Professional Documents
Culture Documents
من األدّلة على احلكم الشرعّي عند األصولّيني اإلمامّية (« )1العقل» ،إذ يذكرون
أّن األدّلة على األحكام الشرعّية الفرعّية أربعة :الكتاب ،والسّنة ،واإلمجاع ،والعقل.
وسيأيت يف «مباحث احلّج ة» وجه حجّية العقل
أّم ا هنا فإمّن ا يبحث عن تشخيص صغريات ما حيكم به العقل املفروض أّنه حّج ة ،
أي يبحث هنا عن مصاديق أحكام العقل الذي هو دليل على احلكم الشرعّي .وهذا
نظري البحث يف املقصد األّو ل (مباحث األلفاظ) عن مصاديق أصالة الظهور اليت هي
حّج ة ،وحّج يتها إمّن ا يبحث عنها يف مباحث احلّج ة.
وتوضيح ذلك أّن هنا مسألتني :
.1إّنه إذا حكم العقل على شيء أّنه حسن شرعا أو يلزم فعله شرعا ،أو حيكم
(
على شيء أّنه قبيح شرعا أو يلزم تركه شرعا بأّي طريق من الطرق اليت سيأيت بياهنا
، )3هل يثبت هبذا احلكم العقلّي حكم الشرع؟ أي إّنه من حكم العقل هذا هل
يستكشف أّن الشارع واقعا قد حكم بذلك؟ ومرجع ذلك إىل أّن حكم العقل هذا هل
هو حّج ة أو ال؟ وهذا البحث ـ كما قلنا ـ إمّن ا يذكر يف مباحث احلّج ة ،وليس هنا
موقعه .وسيأيت بيان إمكان حصول القطع باحلكم الشرعّي من غري الكتاب والسّنة (، )1
وإذا حصل ،كيف يكون حّج ة؟
.2إّنه هل للعقل أن يدرك بطريق من الطرق أّن هذا الشيء مثال حسن شرعا أو
قبيح أو يلزم فعله أو تركه عند الشارع؟ يعين أّن العقل بعد إدراكه حلسن األفعال أو
لزومها ،ولقبح األشياء أو لزوم تركها يف أنفسها بأّي طريق من الطرق ...هل يدرك
مع ذلك أهّن ا كذلك عند الشارع؟
وهذا املقصد الثاين ـ الذي ّمسيناه « :حبث املالزمات العقلّية» ـ عقدناه ألجل بيان
ذلك يف مسائل على النحو الذي سيأتى إن شاء اهلل (تعاىل) ،ويكون فيه تشخيص
صغريات حجّية العقل املبحوث عنها يف املقصد الثالث (مباحث احلّج ة).
ّمث ال بّد ـ قبل تشخيص هذه الصغريات يف مسائل ـ من ذكر أمرين يتعّلقان
باألحكام العقلّية مقّد مة للبحث ،نستعني هبا على املقصود ،ومها :
()2
.1أقسام الدليل العقلّي
إّن الدليل العقلّي ـ أو فقل :ما حيكم به العقل الذي يثبت به احلكم الشرعّي ـ
ينقسم إىل قسمني :ما يستقّل به العقل ،وما ال يستقّل به.
وبتعبري آخر نقول :إّن األحكام العقلّية على قسمني :مستقالت ،وغري
مستقّالت.
وهذه التعبريات كثريا ما جتري على ألسنة األصولّيني ويقصدون هبا املعىن الذي
سنوّض حه .وإن كان قد يقولون « :إّن هذا ّمما يستقّل به العقل» وال يقصدون هذا املعىن
،بل يقصدون به معىن آخر ،وهو ما حيكم به العقل بالبداهة وإن كان ليس من
املستقّالت العقلّية باملعىن اآليت.
وعلى كّل حال ،فإّن هذا التقسيم حيتاج إىل شيء من التوضيح ،فنقول :
إّن العلم باحلكم الشرعّي ،كسائر العلوم ال بّد له من عّلة ؛ الستحالة وجود
املمكن بال عّلة .وعّلة العلم التصديقّي ال بّد أن تكون من أحد أنواع احلّج ة الثالثة :
القياس ،أو االستقراء ،أو التمثيل .وليس االستقراء ّمما يثبت به احلكم الشرعّي ،وهو
واضح .والتمثيل ليس حبّج ة عندنا ؛ ألّنه هو القياس املصطلح عليه عند األصولّيني الذي
هو ليس من مذهبنا.
