You are on page 1of 7

‫المحاضرة الخامسة‬

‫المدارس المنهجية الكبرى‬


‫‪ -‬المدارس المنهجية‪:‬‬
‫مذهب فلسفي أو اجتماعي ينتمي إليه أنصار ومعارضون‪ ،‬حيث يتقيّدون بتعاليمه‬‫ً‬ ‫يقصد بالمدرسة‬
‫ويسعون إلى تحقيق الغاية منه‪ .‬ومن أهم هذه المدارس ‪:‬‬
‫أوال‪ :‬المدرسة اإلسالمية‪:‬‬
‫‪ -1‬تعريفها‪ :‬المدرسة اإلسالمية أو إسالمية المعرفة منذ ظهورها في مطلع ثمانينيات القرن الماضي عند‬
‫إنشاء المعهد العالمي للفكر اإلسالمي في الواليات المتحدة األمريكية اتخذت شكل رؤية منهجية وليس‬
‫حقال معرفيا متخصصا أو إيديولوجية جديدة‪ ،‬تسعى في منهجا إلى التجديد ومحاولة اكتشاف الذات‬
‫والواقع وعدم التقوقع أو التمركز حول فكر أو مرحلة تاريخية معينة أو مقوالت معينة بمعنى أخر‬
‫المدرسة‬
‫اإلسالمية ليست حركة مذهبية أو اتجاه إيديولوجي‪ ،‬هي في جوهرها منهج للتعامل مع المعرفة‬
‫ومصادرها المختلفة أو يمكن عدها منظور معرفي في طور التشكل والبناء واالكتشاف والنمو واالختبار‪.‬‬
‫انطالقا من تسميتها بالمدر سة اإلسالمية حاول العديد من المنتمين والباحثين في قضاياه إعطاء‬
‫تعريفا لها وذلك من خال إعطاء رسما او ترسيمة) ‪ )schéma‬تقرب أو توضح معناه من خالل تصورهم‬
‫لها أو أولويات العمل فيها‪.‬‬
‫فالمدخل المنهجي اإلسالمي‪ :‬هو تصور اعتقادي يأخذ من العقيدة اإلسالمية منطقا ومرجعا لتحليل‬
‫السلوك اإلنساني والحياة االجتماعية ويفسر بمقتضاها وفي إطارها الظواهر المجتمعية‪.‬‬

‫"إن المذهبية اإلسالمية تقرر أن الحقيقة العلمية ليست حكرا على التجربة‪ ،‬وأن الوجود الواقعي‬
‫ليس حكرا على الوجود المادي ‪ ،‬وأن التزام األسلوب العلمي في دراسة الظواهر االجتماعية ال يتحول‬
‫بالضرورة إلى اعتقاد في العلم كطريق وحيد مشروع ورفض ما عداه من الطرق"‪ ،‬وللمنهجية من منظور‬
‫إسالمي أداتان ال ثالثة لها‪ ،‬هما‪ :‬العقل والحس‪ ،‬وليس ثمة طريقة لعمل الحس دون عمل العقل‪ ،‬وليس ثمة‬
‫وسيلة للعقل في أن يمارس عمله خارج إطار الواقع المحسوس"‪.‬‬
‫وتقابل هذه النظرة الك ّليّة الشاملة لإلنسان نظريّات انشطاريّة‪ ،‬تر ّكز في مفهومها لإلنسان وفي‬
‫ي كما‬ ‫اهتمامها بهذا اإلنسان على جانب أو شطر معيّن من شخصيّته‪ ،‬فتر ّكز على الجانب الجسم ّ‬
‫ي أو المادّ ّ‬
‫سيّين‪ ،‬أو تر ّكز على الجانب العقلي فيه كما هو الحال عند العقليّين أو تر ّكز‬‫هو الحال عند المادّيّين والح ّ‬
‫المتصوفة‪ ،‬فالمادّيّون ينظرون إلى اإلنسان‬
‫ّ‬ ‫ي كما هو الحال عند الروحيّين وبعض‬ ‫على الجانب الروح ّ‬
‫على أنّه جزء ال يتجزأ من الكون‪ ،‬يخضع لنفس القوانين التي يخضع لها سائر أجزاء ذلك الكون الذي‬
‫ي كأنّه عيّنة معمليّة‪.‬‬
