You are on page 1of 2

‫الموضوع ‪ :‬يقال< إن السلوك التعودي سلوك جامد بينما الس لوك اإلرادي فع ل واعي> ق ارن بين ه ذين الس

لوكيين مبين ا‬
‫طبيعة العالقة بينهما‪.‬‬
‫طرح المشكلة ‪:‬‬
‫مما الشك فيه أن اإلنسان يسعى دوما لتحقيق التكيف مع محيطه النفسي الداخلي والطبيعي الخارجي ولن يكون له ذلك إال‬
‫بسلوكات تجسد ما يريده اإلنسان وما يهدف إليه تتصف بكونها حرة وواعية غير أن هذا ال يمنع من إبداء اإلنسان لسلوكات‬
‫روتينية آلية في حاالت معينة أخرى ولهذا صنف علماء النفس التصرفات التي يصدرها اإلنسان إلى صنفين ففيها ما هو‬
‫إرادي صادر عن ملكة اإلرادة ومنها ما هو اعتيادي مبني على التعود والتكرار وعلى هذا ولما كانت أفعال اإلنسان متناسقة‬
‫برزت عالقة بين هذين النوعين احتار الفالسفة في تحديد طبيعتها وهو ما يدفعنا لطرح التساؤل التالي‪ :‬ما هو الفرق بين‬
‫السلوك اإلرادي والتعودي؟ وهل وجود هذا االختالف يمنع من وجود تداخل بينهما؟ وإن وجد فما طبيعته؟‬

‫محاولة حل المشكلة ‪:‬‬

‫أوجه االختالف ‪ :‬إن االختالف بين العادة واإلرادة ظاهر وجلي ال يمكن إنكاره وهو ما يظهر من أول مالحظة لتعريفهما‬
‫حيث تعرف العادة بأنها <قدرة نفسية مكتسبة على أداء عمل ما بصورة آلية> بينما جاء في تعريف اإلرادة أنها < القصد إلى‬
‫الفعل أو الترك مع وعي األسباب الدافعة إليها> وعلى هذا يؤكد بعض الفالسفة وعلماء النفس أن الفعل التعودي ليس إال‬
‫مجرد تكرار آلي سواء من حيث االكتساب أو من جهة ردود األفعال كاستجابات لمواقف معينة وهو ما أيده أرسطو لما قال‬
‫<إن العادة وليدة التكرار> والتكرار مبني على اآللية وغياب الوعي لهذا يرى بافلوف أن الفعل التعودي مجرد منعكسات‬
‫شرطية سمح التكرار بتشكلها وإكتسابها بينما اإلرادة قرار واعي متجدد يريد اإلنسان فيه العواقب والهدف الذي يتصوره‬
‫مسبقا لذلك يرى سبينوزا أن اإلرادة نوع من أنواع التفكير فهي والذكاء عنده شي واحد وقد دعمه ديكارت في ذلك لما يقول‬
‫<يكفي أن تحسن الحكم حتى تحسن العمل به> ومن جهة أخرى فإن التعود الذي يمتاز بغياب الوعي والشعور وضعف االنتباه‬
‫يؤدي إلى التقيد بنمط معين وثابت من السلوك مما يوقع اإلنسان في الروتينية و الجمود ولهذا تكون الحتمية صفة مالزمة‬
‫للسلوك المحكوم بالعادة مما يضيق قدرة اإلنسان ويقلص حريته في تغير السلوك أو تطويره لهذا قال كانط <كلما ازدادت‬
‫العادات عند اإلنسان كلما أصبح أقل حرية واستقاللية> بينما بالعكس تماما فإن الفعل الصادر عن اإلرادة تعتبر الحرية‬
‫والوعي من شروطه المالزمة له ذلك أن اإلرادة مبدأ الفعل األخالقي وهذا األخير يفقد مبرراته في حالة غياب الحرية أو‬
‫الشعور ألنه متعلق بالقدرة على الفعل أو الترك وهنا تقول فرقة المعتزلة <إن اإلنسان يحس من نفسه وقوع أفعاله على حسب‬
‫الدواعي والصوارف فإذا أراد الحركة تحرك وإذا أراد السكون سكن> ومن هذا فإن اإلرادة تساعد اإلنسان على اإلبداع‬
‫واالبتكار ألنها قابلة للتجدد والتغير باستمرار كما أنها تعبر عن عمق الطبيعة اإلنسانية الواعية والحرة في حين أن اإلرادة‬
‫تعيق االبتكار وتقوم على قوالب جامدة وثابت متكررة باستمرار لذلك فهي تخالف الطبيعة اإلنسانية األصلية لتقترب من‬
‫الطبيعة الحيوانية التي يغيب فيها العق وال شعور حيث يقول سولي برودوم < إن جميع من تستولي عليه قوة العادة يصبحون‬
‫بوجودهم بشرا وبحركاتهم آالت>‬

