Professional Documents
Culture Documents
المجزوءة الثانية
النظريات الكبرى المفسرة للتعلم
ما معنى التعلم؟ تقديــــــم:
يعرف األستاذ عبد الكريم غريب في معجمه التربوي التعلم بأنه:
تحليل أهداف التعلم والمرتبطة بكل م ا يمكن للف رد أن يتعلم ه :تص ورات ،مواق ف ،مف اهيم س لوكات ،أح داث،
معطيات ،حركات ،طرق...
تحلي ل س يرورات التعلم ،والميكانزم ات الداخلي ة ال تي تتأس س عليه ا التعلم ات ،وهن ا نستحض ر الم دارس
السيكولوجية الكبرى التي تحاول تفسير هذه الميكانزمات.
ظهرت المدرسة السلوكية مع الباحث األمريكي واطسون منذ سنة .1912وبغض النظر عن التنوع الحاصل
في التيارات والتوجهات النظرية المؤسسة على المنظور السلوكي ،فإنها تشترك في كونها تُجمع على أن :
" التعلم هو حدوث تغيير أو تعديل في سلوك المتعلم عندما يتعرض لتأثير محدد صادر عن المحيط الخارجي".
وينطب ق ه ذا التعري ف س واء على التعلم التلق ائي ال ذي يح دث خالل التفاع ل الي ومي بين الف رد والمحي ط الخ ارجي ،أو
بالنس بة للتعلم المنظم ك التعلم داخ ل الفض اء المدرس ي .ول و أن الب احث س كينر يؤك د على أهمي ة التعليم المنظم باعتب اره
طريقة مركزة إلثارة التعلم .وفي ما يلي جرد مركز ألهم المفاهيم في هذه النظرية:
مفهوم السلوك:
يعتبر المفهوم المركزي عند المدرسة السلوكية ،ويتميز بالخصائص التالية :
8
اإلشراط : Le conditionnement
اإلشراط طريقة إلقامة عالقة شرطية بين مثير معين واستجابة محددة .مثال:
مفهوم المثير:
حس ب س كينر "ه و ك ل التغي يرات الحاص لة في الوس ط كانبع اث ص وت ،أو ض وء ،أو اختف اء ش يء "...،ويمكن
تصنيف المثيرات إلى عدة أنواع نذكر بعضها مع أمثلة توضيحية:
إذا كان المثير طبيعيا وله عالقة بالتكوين البيولوجي الغريزي للفرد ،يسمى هذا المثير الالإشراطي أو المثير
المطلق ،مثل :الطعام والشراب والجنس...
وإ ذا ك ان المث ير مرتبط ا بم ا اكتس به الف رد من خ برات وتج ارب وع ادات خالل حيات ه ،ومرتبط ا باألش ياء أو
الموضوعات المحيطة به ،يسمى المثير اإلشراطي.
وإ ذا كان المثير ال يحدث أي رد فعل من طرف الفرد يسمى المثير المحايد.
وإ ذا كان المثير نتيجة استجابة وأسفر عن تمسك الفرد بهذه االستجابة سمي مثيرا معززا أو مدعما.
مفهوم االستجابة:
هو رد الفعل الذي يظهر على الفرد نتيجة حصول تغيير في المحيط الخارجي .ويمكن أن نميز بين بعض أنواع
االستجابات:
إذا كانت االستجابة عبارة عن رد فعل تجاه مثير خارجي ،وكانت العالقة بينهما تابثة وقابلة للتكرار تعتبر
هذه االستجابة غريزية وال شرطية.
9
وإ ذا كانت االستجابة ناتجة عن مثير غير طبيعي وكان االرتباط بينهما ناتج عن التعود والتكرار ،فهي تجربة
إشراطية .وهذا النوع هو الذي حظي باهتمام كبير في الدراسات السلوكية.
تعتبر بيداغوجية األهداف من أبرز آثار هذه المدرسة في الحقل التربوي ،فما المقصود ببداغوجية األهداف؟
في مطل ع الخمس ينات ترك زت أبح اث العدي د من علم اء النفس الس لوكيين على المج ال ال تربوي للرف ع من مردوديت ه
بتطبيق العدي د من تص وراتهم النظري ة ،ونذكر في ه ذا الص دد الب احث األمريكي سكينر Skinnerالذي َيعت بر ذهن
التلميذ علبة سوداء يصعب استكشافها لذا نصح بالتركيز على المدخالت في التعلم وهي عبارة عن مهام تم تجزيئها إلى
عناصر جزئي ة دقيق ة وواض حة ،ومخرج ات في نهاي ة التعلم تمت ص ياغتها على ش كل أهداف قابل ة للقي اس .وس يعمل
بني امين بلوم على تجمي ع وتصنيف هذه األهداف التعليمي ة على ش كل صنافات Taxonomiesتت درج فيه ا األهداف
من مس توى الغاي ات م رورا ب المرامي واأله داف العام ة ووص وال إلى األه داف اإلجرائي ة .كم ا تم التمي يز بين أه داف
معرفية ترتبط بمستويات العمل الذهني ،وأهداف حس حركية وأخرى وجدانية.
ورغم المؤاخ ذات العديدة على ه ذا النموذج البي داغوجي إال أنه عرف انتش ارا واس عا في العالم ولع دة عقود ،والزالت
العديد من الممارسات الحالية تعتبر امتدادا له (يعتبر مدخل الكفايات الجيل الثاني لألهداف التربوية).
