدفع‬
‫المؤمف بالعركج إلى الكماالت التي التي أكدعيا ا﵀ في قابميايتيـ كاستعداداتيـ‪ ،‬ألنيـ ىـ الذيف خمقكافي‬
‫أحسف تقكيـ»‪.1‬‬

‫ثانيا ‪ :‬الكذب ودواإه الصدق ٌقول ‪:‬‬

‫‪ -1‬توماس مٌشٌل‪:‬النظرة القرآنية لإلنسان من خالل رسائل النور‪ ،‬ترجمة ‪:‬رضا عامر‪ ،‬بحث القً فً المإتمر‬
‫العالمً الخامس لبدٌع الزمان سعٌد النورسً‪ ،‬شركة نسل للطبع و النشر و التوزٌع‪ 9119 ،‬م‪ ،‬ص ‪114‬‬
‫‪- 249 -‬‬
‫« مكت الصدؽ في الحياة االجتماعية ك السياسية‪ ،‬فما نبلحظو في الكقت‬
‫الحاض ر أف المسافة بيف الصدؽ كالكذب التتجاكز األصبع‪ ،‬فكبلىما يباعاف في سكؽ كاحدة‪ ،‬إذ لـ‬
‫يحدث قط في أم كقت مضى أف إتسعت الشقة بيف الصدؽ كالكذب‪ ،‬إتساعو الذم حدث في عصر‬
‫السعادة النبكية‪ ،‬فقد إنجمى الصدؽ ببيائو الحقيقي كبكماؿ اإلحتشاـ كالييبة ‪،‬كاعتمى محمد‪-‬صمى ا﵀‬
‫عميو كسمـ‪-‬الصادؽ األميف أعمى عمييف الصادقيف‪ ،‬كأكقع إنقبلبا عظيما في العالـ‪ ،‬فأظير بعد الصدؽ‬
‫عف الكذب بعد مابيف المشرؽ كالمغرب»‪.1‬‬

‫ثالثا ‪ :‬العداوة ودواؤها المحبة ٌقول النورسً ‪:‬‬

‫« إف غركر االنساف كحبو لنفسو قد يقكدانو أحيانا إلى عداء إخكانو المؤمنيف‬
‫ظمما كمف دكف شعكر منو‪ ،‬فيظف المرء نفسو محقا ‪ ..‬أجؿ إف أسباب المحبة ىي اإليماف كاإلسبلـ‬
‫كاإلنسانية كأمثاليا مف السبلسؿ النكرانية المتينة كالحصكف المعنكية المنيعة‪ ،‬كاف أجدر شيء بالمحبة‬
‫ىي المحبة نفسيا‪ ،‬كاف المحبة ك األخكة مف طباع اإلسبلـ كركابطو»‪.2‬‬

‫رابعا ‪ :‬التشتت ودواؤها اإلتحاد ٌقول ‪:‬‬

‫« إف تكاسمكـ كعدـ مباالتكـ كتقاسعكـ عف العمؿ لتحقيؽ اإلتحاد اإلسبلمي‬


‫كالكحدة الحقيقية لؤلمة اإلسبلمية إنما ىك ضرر بالغ كظمـ فاظح»‪.3‬‬

‫خامسا ‪ :‬اإلستبداد ودواؤه الشورى ‪:‬‬

‫« إف رفع اإلستبداد ‪ ،‬إنما يككف بالشكرل كالحرية الشرعية النابعة ممف‬


‫الشيامة اإلسبلمية كالشفقة اإليمانية ‪ ،‬تمؾ الحرية الشرعية التي تتزيف باآلداب الشرعية كتنبذ سيئات‬
‫‪1‬‬
‫المدنية الغربية»‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬صٌقل اإلسبلم ‪ ،‬ص ‪.419‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬صٌقل اإلسبلم ‪ ،‬ص ‪.241،216‬‬
‫‪ -3‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.244‬‬
‫‪- 250 -‬‬
‫سادسا ‪ :‬األنانٌة واإلنشؽال بالمصالح الشخصٌة أي حصر الهمة فً المنفعة الشخصٌة‬
‫ودواإها اإلجتماعٌة ومراعاة بنً جنسه‬

‫« مف كانت ىمتو نفسو فميس مف اإلنساف ألنو مدني بالطبع فيك مضطر ألف‬
‫يراعي أبناء جنسو فإف حياتو الشخصية يمكف أف تستمر بحياتو اإلجتماعية ‪ ..‬لعدـ تمكنو مف العيش‬
‫بمفرده كىك مض طر إلى أف يعطي ثمنا معنكيا لدفع إحتياجاتو ‪ ،‬لذا فيك مدني بالطبع فالذم يحصر نظره‬
‫في منافعو الشخصية كحدىا إنما ينسمخ مف اإلنسانية كيصبح حيكانا مفترسا»‪.2‬‬

‫هكذا إستؽل النورسً المسجد أحسن إستؽبلل ‪ ،‬وأنه وسٌلة لنشر دعوته إلعتباره مركز‬
‫العبادة وبالتالً كمجال وكفضا ء أكثر إستعدادا لربط الصلة باهلل وتجدٌد اإلٌمان به ‪،‬‬
‫وبالتالً كمركز إشعاع لبث التربٌة الروحٌة والفكرٌة وبناء الجانب الروحً وتهذٌب‬
‫األخبلق لما له من تؤثٌر على نفوس المسلمٌن ‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬التأليف العلمي والكتابة‬

‫ٌعتبر التؤلٌؾ العلمً إرثا فكرٌا وعلمٌا ك بٌرا وذو أهمٌة كبٌرة بإعتباره آثارا ٌبقى لٌستفٌد‬
‫منه أجٌال متتالٌة‪ ،‬حٌث أن التؤلٌؾ هو عملٌة إٌصال الجهد و النتاج الفكري من مرسل‬
‫إلى مستقبل حسب مفهوم نظرٌات اإلتصال ‪ ،‬وٌعتبر الباب الربٌسً لنشر العلم والمعرفة‬
‫ومصدرا أساسٌا للحضارة اإلنسانٌة كما ٌعد البنٌة األساسٌة لتؤسٌس وتطوٌر العلم والتعلٌم‬
‫بجمٌع أطواره ومجاالته المتعددة‪.‬‬

‫وعلٌه فرسابل النور هً مجموعة ضخمة من الرسابل التً ألفها‪ ،‬كما أن تؤلفٌها عندما كان‬
‫فً السجن أو المنفى من عام ‪4693‬م حتى عام ‪4621‬م‪ ،‬وشملت تفسٌرات قٌمة آلٌات‬
‫القرآن وتوجٌهات دعوٌة إلرشاد المسلمٌن باللؽة التركٌة‪ ،‬وزاد عددها عن مابة وثبلثٌن‬
‫رسالة وجمعت فً كتاب تحت عنوان كلٌات رسابل النور من ‪ 6‬مجلدات‪ ،‬ولم تطبع فً‬

‫‪ -1‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.241‬‬


‫‪ -2‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.241 ،249‬‬
‫‪- 251 -‬‬
‫المطابع حتى عام ‪ .4621‬وكانت هذه الرسابل تكتب وتنشر بصورة سرٌة فً وقته‪ ،‬حٌث‬
‫القت محاربة شدٌدة من قبل نظام الحكم العلمانً السابد فً تركٌا فً ذلك الوقت‪.‬‬

‫إذن إكتسى التؤلٌؾ والكتابة مكانة خاصة فً حٌاة "النورسً" إن صح التعبٌر‪ ،‬إذ‬
‫نبلحظ أنه كان من بٌن الوسابل التً الزمت حٌاته منذ بداٌة فترة شبابه إلى ؼاٌة آخر‬
‫فترات حٌاته ‪ ،‬ولعل "رسابل النور" تمثل نموذجا متمٌزا فً مجال الدعوة اإلسبلمٌة‬
‫المعاصرة أو الحدٌثة وإعتبرها وسٌلة فعالة وهامة فً التؤثٌر على المجتمع وهً الوسٌلة‬
‫األكثر تؤثٌرا فً خدمة دعوته بإعتبارها تمثل شخصه المعنوي ولٌس شخصه المادي‬
‫الفانً وهً تختلؾ عن ؼٌرها من المإلفات‪ ،‬كما ٌمكننا إعتبار هاته الرسابل الضخمة‬
‫بحد ذاتها دعوة مإثرة على المجت مع وذلك لما سعت إلٌه فً إعادة إحٌاء معانً القرآن‬
‫الكرٌم من تذكٌر المسلمٌن بحقابق اإلٌمان التً جاء بها دٌننا الحنٌؾ‪ .‬كما كانت سببا فً‬
‫هداٌة ودخول البعض إلى اإلسبلم مما ٌبٌن الدور الهام والفعال التً قامت به هاته‬
‫الرسابل فً الحركة اإلصبلحٌة اإلجتماعٌة والدٌنٌة ومنه تطور للنهضة اإلسبلمٌة ‪.‬وٌإكد‬
‫النورسً هذا بقوله ‪:‬‬

‫« إف مما يثبت رسائؿ النكر معجزة معنكية لمقرآف الكريـ في ىذا العصر ىك‬
‫عدـ إنيزاـ مسمؾ النكر – رسائؿ النكر‪ -‬كسائر المسالؾ كالطرؽ الصكفية ‪ ،‬بؿ إنتصاره كادخالو‬
‫الكثيريف مف أىؿ العناد إلى حظيرة اإلسبلـ»‪. 1‬‬

‫إذ أنها كذلك على حد تعبٌر "النورسً" بمثابة معجزة معنوٌة ‪:‬‬

‫« إف رسائؿ النكر ليست طريقة صكفية بؿ حقيقة ‪،‬كىي نكر مفاض مف اآليات‬
‫القرآنية ك لـ تستؽ مف عمكـ الشرؽ كال مف فنكف الغرب‪ ،‬بؿ ىي معجزة معنكية لمقرآف الكريـ خاص ليذا‬
‫الزماف»‪.2‬‬

‫وٌقول فً موضع آخر ‪:‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المبلحق ‪ ،‬ص ‪.931‬‬


‫‪ -2‬نفس المصدر ‪ ، ،‬ص ‪.919‬‬
‫‪- 252 -‬‬
‫« أما رسائؿ النكر فمككنيا معجزة معنكية لمقرآف الكريـ فيي تنقذ أسس اإليماف‬
‫كأركانو ‪ ،‬ال باإلستفادة مف اإليماف الراسخ المكجكد ‪ ،‬كانما بإثبات اإليماف كتحقيقو كحفظو في القمكب‬
‫كانقا ذه مف الشبيات كاألكىاـ بدالئؿ كثيرة كبراىيف ساطعة حتى حكـ كبل مف ينعـ النظر فييا بأنيا‬
‫أصبحت ضركرية في ىذا العصر كضركرة الخبزكالدكاء »‪.1‬‬

‫وهذا ال ٌنفً أن الرسابل ذات بعد روحً فقط وإنما تعدت إلى المجاالت اإلجتماعٌة وحتى‬
‫السٌاسٌة نتٌجة لتطور النهضة اإلسبلمٌة وتؤثٌرها على الجانب السٌاسً ‪ ،‬وهذا ما تجسد‬
‫فً حزب "العدالة والتنمٌة "الذي تؤسس سنة ‪9119‬م بقٌادة رجب طٌب أردوؼان ورفٌقه‬
‫"عبد هللا ؼول" فً اإلنتخابات الرباسٌة ‪ .9114‬وطور حزبه مستلهما خطته ونهجه من‬
‫أجل التؽٌٌر اإلجتماعً على أسس التً قامت علٌها رسابل النور منها إعادة اإلعتبار للؽة‬
‫العربٌة وتدرٌس القرآن فً المدارس والحجاب التسامح ‪...‬الخ ‪ ،‬فبرز هذا الحزب كتٌار‬
‫إسبلمً معتدل وقرر عدم إستعادة تجربة السٌاسة اإلسبلمٌة الصدامٌة ‪ .،‬أقرّ قانون ٌسمح‬
‫بفتــح معاهــد إمام خطٌب أمام من أنهى المرحلة االبتدابٌة‪ ،‬أي للطبلب من سن ‪ 44‬إلى‬
‫‪ 42‬سنة‪ .‬وفً المدارس العادٌة‪،‬‬

‫« أدخمت مادة تعميمية حكؿ حياة النبي محمد عميو الصبلة كالسبلـ ‪ .‬معاىد‬
‫"إماـ خطيب" الحككمية تشبو المدارس العادية كلكنيا تخصص ‪ 8‬ساعات لتدريس القرآف أسبكعيا‪ ،‬ك‪15‬‬
‫ساعة لمغة العربية‪ .‬أنشئت عاـ ‪ 1951‬ـ‪ ،‬كذلؾ‪ ،‬كقعت ك ازرة التربية بركتكككال‪ ،‬مع مؤسسة "كقؼ‬
‫الخيرات"‪ ،‬ييدؼ إلى تمزيميا إقامة دكرات مجانية لتدريس القرآف كالمغة العثمانية القديمة‪،‬كؿ ىذه‬
‫أقرت سنة ‪ 2012‬التي اختتمت برفع السمطات التركية حظر ارتداء الحجاب في مدارس التعميـ‬
‫الخطكات ّ‬
‫الديني كفي المدارس العادية خبلؿ حصص التعميـ الديني‪ .‬ىذا القرار يدخؿ حيز التنفيذ في السنة‬
‫الدراسية القادمة»‪.2‬‬

‫‪ -1‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.412‬‬


‫‪ -2‬حسن عباس ‪ ،‬االعدالة والتنمية الـ"آفاتار" الخامس لئلسبلم التركً ‪ 91.12.9143‬أنظر الموقع‬
‫اإللكترونً ‪ٌ http://raseef22.com/politics :‬وم ‪9144-19-92‬‬
‫‪- 253 -‬‬
‫وعلٌه هكذا بدأت مسٌرة مختلفة عنوانها نجاح اإلسبلم التركً لٌعرب عن نٌته تنشبة جٌل‬
‫من المتدٌنٌن والمحافظٌن‪ .‬كما أن النورسً قد لخص مجموعة من الفوابد األخروٌة‬
‫وا لدنٌوٌة التً ٌمكن إستخبلصها من رسابل النور مستلهما ذلك من خبلل الحدٌثٌن‬
‫الشرٌفٌن للرسول علٌه الصبلة والسبلم لقوله ‪ ":‬من تمسك عند فساد أمتً فله أجر مابة‬
‫شهٌد" و " ٌوزن مداد العلماء بدماء الشهداء" كما أكد كذلك طبلبها عن تجربة وتصدٌقهم‬
‫إٌاها‪ ،‬المكاسب المحققة عند اإلشتؽال بالرسابل ‪.‬‬

‫سنقدم هذه الفوابد والمكاسب فً الجدول التالً ألنواع العبادات وما ٌقابلها من فوابد ونتابج‬
‫حسب "النورسً"‪. 1‬‬

‫الــفــوائــــد الـــدنيــــويـــة حسب النورسي‬ ‫النورسي‬ ‫أنــــــواع الــعـــبــادات حسب‬

‫‪ -4‬أنها جهاد معنوي تجاه أهل الضبللة ‪-4‬البركة فً الرزق‬


‫ذلك الجهاد األهم‪.‬‬
‫‪ -9‬إنها خدمة ألستاذه ومعاونة له على ‪ -9‬اإلنشراح والسرور فً القلب‬
‫نشر الحقٌقة‪.‬‬
‫‪ -9‬إنها خدمة للمسلمٌن كافة من حٌث ‪ -9‬الٌسر فً المعٌشة‬
‫اإلٌمان‪.‬‬
‫‪ -1‬التوفٌق فً األعمال‬ ‫‪ -1‬إنها تحصٌل للعلم والكتابة‪.‬‬
‫‪ -2‬إنها عبادة فكرٌة التً قد تكون ساعة ‪ -2‬المشاركة فً الدعوات الخاصة لجمٌع‬
‫طبلب النور بنٌله فضٌلة طالب العلم‪.‬‬ ‫بمثابة سنة من العبادة‪.‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المبلحق ‪ ،‬ص ‪.955‬‬


‫‪- 254 -‬‬
‫أما النتٌجتان المهمتان للعمل فً رسابل النور للعمل بالقلم والتتلمذ علٌها تمثلت‬
‫حسب النورسً فٌماٌلً ‪:‬‬

‫« حسف الخاتمة ‪ ،‬بؿ نيؿ حياة الشيداء فيعالـ البرزخ إف كفؽ إلى ذلؾ كأكتي‬
‫حظا عظيما اإلشتراؾ بالمكاسب المعنكية لجميع طبلب النكر ‪ ،‬بمقتضى اإلشتراؾ المعنكم ضمف دائرة‬
‫‪1‬‬
‫رسائؿ النكر كنيؿ حظيـ مف حسناتيـ جميعا»‬

‫فرسابل النور كمإلؾ ٌمكن إعتبارها موسوعة إٌمانٌة ضخمة تحث على التفكر والتدبر‬
‫لتركها آثارا روحٌة تنعكس على الفرد ‪ ،‬بحٌث تجعل اإلنسان مجردا من األحاسٌس‬
‫الدنٌوٌة ‪ ،‬فبالمعنى الصوفً إدراك بالذهن دون الحواس فٌما ٌخص اإلٌمان والمعرفة‬
‫اإلٌمانٌة وبالتالً توجٌهه إلى عبادة خالقة عبادة دابمة وخالصة‪ .‬مما تجعل اإلنسان ٌسمو‬
‫عن األ خبلق الرذٌلة التً تنبع من نفسه األمارة بالسوء‪ .‬وهذه األخٌرة هً ما ٌشتؽل علٌها‬
‫الكثٌر من الصوفٌن عند إتباع الطرق الصوفٌة من أجل تزكٌتها أو ما ٌعرؾ وٌصطلح‬
‫علٌه بالتربٌة الروحٌة‪.‬‬

‫كما ٌقول النورسً ‪:‬‬

‫« لذا ما ينبغي قراءة رسائؿ النكر كسائر العمكـ كالكتب ‪ ،‬ألف فييا مف عمكـ‬
‫اإليماف التحقيقي ال يشبو العمكـ كالمعارؼ األخرل ‪ ،‬فيي نكر كقكة ممدة لكثير مف المطائؼ اإلنسانية‬
‫فضبل عف العقؿ »‪.2‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬غايات وأهداف النورسي من خالل خطاباته ‪:‬‬

‫إن التطبٌق الذي ٌمثل المٌدان الواقعً المستمد من اإلسبلم منهجا له ‪ ،‬صٌؽت به هذه‬
‫األحوال صور حٌة ‪ ،‬مادام هناك إلتزام بدٌن هللا الحق اإلسبلم وهو الذي ٌصٌػ الحٌاة‬
‫اإلسبلمٌة الفاضلة وبه تقوم الحضارة اإلنسانٌة المستقبلة ‪.‬إن هذا التفوق واإلمتٌاز والتفرد‬
‫واإلنجاز فً الحضارة اإلسبلمٌة ‪ ،‬وهو ال ٌرد إلى أفراد وجماعات بذاتهم أو بٌبة معٌنة أو‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المبلحق ‪ ،‬ص ‪.955‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المبلحق ‪ ،‬ص ‪.939‬‬
‫‪- 255 -‬‬
‫ظرؾ طاريء ‪ ،‬بل إلى سبب آخر جلٌل متمٌز ومعجز تتفتح دابرته زمانا ومكانا وتتسع‬
‫مواقعه ‪ ،‬إنسانا ومٌدانا وٌتوفر بتوفره مجتمع متحضرا فردا وجماعة ودولة ‪ ،‬توفرا ٌتجاوز‬
‫المكان والزمان وبه ٌتواجد فً كل الظروؾ واألحوال به توفر فً الماضً ولواله ما كان‬
‫وبه ٌتوفر المستقبل وبدونه أبدا ال ٌكون ‪ ،‬لذلك فالبناء الحضاري مرتبط بالدٌن ‪.‬‬

‫« البناء الحضارم الشامخ لئلنساف كحياتو المتحضرة كاف بيذا الديف كحده بكؿ ما‬
‫فيو مف عقيدة كعبادة كشعائر كشرائع‪ ،‬إنو اإلسبلـ الذم أكحاه ا﵀ تعالى قرآنا مبينا – نصا كمعنى‪ -‬كسنة‬
‫بكؿ صكرىا إلى خاتـ النبييف محمد عميو الصبلة كالسبلـ ليبمغو إلى الناس كافة كيقيـ في حياتو عميو‬
‫الصبلة كالسبلـ ذلؾ المجتمع الكاقعي المثالي كىك معجزة في تعاليمو كقيامو كشريعتو الربانية كمنيجو اإلليي‬
‫في تكجيياتو ك إرشاداتو في أ كامره كنكاىيو في حدكده كقيكده بؿ كشامؿ فيو بتناسؽ رائع كعمؽ أصيؿ‬
‫متكازف في عمقو كشمكلو ك إنسانيتو كعالميتو»‪.1‬‬

‫فالحٌاة اإلسبلمٌة وحضارتها اإلنسانٌة قد أطرتها وصاؼتها نصوص الشرٌعة ‪ ،‬وبنت‬


‫اإلنسان علٌها لٌعبر عنها فً تصرفاته وجوانب حٌاته السلوكٌة والفكرٌة‪ .‬فالمسلم ٌتؽذى و‬
‫ٌحٌا بالقرآن الكرٌم و سنه رسوله الكرٌم علٌه الصبلة والسبلم ‪ ،‬أسلوبا مطلوبا إلتزاما‬
‫وإحتراما إرتواءا و إقتداءا فً كل أفعاله وأحواله وتعامله وتناوله طرٌقة ٌتبعها ومنطلقا‬
‫ٌحركه ٌقٌم به حٌاته‪.‬‬

‫ال شك فً أن النورسً إهتم بهذا الجانب و لم ٌؽفل عنه فً منهجه الدعوي أو حركته‬
‫الدعوٌة ‪ ،‬و التً لم تتؤتى من العدم بل من خبلل وعٌه بطبٌعة أوال المرجعٌة الدٌنٌة‬
‫اإلسبلمٌة و بالتالً خصوصٌاتها و ممٌزاتها ‪ ،‬و ثانٌا من جهة أخري وعٌه بطبٌعة الواقع‬
‫االنسانً و الواقع المعاش الذي تجسد فً مجتمعه بصفة خاصة ‪ ،‬حٌث كانت أهدافه ذات‬
‫أبعاد متعددة وفً نفس الوقت ذات أهمٌة كبٌرة بالنسبة للفرد بصفة خاصة وبالتالً تؤثٌرها‬
‫على المجتمع بصفة عامة ‪.‬‬

‫‪ -1‬عبد الرحمن على الحجر ‪ ،‬أضواء عل الحضارة والتراث ‪ ،‬شركة الشهاب للنشر والتوزٌع ‪ ،‬الجزابر ‪،‬‬
‫بدون طبعة ‪ ،‬بدون سنة نشر ‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪- 256 -‬‬
‫لعل المبلحظ فً كل عمل دعوي أو لكل عمل إصبلحً وضع أهداؾ وؼاٌات أو مقاصد‬
‫ٌسعى الى تحقٌقها من أجل وضع حلول وتقدٌمها من أجل مجابهات تلك التصدعات واألزمات‬
‫و المشاكل التً ٌعانً منها الفرد و التً بدورها تنعكس على المجتمع‪.‬‬

‫إن السعً لتحقٌق األهداؾ و الؽاٌات لٌس باألمر الهٌن الذي ٌصل إلٌه كل عمل دعوي أو‬
‫عمل إصبلحً تؽٌٌري ‪ ،‬ولعل الوصول الٌها ال ٌكون إال من وخبلل وضع مناهج وخطط‬
‫للوصول الٌها ‪ ،‬وهً فً حد ذاتها ؼاٌات منشودة فً جل االعمال الدعوٌة وبالتالً تلك‬
‫الحركات اإلسبلمٌة اإلصبلحٌة (التؽٌٌرٌة ) من أجل النهوض باألمة من أزماتها والوصول‬
‫بها إلى مستوٌات عالٌة وراقٌة على مستوٌات جمٌع المجاالت واألصعدة سواء كانت دٌنٌة‬
‫(روحٌة عقدٌة) ‪ ،‬سٌاسٌة ‪ ،‬إجتماعٌة ‪ ،‬ثقافٌة ‪ ،‬إقتصادٌة ‪ ،‬أخبلقٌة ‪...‬ا لخ ‪.‬‬

‫ٌتبن لنا أن المنهج النورسً ٌظهر بدون شك ثابتا من حٌث األهداؾ فً جمٌع المراحل‬
‫التً عاٌشها ‪ ،‬وهً عبارة عن أهداؾ إستراتٌجٌة ٌمكن أن نستنتجها ونلخصها فً نقطتٌن‬
‫أساسٌتٌن كاآلتً ‪:‬‬

‫الدفاع عن القرآن الكرٌم و تعالٌمٌه الدٌنٌة وبالتالً دفع تلك الشبهات التً تمس العقٌدة و‬
‫الدعوة إلى تبنً اإلسبلم شرٌعة شاملة كاملة وتوحٌد الشعوب اإلسبلمٌة فً إطار سٌاسً‬
‫بحٌث ٌضمن لها مكانة بٌن شعوب العالم ‪.‬‬

‫ؼٌر أن تحقٌق هذه األهداؾ اإلستراتٌجٌة بعٌدة المدى التً رسمها من خبلل دعوته ال تؤتً‬
‫دفعة واحدة وإنما وفق أهداؾ مرحلٌة تتحدد وفقها تلك األهداؾ اإلستراتٌجٌة‪.‬‬

‫سوؾ نعرض تلك األهداؾ وفقا ألهمٌتها كالتالً ‪:‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬أبعاد الخطاب ذات البعد الديني " الجانب العقدي"‬

‫الفرع االول ‪ :‬العمل عل ترسيخ العقيدة في القلوب‬

‫إن المنظور الن ورسً رأى أن أكبر خطر ٌهدد المسلمٌن فً هذا العصر هو فساد القلوب‬
‫نتٌجة العلوم والفلسفة الضالة ‪ ،‬حٌث ٌقول فً هذا الصدد ‪:‬‬

‫‪- 257 -‬‬


‫« إف أعظـ خطر عمى المسمميف في ىذا الزماف ىك فساد القمكب كتزعزع‬
‫اإليماف بضبلؿ قادـ مف الفمسفة ك العمكـ كأف العبلج الكحيد إلصبلح القمب كانقاذ اإليماف إنما ىك النكر‬
‫كأراءة النكر‪ ...‬فصكلجاف السياسة إذا ال يصمح القمب في مثؿ ىذا الكقت حيث ينزؿ الكفر إلى أعماؽ القمب‬
‫كيتستر ىناؾ كينقمب نفاقا»‪.1‬‬

‫من خبلل هذا ٌتبٌن لنا أن النورسً كان صاببا وحكٌما فً إدراكه لهذا الخطر و وضع ٌده‬
‫على الداء وتشخٌصه له بتلك اإلنعكاسات التً أصابت بنٌة الفرد المسلم اإلٌمانٌة خاصة ‪،‬‬
‫كنتٌجة حتمٌة فٌما ٌخص الؽزو الفلسفً الؽربً فً مجتمع أصبح ٌنادي و ٌنتهج منهجا‬
‫علمانٌا كؤسلوب للحٌاة ‪ ،‬وهذا ما مٌزته تلك الفترة التً عاٌشها النورسً فً الدولة العثمانٌة ‪.‬‬
‫كما إعتبرها فترة مإامرة على اإلسبلم كعقٌدة وكشرٌعة ‪ ،‬حٌث جندت كل الوسابل وسخرت‬
‫من أجل القضاء وقطع صلة المسلم باإلسبلم ودٌنه وبالتالً ما ٌترتب علٌه من قطع صلته‬
‫بربه فكانت الدابرة اإلٌمانٌة مهددة باإلنحراؾ و التشوٌه‪ .‬بل بإقتبلعها من المجتمع ‪.‬‬

‫ومن خبل ل هذا المنطلق وجه النورسً كل جهوده الدعوٌة من أجل إنقاذ هذا اإلٌمان ‪،‬‬
‫حٌث وجه تركٌزه فً مسٌرته اإلحٌابٌة على أولوٌات إنقاذ اإلٌمان الذي بدوره ٌعمل على‬
‫إحٌاء الشعابر اإلسبلمٌة وبالتالً إقامة الشرٌعة اإلسبلمٌة لتنفٌذ أحكام القرآن ‪ ،‬بإعتبار أن‬
‫هذه األولوٌات ال ٌوافق تطبٌقها طبٌعة المجتمعات فً التؽٌٌر كان علٌه أن ٌبدأ بإنقاذ اإلٌمان ‪،‬‬
‫ٌقول النورسً فً هذا الصدد ‪:‬‬

‫« نعـ إنو ينبغي ليذا لعصر مف مجدد لو شأنو ‪ ،‬ليقكـ بتجديد الديف كاإليماف‬
‫كتجديد الحياة اإلجتماعية كالشريعة كتجديد الحقكؽ العامة كالسياسة اإلسبلمية كلكف أىـ تمؾ الكظائؼ ىك‬
‫التجديد في مجاؿ المحافظة عمى الحقائؽ اإليمانية فيي أجؿ كأعظـ تمؾ الكظائؼ الثبلث ‪ ،‬لذا تبقى دكائر‬
‫الشريعة كالحياة اإلجتماعية كالسياسية في الدرجة الثانية كالثالثة كالرابعة بالنسبة لدائرة اإليماف»‪.2‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪،‬اللمعات‪ ،‬ص‪.425‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المبلحق ‪ ،‬ص ‪.463‬‬
‫‪- 258 -‬‬
‫وٌرى النورسً إن أعظم إحسان أعده فً هذا الزمان وأجل وظٌفة هو إنقاذ اإلنسان‬
‫إلٌمانه والسعً إلمداد إٌمان اآلخرٌن بالقوة ‪ ،‬وكان ٌعتبر أن إنقاذ اإلٌمان ٌتلخص فً‬
‫وظٌفتٌن تتمثل فٌماٌلً‪:‬‬

‫الوظيفة االول ‪ :‬إنقاذ االٌمان وذلك عن طرٌق دحض الفلسفة المادٌة والفكر المادي‬
‫إلنتشارها وإستٌبلبها على األذهان ‪ ،‬ونبلحظ من خبلل مسٌرته وما ألفة من تجربته‬
‫الروحٌة كٌؾ أن النورسً عمل على إبطال هذا المفهوم المادي للطبٌعة فً مقابل ذلك‬
‫دعوته إلى تقوٌة اإلٌمان فً النفوس وبالتالً دفع الضبلالت والشبهات التً ٌثٌرها أعداء‬
‫اإلٌمان‪ ،‬وٌقول فً هذا الصدد متحدثا عن وظٌفة إنقاذ اإلٌمان‪:‬‬

‫« إنقاذ اإليماف ‪ ،‬كذلؾ بالقياـ بدحض الفمسفة كالفكر المادم قبؿ كؿ شيئ ‪،‬‬
‫إلنتشار أفكار المادييف كالطبيعييف إنتشار الطاعكف في البشرية كاستيبلء العمكـ كالفمسفة المادية عمى‬
‫‪1‬‬
‫األذىاف»‬

‫وٌتعمق أكثر قاببل ‪:‬‬

‫« إ ف حفظ أىؿ اإليماف مف شركر الضبللة ‪ ،‬يقتضي إجراء تحقيقات عممية‬


‫كاسعة كأبحاث متكاصمة دائبة ‪ ،‬التي تتطمب التجرد مف ىمكـ الدنيا كمشاغميا تجردا كامبل ‪،‬كال يسمح‬
‫الكقت كاألحكاؿ لقياـ "السيد الميدم" بميمتو ىذه بالذات‪ ،‬ألف أعباء الحكـ في الخبلفة اإلسبلمية التدع‬
‫كقتا لئلنشغاؿ بتمؾ األمكر‪ ،‬فبلبد أف تنيض –بتمؾ الميمة‪ -‬قبمو طائفة في جية ما ‪.‬كسيجعؿ "السيد‬
‫الميدم" ما دكنو ىؤالء مف أثر منياجا معدا لو ‪ ،‬فيككف قد أدل تمؾ الميمة عمى أتـ كجو» ‪.2‬‬

‫إن القوة التً تستند إلٌها هذه الوظٌفة وجٌشها المعنوي ‪ ،‬ماهم إال طبلب ٌتصفون‬
‫إتصافا تاما باإلخبلص والوفاء والترابط فهما كانوا قلة فهم ٌعدون بقوة الجٌش وأهمٌته ‪.‬‬

‫أما الوظيفة الثانية ‪:‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المبلحق ‪ ،‬ص ‪.941‬‬


‫‪ -2‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.941‬‬
‫‪- 259 -‬‬
‫إحٌاء الشعابر اإلسبلمٌة بإسم الخبلفة المحمدٌة من خبلل إرساء عقٌدة التوحٌد‬
‫وتخلٌصها من الشوابب وأولها التوحٌد لٌحمً اإلٌمان باهلل الواحد ثم النبوة والحشر والعدل‬
‫فهذه المقاصد األربعة هً عناصر القرآن االساسٌة ‪،‬إذ ٌقول ‪:‬‬

‫« إحياء الشعائر اإلسبلمية بإسـ الخبلفة المحمدية كانقاذ البشرية مف الميالؾ‬


‫المادية كالمعنكية كالغضب اإلليي مستندا إلى كحدة العالـ اإلسبلمي كيسعى "السيد الميدم" إلقامة‬
‫الشريعة اإلسبلمية كتنفيذ أحكاـ القرآف بعد أف لحؽ العطب بتطبيؽ كثير مف أحكاـ القرآف ‪ ،‬كبعد أف‬
‫عطمت القكانيف الشرعية بعض التعطيؿ ‪ ،‬مف جراء اإلنقبلبات التي حصمت بمركر الزمف‪ ،‬فيحظى ألداء‬
‫ميمتو الجسيمة ىذه بالتأييد المعنكم مف جميع المؤمنيف كبمؤازرة الكحدة اإلسبلمية كبإلتحاؽ جميع‬
‫العمماء كاألكلياء بو كالسيما مبلييف األبطاؿ المضحيف مف آؿ البيت الذيف يكجدكف بكثرة كبقكة في كؿ‬
‫عصر مف العصكر ‪ ،‬فيشدكف جميعيـ أزره كيسندكف ظيره في سبيؿ قيامو بيذه الكظيفة العظمى» ‪.1‬‬

‫« ك إعتبره أعظـ إحساف في ىذا الزماف‪ ،‬بؿ جعمو خي ار مف ألكؼ األذكاؽ‪،‬‬


‫فكاف مفيكمو لئليماف بسيطا ال يحتاج إلى جيد لفيمو‪ ،‬عميؽ في داللتو‪ ،‬بعيد في رؤيتو‪ ،‬ضارب في‬
‫أعماؽ الكجداف»‪.2‬‬

‫كما أن التصوؾ هو اإلحسان الوارد فً حدٌث جبرٌل على حد تعبٌر أبً بكر‬
‫جابرالجزابري حٌث ٌقول‪:‬‬

‫« أف التصكؼ إذا يقابؿ اإليماف كاإلسبلـ كأ نو غير محدث كانما المحدث فيو‬
‫إسمو ‪ ،‬كأف أخبلؽ السادة الصكفية ىي أخبلؽ القرآف كالسنة كأخبلؽ الرسكؿ كالسمؼ الصالح ‪ ،‬كليذا‬
‫يجب التمسؾ بالكتاب كالسنة عقيدة كعبادة كخمقا كمعاممة»‪.3‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المبلحق ‪،‬المصر السابق ‪ ،‬ص ‪.942‬‬


‫‪ -2‬شفٌع الماحً‪ ،‬البعد اإل يماني في فكر النورسي ‪ ،‬مجلة الشرٌعة اإلسبلمٌة‪ ،‬ا لعدد ‪4191 ، 96‬هـ ‪ ،‬ص‬
‫‪( 496‬بتصرؾ)‪.‬‬

‫‪ -3‬أبٌر بكر جابر الجزابري ‪ ،‬من رسائل الدعوة وجاءوا يركضون مهال يا دعاة الضاللة ‪ ،‬مدرسة الجامعة‬
‫اإلسبلمٌة و الواعظ بالمسجد النبوي الشرٌؾ ‪4113 ،‬هـ ‪ ،‬ص ‪.429‬‬
‫‪- 260 -‬‬
‫من خبلل ما سبق ٌمكن لنا أن نستخلص أن النورسً وتركٌزه على إنقاذ اإلٌمان‬
‫كوظٌفة عظمى كان مشابها تماما مع واقع السنة النبوٌة الشرٌفة وذلك من خبلل إرساء‬
‫دعابم اإلسبلم وترسٌخها مند البداٌة األولى بمكة ‪ ،‬حٌث أن الرسول علٌه الصبلة والسبلم‬
‫كرس حٌات ه من أجل ترسٌخ اإلٌمان والعقٌدة من أجل بناء اإلنسان المسلم الذي ٌتقبل‬
‫بإٌمانه بإقامة الشعابر وتنفٌذ أحكام ما جاء به القرآن ‪ ،‬ولم تكن له علٌه الصبلة والسبلم‬
‫بداٌات بالزواٌا التشرٌعٌة واإلجتماعٌة والسٌاسٌة ‪...‬الخ إال بعد أن ثبت أسس ودعابم‬
‫اإلٌمان فً قلوب ال مإمنٌن و إستقراره بالمدٌنة المنورة حٌث المجتمع اإلسبلمً الجدٌد‪.‬‬

‫ومن هنا كانت رساالت االنبٌاء قاطبة إلٌقاظ العقول والقلوب إلى عقٌدة التوحٌد والعمل‬
‫على ترسٌخها فً النفس بإعتبارها الفطرة التً فطر هللا بها الناس لقوله تعالى‪:‬‬

‫ِّين ا ْلقَ ِّي ُم َولَ ِك َّن أَ ْكثََر‬


‫ق المَّ ِو َذلِ َك الد ُ‬
‫اس َعمَ ْي َيا َال تَْب ِدي َل لِ َخ ْم ِ‬ ‫ِّين َح ِنيفاً ِف ْطَرةَ المَّ ِو الَّ ِتي فَطََر َّ‬
‫الن َ‬ ‫﴿فَأ َِق ْم َو ْج َي َك لِمد ِ‬

‫ون﴾‪.1‬‬
‫اس َال َي ْع َم ُم َ‬ ‫َّ‬
‫الن ِ‬

‫وبهذا نبلحظ كٌؾ أدرك النورسً أن ترسٌخ اإلٌمان فً القلوب ال ٌكون إال عن‬
‫طرٌق تربٌة النفس على اإلٌمان وبالتالً ضرورة بناء ذلك الجانب الروحً على دعابم‬
‫اإلٌمان و أركانه فً حٌاة اإلنسان على العموم والداعٌة على وجه الخصوص بمنهج‬
‫تجدٌدي مبنً على الدالبل العلمٌة العقلٌة الى جانب هذا الوجدانٌة وبهذا ٌكون مبتعدا عن‬
‫منهج كل من الفبلسفة وعلماء الكبلم المإسس على البراهٌن العقلٌة ومنهج المتصوفة‬
‫المإسس على البراهٌن العاطفٌة أو الوجدانٌة ‪.‬‬

‫وقد بٌن النورسً األبعاد المتعددة لوظٌفة اإلٌمان خاصة تلك المتعلقة بالجانب الروحً‬
‫حٌث أكد أن لكل ركن من أركان االٌمان ثمرات ال حد لها ‪ ،‬فٌقول فً هذا الصدد ‪ " :‬نبٌن‬
‫من آالؾ محاسن اإلٌمان خمسة محاسن فقط فً خمسة نقاط ‪:‬‬

‫النقطة األول ‪ :‬أن اإلنسان ٌسمو بنور اإلٌمان فً أعلى علٌٌن؛ ألن اإلٌمان إنتساب‪ ،‬و‬
‫ٌبرهن النورسً هذا بقوله ‪:‬‬

‫‪ -1‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة الروم ‪ ،‬اآلٌة ‪.91‬‬


‫‪- 261 -‬‬
‫« فاإليماف إنما ىك انتساب‪ ،‬لذا يكتسب اإلنساف باإليماف قيمة سامية‬
‫ِ‬
‫نقكش األسماء الربانية عمى صفحة كجكده‪ ،‬أما‬ ‫مف حيث تجمي الصنعة اإلليية فيو‪ ،‬كظيكر آيات‬
‫الكفر فيقطع تمؾ النسبة كذلؾ االنتساب‪ ،‬كتغشي ظممتو الصنعة الربانية كتطمس عمى معالميا؛ فتنقص‬
‫قيمة اإلنساف حيث تنحصر في مادتو فحسب‪ ،‬كقيمة المادة ال يعتد بيا‪ ،‬فيي في حكـ المعدكـ؛ لككنيا‬
‫فانية كزائمة‪ ،‬كحياتيا حياة حيكانية مؤقتة»‪.1‬‬

‫أوال ‪ :‬أن اإلٌمان ٌنور الكابنات أٌضا‪ ،‬و ٌنقذ الزمان الماضً و المستقبل من الظلمات‪.‬‬
‫وثانيا ‪ :‬أن اإلٌمان نور و قوة وٌبٌن النورسً ذلك ‪:‬‬

‫ِ‬
‫الكائنات كيتخمص‬ ‫« فاإلنساف الذم يظفر بااليماف الحقيقي يستطيع أف يتحدل‬
‫مف ضيؽ الحكادث‪ ،‬مستندا إلى قكة إيمانو فيبحر متفرجا عمى سفينة الحياة في خضـ أمكاج األحداث‬
‫العاتية بكماؿ األماف كالسبلـ قائبل‪ :‬تككمت عمى ا﵀ كيسمـ أعباءه الثقيمة أمانة الى يد القدرة لمقدير‬
‫المطمؽ‪ ،‬كيقطع بذلؾ سبؿ الدنيا مطمئف الباؿ في سيكلة كراحة حتى يصؿ الى البرزخ كيستريح‪ ،‬كمف ثـ‬
‫يستطيع اف يرتفع طائ ار الى الجنة لمدخكؿ الى السعادة األبدية ‪ ،‬فاإليماف إذف يقتضي التكحيد‪ ،‬كالتكحيد‬
‫يقكد الى التسميـ‪ ،‬كالتسميـ يحقؽ التككؿ‪ ،‬كالتككؿ يسيؿ الطريؽ الى سعادة الدا ريف»‪.2‬‬

‫النقطة الرابعة ‪ :‬أن اإلٌمان ٌجعل اإلنسان إنسانا‪ ،‬و بقوله ‪:‬‬

‫« إف االيماف يجعؿ االنساف إنسانا حقا‪ ،‬بؿ يجعمو سمطانا لذا كانت كظيفتو‬
‫األسا س‪ :‬بينما الكفر يجعؿ االنساف حيكانا مفترسا في غاية العجز‪ ،‬كيضيؼ كذلؾ بأف أف التفاكت بيف‬
‫مجئ الحيكاف كاالنساف الى ىذه الدنيا يدؿ عمى أف اكتماؿ اإلنسانية كارتقاءىا الى االنسانية الحقة إنما‬
‫ىك بااليماف كحده‪ ...‬إذف الكظيفة األساس لمحيكاف ليست التكمؿ ك اإلكمتاؿ بالتعمـ‪ ،‬كال الترقي بكسب‬
‫العمـ كالمعرفة‪ ،‬كال االستعانة كالدعاء باظيار العجز‪ ،‬كانما كظيفتو األصمية العبكدية الفعمية‪ ،‬أما االنساف‬
‫فعمى العكس مف ذلؾ تماما‪ ،‬فيك عندما يقدـ إلى الدنيا يقدميا كىك محتاج الى تعمـ كؿ شئ كادراكو‪ ،‬اذ‬
‫ىك جاىؿ بقكانيف الحياة كافة جيبل مطبقا‪ ،‬حتى إنو قد ال يستكعب شرائط حياتو خبلؿ عشريف سنة بؿ‬
‫قد يبقى محتاجا إلى التعمـ كالتفيـ مدل عمره فضبل عف أنو يبعث إلى الحياة كىك في غاية الضعؼ‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬الكلمات‪،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.955‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬الكلمات‪ ،‬ص ‪.969‬‬
‫‪- 262 -‬‬
‫كالعجز حتى إنو ال يتمكف مف القياـ منتصبا إال بعد سنتيف مف عمره‪ ،‬ك ال يكاد يميز النفع مف الضر اال‬
‫بعد خمس عشرة سنة‪ ،‬كال يمكنو أف يحقؽ لنفسو منافع حياتو كمصالحيا كال دفع الضرر عنيا إال‬
‫بالتعاكف كاإلنخراط في الحياة اإلجتماعية البشرية»‪.1‬‬

‫ومن خبلل هذا نستنتج أن النورسً ٌرى اإلنسان فً هذا العالم ألجل أن ٌتكامل‬
‫بالمعرفة والدعاء؛ ألن كل شا فٌه موجه إلى العلم ومتعلق بالمعرفة حسب الماهٌة‬
‫واإلستعدا د فؤساس كل العلوم الحقٌقٌة ومعدنها ونورها وروحها هو معرفة هللا تعا لى ‪،‬‬
‫كما أن أس هذا األساس اإلٌمان باهلل جل جبلله ‪.‬‬

‫النقطة الخامسة ‪ :‬أن اإلٌمان ٌقتضً الدعاء ‪ ،‬ونشٌر هنا إلى أنه لدى أي باحث أو دارس‬
‫أن ٌبلحظ أن هذه النقطة لها إرتباطا وثٌقا بالنقطة الرابعة ‪ ،‬بحٌث أن العبلقة بٌن الدعاء‬
‫واإلٌمان هً عبلقة متبلزمة ومستمرة ال إنقطاع فٌها ألن الدعاء من مقتضٌات اإلٌمان‬
‫وهو بمثابة وسٌلة ربط اإلنسان بخالقه وذلك عن طرٌق التوجه إلٌه عند الحاجات وإظهار‬
‫عجزه وفقره أمامه‪ ،‬وهذا ٌجسد ذلك الشعور النفسً الذي ٌشعره وٌعٌشه المإمن وٌكسبه‬
‫نوع من اإلرتٌاح وٌشعره من الطمؤنٌنة ٌنجم عنها وتتمخض عنها تلك اللذة الروحٌة‪.‬‬

‫وٌبٌن النورسً ذلك بقوله ‪:‬‬

‫« إف اإليماف يقتضي الدعاء كيتخذه كسيمة قاطعة ككساطة بيف المؤمف كربو‪،‬‬
‫إ ف الفطرة االنسانية تتميؼ اليو بشدة كشكؽ‪ ،‬فاف ا﵀ سبحانو كتعالى ايضا يدعك اإلنساف الى األمر نفسو‬
‫‪2‬‬
‫بقكلو تعالى »‬

‫ون لَِزاماً ﴾‪. 3‬‬


‫ف َي ُك ُ‬
‫س ْو َ‬ ‫َّ‬ ‫﴿ ُق ْل َما َي ْع َبأُ ِب ُك ْم َرِّبي لَ ْوَال ُد َع ُ‬
‫اؤ ُك ْم فَقَ ْد َكذ ْبتُ ْم فَ َ‬

‫وكذلك قولو وتعالى‬

‫‪ -1‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.962‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬الكلمات ‪ ،‬ص ‪.963‬‬
‫‪ -3‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة الفرقان ‪ ،‬اآلٌة ‪.44‬‬
‫‪- 263 -‬‬
‫ون جينَّم َد ِ‬ ‫ون ع ْن ِعب َ ِ‬ ‫أستَ ِج ْب لَ ُك ْم إِ َّن الَّ ِذ َ‬
‫اخ ِر َ‬
‫ين﴾‪.1‬‬ ‫س َي ْد ُخمُ َ َ َ َ‬
‫ادتي َ‬ ‫َ‬ ‫ستَ ْك ِبُر َ َ‬
‫ين َي ْ‬ ‫﴿وقَا َل َرُّب ُك ْم ْاد ُعوِني ْ‬
‫َ‬

‫وكذلك فً نظر النورسً أن الدعاء هو ضرب من العبودٌة‪ ،‬وثمار العبادة وفوابدها‬


‫أخروٌة ‪ ،‬أما المقا صد الدنٌوٌة فهً أوقات ذلك النوع من الدعاء والعبادة‪ ،‬ولٌست ؼاٌاتها‪.‬‬

‫كما ٌوضح هذا من خبلل صورة تمثٌلٌه لصبلة اإلستسقاء هً ‪:‬‬

‫« بمثابة نكع مف العبادة كانقطاع المطر ىك كقت تمؾ العبادة ‪ ،‬فميست تمؾ العبادة‬
‫كذلؾ الدعاء ألجؿ نزكؿ المطر‪ ،‬فمك أديت تمؾ العبادة ألجؿ ىذ ق النية كحدىا إذف لكانت غير حرية‬
‫بالقبكؿ‪ ،‬حيث لـ تكف خالصة لكجو ا﵀ تعالى‪ ..‬بمعنى أم أف ا﵀ سبحانو يدعك عباده إلى نكع مف‬
‫العبادة لمناسبة‪ .‬فكذلؾ كقت إنحباس المطر ىك كقت صبلة اإلستسقاء‪ ،‬كتيافت الببليا كتسمط الشركر‬
‫كاألشياء المضرة ‪ ،‬حيث يدرؾ اإلنساف حينئذ عجزه كفقره فيمكذ بالدعاء كالتضرع الى باب القدير‬
‫المطمؽ‪ ،‬كاذا لـ يدفع ا﵀ سبحانو تمؾ الببليا كالمصائب كالشركر مع الدعاء الممح‪ ،‬فبل يجب القكؿ إف‬
‫الدعاء لـ يستجب‪ ،‬بؿ يقاؿ‪ :‬إف كقت الدعاء لـ ينقض بعد ‪ ،‬كاذا ما رفع سبحانو بفضمو ككرمو تمؾ‬
‫الببليا ككشؼ الغمة فبذلؾ قد إنتيى كقت الدعاء إذف كانقضى إذا فالدعاء سر مف أسرار العبكدية‪.‬‬
‫كالعبكدية يجب أف تككف خالصة لكجو ا﵀‪ ،‬بأف يتكجو االنسا ف الى ربو بالدعاء مظي ار عجزه‪ ،‬مع عدـ‬
‫التدخؿ في إجراءات ربكبيتو‪ ،‬أك اإلعتراض عمييا‪ ،‬ك تسميـ األمر كالتدبير كمو اليو كحده‪ ،‬مع اإلعتماد‬
‫عمى حكمتو مف دكف إتياـ لرحمتو كال القنكط منيا»‪.2‬‬

‫فمن خبلل ما تقدم نستطٌع أن نخلص إلى أن هذه المحاسن تؽذى العقل وتزكً القلب‬
‫وتم ؤل النفس بالفضابل وتزكٌتها ‪ .‬كما أن المتؤمل فٌما شخصه النورسً لهذه المحاسن ٌرى‬
‫أنه أمام منهج ٌقوده إلى طرٌق قوٌم وسلٌم وإلى مدى حرص النورسً على سبلمة صدور‬
‫وقلوب المإمنٌن ‪،‬إذا أخذنا فً اإلعتبار أن أهم ما ٌبرز إرتفاع قٌمة و إرتقاء اإلنسان إنما‬
‫هو بفضل إٌمانه بربه‪ .‬ال ٌمكن لئلنسان الوصول إلى كمال اإلٌمان إال إذا كان بحسن‬
‫ظنه متٌقنا أن هللا وحده هو مصدر العطاء لهذا الوجود‪ .‬كما أن الدعاء ما هو إال تعبٌر‬

‫‪ -1‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة ؼافر ‪ ،‬اآلٌة ‪.31‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬الكلمات ‪ ،‬ص ‪.965-964‬‬
‫‪- 264 -‬‬
‫صرٌح عن إٌمان المسلم وإقراراه بؤن هللا خالق كل شًء ‪ ،‬عن طرٌق تجسٌد ذلك من‬
‫خبلل الدعاء كتعبد ٌتعبد به من أجل التقرب إلى هللا عز وجل جبلله‪.‬‬

‫كما نخلص عند التؤمل فً هذه المحاسن مدى فاعلٌتها فً الحٌاة لدى اإلنسان بصفة عامة‬
‫والمسلم على وجه الخصوص‪ ،‬والتً شخصها لنا النورسً من أجل تفعٌلها فً الحٌاة الٌومٌة‬
‫لئلنسان بتعدد مجاالتها الدٌنٌة ‪،‬السٌاسٌة‪ ،‬اإلجتماعٌة ‪ ،‬اإلقتصادٌة ‪ ،‬الثقافٌة ‪...‬إلخ‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬العمل عل ترسيخ الحقائق اإليمانية‬

‫إن وظٌفة ترسٌخ الحقابق اإلٌمانٌة فً ظل عصر سادته تصدعات وأزمات مست دعابم‬
‫اإلٌمان األساسٌة وحقابقها لمن المهام الصعبة التً ٌمكن ألي عمل دعوي أو إصبلحً‬
‫تؽٌٌري القٌام بها‪ ،‬ولعل الف بة المإهلة فً هذه الوظٌفة ال بد أن تكون مسإولٌة ومهمة كل‬
‫داعٌة لئلصبلح والتؽٌٌر‪.‬‬

‫ومن هذه الزواٌة ال بد لنا أن نقول أن مهمة كل داعٌة ومسإولٌته ٌجب أن تتركز فً‬
‫الدعوة إلى اإلٌمان بالحقابق الكبرى ‪ ،‬والعمل على ترسٌخها فً صدور المإمنٌن بل أن‬
‫تتجاوز ذلك بتفعٌ لها فً حٌاتهم الٌومٌة‪ .‬وتلك الحقابق هً التً دعا بها القرآن الكرٌم‬
‫المتمثلة فً المقاصد األربعة وهً عناصر القرآن األساسٌة " التوحٌد – النبوة – الحشر‬
‫– العدالة ‪ ،‬وهً من الحقابق الكبرى التً تناولها النورسً تناوال ٌإدي به إلى معرفة هللا‬
‫تعالى واإلٌمان إٌمانا را سخا‪ ،‬ولكون اإلنسان له جانب روحً خص بهذه الحقابق وخاطبه‬
‫ألنه المقصود ٌوجه النورسً خطابا بقوله ‪:‬‬

‫« إذا كنت تركـ الحصكؿ عمى عمـ الحقيقة‪ ،‬كالحكمة الحقة‪ ،‬فاظفر بمعرفة‬
‫ا﵀‪ ،‬إذ حقائؽ المكجكدات كميا‪ ،‬إنما ىي أشعة اسـ ا﵀ الحؽ ‪،‬ك مظاىر أسمائو الحسنى‪ ،‬كتجميات‬
‫صفاتو الجميمة »‪.1‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬الكلمات‪ ،‬ص ‪.222‬‬


‫‪- 265 -‬‬
‫كما ٌقر النورسً بحد ذاته أن هذه المهمة لو إجتمع علٌها جمٌع أقطاب اإلٌمان لبذلوا‬
‫ما فً وسعهم لتقوٌة وترسٌخ الحقابق اإلٌمانٌة والعقابد االسبلمٌة ألنهما منبع السعادة‬
‫األبدٌة إذ ال ٌمكن دخول الجنة بؽٌر إٌمان وٌقول فً هذا الصدد ‪:‬‬

‫« إني أخاؿ أف لك كاف الشيخ عبد القادر الكيبلني كالشاه النقشبند‪ ،‬ك اإلماـ‬
‫الرباني كأمثاليـ مف أقطاب اإليماف‪ -‬رضكاف ا﵀ عمييـ أجمعيف‪ -‬في عصرنا ىذا‪ ،‬لبذلكا كؿ ما في‬
‫كسعيـ لتقكية الحقائؽ اإليمانية كالعقائد اإلسبلمية؛ ذلؾ ألنيما منشأ السعادة األبدية‪ ،‬كأف أم تقصير‬
‫فييما يعني الشقاء األبدم‪ ،‬إذ ال يمكف دخكؿ الجنة مف دكف إيماف‪ ،‬بينما يدخميا الكثيركف جدا دكف‬
‫تصكؼ ‪ ،‬فاإلنساف ال يمكف أف يعيش بدكف خبز بينما يمكنو العيش بدكف فاكية ‪ ،‬فالتصكؼ فاكية‬
‫كالحقائؽ اإلسبلمية خبز»‪.1‬‬

‫ومن زا وٌة أخرى نرى كٌؾ أن النورسً عمل على تقدٌم نموذج الداعٌة الملتزم‬
‫باألخبلق اإلسبلمٌة وبالتالً أخلقة العمل الدعوي اإلصبلحً التؽٌٌري الذي ٌسعى فً‬
‫النهاٌة إلى الخدمة اإلٌمانٌة مرضاة هلل وعشقا لمعرفة تلك الحقابق اإلٌمانٌة بحٌث ٌإكد هذا‬
‫بقوله التالً ‪:‬‬