فيتعنّي أن تكون العّلة للعلم باحلكم الشرعّي هي خصوص القياس باصطالح
املناطقة ،وإذا كان كذلك فإّن كّل قياس ال بّد أن يتأّلف من مقّد متني ،سواء كان
استثنائّيا أو اقرتانّيا .وهاتان املقّد متان قد تكونان معا غري عقلّيتني ،فالدليل الذي يتأّلف
منهما يسّم ى «دليال شرعّيا» يف قبال الدليل العقلّي .وال كالم لنا يف هذا القسم هنا.
وقد تكون كّل منهما أو إحدامها عقلّية ـ أي ّمما حيكم العقل به من غري اعتماد على
حكم شرعّي ـ ،فإّن الدليل الذي يتأّلف منهما يسّم ى «عقلّيا» ،وهو على قسمني :
.1أن تكون املقّد متان معا عقلّيتني ،كحكم العقل حبسن شيء أو قبحه ّ ،مث
حكمه بأّنه كّل ما حكم به العقل حكم به الشرع على طبقه .وهو القسم األّو ل من
الدليل العقلّي ،وهو قسم «املستقّالت العقلّية».
.2أن تكون إحدى املقّد متني غري عقلّية واألخرى عقلّية ،كحكم العقل بوجوب
املقّد مة عند وجوب ذيها ،فهذه مقّد مة عقلّية صرفة ،وينضّم إليها حكم الشرع
بوجوب ذي املقّد مة .وامّن ا يسّم ى الدليل الذي يتأّلف منهما «عقلّيا» ألجل تغليب
جانب املقّد مة العقلّية .وهذا هو القسم الثاين من الدليل العقلّي ،وهو قسم «غري
املستقّالت العقلّية» .وامّن ا ّمسي بذلك ؛ ألّنه ـ من الواضح ـ أّن العقل مل يستقّل وحده يف
الوصول إىل النتيجة ،بل استعان حبكم الشرع يف إحدى مقّد ميت القياس.
الخالصة
ومن مجيع ما ذكرنا يّتضح أّن املبحوث عنه يف املالزمات العقلّية هو إثبات
الكربيات العقلّية اليت تقع يف طريق إثبات احلكم الشرعّي ،سواء كانت الصغرى
عقلّية ،كما يف املستقّالت العقلّية ،أو شرعّية ،كما يف غري املستقّالت العقلّية.
أّم ا الصغرى :فدائما يبحث عنها يف علم آخر غري علم األصول ،كما أّن الكربى
يبحث عنها يف علم األصول ،وهي ( )1عبارة عن مالزمة حكم الشرع لشيء آخر
باملالزمة العقلّية ،سواء كان ذلك الشيء اآلخر حكما شرعّيا أم حكما عقلّيا أم
غريمها .والنتيجة من الصغرى والكربى هاتني تقع صغرى لقياس آخر كرباه حّجّية العقل
،ويبحث عن هذه الكربى يف مباحث احلّج ة.
وعلى هذا فينحصر حبثنا هنا يف بابني « :باب املستقّالت العقلّية» ،و «باب غري
املستقّالت العقلّية» ،فنقول :
الباب األّو ل
المستقّالت العقلّية
تمهيد
الظاهر احنصار املستقّالت العقلّية ـ اليت يستكشف منها احلكم الشرعّي ـ يف مسألة
واحدة ،وهي مسألة التحسين والتقبيح العقلّيين .وعليه ،يجب علينا أن نبحث عن
هذه المسألة من جميع أطرافها بالتفصيل ،ال سّيما أّنه لم يبحث عنها في كتب
األصول الدارجة ،فنقول :
وقع البحث هنا في أربعة أمور متالحقة :
.1إّنه هل تثبت لألفعال ـ مع قطع النظر عن حكم الشارع وتعّلق خطابه بها ـ
أحكام عقلّية من حسن وقبح؟ أو إن شئت فقل :لألفعال حسن وقبح بحسب
ذواتها ،ولها قيم ذاتّية في نظر العقل قبل فرض حكم الشارع عليها ،أو ليس لها
ذلك ،وهذا هو الخالف األصيل بين األشاعرة والعدلّية ،وهو مسألة التحسين
والتقبيح العقلّيين المعروفة في علم الكالم ونحن نبحث عن هذه المسألة هنا
باعتبار أّنها من المبادئ لمسألتنا األصولّية.