‫يتناوله العلم بالدراسة والتحليل‪ ،‬وعلى أنّه يخضع للدراسة العلميّة والوصف العلم ّ‬
‫إن من المعلوم أن هناك اتفاقا يشبه اإلجماع بين المهتمين باإلصالح العلوم االجتماعية والمهتمين‬
‫بالعمل على زيادة فاعليتها من خالل إعادة صياغتها في ضوء التصور اإلسالمي على أمور ثالث‪:‬‬
‫‪ -‬أن مناهج ا لعلوم االجتماعية الحديثة ونظرياتها‪ ،‬والمسلمات األساسية التي تقوم عليها تلك العلوم في‬
‫صورتها الراهنة‪ ،‬تتضمن كثيرا مما يتعارض أو يتناقض مع التصور اإلسالمي الصحيح لإلنسان‬
‫والمجتمع والوجود‪.‬‬
‫‪ -‬أنه قد ترتب على هذا القصور واالختالل االبستيمولوجي عجز تلك العلوم عن التوصل إلى تفسيرات‬
‫ُمرضية للسلوك الفردي أو للظواهر االجتماعية ال في المجتمعات اإلسالمية وحدها وإنما في غيرها من‬
‫المجتمعات كذلك‪.‬‬
‫‪ -‬أن هناك حاجة ماسة إلى إعادة النظر في تلك المناهج والنظريات والمسلمات بطريقة جذرية‪.‬‬
‫صة في مجال العلوم‬ ‫لقد توفّر للمسلمين منذ القدم األسلوب العلمي والمنطقي في البحث‪ ،‬خا ّ‬
‫الطبيعيّة والكيمياء‪ ،‬والطب والصيدلة والعلوم الكونيّة‪ ،‬فللعلم خصائص واضحة في القرآن الكريم ومنها‬
‫استناده على اإلثبات والبراهين واألدلة‪ ،‬وهذا اإلثبات البد أن يكون واضحا موضوعيا جمهوريا تراه‬
‫جماعة مستفيضة من الناس العدول الرشداء في حالتهم السوية من التعقل واإلدراك‪.‬‬
‫ويُعتبر الفارابي من المتقدّمين في تاريخ تقدّم الفكر‪ ،‬ومن أبرز علماء العرب الذين حاولوا أن‬
‫سسوا منه ًجا لعلم االجتماع‪ ،‬وعلى الرغم من أنّه تأثّر بفكر أرسطو وأفالطون‪ّ ،‬إال أنّه حاول أن يدمج‬‫يؤ ّ‬
‫ك ّل ذلك بالفكر اإلسالمي من خالل كتابه المشهور" أراء أهل المدينة الفاضلة‪.‬‬
‫ثم ابن خلدون‪ ،‬مثل سابقيه الموسوعيين العظماء‪ ،‬الذين نبغوا في أكثر من تخصص‪ ،‬وكانوا‬
‫قادرين على المزج بين العلوم الشرعية‪ ،‬واإلنسانية‪ ،‬والطبيعية‪ ،‬ويرونها كلها ــ إذا صلحت النية والهدف‬
‫ــ علوما إسالمية ‪ ،‬وتسمى فلسفة التاريخ عند ابن خلدون بـ" الخلدونية" وهي ‪ ( :‬نظرية جديدة مستقلة‪،‬‬
‫لكنها قد تلتقي مع بعض الفلسفات الحديثة‪ :‬كفلسفة هيجل‪ ،‬وماركس‪ .‬لكنها تنهج نهجا متميزا‪ ،‬بوصفها‬
‫عطا ًء فكريا نظريا في مرآة فلسفة تاريخية ذات استحياء واقعي‪ ،‬يمكن تسمية فكرها التاريخي بالتاريخ‬
‫المنظور‪ ،‬أي ‪ :‬القابل للنظر بوساطة الشهادة المعيشة‪ ،‬أو الوثيقة واألرشيف)‪ ،‬كان ابن خلدون‪ ،‬وهو‬
‫يتحدث في الفكر التاريخي‪ ،‬أو العمراني‪ ،‬أو السياسي يعتمد على القرآن والسنة‪ ،‬وقصص األنبياء‪ ،‬اعتمادا‬
‫مباشرا‪ ،‬وتحدث عن الرسول صلى هللا عليه وسلم (باعتباره النموذج األعلى لتطبيق شريعة اإلسالم‪ ،‬التي‬