‫« إف أعظـ إحساف في ىذا الزماف كأجؿ كظيفة؛ ىك إنقاذ اإلنساف إليمانو‬


‫كالسعي إلمداد إيماف اآلخريف بالقكة‪ ،‬فاحذر يا أخي مف األنانية كالغركر كتجنب مف كؿ ما يؤدم إلييما‪،‬‬
‫بؿ ينبغي ألىؿ الحقيقة في ىذا الزماف نكراف الذات‪ ،‬كنبذ الغركر كاألنانية‪ ،‬كىذا ىك األلزـ ليـ ألف‬
‫أعظـ خطر يتأتى في ىذا العصر‪ ،‬إنما يتأتى مف األنانية كالسمعة‪ ،‬فعمى كؿ فرد مف أفراد أىؿ الحؽ‬
‫كالحقيقة أف ينظر إلى تقصيرات نفسو كيتيميا دائما كيتحمى بالتكاضع التاـ»‪.2‬‬

‫لقد كان المنهج القرآنً كبداٌة إنطبلق النورسً فً ترسٌخ الحقابق اإلٌمانٌة‪ .‬مخاطبا‬
‫العقول والقلوب فوصل ذلك الى العقول والقلوب‪ ،‬مما ساقنا إلى الرجوع لتارٌخ سٌد‬
‫المرسلٌن محمد علٌه الصبلة والسبلم الذي تربى على نهجه وكان مدرسة أدرك ما تحتاج‬
‫إلٌه األمة أال وهو اإلٌمان والسعً الى امداد اآلخرٌن ٌقوة اإلٌمان‪ ،‬ولهذا كان أسلوب‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.94‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬السٌرة الذاتٌة ‪ ،‬ص ‪.995‬‬
‫‪- 266 -‬‬
‫النورسً وفً عرضه وتناوله للحقابق اإلٌمانٌة أسلوب ترسٌخ وتؤكٌد وإرساء ولٌس‬
‫أسلوب إنفعال وعاطفة فقد خاطب العقل والقلب معا ‪ ،‬وقد وصل ذلك وتحقق وهنا ٌٌكمن‬
‫سر إدراكه لهذا وتمٌزه عن ؼٌره مما سبقوه‪.‬‬

‫مما جعلنا ندرك إهتمام النورسً بترسٌخ الحقابق اإلٌمانٌة فً القلوب مشابها لنموذج‬
‫نبٌنا الكرٌم علٌه الصبلة والسبلم الذي قامت دعوته على التوحٌد بإعتباره األساس الذي‬
‫سعى إلٌه أنبٌاء هللا ‪ ،‬لقوله تعالى ‪:‬‬

‫وحي إَِل ْي ِو أ ََّنوُ َال إَِل َو إَِّال أََنا فَ ْ‬


‫اع ُب ُد ِ‬
‫ون ﴾‪. 1‬‬ ‫ول إَِّال ُن ِ‬
‫س ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫س ْم َنا م ْن قَْبم َك م ْن َر ُ‬
‫﴿و َما أَْر َ‬
‫َ‬

‫و ترسٌخ اإلٌمان بٌن الناس لذلك قضٌة التوحٌد وترسٌخ اإلٌمان كان من ضمن أولوٌة‬
‫األولوٌان فً الفكر النورسً والهدؾ اإلستراتٌجً الذي رسمه فً خطته اإلصبلحٌة‬
‫لتجدٌد اإلٌمان ‪.‬‬

‫الفرع الثالث ‪ :‬العقيدة اإلسالمية والدفاع عنها‬

‫سعى النورسً منذ صباه عن الدفاع عن العقٌدة اإلسبلمٌة فً وجه و مجابهة تلك‬
‫الهجمات المعادٌة لئلسبلم وعلى شرٌعتها اإلسبلمٌة والتً جعلت الرجعٌة والتطرؾ‬
‫والجمود كسمات لصٌقة بها ‪ ،‬حفزت النورسً للدفاع عنها حٌث ٌقول ‪:‬‬

‫« إ ف أساس مسمكي منذ أياـ صبام ‪ -‬كال فخر ‪ -‬إزالة الشبيات التي تمكث‬
‫حقائؽ اإلسبلـ سكاء باإلفراط أـ بالتفريط‪ ،‬كصقؿ تمؾ الحقائؽ األلماسية‪ ،‬كالشاىد عمى ىذا تاريخ حياتي‬
‫في كثير مف حكادثو»‪.2‬‬

‫فاالسبلم فً فكره هو أسبلم شمولً متكامل حٌث ٌإكد هذا بقوله التالً ‪:‬‬

‫« إف الشريعة اإلسبلمية المؤسسة عمى البرىاف‪ ،‬ممخصة مف عمكـ كفنكف‬


‫تضمنت العقد الحياتية في جميع العمكـ األساسية‪ ،‬منيا‪:‬فف تيذيب الركح‪ ،‬عمـ رياضة القمب‪،‬عمـ تربية‬

‫‪ -1‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة األنبٌاء ‪ ،‬اآلٌة ‪.92‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬صٌقل اإلسبلم ‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪- 267 -‬‬
‫الكجداف‪ ،‬فف تدبير الجسد‪ ،‬عمـ إدارة المترؿ‪،‬فف سياسة المدنية‪،‬عمـ أنظمة العالـ‪ ،‬فف الحقكؽ‪ ،‬عمـ‬
‫المعامبلت‪ ،‬كفف اآلداب االجتماعية" كب قكلو ‪ ":‬إف اإلسبلـ سيعتمي عرش الحقائؽ كالمعارؼ فبل يكشفيا‬
‫كال يفتحيا إال اإلسبلـ»‪.1‬‬

‫وفٌما ٌخص دفاع النورسً على هاته العقٌدة من خبلل رسابله ٌتبٌن لنا أنه كان على‬
‫مستوٌٌن تمثبل فً المستوى الداخلً والمستوى الخارجً لكن دفاعه هذا كان بؤسلوب‬
‫دعوي تجدٌدي أكسبه تلك المٌزة‪.‬‬

‫فعلى المستوى الداخلً ال ٌخفى لنا وكما أشرنا سابقا إلى وجود صراعات داخلٌة كما‬
‫فصلنا فٌها فً الفصل األول إبان فترة قٌام الجمهورٌة التركٌة ‪ ،‬تلك الصراعات الداخلٌة‬
‫مع التٌارات اإلسبلمٌة وبٌن الحركات البلدٌنٌة السٌاسٌة التً فرضها الطؽاة بؤسلوب القوة‬
‫والنار على المجتمع التركً ‪ ،‬مما جعلته ال ٌتخذ موقفا بنفس أسلوبهم الطاؼً أو سٌاسٌا‬
‫أمام تلك الجماعات السٌاسٌة بفرض قوتهم وانما كان بعكس ذلك حٌث إنتهج أسلوب مؽاٌر‬
‫تمثل فً دعوتهم أٌضا ألنهم ٌدخلون ضمن زمرة دابرة اإلسبلم رؼم إنحرافاتهم السٌاسٌة‬
‫وم ن جهة أخرى دعوته شملت كذلك المتصوفٌن المنحرفٌن الذٌن قادوا األجٌال إلى الركون‬
‫والسكون تحت مظلة السٌر إلى هللا تعالى بدون عودة وبالتالً عدم النهً عن المنكر‬
‫واألمر بالمعروؾ‪ .‬كما بٌن النورسً أن ‪:‬‬

‫« أف العصر ليس عصر تصكؼ حتى في قمة صفائو ألف التصكؼ‬


‫تجربة ذاتية كليست دعكة اجتماعية‪ ،‬كالتستطيع أف تقكد حممة الصراع الحضارم اإلسبلمي مع عكامؿ‬
‫النككص كاالنحراؼ‪ ،‬كمع ىجمة البلدينية المادية الحديثة كالزندقة اآلتية مف الغرب الكافر» ‪.2‬‬

‫وٌقول أٌضا ‪:‬‬

‫‪ -1‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.99‬‬


‫‪ -2‬محسن عبد الحمٌد‪ ،‬جهود بديع الزمان في تجديد الفكر اإلسالمي‪ ،‬المإتمر الدولً الخامس للنورسً‬
‫‪،‬الرباط‪ 4666، ،‬م‪ ،‬ص‪5‬‬

‫‪- 268 -‬‬


‫« لقد كنت أقكؿ أف ىذا الزماف ليس زماف الطريقة فالبدع تحكؿ دكف ذلؾ‪،‬‬
‫مفك ار في حقائؽ اإليماف كحدىا‪ ،‬كلكف الزماف أظير أنو يمزـ لكؿ صاحب طريقة بؿ اإللزاـ لو أف يدخؿ‬
‫دائرة رسائؿ النكر التي ىي أكسع الطرؽ كتضـ خبلصة الطرؽ اإلثنتي عشر الميمة ضمف دائرة السنة‬
‫النبكية الشريفة إف أخطر شيء في ىذا الزماف ىك اإللحاد كالزندقة كالفكضى كاإلرىاب‪ ،‬كليس ا تجاه ىذه‬
‫المخاطر إال اإلعتصاـ بحقائؽ القرآف الكريـ‪ ...‬كال يمكف إسكاتيا بالقكل السياسية كالمادية ‪ ،‬فميس إال‬
‫الحقائؽ القرآنية التي تستطيع أف تدفع تمؾ المصيبة»‪.1‬‬

‫ومن هنا نلمس موقؾ النورسً حول التصوؾ فً رفضه لنظرٌات وحدة الوجود ‪،‬‬
‫ووحدة الشهود ‪ ،‬والحلول وفكرة تقدٌس الشٌوخ ‪ ،‬فحٌن ٌإكد على التصوؾ المقٌد بالسنة‬
‫النبوٌة الشرٌفة أي التصوؾ السنً الذي تمٌز به الرسول علٌه الصبلة والسبلم والسلؾ‬
‫الصالح من أتباعه‪.‬‬

‫إن دفاع النورسً على العقٌدة على المستوى الداخلً كان جهادا معنوٌا تمثل فً الدعوة‬
‫والعلم واإلرشاد إلعادة المسلمٌن إلى حظٌرة االسبلم‪ .‬وكٌؾ إستطاع بفضل هذه السٌاسٌة‬
‫أن ٌنجح فً تكوٌن جٌل مإمن ٌسعى إلى نشر حقابق اإلسبلم وبنشر تلك الرسابل النورٌة‬
‫التً ؼزت العقول والقلوب ‪.‬‬

‫أما على المستوى الخارجً فدفاعه ٌترجمه قوله ‪:‬‬

‫« إف الصراع بيف العالـ اإلسبلمي ك العمـ الغربي اليكـ‪ ،‬ليس صراع القكة كالسيؼ؛‬
‫ألف اإلفبلس الغربي الفكرم سيكلد فراغا ىائبل في الغرب‪ ،‬كمف ىنا فإف جياد المسمميف لمعالـ الغربي‬
‫يجب أف يككف جياد فكر كشرح لحقيقة اإلسبلـ ليـ‪ ،‬كالدليؿ عمى ذلؾ؛ أف طبلئع دخكؿ الغرب لئلسبلـ‬
‫قد ظيرت‪ ،‬لككف الصراع في ىذا الزماف ليس صراع قكة‪ ،‬كانما ىك صراع ثقافي كفكرم‪ ،‬أم أف‬
‫المسمميف عمييـ أف يكاجيكا الغرب بسيؼ القرآف‪ ،‬إذا أرادكا ىداية شعكبو إلى نكر اإلسبلـ" ‪ ،‬كيضيؼ‪":‬أما‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المبلحق فً فقه الدعوة الى النور ‪ ،‬ص ‪.911‬‬
‫‪- 269 -‬‬
‫الجياد الخارجي فنحيمو إلى السيكؼ ا أللماسية لمبراىيف القاطعة لمشريعة الغراء؛ ألف الغمبة عمى المدنييف‬
‫إنما ىي باإلقناع كليس باإلكراه‪ ،‬كما ىك شأف الجيبلء الذيف ال يفقيكف شيئا»‪.1‬‬

‫كما لخص الباحث سعٌد إبراهٌم منطلق النورسً فً الدفاع عن العقٌدة وداعٌا إلٌه فً‬
‫نفس الوقت من خبلل النقاط التالٌة ‪:‬‬

‫« أكال ‪ :‬يثبت اإليماف عف طريؽ نتائج العمـ الذم يفيمو الغربيكف ‪،‬ثانيا ‪ :‬كيرد‬
‫عمى اإلعتراضات الفكرية ضد الديف كالتي خرجت أساسا مف الغرب‪ ،‬ثالثا ‪ :‬ينقد مساكئ الحياة الغربية‬
‫كمناكأتيا لمديف‪ ،‬رابعا ‪ :‬يضع نظما فكرية في المجاالت التي يفيميا الغربيكف»‪.2‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬أهداف ذات أبعاد نفسية وروحية‬

‫إن أخلقة العمل الدعوي لدى النورسً كانت من بٌن الممٌزات التً إتسم بها خبلل‬
‫مسٌرته والتعامل مع أعداء اإلسبلم ‪ ،‬وهذا ما تشهده كلٌاته وسٌرته الحٌاتٌة من حسن‬
‫المعاملة‪ .‬ولم ٌتؤتى هذا من العدم وإنما بفضل إدراكه الواسع ألخبلقٌات ما جاء به اإلسبلم‪.‬‬
‫ولعل النفس من بٌن األمور التً ركز النورسً علٌها ألنها محور أي عملٌة تؽٌٌر‬
‫وإصبلح ‪ ،‬ونستشهد باآلٌة الكرٌمة التً تدل على هذا لقوله تعالى ‪:‬‬

‫﴿ إِ َّن المَّ َو ال ُي َغ ِّي ُر َما ِب َق ْوٍم َحتَّى ُي َغ ِّي ُروا َما ِبأَ ْنفُ ِس ِي ْم ﴾‪.3‬‬

‫إن إدراك النورسً وتفقهه فً األخبلق اإلسبلمٌة ‪ ،‬ودراساته المتعمقة فً النفس البشرٌة‬
‫وخبرته بها كانت من بٌن محاوره األساسٌة ‪ ،‬فقد أدرك النورسً ما تتضمنه هاته اآلٌة‬
‫الكرٌمة التً هً نور ٌضًء طرٌق من أراد الخروج من الضبلم الدامس ‪ ،‬وأن هاته اآلٌة‬
‫تحمل فً طٌاتها مفتاح التؽٌٌر وكٌؾ هً منهجٌة هذا التؽٌٌر ‪ ،‬وبالتالً الكشؾ عن حقٌقة‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المبلحق فً فقه الدعوة الى النور ‪ ،‬ص ‪.939‬‬
‫‪ -2‬سعٌد إبراهٌم ‪ ،‬الدعوة و اإلرشاد في الغرب‪ ،‬المإتمر العالمً الثالث لبدٌع الزمان سعٌد النورسً‪،‬‬
‫إسطنبول ‪ ،‬تركٌا ‪4662 ،‬م ‪ ،‬ص‪.452‬‬
‫‪ -3‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة الرعد ‪ ،‬اآلٌة ‪.44‬‬
‫‪- 270 -‬‬
‫إلهٌة ‪ ،‬هذه الحقٌقة تنطبق على األفراد والجماعات‪ ،‬وتنطبق على األمم والشعوب‪.‬‬
‫الحقٌقة األولى‪ :‬التؽٌٌر ٌبدأ من الداخل ‪ ،‬فلقد تدبر النورسً فً أحوال الناس وتصرفاتهم‬
‫والوق وؾ على المشكبلت النفسٌة واألخبلقٌة والروحٌة التً تعتري النفس البشرٌة والتً‬
‫بدورها تنعكس بالسلب على إٌمانهم ودٌنهم وإستقامتهم ‪ ،‬متخذا منهجا قرآنٌا متمٌزا ‪،‬‬
‫ووقؾ وقفات طوٌلة وعمٌقة مع هاته النفس البشرٌة وبما اودع هللا فٌها من صفات‬
‫وخصابص ‪ ،‬وذلك من أجل تؽٌ ٌر كٌان اإلنسان باعتباره محور التؽٌٌر ووسٌلة التؽٌٌر ‪.‬‬

‫وقد بٌن النورسً هذا التؽٌٌر حٌث أن التؽٌٌر الذي ٌنتظره هللا منا ٌنبؽً أن ٌكون من‬
‫داخل النفس‪ ،‬هذه الحقٌقة األولى والحقٌقة الثانٌة أن إلنسان قادر على التؽٌٌر ‪ ،‬اإلنسان‬
‫إن لم ٌملك إمكانٌة التؽٌٌر فبل معنى إطبلقا إلرسال النبٌٌن‪ ،‬وال معنى إلنزال الكتب‪ ،‬ولكان‬
‫عمبل عابثا‪ ،‬تعالى هللا عن ذلك ‪.‬لو أن اإلنسان ال ٌؽٌر‪ ،‬لماذا بعث هللا األنبٌاء والمرسلٌن‪،‬‬
‫ولماذا أنزل الكتب؟ لماذا هٌؤ العلماء الصادقٌن؟ ألن اإلنسان ٌملك أن ٌؽٌر كان إنزال‬
‫الكتب‪ ،‬وكان بعث األنبٌاء‪.‬‬

‫وقد خص النورسً فً وقفة خاصة تلك األمراض التً تصٌب القلوب تحول دون‬
‫الوصول إلى األنوار ‪ .‬ولهذا ٌنبؽً عملٌة تشخٌص هذا األمراض وإستكشافها متى وجدت‬
‫ومعرفة عللها ‪.‬‬

‫ومن بٌن األمراض التً عالجها تلك التً تصٌب النفس والتً أصبت متفشٌة فً‬
‫عصرنا الحالً نتٌحة توجهات وإهتمام الناس للحٌاة الدنٌوٌة المادٌة من بٌنها الحسد ‪،‬‬
‫الؽٌبة ‪ ،‬والؽرور‪ ،‬كما أشار إلى عدة أمراض أخرى نفسٌة كالؽرور الفكري والوسوسة‬
‫وسوء الظن والتكبر وؼٌرها لكن سؤقتصر على ذكر الؽٌبة والحسد والؽرور نظرا لما هو‬
‫منعكس فً عصرنا وواقعنا الحالً المعاش ‪ .‬كؤهم األمراض النفسٌة التً أصبحت متفشٌة‬
‫ومٌزة هذا العصر‪ ،‬ومن زاوٌة أخرى لما لها من تؤثٌر على البناء الداخلً للفرد (البنٌة‬
‫الداخلٌة النفسٌة والروحٌة ) هذا من جهة ومن جهة أخرة على البنٌة الخارجٌة للمجتمع‬
‫المتمثلة فً العبلقات اإلجتماعٌة بٌن أفراد المجتمع ‪.‬‬

‫اوال ‪ :‬الحسد كمرض يفتك باألمة اإلسالمية حسب النورسي‬


‫‪- 271 -‬‬
‫معن الحسد لغة‪:‬‬

‫« الحسد مصدره حسده يحسده كيحسده‪ ،‬حسدا كحسكدا كحسادة‪ ،‬كحسده‪ :‬تمنى‬
‫أف تتحكؿ إليو نعمتو كفضيمتو‪ ،‬أك يسمبيما‪ ،‬كحسده الشيء كعميو»‪.1‬‬

‫معن الحسد اإصطالحا‪:‬‬

‫ٌقول الجرجانً‪:‬‬

‫« الحسد تمني زكاؿ نعمة المحسكد إلى الحاسد»‪.2‬‬

‫وٌعتبر الحسد من بٌن األخبلق المذمومة وهو داء خفً ومرض من أمراض القلوب ‪،‬‬
‫ٌقول النورسً فً المكتوب الثانً والعشرون عن الحسد ‪:‬‬

‫« إف ما يسببة الحسد كالعناد مف نفاؽ كشقاؽ في أكساط المؤمنيف كما يكغر في‬
‫صدكرىـ مف حقد كغؿ كعداء ‪ ،‬مرفكض أصبل ‪ ،‬ترفضو الحقيقة كالحكمة كيرفضو اإلسبلـ الذم يمثؿ‬
‫ركح اإلنسانية الكبرل ‪ ...‬فضبل عمى أف العداء ظمـ شنيع يفسد حياة البشر الشخصية كاإلجتماعية‬
‫كالمعنكية ‪ ،‬بؿ ىك سـ زعاؼ لحياة البشرية قاطبة» ‪.3‬‬

‫ثانيا ‪ :‬عالج الحسد من المنظور النورسي ‪:‬‬

‫قدم النورسً عدة توجٌهات حكٌمة من أجل التصدي لهذا المرض الخطٌر الذي ٌصٌب‬
‫البشرٌة والتً ٌعمل على هدم العبلقات اإلجتماعٌة بٌن األفراد ونشر الشقاق والعداء فٌما‬
‫بٌنهم فً عدة نقاط أساسٌة لمعالجة هذا الداء الخفً كماٌلً ‪:‬‬

‫أن ٌبلحظ الحاسد عاقبة ما ٌحسده وٌتؤمل فٌها لٌدرك أن ما ناله محسوده من أعراض‬
‫دنٌوٌة من ‪ -‬مال وقوة ومنصب – إنما هو من أعراض زابلة فانٌة فابدتها قلٌلة ‪ ،‬مشقتها‬
‫عظٌمة‪.‬أما إذا كان الحسد من دوافع آخروٌة ‪ ،‬فبل حسد أصبل ولو تحرك عرق الحسد‬

‫‪ -1‬الفٌروز آبادي ‪ ،‬القاموس المحٌط ‪ ،‬ص ‪.944‬‬


‫‪ -2‬الجرجانً ‪ ،‬التعرٌفات ‪ ،‬بدون دار نشر ‪9141 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.94‬‬
‫‪ -3‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.996‬‬
‫‪- 272 -‬‬
‫حتى فً هذه األمور ‪ ،‬فالحاسد إما أنه مراء ٌحبط حسناته اآلخروٌة فً الدنٌا أو أنه ٌسا‬
‫الظن بمحسوده فٌظلمه ‪ ،‬ثم إن الحاسد فً حسده ٌسخط على قدر هللا ألنه ٌحزن من مجًء‬
‫فضل من هللا ورحمته الواسعة على محسوده وٌرتاح من نزول المصابب علٌه أي كؤنه‬
‫ٌنتقد القدر اإللهً وٌعترض على رحمته الواسعة‪ٌ .‬رى النورسً أنه ٌحب الرضا بالقدر‬
‫والقضاء‬

‫« أف تستقبؿ حظ القدر ىذا بالرضى كالتسميـ ك أف الشيطاف كالنفس األمارة‬


‫بالسكء ليما حظيما ‪ ،‬فإذا ما أخرجت ىاتيف الحصتيف ال يبقى أمامؾ سكل اإلشفاؽ عمى أخيؾ‬
‫بدال مف عدائو‪ ،‬ألنؾ تراه مغمكبا عمى أمره أماـ نفسو كشيطانو‪ ،‬فتنتظر منو بعد ذلؾ الندـ عمى‬
‫فعمتو كتأمؿ عكدتو إلى صكابو ‪،‬عميؾ أف تبلحظ في ىذا األمر تقصيرات نفسؾ تمؾ التي ال تراىا‬
‫أكال ترغب أف تراىا ‪ ،‬فإعزؿ ىذه الحصة مف الحصتيف السابقتيف ترل الباقي حصة ضئيمة جزئية‬
‫‪ ،‬فإذا استقبمتيما بيمة عالية كشيامة رفيعة أم بالعفك كالصفح تنجك مف إرتكاب ظمـ كتتخمص مف‬
‫إيذاء أحد»‪.1‬‬

‫هكذا بسط لنا النورسً ما ٌسببه العداء جراء الحسد من أضرار لحٌاة اإلنسان الشخصٌة‬
‫وتفاعله ومعاماالته مع اآلخر ومع البٌبة المحٌطة ‪ .‬وٌستشهد النورسً بقول الشٌرازي* ‪:‬‬

‫« نيؿ الراحة كالسبلمة في كبل العالميف تكضحو كممتاف ‪ :‬معاشرة األصدقاء‬


‫بالمركءة ك اإلنصاؼ ‪ ،‬كمعاممة األعداء بالصفح كالصفاء»‪.2‬‬

‫وٌشٌر النورسً إلى نقطة أساسٌة بقوله ‪:‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.912.911‬‬


‫* ‪ -‬حافظ الشيرازي ‪ :‬شمس الدٌن محمد حافظ الشٌرازي (نحو ‪ 469 - 492‬هـ) الملقب ب«خواجه حافظ‬
‫الشٌرازي» والشهٌر بلسان الؽٌب من اشهر الشعراء االٌرانٌٌن ونجم ساطع فً سماء العلم واالدب فً اٌران‪.‬‬
‫ٌعتبر أشهر شعراء الفرس الؽنابٌٌن ؼٌر منازع‪ .‬مولده ووفاته بشٌراز‪ .‬لقب بـ «حافظ» لحفظه القرآن الكرٌم‬
‫بقراءاته األربع عشرة‪ .‬وكان من الشٌعة اإلثنً عشرٌة‪ .‬له أشعار بالفارسٌة والعربٌة و ُترجمت آثاره إلى كثٌر‬
‫من اللؽات العالمٌة‪.‬‬
‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.912‬‬
‫‪- 273 -‬‬
‫« الجمعية التي فييا التساند آلة خمقت لتحريؾ السكنات ‪ ،‬كالجماعة التي‬
‫فييا التحاسد آلة خمقت لتسكيف الحركات»‪. 1‬‬

‫« الحسد الناشيء مف المنافع المادية ىذا الحسد يفسد اإلخبلص تدريجيا ‪ ،‬بؿ‬
‫يشكه نتائج العمؿ بؿ يفكت تمؾ المنافع المادية أيضا »‪.2‬‬

‫كما ٌشٌر النورسً إلى أن الحسد موجود فً المسالك والطرق الصوفٌة تنجم عنها‬
‫منافسة مهلكة تطلعا الى علو الهمة والحرص على الثواب حٌث ٌقول ‪:‬‬

‫« مما يدؿ عمى أف في المسالؾ التي فييا مقاـ األبكة كاإلرشاد ك األستاذية‬
‫نتائج خطيرة ميمكة تنجـ مف المنافسة كالحسد حرصا عمى الثكاب كتطمعا إلى عمك اليمة ‪ ،‬أقكؿ إف‬
‫الدليؿ عمى ذلؾ كجكد تمؾ اإلختبلفات ك المشاحنات الدائرة في ثنايا المزايا الجميمة كالمنافع العظيمة التي‬
‫يتمتع بيا أىؿ الطرؽ الصكفية ‪ ،‬كالتي أدت بيـ إلى نتائج كخيمة جعمت قكاىـ السامية اليائمة ال تثبت‬
‫أماـ أعاصير البدع»‪.3‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬الغيبة في المنظور النورسي جريمة‬


‫أن مفهوم الؽٌبة عند النورسً هً ‪:‬‬

‫« ذكر أخاؾ بما يكره ‪ ،‬فإف كاف فيو ما تقكؿ فقد إغتبتو ‪ ،‬كاف لـ يكف فيو فقد‬
‫بيتو أم إجترحت إثما عظيما»‪.4‬‬

‫وٌعتٌر النورسً أن الؽٌبة من األمراض الخبٌثة التً تفشت فً عصرنا الحالً بٌن‬
‫أفراد المجتمع الواحد نتٌجة للحسد واألنانٌة والؽرور وؼٌرها من األمراض نتٌجة اللهث‬
‫وراء المادٌات وبالتالً الخواء الروحً والوجدانً والبعد عن ما جاء به دٌننا من التحلً‬

‫‪ - 1‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.315‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬ص ‪.914‬‬
‫‪ -3‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬ص ‪.251‬‬
‫‪ -4‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.358‬‬
‫‪- 274 -‬‬
‫بؤخبلق فاضلة كالتساند واألخوة والمحبة والتسامح والوحدة اإلسبلمة واإلحترام التً كان‬
‫ٌدعوا إلٌها من أجل النهوض بؤمة فتكت بها العلمانٌة‪.‬‬
‫إن تدبر النورسً لهذه اآلٌة الكرٌمة ‪:‬‬
‫‪1‬‬ ‫َخ ِ‬
‫يو َم ْيتاً فَ َك ِرْىتُ ُموهُ ﴾‬ ‫َن يأْ ُك َل َل ْحم أ ِ‬ ‫﴿ أ َُي ِح ُّ‬
‫َ‬ ‫َح ُد ُك ْم أ ْ َ‬
‫ب أَ‬

‫وما تحتوٌه من خطاب دٌنً موجه إلى المؽتابٌن التً تبٌن مدى شناعة الؽٌبة فً نظر‬
‫القرآن وكٌؾ أنها تزجر عن جرٌمة الؽٌبة بإجاز بالػ وبإٌجاز شدٌد فً ست مراتب‬
‫ٌذكرها النورسً كالترتٌب اآلتً ‪:‬‬

‫« النقطة األولى ‪ :‬ففي الكممة األكلى تخاطب اآلية الكريمة ‪ :‬أليس لكـ‬
‫عقؿ ‪ ،‬كىمك محؿ السؤاؿ كالجكاب ليعي ىذا األمر القبيح‪.‬النقطة الثانية ‪ :‬ففي الكممة الثانية تخاطب‬
‫اآلية ‪ :‬ىؿ فسد قمبكـ ‪ ،‬كىك محؿ الحب كالبغض حتى أصبح يحب إكراه األشياء كاشدىا تنفير‪.‬النقطة‬
‫الثالثة ‪ :‬تخاطب اآلية ‪ :‬ماذا جرل لحياتكـ اإلجتماعية ‪ ،‬كالتي تستمد حيكيتيا مف حيكية الجماعة ‪،‬‬
‫كما باؿ مدينتكـ كحضارتكـ حتى أصبحت ترضى بما يسمـ حياتكـ كيعكر صفككـ‪.‬النقطة الرابعة ‪:‬‬
‫تخاطب اآلية الكريمة بماذا أصاب إنسانيتكـ حتى أصبحتـ تفترسكف صديقكـ الحميـ ‪.‬النقطة الخامسة‬
‫حتى أصبحتـ تفتككف‬ ‫‪ :‬تخطاب اآلية أليس بكـ رأفة ببني جنسكـ اليس لكـ صمة رحـ تربطكـ معيـ‬
‫بما ىك اخككـ مف عدة جيات كتنيشكف شخصو المعنكم المظمكـ نيشا قاسيا ‪ ،‬ايممؾ عقبل مف يعضك‬
‫عضكا بجسمو ؟ أكليس بمجنكف"؟‪.‬النقطة السادسة ‪ :‬تخاطي اآلية بأيف كجدانكـ ؟ أفسدت فطرتكـ‬
‫حتى أصبحتـ تجترحكف أبغض األشياء كأفسدىا بدؿ اإلحتراـ كالتكقير»‪.2‬‬

‫إن هذه األوجه الستة للؽٌبة قد تناولها وشخصها المنظور النورسً مجزما ومإكدا‬
‫على أن الؽٌبة مذمومة عقبل وقلبا و إنسانٌة ووجدانا وفطرة وملة ‪ ،‬وهً بالنسبة له سبلح‬
‫دنًء ٌستعمله المتخاصمون والحساد المعاندون ‪ ،‬ألن صاحب النفس العزٌزة تؤبى علٌه‬
‫نفسه أن ٌستعمل سبلحا حقٌرا كهذا ‪ ،‬فهمً مرض العصر الذي ٌفتك بؤمة اإلسبلم أٌنما‬

‫‪ -1‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة الحجرات ‪ ،‬اآلٌة ‪.49‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.925 .924‬‬
‫‪- 275 -‬‬
‫وجدت مستندا فً ذلك على البرهان بمنهج قرآنً وببٌان القرآن الذي ال بٌان بعده وال‬
‫حاجة إلى بٌان آخر ‪.‬‬
‫ومن زاوٌة أخرى ٌشٌر النورسً بإعتبار أن الؽٌبة هو أمر محرم ‪ ،‬ؼٌر أنها فً‬
‫أحوال أخرى جابزة وتجوز للمصلحة الخاصة الخالصة هلل دون أن ٌداخلها ؼرض‬
‫شخصً وحظ النفس ‪ ،‬وله ما ٌبرر ذلك فً النقاط التالٌة‪:‬‬

‫« أوال ‪ :‬المظمكـ يجكز لو أف يصؼ مف ظممو إلى حاكـ ليعينو عمى إزالة ظمـ‬
‫أك منكر كقع عميو‪ .‬ثانيا ‪ :‬اإلستفتاء ‪ ،‬بمعنى اذا ما استشارؾ أحد يريد أف يشترؾ مع أحد في العمؿ ‪،‬‬
‫كأردت نصيحتة خالصا ﵀ دكف غرض شخصي يجكز لؾ أف تقكؿ لو "ال تصمح لؾ معاممتو ‪ ،‬سكؼ‬
‫تخسر كتتضرر"‪.‬ثالثا ‪ :‬التعريؼ مف دكف أف يككف القصد فيو التنقيص ‪ ،‬كأف تقكؿ ذلؾ فاسؽ أك ذلؾ‬
‫األعرج‪ .‬رابعا ‪ :‬أف كاف فاسقا مجاى ار بفسقة ‪،‬ال يتكرع مف الفساد كلربما كاف يفتخر بسيئاتو كيتمذذ مف‬
‫ظمـ اآلخريف الميـ إغفر لنا كلمف إغتبناه " ثـ يطمب مف الذم إغتباه عفكه منيا كاإلبراء منيا متى ما‬
‫إلتقاه»‪. 1‬‬

‫فهذه الحاالت التً إعتبرها النورسً جابزة كون أنها ال تدخل فٌها ؼرض شخصً أو‬
‫النفس األمارة بالسوء بل تجوز ألجل الوصل الى الحق وحده ‪ ،‬ومن إؼتاب برؼبة منه‬
‫فإنها تحبط األعمال الصالحة فمن إرتكبها أو إستمع إلٌها ‪ ،‬فعلٌه أن ٌدعوا‬
‫وخبلصة القول إن مثل هذه األمراض وتفشٌها كفٌلة بؤن تفكك مجتمع قابم على‬
‫اإلحترام والحب والمودة ألنها أمراض تصٌب النفوس بالدرجة األولى التً تنعكس على‬
‫تفاعبلت الفرد مع أفراد مجتمع التً تقوم بهدم تلك القٌم واألخبلق الفاضلة التً لطالما دٌننا‬
‫اإلسبلمً ٌحث علٌها كنموذج لتقوٌم السلوك وإحداث توازن الكٌان اإلنسانً الداخلً‬
‫والخارجً فً آن واحد من أجل التقدم والتعاٌش فً سلم وأمان وتعاون وتساند إجتماعً‬
‫فٌما بٌن أعضاء المجتمع الواحد‪ ،‬كتساند أعضاء الجسم إذا إختل عضو إختل توزان النظام‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.925‬‬


‫‪- 276 -‬‬
‫الكلً للجسم ‪ ،‬فالفرد ٌتؤثر وٌإثر فً مجتمعة فحٌاة الفرد فً حد ذاتها عملٌة تفاعل‬
‫مستمر‪ ،‬ومنه نستخلص أن الشرٌعة اإلسبلمٌة هً عقٌدة إنسانٌة ألنها ترفض اإلنؽبلق‪.‬‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬األبعاد اإلجتماعية ‪ ،‬األخالقية والسياسية في الخطاب النورسي‬


‫اإلنسان ٌصدر فً كل تصرفاته و أفعاله عن التصورات التً ٌحملها وعن العقٌدة التً‬
‫ٌعتنقها ‪ ،‬فٌصعب أن نجد إنسانا لٌس له تصور معٌن عن الكون واإلنسان والحٌاة ‪ ،‬فبل بد‬
‫أن تنسجم تصرفاته فً الحٌا ة وفق تصوره ذاك‪ .‬إن سلوك اإلنسان فً الحٌاة هو فً‬
‫الحقٌقة إنعكاس لمفاهٌمه و أفكاره ولٌس العكس كما تزعم الفلسفة المادٌة التً تعتبر‬
‫الفكرة ولٌدة المادة والسلوك وأن المادة هً صانعتها ٌقول أنجلز فً هذا ‪:‬‬

‫« إف العالـ المادم الذم تدركو حكاسنا ‪ ،‬كالذم ننتمي نحف أنفسنا إليو ‪ ،‬ىك‬
‫الكاقع الكحيد ‪ ،‬إف إدراكنا كفكرنا ميما ظي ار رفيعيف سامييف ‪ ،‬ليسا سكل نتاج عضك مادم جسدم ىك‬
‫الدماغ ‪ ..‬إف المادة ليست مف نتاج العقؿ ‪ ،‬بؿ إف العقؿ نفسو ليس سكل نتاج المادة األعمى»‪.1‬‬

‫لذلك كان إعتماد اإلسبلم األول فً عم لٌة تحوٌل المجتمع من مجتمع جاهلً إلى مجتمع‬
‫إسبلمً ٌقوم على إحبلل مفاهمٌه عقٌدٌة عن الكون واإلنسان والحٌاة وعلى إذكاء جذوة‬
‫التفكٌر والنظر لدى اإلنسان حتى ٌتمكن من فهم هذه العقٌدة وإعتناقها بعمق وأصالة‪.‬‬
‫فالقرآن الكرٌم ٌحفل بآٌات تبٌن أسلوب المنهج اإلسبلمً فً صٌاؼة األفراد والجماعات‬
‫وفً بناء وتكوٌن الشعوب والمجتمعات ‪ ،‬إنه األسلوب الذي ٌبدأ بصٌاؼة الفكر وٌنتهً إلى‬
‫صٌاؼة الواقع فً كل شإونه وأحواله‪.‬‬
‫وٌشٌر محمد قطب إلى نقطة فً ؼاٌة األهمٌة وهً قضٌة األخبلق كواقع ومحور‬
‫أساسً فً الحٌاة حٌث ٌقول ‪:‬‬

‫‪ -1‬فتحً ٌكن ‪ ،‬اإلسالم والجنس ‪ ،‬دار الشهاب ‪ ،‬باتنة ‪ ،‬الجزابر ‪4649 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.4‬‬
‫‪- 277 -‬‬
‫« إف األخبلؽ ليست شيئا منفصبل عف الكاقع‪ ،‬ليست نظريات تدرس فى‬
‫األبراج العاجية مستقمة بذاتيا‪ ،‬كليس ليا قكانيف خاصة غير قكانيف الحياة الكاقعية! كال يمكف أف يكجد‬
‫فساد خمقى مع إستقامة فى حياة الناس الكاقعة‪ ،‬إنما ىما شىء كاحد الفساد فى األخبلؽ معناه فساد فى‬
‫كاقع الحياة‪ .‬كالفساد فى كاقع الحياة معناه فساد فى األخبلؽ‪ ..‬ألنيما قانكف كاحد مستمد مف الكجكد‬
‫البشرل المتكامؿ‪ ،‬كالفطرة البشرية الشاممة»‪.1‬‬

‫الحٌاة‬ ‫فالمنهج اإلسبلمً تفرد عن سابر المناهج الوضعٌة فً قدرته على تنظٌم‬
‫اإلنسانٌة تنظٌما دقٌقا ٌحفظ لها إنسانٌتها وٌقٌها ؼوابل اإلنحراؾ والتطرؾ والشذوذ ‪،‬‬
‫فاإلسبلم لم ٌنظر إلى اإلنسان نظرة مادٌة مجردة ال تتعدى هٌكله الجسدي ومتطلباته‬
‫الؽرٌزٌة شؤن المذاهب المادٌة ‪ ،‬بل نظر إلٌه نظرة شاملة ٌنظر إلٌه جسما وعقبل وروحا‬
‫من خبلل تكوٌنه الفطري ‪ ،‬ثم هو ٌنطم حٌاته وٌعالجه على أساس هذه النظرة‪.‬‬

‫« كلـ يكف اإلسبلـ "أبيقكريا"* في إطبلؽ الغرائز كالشيكات مف غير تنظيـ كال‬
‫تكييؼ ‪ ،‬كلـ يكف كذلؾ "ركاقيا**" في فرض المثاليات كاعداـ المتطمبات الحسية في اإلنساف»‪.2‬‬

‫إن اإلسبلم كمنهج حٌاة لم ٌؽفل أو ٌهمل حتى دقابق وتفصٌبلت السلوك البشري الخاص‬
‫والعام لتكون متوافقة ومنسجمة مع القواعد اإلعتقادٌة واألخبلقٌة التً جاء لتحقٌقها‬
‫وتعمٌقها‪.‬‬
‫ومن مبلمح التكامل فً المنهج اإلسبلمً معالجته الجذرٌة لقضاٌا الفرد والمجتمع سواء‬
‫بالتربٌة أو بالترهٌب والترؼٌب أو بالعقوبة ‪ ،‬فمن مظاهر التخرٌب فً المجتمعات تهدم‬
‫األخبلق والصفات اإلنسانٌة وبروز النزهات البهٌمٌة كاألنانٌة والنفعٌة والتمرد والبلمباالة‬
‫‪...‬إلخ والتفلت من المسإولٌات وبالتالً الخروج عن كل التقالٌد والقٌم والقوانٌن ‪ ،‬إن‬

‫‪ٌ https://bayan13.wordpress.com‬وم ‪-42‬‬ ‫‪ -1‬محمد قطب ‪ ،‬جاهلية القرن العشرين ‪ .‬أنظر الموقع ‪:‬‬
‫‪9143-16‬م‬
‫* ‪ -‬أبيقوريا ‪ :‬نسبة إلى الفلسفة التً وضعها أبٌقور عام ‪ 919‬ق م ‪ ،‬والتً تعتبر اللذة أساس األخبلق وأنها‬
‫وحدها ؼاٌة اإلنسان وهً وحدها الخٌر ‪.‬‬
‫** ‪ -‬رواقيا ‪ :‬نسبة إلى الفلسفة التً وضعها زٌنو القبرصً عام ‪919‬ق م التً تعتبر الشهوة شرا محضا ٌجب‬
‫إبادتها‪.‬‬
‫‪ -2‬فتحً ٌكن ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪- 278 -‬‬
‫مبلٌٌن الشباب من الشٌان والفتٌات ٌعٌشون الٌوم عالة على مجتمعاتهم وأممهم ال ٌتحملون‬
‫أدنى مسإولٌة ‪ٌ ،‬عٌشون على السرقة والقتل والمخدرات والجنس وٌعٌشون أشباحا أو شبه‬
‫أشباح وحٌوانات وأكثر من حٌوانات ‪.‬‬

‫فالمنيج اإلسبلمي يحيط إحاطة كاممة بطبائع األفراد كالمجتمعات كبطبائع‬ ‫«‬
‫تركيب األفراد – ذكك ار كاناثا‪ -‬كتركيب المجتمعات ‪ ،‬فيك بيذا التصكر المتكامؿ لطبيعة كؿ شيء يضع‬
‫اإلنساف قكاعد السمكؾ اإلجتماعية ضكابطو كمقكماتو كذلؾ لصيانة الحياة اإلجتماعية»‪.1‬‬

‫إن النورسً من خبلل دعوته كان ٌتوخى بمنهجة الدعوي تحقٌق المقصد و البعد‬
‫اإلجتماعً واألخبلقً والسٌاسً كالصدق والحب واألخوة الشفقة الرحمة العدل والمساواة‬
‫اإلحسان والوحدة االمن واإلستقرار ‪...‬إلخ من المقاصد وهً أهداؾ ذات بعد إجتماعً‬
‫وأخبلقً وسٌاسً ‪ ،‬بالرؼم من أنه تعرض إلى عزلة الحٌاة اإلجتماعٌة لٌس برؼبة منع‬
‫وإنما ألسباب فرضتها علٌه ظروؾ السجن والنفً المتواصل طٌلة حٌاته ‪ .‬إال أنه سعى إلى‬
‫تحقٌقها من خبلل رسابل النور‪ ،‬إستطاع أن ٌشخص فً المجتمع اإلسبلمً تلك المفاسد‬
‫بتحلٌله لطبٌعة األوضاع اإلجتماعٌة والسٌاسٌة التً أدت إلى تؤخر المجتمع‬ ‫األخبلقٌة‬
‫اإلسبلمً ودراستها حتى ٌقومها ومن بٌن هذه المفاسد ذكر ماٌلً ‪:‬‬

‫« أكال ‪ :‬حياة اليأس الذم يجد فينا أسبابو كبعثو ‪.‬ثانيا ‪ :‬إنعداـ الصدؽ في‬
‫الحياة اإلجتماعية كالسياسية‪.‬ثالثا ‪ :‬حب العداكة رابعا ‪ :‬الجيؿ بالركابط النكرانية التي تربط المؤمنييف‬
‫ببعضيـ البعض‪.‬خامسا ‪ :‬سرياف اإلستبداد ‪ ،‬مثؿ سرياف األمراض المعدية ‪.‬سادسا ‪ :‬حصر اليمة في‬
‫المنفعة الشخصية ‪ ،‬سابعا ‪ :‬التعصب المقيت في غير محمو ‪ ،‬سكاء لدل عالـ جاىؿ أك جاىؿ عالـ ثامنا‬
‫‪ :‬تقميد مساكمء المدنية األكركبية تقميدا ببغائيا»‪. 2‬‬

‫‪ -1‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.42‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬صٌقل اإلسبلم ‪ ،‬ص ‪. 144‬‬
‫‪- 279 -‬‬
‫إن النورسً لم ٌقم بتشخٌص هذا ‪ -‬األمراض الفتاكة ‪ -‬على حد تعبٌره بل كما عودنا‬
‫من خبل ل رسابله فً البحث عن العبلج وتقدٌمه لمعالجة هذه األمراض بإعتمادي على‬
‫صٌدلٌة القرآن الكرٌم الذي هو بمثابة كلٌة الطب فً حٌاتنا اإلجتماعٌة حٌث قال ‪:‬‬

‫« كلمعالجة ىذه األمراض الفتاكة ‪ ،‬أبيف ما إقتبستو مف فيض صيدلية القرآف‬


‫الحكيـ الذم ىك بمث ابة كمية الطب في حياتنا اإلجتماعية ‪ ،‬إذ ال أعرؼ أسمكبا لممعالجة سكاىا"‪ ،‬حيث‬
‫أف أكؿ كصفة لمعبلج ىي " األمؿ " بقكلو ‪ ":‬قد أزؼ بزكغ أمارات الفجر الصادؽ ‪ ،‬دنا شركؽ شمس‬
‫سعادة عالـ اإلسبلـ الدنيكية كبخاصة سعادة العثمانييف‪ ،‬كالسيما سعادة العرب الذيف يتكقؼ تقدـ العالـ‬
‫اإلسبلمي كرقيو عمى تيقظيـ كانتباىيـ‪ ،‬فإنني أعمف بقكة كجزـ‪ ،‬بحيث أسمع الدنيا كميا كأنؼ اليأس‬
‫كالقنكط راغـ‪ ،‬إف المستقبؿ سيككف لئلسبلـ كلئلسبلـ كحده‪ ،‬كاف الحكـ لف يككف إال لحقائؽ القرآف‬
‫كاإليماف»‪.1‬‬

‫كما ٌجعل دور وأهمٌة الصدق فً الحٌاة اإلجتماعٌة والسٌاسة عبلجا وبالمحبة تقوى‬
‫الروابط اإلجتماعٌة وتقوي الصلة بٌن أفراد المجتمع ‪ ،‬وإعتبار الشورى التً حث علٌها‬
‫اإلسبلم ألنها تحقق سعادة المسلمٌن فً حٌاتهم اإلجتماعٌة والسٌاسٌة ‪ ،‬حٌث ؼدا على مر‬
‫عصور التارٌخ مدار رقً البشرٌة وأساس علومها فً مقابل اإلستبداد الظالم المجحؾ ‪،‬‬
‫حٌث قال ‪:‬‬

‫« إف فؾ أنكاع القيكد التي كبمت ثبلثمائة بؿ أربعمائة مميكف مسمـ‪ ،‬كرفع أنكاع‬
‫االستبداد عنيـ‪ ،‬إنما يككف بالشكرل كالحرية الشرعية النابعة مف الشيامة اإلسبلمية كالشفقة اإليمانية‪ ،‬تمؾ‬
‫الحرية الشرعية التي تتزيف باآلداب الشرعية كتنبذ سيئات المدنية الغربية ‪ ،‬إف الحرية الشرعية النابعة مف‬
‫اإليماف إنما تأمر بأساسيف ‪ ،‬أكال ‪ :‬اف ال يذلؿ المسمـ كال يتذلؿ ‪ ..‬مف كاف عبدا ﵀ ال يككف عبدا لمعباد‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أف ال يجعؿ بعضكـ بعضا أربابا مف دكف ا﵀ ‪ ،‬إذ مف ال يعرؼ ا﵀ حؽ معرفتو يتكىـ نكعا مف‬
‫الربكبية لكي شيء في كؿ حسب نسبتو فيسمطو عمى نفسو»‪.2‬‬

‫‪ -1‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.169‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬صٌقل اإلسبلم ‪ ،‬ص ‪.241‬‬
‫‪- 280 -‬‬
‫وبهذه الوصفات العبلجٌة التً قدمها النورسً ٌتحقق التعاٌش اإلجتماعً وٌسود السلم‬
‫بٌن أعضاء المجتمع والتضامن وٌتحقق اإلتحاد اإلسبلمً وبالتالً وحدة األمة اإلسبلمٌة‬
‫كافة ‪ ،‬و من هذا المبدأ عمل النورسً على ترسٌخ أسس الوحدة اإلسبلمٌة ‪ .‬لتقؾ العبلج‬
‫الناجع لمعضلة الخبلؾ المذهبً وكذلك الفكري بٌن المسلمٌن حٌث قال ‪:‬‬

‫« فميزمكـ نبذ المسائؿ الجزئية التي تثير النزاع ‪ ،‬ألنكـ أىؿ التكحيد ‪ ،‬بينكـ‬
‫مئات الركابط المقدسة الداعية إلى األخكة كاإلتحاد»‪.1‬‬

‫أما من الجانب السٌاسً نبلحظ أن النورسً قد تؤثر بمنهج من سبقه من رواد‬


‫اإلصبلح ونادوا به ‪ ،‬فقد سار على خطى كل من جمال الدٌن األفؽانً الذى بدوره إلى‬
‫توحٌد صفوؾ المسلمٌن بإسم الجامعة اإلسبلمٌة إبان عهد السلطنة الحمٌدٌة أي فً عهد‬
‫السلطان "عبد الحمٌ د الثانً " ‪ ،‬وكؤهم قضٌة أراد النورسً أن ٌحققها من وراء ذلك هً‬
‫الحث على التعاون المشترك بٌن شعوب العالم اإلسبلمً بدل التوجه نحو الؽرب‪ٌ ،‬قول فً‬
‫هذا االصدد ‪:‬‬

‫« إف ما يعطيو أرباب السياسة الحاليكف في ىذه الببلد مف رشاكل إلى الغرب‬


‫كالى األ جانب كمف تنازالت سياسية كمعنكية‪ ،‬عمييـ أف يعطكا عشرة أمثاليا‪ ،‬بؿ ينبغي ليـ أف يدفعكىا‬
‫ألجؿ إقرار أخكة أربعمائة مميكنا مف المسمميف كالتي ستتشكؿ عمى صكرة جميكريات إسبلمية متحدة‪،‬‬
‫كذلؾ ألجؿ سبلمة ىذه الببلد كالحفاظ عمى كياف ىذه األمة ‪ ،‬كسكؼ يككف ذلؾ ىدية ضركرية كأتاكة ال‬
‫ضرر فييا»‪. 2‬‬

‫فبالنسبة للنورسً أن الرشوة الواجبة الجابزة والنافعة جدا بل الضرورٌة المقبولة هً‬
‫إتخاذ الدساتٌر المقدسة منهجا للعمل‪ ،‬تلك الدساتٌر التً هً أساس التعاون اإلسبلمً وهً‬
‫هداٌا سماوٌة من القرآن الكرٌم توثق الرابطة بٌن المسلمٌن ‪ ،‬بل هً قانونهم المقدس‬
‫األساس وهً ‪:‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪،‬ص ‪.95‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المبلحق ‪ ،‬ص ‪.142‬‬
‫‪- 281 -‬‬
‫َصمِ ُحوا َب ْي َن أَ َخ َوْي ُك ْم َواتَّقُوا المَّ َو لَ َعمَّ ُك ْم تُْر َح ُم َ‬
‫ون إِ ْخ َوةٌ فَأ ْ‬
‫﴿إَِّن َما ا ْل ُم ْؤ ِمنُ َ‬
‫‪1‬‬
‫ون ﴾‬

‫« أف أمراضا كثيرة دخمت عمى المسمميف‪ ،‬صار اإلنتماء ال إلى مجمكع المؤمنيف‪،‬‬
‫ب ؿ إلى جماعة خاصة‪ ،‬أك إلى فئة خاصة‪ ،‬فيذا االنتماء إلى مجمكعة صغيرة يفتت مجمكع المسمميف‬
‫كيجعميـ يفشمكف‪ ،‬لذا ينبغي أف يككف اإلنتماء ال إلى حمقة أك طائفة أك جماعة أك فئة أك طريقة بؿ إلى‬
‫مجمكع المؤمنيف‪ ،‬فاألصؿ أنيـ إخكة‪ ،‬فإف ظير بينيـ نزاع أك شقاؽ أك خصكمة‪ ،‬أك حسد‪ ،‬أك تجاكز‬
‫فميمة كؿ مؤمف األكلى أف يصمح بيف أخكتو المؤمنيف»‪. 2‬‬
‫ّ‬

‫ين﴾‪.3‬‬ ‫اص ِبُروا إِ َّن المَّ َو َم َع َّ‬


‫الصا ِب ِر َ‬ ‫ب ِر ُ‬
‫يح ُك ْم َو ْ‬ ‫ْى َ‬
‫شمُوا َوتَذ َ‬
‫﴿وَال تََن َاز ُعوا فَتَ ْف َ‬
‫لقوله تعال ‪َ :‬‬

‫المطلب الرابع ‪ :‬البعد اإلقتصادي من خالل "رسالة اإلقتصاد" نموذجا‪.‬‬

‫إن حٌاة النورسً التً قدمها لخدمة إنقاذ اإلٌمان‪ ،‬ونشر اإلسبلم‪ ،‬مإكدا بهذا ما‬
‫ٌجب أن ٌتصؾ وٌتحلى به اإلنسان المسلم المإمن من الناحٌة السلوكٌة‪ ،‬وحاول فً‬
‫الوقت نفسه التنبٌه إلى العناصر البلزمة لصٌاؼة المجتمع حسب األسس اإلسبلمٌة‪.‬‬

‫ولعل الجانب اإلقتصادي من بٌن تلك العناصر البلزمة إلى جانب عناصر اإلجتماعٌة‬
‫واألخبلقٌة والسٌاسٌة والعقدٌة ‪...‬الخ ‪ ،‬فقد قام أٌضا بتحلٌل دقٌق لمواضٌع اإلقتصاد كؤهم‬
‫عنصر فً حٌاة اإلنسان باإلستناد فً ذلك على القرآن الكرٌم والسنة النبوٌة و أسند‬
‫إستنتاجاته وأفكاره إلى هذه األسس‪ ،‬وقد ت ناول هذا الجانب اإلقتصادي وفق منظوره‬
‫"باإلقتصاد اإلسالمي" الذي ذكره فً "رسالة اإلقتصاد"‪ ،‬وبهذا تعتبر األفكار التً قدمها‬
‫النورسً حول مواضٌع شملت الجانب اإلقتصادي كمنهج سلوك المستهلك فً اإلسبلم‪ ،‬وقد‬
‫تطرق النورسً فً رسابله األخرى إلى مختلؾ المواضٌع المتعلقة باإلقتصاد اإلسبلمً‪،‬‬
‫وقدم فٌها تفسٌرات و إٌضاحات مإسسة ومإصل لها باآلٌات الكرٌمة واألحادٌث الشرٌفة‪.‬‬

‫‪-1‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة الحجرات ‪ ،‬اآلٌة ‪.41‬‬


‫‪2‬‬
‫‪ -‬محمد راتب النابلسً ‪ ،‬أنظر الموقع ‪ٌ http://www.nabulsi.com :‬وم ‪9144-19-99‬‬
‫‪ -3‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة األنفال ‪ ،‬اآلٌة ‪.13‬‬
‫‪- 282 -‬‬
‫ولعل فً وقتنا الحالً وفً عصرنا هذا‪ٌ ،‬شكل هذا الموضوع فً أساسه مسؤلة أساسٌة‬
‫من مسابل اإلنسانٌة ‪.‬‬

