You are on page 1of 11

‫التذكر والنسيان‬

‫عندما يقول أحد تذكرت شيئاً ما‪ ،‬فمعنى ذلك أنه تعلم أو اكتسب هذا الشيء فيما مضى‪،‬‬
‫واحتفظ به في ذهنه حتى استدعاه حالياً لحاجته اليه‪ ،‬مما يعني ان التذكر استرجاع ما سبق أن‬
‫تعلمناه واحتفظنا به‪ .‬وبعبارة أخرى هو المعرفة الراهنة بخبرة سابقة‪ .‬ومن الطبيعي أن يتأثر سلوك‬
‫الفرد باستمرار بما يتذكره من خبراته السابقة‪ .‬فال يحدث نحو معرفي بدون تذكر‪ ،‬وتتكون بواسطته‬
‫العادات وتكتسب المهارات كما انه شرط ضروري من شروط التفكير‪.‬‬

‫والذاكرة ‪ Memory‬هي العملية التي تتضمن اكتساب المعلومات واالحتفاظ بها وما يعقب‬
‫ذلك من استدعاء أو استرجاع او تعرف‪ .‬وهي دليل على أن الفرد تعلم أو اكتسب شيئاً له معنى‪.‬‬
‫ومجرد احتفاظنا بالمعلومات أو الخبرات والذكريات ال يضمن القدرة على تذكرها‪ ،‬فالتذكر يخضع‬
‫لعوامل متنوعة فمهما كان الوعي عميق فال يكون استرجاع المعلومات سهالً وطيعاً‪ ،‬ما لم تكن‬
‫المعلومات نشطة وغير مشوشة في الذهن‪ .‬أي ما لم يكن االنطباع األصلي الذي يعكسه الشيء‬
‫في أذهاننا قوي ًا فإنه يكون عرضه للنسيان‪ ،‬وبالتالي يصعب استرجاعه‪.‬‬

‫والتذكر عملية نشطه ايجابية يمكن ضبطها واألشراف عليها ولكن في حدود ويحدث في‬
‫صور عديدة‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫العمليات األساسية في الذاكرة‪:‬‬

‫تكوين االنطباعات‪:‬‬

‫ويتمثل في اكتساب النشاط او تعلم المعلومات والخبرات ومن ثم تكوين انطباعات عنها في‬
‫صور ذهنية ُتعرف بأحشاء الذاكرة‪ .‬وتعتمد فاعليتها على مدى انتباه الفرد للمثيرات المختلفة‬
‫كونها تضعف عند فقدان القدرة على التركيز او ضعف الرغبة في االنتباه لموضوعات معينة او‬
‫هناك تضارب في المثيرات‪ ،‬وازدحام‪ ،‬او ضعف اال نتباه بصورة عام‪ ،‬مما يجعل الفرد يخضع‬
‫لتزييف الذاكرة واالنطباعات الصورية العقلية عنها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫االستبقاء‪:‬‬

‫ويتمثل في خزن االنطباعات في الذاكرة عن طريق تكوين االرتباطات بينها لتشكل وحدة‬
‫في المعنى‪ .‬ولهذا فإن ما يحدث عند فقدان عملية االستبقاء بسبب مرض عقلي‪ ،‬او شيخوخة او‬
‫عند اصابة الدماغ فإن المريض يعجز عن أن يجد الكلمة المناسبة في كالمه أو يكون كالمه‬
‫ال‪.‬‬
‫عبارة عن خلط مشوش من كلمات او ال يفهم ما يق أر مث ً‬
‫االستدعاء‪:‬‬

‫وتتم عملية استرجاع ما استبقاه الفرد في ذاكرته من انطباع وصور وتأثيرات تعني هذه‬
‫العملية استجابة الشخص لالستجابات المتعلمة تحت ظروف االستثارة للمواقف الالحقة‪ ،‬وبهذا‬
‫الصدد نجد ان إصابات الدماغ‪ ،‬واإلمراض قد تصعب على الفرد التذكر وحتى في الحاالت االنفعالية‬
‫الشديدة يضعف االستدعاء ولكن عندما يعود الشخص الى حالته الطبيعية فانه يتذكر ما يود ان‬
‫يتذكره‪( .‬مثال االنفعال يمنع االستدعاء في االمتحان)‪.‬‬

