Professional Documents
Culture Documents
-/1طرح المشكلة :إن العادة التي أثارت فكر الفالسفة والعلماء بداية " بأرسطوا " إلى "بول غيوم" قد أخذت
في الفكر المعاصر قسطا كبيرا من االهتمام خاصة لدى علماء النفس نظرا الرتباطها ببنية شخصية الفرد من
كل جوانبه الجسمية و النفسية والذهنية و االجتماعية ،كما أضحت العادة تحدد الفروق الفردية بين األشخاص
في تكيفهم مع واقعهم الخارجي ،والعادة كما يعرفها عدد من الفالسفة وعلماء النفس هي :قدرة مكتسبة على
أداء عمل بطريقة آلية مع السرعة والدقة واإلقتصاد في الجهد ،بينما اإلدراك هو عملية عقلية معقدة تتدخل فيه
وظائف عقلية مختلفة يهدف إلى التكيف ومعرفة العالم الخارجي ،مما أثار إهتمام الفالسفة والعلماء حول قيمة
العادة وأثرها على سلوك اإلنسان ،فإنقسموا إلى موقفين متعارضين فمنهم من يأكد أن العادة فعل سلبي يناقض
ويضعف سلوك اإلنسان ويعيقه على إدراك العالم الخارجي ،و منهم من يعتبر أن العادة فعل إيجابي تعزز
وتقوي إرادة اإلنسان وتساعده في عملية اإلدراك والتكيف مع العالم الخارجي ،فطرحوا التساؤل -هل اكتساب
العادة يحد و يضعف إرادة اإلنسان ويعيقه على التكيف ؟ و بصيغة أخرى :ما هو أثر العادة على اإلدراك؟ هل
هو تأثير إيجابي يساعد على التكيف أم تأثير سلبي يعيق التكيف؟
-المناقشة :قد تكون سلبيات العادة تشكل عائقا لبعض أنشطتنا اإلرادية وتعيقنا على التكيف وإدراك العالم
الخارجي ،لكن ماذا لو تخيلنا حياتنا في غياب العادة ،وكمثال على ذلك هل كان بإمكان السائق قيادة السيارة
بتلك المهارة لو لم يكن قد اكتسب عادة في السياقة ؟ وإذا كانت العادة تمثل عائقا أمام إرادتنا وأنها مناقضة لها
فلماذا نسعى إلكتسابها وبإرادتنا بل نبذل جهدا في ذلك؟
نقيض األطروحة :العادة سلوك إيجابي تعزز و تدعم إرادة اإلنسان وتساعده على التكيف وإدراك العالم
الخارجي (اآلن ،مودسلي ،جون ديوي رافيسون)....
تذهب مجموعة اخرى من الفالسفة وعلماء النفس على أن العادة سلوك إيجابي تعزز من إرادة اإلنسان
وتساعده على التكيف مع المستجدات وإدراك العالم الخارجي ،حجتهم في ذلك اآلثار اإليجابية التي تطبعها
العادة في سلوك الفرد سواء على المستوى الذهني النفسي ،األخالقي ،االجتماعي و الجسمي .
فعلى المستوى الفكري تساعد العادة على إكتساب مهارات وتقنيات فكرية كالتعود على حل الدوال الرياضية ،
و المقاالت الفلسفية مع الدقة والسرعة في اإلنجاز وإتقان العمل ،يقول جون ديوي ( :كل العادات تدفع إلى
القيام بأنواع معينة من النشاط ،وهي تكون النفس وتحكم قيادة أفكارنا ،فتحدد ما يظهر منها ،وما يقوى ،
وما ينبغي أن يذهب من النور إلى الظالم ) .فالطالب الذي اكتسب عادة في حل المقاالت الفلسفية فإنه يجد
سهولة أثناء اإلمتحان في التكيف مع موضوعات اإلختبار ،فللعادة مزايا كثيرة تؤهلها إلى تحقيق السلوك
الناجح على حد تعبير " رافيسون " وحتى في اإلعالنات عن مناصب العمل نجد الشركات تطلب اليد العاملة
التي لها خبرة أي متعودة على العمل المماثل لما هو مطلوب .أما على المستوى النفسي فالعادة تساعدنا على
اكتساب الثقة بالنفس وروح المواجهة و التحدي ،وتحمل المسؤولية ،وتحرير الشعور و اإلرادة للقيام بمهام
جديدة مثل المغني يعزف ويغني ويرقص ،يقول " رافيسون " ( :العادة ميل لتحقيق غاية مادون تدخل
اإلرادة والوعي ) ،أما على المستوى الجسمي فالعادة تساعد على تقوية العضالت ورشاقة الجسم ،كتعودنا
على الرياضة والحمية ،يقول " االن " ( :إن العادة تمنح الجسم رشاقة وسيولة ) فما كان لالعب كرة القدم
أن يسدد الكرة نحو المرمى بتلك المهارة واإلتقان لوال تعوده على ذلك في التدريبات ،كما انه على مستوى
القدرة البيولوجية نجد أن كثيرا من الناس يشعرون بالتعب واإلرهاق في األيام األولى من شهر رمضان ،
ولكن بمجرد تعودهم على الصيام يصبح األمر عادي في األيام األخيرة ،كما أن الطفل الصغير أثناء تعلمه
الكتابة في البداية تكون حركاته عنيفة وتشمل في ذلك التوتر العضلي للجسم كله حيث يتقطب الجبين وتلتوي
الشفتان واللسان وتكون قبضة يده على القلم بشدة ن حتى تتصلب االصابع و الذراع كله ،لكن تزول هذه
الحركات رويدا رويدا والفضل في ذلك يعود كله إلى العادة بحيث تحقق السرعة و المهارة في الكتابة ،أما