‫تتمحور "رسالة اإلقتصاد" التً ذكرها فً اللمعة التاسعة عشرة فً مإلفه "اللمعات"‬
‫أساسا على حكمة اإلقتصاد وحكمة حرمة اإلسراؾ ضمن سلوك المستهلك ‪ ،‬وإٌضاح‬
‫تؤثٌراته اإلٌجابٌة والسلبٌة‪ ،‬قوله تعالى‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫س ِرِف َ‬
‫ين ﴾‬ ‫س ِرفُوا إَِّن ُو َال ُي ِح ُّ‬
‫ب ا ْل ُم ْ‬ ‫س ِج ٍد َو ُكمُوا َوا ْ‬
‫شَرُبوا َوَال تُ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿يا َبني َآ َد َم ُخ ُذوا ِزي َنتَ ُك ْم ع ْن َد ُك ِّل َم ْ‬
‫َ‬

‫تسعى الضوابط التً جاء بها اإلسبلم لتنظٌم سلوك المستهلك مستندا إلى قواعد القرآن‬
‫الكرٌم والسنة المطهرة‪ ،‬فتقدم األنموذج األمثل لئلنسان المسلم‪ .‬وقد أورد النورسً هذه‬
‫الضوابط فً رسالة اإلقتصاد بعبارات موجزة مركزة‪ ،‬متناوال الموضوع وموضحا إٌاه‬
‫وفق المسلك اآلتً‪:‬‬

‫« اإلنساف مكظؼ بالشكر‪ ،‬إباف إستخدامو كاستيبلكو النعـ التي كىبيا إياه‬
‫خالقو الكريـ‪ .‬كعمى اإلنساف الشاكر أف يستخدـ ما كىبو خالقو مف النعـ حسب حاجتو كبقدر إحتياجو‬
‫كيقدرىا حؽ قدرىا‪ ،‬مفك ار ببني جنسو مف الناس‪ ،‬مرتبا اإلستفادة كاإلفادة مف النعـ بحسب حاجة اإلنسانية‬
‫إلييا‪ ،‬فالنعـ ليست مف رتبة كاحدة‪ ،‬ليذا يحسف التكقؼ عند أقساـ ما يحتاجو اإلنساف مف سمع»‪.2‬‬

‫ولو قسمنا اإلقتصاد الذي ٌفٌد ‪ -‬كما ذكر فً رسالة اإلقتصاد ‪-‬‬

‫«إنما ىك تكقير مربح إزاء النعـ»‪. 3‬‬

‫التً هً من لطفه سبحانه إٌانا‪ ،‬إلى عناصره نرى أنه ٌحوى على ست عناصر مهمة‪:‬‬

‫‪ -1‬سورة األعراؾ ‪ ،‬اآلٌة ‪.94‬‬


‫‪ -2‬صباح الدٌن زعٌم ‪ ،‬الرؤية الحضارية من خالل رسالة اإلقتصاد ‪ ،‬مجلة نور للدراسات الحضارٌة والفكرٌة‬
‫‪ ،‬العدد ‪ ، 2‬استانبول ‪9114 ،‬م ص‬
‫‪ -3‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬ص ‪.949‬‬
‫‪- 283 -‬‬
‫« اإلقتصاد شكر معنكم‪ ،‬تكقير لمرحمة اإلليية الكامنة في النعـ كاإلحساف ‪،‬‬
‫سبب حاسـ لمبركة كاالستكثار ‪ ،‬مدار صحة الجسد كالحمية بحيث أف مراعاة اإلقتصاد في‬
‫تسد يد الحاجة إلى الغذاء ليا تأثير صحي مف حيث الطب كالمداكاة إلى جانب فكائده المعنكية‬
‫كالتجارية‪ .‬ذلؾ أف الغذاء المتناكؿ بالقدر البلزـ المعقكؿ يساعد عمى تكامؿ الجسـ‪ .‬بينما يككف‬
‫أثره سمبيا عمى الجسـ إذا تناكلو بشكؿ زائد‪ .‬فاإلكثار مف الغذاء يجبر الجسـ كيتعبو‪ ،‬فالرعاية‬
‫‪1‬‬
‫لبلقتصاد كاإلقتصاد ىك سبيؿ إلى العزة باالبتعاد عف ذؿ االستجداء المعنكم»‬

‫كما عبر عنها النورسً ‪:‬‬

‫« نعـ إف مف ال يقتصد مدعك لمسقكط في مياكم الذلة‪ ،‬كمعرض لئلنزالؽ إلى‬


‫اإلستجداء كاليكاف معنى»‪. 2‬‬

‫كما بٌن النورسً أن اإلسراؾ والحرص علٌه ٌنتج ما ٌضر باإلنسان فً حٌاته و فً‬
‫عٌشه ‪ ،‬حٌث ٌعتبر أن اإلسراؾ ٌنتج الحرص‪ ،‬والحرص ٌَولد ثبلث نتابج‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬عدم القناعة أي الطمع ٌخبت وهج التطلع إلى العمل وٌقذؾ باإلنسان إلى التقاعس‬
‫والكسل وحسب تعبٌر النورسً‪:‬‬

‫« كعدـ القنا عة ىذا يثنى الشكؽ عف السعي كعف العمؿ‪ ،‬بما يبث في نفس‬
‫الحريص مف الشككل بدال مف الشكر‪ ،‬قاذفا بو إلى أحضاف الكسؿ‪ ،‬فيترؾ الماؿ الزىيد النابع مف الكسب‬
‫الحبلؿ كيبادر بالبحث عما ال مشقة كال تكميؼ فيو مف ماؿ غير مشركع‪ ،‬فييدر في ىذه السبيؿ عزتو بؿ‬
‫كرامتو " لذا حرـ اإلسبلـ لعب اليانصيب كالقمار كغيرىا‪ ،‬كمنع طرؽ الكلكج إلى الربح بدكف تعب كسعي‬
‫بالخداع كاغفاؿ اآلخريف كالصعكد إلى القمة رأسا دكف تعب»‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪949‬‬
‫‪ -2‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.942‬‬
‫‪ -3‬صباح الدٌن زعٌم ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.994‬‬
‫‪- 284 -‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الخيبة والخسران‬
‫« إف الرزؽ الحبلؿ يأتي حسب العجز كاإلفتقار ال باالقتدار كاالختيار‪ ،‬بؿ ىك‬
‫يتن اسب تناسبا عكسيا مع االقتدار كاالختيار‪ ،‬ذلؾ أف أرزاؽ األطفاؿ تتضاءؿ كتبتعد كيصعب الكصكؿ‬
‫إلييا كمما ازدادكا اختيا نار كارادة كاقتدارا‪ ،‬نعـ‪ ،‬إف القناعة كنز لمعيش الينيء الرغيد كمبعث الراحة في‬
‫الحياة‪ ،‬بينما الحرص معدف الخسراف كالسفالة كما يتبيف ذلؾ مف الحديث الشريؼ‪“ :‬القناعة كنز ال‬
‫يفنى” »‪.1‬‬
‫ثالثا ‪ :‬إتالفه اإلخالص وإفساده العمل األخروي‪.‬‬

‫أن االسراؾ ٌنتج عدم القناعة ٌولد الطمع‪ ،‬أما اإلقتصاد فإنه ٌثمر القناعة‪ ،‬والقناعة‬
‫تنتج العزة‪ ،‬إستنادا إلى الحدٌث الشرٌؾ‪":‬عز َمن قنع وذل من طمع"‪.‬‬
‫وهكذا نخلص إلى أن القناعة المستفٌضة من اإلقتصاد تفتح باب الشكر وتوصد باب‬
‫الشكوى‪ ،‬فٌظل اإلنسان فً شكر وحمد مدى حٌاته‪.‬‬

‫« كبالقناعة ال يتمفت إلى تكجو الناس إليو الستغنائو عنيـ‪ ،‬فينفتح أمامو باب‬
‫‪2‬‬
‫اإلخبلص كينغمؽ باب الرياء»‬

‫على حد التعبٌر النورسً ‪.‬‬


‫ومن الثمرات الروحٌة التً ٌنالها اإلنسان من جراء اإلقتصاد بمفهوم النورسً اإلسبلمً‬
‫تتلخص فً قوله ‪:‬‬

‫« يذيؽ لذة نعمو ألفقر الناس‪،‬كما يذيقيا أغناىـ‪ ،‬فالفقير يستشعر المذة كيتذكقيا‬
‫كالسمطاف‪،...‬نعـ إف المذة التي يناليا فقير مف كسرة خبز أسكد يابس بسبب الجكع كاالقتصاد‪ ،‬تفكؽ ما‬
‫ينالو السمطاف أك الثرم مف أكمو الحمكل الفاخرة بالممؿ كعدـ الشيية النابعيف مف اإلسراؼ»‪.3‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬ص ‪.994‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬ص‪.999‬‬
‫‪ -3‬نفس المصدر‪ ،‬ص ‪.944‬‬
‫‪- 285 -‬‬
‫وبهذا التحلٌل الدقٌق والموضوعً المستند على القرآن والكرٌم والسنة النبوٌة ‪ ،‬نرى‬
‫كٌؾ قدم النورسً لنا مخ ططا ٌتمٌز بالتوزان اإلقتصادي المبنً على األسس المتٌنة سماه‬
‫" إقتصاد القناعة" ‪ ،‬بإعتبار أن اإلقتصاد من بٌن العوامل األساسٌة التً تعمل على بناء‬
‫المجتمع وتنظٌم العبلقات اإلجتماعٌة بٌن األفراد ‪ ،‬كما أنه ٌجب ترشٌد هذا اإلقتصاد‬
‫وتنظٌمه سواء على مستوى الفرد أو ع لى مستوى الدولة ألنه محور الحٌاة اإلجتماعٌة‬
‫ومدارها وبه ٌتقدم المجتمع أو ٌتدنى من وال ٌكون التقدم إال من خبلل ترشٌده ترشٌدا‬
‫حكٌما ‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬الفئات التي خاطبتها الدعوة النورسية‬

‫إن شمولٌة النورسً فً معالجته لقضاٌا اإلٌمان كان من أهم مرتكزات جهوده اإلصبلحٌة‬
‫والدفاع عنها ضد الحركات التؽرٌبٌة المعادٌة لئلسبلم ‪ ،‬ولعل محاكاته لمنهج القرآن الكرٌم‬
‫أسلوبا ومنهجا للوصول إلى هدفه المحدد والثابت اال وهو "إنقاذ اإلٌمان" وترسٌخه فً‬
‫قلوب المسلمٌن ‪ ،‬نلمس كذلك من خبلل إستقراء مإلفاته العشرة من خبلل خطاباته التً لم‬
‫ٌ خص بها فبة دون أخرى أو مجتمع دون آخر ‪ ،‬بل تعدى ذلك بمنهجه الشمولً إذ أن‬
‫خطابه موجها لجمٌع الناس وكل فبات المجتمع ‪.‬‬

‫وطالما أن منهج النورسً مستلهما من القرآن الكرٌم بحٌث أن من خصابص القرآن الكرٌم‬
‫تلك المٌزة الشمولٌة التً خصت خطاباته لكافة اإلنسان دون تخصٌص فبة معٌنة‪ ،‬فلم‬
‫ٌقتصر القرآن الكرٌم فً خطابه العقدي والتشرٌعً على فبة معٌنة وإنما كان خطابه موجها‬
‫لكافة الناس بإعتبار أن رسالة اإلسبلم هً رسالة عامة للجنس البشري أٌنما وجد زمانا فً‬
‫أي عصر ومكانا فً أي بلد‪.‬‬

‫بالتالً فخطابات النورسً الدعوٌة إلى اإلٌمان وترسٌخة كانت موجهة لكافة الناس‬
‫دون تمٌٌز ‪ ،‬ومن جهة أخرى لم ٌكن ٌقصد بخطاباته تلك أو كتاباته لمرحلة مستقطعة‬
‫من عصره لم ٌكتب لمرحلة معٌنة وال لقوم معٌنٌن ‪ ،‬ولكن خطابه تجاوز هذا لٌخاطب‬
‫جمٌع فبات المجتمع فخاطب بدوره فبة ‪ :‬األطفال ‪،‬الشباب ‪،‬النساء الشٌوخ ‪ ،‬وحتى فبة‬

‫‪- 286 -‬‬


‫الجنود والمثقفٌن وؼٌر المثقفٌن والسجناء والمرضى ‪ ،‬كما خاطب ؼٌر المسلمٌن المعادٌن‬
‫لهذا الدٌن اإلسبلمً ‪ ،‬بخطاب تمٌز بؤسلوب بدٌع تعدى حدودٌة الزمان والمكان من أجل‬
‫إعادة إٌقاظ الوعً اإلٌمانً فً القلوب وإعادة بناء ذلك الجانب الروحً المتؤصل‬
‫والمستند على أسس اإلسبلمٌة ‪ ،‬وإثبات الحقابق اإلٌمانٌة بالدعوة كسبلح معنوي ضد‬
‫سبلح التٌارات التؽرٌبٌة المادٌة وكسر سٌفها بنور سٌؾ القرآن‪ .‬بإعتباره الركٌزة‬
‫األساسٌة التً تصل وتربط اإلنسان بخالقه‪.‬‬

‫أن من ممٌزات الخطاب القرآنً تنوعه فً الخطاب بحسب تنوع المخاطبٌن‪ ،‬كما ٌتنوع‬
‫الدواء حسب الداء فلكل داء دواء فً مجال الطب ومن قبٌل هذا التشبٌه لتقرٌب الصورة‬
‫الذهنٌة أكثر فالداعً كالطبٌب ٌشخص حال المرٌض وٌراعٌها‪ ،‬ولكون النورسً أنه‬
‫مراعٌا لهذه الخاصٌة والمٌزة راعى خطابه هذه المٌزة بتوجٌه دعوته إلى كافة فبات‬
‫المجتمع‪.‬‬

‫ٌقول النورسً فً مإلفة الكلمات خطابه كل طبقة من طبقات الناس مستمدا ذلك من‬
‫القرآن بحٌث أنه خاطب كل فبات المجتمع دون إستثناء‬

‫« إف القرآف الحكيـ يخاطب كؿ طبقة مف طبقات البشر في كؿ عصر مف‬


‫خاصا الى تمؾ الطبقة بالذا ت‪ .‬اذ لما كاف القرآف يد عك جميع بني آدـ‬
‫ن‬ ‫تكجيا‬
‫ن‬ ‫العصكر‪ ،‬ككأنو متكجو‬
‫بطكائفيـ كافة الى االيماف الذم ىك اسمى العمكـ كادقيا‪ ،‬كالى معرفة ا﵀ التي ىي اكسع العمكـ كأنكرىا‪،‬‬
‫تنكعا‪ ،‬فمف األلزـ ا نذا اف يككف الدرس الذم يمقيو‬
‫كالى االحكاـ االسبلمية التي ىي اىـ المعارؼ كاكثرىا ن‬
‫مختمفا‪ ،‬فبلبد ا نذا‬
‫ن‬ ‫عمى تمؾ الطكائؼ مف الناس‪ ،‬درسا يكائـ فيـ ٍ‬
‫كؿ منو ا‪ .‬كالحاؿ أف الدرس كاحد‪ ،‬كليس‬ ‫ن‬
‫مف كجكد طبقات مف الفيـ في الدرس نفسو‪ ،‬فكؿ طائفة مف الناس ‪ -‬حسب درجاا تأخذ حظيا مف‬
‫‪1‬‬
‫الدرس مف مشيد مف مشاىد القرآف‪».‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬الكلمات ‪ ،‬ص ‪.299‬‬


‫‪- 287 -‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬خطاب النورسي لفئة األطفال‬

‫األطفال جٌل األمة الصاعد‪ ،‬و بإعتبار أن الطفولة من أهم مراحل حٌاة اإلنسان‪ ،‬ففً هذه‬
‫المرحلة تنمو القدرات وتتفتح المواهب حٌث قابلٌة الطفل المرتفعة لكل أنواع التوجٌه‬
‫والتشكٌل‪ .‬وطفل الٌوم هو رجل المستقبل‪ ،‬وثروة األمة ولبنة أساسٌة فً بناء مجتمع الؽد‪،‬‬
‫ومستقبل أي مجتمع ٌتوقؾ إلى حد كبٌر على مدى إهتمامه باألطفال ورعاٌتهم وتهٌبة‬
‫اإلمكانات التً تتٌح لهم نموا سلٌما‪.‬‬

‫لذلك فإن المجتمعات التً ال تعٌر إهتماما بالطفل ال من ناحٌة التربٌة وال من ناحٌة التعلٌم‬
‫وتدعه عرضة أمام الثقافات األجنٌة والؽربٌة الوافدة من كل صوب وحوب فً ظل‬
‫التطور الحضا ري والتكنولوجً الذي نعٌشه الٌوم ‪ ،‬فهً محكوم علٌها وحتمٌتها التدهور‬
‫والئلنقراض المعنوي ألن األطفال الٌوم هم شباب الؽد وقوة األمة لقٌادتها ‪.‬لذا البد لنا أن‬
‫نولً إهتماما بالؽا بهاته الفبة‪.‬‬

‫من خبلل هذا المنطلق ‪ ،‬وبناءا على هذا راعى النورسً فً منهجه وفً خطاباته‬
‫الدعوٌة حٌزا ذو أهمٌة كبٌرة لفبة األطفال كفبة الشٌوخ وأوالهم إهتماما كبٌرا إلعتبارهم‬
‫مقدمة رسابل النور وهم جٌل النورسٌة مستقببل حٌث قال ‪:‬‬

‫« إف األطفاؿ األبرياء ىـ في مقدمة الذيف سيككنكف طبلبا حقيقييف لرسائؿ‬


‫النكر‪ ،‬كذلؾ كفؽ ما تقتضيو فطرتيـ كتتطمبو األكضاع الراىنة‪،‬ألف الطفؿ الذم لـ يتمؽ في صغره‬
‫درسا إيمانيا قكيا يصعب عميو بعد ذلؾ أف يقر في ركحو أركاف اإليماف كاإلسبلـ‪،‬بؿ يككف ذلؾ عسي ار‬
‫عميو‪ ،‬شأنو شأف تقبؿ غير المسمـ اإلسبلـ‪ ،‬بؿ يستغرب مف اإلسبلـ أكثر منو‪ ،‬كالسيما إف لـ ير كالديو‬
‫عمى ديف كتقكل‪ ،‬كرّبى ذىنو بالعمكـ الدنيكية كحدىا»‪.1‬‬

‫ومن المبلحظ أنه كانت هناك عبلقة حمٌمٌة بٌنه وبٌن األطفال وهذا اإلرتباط الروحً‬
‫والتعلق القلبً إنما ٌعود إلى ما وصفه بقوله ‪:‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المبلحق فً فقه الدعوة إلى النور ‪ ،‬ص ‪.912‬‬
‫‪- 288 -‬‬
‫« أما تكجييـ إلي كاىتماميـ بي ‪،‬فيك أف أركاحيـ الصافية البريئة تشعر بأف رسائؿ‬
‫النكر أتت إلسعافيـ كامدادىـ‪ ،‬كحيث أنني ترجماف تمؾ األنكار‪ ،‬فيبدكف ىذه المحبة كالعبلقة الحميمة‬
‫‪1‬‬
‫بغير إختيار منيـ»‬

‫وٌبٌن إلى نقطة اساسٌة ومهمة هو أن كما أن األطفال زمرة رسابل النور حٌث أن ‪:‬‬

‫« إف أسعد األطفاؿ ىـ أكالء الذيف دخمكا ضمف دائرة رسائؿ النكر‪،‬فيككنكف أبناء بررة‬
‫لمكالديف كخداما أمناء ليـ‪ ،‬يقكمكف بيف يدييـ باالحتراـ كالتكقير البلئقيف بيما‪ ،‬كيسجمكف بأعماليـ‬
‫الصالحة حسنات في سجؿ حسنات كالدييـ بعد كفاتيـ‪،...‬كفي اآلخرة يككنكف ليما شفعاء‪ ،‬كؿ حسب‬
‫درجتو«‪.2‬‬

‫ومن الثابت وبمشاه دات الذٌن خبروه عن قرب وإطلعوا على حٌاته أنه كان ٌمثل نموذجا‬
‫مثالٌا فً التواضع واإلستقامة منذ صباه وحتى إلى شبابه إلى آخر ٌوم من عمره‪ .‬تلك‬
‫األخبلق السامٌة رؼم موسوعٌته وشهرته إال أنه كان ٌتواضع وٌتجنب ذلك اإلستعبلء على‬
‫اآلخرٌن والتمٌٌز بٌنهم‪ ،‬بل جعل المحبة والتواضع والمعاملة الحسنة عنوا معامبلته مع‬
‫فبات المجتمع وعامة الناس والرأفة والمحبة خاصة على األطفال لوعٌه أن هذه الفبة شدٌدة‬
‫الحساسٌة خاصة لو افتقدو والدٌهم ومفارقتهم فإنهم ٌنكسرون وٌصابون بجروح فً نفوسهم‬
‫وأرواحهم ٌصعب أن تلتبم وذلك لضعؾ إدراكهم لحقٌقة الواقع‪ .‬وٌوضح ذلك بقوله ‪:‬‬

‫إف األ طفاؿ الذيف يمثمكف نصؼ البشرية‪ ،‬ال يمكنيـ أف يتحممكا تمؾ الحاالت‬ ‫«‬

‫التي تبدك مؤلمة كمفجعة أماميـ مف حاالت المكت كالكفاة ‪...‬فيحاكر الطفؿ المؤمف بالجنة نفسو ‪ :‬أف‬
‫أخي الصغير أك صديقي الحبيب الذم تكفي‪ ،‬اصبح اآلف طي ار مف طيكر الجنة‪ ... ،‬كاال فمكال ىذا‬
‫اإليماف بالجنة ليدـ المكت الذم يصيب أطفاال أمثالو ‪ -‬ككذلؾ الكبار ‪ -‬تمؾ القكة المعنكية ليؤالء الذيف‬
‫ال حيمة ليـ كال قكة‪ ،‬كلحطـ نفسياتيـ‪ ،‬كلدمر حياتيـ كنغصيا فتبكي عندئذ جميع جكارحيـ كلطائفيـ مف‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬السٌرة الذاتٌة ‪ ،‬ص ‪.241‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المبلحق فً فقه الدعوة إلى النور ‪ ،‬ص ‪.913‬‬
‫‪- 289 -‬‬
‫ركح كقمب كعقؿ مع بكاء عيكنيـ‪ .‬فإما أف تمكت أحاسيسيـ كتغمظ مشاعرىـ أك يصبحكا كالحيكانات‬
‫الضالة التعسة»‪.1‬‬

‫إنطلق النورسً فً دعوته لهذه الفبة من الرأفة والشفقة لما تمثله هاته الفبة من عجز وفقر‬
‫ال نهاٌه له وهً من أسس التزكٌة النفسٌة او التربٌة الروحٌة التً إنتهجها للوصول الى‬
‫المعرفة اإلٌمانٌة وإثبات الحقابق اإلٌمانٌة ومعرفة هللا ‪ ،‬وبالتالً دفاعه عن هإالء األطفال‬
‫من هذا المنطلق‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬فئة الشباب من خالل حواره مع الشباب‬

‫ٌتبوأ الشباب مكانة عظٌمة‪ ،‬خصهم بها الدٌن اإلسبلمً على ؼٌرهم؛ فهم ٌخوضون‬
‫المعارك‪ ،‬وٌواكبون العلم والمعرفة بكامل النشاط‪ ،‬لما لهم من األثر فً تحوٌل الخطؤ‬
‫للصواب‪ ،‬لما ٌحملونه من قوة ونشاط وحٌوٌة فً هذه المرحلة أكثر من ؼٌرها‪ ،‬حٌث‬
‫ٌتمٌزون بالعطاء‪ ،‬وبذل الجهود‪ ،‬فهم من ٌنشرون الهدى والخٌر‪ ،‬لقوله تعالى فً محكم‬
‫تنزٌله‪" :‬إِ َّن ُه ْم فِ ْت ٌَ ٌة آ َم ُنوا ِب َرب ِِّه ْم َو ِز ْد َنا ُه ْم هُدى" من سورة الكهؾ ‪ ،‬كما كانوا األكثر مبلزمة‬
‫للرسول صلى هللا علٌه وسلم‪ ،‬فهم األكثر تؤثٌرا دون ؼٌرهم‪ ،‬وهم األكثر قابلٌة للتؽٌر‬
‫والتجدٌد؛ على العكس من كبار السن ال ٌتخلون بسهولة عن بعض األعمال أو معتقدات‬
‫التً ٌحملونها‪ ،‬وال ٌقبلون التؽٌٌر علٌها‪ ،‬لذلك عنً اإلسبلم بهم عناٌة كبٌرة‪ ،‬الستؽبلل‬
‫الطاقات الموجودة وعدم هدرها‪ ،‬ووضح لنا الرسول صل هللا علٌه وسلم المكانة العالٌة‬
‫التً جهزها هللا سبحانه للشباب‪،‬‬

‫« جعميـ مف السبعة الذيف يظميـ ا﵀ في ظمو يكـ ال ظؿ إال ظمو‪ ،‬كفقا‬


‫لمطاعة كالتنشئة المبنية عمى حسف الخمؽ ﵀ سبحانو كتعالى‪ ،‬فيـ حممة لمرسالة‪ ،‬لقكلو صؿ ا﵀ عميو‬
‫كسمـ في الحديث عف السبعة الذيف يظميـ ا﵀ في ظمو‪ " ،‬سبعة يظميـ ا﵀ في ظمو يكـ ال ظؿ إال ظمو‪:‬‬
‫اإلماـ العادؿ‪ ،‬كشاب نشأ في طاعة ا﵀»‪.2‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬الكلمات ‪ ،‬ص ‪.66‬‬


‫‪ٌ http://mawdoo3.com -2‬وم ‪.9144-19-91‬‬
‫‪- 290 -‬‬
‫فٌعرٌؾ النورسً فترة الشباب بؤنها فترة الحرص على الدنٌا وهٌجان الؽرٌزٌة حٌث قال ‪:‬‬

‫« فترة الفتكة كالشباب ىي فترة تييج النكازع النفسانية ككقت غمياف الح اررة‬
‫‪1‬‬
‫الغريزية كأكاف فكراف الحرص عمى الدنيا فيي ال تبلئـ كظائؼ النبكة التي ىي مقدسة»‬

‫وٌشٌرالنورسً من زاوٌة أخرى أن الحكمة من إرسال الرسول علٌه الصبلة والسبلم كان‬
‫فً سن األربعٌن وهو سن الكمال وهو نمو الكماالت العقلٌة ونضوجها وتكامل‬
‫اإلستعدادات القلبٌة وزمن ذلك الكمال هو سن األربعٌن ‪ ،‬و ٌصؾ النورسً الشباب بقوله ‪:‬‬

‫« ككذا الشباب الذيف يمثمكف ثمث البشرية قد ال يصغكف لصكت عقكليـ الجريئة‬
‫‪ ،‬فرغباتيـ كىكاىـ في ثكرة كجيشاف كىـ مغمكبكف عمى أمر حكاسيـ كنكازعيـ ‪ ،‬فإذا فقد ىؤالء الشباب "‬
‫اإليماف باآلخرة" كلـ يتذكركا عذاب جينـ ‪.‬فإف أمكاؿ الناس كأعراضيـ كراحة الضعفاء ككرامة الشيكخ‬
‫تصبح ميددة بالخ طر‪ .‬إذ قد يدمر أحدىـ سعادة بيت آمف ىنيء ألجؿ لذة طارئة ‪ ،‬كمف ثـ يذكؽ كباؿ‬
‫أمره عذابا لسنيف عديدة في مثؿ ىذه السجكف فيتحكؿ إلى ما يشبو الحيكاف الكاسر‪ ،‬كلكف إذا أمده‬
‫"االيماف باالخرة " كأغاثو فسرعاف ما يسترجع صكابو كيسترشد بعقمو»‪. 2‬‬

‫« إف الشباب كالمراىقيف الذيف يمثمكف محكر الحياة االجتماعية ال ييدئ فكرة‬


‫مشاعرىـ‪ ،‬كال يمنعيـ مف تجاكز الحدكد إلى الظمـ كالتخريب‪ ،‬كال يمنع طيش أنفسيـ كنزكاتيـ‪ ،‬كال يؤمف‬
‫السير األفضؿ في عبلقاتيـ االجتماعية إال الخكؼ مف نار جينـ‪ .‬فمكال ىذا الخكؼ مف عذاب جينـ‬
‫لقمب ىؤالء المراىقكف الطائشكف الثممكف بأىكائيـ الدنيا إلى جحيـ تتأجج عمى الضعفاء كالعجائز‪ ،‬حيث‬
‫"ا لحكـ لمغالب" كلحكلكا الحياة اإلنسانية السامية إلى حياة حيكانية سافمة»‪.3‬‬

‫نستخلص أن النورسً إهتم بفبة الشباب وحث على تربٌة الشباب تربٌة دٌنٌة لضمان‬
‫مستقبل ا ألمة فهو ٌتوقؾ بالدرجة األولى على هاته الفبة التً العمود الفقري بالنسبة‬
‫للمجتمع إتجاه التٌارات التؽرٌبٌة المعادٌة لئلسبلم ‪ ،‬فالتارٌخ اإلسبلمً ٌشهد بؤن راٌة‬
‫اإلسبلم إنتصرت بفضل شباب ‪ .‬فتقدم أي أمة أو تؤخرها مرهون بالشباب بسلوكهم‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.939‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬الشعاعات ‪ ،‬ص ‪.954‬‬
‫‪ -3‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬الكلمات ‪ ،‬ص ‪.411‬‬
‫‪- 291 -‬‬
‫وبتربٌتهم ‪ .‬ولذلك جعل النورس ً منهجه الدعوي دقٌقا تربوٌا مستندا على أسس القرآن‬
‫الكرٌم والسنة النبوٌة الشرٌفة ‪ ،‬كان بدوره ٌهدؾ إلى تربٌة هاته الفبة أي فبة الشباب تربٌة‬
‫إسبلمٌة قابمة على أسس سلٌمة وصحٌحة تصد تلك التٌارات الؽربٌة التً تسعى إلى تسمٌم‬
‫عقول وأخبلق الشباب بالدرجة األولى لوعٌ ها بؤن األمة تضعؾ بشبابها لو إنحرفوا عن‬
‫دٌنهم عن طرٌق تسوٌق األخبلق اإلنحطاط والرذٌلة أمام الشباب من خبلل تسهٌل سبل‬
‫الشهوات وجعلها فً متناوله دون صعاب وٌثبت النورسً هذا بقوله ‪:‬‬

‫« هناك منظمات سرية تسعى إلضبلؿ الشباب كافسادىـ بتذليؿ سبؿ الشيكات‬
‫أماميـ‪ ،‬كسكقيـ إلى السفاىة كالغكاية إلفساد المجتمع اإلسبلمً‪،‬واإلضرار بالدٌن االسبلمً »‬

‫قدم النورسً من خبلل رسالة إلى الشباب فً "مرشد الشباب" وفً حواره مع الشباب‬
‫الذٌن طلبوا منه إرشادات قوٌة وتنبٌهات تقٌهم من شرور متطلبات الحٌاة ومن فتوة الشباب‬
‫ومن األهواء المحٌطة بهم فكانت إرشاداته التربوٌة السلٌمة القابمة على أسس األسبلم‬
‫كالتالً ‪:‬‬

‫« اإللتزاـ كالبقاء ضمف الحدكد الشرعية‪.‬كالتربية اإلسبلمية كذلؾ بطاعة ا﵀ مف‬


‫خبلؿ صرؼ العمر في عفة النفس كفي صكف الشرؼ ‪،‬أداء الشكر ﵀ عمى نعمة الشباب كالفتكة ‪،‬‬
‫كسيككف كسيمة لمفكز بشباب خالد كدائـ في الجنة الخالدة كاف كنتـ تريدكف اإلستمتاع بالحياة كتتمذذكا‬
‫بيا فأحيكا حياتكـ باإليماف كزينكىا بأداء الفرائض كحافظكا عمييا بإجتناب المعاصي»‪.1‬‬

‫أن ما ٌمكن إستخبلصه من هذه اإلرشادات هو حث النورسً بمنهج دعوي تربوي الشباب‬
‫على صرؾ عهد شبابهم بالطاعة واإلٌمان والشكر هلل على هاته النعمة واإلستقامة والطهر‬
‫وإلى إتباع ما أمره هللا به من عبادة‪ .‬وهنا تظهر أهمٌة التربٌة التً حث علٌها القرآن‬
‫الكرٌم هو دفع الشاب الى إقامة الفرابض وتؽذٌة جانبه الروحً التً تعصمه بدورها من‬
‫الشهوات والنزوات الؽرٌزٌة التً قد تكلفة شبابه وشٌخوخته والمٌل إلى المعاصً والطٌش‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المبلحق فً فقه الدعوة إلى النور ‪ ،‬ص ‪.442-441‬‬
‫‪- 292 -‬‬
‫نتٌجة الخواء الروحً ‪.‬لتصبح اإلضطرابات النفسٌة واآلالم والندم والحسرات ثمرات تلك‬
‫الشهوات والنوازع النفسانٌة وتنؽص علٌه حٌاته الدنٌوٌة واآلخروٌة‪ .‬حٌث قال‪:‬‬

‫« قد ينجرؼ الشاب إلى السفاىة بطيش الشباب كنزكاتو كبالسفاىة المستشرية‬


‫في ىذا الزماف ‪ .‬نعـ قد ال يستطيع ىذا الشاب أف يحافظ عمى ما كاف عميو في مرضو مف اإللتزاـ‬
‫باألكامر اإلليية فيما إذا كجد العطا فيو»‪.1‬‬

‫وللفوز بشباب أبدي ٌدوم حتى فترة الشٌخوخة وما بعد الموت إنما ٌكون بصبلح فترة‬
‫الشباب التً هً فترة زابلة وفترة ؼرور وفترة سكر وؼفلة وما ٌثٌر اإلهتمام فً القاريء‬
‫للنورسً هو أنه لم ٌستثنً شبابه من هذا الحاالت بل ٌقر إلى أنه كان مقصرا ومؽترا وؼافبل‬
‫حٌث قال عن شبابه‪:‬‬

‫« كلي عندم حالة ركح ية فضبل عف سكرة الشباب كغفمتو ‪ ،‬عمقت في ذلؾ النكـ ‪،‬‬
‫حتى تصكرت معيا أف الدنيا دائمة باقية كرأيت نفسي في حالة عجيبة مف اإللتصاؽ بالدنيا كأنني ال أمكت‬
‫‪ ،‬حيث شاىدت أف الشباب الذم كنت أغتر بو كثي ار ‪ ،‬بؿ كنت مفتكنا بأذكاقو يقكؿ لي الكداع كأف الحياة‬
‫الدنيا التي ك نت أرتبط بحبيا بدأت باإلنطفاء‪ ،‬إف الشباب الذم ىك مدار األذكاؽ كالمذائذ ذاىب نحك الزكاؿ‬
‫‪ ،‬تارؾ مكانو لمشيخكخة التي ىي منشأ األحزاف كأف الحياة الساطعة لفي إرتحاؿ كيتييأ المكت المظمـ‬
‫المخيؼ ظاى ار ليحؿ محميا»‪.2‬‬

‫وٌحذر النورسً من الؽفلة عند الشباب واإلهتمام بالمنزلة والمكانة اإلجتماعٌة وأذواقها‬
‫ومقامها الرفٌع التً هً مثل ألرباب الشهرة وستار السمعة والصٌت ألنها ال تصاحب إلى‬
‫حد باب القبر ‪.‬لذا ٌجب إستثمار هذه الفتوة والشباب فً صالح األعمال وبالعبادات ألنها بذلك‬
‫تربح فتوة أبدٌة خالدة حٌث ٌحث على ‪:‬‬

‫« أف فتكة الشباب كنضاراتو إذا ما حمت في المؤمف المطمئف الحصيؼ ذم‬


‫القمب الساكف الكقكر ‪ ،‬كاذا ما صكرفت طاقة الشباب كقكتو إلى العبادة كاألعماؿ الصالحة كالتجارة‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬ص ‪.46‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ، ،‬ص ‪.923،922‬‬
‫‪- 293 -‬‬
‫اآلخركية ‪ ،‬فإنيا تصمح أعظـ قكة لمخير كتغدكا أفضؿ كسيمة لمتجارة كأجمؿ كساطة لمحسنات بؿ ألذىا‪.‬‬
‫نعـ إف عيد الشباب نفيس كثميف جدا كىك نعمة إليية كنشكة لذيذة لمف عرؼ كاجبو اإلسبلمي كلمف لـ‬
‫يسيء إستعمالو ‪ ،‬كلكف السباب إذا لـ تصحبو اإلستقامة كلـ ترافقو العفة كالتقكل فدكنو الميالؾ الكسيمة إذ‬
‫يصدع طيشو كنزكاتو سعادة صاحبو األبدية كحياتو اآلخروية كربما يحطـ حياتو الدنيا فيجرعو اآلالـ‬
‫‪1‬‬
‫عصصا طكاؿ فترة اليرـ كالشيخكخة لما اخذه مف بضع سنيف مف أذكاؽ كلذائذ»‬

‫وخبلصة القول أن الشباب إذا صان نفسه بتربٌة دٌنٌة بالتربٌة القرآن الكرٌم التً حث وجاء‬
‫بها دٌننا الحنٌؾ من عفة وطهر وإستقامة على الصراط السوي ‪ٌ ،‬كون سبٌبل إلى األعمال‬
‫الصالحة والخٌر‪ ،‬وصرؾ عهد شبابه فً عبادة هللا كان بمثابة إستثمارا ٌهدٌه وٌربحة فتوة‬
‫وشبابا أبدٌا خالدا بدال من الذي ٌدوم خمسة عشر سنة ‪ ،‬وٌعود علٌه بفوابد جمة إلى حٌاته‬
‫وإلى مستقبله وإلى ببلده وإلى أمته وإلى أحبته وأقاربه ‪.‬‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬فئة النساء من خالل "رسالة الحجاب"‬

‫لقد ذكرت سابقا ما حدثنا به التارٌخ ‪ ،‬من أن المرأة كانت على جانب كبٌر من اإلضطهاد‬
‫والذل والمهانة عند جمٌع األمم والشعوب ‪ ،‬وخبلصة القول أنهاا كانت عند العرب فً‬
‫الجاهلٌة سلعة تباع وتشترى ‪ ،‬لٌس لها أي إعتراض على حٌاة الذل وعند الفرس ٌنظر‬
‫إلٌها نظرة كلها إحتقار وإزدراء‪.‬‬

‫« ظمت المرأة تتخبط في الظبلـ حتى ظير االسبلـ ‪.‬فاالسبلـ ىك الخطة‬


‫الكحيدة المستقيمة ‪ ،‬كالطريؽ الناجح كاإلسبلـ بجميع نظمو كقكانينو ىك الحؿ الكحيد ‪ ،‬الذم رسـ لممرأة‬
‫طريقا محدكدا ‪ ،‬كانيجيا منياجا صحيحا‪ ،‬كخط ليا دربان كاضحان ‪ ،‬كأباف ليا دكرىا في الحياة كمدل‬
‫مسؤكلياتيا في المجتمع ‪ ،‬كاظير قيمتيا كمنزلتيا مع اآلخريف ‪ ،‬كسف ليا في القكانيف حقكقنا ككاجبات ‪،‬‬
‫كأعطاىا ما لـ يعطو مف قبمو كال مف بعده أحد مف االمـ كالشعكب»‪.2‬‬

‫‪ -1‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.925،924‬‬


‫‪ -2‬مرٌم نور الدٌن فضل هللا ‪ ،‬المرأة في ظل االسالم ‪ ،‬دار الزهراء للنشر والطباعة ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬بدون‬
‫سنة نشر ‪ ،‬ص ‪..94،91‬‬
‫‪- 294 -‬‬
‫لقد فرض اإلسبلم الحجاب على المرأة ‪ ،‬لٌقٌها الفتنة واإلؼراء ‪ ،‬وتصون نفسها وشرفها‬
‫وتتحرز من كٌد الكابدٌن‪ .‬وقد نص القرآن الكرٌم على حجاب المرأة وسترها ‪،‬لكن دعاة‬
‫السفور وأثرهم السًء على األخبلق من أناس فاسدٌن ٌزرعون بذور الفساد فً النفوس‬
‫البرٌبة‪ .‬وها هم الٌوم ٌتقولون‬

‫« إف اإل سبلـ ضرب الحجاب عمى المرأة لتككف رىينة البيت ‪ ،‬كضمف نطاؽ‬
‫الجدراف ال تصمح إال لمخدمة ‪ ،‬إذ ال يمكنيا كىي محجبة االنسجاـ مع األجياؿ المتطكرة كالمدنية‬
‫الحديثة‪ ...‬الذيف يركنيا مف أىـ أسباب الحضارة كالمدنية ‪ ،‬التي تمكف المرأة مف أف تماشي التطكر في‬
‫عصرنا الحاضر ىؿ التطكر ىك أف تخرج المرأة الى المبلىي كالمراقص كدكر الخبلعة عمى شكؿ مناؼ‬
‫لمغيرة كالحمية ‪ ،‬ال حياء يردعيا ‪ ،‬كال حجاب يسترىا كلكف أيف ىي المرأة المسممة اآلف مف اإل سبلـ ؟‬
‫كقد استعبدتيا شياطيف االنس كالجاف ‪ ...‬كىذه المدنية الزائفة التي أعمتيا كأعمت بصيرتيا كأكحت ليا»‪.1‬‬

‫« ىكذا طمب اإل سبلـ مف المرأة كالرجؿ ‪ .‬التعاكف مف أجؿ إنشاء الحياة السعيدة‬
‫المطمئنة اليادئة ‪ .‬كالمرأة اف استطاعت تصفية نفسيا كتنقية ذاتيا كتطيير قمبيا كانت ىادئة مطمئنة‬
‫‪2‬‬
‫تؤثر تأثي ار مباش ار بجيميا الصاعد ‪ ...‬باطفاليا كأكالدىا كتبعث فييـ النفس الصالحة»‪.‬‬

‫إن رسالة الحجاب التً خصصها النورسً للنساء‪ ،‬القى من خبللها صنوؾ العذاب‬
‫والببلء‪ ،‬فقد جرته إلى السجن والمحاكم مدة ستة أشهر؛ بدعوى تشكٌل جمعٌة سرٌة أو‬
‫طرٌقة صوفٌة‪ ،‬وفً هذه الرسالة ٌعرض النورسً للخطاب القرآنً الخاص‪،‬حٌث ٌتوجه‬
‫هللا سبحانه وتعالى إلى المرأة مشٌرا إلى أحد أهم خصابص إنسانٌتها‪.‬‬

‫يف َعَم ْي ِي َّف ِمف َج َبلبِيبِ ِي َّف َذِل َؾ أ َْدَنى‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اج َؾ َكَبَناتِ َ‬
‫ي ُقؿ ِّأل َْزك ِ‬
‫النبِ ُّ‬
‫ؾ َكنِ َساء اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫يف ُي ْدن َ‬ ‫َ‬ ‫ُّيا َّ‬
‫لقوله تعالى‪َ ﴿ :‬يا أَي َ‬
‫يما ﴾ "‬ ‫أَف يعرْفف َف َبل يؤَذ ْيف ك َكاف المَّو َغفُ ا ِ‬
‫كر َّرح ن‬
‫‪3‬‬
‫ُْ َ َ َ ُ ن‬ ‫ُ َْ َ‬
‫ٌقول النورسً فً مقدمة اللمعة الرابعة والعشرون بعنوان "رسالة الحجاب" مبتدأ باآلٌة‬
‫الكرٌمة التً تؤمر بالحجاب‪،‬‬

‫‪-1‬مرٌم نور الدٌن فضل هللا ‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.33‬‬


‫‪ -2‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪ -3‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة األحزاب أ اآلٌة ‪.26‬‬
‫‪- 295 -‬‬
‫« بينما تذىب المدنية الزائفة إلى خبلؼ ىذا الحكـ الرباني‪ ،‬فبل ترل الحجاب أم ار‬
‫فطريا لمنساء‪ ،‬بؿ تعده أس ار كقيدا ليف»‪.1‬‬

‫وٌبٌن النورسً أربعة حكم من هذه اآلٌة وهً ما تتوافق مع فطرة النساء سؤعرضها‬
‫كالتالً‪ :‬الحكمة األول ‪:‬‬

‫« إف ما يقرب مف سبعة أعشار النساء إما متقدمات في العمر‪ ،‬أك دميمات ال‬
‫يرغبف في إظيار شيبيف أك دمامتيف‪ ،‬أك أنيف يحممف غيرة شديدة في ذكاتيف يخشيف أف تفضؿ عمييف‬
‫ذكات الحسف كالجماؿ‪ ،‬أك أني ف يتكجسف خيفة مف التجاكز عمييف كتعرضيف لمتيـ‪ ...‬فيؤالء النساء‬
‫يرغبف فطرة في الحجاب حذ ار مف التعرض كالتجاكز عمييف‪ ،‬كتجنبا مف أف يكف مكضع تيمة في نظر‬
‫أزكاجيف‪ ،‬بؿ نجد أ ف المسنات أحرص عمى الحجاب مف غيرىف‪ .‬كربما اليتجاكز اإلثنتيف أك الثبلث مف‬
‫كؿ عشر مف النساء ىف شابات كحسناكات اليتضايقف مف إبداء مفاتنيف! ‪ ،‬كحتى لك فرضنا أف حسناء‬
‫جميمة ترغب في أف يراىا إثناف أك ثبلثة مف غير المحارـ فيي حتما تستثقؿ كتنزعج مف نظرات سبعة أك‬
‫ثمانية منيـ‪ ،‬بؿ تنفر منيا‪ ،‬فالمرأة لككنيا رقيقة الطبع‪ ،‬سريعة التأثر تنفر حتما ‪ -‬ما لـ تفسد أخبلقيا‬
‫كتتبذؿ ‪ -‬مف نظرات خبيثة تصكب إلييا كالتي ليا تأثير مادم كالسـ حتى إننا نسمع أف كثي ار مف نساء‬
‫أكربا كىي مكطف التكشؼ كالتبرج‪ ،‬يشكيف إلى الشرطة مف مبلحقة النظرات الييف قائبلت‪ :‬إف ىؤالء‬
‫السفمة يزجكننا في سجف نظ ارتيـ»‪.2‬‬

‫من خبلل هذا نبلحظ أن النورسً رأى أن المدنٌة الحدٌثة ساهمت فً السفور ونزع‬
‫الحجاب وستر المرأة ونادت بتحررها التً تناقض فطرتها‪.‬‬

‫« أف المدنية البعيدة عف اإلسبلـ ىاتو المدنية الغربية رفعت الحجاب الذم ىك‬
‫فطرة لمنساء كركدت كفسحت المجاؿ لما يعرؼ بالتبرج كالسفالو الذم يتناقض مع الفطرة اإلنسانية التي‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬ص ‪.966‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزماان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬ص ‪.911‬‬
‫‪- 296 -‬‬
‫جاء بيا القرآف الكريـ كىي الحجاب كعدـ التكشؼ لصكف المرأة المسممة مف الذؿ كالميانة كالسفالة‬
‫كالرذيمة كىي معدف الشقفة كالرأفة‪.‬كلما كاف أساس مف أسس رسائؿ النكر ىك "الشفقة" كاف النساء ىف‬
‫رائدات الشفقة كبطبلت الحناف فقد أصبحف أكثر إرتباط برسائؿ النكر فطرة فيذه العبلقة الفطرية نحس‬
‫بيا في كتيير مف األماكف إذ أنيا تعبر عف إخبلص حقييقي كفداء دكف عكض أك مقابؿ»‪.1‬‬

‫ونبلحظ مما أشار إلٌه النورسً إلى أهمٌة العبلقة الزوجٌة تلك المتمثلة فً تدٌن الزوجة‬
‫وبالتالً هً أصل الحب األسري والتماسك األسري وسعادتها وبالتالً تحقٌق توازنها‬

‫« إف سعادة العائمة في الحياة كاستمرارىا إنما ىي بالثقة المتبادلة بيف‬


‫الزكجيف‪ ،‬كاإلحتراـ البلئؽ كالكد الصادؽ بينيما‪ ،‬إال أف التبرج كالتكشؼ يخؿ بتمؾ الثقة كيفسد ذلؾ‬
‫االحتراـ كالمحبة المتبادلة‪ ،‬حيث تبلقي تسعة مف عشرة متبرجات أماميف رجاال يفكقكف أزكاجيف جما ال‪،‬‬
‫بينما الترل غير كاحدة منيف مف ىك أقؿ جماال مف زكجيا كال تحبب نفسيا إليو‪ ،‬كاألمر كذلؾ في‬
‫الرجاؿ‪ ،‬فبل يرل ا ال كاحد مف كؿ عشريف منيـ مف ىي أقؿ جماال مف زكجتو‪ ،‬بينما الباقكف يركف‬
‫أماميـ مف يفقف زكجاتي ف حسنا كجماال‪ ،‬فيذه الحالة قد تؤدم الى انبعاث إحساس دنيء كشعكر سافؿ‬
‫قبيح في النفس‪ ،‬فضبل عما تسببو مف زكاؿ ذلؾ الحب الخالص كفقداف ذلؾ االحتراـ‪ ، ،‬حيث أف مبلمح‬
‫المحارـ تشعر بصمة القرابة‪...‬كلربما يييج لدل بعض المحارـ السافميف ىكل النظرة الحيكانية! فمثؿ ىذه‬
‫النظرة سقكط مريع لئلنسانية تقشعر مف بشاعتيا الجمكد»‪.2‬‬

‫الحكمة الرابعة‪:‬‬

‫« إف رفع الحجاب‪ ،‬كافساح المجاؿ أماـ التبرج كالتكشؼ يحد مف الزكاج‪ ،‬بميقمؿ‬
‫مف التكاثر كثيرا‪ ،‬ألف الشاب ميما بمغ فسكقو كتحممو‪ ،‬فإنو يرغب في أف تككف صاحبتو في الحياة‬
‫مصكنة عفيفة‪ ،‬كاليريدىا أف تككف مبتذلة متكشفة مثمو‪ ،‬لذا تجده يفضؿ العزكبة عمى الزكاج‪ ،‬كربما‬
‫ينساؽ إلى الفساد»‪.3‬‬

‫‪ -1‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.914‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬ص ‪.919-919‬‬
‫‪ -3‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.911-919‬‬
‫‪- 297 -‬‬
‫« ما دمنا ال نعني بإعداد المرأة كتعميميا كتيذيبيا كتييأتيا إلخراج الجيؿ‬
‫الصالح ‪،‬القكم بأخبلقو ‪ ،‬السميـ في عقمو كجسمو ‪ ،‬فإنو ال رجاء في نيكضو ‪ .‬كسنبقى نعيش في فكضى‬
‫‪ ،‬كنسير بشؽ مائؿ نتعثر في خطانا ‪ ،‬كنستيدؼ لمتداعي كالسقكط»‪.1‬‬

‫ونستنتج أنه مما ال رٌب فٌه أن اإلسبلم رفع شؤن المرأة وحسن حالها فبالعلم المتوج بالدٌن‬
‫‪ ،‬والثقافة المحاطة باألدب والتهذٌب تتمكن المرأة من إدارة مملكتها الصؽٌرة ‪ ،‬وتنشبة‬
‫أوالدها على االخبلق الفاضلة وتخدم قومها وببلدها حٌن تخرج إلى عالم الوجود شعبا حٌا‬
‫ٌعٌش الحٌاة المثلى‪ .‬وال ننسى أن المرأة التً تهز السرٌر بٌمٌنها تهز العالم بؤسره بٌسارها‬
‫إذ أن تربٌة الناشبة مهمة جلٌلة ‪ ،‬فً ؼاٌة الصعوبة ‪ .‬فالولٌد الصؽٌر إبن المدرسة األولى‬
‫وهً األم كما قٌل‪:‬‬

‫أعددت شعبا طٌب االعراق‬ ‫األم مدرســة إذا أعددتــها‬

‫وٌقول النورسً ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫« إف أكؿ أستاذ اإلنساف كأكثر مف يؤثر فيو تعميما إنما ىك كالدتو »‬

‫إن هاته الحكم التً أوردها النورسً إنما تؽنً عن كل ما ٌقال فً هذا الموضوع‬
‫باإلضافة إلى رسالة الحجاب‪ ،‬فقد وقؾ النورسً مطوال عندها باإلضافة إلى الدعوة كذلك‬
‫‪ ،‬فكان بمثابة موجها ‪ ،‬مرشدا‪ ،‬مربٌا‪ ،‬ناصحا‪ ،‬ومعلما‪ .‬فؤصبحن رابدات فً دعوة النور‪،‬‬
‫وساهمن بمشاركتهن فً إستنساخ رسابل النور ونشرها‪.‬‬

‫« فرسائؿ النكر تكف ليف غذاءا معنكيا‪ ،‬ألف إحدل اسس ىذه الرسائؿ الشفقة‬
‫التي ىي مف مظاىر إسـ ا﵀ الرحيـ كىي الخميرة كالجكىر الخاص المغركز في فطرة النساء كميزتيف‬
‫األصيمة»‪.1‬‬

‫‪ -1‬مرٌم نور الدٌن فضل هللا‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.29‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬ص ‪.915‬‬
‫‪- 298 -‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬فئة الشيوخ ضمن "رسالة الشيوخ"‬

‫إن إهتمامنا بالمسنٌن نابع من حقٌقة دٌننا‪ ،‬وتراثنا ومن واقع أسلوب حٌاتنا وإن المكان‬
‫األنسب والبٌبة األفضل لرعاٌة المسنٌن ٌتمثبلن فً األسرة إعتبارا لقٌمة تواجد كبار السن‬
‫فً األسرة سواء بالنسبة للمسنٌن نفسهم أو بالنسبة ألعضاء أسرهم‪ ،‬وكذلك لما ٌنطوي‬
‫علٌه هذا التوجه من معان مستمدة من تراثنا الحضاري والروحً من اإلحسان بالوالدٌن‬
‫والبر بهم‪ ،‬وإحساسا منهم بالوفاء والتراحم والتعاطؾ بهم وإعتبارا أٌضا لقٌمة كبار السن‬
‫فاألسرة‬

‫« إف كجكد كبار السف في األسر كأساس لمناخ نفسي كجداني إيجابي كتدريب‬
‫ألعضاء األسرة آباء كأحفادنا عمى السمك الكجداني كترقية المشاعر اإلنسانية النبيمة‪ ،‬مف خبلؿ تفاعؿ‬
‫أعضاء األسرة »‪.2‬‬

‫إن الشٌخوخة هً نهاٌة مطاؾ اإلنسان فً مرحلة تطوره على هذه األرض تمهٌدا لرحلته‬
‫األبدٌة إلى العالم األبدي لقوله تعالى‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ض ْعؼ قُ َّكةن ثَُّـ َج َع َؿ م ْف َب ْعد قُ َّكٍة َ‬
‫اء َك‬ ‫َّ‬
‫﴿الذِي َخ َل َق ُك ْم مِنْ َ‬
‫ؽ َم َاي َش ُ‬
‫ض ْع نفا َك َش ْيَب نة َي ْخُم ُ‬ ‫ض ْعؼ ثَُّـ َج َع َؿ م ْف َب ْعد َ‬

‫ير ﴾‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫يـ اْل َقد ُ‬
‫ُى َك اْل َعم ُ‬
‫‪3‬‬

‫ولما كان ااإلسبلم حرٌصا على صون كرامة اإلنسان‪ ،‬فقد أولى عناٌة خاصة بتوقٌر الكبار‬
‫وإحترامهم والعطؾ علٌهم واإلحسان إلٌهم والرأفة بهم وخاصة الوالدٌن‪ ،‬فقد حث اإلسبلم‬
‫اإلنسان على بر والدٌه واإلحسان إلٌهما فً كل مراحل العمر وإلى أهمٌة وضرورة‬
‫رعاٌتهم خاصة عند الكبر‪ ،‬حٌث ٌصبحون أكثر حاجة للرعاٌة والعناٌة والشعور بالطمانٌنة‬
‫واألمن بعد تؤدٌة الرسالة تجاه أبنابهم ‪.‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المبلحق فً فقه الدعوة إلى النور ‪ ،‬ص ‪.913‬‬
‫‪ٌ https://www.al-forqan.net/articles/3610 -2‬وم ‪.9144-19-44‬‬
‫‪ -3‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة الروم ‪ ،‬اآلٌة ‪.21‬‬

‫‪- 299 -‬‬


‫فالنورسً ورإٌته لهاته المرحلة تعتبر طورا ال بد من المرور به ولعل سمات العجز‬
‫والضعؾ هً من خصابص عهد المشٌب وهو عهد العجز والضعؾ ووقت ظهورهما إنما‬
‫فً مرحلة الشٌخوخة‪ .‬قدم النورسً رسالة ضمن كلٌاته مخاطبا فٌها فبة الشٌوخ كؤهم‬
‫عنصر موجود فً المجتمع اإلسبلمً أسماها "برسالة الشيوخ"‬

