Professional Documents
Culture Documents
أهدي ثمرة جهدي إلى جدتي الكريمتين ،والى والدي العزيزين ،إخوتي وأخواتي؛
إلى أعمامي وأخوالي وأوالدهم؛ إلى عائلتي الممتدة اهديها إلى أصدق ائي؛ إلى
أصحابي إلى رفق ائي إلى زمالئي وزميالتي؛ إلى كل من عرفتهم.
ش كر وتق دير
أحمدك ربي على أن وفقتني إلى إتمام هذه الرسالة حمدا كثيرا طيبا ومباركا فيه،
كما ينبغي لجالل وجهك وعظيم سلطانك.
و أتوجه بجزيل الشكر و عظيم االمتنان و العرف ان إلى األستاذ المشرف :األستاذ
الدكتور براهيمي الطاهرالذي أخدت من سمته واخالقه قبل ان اخذ من علمه ،والذي
أخصه بكل صنوف التقدير و االحترام ،فقد كان لي خير عون على إنجاز هذه
الرسالة ،و لم يبخل علي أبدا بنصائحه السديدة ،وانتق اداته البناءة ،ووقته الثمين.
ف هرس الم حتوي ات
الصفحة الموضوع
ملخص الدراسة..............................................................................................أ
المقدمة......................................................................................................و-ح
ال :اإلشكالية14...............................................................................................
أو ً
الدراسات :السابقة02..........................................................................................
-خالصة32.....................................................................................................
-خالصة55....................................................................................................
-3الوظيفة اإلقتصادية22....................................................................................
-4الوظيفة الثقافية20.......................................................................................
-خالصة22.....................................................................................................
الفصل الرابع :المق اربات التق ليدية في علم اجتماع التربية
-تمهيد29...................................................................................................
-خالصة022................................................................................................
-خالصة000.................................................................................................
-خالصة056...................................................................................................
-0المقاربة الوضعية060................................................................................
-0المقاربة البنائية الوظيفية065......................................................................
سابعا :تعقيب090..............................................................................................
-خالصة093..................................................................................................
-تمهيد 090.....................................................................................................
-خالصة025..................................................................................................
-نتائج الدراسة022................................................................................
-خاتمة002....................................................................................................
-قائمة المراجع004............................................................................................
ق ائمة األشكال
شكل رقم ( )20يبين مكونات العلمية التعليمية26.....................................................
تشكل المجتمعات اإلنسانية قوالب فكرية متنوعة ،ذا ت تعدد ثقافي واجتماعي ،تظهر
انعكاساته بالتأكيد على واقع الحياة بشكل كلي .وتظهر مالمح هذا الفكر في العادات
والتقاليد وطبيعة المعامالت والعالقات ،ولذلك يستطيع المتابع أن يصف أي مجتمع إنساني
بصفات وخصائص واعتقادات سائدة ال يشترك فيها معه أحد .ويمكن القول إن هذه الطبيعة
الحياتية لمجتمع ما إنما ذي انعكاس فكري فلسكي لمعتقدات ترجمها المجتمع إلى ممارسات
تطورت حتى شكلت ألفراد المجتمع العديد من القناعات التي يصعب تغييرها أو إعادة
تكوينها.
ويحظى الفكر التربوي باهتمام متميز ،كونه المنطلق األساسي لتكريس القيم األصيلة
في المجتمع والمرتكز األهم في بناء مستقبل يحقق استثما ار أمثل لمعطيات الحاضر ،مجسداً
من خالل ذلك تطلعات الفرد والمجتمع على حد سواء ،في إطار مشروع حضاري متكامل
واذا كان الهدف األساسي للفكر التربوي ،هو ذلك المشروع الحضاري ،فإنه يستند بالضرورة
إلى عملية التواصل بين الماضي والحاضر والمستقبل من جهة ،والتفاعل مع معطيات
المجتمعات البشرية ،على اختالف نماذجها ،زمنيًا ومكانياً ،من جهة أخرى.
من هنا يبدو البحث في موضوع الفكر التربوي الغربي ،مرتبطاً بالبحث في مضامين
الفكر التربوي العالمي ،في ماضيه وحاضره ،وفي اهتماماته وتطلعاته ،وفي أساليبه وأغراضه
فالمجتمع محتاج إلى التربية ،وخاصة أن التربية تهدف جملة ما تهدف إليه إلى تكييف
اإلنسان مع مجتمعه بما فيه من أنماط ثقافية وعادات مختلفة .وذلك باستفادتها من النتائج
التي توصل إليها علم االجتماع التربية وتسعى إلى تطبيقها في الميدان ،ولكن ما يتبادر في
األذهان اآلن هو فيما تمثلت أهم النظريات التي فسرت العملية التربية؟ ومن هم أهم
منظريها؟ وهل فعال قاموا بتحليل الظواهر االجتماعية التي كانت تحدث في عصرهم وذلك
باستعمال نظرياتهم لكشف الواقع السوسيولوجي المعاش؟ وماهي أبرز االنتقادات التي وجهت
لهم على المستوى البناء المعرفي والمنهجي لهذه المقاربات ،ولهذا العرض قمنا بتصميم
دراسة نظرية نقدية ،تحت عنوان المقاربة الغربية للظاهرة التربوية للظاهرة التربوية – دراسة
نقدية ألبرز المداخل النظرية في علم اجتماع التربية ،وتضمنت الدراسة سبع فصول ،حاولنا
من خاللها حصر الموضع والسيطرة على مضامينه ،انطالقا من الفصل االول والمعنون
باإلطار المنهجي والمفاهيمي ،حيث تناولنا خالله إشكالية الدراسة التي حولنا من خاللها
ابراز مواطن البحث التي نريد البحث فيها باإلضافة الى طرح التساؤل المركزي والتساؤالت
الفرعية ،ثم قمنا بتحديد اسباب اختيارنا للموضوع واهميته واهداف الدراسة ،وبعدها تطرقنا
الى منهج الدراسة وهو المنهج النقدي الذي حاولنا ان نحدد دالالته ،كما تعرضنا الى اهمية
الن قد العلمي ومميزاته ،ثم تناولنا مفاهيم الدراسة ،حيث قمنا بتحديد مضامينها اللغوية
واالصطالحية واإلجرائية .وبعد ذلك تعرضنا على اخر عنصر في الفصل وهو الدراسات
السابقة والتي جاءت في شكل مؤلفات ،فبعد عرض عناوينها قمنا بالتعليق عليها .وفي
الفصل الثاني الذي حمل عنوان نشأه وتطور علم اجتماع التربية.
ففي العنصر األول تطرقنا الى أبرز المراحل التي مر بها علم اجتماع التربية ،بعدها
عرضنا العالقة بين التربية والمجتمع عل اعتبار ان التربية مظهر من مظاهر الحياة
االجتماعية ،ثم قدمنا تعاريف مختلفة لعلم اجتماع التربية ،ثم تعرضنا إلى أهمية وأهداف
علم اجتماع التربية ،وبعده تطرقنا إلى آخر عنصر في الفصل وهو الفرق بين علم اجتماع
التربية وعلم االجتماع التربوي ،أما الفصل الثالث والذي جاء بعنوان المدرسة مفهومها وبنيتها
ووظيفتها ،حيث تطرقنا خالله إلى تعريف المؤسسة المدرسية والى المنظومة المدرسية
وبعدها الى وظائف المدرسة المختلفة وكان العنصر األخير أهداف النظام التعليمي .وفي
الفصل الرابع والذي عنونه بالمقاربات الكالسيكية في علم اجتماع التربية ،بدأنا خالله
بتعريف النظرية العلمية ثم إلى أهداف وشروط النظرية العلمية وبعدها قمنا بعرض مضامين
المقاربة الوضعية ثم تطرقنا إلى المقاربة البنائية الوظيفية .أما محتويات الفصل الخامس
الذي حمل عنوان المقاربات الصراعية في علم اجتماع التربية ،تناولنا في البداية تحديد
لمفهوم المقاربة الصراعية ،ثم تعرضنا الى مقاربة بيار بورديو وبارسون ،وبعدها قمنا بتناول
مقاربة مدرسة فراكفوت وبعدها مقاربة كوالنز وأخي ار مقاربة ماكس فيبر .وفي الفصل
السادس الذي جاء تحت عنوان المقاربة ذات النموذج الفسر ،قمنا بتعريف المقاربة ذات
النموذج المفسر ثم قمنا بعرض المقاربة التفاعلية الرمزية ،تم المقاربة اإلثنوميثودولوجية
.وبعدها تطرقنا إلى الفصل السابع واألخير إلى نقد المقاربة الكالسيكية ثم نقد المقاربة
الصراعية ثم مقاربة ماكس فيبر وبعدها قمنا بنقد المقاربات ذات النموذج المفسر وبعدها
تطرقنا إلى خالصة ثم قدمنا تعقيب على أهم مضامين المقاربات سوسيولوجيا التربية،وفي
الفصل الثامن تطرقنا للمقاربة اإلسالمية للتربية على اعتبار اننا ننتمي الى مجتمع مسلم
ومطالبين بإجاد بديل تربوي يتماشى مع خصوصية مجتمعاتنا ويستجيب لحاجاتها المادية
والروحية ،لهذا تعرضنا للمقاربة اإلسالمية من خالل تحديد مفهومها ومصادرها وخصائصها.
وبعدها خاتمة الدراسة حاولنا خاللها إعطاء خالصة عن مضامين الرسالة.
الفصل األول :اإلطار المنهجي والمف اهيمي
-تمهيد
أوالً :اإلشكالية
-خالصة
تــمهـــيد :يتضمن هذا الفصل مراحل أولية تمر بها عادة كل عملية بحثية ،حيث تعرضنا
خالله إلى تحديد البنية المنهجية والمفاهيمية للدراسة ،وهذا قصد توضيح شكل الدراسة في
البداية ،مما يساعدنا في بناء سليم لباقي مراحل الدراسة.
أوال:اإلشكالية
يقول غاستون بشالر " إن العلم ال يمكن أن يتطور إال وهو ينظر إلى الوراء "ومن
هنا أصبح البحث في األصول النظرية والمنهجية ألي حقل معرفي ضرورة من أجل نموه
وتطوره ،ولعل األمر يصبح ملحا في دائرة المعارف التي تختص باإلنسان والمجتمع ومن
هذه العلوم علم االجتماع الذي عرف خالل المراحل التاريخية التي مر بها العديد من
التحوالت والتي أفرزت بروز حقول معرفية فرعية تفرخت عن المصدر وهو علم اجتماع
العام ،ومن بين هذه الحقول علم اجتماع التربية الذي حجز لنفسه موقعا ال يقل أهمية عن
باقي الفضاءات المعرفية األخرى ،ويعد إميل دوركايم أول عالم اجتماع غربي اهتم
بسوسيولوجية التربية ،وذلك في كتابه(:التربية األخالقية) والكتاب في الحقيقة عبارة عن
محاضرات كان يلقيها دوركايم في جامعة السوربون منذ سنة 1902م .ومن ثم يتبين لنا
بأن دروكايم قد بلور نظريا وتطبيقيا ما يسمى بسوسيولوجية التربية ،كما يتمظهر ذلك
1
جليا في أبحاثه األخرى ،مثل( :سوسيولوجية التربية) ،والتطور البيداغوجي في فرنسا.
وبات ينال اهتمام العديد من الباحتين في الشأن التربوي ،خاصة في عالقة الظواهر
التربوية بالمجتمع وأخذت المدرسة الموقع المركزي في اهتمام المنشغلين بهذا الحقل.
حيثث شثكلت المدرسثة إلثى جانثب المؤسسثات التربويثة األخثرى جثوهر اهتمثام
سوسيولوجيا التربية فعلى " امتداد القرن العشرين تفجرت ينابيع البحثث السوسثيولوجي فثي
مجثال المدرسثة والمؤسسثات األخثرى التربويثة ،وجثاء حصثاد هثذه األعمثال بلثورة لعلثم
االجتمثاع المدرسثي بوصثفه النثواة الحقيقيثة لعلثم االجتمثاع التربيثة لقثد ت ازيثدت الد ارسثات
واألبحاث السوسيولوجية في ميدان المدرسة والمؤسسثات المدرسثية وشثكلت نتائجهثا نظامثا
متماسكا من المقوالت والمفاهيم والنظريات السوسيولوجية ومناهج البحث التي تؤسس لعلم
-1جميل حمداوي :تطور سوسيولوجيا التربية ،مجلة ادب فن مجلة الكترونية ،بناريخ 3132-10-31على الساعة -info@adabfan.com31:31
اجتمثاع خثاص هثو علثم االجتمثاع المدرسثي .وهنثاك آالف مؤلفثة مثن الكتثب والد ارسثات
واألبحثاث المكثفثة التثي عالجثت جوانثب الحيثاة المدرسثية بتفاعالتهثا وأنظمتهثا الداخليثة
وقضاياها التربوية واالجتماعية".1
كما عرف علم اجتمثاع التربيثة ظهثور مقاربثات نظريثة اسثتندت كثل منهثا علثى أسثس
معرفيثة ومنهجيثة متباينثة ،كرسثت إلثى التعدديثة فثي رؤيتهثا إلثى الظثاهرة التربويثة وجثاء
تفسيرها للتربية في سياق تفسرها للظواهر االجتماعية ،ألن العديد من المداخل النظرية في
سوسيولوجيا التربية بقية مرتبطة بالنظريات الكالسيكية في علم اجتماع العثام والتثي مثلثث
المرجعيثة لمجمثل هثذه التيثارات بمثا فثي ذلثك التقليديثة والحديثثة ،واسثتعملت نفثس أدوات
التحليل إال أن هذا ال يخفي شكل الخصوصية التي تميز بها علم اجتماع التربية باعتبثاره
حقال معرفيا يحمل هوية خاصة به.
وقد عرفت المقاربة الغربية في سوسيولوجيا التربية مداخل متنوعة جاءت وفق سياقات
تاريخية واجتماعية وفلسفية معينة ،كما شكلت التربيثة محثور اهتمثام مجموعثة مثن الحقثول
المعرفيثة وهثذا مثا جعثل عثالم االجتمثاع بارسـونز يقثول " علثى علثم االجتمثاع أن يسثتعين
بأنسثاق علميثة أخثرى تفسثر الفعثل االجتمثاعي ضثمن موجهاتثه المختلفثة ،االقتصثادية
والسوسيولوجية " 2.وهذا ما جعل علم اجتماع التربية غير ممركز حول إطار نظري واحد،
وانما تعددت المداخل النظرية وشكل كل منها فضاء نظري لثه أبعثاده المعرفيثة والمنهجيثة
والفلسفية ،وهذا ما يدفعنا إلى البحث عن األسس المنهجيثة والمعرفيثة التثي ارتكثزت عليهثا
هذه النظريات والتي مثلث جوهر إسهامات المنشغلين بحقل علم اجتماع التربية.
إن محاول ثثة وض ثثع ج ثثزء م ثثن التث ثراث المعرف ثثي لسوس ثثيولوجيا التربي ثثة عل ثثى مح ثثك النق ثثد
والتقيثثيم العلمثثي ليسثثت بالعمليثثة الهينثثة ويمكثثن اعتبارهثثا مغثثامرة علميثثة محفوفثثة بالمخثثاطر
-1علي اسعد وظفة وعلي جاسم الشهاب :علم اجتماع المدرسي،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع،ط،0لبنان،4112،ص-ص 01-9
-2محمد عبد الكريم الحوراني :النظرية المعاصرة في علم اجتماع ،دار مجدالولي للنشر ،ط ،0األردن ،4112 ،ص.021
البحثيثثة ،وهثثذا مثثا دفعنثثا إلثثى تأطيرهثثا مثثن خثثالل تحديثثد م ثواطن االسثثتنطاق والتسثثاؤل مثثن
خالل طرح التساؤل التالي:
هل هي مضامين ذات دالالت قطعية؟ أم أنها اجتهادات قابلة لنقد والتجاوز؟
هثثل اتفثثق علثثم اجتمثثاع التربيثثة الغربثثي علثثى تحديثثد مقاربثثة واحثثدة؟ ام أن المقاربثثات تتعثثدد
وتختلف؟ وان كانت هناك عدة مقاربات ما هو السبب في ذلك؟ وما هو البديل؟
هذا ما سنحاول فحصه في هذا العمل للوصول إلى بعض النتائج التي تخول لنا الحكم
ولو بشكل جزئي على مضامين المقاربة الغربية في سوسيولوجيا التربية.
ثانيا:أسباب اختيار الموضوع
يجب أن يكون الباحث مثدفوعا فثي اختيثار موضثوع بحثثه باهتمامثه الشخصثي ،وحثب
اسثتطالعه ورغبتثه األكيثدة فثي الوصثول إلثى حثل للمشثكلة التثي يختارهثا .فعنثدما يختثار
وال يمكثن نجثاح المغثامرة بمتعثة .
1
الباحثث الموضثوع الثذي يريثد أن يبحثثه نجثده يشثعر
البحثية إال إذا حدد الباحث األسباب الذاتية والموضوعية التي تقف وراء اختيثار لموضثوع
بحثه .ويكمن إجمالها في النقاط التالية:
-3االهتمثام الشخصثي بالموضثوعات ذات البعثد النظثري والتحليلثي ،علثى اعتبثار أن
الد ارسثة تثدرج ضثمن الد ارسثات النظريثة التحليليثة التثي تسثعى إلثى نقثد األسثس النظريثة
والمنهجية التي تقوم عليها أبرز التيارات النظرية في اجتماع التربية .
-3االهتمام بموضوعات علم اجتماع التربية ،ألنه التخصص التي تلقينا به التكوين على
مستوى اللسانس والماجستير.
-1قلت الدراسة النقدية في مجال علم اجتماع التربية ،العربية بصفة خاصة .حيث تفتقر
المكتبة العربية إلى الدراسة الجادة في مجال علم اجتماع التربية ،هذا من األسباب التي
دفعتنا إلى إنجاز هذا العمل .
-4التدرب على ممارسة المنهج النقدي ،ألن هذا العمل هو دراسة نقدية لألسس المعرفية
والمنهجيثة للمثداخل النظريثة فثي علثم اجتمثاع التربيثة ممثا يسثمح لنثا مثن اعتمثاد المثنهج
النقدي الذي يعتبر جوهر تقدم المعرفة العلمية.
-2قابلية الموضوع للدراسة والبحث .وهذا ما يسمح لنا بتطبيق مراحل البحث العلمي دون
الموضوع. وجود عوائق تتعلق بطبيعة
- 1مروان عبد المجيد ابراهيم :اسس البحث العلمي،مؤسسة الرواق ،ط ،0االردن،4111 ،ص .42
ثالثا :أهمية الدراسة
إن لكل دراسة أكاديمية أهميتها التي تدفع التي تدفع الباحث إلى سبر أغوارها،
ومحاولة التوصل إلى نتائج تجيب على تساؤالته ،ويكون طريقه في ذلك األدوات المختلفة
للبحث العلمي ومناهجه مع استخدامها بطريقة علمية موضوعية .ولعل أهمية دراستنا
تكمن في كونها تبحث في األسس والقواعد المنهجية التي قام عليها حقل علم اجتماع
التربية ،باإلضافة إلى الوقوف عند أبرز اإلشكاالت التي شكلت اهتمام المقاربات المختلفة
في سوسيولوجيا التربية.
رابعا:أهداف الدراسة
إن لكل دراسة هدف أو غرض يجعلها ذات قيمة علمية ،والهدف من الدراسة يفهم
عادة على أنه السبب الذي من أجله قام الباحث بإعداد هذه الدراسة والبحث العلمي هو
الذي يسعى إلى تحقيق أهداف عامة غير شخصية ذات قيمة وداللة علمية.1
ونسعى من خالل هذه الدراسة الوصول إلى مجموعة من األهداف التي يمكن إجمالها
فيما يلي:
.3عرض أهم المقاربات التي تناولت سوسيولوجيا التربية ،والتي شكلت اهتمام
المنشغلين بهذا الحقل المعرفي.
.3الوقوف عند السياقات المعرفية والمنهجية التي شكلت أسس النماذج النظرية داخل
حقل علم اجتماع التربية.
.1محاولة عرض أبرز المقاربات في علم اجتماع التربية من خالل منهج نقدي
يحاول تفكيك مضامينها.
ولهذا خصصنا في دراستنا هذه منهجا يتالءم مع طبيعة الموضوع المتناول وألن
طبيعة الدراسة نظرية ،فضلنا أن يكون المنهج المعتمد ذو طبيعة تحليلية نقدية .والمنهج
ليس قالبا جاهزا ،وانما مفهوم أو مفاهيم تستوجب خلفية فكرية وقدرة على التعامل معها
الجيد هو الذي يعيد إنتاج تلك المفاهيم ،وال يكتفي بتطبيقها وانما يراعي أيضا
والباحث ّ
الجيد وانما بفهمها وتكييفها
ّ حقلها الذي تش ّكلت فيه ،فالمنهجية ليست باالستظهار
وتطبيقها ومراعاة وضعيتها التي نمت فيها.
-0المنهج النقدي :دراسة األعمال وتفسيرها وتحليلها وموازنتها بغيرها المشابِه لها
الحكم عليها ببيان
ُ والكشف عما فيها من جوانب القوة والضعف ،والجمال والقبح ،ثم
3
قيمتها ودرجتها.
فمن المعروف أن َّأول ما استُعملت كلمةُ النقد كانت بمعنى فَرز َّ
الدراهم والدنانير؛ لبيان
يختص بها الصيارفة ،ثم انتقَلت إلى نقد أخالق الناس
ُّ الصحيح و َّ
الزائف منها ،وتلك مهارةٌ
أحد من الس ِ
ُّلوك ،ثم اتسع وعاداتهم ،وبيان ما يتحلَّون به من كريم الصفات ،وما يعاب على ٍ
ُ
ٍ
مجاالت عديدة. اللفظ حتى شمل
ٍ
موقف كلي متكامل في النظرة إلى عمل بحثي أو علمي تعبير عن
النقد في حقيقته ٌ
ويعبر منها إلى
ُ بالتذوق؛ أي :القدرة على التمييز،
ُّ خاص ًة ،يبدأ
َّ عام أو إلى عمل إبداعي
َّ
-1عبد الهادي الجوهري:معجم علم االجتماع ،مكتبة نهضة الشرق ،القاهرة،0914،ص.014
-2عبد الباسط محسن حسن:أصول البحث اإلجتماعي ،مكتبة وهبة ،القاهرة،0929 ،ص.422
http://www.alukah.net -3تاريخ زيارة الموقع 4102-14-42
التفسير والتعليل والتحليل والتقييم ،خطوات ال تُغنِي إحداها عن األخرى ،وهي متدرجةٌ
اضحا ،مؤصالً على قواعد -جز َّئية أو َّ
عامة على هذا النسق؛ كي يتَّخ َذ الموقف ً
نهجا و ً
قوة التمييز.1
بقوة الملكة بعد َّ
مؤيدا َّ
ً -
لمعايير
َ سيخضع
مسبقا أنه َ
ً الرؤى الذاتية أو المتطرفة؛ َّ
ألن صاحب العمل يعلم -انتفاء ُّ
ٍ
اضحة نتائج علمية من خالل مقدمات و نقدية تحتاج إلى الموضوعية والوصول إلى
َ
وصحيحة.
-يوضح مستوى ونوعية األطروحات العلمية؛ فالنقد في أساسه عملية فرز الجيِّد من
الرديء.
2
التفلسف األجوف.
ُ البعد عن اإلغراق المتكلَّف ،أو ُّ -
يحث الباحثين على الموضوعية و ُ
ِ
ومعايير النقد َّ
موضوعية على األعمال؛ وذلك من خالل ضوابط إصدار أحكام وق اررات -
العلمي.
ات َّ
موحدة معروفة لدى تحقيق المساواة والعدالة والنزاهة؛ فضوابط ومعايير النقد العلمي أدو ٌ
دقيقا يحقق الموضوعية في تناول
الباحثين والمحكمين ،فتأتي األحكام النقدية لتكون ميزًانا ً
العمل البحثي.
َّ
المحددة في توجيه بحوثهم في المحتوى والمنهج، -إفادة الباحثين من المعايير والضوابط
فتتحقَّق النتائج واألهداف المر َّ
جوة من البحث.1
يمثل تحديد المفاهيم المستخدمة في أي بحث أو دراسة ،أم ار أساسيا و ذلك لضرورته
في تحديد الموضثوع و المتطلبثات النظريثة و المنهجيثة التثي يسثتخدمها الباحثث و تثزداد هثذه
األهمية لتحديثد المفثاهيم ،فثي الد ارسثات السوسثيولوجية التثي مثازال جثزء كبيثر مثن مفاهيمهثا
يكتنفثه اللثبس و الغمثوض و عثدم التحديثد فعمليثة تحديثد المفثاهيم تسثاعد علثى الفهثم األمثثل
للموضوع و أبعاده و منه فهي تشكل إطا ار تصوريا أو شبكة مفاهمية لتحليثل و تقصثي واقثع
الظاهرة المدروسة و بذلك تساعد الباحث على إيجثاد مفثاتيح لفهثم الموضثوع و التوصثل إلثى
معالجة الظاهرة المدروسة بطريقة سليمة وموضوعية ،و تتضمن دراستنا عدة مفاهيم وهي:
-0التربية:
1
أ -لغة :جاء في لسان العرب ،ربا الشيء :زاد ونما ،وربيته :نميته.
وهكذا فإن المعنى القاموسي في لغتنا العربية لكلمة تربية ،يتضمن العناصر التالية:
النمو التغذية ،التنشئة ،و التثقيف.
أما في اللغة الفرنسية فإننا نجد كلمتين ،األولى :تربية ،والثانية :بيداغوجيا .األولى
من أصل التيني ،والثانية من أصل يوناني.
يقول إميل دوركايم ( :)3130-3121لقد دخلت كلمة تربية إلى اللغة الفرنسية
بفضل علماء عصر النهضة حينما أوردها Robert Estienneفي قاموسه الالتيني
الفرنسي عام ،3241بمعنى التغذية ،Nourritureثم يذكر Foulquiéفي معجمه التربية،
أن الفعل الالتيني Educareيشير إلى معنى التنشئة ،Eleverتستخدم كذلك لغير اإلنسان
وخاصة في مجال تربية بعض الحيوانات.أما كلمة Pédagogieفإنها مكونة من مقطعين
يونانيين األول Pedوأصله Paisأو Pedosبمعنى طفل ،والمقطع ثاني Agogieوأصله
3
ogÔgéبمعنى القيادة و التوجيه .إذا فكلمة بيداغوجيا تعني توجيه األطفال و قيادتهم.
و مثن بثين التعثاريف التثي يمكنثا اإلشثارة :أفالطـون ( 427 – 348ق م ) ،ومثن آ ارئثه" :
إعطاء الجسثم كثل جمثال و كمثال ممكثن ،و دور المعلثم ال يقثوم علثى فثرض العلثوم ،إنمثا
بتوجيه التلميذ بالمناقشة و األسئلة.
-آرسـطو( 384- 322ق م) ،و مثن آ ارئثه " :التربيثة إعثداد العقثل للكسثب ،كمثا تعثد
األرض للنبات و الزرع".
-إمانويل كانت ) (1724- 1804و من آرائه " :الغرض من التربية الوصثول باإلنسثان إلثى
الكمثال الممكثن ،و مهمثة التربيثة أن تحتثرم حريثة الفثرد الطبيعيثة و تسثاعده علثى تحقيثق
إنسانيته".
-جـون جـا روسـو) ، (1778- 1812و مثن آ ارئثه " :الغايثة مثن التربيثة ،أال نحشثو رأس
الطفل بالمعلومات ،إنما نهذب قواه العقلية ،ونجعله قاد ار على تثقيف نفسه بنفسه"
-جون ستيوارت ميل) ، (1806- 1873و من آرائه " :إن التربية هي انتقال تأثير شخص
إلثى شثخص آخثر ،و أن هثذا التثأثير هثو دائمثا متجثه مثن عقثل إلثى عقثل ،أو مثن طبثع إلثى
طبثع ،و بصفة عامة من شخصية إلى أخرى ".
-هربرت سبنسـر ) (1820- 1903ومثن آ ارئثه" :التربيثة هثي إعثداد اإلنسثان ليحيثا الحيثاة
الكاملة".
-إيميل دوركايم) ، ( 1858 – 1917ومن آرائه "التربية هثي التثأثير الثذي تمارسثه األجيثال
الراشدة على تلك التي لم تتهيأ بعد للمشاركة في الحياة االجتماعية".
-1رونيه أوبير :التربية العامة ،ترجمة عبد اهلل عبد الدائم ،دار العلم للماليين،0922،مصر ،،ص.42
-أوفيد ديكرولي) ، ( 1871 – 1932و من آرائه " :التربية للحياة و بالحياة".1
-جون ديوي ) (1859- 1952ومن آرائه " :ليست التربية إعدادا للحياة فحسب ،و إنما
هي الحياة نفسها".
وعليه فالتربية هي عملية تكيف ما بين الفرد و بيئته االجتماعية والطبيعيثة ،باعتبار
أن اإلنسان مثل غيره من الكائنات الحية ،يسعى دوما إلى المحافظة على بقائه ،والبحث
على الوسيلة التي تساعده على تعديل سلوكه ،وتنمية قدراته ،وتكوين عادات ومهارات تفيده
في حياته ،فالوظيفة األساسية للتربية هنا ،أن اإلنسان يصبح قاد ار بواسطتها ،على مالئمة
حاجاته مع الظروف المحيطة به ،و كذا إمكانية تسخيرها بما يستجيب لدوافعثه ومتطلباته
2
ليحقق له النمو المتوازن.
كما أن التربية هي عملية نمو ،أي أنها تكفل للطفل نموا منسجما في جوانب مختلفة
من شخصيته الجسمية والعقلية والنفسية واالجتماعية ،من خالل ما توفره األسثرة ،والمؤسسات
التربوية ،من إمكانيات مادية ومعنوية من شأنها أن تضمن له االرتقاء النفسي واالجتماعي
الضروريين.
وخالصة أن التربية عملية اجتماعية وخلقية ،يتكفل بها المجتمع من أجل بناء
شخصيات أفراده على نحو ،يمكنهم من مواصلة حياة الجماعة ،وتطويرها عند اللزوم.
-0المقاربة
وفي اللغة اإلنجليزية approach ،تشير إلى اتجاه (مدخل فكري) ،اتجاه فكري نحو
موضوع أو موقف ما ،وقد يكون هذا االتجاه موضوعيا objectiveأو ذاتياsubjective.2
ب -التعريف اإلجرائي :مما تقدم يمكن تعريف المقاربة على أنها موقف نظري اتجاه مسألة
معينة تختلف حولها اآلراء والمواقف.
ويمكن اإلشارة إلى أن هناك تقارب في المعنى الذي يشير إليها مفهوم المقاربة
ومفهوم المدخل والمنهج ،خاصة من حيث المدلوالت اللغوية.
-1معجم المعاني الجامع :من الموقع اإللكتروني -لكل رسم معنى -بتاريخ .6198-10-16
-2ر-بودون ور -ريكو:المعجم النقدي لعلم اإلجتماع ،ترجمة سليم حداد،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ،0912،ص.214
أ -لغة :يعرف قاموس" أكسفورد "المدخل بأنه التعامل مع موقف ما أو مشكلة ما بطريق ما
و المثثدخل هثثو فعثثل مثثا أو عثثدة وسثثائل لالقت ثراب أو للتعامثثل مثثع شثثخص أو شثثيء مثثا
بينمثا يعنثي المثنهج فثي الجانثب اآلخثر" الطريقثة "أو" العمليثة" ،التثي ينفثذ بمقتضثاها عمثالً مثا
1
هذا هو االختالف األساسي بين المدخل والمنهج.
ب-اصطالحا :فالمدخل النظري بعبارة أخرى هو الحدود المنهجية العامة ،كما يذهب إلى
ذلك ريمون بودون الذي قسم المنهج إلى منهج عام وآخر خاص ،فاألول يعني تصور
الموضوع المدروس كمعطى باعتباره كال أو مجموعة من العناصر ،وبالتالي فالمنهج في
هذه الحالة يعتبر موجها عاما أو مقاربة نظرية ،أما المنهج بمفهومه الخاص فيعني مجموعة
الخطوات التي تؤدي للوصول إلى المعرفة العلمية .ويمكن تسمية هذا المدخل بالنموذج
التفسيري أو المشروع التصوري حسب رأي ريلي ماتيلد وايت ،وهو الذي يرشد البحث
السوسيولوجي ويوجه الباحث 2.فالمدخل النظري تفرضه الضرورة المنهجية لالتساق بين
مركبات وخطوات البحث االجتماعي.3
ج-التعريف اإلجرائي :ومنه فيمكن اعتبار المدخل النظري ،هو اإلطار الذي يضع فيه
الباحث مجموعة المفاهيم والتصورات المعرفية التي يفسر من خاللها ظاهرة ما ،وتعتبر
المؤسسة المدرسية والنظام التربوي محور اهتمام مجمل المداخل النظرية في سوسيولوجيا
التربية.
ويمكثثن اإلشثثارة بثثأن المثثدخل والمقاربثثة فثثي التعريفثثات التثثي وجثثدنها فثثي جثثل الق ثواميس
والمعثثاجم العلميثثة ،تتقثثارب مثثن حيثثث المضثثامين والثثدالت اللغويثثة .ولهثثذا سثثيتم اعتمثثاد مفهثثوم
تعتبر الدراسات السابقة مرحلة مهمة في مسار العملية البحثية ،وتتأتى هذه األهمية
من كونها قاعدة معرفية توجه طريق الباحث ،كما تساعد الدراسات السابقة الباحث في تحديد
الغايات واألهداف التي يسعى للوصول إليها ،ولهذا خصصنا في بحثنا هذا عنصر تطرقنا
فيه لهذه المرحلة البحثية المهمة وألن بحثنا يأخذ الطابع النظري ،قمنا بعرض مجموعة من
المؤلفات التي تناولت علم اجتماع التربية من جوانب وزويا مختلفة .
هناك مجموعة من المؤلفات العربية التي تناولت حقل سوسيولجيا التربية إال أنها تبقى
غيثر كافيثة مقارنثة بنظيرتهثا الغربيثة مثن جهثة ،ونظث ار ألهميثة هثذا الحقثل المعرفثي مثن جهثة
أخرى ،ولهذا سنحاول عرض مجموعة منها على سبيل الذكر ال الحصر .