‫أوجه التشابه ‪ :‬إن كل من الفعل اإلرادي أو التعودي سلوك نفسي صادر عن النفس كما أن هدفهما واحد وهو تحقيق التكيف‬
‫مع مختلف المواقف المستجدة التي يتطلبها المحيط اإلنساني في صورته الشاملة سواء مع النفس ذاتها أو مع اآلخر والمجتمع‬
‫أو مع الطبيعة المادية فكلما تكرر أداء اإلنسان لسلوك معين كلما سهل عليه القيام به وبشكل أرقى كالفرق في القدرة على‬
‫التحكم في السياقة بين السائق المبتدأ والسائق المتعود ومن هذا تعد السرعة والدقة واالقتصاد في الجهد كلها ميزات ناتجة عن‬
‫الفعل االعتيادي ويقول ليبنتز في هذا الشأن <إن العادة هي التي تجعلنا ال نأبه لجعجعة المطحنة أو ضجة الشالل إذا كنا أقمنا‬
‫بالقرب منها منذ مدة طويلة> واألمر نفسه يصدق على اإلرادة حيث يصف كانط الفعل اإلرادي بقوله <إذا كنت تريد فإنك‬
‫تستطيع> وبهذا المعنى الذي يقدمه كانط يصبح السلوك اإلرادي سلوك تكيفي من الناحيتين األخالقية والطبيعية المادية‬
‫ويضاف إلى كل هذا أن كلى النمطين السلوكيين السالفين ال يولدان جاهزان بل كالهما ينموان ويتطوران مرحليا ومنه فهما‬
‫مكتسبان بفعل تأثر عوامل عدة منها ما هو أخالقي تربوي ومنها ما تفرضه طبيعة الوجود الطبيعي المادي ولهذا نجد كما‬
‫يرى إبن خلدون أن عادة البدو وأرادتهم مختلفة عن عادات الحضر ل×تالف طبيعة الحياة البدوية عن الحياة المدنية ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫أوجه التداخل ‪:‬‬

‫إن عملية الفصل بين العادة و اإلرادة تبدو صعبة خاصة في الممارسة العملية ‪ ،‬فبالرغم من أننا ننساق عادة مع النظرة التي‬
‫تميز بينهما باعتبارهما أسلوبين مختلفين من السلوك فإن العادة ليست عملية معاكسة لإلرادة بقدر ما هما متداخالن‬
‫ومتكامالن فاإلرادة هي المحفز على تكوين السلوك االعتيادي ولهذا فإن العادة في تكوينها تعتمد على اإلرادة نظرا لما تتميز‬
‫به اإلرادة من الوعي والحزم على سلوك ما مع الحرص على تنفيذه ثم بعد تكراره لمرات عديدة يتحول ذلك السلوك النابع عن‬
‫اإلرادة إلى عادة مما يعني أن اكتساب العادات الزم لإلرادة ومقاصدها سواء في ترسيخ عادات جديدة أو تغير عادات قديمة‬
‫وتطويرها ومن ناحية أخرى العادة تساعد على تنفيذ اإلرادة ذلك أن العادة تتميز باآللية السرعة في التنفيذ مع اقتصاد الجهد‬
‫والوقت وكل ذلك يساعد الفرد على تحقيق ما يريد في أقل وقت وأقل جهد كما أن العادات االجتماعية والتربية كثيرا ما تكون‬
‫دافعا قويا لإلرادة وتنميتها‪.‬‬

‫حل المشكلة ‪:‬‬

‫وبناءا على كل ما تقدم من تحليل نستنتج أن السلوك التعودي والسلوك اإلرادي يتشابهان في بعض الخصائص ويختلفان في‬
‫الكثير منها غير أن هذا غير كاف لتبرير إحداث القطيعة بينهما بقدر ما هو يؤسس للتكامل الوظيفي بينهما في سبيل تحقيق‬
‫غرضهما المنشود الذي يطمح إليه اإلنسان باستمرار وهو تحقيق التكيف مع العالم الخارجي بكل مكوناته ومركباته سواء‬
‫المحيط االجتماعي اإلنساني أو الطبيعي المادي وعليه يمكن القول أن العالقة بينهما هي عالقة تكامل وتالزم وظيفي فاإلرادة‬
‫تساعد في تكوين العادة كما أن العادة تقوي اإلرادة وتنميها‪.‬‬

‫‪2‬‬

You might also like