.2إّنه بعد فرض القول بأّن لألفعال في حّد أنفسها حسنا وقبحا ،هل يتمّك ن
العقل من إدراك وجوه الحسن والقبح مستقّال عن تعليم الشارع وبيانه أو ال؟ وهذه
المسألة هي إحدى نقط الخالف المعروفة بين األصولّيين وجماعة من األخبارّيين
وهي أيضا ليست من مباحث علم األصول ،ولكّنها من المبادئ لمسألتنا األصولّية
اآلتية
.3إّنه بعد فرض أّن لألفعال حسنا وقبحا وأّن العقل يدرك الحسن والقبح ،
يصّح أن ننتقل إلى التساؤل عّم ا إذا كان العقل يحكم أيضا بالمالزمة بين حكمه
وحكم الشرع ،بمعنى أّن العقل إذا حكم بحسن شيء أو قبحه هل يلزم عنده عقال
أن يحكم الشارع على طبق حكمه؟
وهذه هي المسألة األصولّية المعّبر عنها بمسألة المالزمة التي وقع فيها النزاع
،فأنكر المالزمة جملة من األخبارّيين ( )1وبعض األصولّيين كصاحب الفصول
.4إّنه بعد ثبوت المالزمة وحصول القطع بأّن الشارع ال بّد أن يحكم على
طبق ما حكم به العقل فهل هذا القطع حّج ة شرعا؟ وعلى كّل حال ،فإّن الكالم
في هذه النواحي سيأتي في مباحث الحّج ة (المقصد الثالث) ( )4وهو النزاع في
حّجّية العقل .وعليه ،فنحن نتعّر ض هنا للمباحث الثالثة األولى ،ونترك المبحث
الرابع بنواحيه إلى المقصد الثالث.
إّن الحسن بالمعنى األّو ل ـ أي الكمال ـ ،وكذا مقابله ـ أي القبح ـ أمر واقعّي
خارجّي ال يختلف باختالف األنظار واألذواق ،وال يتوّقف على وجود من يدركه
ويعقله ،بخالف الحسن [والقبح] بالمعنيين األخيرين.
وهذا ما يحتاج إلى التوضيح والتفصيل ،فنقول :
.1أّم ا الحسن بمعنى المالءمة ،وكذا ما يقابله ،فليس له في نفسه إزاء في
الخارج يحاذيه ويحكي عنه ،وإن كان منشؤه قد يكون أمرا خارجّيا ،كاللون
والرائحة والطعم وتناسق األجزاء ونحو ذلك.
بل حسن الشيء يتوّقف على وجود الذوق العاّم أو الخاّص
.2وأّما الحسن بمعني ما ينبغي أن يفعل عند العقل ،فكذلك ليس له واقعّية
إّال إدراك العقالء ،أو فقل « :تطابق آراء العقالء».
وعلى هذا ،فإن كان غرض األشاعرة من إنكار الحسن والقبح إنكار
واقعّيتهما بهذا المعنى من الواقعّية فهو صحيح ،ولكن هذا بعيد من أقوالهم ؛ ألّنه
لّم ا كانوا يقولون بحسن األفعال وقبحها بعد حكم الشارع فإّنه يعلم منه أّنه ليس
غرضهم ذلك ؛ ألّن حكم الشارع ال يجعل لهما واقعّية وخارجّية ؛ كيف؟ وقد
رّتبوا على ذلك بأّن وجوب المعرفة والطاعة ليس بعقلّي بل شرعّي .وإن كان
(
غرضهم إنكار إدراك العقل ـ كما هو الظاهر من أقوالهم ـ فسيأتي تحقيق الحّق فيه
، )2وأّنهم ليسوا على صواب في ذلك.
.3العقل العملّي والنظرّي
إّن المراد من العقل ـ إذ يقولون :إّن العقل يحكم بحسن الشيء أو قبحه
بالمعنى الثالث من الحسن والقبح ـ هو «العقل العملّي » في مقابل «العقل
النظرّي ».
ومن هنا تعرف أّن المراد من العقل المدرك للحسن والقبح بالمعنى األّو ل هو
العقل النظرّي ؛ ألّن الكمال والنقص مّم ا ينبغي أن يعلم ،ال مّم ا ينبغي أن يعمل.