يعت بر بي22اجي رائ د ه ذه المدرس ة ،وق د أك د على أهمي ة النش اط الح ركي وال ذهني المم ارس من ط رف ال ذات
باعتباره ا ذات ا فاعل ة ومتفاعل ة م ع محيطه ا .وه ذا يع ني أن المعرف ة ال يتم تعلمه ا نتيج ة الت أثير المباش ر للمحـيط
(أوالموض وع )على الف رد المتعلم حس بما يعتق ده الس لوكيون مثال ،كم ا أنه ا ليس ت نتيج ة عم ل عقلي خ الص ،يق ول
بي اجي " :إن الع الم ال يك ون منظم ا ( في أذهانن ا) إال إذا تمت إع ادة خل ق ه ذا النظ ام ش يئا فش يئا عن طريق ة بنين ة
الموضوعات والمكان والزمان والسببية بالموازاة مع بناء منطق ما ،وأننا ال نتعلم شيئا من المدرسين إال عندما نعيد
بناء فكرهم أيضا ،وإ ال تعذر تثبيته في الذكاء أو في الذاكرة".
التوازن:
التعلم بالنسبة لبياجي ليس أنشطة عبثية ،بل يستهدف بلوغ حالة توازن فُقدت عند الفرد بسبب ظهور تغييرات
في المحيط الخارجي فأنشأت لديه حاجة إلى المعرفة والتعلم .إال أن حالة التوازن ليست دائمة فسرعان ما يعقبها حالة
انعدام توازن جديدة وهكذا دواليك .ويتم بناء الذكاء من خالل هذا السعي المستمر للبحث عن حالة التوازن.
االستيعاب آلية سيكولوجية تس مح للفرد بإدماج المعطي ات أو المعلومات الصادرة عن الموضوع أو المحيط الخارجي
في إطار نشاطه وأفعاله الحركية والفكرية وتتمثل تلك اآللية في جملة من األفعال المنظمة :الجمع ،الترتيب ،التصنيف،
النفي ،اإلثبات ...وبالتالي يتم إدخال هذه المعطيات إلى الذهن حيث تفهم وتؤول وتفسر طبقا لما يتضمنه هذا الذهن من
عمليات وبنيات فكرية متنوعة ، Schèmesلتخرج في النهاية عبارة عن أشكال معرفية.
أما التالؤم فهو تلك اآللية السيكولوجية التي تجبر الفرد على االنتباه إلى ما يحدث في المحيط الخارجي من تغييرات
ليصبح فعله أو نشاطه الفكري في حالة اضطرار لكي يتوافق مع كل تنوع خارجي.
الذكاء باعتباره سعي مستمر لتحقيق التوازن وتجاوز العوائق والمشكالت الموجودة في المحيط الخارجي ،ال
يمكن تنميت ه في الوس ط التعليمي إال إذا تمت ص ياغة وض عيات تعليمي ة -تعلمي ة بش كل إش كالي يس مح باس تثارة آلي تي
االستيعاب والتالؤم عند التلميذ ليبني معرفته بنفسه عوض تلقيها جاهزة .فاالنطالق من الوضعية المسألة وطريقة حل
المشكالت ،كلها تقنيات بيداغوجية تجد سندا لها في النظرية البنائية.
وبالتالي فإن أي تعليم مبني على الترديد والتلقي السلبي وهيمنة المدرس كمصدر للمعرفة ،هو تعليم مضاد ومتناف مع
طبيعة الذكاء البشري.
وس نرى في الحص ة التكويني ة الالحق ة م دى اعتم اد منظ ري م دخل الكفاي ات على المنظ ور البن ائي لت برير وتفس ير ه ذا
التصور في هندسة المناهج.
الفكرة المركزية عند أصحاب االتجاه السوسيوبنائي هو االنتقال من تصور سيكولوجي ثنائي األبعاد (التفاعل بين الفرد
والمهمة) إلى تصور ثالثي األبعاد (الفرد/المهمة/اآلخر) ،فالتعلم لم يعد مسألة خاصة تربط الفرد بالموضوع فقــط ،بــل
يبرز هنا الدور الحاسم للمتغيرات االجتماعية في بلورة سيرورة التعلم.
13
حسب العالم الروسي فيغوتسكي كل الوظائف الذهنية العليا ( انتباه ،ذاك رة ،إرادة ،تفك ير لفظي )...تمت بلورته ا
في سياق اجتماعي بفضل عام ل أس اس وه و :اللغة والنظ ام الرم زي .وت َملُّ ُ
ك ه ذه األداة التواص لية ه و ال ذي يُمكن من
االنتقال من التفكير البسيط إلى األنشطة الذهنية العليا.
وق د بينت بعض الدراس ات المختبري ة التجريبي ة ب أن العالق ات التفاعلي ة فيم ا بين التالمي ذ في وض عية ح ل
المشكالت ،تلعب دورا أساسا وبناء في تنمية الكفايات المعرفية الفردية .س واء ك ان ذل ك بين أف راد متس اويين ومتق اربي
المستوى وهنا يبرز دور التعاون المشترك إليجاد الحل ،أو تعلق األمر بأفراد متب ايني المس توى حيث يس تفيد ذو الخ برة
المحدودة من االستراتيجيات الذهنية لذوي الخبرات العالية.