‫والسبب الدافع لهاته الرسالة نابع من المعاناة واآلالم المعنوٌة من ٌؤس وخوؾ التً كان‬
‫ٌعانٌها النورسً فً شٌخوخته ‪ ،‬لكن القرآن الكرٌم لم ٌؽفل عن هاته اآلالم لٌعطً لها‬
‫عبلجا فعاال ضد الٌؤس والخوؾ من الموت وما بعد الموت‪ٌ .‬قول النورسً‪:‬‬

‫« الشيكخ الذيف يمثمكف ثمث األمة‪ ،‬فيؤالء يقتربكف مف القبر‪ ،‬كيدنكف مف المكت‪،‬‬
‫كيبتعدكف عف الدنيا‪ ،‬كيجاكركف اآلخرة! كاذ ينتظر ىؤالء الشيكخ الضعفاء اإلحتراـ كالتكقير مف أىؿ‬
‫النخكة كالغيرة‪ ،‬إذا بي ـ يخا طبكف إنكـ تساقكف إلى إعداـ أبدم‪ ،‬بما ينفث في ركعيـ أ ف باب القبر الذم‬
‫يتصكركنو رحمة‪ ،‬ما ىك إال فـ ثعباف يبتمعيـ‪ ،‬كييمس في آذانيـ المعنكية‪ ،‬إنكـ ماضكف إلى ىناؾ‪،‬‬
‫ككأف ىذا الكبلـ طعنات م عنكية تنزؿ عمييـ‪ ،‬فتذبحيـ ذبحا معنكيا‪ ،‬فإف كانت ىذه غيرة قكمية كحمية‬
‫‪1‬‬
‫ممية‪ ،‬فإني أستعيذ باّلمو مائةألؼ مرة مف ىذه الحمية كالنخكة القكمية»‬

‫وٌتوجه النورسً فً خطابه للشٌوخ بقوله‪:‬‬

‫« أجؿ‪ ،‬أييا الشيكخ كأيتيا العجائز المكقركف‪ ،‬كيا مف تشعركف كمكـ‬


‫بالشيخكخة مثمي!‪ .‬إننا راحمكف كال مناص مف ذلؾ‪،...‬كلف ُيسمح لنا بالمككث ىنا بمخادعة النفس‬
‫كاغماض العيف‪ ،‬فنحف مساقكف إلى المصير المحتكـ‪ ،‬كلكف عالـ البرزخ ليس ىك كما يتراءل لنا بظممات‬
‫األكىاـ الناشئة مف الغفمة‪ ،‬كبما قد يصكره أىؿ الضبللة‪ ،‬فميس ىك بعالـ الفراؽ‪ ،‬كال بعالـ مظمـ‪ ،‬بؿ ىك‬
‫مجمع األحباب‪ ،‬كعالـ المقاء مع األحبة كاألخبلء‪ ،‬كفي طميعتيـ حبيب رب العاميف كشفيعنا عنده يكـ‬
‫‪2‬‬
‫القيامة ‪-‬عميو أفضؿ الصبلة كالسبلـ»‬

‫وفً الرإٌة النورسٌة نراه قد أعطى أهمٌة لهاته الفبة كؽٌرها من فبات المجتمع بحٌث قال‪:‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪.211 ،‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪.911‬‬
‫‪- 300 -‬‬
‫« أف الشيكخ بأمس الحاجة الى دركس يقينية كراسخة في إثبات كجكده‬
‫تعالى كاثبات كحدانيتو حيث يقرأكف ما تكتبو الصحؼ مف ىجكـ الركس عمى اإليماف بيجمات اإللحاد‬
‫الرىيبة كانكار الخالؽ العظيـ»‪.1‬‬

‫ومما ٌعانٌه الشٌب هو الثقل الذي ٌحسونه فٌمن ٌبلؽون عندهم الكبر‪ ،‬فٌضطربون وٌقلقون‪،‬‬
‫فٌحذر سعٌد النورسً بآٌتٌن من القرآن الكرٌم بقوله‪:‬‬

‫« أييا اإلنساف المبتمى بيمكـ العيش! اعمـ أف عمكد بركة بيتؾ ككسيمة‬
‫الرحمة فيو‪ ،‬كدفع المصيبة عنو‪ ،‬إنما ىك ذلؾ الشيخ‪ ،‬أك ذلؾ األعمى مف أقربائؾ الذم تستثقمو‪ ،‬ال تقؿ‬
‫أبدا إف معيشتي ضنؾ‪ ،‬ال أستطيع المداراة فييا!‪...‬؛ ذلؾ ألنو لكلـ تكف البركة المقبمة مف كجكه أكلئؾ‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫لكاف ضنؾ معيشتؾ أكثر قطعا»‬

‫وفً الشٌوخ كسب أهم من البركة‪ ،‬وهو إحسان هللا تعالى بدفع الببلٌا والمصابب‪ ،‬كما‬
‫ٌوضح سعٌد النورسً‪:‬‬

‫« الضيؼ سبب البركة‪ ،‬فقس درجة البركة كالرحمة في اإلنساف كىك أكرـ‬
‫المخمكقات‪ ،‬كفي أىؿ اإليماف كىـ أكمؿ البشر‪ ،‬كفي العجزة كالشيكخ كىـ أجدر أىؿ اإليماف بالحرمة‬
‫كالرحمة‪ ،‬كفي األقرباء كىـ األكلى كاألليؽ بالشفقة كالخدمة كالمحبة بيف الشيكخ‪ ،‬ثـ في الكالديف مف بيف‬
‫األقربيف‪ ،‬كىـ أصدقيـ حبا كأكفاىـ كدا‪ ،‬إذا حمكا في بيت‪ ،‬كقس مبمغ الكسيمة في دفع الببليا كالمصائب‬
‫بسر " لكال الشيكخ الركع لصب عميكـ الببلء صبا»‪.3‬‬

‫ومنه نخلص إلى أن خطابات النورسً تحمل فً طٌاتها عبلجا فعاال لما ٌعانٌه الشٌوخ من‬
‫ٌؤس وحزن وخوؾ مستمدا من صٌدلٌة القرآن وهً "اإلٌمان باآلخرة" كدرس معنوي‬
‫روحً لجعل تلك المرحلة مرحلة تنبض بالشباب بدل الحزن والخوؾ من الموت وما بعده‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬الشعاعات ‪ ،‬ص ‪.395‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬ص ‪.993‬‬
‫‪ -3‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.939‬‬
‫‪- 301 -‬‬
‫لهذا كانت خطاباته تحمل إرشادات معنوٌة روحٌة وتمد السلوان واألمل فً نفوس الشٌوخ‬
‫ٌقول ‪:‬‬

‫« كذا الشي كخ الذيف يمثمكف ربع البشرية ‪ ،‬فإنيـ ال يركف السمكاف حياؿ إنطفاء‬
‫حياتيـ قريبا كدخكليـ تحت التراب‪...‬كقد أكصدت الدنيا الجميمة أبكابيا في كجكىيـ إال ب"اإليماف‬
‫باآلخرة"‪ .‬إذ لكال ىذا اإليماف لتجرع أكلئؾ اآلباء المحترمكف الرحماء كتمؾ األميات الفدائيات الشفيقات‬
‫الكيؿ تمك الكيؿ كلباتكا في حالة نفسية تعسة جدا كفي قمؽ قمبي عنيؼ كألصبحت الدنيا تضيؽ عمييـ ‪...‬‬
‫بينما اإليماف باآلخرة ييتؼ بيـ قائبل‪ :‬ال تغتمكا أييا الشيكخ كال تبالكا كثي ار ‪ ،‬فإف لكـ شبابا خالدا كىك‬
‫أمامكـ كيأتي حتما‪...‬كستمقكف أكالدكـ كأقاربكـ الذيف فقتتمكىـ كجميع حسناتكـ محفكظة كتأخذكف ثكابيا‪،‬‬
‫كىكذا يمنح اإليماف باآلخرة سمكانا كانشراحا ليـ بحيث لك حمؿ أحدىـ أثقاؿ مائة شيخكخة لتحمميا حكمة‬
‫‪1‬‬
‫إبتبلئنا صاب ار في إنتظار ما سيعقبيا مف حياة آخركية سعيدة»‬

‫وملخص القول نعتبر أن مرحلة الشٌخوخة تحمل فً كنفها مجموعة من األذواق الروحٌة‬
‫والمعنوٌة الناتجة عن اإلٌمان باآلخرة نحمد هللا ونشكره على هاته النعمة ومما ٌمكن‬
‫إستخبلصة من خطابات النورسً ذات التؤثٌر الروحً والمعنوي فً نفوس الشٌخ هو‬
‫ماٌلً‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬ما دام اإلسبلم ٌؤمر بتوقٌر الشٌوخ والرحمة بهم والفطرة اإلنسانٌة تقضً إلى‬
‫اإلحترام والرحمة إتجاه الشٌوخ‪.‬‬

‫ثانٌا ‪ :‬القرآن الكرٌم ٌدعوا األوالد إلى اإلحترام والرأفة بالوالدٌن فً خمسة مراتب‬
‫ض ٰى َرب َك أَ َّال َتعْ ُب ُدوا إِ َّال إٌَِّاهُ َو ِب ْال َوا ِل َدٌ ِ‬
‫ْن‬ ‫وبؤسلوب فً ؼاٌة اإلعجاز لقوله تعالى ‪َ " :‬و َق َ‬
‫إِحْ َسانا ۚ إِمَّا ٌَبْل ُ َؽنَّ عِ ندَ َك ْال ِك َب َر أَ َح ُد ُه َما أَ ْو ك َِبل ُه َما َف َبل َتقُل لَّ ُه َما أُؾٍّ َو َال َت ْن َهرْ ُه َما َوقُل لَّ ُه َما‬
‫اح الذ ِّل م َِن الرَّ حْ َم ِة َوقُل رَّ بِّ ارْ َحمْ ُه َما َك َما َر َّب ٌَانًِ َ‬
‫صؽٌِرا "‪.2‬‬ ‫َق ْوال َك ِرٌما َو ْ‬
‫اخفِضْ َلهُ َما َج َن َ‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬الشعاعات ‪ ،‬ص ‪.951‬‬


‫‪ -2‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة اإلسراء ‪ ،‬اآلٌة ‪.91،99‬‬
‫‪- 302 -‬‬
‫ثالثا ‪ :‬إن توقٌر وإحترام وإبداء العطؾ والرحمة عمل صالح وحسنة للمإمن ‪ ،‬ففً هذه‬
‫الحسنة تكمن لذة ومتعة وجدانٌة‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬أن عمود البركة ألي بٌت وسندها إنما هو أإلبك الشٌوخ الذٌن ٌؤهلونه وأن الذي‬
‫ٌحفظ ذلك البٌت من الببل ٌا والمصابب إنما هم أإلبك الشٌوخ الركع الذي ٌعمرونه وٌثبت‬
‫هذا الحقٌقة قوله علٌه الصبلة والسبلم "لوال الشٌوخ الركع لصب علٌكم الببلء صبا"‬

‫« القناعة التامة أف مثمما رزؽ الصغار مثمما يأتي بناء عمى عجزىـ كترسمو‬
‫الرحمة اإلليية بشكؿ خ ارؽ فيتفجر ينابيع األثداء كتسيميا ليـ سيبل ‪ ،‬فإف رزؽ الشيكخ المؤمنيف الذيف‬
‫إكتسبك العصمة يرسؿ إالييـ مف قبؿ الرحمة عمى صكرة بركة»‪.1‬‬

‫« أف الشيخكخة مف األسباب الداعية لجعؿ الحياة صعبة كمرىقة ‪ ،‬تبيف مدل‬


‫ككف المكت نعمة تفكؽ نعمة الح ياة فحسب النكرسي فمك تصكرت أجدادؾ مع ما ىـ عميو مف أحكاؿ‬
‫مؤلمة قابعكف أمامؾ حاليا مع كالديؾ الذيف بمغا أرذؿ العمر ‪ ،‬لفيمت مدل ككف الحياة نقمة كالمكت‬
‫نعمة بؿ يمكف إدراؾ الرحمة في المكت كمدل الصعكبة في إدامة الحياة أيضا بالتأمؿ»‪.2‬‬

‫« الشيخكخة فييا أذكاؽ معنكية جديرة مف الذكؽ المادم الناشيء مف نزكة الشباب‬
‫حيث نأخذ أذكاقا ركحية نابعة مف الرحمة الصادرة عف العناية اإلليية كمف اإلحتراـ النابع مف فطرة‬
‫اإلنسانية»‪.3‬‬

‫« إف رعاية الشيكخ كاإلعتناء بيـ فضبل عف ككنو مدار لثكاب عظيـ كبخاصة‬
‫الكالديف كالظفر بدعائيـ كاسعاد قمكبيـ كالقياـ بخدمتيـ بكفاء كاخبلص يقكد صاحبو إلى سعادة الدنيا‬
‫كاآلخرة‪.‬فميست رعاية الشيكخ كالعجائز كاألبرياء مف المقربيف كحدىـ بؿ إذا صادؼ المؤمف شيخا مريضا‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬ص ‪.939‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.6‬‬
‫‪ -3‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬ص ‪.939‬‬
‫‪- 303 -‬‬
‫ذا حاجة جدي ار باإلحتراـ فعميو القياـ بخدمتيبيمة كاخبلص ما دامت ىناؾ أخكة إيمانية حقيقية كىذا مما‬
‫يقتضيو اإلسبلـ»‪.1‬‬

‫ٌذكر النورسً أٌضا بؤن فً رعاٌة الشٌوخ والوالدٌن خاصة ثوابا جزٌبل‪ ،‬وكسبا‬
‫لدعواتهم‪ ،‬وسعادة فً الدنٌا واآلخرة وعدم الشكوى والضجر من الشٌخوخة بل ٌجب الحمد‬
‫والشكر لهذه النعمة وٌضٌؾ قاببل‪:‬‬

‫« أجؿ يا إخكاني الشيكخ كيا أخكاتي العجائز‪ ...‬فما عمينا إذا إ ال عدـ الشككل‬
‫مف الشيخكخة‪ ،‬كعدـ التضجر منيا؛ ذلؾ ألف الشيخكخة المشربة باإليماف كالعبادة‪ ،‬المكصمة إلى سف‬
‫الكماؿ‪ ،‬ماىي إ ال عبلمة انتياء كاجبات الحياة ككظائفيا‪ ،‬كاشارة ارتحاؿ إلى عالـ الرحمة لمخمكد إلى‬
‫الراحة‪ ،‬فبلبد إذا مف الرضا بيا أشد الرضا»‪.2‬‬

‫من خبلل هذه الرسالة التً تمد االمل فً نفوس الشٌوخ وكزاد معنوي وروحً ٌجب‬
‫إعتبارها تجارة ٌجب إؼتنامها‪ .‬فعلٌنا أن نود الشٌخوخة وأن نحبها ال أن نعرض علٌها‪.‬‬

‫المطلب الخامس ‪ :‬فئة المرض والمبتلين والمسجونين‬

‫لم ٌؽفل النورسً عن هاته الفبة وما أسماه بفبة المبتلٌن بالمرض والمصابب والببلٌا من‬
‫مرضى وسجناء وفقراء‪ ،‬وإلى مدى حاجتهم إلة تقدٌم السلوان والعزاء ‪ ،‬فقد أعطى اهتماما‬
‫خاصا بهم فً مإلفة اللمعات اللمعة الخامسة والعشرون‬

‫« ىي رسالة تتضمف خمسة كعشركف دكاءا كىي تعتبر كصفات معنكية‬


‫كمرىما نافعا ألىؿ الببليا كالمصائب كالمرضى الذيف ىـ عشر أقساـ البشرية»‪.3‬‬

‫‪ -1‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.995‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪.914 ،‬‬
‫‪ -3‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.944‬‬
‫‪- 304 -‬‬
‫وقد وضح النورسً أهمٌة إحتاجهم للسلوان والعزاء كإحتٌاجهم للخبز والدواء‪ ،‬لما ٌجدون‬
‫فٌه نور من الرجاء واإلٌمان وبٌان نعمة الصحة والمرض ومدى منافعها الدنٌوٌة‬
‫واألخروٌة فٌقول النورسً عن هاته الفبة ‪:‬‬

‫« فالذيف تأذت حياتيـ الدنيكية بالمرض كالذيف يظنكف المكت إعداما أبديا بما‬
‫أحاطت بيـ مف غفمة كضبللة فيؤالء بحاجة إلى رسائؿ النكر لما يجدكف فييا مف السمكاف كالعزاء كنكر‬
‫الرجاء حتى يفضؿ لدييـ المرض كالشيخكخة عمى الصحة كالشباب»‪.1‬‬

‫وٌضٌؾ أٌضا عن المرضى ‪:‬‬

‫« أسقـ الناس كأشدىـ مرضا كلكف إذا تمكف ىؤالء مف تناكؿ العبلج اإليماني‬
‫مف صيدلية القرآف المقدسة كأخذكا جرعات مف مضادات السمكـ فييا ‪ ،‬فإنيـ يضمدكف جراحاتيـ البشرية‬
‫كيداككف مرضيـ فضبل عف أنيـ يككنكف السبب في مداكاة جراح البشرية كميا»‪.2‬‬

‫كما ٌبٌن النورسً أن باإلٌمان والعبادات ٌمكن التؽلب على األمراض فاإلٌمان ٌكسر شوكة‬
‫المرض وٌقوي المرٌض وال ٌجعله فً ؼفلة فهو عبلج قدسً لكل داء ذو تؤثٌر فعال حٌث‬
‫ٌقول ‪:‬‬

‫« أييا اإلخكاف المرضى إف كنتـ تشعركف بحاجة إلى عبلج إذا كنتـ تشعركف‬
‫بحاجة إلى عبلج قدسي نافع جدا‪ ،‬كالى دكاء لكؿ داء يحكم لذة حقيقية‪ ،‬فمدكا إيمانكـ بالقكة كاصقمكه‪،‬‬
‫أم تناكلكا بالتكبة كاإلستغفار كالصبلة كالعبادة العبلج القدسي المتمثؿ في اإليماف‪ ،‬إف عبلج اإليماف‬
‫يتبيف تأثيره بأداء الفرائض كمراعاة تنفيذىا ما إستطاع اإلنساف إلييا سبيبل كاف الغفمة كالسفاىة كىكل‬
‫النؼ كالميك غير المشركع يبطؿ مفعكؿ ذلؾ العبلج كتأثيره»‪.3‬‬

‫ولتجاوز المرض ٌقدم النورسً كعادته وصفات معنوٌة تبعث األمل فٌقول ‪:‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المبلحق فً فقه الدعوة إلى النور ‪ ،‬ص ‪.913‬‬
‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المبلحق فً فقه الدعوة إلى النور ‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪ -3‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬ص ‪.995‬‬
‫‪- 305 -‬‬
‫« تضرع أنت كذلؾ يا أخ كأدع الحكيـ الجميؿ أف يرزقؾ صحكة ركحية تخمص‬
‫تفكيرؾ كتزكيو ألجمو سبحانو‪ ...‬لكي تتنكر كتتحكؿ تمؾ المعارؼ العممية التي ال طائؿ كراءىا إلى‬
‫معارؼ إليية نفسية عالية»‪.1‬‬

‫« فاإليماف دكاء مقدس لكؿ داء كدكاء الرضا بالقضاء النابع مف اإليماف بالقدر‬
‫مما يدفع الى الشكر ضمف الصبر»‪.2‬‬

‫سوؾ نختصر الوصفات العبلجٌة التً قدمها النورسً وإعتبرها دواء لكل داء لطبٌعة أنها‬
‫تحتوي على خمسة وعشرون دواءا مع التفسٌر النورسً لها بالتالً سٌتم إختصارها‬
‫ومعرفة جوهر هذا العبلج اإلٌمانً الروحً هً كالتالً ‪:‬‬

‫ٌقول النورسً هً وصفات معنوٌة ومرهما نافعا من صٌدلٌة القرآن المقدسة‬

‫« الدكاء األكؿ ‪ :‬الصبر كاستثمار راس ماؿ العمر بدؿ الغفمة فيك يكسب رأس ماؿ‬
‫‪3‬‬
‫أرباحا طائمة»‬

‫« الدكاء الثاني ‪ :‬الشكر ألف المرض يعتبر بحكـ ساعات مف العبادة ‪ ،‬ذلؾ أف‬
‫العبادة قسماف ‪ :‬العبادة اإليجابية المتجسدة في الصبلة كالدعاء كأمثاليا العبادة السمبية التي يتضرع فييا‬
‫المصاب ممتجأ إلى خالقو الرحيـ بعجزه كضعفو ‪ ،‬فيناؿ بذلؾ التضرع عبادة معنكية خالصة متجردة مف‬
‫كؿ أنكاع الرياء الدكاء الثالث ‪ :‬عدـ الشككل مف المرض إذ يقكـ بداء المرشد ناصح أميف كمكقظ»‪. 4‬‬

‫« الدكاء الرابع ‪ :‬تنزكم خمؼ حجاب المرض معاني محببة كعميقة تظير حكمة‬
‫كشعاعات الرحمة التي تتجمى في قسـ كأحكاـ أسائو الحسنى باآلالـ كانكشاؼ المصائب ‪ ،‬فكما أنؾ‬
‫تتعرؼ عمى إسمو "الرزاؽ" بتجرعؾ م اررة الجكع‪ ،‬تتعرؼ عمى إسمو "الشافي"بمرضؾ»‪.5‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المبلحق فً فقه الدعوة إلى النور ‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪ -2‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.415‬‬
‫‪ -3‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬ص ‪.943‬‬
‫‪ -4‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.943‬‬
‫‪ -5‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.945‬‬
‫‪- 306 -‬‬
‫« الدكاء الخامس‪ :‬المرض نكع مف اإلحساف اإلليي كاليدية الرحمانية لقسـ مف‬
‫الناس ‪ ،‬المريض أكثر تفك ار في اآلخرة كتذك ار ليا‪.‬الدكاء السادس ‪ :‬التفكر في معنى العبادة المعنكية التي‬
‫يتضمنيا مرضؾ كبالثكاب اآلخركم الذم تخفيو لؾ كاسع لتناؿ ذلؾ الذكؽ الخالص الزكي»‪.1‬‬

‫باالضافة إلى االحساس بلذة نعمة اإللهٌة فً الصحة واالمراض كفارات للذنوب التً هً‬
‫أمراض دابمة فً الحٌاة األبدٌة وفً الحٌاة الدنٌا أمراض معنوٌة فً الفلب والوجدان‬
‫والروح ‪ ،‬والموت رحمة والبعد عن القلق والوسوسة والمرض سببا للدعاء الخالص‪،‬‬
‫اإلحترام والمحبة بدل اإلستؽناء عن الناس الذي ٌجرد اإلنسان من الرحمة وٌسوق إلى‬
‫الوحشة‪.‬‬

‫ومن اللذات المعنوٌة التً ٌكسبها المرض حسب النورسً من فوابد جمة أهمها‬
‫إعتبارأن ‪:‬‬

‫« أكال ‪:‬أف المرض يغدكا كن از عظيما لبعض الناس كىدية إليية ثمينة ليـ ثانٌا ‪ :‬أف‬
‫‪2‬‬
‫المرض يكرث ثكابا مستم ار لممريض كلمذيف يرعكنو ﵀ فيك يمثؿ وسٌلة لقبول الدعاء »‬

‫« ثالثا ‪ :‬المؤمف بسر اإليماف كاإلستسبلـ كالتككؿ يستفيد مف داء العضاؿ كالشمؿ‬
‫بأقصر كقت إستفادة المجاىديف مف أىؿ الكالية بالرياضة في المعتكفات فيتضاءؿ عندئذ الداء كيسيا‬
‫حممو»‪.3‬‬

‫« رابعا ‪ :‬إف رعاية المرضى تجمب ألىؿ اإليماف ثكابا عظيما كأف زيارتيـ كالسؤاؿ عف‬
‫صحتيـ كراحتيـ بشرط عدـ تنغيصيـ ليب مف السنة الشريفة كىي كفارة الذنكب خاصة إذا كاف الكالد أك‬
‫‪4‬‬
‫الكالدة فإف خدمتيا ىي عبادة ميمة كىي مثكبة كبرل»‬

‫‪ -1‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.994‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬ص ‪.993‬‬
‫‪ -3‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.993‬‬
‫‪ -4‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.991‬‬
‫‪- 307 -‬‬
‫وخبلصة القول نستنتج من خبلل ما قدمه النورسً عن العبلجات المعنوٌة لكل داء من‬
‫صٌدلٌة القرآن المقدسة ما عساي ان أختم فً هذا الجانب بإستحضار قول الرسول علٌه‬
‫الصبلة والسبلم ‪ ":‬أشد الناس إبتبلءا األنبٌاء ثم األولٌاء ثم األمثل فاألمثل"وعند ذكر‬
‫المرض فؤول ما ٌستحضر عند المسلم وفً مقدمتهم هو سٌدنا أٌوب علٌه السبلم وما‬
‫أصابه من مرض وصبره وشكره ثم األنبٌاء علٌهم السبلم ثم األولٌاء ثم الصالحون قد تلقوا‬
‫جمٌعا أمراضا إعتبروها عبادة خالصة وهدٌة رحمانٌة فؤدو الشكر من خبلل الصبر وكانوا‬
‫ٌرونها نوعا من العملٌات الجراحٌة تمنح لهم من لدن الرحمن الرحٌم‪.‬‬

‫أما خطابه فً عزابه للفقراء والسجناء قوله ‪:‬‬

‫«‪ ..‬إكتشفنا حكمة إبتبلئنا بالسجف ‪ ،‬كيغدكا السجف مدرسة نتمقى فييا الدركس‬
‫النافعة‪ ...‬كنجد فيو مع إخكتنا في المصيبة كالببلء العزاء كالسمكاف" أما إذا صرفنا ساعة كاحدة في أداء‬
‫الصمكات الخمس فكؿ ساعة مف ساعات اإلبتبلء كأكقات المحف تتحكؿ إلى يكـ مف العبادة ‪ ،‬فكأف‬
‫السعاعات الفانية قد إكتسبت – ببركة ىذه الساعة‪ -‬صفة الخمكد ‪ ،‬كأصبحت في حكـ ساعات أبدية‬
‫خالدة ‪ ،‬فتزاح عف القمب سحب اليأس كيتبدد عف الركح ظبلـ القنكط كتصبح ىذه الساعة مف العبادة‬
‫كفارة لبعض ما أرتكب مف أخطاء كذنكب ربما كانت السبب في دخكؿ السجف»‪.1‬‬

‫وٌقول عزابه للمسجونٌن أٌضا ‪:‬‬

‫« إ ف المرضى كالمظمكميف كأمثالنا مف ذكم المصائب كالفقراء كالمساجيف‬


‫الذيف حككمكا بعقكبات مشددة‪ ،‬كؿ ىؤالء يمثمكف الجزء األىـ مف البشرية‪ ،‬فإف لـ يعنيـ "اإليماف باآلخرة"‬
‫كأف لـ يتسمكا بو‪ ،‬فإف المكت الذم يجدكنو أماميـ دائما بما عندىـ مف مرض ‪ ...‬كاف اليأس األليـ النابع‬
‫مما أصاب أمكاليـ كأكالدىـ مف الضياع في الككارث‪ ،‬كاف الضيؽ الشديد الناشئ مف آالـ السجف كعذابو‬
‫لسنكات عدة نتيجة لذة طارئة‪ ،‬التستغرؽ دقائؽ أكساعات‪ ...‬كلكف ما أف يمدىـ اإليماف باآلخرة بالعزاء‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬الشعاعات ‪ ،‬ص ‪.919‬‬


‫‪- 308 -‬‬
‫كالسمكاف‪ ،‬إال كينشرحكف فك ار كيتنفسكف الصعداء؛ لما يزيؿ عنيـ مف الضيؽ كاليأس كالقمؽ كاإلضطراب‬
‫إزالة كمية أك جزئية‪ ،‬كؿ حسب درجات إيمانو»‪.1‬‬

‫وٌرى النورسً أن السجن ٌعتبر درسا نستطٌع أن نحوله من محنة وإبتبلء إلى عبادة‬
‫والنجاة من سجن األبدي الذي ٌتمثل فً جهنم إلى الدخول فً الجنة والفوز بنعٌمها وهو‬
‫رجاء كل مسلم على وجه األرض للفوز بها ٌقول النورسً ‪:‬‬

‫« إف السبيؿ اليسيرة لمنجاة مف سجف األبدم "جينـ" ‪ ،‬إنما ىي إعتنامنا فرصة‬


‫بقائنا في السجف الدنيكم ‪..‬فما عمينا إذا إال اإلستغفار كالتكبة عما إقترفناه مف ذنكب سابقة مع أداء‬
‫لمفرائض ‪ ،‬كي نحكؿ كؿ ساعة مف ساعات ىذا السجف بحكـ يكـ مف العبادة ‪ ،‬فيي إذا أفضؿ فرصة لنا‬
‫لمنجاة مف السجف األبدم كلدخكلنا الجنة»‪. 2‬‬

‫من خبلل ما تقدم نخلص القول بؤن النورسً جعل القرآن الكرٌم صٌدلٌة لكل داء‪ ،‬وما دام‬
‫أهم درس ٌلقننا إٌاه القرآن الكرٌم هو اإلٌمان باآلخرة فبدون شك أن ذلك اإلٌمان هو نور‬
‫باهر ٌبعث روح األمل فً النفوس بدل الٌؤس والقنوط والؽفلة والسفاهة ورجاء شدٌد‬
‫وعزاء وسلون عظٌم لما ٌصٌبنا من إبتبلءات فً خضم الحٌاة الدنٌوٌة‪.‬ألن اإلنسان‬
‫مستحٌل أن تخلوا حٌاته من المحن واإلبتبلءات‪.‬كما ٌنقذ حٌاته الدنٌوٌة واآلخروٌة‪.‬‬

‫نستخلص مما سبق أن منهج النورسً وخطابه الدعوي تمٌز بالشمولٌة فً خطاباته التً لم‬
‫تقتصر على فبة معٌنة أو خاصة وأنما تعدت ذلم لتشمل أكبر نطاق ممكن ‪ ،‬بل كانت تخاطً‬
‫جمٌع فبات وعناصر المجتمع ‪ ،‬باإلضافة إلى هذا تمٌز خطاباته بالبلمحدودٌة المكان‬
‫والزمان ‪ ،‬ونبلحظ فً هذه ال نقطة لما هو موجود فً القرآن الكرٌم بإعتبار المنهج القرآنً‬
‫شامبل الذي ٌخاطب جمٌع الفبات عبر األزمنة واألمكنة الذي ٌدعوا إلى اإلٌمان ‪ ،‬فبالتالً‬
‫نرى أن اإلٌمان هو أسمى العلوم وأدقها وإلى المعرفة اإللهٌة التً هً أوسع العلوم وأنورها‪.‬‬

‫‪ -1‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.954‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬الشعاعات ‪ ،‬ص ‪.961‬‬
‫‪- 309 -‬‬
‫المبحث الرابع ‪ :‬ثنائية الشيخ والمريد وموقع الكرامات عند النورسي‬

‫المطلب األول ‪ :‬ثنائية الشيخ والمريد في المنظور النورسي‬

‫ٌحتل الشٌخ مكانة ومرتبة فً الحقل الصوفً بمرتبة الزعٌم وهو أشبه بمرتبة الزعٌم‬
‫السٌاسً أو أكثر إن صح التعبٌر‪ .‬كما ٌمثل األبوة المطلقة فً عبلقاته مع مرٌدٌه وهً كذلك‬
‫ش بٌهة بالعبلقة التً ٌمارسها الزعٌم فً عبلقاته برعاٌاه ‪ ،‬إن أنها بمثابة مركز جذب‬
‫وإستقطاب ٌعمل على تنظٌم حركة اإلنتماء‪ ،‬كما أن الشٌخ ٌستؽل هاته السلطة الروحٌة‬
‫وٌستثمرها فً توسٌعها على المرٌد ‪ ،‬لكن مفهوم الثنابٌة بٌن الشٌخ والمرٌد من وجهة نظر‬
‫النورسً تختلؾ ع ما عهدناه فً المفهوم التقلٌدي فً المجال الصوفً المتمثل فً تلك العبلقة‬
‫الرأسٌة أو األفقٌة بٌن الشٌخ والمرٌد الشٌخ اآلمر والناهً والمرٌد المنصاع ألوامر شٌخه‬
‫دون نقاش ‪ .‬لكن النورسً قد أعاد هٌكلة هاته الثنابٌة بمفهوم جدٌد ٌختلؾ عن المفهوم‬
‫التقلٌدي الكبلسٌكً‪.‬‬

‫ٌ عتبر النورسً أن العبلقات القابمة بٌن األستاذ والطبلب وهً بمثابة الثنابٌة عند النورسً‬
‫بدل مصطلح ثنابٌة الشٌخ والمرٌد التقلٌدي ‪ ،‬حٌث أعاد صٌاؼة أو إعادة هٌكلة هذه الثنابٌة‬
‫إلى أبعاد ثبلثٌة هاته العبلقات لها ثبلثة أوجه تخدم تلك العبلقات وتمتنها وتربطها ببعضها‬
‫البعض حٌث حصر " النورسً " هذه العبلقات فً ثبلثة مظاهر تمثلت فً ‪:‬‬

‫المظهر األول ‪ :‬األخوة بٌن الطبلب وبٌنه‬

‫المظهر الثانً ‪ :‬كزمبلء فً الدرس‪.‬‬

‫المظهر الثالث ‪ :‬الذي تجلى فً نظر "النورسً" حول مساعدتهم له وإعتبارهم كؤصحاب‬
‫شورى من جهة أخرى‪.‬‬

‫من خبلل هذه الصٌاؼة الن ورسٌة نبلحظ ونستنتج أن ثنابٌة العبلقة بٌن الشٌخ والمرٌد‬
‫ومبلحظاتنا فً كثٌر من الدراسات الصوفٌة إن لم نقل جلها تلك الثنابٌة ذات الصبؽة‬
‫السلطوٌة التً تحمل فً طٌاتها تلك السلطة الروحٌة والمعنوٌة للشٌخ ‪ ،‬وما على المرٌد إال‬
‫اإلذعان والخضوع واإلنصٌاع للشٌخ ألوا مره ولئلرشاداته حتى ٌحظى بالقبول وأن ٌبتعد‬
‫‪- 310 -‬‬
‫عن التساإل والنقد وإال قوبل بالرفض والتهمٌش واإلبعاد‪ ،‬فالمرٌد أشبه فً ذلك بما ٌكون‬
‫علٌه المٌت فً ٌد ؼساله ال ٌستطٌع أن ٌعارض شٌخه فً أي شًء بل علٌه أن ٌثبت العكس‬
‫حتى ٌنال تلك المرتبة أو الترقً فً مقام من حال إلى حال ومن مقام إلى مقام هكذا وبهذه‬
‫الشاكلة تتجسد ثنابٌة الشٌخ والمرٌد ذات الطابع السلطوي فً المجتمعات الصوفٌة‪ ،‬ؼٌر أن‬
‫"النورسً" تجاوز هذا النموذج السلطوي بؤسلوب وبمنهج جعله متمٌزا عن ؼٌره من‬
‫الشٌوخ والصوفٌة وكسر تلك الثنابٌة التقلٌدٌة المعهودة لدى شٌوخ الطرق الصوفٌة بصفة‬
‫عامة والتً تتمثل فً الشٌخ اآلمر والناهً والمرٌد المنصاع لشٌخه وتلبٌة مطالبه ‪ ،‬أعاد‬
‫هٌكلة هاته العبلقة بٌن الشٌخ والمرٌد ‪ ،‬حتى أنه ال ٌستعمل لفظ الشٌخ والمرٌد وإنما إعادة‬
‫صٌاؼة هاته الثنابٌة شكبل ومضمونا لفظا وإحتواءا بمعنى األستاذ والطالب وكٌؾ ؼٌر وجدد‬
‫هذه الثنابٌة التقلٌدٌة ذات العبلقة الرأسٌة أو العمودٌة إلى ثنابٌة تقوم على عبلقة أفقٌة تتعدد‬
‫فً عبلقاتها إلى األخوة والزمالة وإلى أصحاب شورى‪ .‬حٌث ٌقول النورسً فً هذا الشؤن‬
‫حول العبلقات بٌن األستاذ والطالب‬

‫« سأبي ف لكـ كجية نظرم بما يفيدكـ حكؿ العبلقات القائمة بيف األستاذ‬
‫كالطبلب كزمبلء الدرس كىي ‪ :‬أنتـ يا إخكاني كيا طبلبي بما ىك فكؽ حدم مف جية كزمبلئي في الدرس‬
‫مف جية أخرل ‪ ،‬كمساعدم كأصحاب شكرل مف جية أخرل ‪ ،‬إف أستاذكـ ليس معصكما مف الخطأ ‪ ،‬بؿ‬
‫مف الخطأء اإلعتقاد أنو ال يخطئ»‪.1‬‬

‫وفً موضع آخر ٌشٌر بقوله إلى ماٌلً ‪:‬‬

‫« إنني أسر إف نبيتمكني بكؿ صراحة ألم خطأ تركنو عندم بؿ أقكؿ ‪ :‬ليرض‬
‫ا﵀ عنكـ إذا قمتمكه لي بشدة‪ ...‬إنني مستعد لقبكؿ أية حقيقة كانت يفرضيا الحؽ‪ ،‬كاف كنت أجيميا كال‬
‫أعرفيا فأقبميا كأضعيا عمى العيف كالرأس كال أناقشيا كاف كانت مخالفة ألنانية النفس األمارة‪ ...‬إعممكا أف‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المبلحق فً فقه الدعوة إلى النور ‪ ،‬ص ‪.34‬‬
‫‪- 311 -‬‬
‫ىذه الكظيفة اإليمانية كفي ىذا الكقت جميمة كميمة فبل ينبغي لكـ أف تضعكا ىذا الحمؿ الثقيؿ عمى كاىؿ‬
‫شخص ضعيؼ مثمي كقد تشتت فكره بؿ عميكـ معاكنتو قدر المستطاع»‪.1‬‬

‫وما ٌمكن إستخبلصه من هاته الهٌكلة النورسٌة هو أن الخدمة اإلٌمانٌة ال ٌتوقؾ على الشٌخ‬
‫أو األستاذ فقط وإنما ٌتعدى ذلك بكونه عملٌه تفاعلٌة بٌن األستاذ والطالب بطرٌقة أفقٌة ذات‬
‫أثر رجعً ولٌس بطرٌقة عمودٌة تتمٌز بالسٌطرة الروحٌة تلك التً تجسدها ثنابٌة المشٌخة‬
‫التقلٌدٌة بل تتجاوزها من أجل الوصول إلى حقابق وفق تنظٌم وتصوٌر هذا الثنابٌة كعملٌة‬
‫تفاعلٌة أفقٌة بناءة تخدم الحقابق اإلٌمانٌة‪.‬‬

‫كما أشار " النورسً " إلى ما ٌجب أن ٌتوفر فً الشٌوخ الحالٌٌن هوقوله ‪:‬‬

‫« ما تطمب مف الشيكخ الحالييف اإلخبلص الذم يترنمكف بو دكما ‪ ،‬الجياد‬


‫األكبرالذيف يرابطكف في التكايا التي ىي معسكرات معنكية بالطريقة التي ىي جندية ركحانية فييا ‪ ،‬كترؾ‬
‫إلتزاـ النفس كترؾ المنافع الشخصية الذم ىك معنى الزىد ‪ ،‬الذم ىك شعارىـ كالمحبة التي يدعكنيا كىي‬
‫‪2‬‬
‫جكىر مزاج اإلسبلـ ىاىـ قد أخذكا منا أجرتيـ بإستخدامنا فاآلف نطالبيـ بالعمؿ كىكديف في رقابيـ»‬

‫كٌؾ ٌكونون ؟ فكان جوابه كالتالً‪:‬‬

‫« إما أف يكلكا كينصرفكا عنا أك يرفعكا العناد كالغيبة كاإلنحياز فيما بينيـ ألف قسما‬
‫‪3‬‬
‫مف المتشيخيف المبتدعيف قد تسببكا في تشكيؿ فرؽ مف أىؿ البدع كالضبللة»‬

‫كٌؾ ٌتفقوا وأن ٌتحدوا فٌما بٌنهم وبعضهم ٌنكر على بعض ؟ ٌخاطبهم النورسً بما ٌؤتً ‪:‬‬

‫« أييا الحمقى أما سمعتـ أك أما عممتـ أف اآلية إنما المؤمنكف إخكة نامكس إليي‬
‫كىؿ تعاميتـ عف الدستكر النبكم الشريؼ ال يؤمف أحدكـ حتى يحب ألخيو ما يحب لنفسو»‪.4‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المبلحق فً فقه الدعوة إلى النور ‪ ،‬ص ‪.39‬‬
‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬صٌقل اإلسبلم ‪ ،‬ص ‪.199‬‬
‫‪ -3‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.199‬‬
‫‪ -4‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪199‬‬
‫‪- 312 -‬‬
‫ما الفرق بٌن الشٌخ الولً والمتشٌخ المدعً للوالٌة؟ كان جوواب النورسً كالتالً‪:‬‬

‫« إف كاف ىدؼ الشخص كغايتو اإلتحاد بضياء القمب كنكر الفكر ككاف مسمكو‬
‫المحبة كشعاره ترؾ حب الذات كاألنانية ككا مشربو إنكار الذات كطريقتو الحمية اإلسبلمية ربما يككف‬
‫شيخا مرشدا حقا ‪ ،‬كلكف إذا كاف مسمكو إظيار مزياه بتنقيص اآلخريف كيمقف محبتو – إلى مريديو‪-‬‬
‫بخصكمة اآلخريف كينحاز إلى نفسو كيمتزـ جانبيا مما يستمزـ اإلختبلؼ ‪ ،‬ككاف يظير أف محبتو متكقفة‬
‫عمى خصكمة اآلخريف مما ينتج الغي بة كالميؿ إلييا فما ىك إال متشيخ يتطمع إلى الرئاسة ‪ ،‬فبل ينتيي بو‬
‫األمر إال إلى جعؿ الديف كسيمة لجر مغانـ الدنيا ‪ ،‬أك منخدع بمذة منحكسة مشؤكمة أك بإجتياد خطأ‬
‫يجعمو يحسف الظف بنفسو كتفتح طريؽ سكء الظف في المشايخ الكراـ كالذكات المباركة» ‪.1‬‬

‫ولعل الدراسة الت ً قدمها الباحث األنثربولوجً المؽربً "عبد هللا حمودي" لثنابٌة الشٌخ‬
‫والمرٌد تجسد ما أشار إلٌه النورسً ومن جهة أخرى تختلؾ عما صاؼه النورسً حول‬
‫هذه العبلقة وكٌؾ حللها من منظوره ‪ ،‬سؤورد بإختصار حول ثنابٌة الشٌخ والمرٌد من خبلل‬
‫ما توصل إلٌه الباحث "عبد هللا ح مودي" من خبلل إستؽبلل السلطة الروحٌة الدٌنٌة من أجل‬
‫سلطة سٌاسٌة أو إقتصادٌة وكٌؾ تتجسد عبلقة المرٌد بالشٌخ‬

‫إن عبلقة الشٌخ والمرٌد تبدأ بمرحلة زهد المرٌد فً البداٌة بالتخلً عن كل مظاهر الحٌاة‬
‫المادٌة‪ ،‬حتى ٌصٌر المرٌد زاهدا ثم ولٌا‪ .‬ولحصول ذلك البد له‬

‫« مف المركر بمرحمة المجاىدة النفسية كالتربكية‪ .‬كتنقسـ مرحمة التربية بكاسطة الشيخ‬
‫إلى مرحمتيف‪ :‬مرحمة التأىيؿ‪ :‬تبدأ بقطع الصمة بالكالديف‪ ،‬كيترجـ ذلؾ عمميا بالتخمي عف كؿ القيـ الدنيكية‬
‫ك مرحمة التمقيف‪ :‬إذا كانت مرحمة التأىيؿ بمثابة عممية نفي لمفضاءات كاألمكنة كاألزمنة الدنيكية »‪.2‬‬

‫فإن مرحلة التلقٌن ٌتم عبرها تخرٌب كل قوى النفس والشهوات الؽرابزٌة؛ فتسهل السٌطرة‬
‫والتحكم فً الذات‪ .‬إنها أساس المجاهدة التربوٌة والروحٌة‪ ،‬وعبرها ٌرث المرٌد إرث وسر‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬صٌقل اإلسبلم ‪ ،‬ص ‪.191 - 199‬‬


‫‪ -2‬عبد هللا حمودي‪ ،‬الشيخ والمريد ‪ ،‬تر‪. :‬عبدالمجٌد جحفة‪ ،‬دار توبقال للنشر ‪،‬الدار البٌضاء‪ ،‬المؽرب ‪،‬ط‪،9.‬‬
‫‪9111‬م ‪ ،‬ص ‪.441‬‬
‫‪- 313 -‬‬
‫شٌخه من جهة والٌته؛ ومن جهة أخرى ٌعٌد إنتاج نمط حٌاة الشٌخ وسلوكه إزاء نفسه‬
‫واآلخرٌن‪.‬إن المرور من مرحلة التؤهٌل إلى مرحلة التلقٌن بمثابة محطة أساسٌة فً أدبٌات‬
‫الزواٌا‪ .‬فعبر هذا المرور ٌسلم المرٌد إرادته لشٌخه لكً ٌرث سره‪ .‬وهكذا ٌرث المرٌد سر‬
‫شٌخه‪ ،‬فٌبدأ فً إعادة تكرار نموذج هذا الشٌخ سلوكه‪ ،‬سلطته‪ ..‬لٌعٌد الشٌخ الجدٌد نفس‬
‫الدور القدٌم‪ .‬وهكذا تعمل ثنابٌة الشٌخ والمرٌد على تكرٌس السلطوٌة‪ ،‬والحفاظ على نسقها‬
‫عبر عملٌة إعادة إنتاج نفس الدور‪.‬‬
‫نموذج الشٌخ والمرٌد قد أعٌد تمثله حٌث حسب الباحث عبد هللا حمودي ‪:‬‬

‫« إنتقؿ نسقيا مف المجاؿ الديني إلى المجاؿ السياسي بعد أف كسعت مراقبتيا‬
‫لتشمؿ النشاط الحربي كالمدني كالسياسي كاإلقتصادم»‪.1‬‬

‫مما ٌمثل كذلك ذلك التقاطع بٌن الثقافة الدٌنٌة الصوفٌة بالثقافة السٌاسٌة و التنظٌمٌة التقاطع‬
‫من خبلل العبلقة التً تربط بٌن الشٌخ و المرٌد المتمثلة أساسا فً التحكم و الخضوع و التً‬
‫أسقطها على النسق السٌاسً و تنظٌماته‬ ‫قد تبلػ حد اإلذالل فعبلقة الشٌخ و المرٌد‬
‫كاألحزاب و النقابات و الحركات اإلسبلمٌة‪.‬‬

‫ومن خبلل التحلٌل النفسً نعتبر أن ٌقول الشٌخ لمرٌده بؤسلوب الوعً والبلوعً‪ :‬مهمتك‬
‫اإلستقبال والدفاع ‪ ،‬إستقبال مشروعً و الدفاع عن رأي ومن وجهة نظر التحلٌل النفسً‪:‬‬
‫األنا تصل الى درجة التضخم "النرجسٌة القوٌة" –انا وبعدي الطوفان‪ -‬اآلخر جحٌم ‪،‬‬
‫ممارسة االفتراسٌة "السادٌة "على من ال ٌقبل الطاعة وممارسة االبوة والحضانة المعرفٌة‬

‫فالعبلقة القابمة بٌن الشٌخ والمرٌد محكومة باألبوة المطلقة التً ٌدعٌها الشٌخ فً عبلقاته‬
‫بمرٌدٌه هً نفسها التً ٌمارسها الزعٌم فً عبلقاته برعاٌاه‪.‬‬

‫لكن هذا المفهوم عند "النورسً" فٌما ٌخص هذه الثنابٌة المتمثلة فً عبلقة الشٌخ بالمرٌد‬
‫أنها تتمٌز بالتسامً عن هذه النعرة‪ ،‬بل ٌتسامى إلى البعد الرمزي لؤلفكار التً تتضمنها‬

‫‪ -1‬عبد هللا حمودي‪ ،‬الشيخ والمريد ‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبدالمجٌد جحفة ‪ ،‬دار توبقال للنشر ‪ ،‬الدار البٌضاء ‪ ،‬المؽرب‬
‫‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪9141 ،‬م ‪ ،‬ص‪.99‬‬
‫‪- 314 -‬‬
‫رسابل النور والتركٌز واإلهتمام والحرص على ضرورة التربٌة الروحٌة وبالتالً البناء‬
‫الروحً حتى ولو كان فً شخصه ومن خبلل هذا نبلحظ ونستنتج أن عملٌة التسامً عن‬
‫التفاخر وعن إظهار الذاتٌة وبالتالً نرجسٌة الشٌخ قد تجاوزها لٌجعل التبشٌر أهم ؼاٌة‬
‫تسعى إلٌ ها الدعوة وإن دل هذا المفهوم فإنما ٌدل على أهمٌة أخلقة العمل الدعوي من جهة‬
‫ومن زاوٌة أخرى دفع التهم التً توجه إلى مجاله الدعوي وبهذا النموذج تتجسد أخلقة العمل‬
‫اإلسبلمً وإبعاد الذاتٌة ومن خبلل هذا تكون مركزٌة الزعامة ومركزٌة المشٌخة وبالتالً‬
‫إستثمارها بما ٌتناسب وٌوافق الشرع ‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬معانً المعجزة والكرامة‬


‫الفرع األول ‪ :‬المعنى اللؽوي للمعجزة والكرامة‬
‫معن المعجزة في اللغة ‪:‬‬

‫« بفتح الجيـ ككسرىا – مفعمة مف العجز‪ ،‬كىك عدـ القدرة»‪.1‬‬

‫مكضع اإلطاعة‪ ،‬كالغارة‬ ‫« الكرامة إسـ يكضع لئلكراـ‪ ،‬كما كضعت الطاعة‬
‫مكضع اإلغارة‪ ،‬كالمكرـ‪ :‬الرجؿ الكريـ عمى كؿ أحد‪ ،‬كيقاؿ‪ :‬كرـ الشيء الكريـ كرما‪ ،‬ككرـ فبلف عمينا‬
‫‪2‬‬
‫كرامة»‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬المعنى اإلصطبلحً المعجزة والكرامة‬

‫المعجزة في اإلصطالح‪:‬‬

‫« ما خرؽ ا لعادة مف قكؿ أك فعؿ‪ ،‬إذا كافؽ دعكل الرسالة أك قارنيا ‪ ،‬عمى جية‬
‫التحدم إبتداء ‪ ،‬بحيث ال يقدر أحد عمى مثميا ‪ ،‬كال عمى ما يقاربيا»‪.3‬‬

‫« أمر خارؽ لمعادة ‪ ،‬يظيره ا﵀ تعالى عمى يد كلي مف أكليائو تكريما لو أك نصرة‬
‫لديف ا﵀»‪.1‬‬

‫‪ -1‬إبن منظور ‪ ،‬لسان العرب ج‪5‬؛ دار صادر بٌروت ‪،‬الطبعة الثالثة ‪ 4141،‬هـ ‪ ،‬ص‪.936‬‬
‫‪ -2‬إبن منظور ‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.249‬‬
‫‪ -3‬د‪ .‬عمر األشقر‪ ،‬الرسل والرساالت ‪ ،‬مكتبة الفبلح‪ ،‬الكوٌت‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪4112 ،‬هـ ‪ ،‬ص‪494‬‬
‫‪- 315 -‬‬
‫تعاريف المعجزة ‪ٌ :‬عرفها العبلمة إبن خلدون كماٌلً ‪ :‬إذ قال ‪:‬‬

‫« خكارؽ مخصكصة كالصعكد إلى السماء‪ ،‬كالنفكذ إلى األجساـ كاحياء المكتى‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫كتكميـ المبلئكة‪ ،‬كالطيراف في اليكاء»"‬

‫أما الجرجانً فنجد تعرٌفه أكثر جبلء ووضوحا ٌقول ‪:‬‬

‫« الكرامة ىي ظيكر أمر خارؽ لمعادة مف قبؿ شخص غير مقارف لدعكل النبكة‪ ،‬فما‬
‫‪3‬‬
‫ال يككف مقركنا باإليماف كالعمؿ الصالح يككف استدراجا‪ ،‬كما يككف مقركنا بدعكل النبكة يككف معجزة»‬

‫وٌقول ابن خلدون فً الكرامة‬

‫« كخكارؽ الكلي دكف ذلؾ كتكثير القميؿ كالحديث عف بعض المستقبؿ»‪.4‬‬

‫ٌقول الكبلباذي عن الكرامة ‪:‬‬

‫« كأجمعكا عمى إثبات كرامات األكلياء كاف كانت تدخؿ في باب المعجزات‬
‫كالمشي عمى الماء‪ ،‬ككبلـ البيائـ كطي األرض‪ ،‬كظيكر الشيء في غير مكضعو ككقتو‪ ،‬كقد جاءت‬
‫‪5‬‬
‫األخبار بيا كصحت الركايات كنطؽ بياالتنزيؿ‪».‬‬

‫الفرع الثالث ‪ :‬الفرق بين المعجزة والكرامة‬

‫إنما سمٌت المعجزات ‪ ،‬إلعجاز الخلق عن اإلتٌان بمثلها فمن أثبت من ذلك شًءا لؽٌر‬
‫األنبٌاء علٌهم السبلم فقد ساوى بٌنهم ولم ٌفرق بٌن األنبٌاء وبٌنهم‪.‬هناك فرق بٌن األنبٌاء‬

‫‪ -1‬محمد بن صالح عثمٌن ‪ ،‬مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن عثيمين ‪ ،‬ج‪ ، 4‬محقق ‪ :‬فهد بن ناصر‬
‫بن إبراهٌم السلٌمان ‪ ،‬دار الوطن للنشر ‪ 4149 ،‬هـ ‪ ،‬ص ‪.944‬‬
‫‪ -2‬إبن خلدون ‪ ،‬تارٌخ العبلمة ‪ ،‬ج‪،2‬ص ‪432‬‬
‫‪ -3‬الجرجانً –التعرٌفات ‪.451‬‬
‫‪ -4‬إبن خلدون ‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ج‪،2‬ص ‪.432‬‬
‫‪ -5‬الكبلباذي ‪ ،‬التعرف لمذهب أهل التصوف ‪ ،‬ص ‪.55-54‬‬
‫‪- 316 -‬‬
‫وهناك فرق بٌن المعجزة والكرامة وهذه اإلختبلفات حسب ما ذكره الصوسً فً كتابه‬
‫"اللمع" حٌث حدد تلك الفروق كماٌلً ‪:‬‬

‫« األنبياء مستعبدكف إلظيار ذلؾ لمخمؽ كاإلحتجاج بيا عمى مف يدعكنيـ إلى ا﵀‬
‫تعالى ‪ ،‬فمتى كتمكا ذلؾ فقد خالفكا ا﵀ في كتمانيا ‪ ،‬كاألكلياء مستعبدكف بكتماف ذلؾ عف الخمؽ‬
‫كاف أظيركا مف ذلؾ بشيء لمخمؽ إلتخاذ الجاه عنيـ فقد خالفكا ا﵀ كعصكه بإظيار ذلؾ‪.‬كالكجو‬
‫اآلخر في الفرؽ بينيـ كبيف األنبياء ‪ ،‬أف األنبياء عمييـ السبلـ يحتجكف بمعجزاتيـ عمى المشركيف‬
‫ألف قمكبيـ قاسية ال يؤمنكف با﵀ عز كجؿ كاألكلياء يحتجكف بذلؾ عمى نفكسيـ كي تطمئف كتكقف‬
‫كال تضطرب كال تجزع عند عند فكت الرزؽ ألنيا أمارة بالسكء جاحدة ‪ ،‬مشركة مجبكلة عمى الشؾ‬
‫ليس عندىا يقيف بمف ضمف ليا خالقيا مف الرزؽ كذكر القسـ عمييا»‪.1‬‬

‫وهناك من ٌربط أنه كلما كانت له كرامات كثٌرة كان داال على صلحهم وعلى قوة‬
‫إٌمانهم وأشار الطوسً إلى هاته الحقٌقة حٌث ٌقول ‪:‬‬