‫يدعو إليها ابن خلدون‪ ،‬ويعمل على بيان جدارتها‪ ،‬وأحقيتها وحدها‪ ،‬للتطبيق على المجتمع اإلنساني)‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬المدرسة الماركسية‬
‫الماركسية تيار سياسي وفكري ومنهج‪ ،‬ينسب لمدونة أفكار"ك‪.‬ماركس" وبدرجة أقل إلى‬
‫"ف‪.‬انجلز"‪ ،‬وترتكز الما ركسية سياسيا‪ ،‬على تحليل التاريخ والمشاركة في الحركة الواقعية لصراع‬
‫الطبقات‪ ،‬من أجل اإلحاطة بالنظام الرأسمالي‪ ،‬وتنبني مناهج التحليل الماركسي على دراسة التاريخ‬
‫االقتصادي واالجتماعي‪ .‬تحلل الماركسية المجتمع عبر مالحظة الوضعية المادية‪ ،‬السياسية‪ ،‬االقتصادية‬
‫واال جتماعية‪ ،‬لكن هذه الوضعية تتنوع بحسب الزمان والمكان‪.‬‬
‫‪1‬ــ مصادر المدرسة الماركسية‪:‬‬
‫انبثقت الماركسية من مؤلفات كارل ماركس‪ ،‬التي ساعده "فريدريك انجلز" في بعضها‪ ،‬وعلى‬
‫الرغم من أن اسم كارل ماركس قد اقترن لدى الكثيرين بتاريخ علم االجتماع وتطوره‪ ،‬فإن أعماله نفسها‬
‫ظلت محل جدل وخالف وتباين قبول الناس لها بشكل واضح‪ ،‬ففي (المعسكر الشرق أيام الحرب الباردة)‬
‫اعتبرت الماركسية فلسفة عظيمة األهمية شديدة التأثير‪ ،‬في حين كان تأثيرها في الغرب (سابقا) أقل‬
‫ظهورا وتقديرا حتى عدة عقود‪ ،‬ومن مصادر الفلسفة الماركسية نذكر‪:‬‬
‫‪ -‬الفلسفة األلمانية‪ :‬من أبرز رجاالت الفلسفة الكالسيكية األلمانية الفيلسوف "هيجل" (‪ 1770‬ــ‬
‫‪ ،) 1823‬والذي نظر إلى العالم الطبيعي والتاريخي والروحي بوصفه عملية‪ ،‬أي في حركة دائمة‪ ،‬وفي‬
‫تغير دائم (عملية ديالكتيكية)‪ .‬و"لوفيج فيورباخ" (‪ 1804‬ـ ‪ )1872‬لعبت فلسفته المادية دورا هاما في‬
‫وضع ماركس وانجلز للرؤية المادية‪.‬‬
‫‪ -‬االقتصاد السياسي االنجليزي‪ :‬النظريات االقتصادية التي وضعها كل من "آدم سميث" و "ديفيد‬
‫ريكاردو "‪ ،‬واللذان أوضحت نظريتهما أهمية األساس االقتصادي لنشاط الناس‪ ،‬كما أوضحا أن تطور‬
‫المجتمع يرتكز على التفاعل االقتصادي بين الناس‪.‬‬
‫‪ -‬االشتراكية‪ :‬ومن أهم رموزها "سان سيمون"‪ ،‬و"فورييه"‪ ،‬و"روبرت أوين"‪ ،‬والذين ركزت‬
‫أفكارهم على مطالبتهم بضرورة انتشار الملكية العامة (الجماعية) والعمل الجماعي‪ ،‬بما يسمح بالقضاء‬
‫على بؤس الجماهير‪.‬‬
‫بدأ "كارل ماركس" بدراسة األوضاع التي كانت سائدة في بريطانيا في النصف األول من القرن‬
‫التاسع عشر‪ ،‬معتبرا إياها نموذجا عاما للبالد الصناعية الرأسمالية‪ .‬ومن خاللها استخلص نموذجا يفسر‬
‫من خالله تطور المجتمعات اإلنسانية‪ .‬واستند في دراسته على منهجية محددة تعرف بالمنهج الجدلي أو‬