على المستوى االجتماعي تساعد العادة على حفظ النظام اإلجتماعي وتجنب الصراعات والفوضى والتعود
على التضامن والتعاون والتكافل بين أفراد المجتمع الواحد مثال إفطار الصائم في رمضان ،قفة رمضان
جمعيات كافل اليتيم ،مساعدة العائالت المعوزة ،شراء كبش العيد ......إلخ .و إحترام العادات والقوانين
االجتماعية ،كقانون المرور ،يقول " رافيسون " ( :للعادة مزايا كثيرة تؤهلها إلى تحقيق السلوك الناجح ) ،
أما على المستوى األخالقي فالعادة تساعدنا في تعويد األبناء على القيم والمبادىء األخالقية السامية كاألمانة ،
الصدق ،صلة الرحم ،النظافة ،اإلحسان إلى الغير ،ظبط النفس ،الصالة ،كظم الغيظ ،االجتهاد والعمل،
يقول " مودسلي " ( :لو لم تكن العادة لكان قيامنا بوضع مالبسنا و رقعها يستغرق نهارا كامال ) ،إضافة أن
العادة تعزز أفعالنا اإلرادية وتقويها حيث ال تستطيع القيام بالفعل بشكل إرادي وحر ،ما لم نكن تتحكم في أداء
هذا الفعل ،و التحكم في هذا الفعل ال يكون إال بعد تعلمه وتكراره عدة مرات مثال :الالعب الذي يريد أن
يسدد الكرة نحو الشباك ال ينجح في ذلك لو ال تعوده على ذلك في التدريبات ،كما أن السائق الذي يريد أن
يتحكم في قيادة السيارة ال يكون له ذلك إال بعد تعوده على إكتساب عادة السياقة ،و الطالب الذي يريد أن
يصبح ماهرا في اإلعالم اآللي ال يتسنى له ذلك إال بعد تعوده على إستعمال الكمبيوتر و منه فالعادة سلوك
إيجابي يحقق عملية التكيف .فالتعود ال يمكننا فقط من التحكم في سلوكنا بل يمكننا حتى التكيف مع األوضاع
المستجدة من خالل اختيار االستجابة المناسبة لكل موقف ومنه فإن أنصار هذه األطروحة ال يقفون عند حد
جعل العادة تعزز اإلرادة بل يتصورون أنها شرط لها ،أي تربط بينهما عالقة تالزمية ،فالعادة في حد .ذاتها
هي سلوك إرادي يسعى اإلنسان الكتسابها من أجل تجاوز ما يعيق تنفيذ إرادته.
المناقشة :صحيح أن للعادة عدة أثار إيجابية لكن في كثير من الحاالت ما تمنعنا من القيام بسلوكات إرادية
أخرى من ذلك تعود الكسل الذي يقف حاجزا أمام العمل و النجاح كما أن بعض العادات تخلق أضرارا على
المستوى الجسمي والنفسي والذهني كعادة التدخين وشرب الكحول و اإلدمان على
المخدرات
التركيب :من خالل طرحنا للموقفين المتعارضين يتضح لنا أن للعادة اثارا سلبية تضعف وتحد من إرادتنا
وتعيقنا على التكيف وأخرى إيجابية تقوي وتعزز إرادتنا وتساعدنا على اإلدراك ومعرفة العالم
الخارجي ،يقول "شوفالي " ( :العادة أداة حياة أو موت حسب استخدام الفكر لها ) .فالعادة هي استجابة
للظروف التي تتطلبها المواقف الحياتية المتعددة سواء تعلق األمر بأصناف التفكير أو طرق التصرف ،أو
التعبير عن النماذج الخلقية ،كلها تبرز الدور الحيوي الذي تلعبه العادات في تحقيق التكيف والتوافق بين الفرد
وبيئته الطبيعية واالجتماعية والتعامل بمهارة وفعالية مع المواقف ،نتيجة ما تمنحنا إياه العادات من رشاقة و
سهولة و دقة ،لكن هذا ال يعني أنها سلوك الي مسيطر ،وقوالب جامدة متحكمة دائما ،بل ايضا قدرة خادمة
لإلنسان وليست متسلطة عليه ،لذلك وجب أن تبقي عاداتنا تحت مراقبة الشعور واإلرادة حتى تصير آلية
حيوية ،وقدرة مرنة للتكيف وهذا لكي تجمع بين ثبات السلوك وحيوية الوعي ،ونحن كطلبة مقبلين على شهادة
الباكلوريا علينا اإلبتعاد عن العادات السلبية و األخذ بالعادات اإليجابية فقط ،فتعودنا على اإلجتهاد والعمل
والمواظبة في المراجعة يكسبنا الثقة بالنفس والسرعة في إنجاز الواجبات و الدقة في اإلجابة وعدم بذل جهد
كبير باإلضافة إلى ما نتدعم .به من ميل ورغبة و إرادة كبيرة للوصول إلى محطة النجاح.
حل المشكلة :من كل مما سبق نستنتج أن إن سلبيات العادة ال يمكن أن تحجب مزاياها وإيجابياتها ,وعلى
اإلنسان المثقف أن يبادر بالتمسك بالعادات الفاضلة والتخلي عن العادات السيئة وتسييرها وفق منهجية
مرسومة ,كما قال ماري توين ( :ال تستطيع التخلص من عادة برميها من النافذة بل ينبغي جعلها تنزل السلم
درجة درجة ) وفي مقابل ذلك يجب على الفرد أن يدرك أن نتائج العادة مرتبطة بطريقة استعمالها والهدف
منها ،ومنه فالعادة لها سلبيات وإيجابيات حسب درجة ثقافة الشخص وطريقة استعماله لها .
يقول "ليبنتز " ( :نحن أوتوماتيكيون في ثالث أرباع أفعالنا ).