‫« كالكجو اآلخر في الفرؽ بينيـ كبيف األنبياء عمييـ السبلـ ‪ ،‬األنبياء كمما زادت‬
‫معجزاتيـ ككثرت يككنكا أتـ لمعانييـ كأثبت لقمكبيـ كما كاف بنبينا عميو الصبلة كالسبلـ قد أعطى جميع‬
‫ما أعطي لؤلنبياء عم ييـ السبلـ مف معجزات ثـ زيادة أشياء أخرل لـ يعط أحد غيرىا مثؿ المعراج ‪،‬‬
‫إنشقاؽ القمر كنبع الماء مف بيف أصابعو‪ .‬فاألنبياء عمييـ السبلـ ‪ ،‬فاألنبياء كمما زيدت ليـ مف‬
‫المعجزات يككف أتـ لمعانييـ كفضميـ كىؤالء الذيف ليـ الكرامات مف األكلياء كمما زيدت كراماتيـ يككف‬
‫كجميـ أكثر كخكفيـ أكثر حذ ار مف أف يككف في ذلؾ مف المكر الخفي ليـ كاإلستدراج كأف يككف ذلؾ‬
‫نصيبيـ مف ا﵀ عز كجؿ سببا لسقكط منزلتيـ عند ا﵀ عز كجؿ»‪.2‬‬

‫ومنه ٌمكن أن نستخلص أنه هناك فروق كثٌرة بٌن المعجزة والكرامة من بٌنها ‪:‬‬

‫‪ -1‬أبً نصر السراج الطوسً ‪ ،‬اللمع ‪ ،‬تحقٌق‪ :‬عبد الحلٌم محمود وطه عبد الباقً سرور‪ ،‬دار الكتب الحدٌثة‬
‫ومكتبة المثنً‪ ،‬مصر بؽداد ‪4631 ،‬م ‪ ،‬ص ‪969‬‬
‫‪ -2‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.961‬‬
‫‪- 317 -‬‬
‫‪ -4‬أن المعجزة مبنٌة على اإلظهار واإلشهار ‪ ،‬وأن صاحبها (وهو النبً) مؤمور بإظهارها ‪،‬‬
‫بٌنما الكرامة مبناها على الكتم والستر ‪ ،‬وصاحبها (وهو الولً) مؤمور بكتمانها ‪.‬‬
‫‪ -9‬المعجزة تكون مقرونة بالتحدي وبدعوى النبوة ‪ ،‬أما الكرامة فؽٌر مقرونة بالتحدي ‪،‬‬
‫وال بدعوى فضٌلة وال منزلة عند هللا‪.‬‬
‫‪ -9‬ثمرة المعجزة تعود بالنفع والفابدة على الؽٌر ‪ ،‬والكرامة فً الؽالـب خاصة بصاحبها‪.‬‬
‫‪ -1‬المعجزة تكون بجمٌع خوارق العادات ‪ ،‬والكرامة تختص ببعضها‪.‬‬
‫‪ -2‬المعجزات خاصة باألنبٌاء ‪ ،‬والكرامات تكون لؤلولٌاء‪.‬‬
‫‪ -3‬األنبٌاء ٌحتجون بمعجزاتهم على المشركٌن ألن قلوبهم قاسٌة ‪ ،‬واألولٌاء ٌحتجون‬
‫بالكرامة على نفوسهم حتى تطمبن وتوقن وال تضطرب ‪.‬‬

‫« إف في أمة محمد عميو الصبلة كالسبلـ مف ال يرل ذلؾ حاال أك مرتبة كال‬
‫كرامة يرل ذلؾ إختبا ار كمحنة مكضكعة عمى طرؽ األصفياء كالمخصكصيف مف أكليائو ‪ ،‬فيـ يخشكف‬
‫مف ذلؾ إف ظير ليـ سقكط منزلتيـ عند ا﵀ تعالى كنككصيـ عمى عقبيـ كنزكليـ عف درجتيـ كال يعدكف‬
‫مف ركف إلى ذلؾ كرضى بو حاال أنو مف أىؿ التصكؼ»‪.1‬‬

‫نخلص إلى أن األنبٌاء بالمعجزة‪ ،‬واألولٌاء بالكرامة‪ ،‬فاألنبٌاء‬ ‫إذن ٌمكن القول أننا‬
‫ٌظهرون المعجزات داللة على نبوتهم حجة وبٌانا‪ ،‬واألولٌاء صفتهم وما ٌجعل الناس‬
‫ٌلبسونهم ثوب الوالٌة هو ما ٌصدر عنهم من كرامات ومن بٌنها إجابة الدعاء‪ .‬ونجد الكثٌر‬
‫ممن تناولوا هذا الموضوع ٌتصدر حدٌثهم تقدٌم المعجزة مما ٌجعلنا نقول أن المعجزة‬
‫أصل والكرامة فرع‬

‫الفرع الرابع ‪ :‬فوائد ودالالت الكرامة‬

‫إن من شروط الكرامة أن ٌكون من جرت على ٌده هذه الكرامة ملتزما باإلستقامة على‬
‫اإلٌمان ومتابعة الشرٌعة ‪ ،‬فإن كان عكس ذلك فالجاري على ٌده من الخوارق ٌكون من‬
‫األحوال الشٌطانٌة ‪ .‬كما ٌمكن عدم حصول الكرامة لبعض المسلمٌن وهذا لٌس معناه نقص‬

‫‪ -1‬ابً نصر السراج الطوسً ‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.966‬‬


‫‪- 318 -‬‬
‫فً إٌمانهم ‪،‬ألن الكرامة إنما تقع ألسباب منها تقوٌة إٌمان العبد وتثبٌته ‪،‬والدلٌل على ذلك‬
‫واقع الصحابة الكرام رضوان هللا علٌهم ولهذا لم ٌر كثٌر من الصحابة شٌبا من الكرامات‬
‫لقوة إٌمانهم وكمال ٌقٌنهم فهم لم ٌحتاجوا إلى الكرامات لتصدٌق اٌمانهم ألن الرسول علٌه‬
‫الصبلة والسبلم كان بٌن أضهرهم‪.‬‬

‫وكما أن الؽرض من المعجزة ٌكون فً المقام األول إلثبات صدق نبوة األنبٌاء‪ ،‬وأنهم‬
‫رسل من عند هللا‪ ،‬وعلى سبٌل المثال عدم إحراق النار سٌدنا إبراهٌم علٌه السبلم‬
‫وتحول عصا موسى علٌه السبلم إلى حٌة ‪ ،‬وإنشقاق القمر ونزول القرآن ‪ ،‬فإن القرآن‬
‫هو أعظم معجزة الرسول على اإلطبلق ‪ ،‬وكحنٌن الجذع ‪ ،‬ونبوع الماء من بٌن أصابعه ‪،‬‬
‫وؼٌر ذلك من المعجزات الكثٌرة ‪ .‬للرسول صلى هللا علٌه وسلم ‪ .‬إذن فالكرامة هً‬
‫محاكاة للمعجزة كانت منذ القدٌم وال تزال ‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬فوائد الكرامة‪:‬‬

‫قال العلماء ‪ :‬كل كرامة لولً ‪ ،‬فهً آٌة للنبً الذي إتبعه ‪ ،‬ألن الكرامة شهادة من هللا عز‬
‫وجل أن طرٌق هذا الولً طرٌق صحٌح وكذلك ‪:‬‬

‫« الكرامات تككف تأييدا أك تثبيتا أكاعانة لمشخص أك نص ار لمحؽ ‪ ،‬كليذا كانت‬


‫الكرامات في التابعيف أكثر منيا في الصحابة ‪ ،‬ألف الصحابة عندىـ مف التثبيت كالتأييد كالنصر ما‬
‫يستغنكف بو عف الكرامات ‪ ،‬فإف الرسكؿ عميو الصبلة كالسبلـ كاف بيف أضيرىـ ‪ ،‬كأما التابعكف فإنيـ‬
‫دكف ذلؾ كلذلؾ كثرت الكرامات في زمنيـ تأييدا كتثبيتا كنص ار لمحؽ الذم ىـ عميو»‪.1‬‬

‫فمن خبلل هذا ٌمكننا إستخبلص مجموعة من الفوابد التً تتضمنها الكرامة وتتمخض عنها‬
‫وهً كاآلتً ‪:‬‬

‫‪ -4‬بٌان قدرة هللا تعالى‪.‬‬


‫‪ -9‬نصرة الحق أو الدٌن ‪ ،‬أو تكرٌم الولً‪.‬‬

‫‪-1‬محمد بن صالح العثٌمٌن ‪ ،‬مجموع فتاوى ورسائل فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج‪،8‬‬
‫المحقق ‪ :‬فهد بن ناصر بن إبراهٌم السلٌمان ‪ ،‬دار الثرٌا للنشر والتوزٌع ‪ ،‬الرٌاض‪ ،‬ط‪4663 ،9‬م‪ ،‬ص ‪.391‬‬
‫‪- 319 -‬‬
‫‪ -9‬زٌادة اإلٌمان‪ ،‬والتثبٌت للولً الذي ظهرت على ٌدٌه‪.‬‬
‫‪ -1‬أنها من البشرى للولً‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬دالالت الكرامة‬

‫إن المراد بخوارق العادات ما ٌؤتً على خبلؾ العادة الكونٌة وبالتالً فإن هذا الكرامات‬
‫لها دالالت تتمٌز بها وتجعلها من خصوصٌاتها التً تمٌٌزها عن ؼٌرها هً كماٌلً ‪:‬‬

‫« بياف كماؿ كقدرة ا﵀ تعالى ‪ ،‬حيث حصؿ ىذا الخارؽ لمعادة بأمر ا﵀‬
‫تكذيب القائميف بأف الطبيعة ىي التي تفعؿ ىذا ‪ ،‬ألنو لك كانت الطبيعة ىي التي تفعؿ لكانت‬
‫الطبيعة عمى نسؽ كاحد ال تتغير ‪ ،‬فإذا تغيرت العادات كالطبيعة دؿ عمى أف لمككف مدب ار كخالقا‪.‬أنيا‬
‫‪1‬‬
‫آية لمنبي المتبكع كما أسمفنا أف فييا تثبيتا ككرامة ليذا الكلي»‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬أنواع الكرامة ‪:‬‬


‫إن الكرامة تتنوع وتتعدد وقد أشار إلى هذا التنوع ابن العثٌمٌن ٌرى أن أنواع الكرامة‬
‫تنقسم بورها إلى الى قسمٌن كالتالً ‪:‬‬

‫«القسم االول ‪ :‬قسم يتعمق بالعموم والمكاشفات كفيما يخص العمكـ ‪ :‬أف‬
‫يحصؿ لئلنساف مف العمكـ ما اليحصؿ لغيره كالمثاؿ الذم يجسد ذلؾ ما ذكر عف أبي بكر أف ا﵀ أطمعو‬
‫عمى ما في بطف زكجتو – الحمؿ‪ -‬أعممو ا﵀ أنو أنثى‪.‬أما المكاشفات فأف يظير لو مف األشياء التي‬
‫يكشؼ لو عنيا ما ال يحصؿ لغيره كمثاؿ ذلؾ ما حصؿ ألمير المؤمنيف عمر بف الخطاب ‪ ،‬حيث كاف‬
‫يخطب الناس يكـ الجمعة عمى المنبر ‪ ،‬فسمعكه يقكؿ يا سارية ! الجبؿ ! فتعجبكا مف ىذا الكبلـ ‪ ،‬ثـ‬
‫سألكه عف ذلؾ؟ فقال ‪ :‬إنو كشؼ لو عف سارية بف زنيـ كىك أحد قكاده في العراؽ‪ ،‬كأنو محصكر مف‬
‫عدكه ‪ ،‬فكجيو إلى الجبؿ كقاؿ لو يا سارية !الجبؿ ! فسمع سارية صكت عمر كانحاز إلى الجبؿ‬
‫كتحصف بو ‪ ،‬ىذه مف أمكر المكاشفات ألنو أمر كاقع ‪ ،‬لكنو بعيد‪.‬أما القسم الثاني ‪ :‬قسم آخر يتعمق‬

‫‪ -1‬محمد بن صالح العثٌمٌن‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.394‬‬


‫‪- 320 -‬‬
‫بالقدرة والتأثيرات فمثؿ ما كقع لمريـ عمييا السبلـ مف ىزىا لجذع النخؿ كتساقط الرطب عمييا ‪ .‬كمثؿ‬
‫‪1‬‬
‫ما كقع لمذم عنده عمـ مف الكتاب حيف قاؿ لسيدنا سميماف عميو السبلـ»‬

‫وم‬
‫َن تَقُ َ‬ ‫ِب ِو قَْب َل أ ْ‬ ‫ريت ِم َن ا ْل ِج ِّن أََنا َآ ِت َ‬
‫يك‬ ‫قوله تعالى فً قصة سٌدنا سلٌمان مع ملكة سبؤ ‪َ ﴿ :‬قا َل ِع ْف ٌ‬
‫إِلَ ْي َك طَْرفُ َك َفمَ َّما‬‫يك ِب ِو قَْب َل أَ ْن َيْرتَ َّد‬‫اب أََنا َآ ِت َ‬
‫ين قَا َل الَّ ِذي ِع ْن َدهُ ِع ْمم ِم َن ا ْل ِكتَ ِ‬
‫ٌ‬ ‫َم ٌ‬‫ي أِ‬‫ام َك َوِا ِّني َعمَ ْي ِو لَقَ ِو ٌّ‬‫ِم ْن مقَ ِ‬
‫َ‬
‫ش ُكُر ِل َن ْف ِس ِو َو َم ْن َك َفَر َفِإ َّن‬
‫ش َكَر َفِإ َّن َما َي ْ‬ ‫ض ِل َرِّبي لِ َيْبمُ َوِني أَأَ ْ‬
‫ش ُكُر أ َْم أَ ْكفُُر َو َم ْن َ‬ ‫ال َى َذا ِم ْن َف ْ‬ ‫ستَ ِقّارً ِع ْن َدهُ قَ َ‬‫َرَآهُ ُم ْ‬
‫ِ‬
‫يم ﴾‪.2‬‬ ‫َرِّبي َغن ٌّي َك ِر ٌ‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬موقع الكرامات عند النورسي‬

‫تحدث النورسً عن الكرامات لٌس إلظهارها وإنما كانت عبارة عن سإال وجه إلٌه حٌث‬
‫تضمن هذا السإال ماٌلً‪:‬‬

‫« ما دامت رسائؿ النكر ذات كرامة كتكرث قارئييا رقيا في إنكشاؼ حقائؽ‬
‫اإليماف أكثر مما تكرثو الطرؽ الصكفية ‪ ،‬بؿ إف قسما مف طبلبيا الصادقيف ىـ أكلياء صالحكف مف‬
‫جية ‪ ،‬فمماذا ال تشاىد فييـ مظاىر كأذكاؽ ركحية ككشفيات معنكية ككرامات مادية مممكسة كاألكلياء ‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫فضبل عمى أنيـ ال ييتمكف بمثؿ ىذه األمكر كال يتعقبكنيا ‪ ،‬فما الحكمة في ىذا؟»‬

‫فكان جواب النورسً حول هذا الموضوع بؤن عدم تعقبه هو وطبلبه لمثل هذه الكرامات‬
‫المادٌة إنما مرجعه ٌكمن فً سر اإلخبلص الذي ال ٌتحرى مقاصد دنٌوٌة وال ٌطلب هذه‬
‫األذواق بل لو طلبت لفسد اإلخبلص وقد تضمن جوابه ‪:‬‬

‫« أوال ‪ :‬إذ أف األذكاؽ كالكرامات المؤقتة في الدنيا تصبح مقصكدة بالذات لدل‬
‫أكلئؾ الذيف لـ يتمكنكا مف قير نفكسيـ األمارة بالسكء كتغدكا لدييـ ىذه األذكاؽ داعية لمقياـ بأعماليـ‬

‫‪ -1‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.399‬‬


‫‪ -2‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة النمل ‪ ،‬اآلٌة ‪.11-96.‬‬
‫‪ -3‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المبلحق فً فقه الدعوة إلى النور ‪ ،‬ص ‪.944‬‬
‫‪- 321 -‬‬
‫األخركية ‪ .‬كىذا مما يفسد اإلخبلص ‪ ،‬الف األعماؿ اآلخركية ال يتحرل فييا مقاصد دنيكية كال يسأؿ فييا‬
‫‪1‬‬
‫عف أذكاؽ بؿ لك طمبت فييا تمؾ األذكاؽ لفسد اإلخبلص »‬

‫وٌشٌر النورسً أٌضا إلى رإٌة أساسٌة وقضٌة هامة فً الفكر الصوفً وهً متداولة إلى‬
‫عصرنا الحالً وهو أن هاته الكرامات تستعمل لجذب المرٌدٌن ؼٌر أنها تعكس ذلك‬
‫النقص والضعؾ وإعتبارهم أنهم لم ٌبلؽوا مرتبة اإلٌمان التحقٌقً وٌإكد النورسً هذه‬
‫بقوله ‪:‬‬

‫« ثانيا ‪ :‬إف الكرامات كالكشفيات إنما ىي لبث الثقة في نفكس السالكيف في‬
‫الطريقة مف الناس العكاـ الذيف يممككف إيمانا تقميديا كلـ يبمغكا مرتبة اإليماف التحقيقي كىي أحيانا لتقكية‬
‫الضعفاء ممف تساكرىـ الشككؾ كالشبيات بينما الحجج التي تسكقيا رسائؿ النكر فيما يخص حقائؽ‬
‫اإليماف ال تدع مجاال في أم جية لدخكؿ الشبيات كاألكىاـ‪ .‬كما ال تدع داعيا لمكرامات كالكشفيات‬
‫لتطميف القمب كاإلقتناع فاإليماف التحقيقي الذم تمنحو رسائؿ النكر ىك أرفع بكثير مف الكرامات‬
‫كالكشفيات كاألذكاؽ‪ .‬لذا ال يتحرل طبلب النكر الحقيقيكف أمثاؿ ىذه الكرامات»‪.2‬‬

‫ومن بٌن ما أشار ألٌه النورسً كذلك هً المبادئ التً ٌتبعها طبلب النور أٌنما وجدوا هو‬
‫لٌس لنٌل مرتبة أو لنٌل مقاصد دنٌوٌة ونٌلها كما هو مؤلوؾ فً المسار الصوفً لكن‬
‫مبدبهم األسمى هو خدمة اإلٌمان خدمة مباشرة لنٌل رضا هللا وقبوله دون إستجبلب أو‬
‫جذب مرٌدٌن إلٌها عن طرٌق الكرامات وما شابه ذلك كما هو معروؾ فً الطرق‬
‫الصوفٌة وإنما تكون خدمة اإلٌمان نتٌجة إخبلصا هلل ولمرضاته‬

‫« ثالثا ‪ :‬إف أساسا مف أسس رسائؿ النكر ىك معرفة الشخص بقصكره في ق اررة‬
‫‪3‬‬
‫نفسو كاإلندفاع إلى خدمة اإليماف بتفاف إبتغاء لمرضاة ا﵀ كحده دكف اإللتفات إلى اآلخريف »‬

‫الفرع األول ‪:‬إختالف الكرامات بين طالب النور وأهل الطريقة من أصحاب‬
‫الكرامات‬

‫‪.944‬‬ ‫‪ -1‬نفس المصدر ‪ ،‬ص‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المبلحق فً فقه الدعوة إلى النور ‪ ،‬ص ‪.944‬‬
‫‪ - 3‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.944‬‬

‫‪- 322 -‬‬


‫ٌوضح النورسً فً هذا الصدد من خبلل موازنته للكرامات التً تخص طبلب النور‬
‫ومقارنتها بالتً هً موجودة عند أصحاب الطرق الصوفٌة أو أهل الطرٌقة من خبلل‬
‫النقاط التالٌة ‪:‬‬

‫أن الكرامات توجد المنافسة والحسد وتعمل على تكرٌسها فٌما بٌن أهل الطرق ومن جهة‬
‫أخرى قد تكون تدعً إلى أفضلٌة ولً على آخر بمجرد وجود هذه الكرامات التً تعتبر‬
‫عند البعض دلٌل على هاته األفضلٌة خاصة وذلك من جراء إنتشار الؽرور واألنانٌة فحٌن‬
‫أن هذا منعدم تماما عند طبلب النور وال ٌهتمون لمثل هذه الكرامات ٌقول النورسً ‪:‬‬

‫« بينما اإلختبلؼ المكجكد بيف أىؿ الطريقة مف أصحاب الكرامات كالمتمذذيف مف‬
‫الكشفيات ككجكد شيء مف الحسد كالمنافسة فيما بينيـ في ىذا العصر الذم عمت فيو األنانية كالغركركؿ‬
‫ذلؾ ساؽ أىؿ الغفمة إلى إساءة الظف بأكلئؾ الطيبيف المباركيف كاتياميـ بأنيـ أنانيكف كمف ىنا نرل لماذا‬
‫ال يسأؿ طبلب النكر الكرامات كالكشفيات لشخصيـ كلماذا ال يميثكف كراء تمؾ األمكر ككيؼ أف ىذا‬
‫‪1‬‬
‫الطكر ىك األلزـ ليـ كاألكجب عمييـ»‬

‫« مسمؾ رسائؿ النكر ال تعطي األىمية لمشخص حيث يكتفي الجميع بما نالت‬
‫رسائؿ النكر مف حيث المشاركة المعنكية كالفناء في اإلخكاف مف آالؼ الكرامات العممية كمف يسر في‬
‫نشرالحقائؽ اإليمانية ‪ ،‬كبما يجد أكلئؾ الطبلب مف بركة في معايشيـ كأمثاليا مف اإلكرامات اإلليية لذا‬
‫ال يفتشكف عف كماالت ككرامات أخرل شخصية»‪.2‬‬

‫« إف األ كلياء يستعذبكف مشاؽ األعماؿ كمصاعبيا كالمصائب كالببليا ‪ ،‬فبل‬


‫يشككف كال يتذمركف بؿ لسانيـ دائما يردد الحمد ﵀ عمى كؿ حاؿ‪ .‬كاذا كىب ا﵀ ليـ كرامة أك كشفا أك‬
‫نك ار أك ذكقا فإنيـ يتناكلكنو بأدب جـ كيعدكنو إلتفاتا كتكرما منو سبحانو كتعالى ‪ ،‬فيحاكلكف ستر الكرامة‬
‫كاخفاؤىا كال يظيركنيا كال يتفاخركف بيا ‪ ،‬بؿ يسارعكف إلى زيادة شكرىـ كتعميؽ عبكديتيـ ‪ ،‬ككثيركف‬
‫منيـ يجأركف إلى ا﵀ أف يحجب ىذه األحكاؿ عنيـ كيحجبيـ عنيا كيتمنكا ذىابيا كاختفائيا خكفا مف أف‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المبلحق فً فقه الدعوة إلى النور ‪ ،‬ص ‪.949‬‬
‫‪ -2‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.949.949‬‬
‫‪- 323 -‬‬
‫يتعرض اإلخبلص في عمميـ لمخمؿ‪.‬حقا إف أفضؿ نعمة إليية يمكف أف يناليا شخص مقبكؿ عند ا﵀‬
‫ىي التي تكىب لو مف دكف أم يشعر بيا ‪ ،‬لكي ال يتحكؿ مف حاؿ التضرع كالدعاء إلى حاؿ اإلدالؿ‬
‫‪1‬‬
‫بعباداتو كطمب األجر عمييا ‪ ،‬كلئبل يتحكؿ مف مكقع الشكر كالحمد إلى مكقع الدؿ كالفخر»‬

‫كما ٌشٌر النورسً فً موضع آخر حول الكرامات فٌقول ‪:‬‬

‫« إف تمؾ الكرامات ال تعكد لي كليس مف حدم أف أككف صاحب تمؾ الكرامات ‪،‬‬
‫بؿ ىي لرسائؿ النكر التي ىي ترشحات مف العجزة المعنكية لمقرآف الكريـ كلمعات منيا كتفسيرحقيقي لو‪،‬‬
‫متخذة شكؿ الكرامات‪ ،‬مف أجؿ تقكية الركح المعنكية لطبلب النكر فيي نكع مف اإلكرامات اإلليية‬
‫كاظيار اإلكراـ اإلليي شكر كىك جائز كمقبكؿ أيضا»‪. 2‬‬

‫وٌضٌؾ النورسً فً موضع آخر قاببل ‪:‬‬

‫« إف حقيقة اإلخبلص تمنعني عف كؿ ما يمكف أف يككف كسيمة إلى كسب شيرة‬


‫تأثير سيئا في خدمة النكر إال أنني‬
‫ا‬ ‫لبمكغ مراتب مادية كمعنكية ‪ ،‬نعـ إنو عمى الرغـ مف أف ىذا يؤثر‬
‫أرل أف إرشاد عشرات مف الناس إرشاد خادـ لحقائؽ اإليماف إرشادا خالصا حقيقيا كتعميميـ أف حقائؽ‬
‫اإليماف تفكؽ كؿ شيئ أىـ مف إرشاد ألؼ مف الناس بقطبية عظيمة ‪ .‬ألف النكعية تفضؿ عمى الكمية‬
‫‪ ...‬لذا أرجح اإلتصاؼ بالخدمة عمى نيؿ المقامات حتى إنني قمقت كدعكت ا﵀ مف أف ال يصيب‬
‫شيء»‪.3‬‬

‫كما أشار "النورسي" فً مإلفه اللمعات فٌما ٌخص الكرامة مسترشدا بقول اإلمام الربانً‬
‫أحمد الفاروقً السرهندي بقوله ‪:‬‬

‫« إف إنكشاؼ مسألة صغيرة مف مسائؿ اإليماف ليك أفضؿ في نظرم مف مئات مف‬
‫األذكاؽ كالكرامات»‪.4‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.259‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.924‬‬
‫‪ -3‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.934-933‬‬
‫‪ -4‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬ص ‪.241‬‬
‫‪- 324 -‬‬
‫ٌقول النورسً ‪:‬‬

‫« إف الذيف يرغبكف في سمكؾ طريؽ الكالية كالطريقة إف كانكا يرغبكف في تناكؿ‬


‫بعض الثمرات الجانبية لمكالية ‪ ،‬أمثاؿ المذات المعنكية أك الكرامات‪ ،‬كيتكجيكف إلييا كيطمبكنيا كيتمذذكف‬
‫بيا ‪ ..‬فإف ىذا يعني رغبتيـ في تناكؿ تمؾ الثمرات في ىذه الحياة الفانية كىي ‪ -‬إذا حصمت ليـ –‬
‫ثمرات فانية عمى أم حاؿ كاف‪ .‬كبذلؾ يفقدكف اإلخبلص في أعماليـ الذم بو ينالكف ثمرة الكالية‪ .‬كما‬
‫أنيـ يميدكف السبيؿ لفقداف الكالية نفسيا»‪.1‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬الكرامات النورسية ‪:‬‬

‫ذكر النورسً لكر اماته كان بسبب المضاٌقات التً كان ٌتعرض لها من قبل الناس‪ ،‬وكان‬
‫ٌتجنب الحدٌث فً هاته المسؤلة والبوح بها خشٌة اإلشعار بالؽرور واألنانٌة ٌقول ‪:‬‬

‫« إنني ما كنت أرغب مطمقا أف أكضح ىذه المسألة خشية اإلشعار بالغركر‬
‫كاألنانية ‪ ،‬كأكره أ ف أبكح بيا فيي ثقيمة عمي ‪ ،‬كلكف ألف أىؿ الدنيا تدكر األكىاـ كالشبيات في نفكسيـ‬
‫لدل سؤاليـ ‪ ،‬فيـ يسألكف ‪ :‬بماذا تعيش؟ ككيؼ تدار معيشتؾ دكف عمؿ؟ كنحف ال نقبؿ في ببلدنا‬
‫المتقاعديف الكسالى الذيف يقتاتكف عمى سعي اآلخريف كعمميـ؟‪.‬فكاف جكابو ‪ " :‬أنا أعيش عمى اإلقتصاد‬
‫كالبركة ‪ .‬ال أقبؿ مف غير رزاقي ا﵀ ‪ ،‬منة مف أحد كقررت أف ال أقبميا طكاؿ حياتي»‪.2‬‬

‫قد أوضحنا وتطرقنا إلى هاته النقطة فً سٌرة النورسً فً الفصل األول حٌث أنه منذ‬
‫الطفولة كان ٌرفض الزكاة وأموال المتصدقٌن بها ألطفال القرٌة التً كان بها‪.‬كما انه كذلك‬
‫فً مسٌرت ه السٌاسٌة وحتى اإلجتماعٌة فٌما بعد كان ٌرفض الهداٌا التً تقدم له ‪ ،‬حتى عند‬
‫تولٌه منصب فً دارالحكمة اإلسبلمٌة رفض الراتب الحكومً الذي خصصته له لمدة‬
‫سنتٌن‪ ،‬وعند إلحاح أصدقابه قبله بل أعطاه إلى إبن أخٌه " عبد الرحمن" لطبع ونسخ‬
‫رسابل النور ‪.‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.259‬‬


‫‪ -2‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.59‬‬
‫‪- 325 -‬‬
‫فكان بمثابة دستور فً حٌاته أن ال ٌقبل هدٌة أو صدقة من أحد مهما كانت ظروفه حتى فً‬
‫مرحلة نفٌه كان ٌرفض تلك الهداٌا التً ٌقدمها له أصدقابه ومحاوالتهم الشتى فً قبوله‬
‫لهدٌاهم إال انها جوبهت بالرفض من قبل النورسً‪.‬‬

‫فإذا قٌل ‪:‬فكٌؾ إذن تعٌش؟‬

‫« أعيش بالبركة كاإلكراـ اإلليي ‪ ،‬إال أنني في اإلرزاؽ أحظى بالبركة التي ىي‬
‫إكراـ إليي يمنح كرامة مف كرامات خدمة القرآف»‪.1‬‬

‫المطلب الرابع ‪ :‬نماذج من الكرامات عند النورسي‪:‬‬

‫ذكر النورسً بعض النماذج من الكرامات إضطرارا ولٌس بؽرض التشهٌر بها أو لكسب‬
‫وجذب مرٌدٌن ٌقول ‪:‬‬

‫« سأكرد نماذج منيا ‪،‬كذلؾ قياما بأداء الشكر المعنكم تجاه تمؾ النعـ التي‬

‫َما ِب ِن ْع َم ِة َرِّب َك فَ َحد ْ‬


‫ِّث ﴾‪ ،2‬كلكني رغـ ىذا أخشى أف يداخؿ ىذا‬ ‫أكرمني ا﵀ بيا كعمبل باآلية الكريمة ﴿ َوأ َّ‬
‫الشكر المعنكم شيء مف الرياء كالغركر ‪ ،‬فتمحؽ تمؾ البركة الربانية الطيبة ‪ ،‬إذ أف إظيار البركة‬
‫‪3‬‬
‫المخفية بإفتخار مدعاة إلنقطاعيا»‬

‫الكرامة األول ‪:‬‬

‫كان للنورسً كرامة الطعام ‪ ،‬حٌث كان ٌدوم لمدة قاربت السنة بالرؼم من قلته‬

‫« لقد كفاني في ىذه الشيكر الستة الماضية ستة كثبلثكف رغيفا قد خبز مف كيمة‬
‫‪4‬‬
‫مف الحنطة ‪ ،‬كال زاؿ الخبز باقيا ‪ ،‬كال أعرؼ متى ينفذ كقد داـ سنة كاممة »‪.‬‬

‫الكرامة الثانٌة ‪:‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.59‬‬


‫‪ -2‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة الضحى ‪ ،‬اآلٌة ‪.44‬‬
‫‪ -3‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.59‬‬
‫‪ -4‬الكٌلة مقٌاس قدٌم للوزن والحجم وهً تساوي ‪ 11‬لترا من الحبوب ‪.‬‬
‫‪- 326 -‬‬
‫« في ىذا الشير المبارؾ شير رمضاف ‪ ،‬لـ يأتيني طعاـ إال مف بيتيف إثنيف ‪،‬‬
‫كقد أمرضاني كبلىما ‪ ،‬ففيمت مف ىذا أنو ممنكع عمي طعاـ اآلخريف ‪ ،‬كلقد كفتني أكقية كاحدة مف‬
‫الرز كثبلثة أرغفة مف الخبز بقية أياـ شير رمضاف ‪ ،‬فالصديؽ الصادؽ "عبد ا﵀ جاكيش"‪ 1‬صاحب‬
‫البيت المبارؾ الذم يييء لي الطعاـ يشيد بيذا كيخبر بو ‪ ،‬بؿ إف الرز قد إستمر خمسة عشر يكما‬
‫آخر بعد شير رمضاف»‪. 2‬‬

‫الكرامة الثالثة ‪:‬‬

‫« لقد كفتنا أنا كضيكفي الكراـ أكقية كاحدة مف الزبد رغـ تناكلو يكميا مع‬
‫الخبز طكاؿ ثبلثة أشير في الجبؿ ‪ ،‬حتى كاف لي ضيؼ مبارؾ إسمو " سميماف" كقد أكشؾ خبزنا عمى‬
‫النفاذ ‪ ،‬ككنا في يكـ األربعاء‪ ،‬فقمت لو ‪ :‬إذىب إلى القرية كآت بالخبز‪ ،‬إذ ليس حكالينا أحد حتى مسافة‬
‫ساعتيف لنبتاع منو ‪ .‬فقاؿ ‪ :‬إني أرغب في أف أبيت معؾ ليمة الجمعة المباركة عمى قمة ىذا الجبؿ ‪،‬‬
‫ألتضرع معؾ إلى ا﵀‪ .‬فقمت‪ :‬تككمنا عمى ا﵀ ‪ .‬إذف إبؽ معي ‪.‬ثـ بدأنا بالسير معا حتى صعدنا قمة جبؿ‬
‫‪ ،‬رغـ أنو ال داعي كال مناسبة لذلؾ ككاف لدينا القميؿ مف الماء مع شيء مف الشام كالسكر قمت يا أخي‬
‫أعمؿ لنا قميبل مف الشام‪ ،‬فبدأ بالعمؿ كجمست أنا تحت شجرة قطراف ‪ ،‬أتأمؿ في مشاىدة كاد عميؽ‬
‫كأفكر بأسؼ كأسى ‪ :‬ليس لدينا إال كسرة مف الخبز متعفف ربما يكفينا لكمينا ىذا المساء ‪ ،‬كلكف كيؼ‬
‫باليكمييف التالييف ‪ .‬فماذا أقكؿ ليذا الرجؿ الطيب النقي السريرة ! كبينما أنا غارؽ في ىذا إذا برأسي كأنو‬
‫يدار إلى الشجرة فإلتفت كاذا بي أرل رغيفا كبي ار فكؽ شجرة القطراف ينظر إلينا بيف أغصانيا ‪ ،‬قمت ‪:‬‬
‫أبشر يا سميماف فقد أنعـ ا﵀ سبحانو عمينا برزؽ ‪ .‬فأخذنا الخبز مف الشجرة كفتشنا عف أثر مف آثار‬
‫الحيكانات كالطيكر عميو ‪ .‬كاذا بو سالـ مف أم تعرض كاف مف الحيكانات ‪ .‬فضبل عف انو لـ يصعد ىذا‬
‫الجبؿ منذ ثبلثيف يكما أحد مف الناس ‪ .‬فكفانا ذلؾ الرغيؼ يكميف ‪ .‬كما أف أكشؾ عمى النفاذ إذ بالرجؿ‬

‫‪ -1‬عبد هللا جاويش ‪ :‬كان أول ساع لبرٌد النور ‪ٌ ،‬حما المسودات من األستاذ النورسً وٌسٌر اللٌل كله بعٌدا‬
‫عن عٌون السلطة بٌن الجبال والودٌان لٌوصل ها إلى " الحافظ علً " لتبٌٌضها ومن ثم ٌعٌد المبٌضات منه إلى‬
‫األستاذ على الطرٌقة نفسها ‪ ،‬توفً سنة ‪4631‬م عن عمر ناهز خمسة وستون سنة رحمة هللا علٌه ‪.‬‬
‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.59‬‬
‫‪- 327 -‬‬
‫الصادؽ "سميماف"‪ 1‬الذم كاف صديقا صادقا طكاؿ أربع سنكات يصعد الجبؿ متكجيا نحكنا آتينا لنا‬
‫بالخبز »‪.2‬‬

‫الكرامة الرابعة ‪ :‬إن هذه السترة "الجاكٌت" قد إشترٌتها مستعملة قبل سبع سنوات ‪ .‬وكفت‬
‫أربع لٌرات ونصؾ اللٌرة ‪ :‬لمصارٌؾ خمس سنوات مضت للمبلبس والحذاء والجوارب‬
‫‪ ،‬فقد كفتنً البركة واإلقتصاد والرحمة اإللهٌة ‪ .‬وهناك أمثلة كثٌرة شبٌهة بهذأ‪ .‬إذ أن‬
‫للبركة اإللهٌة جهات شتى وال ٌردن فً خاطركم أنها أمثلة تدل على صبلحً ‪.‬‬

‫الكرامة الخامسة ‪ٌ :‬قول النورسً ‪:‬‬

‫« كانت لي دجاجة تجمب لي مف خزينة الرحمة اإلليية بيضة كاحدة يكميا في‬
‫ىذا الشتاء بإنقطاع قميؿ جدا‪.‬كذات يكـ كضعت بيضتيف معا ‪ ،‬فإحترت منيا ‪ ،‬فإستفسرت عف‬
‫أحبابي‪:‬ىؿ يحدث مثؿ ىذا في ىذا الشتاء؟ قالكا ربما ىي إحساف إليي‪.‬كاف ليذه الدجاجة فرخ في‬
‫الصيؼ ‪ .‬بدأ الفرخ بكضع البيض بداية شير رمضاف المبارؾ ‪ ،‬كاستمر الكضع طكاؿ أربعيف يكما ‪ ،‬فمـ‬
‫تبؽ لدم شبية كال لدل إخكتي الذيف يقكمكف بخدمتي مف أف ىذا الكضع المبارؾ لمبيض في ىذا الشتاء‬
‫كمف فرخ صغير ‪ ،‬في شير رمضاف ‪ ،‬إنما ىك إكراـ إليي ليس إال‪.‬ثـ إف الفرخ بدأ بالكضع حالما قطعتو‬
‫األـ فمـ يدعني دكف بيضة كالحمد ﵀»‪.3‬‬

‫ومما ٌمكن أن نستخلصه من خبلل قراءتنا لما ورد فً مإلفات النورسً لهاته الكرامات‬
‫فالبلفت لئلنتباه هو أنه ٌعتبرها إكرامات إلهٌة تستعدي الشكر‪ .‬على ؼرار ما أوردته بعض‬
‫الكتب الصوفٌه خاصة فٌما ٌخص الجانب الكرامة فً أنها تعلن عند أؼلب األولٌاء الذٌن‬
‫حصلت لهم هاته الكرامات بل ٌعملون على التشهٌر بها لجذب الناس إلٌهم والتباهً بها‬
‫وأنها تدل على األفضلٌة فكلما تعددت هاته الكرامات فإنها تدل على أفضلٌة من ٌملكها ‪.‬‬

‫‪ -1‬هو سلٌمان كرواجً من السابقٌن فً خدمة اإلٌمان ‪ ،‬كان مثاال للصدق والوفاء واإلخبلص توفً سنة‬
‫‪4632‬م رحمه هللا‪.‬‬
‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.51‬‬
‫‪ -3‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.52‬‬
‫‪- 328 -‬‬
‫لكن النورسً ٌإكد على مصطلح اإلكرام اإللهً بدل الكرامة وٌعتبر إظهار هذا اإلكرام‬
‫اإللهً هو شكر معنوي وإذا ما إرتقىت العناٌة إلى أعلى من اإلكرام ‪ ،‬فبل محالة أن تكون‬
‫كرامة قرآنٌة ‪ ،‬حٌث ٌقول النورسً ماٌلً ‪:‬‬

‫« قد حظينا بيا كاظيار كرامة مف ىذا النكع دكف إختيار منا كمف حيث ال نحتسب‬
‫كمف دكف عممنا ‪ ،‬ليس فيو ضرر ‪ ،‬كاذا ما إرتقت العناية فكؽ الكرامة اإلعتيادية ‪ ،‬فبل شؾ أنيا تككف‬
‫شعؿ اإلعجاز المعنكم لمقرآف الكريـ ‪ ،‬كلما كاف اإلعجاز ال بد أف يعمف عنو ‪ ،‬فإف إظيار ما يمده بالقكة‬
‫يككف في سبيمو أيضا ‪ ،‬كال يككف مبعث تفاخر كغركر أبدا ‪ ،‬بؿ مبعث حمد كشكر»‪.1‬‬

‫وٌعتبر النورسً أن هاته الكرامات أنها تمثلت فً تصوره على النحو التالً‪:‬‬

‫« أوال ‪ :‬كانما ىذه البركات ىي إحساف إليي إلى أصدقائي الضيكؼ‬


‫المخمصيف القادميف إلي ‪،‬ثانيا ‪ :‬أك أنيا إكراـ إليي لخدمة القرآف الكريـ ثالثا‪ :‬أك إنيا منافع مباركة‬
‫لئللتزاـ باإلقتصاد ‪.‬رابعا ‪ :‬أك أنيا رزؽ لقطط األربع التي تبلزمني ىنا كىي التي تذكر في ىريرىا ‪ :‬يا‬
‫رحيـ يارحيـ يا رحيـ فيي أرزاقيا تأتييا عمى صكرة بركة كأنا بدكرم أستفيد منيا نعـ إذ أنصت إلى‬
‫ىريرىا الحزيف تدرؾ جيدا أنيا تذكر ‪ :‬يا رحيـ يا رحيـ يا رحيـ» ‪.2‬‬

‫كما ٌشٌر إلى أن ‪:‬‬

‫« كرامات األكلياء أغمبيا ليست إختيارية ‪ ،‬فقد يظير منيـ أمر خارؽ لمعادة‬
‫مف حيث لـ يحتسبكا ‪ ،‬إكراما مف ا﵀ ليـ ‪ ،‬كأغمب ىذه الكشكفات كالكرامات يظير ليـ أثناء فترة السير‬
‫كالسمكؾ كعند مركرىـ في برزخ الطريقة ‪ ،‬كحينما يتجركف – إلى حد ما – مف حظكظ البشرية ينالكف‬
‫حاالت خارقة لمعادة»‪.3‬‬

‫كما ٌبٌن النورسً نقطة هامة فً مجال الكرامات وما مٌزانها من الشرع اإلسبلمً فٌفصل‬
‫هذا بقوله ‪:‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.145‬‬


‫‪ -2‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.51-59‬‬
‫‪ -3‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.39‬‬
‫‪- 329 -‬‬
‫« إف الكشفيات التي ال ضكابط ليا لقسـ مف األكلياء المستنديف إلى شيكدىـ‬
‫فقط ‪ ،‬ال تبمغ أحكاـ األصفياء كالمحققيف مف كرثة األنبياء الذيف ال يستندكف إلى الشيكد بؿ إلى القرآف‬
‫كالكحي ‪ ،‬فيصدركف أحكاميـ حكؿ الحقائؽ اإليمانية االسديدة ‪ ،‬فيي حقائؽ غيبية إال أنيا صافية ال‬
‫شائبة فييا ‪ ،‬كىي محدكدة بضكابط كمكزكنة بمكازيف ‪.‬إذف فميزاف جميع األحكاؿ الركحية كالكشفيات‬
‫كاألذكاؽ كالمشاىدات إنما ىك ‪ :‬دساتير الكتاب كالسنة السامية ‪ ،‬كقكانيف األصفياء كالمحققيف‬
‫الحدسية»‪.1‬‬

‫وفً موضع آخر ٌشٌر ‪:‬‬

‫« كلكني أقبؿ اإلكرامات الرحمانية القادمة مف حيت العناية اإلليية – كالبركة‪-‬‬


‫مف دكف أف نقصدىا كننكييا ‪ ،‬أقبميا بركحي ‪ ،‬بشرط عدـ تدخؿ النفس األمارة ‪،‬ذلؾ ألنيا عبلمة عمى‬
‫‪2‬‬
‫قبكؿ الخدمة كالرضى عنيا»‬

‫وهذا ما ٌجعلنا نستنتج أن الكرامات لها قسمٌن بمعنى حسٌة ومعنوٌة‪ ،‬وتعتبر هاته‬
‫األخٌرة هى األفضل عند أهل هللا‪ ،‬وهى كالمعرفة باهلل والخشٌة له ودوام المراقبة له‬
‫والمسارعة إلمتثال أمره وطاعته ‪ ،‬ودوام الثقة به‪ ،‬وصدق التوكل علٌه‪...‬إلخ‬

‫وقال الشٌخ أبو الحسن الشاذلى رضى هللا عنه‪:‬‬

‫« إنما ىما كرامتاف جامعتاف محيطتاف‪ :‬كرامة اإليماف بمزيد اإليقاف كشيكد‬
‫العياف‪ ،‬ككرامة العمؿ عمى اإلقتداء كالمتابعة كمجانبة الدعاكل كالمخادعة‪ ،‬فمف أعطييما ثـ جعؿ يشتاؽ‬
‫إلى غيرىما فيك عبد مفتر كذاب كذك خطأ فى العمـ كالعمؿ بالصكاب‪ ،‬كمف أكرـ بشيكد الممؾ عمى نعت‬
‫الرضا فجعؿ يشتاؽ إلى سياسة الدكاب كخمع الرضا‪ .‬ككؿ كرامة ال يصحبيا الرضا عف ا﵀ كمف ا﵀‬
‫فصاحبيا مستدرج مغركر أك ناقص أك ىالؾ مثبكر‪ .‬إف الكرامة المعنكية أف يكرمؾ ا﵀ بالتأثير فى ذاتؾ‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.412‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المبلحق فً فقه الدعوة إلى النور ‪ ،‬ص ‪.991‬‬
‫‪- 330 -‬‬
‫أكالن‪ ،‬كأف تمحك منيا كؿ النقائص ككؿ الشيكات‪ ،‬كىذا يؤىمؾ أف تؤثر فى غيرؾ كتأخذ بأيدييـ دكف‬
‫مشقة ليـ إلى معرفة الحؽ‪ ،‬كىذه ال يؤتاىا إال أكلك العزـ مف األكلياء» ‪.1‬‬

‫فمن وجهة نظره كل كرامه الٌصحبها الرضا من هللا وعن هللا والمحبه هلل ومن هللا‬
‫فصاحبها مستدرج مؽرور أو ناقص هالك مثبور‪.‬‬

‫نستنتج أن هللا تعالى إفترض على األولٌاء كتم الكرامات لببل ٌفتتن بها الخلق وأوجب على‬
‫األنبٌاء علٌهم الصبله والسبلم إظهارها بٌانا وبرهانا بالحق‪.‬‬

‫« الكرامة ثابتة نقبل كعقبل إذا ال يمكف أف تنكر الكرامة‪ ،‬ال مف كجو عقمي‪ ،‬كال‬
‫مف كجو نقمي‪ ،‬فيي ثابتة نقبل كعقبل ‪ ،‬كالنقؿ يتكافؽ مع العقؿ‪ ،‬كالعقؿ يتكافؽ مع النقؿ إف ىناؾ صك ار‬
‫كثيرة مف الكرامات قد أثبتيا القرآف الكريـ‪ ،‬كىناؾ أمثمة كثيرة مف الكرامات أثبتتيا األحاديث الصحيحة‬
‫صمَّى المَّو َعمَ ْي ِو َك َسمَّ َـ‪ ،‬كأف ىناؾ كرامات كثيرة كردت عف أصحاب رسكؿ ا﵀ صمكات ا﵀‬
‫عف رسكؿ ا﵀ َ‬
‫‪2‬‬
‫كسبلمو عميو‪ ،‬كرضكاف ا﵀ عمييـ»‪.‬‬

‫سنورد بعض الكرامات التً ذكرت فً القرآن الكرٌم بحٌث نعتبر الكرامة من األمور‬
‫ك فٌها نظرا لؤلدلة العقلٌة والنقلٌة‪ .‬وقد تضمن القرآن الكرٌم العدٌد‬
‫الثابتة قطعا والتً ال ٌش ّ‬
‫من الكرامات لكن سنورد البعض منها لٌس للحصر وإنما على سبٌل اإلستدالل لما جاء فً‬
‫القرآن من كرامات على األولٌاء والصالحٌن لما له عبلقة بما جاء فً هذا المطلب‪.‬‬

‫الفرع الثالث ‪ :‬نماذج من الكرامات الواردة في القرآن الكريم‬

‫أوال ‪ :‬قصة أهل الكهف من الكرامات التي وردت في كتاب هللا‪:‬‬

‫‪ -1‬أنظر الموقع اإللكترونً ‪ٌ http://ahbabalex.ahlamountada.com :‬وم ‪.9144-14-44‬‬


‫‪ٌ http://www.nabulsi.com-2‬وم ‪.9144-14-99‬‬
‫‪- 331 -‬‬
‫﴿ إَِّن ُي ْم ِفتْ َي ٌة َآ َمنُوا ِبَرِّب ِي ْم َو ِزْد َن ُ‬
‫اى ْم ُى ًدى ﴾‪ 1‬فروا من ظلم الملك الكافر الذي كان فً زمانهم‪﴿ .‬‬

‫ث ِم َئ ٍة‬
‫ف ﴾ فً بعض الجبال‪ ،‬فؤنامهم هللا لقوله تعالى‪َ ﴿ :‬وَل ِبثُوا ِفي َك ْي ِف ِي ْم ثََال َ‬
‫‪2‬‬ ‫فَأْووا إَِلى ا ْل َكي ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬

‫سعاً ﴾‪.3‬‬ ‫ين و ْازَد ُ ِ‬ ‫ِِ‬


‫ادوا ت ْ‬ ‫سن َ َ‬

‫هل هناك إنسان ٌنام ثبلثمبة سنة وتسع سنٌن؟ طبعا ال ٌوجد إذا فهذه كرامة‪ ،‬بٌنما لو أنهم‬
‫أنبٌاء لكانت معجزة‪ ،‬لو أنهم رسل لكانت معجزة‪ ،‬وبالتالً ما داموا لٌسوا بؤنبٌاء وال‬
‫برسل بل هم صالحون‪ ،‬طٌبون‪ ،‬مإمنون‪ ،‬فنومهم المدٌد كرامة لهم‪ ،‬وهذا النوم المدٌد‬
‫خرق من خوارق العادات‪ ،‬وقد أكرمهم هللا بذلك وهم فتٌة مإمنون‪ ،‬صالحون‪ ،‬ولٌسوا‬
‫بؤنبٌاء‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬كرامات السيدة مريم الصديقة عليها السالم‬

‫تعتبر قصة السٌدة مرٌم الصدٌقة أٌضا من الكرامات حٌث أجرى هللا على ٌدٌها شٌبا من‬
‫خوارق العادات‪ ،‬والتً خصها هللا بها‪.‬‬

‫الكرامة األولى ‪ :‬لقد ذكر القران الكرٌم إن مرٌم علٌها السبلم شبت وبٌتها المسجد‪ ،‬وخلوتها‬
‫فٌه‪ ،‬وبلطؾ هللا بها كان الطعام ٌؤتٌها من الؽٌب‪ ،‬وكلما زارها النبً زكرٌا علٌه السبلم‬
‫وجد عندها رزقا‪ ،‬فكان ٌسؤل عن مصدر هذا الرزق ألنه هو كافلها‪ ،‬وكان جوابها قول عز‬
‫ام ْرَي ُم أ ََّنى َل ِك َى َذا َقاَل ْت ُى َو ِم ْن ِع ْن ِد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وجل‪ُ ﴿ :‬كمَّ َما َد َخ َل َعَم ْي َيا َزَك ِرَّيا ا ْلم ْحَر َ‬
‫اب َو َج َد ع ْن َد َىا ِرْزًقا قَا َل َي َ‬
‫سٍ‬ ‫ِ‬ ‫المَّ ِو إِ َّن المَّ َو َي ْرُز ُ‬
‫اب ﴾‪ ،4‬كانت تجد رزقها فً محراب عبادتها‬ ‫اء ِب َغ ْي ِر ح َ‬
‫ش ُ‬‫ق َم ْن َي َ‬

‫الكرامة الثانية ‪ :‬فقد حملت بسٌدنا عٌسى علٌه السبلم دون أن ٌمسها بشر‪ ،‬و ٌعتبر هذا‬
‫خرقا للعادات إذ ال ٌمكن ألي إمرأة أن تنجب دون إقامة عبلقة جنسٌة برجل قال‬

‫اء ِإ َذا َق َ‬
‫ضى أَ ْمرًا‬ ‫ش ُ‬ ‫ال َك َذِل ِك المَّ ُو َي ْخمُ ُ‬
‫ق َما َي َ‬ ‫س ِني َب َ‬
‫شٌر َق َ‬ ‫سْ‬
‫تعالى‪َ ﴿:‬قاَل ْت ر ِّب أ ََّنى ي ُك ُ ِ‬
‫ون لي َوَل ٌد َوَل ْم َي ْم َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫‪ -1‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة الكهؾ ‪ ،‬اآلٌة ‪.49 ،‬‬


‫‪ -2‬نفس المصدر ‪ ،‬اآلٌة ‪.43‬‬
‫‪ -3‬نفس المصدر ‪ ،‬اآلٌة ‪.92‬‬
‫‪ -4‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة آل عمران ‪ ،‬اآلٌة ‪.94 ،‬‬
‫‪- 332 -‬‬
‫فَِإ َّن َما َيقُو ُل لَ ُو ُك ْن فَ َي ُك ُ‬
‫ون ﴾‪ .1‬كانت أنه قٌل كانت تؤتٌها الفواكه من ؼٌر وقتها وهو أمر خارق‬

‫للعادة ‪.‬‬

‫الكرامة الثالثة ‪ :‬لما أحست السٌدة مرٌم بقرب ساعات الوضع إبتعدت عن أهلها إلى مكان‬
‫خال من الجهة الشرقٌة ‪ ،‬وجلست إلى جانب شجرة من أشجار النخٌل التً ال ثمر فٌها‪،‬‬
‫وح صلت لها من المساعدات الربانٌة عند مخاضها أمور كثٌرة‪ ،‬منها تساقط الرطب علٌها‬
‫من النخلة ؼٌر المثمرة لما هزت جذعها‪ ،‬قال عز وجل‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫طباً َج ِن ّياً ﴾‬
‫سا ِق ْط َعَم ْي ِك ُر َ‬ ‫﴿ و ُىِّزي إَِل ْي ِك ِب ِج ْذ ِع َّ ِ‬
‫الن ْخَمة تُ َ‬ ‫َ‬

‫هذه كرامة لها هً ضعٌفة من آثار الوالدة‪ ،‬تستطٌع أن تهز جذع النخلة فٌتساقط علٌها‬
‫الرطب جنٌا‪ ،‬أما فً حؽ سٌدنا عٌسى فهً معجزة‪ ،‬لكنها ما دامت قد جاءت قبل الرسالة‬

‫فهً إرهاص‪.‬‬
‫الكرامة الرابعة ‪ :‬لما وضعت إ بنها عٌسى علٌه السبلم حملته‪ ،‬وجاءت به إلى قومها‪،‬‬
‫فجعلوا ٌوجهون إلٌها األسبلة‪ ،‬وٌحرجونها باإلتهامات الساخرة‪ ،‬وهً صامتة‪ ،‬ال تحٌر‬
‫جوابا‪ ،‬وأ َلحوا فً إ ستجوابها عن سبب حملها الذي لم ٌتصوروا فٌه على حد تفكٌرهم‬
‫الضٌق إال الفاحشة‪ ،‬وهً منها براء‪ ،‬فؤشارت إلى ولدها الرضٌع‪.‬‬
‫اب َو َج َعمَ ِني َن ِب ّياً‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ص ِب ّياً*قَا َل إِ ِّني َع ْب ُد المَّو َآتَان َي ا ْلكتَ َ‬
‫ِ‬ ‫ف ُن َكمِّم م ْن َك َ ِ‬
‫ان في ا ْل َم ْيد َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ش َار ْت إِلَ ْي ِو َقالُوا َك ْي َ‬
‫﴿ فَأَ َ‬

‫الزَكا ِة َما ُد ْم ُ‬
‫الص َال ِة َو َّ‬
‫صا ِني ِب َّ‬ ‫*و َج َعَم ِني ُم َب َاركاً أ َْي َن َما ُك ْن ُ‪‎‬‬
‫‪3‬‬
‫ت َح ّياً ﴾‬ ‫ت َوأ َْو َ‬ ‫َ‬

‫هذه كرامة‪ ،‬ألنه لٌس من السهل أن ٌتكلم طفل عمره ساعات‪ ،‬أو أٌام‪ٌ ،‬تكلم‪ ،‬وٌقول‪:‬‬
‫المطلب الخامس ‪:‬عالقة الكرامة ببعض األنماط الثقافية األخرى‬

‫طرحت الكرامة على خلفٌاتها المجتمعٌة والفكرٌة والتارٌخٌة ‪ ،‬فبدت مترابطة مع النتاج‬
‫األدبً ‪ ،‬وحصٌلة أنثربولوجٌة متفاعلة مع الشرابح األناسٌة من أساطٌر وخرافات وتراهات‬