‫التعرف‪:‬‬

‫ويتمثل في العملية التي تحقق استجابة لألشياء والموضوعات التي عرفها الفرد من قبل‬
‫وبالتالي سيتعرف عليها مرة أخرى‪ ،‬كما ال يعتمد التعرف على تذكر الموضوع نفسه فقط بل الموقف‬
‫الذي أدرك فيه الفرد والظروف التي الزمته‪ .‬واشارت الدراسات الى تعرض هذه العملية الضطرابات‬
‫في الذاكرة منها‪:‬‬

‫أ‪ .‬الشعور بالغرابة عندما تكون األشياء مألوفة للفرد‪ ،‬ولكنه ال يعرفها‪.‬‬
‫ب‪ .‬تعرف كاذب عندما تبدو للفرد أشياء جديدة غير معروفة ولكنها تبدو وكأنها مألوفة نتيجة‬
‫تشابه عناصر الموقف الجديد مع عناصر موقف سابق‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫ومن أنواع الذاكرة الشائعة‪ ،‬وتصنيفاتها (الذاكرة الحسية أو الفورية ‪Immediate‬‬
‫‪ ،memory‬والذاكرة قصيرة المدى ‪ ،Short-Term memory‬والذاكرة طويلة المدى ‪Long-‬‬
‫‪.Term memory‬‬