‫الدياليكتيكي؛ هذه المنهجية التي استوحاها من الفلسفة "الهيجلية المثالية" التي تدرس األشياء كحقائق في‬
‫حركة دائمة غير منقطعة‪ ،‬تقوم أساسا على مبدأ النفي‪.‬‬
‫ويمكن أن نلخص مميزات المنهج الديالكتيكي الماركسي فيما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬النظر إلى الطبيعة بوصفها كال موحدا ومتماسكا ترتبط فيه الموضوعات والظواهر ارتباطا‬
‫عضويا فيما بينها‪.‬‬
‫‪ ‬النظر إلى الطبيعة بوصفها في حالة حركة وتبدل مستمرين‪ ،‬وتجدد ونمو ال ينقطعان إذ ثمة دائما‬
‫شيء ما يولد وينمو وآخر ينحل ويزول‪.‬‬
‫‪ ‬النظر إلى سيرورة النمو بوصفها انتقاال من التبدل الكمي الخفي إلى التبدل الجذري الكيفي‪،‬‬
‫والنظر إلى التبدل الكيفي بوصفه تبد ال ضروريا يحصل بقفزات ويسير أبدا إلى األمام من القديم‬
‫إلى الجديد ومن البسيط إلى المركب ومن األدنى إلى األعلى‪.‬‬
‫‪ ‬النظر إلى الطبيعة وظواهرها من زاوية تناقضها الداخلي‪ ،‬أي النظر إلى جانبها السالب وجانبها‬
‫الموجب‪ ،‬إلى ماضيها ومستقبلها‪ ،‬إلى ما يختفي فيها ويظهر‪ ،‬ألن مضمون النمو الداخلي هو‬
‫صراع األضداد وألن كل شيء يخضع للظروف والزمان والمكان‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬المدرسة الوظيفية‪:‬‬
‫حاولت النظرية البنائيـة الوظيفية تفسـير الظـواهر االجتماعية من خالل ما يمكن أن تقدمه من‬
‫أفكار حول̠ كيفية عمل المجتمعات‪ ،‬ولماذا توجد المؤسسـات واألعراف؟ والنظر إإلى المجتمع باعتباره‬
‫نسق في التوازن‪ ،‬وهذا النسق هو بنـاء منظم ومكون من عدد مـن األجزاء المترابطـة‪ ،‬ولـكل جـزء (أو‬
‫نظـام) مـن هـذه األجـزاء وظيفة يؤديها للحفاظ على بقاء النسق وتوازنه‪.‬‬
‫أوال ــ معنى الوظيفية‪:‬‬
‫يعتبر مصطلح الوظيفية من المصطلحات التي يكثر الجدل حولها في العلوم االجتماعية‪ ،‬وهذا‬
‫راجع إلى اختالفات استخدامه في الرياضة والبيولوجيا وفي العلوم االجتماعية وحتى في الدارجة وبمعاني‬
‫مختلفة‪ .‬فالوظيفية تستخدم بمعنى‪ :‬النشاط االجتماعي‪ ،‬وفي كتابات أخرى كما تحدّث عنه ماكس فيبر‬
‫تستخدم الوظيفية ككلمة مرادفة للمهنة أو العمل الذي يقوم به الفرد‪.‬‬
‫ثانيا ــ ما هي البنيوية الوظيفية ؟‬
‫البنيوية الوظيفية هي رؤية سوسيولوجية ترمي إلى تحليل ودراسة بنى المجتمع من ناحية‬
‫والوظائف التي تقوم بها هذه البنى من ناحية أخرى‪ ،‬وبهذا المعنى فان وجود البنى االجتماعية يلزم‬
‫وجود وظائف لها‪ .‬هكذا فالبنية االجتماعية لها وظيفة تؤديها‪ ،‬وكل شئ محكم السير في المجتمع دون‬
‫انتظار للصراع‪ ،‬فالمجتمع عبارة عن لوحة فسيفسائية من الوظائف متسقة ومتوازنة‪ ،‬وللوظيفية ثالثة‬
‫أشكال‪.‬‬