‫‪ -1‬نفس المصدر‪ ،‬اآلٌة ‪.14‬‬


‫‪ -2‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة مرٌم ‪ ،‬اآلٌة ‪91‬‬
‫‪ -3‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة مرٌم ‪ ،‬اآلٌة ‪.91-96‬‬
‫‪- 333 -‬‬
‫ومزاعم شعبٌة وقصص‪..‬الخ ‪ ،‬وظهرت ولٌدة مج تمع معٌن وثمرة من ثمار فكر وقٌم معٌنة‬
‫موازٌة ذلك المجتمع ‪ ،‬وٌعنً هذا فً الدراسة األنثربولوجٌة واإلجتماعٌة على أنها ‪:‬‬

‫« أف الكرامة ىي حدث إجتماعي ال نفسي فقط تاريخي لككنيا ‪ :‬تنطمؽ مف فرد‬


‫يعيش في مجتمع كمتكجو‪ ،‬ميما إنعزؿ إلى المجتمع تنمك في أطر مسبقة جاىزة منطة كمكركثة أم أنيا‬
‫ضاغطة كذات صفة إكراىية مرتبطة بكعي جماعي كبنسؽ مف القيـ كبالسيككالجيا اإلجتماعية ال تنفصؿ‬
‫عف الظكاىر األنثربكلكجية أك اإلجتماعية عمكما كيرتبط فييا كؿ شيء بكؿ شيء»‪.1‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬معن اإلستدراج في اللغة ‪:‬‬

‫ذكر الفٌروز آبادي فقال ‪ « :‬كاستدرجو ‪ :‬خدعو كأدناه كدرجو كأقمقو حتى تركو يدرج عمى األرض‪،‬‬
‫كاستدرج ا﵀ تعالى العبد ‪ :‬أنو كمما جدد خطيئة جدد لو نعمة كأنساه اإلستغفار أك أف يأخذه قميبل قميبل كال‬
‫يبمغتو ‪ ،‬كاستدرجتو جعمتو كأنو يدرج بنفسو»‪.2‬‬

‫وذكره إبن منظور فقال ‪:‬‬

‫« كاستدرجو بمعنى أم أدناه منو عمى التدريج فتدرج ىك ‪ ،‬كليذا قاؿ عمر بف‬
‫الخطاب رضي ا﵀ عنو لما حما إليو كنكز كسرل الميـ إني أعكذ بؾ أف أككف مستدرجا فإني اسمعؾ تقكؿ‬
‫سنسترجيـ مف حيث ال يعممكف ‪ ،‬كركم عف أبي الييثـ إمتنع فبلف مف كذا ككذا حتى أتاه فبلف فإستدرجو‬
‫كتعمـ أني‬ ‫أم خدعو حتى حممو عمى أف درج مف ذلؾ ‪ ،‬قاؿ اآلعشي ‪ :‬ليستدرجنؾ القكؿ حتى تيره‬
‫منكـ غير ممجـ»‪.3‬‬

‫وذكر فً المعجم الوجٌز إصدار مجمع اللؽة العربٌة ‪« ،‬إستدرج فبلنا ‪ :‬خدعو حتى حممو عمى أف‬
‫يدرج إلى أمر مف األمكر»‪. 4‬‬

‫‪ -1‬علً زٌعور ‪ ،‬الكرامة الصوفية واالسطورة والحلم القطاع الالواعي في الذات العربية ‪ ،‬دار األندلس‬
‫للنشر والتوزٌع ‪،‬بٌروت ‪.‬لبنان ‪9119،‬م ‪ ،‬ص ‪.59‬‬
‫‪ -2‬الف ٌروز آبادي مجد الدٌن محمد بن ٌعقوب ‪ ،‬القاموس المحيط ‪ ،‬مإسسة الرسالة ‪ ،‬بٌروت – لبنان ‪ ،‬ط ‪، 9‬‬
‫‪4654‬م ‪ ،‬ص ‪.911‬‬
‫‪ -3‬إبن منظور ‪ ،‬لسان العرب ج‪ ،9‬ص ‪.933.941‬‬
‫‪ -4‬المعجم الوجٌز ‪ ،‬مجمع اللغة العربية ‪ ،‬المركز العربً للثقافة والعلوم ‪ ،‬بٌروت – لبنان ‪ ،‬ب ط ‪ ،‬ب س ‪،‬‬
‫ص ‪.991‬‬
‫‪- 334 -‬‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬اإلستدراج في القرآن الكريم‬

‫ذين َك َّذبوا ِبآيا ِتنا‬


‫وردت هذه اللفظة فً القرآن الكرٌم مرتٌن ‪ ،‬منها قوله تعالى‪ ﴿ :‬والَّ َ‬

‫ستَ ْد ِر ُج ُي ْم ِم ْن َح ْي ُ‬
‫ث ال َي ْعَممون ﴾ ‪ .‬وكذلك قوله تعالى فً سورة القلم ﴿ فَ َذ ْرِني َو َم ْن ُي َك ِّذ ُ‬
‫ب ِب َي َذا‬ ‫‪1‬‬
‫س َن ْ‬
‫َ‬

‫ون ﴾‪ .2‬وقد ذكر القرآن الكرٌم الذٌن ٌكذبون بآٌات هللا بؤنه‬ ‫ستَ ْد ِر ُج ُي ْم ِم ْن َح ْي ُ‬
‫ث ال َي ْعمَ ُم َ‬ ‫س َن ْ‬
‫ِ ِ‬
‫ا ْل َحديث َ‬

‫ٌستدرجهم إلى المقصود درجة درجة ‪.‬أو إستدرج هللا عز و جبل لرجل أمهله ولم ٌعجل‬
‫عذابه‪ٌ .‬قول جل ثناإه سنكٌدهم من حٌث ال ٌعلمون‪ ،‬وذلك بؤن ٌمتعهم بمتاع الدنٌا حتى‬
‫ٌظنوا أنهم متعوا به بخٌر لهم عند هللا ‪ ،‬فٌتمادوا فً طؽٌانهم‪ ،‬ثم ٌؤخذهم بؽتة وهم ال‬
‫ٌشعرون‪.‬‬

‫كما أن فً القرآن الكرٌم ٌتؽٌر مدلول من آٌة ألخرى ألرتباطها بمعانً أخرى شبٌهة به‬
‫كالمكر والخداع وكالكٌد والهبلك واإلمبلء والحٌلة ‪...‬إلخ ‪ ،‬فً معنى المكر لقوله تعالى ‪:‬‬
‫﴿وم َكروا وم َكر المَّ ُو والمَّ ُو َخ ْير ا ْلم ِ‬
‫اك ِر َ‬
‫ين﴾‪.3‬‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ ََ َ‬

‫ين﴾‪ .4‬بمعنى سؤملً لهم ‪ ،‬أطول لهم ما‬ ‫ومعنى الكٌد قوله تعالى ‪َ ﴿ :‬وأ ُْمِمي لَ ُي ْم إِ َّن َك ْي ِدي َم ِت ٌ‬
‫اموا إَِلى‬ ‫ِ‬ ‫ين ُي َخ ِاد ُع َ َّ‬
‫اف ِق َ‬
‫هم فٌه إن كٌدي متٌن أي قوي شدٌد ‪﴿ .‬إِ َّن ا ْلم َن ِ‬
‫ون الم َو َو ُى َو َخاد ُع ُي ْم َوِا َذا َق ُ‬ ‫ُ‬
‫ون المَّ َو ِإَّال َقِم ًيال﴾ ‪ .5‬وثالثا معنى اإلمبلء قوله تعالى‬
‫اس َوَال َي ْذ ُك ُر َ‬ ‫ون َّ‬
‫الن َ‬ ‫اء َ‬
‫سالَ ٰى ُيَر ُ‬
‫اموا ُك َ‬
‫َّ ِ‬
‫الص َالة قَ ُ‬
‫ين َكفَ ُروا أ ََّن َما ُن ْمِمي لَ ُي ْم َخ ْيٌر ِألَ ْنفُ ِس ِي ْم إِ َّن َما ُن ْمِمي لَ ُي ْم ِل َي ْزَد ُ‬
‫ادوا إِثْ ًما َولَ ُي ْم َع َذ ٌ‬
‫اب‬ ‫س َب َّن الَِّذ َ‬
‫﴿ َوَال َي ْح َ‬
‫ين﴾‪ 6‬واإلمبلء بمعنى أن ٌبلؽوا بمعصٌتهم ربهم‪ ،‬المقدار الذي قد كتبه لهم من العقاب‬ ‫ُم ِي ٌ‬
‫والعذاب ثم ٌقبضهم إلٌه‪.‬‬

‫‪ -1‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة األعراؾ ‪،‬اآلٌة ‪.459‬‬


‫‪ -2‬القرأن الكرٌم ‪ ،‬سورة القلم ‪ ،‬اآلٌة ‪.11‬‬
‫‪ -3‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة آل عمران ‪ ،‬اآلٌة ‪.29‬‬
‫‪ -4‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة األعراؾ ‪ ،‬اآلٌة ‪.459‬‬
‫‪ -5‬القرآن الكرٌم سورة النساء ‪ ،‬اآلٌة ‪.414‬‬
‫‪ -6‬القرآن الكرٌم‪ ،‬سورة آل عمران ‪ ،‬اآلٌة ‪.445‬‬
‫‪- 335 -‬‬
‫ش ْي ٍء َحتَّ ٰى إِ َذا‬ ‫ِ‬
‫سوا َما ُذ ِّك ُروا ِبو فَتَ ْح َنا َعمَ ْي ِي ْم أ َْب َو َ‬
‫اب ُك ِّل َ‬ ‫ورابعا بمعنى اإلهبلك قوله تعالى ‪َ ﴿ :‬فَم َّما َن ُ‬
‫ِ‬
‫ون﴾‪ .1‬إنما معنى ذلك‪ :‬فتحنا علٌهم‪ ،‬إستدراجا منا لهم‪،‬‬
‫س َ‬‫اىم َب ْغتَ ًة فَِإ َذا ُىم ُّم ْبم ُ‬ ‫فَ ِر ُحوا ِب َما أُوتُوا أ َ‬
‫َخ ْذ َن ُ‬

‫أبواب كل ما كنا سددنا علٌهم بابه‪ ،‬عند أخذنا إٌاهم بالبؤساء والضراء لٌتضرعوا‪ ,‬إذ لم‬
‫ٌتضرعوا وتركوا أمر هللا تعالى ذكره‪.‬‬

‫فكل هذه المعانً تبٌن وتفٌد أن هللا عز وجل سٌكون بالمرصاد لهإالء الذٌن تسول لهم النفس‬
‫األمارة بالسوء فبل ٌعرفون حقٌقة ما حل بهم وال ٌؤخذون العبرة‪ ,‬فٌؤخذهم هللا‬

‫أخذ عزٌز مقتدر وهذا من باب أنه ٌملً ٌمهلهم وٌمتعهم بالنعم والفضابل إلى حٌن‪.‬‬

‫عن إبن رباب ‪ ،‬عن بعض أصحابه ‪ ،‬قال سبل أبو عبد هللا عن اإلستدراج؟‬

‫فقال ‪ « :‬ىك العبد يذنب فيممي لو ‪ ،‬كتجدد لو عندىا النعـ فتمييو عف اإلستغفار مف الذنكب ‪ ،‬فيك‬
‫مستدرج مف حيث ال يعمـ»‪. 2‬‬

‫الفرع الثالث في اإلصطالح ‪ :‬قال الجرجانً رحمه هللا ‪:‬‬

‫« اإلستدراج ىك أف يجعؿ ا﵀ تعالى العبد مقبكؿ الحاجة كقتا فكقتا إلى أقصى عمره‬
‫لمئلبتداؿ بالببلء كالعذاب ‪ ،‬كقيؿ بالنظر إلى المآؿ كقيؿ ىك أف يرفعو الشيطاف درجة إلى مكاف عاؿ ثـ‬
‫يسقط مف ذلؾ المكاف حتى ييمؾ ىمكا‪ .‬كقيؿ أف يقرب ا﵀ العبد إلى العذاب كالشدة كالببلء في يكـ‬
‫الحساب ‪ ،‬كما حكي عف فرعكف لما سأؿ ا﵀ تعالى قبؿ حاجتو لئلبتبلء بالعذاب كالببلء في اآلخرة»‪.3‬‬

‫وقال أبو البقاء الكفوي رحمه هللا‬

‫‪ -1‬القرآن الكرٌم ‪ ،‬سورة األنعام ‪ ،‬اآلٌة ‪.12‬‬


‫‪ -2‬الشٌخ الكلٌنً ‪ ،‬الكافي ج‪ ، 2‬تحقٌق ‪ :‬علً أكبر الؽفاري‪ ،‬دار الكتب اإلسبلمٌة ‪ ،‬ط‪ 4932 ،1‬هـ ‪ ،‬طهران‬
‫‪ -‬إٌران ‪،‬ص ‪.129‬‬
‫‪ -3‬الشرٌؾ أبو الحسٌن علً بن محمد بن علً الحسٌنً الجرجانً الحنفً ‪ ،‬التعريفات ‪ ،‬دار الكتب العلمٌة ‪،‬‬
‫بٌروت‪ -‬لبنان ‪ ،‬الطبعة األولى‪9111 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫‪- 336 -‬‬
‫« اإلستدراج ‪ :‬ىك أف يعطي ا﵀ العبد كؿ ما يريده في الدنيا ليزداد غيو كضبللو كجيمو‬
‫‪1‬‬
‫كعناده فيزداد كؿ يكـ بعدا مف ا﵀ تعالى»‬

‫«اإلستدراج ‪ :‬ىك السككف إلى المذات ‪ ،‬كالتنعيـ بالنعمة ‪ ،‬كنسياف ما تحت النعـ مف النقـ»‪.2‬‬

‫« سنستدرجيـ قميبل قميبل إلى ما ييمكيـ كيضاعؼ عقابيـ مف حيث ال يعممكف ما يراد بيـ ‪،‬‬
‫كذلؾ أف يكاتر ا﵀ نعمو عمييـ مع إنيماكيـ في الغي ‪،‬فكمما جدد عمييـ نعمة إزدادكا بط ار كجددكا معصية‬
‫‪ ،‬فيتدرجكف في المعاصي بسبب ترادؼ النعـ ‪ ،‬ظانيف أف مكاترة النعـ أثرة مف ا﵀ كتقريب ‪ ،‬كانما ىي‬
‫خذالف منو كتبعيد ‪ ،‬فيك إستدراج ا﵀ تعالى»‪.3‬‬

‫« اإلستدراج ‪ :‬التمكيف مف النعـ مقركنا بنسياف الشكر ‪ ،‬كيقاؿ ‪:‬اإلستدراج ‪ :‬كمما إزدادكا‬
‫معصية زادىـ نعمة ‪ ،‬كيقاؿ ‪ :‬اإلغترار بطكؿ اإلمياؿ»‪.4‬‬

‫« اإلستدراج أال يزداد في المستقبؿ صحبة إال إزداد في اإلستحقاؽ نقصاف رتبة كيقاؿ ‪:‬‬
‫الرجكع مف تكىـ صفاء الحاؿ إل ى رككب قبيح األعماؿ ‪ ،‬كلك كاف صادقا في حالو لكاف معصكما في‬
‫‪5‬‬
‫أعمالو»‪.‬‬

‫النورسي وموقفه من اإلستدراج‬ ‫الفرع الرابع ‪:‬‬

‫ٌبٌن النورسً أن اإلستدراج هو مباٌن للكرامة من خبلل تقدٌم مقارنة بٌنهما حتى ال ٌكون‬
‫هناك إلتباس بٌن المصطلحٌن حٌث قال فً اإلستدراج ‪:‬‬

‫‪ -1‬الكفوي أبو البقاء أٌوب بن موسى الحسٌنً ‪ ،‬الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية ‪، ،‬تحقٌق ‪:‬‬
‫عدنان دروٌش ومحمد المصري ‪ ،‬مإسسة الرسالة ‪ ،‬بٌروت – لبنان ‪ ،‬الطبعة الثانٌة ‪4669 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.449‬‬
‫‪ -2‬الفاسً أبو العباس ‪ ،‬أحمد بن محمد بن المهدي بن عجبٌة الحسٌنً اإلدرٌسً الشاذلً ‪ ،‬البحر المديد ج‪، ،8‬‬
‫دار الكتب العلمٌة ‪ ،‬بٌروت ‪ -‬لبنان ‪ ،‬الطبعة الثانٌة ‪9119 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.443‬‬
‫‪ -3‬أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمً ‪ ،‬الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون األقاويل في وجوه‬
‫التأويل ج‪ ،2‬تحقٌق ‪ :‬عبد الرزاق المهدي ‪ ،‬دار إحٌاء التراث العربً ‪ ،‬بٌروت – لبنان ‪ ،‬ص ‪.444‬‬
‫‪ -4‬عبد الكرٌم بن هوازن بن عبد الملك القشٌري النٌسابوري الشافعً ‪ ،‬تفسير القشيري المسم لطائف‬
‫اإلشارات ج‪ ،3‬دار الكتب العلمٌة ‪ ،‬بٌروت – لبنان ‪ ،‬الطبعة األولى ‪9111 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.921‬‬
‫‪ -5‬عبد الكرٌم بن هوازن بن عبد الملك القشٌري النٌسابوري الشافعً‪ ،‬تفسير القشيري المسم لطائف‬
‫اإلشارات ج‪ ، 1‬دار الكتب العلمٌة ‪ ،‬بٌروت‪ -‬لبنان ‪،‬الطبعة الثانٌة ‪9114 ،‬م‪ ،‬ص ‪.944‬‬
‫‪- 337 -‬‬
‫« فالشخص المتشرؼ بالكرامة إذا صدر عنو أمر خارؽ لمعادة كىك يعمـ ‪ ،‬فمربما‬
‫يككف صدكر ذلؾ األمر الخارؽ إستدراجا إف كانت نفسو األمارة باقية مف حيث إعجابو بنفسو كاإلعتماد‬
‫عمى كشفو كاحتماؿ كقكعو في الغركر»‪.1‬‬

‫وٌبٌن كذلك أنه ٌمكن أن اإلست دراج مباٌن عن الكرامة فً موضع آخر بوصفه لئلستدراج‬
‫على أنه‪:‬‬

‫« اإلستدراج فينكشؼ لو صكرة األشياء الغائبة كىك في غفمة ‪ ،‬أك يعمؿ أفعاال‬
‫غريبة ‪ ،‬كىك مستند بنفسو كاقتداره فيزداد بعدا كأنانية كغرك ار ‪ ،‬بينما الكرامة كالمعجزة فعؿ ا﵀‪ .‬كيتفطف‬
‫ص احبيا أنيا منو سبحانو كليس مف نفسو كيطمئف بأنو حاـ لو رقيب عميو يختار لو الخير ‪ ،‬فيزداد يقينا‬
‫كتككبل ‪ ،‬فقد يشعر بتفاصيؿ الكرامات بإذف ا﵀ كقد اليشعر كىذا أكلى ك أسمـ ‪ ،‬كأنو أنطقو ا﵀ بما في‬
‫قمب كاحد أك مثمو يقظة ليدايتو كىك ال يعمـ ما يفعؿ ا﵀ بو لعباده فبل إالتباس بيف أىؿ اإلستدراج كأىؿ‬
‫‪2‬‬
‫الكالية في الطبقة الكسطى »‬

‫من خبلل هذه التعرٌفات حول اإلستدراج و مفهوم الكرامة وما قدمه النورسً‬
‫ٌمكن إستخبلص أن اإلستدراج ٌمارسه العصاة البعٌدٌن عن الطرٌق‬ ‫بمقارنته بٌنهما‬
‫المستقٌم وعلى هذا األساس ٌمكن إعتبار أن الفرق بٌن ماعرفناه من خبلل مفهوم الكرامة‬
‫وخصابصها تلك الخوارق لؤلولٌاء والصالحٌن وبٌن من كان بعٌدا عن هللا هو أن هذا األخٌر‬
‫أي الذي ٌنتمً إلى زمرة اإلستدراج إنما ٌقوم بمخادعة نفسه وٌؽتربها وبالتالً ٌعتبر وٌظن‬
‫أنها بمثابة كرامة جاءته لكونه ٌستحقها ‪،‬وتؽمره الؽبطة وٌشعر بالسرور وقد ٌصل به األمر‬
‫إلحتقار اآلخر‪ ،‬وٌظن أنه له األفضلٌة من الجمٌع‪ .‬ولكن الحقٌقة هً ؼٌر ذلك إذ هو‬
‫موصوؾ باإلهانة والمذلة وولٌه الشٌطان ٌقربه من المعصٌة وٌزٌنها له وٌكذب علٌه حتى‬
‫ٌقترفها‪.‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪96‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المثنوي العربً ‪ ،‬ص ‪.943‬‬
‫‪- 338 -‬‬
‫أما األولٌاء والصالحٌن فقد خصهم هللا بالكرامة لصفة الصبلح فٌهم ‪ ،‬فبل ٌستؤنسون بما‬
‫تفضل هللا علٌهم بالنعم بل تزٌدهم تقربا من هللا وٌصٌر خوفههم منه أشد وحذرهم من قهره‬
‫وبطشه أقوى‪.‬‬

‫الفرع الرابع ‪ :‬الكرامة والرؤيا‬

‫إحتلت الرإٌا منذ أقدم العصور مكانة هامة فً إهتمامات اإلنسان‪ ،‬وقد تعددت آراء المهتمٌن‬
‫من عوام و فبلسفة ورجال دٌن وتراث شعبً ومتصوفة إال أن هذه الفبة األخٌرة أعطوا‬
‫للرإٌا طابعا وأساسا دٌنٌا ممٌزا ٌضفً علٌه طابع القدسٌة وإعتبرها خدمة للقٌم الصوفٌة بل‬
‫خدمة من أجل التقرب من هللا تعالى أو النبً الكرٌم وألصقوا الرإٌا بالنبوة‪.‬‬

‫فالرإٌا عند المتصوفة هً‬

‫« بمثابة نكع مف أنكاع الكرامات يحقؽ مف خبلليا الصكفي خكاطر ترد عمى‬
‫القمب كأحكاؿ تتصكر في الكىـ كىي بمثابة قكة لمقمب كبصيرة ترل مف خبلليا حقائؽ األشياء كبكاطنيا‬
‫كظكاىرىا بؿ ىي تطابؽ مع الكاقع كاستمراية لو ‪ ،‬حيث مف خبلليا يتـ إدراؾ ما يقع في الغيب كاستكشافو‬
‫»‪.1‬‬

‫فطبٌعة الرإٌا عند الصوفً تختلؾ عن ما هً عند العامً ‪ ،‬فالمتصوفة ٌعتبرونها هً نتٌجة‬
‫ذلك الصفاء الروحً وكذلك التؤمل والتعمق فً األشٌاء وهً تعتبر طرٌقة ومن الطرق التً‬
‫ٌعتمد علٌها الصوفً من أجل أن ٌرتبط وٌتقرب من هللا ومن النبً علٌه الصبلة والسبلم من‬
‫قٌمة ومعرفة وبالتالً سلوكا‪.‬‬

‫‪ -1‬عبد الكرٌم بن هوازن بن عبد الملك القشٌري النٌسابوري الشافعً‪ ،‬تفسير القشيري المسم لطائف‬
‫اإلشارات ج‪ ، 1‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.442‬‬
‫‪- 339 -‬‬
‫« فالكلي يسمؾ في كراماتو مسمؾ األحبلـ سكاء كانت في المناـ أك اليقظة ‪ ،‬كىك‬
‫يميز بيف الحمـ كالرؤيا ‪ ،‬فالرؤيا مف ا﵀ كالحمـ مف الشيطاف كعادة تككف الرؤيا حسنة مبشرة عكس الحمـ‬
‫كىك يربطيا ب النبكة كىنا مكمف المحاكاة ‪ ،‬ألف الرؤيا أحد درجات النبكة كىي طريقة معرفة ككاسطة إتصاؿ‬
‫بالغيب كفرصة إلستقباؿ التعاليـ مف الكائف األسمى»‪. 1‬‬

‫كما أن الزؤيا في التحليل النفسي واألنثزبىلىجي هي نىع يظهز معطيات الىلي‬


‫وتعكس الظزوف المحيطة به وظزوفه حسب الباحث سيغىر علي‬

‫« تظير معطيات أخرل ترتبط بمعيشة الكلي كمحيطو»‪، 2‬‬

‫تظهر الرإٌا معطٌات وظروؾ محزنة فً عمق ال شعور الولً وٌحدث لها ترجمة وإخراج‬
‫عن طرٌق الرإٌة فً منام الولً ‪ .‬وتشٌر نظرٌة الحافز النفسً وخبلصتها كما ٌرى فروٌد‬

‫« أف الحمـ ليس سكل تحقيؽ رغبة أك كما تصاغ إف الحمـ تحقيؽ مقنع لمرغبة‬

‫المكبكتة أك المضغكظة»‪.3‬‬

‫مواطن إشتراك الكرامة مع الحلم حسب الباحث مٌلود حكٌم حول الكرامة الصوفٌة فً‬
‫تلمسان‬

‫« إلغاء عنصر الزماف كالمكاف فالمسافة الزمنية في كاقعنا ليست ىي نفسيا في‬
‫الرؤيا كما أف األماكف يتغير فييا كيتشكؿ فييما بصكرة خاصة‪ .‬كقد يككف المكاف نفسو الذم نعيش‬
‫فيو في الكاقع كلكف فييما يحدث عميو تغييرات كثيرة كلك كاف البيت الذم نسكنو ‪،‬عدـ الخضكع‬
‫ىي لغة تعبر بكاسطتيا‬ ‫لممنطؽ كالتسمسؿ المنطقي لؤلحداث ‪،‬يشتركاف في لغة الرمز كاإليحاء‬

‫‪ -1‬علً زٌؽور ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.923-922‬‬


‫‪ -2‬حكٌم مٌلود ‪ ،‬الكرامة الصوفية في منطقة تلمسان ‪ ،‬دراسة أنثربولوجٌة سٌمٌابٌة ‪ ،‬رسالة لنٌل شهادة‬
‫الماجٌستر ‪ ،‬جامعة تلمسان ‪4664 ،‬م ‪،‬ص ‪.434‬‬
‫‪ -3‬الشٌخ نهرو محمد عبد الكرٌم الكسنزان الحسٌنً ‪ ،‬الرؤى واألحالم في المنظور الصوفي ‪ ،‬دار القادري‬
‫للنشر والتوزٌع ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬الطبعة األولى ‪9114 ،‬م‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫‪- 340 -‬‬
‫الخبرات الحميمة كالمشاعر كاألفكار كما لك كانت خبرات معيكشة في العالـ الخارجي أك أحداثا مف‬
‫أحداث العالـ الخارجي»‪.1‬‬

‫كما تتشابهان من حٌث الهدؾ والوظٌفة حٌث أن كلٌتهما ‪:‬‬


‫« كمتاىما تفصح عف أكاليات ال كاعية تحمي الذات‪ ،‬حيث نجد حقؿ البلكعي‬
‫كمساحة البل شعكر كغياب الفعؿ اإلرادم ىي المحيط الذم يتشكؿ مف ىذه العناصر كيكسـ بيذه‬
‫الصفات ليذيف الجنسيف‪ ،‬كىنا يكشؼ " البلكعي عف الطبقات التحتية لممشكبلت الشخصية كيطمعنا‬
‫عف ىمكميا المستقبمية كاسقاطاتيا المختمفة كيطؿ عمى مخزف التجارب البشرية األكلى أك األنماط‬
‫األساسية في البلكعي الجماعي»‪.2‬‬

‫كما أنهما تشتؽبلن بنفس اآللٌات فإذا كان الحلم بتعبٌر فروٌد ‪:‬‬
‫"« بديبل لشيء يجيمو الحالـ‪ 3".‬فإف ميمة تأكيؿ األحبلـ " ىي إكتشاؼ ىذا‬

‫البلشعكر»‪.4‬‬

‫أما فٌما ٌخص إختبلؾ الكرامة مع الحلم فهو إختبلؾ طفٌؾ حٌث ‪:‬‬

‫« أف الكلي في كثير مف األحياف يككف كاعيا بما يحدث لو كما يقكؿ ‪ ،‬لكف ميمة‬
‫التأكيؿ تعبر المقكؿ إلى الكامف كتكشؼ التشابو ‪ ،‬كما أف كؿ حمـ تنبيو رغبة تصبك ألف تتحقؽ لكف ما‬
‫يجعؿ الحمـ أحيانا غ امضا كغير مفيكـ كالكرامة أيضا ىك آليات رقابة الحمـ التي تفرض عمى الفكرة‬
‫الحقيقية تخفيفا تحكي ار كتمميحا»‪. 5‬‬

‫‪ -1‬إرٌك فروم ‪ ،‬اللغة المنسية ‪ ،‬ترجمة‪ :‬حسن قبٌسً ‪ ،‬بٌروت لبنان ‪ ،‬دار البٌضاء المؽرب ‪4669 ،‬م ‪ ،‬ص‬
‫‪.44‬‬
‫‪ -2‬علً زٌعور ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.94‬‬
‫‪ -3‬فروٌد ‪ ،‬نظرية األحالم ‪ ،‬ترجمة ‪ :‬جورج طرابٌشً ‪ ،‬دار الطلٌعة ‪ ،‬بٌروت لبنان ‪ ،‬الطبعة األولى ‪4651 ،‬م‬
‫‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪ -4‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪ -5‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.46‬‬
‫‪- 341 -‬‬
‫هنا ٌكون عمل الحلم فً تلك الحالة داللة على رمزٌة معٌنة ٌتلقاها الرابً حٌث أن ‪:‬‬

‫« الفجكة القائمة بيف عناصر األحبلـ كركائزىا التي تتمثؿ في عبلقة الجزء بالكؿ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫المقاربة أك التمميح‪ ،‬العبلقة الرمزية‪ ،‬التمثيؿ المفظي التشكيمي‪».‬‬

‫وٌتم عمل الكرامة والحلم بواسطة عملٌة تسمى التكثٌؾ واإلزاحة "اإلبدال" والصٌاؼة‬
‫الثانوٌة ‪.‬حسب إرٌك فروم هً كالتالً ‪:‬‬

‫« التكثيؼ فيعني أف الحمـ الظاىر أقصر بكثير مف الحمـ الباطف ‪ ،‬أما اإلزاحة‬
‫تعني أف أحد عناصر الحمـ الباطف ‪ ،‬كربما أحد أىـ عناصره ‪ ،‬يتعبر عنو في الحمـ الظاىر بعنصر‬
‫غامض قد يبد لنا عادة ببل أىمية عمى اإلطبلؽ أما الصياغة الثانكية فيي تدؿ عمى الجزء المخصكص‬
‫مف عمؿ الحمـ الذم يستكمؿ عممية التقنيع كالتنكر»‪. 2‬‬
‫أما التكثٌؾ حسب فروٌد فإنه ٌتم بواحدة من الطرق الثبلثة حسب فروٌد ‪:‬‬

‫« إما أف تحذؼ بعض العناصر الكامنة برمتيا ‪ ،‬كاما أف ال تبدك في الحمـ الظاىر‬
‫إال نتؼ مف بعض المجمكعات التي يتألؼ منيا الحمـ الكامف‪ .‬كاما أف تظير العناصر الكامنة ذات‬
‫السمات المشتركة مع بعضيا في الحمـ الظاىر»‪.3‬‬

‫إن المعروؾ عن الرإٌا تعتبر نوع من أنواع الكرامات وهً تتمثل كالآلتً ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬رإٌا من هللا تعالى وهً الرإٌة الصرحة التً ال تحتاج إلى تؤوٌل‬
‫ثانٌا ‪ :‬رإٌا من الملك وهً رإٌا صادقة تحتاج إلى التعبٌر‬
‫ثالثا‪ :‬رإٌا من الشٌطان وهً أضؽاث أحبلم ‪.‬‬

‫‪ -1‬فروٌد‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.445‬‬


‫‪ -2‬إرٌك فروم ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.35‬‬
‫‪ -3‬فروٌد ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.446‬‬
‫‪- 342 -‬‬
‫« فالرؤيا كجو آخر لمكرامة يتفقاف كيتسانداف كيكمبلف بعضيما البعض لقياميما‬
‫عمى المبدأ عينو يتمـ الصكفي في نكمو ما يفعمو في اليقظة أم أنو يبقى فكؽ المألكؼ ‪ ،‬مقدسا فبرؤياه‬
‫يحؿ كؿ مشكمة كيعطي الرد عمى كؿ غامض ك سؤاؿ كيغطي كؿ عجز حتى بعد كفاتو‪ ،‬فنجد الصكفي‬
‫يأتي أتباعو في المناـ ليقدـ ليـ اإلرشاد ‪ ،‬فيقر ىذا عمى عممو‪ ،‬كيؤنب ذاؾ ‪ ،‬كأف تأثيره ال ينقطع»‪.1‬‬

‫‪2‬‬
‫«كما عدت األحبلـ التنبؤية تعبي ار عف الفعاليات الركحية الفائقة»‬

‫فالرإٌا من هذا المنطلق والتً تتطابق مع مع الواقع بل إستمراٌة له بحٌث تمكن من إدراك‬
‫الواقع حٌث ‪:‬‬

‫« كمف خبلليا يتـ إدراؾ ما يقع في الغيب كاستكشافو كقد إستعمؿ المتصكفة‬
‫مصطمح المشاىدة كذلؾ لمتمييز بينو كبيف الرؤيا فالرؤيا تككف في المظاىر الككنية الحسية كالخيالية‬
‫كالفرؽ بيف الرؤيا كالمشاىدة البد أف يقدميا عمـ بالمشيكد بخبلؼ فبل يشترط أنـ يتقدميا عمـ بالمرئي فكؿ‬
‫مشاىدة رؤية كال ينعكس»‪.3‬‬

‫ومن خبلل هذا نرى أن طبٌعة الرإٌا لها إختبلؾ بحٌث عند الصوفً تختلؾ عن العامً أو‬
‫البقٌة فهم ٌعتبرونها نتٌجة صفاء روحً وتعمق تؤملً فً دقابق األشٌاء والمشاهدة تكون‬
‫نتٌجة المجاهدة الترقً وبٌن األحوال والمقامات وأما الرإٌا فبل ٌشترط فٌها التقدم وقد‬
‫ٌشترك فً الرإٌا الصوفً وؼٌر الصوفً‪ .‬ولكن الصوفً إعتمدها كنافذة على الروحً أو‬
‫كجسر بٌنه وبٌن الؽٌب ‪ ،‬بل أعطى كبار الصوفٌة لرإٌاهم قٌمة كبرى لرفع الذات والتقرب‬
‫من هللا ومجاورة النبً علٌه الصبلة والسبلم وهكذا فإن الصوفً قد ٌداور بواسطة الرإٌا‬
‫ٌقول الدكتورعلً زٌعور فً كتابه الكرامة الصوفٌة واألسطورة والحلم ‪:‬‬

‫‪ -1‬علً زٌعور ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.921.929‬‬


‫‪ -2‬عبد الستار عز الدٌن الراوي ‪ ،‬التصوف والباراسايكولوجي ‪ ،‬لمإسسة العربٌة للدراسات والنشر ‪ ،‬بٌروت‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪ 4661 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪ -3‬عبد الستار عز الدٌن الراوي ‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪- 343 -‬‬
‫« بالكشؼ يرل الصكفي المبلئكة كأركاح األنبياء ‪ ،‬فيخاطب ىؤالء كيشاىدىـ‬
‫كيقتبس منيـ فكائد كيسمع أصكاتيـ كىك في حاؿ مف اليقظة كالكعي ‪ ،‬أما الرؤيا فتتـ في النكـ كىنا تزكؿ‬
‫المسافة بيف المرئي كالغيب ‪ ،‬يخاطبو ا﵀ كيجرم حكار كىكذا يتكحد في الركح الصكفية عالما كيصعد في‬
‫معارجو فكؽ األنبياء حتى يبمغ ا﵀» ‪.1‬‬

‫الفرع الخامس فوائد الرؤية عند الصوفية‬


‫كما ٌمكن مبلحظة أن الرإٌا عند المتصوفة تعتبر أكثر المصادر إعتمادا فً التلقً بمعنى‬
‫ٌتلقون فٌها عن هللا عز وجل ورسوله الكرٌم أو أحد شٌوعهم بعض أحكام الشرع ‪ ،‬أو التنبإ‬
‫بمصٌر أ مر ما ‪ ،‬وهً من المبشرات وبالتالً الحصول على المعرفة وتعتبر هذه الطرٌقة‬
‫من أبر الرموز المعرفٌة التً توهب من هللا للمتصوؾ وبالتالً إستثمار هذه المعرفة ومنها‬
‫تصبح طرٌقة لتفعٌل التواصل‪.‬‬

‫« فالرؤيا عند المتصكفة ىي رؤيا صحيحة كصادقة كقكية كمخبرة كىاتفة كمحققة كمف‬
‫‪2‬‬
‫ا﵀ تعالى»‬

‫فؤما الصحٌحة ألن معانٌها مستقٌمة ومشاهدوها روحٌة عالٌة وأما صادقة ألن من رآها بلػ‬
‫أرقى درجات اإلٌمان والصدق وصاحبها قوي اإلٌمان وعلى قدر كبٌر من الصبلح وروحه‬
‫على قدر كبٌر من الشفافٌة ومصٌرة ألن هللا عز وجل أراد أن ٌمٌز من أحبه من الناس فؤتت‬
‫هذه الرإٌا هاتفة إلٌضاح وحل مشكلة إستعصت على العامة ومحققة ألنها تدل على كرامة‬
‫صاحبها ومن هللا ألنها منة على عبده الصالح وبشارة له‪.‬‬

‫تتجلى فوابد الرإٌا عند الصوفٌة حسب "الكسنزان" فً كونهم ٌستبشرون بمناماتهم‬
‫الصادقة وٌرونها إلهاما إلهٌا ‪ ،‬وإلقاء ربانٌا ‪ ،‬فهً تارة أمرا ‪ ،‬وتارة زجرا‪ ،‬وتارة تحذٌرا‬
‫وتنبٌها ‪ ،‬وتارة إرشادا وتوجٌها وحكاٌات الصوفٌة وأخبارهم عن مثل هذه المنامات ال‬
‫ٌبلؽها الحصر سنختصرها فً النقاط التالٌة ‪:‬‬

‫‪ -1‬علً زٌعور ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.923‬‬


‫‪ -2‬أحمد عوض هللا ‪ ،‬أحالم األنبياء والصالحين ‪ ،‬دار األزهر للنشر والتوزٌع ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬مصر ‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪4636 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.6‬‬
‫‪- 344 -‬‬
‫« معرفة الطريؽ إلى ا﵀ تعالى ‪ ،‬معرفة جكانب مف السمكؾ الصكفي ‪ ،‬معرفة‬
‫حاؿ العبد في اآلخرة‪ ،‬األمر بصالح األعماؿ ‪ ،‬المكعظة ‪ ،‬التنبؤ ببعض األحداث كاكتساب بعض‬
‫‪1‬‬
‫العمكـ»‬

‫وٌشٌر الكسنزان أن مما هو معروؾ أٌضا أن الرإٌا هً ما ٌراه النابم أثناء نومه ولكن‬
‫للصوفٌة رأي آخر فً هذا الشؤن ‪ .‬فعالم الرإٌا عندهم ؼٌر محصور بحالة النوم فقط ‪ ،‬بل‬
‫بالنوم والٌقظة معا ‪،‬‬

‫« كذلؾ لمف كصؿ مف ىـ إلى مرتبة تسمى مرتبة اليقظة ‪ .‬كىذه المرتبة يككف‬
‫فی العبد في حضكر دائـ مع ا﵀ ‪ ،‬أم ال يغفؿ أك يسيك طرفة عيف عف ا﵀ تعالى ‪ ،‬األمر الذم يعني أف‬
‫ليمو كفهاره ‪ ،‬كيقظتو كمنامو ‪ ،‬كرؤياه كرؤيتو كيصؼ حضرة السيد الشيخ عبد القادر الكيبلني أصحاب‬
‫ىذه المرتبة قائبل ‪":‬أهؿ اليقظة أركا ا﵀ عز كجؿ بقمكبيـ فاجتمع شتاتيا ‪..‬تتساقط الحجب ‪ ..‬بينيـ كبينو ‪،‬‬
‫محيت المباني كبقيت المعاني ‪ ...‬فمـ يبؽ ليـ سكل الحؽ عز كجؿ كيقكؿ عنيـ في مكضع آخر مف‬
‫‪2‬‬
‫كتابو الفتح الرباني‪ :‬يركنو يقظة كمناما بأعيف قمكبيـ كصفاء أسرارهـ كدكاـ يقظتيـ»‬

‫كما أن الرإٌا تتعلق بالعبلقة القابمة بٌن الصوفً وربه ‪ ،‬وكثٌرا ما نبلحظ ونقرأه عن‬
‫رإٌة الصوفً أو المرٌد لشٌخه فً المنام وهنا تصبح الرإٌة كرباط وثٌق الذي ٌجمع المرٌد‬
‫بشٌخه ‪ ،‬وإن صح التعبٌر فإنها تمثل الركٌزة الذي تقوم علٌه الطرٌقة الصوفٌة وبالتالً‬
‫تكون العبلقة هنا جد قوٌة وشدٌدة بٌن مشاٌخ الصوفٌة ومرٌدٌهم ‪ ،‬حتى إن بعضهم زارهم‬
‫النبً علٌه الصبلة والسبلم فً المنام ‪ ،‬وقد الحظنا هذا ما وقع للنورسً فً صباه للرإٌا‬
‫للنبً علٌه السبل م وقد ذكرنا هاته الحادثة بالتفصٌل فً الفصل الثانً من حٌاة النورسً ‪،‬‬
‫كما ٌمكن أن تكون رإٌة النبً علٌه السبلم لبعض المرٌدٌن او الصوفٌٌن وهو ٌدلهم بالشٌخ‬
‫الذي ٌنبؽً أن ٌتبعوه ‪ ،‬أو قد ٌظهر أحد األولٌاء الصالحٌن فً المنام لٌقوم بهذا الدور ‪.‬‬
‫والمتتبع لهذه األمو ر ٌبلحظ أنها موجودة ومتواصلة من جٌل إلى جٌل إلختٌار المرٌد شٌخه‬

‫‪ -1‬الشٌخ نهرو محمد عبد الكرٌم الكسنزان الحسٌنً ‪ ،‬الرؤى واألحالم في المنظور الصوفي ‪ ،‬دار القادري‬
‫للنشر والتوزٌع ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬الطبعة األولى ‪9114 ،‬م ‪ ،‬لئلطبلع على فوابد الرإٌا بالتفصٌل أنظر كتاب‬
‫الكسنزان الرإى واألحبلم فً المنظور الصوفً من الصفحة ‪ 94‬إلى ؼاٌة الصفحة ‪.11‬‬
‫‪ -2‬الشٌخ نهرو محمد عبد الكرٌم الكسنزان الحسٌنً‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫‪- 345 -‬‬
‫المناسب‪ .‬وال ٌقتصر األمر فقد على معرفة الشٌخ المناسب بل هناك العدٌد من المإلفات‬
‫الصوفٌة التً نجد بها رإٌة المرٌد لشٌخه وهو ٌلبسه الثوب المرقع وؼطاء الرأس المبارك‬
‫ومنح الثوب المرقع فً المنام إ نما ٌدل على إنتقال هذه البركة من الشٌخ الذي ٌعتبر هو‬
‫المانح إلى المرٌد الذي ٌمثل الممنوح وهذا ما ٌعكس لنا أن الصوفً كٌؾ ٌعتبر وٌنظر إلى‬
‫الرإٌا على أنها بمثابة واسطة لئلستمرارٌة والتواصل بإعتبار أن إنفصال الصوفٌة عن‬
‫شٌوخهم عن طرٌق الموت ما هو إال اإلنفصال المادي الظاهري أي الجسدي فقط الذي‬
‫ٌعٌق إستمرار إجراء مقاببلت بٌنهم‪ .‬وعلى هذا ٌمكن إستخبلص ثبلث نقاط أساسٌة تخص‬
‫الرإٌا وحقٌقتها فً التجربة الصوفٌة كما توصلت إلٌها الباحثة ملوكً جمٌلة تمثل ماٌلً‪:‬‬

‫« إستعماليا كمحدد لمتمقي كاإلستدالؿ ‪ ،‬الرؤية كمجاؿ لمحصكؿ عمى المعرفة‬


‫ك إستخداـ الرؤيا كمجاؿ كككاسطة لمتكاصؿ كاإلستم اررية »‪. 1‬‬

‫فهو كما قال الكسنزان ‪:‬‬

‫« هذا العمـ كسائر العمكـ كالفنكف محط أنظار جميرة مف المختصيف ‪ ،‬كذلؾ‬
‫ألنو متعدد النكاحي متصؿ بالنفس اإلنسانية كقكاىا كمظاهر حياتيا ‪ ،‬كمتصؿ بالكجكد كمراتبو ‪ ،‬كمتصؿ‬
‫كذلؾ بالكحي كاإللياـ كمظاهر النبكة عامة»‪.2‬‬

‫الفرع السادس الرؤيا عند النورسي ‪:‬‬

‫المعلوم عند القاريء لرسابل النور أن النورسً لم ٌكن ٌشتؽل بالرإٌا وقد صرح ذلك بقوله‬

‫‪3‬‬
‫« أنا ال أعمؿ بالرؤيا »‬

‫ككاف ذلؾ ردا عمى أحد السائميف الذم بعث لو رسالة فييا رؤيا صالحة ألحد اإلخكة فتضمنت الرسالة‬
‫مايمي ‪:‬‬

‫‪ -1‬ملوكً جمٌلة ‪ ،‬الرؤية ودرجة اإليمان عند الصوفية ‪ ،‬الفكر المتوسطً ‪ ،‬العدد ‪9149 ، 3‬م‪ ،‬مكتبة الرشاد‬
‫للنشر والتوزٌع ‪ ،‬الجزابر ‪9149 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪ -2‬الشٌخ نهرو محمد عبد الكرٌم الكسنزان الحسٌنً ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪3‬‬
‫‪ -3‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪،‬السيرة الذاتية ‪ ،‬ص‪295.‬‬
‫‪- 346 -‬‬
‫« فقد رأل فيما يرل النائـ مجمسا يحضره الرسكؿ العظيـ عميو الصبلة كالسبلـ كمعو‬
‫الخمفاء الراشدكف رضي ا﵀ عنيـ كالشيخ الكيبلني ‪ ،‬فيدخؿ عمييـ جبريؿ عميو السبلـ فيقكؿ ليـ ‪ :‬إف طبع‬
‫رسائؿ النكر كنشرىا كالقياـ بخدمة القرآف عمى ىذه الشاكمة المعنكية قد إنتيى دكره حيث جاء دكر الجياد‬
‫المادم ‪ ...‬قرأنا ىذه الرسالة عمى األستاذ فطمب كرقا كقمما في الحاؿ كأممى عمينا الجكاب ‪ ":‬إمف ما‬
‫رأيتم كه مف رؤيا يا أخي ىك رؤيا مباركة كلكنيا تحتاج إلى تأكيؿ كتعبير كتفسير فالجياد المادم في الرؤيا‬
‫ىك جياد معنكم في سبيؿ خدمة اإليماف ألف الظيكر عمى األعداء كالغمبة عمييـ ال يقتصر عمى الجياد‬
‫المادم إ فرؤياكـ إشارة إلى إنتصار البراىيف اإليمانية المعنكية الساطعة عمى الكفر المطمؽ ‪ ،‬فإياكـ‬
‫كالتأكيؿ المادم كالظف بأف الجياد ىك جياد مادم فحسب ‪ ،‬ىذا فضبل عف أنني ال أعمؿ بالرؤيا»‪.1‬‬

‫‪ -1‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪..296‬‬


‫‪- 347 -‬‬
‫خبلصة‬

‫من خبلل ما تقدم نستنتج أن النورسً فعبل كان مدركا وواعٌا بالتوجه بخطاباته‬
‫التً كانت بمثابة الدعوة ‪ ،‬وبحسن إختٌاره للوسابل التً إعتمدها فً التؤثٌر على المتلقً‬
‫والمستقبل بؽض النظر على الفبة المستقبلة إال أنه حقق ذلك التؤثٌر الذي طمح إلٌه وما‬
‫قدرته على تحوٌل تلك السجون والمنافً إلى مدارس نورٌة حقة ساهمت فً تؽٌٌر‬
‫العشرات من األفراد إلى أفراد إٌجابٌٌن إال دلٌبل على حسن إستخدامه الوسابل فً التبلٌػ‬
‫واإلرشاد والتوجٌه وإلى نجاحه فً التؤثٌر علٌهم‪ .‬هاته السجون كانت بمثابة مدرسة‬
‫ٌوسفٌة رمزٌة لتحقٌق الصدق واألمانة واألخوة وكٌؾ كان السجن كعامل أساسً فً‬
‫إرتقاء سٌدنا ٌوسؾ على الصعٌد الروحً حٌث مارس الدعوة داخل السجن والدنٌوي كٌؾ‬
‫أصبح عزٌز مصر ‪.‬فكان السجن سببا فً إرتقابه الروحً والدنٌوي معا هكذا إقتدى‬
‫النورسً بسٌدنا ٌوسؾ علٌه السبلم كرابد للدعوة من السجن وكنموذج للدعوة بحكم أن‬
‫النورسً كانت حٌاته متؤرجحة ؼالبا بٌن السجن والمنافً إال أنه كان ذكٌا بإستؽبلل هاته‬
‫الظروؾ واألماكن وإن دل فإنما ٌدل على تمٌزه فً تحوٌل هاته المحنة إلى منحة إٌمانٌة‬
‫حقٌقٌة مما ٌعكس ذلك التجدٌد بخبلؾ اإلعتماد على التكٌة أو الزاوٌة كمكان أساسً‬
‫لئلرشاد والتوجٌه فالفكر الصوفً بالمفهوم التقلٌدي الكبلسٌكً المعهود ‪ ،‬بمعنى تلقً‬
‫المرٌد التوجٌهات واإلرشادات ٌكون محصورا داخل الزاوٌة أو التكٌة كما هو معهود لدى‬
‫الصوفٌة القابمة وعلى تلك الثنابٌة للشٌخ والمرٌد المتمٌزة بالسلطوٌة ‪ ،‬كما أن الكرامات‬
‫التً ال ٌمكن إعتبارها كدلٌل قاطع على صبلح الفرد فمن خبلل ما قدمناه ٌمكن أن ترتبط‬
‫الكرامة بؽٌر الولً الصالح وكٌؾ رأٌنا أن لها إرتباط بؤنماط ثقافٌة أخرى كاإلستدارج‬
‫والرإٌة ‪ ،‬فهً لٌست الدلٌل القاطع على صبلح الولً أو الفرد داخل المجتمع‪.‬‬

‫‪- 348 -‬‬


‫خامتة عامة‬

‫‪349‬‬
‫خالصات عامة حول التصوف عند النورسي‬

‫إن البناء األخبلقً ال ٌقوم إال على أساس السٌر فً طرٌق طاعة هللا تعالى‬
‫وتطبٌق أحكامه اإللهٌة وهً عامل الثبات والبقاء‪ ،‬فالدٌن هو أفضل دعامة لؤلخبلق وخٌر‬
‫سبٌل إلى تقوٌة الروح اإلنسانً ودعمها بالتسلح باألخبلق ‪.‬‬
‫فالبشر بحاجة إلى رقابة باطٌنٌة أو فلنقل إنه ٌحتاج إلى بولٌس داخلً بحٌث تكون هذه‬
‫الرقابة رادعة له عن الوقوع فً الجرٌمة أو اإلنحراؾ وال ٌتكفل بهذا النبع الحٌوي إال أن‬
‫ٌعٌش الفرد تحت مظلة العقٌدة الدٌنٌة لكً تحفظه من المعصٌة وتقوي فٌه مواجهة الشهوات‬
‫والمؽرٌات‪ .‬ففً باطن كل إنسان شعور بالواجب وأمر بعمله ‪ ،‬وعقوبة على مخالفته ومكافؤة‬
‫على طاعته وكا إنسان مسإول أمام ضمٌره عن طاعة هذا القانون األخبلقً ومسإول كذلك‬
‫أمام هللا فقط ربط هللا الثواب والعقاب بهذا القانون وجعل الجنة جزاء العدل والصدق ونحوها‬
‫من الفضابل كما جعل النار عقابا ألضدادها من ظلم وكذب‪.‬‬
‫ولعل النموذج الذي ٌعكس هذه الصورة بؤسمى معانً األخبلق من عفة وصدق وهو منبع‬
‫فروع األخبلق الفضٌلة قصة سٌدنا ٌسوؾ علٌه السبلم حٌث قال تعالى فإن الرادع الداخلً‬
‫فً وعً ٌوسؾ علٌه السبلم هو الذي حفظه من أن ٌنزلق وٌتهاوى ومن هنا ٌمكن القول أن‬
‫هناك دعابم مترابطة بٌن األخبلق والدٌن قبل أن تتجه ألي شًء ‪.‬‬
‫ٌمكننا القول إذن أن المفهوم األخبلقً فً اإلسبلم هو عبارة عن المباديء والقواعد المنظمة‬
‫للسلوك اإلنسانً والتً ٌحددها الوحً لتنظٌم حٌاة اإلنسان على نحو ٌحقق الؽاٌة من وجوده‬
‫فً هذا العالم على أكمل وجه وٌقول الشٌخ محمد جواد مؽنٌة ‪:‬‬

‫‪350‬‬
‫« الكحي عندنا مصدر مف مصادر األخبلؽ كيكفي في الداللة عمى ذلؾ أف‬
‫كميا سمكؾ كعمؿ حتى ضبط النفس ‪ ،‬فإنو نكع مف العمؿ ‪ ،‬كنحف نيتدم بكتاب ا﵀ كسنة نبينا في سمككنا‬
‫معو سبحانو كمع األسرة كالمجتمع كسائر الكائنات ‪ ،‬كأيضا كؿ مف دعكة اإلسبلـ كعمـ األخبلؽ إنسانية‬
‫عالمية ال تتقيد بزماف أك مكاف كال بأمة كال طائفة»‪. 1‬‬

‫فال نظام األخبلقً له طابعان الطابع األول طابع إلهً من حٌث أنه مراد هللا عز وجل إذ أنه‬
‫ٌجب أن ٌتبع اإلنسان نظاما محدداولذلك جاء الوحً بصورة هذا النظام وطلب من اإلنسان‬
‫أن ٌشترك فً تطبٌقه بإرادته قلبا وسلوكا ‪.‬‬
‫الطابع الثانً ‪ :‬طابع إنسانً وهذا ما ٌطلق علٌه محكمة الضمٌر والعبلقة بٌن محكمة الدٌن‬
‫ومحكمة الضمٌر هً عبلقة تعاضد والتآزر وأن حكم أحدهما ٌزٌد فً حكم قوة اآلخر ٌمكننا‬
‫القول أن األخبلق هً حوهر السلوك اإلسبلمً ولهذا فالبناء األخبلقً وسٌلة جوهرٌة‬
‫للوصول إلى الؽاٌة السامٌة العظمى والسر فً إهتمام اإلسبلم باألخبلق هو أنه البد منه‬
‫لدوام الحٌاة اإلجتماعٌة وأن الحٌاة اإلجتماعٌة ال تتقدم مادٌا أو معنوٌا إال عن طرٌق هذا‬
‫السلوك األخبلقً فبل ٌمكن لئلنسان أن ٌنسجم مع مجتمع أهملت فٌه المبادئ األخبلقٌة بحٌث‬
‫تسود فٌه الخٌانة والكذب والفسق والؽش والسرقة وسفك الدماء والتعدي على حرمات‬
‫والحقوق وال ٌمكن للدٌن أن ٌنسجم مع مثل هذا السلوك ‪ ،‬ولعل رسابل النور لسعٌد النورسً‬
‫خٌر دلٌل على البناء األخبلقً للفرد داخل المجتمع بل حثه على األخبلق اإلسبلمٌة لمواجهة‬
‫ذلك التؽرٌب الذي ٌدعو إلى السفور بل التسلح بالصدق واألمانة واألمل واألخوة والتضامن‬
‫والمحبة واإلخبلص التام هلل والفناء فً اإلخوان وبالتالً الحث على خلق اإلٌثار الذي أصبح‬
‫مؽٌبا فً مجتماعتنا المعاصرة ‪ ،‬فالتصوؾ من ؼاٌاته أن ٌنشر الخلق القوٌم بٌن طبقات‬
‫المجتمع والخلق القوٌم هو الدعامة التً ٌبنً علٌها المجتمع أمنه وإستقراره‪.‬‬
‫ومن خبلل هذا ٌمكن القول أن فرضٌة بحثنا تحققت فالتصوؾ فعبل هو نموذج يبني الفرد‬
‫أخالقيا وينمي سلوكه مادام جوهر التصوف عند النورسي هو األخالق ‪.‬‬