(دراسات في سوسيولوجيا التربية) 1لعلي أسعد وطفة وعبد اهلل شمت المجيدل،و(علم
االجتماع المدرسـي) 2لعلثي أسثعد وطفثة وعلثي جاسثم الشثهاب ،وفثايز مثراد دنثدش فثي كتابثه
(علم اإلجتماع التربوي بـين التـأليف والتـدريس) ،3وفاديثة عمثر الجثوالني فثي كتابهثا (علـم
االجتماع التربوي) 4،واحسان محمثد الحسثن فثي مؤلفثه(علـم اجتمـاع التربـوي) وكثذلك معتثز
الصابوني في كتابه (علم اجتماع التربوي) ،5وحمدي علي أحمد في كتابه (مقدمـة فـي علـم
-1اسعد وطفة وعبد هللا شمت المجيدل :دراسات في سوسيولوجيا التربية ،دار اإلعصار العلمي،ط،7األردن2072 ،
-2علي اسعد وطفة وعلي جاسم الشهاب:علم اجتماع المدرسي ،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر،لبنان،ط.2002 ،7
-3شبل بدران :التربية واأليديولوجية،النجاح الجديدة للنشر،ط،7المغرب.7997،
-4فايزة مراد دندش :علم اجتماع التربوي بين التأليف والتأليف و التدريس ،دار الوفاء لدنيا الطبع والنشر ،ط،7مصر.2002،
- 5فادية عمر الجوالني :علم االجتماع التربوي ،مركز اإلسكندرية للكتاب .ط،7مصر.7991 ،
اجتماع التربية) 1،وعلثي السثيد الشثخيبي فثي كتابثه(علـم اجتمـاع التربيـة المعاصـر) ،2وعبثد
النور إدريس (سوسيولوجيا التمايز ظاهرة الهدر الدراسي بالمغرب) .3وعبد الكريم غريب في
و(سوســيولوجيا المدرســة) ،5ومحمثثد فاوبثثار فثثي كتابثثه 4
(سوســيولوجيا التربيــة)
6
( سوسيولوجيا التعليم بالوسط القروي).
وهناك بعض المؤلفات األخرى التي تناولت موضوع علم اجتماع التربية ،وقد اقتصر
ذكرنا لهذه المؤلفات بغرض إعطاء صورة عن كيفية تناول الباحث العربي لحقل علم اجتماع
التربية ،ولكن ما يمكن ذكره إجماال عن مضامين المؤلفات العربية في مجال سوسيولوجيا
التربية يمكن تلخيصه فيما يلي :المقاربة العربية في علم اجتماع التربية جاءت إعادة نسخ
للمفاهيم والنظريات التي افرزتها المقاربة الغربية ،بمعنى أن أغلب المؤلفات العربية اشتغلت
داخل إطار سوسيولوجيا التربية الغربية ،فهناك شكل من االحتواء وعدم االستقاللية.
نالحظ أيضا أن هناك تناول مشوه للترات الغربي في مجال علم اجتماع التربية •
من بعض المنشغلين بسوسيولجيا التربية العربية ،فعلى سبيل المثال هناك خلط
-1حمدي عل أحمد :مقدمة في علم اجتماع التربية ،دار المعرفة الجامعية ،ط ،7مصر.7992،
-2علي السيد الشخيبي :علم اجتماع التربية المعاصر،دار الفكر العربي ،ط ،7مصر.2002،
-3عبد النور إدريس:سوسيولوجيا التمايز -ظاهرة الهدر الدراسي بالمغرب، -دار دفاتر االختالف،ط،7المغرب.2002،
-4عبد الكريم غريب :سوسيولوجيا التربية ،مطبعة دار النجاح الجديدة،ط،0المغرب4111 ،
-5عبد الكريم غريب .:سوسيولوجيا المدرسة،مطبعة دار النجاح الجديدة،ط،0المغرب.4119،
-6محمد فاوبار:سوسيولوجيا التعليم بالوسط القروي ،مطبعة دار النجاح الجديدة،ط،0المغرب4110،
-7مصطفى محسن :اإلطار السوسيولوجي العام للنظام التربوي،منشورات مجلة التربية والتعليم ،العدد،02ط،0المغرب.0991،
-8مصطفى محسن:في المسألة التربوية ،نحو منظور سوسيولوجي منفتح ،دار بابل للنشروالتوزيع ،ط،0المغرب.0994،
-9مصطفى محسن :الخطاب اإلصالحي التربوي بين أسئلة األزمة وتحديات التحول الحضاري ،المركز الثقافي العربي،ط،0المغرب.0999،
-10مصطفى محسن :رهانات تنموية -رؤية سوسيوتربويةوثقافية ونقدية،منشورات الزمن ،عدد،22مطبعة النجاح،ط،0المغرب.4100،
-11صالح الدين شروخ :علم االجتماع التربوي،دار العلوم للنشر والتوزيع،ط،0الجزائر.4112،
بين علم اجتماع التربية وعلم االجتماع التربوي ،وسيتم تناول الفرق بين المجالين
في الفصل الموالي .كما أن هناك بعض المفاهيم في مجال علوم التربية يتم
تتناولها على أنها من صميم حقل علم اجتماع التربية.
• كما نالحظ بأن بعض المؤلفات العربية في مجال علم اجتماع التربية ،أصحابها
تلقوا تكوينهم في مجاالت أخرى كاألدب مثل الباحث جميل حمداوي ،صاحب
كتاب-سوسيولوجيا التربية-وكذلك القانون كما هو الحال بالنسبة للباحث صالح
الدين شروخ صاحب كتاب-علم اجتماع التربوي-
هذا يدفعنا إلى القول بأن سوسيولوجيا التربية العربية مازالت تبحث عن
نفسها ،فهي بحاجة إلى اهتمام أكبر مما عليه اآلن ،لكي تصبح قادرة على قراءة
الواقع التربوي العربي وتساهم في تغييره نحو األفضل وتتخلص من هيمنة
المنظومة الغربية .
أما فيما يخص المؤلفات الغربية في مجال سوسيولوجيا التربية فإننا سنتعرض
لها في الفصل الموالي على اعتبار أنها تشكل محور دراستنا .
خالصة :يمكن القول مما تقدم ،بأن المراحل التي قمنا بها في هذا الفصل ،ساعدتنا في
توجيه الدراسة من خالل تحديد اإلشكالية وأهداف وأسباب وأهمية الدراسة ،وتحديد مفاهيم
الدراسة ،باإلضافة إلى الدراسات السابقة والتي جاءت في مجملها عبارة عن مؤلفات في
مجال سوسيولوجيا التربية.
-خالصة
تمهـيد :نتناول في هذا الفصل المراحل التاريخية التي مر بها علم اجتماع التربية ،انطالقا
من مرحلة التأسيس إلى مرحلة التطور واالزدهار ،كما تطرقنا إلى عالقة التربية بالمجتمع
والى مفهوم علم اجتماع التربية ،وأهدافه وأهميته ،والفرق بين علم االجتماع التربوي وعلم
اجتماع التربية.
تمارس التربية في األسرة والمدرسة والمجتمع .فاآلباء واألمهات وبقية أعضاء األسرة
يحيطون الطفل منذ والدته وحتى نضجه بالرعاية التربوية فيعلمونه اللغة وأساليب قضاء
حاجاته وتعامله مع اآلخرين وغير ذلك من عناصر الثقافة ،والمدرسة تعلم الطفل المعارف
والمهارات العديدة المتنوعة ،وتعتمد في ذلك على المعلمين والمناهج والكتب والوسائل
األخرى ،وتستخدم أساليب التعليم والتعلم.
كذلك يكتسب الطفل من وسائل المجتمع اإلعالمية والصحية والثقافية وسواها ومن
زمالئه واآلخرين الذين يتعامل معهم عناصر ثقافية متعددة كالعادات واالتجاهات وأساليب
التصرف وسواها.
وهكذا نجد في األسرة والمدرسة والمجتمع طفال يعلَّم ويتعلم ،ويكتسب معارف
ومهارات واتجاهات وصفات نفسية ،وتنمو قدراته الجسدية والعقلية ودوافعه وعواطفه
وانفعاالته وسلوكه نتيجة هذا التعلم ،فيتحول من وليد جاهل عاجز إلى فتى عارف متكامل
الشخصية قادر على القيام بالسلوك المناسب الذي يشعره بالرضا عن ذاته والثقة بها ويمكنه
1
من التكيف مع المجتمع المحيط به.
ولهذا كان من الضروري التفكير في حقول معرفية قصد فهم وتفسير الظاهرة التربوية
وما تحمله هذه األخيرة من اف ارزات في المجتمع ،فكان لحقل علم اجتماع التربية نصيب في
البحث عن مكونات ومضامين الظاهرة التربوية .ولهذا سنقوم بعرض ألهم المراحل التي مر
بها هذا الحقل المعرفي لنبين كيف تشكلت معالم هذا العلم.
-0المرحلـة األولـ :يجمثع الكثيثر مثن المهتمثين بحقثل سوسثيولوجيا التربيثة علثى انهثا لثم
تظهر إال في أواخر القرن التاسع عشر مع إميل دوركايم الذي يعثد مثن الثرواد األوائثل الثذين
اهتموا بسوسثيولوجيا التربيثة منثذ أواخثر القثرن التاسثع عشثر ،حينمثا كثان يحاضثر فثي جامعثة
بثوردو ،ضثمن الثدروس البيداغوجيثة التثي كثان يقثدمها للمدرسثين .وقثد اهثتم أيضثا بالتنشثئة
-1جون ديوي :المدرسة والمجتمع،ترجمة:أحمد حسين الرحيم،دار مكتبة الحياة للكتابة والنشر،ط،4العراق،0921،ص.02
االجتماعية التي تقوم بها المدرسة ،مع التساؤل عن طريقة تكوين المجتمعات لشبابها ،ودور
المدرسة في المجتمع .بيد أن محاضراته وكتاباته لم تجمع إال بعد موته.
ومن أهم كتبه ،في هذا المجال ،نذكر كتاب( :التربية األخالقية) 1الذي نشر ما بين
سنتي 1902و1903م ،حيث تناول فيه بعض المواضيع المتعلقة بالتربية ،مثل :علمانية
األخالق ،وعناصر األخالق ،وروح االنضباط ،واالرتباط بالجماعات المجتمعية ،واستقاللية
اإلرادة ،والتربية األخالقية عند المتعلمين ،واالنضباط المدرسي ،وسيكولوجيا المتعلم ،والعقوبة
المدرسية ،والطفل والغير،وتأثيرات الوسط التربوي ،وتدريس العلوم ،والثقافة الجمالية ،والتعليم
التاريخي.
،وقد نشر سنة 1922م ،حيث 2
ثم أعقبه كتاب آخر هو (التربية وعلم االجتماع)
أورد تعريفات للتربية في ضوء المقترب السوسيولوجي ،مع التركيز على الطابع االجتماعي
للتربية ،ودور الدولة في مجال التربية ،وسلطة التربية ووسائل العمل ،وطبيعة البيداغوجيا
ومنهجيتها ،والبيداغوجيا والسوسيولوجيا ،وتطور التعليم الثانوي في فرنسا ودوره.
وعليه ،يرى دوركايم أن المدرسة تساهم في التنشئة االجتماعية بنقل قيم األجداد إلى
األبناء واألحفاد .كما تعمل على إدماج األفراد داخل المجتمع الكبير.ويعني هذا أن المدرسة
مجتمع مصغر تكيف المتعلمين ليتأقلموا مع المحيط المجتمعي وقيمه وعاداته وقوانينه
وأعرافه وتشريعاته .وبتعبير آخر ،للمدرسة وظيفة التهيئة االجتماعية ،وخلق مواطنيين
صالحين قادرين على التكيف مع المجتمع الخارجي .لذا ،تقوم التربية األخالقية بدور هام
في مجال التنشئة االجتماعية ،وتطبيع المتعلم اجتماعيا للتكيف مع الوضعيات المعطاة،
وتكوين أشخاص مستقلين يحترمون ثقافة المجتمع العام .وال ننسى كتابه اآلخر (التطور
وبعد هذين الرائدين ،ظهرت كتب أخرى ،تهتم بالمدرسة في أبعادها المجتمعية ،مثل :دراسة
ألفرد بينيه ) (A.Binetحول البيداغوجيا التجريبية التي تسعى إلى تشخيص الفشل الدراسي
ووضع مقاييس الذكاء .وقد اهتم ألفرد بينيه ،في كتابه (األفكار المعاصرة حول األطفال)
بالتشخيص التجريبي لاخفاق المدرسي. 3
ويمكن الحديث أيضا عن مجموعة من الدارسين والفالسفة والباحثين الذين اهتموا
بسوسيولوجيا المدرسة إما بشكل صريح ،واما بشكل ضمني ،أمثال :كارل ماركس (Karl
) marxفي كتابه (رأس المال) ،وماكس فيبر ) (Max Weberفي كتابه (االقتصاد
والمجتمع) ،وبول الپي ) (Paul Lapieفي كتابه (المدرسة والمجتمع) ،وثورستاين فيبلين
((Thorstein vebleفي كتابه (التعليم العالي في أمريكا) ،ووالر ) (Wallerفي كتابه
-3المرحلة الثانية :لم تعرف سوسيولوجيا التربية تطورها الحقيقي إال في سنوات الستين من
القثرن الماضثي؛ إذ كانثت هثذه الفتثرة مرحلثة التطثور واالزدهثار العلمثي والمنهجثي لهثذه
السوسيولوجيا مع مجموعة من الباحثين ،أمثال :الفرنسثيين :بييثر بورديثو)(Pierre Bourdieu
ويمكن القول أن بيير بورديو وكلود باسرون هما اللذان أعطيا والدة ثانية
لسوسيولوجيا التربية ،وقد انطلقا من فرضية سوسيولوجية أساسية هي :ال يملك المتعلمون
الحظوظ نفسها في تحقيق النجاح المدرسي .وقد ترتب عن هذا االختالف في الحظوظ تنوع
طبقي ومجتمعي ،ووجود فوارق فردية داخل الفصل الدراسي نفسه .ومن ثم ،فقد قادت
األبحاث السوسيولوجية واإلحصائية التي أجراها كل من بورديو وباسرون إلى استنتاج
أساسي هو أن الثقافة التي يتلقاها المتعلم ،في المدرسة الفرنسية الرأسمالية ،ليست ثقافة
موضوعية ومحايدة ،بل هي تعبير عن الثقافة المهيمنة أو ثقافة الطبقة الحاكمة .ومن ثم
فالتنشئة االجتماعية ليست تحري ار للمتعلم ،بل إدماجا له في المجتمع في إطار ثقافة التوافق
والتطبيع واالنضباط المجتمعي.ومن ثم ،تعيد لنا المدرسة الطبقات االجتماعية نفسها عن
طريق االصطفاء واالنتقاء واالنتخاب .ومن ثم فهي مدرسة الالمساواة االجتماعية بامتياز.2
1
- Pierre Bourdieu et Jean-Claude Passeron, Les héritiers : les étudiants et la culture, Paris, Les Éditions de
Minuit, coll. « Grands documents » (no 18), 1964, 183 p.
ويعني هذا أن السؤال الذي ركزت عليه سوسيولوجيا التربية ،في سنوات الستين
والسبعين هو سؤال الالمساواة المدرسية التي تعكس الالمساواة الطبقية واالجتماعية .وتعكس
مدى اختالف أبناء الطبقات العمالية عن أبناء الطبقات المحظوطة ،واختالف المستوى
التعليمي الطويل الذي يرتاده أبناء الطبقات المحظوظة ،والتعليم القصير الذي يكون من حظ
أبناء الطبقات الدنيا ،والسيما أبناء الطبقات العمالية وأبناء المهاجرين.لذا ،كان التوجه
الماركسي النقدي الجديد يغلب على هذه السوسيولوجيا الصراعية .والدليل على ذلك الثورة
العارمة على المدرسة الرأسمالية التي كانت مدرسة طبقية بامتياز ،وخاصة ثورة 1968م .
وكان البديل هو دمقرطة التعليم ،وتحقيق المساواة االجتماعية الشاملة ،والحد من الفوارق
البيداغوجية والديدكتيكية والثقافية والطبقية والمجتمعية ،وخلق مدرسة موحدة تحقق النجاح
لجميع المتعلمين بدون تمييز أو انتقاء أو اصطفاء.2
وعليه ،يمكن القول إن دراسات بيير بورديو هي ،في الحقيقة ،نقد للدراسات الكالسيكية حول
سوسيولوجيا التربية؛ إذ اعتمدت على المقاربة الماركسية الجديدة في دراسة المدرسة الفرنسية
في كتابيها (أزمات المجتمع وأزمات التعليم ) ،و(اإلصالح التربوي الفرنسي في التعليم
األساسي) ،وجان ميشيل بيرتيلو ) (Jean-Michel Berthelotفي كتابه (المدرسة،
والتوجيه ،والمجتمع) وبودلو واستابليت ) (Baudelot et Establetفي كتابهما (المدرسة
الرأسمالية في فرسا ) ،وآن فان هايشت ) (Anne Van Haechtفي كتابها)المدرسة في
السوسيولوجيا أو سوسيولوجيا التربية وتطوراتها ( ،وماري دورو بيال وأنيس ڤان مح
زانتين ) (Marie Duru-Bellat, Agnès Van Zantenفي كتابهما (سوسيولوجيا
1
المدرسة).
لقد عرفت هذه الفترة ازدهار لحقل سوسيولوجيا التربية ،وهذا لجملة اإلسهامات التي
أسس لها مجموعة من أقطاب هذا المجال المعرفي ،ليعرف بذلك علم اجتماع التربية مرحلة
انتعاش من خالل المقاربات المختلفة التي شكلت جوهر هذا العلم ،كما أصبحت معالمه
أكثر وضوح من حيث األطر المنهجية والمعرفية ،ليزاحم بذلك حقول المعرفة المختلفة
ويشكل لنفسه مجال معرفيا مستقال.
كما تجدر اإلشارة إلى أن هذه المرحلة مهدت إلى مرحلة أخرى ،اتسمت بمالمح
مغايرة لسابقاتها ،وهذا ما جعلنا نقف عند أهم ماجات به هذه المرحلة.
-1علي أسعد وطفة وعلي جاسم الشهاب :علم اجتماع المدرسي ،مرجع سابق ،ص.70-9
-3المرحلة الثالثة :تمتد المرحلة السوسيولوجية المعاصرة من سنوات الثمانين من القرن
الماضي حتى أواخر سنوات التسعين .فقد انصب االهتمام على المناهج الدراسية ،واعادة
النظر في المحتويات والمقررات الدراسية ،ورصد تاريخ المعارف ،واالهتمام بالمؤسسات
التعليمية من جهة أولى ،والعناية بالطرائق البيداغوجية من جهة ثانية ،والتركيز على
المدرسين من جهة ثالثة .ويعني هذا كله ضرورة تشخيص العملية الديدكتيكية أو العملية
التعليمية-التعلمية بوصفها وتحليلها وتقويمها ،بتحديد سلبياتها وايجابياتها ،بعيدا عن
التصورات الذاتية والسياسية واإليديولوجية.1
وقد عرفت هذه المرحلة مجموعة من الكتابات السوسيولوجية التي ارتبطت بالتربية
فيليب بيرنود وكليوبات ار والمدرسة على حد سواء ،منها كتابات الباحثين السويسريين
مونتاندون ) (Philippe Perrenoud et Cléopâtre Montandon,اللذين كتبا مجموعة
من الدراسات واألبحاث عن صعوبات التواصل بين المدرسين واآلباء ،والسيما المنحدرين من
أصول شعبية ،كما يتضح ذلك جليا في كتابهما ( الحوار المستحيل بين اآلباء والمدرسين)
وريجين سيروتا ( ) Régine Sirotaفي كتابها (يوميات المدرسة االبتدائية) ،حيث ركزت
الباحثة على التصرفات اليومية للمدرس في عالقاته بتالمذته كثرة النظر ،واالبتسامات
والتهاني ،واألسئلة ،وعالقة ذلك بجذورهم االجتماعية.2
أما فرانسوا دوبي ، (François Dubet)3فيهتم بحياة تالميذ التعليم الثانوي ،ورصد
معاناتهم داخل المدرسة ،كما يتبين ذلك جليا في كتابه (تالميذ الثانوي) الذي ألفه سنة
1991م .ويصف الباحث كذلك الحياة المدرسية التي يعيشها المراهق داخل المؤسسة
التربوية ،وخاصة في كتابه( سوسيولوجيا التجربة المدرسية) الذي ألفه مع دانيلو مارتيشولي
(Danilo Martuccelli)4سنة 1996م .ويركز الباحثان معا على الفجوة الموجودة بين ذاتية
) ،Jean-Yves Rochexفي كتابهم (المدرسة والمعرفة في الضواحي وغيرها) ،وقد نشر
سنة1992م.1
ما يمكن قوله على هذه المرحلثة هثو أن علثم اجتمثاع التربيثة أصثبح أكثثر نضثجا علثى
ما كثان عليثة فثي سثابق عصثره ،كمثا أنثه بثات أكثثر دقثة فثي اختيثار مواضثيعه وهثذا مثا جعلثه
محل اهتمام من طرف الباحثين والمنشغلين بالحقل التربوي ،وهثذا إلدراكهثم ألهميثة هثذا العلثم
ومثثا يمكثثن أن يقدمثثه مثثن خثثالل مقارباتثثه المختلفثثة فثثي تفسثثير وتحليثثل الظثثاهرة التربويثثة .كمثثا
ش ثثكلت المدرس ثثة مح ثثور اهتم ثثام ه ثثذا العل ثثم ،وم ثثا تحمل ثثه ه ثثذه األخيث ثرة م ثثن أبع ثثاد اجتماعي ثثة
واقتصادية وثقافية ،شكلت مدخال مهما في فهم مضامين مختلف الظواهر التربوية.
ثانيا:التربية والمجتمع
تنبني سوسيولوجيا التربية على مبدأين :مبدأ االنسجام ومبدأ المركزية.بمعنى أن المدرسة
عليها أن تنسجم ،في وظائفها المختلفة والمتنوعة ،مع باقي المؤسسات األخرى ،سواء أكانت
سياسية أم اجتماعية أم اقتصادية أم عسكرية أم ثقافية أم دينية .ويقصد بالمبدإ الثاني أن
المدرسة هي المركز المهم لتكوين أجيال المستقبل وتربيتها وتأهيلها ذهنيا ووجدانيا وحركيا.
وللتربية عالقة وطيدة بالسياسية ،فكل عنصر يتأثر باآلخر .بمعنى أن المدرسة تعبير
عن صراعات طبقية واجتماعية ،وتعبير عن صراعات سياسية ونقابية وايديولوجية .عالوة
على ذلك ،أن ثمة أنظمة سياسية تجعل من المدرسة وسيلة للحفاظ على العادات والتقاليد
والقيم التي يدافع عنها النظام السياسي ،كما في الدول االشتراكية واألنظمة
الديكتاتورية(النازية والفاشية) .وهناك أنظمة تريد أن تجعل من المدرسة أداة للتغيير ،ووسيلة
ناجعة للقضاء على مختلف مظاهر التهميش واإلقصاء مع تطوير المجتمع كما في الدول
الديمقراطية.
يعد علم االجتماع التربية فرعا من فروع علم االجتماع العام ،وميدانا من أهم ميادينه
الميكرو مجتمعية؛ نظ ار لعالقة المدرسة بالمجتمع والتنمية والتخلف .وأكثر من هذا ،فثمة
تأثير وتأثر متبادل بين هذين العلمين ،إذ يشتغل علم االجتماع التربية على التصورات
- 1محمد لبيب النجيحي :مقدمة في فلسفة التربية ،دار النهضة العربي للطباعة والنشر ،لبنان ،ط،9116 ،9ص.601
االجتماعية والمقاربات المنهجية والتطبيقية التي يرتكن إليها علم االجتماع العام .وفي الوقت
نفسه ،يستفيد علم االجتماع العام من قضايا علم االجتماع التربية ،ونتائجه المختبرية
والميدانية والتحليلية.1
كما يستفيد علم االجتماع التربية من معظم النظريات والمقاربات التي اعتمدتها
السوسيولوجيا العامة ،مثل (:المادية التاريخية( كارل ماركس ،والبنيوية لوي ألتوسير،
و(البنيوية الوظيفية( بارسنز وميرتون )النسقية( كومبس وبودون وفالو.
ومن جهة أخرى ،يستعمل هذا العلم األدوات والمفاهيم نفسها التي يستخدمها علم
االجتماع العام ،ويناقش الموضوعات والقضايا التي يناقشها علم االجتماع العام ،مثل :
عالقة النظام التربوي بالمجتمع الكلي .ومن ثم ،التكتفي سوسيولوجيا التربية بالمقاربة
الميكرومجتمعية على أساس أن المدرسة مجتمع مصغر ،بل تتعدى ذلك إلى التعامل معها
ضمن المقاربة الماكروسوسيولوجيا ،بالتوقف عند عالقة المؤسسة التربوية بباقي التنظيمات
المجتمعية األخرى .والتعنى فقط بدراسة المدرسة أو المؤسسة التربوية فقط ،بل تهتم كذلك
بدراسة الممارسات التربوية ،واستجالء مختلف العالقات االجتماعية التي تتحكم في تصرفات
الفاعلين داخل المؤسسة التربوية.2
تثدرس سوسثيولوجيا التربيثة أو المدرسثة كثل الظثواهر المتعلقثة بمجثال التربيثة والتعلثيم
والمؤسسثة الد ارسثية فثي عالقتهثا مثع المجتمثع .ويعنثي هثذا أن المدرسثة تعكثس محيطهثا
االجتمثاعي بشثكل مباشثر أو غيثر مباشثر .ومثن ثثم تركثز هثذه السوسثيولوجيا علثى د ارسثة
المؤسسثة التربويثة مثن الثداخل والخثارج ،بد ارسثة مكوناتهثا وعناصثرها ونسثقها الثوظيفي الكلثي
برصثد مختلثف األنشثطة التثي تقثوم بهثا المؤسسثة التعليميثة ،سثواء كانثت أنشثطة ماديثة أم
معنويثة.ثثم رصثد مختلثف العالقثات التفاعليثة التثي تجريهثا المؤسسثة مثع المجتمثع الخثارجي
بالتوقف عند ثوابثها ومتغيراتهثا ،واسثتجالء خصائصثها ووظائفهثا وأدوارهثا المجتمعيثة ،ومثدى
-1مصطفى محسن،االتجاهات النظرية في سوسيولوجية التربية ،مجلة الدراسات النفسية ،مكتبة نهضة الشرق القاهرة 7922،ص21
-2السيد حنفي عوض ،علم االجتماع التربوي ،مدخل لالتجاهات والمجاالت ،مكتبة نهضة الشرق ،القاهرة 7912 ،ص 72
مساهمتها في فهم المجتمع وتحليله اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيثا وحضثاريا مثن خثالل
اعتمثاد التربيثة كمثدخل لهثذا التحليثل .عثالوة علثى ذلثك ،تتوقثف سوسثيولوجيا التربيثة عنثد
مكونثات المدرسثة وعناصثرها الفاعلثة والوظيفيثة ،كثالعنف-مثثال-عنثد التالميثذ ،والمدرسثين
ورجال اإلدارة ،واألعوان والمساعدين ،والمشرفين التربويين. 1
يعرف أحمد أوزي سوسيولوجيا التربية بقوله ":يقوم علم االجتماع التربية بدراسة
أشكال األنشطة التربوية للمؤسسات ،كأنشطة المدرسين والتالميذ واإلداريين داخل المؤسسات
المدرسية .كما يقوم بوصف طبيعة العالقات واألنشطة التي تتم بينهم .كما يهتم علم
االجتماع التربوي بدراسة العالقات التي تتم بين المدرسة وبين مؤسسات أخرى ،كاألسرة،
والمسجد ،والنادي .كما يهتم بالشروط االقتصادية والطبيعية التي تعيش فيها هذه المؤسسات
وتؤثر في شروط وجودها وتعاملها. "2
أما عبد الكريم غريب ،فيعرفها بقوله ":علم يدرس التثأثيرات االجتماعية التي تؤثر في
المستقبل الدراسي لألفراد؛ كما هو الشأن بالنسبة لتنظيم المنظومة المدرسية ،وميكانيزمات
التوجيه ،والمستوى السوسيوثقافي ألسر المتمدرسين ،وتوقعات المدرسين واآلباء ،وادماج
المعايير والقيم االجتماعية من طرف التالميذ ،ومخرجات األنظمة التربوية.و يمكن تحديد
موضوع سوسيولوجيا التربية من خالل البحث العلمي حول نوعية الروابط القائمة بين
المؤسسات التربوية المختلفة وبين باقي البنيات واألطر االجتماعية األخرى وما هي الوظيفة
التي تقوم بها تلك المؤسسات داخل مجتمع ما؛ وما مدى مساهمتها في تنشئة األفراد والى
-1عبد الكريم غريب :المنهل التربوي ،ج ،6منشورات عامل الرتبية مطبعة النجاح اجلديدة،املغرب،ط ،6006 ،1ص.468
-2علي الحوات :أسس علم االجتماع التربوي ،جامعة الفاتح ،طرابلس ،ليبيا ،7919 ،ص22:
-3صالح الدين شروخ :مقاالت في التربية ،منشورات النادي العلمي ،الجزائر،2002،ص.01
ويرى محمد الشرقاوي 1أن سوسيولوجية التربية تعنى بدراسة أنظمة التعليم ،ودراسة
الظواهر المدرسية ،مع دراسة مختلف العالقات التي تكون بين المدرسة ومخلف المؤسسات
األخرى ،مثل :األسرة ،والسياسة ،واالقتصاد .أي ":دراسة اآلليات المدرسية كالمدخالت
والعمليات والمخرجات .وتتمثل المدخالت في التالميذ والمدرسين واإلدارة .ويتميز تالميذ
المدرسة ،على أساس أنهم ساكنة المدرسة ،بخصائص فيزيولوجية ،ونفسية ،واجتماعية،
عالوة على السمات التالية :السن ،والجنس ،والمستوى الثقافي ،واألصل االجتماعي .أما
المدرسون واإلداريون ،فيتميزون بالمتغيرات المهنية والحرفية والسياسية والنقابية ،مثل :
مستوى التكوين ،وطريقة التوظيف ،والوضعية داخل البنية المجتمعية ،والتوجهات السياسية
والنقابية.
أما المخرجات ،فتتمثل في النتائج التي تترتب عن توظيف آليات التطبيع االجتماعي
واالصطفاء .بمعنى االستعانة بمختلف المعارف والمهارات من أجل تحقيق النجاح الدراسي،
ورصد مختلف آثار التعلم في أساليب الحياة ،أو في السلوك السياسي أو القانون المجتمعي
النهائي .وترتكز العمليات على نقل القيم األخالقية والمعارف ،ثم االهتمام بالبيداغوجيا ،ثم
قواعد التقويم .ويعني هذا أن وظيفة المدرسة هي نقل المعارف والقيم وفق قواعد بيداغوجية
وديدكتيكية معينة ،مع االهتمام بأنظمة التقويم.2
ويتضح ،مما سبق ،أن مجال علم اجتماع التربية هو رصد التحول الذي ينتاب الفثرد
وهثو ينتقثل مثن كثائن بيولثوجي غريثزي إلثى كثائن بيولثوجي إنسثاني وثقثافي .ومثن ثثم
فسوسثيولوجيا التربيثة لثديها الكثيثر ممثا تقولثه .ومثن ثثم ،فعلثم االجتمثاع التربيثة مجثال واسثع
ورحب ،ومتعدد المواضيع والقضايا ،وأن المدرسة مجتمع مصغر .وبالتالي ،تزخر بكثير من
الظواهر التي تنقلها من المحيط الذي يحوم بها.
1
- Mohamed Cherkaoui: Sociologie de l'éducation, Que sais-je, PUF, 5 edition 1999, pp: 3-5.
- 2جميل حمداوي :سوسيولوجيا التربية ،مرجع سابق،ص.02
ولكثن ينبغثي لسوسثيولوجيا التربيثة أن تتوسثع وتتجثاوز إطثار المدرسثة إلثى أشثكال
ضمنية أخثرى مثن الثتعلم ،كثأن تتوقثف عنثد األسثرة والمحثيط وغيرهثا مثن المواضثيع المرتبطثة
بالتعلم.
ومن هنا ،فسوسيولوجيا التربية تهتم بالعالقات االجتماعية داخل المؤسسة التربوية
ودراسة المؤسسات التي تقوم بوظيفة التنشئة التربوية واالجتماعية ،وربط التكوين بوظيفته
االجتماعية واإليديولوجية ،والتركيز على وظيفة التنشئة االجتماعية ووظيفة التمدرس .وعلى
العموم ،تهتم سوسيولوجيا التربية بدراسة األنظمة التربوية في عالقتها بالمجتمع ،وتبيان
دورها في التغيير االجتماعي ،والسيما أن التربية تسعى إلى تحويل كائن غير اجتماعي
ليصبح اجتماعيا ومن ثم ،فسوسيولوجيا التربية مفهوم عام يدرس مختلف األنشطة اإلنسانية،
وخاصة التربوية منها .
وهنثاك تعريثف آخثر لهثذا الحقثل المعرفثي مفثاده أن علثم اجتمثاع التربيثة يقثوم "بد ارسثة
أشكال األنشطة التربوية للمؤسسات ،كأنشطة المدرسين والتالميذ واإلداريين داخل المؤسسات
المدرسثية .كمثا يقثوم بوصثف طبيعثة العالقثات واألنشثطة التثي تثتم بيثنهم .كمثا يهثتم علثم
االجتمثاع التربيثة بد ارسثة العالقثات التثي تثتم بثين المدرسثة وبثين مؤسسثات أخثرى كاألسثرة
والمسثجد ،والنثادي .كمثا يهثتم بالشثروط االقتصثادية والطبيعيثة التثي تعثيش فيهثا هثذه
المؤسسات ،وتؤثر في شروط وجودها وتعاملها.
وهنثاك مثن يعثرف سوسثيولوجيا التربيثة بأنهثا بمثابثة علثم "يثدرس التثأثيرات االجتماعيثة
التي تؤثر في المستقبل الدراسي لألفثراد؛ كمثا هثو الشثأن بالنسثبة لتنظثيم المنظومثة المدرسثية
وميكانيزمثات التوجيثه ،والمسثتوى السوسثيوثقافي ألسثر المتمدرسثين ،وتوقعثات المدرسثين
واآلباء ،وادماج المعايير والقيم االجتماعية من قبل التالميذ ،ومخرجات األنظمة التربوية".
سوسيولوجيا التربية بصفة عامة ،تعتمد المقاربة السوسيولوجية في دراسة الظواهر
التربوية ،لكنه بالمعنى األنجلوساكسوني ،وهو السائد ،تحصر الظواهر التربوية في أنظمة
التعليم في المستوى األول ،وتأتي دراسة المؤسسات األخرى في سلم اعتباري ثانوي على قدر
عالقتها بالمدرسة والتعليم. 1
فعلم اجتماع التربية ،أو المقاربة السوسيولوجية للتربية ،مفادها تحويل النظريات
والقوانين السوسيولوجية على الواقع التربوي والتعليمي ،من خالل دراسة وتحليل
النماذج التربوية والطرق والتقنيات واألساليب التربوية ،والقضايا والمشكالت واإلشكاليات التي
تتكون داخل المؤسسات التعليمية النظامية والالنظامية .وتتم هذه الدراسة السوسيولوجية من
خالل عملية تحليل تفاعل العناصر التربوية والتعليمية داخل نسقها االجتماعي؛ وفي إطار
نظرية شمولية ماكروسكوبية ،تدرك مختلف العالقات القائمة في عملية التفاعل بين مكونات
البنية أو النسق التي توجد ضمنه الظاهرة التربوية ،فهي بذلك مقاربة للظاهرة التربوية مقاربة
سوسيولوجية تعتمد على القواعد المنهجية للسوسيولوجيا في دراسة وتحليل الظروف
والمالبسات االجتماعية المحيطة أو المؤطرة للموقف التربوي.
ضثبط انعكاسثثات هثثذا الفعثثل علثى حسثثن انثثدماجهم السوسيوثقافثثي والمهنثثي •
واالقتصادي.