‫‪ 1‬ــ الوظيفية الفردية‪ :‬وهي حاجات الفاعلين االجتماعين والبنى االجتماعية التي تظهر لتلبية هذه‬
‫الحاجات‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ الوظيفية العالقانية‪ :‬وهنا يقع التركيز على آليات العالقات االجتماعية التي تساعد في التغلب على‬
‫التوترات التي تمر بها العالقات االجتماعية‪ ،‬وهذا النوع نجده موضوع اهتمام لدى االنثربولوجين أمثال‬
‫راد كلييف براون ومالينوفسكي‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ الوظيفية االجتماعية‪ :‬ويتم التركيز على البنى والمؤسسات االجتماعية الكبرى وعلى عالقاتها‬
‫ببعضها البعض وتأثيراتها الموجهة لسلوكات األفراد والمجتمعات كالوظيفية التي تقوم بها مؤسسات‬
‫كالجامعة أو المستشفى أو اإلذاعة أو التلفزيون أو األسرة أو المسجد أو المدرسة… فالموضوع متعلق‬
‫بالمجتمع ال باألفراد‪.‬‬
‫ثالثا ــ البنائية الوظيفية؛ أصول االتجاه‪ ،‬وأهم الرواد‪:‬‬
‫يعد االتجاه البنائي الوظيفي قديم قدم النظرية في علم االجتماع‪ ،‬حيث أن بعض المؤرخين‬
‫يرجعون ألصوله إلى اإلغريق وتضرب بجذورها في أعمال الرواد المؤسسين لعلم االجتماع‪ ،‬إذ تجسدت‬
‫في أعمال معظم علماء األنثروبولوجيا وعلم االجتماع‪ ،‬ويرجع أصول المذهب الحديث إلى "منتسيكيو"‬
‫وقد يمتد جذوره إلى كونت ‪ ،‬حيث أكد كونت على دراسة الظواهر االجتماعية في حالة التالزم في الوجود‬
‫والذي أسماه االستاتيكة االجتماعية‪ ،‬ويندرج تحت ذلك قوله "جميع النظم االجتماعية‪ ،‬والمعتقدات‪،‬‬
‫واألخالقيات التي توجد في مجتمع معين‪ ،‬ترتبط ارتباطا متبادال فيما بينها‪ ،‬ولذلك فإنه ينبغي إذا أردنا‬
‫تفسير إحداها‪ ،‬أن نكتشف أوال ذلك القانون الذي يحدد كيفية ارتباط هذه الظاهرة بجميع الظواهر‬
‫األخرى"‪.‬‬
‫كما ساهم هربرت سبنسر ببعض الم الحظات الجديدة بالنسبة للمفهوم الوظيفي في دراسة المجتمع‬
‫حيث بيّن نماذج تطورية المجتمعات تشبه النماذج العضوية‪ ،‬موضحا درجات التباين في األبنية المعقدة‬
‫بحيث يمكن قياسها من خالل األنماط المختلفة التي تظهر بها العناصر المكونة للبناء‪.‬‬
‫إال أن أغلب مناقشات الوظيفية الحديثة تعود إلى دوركايم‪ ،‬الذي تأثر مثل "هربرت سبينسر"‬
‫باالتجاهات العضوية حيث ميّز في كتابه عن " تقسيم العمل االجتماعي بين وظيفة تقسيم العمل وسببه‬
‫الفعال‪ ،‬فالوظيفية تتمثل في تكامل أو إعادة تكامل المجتمع‪ ،‬أما السبب فيرجع إلى تزايد "المسافة‬
‫األخالقية" الناتجة عن الضغط السكاني‪ .‬إال أن دوركايم كغيره من الذين سبقوه تعرضوا لنقد شديد هذا ال‬
‫ينفي مساهمتهم الفعالة في تقدم هذا االتجاه ونجاحه‪.‬‬
‫يعتبر الرواد الثالثة كونت ودوركايم وسبنسر أهم الرواد االجتماعيين الذين أثروا تأثيرا كبيرا‬