‫‪ -1‬حسٌن على المصطفى ‪ ،‬فلسفة العبادات ‪ ،‬دار الهادي للنشر والتوزٌع ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬الطبعة األولى ‪،‬‬
‫‪9113‬م ‪ ،‬ص ‪.22‬‬

‫‪351‬‬
‫إن "النورسً" هو واحد من هإالء الصوفٌة حتى وإن كان ٌتحرج من مصطلح‬
‫صوفً أو ٌنفً نفٌا تاما أنه صوفً إلعتبار ما داخل هذا المصطلح من عوارض أجنبٌة‬
‫بعٌدة كل البعد عن جوهر التصوؾ ‪ ،‬إذن وما رسابل النور إال من وحً إجتهاداته التعبدٌة‬
‫ومن وحً إقترابه ومعراجه الروحً إلى هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬وإن كان الصوفٌة ٌفرقون بٌن‬
‫العلم والمعرفة فالعلم ٌتناول الجانب النظري للبحث أما المعرفة فهً معرفة هللا تعالى وسبٌل‬
‫هذه المعرفة الوصول إلٌه من خبلل العبادات و األذكار وما شرع هللا وما بٌنه النبً علٌه‬
‫الصبلة والسبلم فً السنة الشرٌفة وهكذا هو حال " النورسً" الذي رسابله تعكس فكره و‬
‫قراءاته وروحانٌته من القلب ووجدانٌته وروحه فً هاته الرسابل ‪.‬‬
‫إن كلٌات النور و منهجه ومسلكه جاء لٌبنً فً اإلنسان المسلم تلك الروح اإلٌجابٌة التً‬
‫تإهله للعطاء وبالتالً تنمً فٌه القدرة على العمل والعطاء بما ٌفتح له من آفاق التفكٌر‬
‫والممارسة واألهم من ذلك بما ٌزوده من بناء ذاتً ودافع حركً ‪ ،‬لٌصبح اإلنسان إنسانٌا‬
‫نا ضجا لممارسة الحٌاة بالطرٌقة التً ٌرٌدها وٌرسمها وٌخطط أبعادها اإلسبلم‪.‬‬
‫لم ٌحدث خطاب "النورسً" قطٌعة عن خطاب الصوفٌة ال من حٌث الطرٌقة وال من حٌث‬
‫العرض و من حٌث المصطلحات الموظفة فقد بٌن معنى الطرٌقة وهو مصطلح صوفً‬
‫تناوله الشٌوخ الصوفٌة وبٌنوا معنى الطرٌقة قال‪ :‬الطرٌقة ؼرضها معرفة الحقابق اإلٌمانٌة‬
‫والقرآنٌة ونٌلها عبر السلوك والسٌر وهذا المعنى موجود فً مظان الصوفٌة عند أولبك‬
‫الذٌن أصلوا التصوؾ وبٌنوا معالمه فعلى سبٌل المثال نجد أبا الحسن الشاذلً ٌقول فً بٌان‬
‫الطرٌقة " التصوؾ تدرٌب النفس على العبودٌة وردها إلى أحكام الربوبٌة إذن فالتصوؾ‬
‫إٌمان شهودي إحترازا عن اإلٌمان النظري وهذا الذي كان ٌرٌده النورسً‪ .‬أن ٌنتقل المإمن‬
‫من إٌمان نظري إلى إٌمان شهودي واإلنتقال إلى اإلٌمان الشهودي حالة ٌجدها المإمن بعد‬
‫السٌر والسلوك وهو مصطلح صوفً بمعنى السٌر إلى هللا تعالى بإعتبار النظر إلى وظٌفة‬
‫اإلنسان فً الحٌاة الدنٌا والمقصد من التكلٌؾ كما قال علماء األصول عن التكلٌؾ والمقصد‬
‫منه إنما ٌكون بتحقٌق هاته العبودٌة هلل سبحانه وتعالى قال إبن العباس فً بٌان العبادة‬
‫لٌعرفوا هللا سبحانه وتعالى أي تحقٌق المعرفة وقوله تعالى كما ٌخشى هللا من عباده العلماء"‬
‫فالعلم معرفة هللا تعالى والجهل عدم معرفته وعلٌه ٌمكن إستخبلص أن بالمعرفة الربانٌة‬

‫‪352‬‬
‫تتفجر إنسانٌة اإلنسان وتتحقق أٌضا عبودٌة هذا اإلنسان وهذا خطاب الصوفٌة وهو عٌنه‬
‫خطاب " النورسً " وهو كما أشرنا ال ٌختلؾ إال فً إستعمال مصطلح التصوؾ‬
‫ٌمكن مبلحظة أن فً التصوؾ الذي ٌنشده " النورسً" أو فً السلوك أو فً التحقق‬
‫أو فً العبودٌة هلل هو تصوؾ عملً واقعً فهو لٌس من قبٌل ذلك التصوؾ اإلنعزالً الذي‬
‫ٌرٌد صاحبه من وراءه الهروب من هذا المجتمع وعدم مواجهة هذا المجتمع ألن مثل هذا‬
‫التصوؾ ال عبلقة له بمقاصد التكلٌؾ الشرعً ‪.‬وهنا ندرك الجزء األهم وهو أن من ؼٌر‬
‫الممكن أن ٌتجاوز اإلنسان األنا فً عزلة من الناس وهو شرط أساس فً الحركة إلى هللا‬
‫واإلنسان قد ٌتصور أنه إذا إعتزل الناس وإبتعد عن الحٌاة اإلجتماعٌة لٌتحرر من الهوى‬
‫والشبهات والرؼبات لكنه ٌخطًء كثٌرا ‪ ،‬فإن نزعات األنانٌة تبقى مطوٌة فً خباٌا نفسه‬
‫من دون أن ٌشعر بها ‪ ،‬فإذا دخل الحٌاة اإلجتماعٌة وإحتك بالناس برزت هذه النزعات‬
‫المخبؤة على السطح وبطبٌعة الحال فإن هذه النزعات ال ٌمكن أن نستؤصلها إال من خبلل‬
‫صراع مرٌر مع النفس وسط الحٌاة اإلجتماعٌة ‪.‬‬
‫ٌحذ ر " النورسً" وٌنبه بشدة من أن تتحول هذه العبادة التً هً من مقتضى الفطرة‬
‫اإلنسانٌة والتً ال ٌمكن لئلنسان أن ٌكون إال عبدا هلل تعالى وإذا أراد اإلنسان أن ٌجد طرٌق‬
‫السعادة فً الدارٌن الدنٌا واآلخرة فعلٌه أن ٌسلك مسلك العبادة هلل تعالى ‪ ،‬وٌحذر بشدة من‬
‫أن تتحول هذه العبادة من المعنى الروحً الباطنً إلى أشكال ورسوم ‪ ،‬تتحول العبادة من‬
‫حالة ذوق وشهود ومن حالة نفسٌة ٌعٌشها اإلنسان فً كل لحظة وفً كل حٌن بعدد أنفاسه‬
‫تتحول إلى أشكال ورسوم وظاهر وبالتالً ٌتحول ذلك التدٌن العمٌق الباطنً إلى تدٌن‬
‫شكلً ظاهري فقط وهو الذي أشار إلٌه الرسول علٌه الصبلة والسبلم فً قوله فً ترؼٌب‬
‫الشباب من الزواج فقال‪ ":‬من أتاكم من ترضون دٌنه وخلقه فزوجوه" وهنا نرى إلزامٌة‬
‫ربط التدٌن باألخبلق ولهذا فإن الصوفٌة فً تعرٌفهم للتصوؾ قالوا‪ ":‬أن التصوؾ أخبلق‬
‫قمن زاد علٌك فً التصوؾ زاد علٌك فً الخلق أو األخبلق" ‪ ،‬ولهذا نرى "النورسً" حذر‬
‫من هذا التدٌن الظاهري وبٌن أن التدٌن البد أن ٌكون واقع ٌعٌشه اإلنسان بعدد األنفاس وفً‬
‫كل لحظة‪.‬‬

‫‪353‬‬
‫إن الخطاب النورسً ال ٌختلؾ عن الخطاب الصوفً بصفة عامة وإن إختلؾ من حٌث‬
‫الشكل ومن حٌث الواقع ومن حٌث المقتضٌات ‪ ،‬كما نبه وحذر من المزالق التً تقع فٌها‬
‫الكثٌر من الطرق الصوفٌة وما فٌها من عٌوب وأضرار وبالتالً من ٌسٌر فً مسلك‬
‫التصوؾ ٌجب أن تكون له ضابطه أوال أن ٌكون على مقتضى كتاب هللا جل وعبل وعلى‬
‫السنة النبوٌة الشرٌفة‪.‬‬
‫وبوعٌه اإلٌمانً أدرك أنه لٌس من الكٌاسة أن ٌعتزل اإلنسان الناس ‪ ،‬ألن اإلنسان نهً‬
‫عن اإلنزواء وإٌثار حٌاة العزلة ‪ ،‬فالمسلم مكلؾ بؤن ٌقدم للمجتمع أي جهد وبؤي نوع بما فٌه‬
‫من خٌر ‪ ،‬ولقد كان "ّالنورسً" على وعً تام بهذه المعانً القٌمة التً تؤخذ بالمسلم إلى‬
‫سلوكٌة هادفة وواعٌة ‪ ،‬تلك السلوكٌة لٌست خٌالٌة أو وهمٌة ‪ ،‬بل إنسانٌة عملٌة تبلػ أقصى‬
‫درجات الدقة فً التحقق وذلك عندما تكون هناك عبودٌة خالصة هلل عز وجل ‪.‬‬
‫من المبلحظ أٌضا وهً نقطة نجدها قلما تكون عند المتصوفة الكبار وهً الهجرة من‬
‫وطنه فحٌن نجد الكثٌر من المتصوفة هاجروا من ببلد ألخرى من اجل السلوك والسٌر إلى‬
‫هللا أ و التتلمذ على بعض المشاٌخ والطرق الصوفٌة ‪ ،‬لكن " النورسً " عاش متنقبل بٌن‬
‫المدن والقرى ٌقوم بنشر تلك الدعوة وقد واجه فً سبٌل ذلك العدٌد من األذى من منافً‬
‫وسجن والعناء الشدٌد وٌذكر الباحث الساٌح‬
‫« عرض عميو ككيؿ ك ازرة المعارؼ الباكستانية اليجرة إلى باكستاف كشجعو عمى‬
‫ذلؾ بأنو سيجد ىناؾ تقدي ار أكبر لعممو كدعكتو كينجك مف العذاب الذم يعاني منو ‪ ،‬إال أنو رفض ىذه‬
‫اليجرة ألنو يأبى أف أف يبتعد عف مكامف الداء كليس مف كياسة الدعاة أف ييجركا أكطانيـ لمجرد التضييؽ‬
‫عمييـ أكلتعذيب يحؿ بيـ»‪.1‬‬
‫لقد عم ل " النورسً" على تربٌة وإعداد األجٌال على أساس وحدة فكرٌة وسلوكٌة وعاطفٌة‬
‫متماسكة ‪ ،‬حٌث أن هاته األجٌال تقوم أساس التنسٌق والتوافق الفكري والعاطفً والسلوكً‬
‫الملتزم الذي ال ٌعرؾ التناقض وال الشذوذ الناجم عن اإلختبلؾ الفكري والعاطفً والسلوكً‬
‫‪ ،‬لذلك ٌجب أن ٌك ون هذا التوافق على كل المواقؾ وأنماط سلوكهم بل حتى فً نشاطاتهم‪.‬‬

‫‪ -1‬أحمد عبد الكرٌم الساٌح ‪ ،‬بحوث في فكر بديع الزمان سعيد النورسي ‪ ،‬مركز الكتاب للنشر ‪ ،‬مصر ‪ ،‬الطبعة األولى ‪،‬‬
‫‪ 4666‬م ‪ ،‬ص ‪.49‬‬
‫‪354‬‬
‫إن منهج النورسً فً تصدٌه ومواجهته للتٌارات التؽرٌبٌة المعادٌة لئلسبلم والمحفزة على‬
‫السفور والتكشؾ واإلنحبلل الخلقً وتوجٌه األنظار نحو كل ما هو مادي وما توفره‬
‫الحضارة الؽربٌة من مؽرٌات الحٌاة ‪ ،‬إال أن النورسً وبمنهج صوفً مخاطبا به الناس من‬
‫موقع الداعٌة ال من موقع المشٌخة التقلٌدٌة بل مخاطبا حتى األعداء وذلك من أجل أن ٌبرز‬
‫لهم الحقابق اإلٌمان وٌحثهم على إتباعها والتمسك بها من أجل صد عجلة التؽرٌب المعادٌة‬
‫لئلسبلم بل للقٌٌم اإلسبلمٌة‬
‫ومنه نستنتج أن النورسً إستفاد من التصوؾ كمنهج لترشٌد عمله الهادؾ لئلصبلح‬
‫والتؽٌٌر بل التجدٌد ‪ ،‬فالتصوؾ عنده هو ذلك التصوؾ المعتمد والمستند والمإسس كلٌا على‬
‫منهج القرآن الكرٌم ذو المنهج الشمولً للدعوة‪ ،‬مخاطبا كافة الطبقات وفبات المجتمع ‪،‬‬
‫وعلى السنة النبوٌة الشرٌفة ترجمان القرآن الكرٌم سنة الرسول علٌه الصبلة والسبلم‬
‫كنموذج مثالً للتصوؾ الحقٌقً ٌجب اإلقتداء به وبصحابته رضوان هللا علٌهم بإعتبار أنهم‬
‫كانوا النموذج المتمٌز والمثالً لممارسة هذا التصوؾ أفعاال وأقواال شكبل ومضمونا فً‬
‫تفاعبلتهم ومعامبلتهم الٌومٌة مع بعضهم البعض أو حتى مع بعض أعداء األسبلم ‪ ،‬ذلك‬
‫التصوؾ الذي لم ٌعرؾ وال ٌعتمد فً زمانهم على الذوق والرٌاضة الروحٌة فقط وإنما‬
‫ٌتعاداه إلعتباره منهجا ناقصا ال ٌفً بحاجات وإحتٌاجات عصره الذي ٌمثل عصر تحدي‬
‫الفلسفات المادٌة المعادٌة للدٌن وقٌٌم الدٌن اإلسبلمً‪.‬فالتصوؾ من المنظور النورسً هو‬
‫الذي ٌعتمد وٌستند إلى ‪:‬‬

‫« الذكر القمبي كالػتأمؿ العقمي ‪ ،‬مع الحضكر الدائـ كاإلطمئناف كدكاـ شحذ‬
‫اإلرادة كالنية الصافية كالعزيمة الصادقة ىي األسس التي تقكـ عمييا الطريقة النقشبندية كالتي إستقى‬
‫النكرسي الكثير منيا كغاي تيا ىك خدمة الحقائؽ اإليمانية خدمة مباشرة مف خبلؿ خدمة الفرائض كالسنة‬
‫النبكية إلزالة األمراض القمبية»‪.1‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬الكلمات ‪ ،‬ص ‪.931‬‬

‫‪355‬‬
‫وما دام التصوؾ هكذا فإنه ٌعتقد ‪:‬‬

‫« أنو لك كاف أقطاب الصكفية في عصره لعممكا كلبذلكا كؿ ما في كسعيـ لتقكية‬


‫الحقائؽ اإليمانية كال عقائد اإلسبلمية ألنيا منشأ السعادة األبدية نعـ ال يمكف دخكؿ الجنة بدكف إيماف ‪،‬‬
‫لكف يدخميا الكثيركف بدكف تصكؼ ‪ ،‬فاإلنساف ال يمكف أف يعيش بدكف خبز كلكف يمكنو العيش دكف‬
‫فاكية ‪ ،‬فالتصكؼ فاكية كالحقائؽ اإلسبلمية خبز»‪.1‬‬

‫من خبلل هذا الخطاب نستنتج أن النورسً قد إستقى منهجه عن طرٌق جمع ما إعتبره من‬
‫مزاٌا الطرق الصوفٌة وبنى علٌها منهجه الصوفً التجدٌدي ‪ ،‬ولعل من بٌن أهم الطرق‬
‫الصوفٌة التً أعتبرت كمخبر صوفً إستفاد منه النورسً وإستثمرها فً ترشٌد عمله هً‬
‫الطرٌقة النقشبندٌة وٌٌتبٌن تؤثر النورسً بالشاه النقشبند فً أقواله التً إشتهر بها وكذا كتابه‬

‫الذي عنونه بالمكتوبات إقتداءا به‪ .‬كما إستثمر مخزونه الصوفً فً صٌاؼة خطابه بل ٌكاد‬
‫ٌتمثل مسلكه منهجا وموضوعا وٌرجع ذلك إلى الطرٌقة النقشبندٌة التً تعمل على ‪:‬‬

‫« خدمة الحقائؽ اإليمانية ‪ ،‬خدمة الفرائض الدينية كالسنة الشريفة تحت ستار‬
‫‪2‬‬
‫الطريقة كالسعي إلزالة األمراض القمبية عف طريؽ التصكؼ كالسير بخطى القمب كىي نفسيا»‬

‫بل من خبلل قراءة كلٌاته الحظنا أن التؤثر بالطرٌقة النقشبندٌة من حٌث التركٌز على‬
‫النقاط األساسٌة السابقة الذكر هً ذاتها التً سار علٌها النورسً وقامت دعوته علٌها‪.‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪،‬الكلمات ‪ ،‬ص ‪.94‬‬


‫‪ -2‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.931‬‬

‫‪356‬‬
‫إستنتاجات خاصة بمالمح ومعالم التجديد في الفكر الصوفي عند النورسي‬

‫إن المتتبع لسٌرة "النورسً" وتكراره الملفت لئلنتباه بؤنه لٌس صوفٌا وال شٌخ‬
‫طرٌقة وال مإسس لطرٌقة صوفٌه وإنما خادم القرآن ‪ ،‬وهذا ما ٌدل على أن النورسً لم‬
‫ٌقدم ال تصوؾ الكبلسٌكً ‪ ،‬وإنما إنتهج نهجا جدٌدا مخالفا للشٌوخ التصوؾ منهجا وطرٌقة‬
‫وسلوكا ‪ ،‬بل إستفاد من إنخراطه للطرٌقة النقشبندٌة ومن كتب كبار الشٌوخ الصوفٌة كعبد‬
‫القادر الكٌبلنً وأحمد الفاروق السرهندي وإستثمر معارفه إلنتقاء منهج إصبلحً متوازن‬
‫ناجعا لزمانه ‪ ،‬ذات بعد منهجً متوازن ‪ٌ ،‬دل على قبوله للفكر الصوفً من جهة ‪ ،‬وتجاوزه‬
‫له من جهة ثانٌة ؛ بناء على معطٌات العصر الموصوفة قبل‪ ،‬وما تفرضه من أولوٌات‪ .‬لقد‬
‫تشابهت حالة " النورسً" حالة متصوفة الصدر األول – إلى حد ما – كؤمثال الجنٌد‬
‫والحارث بن أسد المحاسبً ‪...‬إلخ الذٌن لً ٌشتؽلوا ال على األلقاب وال على األقطاب وال‬
‫حتى إلتزموا شٌخا معٌنا فً طرٌقهم وسٌرهم إلى هللا بل جعلوا سنة النبً علٌه الصبلة‬
‫والسبلم فً مجمل عباداته أستاذا ومرشدا ‪ ،‬والنورسً كان أمثال هإالء فً إلتزام السنة‬
‫النبوٌة الشرٌفة و جعل القرآن الكرٌم إذ ٌقول‪:‬‬

‫« فالقرآف ىك أسمى مرشد ‪..‬كأقدس أستاذ عمى اإلطبلؽ»‪.1‬‬

‫ومن هنا نرى أنه ألؽى وسابط المشاٌخ ومن بٌن معالم التجدٌد فً الحقل الصوفً من‬
‫المنظور النورسً ماٌلً ‪:‬‬

‫ثنائية الحقيقة والشريعة عند النورسي‬ ‫‪-‬‬


‫إن الحقٌقة والشرٌعة عند المتصوفة كمصطلح ٌشٌر إلى أن فً اإلسبلم علمٌن علم ٌخص‬
‫أهل الظاهر وهً الشرٌعة اإلسبلمٌة التً جاء بها النبً علٌه الصبلة والسبلم وهو الجانب‬
‫العملً؛ من عبادات ومعامبلت وأمور تعبدٌة‪ ،‬ومحله األعضاء الظاهرة الجسمانٌة‪ ،‬وقد‬
‫إصطلح العلماء على تسمٌته بالشرٌعة‪ ،‬وإختص بدراسته السادة الفقهاء‪.‬‬

‫‪ -1‬سعٌد النورسً ‪ ،‬العالم يتصفح كليات رسائل النور ‪ ،‬دار سوزلر للنشر والتوزٌع ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬مصر ‪ ،‬بدون‬
‫سنة نشر ‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪357‬‬
‫« عمـ الحقيقة كىك الذم يعبركف عنو بالعمـ المدني كىك الجانب الركحي القمبي؛‬
‫كىك أف تعبد ا﵀ كأنؾ تراه‪ ،‬فإف لـ تكف تراه فإنو يراؾ‪ ،‬كما ينتج عف ذلؾ مف أحكاؿ كأذكاؽ كجدانية‪،‬‬
‫كمقامات عرفانية‪ ،‬كعمكـ كىبية‪ ،‬كقد إصطمح العمماء عمى تسميتو بالحقيقة‪ ،‬كاختص ببحثو السادة‬
‫الصكفية»‪،1‬‬
‫إن ما أحدثه المتصوفة من تقسٌم الدٌن إلى حقٌقة وشرٌعة وعلم الباطن والظاهر وهذا مما‬
‫عرض الصوفٌة للنقد من جراء هذا التقسٌم والتفرٌق بٌن الحقٌقة والشرٌعة ‪،‬‬
‫لكن حذر النورسً من أن ٌفرق بٌن الحقٌقة وبٌن الشرٌعة فبل معنى للحقٌقة بدون شرٌعة ‪،‬‬
‫وال معنى للشرٌعة بدون حقٌقة والقصد عندهم من الحقٌقة معرفة الباطن وفقه الباطن أما‬
‫الشرٌعة فهً فقه الظاهر أو الخارج ‪ ،‬ولن ٌكون هناك سلوك وتدٌن إال إذا جمع المإمن بٌن‬
‫األمرٌن أي بٌن الحقٌقة والشرٌعة فقه الباطن مع فقه الخارج أو الظاهر‪ .‬وفً هذه النقطة‬
‫تكلم عنها أبو الحسن علً بن عثمان الهجوٌري العالم الصوفً فً القرن ‪ 5‬هـ الذي ٌعتبر‬
‫من رجال التصوؾ المعتدلٌن وأكد على ضرورة اإلتصال بٌن الحقٌقة والشرٌعة حٌث قال‬

‫« ال غنى عف الحقيقة (التصكؼ) عف الشريعة ‪ ،‬كال شريعة عف الحقيقة ‪ ،‬فالشريعة‬


‫بدكف حقيقة ليست إال رياء ‪..‬كالحقيقة بدكف الشريعة ليست إال نفاقا»‪. 2‬‬

‫ومن هنا ندرك التبلزم الوثٌق بٌن الشرٌعة والحقٌقة كتبلزم الروح والجسد بالمفهوم‬
‫النورسً ‪ ،‬والمإمن المتحقق هو الذي ٌجمع بٌن الشرٌعة والحقٌقة‪ ،‬وهذا ما ٌصبوا إلٌه‬
‫"النورسً"‪ ،‬مقتؾ بذلك أثر رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم‪ ،‬وأصحابه الكرام رضوان هللا‬
‫علٌه بحٌث تحقق السلؾ الصالح‪ ،‬من الصوفٌة بالعبودٌة الحقة‪ ،‬واإلسبلم الصحٌح‪ ،‬إذ‬
‫جمعوا بٌن الشرٌعة والحقٌقة‪ ،‬وبٌن الظاهر والباطن‪ ،‬فشكلوا بذلك نماذج فً الكمال الخلقً‪.‬‬
‫وقال ‪:‬‬

‫‪ -1‬عبد القادر عٌسى ‪ ،‬حقائق عن التصوف‪ ،‬دار المقطم للنشر والتوزٌع‪9112 ،‬م‪ ،‬ص ‪.919‬‬
‫‪ -2‬محمد شلبً شتٌوي ‪ ،‬التصوف والصوفية في ضوء النصوص الدينية والبراهين العقلية ‪ ،‬السحاب للنشر‬
‫والتوزٌع ‪ ،‬الطبعة األولى ‪9114 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.496‬‬
‫‪358‬‬
‫« إف السمكؾ في الطريقة النقشبندية يسير عمى جناحيف‪ ،‬أم االعتقاد الصحيح‬
‫بالحقائؽ اإليمانية‪ ،‬كالعمؿ التاـ بالفرائض الدينية ‪.‬فإذا ما حدث خمؿ كقصكر في أم مف ىذيف الجناحيف‬
‫يتعذر السير في ذلؾ الطريؽ»‪.1‬‬

‫‪ -‬نهج النورسي لثنائية العقل والقلب‬


‫لقد سلك "النورسً" فً مسلكه ‪ ،‬مسلكا خاصا به جعله ٌتمٌز عن ؼٌره من المصلحٌن‬
‫والمجددٌن ‪ ،‬إذ تمٌز مسلكه هذا بالمزج بٌن العقل والقلب وما ٌبٌن هذا المسلك مزج بٌن ما‬
‫ٌقوم على البرهان العقلً واإلستدالل العقلً وبٌن ما ٌتحقق بالتجربة الوجدانٌة " الذاتٌة"‬
‫والذوق ‪ ،‬وما ٌمكن اإلشارة إلٌه لٌس من السهل تحقٌق هذا النهج فً المزج خاصة عندما‬
‫ٌتعلق األمر فً الجانب العقدي وأٌضا فً مجال الدفاع عن العقٌدة من أجل ترسٌخ أركانها‪.‬‬
‫حاول "النورسً " بؤسلوبه هذا التجدٌدي من خبلل تناوله وصٌاؼة المسابل والقضاٌا‬
‫اإلٌمانٌة عن طرٌق البرهنة على صدقها وأحقٌتها بهذا األسلوب والذي ٌشتمل على فكر‬
‫العقل ومشاعر القلب ‪ ،‬ولعله بهذا المسلك ومن خبلل هذا األسلوب وفً محاولته هذه قد حقق‬
‫نجاحا واضحا وما ٌثبت ذلك النجاح قوة تؤثٌر هذه المإلفات " رسابل النور" على قاربٌها‪.‬‬
‫حٌث قال ‪:‬‬

‫« ضياء القمب ىك العمكـ الدينية‪ ،‬كنكر العقؿ ىك العمكـ الحديثة‪ ،‬فبإمتزاجيما‬


‫تتجمى الحقيقة‪ ،‬فتتربى ىمة الطالب كتعمك بكبل الجناحيف‪ ،‬كبافتراقيما يتكلد التعصب في األكلى كالحيؿ‬
‫كالشبيات في الثانية»‪.2‬‬

‫إذن كما قال الباحث عبد المنعم ٌونس ‪:‬‬

‫« ىكذا ييتـ التصكؼ المعاصر بالعقؿ إىتمامو بالقمب‪ ،‬فبالعقؿ يستطيع الصكفى‬
‫الدفاع عف اإلسبلـ‪ ،‬كالكقكؼ أماـ تمؾ الحمبلت المكجية إلى اإلسبلـ»‪.1‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.94‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬العالم يتصفح رسائل النور‪ ،‬دار سوزلر للنشر والتوزٌع ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬مصر ‪،‬‬
‫بدون طبعة ‪ ،‬ب دون سنة نشر ‪ ،‬ص ‪96‬‬
‫‪359‬‬
‫‪ -‬ثنائية الشيخ والمريد من المنظور النورسي‬
‫إن الطرق الصوفٌة بصفة عامة ال تخلوا من ثنابٌة الشٌخ والمرٌد بل من إلزامٌة الطرق‬
‫وجود هاته الثنابٌة ‪ ،‬كم ا أن الحدٌث عن الشٌخ والمرٌد كثنابٌة هً عبلقة عمودٌة تتمٌز‬
‫بنوع من السلطة الروحٌة فالشٌخ هو بمثابة األب الروحً للمرٌد أما المرٌد فهو ٌمثل فً‬
‫عبلقته بشٌخة باإلبن الذي ٌنصاع ألوامر شٌخه فً الفكر الصوفً التقلٌدي ولٌس له الحق ال‬
‫فً النقد وال السإال بل اإلمتثا ل ألوامره فقط ‪ ،‬لكن هاته العبلقة بهذا التصور والمفهوم أعاد‬
‫النورسً صٌاؼتها بما ٌتطلب مع حاجة العصر وأعطى لها صٌاؼة جدٌدة ثبلثٌة األبعاد إن‬
‫صح القول تتمٌز بالمرونة وفً نفس الوقت تحقق التكامل والترابط فٌما بٌن الطرفٌن أي‬
‫الشٌخ والمرٌد وٌكمن هذا التجدٌد التصور النورسً لهاته الثنابٌة كاآلتً ‪:‬‬
‫ٌعتبر النورسً أن العبلقات القابمة بٌن األستاذ والطبلب وهً بمثابة الثنابٌة عند النورسً‬
‫بدل مصطلح ثنابٌة الشٌخ والمرٌد بالمفهوم التقلٌدي ‪ ،‬حٌث أعاد صٌاؼة أو إعادة هٌكلة هذه‬
‫الثنابٌة إلى تقدٌم نموذج ذو أبعاد ثبلثٌة هاته العبلقات لها ثبلثة أوجه تخدم تلك العبلقات‬
‫وتمتنها وتربطها ببعضها البعض حٌث حصر " النورسً " هذه العبلقات فً ثبلثة مظاهر‬
‫تمثلت فً ‪:‬‬
‫المظهر األول ‪ :‬األخوة بٌن الطبلب وبٌنه‬
‫المظهر الثانً ‪ :‬كزمبلء فً الدرس‪.‬‬
‫المظهر الثالث ‪ :‬الذي تجلى فً نظر "النورسً" حول مساعدتهم له وإعتبارهم كؤصحاب‬
‫شورى من جهة أخرى‪.‬‬
‫وبهذا المفهوم والتصور الجدٌد نرى كٌؾ أن النورسً أعطى تصورا ونموذجا ٌتمٌز‬
‫بالمرونة حول عبلقة الشٌخ بالمرٌد وتحوٌلها من عبلقة عمودٌة إلى عبلقة أفقٌة ثبلثٌة‬
‫األبعاد تعكس رإٌة تختلؾ كل اإلختبلؾ عما كان سابدا من قبل الصوفٌة والفكر الصوفً‬
‫عامة‪.‬‬

‫‪ -1‬عبد المنعم ٌونس ‪ ،‬النورسي ورؤيته للتصوف المعاصر‪ ، ،‬النور للدراسات الفكرٌة والحضارٌة ‪،‬مإسسة‬
‫إسطنبول للثقافة والعلوم ‪ ،‬العدد ‪9149 ، 4‬م ‪ ،‬ص ‪.449‬‬

‫‪360‬‬
‫‪ -‬نقده النورسي لوحدة الوجود‬
‫لقد رد النورسً على نظرٌة وحدة الوجود ‪ ،‬وهو ٌنكر ما جاء به محً الدٌن إبن عربً‬
‫عن فكرة وحدة الوجود وال ٌتهمه بالزندقة أوالكفر أو الفسوق وإنما قام بنقده دون تجاهل‬
‫سعة علمه وال علو مقامه وال عمق أفكاره ‪ ،‬بل بٌن وجهة نظره قاببل ‪:‬‬

‫« يعتبر كحدة الكجكد التي تضـ كحدة الشيكد مف المشارب الصكفية الميمة كىي‬
‫تعني حصر النظر في كاجب الكجكد ‪،‬أم أف المكجكد الحؽ ىك كاجب الكجكد سبحانو فحسب ‪ ،‬كاف سائر‬
‫المكجكدات ظبلؿ باىتة كزيؼ ككىـ التستحؽ إطبلؽ صفة الكجكد عمييا حياؿ كاجب الكجكد ‪ ،‬لذا فإف‬
‫أىؿ المشرب يذىبكف إلى إعتبار المكجكدات خياال ككىما كيتصكركنيا عدما ‪ ،‬في مرتبة ترؾ ما سكاه‪ ،‬أم‬
‫ترؾ ماسكل ا﵀ تعالى حتى إنيـ يتطرفكف كيذىبكف إلى حد إعتبار المكجكدات مرايا خيالية لتجميات‬
‫األسماء الحسنى»‪.1‬‬

‫هكذا كان رده ورفضه حول وحدة الوجود دون تجرٌح أو إتهام له وإانما باإلقناع لقد كان‬
‫التصور والمفهوم‬ ‫النورسً مدركا ما تتضمنه وحدة الوجود من مضمون ٌتنافى مع‬
‫اإلسبلمً لذا رفضها مقٌما األدلة التً رآها كافٌة فً رفض وحدة الوجود‪ ،‬وٌمكن تلخٌصها‬
‫فٌماٌلً‪ :‬حٌث ٌرى النورسً‬

‫« أن كحدة الكجكد مشرب كنزعة كحاؿ كىي مرتبة ناقصة لككنيا مشربة بمذة‬
‫كجدانية كنشكة ركحية فإف معظـ الذيف يحممكنيا أك يدخمكف إلييا ال يرغبكف في مغادرتيا فيبقكف فييا‬
‫ظانيف أني ا ىي المرتبة األخيرة التي ال تسمك فكقيا مرتبة‪ .‬أم أنو منزه عف الشبو كالتحيز كالتجزؤ كاف‬
‫عبلقتو بالمكجكدات عبلقة الخالؽ بالمخمكقات فالمكجكدات ليست أكىاما كما يدعي أصحاب كحدة الكجكد‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً‪،‬الكلمات ‪.246 ،‬‬

‫‪361‬‬
‫بؿ ىذه األشياء الظاىرة ىي مف آثار ا﵀ سبحانو كتعالى‪ ،‬إذا فميس صحيحا قكليـ ال مكجكد إال ىك كانما‬
‫الصحيح ال مكجكد إال منو»‪.1‬‬

‫مما ٌدفع به النورسً وحدة الوجود أن القابلٌن بها إذا كانوا ٌقولون ال موجود إال هلل‬
‫وٌنزلون الموجودات منزلة العدم والخٌال ولكن هاته الموجودات والكابنات ما هً إال‬
‫تجلٌات هللا عز وجل ومن آٌاته ‪ .‬وهً مراٌا لتجلٌات هللا تعالى وألسماءبه الحسنى‪.‬‬
‫فتحلٌبلته فً رد القول بوحدة الوجود إلى مقامات روحٌة قاصرة تجعل صاحبها ٌنخدع وإن‬
‫لم ٌكن قصده أن ٌخدع أحدا وعلٌه ٌكون القابل بها ؼٌر محل للقدوة واإلتباع وهو بذلك فً‬
‫حاجة إلى تصحٌح عقٌدته بل قد ٌكون أحوج إلى التوجٌه واإلرشاد‪ ،‬لٌكتشؾ منزلقه وما‬
‫ٌتؤدى إلٌه من مآالت فكرٌة خطٌرة وقد لخص القول فٌه بـ ‪:‬‬

‫« بأنو ال يخدع كلكف ينخدع كىك ميتد لكف ال يككف ىاديا لغيره في ما كتبو»‪.2‬‬

‫حٌث قال ‪:‬‬


‫« إف أىؿ" كحدة الكجكد "تكىمكا الكائنات عدما‪ ،‬فقالكا" ‪:‬ال مكجكد إال ىك "ألجؿ‬
‫الكصكؿ إلى االطمئناف كالحضكرالقمبي ‪.‬ككذا أىؿ" كحدة الشيكد "حيث سجنكا الكائنات في سجف النسياف‪،‬‬
‫فقالكا" ‪:‬ال مشيكد إال ىك "لمكصكؿ إلى االطمئناف القمبي‪ .‬بينما القرآف الكريـ يعفي الكائنات بكؿ كضكح‬
‫عف اإلعداـ‪ ،‬كيطمؽ سراحيا مف السجف ‪.‬فيذا الطريؽ عمى نيج القرآف ينظر إلى الكائنات أنيا مسخرة‬
‫لفاطرىا الجميؿ‪،‬كخادمة في سبيمو‪ ،‬كأنيا مظاىر لتجميات األسماء الحسنى‪ ،‬كأنيا مرايا تعكس تمؾ‬
‫التجميات‪ .‬أم أنو يستخدميا بالمعنى الحرفي‪ ،‬كيعزليا عف المعنى االسمي‪ ،‬مف أف تككف خادمة كمسخرة‬
‫بنفسيا ‪.‬كعندىا ينجك المرء مف الغفمة‪ ،‬كيبمغ الحضكر الدائمي عمى نيج القرآف الكريـ‪.‬فيجد إلى الحؽ‬
‫سبحانو طريقا مف كؿ شيء»‪.3‬‬

‫وٌلخص "النورسً" بعد ذلك منهج "محً الدٌن بن عربً" وقاعدته التً بنى علٌها‬
‫مذهبه‪ ،‬فٌقول‪ :‬إن ابن عربً ٌقول " ال موجود إال هو"‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.413‬‬
‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬اللمعات ‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫‪ -3‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪،‬الكلمات ‪ ،‬ص ‪.234‬‬

‫‪362‬‬
‫« ألجؿ الحصكؿ عمى الحضكر القمبي الدائـ‪،‬أماـ ا﵀ سبحانو كتعالى‪ ،‬حتى‬
‫كصؿ بو األمر إلى إنكار كجكد الكائنات‪.‬أما اآلخركف فؤلجؿ الحصكؿ عمى الحضكر القمبي أيضان قالكا‪:‬‬
‫"ال مشيكد إالّ ىك"كألقكا ستار النسياف المطمؽ عمى الكائنات كاتخذكا طك نار عجيبنا‪ .‬بينما المعرفة المستقاة‬
‫مف القرآف الكريـ تمنح الحضكر القمبي الدائـ‪ ،‬فضبلن عف أنيا ال تقضي عمى الكائنات بالعدـ كال تسجنيا‬
‫في سجف النسياف المطمؽ‪ ،‬بؿ تنقذىا مف اإلىماؿ كالعبثية كتستخدميا في سبيؿ ا﵀ سبحانو‪ ،‬جاعمة مف‬
‫كؿ شئ مرآة تعكس المعرفة اإلليية كتفتح في كؿ شيء نافذة إلى المعرفة اإلليية»‪.1‬‬

‫‪ -‬موقفة من أفضلية الوالية عل النبوة‬


‫إن مفهوم الوالٌة قد إعتراه إنح راؾ حٌث أنه قال بعض الؽبلة من المتصوفة بؤفضلٌة‬
‫الوالٌة على النبوة مستدلٌن فً ذلك بقصة سٌدنل موسى مع الخضر الذي لم ٌكن نبٌا وكان‬
‫له علم لم ٌكن لسٌدنا موسى علٌه السبلم بالرؼم من أنه نبٌا وكٌؾ الخضرعلم النبً موسى‬
‫علٌه السبلم ‪ ،‬من هذا المنطلق رأوا إلى تعظٌم مقام الوالٌة على النبوة ‪ ،‬وقد سجل هذا‬
‫اإلنحراؾ فً البحر المحٌط ألبو حٌان فقال ‪:‬‬

‫« تعمؽ بعض الجياؿ بما جرل لمكسى مع الخضر عمييما السبلـ عمى أف‬
‫الخضر أفضؿ مف مكسى كطردكا الحكـ كقالكا قد يككف بعض األكلياء أفضؿ مف ‪ ،‬لدرجة أنيـ قامكا‬
‫بتفضيؿ األكلياء عمى أحد األنبياء كاستدلكا بقكؿ أبي يزيد خضت بح ار كقؼ األنبياء بساحمو كىذا كمو مف‬
‫ثمرات الرعكنة كالظممة مف النفس»‪.2‬‬

‫وكما ٌقول إبن عربً‪" :‬إن الولً فوق النبً أو الرسول"‪.‬وكذلك ٌرى بعض المتصوفة‬
‫أفضلٌة األولٌاء على الصحابة رضوان هللا علٌهم‬
‫فقد حرص " النورسً " على أن ٌكشؾ هذا اإلنحراؾ لما له صله وثٌقة بالعقٌدة وشدد‬
‫اإلنكار لهذا اإلنحراؾ حول من ٌرى إقتراب مقام الوالٌة من مقام النبوة بل بٌنه وإعتبره من‬
‫المزالق الصوفٌة ممن ال ٌتبعون السنة الشرٌفه منهاجا لهم وبالتالً إعتقادهم بؤرجحٌة الوالٌة‬
‫على النبوة حٌث قال ‪:‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪،‬المكتوبات ‪ ،‬ص ‪.192‬‬


‫‪ -2‬أبً حٌان ‪ ،‬البحر المحيط ج‪ ، 6‬دار الفكر ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬الطبعة الثانٌة ‪4645 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.493‬‬
‫‪363‬‬
‫« أف مف مزالؽ بعض الصكفية ممف ال يتبعكف السنة عمى الكجو الصحيح‬
‫إعتقادىـ أرجحية الكالية عمى النبكة»‪.1‬‬

‫‪ -‬موقفه من أفضلية الوالية عل الصحبة‬


‫كذلك من بٌن اإلنحرافات التً واجهها حقل التصوؾ لدى بعض المتصوفة‪ ،‬وقد تناول "‬
‫النورسً" موض وع المفاضلة بٌن الوالٌة والصحبة من خبلل سإال وجه له عن حقٌقة ما‬
‫ٌروى من أنه حٌن تنتشر البدع ٌمكن أن ٌبلػ مإمنون صادقون درجة الصحابة الكرام‬
‫رضوان هللا علٌهم وربما ٌسبقونهم فهل هذه الرواٌات صحٌحة؟ وإن كانت كذلك فما‬
‫حقٌقتها؟ فكان جوابه كماٌلً ‪:‬‬

‫« أف إجماع أىؿ السنة كالجماعة حجة قاطعة عمى أف الصحابة الكراـ ىـ أفضؿ‬
‫البشر بعد األنبياء عمييـ السبلـ فالصحيح مف تمؾ الركايات يخص الفضائؿ الجزئية كفي كماؿ خاص‬
‫معيف‪ ،‬كاال فبل يبمغ أحد مف حيث الفضائؿ الكمية غير الصحابة الكراـ الذيف أثنى ا﵀ عمييـ في قرآنو‬
‫المبيف ككصفيـ في التكراة كاإلنجيؿ كما ىك في ختاـ سكرة الفتح»‪.2‬‬

‫كما أشار النورسً أنه فً حالة إرضاء الفضول العلمً ٌجوز هذه المفاضلة ‪ ،‬وأما من‬
‫أجل المفاضلة بٌن األولٌاء والصحابة فإن الصحابة هم سادة األولٌاء وفٌهم تنزل وصؾ‬
‫الوالٌة ‪ .‬لقد ذكر النورسً‬

‫« أف أعظـ كلي مف األكلياء ال يستطيع أف يناؿ مرتبة صحابي كريـ لرسكؿ عميو‬
‫الصبلة كالسبلـ حتى لك أف ىذا الكلي كاف يرل النبي عميو الصبلة كالسبلـ عيانا مرات عديدة‪ ،‬ألف‬
‫الصحابي لقي النبي عميو الصبلة كالسبلـ حاؿ ككنو نبيا رسكال أما األكلياء فإنما كانت رؤيتيـ لو بعد‬
‫كفاتو أم بعد إنقطاع نكر الكحي‪ ،‬فيي صحبة بنكر الكالية»‪.3‬‬

‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص‪.255‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪،‬الكلمات ‪ ،‬ص ‪.249‬‬
‫‪ -3‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.241‬‬
‫‪364‬‬
‫‪ -‬تجديد مصطلح الفناء ‪ :‬من فناء في الرسول وفناء في الشيخ إل فناء في اإلخوة‬
‫إن مصطلح الفناء من التصورات التً تناولها العدٌد من الصوفٌة من وجهات عدٌدة ومن‬
‫جهة أخرى كان محل إن تقاد لبعض العلماء الشرٌعة والفقهاء ‪ ،‬ولقد كان الفناء من‬
‫المصطلحات التً شؽلت حٌز المتصوفة وما تعدد إختبلؾ تناوله إال لتصورات ترجع‬
‫إلختبلفات ثقافٌة وإجتماعٌة فمن بٌن هذا التعدد ما ذكره القشٌري فً رسالته القشٌرٌة حٌث‬
‫قال ‪:‬‬

‫« لمفناء كالبقاء بمعاني منيا فناء المرء عف أكصافو المذمكمة لتبقى األكصاؼ‬
‫المحمكدة‪ ،‬كفناؤه عف شيكاتو لتبقى نيتو كاخبلصو في عبكديتو كمنيا فناؤه عف الخمؽ بالحؽ كمنيا فناؤه‬
‫عف نفسو كعف الخمؽ بزكاؿ إحساسو بنفسو كبيـ»‪.1‬‬

‫لكن النورسً قد قدم مفهوما مؽاٌرا لهذا الفناء حٌث قام بموزانة هذا المصطلح بما ٌتوافق‬
‫مع الشرٌعة اإلسبلمٌة ‪ ،‬بل نرى تعامله مع المفاهٌم الخاطبة بمنهج فكري متمٌز وذلك‬
‫بإعادة هٌكلتها وإنتاجها بما ٌتوافق مع روح الشرٌعة بل ٌعكس إستثماره لهاته المفاهٌم‬
‫الخاطبة وإعادة بلورتها وفق ما ٌتطلبه العصر ووفق إحتٌاجات هذا العصر‪ .‬إن الفناء فً‬
‫اإلخوان هو نتٌجة هذا اإلستثمار الذي مفاده تقدٌم العون لبعضهم والبعض حٌث قال فً‬
‫اللمعات عن الفناء هناك اصطبلحات تدور بٌن المتصوفة‬

‫« أمثاؿ الفناء في الشيخ كالفناء في الرسكؿ كأنا لست صكفيا كلكف الفناء في‬
‫اإلخكاف دستكر جميؿ يناسب مسمكنا كنيجنا تماما أم أف يفنى كؿ في اآلخر أم أف ينسى كؿ أخ حسياتو‬
‫النفسانية كيعيش فك ار مع مزايا إخكانو كفضائميـ حيث إف مسمكنا ىك األخكة في ا﵀ كأف العبلقات التي‬
‫تربطنا ىي األخكة الحقيقية كليس عبلقة األب باإلبف كال عبلقة الشيخ مع المريد كاف كاف كال بد فمجرد‬
‫العبلقة باألستاذ كما داـ مسمكنا ىك الخميمية فمشربنا إذا ىك الخمة كالخمة تقتضي صديقا صدكقا كرفيقا‬
‫مضحيا كأخا شيما غيك ار إف األساس ىك اإلخبلص التاـ»‪ .2‬وٌقول‪:‬‬

‫‪ -1‬القشٌري ‪،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.39‬‬


‫‪ -2‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪،‬اللمعات ‪.912 ،‬‬
‫‪365‬‬
‫« إف سر األخكة ىك إفناء الفرد شخصيتو في شخصية إخكانو كايثارىـ عمى نفس»‪.1‬‬

‫إن إعادة إنتاج هذا المصطلح وإستثماره لهذا الفناء بهذا المعنى ال ٌسعنا القول إال أنه أعطاه‬
‫صبؽة جدٌدة ومعنى جدٌدا هذا المعنى المتجسد فً كسر الذاتٌة واألنانٌة وظهور اإلٌثار‬
‫وإلى المساعدة والتعاون مع اآلخر مما ٌحقق بهذا المفهوم التماسك واإلتحاد للنهوض بهذه‬
‫األمة ومواكبة الحضارة‪ .‬وبهذا ٌكون جدد هذا المصطلح وفق مقتضٌات وحاجات العصر‬
‫ولٌس بالرفض والتهمٌش واإلقصاء بل أثبت جدارته وقدرته فً هذا التجدٌد ‪.‬‬
‫‪ -‬تجديد النورسي طريق الوصول إل هللا ‪:‬‬
‫لقد صاغ النورسً طرٌقا للوصول إلى المعرفة الحقٌقة دون الدخول فً مقامات وأحوال‬
‫التصوؾ بل إختصر هذا الطرٌق إن طرٌق السلوك هلل فً الطرق الصوفٌة كثٌرة ومتعددة‬
‫وما تتضمنه من مسالك طوٌلة التً تعتمد على اإلجتهادات الذاتٌة التً قد تكون ؼٌر‬
‫منضبطة بالكتاب والسنة ‪.‬ونظرا لكون النورسً ٌخاطب وسطا مشحونا بؤجواء التصوؾ ‪،‬‬
‫فإنه ٌقدم طرٌقا ومسلكا سلٌما وآمنا للسلوك إلى هللا‪ٌ .‬شٌر النورسً إلى أنه هناك طرابق‬
‫كثٌرة وسبل عدٌدة للوصول إلى هللا سبحانه وتعالى ‪ ،‬ومورد جمٌع الطرق الحقة ومنهل‬
‫السبل الصاببة إنما هو القرآن الكرٌم ‪ ،‬إال أن بعض الطرق أقرب من بعض وأسلم وأعم‪.‬‬
‫ومن خبلل تؤمله فً القرآن الكرٌم أنه إستفاد من فٌض القرآن الكرٌم ٌقدم طرٌقا قصٌرا‬
‫وآمنا للسلوك إلى هللا وهو بمثابة سبٌبل سوٌا تمثل هذا الطرٌق فً طرٌق‪:‬‬
‫العجز و الفقر و الشفقة و التفكر‬
‫طرٌق العجز إذ ٌوصل إلى المحبوبٌة بطرٌق العبودٌة‪.‬‬
‫وطرٌق الفقر مثله ٌوصل إلى اسم "الرحمــن" وكذلك الشفقة كالعشق موصل إلى هللا ‪ ،‬إاال‬
‫أنفذ منه فً السٌر وواسع منه مدى ‪ ،‬إذ هو ٌوصل بإسم هللا "الرحٌم" وطرٌق التفكر هو‬
‫سبب فً إحراز اإلخبلص الذي ٌكسب المرء حضورا وسكٌنة باإلٌمان التحقٌقً‬
‫تجديد نهجا ومشربا هذه الطريقة‬

‫‪ -1‬نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪.921‬‬


‫‪366‬‬
‫قد بٌن أن الترقً والتدلً وذلك من خبلل تقسٌمه السٌر إلى السير األنفسي والسير اآلفاقي‬
‫وهما مشربان ونهجان فً الطرٌقة‬
‫"فالسٌر األنفسً ٌبدأ من النفس وٌصرؾ صاحب هذا السٌر نظره عن الخارج وٌحدق فً‬
‫القلب مخترقا أنانٌته‪ .‬ثم ٌنفذ منها وٌفتح فً القلب ومن القلب سبٌبل إلى الحقٌقة‪ ..‬ومن هناك‬
‫ٌنفذ إلى اآلفاق الكونٌة فٌجدها منورة بنور قلبه‪ ،‬فٌصل سرٌعا إلى أن الحقٌقة التً شاهدها‬
‫فً دابرة النفس ٌراها بمقٌاس أكبر فً اآلفاق‪ ،‬وأؼلب طرق المجاهدة الخفٌة ٌسٌر وفق هذه‬
‫السبٌل‪ ،‬وأهم أسس هذا السلوك هو كسر شوكة األنانٌة وتحطٌمها‪ ،‬وترك الهوى وإماتة‬
‫النفس‪.‬‬
‫أما النهج الثانً فٌما ٌخص السٌر اآلفاقً ‪ :‬فٌبدأ من اآلفاق وٌشاهد صاحب هذا النهج‬
‫تجلٌات أسماء هللا الحسنى وصفات ِه الجلٌلة فً مظاهر تلك الدابرة اآلفاقٌة الكونٌة الواسعة‪ ,‬ثم‬
‫ٌنفذ إلى دابرة النفس فٌرى أنوار تلك التجلٌات بمقاٌٌس مصؽرة فً آفاق كونه القلبً‪ ،‬فٌفتح‬
‫فً هذا القلب أقرب طرٌق إلٌه تعالى‪ ،‬وٌشاهد أن القلب حقا مرآة الصمد فٌصل إلى مقصوده‬
‫ومنتهى أمله‬
‫أما أوراد هذه الطريقة فهي ‪:‬‬
‫وأما فٌما ٌخص أوراد هذا الطرٌق القصٌر وأذكاره ‪ ،‬فقد حصرها فً ‪" :‬اتباع السنة النبوٌة‬
‫والعمل بالفرابض ‪ ،‬السٌما إقامة الصبلة باعتدال األركان ‪ ،‬والعمل باألذكار عقبها وترك‬
‫الكبابر‪.‬‬
‫وفٌما ٌخص األوراد فقد أشار إلى ورطة ٌمكن الوقوع فٌها وهً من مزالق الصوفٌة ‪،‬‬
‫وهً تفضٌل الطرٌقة وأورادها الخاصة على الطرٌقة األم أي أوراد السنة النبوٌة الشرٌفة ‪.‬‬
‫وهً ترجٌح بعض المتطرفٌن والمتعصبٌن جدا للطرٌقة؛ ألوراد طرٌقتهم وآدابها؛ على‬
‫أذكار السنة النبوٌة الشرٌفة‪ ،‬فٌسقطون بذلك فً منزلق مخالفة السنة النبوٌة وتركها‪ ،‬فً حٌن‬
‫أنهم الذي ٌظلون مرتبطٌن بؤوراد طرٌقتهم الخاصة التً إبتدعوها ‪ ،‬فٌهوون فً الورطة‪.‬‬
‫وكما أثبتنا فً كلمات كثٌرة‪ ،‬وكما أكد كبار محققً الطرق‪ ،‬كاإلمام الؽزالً‪ ،‬واإلمام‬
‫الربانً‪:‬‬

‫‪367‬‬
‫« أف إتباع سنة كاحدة مف السنف النبكية يككف مقبكال عند ا﵀ أعظـ مف مائة مف‬
‫اآلداب كالنكافؿ الخاصة‪ .‬إذ كما أف فرضا كاحدا يرجح عمى ألؼ مف السنف؛ فاف سنة كاحدة مف السنف‬
‫النبكية ترجح عمى ألؼ مف آداب التصكؼ»‪.1‬‬

‫فبدٌع الزمان لم ٌسجل قطٌعة إبستمولوجٌة مع الفكر الصوفً؛ ‪.‬وإنما الذي ٌمكن قوله هو أنه‬
‫جدد الفكر الصوفً نفسه ؛ بمحاولة إعادة إنتاج الحقابق القلبٌة اإلٌمانٌة‪ ،‬ال بواسطة هٌاكل‬
‫الطرٌقة وقواعدها‪ ،‬من زاوٌة أو تكٌة و من مشٌخة وبٌعة وأوراد قولٌة وفعلٌة ‪ ،‬ولكن‬
‫إعادة إنتاجه اإلٌمانً كان ٌنطلق بصورة مباشرة من نبع القرآن الفٌاض الصالح لكل زمان‬
‫ومكان ‪ ،‬حٌث إنه لم ٌستمر فً سٌرورة نظام المشٌخة بمفهومها الصوفً‪.‬الكبلسٌكً فبعد‬
‫حصول التحوالت المشهودة فً حٌاته اإلٌمانٌة قدم خدمة مباشرة للحقابق اإلٌمانٌة بمنهج‬
‫قرآنً وما نص علٌه من العبادات ومن تؤدٌة الفرابض الدٌنٌة واإللتزام بها وترك المعاصً‬
‫والكبابر والعمل بما جاء فً السنة النبوٌة الشرٌفة دون إلزام أوراد ومقوالت مخصوصة قد‬
‫تإثر على اإللتزام بالسنة وذلك بااإلهتمام بالورد أكثر من السنة التً هً ترجمان القرآن‬
‫الكرٌم‪.‬‬
‫ترك الطرق وأربابها دون التنقٌص ‪ ،‬والمشٌخة وأشكالها دون التنقٌص منهما‪ ،‬فلم ٌنصبها‬
‫أمامه فً مسلكه إلى هللا‪ ،‬وال أنتج طرٌقة جدٌدة كما هو معهود فً نظام الطرق الصوفٌة فً‬
‫العصور المتؤخرة ‪.‬وإنما صار بما سلكه من منهج قرآنً مجددا فً الفكر الصوفً منهجا‬
‫وسلوكا وطرٌقة وال ٌسعنا القول إال أنه جدد الفكرالصوفً بإمتٌازبل هو صوفً بإمتٌاز‪.‬‬