‫ومن مبادئ االقتصاد او التوفير في التعلم التي استخلصها العلماء التجريبيون هي‪:‬‬

‫‪ .1‬التدريب الموزع أفضل من التدريب المركز‪ :‬وجد العلماء أن توزيع ‪ 38‬تك ار اًر على ثالثة‬
‫ايام كان له نفس األثر الذي يحدثه ‪ 68‬تك ار اًر في يوم واحد‪ ،‬ويبين مبدأ التدريب الموزع‬
‫مدى افتقار طريقة حشو األذهان بالمعلومات بسرعة استعداداً لالمتحان‪.‬‬
‫‪ .2‬التعلم الكلي أفضل عادة من التعلم الجزئي‪ :‬تبين المقارنات التجريبية بين حفظ عن طريق‬
‫الكل وحفظ عن طريق الجزئية أن معظم الناس يتعلمون أسرع إذا استخدموا الطريقة الكلية‪.‬‬
‫أما القليل من الناس يتعلمون أفضل بالطريقة الجزئية حيث يرجع ذلك الى أنهم يقسمون‬
‫المادة الى أقسام منطقية‪.‬‬
‫‪ .3‬المادة ذات المعنى أيسر في التعلم‪ :‬وجد العلماء من خالل استخدام أبيات شعرية وحفظها‬
‫وتعلمها أ ن المادة ذات المعنى أسهل تسع مرات في تعلمها االستظهار من تعلم مادة ال‬
‫معنى لها‪ .‬وقد استخدم ثورندايك اصطالح "االنتماء" ليصف به العالقة بين شيئين فأكثر‬
‫والتي تجعلهما يتكامالن في كل واحد بواسطة التعلم‪.‬‬
‫‪ .4‬قيمة التسميع‪ :‬تبين نتائج التجارب أن التلميذ إذ حاول تسمع الدرس لنفسه بعد قراءته‬
‫عدة مرات‪ ،‬فإنه يوفر على نفسه الوقت في تثبيت الدرس جيداً في ذهنه‪.‬‬
‫‪ .5‬التعليمات واإلرشادات‪ :‬في تجربة عرضت على بعض األشخاص أزواج كلمات وطلب منهم‬
‫حفظها جيداً حتى يستطيعوا إعطاء الكلمة الثانية عندما تذكر لهم الكلمة األولى‪ .‬وبعد‬
‫اختبار أدائهم في ذلك العمل المسبوق بالتعليمات أعيد اختبار أدائهم دون إعطاء تعليمات‬
‫مسبقة‪ ،‬فكان يطلب منهم إعطاء الكلمة األ ولى عندما تذكر لهم الكلمة الثانية‪ .‬وظهر من‬
‫التجربة‪ ،‬أن تقديرهم في األداء الثاني كان يبلغ عادة حوالي عشر تقديرهم في األداء األول‪.‬‬
‫وتبين التجارب أهمية التعليمات المحددة في عملية التعلم ومن الواضح أننا نتعلم طبقاً‬
‫لمستلزمات العمل وليس بنوع من االنطباع الفوتوغرافي‪ .‬والتكرار بدون تدعيم ال يعلمنا‬
‫االرتباطات آلياً‪ ،‬بل يجب أن نشارك إيجابياً في عملية التعلم‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ .6‬تعمل الدوافع كمنبهات تحث المتعلم على النشاط‪ :‬للدوافع تحفز الفرد على العمل وتدقيه‬
‫مستم اًر فيه‪ .‬والدوافع التي تكون أكثر فعالية في ظروف معينة تتحدد بالنوع‪ ،‬والجنس‬
‫والعمر‪ ،‬والذكاء والميول وشخصية المتعلم‪ .‬فالطفل في التاسعة من عمره يتعلم قواعد لعبة‬
‫الكثرة بسهولة أكثر من تعلمه قواعد النحو‪ .‬والدوافع ليست دائماً واضحة بل تتغير من‬
‫وقت آلخر‪ ،‬ولكن البد من وجود دافع ما‪ ،‬على األقل في بداية التعلم فإذا ما ابتدأ التعلم‬
‫نجد ان الزهو في االنجاز أو الخزي عند الفشل قد يؤدي الى مواصلة النشاط‪.‬‬
‫‪ .7‬معرفة النتائج تقدم باعث ًا قوياً لبذل المجموع‪ :‬إن معرفة الفرد لمدى نجاحه فيما يعمل يقدم‬
‫له باعث ًا قوياً لبذل المزيد من الجهد في التعلم‪ .‬إن أطفال المدارس يعملون بحماس من‬
‫أجل ضرب الرقم القياسي لفصل آخر والتفوق على تالميذه وإن كان التلميذ جباناً او سهل‬
‫التثبيط نجعله يعمل ليتفوق على نفسه‪.‬‬
‫‪ .8‬التأثير النسبي لكل من الثواب والعقاب في عملية التعلم‪ :‬المديح والثناء والهدايا ومثلها‬
‫من المكافئات نعمل كبواعث للتعلم إن قدمت كتدعيم وعندما تكون نتائج مباشرة للتعلم‪.‬‬
‫إن تقدير المتعلم للمكافأة عامل هام أيضا‪ .‬وتبين نتائج التجارب أن العقاب إن كان يسرع‬
‫من عملية التعلم‪ ،‬فهذا يحدث بإجبار المتعلم على التخلص بسرعة جداً من االستجابات‬
‫التي تؤدي الى العقاب‪ .‬وبصفة عامة يتعلم الناس بسرعة أكثر حينما تدعم االستجابة‬
‫الصحيحة بالثواب أكثر من العقاب الذي يعقب االستجابة الخاطئة‪.‬‬

‫نظرية معالجة المعلومات في الذاكرة‬

‫تفترض النظرية ان (الذاكرة) عبارة عن نظام مكون من أجزاء ذات عالقة متبادلة‪ .‬كل جزء يسمى‬
‫(مخزن) وفي إمكانه معالجة أنماط معينة من الشفرات المعرفية‪ :‬وهذه الشفرات المعرفية يمكن ان‬
‫تنتقل من مخزن الى آخر مستخدمة عمليات ضابطه وهذه المخازن تختلف في سعتها وفترة اإلقامة‬
‫فيها وفي مميزاتها اإلجرامية‪.‬‬

‫أنواع المخازن في نظرية معالجة المعلومات‪:‬‬

‫طبيعة الذاكرة‪:‬‬

‫وهي الشغل الشاغل لعلماء النفس المعرفيين‪ ،‬وأصحاب نماذج تجهيز المعلومات منذ منتصف‬
‫ستينات القرن المنصرم‪ .‬ولعل أشهر اإلجابات وأكثرها دقة ذلك التقسيم الذي قدمه أتكنسون‬

‫‪4‬‬
‫وشفرين عام ‪ 1968‬للذاكرة من خالل ثالث عمليات هي (الذاكرة الحسية) و(الذاكرة قصيرة المدى)‬
‫و(الذاكرة طويلة المدى)‪ ،‬وفيما يأتي عرض لهذه العمليات‪:‬‬