د ارسثة وظثائف التربثثية و تأثيراتهثا علثى المنظومثة االقتصثادية و السياسثية والقيميثة. •
تحليثل المؤسسثة المدرسثية بصثفتها مجتمعثا مصثغ ار يخثدم المجتمثع الكبي ث ثثر ،مثع
تشخيص العالقات الجدلية أو التفكيكية القائمة بين هثذا المجتمثع المصثثغر والمجتمثع
المدني بمختلف هياكله االقتصاديثة و السوسيوثقافية و السياسية والدينية.2
يكتسي علم اجتماع التربية مثله مثل باقي الحقول المعرفية األخرى أهمية بالغة،
ويرجع ذلك الى اعتبارات عديدة سنحاول اختصارها في النقاط التالية:
-3النظام التعليمي في أي مجتمع هو جزء ال يتج أز منه وأحد نظمه األساسية المحورية له،
حيث يحدد المجتمع أهدف أهداف النظام التعليمي وتوجهاته ويتولى النظام التعليمي تحقيق
هذه األهداف بما يتفق وامكاناته المادية والبشرية وهذا بدوره يساعد في تحقيق األهداف
العامة للمجتمع .أي أن العالقة بين المجتمع والنظام التعليمي هي عالقة الكل بالجزء ،يعمل
الجزء من خالل الكل ،ويعتمد نجاح الكل على نجاح أجزائه .والنظام التعليمي ال يعمل في
عزلة أو انفصال عن نظام المجتمع السياسية واالقتصادية واالجتماعية ،وانما يعمل في
انسجام مع هذه النظم ،يؤثر فيها ويتأثر بها يقدم لها خدماته ويستفيد من خدماتها .ودراسة
الطالب المعلم والمعلم لعلم اجتماع التربية يساعده في فهم واستيعاب تلك العالقات المتفاعلة
بين النظام التعليمي من ناحية وكل من النظم السياسية واالقتصادية واالجتماعية للمجتمع،
والمجتمع ككل من ناحية ثانية ،وبفهم طبيعة هذه العالقات وتطورها واألسس والمبادئ التي
تقوم عليها ،والمشكالت التي تواجهها وكيفية اإلسهام في تقديم حلول لها ،من خالل تفكيك
مضامينها.1
وبناء
ً -1ومن ثم من الضروري أن يحدث تفاعل وانسجام بين المدرسة وباقي المؤسسات.
على ذلك فإن علم اجتماع التربية بمبادئه ونظرياته ومعلوماته ،يمكن أن يقدم للمعلم
خدمات جليلة عن كيفية العالقة بين المدرسة واألسرة ومسئولية كل منهما في التربية،
وكيف يكون التعاون بينهما ،وكيف يمكن تحديد المشكالت التي تنشأ بينهما وامكانية
المشاركة في حلها .وكذلك العالقة بين المدرسة وباقي مؤسسات المجتمع،
- 6يواجه المعلم كثي ار من المشكالت مع تالميذه داخل حجرة الدراسة ،أو مع زمالئه
المعلمين ،أو اإلداريين ،أو الموجهين الفنيين ،أو أولياء التالميذ أو أصحاب السلطة المحلية
وذوي النفوذ والثروة .مثل هذه المشكالت تمثل عقبات تحول دون تحقيق المعلم ألدواره
ومسؤولياته في العملية التعليمية التي تعتمد أساسا على جهوده .وعلم اجتماع التربية يتولى
مهمة البحث في المشكالت وأسبابها وكيفية التغلب عليها ،ومن ثم فإنه من الضروري أن
يدرسها علم اجتماع التربية.
-1معتز الصابوني :علم االجتماع التربوي دار أسامة للنشر ،ط ،7األردن،2001،ص.21- 22
المدرسة على شخصية الفرد . الظواهر االجتماعية الناتجة عن العملية
التربوية .
على الرغم من أن الكثير من المؤلفات في مجال علم االجتماع التربية ،تعتبر علم
االجتماع التربوي وعلم االجتماع التربية حقال واحد وأرجعوا سبب االختالف يكمن في البناء
اللغوي فقط .ويرجع سبب ذلك إلى الترجمات من اللغات األجنبية إلى اللغة العربية ،إال أن
هناك من المهتمين من أعتبرهما حقلين مختلفين لكل منهم مجاله الذي يشتغل فيه وأهدافه
التي يسعى إلى تحقيقها.
خالصة :من خالل عرض مضامين الفصل ،يتضح بأن سوسيولوجيا التربية ال تنحصر في
تعريف واحد ولكنها تتعدد بتعدد الخلفيات واالتجاهات الفكرية للمنشغلين بالتربية ،تهتم
سوسيولوجيا التربية بتتبع تاريخ المؤسسة التربوية ،وتبيان تاريخها ،وتحديد مفهوم التربية
والمدرسة على حد سواء ،مع استجالء األدوار والوظائف التي تقوم بها التربية ،وتحديد
مختلف التجليات للمؤسسة التعليمية في المجتمع ،وهذا ما نسعى الى التعرض له في الفصل
الموالي.
الفصل الثالث :المدرسة مفهومها وبنيتها ووظيفتها
-تمهيد
-خالصة.
تمهيد :لقد تطورت المدرسة من مكان بسيط يتلقى فيه الفرد معرفة إلى كينونة رمزية معقدة،
ومن ثم تحول دورها الوظيفي من عملية تعليم اإلنسان إلى تشكيل اإلنسان وبناء المجتمع
أيديولوجيا .فالمدرسة ليست مجرد مكان يجتمع فيه األطفال أو
ً واعادة إنتاجه حضارًيا و
الناشئة من أجل اكتساب المعرفة بل هي تكوين معقد وبالغ التعقيد من صور رمزية ذات
طابع اجتماعي وهي مصدر يستلهم منه الفرد طاقته لابداع في مجال النشاط االجتماعي
المختلفة.
أوال:تعريف المدرسة
تعد المدرسة فضاء للتربية والتكوين والتعليم والتهذيب القيمي والخلقي ،وفضثاء إلعثداد
المث ثواطنين الص ثثالحين ،وت ثثوفير أكب ثثر ع ثثدد م ثثن الم ثثؤهلين األكف ثثاء لتحري ثثك دوالي ثثب المجتم ثثع
واالقتصاد ،واعداد نخب وظيفية وسياسية واقتصادية ،وتكوين رجال الغد وبناة المستقبل.
ومن ثم ،فالمدرسة نظام من العالقات التربوية واالجتماعية ،أو نظام من التفاعالت
النفسية واالجتماعية المعقدة .فالمدرسة ظاهرة اجتماعية مكثفة بمكوناتها ووظائفها ،وهي
تحتاج كما ألمحنا إلى منهج علمي رصين من أجل دراستها وتحليل عناصرها ومكوناتها وهذا
بدوره يقتضي االستناد إلى منظومة علمية متكاملة من المفاهيم السوسيولوجية الرصينة بعيدا
عن مصائد وأوهام التصورات العامة للسوسيولوجيا الساذجة التي يستند إليها غالبا في فهم
1
المدرسة وتحليلها.
وتتباين تعريفات المدرسة بتباين االتجاهات النظرية في مجال علم االجتماع التربية،
وتتنوع هذه التعريفات بتنوع مناهج البحث الموظفة في دراستها؛ ويميل أغلب الباحثين اليوم
ديناميا
ً اجتماعيا
ً إلى تبني االتجاه النظمي في تعريف المدرسة وينظرون إليها بوصفها نظاما
معقدا ومكثفا .ويمكننا في دائرة هذا التعدد المنهجي في تعريف المدرسة استعراض مجموعة
من التعريفات التي تؤكد على بنية المدرسة تارة وعلى وظيفتها تارة أخرى.
ينظر علماء االجتماع إلى المدرسة بوصفها مؤسسة اجتماعية معقدة مستجمعة في
ذاتها لمنظومة من العالقات البنيوية المتبادلة بين مختلف جوانبها ،وأنه ال يمكن إحداث
- 1علي أسعد وطفة وعلي جاسم الشهاب :علم االجتماع المدرسي ،مرجع سابق ،ص.02
التغيير في أحد أجزائها دون التأثير في بنيتها الكلية .وفي نسق هذا التوجه ينظر إلى
المدرسة بوصفها مؤسسة تهدف إلى تحقيق التواصل بين تجربة التعليم المدرسية والتجارب
1
االجتماعية التي تجري في المجتمع.
واذا كان الباحثون ينظرون إلى المدرسة كمؤسسة اجتماعية فإنهم في الوقت نفسه
يؤكدون بأنها مؤسسة نوعية مختلفة عن المؤسسات االجتماعية األخرى .ومن هذا المنطلق
يرى كريفز Griffithsأن المدرسة تتميز عن بقية المؤسسات األخرى بوصفها مؤسسة ال
خيار للمرء في االنتماء إليها .وهو في هذا السياق يوجه النقد إلى المدرسة في بالده ،فهي
كما يراها متصلبة وبيروقراطية ،تتأصل فيها اإلدارة المركزية ،وتفتقر إلى رجال اإلدارة
األكفياء وذلك بالقياس إلى المؤسسات االجتماعية األخرى.
- 1بوستيك مارسيل:العالقات التربوية ،ترجمة محمد بشير النحاس،المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ،تونس،9168 ،ص.89
-2حامد عبد السالم زهران:علم النفس اإلجتماعي،عالم الكتاب،مصر،0914،ص.92
ويرى كارلسون Garlsonفي هذا المجال أن المدارس مؤسسات ذات نمط خاص
واذا كانت المدرسة ال تستطيع اختيار زبائنها ،فإن زبائنها مكرهون على ارتيادها وعلى قبولها
نظميا مناسبا
ً وقبول الخدمات التي تقدمها لهم .ويقترح شيبمان Shipmanتعريفا
للسوسيولوجيين وهو :أن المدرسة شبكة من المراكز واألدوار ،التي تقوم بين المعلمين
والتالميذ ،حيث يتم اكتساب المعايير التي تحدد لهم أدوارهم المستقبلية في الحياة
االجتماعية.
تمثل التعريفات المتنوعة السابقة عينة من التحديدات النظمية التي تنظر إلى المدرسة
بويا .وغني عن البيان أن المفكرين في علم االجتماع
بوصفها مؤسسة اجتماعية ونظاما تر ً
التربية ينطلقون في تعريفهم للمدرسة من أسس منهجية ونظرية مختلفة ،حيث يؤكد بعض
المفكرين في تعريفهم للمدرسة على أهمية الدور الذي يجب أن تؤديه المدرسة في حياة
الناس .وهم يركزون في هذا التوجه على ما يجب أن تكون عليه المدرسة ،وليس على واقع
المدرسة كما هو كائن.
وينضوي في دائرة هذا التوجه التعريف النموذجي الذي يقدمه جون هولت Holt
Johnفالمدرسة في نظره ،يجب أن تكون المكان الذي يجد فيه الناس ما يرغبون فيه
والمكان الذي يساعدهم في تطوير القدرات واالستعدادات التي يرغبون بتطويرها.1
- 1علي أسعد وطفة وعلي جاسم الشهاب:علم االجتماع المدرسي ،مرجع سابق،ص.44
المعايير والقيم الناظمة للفعاليات والتفاعالت االجتماعية والتربوية في داخلها وفي خارجها.
بويا.
ثقافيا وتر ً
وهي أفعال تتصف بالتنظيم وتؤدي إلى إعادة إنتاج الحياة االجتماعية ً
إن تعريف المدرسة ،كنظام متكامل من السلوك ،ال ينطلق كما نوهنا من مجرد تحديد
مختلف العناصر التي تتكون منها كالصفوف واإلدارة والمناهج والمعلمين ،بل يرتكز أيضا
وبصورة أساسية على منظومات األفعال التي يقوم بها الطالب والمدرسين واإلداريين فيما
بينهم من جهة ،وعلى التفاعالت التي تتم بين المجتمع المدرسي والوسط الخارجي بمؤسساته
وأسره وثقافاته من جهة أخرى .وهذه األفعال والفعاليات ترتسم في مخطط معقد للنشاطات
اإلنسانية التي تتم على العموم في إطار التفاعل االجتماعي.1
فالمدرسة كما تواتر تعريفها نظام اجتماعي من التفاعالت السلوكية التي تتم بين
مختلف روادها .وهذا يعني أن السلوك يشكل جانبا من بنية المدرسة بوصفها نظاما
سلوكيا فإنه يجب علينا أن نحدد خريطة السلوك
ً اجتماعيا ،واذا كانت المدرسة تنظيما
2
المدرسي وترسيم حدود هذا السلوك الذي يدخل في بنية المدرسة كمؤسسة تربوية اجتماعية
ويعد التفاعل التربوي ،الذي يجري بين أفراد الجماعة المدرسية ،صورة حية للتفاعل
3
االجتماعي الذي يجري في إطار الحياة االجتماعية.
ويتجلى التفاعل االجتماعي التربوي في المدرسة في" نسق من العمليات التي يرتبط
ودافعيا في مستوى الحاجات والرغبات
ً عقليا
عبرها أعضاء الجماعة بعضهم مع بعض ً
والوسائل والغايات والمعارف"وعلى هذا النحو يعرف التفاعل التربوي على أنه" سلسلة متبادلة
ومستمرة من االتصاالت بين كائنين إنسانيين أو أكثر" فالعالقة التربوية هي"نمط معياري
-كيف تتم عمليات االتصال والتفاعل بين التالميذ والمعلمين وما أواليات هذا التفاعل؟
-كيف ينظر التالميذ إلى أنفسهم ،والى زمالئهم ومعلميهم؟ وكيف ينظر المعلمون إلى
تالميذهم وأنفسهم وزمالئهم؟
-كيف تتم عملية االتصال وفقا لمتغيرات عديدة كالجنس والعمر ومستوى تحصيل الطالب
ومستوى كفاءة المعلم وتأهيله؟
-كيف يمكن قياس درجة التسامح أو التصلب في العالقات التي تقوم بين اإلدارة والمعلمين
والتالميذ؟ وما انعكاس ذلك على درجة التفاعل التربوي القائم في داخل النظام المدرسي؟
-ما دور المعايير والقيم المدرسية السائدة في تحديد طبيعة ومستوى وشكل العالقات القائمة
في المدرسة؟
ويكاد يجمع الباحثون ،اليوم ،في مجال السوسيولوجية المدرسية ،على نتيجة هامة وهي :أن
فعالية النظام المدرسي ومدى قدرته على تحقيق غاياته التربوية أمر مرهون ،إلى حد كبير،
بمستوى ودرجة التفاعل التربوي القائم بين جوانب النظام المدرسي.
-درجة الديمقراطية المتاحة والقائمة بين المعلمين والتالميذ واإلدارة وجوانب النظام
األخرى.
-1علي أسعد وطفة وعلي جاسم الشهاب:علم االجتماع المدرسي مرجع سابق،ص.49
-مدى التوافق واالنسجام الذي يتحقق بين جوانب النظام المدرسي ومكوناته.
-مدى المرونة التي تتصف بها العالقة التربوية القائمة ،سواء كان ذلك في داخل النظام :
بين المعلمين واإلداريين والطالب ،أو بين المدرسة والوسط االجتماعي للتالميذ.1
ويسثتخدم البثاحثون ،لقيثاس حركثة التفثاعالت القائمثة فثي المدرسثة ،القيثاس االجتمثاعي
السوسثيومتري كثأداة لقيثاس درجثة التجثاذب والتنابثذ الحاصثل فثي داخثل الجماعثات المدرسثية
كجماعثات الصثفوف ،وجماعثات الرفثاق .وتبثين الد ارسثات الجاريثة ،فثي هثذا المجثال ،أن
التجثاذب بثين أطثراف الجماعثة الواحثدة ،أو الجماعثات المكونثة ،يعثزز مثن فعاليثة الجماعثة
ويشثحذ قثدراتها ،ويزيثد مثن طاقثات إنتاجهثا وتماسثكها .وعلثى العكثس مثن ذلثك ،تبثين هثذه
2
الدراسات ،أن التنافر يؤدي إلى إعاقة العمل واضعاف العزم وتقليص إنتاج الجماعة.
وتسعى الدراسات ،الخاصة بالعالقات التربوية ،إلى تحديد مواطن الضثعف والقصثور
في نشاط وفعالية النظام المدرسي ،وأسباب انخفاض إنتاجيته المتعلقة بمستوى نجاح التالميذ
ويشكل التفاعل االجتماعي المنطلق األساسي ألية حياة اجتماعية أو تربوية ،ومن
غير هذا التفاعل تفقد الحياة االجتماعية جوهر وجودها .ويتم التفاعل االجتماعي وفقا
لمنظومة من المعاني واألفكار والمفاهيم وعلى أساس قدرة الفرد على تبادلها مع اآلخرين عن
طريق اللغة ،وتجدر اإلشارة هنا إلى أن التفاعل االجتماعي هذا ال يتم في فراغ بل في سياق
اجتماعي وفي إطار الحاجة إلى اآلخرين والحاجة إلى االرتباط بهم واالنتماء إليهم.3
ويأخذ التفاعل المدرسي صورة تواصل عميق يجري بين مختلف أطراف العملية
التربوية ،بين الطالب والطالب ،وبينهم وبين المدرسين ،وبين المدرسين والطالب واإلداريين
وينسحب هذا على المناهج واإلداريين والعاملين في ميدان الحياة المدرسية .ويأخذ التفاعل
التربوي طابعا رمزًيا بالضرورة وهو الشرط الضروري لكل فعل تربوي وعلمي في المؤسسات
-1علي أسعد وطفة وعلي جاسم الشهاب:علم االجتماع المدرسي ،المرجع سابق،ص.21
–2السيد حنفي عوض:علم االجتماع التربوي ،مكتبة وهبة ،مصر،9167،ص.88
-3السيد حنفي عوض:علم االجتماع التربويالمرجع السابق،ص.87
التربوية بصفة عامة .وهناك مجموعة من الشروط التي ينبغي أن تتوفر ألجل خلق تفاعل
1
تربوي فعال يمكن إجمالها فيما يلي:
-الفلسفة التربوية السائدة في المدرسة التي تتعلق بأهداف التعليم وغاياته ووظيفة المدرسة
ومبادئ التربية الحديثة .ومثال ذلك :أن المعلم ،الذي ينظر إلى المدرسة بوصفها نظاما
للتعليم فحسب ،ال يستطيع أن يحقق شروط التفاعل التربوي اإليجابي .والمعلم الذي يؤمن
بويا متكامال وأصيال .وعلى خالف ذلك
بمبدأ التسلط واإلكراه ال يستطيع أن يحقق فعال تر ً
كله ،عندما تنطلق الفلسفة التربوية من مبادئ إنسانية في العمل التربوي وعندما ينظر إلى
المدرسة بوصفها مرحلة حياتية هامة في حياة األطفال ،وأن مهمة المدرسة ليست مجرد
تلقين المعلومات ،فإن التفاعل التربوي سيترجم إلى عطاء متواصل في مجال الفعل واإلبداع
التربويين.
-مدى مرونة األنظمة اإلدارية السائدة ،حيث يالحظ بأن التصلب اإلداري ينعكس سلبا
على مستوى إنتاجية المدرسة ،ويكرس انخفاضا في مستوى التفاعالت التربوية الجارية بين
أطرافها وعناصرها المكونة.
-تمارس صيغة األهداف التربوية الخاصة بالمدرسة دو ار كبي ار في تحديد مستوى العالقات
التربوية السائدة ،وهي في الوقت الذي تتميز فيه بالمرونة تجعل من تحقيق التفاعل التربوي
إمكانية متاحة.
-وبالقدر الذي تكون فيه المناهج متكيفة مع تجارب الحياة الخاصة بالتالميذ فإن ذلك يسهم
في دفع العالقات التربوية القائمة نحو طور تربوي أفضل.
-5أهمية العالقة بين الوسط االجتماعي والوسط المدرسي التي تتم عبر مجالس األولياء
والمعلمين .إن مشاركة ذوي التالميذ في العمل المدرسي ،من شأنه دفع وتيرة الفعل التربوي
نحو آفاقه المنشودة .فالعالقات التربوية تمثل ،في النظام المدرسي القائم ،ما تمثله الدورة
يرى جويل روسني Rosnayأن وظيفة المدرسة ال تقف عند حدود نقل المعارف
الموجودة في بطون الكتب فحسب ،وانما في عملية دمج هذه المعارف في أوساط المعنيين
تعد المدرسة بحق الوكالة االجتماعية الثانية ،بعد األسرة ،للقيام بوظيفة التنشئة
وسلوكيا
ً ومعرفيا
ً روحيا
ً االجتماعية لألطفال والناشئة .حيث تقوم بإعداد األجيال الجديدة
أخالقيا ومهنيا ،وذلك من أجل أن تحقق لألفراد اكتساب عضوية الجماعة والمساهمة
وبدنيا و ً
ً
في نشاطات الحياة االجتماعية المختلفة .2وتعمل المدرسة ،اليوم على تحقيق عدد كبير من
المهام التربوية ومن بين هذه المهام التي تقوم بها يمكن أن نذكر على سبيل المثال ،وليس
الحصر ،جملة من الوظائف أبرزها :تحقيق التربية الفنية ،والتي تتمثل في الموسيقى والرسم
واألنشطة الفنية األخرى ،ثم التربية البدنية ،والتربية األخالقية والروحية ،والتربية االجتماعية
وتحقيق النمو المعرفي ،وأخي ار التربية المهنية.3
وتعتبر المدرسة -حسب المنظور اإلصالحي إلميل دوركايم -فضاء لادماج
االجتماعي ،ومكانا الئقا للتنشئة االجتماعية بواسطة التعليم والتربية األخالقية ،والحفاظ على
يرسم كل مجتمع السياسة التي يرتضيها لنفسه ،والتي تحقق له غاياته وأهدافه في
مختلف مجاالت الحياة وميادينها .والسياسة هي أداة المجتمع في توجيه الطاقات والفعاليات
المجتمعية نحو أهداف منشودة ومحددة ،وهي بالتالي معنية بتحقيق التوازن بين جوانب
الحياة االجتماعية ومؤسساتها المختلفة.
وتقثوم بثين مؤسسثة المدرسثية والمؤسسثة السياسثة عالقثات جدليثة عميقثة وجوهريثة.
فالمؤسسثة السياسثية معنيثة بتحديثد أهثداف التربيثة وغاياتهثا وبتحديثد اسثتراتيجيات العمثل
المدرسي ومناهجه ،لتحقيق أغراض سياسية اجتماعية قريبة أو بعيدة المدى .وغالبا ما ينظر
إلثى المدرسثة بوصثفها حلقثة وسثيطة بثين العائلثة والدولثة ،لتحقيثق الغايثات االجتماعيثة التثي
حددها المجتمع لنفسه.
-1وسيلة خزار :اإليدولوجيا وعلم االجتماع ،جدلية االنفصال واالتصال ،منتدى المعارف،ط،9لبنان ،6192 ،ص .906
وتبين القراءة التاريخية لعمل المدرسة ووظيفتها بوضوح ،أن عمل المدرسة ومهمتها
تتغاير بتغاير أنظمة الحكم القائمة واأليديولوجيات السائد ة .لقد تحولت المدرسة إلى أداة في
يد الدولة الماركسية لتحقيق أغراض واستراتيجيات وايديولوجيات السياسة الماركسية .كما
تحولت المدرسة األلمانية في ألمانيا النازية ،إلى جهاز سياسي يهدف إلى تكريس مبادئ
النازية ،وتمجيد العرق اآلري ،وكان عليها أن تقوم بمهمة تذويب وصهر كافة الثقافات
االجتماعية للشعب األلماني في بوتقة االنتماء إلى القومية األلمانية المتعالية.1
فالسياسات التربوية القائمة ،ألي من البلدان ،تحدد للمدرسة وظائفها ومهماتها
وأدوارها وتصوغ لها مناهجها بما ينسجم مع التوجهات السياسية الكبرى للمجتمع المعني .
ويتم ذلك كله عبر منظومة من الخطط واالستراتيجيات المتكاملة والموجهة .فالسياسة
التربوية لمجتمع ما تحدد في إطار سياسته العامة .وتسعى هذه السياسات في جملة ما
تسعى إليه ،إلى تعزيز األيديولوجيات االجتماعية السائدة وتحقيق الوحدة السياسية للمجتمع.
ومن أهم األدوار السياسية التي تلعبها المدرسة هي:2
-3الوظيفة االقتصادية
-1علي أسعد وطفة وعلي جاسم الشهاب :علم االجتماع المدرسي ،مرجع سابق،ص.410
-2علي أسعد وطفة وعلي جاسم الشهاب :علم االجتماع المدرسي،المرجع السابق،ص.414
المتطورة .وكان على المدرسة في هذه المرحلة أن تلبي حاجات الصناعة النامية من اليد
العاملة المؤهلة .وما تزال المدرسة حتى يومنا هذا تسعى إلى تلبية احتياجات التكنولوجيا
الحديثة من فنيين وخبراء وعلماء وأيد عاملة .وبدأت الحقا ترتبط تدريجيا ،وعلى نحو عميق
مع المؤسسات االقتصادية اإلنتاجية ،ويتجسد ذلك في تأسيس المدارس الفنية والمهنية ،التي
تتصل بشكل مباشر بعجلة اإلنتاج الصناعي المتطور.1
ولم تبق هذه الحقيقة االقتصادية اليوم س ار مرهونا باالختصاصين فحسب ،حيث بدأ
الناس يدركون أهمية التحصيل العلمي في رفع مستوى اإلنتاج ومستوى الدخل على المستوى
الفردي كما على المستوى القومي .وفي هذا الخصوص ،يشير رايموند بودون Boudonإلى
هذا األمر في كتابه الحراك االجتماعي ويؤكد أن صورة التعليم بدأت تأخذ مكانها في عقول
الناس على أنها عملية توظيف واستثمار وعائدات ،وقد بدأ الناس ينظرون إلى المدرسة من
زاوية العرض والطلب والتوظيف والعائدات...الخ وينظر اليوم أصحاب النزعة االقتصادية
إلى المدرسة من جوانبها االقتصادية ،وهم يعملون على دراسة حركتها وفاعليتها بوصفها
مؤسسة إنتاجية تطرح نتاجا من الشهادات والناس في أسواق العمل ،وهو نتاج تتباين أهميته
وجودته بتباين المدة الدراسية ،ونوع الدراسة والفرع العلمي ،ومدى أهمية االختصاص في
سوق العمل وفقا لمبدأ العرض والطلب االقتصادي.2
-4الوظيفة الثقافية
تعد الوظيفة الثقافية من أهم الوظائف التي تتوالها المؤسسات المدرسية .فالمدرسة
تسعى إلى تحقيق التواصل والتجانس الثقافيين في إطار المجتمع الواسع .وتأخذ وظيفة
المدرسة الثقافية أهمية متزايدة وملحة كلما ازدادت حدة التناقضات الثقافية واالجتماعية بين
الثقافات الفرعية القائمة في إطار المجتمع الواحد :كالتناقضات االجتماعية ،والعرقية
والجغرافية.
فالمنظومة بالتعريف" بنية ذاتية التكامل تترابط مكوناتها وعناصرها بعضها ببعض
وظيفيا محكما يقوم على أساس من التفاعل الحيوي بين عناصر هذه المنظومة
ً ترابطًا
ومكوناتها .وتتميز هذه المنظومة بأنها" بنية مفتوحة وليست مغلقة ،بنية متطورة وليست
جامدة ،بنية عنكبوتية التشابك وليست خطية التتابع .هذا إضافة إلى خاصية أساسية أخرى
هي أن البنية المنظومية تكون أكبر من مجموع مكوناتها ،وهو ما يمكن أن يتضح في نظرية
الجشتالت أو المجال عند علماء النفس وفى عمليات التكامل عند الرياضيين وفى نموذج
التفاضل المتوالي والتوفيق التكاملي عند التربويين من أصحاب نظرية منظم الخبرة المتقدمة
ويمكن لنا تحديد أهم عناصر المنظومة ومكوناتها على النحو التالي:
-1علي أسعد وطفة وعلي جاسم الشهاب :علم االجتماع المدرسي ،مرجع السابق،ص.402
-تتغير البنية الكلية للمنظومة مع التغيرات الحادثة في الوسط ،ولكنها تحافظ على طابع
من االستم اررية والتواصل المستمر مع المحيط.
حيويا
وتأسيسا على هذه الرؤية للمنظومة ومنهجها يمكن القول بأن المدرسة تشكل نظاما ً
متكامال متفاعال من العناصر والديناميات والفعاليات والمفاهيم والوظائف التي تترابط وفقا
لمنطق المنظومات الحية.1
ويمكن تعريف المدرسة كما أسلفنا بأنها ظاهرة اجتماعية معقدة ببنيتها وآليات
اشتغالها وديناميات حركتها .إنها بنية معقدة من التكوينات السياسية والتربوية والثقافية في
المجتمع .وعلى هذا اإليقاع تطرح المؤسسة المدرسية نفسها كمنظومة من العمليات المعقدة
وكتكوين من الفعاليات المنهجية المركبة .وتشهد هذه البنية في مراحل تكونها ونشوئها
إجراءات متعددة تتكامل فيها مختلف أنواع الممارسات الذهنية والفكرية والسياسية .فالمدرسة
تكوين فكري اجتماعي تربوي ،وهي كأي نظام تتكون من تضاريس ووظائف وفعاليات
وممارسات حيوية بالغة التعقيد والتنظيم .ومن هذه الزاوية النظمية يجب أن ننظر إلى
2
المدرسة وأن نعمل على تحليلها ودراستها.
واستنادا إلى هذه المقولة يمكن وصف المدرسة بأنها نظام ثقافي ،وأن تطويرها ال
يمكن أن يتم إال إذا فهمت ثقافتها فهما حقيقيا ،وهذا يعني أن الخطوة األولى في إصالح
التعليم هي محاولة إحداث تغيير في ثقافة المدرسة ،وأن الشدة والهيمنة وسائل .غير مجدية
في ذلكهذا ويشمل مفهوم النظام المدرسي البيئة االجتماعية التي توجد فيها المدرسة
ومكونات هذه البيئة التي تؤثر سلبا أو إيجابا على أداء العاملين فيها ،وتمثل هذه البيئة في :
الموقع الجغرافي للمدرسة وتجهيزاتها ومبانيها والمستوى االقتصادي االجتماعي لألسر وحجم
المدرسة ،ومدى الدعم الذي تتلقاه من مجتمعنا المحلي والمؤسسات العامة.
- 1حميل حمداوي ،مكونات العملية التعليمية ،شبكة األلوكة ،ط ،6195 ،9ص.55
- 2حميل حمداوي ،مكونات العملية التعليمية ،المرجع السابق،ص.58
يؤكد منهج تحليل النظم في المدرسة على دراسة منطق العالقات الداخلية في داخل
المنظومة ،كما يؤكد على دراسة نسق العالقة التي تحكم المنظومة بعالقتها مع المنظومات
الخارجية التي تقع في الوسط الحاكم للوجود االجتماعي برمته .وهذا المنهج يستوحي منطقه
من طبيعة المنظومات الحية في طريقة تشكلها وآليات نموها وديناميات اشتغالها ونسق
1
الوظائف التي تحققها.
إن تحليل النظم يقدم إمكانية إدراك كلية للظواهر المدروسة تتجاوز منهجية التحليل
الجزئي المتعاقب عبر الزمن ويحتويها في اآلن الواحد .إنه يسمح بإدراك األشياء في
ديناميتها الخاصة ،وفي تفاعالتها الداخلية إدراكا يتسم بالشمولية والعمق والكلية.2
فبنية المدرسة بنية هرمية تأخذ المعرفة فيها خطا نازال ،مصدره المعلم وغايته التلميذ .
وهي بذلك تشكل أداة لنقل المعرفة األحادية االتجاه في تسلسلها وفي تعاقبها ،وهي أحادية
االتجاه إذ ال وجود فيها لعملية التغذية الراجعة السلبية التي تتمثل بمشاركة الطالب وذويهم
في وظيفة المدرسة ،وفي تنظيمها ،وفي تحديد غايات وأهداف التربية والمناهج التربوية.
سادسا :أهداف النظام المدرسي
إن التباين الدائم الذي يقوم بين األهداف المعلنة واألهداف المضمرة التي تم تنفيذها
فعليا يضعنا أمام مشكلة معقدة تبعث على القلق التربوي الدائم .ألن هذا التباين بين المعلن
ً
والمضمر قد يكون محل طرح إشكالي داخل حقل سوسيولوجيا التربية ،وال سيما في الوقت
الذي يزعم فيه نظام تربوي ما بأنه ينفذ أهدافا متباينة جدا عن هذه التي قد حددت مسبقا.
خفية مختلفة عن هذه التي حددت
إذ يمكن للنظام المدرسي أن ينطوي على أهداف تعليمية ّ
في العلن .ويمكنه أيضا أن يعزز تحقيق هذه األهداف المضمرة بمضامين قيمية متنوعة
وفي هذا المستوى تبرز إشكاليات عديدة ومعقدة عندما يتعلق األمر بقدرة نظام تربوي ما
- -1علي أسعد وطفة وعلي جاسم الشهاب :علم االجتماع المدرسي ،مرجع سابق،ص.444
--2علي أسعد وطفة وعلي جاسم الشهاب :المرجع السابق،ص422
على إضفاء قيم مختلفة في مخططة المثالي للسلوك ،مثل القيم االجتماعية واألخالقية
واالتجاهات السلوكية.
وهنا يجب أن نأخذ بعين االعتبار أن هناك عددا كبي ار من األهداف التي ترسم خارج
النظام .ويجب أن نعترف أيضا بأن النظام المعني يشمل على جملة من األهداف التي
يسعى إلى تحقيقها بشكل مستقل في داخل النظام نفسه وذلك يمثل بحد ذاته مصد ار آخر من
مصادر التباين القائم بين األهداف المعلنة واألهداف المحققة.1
تشثكل األهثداف التربويثة التثي يحثددها النظثام التربثوي تعبيث ار عثن غايثات وطمثوح
وتوجهات هؤالء الذين يمارسون نشاطهم فثي داخثل النظثام .وعنثدما يثتم إدخثال أهثداف عامثة
فثي نظثام تربثوي مثا يجثب أن يؤخثذ بعثين االعتبثار أن هنثاك شثيئا مثا يحثدث فثي داخثل هثذا
النظام وان العاملين هنا يسعون إلى تحقيقه ،وان كل معلم أو جماعة من المعلمين تدرك في
إطار نشاطها نوع األهداف التي تناسبهم بشكل أفضل وان هذه األهداف ال تتوافق بالضرورة
مع األهداف المعلنة في مستوى النظام الكبير.
وعندما نتحدث عن األهداف الداخلية للنظام يجب علينا أن نأخذ بعين االعتبار أن
األهداف ال تتوافق دائما مع أهداف التالميذ أو مع سلوك التالميذ الذين يخضعون على
األغلب لشروط تحددها طموحات لراشدين .أين نبحث إذن عن أصل األهداف التي تتعين
داخل النظام؟ إن هذه الظاهرة تستحق وقفة خاصة .فهناك عوامل عديدة تلعب دورها دون
أدنى شك في بناء هذه األهداف المضمرة.
المصدر :جميل حمداوي ،مكونات العملية التعليمية شبكة األلوكة ،ط ،3132 ،3ص.33
خالصة :من خالل ما تقدم في الفصل ،وقفنا على أهمية الفضاء المدرسي الذي ينتج العديد
من الظواهر التي تحتاج الى البحث والدراسة ،وهذا ما جهل من المدرسة تشكل العمود
الفقري لألبحاث والدراسات في مجال سوسيولوجيا التربية.