‫على النظرية البنيوية الوظيفية‪ ،‬ومن أهم رواد هذا االتجاه نذكر‪ ،‬مالينوفسكي‪ ،‬راد كليف براون‪،‬‬
‫روبرث ميرثون‪ ،‬تالكوت بارسونز‪ ،‬وبعض مساهمات ماكس فيبر‪.‬‬
‫أهم األفكار التي تحدد مالمح هذا الفكر‪:‬‬
‫المحور األول ــــ األهداف والغايات‪:‬‬
‫من الواضح أن قضية النظام االجتماعي تمثل المحور األساسي الذي تدور حوله النزعة الوظيفية في علم‬
‫االجتماع حتى أصبحت صحة المجتمع مرادفة " النظام" ومرضه " مرادفا للصراع" ذلك أن النسق‬
‫االجتماعي يؤدي دوره في ضوء معنى معين‪ ،‬وهدف محدد فالعمليات التي تتم داخل النسق االجتماعي‬
‫يعمل من اجل إشباع حاجات األفراد والمحافظة على بقاء النسق واستمرارية أي " وحدة" ترتبط أجزاء‬
‫النسق ووظائفه"‬
‫المحور الثاني ـــ التكامل‪:‬‬
‫يؤكد الوظيفيون على أن التكامل يمثل النموذج المثالي للنسق االجتماعي‪ ،‬إذ أنه إذا لم يحدث تكامل بين‬
‫عناصر النسق وأجزائه يحدث خلل في أداء أعضاء النسق‪ ،‬وهنا تبرز فكرة متطلبات النسق في إعادة‬
‫النسق إلى حالته الطبيعية وفقا لمعايير التكيف عن طريق الضبط االجتماعي أو عمليات اإلقناع وأساليب‬
‫التربية األخالقية‪ .‬وهذه الفكرة تجدها عند دوركايم وانتهاء إلى ميرتون في مصطلحات التضامن والتماسك‬
‫االجتماعي‪ ...‬الخ‪ .‬ولهذا نجد مبالغة في تقديم أهمية القيم المشتركة خاصة عند بارسونز وميرتون في‬
‫تحقيق التكامل االجتماعي‪.‬‬
‫المحور الثالث ـــ الصراع االجتماعي‪:‬‬
‫يقوم التحليل الوظيفي على عدة أفكار تحاول إعطاء تبريرات في وجود تناقضات داخل األنساق‬
‫االجتماعية مثل المعوق الوظيفي‪ ،‬وأنماط التكييف‪ ،‬الوظائف الكامنة والظاهرة‪ ،‬والبدائل الوظيفية‪،‬‬
‫والتكامل النسبي‪ ،‬واألنماط المثالية‪ ،‬تحاول إظهار أن الصراع حالة استثنائية تعبر عن مرض اجتماعي‪،‬‬
‫والتوازن والتكامل هما الحالة الطبيعية التي تمثل النموذج األمثل للنظام‪.‬‬
‫المحور الرابع‪ :‬المضمون األيديولوجي‪:‬‬
‫هذا المحور فيمثل العالقة بين اإلطار التص وري للبنائية الوظيفية واإلطار األيديولوجي‪ ،‬أو المضمون‬
‫السياسي أو التبرير السوسيولوجي ألصحاب هذا االتجاه‪ ،‬في اتجاه محافظ يدافع عن النظام الرأسمالي بل‬
‫ويبرز أهمية سيطرة الطبقة البورجوازية الغربية كطبقة قادرة على قيادة المجتمع وتحقيق تكامله ويقول‬
‫جولدنر في هذ ا اإلطار‪ " :‬إن النظرية الوظيفية بتأكيدها لقضية النظام إنما تمثل بذلك أيديولوجية تعبر عن‬
‫المشاعر التي تتالئم مع استمرار االمتيازات ذلك أن النظرية االجتماعية التي تتخذ من المحافظة على‬
‫النظام االجتماعي قضيتها األساسية إنما تمثل دفاعا فكريا عن مصالح الذين يملكون ما يجب التخلي عنه‬