‫الذاكرة الحسية‪:‬‬

‫وهي المسؤولة عن التسجيل الحسي‪ ،‬وتدخل من خاللها المعلومات إلى منظومة تجهيز‬
‫المعلومات‪ .‬ولكل وسيط حسي مسجل خاص‪ ،‬إال أن البحوث ركزت على ذاكرة المعلومات البصرية‬
‫(األيقونية)‪ ،‬وذاكرة المعلومات السمعية (الصدوية)‪ .‬وأكدت الدراسات التي أجريت على نوع الذاكرة‬
‫إنها تتسم بثالث خصائص رئيسة هي‪:‬‬

‫قابلية غير محدودة الستقبال المعلومات الحسية‪.‬‬ ‫‪.1‬‬

‫فقدان سريع للمعلومات‪.‬‬ ‫‪.2‬‬

‫ال يتوافر معنى محدد للمعلومات التي تعرض اإلحساسات‪.‬‬ ‫‪.3‬‬

‫وال تستمر المعلومات التي تحفظ في الذاكرة الحسية في المخيلة إذ إنها تختفي في اقل من ثانية‬
‫واحدة إال إذا تم نقلها فو ار إلى الذاكرة قصيرة المدى‪.‬‬

‫الذاكرة قصيرة المدى‪:‬‬

‫وهي مخزن الذاكرة‪ ،‬وتقع في منزلة تتوسط المنظومة المعرفية لإلنسان بين الذاكرة الحسية‬
‫والذاكرة طويلة المدى‪ ،‬وتتسم هذه العملية بخاصيتين رئيستين وهما‪:‬‬

‫بقاء المعلومات في هذا المخزن من الذاكرة طالما إن الفرد في حاجة إليها ويقوم‬ ‫‪.1‬‬
‫باستخدامها وتوظيفها)‪ ،‬مما دعا بعض العلماء المعاصرين بتسميتها (الذاكرة العاملة) ويعتمد‬
‫بقاء المعلومات على عملية التمثيل التي يتم بها تشفير المعلومات‪ ،‬ومن أمثلة ذلك إن تشفير‬
‫المعلومات اللغوية يتخذ صو ار صوتية ال صو ار بصرية حتى لو كانت المادة مقروءة‪.‬‬

‫سعتها محدودة‪ ،‬وهي تختلف عن الذاكرتين (الحسية وطويلة المدى) فهما تتسمان بسعة‬ ‫‪.2‬‬
‫غير محدودة‪ .‬وتعد هذه الذاكرة عنق الزجاجة في المنظومة المعرفية لإلنسان‪ ،‬وتسمى هذه السعة‬
‫المحدودة بمدى الذاكرة والذي يقاس بعدد عناصر المادة المتعلمة التي يمكن استرجاعها مباشرة‬
‫عقب العرض أو التعرض لها في موقف التعلم (أي بعد فاصل زمني قصير بين التعلم أو االكتساب‬
‫واالسترجاع) وقد تحدد هذا المدى برقم (‪ )7‬مضافا إليه أو مطروحا منه (‪ )2‬أي بين (‪)9 – 5‬‬
‫‪5‬‬
‫عناصر‪ .‬وهو المدى الذي تحدد أيضا باالنتباه حتى يكون انتقائيا‪ ،‬وفاعالً في الذاكرة الحسية‪،‬‬
‫ويسمى في هذه الحالة (مدى االنتباه)‪.‬‬

‫الذاكرة طويلة المدى‪:‬‬

‫وهي المسؤولة عن التخزين لمدة زمنية طويلة قد تمتد على مدى العمر كله‪ ،‬ويساعد على استقرار‬
‫المعلومات فيها بعد انقضاء الفترة المحددة لنشاط الذاكرة قصيرة المدى هو نظام التشفير الذي‬
‫يعتمد على التفصيل أو الفهم‪ ،‬ويحول المعلومات إلى نسق أكثر معنى وأفضل تنظيما‪ .‬ويتوقف‬
‫على هذه العملية النجاح أو الفشل في بقاء المعلومات في الذاكرة طويلة المدى‪ ،‬وتسهل استعادتها‬
‫واسترجاعها من مخزن الذاكرة‪ ،‬وهو أحد األهداف التربوية في ضوء محك االحتفاظ بالتعلم‪.‬‬