الفصل الرابع:المق اربات التق ليدية في علم اجتماع التربية
-تمهيد
-خالصة
تمهيــد :سثثنحاول فثثي هثثذا الفصثثل أن نتعثثرض تحديثثد ابعثثاد النظريثثة ،باإلضثثافة الثثى مضثثامين
المقاربات الكالسيكية ،التي تعتبثر اولثى المقاربثات التثي اسسثت لظهثور علثم االجتمثاع بصثفة
عامة وعلم اجتماع التربية خاصة مع إسهامات كل من اوغست كونت ودوركايم.
أوال:النظرية العلمية:
تكتسي النظرية العلمية أهمية بالغة في البحث العلمي بصفة عامة .وتتحدد على
أساسها " هوية" أي علم من العلوم .فالنظرية هي التي تحدد موضوع العلم و تنظم عملياته و
أدواره و اتجاهاته .وبذلك تختلف النظرية عن المنهج العلمي الذي يعتبر أساسًا واحدًا لكل
العلوم الطبيعية واإلنسانية مع اختالف اإلجراءات واألدوات بإختالف الظاهرة محل الدراسة.
فعلى سبيل المثال تعد " المالحظة " خطوة أساسية في كل بحث علمي ،طبيعي أو إنساني،
و لكن تختلف أدوات المالحظة ففي الكيمياء يستعين الباحث بث " المجهر " ،و في علم
االجتماع يستخدم ادوات جمع البينات المختلفة مثل اإلستبيان ،المالحظة والمقابلة.
و يتفق كثير من العلماء و الدارسين على أن النظرية تمثل " نسقاً فكرياً متسقاً حول
ظاهرة أو مجموعة من الظواهر المتجانسة .و تعرف بثأنها " تفسير لظاهرة معينة من خالل
نسق إستنباطي" و يتضمن النسق إطا ًار تصوريًا و مجموعة مفاهيم و قضايا نظرية توضح
العالقة بين الوقائع و تنظمها بشكل له معنى ،إضافة الى أنها ذات بعد إمبيريقي يستند إلى
الواقع و معطياته قابل لاختبار ،كما أنها تنبؤية تساعد على تفهم مستقبل الظواهر و إن
كان من خالل التعميم .كما تعرف بأنها " عبارة عن مجموعة مترابطة من المفاهيم،
والتعريفات والقضايا التي تكون رؤية منظمة للظواهر عن طريق تحديدها للعالقات بين
1
المتغيرات بهدف تفسيرها والتنبؤ بها.
-وجود إطار تصوري ،أو مجموعة من المفاهيم تتناول مفهوم النظرية .وتنقسم إلى مفاهيم
وصفية وأخرى علمية.
-1تيماشيف :النظرية االجتماعية ،الطبيعة و النمو ،ترجمة محمد الجوهري و آخرون ،المنار للنشر ،د.ط،مصر،9170،ص.96-97-
-أن تحتوي النظرية على مجموعة من القضايا تبين كل قضية عالقة معينة بين مجموعة
من المتغيرات.
-أن ترتب القضايا التي تتناولها النظرية في نسق استنباطي يبدأ بالمقدمات وينتهي
بالتوصل إلى النتائج .وأن تكون القضايا ذات اتساق منطقي ،بمعنى يمكن استنتاج كل
قضية من القضية التي تسبقها .وأن تفسر النظرية الوقائع التي تشتمل عليها ،وتصبح
النظرية مؤكدة وقوية كلما فسرت وقائع أكثر.
حتى يتم وضع إطار معرفي للنظرية ال بد من توفر مجموعة من الشروط من أهمها:
-أن تكون مكونات النظرية واضحة ودقيقة ،محددة األلفاظ والمعاني والمضامين.
-أن تعبر النظرية على ما تدل عليه بإيجاز يبين محتواها وأغراضها وأهداف كل جزء من
أجزائها.
-أن تشتمل النظرية على معظم الجوانب التي تكون تلك النظرية وتحللها وتفسرها قد
اإلمكان.
-البد أن تكون النظرية ذات موضوع واطار تفسيري خاص بها بحيث ال تتداخل مع نظرية
أخرى تتناول وتفسر نفس الموضوع والقضايا.
يمكن إيجاز الوظائف التي تضطلع بها النظرية العلمية على النحو التالي:
-يعد تحديد هوية العلم و موضوعاته الرئيسة و ميادينه من أبرز وظائف النظرية العلمية
الذي يترتب عليه تأكيد و إظهار الدور المعرفي التراكمي ،وعليه يتحدد ما يجب دراسته ،و
ما هي القضايا التي لم تدرس بعد إضافة إلى ما تم التوصل إليه من نتائج .
-تعتبر النظرية العلمية نقطة البدء في دراسة الظواهر االجتماعية و الطبيعية على ٍ
حد
سواء ،ألنها تضع للباحث اإلطار التصوري ألبعاد و عالقات الموضوع الذي يقوم بدراسته و
تحدد له المعطيات و كيفية تنظيمها و من ثم تصنيفها ،و العالقات و الترابطات و
التداخالت فيما بينها ،أي أن النظرية تضع للباحث اإلجراءات العلمية التي سيتبعها عند
القيام ببحثه .و تقدم النظرية عددا كبي اًر من المفاهيم التي تثري العلوم .وذلك ألن كل مفهوم
يتضمن خبرة اجتماعية مميزة ،إضافة إلى أنه يعد تلخيصًا لكثير من الحقائق التي تكون
النظرية.
-مثن الوظثائف الهامثثة للنظريثة القيمثة العلميثثة التثي تمنحهثا للبحثثث فجمثع البيانثات باالعتمثثاد
على نظرية تدعم المعطيات وتفسر النتائج أم اًر ضرورياً حتى ال يعد البحث ناقصاً و قاص ًار.
و عليه فإن العالقة الجدلية بين النظريثة و البحثث العلمثي علثى قثدر كبيثر مثن األهميثة يجثب
أن يراعيها الباحث الجاد عند القيام ببحثه.
-تساعد النظرية على اتجاه الظاهرة مستقبال ،فالتنبؤ يعني االنتقال من المعلوم من الحاالت
والوقائع إلى الحاالت المشابهة أو المجهولة.
ويلجئ الباحثين في تصنيفهم لألطر والنماذج النظرية إلى اعتماد معايير مختلفة،
فهناك من يعتمد المعيار التاريخي ،وهناك من يستند إلى البعد الجغرافي ،وفي هذا الصدد
يقول الباحث عبد اهلل الرشدان في كتابه (علم اجتماع التربية) " يقوم علم اجتماع التربية
على استخدام نماذج نظرية يشكل كل منها مدخال إلى دراسة الظاهرة التربوية التعليمية.
فاإلطار النظري هو تصور نظري لدى الباحث يساعدنا في رؤية الظاهرة على حقيقتها ،أو
على األقل ينظم رؤيتنا للواقع ،فبدونه قد يتيه الباحث في تصورات خاطئة أو جزئية.ويمكن
تقسيم األطر النظرية إلى قسمين رئيسيين:
-إطار النقل االجتماعي أو إعادة اإلنتاج :وتمثله النظرية الوضعية ،ونظرية الصراع .
-إطار التحويل االجتماعي أو اإلنتاج :وتمثله النظرية التأويلية أو التفسيرية والنظرية النقدية
2
االجتماعية".
ما يمكن مالحظته على هذا التقسيم هو أنه يجمع بين نظريتين تتناقض من حيث
المقوالت .وهي النظرية الكالسيكية (الوضعية البنائية والوظيفية) ،التي تسعى إلى الحفاظ
على التوازن والسكون االجتماعي من خالل األدوات التعليمية ،والنظرية الصراعية التي
تسعى إلى تغيير بنيات المجتمع من خالل التربية .ولهذا سنعتمد تقسيم للمقاربات في
سوسيولوجيا التربية على أساس أبعادها التحليلية .مقاربات صراعية نقدية وأخرى كالسيكية
محافظة وهناك مقاربات أخرى يمكن اعتبارها بدائل نظرية أو يمكن تسميتها بالنماذج
المفسرة.
.-1عبد الباسط عبد المعطي ،اتجاهات نظرية في علم االجتماع ،دار الميسر للنشر،ط،7مصر،7992،ص.72
-2عبد هللا الرشدان :علم اجتماع التربية،مرجع سابق .22
ثانيا:المقاربة الوضعية
- 1محمد محمد أمزيان :منهج البحث االجتماعي بين الوضعية والمعيارية ،منشورات المعهد اإلسالمي ،ط،7و.م.األمريكية،7997،ص.21
تابعة .وفي هذا اإلطار ،يقول مارسيل موس ( " :)Marcel Maussالسوسيولوجيا هي كلمة
وضعها أوجست كونت ليشير بها إلى العلم الذي يعنى بدراسة المجتمعات وكل ما تصادر
عليه السوسيولوجيا هو ببساطة ،اعتبار أن ما يسمى بالوقائع االجتماعية هي وقائع موجودة
في الطبيعة.أي :إنها خاضعة لمبدإ النظام والحتمية الكونيين ،وأنها ،بالتالي ،وقائع تنطوي
1
على معقولية.
ويعد سان سيمون( )Saint - Simonمن أبرز رواد السوسيولوجيا الوضثعية ،مثادام
يؤمن بالعلم ،والعلمانية ،والتقدم ،واالزدهار ،واخضاع اإلنسان للتجريب الوضثعي .يقثول سثان
سثيمون ":إن أكبثثر وأشثثرف وسثثيلة لثدفع العلثثم نحثثو التقثثدم هثثو جعثل العثثالم فثثي إطثثار التجربثثة،
والنقص ثثد الع ثثالم الكبي ثثر وانم ثثا ه ثثذا الع ثثالم الص ثثغير يعن ثثي اإلنس ثثان ال ثثذي نس ثثتطيع إخض ثثاعه
للتجربة ".وفي سياق آخر ،يقول سان سيمون ":إن القدرة العلمية الوضعية هي نفس مثا يجثب
أن يحثل محثل السثلطة الروحيثة ،ففثي العصثر الثذي كانثت فيثه كثل معارفنثا الشخصثية حدسثثية
وميتفايزيقيثثة بص ثثفة أساس ثثية كثثان م ثثن الطبيع ثثي أن تك ثثون إدارة المجتمثثع فيم ثثا يخث ثص ش ثثؤونه
الروحيثثة فثثي يثثد السثثلطة الالهوتيثثة ،مثثادام الالهوتيثثون آنثثذاك هثثم الميتثثافيزيقيين الموسثثوعيين
الوحيثدين.وبالمقابل عنثثدما تصثثبح كثثل أجثزاء معارفنثا قائمثثة علثثى أسثثاس المالحظثثة ،فثثإن إدارة
الشثثؤون الروحيثثة يجثثب أن تسثثتند إلثثى القثثدرة العلميثثة باعتبارهثثا طبعثثا متفوقثثة علثثى الالهوتيثثة
والميتافيزيقية".
يعثد أوجسثت كونثت( )Auguste Comteمثن أهثم السوسثيولوجيين الثذين تبنثوا مثنهج
التفسثثير فثثي د ارسثثة الظ ثواهر السوسثثيولوجية ،وفثثق أربعثثة إج ثراءات أساسثثية هثثي :المالحظثثة،
والتجرب ثثة ،والمقارن ثثة ،والم ثثنهج الت ثثاريخي ،مس ثثتلهما آلي ثثات الكيمي ثثاء والفيزيولوجي ثثا .وف ثثي ه ثثذا
الصثثدد ،يقثثول نق ثوال تيماشثثيف ،فثثي كتابثثه(نظريــة علــم االجتمــاع :طبيعتهــا وتطورهــا)":أنكثثر
-1ليفي بريل :فلسفة أوجيست كونت ،ترجمة محمود قاسم ،مكتبة األنجلو المصرية ،7922 ،ص72 ،
كونثت -بغثض النظثر -عثن تعليمثه الرياضثي ال ارقثي -إمكثان التطثابق بثين المثنهج الوضثعي
1
واستخدام الرياضيات واإلحصاء.
إذن يقر االتجاه الوضعي في مقابل ذلك من الناحية المنهجية بأن التجربة تؤكد
االختالف بين الناس – ال الوحدة – وتؤكد بأن الضمير الخلقي بعدي المنشأ ولذلك فهو وليد
التجربة وبالتالي تصل الوضعية إلى قضية في غاية األهمية وهي أن األخالق نسبية.
ومن األسباب الوضعية التي تضعف قيمة االتجاه التقليدي في األخالق التقدم الهائل
الذي عرفته العلوم الطبيعية الذي كان سبب في تغير النظرة إلى األخالق بمفهومها التقليدي
أما السبب الذاتي يتمثل في " ارتباط األخالق بالدين واتصالها بفكرة المقدس مع ظهور نزعة
إنسانية تقر بأن اإلنسان وحده هو الذي يستطيع الحكم على األشياء من خالل وجودها
الموضوعي لذلك نجد " كونت – " كما سنرى– في هذا المجال يريد تجاوز كل ديانة سماوية
لتحل محلها ديانة إنسانية.2
ويؤكد " بيار الفييت ( )1903-1823) )Pierre Laffiteهذه النزعة الوضعية في الدراسة
األخالقية عندما يصرح أن نمو التفكير وتقدمه من ناحية وتأسيس الجمهورية الفرنسية من
ناحية أخرى يتطلبان االتجاه بالبحث الخلقي اتجاها وضعيا خالصا ،حتى تصبح فلسفة
األخالق علمية في األسس التي تقوم عليها واألغراض التي تهدف إليها والوسائل التي
3
تصطنعها لتحقيق أهدافها.
وهكذا كانت النزعة الفردية وبالتالي النزعة العقالنية المثالية نزعة قوية في القرن 18
إذا اعتبرنا هذا القرن باعتبار أن فلسفة كونت الوضعية كانت في مجملها ثورة على أفكار
هذا القرن – لذلك كان القرن 19قد تصدى لمقاومة هذه النزعة الفردية لصالح سلطة
المجتمع ،إن هذا المنحى نجد له تبري ار في إنشاء " كونت " لعلم االجتماع ،لذلك اهتم
-1عبد الباسط عبد المعطي ،اتجاهات نظرية في علم االجتماع ،مرجع سابق،ص.22
-2صار محمد عبد الستار :دراسات في فلسفة األخالق ،دار القلم ،الكويت،ط،9166 ،9ص.00
- 3بريل ليفي :فلسفة أوجست كونت ،مرجع سابق،ص.98
الوضعيون عموما بتحليل األخالق بناء على معطيات هذا العلم ،ولهذا السبب اختلطت
عندهم مباحث األخالق بمباحث علم النفس وعلم االجتماع .ومن هذا المنطلق بدأت النزعة
االجتماعية التاريخية تأخذ مكان الصدارة في تفكير القرن 19عموما ،وقد سيطرت هذه
النزعة على المدرسة االجتماعية الفرنسية بالخصوص ،إذ ينصرف مفكرو هذا القرن عن
دراسة اإلنسان كفرد إلى دراسة اإلنسان الشخص ولهذا السبب نجد " كونت " يضيق بمذاهب
سابقيه من األخالقيين وال يرضيه اتجاه الديانة المسيحية نتيجة لنزعتها الفردية ألنه في رأي
كونت " أن عصرنا يرتكب خطأ أخالقيا خطي ار في نظرته إلى الفوائد المادية للعلوم .حقيقة
أنها أعطتنا السيادة على األشياء وهذا الذي يضمن نجاحها ،ولكن األمر الرئيسي الذي لم
1
ندركه يتمثل في قيمتها الفلسفية.
ويخلص كونت في النهاية إلى " أن هذه المذاهب األخالقية اشتركت كلها في عيب
واحد ،وكان هو سبب الوقوع في الخطأ ويتلخص هذا العيب في كون هذه المذاهب األخالقية
تكونت قبل أن يصبح علم الطبيعة اإلنسانية علم االجتماع علما وضعيا ،ومن هنا كانت
غلبة النزعة الميتافيزيقية على تفكير أصحابها يرفض " كونت " اعتبار األخالق كعلم معياري
يبحث فيما يجب أن يكون عليه الفعل " ،إذ أن تعريف األخالق لذاتها بواسطة بناء مفاهيمي
يفصلها عن الحياة السيكولوجية وعن الحياة االجتماعية وعن األحداث التاريخية ،من إف ارزات
فلسفة تعد أكثر تجريد ،وأكثر ارتباط بالمطلق ،والتي كانت تفتقر منذ مدة طويلة إلى
المالحظة إن هذه التعريفات حكم عليه بال استئناف بواسطة تطور علوم األخالق إن هذا
الرفض يدخل في إطار رفض " كونت للمذاهب الفلسفية واألخالقية الميتافيزيقية باعتبار أنه
ال يمكن – منهجيا – التحقق من صحة أحكامها بواسطة المالحظة والتجريب ،ومن هنا فإن
"كونت " -وتحت نزعته الوضعية – يرى " أن الطريقة الخاصة التي تضمن الفهم
السوسيولوجي لألخالق هي التي ترتكز في تعريف األخالق وهي في عالقاتها العامة بالحياة
التي أنشأتها واعادة رسم مكوناتها في المجتمع وفي الضمير الفردي .وفي النهاية ينبه "
- 1توفيق الطويل :فلسفة األخالق -نشأتها وتطورها، -دار النهضة العربية،ط،9171 ،0لبنان،ص.676
كونت " بأنه ال يوجد أي تعارض بين األخالق -عمليا– وبين األخالق – تربية – أن
التربية ال يمكن أن تؤسس إال على أساس علم االجتماع الذي يعد المنبع الوحيد لكل تطبيق
أخالقي.1
ثالثا :المقاربة البنائية الوظيفية
تنبني المقاربة الوظيفية على تشبيه المجتمع بالكائن العضوي الحي .بمعنى أن
المجتمع يتكون من مجموعة من العناصر والبنيات واألنظمة .وكل عنصر من هذه العناصر
يؤدي وظيفة ما داخل هذا الجهاز المجتمعي .وبهذا ،يترابط كل عنصر في النسق بوظيفة
ما .ومن ثم ،فالمجتمع نظام متكامل ومترابط ومتماسك ،يهدف إلى تحقيق التوازن والحفاظ
على المكتسبات المجتمعية .وبالتالي ،يقوم الدين والتربية -مثال -بالحفاظ على توازن
2
المجتمع.
وخير من يمثل هذه المقاربة الفرنسي إميل دوركايم ،واألمريكيان تلكوت بارسونز
( )Talcott Parsonsوروبرت ميرتون( )R.Mertonعلى سبيل التمثيل .وقد كان لهذه
النظرية إشعاع كبير في سنوات الخمسين من القرن الماضي ويعني هذا أن النظرية الوظيفية
تعتبر " المجتمع نظا ما معقدا تعمل شتى أجزاؤه سويا لتحقيق االستقرار والتضامن بين
مكوناته.ووفقا لهذه المقاربة ،فإن على علم االجتماع استقصاء عالقة مكونات المجتمع
بعضها ببعض وصلتها بالمجتمع برمته .ويمكننا على هذا األساس أن نحلل ،على سبيل
المثال ،المعتقدات الدينية والعادات االجتماعية ،بإظهار صلتها بغيرها من مؤسسات
المجتمع؛ ألن أجزاء المجتمع المختلفة تنمو بصورة متقاربة بعضها مع بعض.
ولدراسة الوظيفة التي تؤديها إحدى الممارسات أو المؤسسات االجتماعية ،فإن علينا
أن نحلل ما تقدمه المساهمة أو الممارسة لضمان ديمومة المجتمع .وطالما استخدم
-1اميل براهيية :تاريخ الفلسفة،القرن ،91ترجمة جورج طرابيشي ،دار الطليعة للطباعة النشر،ط ،0ص.20
- 2خالد المير وآخرون :أهمية سوسيولوجيا التربية ،سلسلة التكوين التربوي ،العدد ،3مطبعة النجاح الجديدة ،المغرب،7992 ،ص.31
الوظيفيون ،ومنهم كونت ودركايم مبدأ المشابهة العضوية للمقارنة بين عمل المجتمع بما
يناظره في الكائنات العضوية .ويرى هؤالء أن أجزاء المجتمع وأطرافه تعمل سويا وبصورة
متناسقة كما تعمل أعضاء الجسم البشري ،لما فيه نفع المجتمع بمجمله .وليتسنى لنا دراسة
أحد أعضاء الجسم ،كالقلب على سبيل المثال ،فإن علينا أن نبين كيفية ارتباطه بأعضاء
الجسم األخرى ووظائفه .وعند ضخ الدم في سائر أجزاء الجسم ،يؤدي القلب دو ار حيويا في
استمرار الحياة في الكائن الحي .وبالمثل ،فإن تحليل الوظائف التي يقوم بها أحد تكوينات
1
المجتمع يتطلب منا أن نبين الدور الذي تلعبه في استمرار وجود المجتمع ودوام عافيته.
-1عبد الكريم غريب :سوسيولوجيا المدرسة ،منشورات عالم التربية ،مطبعة النجاح الجديدة،ط ، 9المغرب،6111 ،ص86
شكل رقم( )3يوضح تصور دوركايم للتربية
وربما كان التفكير الوظيفي يحتل مكانة الصدارة بين التقاليد النظرية في علم االجتماع لوقت
طويل ،والسيما في الواليات المتحدة.وكان تلكوت بارسونز وروبرت ميرتون ،وقد نهل كالهما
من أفكار دوركايم ،أبرز الداعين إلى هذا التيار ،غير أن الشعبية التي كانت تتمتع بها
المدرسة الوظيفية قد مالت إلى األفول في اآلونة األخيرة ،بعد أن اتضح ما تعانيه من أوجه
القصور والثغرات .ومن جملة ما يوجه لها من انتقادات أنها تغالي في التشديد على العوامل
المؤدية إلى التماسك االجتماعي على حساب العوامل األخرى التي تفضي إلى التجزئة
والصراع .إن التركيز على نواحي االستقرار والنظام يعني التقليل من أهمية التقسيمات
والتفاوتات التي تنشأ في المجتمع على أساس الطبقة والعرق والجنس.كما أن الوظيفيين
يميلون إلى التقليل من دور الفعل االجتماعي الخالق في المجتمع .ويرى كثير من النقاد أن
التحليل الوظيفي يسبغ على بعض المجتمعات صفات اجتماعية ال توجد فيها ذلك أن
-1أنتوني غدينز :علم االجتماع ،ترجمة :فايز الصياغ ،منشورات المنظمة العربية للترجمة ،بيروت،ط ،7لبنان،2002،ص12
الوظيفيين كثي ار ما يقولون :إن للمجتمع حاجات ،وان له أهدافا على الرغم من أن هذه
المفاهيم ال تصدق إال على األفراد من البشر" .
وم ثثن جه ثثة أخ ثثرى ،يس ثثتند االتج ثثاه ال ثثوظيفي إل ثثى التجرب ثثة العقلي ثثة ،واس ثثتخدام الم ثثنهج
المقارن كما وكيفا ،ومالحظة النتائج المترتبة على حدوث االضطرابات في المجتمثع وتحليلهثا
ومثن أهثم االنتقثادات الموجهثة إلثى هثذا االتجثاه أنثه تيثار إيثديولوجي محثافظ ،يهثدف إلثى خلثثق
مجتمع منظم ومتناسق ومتماسثك ومسثتقر اجتماعيثا ،يخلثو مثن الصثراع والتناقضثات الجدليثة.
ل ثثذا يعتب ثثر النظ ثثام أو التث ثوازن أو االس ثثتقرار اله ثثدف المنش ثثود ال ثثذي يس ثثعى إلي ثثه ه ثثذا االتج ثثاه
1
السوسيولوجي.
وفثثي ه ثثذا يجم ثثع النق ثثاد عل ثثى الطثثابع اإلي ثثديولوجي المح ثثافظ لالتج ثثاه البن ثثائي ال ثثوظيفي
والثثذي يتضثثح بجثثالء فثثي قيامثثه علثثى مسثثلمة أساسثثية تتمثثثل فثثي وحثثدة وت ثرابط أج ثزاء النسثثق
ووظائفثثه ،وفثثي تأكيثثده المبثثالغ فيثثه ألهميثثة التكامثثل والت ثوازن واالسثثتقرار داخثثل المجتمثثع ،هثثذا
فضال عن اعتماده الكبير على تشبيه المجتمع اإلنساني بالكائن الحي ،حتثى أصثبحت صثحة
المجتمع مرادفة للنظام ،ومرضه مرادفا للصراع .لقد حاول االتجاه البنائي الثوظيفي بكثل جهثة
أن يلغي فكرة وجود تناقضات داخل األنساق االجتماعية ،ولما بات ذلك من المسثتحيل وغيثر
المقنثثع ،نظ ث ار إلثثى عثثدم القثثدرة علثثى إغفالثثه فثثي واقثثع الحيثثاة ،تبنثثى الكثيثثر مثثن أصثثحاب هثثذا
االتجاه مبدأ وجوده على أنه حالة استثنائية تعبر عن مرض اجتماعي ،مع التأكيثد أن التثوازن
2
والتكامل هما الحالة الطبيعية التي تمثل النموذج األمثل للنظام.
تنظر الوظيفية إلى المجتمع باعتباره نسقا اجتماعيا واحدا كل عنصر فيه يؤدي
وظيفة محددة وتؤكد كذلك على ضرورة تكامل األجزاء في إطار الكل ".وعليه ترى الوظيفية
المجتمع باعتباره نسقا اجتماعيا متكامال يقوم كل عنصر من عناصره بوظيفة معينة للحفظ
وتحت تأثير الوظيفية ،تم االهتمام بدراسة العالقات المتبادلة بين المجتمع كبناء
والتربية كنظام ،والمدرسة كمؤسسة اجتماعية ترتبط بالمؤسسات االجتماعية األخرى ،وتتفاعل
معها في تحديد وظائفها ،وتحقيق أهدافها .وعليه ،تم التركيز على العالقة بين المجتمع
والتربية والتعليم واالقتصاد من أجل تكييف عناصر النظام االجتماعي ووظائفه ،حتى يستمر
في البقاء والعمل في انتظام؛ فتم الربط بين التربية والبيئة االجتماعية من خالل انتقاء
وتوزيع وتدريب واعداد قوى العمل الالزمة لسوق العمل؛ وينصب االهتمام ،كذلك ،على
رصد كل أنواع الخلل التي تعوق نظام التعليم عن تأدية وظيفته في تدريب األفراد وتصنيفهم
وتشكيلهم في مكانتهم االجتماعية التي يستحقونها طبقا لقدراتهم العقلية وانجازاتهم الدراسية .
وانطالقا من المقاربة الوظيفية ،تم االهتمام بمعالجة الخلل في النظام التعليمي من خالل
التركيز على دراسة نظام التعليم ذاته ،او في عالقته بالنظم الفرعية األخرى في المجتمع
دون أن تشير إلى الخلل القائم في النظام االجتماعي العام.2
ومن هنا ،يدافع هذا االتجاه عن القيم البورجوازية والرأسمالية المحافظة .وفي هذا
يقول رايت ميلز ":لقد حول بارسونز المجتمع بأسره إلى مجرد قيم ومعايير ،أو إلى رموز
مجردة توجد مستقلة عن البشر ،وتفرض عليهم سلطانها ،وأغفل تماما األساس االقتصادي
والسياسي للمجتمع ،وعبر بوضوح عن انحيازه اإليديولوجي للطبقة الحاكمة .واإلنسان عنده
غير قادر على تغيير هذه األنساق القيمية ،ولكن عليه أن يخضع لها ويتكيف معها.
ومن ثم ،فبارسونز مفكر اجتماعي محافظ يبحث عن استقرار مجتمعي مبارك من
اهلل.وفي هذا ،يقول بوبوف ":يقرر بارسونز أن بواعث وأهداف األفعال االجتماعية ال تحددها
األسباب المادية ،بل تحددها سيكولوجية األفراد بوصفهم ممثلين يقومون بأدوار محددة لهم
من قبل ،تحددها القيم التي يعتبرونها مطلقة وأبدية ،ألن مصدرها هو مجال غير حسي أو
تجريبي أي إنه اهلل.وهنا ،يتفق بارسونز مع كل من يبررون للسلطة حكمها في كل زمان
2
بادعاء أنها ممثلة إلرادة اهلل.
ومثثن هنثثا ،يحمثثل بارسثثونز ،ضثثمن آ ارئثثه النظريثثة ،تصثثو ار محافظثثا للوجثثود .وفثثي هثثذا
الصثثدد ،يقثثول خضثثر زكريثثا ":إن مشثثكلة بارسثثونز تكمثثن فثثي أنثثه يثثدعي تأسثثيس نظريثثة عامثثة
للفعثثل ،تنطبثثق علثثى جميثثع النثثاس فثثي جميثثع البلثثدان ومختلثثف األزمثثان ،بينمثثا هثثو فثثي الواقثثع
ي ثثدعو للحف ثثاظ عل ثثى النظ ثثام ال أرس ثثمالي الق ثثائم ف ثثي بل ثثده (أمريك ثثا) ،ويب ثثرر عالقات ثثه ومؤسس ثثاته
وأنظم ثثة الق ثثوة في ثثه ،بوص ثثفها األس ثثس الت ثثي تق ثثوم عليه ثثا جمي ثثع المجتمع ثثات ،أو عل ثثى األق ثثل
المجتمعثثات المرغوبثثة (المسثثتقرة ،المتكاملثثة ،التثثي تسثثودها القثثيم المشثثتركة).وتعبر بحوثثثه فثثي
نظم القرابة ،والطبقات االجتماعية ،وتنظيمات القوة ،وغيرها من البحوث التي تتنثاول البيانثات
الواقعية لبعض المجتمعات ،تعبي ار واضحا عن النزعة المذكورة.
إنه يرى -مثال -أن التدريج وعدم المساواة بين الناس يعثود إلثى أنهثم يثؤدون أعمثالهم
إمثثا بشثثكل جيثثد أو رديء ،كمثثا إن مهثثارتهم وكفثثاءتهم يجثثري تقويمهمثثا وترتيبهمثثا فثثي درجثثات
ومراتب.أين نظام الملكية؟ وأين تأثير القوى المهيمنة؟ أال يتحكم رأس المثال االحتكثاري بكثيثر
ويتميث ثثز هث ثثذا االتجث ثثاه بانفصث ثثام النظريث ثثة عث ثثن الواقث ثثع ،فأصث ثثحابه يتبنث ثثون فك ث ثرة النظث ثثام
واالسثثتقرار .فث ثي ح ثثين ،يتس ثثم الواق ثثع باألزم ثثة والتناقضثثات الجدي ثثة الب ثثارزة والح ثثادة .وف ثثي ه ثثذا
السياق ،يقول أحمد مجدي حجازي ":لقد رأى أصحاب الفكر المحافظ أن الفجثوة قثد أصثبحت
أكثر اتساعا بين الشواهد الواقعية ،والفكر السوسيولوجي السائد ،نظ ار إلى أن شواهد الواقثع ال
تشير إلى تأصثيل االسثتقرار كهثدف سثعى إليثه رجثال هثذا الفكثر .وازاء هثذا الموقثف المثأزوم،
أصثبح هثدف علثم االجتمثثاع مثن وجهثة نظثثر علمثاء القثرن العشثرين يتمثثثل فثي كيفيثة التوصثثل
إل ثثى الحبك ثثة المنهجي ثثة والص ثثياغة النظري ثثة المقنع ثثة لمفه ثثوم األزم ثثة ،أو محاول ثثة تخطيه ثثا م ثثن
2
جانب ،ومواجهة الفكر الراديكالي من جانب آخر.
وهك ثثذا ،نخل ثثص إل ثثى أن االتج ثثاه ال ثثوظيفي ه ثثو تي ثثار سوس ثثيولوجي يرك ثثز عل ثثى البني ثثة
والوظيفة .ومن ثم ،فهو تصور بنيوي نسقي يربط كل عنصر في المجتمع بوظيفة ما ،ويكون
الهثثدف مثثن ذلثثك كلثثه هثثو تحقيثثق النظثثام واالسثثتقرار والت ثوازن والتضثثامن .بي ثد أن هثثذا االتجثثاه
يغلثثب عليثثه الطثثابع اإليثثديولوجي المحثثافظ مثثن جهثثة .ومثثن جهثثة أخثثرى ،يثثدافع عثثن التواجثثد
الليبرالي البورجوازي ،باعتبثاره النظثام االقتصثادي البثديل الثذي يثؤدي إلثى الحفثاظ علثى ثوابثت
المجتمع وتماسكه اجتماعيا وطبقيا واقتصاديا ونفسانيا.
وفي المجال التربوي ،تقوم هذه المقاربة على فكرة الفوارق الوراثية .بمعنى أن المدرسثة
توحد جميثع المتمدرسثين فثي تمثثل المعثايير األخالقيثة واالجتماعيثة بغيثة التثأقلم مثع المجتمثع.
وف ثي الوقثثت نفسثثه ،تفثثرق المدرسثثة بثثين ه ثؤالء تقويمثثا وانتقثثاء واصثثطفاء .فمثثن يمتلثثك القثثدرات
الوراثيث ثثة والملكث ثثات الفطريث ثثة ،كالث ثثذكاء ،والنجابث ثثة ،والقث ثثدرات التعلميث ثثة الكفائيث ثثة ،ينتقث ثثى لتوليث ثثة
- 1نيكوال تيماشيف:نظرية علم اإلجتماع ،ترجمة محمد عودة وأخرون ،دار المعارف،ط،1مصر،0912،ص.12
-2أنتوني غدينز :علم االجتماع ،مرجع سابق،،ص.12
المناصثثب المتبثثارى عليهثثا ،ولكثثن لثثيس اتكثثاء علثثى المحسثثوبية واألصثثل والنسثثب ،بثثل اعتمثثادا
1
على المعايير العلمية الموضوعية ،واإلنجازات التقويمية المضبوطة.
ومثثن جهثثة أخثثرى ،يثثرى إميثثل دوركثثايم أن وظيفثثة المؤسسثثة التعليميثثة (المدرسثثة) تقثثوم
عل ثثى وظيفت ثثي الحفاظي ثثة والمحافظ ثثة ،والتش ثثديد عل ثثى جدلي ثثة الماض ثثي والحاض ثثر .بمعن ثثى أن
المدرسثثة وسثثيلة للتطبيثثع ،واعثثادة إدمثثاج المثثتعلم داخثثل المجتمثثع .أي :تقثثوم المدرسثثة بتكييثثف
المتعلم ،وجعله قاد ار على االندماج في حضن المجتمع .إذاً ،تقوم المدرسثة بوظيفثة المحافظثة
والتطبيع والتنشئة االجتماعية ،ونقل القيم من جيثل إلثى آخثر عبثر المؤسسثة التعليميثة .ويعنثي
هثثذا أن المدرسثثة وسثثيلة للمحافظثثة علثثى اإلرث اللغثثوي والثثديني والثقثثافي والحضثثاري ،ووسثثيلة
لتحقيث ثثق االنسث ثثجام ،والتكيث ثثف مث ثثع المجتمث ثثع .أي :تحويث ثثل كث ثثائن غيث ثثر اجتمث ثثاعي إلث ثثى إنسث ثثان
اجتماعي ،يشارك في بناء العادات نفسها التي توجد لدى المجتمع .وهذا يثؤدي إلثى أن تكثون
المدرسث ثثة مؤسسث ثثة توحي ث ثثد وانتقث ثثاء واختي ث ثثار ويعنث ثثي ه ث ثثذا أن المدرسث ثثة توح ث ثثد عبث ثثر التكيي ث ثثف
االجتمثثاعي ،ولكنهثثا تميثثز بثثين النثثاس عبثثر االنتقثثاء واالصثثطفاء .وم ثن ثثثم ،فالوظيفثثة األولثثى
2
للمدرسة تتمثل في زرع االنضباط المؤسساتي والمجتمعي.
