Professional Documents
Culture Documents
E - Learning PH433-فلسفة-الأخلاق-Partie-2
E - Learning PH433-فلسفة-الأخلاق-Partie-2
أكدت في المحاضرة السابقة أن تحميمي لبعض التيمات األخالقية األساسية عند أرسطو
يعتمد عمى كتاب "األخالق إلى نيقوماخوس" .أخبركم أعزائي عزيزاتي أنني أعتمد ىنا عمى
نص الترجمة الفرنسية التي أنجزىا تريكو ( )Tricotليذا الكتاب ،وىي متاحة لمتحميل عمى
األنترنيت.1
يبدأ كتاب "األخالق إلى نيقوماخوس" بتأكيد قضية قررىا في فمسفتو الطبيعية .فال شك أنكم
التقسيم الرباعي لمعمل عند المعمم األول :عمة ىيوالنية ،عمة صورية ،عمة فاعمة ،عمة غائية.
إن التمييز بين ىذه العمل غرضو حسب المعمم األول ىو تفسير الطبيعة من جية ما ىي
مبدأ الحركة والسكون .لقد قرر في كتاب "الطبيعة" أن جميع الكائنات الطبيعية ،أي التي
مبدأ حركتيا وسكونيا كامن فييا ،تسعى بالطبع إلى غاية ما .وىذا المبدأ الغائي ينطبق عمى
األفعال اإلنسانية أيضا :فكما أن األجسام الثقيمة (التراب مثال) تسقط بالطبع ،بينما الخفيفة
(النار مثال) تصعد ،فكذلك يسعى الناس بالطبع إلى المعرفة والسعادة .فيا ىو المعمم األول
يقرر في بداية "األخالق إلى نيقوماخوس" ما يمي:
«ترمي كل صناعة 2وكل سعي منيجي ،وكذلك كل فعل 3وكل اختيار فيو تشاور ،4عمى ما
يبدو ،إلى خير ما .وقد قيل بحق إن الخير ىو ما ترمي إليو األشياء كميا»5.
1. Aristote, Éthique à Nicomaque, Traduction (1959) J. Tricot, Éditions Les Échos du
Maquis, v. : 1,0, janvier 2014.
2. TYCHNÉ : (art, technique).
3. PRAXIS : (action).
4. PROAIRÊSIS : (choix, décision).
وبما أن الصناعات والعموم كثيرة ،وغاياتيا مختمفة ،وبما أن ىذه الصناعات والعموم ليست
سواء ،بل إن بعضيا تابعة لبعض ،فإن «الغايات التي ترمي إلييا الصناعات الرئيسة أفضل
شأنا من كل الغايات التي ترمي إلييا الصناعات التابعة ،ألن ىذه إنما تُطمب من أجل
الغايات األولى»6.
وىكذا ،إن وجدت بين أفعالنا غاية ما نبتغييا لذاتيا ،وال نبتغي الغايات األخرى إال من أجميا
-وكانت الغايات ال تتسمسل إلى ما ال نياية ،واال صارت الرغبة عبثية وغير مجدية ،-فإن
ىذه الغاية المرجوة لذاتيا ستكون بالضبط ىي الخير األسمى.7
إنو لمن الميم إذن تحديد طبيعة هذا الخير األسمى ( la nature du Souverain
،)Bienومعرفة العلم الخاص الذي يجعل منه غاية.
إن العمم الذي ييتم بالخير األسمى ال بد أن يكون ،حسب أرسطو ،ىو أشرف الصناعات
العممية وأفضميا ،أي أقدرىا عمى توجيينا في ىذا الشأن .وىذا العمم الذي يسود جميع العموم
األخرى التي ليا صمة بالشؤون العممية ،من قبيل االقتصاد والخطابة وفن قيادة الجيوش،
ويشرع ما ينبغي القيام بو ،وما ينبغي االمتناع عنو ،إنما ىو السياسة؛ ولذلك كانت الغاية
ُ
التي ترمي إلييا السياسة شاممة لغايات سائر الصناعات األخرى .وبناء عمى ذلك« ،كانت
غاية السياسة هي الخير الذي يخص اإلنسان» ( la fin de la Politique est le
.)bien proprement humainوال ريب في أن "غاية" الفرد ىي نفسيا "غاية" المدينة،
5. « Tout art et toute investigation, et pareillement toute action et tout choix tendent vers
quelque bien, à ce qu'il semble .Aussi a-t-on déclaré avec raison que le Bien est ce à quoi
» toutes choses tendent.
6. « Les fins des arts architectoniques doivent être préférées à toutes celles des arts
» subordonnés, puisque c'est en vue des premières fins qu'on poursuit les autres.
7. « Si donc il y a, de nos activités, quelque fin que nous souhaitons par elle-même, et les
autres seulement à cause d'elle, et si nous ne choisissons pas indéfiniment une chose en
vue d'une autre (car on procéderait ainsi à l'infini, de sorte que le désir serait futile et
» vain), il est clair que cette fin-là ne saurait être que le bien, le Souverain Bien.
وأن األخالق تبعا لذلك ممزمة بتحديد خير الفرد .وىكذا فإن األخالق والسياسة عممان
مترابطان ترابطا وثيقا ،بحيث إنو ال قيام لألولى بدون الثانية.