‫‪Forgetting‬‬ ‫النسيان‬

‫هو ظاهرة نفسية إنسانية لها حسناتها وسيئاتها‪ ،‬ففي الوقت التي تتجلى فوائدها في عدم تذكر‬
‫خبرات مؤلمة او أية معلومات أخرى غير مرغوب فيها فإن مضارها تتجلى في عدم استدعاء بعض‬
‫الخبرات المهمة والالزمة لتنفيذ استجابة ما لفظية كانت او حركية‪ .‬فالنسيان هو العملية العكسية‬
‫لعملية التذكر واالستدعاء وتتمثل في الفقدان الكلي او الجزئي‪ ،‬الدائم او المؤقت لبعض الخبرات‪.‬‬
‫وعادة ما يقاس النسيان بداللة الفرق بين ما يتم اكتسابه وما يتم تذكره وذلك كما هو موضح‬
‫بالمعادلة التالية‪:‬‬

‫النسيان = مقدار التعلم – كمية التذكر‬

‫وتشير الدالئل الى ان عدم القدرة على استرجاع المعلومات ال يعني بالضرورة انها تالشت من‬
‫الذاكرة ولم تعد موجودة فيها‪ .‬فالعديد من الباحثين يرون ان الخبرات التي يمر بها الفرد إثناء‬
‫تفاعالته المستمرة تبقى آثارها موجودة في الذاكرة‪ .‬ولكن صعوبة تذكرها ربما ترجع الى مجموعة‬
‫عوامل مثل سوء اإل ثارة لعدم وجود المنبه المناسب الذي يساعد على تذكرها او بسبب عدم وجود‬
‫الدافعية للتذكر أو بسبب عوامل التداخل او اإل زاحة او ألسباب ترتبط بإعادة تنظيم محتوى الذاكرة‬
‫او غيرها من األسباب التي تتعلق بظروف االكتساب والتركيز‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫نظريات تفسير النسيان‪:‬‬

‫نظرية التلف او االضمحالل (‪:)Decay Theory‬‬

‫تمثل هذه النظرية أقدم المحاوالت لتفسير ظاهرة النسيان اذ ترجع أصولها الى الفيلسوف اليوناني‬
‫أرسطو‪ ،‬وقد حاول ثورندايك (‪ )1914‬تفسير عملية النسيان من خالل تقديمه مبدأ االستعمال‬
‫واإلهمال للعادة المكتسبة اذ يرى أن العادات تقوى بالممارسة وتصنف باإلهمال نتيجة لعدم ممارستها‬
‫مع الزمن‪ .‬ويعزى النسيان هنا الى مرور زمن طويل على الخبرة المكتسبة بحيث ال يتم تنشيطها او‬
‫ممارستها مما يؤدي الى زوال آثارها من الذاكرة وبالتالي ضمورها واضمحاللها‪.‬‬

‫نظرية اإلحالل والتداخل (‪:)Displacement – Interference Theory‬‬

‫تنطلق هذه النظرية في تفسيرها للنسيان من عدة وجوه يتمثل إحداها في أن بعض المعلومات تتالشى‬
‫من الذاكرة وفقاً لمبدأ اإلحالل حيث تأتي بعض المعلومات لتحل محل معلومات أخرى‪ ،‬وغالباً ما‬
‫يحدث هذا في الذاكرة قصيرة المدى نظ اًر لطاقتها المحدودة على االستيعاب‪ .‬وهنالك عامل آخر‬
‫للنسيان يعزى الى عملية التداخل التي تحدث بين محتويات الذاكرة مما يعيق بعضها بعضاً من‬
‫االسترجاع‪ .‬حيث ان بعض المعلومات يصعب تذكرها او أن نوعاً من اإلزاحة يحدث عليها نظ اًر‬
‫لتداخلها مع معلومات أخرى‪ .‬فهذه النظرية ترى انه نظ اًر لكثرة الخبرات التي يتعرض لها الفرد في‬
‫تفاعالته الحياتية فإن الخبرات تتداخل وتتشابك معاً األمر الذي يعيق عملية تذكرها‪ .‬وقد يأخذ‬
‫التداخل بين المعلومات احد الشكليين التاليين‪:‬‬