يثثرى مارسثثيل بوسثثتيك" أن كثثل نظثثام مدرسثثي يتسثثم بسثثمة المجتمثثع الثثذي أنشثثأه .وه ثو
م ثثنظم حسث ثثب مفهث ثثوم التصث ثثور المعطث ثثى للحي ثثاة االجتماعيث ثثة ،ولث ثثدواليب الحيث ثثاة االقتصث ثثادية،
والروابط االجتماعية التي تحرك هذا المجتمع .ولهذا ،حلل علماء االجتماع بصورة مباشثرة أو
غيثثر مباش ثرة الصثثالت بثثين العالقثثة التربويثثة والنظثثام االجتمثثاعي ،نظ ث ار ألنهثثم يعثثدون التربيثثة
بمثابة مؤسسة ،مهمتها تكييف الشباب مع حياة الجماعة بواسطة إجراءات معقدة االستنباط.3
ويعنثثي هثثذا أن المدرسثثة البثثد أن تقثثوم بثثدور عقالنثثي حسثثب دوركثثايم ،بتقثثديم المعثثارف
والق ثثيم والحف ثثاظ عل ثثى المجتم ثثع العلم ثثاني ال ثثديمقراطي ،وال ثثدفاع ع ثثن ثوابثث ثه النظمي ثثة والنس ثثقية
ظهرت هذه المقاربة مثا بثين سثنوات الخمسثين والسثتين مثن القثرن الماضثي لتجعثل مثن
المدرسث ثثة أداة لتكث ثثوين اليث ثثد العاملث ثثة وتأهيلهث ثثا ،بغيث ثثة تحريث ثثك االقتصث ثثاد ،وتطث ثثوير المقث ثثاوالت
الصناعية والتقنية .ومن ثم ،فلقد أدى " هذا المفهوم الوظيفي للتربيثة الثذي أنبنثى علثى تفسثير
الفوارق التربوية بشكل وظيفي انطالقا من حاجيات المجتمع المعلنة أو الضمنية ،إلثى ظهثور
الوظيفي ثثة -التكنولوجي ثثة ،س ثثيما وأنه ثثا وج ثثدت م ثثا يب ثثرر وجوده ثثا ف ثثي بع ثثض معطي ثثات النم ثثو
االجتمثثاعي فثثي الثثدول الصثثناعية .ذلثثك أن التقثثدم التكنولثثوجي السثريع والنمثثو االقتصثثادي أديثثا
إلثثى طثثرح مشثثكلة اليثثد العاملثثة المؤهلثثة كحاجثثة جديثثدة .وهكثثذا ،تميثثزت فت ثرة 3191-3121
بقناعتين أساسيتين:
األولثى سياسثثية ،وهثثي أن االنفجثثار واالنتشثار الكبيثثر للتربيثثة هثثو أحسثن وسثثيلة لدولثثة تريثثد أن
تكثثون ديمقراطيثثة لكثثي تحثثد أو تقلثثل مثثن التمثثايزات الصثثارخة المتجثثذرة فثثي سثثلبيات الماضثثي،
وتقلل كذلك من الفروق السوسيو -اقتصادية.
وتقترب هذه المقاربة من نظرية االستثمار البشري أو نظرية الرأسمال اإلنساني " .لكن
سرعان ما تعرضت أطروحات التكنو -وظيفية ونظرية الرأسمال اإلنساني إلثى انتقثادات حثادة
مدعمثثة باألرقثثام واإلحصثثائيات؛ ممثثا جعثثل حماسثثها يفتثثر .ولقثثد بينثثت الد ارسثثات الحديثثثة أن
الطاقثثات البش ثرية ال ازلثثت تعثثاني مثثن الهثثدر ،علثثى أسثثاس غيثثاب تناسثثق وانسثثجام بثثين النمثثو
2
التكنولوجي والنمو التربوي.
وأظه ثثرت د ارس ثثة " دريب ثثين( ،)Dreebenم ثثثال ،أن النظ ثثام التعليم ثثي األمريك ثثي ينم ثثو
بسثثرعة ،أكثثثر ممثثا تطلبثثه حاجيثثات المجتمثثع لليثثد العاملثثة .كمثا بينثثت د ارسثثة أخثثرى أن العالقثثة
بين المستوى التعليمي والدخل عالقة غير قثارة ،بحيثث إنهثا مرتبطثة بسثوق العمثل وبثالظروف
3
أو بقطاع العمل ،أكثر مما هي مرتبطة بالشهادات أو بالدبلومات".
إن المقاربة البنائية الوظيفية ،ورغم تعدد مداخلها فإن تحليلها للظاهرة التربوية ،ال
يختلف عن تحليليها للظاهرة االجتماعية ،فقد أضفت عليها طابع اإللزام واإلكراه االجتماعي
فهي تلغي ارادة األفراد ،وبذلك فإن األفراد ملزمون باالنصياع اليها دون أي معارضة أو
-تمهيد.
-خالصة.
تمهـــيد :فثثي هثثذا الفصثثل سثثنحاول التطثثرق الثثى المقاربثثات ذات المنظثثور الص ثراعي (النقثثدي)
والتي اعتبرت التربية اداة للهيمنة واعادة نسخ الصورة الطبقيثة التثي يعيشثها المجتمثع ،ويعتبثر
بوديو وباسرون ومدرسة فرانكفوت أبرز من مثل هذه المقاربة.
أوال :المقاربات الصراعية(النقدية)
يعرف اتجاه التفاعل االجتماعي الذي يتزعمه جورج سيمل أن ":الصراع هو أحد
ّ
األشكال الرئيسية للتفاعل االجتماعي ألنه يستهدف تحقيق الوحدة بين الجماعات ،حتى وان
تم ذلك عن طريق القضاء على أحد أطراف الصراع" ،وقد حاول أصحاب هذا االتجاه
التمييز بين المنافسة والصراع ،على أساس أن هذا األخير يتميز بأنه شعوري ومباشر لكنهما
يمثالن اشكاالً للكفاح .رائد نظرية التفاعل االجتماعي جورج سيمل يعطي مدلوالً سيكولوجيا
وسوسيولوجيًا واعتبره ظاهرة إنسانية واجتماعية أساسية من عمليات التفاعل االجتماعي .وهو
نوع من المنافسة المباشرة التي يدركها األفراد ،ويحصرون هدفهم فيها بحيث نالحظها في
تناقض رغبات وحاجات ومصالح المتعارضين ،ويعتبر سيمل جزء من التنشئة االجتماعية
األكثر نشاطاً وحركية .لذلك ركز على الجوانب الحركية للظواهر االجتماعية ،وعلى عوامله
المتمثلة في تدرج العالقات االجتماعية ،وأشكال تقسيم العمل والجماعات االجتماعية
وتعددها ،كلها مرتبطة بالبناء االجتماعي ،كما ركز على العوامل النفسية التي تولد الصراع
والحسد والبؤس والطمع ،والكراهية والشر والعدا و ترى كمختلف مشاعر التعصب والغيرة
النظرية النقدية كما وسبق وأن ذكرنا أن الصراع في المجتمعي الحديث ليس صراعاً
اقتصاديًا وال سياسيًا في الغالب بل صراع بين من يتمتع بالسلطة والمعرفة(التربية) وبين
الخاضع لها كما رأى أصحاب مدرسة فرانكفورت .وصراع ثقافي بين من يملك المعرفة ومن
يفتقدها .وبين من يملك ويهيمن على السلطة وادوات المعرفة الحديثة ،ويسيطر بعنف رمزي
1
على الخاضعين (هابتوس ) بيير بورديو.
وعّرف الصراع في قاموس علم االجتماع الفرنسي بأنه ":عملية اجتماعية وموقف
ُ
يحاول فيه طرفان أو أكثر ،سواء كانوا افراداً أو جماعات أن يحقق أهدافه ومصالحه وعرقلة
2
اآلخرين وتحقيق ذلك ،وحتى ولو اقتضى األمر القضاء عليهم أو تحطيمهم".
-1واصل جمال المومني :المناخ التنظيمي وادارة الصراع في المؤسسسة التربوية ،دار حامد للنشر والتوزيع ،االردن،4112،ص.24
-2عبد الهادي جوهري :قاموس علم اإلجتماع،المكتب الجامعي الحديث،ط،2مصر،0991،ص.041
ويعني أيضا أنها :المنافسة الواعية بين أفراد وجماعات وأن يحقق هزيمة الخصم
وتحطيمه أو إخضاعه .ويمكن أن يأخذ الصراع عدة أشكال منها المنافسة والجدال ،ويمكن
1
أن يصل إلى المواجهة والتخريب والثورة والحرب.
كما عرف الصراع على انه ":المواجهة والصدام المتعمد وعن القصد بين جماعتين
من نفس النوع ،على أن تتصرف بعدوانية فيما بينها من اجل تحطيم بعضها لبعض ...
وهكذا فالهدف من الصراع هو إيذاء الطرف اآلخر ...وكاسترجاع حق ضائع ،أو الدفاع
عن النفس ،أو محاولة تحطيم الطرف اآلخر باستعمال عدة طرق منها المساومة والتخويف
والعنف المباشر وغير المباشر ويمكن للصراع أن ينفجر تلقائيًا أو أن يكون منظمًا من قبل،
وال يمكننا الخلط بين الصدام والمواجهة والعنف والعدوان ،الن هذا األخير سلوك فطري
2
طبيعي في البشر.
يقصد بالصراع كذلك بأنه أحد أنماط التفاعل االجتماعي ،الذي ينشأ عن تعارض
عرف كل من المتنافسين غريمه ،ويدرك أنه ال
المصالح ،وهو الموقف التنافسي ،حيث َي ُ
سبيل إلى التوفيق بين مصلحته وبين مصلحة الغريم ،فتنقلب المنافسة بينهما إلى صراع،
3
حيث يعمل كل منهما على تحطيم اآلخر والتفوق عليه.
ويعرف الصراع بأنه ":أقسى عملية من العمليات االجتماعية ،إذ هو عبارة عن تضارب
ُ
القوى االجتماعية ونضالها"4.
- 1إسماعيل علي سعد ،االتجاهات الحديثة في علم االجتماع ،اإلسكندرية ،دار المعرفة الجامعية ،ب.ت ،ص36
-2أحمد حمدي حجازي :أزمة علم اإلجتماع ،دار قباء ،ط،7مصر،7992،ص-ص .732-733
تأكيد الوظيفيين على اإلجماع ،ويبرزون بدال من ذلك أهمية الخالف والنزاع داخل المجتمع،
ويركزون بذلك على قضايا السلطة والتفاوت والنضال .ويميل هؤالء إلى أن المجتمع يتألف
من مجموعات متميزة تسعى إلى تحقيق أهدافها الخاصة .ووجود هذه المصالح المنفصلة
يعني أن احتمال قيام الصراع بين هذه الجماعات يظل قائما على الدوام ،وأن بعضها قد
ينتفع أكثر من غيره من استمرار الخالف .ويميل الملتزمون بنظريات الصراع إلى دراسة
مواطن التوتر بين المجموعات المسيطرة والمستضعفة في المجتمع ،ويسعون إلى فهم الكيفية
التي تنشأ بها عالقات السيطرة وتدوم."1
ويوجد في أدبيات سوسيولوجيا التربية عدة أطروحات فيما يخص المقاربة الصراعية،
كل أطروحة حللت الظاهرة التربوية انطالقا من المقاربة الصراعية ،وحاولت أن تبرز أدوات
الصراع كا أدوات فاعلة في تحرك دواليب الظواهر التربوية.
لقثثد تنثثاول بييثثر بورديثثو مفهثثوم إعثثادة اإلنتثثاج بالتحليثثل والد ارسثثة والتقثثويم ،حينمثثا ركثثز
اهتمامه السوسثيولوجي علثى النظثام التربثوي الفرنسثي مثع صثديقه جثان كلثود باسثرون(Jean-
،)Claude Passeronفي كتابهما (إعاة اإلنتـاج) ،منثذ سثنوات السثتين مثن القثرن الماضثي،
إذ كانت هذه الفترة مرحلة التطور واالزدهار العلمي والمنهجي لسوسيولوجيا التربية.
ويمكث ثثن اعتبث ثثار بث ثثأن بييث ثثر بورديث ثثو وكل ث ثثود باسث ثثرون همث ثثا اللث ثثذان أعطيث ثثا والدة ثاني ث ثثة
لسوسيولوجيا التربية ،وقد انطلقا من فرضثية سوسثيولوجية أساسثية ،تتمثثل فثي كثون المتعلمثين
اليملكثثون الحظثثوظ نفسثثها فثثي تحقيثثق النجثثاح المدرسثثي .ويرجثثع هثثذا االخثثتالف إلثثى التراتبيثثة
االجتماعية ،والتفاوت ا لطبقي ،ووجود فوارق فردية داخل الفصل الدراسي نفسه .ومن ثم ،فقثد
قثثادت األبحثثاث السوسثثيولوجية واإلحصثثائية بورديثثو وباسثثرون إلثثى اسثثتنتاج أساسثثي ه ثثو :أن
إن التنوع الرسمي في شكل فروع أو شبه الرسمي في شكل مؤسسات أو أقسام
متدرجة من آثاره كذلك المساهمة في إعادة خلق مبدأ مخفي للتمييز :التالميذ المنحدرون
من عائالت ميسورة تلقوا من عائلتهم حس االستثمار المربح وكذلك األمثلة والنصائح التي
تساعدهم في حالة الشك ،هؤالء التالميذ هم في وضعية تسمح لهم بوضع استثماراتهم في
أحسن وقت وأحسن األمكنة بمعنى في أحسن التخصصات وأحسن المؤسسات وبالتالي
أحسن الفروع ،وفي المقابل فإن التالميذ المنحدرين من عائالت محرومة وخصوصا أبناء
المهاجرين يضطرون منذ نهاية دراستهم االبتدائية إلى توكيل مصيرهم إلى تعليمات المؤسسة
المدرسية أو إلى الصدفة إليجاد طريقهم في عالم معقد أكثر فأكثر وهم كذلك محكوم عليهم
2
باستثمار رأسمالهم الثقافي الذي يظل مع ذلك محدودا جدا.
ويعني هذا أن السؤال الذي ركزت عليثه سوسثيولوجيا التربيثة ،فثي سثنوات السثتين ،هثو
سؤال الالمساواة المدرسية التي تعكس الالمساواة الطبقية واالجتماعية ،وتعكس مدى اختالف
أبنثثاء الطبقثثات العماليثثة عثثن أبنثثاء الطبقثثات المحظوطثثة ،واخثثتالف المسثثتوى التعليمثثي الطويثثل
الثذي يرتثاده أبنثاء الطبقثات المحظوظثة ،والتعلثيم القصثير الثذي يكثون مثن حثظ أبنثاء الطبقثثات
ال ثثدنيا ،والس ثثيما أبن ثثاء الطبق ثثات العمالي ثثة وأبن ثثاء المه ثثاجرين عل ثثى ح ثثد سث ثواء .ل ثثذا يغل ثثب النق ثثد
الماركسثثي الجديثثد علثثى هثثذه السوسثثيولوجيا السثثتينية .والثثدليل علثثى ذلثثك الثثثورة العارمثثة التثثي
تبدو الفوارق أكثر ألن ديمقراطية التعليم يصاحبها ارتفاع هام للتمييز الداخلي وزيادة
على عدم المساواة في الدخول إلى التعليم هنالك عدم المساواة في التخصص من خالل
الفروع التي تحدد المسارات ومن خالل القيمة المعطاة لكل تخصص وكذلك تشكيلتها البشرية
اختيار الفروع يصبح رهانا كبي ار ويظهر هناك فرق بين التعليم التكنولوجي والتقني أين تكون
الطبقات الشعبية ممثلة بكثرة والتعليم العام المثمن للغاية والذي نجد فيه تدرجا للفروع مع
إعطاء الصدارة للفروع العلمية .وكذلك الشأن عندما يكون لألولياء رأسمال ثقافي واجتماعي
مرتفع فهم يملكون عددا كبي ار من مصادر اإلعالم حول الفروع والمؤسسات وبالتالي في
وضعية تسمح لهم بتطبيق إستراتيجية تضمن النجاح المدرسي واالجتماعي ألبنائهم وذلك
بإبقاء الندرة التمييزية للشهادة المدرسية المكتسبة تسمح هذه اإلستراتيجيات بتفسير كيف أن
الدخول إلى المؤسسات المشهورة التي تؤدي إلى مواقع السلطة يظل حك ار على الفئات
المسيطرة .وعكس ذلك فإن أبناء الفئات المحرومة يوجهون نحو التخصصات والفروع
المنتقصة ويشكلون بالتالي فئة جديدة مقصية من الداخل بمعنى تالميذ تحتفظ بهم المؤسسة
2
المدرسية لتأجيل إقصائهم.
بداية األمر ،أبدى الفاعلين في المنظومة التربوية نوعا من عدم االكتراث ،ألن إثارة
مسألة العوائق االجتماعية -الثقافية كانت ذريعة لعدم القيام بأي شيء ،خاصة وأن هؤالء
الفاعلين يعتقدون أن بعض األطفال محكوم عليهم بالفشل بحكم انتمائهم االجتماعي وال يوجد
هناك أي إجراء بيداغوجي بوسعه أن يصحح من تأثير هذه الحتمية ،إال أن هذه النتيجة تبدو
ظهرت هذه المدرسة في ألمانيا في بداية الثالثينيات من القرن العشرين ،وقد انتقل
المعهد إلى نيويورك إبان المرحلة النازية ،ثم استقر بفرانكفورت مرة أخرى في عام 3121م.
وقد تأثر تحليل مفكري هذه المدرسة ونقدهم للثقافة الحديثة والمجتمع بما تعرضوا له من
مضايقات وتعسفات وضغوطات في عهد الفاشية.
وقد جاءت النظرية النقدية رد فعل على الوضعية ( )Positivismالتي كانت تعنى مع
أوجست كونت بدراسة الظواهر االجتماعية دراسة علمية موضوعية تجريبية ،باستخدام
المالحظة والتكرار والتجربة ،وربط األسباب بمسبباتها ،بغية فهم الظواهر العلمية فهما علميا
دقيقا .وكانت الوضعية تهتم أيضا بوصف الظواهر دون تفسيرها؛ ألن التفسير يرتبط في
منظور الوضعية بالتأمالت الفلسفية والميتافيزيقية .كما استبعدت الوضعية البعد اإلنساني
والتأملي واألخالقي في عملية البحث .وقد وجهت مدرسة فرانكفورت إلى هذه النظرية
الوضعية انتقادات قاسية .وفي هذا الصدد ،يقول توم بوتومور ،في كتابه( مدرسة
كما جاءت النظرية النقدية رد فعل على النظريات النقدية للعقل المثالي كما عند كانط
وهيجل ،باالعتماد على القراءة الماركسية الجدلية ،واالستعانة بالمادية التاريخية .كما وقفت
إزاء النظريات البورجوازية التي مارست صنوفا من السلطة الفكرية ،ورفضت الفصل بين
النظرية والممارسة ،بعد أن كانت النظرية في المثالية األلمانية هي المفضلة .وباختصار،
فإن النظرية النقدية قد انتقدت النزعة العلمية المغالية ،وانتقدت أيضا العقالنية العلمية
التقنية ،باعتبارها شكال من أشكال الهيمنة التي ميزت الرأسمالية األكثر تطورا ،أو بشكل
أوسع ،انتقدت تلك المجتمعات الصناعية المتقدمة في القرن العشرين .وأتت أيضا لنقد
اإليديولوجيات السائدة ،ونقد الفاشية المستبدة ،ونقد النزعة المعادية للسامية إبان وصول
2
النازية إلى الحكم.
ويعد ماكس هوركايمر من المؤسسين الحقيقيين لمدرسة فرانكفورت ،وقد كان مدي ار لها
منذ 3113م ،وقد اهتم في بداية المعهد بدراسة الفلسفة االجتماعية ،ونقد المذهب الوضعي
والمثالية األلمانية والوضعية المنطقية ،وهاجم الميتافيزيقا الغربية على غرار جاك ديريدا
ومارتن هايدجر .وقد عاب هوركامير على الوضعية ميلها الكبير إلى العلمية والموضوعية
والتجريبية ،وتشييء اإلنسان ،وفصل الحقيقة عن القيم كفصلها المعرفة عن المصالح
البشرية.
ومن هنا ،فالنظرية النقدية -حسب أدورنو -هي نقد للواقعية الماركسية االنعكاسية
الساذجة التي تعقد الصلة المباشرة بين الفكر والمجتمع ،في جل تناقضاته السياسية
واالجتماعية واالقتصادية والثقافية والتاريخية.
وفي األخير " ،لم ير أدورنو إمكانية لتحرير الفرد مثن التسثلط والهيمنثة ،ال فثي ظهثور
جماعثثات معارضثثة جديثثدة ، ،وانمثثا ارتثثأى هثثذه اإلمكانيثثة بثثاألحرى فثثي عمثثل الفنثثان األصثثيل
الثثذي يواجثثه الواقثثع المعطثثى بثثالتلميح إلثثى مثثا يمكثثن أن يكثثون .وعلثثى هثثذا ،فثثإن الفثثن األصثثيل
يمتلك قوة غالبة ،لدرجة يضعه أدورنو في مواجهة العلم الذي يعكثس الواقثع الموجثود فحسثب
فيمثثا يمثثثل الفثثن األصثثيل شثثكال أعلثثى مثثن أشثثكال المعرفثثة ،وسثثعيا متجهثثا إلثثى المسثثتقبل وراء
2
الحق.
يتح ثثدث غي ثثروكس H.girouxع ثثن اإلمكان ثثات الت ثثي توفره ثثا النظري ثثة النقدي ثثة للمفكث ثرين
التربثثويين ،رغثثم أنثثه قثثد يبثثدو للوهلثثة األولثثى أن هثثذه النظريثثة ال عالقثثة مباش ثرة لهثثا بالتربيثثة.
ويذكر أن هذه اإلمكانات شكلت منطلقات لتربويين كثر -منهم رواد البيثداغوجيا النقديثة -فثي
بلثورة تصثورات نقديثة تجثاه التربيثة .ونحثثن نثذكر باختصثار أهثم أطروحثات فرانكفثورت الحاملثثة
نظريثثة مدرسثثة فرانكفثثورت حثثول الثقافثثة تسثثاعدنا علثثى فهثثم وتحليثثل دور المدرسثثة فثثي إعثثادة
اإلنتاج ،وتلقي الضوء على الدور السياسثي للمؤسسثة المدرسثية ،والمتجلثي فثي تمريثر خطثاب
الهيمنة ،والتبرير األيديولوجي للنظام االجتماعي القائم.
يمكثن النظثثر إلثثى البيثداغوجيا النقديثثة تاريخيثثا باعتبارهثثا تطبيقثا لمبثثادئ النظريثثة النقديثثة
الماركس ثثية لمدرس ثثة فرانكف ثثورت ف ثثي مج ثثال التربي ثثة ،كم ثثا يمك ثثن تتب ثثع أثاره ثثا باعتباره ثثا امت ثثدادا
للمبثادئ النقديثة التثي عبثر عنهثا جثان ديثوي .john deweyولكثن االرتبثاط التطثوري األكثثر
مباش ثرة هثثو ذلثثك الثثذي يصثثل البيثثدغوجيا النقديثثة ببثثاولو فريثثر ( .)3133-3110وهثثو مثثرب
وناشثط ب ارزيلثي شثكل كتابثه بيثداغوجيا المقهثور( ) Pedagogy of the oppressedعمثال
تأسيسثثيا ارئثثدا فثثي مسثثار تشثثكل البيثثداغوجيا النقديثثة .كمثثا كثثان ثم ثرة لعمثثل فريثثر فثثي محاربثثة
األميثثة لثثدى فالحثثي المنثثاطق النائيثثة فثثي الب ارزيثثل ،ومجثثاال لطثثرح مفثثاهيم ال ت ثزال مركزيثثة فثثي
الجهثثاز المفثثاهيمي الثثذي تشثثتغل بثثه البيثثداغوجيا النقديثثة حتثثى اآلن .ومثثن هثثذه المفثثاهيم- :
النموذج البنكي – البراكسيس -الموضوعات التوليدية – التربية المحثررة -ثقافثة الصثمت -
2
تربية األشكلة ( أو طرح المشكالت).
و كما الحظ روجر سيمن ( " :) Roger Simon( )3110فان التربية باعتبارها
مقدمة للحياة العامة ،و إعدادا لها ،و شرعنه ألشكال مخصوصة منها ،تستضمر دائما
وهذه الرؤى ليست محايدة .إنها دائما رؤى شخص ما .ومادامت مرتبطة بتنظيم حياة
اآلخرين و مستقبلهم ،فان لها دائما بعدا أخالقيا ،و سياسيا .من هذا المنطلق ،يصير حتما
أن يبدأ أي نقاش حول البيداغوجيا بنقاش الممارسات التربوية ،باعتبارها نوعا من السياسة
الثقافية ،وهيئة خاصة لتشكيل حس بالهوية والمكان ،ولتشكيل القيم قبل كل ذلك .ويحصل
هذا التشكيل عبر ممارسات تنظم المعرفة والمعنى.
يرى كوالنز ( )Collinsأن األفراد ال يتم انتقاؤهم واصطفاؤهم على أساس القدرات
الذكائية والتقنية والمعارف التحصيلية ،بل على أساس االنتماء إلى الجماعة المسيطرة ثقافيا
بتمثل تصوراتها ،واتباع قيمها .ومن ثم ،يكمن الصراع في ضغط الجماعات الحاكمة على
المشغلين بأن يعتمدوا على الشهادات في عمليات االنتقاء واالصطفاء ،عالوة على معايير
التبعية الثقافية والحزبية واإليديولوجية " .ومن ضمن ما يؤخذ على هذه األطروحة أنها انبثت
فقط على بعض المعطيات المرتبطة بسياسة االنتقاء واالختيار ،وبرواتب المقاوالت
األمريكية؛ مما يصعب تعميمها على جميع األنظمة .غير أنه ،وعلى الرغم من هذا القصور
فقد استطاعت أن تبين وجها من وجوه مفارقات العالقة بين التطور التربوي ومثيله
2
االجتماعي".
واذا كثثان إميثثل دوركثثايم يثثدرس الظ ثواهر المجتمعيثثة علثثى أنهثثا أشثثياء موضثثوعية ،فثثإن
ماكس فيبر يدرس الفعل أو السثلوك االجتمثاعي الثذي يتحقثق بالتفاعثل بثين الثذوات واألغيثار.
ويتخثذ هثثذا الفعثثل معنثى ذاتيثثا وغرضثثيا .ومثثن هنثا ،فقثثد انتقثثل مثثاكس فيبثر بعلثثم االجتمثثاع مثثن
عالم األشياء الموضوعية إلى األفعثال اإلنسثانية.أي :انتقثل مثن الموضثوع إلثى الثذات ،أو مثن
الشثثيء إلثثى اإلنسثثان .كمثثا تجثثاوز المقاربثثة الوضثثعية نحثثو المقاربثثة الهيرمونيطيقيثثة التثثي تقثثوم
على الفهم والتأويل الذاتي اإلنساني .وبهذا ،قد أحدث قطيعة إبستمولوجية ،ضثمن مسثار علثم
االجتمث ثثاع بتأسث ثثيس مدرسث ثثة الفعث ثثل االجتمث ثثاعي أو المدرسث ثثة التأويليث ثثة أو الهيرمونيطيقيث ثثة أو
2
سوسيولوجيا الفهم (.)la sociologie compréhensive
ويعني هذا -حسب نيقوال تيماشيف " -أن فيبر كان يأمل لعلم االجتماع أن يحتفظ
بميزات العلوم الروحية .فضال عن ميزات العلوم الطبيعية .وهذه الميزات-كما يذهب فيبر-
-1محمد حامد يوسف :علم االجتماع :النشأة والمجاالت ،المكتب العلمي للنشر والتوزيع،مصر،ط ،9ص.22
-2شبل بدران،علم اجتماع التربية المعاصر،سلسلة المكتبة التربوية ،دار المعرفة المصرية،6111،ص.06
تكمن في تحقيق ضرب من الفهم ،يرتكز على الحقيقة التي مؤداها أن الكائنات البشرية
تكون على وعي مباشر وادراك تام ببناء األفعال اإلنسانية .ففي دراسات الجماعات
االجتماعية-مثال-نستطيع أن نفهم األفعال والمقاصد الذاتية للفاعلين الذين يمثلون أعضاء
1
الجماعات.
وبناء على ما سبق ،يعرف ماكس فيبر السوسيولوجيا ،في كتابه(االقتصاد والمجتمع)
قائال " :علم االجتماع هو العلم الذي يعنى بفهم الفعل أو النشاط االجتماعي وتأويله وتفسير
حدثه ونتيجته سببيا إذاً ،يدرس علم االجتماع الفعل أو العمل أو النشاط االجتماعي .في
حين ،يدرس عند دوركايم الظواهر المجتمعية .فهنا ،يحضر البعد اإلنساني الذاتي مقابل
البعد االجتماعي الموضوعي الشيئي .أي :حضور الذات في مقابل الموضوع .ويرى فيليب
كابان( )Philipe Cabinوجان فرانسوا دورتيه( )Jean-François Dortierأن
السوسيولوجيا عند فيبر" هي علم بخصوص الفعل االجتماعي .وهو يرفض الحتمية التي
ليس المقصود قوانين مطلقة ،إنما توجهات تترك على الدوام مكانا للصدفة وللقرار الفردي.
وهو يعتبر أن المجتمع نتاج لفعل األفراد الذين يتصرفون تبعا للقيم والدوافع وللحسابات
العقالنية .إن توضيح االجتماعي يعني -إذاً -التنبه إلى الطريقة التي يوجه بحسبها الناس
فعلهم .هذا النهج هو نهج السوسيولوجيا التفهمية .يقول فيبر ":إن ما ندعوه سوسيولوجيا هو
2
علم مهمته الفهم ،عن طريق تأويل النشاط االجتماعي".
وفث ثثي ه ث ثثذا الس ث ثثياق أيضث ثثا ،يق ث ثثول أنت ث ثثوني غيث ثثدنز":4إذا كان ث ثثت المنظ ث ثثورات الوظيفي ث ثثة
والصثراعية تؤكثثد أهميثثة البنثثى التثثي توجثثه المجتمثثع وتثثؤثر فثثي السثثلوك البشثثري ،فثثإن نظريثثات
الفعل االجتماعي تولي قد ار أكبر من األهمية لدور الفعثل والتفاعثل بثين أعضثاء المجتمثع فثي
تكوين هذه البنى.ويبرز دور علم االجتماع -هنا -في استيعاب المعاني التي ينطثوي عليهثا
الفعل االجتماعي والتفاعل ،ال تفسير طبيعة القوى الخارجية التي تدفع الناس إلثى نمثط معثين
- 1محمد محمد علي :قراءة معاصرة ألعمال خمسة من أعالم علم االجتماع الغربي،دار النهضة العربية،ط،6لبنان،9162،ص.900
- 2فيليب كابان وجان فرانسوا دورتيه :علم االجتماع،مرجع سابق،ص.56
-3محمد حامد يوسف :علم االجتماع :النشأة والمجاالت،مرجع سابق،ص.61
-4أنتوني غيدنز :علم اإلجتماع:مرجع سابق ،ص.11
من األفعال 1".واذا كانت المقاربات الوظيفية والصراعية تطرح النماذج النظرية حثول الطريقثة
التي يعمل بها المجتمع برمتثه ،فثإن الملتثزمين بنظريثة الفعثل االجتمثاعي يركثزون علثى تحليثل
األسلوب الذي يتصرف به الفاعلون األفراد أو يتفثاعلون بثه فيمثا بيثنهم مثن جهثة .وفيمثا بيثنهم
وبين المجتمع من جهة أخرى.
ويشار إلى فيبر في أكثر األحيان باعتباره أول الداعين إلى تبني منظور الفعل
االجتماعي .فرغم أنه اعترف بأهمية البنى االجتماعية مثل الطبقات واألحزاب السياسية
واصحاب المكانة وآخرين ،فإنه اعتقد في الوقت نفسه أن األفعال االجتماعية التي يقوم بها
األفراد هي التي تخلق مثل هذه البنى .وقد جرى في وقت الحق تطوير هذا الموقف بصورة
منهجية في أوساط المدرسة التفاعلية الرمزية التي برزت وشاعت في الواليات المتحدة بصورة
خاصة .وتأثرت هذه المدرسة بصورة غير مباشرة بأفكار ماكس فيبر غير أن أصولها
2
المباشرة كانت في أعمال الفيلسوف األمريكي جورج هربرت ميد (3113-3191م)".
ويعني هذا أن علم االجتماع -حسب ماكس فيبر -هو دراسة التفاعل االجتماعي بين
األفراد داخل المجتمع ،وكيف يعطي الناس فهما ذاتيا للعالم ،وكيف يوجهون سلوكهم في
إطار هذا النوع من الفهم .أي :فهم نوايا هذا الفعل االجتماعي وأسبابه .ويعني هذا أن
منهجه قائم على الفهم بدل التفسير السببي أو العلي ،كما نجد ذلك عند الوضعيين الذين
ينتمون إلى المدرسة الدوركايمية .ويعني هذا حضور الذات المؤولة في الفعل االجتماعي.
وال يمكن فهم هذا الفعل السلوكي إال في سياق تاريخي معين .وال يمكن فهم هذا
السلوك االجتماعي إال ضمن ثقافة معينة مرتبطة بمجموعة من القيم المتعارف عليها.
أضف إلى ذلك أن الهدف من علم االجتماع ليس هو بناء النظريات المجردة كما كان يفعل
الوضعيون أو التفسيريون الدروكايميون ،بل هو علم تاريخي بامتياز .وفي هذا ،يقول لورن
تعنى السوسيولوجيا الفيبيرية أنصار علوم الثقافة ،معرفا علم االجتماع كعلم تاريخي وعليه،
بدراسة أفعال األفراد في عالقة ببنية المجتمع ،ضمن نظرية التفاعل االجتماعي أو نظرية
التأثير والتأثر.
ويمثل هذا التوجه ،في مجال التربية والتعليم ،رايمون بودون ( )Boudonالذي يرفض
تصورات المدرسة الوظيفية والمقاربة الصراعية ،على أساس أن المدرسة تعيد إنتثاج الطبقثات
االجتماعي ثثة نفس ثثها ،وأنه ثثا فض ثثاء للصث ثراع ب ثثين الطبق ثثة المهيمن ثثة والطبق ثثة الخاض ثثعة .وينف ثثي
رايمثثون بثثودون أن تكثثون هنثثاك روابثثط قويثثة بثثين الالمسثثاواة التعليميثثة والالمسثثاواة االجتماعيثثة.