‫وعلى المستوى العملي فإن " األبطال األكاديميين" الذين يتمسكون بقضية النظام هم أيضا األكثر ارتباطا‬
‫بالصفوات السياسية وال يبخلون عليها بكل نصيحة من شأنها تدعيم الكبح‪"..‬‬
‫رابعا‪ -‬المدرسة االنجلوساكسونية‪:‬‬

‫تعتبر المدرسة األنجلوساكسونية من بين المدارس الحديثة الرائدة في مجال الفلسفة‬


‫واالبستمولوجيا لها خصائص منهاج ومواضيع تميزها عن باقي المدارس كالوضعية والحوليات ومن بين‬
‫أهم هذه الخصائص نجد أن المدرسة األنجلوساكسونية تغطي وتعتمد فقط في الدول الناطقة باللغة‬
‫االنجليزية‪.‬‬
‫من حيث الموضوع نجد الفلسفة تتناول موضوعين رئيسين وهما موضوع تحليل اللغة العادية‬
‫وموضوع تحليل اللغة العلمية‪ ،‬فأما من حيث المنهج فيرى رواد هذه المدرسة المنهج التحليلية المنطقي هو‬
‫المنهج األنسب القيام باألبحاث متعمدا على خطوات التحليل المنطقي من وضع إشكالية وتقديم فرضيات‬
‫والقيام بالتجريب والتحليل والتركيب باستعمال االستتقراء بدراسة الجزئيات لتعميم على الكل والوصول‬
‫لنتائج يقينية بعيدة عن التصورية والميتافزيقية‪.‬‬
‫خامسا‪ -‬مدرسة الحوليات الجديدة والتاريخ الجديد‪:‬‬
‫قُدِّّر لمدرسة باريس ومنهجها الجديد في التاريخ ومدرسة الحوليات الثالثة من مارك بلوخ الى‬
‫فرنان برودويل الى جاك لوغوف وحتى البنيوية عند شتراوس‪ ،‬أن تحدث ثورة منهجية وابيستمولوجية في‬
‫حقل الدراسات التاريخية‪ .‬التي صنعت منهجا ً جديدا ً للتاريخ‪ ،‬حطمت كل المفاهيم الدوغمائية للعقل أمام‬
‫المدارس واالتجاهات األخرى للتاريخ‪ ،‬وجعلتها أكثر قربا ً من العلوم اإلنسانية واالجتماعية األخرى‪ .‬قد‬
‫يكون تفسير التاريخ عند هيجل بالمعنى اإليديولوجي للدولة القومية التي تأخرت عن جاراتها كفرنسا‬
‫وانكلترا‪ ،‬يعود التفسير اإليديولوجي لتبرير فشل التقدم الحضاري والصناعي لأللمان‪ ،‬لذلك ذهب إلى‬
‫الحتمية التاريخية التي تحرك التاريخ في سيرورة تتحرك نحو الغاية النهائية للتاريخ الذي ابتدأ من الطفولة‬
‫المنعدمة لإلنسانية والحرية مرورا ً ببعض الوعي بالحرية وانتها ًء بمرحلة الشيخوخة التي تدل على النضج‬
‫التام للوعي للحرية التي استقرت في جيرمن المانيا‪.‬‬
‫لذا جاء المنهج التاريخي الجديد ردا ً على التاريخانية والمنهج الكالسيكي القديم في دراسة التاريخ‪،‬‬
‫ولذا انفتح على كل المواد التي تدعم علم التاريخ بأي معلومة يمكن أ ن ترسم نسق منظم للحادثة السردية‬
‫وإعطاء قوة علمية وطمأنة للمؤرخ في تسجيل األحداث والبحث في النسق التاريخي الذي عبرنا عنه‬
‫بالنسق المنظم‪ .‬وهذا ما جاءت بها الحوليات الفرنسية‪.‬‬
‫تعتقد المدرسة الفرنسية للتاريخ أو كما تسمى مدرسة األنّال إلى أن األسباب المجهولة التي وقفت‬