‫وفً األخٌر ما ٌسعنا إال القول بؤن حتى وإن كان بدٌع الزمان سعٌد النورسً ٌتحرج أو‬
‫ٌنفً كلمة صوفً بقوله أنا لست صوفٌا أو لست شٌخ طرٌقة صوفٌة ‪ ،‬إال أنه ٌمكننا القول‬
‫بؤنه صوفً بإمتٌاز منهجا ومسلكا وسلوكا ‪.‬‬

‫إنه جدد الفكر الصوفً نفسه؛ وذلك من خبلل محاولة إعادة إنتاج الحٌاة الروحٌة بالحقابق‬
‫القلبٌة اإلٌمانٌة‪ ،‬ال بواسطة هٌاكل الطرٌقة وقواعدها بتشٌٌد الزواٌا والتكاٌا وما تضمنته من‬

‫‪.255‬‬ ‫‪ -1‬بدٌع الزمان سعٌد النورسً ‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬ص‬


‫‪368‬‬
‫مشٌخة‪ ،‬وبٌعة‪ ،‬وأوراد قولٌة وفعلٌة‪ ،‬ولكن إنتاجه كان بتجدٌد اإلٌمان بحد ذاته ذلك اإلنتاج‬
‫اإلٌمانً الذي كان ٌنطلق بصورة مباشرة من نهج القرآن متشربا من فٌوضاته ومنهج السنة‬
‫النبوٌة الشرٌفة المطهرة التً هً ترجمان القرأن والناطق له ‪ .‬بدل إنضباطه وحصره‬
‫لنظام المشٌخة بالمفهوم الصوفً التقلٌدي فلم ٌستمر على هذا النحو بل ترك الطرق‬
‫الصوفٌة ومشاٌخها وأشكال المشٌخة ولم ٌنتج طرٌقة صوفٌة جدٌدة كما هو معهود‬
‫وعهدناه من خبلل المإلفات الصوفٌة فً نظام الطرق الصوفٌة فً العصور المتؤخرة وإنما‬
‫إنتهج مسلكا متشربا من منهج قرآنً دفعه إلى سلوك مسلك جدٌد ال من حٌث الطرٌقة وال‬
‫من حٌث األذكار فوجد نفسه مطلوبا لهمة أخرى ؼٌر التربٌة الصوفٌة بمعناها التقلٌدي‬
‫ومن هنا انطلق فاتحا مسلكا جدٌدا فً مجال تجدٌد الدٌن بهذا العصر‪ ،‬دون أن ٌحدث‬
‫قطٌعة كاملة مع مفاهٌم الصوفٌة ومصطلحاتهم بل حتى قواعدهم فً التربٌة والتوجٌه‪.‬‬

‫فالبرؼم من تطورات األحداث فً عصره سواء على الجانب اإلجتماعً والثقافً‬


‫والسٌاسً ‪...‬إلخ لمحاو الت بكل الوسابل وشتى الطرق إلستبصال الدٌن من المجتمع‬
‫التركً من طرؾ التٌارات التؽرٌبٌة العلمانٌة بكل مظاهره والقضاء علٌه إلعتبارهم أنه‬
‫ٌقؾ فً وجه الحضارة الؽربٌة ومن تقدمها هذا من جهة ومن جهة أخرى تطورات‬
‫االٌمانٌة على المستوى الشخصً والمعنوي لبدٌع الزمان سعٌد النورسً فبرؼم من أن‬
‫أؼلب حٌاته تؤرجحت بٌن السجون والمنافً واإلعدام إال أن هذه المحن لم تقؾ فً وجهه‬
‫بل كانت دافعا قوٌا وأوجدت قوى باطنة فً نفسه توجهه توجٌها وبقوة إلى ٌسلك مسلكا‬
‫جدٌدا‪ .‬ونلمس قدرته وكفاءته فً تحوٌل هذه المحن إلى منح إٌمانٌة حقٌقٌة تقؾ بالمرصاد‬
‫أمام تلك التٌارات الؽربٌة المعادٌة للدٌن اإلسبلمً بكل مظاهره التً أنقذت األمة اإلسبلمٌة‬
‫من وحل الشبهات و اإللحاد ‪ ،‬فبدٌع الزمان سعٌد النورسً هو ذلك المجدد والمصلح لحال‬
‫األمة اإلسبلمٌة وبذكاءه ووعٌه العمٌق الفكري والروحً تصدى هذه العدابٌة بإنتهاجه‬
‫مس لكا جدٌدا مؽاٌرا لما عهدناه من دور الطرق الصوفٌة ووظٌفتها فً الحفاظ على الدٌن‬
‫أمام األعداء ‪ ،‬بل جدد ذلك دون أن ٌنقطع عما كان تقلٌدٌا أي التربٌة الروحٌة بما ٌتوافق‬
‫مع متطلبات العصر وإحتٌاجات إنسان الٌوم وبما ٌحقق له التوازن المادي والروحً معا‬
‫واألهم عند الن ورسً هو أن ٌصبح التصوؾ كسلوك ممارس قوال وفعبل ظاهرا وباطنا‬
‫‪369‬‬
‫وبالتالً إعادة إحٌاء الحٌاة الروحٌة فً مقابل تطور الحٌاة المادٌة فً هذا العصر‬
‫فالتصوؾ من المنظور النورسً هو ذلك التصوؾ الذي ٌعمل على التؽذٌة الروحٌة‬
‫وتحقٌق اإلٌمان القوي وإعطاء لهذه العبادات معنى روحً وتحقٌق األمن السٌكولوجً‬
‫والداخلً ومن إحتٌاجات نفسٌة إلنسان المعاصر والذي بدوره ٌوازي التطور المادي‬
‫الملبً إلحتٌاجات مادٌة حسب مستجدات العصر وما تفرضه هاته المادٌة من إفرازات‬
‫تإثر على الفرد بشكل أساسً كالتوتر والقلق والكآبة التً هً كحتمٌات لهاته الحضارة‬
‫المادٌة كما أن اإلهتمام بالجانب المادي قد ٌإثر على الجانب العبادات وٌجردها من المعنى‬
‫الروحً ‪ .‬حٌث أن طبٌعة اإلنسان فً حد ذاتها هً فً تكوٌنها تتركب من جانبٌن جانب‬
‫روحً "النفس " وجانب مادي " الجسم"‪.‬فإذا كان التصوؾ بالمنظور النورسً ٌلبً‬
‫إحتٌاجات الجانب الروح ً فإن التطور المادي والحضاري ٌلبً الجانب المادي لئلنسان‬
‫المعاصر وبهذا نخلص إلى أن التصوؾ بهذا المفهوم ٌتمٌز بالمرونة وٌتوافق مع متطلبات‬
‫العصر بإعتبار أن منهج القرآن ومنهج السنة الشرٌفة هً ذات منهج صالح لكل زمان‬
‫ومكان قابلة ونلمس هاته المرونة من خبلل التعد ٌل والتجدٌد وفق متطلبات ومستجدات‬
‫العصر وٌحقق التوازن الروحً والمادي معا لئلنسان المعاصر‪ .‬فرسابل النور درسا‬
‫متخصصا فً بٌان خصابص هذا المسلك ‪،‬الذي ٌراه "النورسً" أنه مسلك المستقبل الذي‬
‫به ٌتجدد عهد األمة ومٌثاقها‪ ،‬وبه تكون وحدتها وإنبعاثها من جدٌد‪.‬‬

‫وعلٌه نخت م بقول بنبٌنا الكرٌم علٌه الصبلة والسبلم حٌنما قال ‪ " :‬يبعث هللا لكل أمة عل‬
‫رأس كل مائة عام من يجدد لها أمر دينها"‪ .‬فكان بدٌع الزمان سعٌد النورسً أهبل بذلك‬
‫التجدٌد وما رسابل النور إال كشاهد على هذا التجدٌد ‪ ،‬حتى أنه ٌمكننا القول أنه ٌمكن‬
‫إعتبار رسابل الن ور بحد ذاتها كمشٌخة تعمل على التربٌة الروحٌة القوٌمة ‪ ،‬وٌكمن سر‬
‫نجاح دعوته اإلسبلمٌة إلنقاذ اإلٌمان فً هذا العصر ألنه لم ٌنطلق من مناهج تارٌخٌة‬
‫ضٌقة كانت تشكل صراعات ماضٌة بٌن الحضارات الؽازٌة والتً إستنفذت أؼراضها فً‬
‫العصر الحدٌث ‪ ،‬وظهرت مكانها مشكبلت خارجٌة وداخلٌة ‪ ،‬وإنما إنطلق من الكل‬
‫القرآنً الذي ٌقرأ الكون ببراهٌنه الثبلثة ‪ :‬برهان الكون المنظور "الكابنات" وبرهان الكون‬
‫المقروء" القرآن الكرٌم" والبرهان الناطق " رسولنا الكرٌم علٌه الصبلة والسبلم"‪.‬‬
‫‪370‬‬
‫قابمة المصادر‬

‫‪371‬‬
‫أ ‪ -‬المصادر‬
‫‪ -‬القرآف الكريـ‬
‫‪ -‬األحاديث النبكية الشريفة‬
‫‪ .1‬بديع الزماف سعيد النكرسي‪ ،‬الممعات ‪ ،‬تر‪ :‬إحساف قاسـ الصالحي‪ ،‬شركة سكزلر لمنشر‪ ،‬القاىرة‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬بدكف سنة‪.‬‬
‫‪ .2‬بديع الزماف سعيد النكرسي‪ ،‬المكتوبات ‪ ،‬تر ‪ :‬إحساف قاسـ الصالحي ‪ ،‬شركة سكزلر‪ ،‬مصر ‪،‬‬
‫الطبعة الثالثة‪2001 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ .3‬بديع الزماف سعيد النكرسي ‪ ،‬السيرة الذاتية ‪ ،‬تر‪ :‬إحساف قاسـ الصالحي ‪ ،‬شركة سكلزر لمتكزيع‬
‫‪ ،‬بدكف سنة نشر‪.‬‬
‫‪ .4‬بديع الزماف سعيد النكرسي ‪ ،‬الشعاعات ‪،‬تر‪:‬إحساف قاسـ الصالحي‪ ،‬دار سكزلر لمنشر‪ ،‬القاىرة‬
‫‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1993،‬ـ‪.‬‬
‫‪ .5‬بديع الزماف سعيد النكرسي ‪ ،‬الكممات‪ ،‬تر ‪ :‬إحساف قاسـ الصالحي ‪ ،‬دار سكزلر لمنشر كالتكزيع‬
‫‪ ،‬القاىرة ‪ ،‬مصر ‪ ،‬ب ط ‪ ،‬ب سنة نشر ‪.‬‬

‫‪ .6‬بديع الزماف سعيد النكرسي ‪ ،‬العالم يتصفح كميات رسائل النور ‪ ،‬دار سكزلر لمنشر كالتكزيع ‪،‬‬
‫القاىرة ‪ ،‬مصر ‪ ،‬ب سنة‪.‬‬

‫‪ .7‬بديع الزماف سعيد النكرسي‪ ،‬إشارات اإلعجاز في مظان اإليجاز ‪،‬تر‪:‬إحساف قاسـ الصالحي‪،‬‬
‫شركة سكزلرلمنشر‪ ،‬القاىرة‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪.2002 ،‬‬
‫‪ .8‬بديع الزماف سعيد النكرسي‪ ،‬المثنوي العربي النوري ‪ ،‬تحقيؽ‪ :‬إحساف قاسـ الصالحي ‪ ،‬دار‬
‫سكزلر لمنشر كالتكزيع ‪ ،‬القاىرة ‪ ،‬الطبعة األكلى ‪1995 ،‬ـ‪.‬‬

‫‪ .9‬بديع الزماف سعيد النكرسي‪ ،‬المالحق في فقو دعوة إلى النور ‪ ،‬تر‪ :‬إحساف قاسـ الصالحي‪، ،‬‬
‫شركة سكزلر لمنشر ‪ ،‬القاىرة ‪ ،‬مصر‪ ،،‬الطبعة الثالثة ‪.1999 ،‬‬
‫بديع الزماف سعيد النكرسي‪ ،‬صيقل اإلسالم ‪ ،‬شركة سكزلر لمنشر‪ ،‬القاىرة‪ ،‬مصر ‪ ،‬الطبعة‬ ‫‪.10‬‬
‫الثالثة‪.2002 ،‬‬
‫بديع الزماف سعيد النكرسي ‪ ،‬رسالة الحشر ‪ ،‬تر‪ :‬إحساف قاسـ الصالحي‪ ،‬دار يني آسيا‪،‬‬ ‫‪.11‬‬
‫إستانبكؿ‪.1985 ،‬‬

‫‪372‬‬
‫قابمة المراجع‬

‫‪373‬‬
‫ب – المراجع باللغة العربية‬

‫‪ -4‬ا لخشاب أحمد ‪ ،‬دراسات أنثربولوجية ‪ ،‬دار المعارؾ ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪4641 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -9‬الساٌح أحمد عبد الرحٌم ‪ ،‬بحوث في فكر بديع الزمان سعيد النورسي ‪ ،‬مركز الكتاب للنشر ‪ ،‬مصر‬
‫‪ ،‬الطبعة األولى ‪4666 ،‬م ‪.‬‬
‫‪ -9‬إبراهٌم سعٌد ‪ ،‬الدعوة و اإلرشاد في الغرب ‪ ،‬المإتمر العالمً الثالث لبدٌع الزمان سعٌد النورسً‪،‬‬
‫إستانبول‪4662.‬م‬
‫‪ -1‬ابن خلدون ‪ ،‬المقدمة ‪ ،‬دار مكتبة االهبلل ‪ ،‬بٌروت ‪ 4664 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬أبو العباس الفاسً ‪ ،‬أحمد بن محمد بن المهدي بن عجبٌة الحسٌنً اإلدرٌسً الشاذلً ‪ ،‬البحر المديد‬
‫ج‪ ، ،8‬دار الكتب العلمٌة ‪ ،‬بٌروت لبنان ‪ ،‬الطبعة الثانٌة ‪9119 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -3‬أبو حمدان سمٌر ‪ ،‬جمال الدين األفغاني وفلسفة الجامعة االسالمية‪ ،‬دار الكتاب العالمً للطباعة‬
‫والنشر ‪ ،‬بٌروت ‪4669 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -4‬أتلخان جواد رفعت ‪ ،‬الخطر المحيط باإلسالم الصهيونية وبروتوكوالته‪ ،‬ترجمة‪ :‬وهبً عز الدٌن ‪،‬‬
‫بؽداد‪.4632 ،‬‬
‫‪ -5‬إسماعٌل فاروق ‪،‬دراسة أنثربولوجية في منطقة باو‪ ،‬دار النشر الجامعً ‪4651 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -6‬األشقر عمر ‪ ،‬الرسل والرساالت ‪ ،‬مكتبة الفبلح‪ ،‬الكوٌت‪ ،‬الطبعة الثالثة‪4112 ،‬هـ‬
‫آصاؾ ٌوسؾ ‪ ،‬تاريخ سالطين آل عثمان ‪ ،‬تحقٌق‪ :‬بسام الجابً ‪ ،‬دار البصابر ‪ ،‬دمشق ‪ ،‬الطبعة‬ ‫‪-41‬‬
‫الثالثة ‪4112،‬هـ أي ‪4651‬م‪.‬‬
‫أمٌن أحمد ‪ ،‬ظهر اإلسالم ج‪ ،2‬مكتبة النهضة العربٌة ‪،‬القاهرة ‪ ،‬مصر ‪ ،‬الطبعة الخامسة‪،‬‬ ‫‪-44‬‬
‫‪4644‬م‪.‬‬
‫أنجرس مورٌس ‪،‬منهجية البحث العلمي في العلوم اإلنسانية تدريبات علمية ‪،‬ترجمة‪ :‬بوزٌد‬ ‫‪-12‬‬
‫صحراوي كمال بوشرؾ سعٌد سبعون ‪ ،‬دار القصبة للنشر ‪ ،‬الجزابر ‪ 9111 ،‬م‬
‫أنطونٌوس جورج ‪ ،‬يقظة العرب‪ ،‬ترجمة‪ :‬ناصر الدٌن االسد وإحسان عباس ‪ ،‬دار الكتب العربٌة‬ ‫‪-49‬‬
‫للنشر ‪ ،‬بٌروت ‪4633‬م‪.‬‬
‫أنطونٌوس جورج ‪ ،‬يقظة األمة العربية ‪ ،‬دار العلم للمبلٌٌن للنشر ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬الطبعة الثامنة‬ ‫‪-41‬‬
‫‪ 4654،‬م‪.‬‬
‫أنٌس محمد ‪ ،‬الدولة العثمانية والشرق العربي ‪1914-1514‬م ‪ ،‬مكتبة األنجلو مصرٌة ‪،‬‬ ‫‪-42‬‬
‫القاهرةا‪ ،‬لطبعة األولى ‪4669 ،‬م‪.‬‬

‫‪374‬‬
‫بكٌر حسن عبد الرحمن ‪ ،‬بديع الزمان سعيد النورسي وأثـره فـي الفكـر والدعـوة ‪ ،‬بدون دار‬ ‫‪-43‬‬
‫وسنة نشر‪.‬‬
‫بل ألفرد‪ ,‬الفرق االسالمي في الشمال االفريقي‪ ,‬ترجمة‪ :‬عبد الرحمان البدوي‪ ,‬دار الؽرب‬ ‫‪-44‬‬
‫االسبلمً للنشر‪ ,‬بٌروت‪ ,‬الطبعة الثالثة ‪4654 ,‬م ‪.‬‬
‫البلعاوي فتحً بشٌر ‪ ،‬مساق تاريخ الدولة العثمانية ‪ ،‬الجامعة اإلسبلمٌة‪ ،‬ؼزة ‪9115 ،‬م‪.‬‬ ‫‪-45‬‬
‫بن الطٌب محمد ‪ ،‬وحدة الوجود في التصوف اإلسالمي في ضوء وحدة التصوف وتارخيته ‪،‬‬ ‫‪-46‬‬
‫دار الطلٌعة للطباعة والنشر ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬الطبعة األولى‪9115 ،‬م‪.‬‬
‫بن عجٌبٌة أحمد ‪ ،‬معراج التشوف إل حقائق التصوف ‪ ،‬تحقٌق‪ :‬عبد المجٌد خٌالً ‪ ،‬مركز‬ ‫‪-91‬‬
‫التراث الثقافً المؽربً ‪ ،‬الدار البٌضاء ‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بدون سنة نشر‪.‬‬
‫التونسً محمد خلٌفة ‪ ،‬الخطر اليهودي برتوكوالت حكماء صهيون ‪ ،‬بٌروت ‪4634 ،‬م‬ ‫‪-94‬‬
‫ثوما أمٌل ‪ ،‬تاريخ مسيرة الشعوب العربية الحديث ‪ ، ،‬دار الفارابً للنشر ‪ ،‬بٌروت ‪،‬ج‪،4‬‬ ‫‪-99‬‬
‫‪4646‬م‪.‬‬
‫جابر الجزابري أبً بكر ‪ ،‬من رسائل الدعوة وجاءوا يركضون مهال يا دعاة الضاللة ‪ ،‬مدرسة‬ ‫‪-99‬‬
‫الجامعة اإلسبلمٌة والواعظ بالمسجد النبوي الشرٌؾ ‪4113 ،‬هـ‪.‬‬
‫الجندي محمد علً ‪ ،‬نظرية اإلمامة بين الشيعة والمتصوفة‪ ،‬دار الزهراء للنشر والتوزٌع ‪،‬‬ ‫‪-91‬‬
‫الطبعة األولى‪4664 ،‬م‪.‬‬
‫الحجر عبد الرحمن على ‪ ،‬أضواء عل الحضارة والتراث ‪ ،‬شركة الشهاب للنشر والتوزٌع ‪،‬‬ ‫‪-92‬‬
‫الجزابر ‪ ،‬بدون طبعة ‪ ،‬بدون سنة نشر‪.‬‬
‫حرب محمد ‪،‬السلطان عبد الحميد الثاني آخر سالطين العثمانيين الكبار‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق ‪،‬‬ ‫‪-93‬‬
‫الطبعة األولى‪4661 ،‬م‪.‬‬
‫حرب محمد ‪ ,‬مذكرات السلطان عبدالحميد الثاني ‪ ,‬دارالقلم ‪ ،‬دمشق‪ ،‬الطبعة األولى‪4664 ،‬م‪.‬‬ ‫‪-94‬‬
‫الحسٌنً الشٌخ نهرو محمد عبد الكرٌم الكسنزان ‪ ،‬الرؤى واألحالم في المنظور الصوفي ‪ ،‬دار‬ ‫‪-95‬‬
‫القادري للنشر والتوزٌع ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬الطبعة االولى ‪9114 ،‬م‪.‬‬
‫الحسٌنً محمد عارؾ ‪ ،‬أعظم ماثر السلطانية العثمانية السكة الحديدية الحجازية الشامية ‪ ،‬دار‬ ‫‪-96‬‬
‫الكتب الوطنٌة ‪ ،‬الظاهرٌة ‪ ،‬دمشق ‪4641 ،‬م‪.‬‬
‫الحسٌنً محمود أبو الهدى ‪ ،‬المنهج الصوفي المعرفي والسلوكي في حياة األستاذ النورسي‬ ‫‪-91‬‬
‫محاضرة ألقٌت فً ندوة اإلدراك الروحً بٌن التصوؾ والنورسً‪ .‬استانبول ٌوم ‪.9112/14/93-92‬‬

‫‪375‬‬
‫الحصري ساطح ‪ ،‬البالد العربية والدولة العثمانية ‪ ،‬دار العلم للمبلٌٌن للنشر ‪ ،‬بٌروت ‪،‬‬ ‫‪-94‬‬
‫‪4632‬م‪.‬‬
‫حلمً محمد مصطفً ‪ ،‬الحياة الروحية في اإلسالم ‪ ،‬الهٌبة المصرٌة العامة للتؤلٌؾ والنشر ‪،‬‬ ‫‪-99‬‬
‫‪4641‬م‪.‬‬
‫حلٌم إبراهٌم بك ‪ ،‬تاريخ الدولة العثمانية العلية ‪ ،‬مإسسة المختار للنشر والتوزٌع ‪ ،‬مصر ‪،‬‬ ‫‪-99‬‬
‫الطبعة األولى ‪9111 ،‬م ‪.‬‬
‫حمودي عبد هللا ‪ ،‬الشيخ والمريد ‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبدالمجٌد جحفة‪ ،‬دار توبقال للنشر ‪،‬الدار البٌضاء‪،‬‬ ‫‪-91‬‬
‫المؽرب ‪،‬الطبعة الرابعة‪9141 ،‬م‪.‬‬
‫الخالدي أحمد الجوهري ‪ ،‬كرامات األولياء في الحياة وبعد اإلنتقال ‪ ،‬تحقٌق‪ :‬سعٌد عبد الفتاح ‪،‬‬ ‫‪-92‬‬
‫دار اآلفاق العربٌة ‪,‬بدون سنة نشر ‪.‬‬
‫الخفاجً محمد عبد المنعم ‪ ،‬األدب في التراث الصوفي ‪ ،‬دار ؼرٌب للطباعة ‪ ،‬القاهرة ‪4695،‬م‪.‬‬ ‫‪-93‬‬
‫الخوارزمً أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري ‪ ،‬الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون األقاويل‬ ‫‪-94‬‬
‫في وجوه التأويل ج‪ ، 2‬تحقٌق ‪ :‬عبد الرزاق المهدي ‪ ،‬دار إحٌاء التراث العربً ‪ ،‬بٌروت – لبنان ‪،‬‬
‫بدون سنة نشر ‪.‬‬
‫دراز محمد عبد هللا ‪ ،‬الدين بحوث ممهدة لدراسة تاريخ االديان ‪ ،‬مطبعة عالمٌة ‪،‬القاهرة‪4629،‬‬ ‫‪-95‬‬
‫م‪.‬‬
‫دروٌش هدى ‪ ،‬اإلسالميون وتركيا العلمانية ‪ ،‬دار اآلفاق العربٌة ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬ ‫‪-96‬‬
‫‪4665‬م‪.‬‬
‫رامزور أرنست ‪ ،‬تركيا الفتاة وثورة ‪1998‬م‪ ،‬ترجمة‪ :‬صالح أحمد العلً وتقدٌم نقوال زٌادة‪،‬‬ ‫‪-11‬‬
‫مكتبة دار الحٌاة للنشر والطباعة ‪ ،‬بٌروت ‪4631 ،‬م‪.‬‬
‫الراوي عبد الستار عز الدٌن ‪ ،‬التصوف والباراسايكولوجي ‪ ،‬لمإسسة العربٌة للدراسات والنشر‬ ‫‪-14‬‬
‫‪ ،‬بٌروت‪ ،‬ط‪4661 ، 4‬م‪.‬‬
‫رضوان فتحً ‪ ،‬مصطف كمال أتاتورك ‪ ،‬دار مطابع المستقبل ومإسسة المعارؾ ‪ ،‬بٌروت ‪،‬‬ ‫‪-19‬‬
‫‪4659‬م‪.‬‬
‫الرفاعً ٌوسؾ هاشمً‪ ,‬الصوفية والتصوف في ضوء الكتاب والسنة‪ ,‬الكوٌت‪ ,‬الطبعة األولى ‪,‬‬ ‫‪-19‬‬
‫‪ 4666‬م‪.‬‬
‫رإوؾ عماد عبد السبلم ‪،‬مذكرات عبد المجيد محمود الوزير في العهد الملكي بالعراق ‪ ،‬دار‬ ‫‪-11‬‬
‫الحكمة للطباعة والنشر والتوزٌع‪ ،‬لندن ‪ ،‬الطبعة األولى ‪9115،‬م‪.‬‬

‫‪376‬‬
‫الزعبً محمد علً ‪ ،‬الماسونية في العراء ‪ ،‬معتوق اإلخوان ‪ ،‬بٌروت‪ ،‬الطبعة األولى‪،4649 ،‬‬ ‫‪-12‬‬
‫زٌدان محمد عمر ‪ ،‬البحث العلمي ومناهجه وتقنياته ‪ ،‬دٌوان المطبوعات الجامعٌة ‪ ،‬الجزابر ‪،‬‬ ‫‪-13‬‬
‫‪ 4651‬م‪.‬‬
‫زٌدان ٌوسؾ محمد طه ‪ ،‬الطريق الصوفي وفروع القادرية بمصر ‪ ،‬دار الجٌل ‪ ،‬للنشر ‪ ،‬بٌروت‬ ‫‪-14‬‬
‫‪ ،‬الطبعة األولى‪4664 ،‬م‪.‬‬
‫زٌعور علً ‪ ،‬الكرامة الصوفية األسطورة و الحلم ‪ ،‬دار األندلس ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬ ‫‪-15‬‬
‫‪4651‬م‪.‬‬
‫زٌعور علً ‪ ،‬الكرامة الصوفية واالسطورة والحلم القطاع الالواعي في الذات العربية ‪ ،‬دار‬ ‫‪-16‬‬
‫األندلس للنشر والتوزٌع ‪ ،‬بٌروت ‪.‬لبنان ‪9119،‬م‬
‫الزٌن مصطفى ‪ ،‬ذئب األناضول‪ ،‬رٌاض الرٌس للنشر‪ ،‬لندن‪ ،‬بدون سنة نشر‬

‫السعٌدي سمٌر ‪ ،‬الحسين بن منصور الحالج‪ ،‬حياته وشعره ونثره‪ ،‬دار عبلء الدٌن‪ ،‬دمشق‪ ،‬بدون‬ ‫‪-21‬‬
‫طبعة ‪ ،‬بدون سنة نشر‪.‬‬
‫سلٌم سلوى علً ‪ ،‬اإلسالم والضبط االجتماعي ‪ ،‬مكتبة وهبة للطباعة والنشر ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬الطبعة‬ ‫‪-24‬‬
‫األولى ‪4652،‬م‪.‬‬
‫سلٌمان أحمد السعٌد ‪ ،‬التيارات القومية والدينية في تركيا المعاصرة ‪ ،‬دار المعرفة ‪ ،‬القاهرة ‪،‬‬ ‫‪-29‬‬
‫‪4634‬م‪.‬‬
‫سلٌمان أحمد علً ‪ ،‬فلسفة اإلصالح التربوي عند اإلمام النورسي ‪ ،‬رابطة الجامعات االسبلمٌة‬ ‫‪-29‬‬
‫‪ ،‬قسنطٌنة ‪ ،‬الجزابر‪9149 ،‬م‪.‬‬
‫السماوي أحمد ‪ ،‬اإلستبداد والحرية في فكر النهضة‪ ،‬دار محمد علً الخامً للنشر والتوزٌع‪،‬‬ ‫‪-21‬‬
‫تونس‪4655،‬م‪.،‬‬
‫الشافعً عبد الكرٌم بن هوازن بن عبد الملك القشٌري النٌسابوري ‪ ،‬تفسير القشيري المسم‬ ‫‪-22‬‬
‫لطائف اإلشارات ج‪ ،3‬دار الكتب العلمٌة للنشر‪ ،‬بٌروت – لبنان ‪ ،‬الطبعة األولى ‪9111 ،‬م‬
‫الشافعً عبد الكرٌم بن هوازن بن عبد الملك القشٌري النٌسابوري ‪ ،‬تفسير القشيري المسم‬ ‫‪-23‬‬
‫لطائف اإلشارات ج‪ ، 1‬دار الكتب العلمٌة للنشر‪ ،‬بٌروت‪-‬لبنان ‪،‬الطبعة الثانٌة ‪9114 ،‬م‪.‬‬
‫شتا إبراهٌم الدسوقً ‪ ،‬الحركة اإلسالمية في تركيا ‪ ،‬الزهراء لئلعبلم العربً للنشر ‪ ،‬القاهرة ‪،‬‬ ‫‪-24‬‬
‫‪4653‬م‪.‬‬

‫‪377‬‬
‫شتٌوي محمد شلبً ‪ ،‬التصوف والصوفية في ضوء النصوص الدينية والبراهين العقلية ‪،‬‬ ‫‪-25‬‬
‫السحاب للنشر والتوزٌع ‪ ،‬الطبعة األولى ‪9114 ،‬م‪.‬‬
‫شكري محمد فإاد ‪,‬السنوسية دين ودولة ‪ ،‬مركز الدراسات اللٌبٌة ‪ ،‬إكسفورد ‪9119 .‬م‬ ‫‪-26‬‬
‫الشناوي عبد العزٌز محمد ‪ ،‬الدولة العثمانية دولة إسالمية مفترى عليها ‪ ،‬مكتبة األنجلو‬ ‫‪-31‬‬
‫مصرٌة ‪،‬القاهرة‪4651 ،‬م‪.‬‬
‫شٌمل آنا ماري ‪ ،‬األبعاد الصوفية في االسالم وتاريخ التصوف ‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد اسماعٌل السٌد‬ ‫‪-34‬‬
‫ورضا حامد قطب‪ ، ،‬منشورات الجمل ‪ ،‬كولونٌا (المانٌا )‪ -‬بؽداد ‪ ،‬الطبعة األولى‪ 9113 ،‬م‪.‬‬
‫صابان سهٌل ‪ ،‬عثمان علً‪ ،‬تطور األوضاع الثقافية في تركيا من عهد التنظيمات ال عهد‬ ‫‪-39‬‬
‫الجمهورية ‪1999-1839‬م ‪ ،‬المعهد العالمً للفكر االسبلمً ‪ ،‬مكتب التوزٌع فً العالم العربً‪،‬‬
‫بٌروت‪ ،‬لبنان‪9141 ، ،‬م‪.‬‬
‫الصالحً إحسان قاسم ‪ ،‬بديع الزمان سعيد النورسي‪ :‬نظرة عامة عن حياته وآثره ‪ ،‬دار‬ ‫‪-39‬‬
‫سوزلر للنشر‪ ،‬ااستانبول‪ 4654 ،‬م‪.‬‬
‫الصالحً إحسان قاسم ‪ ،‬بديع الزمان سعيد النورسي‪ ،‬نظرة عامة عن حياته وآثاره‪ ،‬شركة‬ ‫‪-31‬‬
‫سوزلر للنشر ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة العاشرة‪.9149 ،‬‬
‫الصالحً احسان قاسم ‪ ،‬جوانب من حياة بديع الزمان‪ ،‬مركز بحوث رسابل النور ‪ ،‬استانبول‪،‬‬ ‫‪-32‬‬
‫تركٌا‪.9142 ،‬‬
‫صقر حامد إبراهٌم ‪ ،‬نور التحقيق في صحة أعمال الطريق ‪ ،‬دار التؤلٌؾ للطباعة والنشر‬ ‫‪-33‬‬
‫‪،‬القاهرة ‪ ،‬مصر ‪4641 ،‬م‪.‬‬
‫صبلبً علً محمد ‪ ،‬الدوله العثمانية عوامل النهوض واسباب السقوط ‪ ،‬دار التوزٌع والنشر‬ ‫‪-34‬‬
‫االسبلمٌة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األولى‪9114 ،‬م‪.‬‬
‫الصوٌص سلٌم ‪ ،‬أتاتورك منقذ تركيا وباني نهضتها الحديثة ‪ ،‬مطبعة تشلز للنشر والطباعة‪،‬‬ ‫‪-35‬‬
‫عمان ‪ ،‬األردن ‪.‬بدون سنة نشر‪.‬‬
‫طربٌن أحمد ‪ ،‬تاريخ المشرق العربي المعاصر‪ ،‬مطبعة طربٌن ‪ ،‬دمشق‪4654 ،‬م‪.‬‬ ‫‪-36‬‬
‫الطهطاوي رفاعة رافع ‪ ،‬مناهج األلباب المصرية في مناهج اآلداب العصرية‪ ،‬مطبعة شركة‬ ‫‪-41‬‬
‫الرؼابب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪4649 ،‬م‪.‬‬
‫الطوسً أبً نصر السراج ‪ ،‬اللمع ‪ ،‬تحقٌق‪ :‬عبد الحلٌم محمود وطه عبد الباقً سرور‪ ،‬دار‬ ‫‪-44‬‬
‫الكتب الحدٌثة ومكتبة المثنً‪ ،‬مصر بؽداد ‪4631 ،‬م ‪.‬‬

‫‪378‬‬
‫عبد الحمٌد محسن ‪ ،‬جهود بديع الزمان في تجديد الفكر اإلسالمي‪ ،‬المإتمر الدولً الخامس‬ ‫‪-49‬‬
‫للنورسً ‪،‬الرباط‪ 4666، ،‬م‪.‬‬
‫عبد الرحٌم مصطفى أحمد ‪ ،‬في أصول التاريخ العثماني ‪ ،‬دار الشروق للنشر والتوزٌع ‪،‬‬ ‫‪-49‬‬
‫بٌروت‪4659 ،‬م‪.‬‬
‫العثٌمٌن محمد بن صالح ‪ ،‬مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن عثيمين ‪ ،‬ج‪ ، 4‬محقق ‪ :‬فهد‬ ‫‪-41‬‬
‫بن ناصر بن إبراهٌم السلٌمان ‪ ،‬دار الوطن للنشر ‪ 4149 ،‬هـ ‪.‬‬
‫العثٌمٌن محمد بن صالح ‪ ،‬مجموع فتاوى ورسائل فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح‬ ‫‪-42‬‬
‫العثيمين ج‪ ، 8‬المحقق ‪ :‬فهد بن ناصر بن إبراهٌم السلٌمان ‪ ،‬دار الثرٌا للنشر والتوزٌع ‪ ،‬الرٌاض‪،‬‬
‫الطبعة الثانٌة‪4663 ،‬م‪.‬‬
‫العشماوي فوزٌة ‪ ،‬تأثير التصوف في المجتمعات األوروبية ‪ ،‬بجامعة جنٌؾ ‪9141 ،‬م‬ ‫‪-43‬‬
‫عودة بطرس عودة ‪ ،‬القضية الفلسطينية في الواقع العربي‪ ،‬دار الكتب المصرٌة‪ ،‬القاهرة ‪،‬‬ ‫‪-44‬‬
‫‪4641‬م‪.‬‬
‫عوض هللا أحمد ‪ ،‬أحالم األنبياء والصالحين ‪ ،‬دار األزهر للنشر والتوزٌع ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬مصر ‪،‬‬ ‫‪-45‬‬
‫الطبعة األولى ‪4636 ،‬م‪.‬‬
‫عٌسى عبد القادر ‪ ،‬حقائق عن التصوف‪ ،‬دار المقطم للنشر والتوزٌع‪9112 ،‬م ‪.‬‬ ‫‪-46‬‬
‫الؽالً عربً ‪ ،‬دراسات في تاريخ الدولة العثمانية والمشرق العربي ‪19166-1288‬م ‪ ،‬دٌوان‬ ‫‪-51‬‬
‫المطبوعات الجامعٌة ‪ ،‬الجزابر ‪9114 ،‬م‪.‬‬
‫ؼنً قاسم ‪ ،‬تاريخ التصوف في اإلسالم‪ ،‬مإسسة طهران ‪،‬إٌران ‪4999 ،‬هـ ‪.‬‬ ‫‪-54‬‬
‫فاٌد زكرٌا ‪ ،‬العلمانية النشأة واألثر في الشرق والغرب ‪ ،‬الزهراء لئلعبلم العربً للنشر ‪،‬‬ ‫‪-59‬‬
‫القاهرة ‪،‬الطبعة األولى‪4655 ،‬م‪.‬‬
‫فروم إرٌك ‪ ،‬اللغة المنسية ‪ ،‬ترجمة‪ :‬حسن قبٌسً ‪ ،‬بٌروت لبنان ‪ ،‬دار البٌضاء المؽرب ‪،‬‬ ‫‪-59‬‬
‫‪4669‬م‪.‬‬
‫فروٌد ‪ ،‬نظرية األحالم ‪ ،‬تر‪ :‬جورج طرابٌشً ‪ ،‬دار الطلٌعة ‪ ،‬بٌروت لبنان ‪ ،‬الطبعة األولى ‪،‬‬ ‫‪-51‬‬
‫‪4651‬م‪.‬‬
‫فضل هللا مرٌم نور الدٌن ‪ ،‬المرأة في ظل االسالم ‪ ،‬دار الزهراء للنشر والطباعة ‪ ،‬بٌروت ‪،‬‬ ‫‪-52‬‬
‫لبنان ‪ ،‬بدون سنة نشر‪.‬‬
‫القادري ابراهٌم ‪ ،‬اإلسالم السري في المغرب العربي ‪ ،‬منشورات سٌنا للنشر ‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة‬ ‫‪-53‬‬
‫األولى ‪ 4662،‬م‪.‬‬
‫‪379‬‬
‫القاضً علً ‪ ،‬ماذا تعرف عن بديع الزمان سعيد النورسي‪ ،‬دار الهداٌة للطباعة والنشر‬ ‫‪-54‬‬
‫والتوزٌع ‪ ،‬تركٌا‪ ،‬الطبعة األولى ‪9114 ،‬م‪.‬‬
‫القشٌري عبد الكرٌم ‪ -،‬الرسالة القشيرية ج‪ ،2‬دار الكتب الحدٌثة ‪،‬القاهرة‪ .‬بدون سنة نشر ‪.‬‬ ‫‪-55‬‬
‫كامل مصطفى ‪ ،‬المسألة الشرقية ‪ ،‬مطبعه مصر‪ ،‬الطبعة األولى‪4565 ،‬م‬ ‫‪-56‬‬
‫كشك محمد جبلل ‪ ،‬القومية والغزو الفكري‪ ،‬مكتبة االمل‪ ،‬الكوٌت ‪ ،‬بدون سنة نشر‪،‬‬ ‫‪-61‬‬
‫الكلٌنً الشٌخ ‪ ،‬الكافي ج‪ ، 2‬تحقٌق ‪ :‬علً أكبر الؽفاري‪ ،‬دار الكتب اإلسبلمٌة ‪ ،‬الطبعة‬ ‫‪-64‬‬
‫الرابعة‪ ،‬ـ ‪ ،‬طهران ‪ -‬إٌران‪ 4932 .‬هـ‪.‬‬
‫كوثرانً وجٌه ‪ ،‬السلطة والمجتمع والعمل السياسي من تاريخ الوالية العثمانية في بالد الشام‪،‬‬ ‫‪-69‬‬
‫مركز الدراسات الوحدة العربٌة ‪ ،‬بٌروت ‪4655 ،‬م‪.‬‬
‫مجموعة من المإلفٌن ‪ ،‬طرق البحث أدلة العمل الميداني في الدراسات األنثربولوجية ‪ ،‬دار‬ ‫‪-69‬‬
‫المعرفة الجامعٌة‪ ،‬اإلسكندرٌة ‪ ،‬مصر‪9112 ،‬م‪.‬‬
‫المحامً محمد فرٌد بك ‪ :‬تاريخ الدولة العلية العثمانية ‪،‬تحقٌق ‪ :‬إحسان حقً ‪ ،‬دار النفابس‪،‬‬ ‫‪-61‬‬
‫بٌروت‪4654 ،‬م‪.‬‬
‫محمد سمٌر رجب ‪ ،‬الداعية اإلسالمي بديع الزمان سعيد النورسي‪ ،‬دار الهانٌللنشر والتوزٌع ‪،‬‬ ‫‪-62‬‬
‫القاهرة ‪4653 ،‬م‪.‬‬
‫محمود عبد الحلٌم ‪ ،‬قضية التصوف المنقذ من الظالل ‪ ،‬دار المعارؾ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر ‪ ،‬الطبعة‬ ‫‪-63‬‬
‫الثالثة‪ 1988 ،‬م‪.‬‬
‫محمود عبد الحلٌم ‪،‬قضية التصوف المدرسة الشاذلية ‪ ،‬دار المعارؾ ‪ ،‬القاهرة ‪،‬الطبعة الثالثة‪،‬‬ ‫‪-64‬‬
‫بدون سنة نشر‪.‬‬
‫مخزوم محمد ‪ ،‬أزمة الفكر ومشكالت السلطة السياسية في المشرق العربي في عصر النهضة ‪،‬‬ ‫‪-65‬‬
‫معهد اإلنماء العربً ‪ ،‬بٌروت ‪4653 ،‬م‪.‬‬
‫مدكور إبراهٌم ‪ ،‬في الفلسفة اإلسالمية منهج وتطبيقه ج ‪ ، 2‬دار المعارؾ ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬مصر‬ ‫‪-66‬‬
‫‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪9119،‬م‪.‬‬
‫‪ -411‬المصطفى حسٌن على ‪ ،‬فلسفة العبادات ‪ ،‬دار الهادي للنشر والتوزٌع ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪9113 ،‬م‪.‬‬
‫القاهرة‬ ‫‪ -414‬المنوفً محمود أبو الفٌض ‪ ،‬التصوف اإلسالمي الخالص ‪ ،‬دار نهضة مصر‪،‬‬
‫‪4636،‬م‪.‬‬

‫‪380‬‬
‫‪ -419‬المنوفً محمود أبو الفٌض ‪ ،‬جمهرة األولياء وأعالم أهل التصوف ج‪ ،1‬مإسسة الحلبً‬
‫للنشروالتوزٌع ‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬القاهرة ‪4634،‬م‪.‬‬
‫‪ -419‬موسى سلٌمان ‪ ،‬الحركة العربية الحديثة ‪1924-1998‬م ‪ ،‬دار النهار العربً للنشر والتوزٌع ‪،‬‬
‫بٌروت ‪4644 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -411‬مٌشٌل توماس ‪،‬النظرة القرآنية لإلنسان من خالل رسائل النور‪ ،‬ترجمة ‪:‬رضا عامر‪ ،‬بحث القً‬
‫فً المإتمر العالمً الخامس لبدٌع الزمان سعٌد النورسً‪ ،‬شركة نسل للطبع و النشر و التوزٌع‪ ،‬ط‬
‫‪ 9119‬م‪.‬‬
‫‪ -412‬النبراوي خدٌجة ‪ ،‬النبوة وضرورتها لإلنسانية بحث مستق من رسائل النور لإلمام الجليل بديع‬
‫الزمان سعيد النورسي‪ ،‬سوزلر للنشر ‪ ،‬تركٌا‪ ،‬الطبعة األولى‪ 9111 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -413‬النعٌمً أحمد نوري ‪ ،‬الحركات اإلسالمية الحديثة في تركيا‪ ،‬دار النشر عمان ‪ ،‬األردن ‪،‬‬
‫‪4669‬م‪.‬‬
‫‪ -414‬نٌكلسون ‪ ،‬في التصوف اإلسالمي وتاريخه ‪ ،‬ترجمة ‪ :‬مجموعة مإلفٌن ‪ ،‬دون دار نشر ‪،‬‬
‫‪4614‬م‪.‬‬
‫‪ -415‬الهجوٌري علً ‪ ،‬كشف المحجوب ‪ ،‬ترجمة‪ :‬أسعاد عبد الهادي قندٌل ‪ ،‬دار النهضة العربٌة‬
‫للطباعة والنشر والتوزٌع‪ ،‬بٌروت ‪ 4651،‬م‪.‬‬
‫‪ -416‬واحدة شكران ‪ ،‬اإلسالم في تركيا الحديثة‪ ،‬بديع الزمان النورسي ترجمة‪ :‬محمد فاضل ‪ ،‬سوزلر‬
‫للنشر والتوزٌع‪ ،‬القاهرة‪ 9114 ،‬م‪.‬‬
‫‪ٌ -441‬اوز خاقان ‪ ،‬تجديد الفكر االسالمي في القرن العشرين وبديع الزمان سعيد النورسي‪،‬‬
‫الصحٌفة الحرٌة وسعٌد النورسً ‪،‬استانبول – تركٌا‪4662 ،‬م‪.‬‬
‫‪ٌ -444‬كن فتحً ‪ ،‬اإلسالم والجنس ‪ ،‬دار الشهاب للنشر‪ ،‬باتنة ‪ ،‬الجزابر ‪4649 ،‬م‪.‬‬
‫ج‪ -‬القواميس والمعاجم ‪:‬‬

‫‪ -4‬ابن منظور ‪ ،‬لسان العرب ج‪5‬؛ دار صادر للطباعة والنشر بٌروت ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪،‬‬
‫‪4941‬هـ‪.‬‬
‫‪ -9‬ابن منظور ‪ ،‬لسان العرب ج ‪ ، ،9‬دار صادر للطباعة والنشر‪ ،‬بٌروت‪ 4635 ،‬م‬
‫‪ -9‬أبً حٌان ‪ ،‬البحر المحيط ج‪ ،6‬دار الفكر ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬الطبعة الثانٌة ‪4645 ،‬م‬
‫‪ -1‬الجرجانً الشرٌؾ أبو الحسٌن علً بن محمد بن علً الحسٌنً الحنفً ‪ ،‬التعريفات ‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمٌة للنشر ‪ ،‬بٌروت‪ -‬لبنان ‪ ،‬الطبعة األولى‪9111 ،‬م‪.‬‬

‫‪381‬‬
‫‪ -2‬جماعة من كبار اللؽوٌٌن العرب ‪،‬المعجم العربي األساسي ‪ ،‬جامعة الدول العربٌة ‪،‬القاهرة ‪،‬‬
‫مصر ‪4656 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -3‬الحسٌنً الكفوي أبو البقاء أٌوب بن موسى ‪ ،‬الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية ‪،‬‬
‫‪،‬تحقٌق ‪ :‬عدنان دروٌش ومحمد المصري ‪ ،‬مإسسة الرسالة للطباعة والنشر‪ ،‬بٌروت – لبنان‬
‫الطبعة الثانٌة ‪4669 ،‬م‬
‫‪ -4‬حمدي أٌمن ‪ ،‬قاموس المصطلحات الصوفية ‪ ،‬دار قباء للطباعة والنشر والتوزٌع ‪ ،‬القاهرة ‪،‬‬
‫‪9111‬م‪.‬‬
‫‪ -5‬الفٌروز آبادي مجد الدٌن محمد بن ٌعقوب ‪ ،‬القاموس المحيط ‪ ،‬مإسسة الرسالة ‪ ،‬بٌروت – لبنان‬
‫‪ ،‬الطبعة الثانٌة ‪4654 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -6‬مجمع اللؽة العربٌة ‪ ،‬المعجم الوجيز ‪ ، ،‬المركز العربً للثقافة والعلوم ‪ ،‬بٌروت – لبنان ‪،‬‬
‫بدون طبعة ‪ ،‬بدون سنة نشر‪.‬‬

‫د ‪ -‬المجالت ‪:‬‬

‫‪ -4‬إزرال حسن ‪ ،‬بديع الزمان سعيد النورسي ومشروعه االصالحي في التربية والتعليم ‪ ،‬مركز النور‬
‫للدراسات والحضارات االسبلمٌة ‪ ،‬العدد ‪ ،9‬جانفً ‪9144 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -9‬األفؽانً سعٌد ‪ ،‬كانت الصهيونية هي خالعة السلطان ومقوضه المملكة العثمانية ‪ ،‬مجلة العربً‪،‬‬
‫دٌسمبر العدد ‪.4649 ،36‬‬
‫‪ -9‬الحكٌم سعاد ‪ ،‬ما يقدمة التصوف لالنسان المعاصر‪ ،‬مجلة الكسنزان الصوفٌة والثقافٌة والعلمٌة ‪،‬‬
‫لجنة االعبلم واالرشاد الطرٌقة الكسنزانٌة ‪ ،‬العدد ‪ ، 3‬العراق ‪9115 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -1‬الخطٌب محب الدٌن ‪ ،‬أنقرة والدين اإلسالمي ‪ .‬مجلة الفتح ‪ ،‬العدد ‪ 36‬أكتوبر‪4694‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬الخمٌسً عضٌد جواد ‪ ،‬مفهوم القومية التركية ( الطورانية) وجرائم االبادة‪ ،‬الحوار‬
‫المتمدن‪،‬العدد‪، 13‬م‪.9142‬‬
‫‪ -3‬خٌاطة نهاد ‪ ،‬توحيد الصوفية ‪ ،‬مجلة الموقؾ األدبً ‪ ،‬العدد ‪ ،441-436‬ماي‪ -‬جوان‪ -‬جوٌلٌة ‪،‬‬
‫‪4652‬م‪.‬‬
‫‪ -4‬دحمانً محمد ‪ ،‬حكايا ت كرامات األولياء في منطقة الشلف‪ ،‬مذكرة لنٌل شهادة ماجٌستر ‪ ،‬جامعة بن‬
‫ٌوسؾ بن خدة ‪ ،‬الجزابر‪9113-9112 ،‬م‪.‬‬

‫‪382‬‬
‫‪ -5‬زعٌم صباح الدٌن ‪ ،‬الرؤية الحضارية من خالل رسالة اإلقتصاد ‪ ،‬مجلة نور للدراسات الحضارٌة‬
‫والفكرٌة ‪ ،‬العدد ‪ ، 2‬استانبول ‪9114 ،‬م ص‬
‫‪ -6‬الشوبكً محمود ٌوسؾ ‪ ،‬مفهوم التصوف وأنواعه في الميزان الشرعي ‪ ،‬مجلة الجامعة اإلسبلمٌة –‬
‫المجلد العاشر ‪ ،‬العدد الثانً ‪ ،‬كلٌة أصول الدٌن بالجامعة اإلسبلمٌة ‪ ،‬ؼزة‪9119 ،‬م‪.‬‬
‫عبد المنعم ٌونس ‪ ،‬النورسي ورؤيته للتصوف المعاصر‪ ، ،‬النور للدراسات الفكرٌة والحضارٌة‬ ‫‪-41‬‬
‫‪،‬مإسسة إسطنبول للثقافة والعلوم ‪ ،‬العدد ‪9149 ، 4‬م‪.‬‬
‫المجتمع‬ ‫عجٌلة محمد و بهاز الجٌبللً وعبد النبً مصطفى ‪ ،‬تأثير الطرق الصوفية عل‬ ‫‪-44‬‬
‫الصحراوي في الجزائر‪ ،‬مجلة الواحات للبحوث والدراسات ‪ ،‬العدد ‪ ، 42‬ؼرداٌة ‪ ،‬الجزابر ‪9144،‬م‪.‬‬
‫شفٌع ‪ ،‬البعد اإل يماني في فكر النورسي ‪ ،‬مجلة الشرٌعة اإلسبلمٌة‪ ،‬ا لعدد ‪4191 ،96‬هـ‬ ‫‪-49‬‬
‫المعتصم محمد ‪ ،‬الدعوة اإلصالحية في الجزيرة العربية وحركة الجامعة اإلسالمية ‪ ،‬مجلة‬ ‫‪-49‬‬
‫البحوث اإلسبلمٌة ‪ ،‬العدد ‪ 4644 ، 9‬م‪.‬‬
‫ملكاوي محمد أحمد عبد القادر و صالح نهٌل علً حسن ‪ ،‬المشكالت االجتماعية ومعالجتها من‬ ‫‪-41‬‬
‫خالل رسائل النور لبديع الزمان سعيد النورسي‪ ،‬مجلة الشرٌعة والقانون ‪ ،‬العدد ‪ ، 23‬كلٌة القانون ‪،‬‬
‫جامعة اإلمارات العربٌة المتحدة ‪ 9149 ،‬م‪.‬‬
‫ملوكً جمٌلة ‪ ،‬الرؤية ودرجة اإليمان عند الصوفية ‪ ،‬الفكر المتوسطً ‪ ،‬العدد ‪9149 ، 3‬م‪،‬‬ ‫‪-42‬‬
‫مكتبة الرشاد للنشر والتوزٌع ‪ ،‬الجزابر ‪9149 ،‬م‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬المذكرات‬

‫‪ -4‬صابان سهٌل ‪ ،‬األوضاع الثقافية في تركيا في القران الرابع عشر هجري‪ ،‬رسالة دكتوراء ‪ ،‬جامعة‬
‫اإلمام كلٌة الشرٌعة قسم الثقافٌة اإلسبلمٌة محمد بن سعود اإلسبلمٌة ‪ ،‬الرٌاض ‪4661 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -9‬مٌلود حكٌم ‪ ،‬الكرامة الصوفية في منطقة تلمسان ‪ ،‬دراسة أنثربولوجٌة سٌمٌابٌة ‪ ،‬رسالة لنٌل شهادة‬
‫الماجٌستر ‪ ،‬جامعة تلمسان ‪4664 ،‬م ‪،‬ص ‪.434‬‬
‫‪ -9‬هروس حفٌظ ‪ " ،‬التصوف اإلسالمي في الدراسات اإلسالمية في الغرب" ‪ ،‬أطروحة لنٌل شهادة‬
‫الدكتوراه ‪ ،‬كلٌة اآلداب والعلوم اإلنسانٌة ‪ ،‬جامعة عبد الملك السعدي ‪ ،‬تطوان ‪،‬المؽرب ‪9142،‬م‪.‬‬

‫و‪ -‬المواقع اإللكترونية ‪:‬‬


‫‪ http://www.muslm.org -4‬يىم ‪.6712-73-63‬‬
‫يىم ‪6714-75-14‬‬ ‫‪https://www.al-forqan.net -6‬‬
‫‪ http://www.marefa.org -5‬يىم ‪6714-75-16‬‬
‫‪383‬‬
6712-79-69 ‫يىم‬https://ar.wikipedia.org -7
6714-71-11 ‫ يىم‬http://ahbabalex.ahlamountada.com -3
6714-76-65 ‫يىم‬http://www.nabulsi.com -2
6714-76-13-http://raseef22.com -4
6712-74-11 ‫ يىم‬http://islamstory.com -9
6712-75-63 ‫ يىم‬-http://www.ahewar.org -8
6712-16-65 ‫يىم‬ttp://www.nabulsi.com -17
6712-78-13 ‫يىم‬https://bayan13.wordpress.com -11
6712-16-3 ‫ يىم‬-http://www.darululoom-deoband.com-16
6714-76-57 ‫يىم‬http://mawdoo3.com -15

384
:‫ المراجع بالمغة األجنبية‬-
1-BERNARD lewis ,The Ottman Empire in the Mid Nineteenth Century , a
review Middle Eastern Studies, vol 4 , 1965.
2- GEERTZ clifford , Religion as Cultural system in Anthropological Approaches to
the study of Religion, by Michael Baton, Tavistock publication , London , 1973.
3-MASSIGNON Louis, Recueil de Textes Inédits concernant L’histoire de la
mystique en Pays d’Islam, librairie orientaliste , Paris , 1929.
4- MILLER William , the Ottoman Empire and is Successors 1801-1913,.
University Press, Cambridge ,1966
5-PARSONS Talcott, the structure of social action, the free press ,Glencoe
Illinois ,1949.
6-SETON Watson, The Rice of Nationality in Balkans, , , E.P. Dutton, New York
,1918.
7-WILLIAM jemes , The Varieties of Religious Experience , the modern library
edition, New York , 1936.

385
‫املحالح‬

‫‪386‬‬

You might also like