بمعنى أن المجتمع ليس هو السبب في هذه الالمسثاواة التربويثة ،بثل يعثود ذلثك إلثى اختيثارات
األفراد أنفسثهم ،وقناعثاتهم الذاتيثة ،وقث ارراتهم الشخصثية ،بنثاء علثى حسثابات األسثر الخاضثعة
2
لمنطق الربح والخسارة ،وطموحاتها الواقعية ،ورغباتها المستقبلية.
فبعث ثثد أن كانث ثثت الحاصث ثثلون علث ثثى الث ثثدبلومات والشث ثثهادات يحصث ثثلون علث ثثى الوظث ثثائف
والمناصثثب المناس ثثبة له ثثم ،ازداد المتعلم ثثون بكث ثرة ،وكث ثثرت الش ثثهادات وال ثثدبلومات ،وانحص ثثر
سوق الشغل .لذا ،أصبحت المدرسة ال توفر للجميع الفرص نفسها من الحظوظ واالمتيثازات.
وعلى خالف النظرية الحدسية هذه تبين النظرية العقالنية أن االصطفاء الذاتي يتم
على أساس محكات عقلية بالغة الدقة والخصوصية .ويعد المفكر الفرنسي رايمون بودون من
أشهر ممثلي هذا االتجاه في مجال تحليل االصطفاء المدرسي .فالتلميذ يقرر هنا بصورة
واعية ما يترتب عليه في الشأن المدرسي .ومن ثم ،يدرس الظروف والعوامل والمتغيرات
المختلفة ،ويقدر إمكانية المتابعة أو أفضلية الترك والتخلي عن الدراسة .وهو في كل األحوال
2
ال يتخذ ق ارره بناء على فرضية الحدس واالستبطان أو العفوية الحرة في اتخاذ القرار.
ويعني هذا إذا كان أنصار المقاربة الصراعية قد أخذوا بالحتمية المجتمعية أو الواقعية
في تحديد مصير ا لفرد ،فإن رايمون بودون قد أخذ بنظرية الفعل ،على أساس أن الفرد حر
في أفعاله واختياراته .ويعني هذا أن نظرية الفعل االجتماعي ترى أن " األفراد قادرون على
صناعة مصيرهم المدرسي والمهني تأسيسا على مبادراتهم وفعالياتهم االجتماعية.
وم ثثن أه ثثم االتجاه ثثات األساس ثثية له ثثذه النظري ثثات يمك ثثن اإلش ثثارة إل ثثى مدرس ثثة المفك ثثر
الفرنسثثي بثثودون الثثذي لطالمثثا يركثثز فثثي د ارسثثاته وأبحاثثثه علثثى أهميثثة العوامثثل المسثثتقبلية فثثي
تحدي ثثد مص ثثير الف ثثرد ومس ثثتقبله .ف ثثإذا ك ثثان الماض ثثي عن ثثد الحتمي ثثين ه ثثو ال ثثذي يح ثثدد مالم ثثح
المسثثتقبل ،فثثإن المسثثتقبل عينثثه هثثو الثثذي يرسثثم المصثثير عنثثد األف ثراد وفقثثا ألنصثثار النظريثثة
الفردية.ومن هذا المنطلق يوجه الفردانيون انتقاداتهم الشديدة إلى الثقافويين الثذين يعتقثدون أن
هدف االصطفاء هو إعثادة إنتثاج البنثى االجتماعيثة القائمثة ،وبثأن المدرسثة قثادرة علثى فثرض
2
قوانيها على األفراد.
-تمهيد
-خالصة
تمهيد :في هذا الفصل سنقوم بعرض مقاربات تختلف في مضامينها المنهجية والمعرفية
على المقاربات التقليدية والمقاربات ذات المنظور الصراعي ،حيث لم تنظر هذه المقاربات
الى التربية على أنها أداة للحفاظ على توزن المجتمع أو أداة للهيمنة واعادة اإلنتاج ،وانما
حاولت ان تعطي لنا تفسير للعالقات التربوية المختلفة.
وكأمثلة لبعض النتائج التي توصل إليها بودون :في مجتمع تراتبي يستعمل نظاما
متنوعا وهرميا من الكفاءات ،فإن الدمقرطة تعرف بالضرورة حدودا ال يمكن تجاوزها ،عدم
تكافؤ الفرص ينجم بالضرورة عن التقاء نسقين :نسق المواقع االجتماعية ونسق المسارات
الدراسية ،حيث نظام اجتماعي تراتبي ونظام تربوي هرمي ال يمكن إال أن ينتج عنهما ال
مساواة وعدم تكافؤ الفرص ،الحراك االجتماعي يتأثر كثي ار بالتركيب بين بنية الهيمنة وبنية
الجدارة واالستحقاق ،إذ أن بنية الجدارة واالستحقاق تعني أن مستوى الدراسة هو الذي يحدد
يبد ُءون بدراستهم للنظام التعليمي من الفصل الدراسي إن أصحاب النظر ِ
ية التفاعلية َ َ
ِ
التالميذ والمعلم ،هي عالقةٌ ِ
الفعل االجتماعي) .فالعالقةُ في الفصل الدراسي و ِ
حدوث (مكان
َ
الصف ،إذ ُيدرك التالميذ حقيق َة كونهم
ّ التفاوض حول الحقيقة داخل
ُ حاسمةٌ ألنه يمكن
أغبياء أو كسالى .وفي ضوء هذه المقوالت يتفاعل التالميذ والمدرسون بعضهم
َ ماهرين أو
3
ال تعليميًا.
مع بعض ،حيث يحققون في النهاية نجاحًا أو فش ً
التفاعلية الرمزية هي مدرسة اجتماعية أمريكية تحاول الربط بين الحياة الداخلية للفرد
– الذات أو (النفس البشثرية) :و هثي العامثل األساسثي فثي عمليثة التفاعثل االجتمثاعي حيثث
تحتثوي علثى العديثد مثن المعثاني و التفسثيرات .و تنشثأ داخثل المجتمثع ،و تكتسثب مثن عثدة
مصادر أهمها الخبرات االجتماعية عند الفثرد ،و تفاعثل الفثرد مثع اآلخثرين ،فثالنفس البشثرية
تتكثون مثن قسثمين همثا :الثذات الفرديثة التثي تمثثل اسثتجابة التركيثب العضثوي التجاهثات
اآلخرين .والقسم الثاني األنا االجتماعية المتكونة من اتجاهات اآلخثرين .وبهثذا المعنثى فثإن
يؤكد منظور التفاعل الرمزي على دور اللغة كعامل سواء في تطوير المجتمع أو في
المحافظة عليه ،وكذلك في صياغة األنشطة الذهنية لألفراد ،وهذا بمثابة مدخل اجتماعي
نفسي يؤكد العالقة بين األنشطة الذهنية للفرد وعملية االتصال االجتماعي ولهذا يشير
أصحاب المنظور المذكور إلى أن الناس يشكلون أو يقدمون بشكل جماعي آراءهم عن
البيئة التي يتصارعون معها .كما أن التفاعلية الرمزية تعتبر مدخال من المداخل االجتماعية
التي تفسر اكتساب الفرد للمعاني التي تسهم في رسم الصور والتوقعات عن األخريين من
خالل نظام المعاني الذي يميز الثقافات عن بعضها و يؤثر في بناءات الصور في عقول
2
األفراد داخل هذه الثقافات ويمكن اإلشارة إلى سياق الفروض األساسية لهذه النظرية.
3
وفيما يلي أبرز االفتراضات التي تقوم عليهم المقاربة التفاعلية الرمزية:
نظريته تعتمد على كون الذات أو النفس البشرية هي المرأة التي ينعكس عليها المجتمع بكل
2
صوره وتناقضاته و تفاعالته.
المجتمع عند" ميد "هو وحدة ديناميكية متطورة ،تولد بشكل مستمر أنماط جديدة ومتميزة
ألساليب التنشئة االجتماعية لألفراد ،فالفرد كائن عقالني ومحصلة للعالقات االجتماعية.
الرموز هي عوامل جوهرية لتسهيل االتصال ،وهي تعكس الحاجات االجتماعية والرغبات
الفردية لانسان من خالل وظيفتها االجتماعية بقصد تحقيق التفاعل.
-3أبرز أفكار هيربرت بلوم Harbert Bloomer
تعتبر تحليالت" تشالز موريس "من أهم تحليالت التفاعلية الرمزية األكثر حداثة عن
تحليالت كل من "ميد" و" بلومر "و غيرهما آخرون ،حيث يركز موريس على دراسة العملية
اإلتصالية للجنس البشري من خالل تحليل الرموز و اإلشارات و األصوات و المعاني ،ال
سيما أن هذه العناصر تعتبر رموز أساسية لالتصال و تفسير السلوك البشري و التفاعل
اإلجتماعي بين الجماعات ،و من ناحية أخرى استخدم موريس أبعاد أدبية و لغوية و
سوسيولوجية و قيمية ،عندما سعى إلى تطوير نظرية التفاعلية الرمزية ،كما استخدم
مصطلحات و مفاهيم تركز على تحليل و تفسير طبيعة كل من مصدر الرسائل االتصالية و
مضمونها ،و الوسائل التي عن طريقها تنتقل هذه الرسائل و أيضا نوعية كل من الجمهور
أو المستقبلين لها ،و المؤثرات التي تنعكس على مستخدميها ،كما ركز أيضا على استخدام
عدد من المتغيرات و الميكانزمات التي تعكس عموما مدى أهمية العملية االتصالية ككل
2
للجنس البشري.
بعد تقديم أفكار بعض الرواد الذين ميزوا هذه النظرية يمكن القول أن التفاعلية
الرمزية يمكن من خاللها أن نفهم نموذج اإلنسان عبر الدور الذي يحتله و السلوك الذي
يقوم به نحو الفرد األخر الذي كون عالقة معه خالل مدة زمنية محددة ،لدى تفترض
التفاعلية الرمزية وجود شخصين متفاعلين عبر األدوار الوظيفية التي يحتلونها ،فكل منهما
يحاول أن يتعرف على سمات الفرد األخر و خصائصه عبر العالقة التفاعلية التي تنشأ
بينهما ،و بعد فترة من الزمن على نشوء مثل هذه العالقة التفاعلية بين الشخصين الشاغلين
لدورين إجتماعيين متساويين أو مختلفين ،يقوم كل فرد بتقويم الفرد األخر ،إال أن التقويم
يعتمد على اللغة و اإلتصال الذي يحدث بينهما ،فاللغة تعبر عن األلفاظ الرمزية التي
يستعملها هذان الشخصان ،و التفاعل ال يمكن أن يتم دون األدوار التي يحتلها هذان
الشخصان وعبر عملية التفاعل و التقويم المتبادل بينهما ،يكون كل فرد منهما التصورات
الرمزية نحو الفرد األخر ،أي أن كل فرد يكون رم از في تصور الفرد األخر و خياله و إدراكه
و هنا يكون الشخصان المتفاعالن الرموز المتبادلة إزاء أحدهما األخر ،بمعنى أن كل فرد
بناءا على التقويم الذهني الذي كونه
يقوم الفرد األخر عبر الرموز التصورية التي يعطيها له ً
أما المبادئ األساسية للتفاعلية الرمزية كما وضعها مؤسسها " هربرت ميد "يمكن درجها في
النقاط التالية:
-يحدث التفاعل االجتماعي بين األفراد الشاغلين ألدوار اجتماعية معينة ويأخذ زمن يتراوح
من أسبوع إلى سنة.
-بعد اإلنتهاء من التفاعل يكون األفراد المتفاعلون صو ار رمزيا ذهنية عن األشخاص الذين
يتفاعلون معهم ،وهذه الصور ال تعكس جوهر الشخص وحقيقته الفعلية ،وانما تعكس الحالة
اإلنطباعية السطحية التي كونها الشخص اتجاه الشخص األخر الذي تفاعل معه خالل مدة
زمنية معينة
-عند تكوين الصورة االنطباعية عن الفرد فإنها تلتصق ،و بمجرد مشاهدته أو السماع
عنه أو التحدث إليه من دون التأكد من صحة المعلومة ألن الشخص اعتبر الفرد األخر
رم از و الرمز هو الذي يحدد طبيعة التفاعل.
-فقدان الثقة في النظريات السوسيولوجية الكبرى ،وخاصة البنائية الوظيفية التي لم تعد
بمثابة اإلطار المرجعي للتفسيرات السوسيولوجية بصورة مرضية من جانب العديد من
إن تفحص إسهامات رواد هذا االتجاه يكشف لنا عن استخدامهم لمفاهيم خاصة نوجزها
فيما يلي:
-اإل ثنوميتودولوجيـا :يتكثون المصثطلح مثن مقطعثين :يتكثون المقطثع األول مثن الكلمثة
اليونانيثة " "Ethnoالتثي تعنثي الشثعب أو النثاس أو القبيلثة أو السثاللة ،أمثا المقطثع
اآلخر "Méthodologieفيشير إلى المنهج أو الطريقة .ومن ثم يمكن ترجمة هذا المصطلح
علثى اعتبثار أنهيعنثي د ارسثة المنثاهج الشثعبية أو الطثرق التثي يسثتخدمها النثاس فثي صثياغة
وتشكيل الحقيقة االجتماعية .هذا على صعيد المصطلح ،أما على صعيد النظريثة ،فقثد حثدد
"جارفينكل "المقصود باإلثنوميتودولوجيا بقوله" :إن الد ارسثات االثنوميتودولوجيثة تحلثل أنشثطة
الحياة اليومية تحليال يكشف عن المعنى الكامن خلف هذه األنشطة ،و تحاول أن تسجل هذه
األنشطة و تجعلها مرئية ومنطقيثة و صثالحة لكثل األغثراض العلميثة ،و تهثدف هثذه الد ارسثة
إلى الكشف عن الطرق التي يسلكها أعضاء المجتمع خالل حيثاتهم اليوميثة لتكثوين نثوع مثن
األلفة باألحداث والوقائع و يوضح" معن خليل عمر "بإسهاب المقصود بهذا التعريثف ذاهبثا
إلثى أن اإلثنوميتودولوجيثا تهثتم بد ارسثة الفعثل االجتمثاعي العملثي الثذي يقثوم بثه الفاعثل فعثال
بشكل مستمر و دوري (رتيبي -روتيني ) وبالذات عند العوام من الناس أكثر من خواصهم،
مرادهثا فثي ذلثك معرفثة انعكاسثاته علثيهم ،و هثل لهثم رغبثة بفعلثه و ارضثون بثه أم مفثروض
ان األبحاث السوسيولوجية التي تضمنها نموذج المفسر تمكننا من المعرفة الدقيقة
للمحركات العامة المؤدية لال مساواة أمام التربية ،فهي تعطينا عند أوضاع محددة في المكان
إن النظام التحتي العائلي يلعب دو ار رياديا في التحكم في تقدم محركات الال مساواة،
تكون نظاما تضامنيا كل عضو فيها يتقاسم مع اآلخرين نفس القانون (الوضع) فالعائلة ّ
1
االجتماعي الذي يحدد العائلة ويميزها.
يفسر ريمون بودون العالقة بين مدخول العائلة ونجاح المتمدرس مدرسيا من خالل
إعطاء العالقة الداللة اإلحصائية كما يبين هذا النموذج كيف أن العالقة اإلحصائية بين
المردود والنجاح المدرسي يجب أال تفسر مباشرة ،وانما هي نتيجة لنظام من العالقات يميز
2
المتغيرات الثالث صاحبة العالقة.
ومث ثثع ذلث ثثك أظهث ثثرت األبحث ثثاث كث ثثم هث ثثي متغي ث ثرة االسث ثثتهالكات الثقافيث ثثة وفث ثثق الطبقث ثثات
االجتماعي ث ث ثثة ،وك ث ث ثثم تتب ث ث ثثدل نظث ث ث ث ار لمس ث ث ثثتويات التربي ث ث ثثة والمؤشث ث ث ثرات االقتص ث ث ثثادية والثقافي ث ث ثثة.
فاالسثتراتيجيات الفرديثة تتطثور بشثكل متفثرق ،وال تتجمثع إال إحصثائيا لكنهثا تسثاهم ،ديناميكيثثا
بتج ثثدد التمث ثثايزات االجتماعيث ثثة .كم ثثا أن الحقث ثثل الثقث ثثافي يعمث ثثل كنس ثثق تنظث ثثيم ،يقث ثثدم للعمث ثثالء
-1مصطفى محسن :في المسألة التربوية ،نحو منظور سوسيولوجي منفتح ،المركز الثقافي العربي ،المغرب ،6116 ،ص.01
-2ريمون بودون :مناهج علم اإلجتماع،ترجمة هالة شبؤول ،منشورات عويدات،لبنان ،0924،ص.22
االجتماعيين فرصة وضع استراتيجيات التمايز ضد أفراد الطبقات األخرى .إن الرهان األخير
لهثثذ ه الص ثراعات هثثو بالتأكيثثد الفثثوز بثثإقرار شثثرعي يصثثاغ فثثي نهايثثة المطثثاف كثثإقرار شثثرعي
بالسيطرة.
ليس للتالميذ وأولياء األمور أية سيطرة (رقابة) على العملية التربوية ،فالنجاح يقاس
بمقياس خارجي هو الدرجات واالمتحانات التي تصبح الحافز الرئيسي للعمل ،وهذا البناء
يجعل أي اهتمام فطري بالمعرفة أم ار ثانويا نتيجة جهد الفرد أو بالتعليم.2
وال شيء يخدم النظام الرأسمالي والطبقي القائم أكثر من االختبارات التي ال يرقى
إليها الشك أو العيب والتي تدعي قياس قدرة الشخص في نقطة معينة من الزمن ،على القيام
بوظائف مهنية معينة ،وانما ننسى أن هذه القدرة مهما اختبرناها باك ار في حياة الفرد إن هي
إال حصيلة التعليم والتعلم بأوصاف اجتماعية معينة .فهذا المبدأ؛ االستحقاقية أو الجدارة
وبذلك يمكن القول بأن النظام المدرسي يلعب دور المحافظ والمنتج لسوق العمالة.
فالشعارات التي رفعتها الكثير من البلدان الرأسمالية المتقدمة والمتخلفة على السواء حول
إشكالية حياد التعليم وعن كونه متاحا للجميع وفق قدراتهم التي تؤهلهم لاللتحاق به تذوب
أمام الوضع الواقعي والحقيقي لهذه القدرات واالستعدادات وتجعل النظام التعليمي نظاما
طبقيا بالدرجة األولى يتحيز بشكل واضح لألغنياء ضد الفقراء.
التعليم ال يحقق العدالة والمساواة االجتماعية :إن التعليم في بلدان العالم الثالث
أصبح وسيلة لتكريس التباين الطبقي واالجتماعي .فالتعليم ال يستطيع أن يوفر العدالة
والمساواة االجتماعية عن طريق المال .ألن ذلك لن يتأتى إال عن طريق التغيير الجذري
للبنية االقتصادية االجتماعية الظالمة في المجتمع ،فهي الشرط الالزم لتحقيق المساواة داخل
المدرسة .
إن أبناء الفقراء ال يستطيعون اللحاق بأبناء األغنياء حتى وان تعلموا في مدرسة
واحدة ،وذلك ألن الفرص التعليمية المتوفرة لطفل الطبقة الوسطى والغنية مثال تجعله متفوقا
2
على طفل الطبقة الفقيرة والدنيا.
كما أن أبناء األغنياء يمكثون في التعليم مدة طويلة ،وبالتالي فإنهم يحصلون على
قسط أكبر من اإلنفاق على التعليم بالنسبة لهم .يتضح مما سبق أن حوالي الثلثين من
مجموع األطفال الذي يلتحقون بالمدرسة االبتدائية يغادرونها فاشلين ،وال شك أن هؤالء
األطفال الذي لم يواصلوا تعليمهم األساسي ينتسبون في غالبيتهم إلى الفئات االجتماعية
الفقيرة وينتسبون إلى القرى بأعداد تفوق أعداد المدينة واألحياء المهمشة (القصديرية) داخل
ترتب على ذلك أن الفقراء لم يعودوا ينظرون إلى التعليم على أنه وسيلة للتحرر من
الفقر وال وسيلة للترقي االجتماعي ،ألن الذين يصلون إلى الخالص عن طريق التعليم قليلون
جدا .فالتعليم في الحقيقة ليس وسيلة للحراك االجتماعي La mobilité socialوليس وسيلة
للمساواة بل هو أداة لتقنين عدم المساواة والمحافظة على الفروق االجتماعية والطبقية
الموجودة .إن تحقيق العدالة االجتماعية يتم خارج المدرسة عن طريق توفير المال والسكن
والنقل والعمل السياسي والتشريع ،أما المدرسة بما تقدمه من معلومات ومناهج منفصلة عن
الحياة االجتماعية للفقراء ،فإنها تحرم الكثيرين من فرص الحراك االجتماعي .وبذلك أصبحت
المدرسة سببا في زيادة الشعور باإلحباط وخيبة األمل عند الفقراء والمحرومين الذين ال
يستطيعون الوصول إلى التعليم أو االستمرار فيه وفق شروطه القاسية وعامال مساعدا على
الصراع الطبقي ،وعنص ار مشجعا على زيادة الشعور بالدونية وتزييف الوعي.
فكلما زادت جرعة التعليم التي يحصل عليها اإلنسان في العالم الثالث كلما زاد شعوره
باإلحباط والدونية واالغتراب .فالذي يترك المدرسة بعد السنة السابعة يصبح أكثر إحباطا من
2
الذي يتركها بعد السنة الرابعة.
يتصدى علماء التربية لمفهوم التكافؤ في الفرص التعليمية يجدون من واجبهم أيضا
أن يشيروا إلى مفهوم التكافؤ في الفرص المهنية –التوظيف-وبالتالي إلى ارتباط المفهومين
وانعكاس مضمون كل منهما على اآلخر .إن التالزم بين هذين المفهومين يطرح بدوره
مشكالت فلسفية وسياسية واجتماعية على درجة كبيرة من األهمية والتعقيد والشمول .ويالحظ
هوسن Husenأن معالجة هذا المفهوم لتكافؤ الفرص التعليمية تؤدي على المستوى
فالقول بأن التربية أداة موضوعية لتصنيف الناس وانتقائهم حسب مهاراتهم المعرفية
قول يترتب عليه نتيجة أيديولوجية مؤداها أن نجاح الفرد في المجتمع أو فشله مرهون
بنجاحه أو فشله في التربية .وذلك القول ينطوي على إقناع زائف للمواطن بأن شكل المجتمع
وبنية النظام االجتماعي الذي يعيش فيه بريئة تماما من أي فشل يتعرض له ،فالفشل إنما
سيكون فشله هو نفسه في اقتناص الفرصة المتكافئة التي توفرت له في المدرسة والقول بأن
المعرفة التي تقدم في المدرسة تؤثر في رفع المستوى االقتصادي للفرد والمجتمع هو نمط
من أنماط األيديولوجيا التي تزيف الوعي االجتماعي على مستوى الفرد والمجتمع.1
وسيترتب على هذا الطرح نتيجة مغلوطة فحواها أن مشكلة الفقر التي تعاني منها
الطبقات الدنيا في المجتمع هي مشكلة فقر في امتالك المعرفة وليست مشكلة استغالل
اقتصادي تعاني منه هذه الطبقات. 2
وبالمثل فإن مشكلة التخلف في الدول الفقيرة ستصبح –حسب الطرح األيديولوجي-مشكلة
تربوية تعالج عن طريق اإلصالح التربوي وبالتالي يتم اختفاء حقيقة التخلف الحقيقية المعتبرة
أن فقر دول العالم الثالث هو نتيجة نهب استعماري (ظاهر ومستتر) منظم وممنهج لقدرات
وثروات الشعوب المستعمرة.3
فالعملية التعليمية في تصور ريمون بودون تتحكم فيها الوضعية االقتصادية للعائلة
بدرجة كبيرة ،فالفشل الدراسي ال يعكس عدم كفاءة المتمدرسين بقدر ما يصور الحالة
خالصة :من خالل مضامين الفصل يتضح بأن المقاربات ذات النموذج المفسر ،اختلفت في
طرحها على المقاربات التقليدية والمقاربات الصراعية ،حيث حاولت تفسير العالقات التربوية
والوقوف على العوامل التي تأثر في هذه العالقات ،إال أن المقاربات ذات النموذج المفسر لم
تتفق على طبيعة التفسير لهذه العالقات.
الفصل السابع :المق اربات النظرية في سوسيولوجيا التربية رؤية
نقدية
-تمهيد
تاسعاً :تعقيب
-خالصة
تمهيد :حاولنا في هذا الفصل ان نقدم قراءة نقدية ألبرز المقاربات التي قمنا بعرضها في
الفصول السابقة ،وذلك بغرض ابراز بعض التناقضات التي حملتها هذه المقاربات ،والوقوف
على مدى قدرتها على تفسير وتفكيك الظواهر التربوية المختلفة.
أوال :نقد المقاربات التقليدية (الكالسيكية ) في سوسيولوجيا التربية.
وعند استعراض قضايا ومضامين علم االجتماع التربية ،يتضح بأنه ليس فقط أبواب
ومسائل هذا العلم قد كانت موضوعا للتدافع بين التفكير العلمي وبين التفكير ما قبل العلمي
بل أن موضوع هذا العلم ذاته قد كان عرضة لتنقيحات مستمرة ،عبرت بوضوح عن حجم
اإلشكال المعرفي الذي يكتنف علم دراسة الظواهر التربوية داخل المجتمع ،كما كشف في
1
كثير من األحيان عن أزمة مشروعية قيام هذا العلم ذاته.
ومن الناحية العملية ،يمكن االستشهاد بالجهود التي قام بها دوركايم في قواعد المنهج
في علم االجتماع "من أجل تخليص أرضية هذا العلم من كل أشكال التداخل مع مواضيع
العلوم األخرى وتحديد" خصائص الواقعة االجتماعية "باعتبارها نتاج الحياة االجتماعية
وبوصفها مستقلة عن تنحصر في ضروب السلوك والتفكير التي يمكن تمييزها عن غيرها
بالعالمة الخاصة اآلتية ،وهي أنها تستطيع التأثير في شعور األفراد تأثي ار قهريا.
ويقول في موضع آخر :إن الظاهرة االجتماعية هي :كل ضرب من السلوك .ثابتا
كان أم غير ثابت ،يمكن أن يباشر نوعا من القهر الخارجي على األفراد ،أو هي كل سلوك
يعم في المجتمع بأسره وكان ذا وجود خاص مستقل عن الصور التي يتشكل بها في
2
الحاالت الفردية.
يالحظ من خالل هذه النصوص التأسيسية لعلم االجتماع بصفة عامة وعلم االجتماع
التربية بصفة خاصة أن التفسير العلمي للظاهرة التربوية ،كان أشد عقبة إبستيمولوجية
اعترضت استقاللية هذا العلم ،وهي تعتبر في أي وقت أهم العقبات التي تثير االلتباس في
أذهان الباحثين داخل هذا الحقل ،ولذلك فمن المفيد االستفادة من التجربة الدوركايمية التي
-1غاستون بشالر :تكوين العقل العلمي ،ترجمة خليل احمد خليل،المؤسسة الجامعية للنشر،ط،4لبنان،0914،ص.04
-2ايميل دوركايم:قواعد المنهج في علم اإلجتماع،مرجع سابق،ص.41
ثانيا :نقد المقاربة الوضعية والبنائية الوظيفية
إن أبرز األسس التي يمكن اإلشارة إليها في نقدنا للمقاربة الغربية في علم اجتماع
بصفة عامة وعلم اجتماع التربية بصفة خاصة ،هو األساس األيديولوجي ،يحاول علم
االجتماع الغربي أن يقنعنا باستمرار على أنه يناشد الموضوعية ويأسس لها ،ويبتعد عن كل
ما هو أيديولوجي وهذا ما حاول" أميل دوركايم "في مؤلفه ً"قواعد المنهج في علم ِ
االجتماع"
أن يجعل التفرقة بين علم ِ
االجتماع والمذاهب االجتماعية واضحة بقدر اإلمكان حينما كتب
1 يقول أن علم ِ
االجتماع لن يكون فرديا ،أو شيوعيا ،أو اشتراكيا.
-0المقاربة الوضعية
وباعتبار الوضعية ترى في كل اإليديولوجيات ،شيئا غريبا عن العلم ،فإنها تحاول
إيجاد أسلوب للبحث االجتماعي بنفي أية عناصر إيديولوجية إلى أبعد حد ممكن عن علم
ِ
االجتماع ،وبهذا تسعى الوضعية إلى تفريغ مجال المعرفة االجتماعية إيديولوجيا ،معتبرة أن
مثل هذا التفريغ اإليديولوجي يشكل شرطا اجتماعيا للموضوعية العلمية"2
اعتقد" كونت "أن هذا العلم هو المظهر المتطور النهائي للمعرفة اإلنسانية ،وأنه يقوم
على المناهج نفسها التي قامت عليها العلوم الطبيعية ،وذلك بافتراض التماثل بين ما هو
اجتماعي وما هو طبيعي .أما من حيث الموضوع فقد صنف علم االجتماع إلى شقين ،علم
االجتماع الستاتيكي ،ويتناول ما هو ثابت نسبيا ،وعلم االجتماع الديناميكي ،ويدرس التغير
وحركة المجتمع .األول يدرس المؤسسات والتنظيمات والتشكيالت االجتماعية وعالقاتها،
كدراسة النظم األسرية والسياسية واالقتصادية وغيرها ،وما بين هذه من عالقات ،وكان قد
افترض أن المجتمع يشكل وحدة متكاملة ،وأن األجزاء كالنظم والجماعات ال تدرس إال في
إطارها المجتمعي ،ضمن رؤية كلية جامعة في إطار المجتمع.
إن فكرة البناء لمجتمع ما ،كمصدر الستق ارره ال تعد جديدة كفلسفة اجتماعية
فأفالطون في جمهوريته يطرح القياس بين المجتمع وبين الكائن العضوي ،فكالهما يعني
نظاما من أجزاء مترابطة في توازن ديناميكي ،و في المجتمع المثالي الذي وصفه أفالطون
تقوم كل فئة من المشاركين في هيكل اجتماعي بإنجاز األنشطة ،التي تساهم في تحقيق
التناسق االجتماعي العام 1.بما في ذلك العملية التعليمية التي تلعب دو ار محوريا في هيكلة
المجتمع نحو هذا االتجاه.
وقد أثبت "مالينوفيسكي "باعتماده على منهج المالحظة بالمشاركة أثناء سنوات
البحث األنثروبولوجي المعمق الطويل في" غينيا الجديدة "ثم في" جزر كروبرياند" أن
المجتمع عبارة عن كل يتشكل من أجزاء تؤدي وظائف ،وصفها بالضرورية لتوازن المجتمع،
إذ تشكل هذه الوظائف األساس الذي يجب االرتكاز عليه لتسير الوقائع االجتماعية.
أما التأثير األكبر فيعود إلى" إميل دور كايم " ،إذ يعتبر أول من استخدم النظرية
الوظيفية بشكل منظم بتفسيره لجوانب اجتماعية متعددة من خالل سؤاله :ما هي األدوار
الوظيفية التي قامت بها االنظمة االجتماعية بما فيها -النظام التربوي -للمحافظة على
النظام االجتماعي كنظام كلي ،فقد وجد أن التربية تمتلك وظيفة إرساء مجموعة من القيم
الشائعة والتي تعزز الوحدة و التماسك لدى من يؤمنون بتلك المعتقدات والقيم ،كذلك لها
2
وظيفة نقل الثقافة من جيل إلى جيل.
كما اكتسب مفهوم الوظيفة قيمة كبيرة مع عالم االجتماع األمريكي "تالكوت بارسونز "
حيثث قثال أن المجتمثع عبثارة عثن الكثل فهثو بمثابثة نسثق أو نظثام أو بنثاء و الثذي يمثثل
مجموعة من العالقات الثابتة نسبيا بين األفراد.
وقد انتقد "ميرتون "مفهوم "بارسونز "للوظيفة ،حيث رأى أنها لم تقم على أساس
دراسات تجريبية للواقع واستندت إلى مفاهيم عامة يصعب تحديد معناها أو ربطها بدقة
بمؤشرات في الواقع االجتماعي بمفهوم النسق حيث تقوم وجهة نظر "ميرتون" على ضرورة
-1مرفت الطرابيشي عبد العزيز السيد:نظريات اإلتصال ،دار النهضة العربيية ،مصر ،4112ص.99
-2عياشي عنصر :علم اإلجتماع األيديولوجي والموضوعية ،مجلة سيرتا ،العدد ،1-1ديسمبر ،0912الجزائر،ص.22
-3عياشي عنصر :المرجع السابق،ص.22
ينبغي له الوقوف موقف الطاعة والخضوع والتعبد للضمير الجمعي .إنه إذن إنما يدافع بذلك
"عن موقف تجريبي متصلب يحمل نتائج بعيدة األثر .فمن خالل صفة الخارجية يدافع
"دوركايم "عن تشييء العالم االجتماعي ويعطيه وجودا منفصال عن اإلنسان ،ومن خالل
صفة اإللزامية فإن مظاهر االضطهاد التربوي واالجتماعي والسيطرة المعيارية ذات
المضمون التاريخي المحدد تأخذ كلها على أنها أوضاع طبيعية ،بل وسليمة أخالقيا .بهذا
الشكل فإن هؤالء الذين يثورون على النظام االجتماعي القائم ال يمكن اعتبارهم أخالقيا على
حق أو أن عملهم مشروع ...إن ما يؤخذ على" دوركايم "بهذا الخصوص هو أنه أعطى للغة
اإليديولوجيا السياسية :اإللزام ،الحرية ،اإلجبار ..الخ التي لها دور االنتقاد أو الدفاع عن
1
أنظمة .مختلفة قيمة ودو ار أبيستمولوجيا.
لقد أراد" دوركايم– "على حد تعبير سمير أيوب-اإليهام بأن الباحث االجتماعي
يستطيع ،بل وينبغي عليه أن يعامل الظاهرة االجتماعية ،كما يعامل الباحث الطبيعي
الجوامد ،وبعبارة أخرى ،على هذا الباحث الخرافي أن ينحي جانبا كل تحي از ته وقيمه
وتفضيال ته ،ويقدم على دراسة الظاهرة (موضوعيا) و(محايدا) وغير متحيز" .إن السؤال
الذي يبرز بهذا الصدد ويبقى دون إجابة هو كيف يمكن التخلص من التصورات المسبقة
2
اإليديولوجية بواسطة فعل إرادي ما دامت هذه خارجية ،إلزامية وتفرض نفسها على الباحث.