وكذا المراد من العقل المدرك للحسن والقبح بالمعنى الثاني هو العقل
النظرّي ؛ ألّن المالءمة وعدمها ،أو المصلحة والمفسدة مّم ا ينبغي أن يعلم.
.6أدّلة الطرفين
بتقديم األمور السابقة نستطيع أن نواجه أدّلة الطرفين بعين بصيرة ؛ فنقول :
.1وهو أهّم أدّلتهم ؛ إذ يقولون :
«لو كانت قضّية الحسن والقبح مّم ا يحكم به العقل لما كان فرق بين حكمه
في هذه القضّية وبين حكمه بأّن الكّل أعظم من الجزء .ولكّن الفرق موجود قطعا ؛
إذ الحكم الثاني ال يختلف فيه اثنان مع وقوع االختالف في األّو ل» (.)1
والجواب عنه :أّن المقّد مة األولى ـ وهي الجملة الشرطّية ـ ممنوعة ،ومنعها
يعلم مّم ا تقّد م آنفا ؛ ألّن قضّية الحسن والقبح ـ كما قلنا ـ من المشهورات ،
وقضّية أّن الكّل أعظم من الجزء من األّو لّيات اليقينّيات ،فال مالزمة بينهما
.2ومن أدّلتهم على إنكار الحسن والقبح العقلّيين أن قالوا :إّنه لو كان ذلك
عقلّيا لما اختلف حسن األشياء وقبحها باختالف الوجوه واالعتبارات ،كالصدق.
والجواب عن هذا الدليل وأشباهه يظهر ّمما ذكرناه من أّن حسن األشياء وقبحها
على أحناء ثالثة ،فما كان ذاتّيا ال يقع فيه اختالف وأّم ا :ما كان عرضّيا فإّنه يختلف
بالوجوه واالعتبارات .والخالصة أّن العدلّية ال يقولون بأّن مجيع األشياء ال بّد أن
تّتصف باحلسن أبدا أو بالقبح أبدا ،حىّت يلزم ما ذكر من اإلشكال.
.3وقد استدّل العدلّية على مذهبهم مبا خالصته «أّنه من املعلوم ضرورة حسن
اإلحسان وقبح الظلم عند كّل عاقل من غري اعتبار شرع ،فإّن ذلك يدركه حىّت منكر
الشرائع».
.4واستدّل العدلّية أيضا بأّن احلسن والقبح لو كانا ال يثبتان إّال من طريق
الشرع ،فهما ال يثبتان أصال حىّت من طريق الشرع .واألحسن تصوير الدليل على وجه
آخر ،فنقول :
إّنه من املسّلم عند الطرفني وجوب طاعة األوامر والنواهي الشرعّية ،وكذلك
وجوب املعرفة .وهذا الوجوب عند األشاعرة وجوب شرعّي حسب دعواهم ،فنقول
هلم :من أين يثبت هذا الوجوب؟ ال بّد أن يثبت بأمر من الشارع ؛ فننقل الكالم إىل
هذا األمر ،فنقول هلم :من أين جتب طاعة هذا األمر؟ فإن كان هذا الوجوب عقلّيا
فهو املطلوب ،وإن كان شرعّيا أيضا فال بّد له من أمر وال بّد له من طاعة ،فننقل
الكالم إليه..
والنتيجة أّن ثبوت احلسن والقبح شرعا يتوّقف على ثبوهتما عقال.
المبحث الثالث :ثبوت المالزمة العقلّية بين حكم العقل وحكم الشرع
والحّق أّن املالزمة ثابتة عقال ،فإّنه إذا تطابقت آراء العقالء مجيعا مبا هم عقالء
على حسن شيء .فإّن احلكم هذا يكون بادئ رأي اجلميع ،فال بّد أن حيكم الشارع
حبكمهم ؛ ألّنه منهم بل رئيسهم .
توضيح وتعقيب;
والحّق أّن االلتزام بالتحسني والتقبيح العقلّيني هو نفس االلتزام بتحسني الشارع
وتقبيحه ،وفقا حلكم العقالء ؛ ألّنه من مجلتهم ،ال أهّن ما شيئان أحدمها يلزم اآلخر ،
وإن توّه م ذلك بعضهم .وعليه ،فال وجه للبحث عن ثبوت املالزمة بعد فرض القول
بالتحسني التقبيح.