‫‪ .1‬التداخل البعدي‪ :‬أو ما يسمى بالكف البعدي ويحدث هذا النوع من التداخل‪ ،‬عندما تعيق‬
‫الخبرات الجديدة تذكر الخبرات المتعلمة على نحو سابق‪ .‬ففي مثل هذه الحالة يصعب‬
‫استدعاء الخبرات السابقة بسبب وجود خبرات أخرى جديدة تكف عملية تذكرها‪.‬‬
‫‪ .2‬التداخل القبلي‪ :‬أو ما يسمى بالكف القبلي ويتجسد هذا النوع عندما تعيق الخبرات المتعلمة‬
‫سابقاً عملية تذكر الخبرات المتعلمة حديثاً‪ .‬فالخبرات السابقة في هذا النوع تكف تذكر الخبرات‬
‫الجديدة‪.‬‬

‫نظرية الفشل في االسترجاع (‪)Failure of Retrieval‬‬

‫تعزو هذه النظرية النسيان الى عدد من العوامل ترتبط جميعها بصعوبات تحديد مواقع المعلومات‬
‫المراد تذكرها في الذاكرة طويلة المدى‪ .‬فهي تؤكد أن المعلومات ال تتالشى من الذاكرة‪ ،‬وأن عملية‬
‫‪7‬‬
‫النسيان ما هي اال مسألة صعوبات في عملية التذكير‪ .‬وقد ترتبط هذه الصعوبات بعدد من العوامل‬
‫مثل غياب المنبهات المناسبة لتنشيط الخبرة المراد تذكرها او بسبب سوء الترميز والتخزين للخبرة او‬
‫غيرها من العوامل األخرى‪ .‬ويالحظ من نتائج تجارب ما يسمى على حافة اللسان ( – ‪Tipe – of‬‬
‫‪ )the – Tongue‬وتجارب اإلثارة الكهربائية لخاليا الدماغ لإلفراد تحت العمليات الجراحية انها‬
‫جميعاً تتفق على وجود الخبرات في الذاكرة وأن النسيان هو مجرد صعوبة في عملية التذكر‪ .‬فنحن‬
‫ال نخزن المثيرات كما هي في حالتها الطبيعية وانما تمثيالت معرفية لهذه المثيرات وبالتالي فإن‬
‫سهولة أو صعوبة تذكر خبرة ما يعتمد على عملية الترميز وإشكال التمثيل المعرفية المرتبطة بها‪.‬‬

‫نظرية تغير األثر (‪)Trace – change theory‬‬

‫تنطلق نظرية الجشطالت في تفسيرها للنسيان من افتراض رئيسي حول الذاكرة اإلنسانية مفاده ان‬
‫هذه الذاكرة تمتاز بالطبيعة الديناميكية بحيث تعمل على إعادة تنظيم محتوى الخبرات لتحقيق ما‬
‫يسمى الكل الجيد ‪ Good Gestalt‬والذي يمتاز باالتساق والتكامل ويعطي معنى معيناً أو يؤدي‬
‫وظيفة ما‪ .‬وخالل عمليات إعادة تنظيم محتوى الخبرات في ضوء تفاعالت الفرد المستمرة‪ ،‬فإن‬
‫بعض الخبرات ربما تتغير او تفقد بعضاً منها او انها تدمج مع خبرات أخرى‪ ،‬وهذا بالتالي يزيد من‬
‫صعوبة عملية تذكرها‪.‬‬

‫وجهات نظر أخرى‬

‫هناك وجهات نظر أخرى تعزى النسيان الى عوامل أخرى كنظرية التحليل النفسي لفرويد التي تعزو‬
‫النسيان الى دافع ال شعوري يسمى (الكبت) ‪ Repression‬لبعض لذكريات والسيما المحرجة او‬
‫المؤلمة منها أي من خالل رفعها من حيز الشعور الى حيز الالشعور بهدف حماية األنا (الذات)‪.‬‬

‫كما أن بعضاً منها يعزو النسيان لغياب الدافعية لتذكر خبرة ما‪ ،‬وهناك البعض اآلخر يعزوه الى‬
‫عدم االنتباه باألصل لبعض الخبرات او لعدم وضوح الخبرات المكتسبة وعدم اكتمالها‪.‬‬