إن من يتمعن في دراسة نظرية" دوركايم "االجتماعية والتربوية يدرك بكل وضوح" ،
أنه كان أول من خان مبادئه التي روج لها ،فنظريته كلها تنتمي إلى النظريات التي تنادي
بأن المجتمع اإلنساني يقوم على التوازن ،وليس على الصراع ،ووفقا لهذه النظرية فاألصل
أن يكون المجتمع متوازنا ،تقوم مؤسساته بوظائفها بغير خلل ،فإذا ظهر الصراع واحتدم
فذلك يعد استثناء على القاعدة ،يعود بعدها النظام مرة أخرى إلى المجتمع ،وهذا ما يفسر
-المبالغة في محاكاة العلوم الطبيعية :لقد أدى تفوق العلوم الطبيعية إبان نشأة النظرية
إلى تأثر الوظيفية ولها ،إال أن المبالغة في التقليد يؤدي إلى عدم إدراك الفروق الجوهرية بين
الواقع االجتماعي و ظواهره الطبيعة و ظواهرها - .النقد المتعلق بالفلسفة الفكرية للنظرية
التي استندت عليها :توصف النظرية البنائية الوظيفية على أنها جامعة راديكالية محافظة
غير قابلة للتغيير والتحيز كما وصفها" الفن جولدنر" ،فهي ال تعطي تفسيرات لجوانب
التغيير االجتماعي.2
-1برهان شاوي:مدخل الى اإلتصال الجماهري ونظرياته ،دار الكندي ،األردن،4112 ،ص.94
-2حسن عماد مكاوي :نظريات االتصال المعاصرة،مرجع سابق،ص.94
و رغم هذه االنتقادات التي وجهت لنظرية البنائية الوظيفية إال أنها تظل تشكل أرضية صلبة
في عملية التنظير لعلم االجتماع بصفة عامة ،وعلم اجتماع التربية بصفة خاصة.
لقد دافع" فيبر "بحماس عن ضرورة التمييز بين األحكام المتعلقة بما هو موجود وتلك
المتعلقة بما يجب أن يكون ،بين أحكام الواقع وأحكام القيمة .والسؤال الذي يطرح نفسه هو :
ما هو الدور التي تلعبه القيم في مشروع" فيبر "للمعرفة العلمية القائمة على التفسير السببي
من أجل بلوغ الفهم الذي يمثل هدفه النهائي؟ إنها تلعب حسب رأيه دو ار هاما ،حيث تساعدنا
في اختيار موضوع المعرفة أو الدراسة .وهذا ما يطلق عليه"فيبر "الدور الموجه للقيم .على
اعتبار أن الواقع االجتماعي ال نهائي ،مجهول ،وتستحيل معرفته في كليته .وحل هذه
المشكلة يتمثل في انتقاء أجزاء من الواقع تناسبب اهتماماتنا التي تتحدد استنادا إلى القيم
التي نحملها .وهذا هو الدور الوحيد الذي يمكن أن تقوم به القيم ،فبانتهاء هذه الخطوة يجب
علينا أن نضعها جانبا مع استثناء وحيد هو التزامنا بقيمة علمية هي البحث عن الحقيقة.
ليس هذا فقط بل إن النتيجة النهائية يجب أن تكون متعلقة بأحكام الوقائع بينما يتم كبت
األحكام القيمية.
لقثد ركثز" فيبـر "تركيث از واضثحا علثى إبثراز أثثر التوجيثه القيمثي للمثذهب البروتسثتنتي
على ظهور وصياغة الثروح ال أرسثمالية داخثل المجتمعثات األوروبيثة .ويؤكثد أن أهثم مثا يميثز
المجتمع الحديث والحضارة األوروبية المعاصرة لثيس هثو السثعي نحثو تحقيثق األربثاح ،وانمثا
هثو سثيادة األسثلوب الرشثيد فثي اإلنتثاج ونمثو النمثوذج البيروق ارطثي داخثل التنظيمثات
االجتماعية واالنتخابية .ويشير" جولدنر " "إلى أن تركيز" فيبر "على العوامل الدينية والقيمية
كمنطلق لفهم بناء المجتمع ونظمه وعالقاته وتغيره ،كان يسثتهدف فثي المجثال األول دحثض
الفرض الماركسي الثذي يحثاول إرجثاع حركثة المحتجثين أو المثذهب البروتسثتنتي إلثى طبيعثة
1
التغيرات االقتصادية داخل المجتمع األوروبي.
لقد أعلى" فيبر "من قيمة النظام الديني وما يتمخض عنه من توجيهات قيمية كعامل
فعال في تحديد طبيعة النظام االقتصادي داخل المجتمع ،على العكس تماما من النظرية
الماركسية التي ترى أن الدين والقيم واألفكار والفلسفات واإليديولوجيات ،ليست سوى عناصر
البناء العلوي للمجتمع ،ذلك الذي يتم تشكيله من خالل البناء األساسي للمجتمع أو عالقات
اإلنتاج وقوى اإلنتاج داخل المجتمع.
ويذهب" بارسونز "الذي تأثر تأث ار واضحا بآراء" فيبر "إلى أن هدف ذلك المفكر لم
يكن سوى التخفيف من حدة الحتمية االقتصادية عند أنصار االتجاه الماركسي ،ولكن
"جولدنر "يعترض على هذا التفسير البارسونزي لهدف النظرية السوسيولوجية عند" فيبر" "ألن
ذلك الهدف كان محاولة تقديم نموذج تفسيري يناقض ذلك النموذج الماركسي كلية فهو على
الرغم من إق ارره بأن العامل االقتصادي ليس سوى أحد العوامل المتعددة التي يمكن من
خاللها تفسير بناء المجتمع وتغيره ،إال أن ذلك يعني أنه أسقط كلية التركيز الماركسي على
2
العامل االقتصادي ،وبالتالي أسقط النموذج التفسيري الماركسي كلية".
وربما يكون من المناسب في النهاية التساؤل عن القيم الشخصية عند" فيبر" ،فمن الواضح
من كتاباته أن التحيز القومي كان أحد أبرز هذه القيم عنده ،فقد كان يؤمن بالقومية
األلمانية ،وكان يؤمن بضرورة تقوية الدولة األلمانية .في هذا السياق وعندما يشير" جولدنر "
إلى الظروف المحيطة بدعوة" فيبر "إلى علم االجتماع المتحرر من القيم ،فإنه ال يبرز
حرص هذا األخير على استقاللية الجامعة والعلم من األهواء فحسب ،بل إنه يؤكد على
سبب هام آخر يتمثل في الدفاع عن الدولة ومؤازرتها من خالل منع العلماء من التدخل في
لم تنجح هذه المقاربة في تطوير مفاهيم خاصة بها ،بل نجدها تستخدم مفاهيم
االتجاهين :الماركسي التقليدي ،والبنائي الوظيفي ،وسوف نوضح ذلك من خالل عرض
موجز ألعمال أبرز ممثلي هذا االتجاه تأثر" لويس كوزر" "بجورج سيمل "في اهتمامه
بوظائف الصراع ،وتمييزه بين الوظائف االيجابية والسلبية ،وفي اعتباره الصراع عملية من
عمليات التفاعل االجتماعي .لقد اعتبره كفاحا ونضاال حول القيم والمكانات ومصادر القوة
رابطا إياه بفكرة التكامل والتوازن" .فالصراع مهما تعددت أنماطه وقنواته يسهم في النهاية في
تحقيق الوحدة واالتساق بين أفراد المجتمع .إنه خادم أمين للبناء االجتماعي ،حيث يؤدي
باستمرار إلى إعادة تكييف المعايير وبناء القوة داخل الجماعات".2
مثلث إسهامات بياربورديو وكلود باسرون خاصة في كتابه (إعادة اإلنتاج) ،حصيلة
نظرية لبحوث ميدانية ابتدأت منذ كتاب (الورثة) بهدف بناء نظرية عامة ألفعال العنف
الرمزي وللشروط االجتماعية لتورية هذا العنف ،وحسبه فإن المدرسة تنتج أوهاما ذات أثر
مهم كوهم "الالتبعية والحياد" المدرسيين الذي يلعب دو ار هاما ونوعيا في عملية إعادة إنتاج
النظام ا لقائم .وبه نكشف القوانين التي تعيد المدرسة على أساسها إنتاج بنية توزيع رأس
المال الثقافي البد من توفير وسائل لفهم التناقضات التي تمس اليوم أنساق التقليد فهما
كامال ،ثم المساهمة في بناء نظرية للممارسة والتي بتشكيلها لألعوان " وليس الفاعلين"
2
باعتبارهم نتاجا للبنى يعيدون إنتاج تلك البنى االجتماعية.
وكانت ألعماله في علم اجتماع التربية تأثيرات على أسلوب اشتغال المنظومة
التربوية .يعتبر الكشف عن عدم المساواة في الفرص المدرسية لمختلف الفئات االجتماعية
مكسبا غير قابل للنقاش وال جدال فيه في علم االجتماع.كما أن أعماله األصيلة في علم
يعتبر (اعادة اإلنتاج) عنوانا فكريا ومنهجيا لنظرية بورديو وباسرون في مجال الفكر
االجتماعي عموما .وتبعا لهذا المفهوم فالمدرسة تعمل على إنتاج واعادة إنتاج المجتمع على
صورة التباين الطبقي الكامنة فيه ،كما أن المدرسة تعمل وفق آليات ذكية وخفية رمزية على
توليد التقسيم الطبقي والتفاوت االجتماعية سواء عبر الممارسات التربوية في المدرسة أو
عبر إسقاطاتها في المجتمع .ويشكل هذا المفهوم البوتقة الفكرية لمختلف أعمال الكاتب
السوسيولوجية ألنه نقطة تقاطع باقي المفاهيم "كالهابيتوس" ورأس المال الثقافي والعنف
الرمزي واإلقصاء االجتماعي وسلطة اللغة" .وبناء عليه فالمدرسة بكل تجلياتها نتاج للتقسيم
الطبقي في المجتمع ،وهي في نفس الوقت أداة المجتمع نفسه في إعادة إنتاجه لذاته على
2
نحو طبقي.
إن تصور بيار بورديو متهم بعدم إعطاء تحليل مناسب للتغير االجتماعي وعلى أنه
مركز جدا على تحليل آليات واستراتيجيات إعادة اإلنتاج ،وأن األطروحات المتعلقة
بث"المدرسة التي تعيد اإلنتاج "تم نقدها نظ ار لطابعها الجامد والالتاريخي .تركزت االنتقادات
تعد النظرية النقدية من أهم النظريات التي انتعشت في فترة ( مابعد الحداثة) في
ألمانيا ،وان كانت هذه النظرية قد تبلورت في فترة مبكرة ،في ثالثينيات القرن العشرين ،في
مدرسة فرانكفورت ،وتجسدت في عدة ميادين ومجاالت معرفية ،كالفلسفة ،وعلم االجتماع
والسياسة ،والتربية ،والنقد األدبي .بيد أن هذه المدرسة قد أخذت طابعا فكريا مغاي ار منذ
السبعينيات من القرن العشرين ،وانضم إليها مثقفون آخرون سعوا إلى إغنائها نظريا
وتطبيقيا.
ومن ثم ،فقد تحولت النظرية عند مارتن جاي (")M.Jayمن (نادي ماركس) قبل
هجرتها من فرانكفورت ،إلى (نادي ماكس) بعد عودتها ،وحيث هناك في المهجر ،فقد
الحرف( )Rالذي تبدأ به كلمة الثورة ( .")Revolutionويعني هذا انتقال مدرسة فرانكفورت
من أفكار ثورية ماركسية إلى أفكار متطورة في عهد ماكس هوركايمر ،حيث تم التركيز على
الفلسفة أكثر م ن التركيز على التاريخ واالقتصاد كما كان في السابق .ومن ثم ،فقد استهدفت
النظرية النقدية تقويض الثقافة البورجوازية الرأسمالية االستهالكية .وعليه ،فهدف النظرية
النقدية هي تغيير المجتمع على جميع المستويات واألصعدة ،وتحقيق التحرر البشري
والمؤالفة بين النظرية والممارسة ،والجمع بين المعرفة والغاية ،والتوفيق بين العقل النظري
والعقل العملي ،والمزاوجة بين الحقيقة والقيمة .عالوة على ذلك ،فقد كانت النظرية النقدية
1
بمثابة تجديد نقدي للنظريات الماركسية والراديكالية.
يقصد بالنظرية النقدية تلك النظرية التي كان ينطلق منها رواد مدرسة فرانكفورت في
انتقادهم للواقعية الساذجة المباشرة ،فالنظرية النقدية تهتم بنقد النظام الهيجلي ،ونقد االقتصاد
السياسي ،والنقد الجدلي .وتهدف هذه النظرية إلى إقامة نظرية اجتماعية متعددة المصادر
والمنطلقات ،كاالستعانة بالماركسية ،والتحليل النفسي ،واالعتماد على البحوث التجريبية.
- 1توم بوتومور :مرجع سابق،ص412
وبتعبير آخر ،فالنظرية النقدية هي تجاوز للنظرية الكانطية ،والمثالية الهيجيلية ،والجدلية
الماركسية ،فهي نقض للواقع ،ونقد للمجتمع بطريقة سلبية إيجابية .ويعني هذا ،بشكل آخر
أن نقد متناقضات المجتمع ،ليس فعال سلبيا ،بل هو فعل إيجابي في منظور مدرسة
فرانكفورت .ويرتبط مفهوم(النظرية النقدية) بعنوان كتاب هوركايمر( النظرية التقليدية
والنظرية النقدية) ( ،)3110وقد جمع فيه صاحبه مجمل التصورات التي عرف بها أصحاب
مدرسة فرانكفورت ،سواء النظرية منها أم التطبيقية ،كما ضمنه مجمل المقترحات التي كانوا
يؤمنون بها إلنقاذ المجتمع وتصحيحه .ومن ثم ،فالنظرية النقدية هي تجاوز للنظريات
الوضعية التي كانت ترفض التأملية االنعكاسية منهجا في التعامل مع الموضوع المرصود.
ومن جهة أخرى ،فقد استهدفت النظرية النقدية تنوير اإلنسان الملتزم تنوي ار ذهنيا وفكريا
وتغييره تغيي ار إيجابيا ،بعد أن حررته من ضغوطه الذاتية ،عن طريق نقد المجتمع بتعريته
إيديولوجيا.1
وقد وجه هابرماس انتقادات صارمة للماركسية ،فأعاد بناءها على أسس جديدة
وتسمى هذه المرحلة من مراحل مدرسة فرانكفورت بمرحلة مابعد الماركسية .وقد بدأ مقاالته
التي كتبها في الستينيات بتقويم الوضعية العلمية والمنطقية على غرار أسالفه من مفكري
معهد فرانكفورت .وقد ميز بين ثالثة أنواع من المعرفة انطالقا من منظور المصلحة التي
تحققها للجنس البشري ،في كتابه (المعرفة والمصالح البشرية) ( ،)3104وقد حصرها في
2
مصلحة تقنية ،ومصلحة عملية ،ومصلحة تحررية.
وفي هذا النطاق ،يقول توم بوتومور ،في كتابه (مدرسة فرانكفورت)":وقد أخفقت
مدرسة فرانكفورت في االلتزام بالطريقة القاطعة التي اقترحها هوركايمر للنظرية النقدية ،حين
ذكر أنها ال تمتلك المفاهيم واألدوات التصورية القادرة على سد الفجوة بين الحاضر
2
والمستقبل".
-المصلحة المعرفية :وما يعنيه المجتمع هو أننا نطور المعرفة لغرض معين وتحقيق ذلك
الغرض هو اساس مصلحتنا في تلك المعرفة .وهابرماس ال يعني المصالح الذاتية بقدر ما
يتناول بالنقاش المصالح المشتركة بين الناس في المجتمع .وقد استمد دعواه هاته من اعمال
ماركس االولى ،ولكنه في ذات الوقت ينتقده .اذ يذهب الى ان العمل ليس هو وحده ما يميز
وفي األخير ،يمكن القول :إن النظرية النقدية في عمومها قد ابتعدت في مراحلها
األخيرة عن الماركسية التي انطلقت منها في بداياتها ،بل أعلنت هذه النظرية فشلها ،حينما
اعتبر هابرماس أن نظرية (مابعد الحداثة) حالة مرضية؛ بسبب اختالل التوازن بين ماهو
معنوي وما هو مادي.
وهكذا ،نصل إلى أن النظرية النقدية هي قراءة ماركسية للمجتمع ،ونقد للنظرية
العلمية والوضعية التي أهملت اإلنسان والذات والتاريخ والمجتمع واألخالق .ومن ثم ،تعمل
النظرية النقدية على تنوير المرء الملتزم ،وتنويره عقالنيا وذهنيا ،وانتقاد االغتراب في
المجتمع الرأسمالي ،وادانة فكرة التشييء واالستالب والقمع اآللي .ومن ثم ،تستند النظرية
النقدية ،في قراءتها للتربية والمجتمع ،إلى مفاهيم النقد الماركسي الكالسيكي أو الماركسية
ومن هنا ،فقد ارتبطت نظرية التفاعل الرمزي بجورج هربرت ميثد ،كمثا يبثدو ذلثك جليثا
فثثي كتابثثه( الفكــر والــذات والمجتمــع مــن وجهــة نظــر الســلو االجتمــاعي) الثثذي نش ثره سثثنة
3114م ضث ثثمن منشث ثثورات جامعث ثثة شث ثثيكاغو ،ولث ثثم يتث ثثرجم إلث ثثى اللغث ثثة الفرنسث ثثية إال فث ثثي سث ثثنة
1
3191م.
لكن هذا المفهوم قد وظفه بلومر ألول مرة سنة 3110م " .لقد فكر بلومر في سعيه
للجمع بين المقاربة الفردية والمقاربة السوسيولوجية المجتمعية أن مفهوم الذات يمكن أن
يؤدي هذا الدور ،شريطة أن نعتبر الذات استبطانا للسيرورة االجتماعية التي تتفاعل
بواسطتها مجموعات من األفراد مع بعضها بعضا .فيتعلم الفاعل كيفية تكوين ذاته وذوات
اآلخرين بفضل تفاعله مع اآلخرين .ويمكن عندئذ اعتبار الفعل الفردي خلقا متبادال لعدة
ذوات تتفاعل فيما بينها .وهكذا ،تكتسب الذوات معنى اجتماعيا ،وتضحى ظواهر
سوسيولوجية تشكل الحياة االجتماعية .وسيتوجب على الدراسة السوسيولوجية -إذًا -تحليل
2
السيرورات التي يوفق بها الفاعلون سلوكياتهم على أساس تفسيراتهم للعالم الذي يحيط بهم".
-1االن كولون :مدرسة شيكاغو ،ترجمة :مروان بطش ،للدراسات والنشر والتوزيع ،لبنان ،6196 ،ص .69
-2الن كولون :المرجع السابق،ص.66
فأصحاب المقاربة
ُ تقدم مفهوماً شامالً للشخصية،
إن المقاربة التفاعليةَ الرمزيةَ ،ال ّ
نفسها بموضوع الشخصية كما ِ ِ
يقرون بأن هذه النظرية يجب أال تُشغل َ وعلى رأسهم بلومر ّ
ومبرر جوهري على ِقلة االستفادة من هذه النظرية
ٌ اضح،
ينشغل بها علم النفس .وهذا سبب و ٌ
في الميدان التربوي ،على الرغم من وجود بعض األبحاث القليلة المنشورة هنا وهناك .كما أن
قول أي
للبنية االجتماعية؛ لذلك نجدها ال تستطيع َ ِ
انب الواسعة ُ
التفاعلي َة الرمزية أغفلت الجو َ
التغير ،وأن صياغتَها النظرية ُمغرقةٌ في
كالقوة والصراع و ّ
ّ اهر اجتماعية
شيء عن ظو َ
الغموض ،وأنها تقدم صورة ناقصة عن الفرد.
من الجوانب األخرى التي لم ينتبه اليها التفاعليون الرمزيون ،باستثناء بعضهم هي
مكانة الفرد االجتماعية وأدواره المترتبة على تلك المكانة وأثرها في تشكيل ذاته فاإلنسان
يتأثر إلى حد كبير بطبيعة الدور الذي يؤديه ،وعندما ينتقل الفرد من مكانة إلى أخرى جديدة
فان ذاته أيضا تتعرض إلى التغير النسبي باختالف األشخاص والمكانات كما تدخل
اعتبارات جديدة في السلوك تجاه اآلخر ومدى االهتمام بتقييمه لسلوكنا ،هل هو اقل منا
مكانة أم أعلى؟ هل يوجد تشابه في األدوار أم ال؟ إن المكانات واألدوار تؤثران في أولويات
الفرد ومقدماته النفعية والعقالنية مما يسمحان بإعادة تقويم اآلخر واعطاء تقييم جديد له
1
يختلف عن التقييمات السابقة.
العامل اآلخر الذي ركز عليه علماء التفاعلية الرمزية هو تصورات اآلخرين عن
ذواتنا ودورها في تشكيل وعينا بذاتنا وفهمنا الموضوعي لشخصيتنا وهذا أمر أوقع القارئ
للتفاعلية الرمزية في إرباك الفهم النفسي االجتماعي لما بعد تصورنا عن تصورات اآلخرين
حول ذواتنا ،أي ما يتبع تقييم الذات من قبل اآلخرين ،بمعنى آخر إن التفاعليين الرمزيين
لم يوضحوا األثر النفسي الذي تتركه تقييمات اآلخرين حول ذواتنا بل وحتى األثر
االجتماعي للتصور االجتماعي حول الذات( وهذا ما من شأنه ان يأثر على العالقات
وفي مجال سوسيولوجيا التربية " ،تقتصر على دراسة تفاعالت الفاعلين ،معتمدة فقط
على التحليل المصغر مما يجعلها علم اجتماع بدون مجتمع .والواقع -كما يقول كولون
( ،)Coulonإن اإلثنومنهجية ال تنفي وجود البنية االجتماعية ،وال تحصر دراستها في
مستوى تفاعالت الفاعلين المدرسيين ،وانما تركز على عدم دراسة البنية معزولة عن
األنشطة التي تساهم في بناء البنية .إنها تبين كيف أن الوقائع التربوية الموضوعية تنبثق
عن األنشطة .إنها تكشف وتعري اإلجراءات التي بواسطتها يخفي المجتمع عن أفراده أنشطة
-نقد مفهوم الالمساوة لريمون بودون :مفهوم الالمساوة الذي يطرحه بودون ليس
جديد وانما تعاقبت المدارس والمقاربات الفلسفية في تناوله مند امد بعيد ،من خالل
إسهامات الفالسفة اليونان مثل ارسطو وغيره ،لهذا فهو يعيد بعث هذا المفهوم المستهلك،
كما أن المجتمع الحديثة اصبح وفي ظل دمقرطة التعليم ،يتجه نحو المساواة في توفير
-1وسيلة خزار:مرجع سابق،ص.421
الفرص التعليمية ،كما اصبح للمتمدرس الحق في الدفاع عن حقه في التربية والتعليم،
وهذا ما ترجمته المواثيق والمناشير الدولية.
-نقد مفهوم األصول العائلية للمتمدرس :أن إسهامات بودون حاولت ان تأسس الى
مقاربة تؤكد ،على أن كلما كانت األصول العائلية للمتمدرس ترتبط بعائلة وضعها
االقتصادي سيئ ،كلما ادى ذلك الى ضعف التحصيل لذى التلميذ .إن هذا الطرح قد ال
يصمد أمام النتائج التي يحققها بعض أبناء العائالت الفقيرة ،الن الوضع االقتصادي
السيئ قد يكون حافز ألبناء الطبقات الفيرة لفرض انفسهم ،على اعتبار ان أكبر العلماء
والفالسفة والمفكرين والمبدعين انحدروا من عائالت فقيرة ،كما ان أبناء العائالت
الميسورة قد يخفقون في مسارهم الدراسي ،وهذا ما يؤكد التناول االعرج لمقاربة بودون،
الن الفشل المدرسي هو نتاج تفاعل مجموعة من العوامل .وال يمكن ربطها بالعامل
االقتصادي فقط.
سابعا:تعقيب
إن علم اجتماع الغربي لم ينشأ من العدم ،كتخصص أكاديمي خاص ،بل ظهر كحركة
عامة في الفكر الفلسفي الغربي للقرن التاسع عشر ،لقد عبر فيلسوف النهضة ” سان
سيمون“ بشكل واضح عن طموحه في تأسيس علم اجتماع يفهم ويراقب التحوالت البنيوية
العميقة للمجتمع األوربي المتشكل حديثاُ ،حيث يستمد منهجيه عمله من العلوم الطبيعية
بهدف الوصول إلى قوانين ونظريات تعمل على إعادة تنظيم المجتمعات األوروبية واعطائها
منظومة تعتمد العلم والتصنيع.
"فكونت "نظر الى التربية على انها ألية مهمة يحافظ من خاللها المجتمع على كيانه
وديمومة ،على اعتبار أن التربية الوضعية تقوم أساسا على الواجبات في مظهرها
االجتماعي ،لذلك اعتبر "كونت "أنه في مجتمع متعدد الوظائف ،نجد أن التمييز بين
الوظائف العامة والخاصة مآلها الزوال إذ يشبه العالقة بين هذه الوظائف ،فيقول :فكما أن
أقل جندي رتبة في الجيش له كرامته التي تنبعث من التضامن بين أعضاء الوحدة العسكرية
ومن اشتراك الجميع في إعالء شرف واحد ،كذلك سينظر الناس إلى أحقر الحرف في الوقت
الحالي على أنها حرف نبيلة ،وهذا عندما تكون التربية العامة الشعور بأن كل واحد يساهم
1
في بناء الحياة االجتماعية.
إال أن هثثذا السثثعي لثثم يخلثثو مثثن التثثأثرات التثثي خلفتهثثا األطثثر السياسثثية واالقتصثثادية
والتربويثثة ،والتثثي بثثدأت تظهثثر نتائجهثثا السثثلبية علثثى الثثذات المفك ثرة السوسثثيولوجية فثثي لحظثثة
إنتاجها للنظرية ،حيث يقثول دركايم :ال بد من القول إن األسباب العميقة التي ساهمت في
نشأت السوسيولوجيا ،والتي كانت وحدها القادرة عل استمرارها ،ستفقد طاقتها المحفزة.
ان هذا االعتراف الذي يأتي من احد أعمدة السوسيولوجية الغربية ،يجعلنا نعيد التفكير في
مضامين ونتاجات الحركة السوسوتربوية الغربية ،على اعتبار ان المقاربات الغربية في مجال
علم اجتماع التربية هي محل نقد حتى من طرف من ساهموا في انتاجها ،وهذا مثا يشثرع الثى
نقدها والوقوف على مواطن الخلل فيها ،ألن محثاول اسثتراد األدوات المعرفيثة والمنهجيثة التثي
وفرها هذا الحقل لتطبيقها علثى الظثواهر التربويثة فثي مجتمعاتنثا يعتبثر ،إعثادة تكثريس لألزمثة
التثثي يعيشثثها علثثم اجتمثثاع التربيثثة الغربثثي مثثن جهثثة ،كمثثا أن االسثثتخدام الغيثثر واعثثي للمفثثاهيم
والمقوالت الخاصة بعلم اجتماع التربية الغربي ،يزيد في خلثق حالثة مثن االغتثراب بثين طبيعثة
الظواهر ومضامين هذه المقوالت والمفاهيم من جهة اخرى.
كم أن اقطثاب هثذا الحقثل فثي الغثرب لثم يصثرحون بثأن علثم اجتمثاع التربيثة الغربثي هثو
عبثثارة عثثن ت ثراكم معرفثثي ،سثثاهمت فيثثه المعرفثثة التثثي انتجتهثثا مختلثثف المجتمعثثات ،وال يمكثثن
اعتباره اسهام العقل الغربي لوحده ،وهثذا مثا يضثفي عليثه طثابع المركزيثة الغيثر محايثدة وغيثر
مبررة.
-0خصائص المربي
-0خصاص المتعلم
تمهيد :سنتعرض في هذا الفصل الى مضامين المقاربة اإلسالمية للتربية ،على اعتبارها
األقرب الى طبيعة المجتمع الذي نعيش فيه من جهة ،وعلى اعتبار أنها تمثل البديل
النظري ،الذي يغنينا عن االشتغال المستمر بمضامين المقاربات الغربية.
أوال :واقع المقاربة اإلسالمية للتربية
لم يتم االتفاق من قبل المتخصصين حول القبول ببناء نظرية إسالمية من عدمه بناء
على اتجاهات مختلة في تناول النظرية اإلسالمية وعالقتها بثوابت الدين ومبادئه ،خوفا من
الوقوع فيما وقعت فيه النظريات الغربية من األخطاء والقصور والنقص؛ ومن ثم يتهم
اإلسالم بذلك .ومن هنا تعددت أراء التربويين والمتخصصين اإلسالميين حول قبول مصطلح
رد ِه .فيرى الفريق األول :أنه ليس من الضروري أن نواجه
النظرية التربوية اإلسالمية أو ّ
الفلسفات الغربية المختلقة والمتناقضة ب" فلسفة إسالمية" ،وليس من الضروري أن نواجه
نظرياتهم التي ال يجمع شتاتها جامع "،بنظريات إسالمية" ،ذلك ألن لنا شريعة ربانية كاملة
شاملة تتمثل في كتاب اهلل وسنة رسوله.
أما الغرب فقد قطعوا كل صالتهم بالدين ،فلم يبقى لهم غير" الفلسفة "و" النظرية "فما
يجوز عليهم ال يجوز علينا ،ومن الخطأ أن نرى البعض ،يصر على أن تكون لنا" فلسفة "
مثلما لهم" فلسفة "وأن تكون لنا" نظرية "مثلما لهم" نظرية".1
ويعتقد أصحا هذا الرأي أن الدعوة إلى النظرية التربوية يعتبر دعوة إلى األخذ الكامل
لما تعلموه في بيئات مختلقة ثقافيا وعلميا ،دون التبصر بالفوارق الثقافية والفجوات الشاسعة
بين المجتمع اإلسالمي وغيره .ومن حججهم كذلك قول بعض الباحثين عند مقارنة العامل
الديني وما يوازيه من فلسفات تربوية ،بأن فلسفة الفكر المثالي من أقرب الفلسفات التربوية
التي يمكن مقارنة بعض أهدافها بأهداف الدين اإلسالمي ،ومن المبررات التي أوردها
2
المعترضون على وجود نظرية تربوية إسالمية:
-1ماجد بن سالم الغامدي :قراءة لنظرية المنهج التربوي في النظرية اإلسالمية،شبكة األولكة،4102،ص.42
-2عبد العال حسن ابراهيم:الطبيعة اإلنسانية في فكر اإلمام الجوزي،المؤتمر العالمي الخامس للتربية اإلسالمية،ج،2مصر،ص.21
-1أن كلمة) نظرية (استخدمت في العلوم الحديثة ،وهي مرتبطة بالفلسفات الوضعية ،مثل
الماركسية والرأسمالية والشيوعية ،وذي قابلة للتغيير والتعديل من حين آلخر ،على خالف
اإلسالم دين الحق القائم على ثوابت راسخة ذات منهج رباني ،وهو باق إلى أن يرث اهلل
األرض ومن عليها ،ال تتغير أصوله وأحكامه.
-6أن لكل علم نظرياته ،لكن مصطلح "نظرية "دائما ما يحتمل الصواب والخطأ ،فحينما
تعجز النظرية العلمية عن تفسير ظاهره معينة؛ استدعى ذلك تعديلها وهذا ما يجب عدم
قبوله في النظرية اإلسالمية لو فرض وجودها.
-1لو حبذنا وجود" نظرية إسالمية "فال بد أن تعتمد هذه النظرية على مبادئ وموجهات من
القرآن والسنة ،وهذه أمور ثابتة ،وملزمة لنا إلزاما مطلقا ،وليست مجرد فرضيات.
أما الفريق اآلخر :فيرى أهمية بناء نظرية إسالمية للتربية ،وأن مفهوم )نظرية( يدل
على استخالص مفاهيم وتصورات وقيم عامة تتوافق مع الثوابت ،وعليه يمكن توجيه الدراسة
وتطوير ذا ،ووضعها في إطار فكري يفسر مجموعة من المبادئ والتصورات والقيم ويضعها
في نسق علمي مترابط ،تساير النظريات األخرى ،وتتميز عنها بمنهجها الرباني ،فالنظرية
تقوم بتحديد وتصنيف الثوابت وتجميعها وربط بعضها ببعض ،تحت عنوان واحد حسب
موضوعه ،وتحت مسمى نظرية.1
وقد بدأت محاوالت بناء نظرية إسالمية ،وان كان البعض يرى أنها انطلقت من زمن
قديم؛ فهناك علماء أجالء على مر العصور تمثلوا المبادئ اإلسالمية ونظروا لها وعملوا
على نشرها ،منهم ابن خلدون وابن تيمية وابن قيم الجوزية ...وحين بدأ العالمة أبو الحسن
العامري -من علماء القرن الرابع الهجري -في تصنيف العلوم إلى صنفين :علوم للدنيا
وعلوم لآلخرة ،ودافع عن االهتمام بعلوم الدنيا ألنها موصلة إلى اإليمان باهلل ،حيث تؤدي
وتظهر معالم النظرية الخلقية عند ابن تيمية ،حيث تتناول النظرية بإيجاز :نشأة
الفكرة الخلقية في الفكر اإلنساني ،والتي نشأت مع أول إنسان ظهر في األرض ،آدم ومعه
زوجه ،وتتابعت القضايا الخلقية وتراكمت وأخبر عنها القرآن الكريم والسنة ،كما تتناول
معالجة ابن تيمية لألخالق ونظرته إلى فطرية األخالق وكسبيتها ،فهو يرى :أن األخالق
منها جانب فطري ،وجانب مكتسب ،وبذلك يخالف الفالسفة الذين يرون أن األخالق كلها
مكتسبة.
كما خط محمد قطب منهجا تربويا قرآنيا عرف في أوله بأهمية التنظير في هذا
العصر ،وقد انعكست هذه األفكار والتصورات التربوية على التربية اإلسالمية من األزمان
األولى وتأثر بها التعليم والتعلم من وقت المساجد والكتاتيب.2
صحيح أن هذه األبحاث واآلراء عند التربويين المسلمين المتقدمين لم تناقش معنى
النظرية وال طبيعتها ،ولكنها تدل داللة واضحة على أن المبادئ التي جاء بها اإلسالم
لتوجيه التربية قُصد بها النظرية التربوية وبالنظر في الفكر التربوي عند علماء المسلمين
نستطيع الميل إلى القول بالحاجة إلى النظرية التربوية اإلسالمية ،التي توجه وتضبط
الممارسات التربوية المختلقة وعناصرها المتعددة ،ومن أهمها "المنهج "كميدان للممارسات
التربوية ،متميزة عن غيرها من النظريات؛ كونها مستمدة من المصادر اإلسالمية الثابتة،
فهي ليست مجموعة من الفرضيات الثابتة بالتجريب والتي تقبل الرفض ،كما أنها ليست
مبادئ من وضع البشر.
ال سيما مع تيقن المختصين بالنقص والقصور المالزم للنظريات التربوية الغربية على
تعددها وتباينها في بعض الخصائص والصفات ،والتي يكاد يجمعها قاسم مشترك ذو :كونها
صادرة عن مصدر وحيد في المعرفة المتمثلة في العقل البشري في حركته ومعاناته وقلقه
المأساوي في البحث عن الحقيقة ،وكونها صادرة عن تصور واحد للكون واإلنسان والحياة،
والجدير بالقول أنه ما من نظرية في التربية إال وذي انعكاس لمذهب فلسفي ما ،وهذه قاعدة
عامة ال يمكن أن تستثنى عنها أي مقاربة تربوية.