‫وراء أزمنة الحروب التي عاشتها أوروبا واألزمات التباعية كالفقر والمرض والجهل وانهيار البنى‬
‫االجتماعية كل هذه وغيرها كانت تمثل الدافع األساسي في طرح منهج جديد لدراسة التاريخ والوقوف‬
‫على األسباب الحقيقة للفشل والتراجع واالنحطاط‪ .‬لقد "أشارت مدرسة الحوليات ودورياتها المتعددة‪ ،‬منذ‬
‫صدور مجلتها األ ولى ( حوليات التاريخ االقتصادي واالجتماعي ) عن حيوية المدرسة التاريخية الفرنسية‬
‫ومدى تفاعلها مع المجتمع الفرنسي‪ ،‬في محاولة للبحث في العلل التي أدت إلى الهزائم الفرنسية في حرب‬
‫السبعين ومجرى تطور التاريخ الفرنسي منذ العصور الوسطى وحتى الواقع الراهن‪ .‬حاولت مدرسة‬
‫الحوليات اإلفادة من منهج العلوم االجتماعية وتطبيقه في الدراسات التاريخية‪ ،‬مما دعا مؤرخا ً مرموقا ً من‬
‫رموزها هو جاك لوغوف إ لى الحديث عن تفتيت التاريخ وذوبانه في العلوم االجتماعية "‪.‬‬
‫ما تميزت به مدرسة التاريخ الجديد ابتعادهما عن اإليديولوجية التي ت َ ُحول دون التمتع بالحيادية‬
‫والموضوعية واالبتعاد عن االنحياز لجهة دون جهة والتي غلب على مؤرخي وفالسفة التاريخ هذا‬
‫االنطباع‪ ،‬فقد تصدى اثنين من أبرز مؤسسي مدرسة التاريخ الجديد هما‪":‬مارك بلوخ ( ‪) 1940 – 1886‬‬
‫ولوسيان فيفر (‪ ) 1956 – 1878‬مؤسسين لهذه المدرسة التي مرت عليها أجيال من المؤرخين‪ ،‬أسهموا‬
‫في تأصيل اإل طار المنهجي والنظري لهذه المدرسة‪ .‬طرحت هذه المدرسة مفاهيم جديدة مثل الحقب طويلة‬
‫األمد‪ ،‬وتاريخ الذهنيات‪ ،‬وتاريخ المعدمين‪ ،‬مما أدى إلى ظهور ( التاريخ الجديد )‪،‬المفهوم الذي صاغه‬
‫جاك لوغوف في سبعينات القرن العشرين وطوره العديد من مؤرخي هذه المدرسة‪ .‬كانت هذه المفاهيم‬
‫إضافات جديدة للفكر التاريخي الفرنسي‪ ،‬انتشر تأثيرها في العالم‪ .‬وحتى بعد انتصار فرنسا في الحرب‬
‫العالمية الثانية وتخلصها من آثار الهزيمة أمام األمان‪ ،‬واصلت مدرسة الحوليات تطورها ودخولها إلى‬
‫عوالم جديدة بعيدا ً عن اإل يديولوجيا التي طبعت الكتابات الفرنسية قبل الحرب‪ .‬أدت مدرسة الحوليات‬
‫وأجيالها من المؤرخين الفرنسيين إلى ظهور ( التاريخ الجديد ) بوصفه استمرارا ً لفكر مدرسة‬
‫الحوليات)‪.‬اإلضافات التي جاء بها التاريخ الجديد كإدخال العلوم في البحث التاريخي‪ ،‬كانت السمة البارزة‬
‫للمنهج الجديد الذي استطاع أن ينقل الفكر والمواقف تجاه تحليل أحداث التاريخ إلى خالصة من النتائج‬
‫تختلف برمتها عن السابق‪ ،‬رفدت فالسفة التاريخ بمادة تحليلية جديدة استطاع من خاللها المعنيون‬
‫بالتاريخ تغير مواقفهم السابقة تجاه المدرسة التاريخانية‪.‬‬

You might also like