‫يشغل موضوع التذكر والنسيان اهتمام المعلمين وخصوصا التقليديين منهم ممن يؤكدون على‬
‫حفظ المعلومات وتذكرها‪ .‬ويقصد بالتذكـ ـ ــر قدرة الفرد على استعادة ما سبق أن تعلمه واحتفظ به‪.‬‬
‫وهناك طريقتان للتذكر هما االستدعاء والتعرف‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫واالستدعاء (االسترجاع)‪ :‬هو استحضار الماضي في صورة ألفاظ أو معان أو حركات أو‬
‫صور ذهنيه‪ ،‬فالفرد السوي يمكن أن يسترجع بيتا من قصيدة‪ ،‬أو فكرة من األفكار‪ ،‬أو حادثه وقعت‬
‫منذ عهد بعيد‪.‬‬

‫أما التعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرف‪ :‬فهو شعور الفرد إن ما يدركه اآلن جزء من خبراته السابقة‪ ،‬وانه معروف‬
‫ومألوف لديه وليس شيئا غريبا عنه أو جديدا عنه‪ .‬ويبدو التعرف واضحا في المثالين اآلتيين‪( :‬أنا‬
‫اعرف هذه القطعة الموسيقية)‪ ،‬أو (هذا هو الكتاب الذي كنت ابحث عنه)‪ .‬والفرق بين االستدعاء‬
‫والتعرف أن االستدعاء تذكر شيء غير ماثل أمام الحواس‪ ،‬في حين أن التعرف تذكر شي ماثل‬
‫أمام الحواس‪ .‬فالشخص الواقف إمامك تتعرف على وجهه وتسترجع اسمه‪ ،‬واالسم الذي يذكر لك‬
‫تتعرف عليه وتسترجع وجه صاحبه‪.‬‬

‫العوامل المؤثرة في عمليتي التذكر والنسيان‪:‬‬

‫أ‪ .‬العوامل الموضوعية‪ :‬وتشمل‬

‫‪ .1‬الجدة والحداثة‪ :‬يتذكر الفرد المواضيع واإلحداث الجديدة والحديثة بصورة أفضل من المواضيع‬
‫القديمة‪.‬‬

‫‪ .2‬الخبرات األولى‪ :‬الخبرة األولى من أي نشاط تكون اثبت من غيرها من الخبرات التي تليها‪.‬‬

‫‪ .3‬الشدة‪ :‬كلما كانت الخبرات شديدة الوقوع كان تذكرها أقوى‪.‬‬

‫ب‪ .‬عوامل متعلقة بالمعلومات التي يتناولها الفرد‪ .‬تشير الدراسات إلى أن نسيان الفرد لما تعلمه‬
‫يتعلق بعوامل عدة منها‬

‫‪ .1‬درجة إتقان الفرد للمادة عند بداية تعلمه لها‪.‬‬

‫‪ .2‬البعد الزمني وطول المدة بين التعلم والحاجة إلى التذكر‪.‬‬

‫‪ .3‬مستوى العالقة بين ما يتعلمه الفرد وحاجته وميوله واتجاهه‪.‬‬

‫‪ .4‬نوع النشاط الذي يمارسه الفرد خالل المدة بين التعلم والتذكر‪.‬‬

‫‪ .5‬حالة الفرد الصحية (الجسمية والنفسية) عند التعلم وعند االستذكار‪.‬‬

‫ت‪ .‬عوامل تتعلق بالفرد نفسه‪ :‬وتشمل‬


‫‪9‬‬
‫‪ .1‬االستعدادات الفعلية‪ ،‬وهي طالما كانت مختلفة فمن الواجب أن يقدم الفرد فعاليات متنوعة‬
‫وأساليب مختلفة لمواجهة هذه الفروق‪.‬‬

‫‪ .2‬عمر الفرد‪ :‬تشير الدراسات إلى إن سرعة التعلم والحفظ تزداد بازدياد العمر حتى (‪ )25‬سنة‪.‬‬