يشدد أرسطو عموما عمى أن اختالف الموضوعات أمر ينبغي أخذه في الحسبان عند
مقاربتيا؛ ولذلك عمينا أن «ال نطالب بالصرامة [الدقة] نفسيا في كل شيء .إذ في كل
مجال ،ينبغي أن نطمب قد ار من الدقة بحسب ما تقتضيو المادة التي نعالجيا ،وبالمقدار
المالئم لبحثنا .فالنجار والميندس ينيجان طريقتين مختمفتين في طمب الزاوية القائمة ،ألن
األول ال ينشغل بيا إال بقدر ما ينتفع بيا في عممو ،بينما الثاني يسعى إلى معرفة ما ىي
وما خاصيتيا ،ألنو الناظر في حقيقتيا».
وبما أن الشؤون العممية (السياسية واألخالقية )...تتميز عموما بأن األمور فييا ال تجري
عمى وتيرة واحدة دائما وأبدا ،فإنو ال بد من أخذ ىذه الخصوصية في االعتبار عند تناوليا
وتحميميا ،فال نطالب بالدقة والصرامة إال بقدر ما تتيحو طبيعة ىذا الموضوع« .إن األمور
الجميمة والعادلة ،وىي المواد التي تعالجيا السياسة ،فييا من التباين ومن الترجيح ما يجعمنا
نعتقد أنيا ناشئة عن التعاقد [أو القانون] ،وليس عن الطبيعة .ومثل ىذا الترجيح يظير أيضا
في خيرات الحياة ،نظ ار لألضرار التي تنجم عنيا في الغالب .فبعض الناس كان الغنى وباال
عمييم ،وآخرون أىمكتيم شجاعتيم .وليذا ينبغي أن نكتفي في معالجتنا لمواد ىذا حاليا،
وانطالقا من مبادئ ىذا حاليا ،بأن نبين الحقيقة عمى طريق اإلجمال والتقريب .وعندما
نتحدث عن أمور قارة فقط ،وننطمق من مبادئ قارة أيضا ،ال يمكن أن نصل إال إلى نتائج
ليا ىذه السمة نفسيا»8.
8.« Les choses belles et les choses justes qui sont l'objet de la Politique, donnent lieu à
de telles divergences et à de telles incertitudes qu'on a pu croire qu'elles existaient
seulement par convention et non par nature. Une pareille incertitude se présente aussi
dans le cas des biens de la vie, en raison des dommages qui en découlent souvent : on a
ال مجال في األمور العممية لمضرورة؛ ومن ال يراعي طبيعة الموضوعات العممية ،فيطالب
بالصرامة والدقة في كل شيء ،سيكون كمن يطالب الخطيب باإلتيان ببراىين قاطعة ،أو
ينتظر من الرياضي استدالالت محتممة.
إن المنطمق في دراستنا لمشؤون العممية ،ليس ىو المعموم أو البين "في ذاتو" ،أي البدييي
الذي يعتبر مبدأ تُستنبط منو النتائج كما ىو الحال في الرياضيات ،وانما المنطمق ىنا ىو
المعموم "بالنسبة إلينا" ،أي الوقائع التي نبحث ليا عن مبادئ ،دونما حاجة إلى تعميل
الواقعة .وىكذا فإن مبادئ األخالق والسياسة تُدرك باالستقراء واإلدراك الحسي والتعود
والممارسة .وبعبارة أخرى ،ال بد في مجال األخالق والسياسة من االنطالق من التجربة ومن
األحكام التي يصدرىا من اشتيروا بالحكمة والفضية والروية؛ وبعد الغربمة النقدية ،أي مقارنة
اآلراء والترجيح بينيا نصل طبعا إلى "حقائق" راجحة .ثم إن من يوثق بحكمو في مجال
األخالق والسياسة ىو "العاقل" أو "صاحب الروية" ( )phronimosالذي لو األىمية ألن
ويقدر أفضل السبل والطرق التي تفضي إلى "الحياة الطيبة" والنجاح .والحال أن
يتشاور ُ
اإلنسان ال يتشاور في األمور المستحيمة أو في الضروري (= ما ال يمكن أن يكون بخالف
ما ىو عميو ،وىو موضوع العمم).
وىكذا ،فإن الحياة الطيبة ال يمكن أن تكون موضوعا لعمم أو لصناعة؛ ألنيا تنطوي عمى
مبادئ مدموغة بالطابع العرضي (و"العرضي" ىو ما يمكن أن يكون بخالف ما ىو عميو)،
وتقتضي تقدي ار عقميا وأخالقيا لما يمكن اعتباره خي ار أو ش ار بالنسبة إلى اإلنسان؛ ولذلك
كانت الروية (« )phronésisحاال مقترنة بقاعدة سديدة ،وىي تحمل عمى الفعل عندما
vu, en effet, des gens périr par leur richesse, et d'autres périr par leur courage. On doit
donc se contenter, en traitant de pareils sujets et partant de pareils principes, de
montrer la vérité d'une façon grossière et approchée ; et quand on parle de choses
simplement constantes et qu'on part de principes également constants, on ne peut
» aboutir qu'à des conclusions de même caractère.
يتعمق األمر بما ىو خير أو شر بالنسبة إلى اإلنسان» .9إن األخالق إذن موضوع لبحث
"جدلي" ،أي يقتصر عمى مناقشة "الصعوبات" وتحميميا ،وتقدير أنجع الوسائل الموصمة إلى
الغايات الخيرة ،وال يضع نصب العين إال "الصواب" ،أي "الحقائق" الراجحة والمحتممة؛ إال
أنو مع ذلك قادر عمى أن يستخمص مبادئ موجية لمفعل.
9.«La prudence est une disposition, accompagnée de règle vraie, capable d'agir dans la
» sphère de ce qui est bon ou mauvais pour un être humain.