كما ال تعدو االختالفات التي تظهر بين نظرية وأخرى أن تكون تعبي ار عن االختالف
والتنوع في المالبسات والتطورات التاريخية التي مرت بها المجتمعات الغربية ،بكل ما تحمله
تلك التطورات من أبعاد سياسية واجتماعية واقتصادية وعلمية وغيرها ،باإلضافة إلى أن
النظريات التربوية الغربية ضيقة األفق ،أحادية النظرة ،فواحدة تركز على العقل كالمثالية،
والثانية تحصر العلم في الماديات كالواقعية ،وثالثة تتبنى النفعية البرجماتية أساس للحكم
1
على القيم التربوية.
فالحاجة إلى النظرية التربوية اإلسالمية تعد من الحاجات الملحة لتوحيد األطر
المرجعية وتأكيد المضمون اإلسالمي للتربية ومع انعدام النظرية اإلسالمية لن تتمكن التربية
من تحقيق أهدافها في تربية النشء تربية إسالمية ،كما لن تستطع تكوين المجتمع المعلم
المتعلم الذي يتخذ العلم أسلوبا لحياته ،ولن تتمكن من دمج التربية اإلسالمية في الحياة
المعاصرة ،وستعمل مجانبة للثقافة اإلسالمية؛ مما أوجد هوة ثقافية في المجتمع وكانت آثاره
-1عبد هللا عبد الرحمن صالح :النظرية العام للتربية –رؤية اسالمية-ج،2المؤتمر التربوي ،األردن،4100،ص.11
سلبية على النشء؛ إذ يمارسون تربية وثقافة لنظريات تفسر وقائع وتقدم حلوال لنظريات
وضعت لواقع تربوي آخر" ففي واقعنا الذي نعيشه نجد النظريات التي تحكم الممارسات
التربوية 1 ،والتي يتم في ضوئها تفسير الظواهر التربوية هي في جملتها نظريات غربية
ير لواقع تربوي مختلف ،لذا لم يكن مقبوال أن نصوغ
صدرت عن فلسفات غربية ،وكانت تنظ ًا
في إطارها معطيات نظامنا التربوي ،وأن نخضع ممارساتنا التربوية ألطرها التصورية،
ومفاهيمها الوصفية"،ألن المصادر والمنابع لكل من التربية العربية اإلسالمية والتربية
الغربية ،تجعل من العسير صوغ نظام تربوي للتربية اإلسالمية ،يتبع النماذج التي تقدمها
النظريات الغربية ،فمن غير المعقول أن يتبع منهج الخالق منهج المخلوق.
ثانيا :مفهوم المقاربة اإلسالمية للتربية
في الحقيقة ليس هناك تعريف واحد يتفق حول المهتمون بالمقاربة اإلسالمية للتربة،
وانما هنالك تعاريف مختلف ،ولكن هناك نقاط تتكرر مع كل تعريف ،كما يمكن اإلشارة إلى
أن هنالك من استخدم مفهوم النظرية اإلسالمية للتربية وهناك من فضل استخدام التصور
اإلسالمي للتربية.
في المقاربة اإلسالمية للتربية ينبغي أن تكون المصادر ثابتة ،واألهداف أو المقاصد
والغايات ثابتة ،والشيء الوحيد المتحرك والمتغير فيها هو الطرائق والوسائل واألساليب التي
تتغير وتتطور كلما ترقى فهم اإلنسان لألصول ،وكلما اجتهد في الوصول إلى المقاصد
والغايات.
فالمصادر الثابتة :هي القرآن والسنة ،ومنهما يتم بناء النظرية التربوية ،وهذه ليست
فرضيات تثبت عن طريق التجربة ،وبالتالي فهي ليست قابلة للرفض أو التطوير .ويتم
التعامل معها من خالل االستنباط العلمي الذي يقضيه العلم بهما والعلم بالقواعد الشرعية
ومقاصد الشريعة والعلم باألدلة الشرعية التابعة لهما من اجتهاد واجماع وقياس وعرف
واستحسان ،كل ذلك يجمعه صحة الفهم والرسوخ في العلم .وهذا السبب الذي جعل البعض
2
يشترط التخصص التربوي والشرعي لبناء النظرية التربوية اإلسالمية وتحديد معالمها.
أما المصادر الثانوية فتتمثل في:
-دراسة الشخصيات اإلسالمية الالمعة في مجال التربية كابن خلدون ،والغزالي ،وابن
تيمية ،وابن القيم ،وابن جماعة وغيرهم.
-3حقيقة األلوهية.
-3حقيقة الكون.
-1حقيقة اإلنسان.
-4حقيقة الحياة.
-0حقيقة األلوهية :و تُعد هذه الحقيقة مصدر جميع صور وأشكال الوجود ،فكل شيء
صدر منها ويعود إليها ،وهي القوة الحقيقية الفاعلة األزلية الباقية على وجه الحقيقة .قال
يك لَه وبِذَلِ َ ِ ِ ن صالَتِي ونس ِكي ومحي اي ومماتِي لِ ِ ِ
ت َوأَنَا أَوَّلُ
ك أُم ْر ُ ين* الَ شَرِ َ ُ َ
ب ا ْل َعالَم َ
له َر ِّ ََ ْ َ َ َََ َُ ُ تعالى" :إ َّ َ
ين*".سورة األنعام األية .261-261 ِِ
ا ْل ُم ْسلم َ
-0حقيقة الكون .المنهج اإلسالمي يحذر من نظرة الملحدين للكون ،والتي تعتبره موجوداً
من باب المصادفة ،ويعتبر الكون معجزة خلقية أوجدها اهلل تعالى بإرادته ،وكل شيء في هذا
الكون يسير وفق تقدير ومشيئة وتدبير إلهي .وينقسم الكون إلى قسمين :عالم الشهادة ،وهو
ك ْم ال عالم)الحسِّيات(،وعالم الغيب ،وهو عالم) الغيبيات) .وفي هذا يقول تعالى "ذل ُ
ك ُم اللّهُ َربُّ ُ
كلِّ شيٍء و ِ
كيل*"سورة األنعام األية .251 يٍء فَ ْ إِلَهَ إِالَّ ُه َو خَالِ ُق ُ
دوهُ َو ُه َو عَلَى ُ َ ْ َ
اعبُ ُ كلِّ شَ ْ
2
-3حقيقة اإلنسان :دافع المنهج اإلسالمي عن حقيقة اإلنسان ،فر د مزاعم المالحدة التي
تقول بأن اإلنسان أصل حيواني متطور ونظر إليه بنظر القران والسنة ،فهو جزء من هذا
الكون مخلوق من ثنائية )روحية ومادية( في كيان كلي موحد ،وقد فضله اهلل تعالى وكرمه
اه ْم فِي ا ْلبَ ِّر ِ
على سائر المخلوقات بالعقل ،حيث قال تعالىَ ":ولَقَ ْد كَ َّرْمنَا بَني آَدَمَ َو َح َمْلنَ ُ
كثِيرٍ ِممَّ ْن خَلَقْنَا تَفْ ِض ًيال" سورة اإلسراء األية .07 ِ
ن الطَّيِّبَات َوفَضَّْلنَ ُ
اه ْم عَلَى َ وا ْلبحرِ ورزقْن ِ
اه ْم م َ
َ َ ْ َ ََ َ ُ
وبما أن التربية في األساس تستهدف بناء اإلنسان فقد أعطته النظرية اإلسالمية
الجزء األكبر من االهتمام فغاصت في فهم طبيعته للوصول إلى مفاتيح شخصياته المتعددة
وتقديم ما يناسبه ،ولذلك يتعامل المنهج اإلسالمي مع الطبيعة اإلنسانية من كل جوانبها.
ومن خالل تصور حقيقة اإلنسان وطبيعته وجب على المنهج أن ينظر إليه بظاهره
وباطنه كروح ومادة ،وبهذا يراعي ميوله وحاجاته واختالف قدراته ،كما أنه يسعى إلعداد
المستخلف النافع في األرض ،المعترف بالربوبية واأللوهية هلل ،الشاكر ألنعمه ،المستخدم
-4حقيقة الحياة :وهي حقيقة أنشأها اهلل تعالى لهدف وحكمة بالغة ،وتمضي وفق قد ر
وأسباب مقدرة سلفا بمشيئته تعالى ،وهي نوعان :حياة دنيا ،وهي دار التكليف واالبتالء
والعمل ،وحياة اآلخرة ،وهي دار القرار ،يكون فيها الثوا ب والعقاب قال تعالى "الَّ ِذي خَلَ َق
ور" سورة الملك األية.71 ن عَ َمًال َو ُه َو ا ْل َعزِ ُ
يز ا ْل َغفُ ُ أَح َس ُ
ك ْم ْ ت َوا ْل َحيَاةَ لِيَ ْب لُ َو ُ
ك ْم أَيُّ ُ ا ْل َم ْو َ
فهذه الحياة بمصائبها المؤلمة وقصرها وبالءها تحتاج من المنهج أن يربي األجيال
على العمل الصالح والتعامل مع شهواتها وملذتها وفق أوامر اهلل ،وأن يمارس الوسطية في
التعامل معها ،فال إسراف وال تقتير ،وال ركون إليها ،وال اغترار بها ،وأن يصبر على
مصائبها.
فهذه األسس األربعة تمثل التصور المعرفي والتصور االعتقادي -الذي يعبر عنه
بالفلسفي -لانسان والمجتمع والحياة ،فهي تمثل التفسير الشامل للوجود ،الذي يتعامل
اإلنسان على أساسه ويتربى في داخله ،وبما أن المنهج نظام تربوي اجتماعي ،فإن المنهج
2
اإلسالمي يعكس هذه التصورات في عناصره وممارساته كافة.
وعلى هذا فإن الممارسة المنهجية التي تتمثل في أهداف المنهج ومحتواه ،وطرائق
وأساليب تدريسه ،وطرائق تقويمه وتطويره ،تختلف هي أيضا باختالف حقائق التصور
الفلسفي االعتقادي األربعة السابقة ،التي تمثل المنهج ،والتي تختلف من مجتمع إلى آخر.
وبناء على التنظيم الذي يتم اعتماده كمدخل أساسي لعرض المحتوى كالتنظيم
الهرمي أو التتابعي ،فإن هذه الطرق واألساليب ال بد وأن تتناسب مع ما حدد للمنهج التربوي
من مصفوفة المدى والتتابع ،والطرق واألساليب المستخدمة في المنهج اإلسالمي ال بد أن
تتماشى مع طبيعة الركائز والمنطلقات التي يصدر عنها من جانب ،ومع طبيعة األهداف
التي يرمى إلى تحقيقها من جانب آخر ،مع األخذ في الحسبان أن تلك الطرق واألساليب
تسهم في إعداد اإلنسان الصالح للدنيا واآلخرة معا ،على غير المناهج التابعة لنظريات
أخرى تستهدف إعداد المواطن الصالح لمجتمعه فقط بمقاييس دنيوية تارة تهتم بالجانب
النفسي كحاجات ،وتارة تقدم الجانب االجتماعي كنفعية وانتاج ،ولذلك نجد األسلوب في
المنهج اإلسالمي يقدم للمتعلم بشكل متوازن مع حاجاته كفرد وما يلزمه تجاه المجتمع.1
كما أن الطرق التدريسية التي يستعين بها المنهج اإلسالمي في تبليغ رسالته وبلوغ
أهدافه تصل للمعلم في المدرسة ،كما تصل للداعية اإلسالمي في أي موقف من المواقف
التي يتعرض لها .فالطرق التدريسية في المنهج اإلسالمي لم تغال في الحرية المطلقة
للمتعلم الكتساب القيم بعيداً عن الضبط في الموقف التعليمي ،ولم تالزم الجمود في الطرق
التقليدية ،فطرقه تنطلق من االهتمام بالمتعلم وجعله محور العملية التعليمية ،كما يهتم
بالطرق التطبيقية العملية كالقدوة والتمثيل بضوابطه الشرعية ،فيحرم الوسائل التي تؤثر على
األخالق أو تلحق الضرر بالمتعلمين ،وبهذا فقد ضمنت الطرق التدريسية في المنهج
اإلسالمي الموازنة بين واجبات المعلم كقدوة والمتعلم كمحور للعملية التعليمية ،وهذا ما تفتقده
من شخصية المتلقي :يجب أن يكون المربي أعلى -أن تكون شخصية المربي أعل
مكانة ممن يربيهم ،وليس بالضرورة أكبر سناً -وان كان عامل السن له أهميته -لكن أن
يكون أعلى في قد ارته وخب ار ته وامكاناته ،وهذا الشأن يقول محمد قطب" أنه ينبغي أوالً أن
يحس الشخص الذي يتلقى التربية ،أن مربيه أعلى منه ،وأنه في موقف اآلخذ المتلقي ،ال
في موقف الند وال في موقف أعلى من موقف المربي .وعن تفسيره لهذه الحالة الشعورية
يقول قطب :وتلك حقيقة نفسية تعمل عملها في النفوس ،فأنت لكي تتلقى ،البد أن تقتنع أنك
في موقف المتلقي ،واال فلو أحسست أنك في الموقف األعلى فما الذي يدفعك أن تتلقى من
3
شخص بعينه من الناس".
ك لَ َعلى خُلُ ٍق عَ ِظيٍم «سور ة الق لم األية .70وقوله ":لو كنت فظا
أوسعهم ُخلُقا ،يقول تعالىَ " :وإِنَّ َ
2
غليظ الق لب النفضوا من حولك «سورة ال عمران األية .251
الفعال في عملية التعليم ،وبقدر ما يحمل في عقله من علم
فالمربي هو العنصر ّ
وفكر ،وما يحمل في قلبه من إيمان برسالته ومحبة لتالميذه ،وما أوتي من موهبة وخبرة في
حسن طريقة التعلم ،تكون مكانته بارزة بين طالبه ،بل في المجتمع كله ،ومن ثم يكون
نجاحه وأثره في أبنائه وطالبه.
-الجمع بي الجانب المعرفي والجانب العملي :على المربي أو المعلم المسلم أن يكون على
سعة من العلم ،وأن يكون على نصيب وافر من المعرفة ،وعمق في الفهم حتى يكسب احترام
طالبه وثقتهم به ،والمربي ذو الثقافة العالية يستطيع أن يجذب الطالب إليه ،ويجعلهم
توجيهات الرسول(صلى) والشواهد على ذلك كثيرة ،فهذا معاذ بن جبل ،فقد وجهه
عديدة ،وأوصاه بوصايا جليلة ،حتى تضلّع بالعلم والحكمة وبعثه للدعوة والتعليم ،وصار يعلّم
الناس ويرعى شئونهم ،ومن أمثلة ذلك ما روي عن معاذ بن جبل أنه قال :يا رسول اهلل
س َنة تَ ْم ُحها ".
الح َ
ت "قال :زدني ،قال" :وأ ْتبع السيئ َ
أوصني ،قال الرسول "اتق اهلل َح ْيثُما ُك ْن َ
سن".
الناس ب ُخلُق َح َ
َ وخالق
قال :زدني ،قال" َ :
ال ضعيفًا
إن أي عمل مهما صغر حجمه ال يخضع للتقويم المستمر ،فسيكون عم ً
هزيالً ،وخاصة العمل التربوي ،الذي هو بناء لشخصية اإلنسان ،التي تتغير بين الحين
يقوم المتربين بشكل مستمر ،لكي
واألخر ،واذا كان المربي يطمح للتميز والفاعلية ،فعليه أن ّ
ويقوم المناهج والبرامج لقياس مدى مالءمتها لهم.
يعطي كل فرد ما يناسبهّ ،
يظهر الدور التوجيهي اإلرشادي للمربي ،من خالل مساعدة المتعلم في فهم نفسه
وفهم مشاكله ،وتدفعه ليستغل إمكاناته الذاتية من قدرات ومهارات واستعدادات وميول
وامكانات البيئة التي يعيش فيها ،فيختار الطرق المناسبة ليحل مشاكله بشكل عملي ،يؤدي
إلى تكيف المتعلم مع نفسه ومع مجتمعه ،وبالتالي إلى بناء الشخصية المتكاملة جسميًا
2
وعقليًا وروحيًا واجتماعيًا ،ويبدو كل هذا من خالل سلوكيات معينة يقوم بها المعلم.
إن القائد المربي يؤمن كغيره من المربين ،بأن التربية هي عملية نمو واكتساب للخبرة،
وتغيير مرغوب فيه في سلوك الفرد والجماعة ،وهي تتحقق عن طريق تفاعل الطالب مع
محيطه ومجتمعه ،ومع البيئة العامة التي يعيش فيها ،فالقائد المربي يستوحي أهداف طريقته
ومبادئها وأساليبها ووسائلها من اإلسالم وأخالقياته ،ويحاول تطبيقها في جو تربوي ديني
المصدر :ماجد بن سالم الغامدي :قراءة لنظرية المنهج التربوي في النظرية اإلسالمية ،شبكة
األولكة،ص.10
خالصة :حاولنا في هذا الفصل عرض مضامين المقاربة اإلسالمية ،فهي تتناقض في
جوهرها مع المقاربة الغربية التي تنظر الى الظاهرة التربوية نظرة أحادية ،في حين تمتاز
المقاربة اإلسالمية بشموليتها وعمقها في فهم طبيعة اإلنسان .وهذا ما جعلنا نختارها كبديل
نظري ومعرفي.
ن تائ ج ال دراس ة
*نتائج الدراسة:
من خالل ما تقدم يمكن اعتبار سوسيولوجيا التربية الغربية بمختلف نماذجها المعرفية،
كانت تتضمن جملة من الجوانب التي تحتاج منا البحث والفحص ،وهذا ما يدفعنا الى
التأسيس إلجابة نسبية عن التساؤالت التي طرحناها في بداية الدراسة والتي كانت فحواها:
هل هي مضامين ذات دالالت قطعية؟ أم أنها اجتهادات قابلة لنقد والتجاوز؟
ه ثثل اتف ثثق عل ثثم اجتم ثثاع التربي ثثة الغرب ثثي عل ثثى تحدي ثثد مقارب ثثة واح ثثدة؟ ام أن المقارب ثثات تتع ثثدد
وتختلف؟ وان كانت هناك عدة مقاربات ما هو السبب في ذلك؟ وما هو البديل؟
إن المقارب ثثة الغربي ثثة لسوس ثثيولجيا التربي ثثة تض ثثمنت اش ثثكال ونم ثثاذج مختلف ثثة ،فمنه ثثا م ثثن
فسثثرت التربيثثة علثثى أنهثثا أداة للحفثثاظ علثثى الت ثوازن ( المقاربثثة التقليديثثة) ،ومنهثثا مثثن فسثثرت
التربيثثة علثثى أنهثثا أليثثة مهمثثة إلعثثادة إنتثثاج صثثور الهيمنثثة واالسثثتغالل ،وأنهثثا تمثثارس الفثثرز
والتفاضثل بثثين المتمرسثثين(.المقاربة الصثراعية ،النقديثثة )،وهنثاك مثثن حاولثثت تفسثثير العالقثثات
التربويث ثثة ،س ث ثواء مث ثثن خث ثثالل التفاعث ثثل الرمث ثثزي أو مث ثثن خث ثثالل الرجث ثثوع الث ثثى أصث ثثول عث ثثائالت
المتمدرسين(،المقاربة ذات النموذج المفسر).
كمثا أن هثذا االخثتالف فثي مقاربثة الظثاهرة التربويثة فثي اإلسثهامات الغربيثة ،يثدل علثى
ع ثثدم اتف ثثاق او اجم ثثاع عل ثثى مقارب ثثة أحادي ثثة ،الش ثثيء ال ثثذي يجع ثثل منه ثثا مح ثثال للنق ثثد والتقي ثثيم
المستمرين ويزيل عنها طابع االكتمال ،أي أن دالالتها قابلة للتناول النقدي واإلبستمولوجي.
ويمكن ارجاع تعدد المقاربات في سوسيولوجيا التربيثة الثى سثببين مهمثين :السثبب األول
وهو ذو طابع موضوعي ،يتمثل في المشارب الفكرية المختلفة ألقطاب كثل مقاربثة والتحثوالت
السوسيوتاريخية التي عايشتها كل مقاربة.
والثاني ذاتي ،يتمثل في البعد اإليديولوجي الذي حاولت كثل مقاربثة أن تخفيثه ،وتقثوم بثالتبرير
له ضمنيا ،وهو السبب الذي يحاول أنصار كل مقاربة عدم التصريح به.
إن هذا القول يدفعنا إلى الحكم على أن اإلسهامات الغربية في مجال النظرية
السوسيولوجية بصفة عامة ،وعلم اجتماع التربية بصفة خاصة ،عل أنها مازالت تحمل في
ثناياها جملة من التناقضات والتي تمنعها من القدرة على الفهم المتكاملة للظاهرة التربوية في
بيئتها الغربية ،وهذا ما يفسر عجز هذه المقاربات الغربية في إعطاء تفسي ار شامال
وموضوعي داخل مجتمعاتها.
مما يجعلنا نفكر في بديل معرفي يؤسس الى حقل نظري قريب منا طبيعة المجتمعات
التي نعيش فيها ،ورغم أن المقاربة التربوية اإلسالمية مازالت تبحث عن مكان لها ورغم أن
اإلسهامات تعد قليلة خاصة ذات الطابع األكاديمي ،أال اننا نعتبرها البديل المنطقي ،الذي
يمكن ان يتعاطى مع مختلف الظواهر التربوية في مجتمعاتنا.
ة ة ال دراس خ اتم
الخاتمة
إن النظرية في علم االجتماع لم تكن وليدة لحظة تاريخية معينة ،وانما كانت نتاج
تراكم تاريخي ومعرفي ووفق سياق اجتماعي مهد لظهورها وساعد في انتعاشها ونموها.
واألكثر من ذلك أثر في مضامين هذه النظرية.
إن األزمث ث ث ثثات االجتماعي ث ث ث ثثة واالقتص ث ث ث ثثادية واإليديولوجيث ث ث ثثة للغ ث ث ث ثثرب أنتج ث ث ث ثثت النظري ث ث ث ثثة
السوسثثيولوجية كإجابثثة عثثن اإلشثثكاليات التثثي يفرزهثثا المركثثب المعرفثثي ذات الطبيعثثة الغربيثثة
وموض ثثوع اجتم ثثاعي متح ثثول ومتغيث ث ار ج ثثذريا ،ع ثثن طري ثثق تحليل ثثه وفهم ثثه ومراقبت ثثه ،فالتحلي ثثل
اإلبستمولوجي يكشف عن تميز الذات المفكثرة وبهثذا فثإن النظريثة السوسثيولوجية ،جمعثت فثي
ثناياها التكوين األزمات النفسية واالجتماعية والتربوية للمجتمع األوربثي المتشثكل مثن مخثاض
عسير ،وأعلن هذا التأثر اوغسـت كونـت نفسثه فثي بدايثة أعمالثه ،فثرفض حالثة األزمثة والثثورة
في فرنسا وهي الفوضى السياسية واالجتماعيثة ،وطالثب بضثرورة إعثادة النظثام إلثى المجتمثع،
وهذا يقتضي إزالة الفوضثى األخالقيثة والتربويثة وهثو األمثر الثذي يتطلثب النظثر فثي الفوضثى
العقلية بإقامة المعرفة العلمية بالحياة العملية للمجتمع.
ولعل المقاربات الغربية في علم اجتماع التربية لم تكن بمعزل عن ما تأثرت به
النظرية السوسيولوجية عموما ،على اعتبارها حقل من حقولها ،فقد حاولت جميع المقاربات
بمختلف أشكالها نماذجها -التقليدية -الصراعية – ذات النموذج المفسر -أن تجاري التحول
االجتماعي والتاريخي الذي عرفته المجتمعات الغربية ،إال أن المقاربة الغربية للظاهرة
التربوية لم تتجاوز اإلف ارزات األيديولوجية التي الحقتها وجعلت منها غير قادرة على إنتاج
نموذج معرفي يستند إلى أسس منهجية ومعرفية قادرة على استقراء الواقع الخاص بها من
جهة ،والواقع الخاص بمجتمعاتنا العربية اإلسالمية من جهة أخرى ،والتي تختلف في تكوينها
السوسيوتاريخي على ما هو الحال بالنسبة للمجتمعات الغربية .مما يدعونا الى التفكير بشكل
جدي في ضرورة تشكيل نموذج معرفي في علم اجتماع التربية يتناسب مع خصوصية
مجتمعاتنا.
وبناء عليه فإن أهم نقد وجه لاسهام المعرفى الغربي يتعلق بمحدودية النتائج التي
تم الحصول عليها داخل تطور المعرفة في الغرب ،إن الكونية المعرفية الفعلية تتطلب أوالً
امتحان أليات المعرفة الغربية في التاريخ ،وذلك بإضفاء النسبية عليها ،وتوسيع مجال رصد
معطياتها عن طريق استثمار اآلليات والوسائل والنماذج المعرفية التي ساهمت في ابتكار
قواعدها وأسسها ومناهجهثا العامة ،إن كونية المعرفة العلمية طريق يتجاوز منطق التمركز
الغربي ،وهو طريق تساهم فيه أوربا ،كما يساهم فيه غير األوربيين باالستيعاب والنقد
والتجاوز.
إن االقتناع بضرورة إيجاد بديل معرفي على مستوى علم اجتماع التربية ،يشتغل
على تفسير الظاهرة التربوية في مجتمعاتنا العربية واإلسالمية ،يعد في حد ذاته خطوت نحو
التأسيس لمقاربة بديلة في علم اجتماع التربية ،إال أن الطريق يبقى طويل أمام المهتمين
بالنظرية األصيلة في علم اجتماع التربية ،لعل هذه المساهمة البسيطة منا تندرج ضمن
السعي الصادق نحو التأسيس لعم اجتماع التربية أكثر قرب من مجتمعاتنا.
ع ق ائ م ة ال مراج
*المراجع باللغة العربية:
-3القرآن الكريم
*المعاجم والقواميس:
-2ابن منظور :لسان العرب ،المجلد ،72بيروت. 7912 ،
-3عبد الهادي الجوهري:معجم علم االجتماع ،مكتبة نهضة الشرق ،القاهرة.7922،
-2مجمع اللغة العربية :المعجم الوسيط ،مجلد ، 7القاهرة. 7910 ،
-2ر-بودون ور -ريكو:المعجم النقدي لعلم اإلجتماع ،ترجمة سليم حداد ،ديوان المطبوعات
الجامعية ،الجزائر .7921،
-1أحمد أوزي :المعجم الموسوعي لعلوم التربية ،مطبعة النجاح الجديدة ،المغرب .2001 ،
-1عبد الكريم غريب :المنهل التربوي ،ج ،2منشورات عالم التربية ،المغرب.2001 ،
-2محمد عاطف غيث :قاموس علم اإلجتماع،دار المعرفة الجامعية،مصر.2001،
-9احمد زكي بدوي :معجم مصطلحات العلوم اإلجتماعية،مكتبة لبنان لنشر .7911،
- 70عبد الهادي جوهري :قاموس علم اإلجتماع،المكتب الجامعي الحديث،ط،3مصر7992،
*الكت ب
- 77عبد الكريم غريب :سوسيولوجيا التربية ،مطبعة دار النجاح الجديدة،المغرب2000 ،
-72مصطفى محسن:في المسألة التربوية ،نحو منظور سوسيولوجي منفتح ،دار بابل
المغرب.7992،
-72مصطفى محسن :الخطاب اإلصالحي التربوي بين أسئلة األزمة وتحديات التحول الحضاري
المركز الثقافي العربي،ط،7المغرب.7999،
- 71صالح الدين شروخ :علم االجتماع التربوي،دار العلوم للنشر والتوزيع،ط،7الجزائر2002،
-71صالح عبد العزيز :التربية الحديثة مادتها مبادئها تطبيقاتها العملية ،ج ،3دار المعارف،
مصر.7919،
- 72رونيه أوبير :التربية العامة ،ترجمة عبد هللا عبد الدائم ،دار العلم للماليين،7911،مصر.
- 79مروان عبد المجيد ابراهيم :اسس البحث العلمي،مؤسسة الرواق ،ط ،7االردن.2000 ،
- 20عبد الهادي الجوهري:أصول علم االجتماع،مكتبة نهضة الشرق،القاهرة.7991،
- 27عبد الباسط محسن حسن:أصول البحث اإلجتماعي ،مكتبة وهبة ،القاهرة.7919 ،
- 22جون ديوي :المدرسة والمجتمع ،ترجمة:أحمد حسين الرحيم ،الحياة للكتابة ،العراق.7912،
- 23فادية عمر الجوالني :علم االجتماع التربوي ،مركز اإلسكندرية للكتاب .ط،7مصر.7991 ،
- 22بوتمور :تمهيد في علم اإلجتماع،ترجمة محمد الجوهري واخرون،دار ،مصر.7920،
- 22علي اسعد وظفة وعلي جاسم الشهاب :علم اجتماع المدرسي،المؤسسة والنشرلبنان .2002
- 21محمد عبد الكريم الحوراني :النظرية المعاصرة في علم اجتماع ،للنشر ،األردن.2001 ،
- 21محمد لبيب النجيحي :مقدمة في فلسفة التربية ،النهضة للطباعة والنشر ،لبنان.7992 ،
- 22اميل براهيية :تاريخ الفلسفة،القرن ،79ترجمة طرابيشي ،دار الطليعة النشر،لبنان.7921،
- 29عبدالباسط محمد حسن :أصول البحث االجتماعي ،جامعة اإلسكندريةمصر.7992 ،
- 30معتز الصابوني :علم االجتماع التربوي دار أسامة للنشر ،ط ،7األردن.2001،
- 37حسين عبد الحميد أحمد رشوان :التربية والمجتمع، -المكتب العربي ،مصر.2002،
-32عبد هللا الرشدان :علم االجتماع التربوي،دار عمان،األردن.7922،
-33عبد الكريم اليافي:تمهيد في علم اإلجتماع،مطبعة جامعة دمشق،سورية.7912،
- 32فيليب كابان وجان فرانسوا دورتيه :علم االجتماع ،ترجمة اياس حسن ،دار الفرقد،
سورية.2070،
-32وسيلة خزار :اإليدولوجيا وعلم االجتماع ،جدلية االنفصال واالتصال ،منتدى
المعارف،ط،7لبنان.2073 ،
-31مصطفى محسن،االتجاهات النظرية في سوسيولوجية التربية ،مكتبة نهضة الشرق
القاهرة7922،
- 31السيد حنفي عوض ،علم االجتماع التربوي ،مدخل لالتجاهات والمجاالت ،مكتبة نهضة
الشرق القاهرة .7912 ،
-32الحسن الللحية :البيداغوجية الفارفية ،مطبعة النجاح الجديدة ،ط ،7المغرب .2077 ،
- 39ياسر الخضر البياتي :النظرية اإلجتماعية جذورالتاريخية ورودها،الجامعة
العربية،بيروت7929،
- 20احسان محمد الحسان،النظريات اإلجتماعية المتقدمة،داروائل للنشر،ط،7االردن2002،
-27سمير نعيم احمد:النظرية في علم اإلجتماع ،دار المعرفة ،ط،2مصر،7922،ص.722
-22علي الحوات :أسس علم االجتماع التربوي ،جامعة الفاتح ،طرابلس ،ليبيا.7919 ،،
-23علي السيد الشخيبي :علم اجتماع التربية المعاصر ،دار الفكر العربي ،القاهرة2000،
-22فادية عمر الجوالني :علم االجتماع التربوي ،مركز االسكندرية للكتاب .طبعة .7991
-22محمد فاوبار :سوسيولوجيا التعليم بالوسط القروي ،مطبعة النجاح ،المغرب.2007 ،
-21محمد محمد علي :المفكرون االجتماعيون ، :دار النهضة ،لبنان .7923
-21زينب شاهين :اإلثنوميتودولوجيا :رؤية جديدة ،مركز التنمية البشرية مصر .7921
-22أنتوني غدينز :علم االجتماع ،ترجمة :فايز الصياغ ،المنظمة العربية للترجمة ،لبنان،
. 2002
- 29أحمد مجدي حجازي :علم اجتماع األزمة :رؤية نقدية للنظرية السوسيولوجية ،دار قباء
مصر .7992
-20االن كولون :مدرسة شيكاغو ،ترجمة :مروان بطش ،للدراسات والنشر ،لبنان.2072 ،
-27برهان شاوي:مدخل الى اإلتصال الجماهري ونظرياته ،دار الكندي ،األردن.2003 ،
-22صالح الدين شروخ :مقاالت في التربية ،منشورات النادي العلمي ،الجزائر.2002،
-23صالح الدين شروخ :علم االجتماع التربوي،دار العلوم للنشر ،الجزائر.2002،
-22محمد مصطفى الشعبيني :علم اجتماع التربوي ،دار النهضة،مصر.7922،
-22جميل حمداوي :نظريات علم اإلجتماع،كتاب الكتروني،شبكة األولكية.2007،
- 21جميل حمداوي :سوسيولوجيا التربية،كتاب الكتروني،شبكة األولكية.2072،
-21توم بوتومور :مدرسة فرانكفورت ،ترجمة :سعد هجرس ،دار الكتب ،لبيا.2002 ،
-22السيد الحسيني:نحو نظرية اجتماعية نقدية ،دار النهضة العربية ،بيروت7922،
-29برهان غليون وسمير امين:ثقافة العولمة وعولمة الثقافة،دار الفكر ،لبنان.7999،
-10فهمي سليم العزوزي :مدخل الى علم اإلجتماع،دار الشروق للنشر االردن.2001،
- 17غاستون بشالر :تكوين العقل العلمي ،ترجمة خليل احمد ،المؤسسة الجامعية،لبنان،
- 12ايميل دوركايم:قواعد المنهج في علم اإلجتماع،موفم للنشر،القاهرة.7922،
منشورات شبؤول، هالة اإلجتماع،ترجمة علم مناهج بودون: - 13ريمون
عويدات،لبنان.7912،
- 12معن خليل عمر :نظريات معاصرة في علم اإلجتماع ،دار الشروق ،األردن.7991،
- 12سامية محمد جابر:اإلتصال الجماهيري والمجتمع الحديث،دار المعرفة،القاهرة.7991،
- 11سمير ايوب تأثيرات االيديولوجيا في علم اإلجتماع ،النماء العربي، ،لبنان.7923،
- 11عبد النور إدريس:سوسيولوجيا التمايز -ظاهرة الهدر الدراسي بالمغرب، -دار دفاتر
االختالف،ط،7المغرب2002،
- 12فايزة مراد دندش :علم اجتماع التربوي بين التأليف والتأليف و التدريس ،دار الوفاء لدنيا
الطبع والنشر ،ط،7مصر.2002،
ماجد بن سالم الغامدي :قراءة لنظرية المنهج التربوي في النظرية اإلسالمية،شبكة - 29
األولكة.2072،
-12عمر نقيب :النموذج القراني للتربية -نحو مقتضيات منهجية للفهم والتطبيق،شركة اصالة
للنشر والتوزيع،الجزائر.2073،
- 12فؤاذ عبد العزيز الشلهوب:المعلم االول قدوة لكل معلم ومعلمة،دار قاسم،الرياض.2000
*الرسائل والمجالت:
- 7المجلة التربوية :سلسلة التكوين التربوي،العدد،2المغرب.2002.،
-2عبد الكريم بزاز :علم اجتماع بيار بورديو ،رسالة دكتوراه غير منشورة ،جامعة
قسنطينة،الجزائر.2001،
- 2عبد هللا عبد الرحمن صالح :النظرية العام للتربية –رؤية اسالمية-ج،2المؤتمر التربوي،
األردن4100.،
*المواقع اإللكترونية:
2- http://www.alukah.net