‫‪ .3‬دوافع الفرد‪ :‬بما انه ال تعلم بدون دوافع‪ ،‬فالمتعلم هو القاعدة األساسية لعملية التذكر‪ ،‬والبد من‬
‫االهتمام بدوافع وحاجات المتعلمين‪.‬‬

‫ث‪ .‬الخبرات الماضية‪ :‬التعلم السابق يؤثر في التعلم الالحق‪.‬‬

‫كيفية تقوية الذاكرة وتحسين عملية التذكر‪:‬‬

‫وعد من هللا‬
‫يم" ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ .1‬تقوى هللا ّ‬
‫عز وجل قال تعالى‪ " :‬واتقوا هللا َوُي َعّل ُم ُك ُم هللا وهللا ب ُك ّل َش ْيء َعل ٌ‬
‫نور يفهم به ما يلقى إليه‪.‬‬ ‫تعالى بأن من اتقاه عّلمه‪ ،‬أي يجعل في قلبه ًا‬
‫المعاصي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سوء ِحفظي‬ ‫وت ِإلى َو ٍ‬
‫َرش َدني إلى تَرك َ‬ ‫َفأ َ‬ ‫كيع َ‬ ‫َش َك ُ‬
‫َللاِ ال ُيهدى لِع ــاصي‬
‫ـور َ‬
‫َون ـ ُ‬ ‫ـور‬
‫ـلم ن ـ ـ ـ ـ ٌ‬
‫وأَخبـ ــرني ِبأ َّ ِ‬
‫َن العـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫َ ََ‬
‫‪ .2‬كثرة االستغفار فإنه أحد أسباب الخير ‪:‬‬
‫َوُي ْم ِد ْد ُك ْم‬ ‫اء َعَل ْي ُك ْم ِم ْد َرًا‬
‫ار *‬ ‫ار * ُي ْرِس ِل َّ‬
‫الس َم َ‬ ‫ان َغَّف ًا‬ ‫استَ ْغ ِف ُروا َرب ُ‬
‫َّك ْم ِإَّن ُه َك َ‬ ‫قال تعالى‪َ ﴿ :‬فُقْل ُت ْ‬

‫ار ﴾ [نوح‪]12 -10 :‬‬ ‫ال وبِنين ويجعل َل ُكم جَّن ٍ‬


‫ات َوَي ْج َع ْل َل ُك ْم أ َْن َه ًا‬ ‫ِ ٍ‬
‫بأ َْم َو َ َ َ َ َ ْ َ ْ ْ َ‬

‫‪ .3‬الدعاء بأن يسأل هللا تعالى أن يذكره ما نسي‪.‬‬

‫‪ .4‬حدد لنفسك وقتا تبدأ فيه الدراسة‪ ،‬ومكانا خاصا تراجع فيه‪ ،‬فكثير من العادات تتخذ صورة‬

‫الدوافع‪.‬‬

‫‪ .5‬اتخذ جلسة انتباه ال جلسة استرخاء‪.‬‬

‫‪ .6‬قاوم شرود الذهن بكل الوسائل الممكنة‪.‬‬

‫‪ .7‬حدد الغرض من الدراسة وما تريد تذكره‪ ،‬فالتعلم المقصود غير التعلم العارض‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪ .8‬من األفضل دراسة أجزاء من مواد مختلفة كل يوم‪ ،‬بدالً من أن تخصص يوماً لكل مادة‪.‬‬

‫‪ .9‬خذ فترة راحة كافية بين فراغك من دراسة مادة‪ ،‬والبدء في أُخرى‪.‬‬

‫قم بأجراء تجربة على نفسك لترى أيهما أصلح لك‪ ،‬أن تبدأ بدراسة المواضيع (الصعبة‬ ‫‪.10‬‬

‫أم السهلة)‪ ،‬والمواضيع التي تحتاج زمنا (طويال أم قصيرا) في التعلم‪.‬‬

‫أبذل وقتا كافيا من وقت الدراسة للتسميع الذاتي‪.‬‬ ‫‪.11‬‬

‫حتى تتغلب على الكبت‪ ،‬اجعل من التعلم ممتعا‪.‬‬ ‫‪.12‬‬

‫شجع نفسك على استخدام أسلوب حل المشكالت في التعلم‪.‬‬ ‫‪.13‬‬

‫‪11‬‬

You might also like