الباب الثاني
تصدير
وإمّن ا وقع اخلالف ـ أو ميكن أن يقع ـ يف مسألة اإلجزاء فيما إذا كان هناك أمران :
أمر أّو ّيل واقعّي مل ميتثله املكّلف إّم ا لتعّذ ره عليه أو جلهله به ،وأمر ثانوّي إّم ا اضطرارّي
يف صورة تعّذ ر األّو ل ،وإّم ا ظاهرّي يف صورة اجلهل باألّو ل ؛ فإّنه إذا امتثل املكّلف
هذا األمر الثانوّي االضطرارّي أو الظاهرّي ّمث زال العذر واالضطرار أو زال اجلهل
وانكشف الواقع ،صّح اخلالف يف كفاية ما أتى به امتثاال لألمر الثاين عن امتثال األمر
األّو ل ،وإجزائه عنه إعادة يف الوقت وقضاء يف خارجه .وألجل هذا عقدت هذه
املسألة « :مسألة اإلجزاء».
وعلينا أن نعقد البحث يف مقامني:
ثمرة النزاع
إّن للمسألة فوائد علمّية كثرية وإن مل تكن هلا فوائد عملّية و هي ترتبط بكثري من
املسائل ذات الشأن العملّي يف الفقه ،كالبحث عن الشرط املتأّخ ر ،واملقّد مات املفّو تة ،
ولذا جتد أّن أهّم مباحث مسألتنا هي هذه األمور املنّو ه عنها وأمثاهلا .أّم ا نفس البحث
عن أصل املالزمة فيكاد يكون حبثا على اهلامش ،بل آخر ما يشغل بال األصولّيني.
هذا ،وحنن اّتباعا لطريقتهم نضع التمهيدات قبل البحث عن أصل املسألة يف أمور
تسعة :
.4مقّد مة الوجوب
قّس موا املقّد مة إىل قسمني مشهورين :
.1مقّد مة الوجوب وتسّم ى «املقّد مة الوجوبّية» ،وهي :ما يتوّقف عليها نفس
الوجوب ،بأن تكون شرطا للوجوب على قول مشهور .وقيل :إهّن ا تؤخذ يف الواجب
على وجه تكون مفروضة التحّق ق ومثاهلا االستطاعة بالنسبة إىل احلّج ،
.2مقّد مة الواجب وتسّم ى «املقّد مة الوجودّية» ،وهي ما يتوّقف عليها وجود
الواجب بعد فرض عدم تقييد الوجوب هبا ؛ كالوضوء بالنسبة إىل الصالة ،والسفر
بالنسبة إىل احلّج وحنو ذلك .ويسّم ى الواجب بالنسبة إليها «الواجب املطلق» (.)5
واملقصود من ذكر هذا التقسيم بيان أّن حمّل النزاع يف مقّد مة الواجب هو خصوص
القسم الثاين ،
.5المقّد مة الداخلّية
تنقسم املقّد مة الوجودّية إىل قسمني :داخلّية وخارجّية.
« .1املقّد مة الداخلّية» هي جزء الواجب املرّك ب ،كالصالة.
« .2املقّد مة اخلارجّية» وهي كّل ما يتوّقف عليه الواجب وله وجود مستقّل
خارج عن وجود الواجب.
والغرض من ذكر هذا التقسيم هو بيان أّن النزاع يف مقّد مة الواجب هل يشمل
املقّد مة الداخلّية أو أّن ذلك خيتّص باخلارجّية؟
.6الشرط الشرعّي
إّن املقّد مة اخلارجّية تنقسم إىل قسمني :عقلّية وشرعّية.
« .1املقّد مة العقلّية» هي كّل أمر يتوّقف عليه وجود الواجب توّقفا واقعّيا يدركه
العقل بنفسه من دون استعانة بالشرع ،كتوّقف احلّج على قطع املسافة.
« .2املقّد مة الشرعّية» هي كّل أمر يتوّقف عليه الواجب توّقفا ال يدركه العقل
بنفسه ،بل يثبت ذلك من طريق الشرع ،كتوّقف الصالة على الطهارة ،واستقبال
القبلة ،وحنومها .ويسّم ى هذا األمر أيضا «الشرط الشرعّي »
والغرض من ذكر هذا التقسيم بيان أّن النزاع يف مقّد مة الواجب هل يشمل الشرط
الشرعّي ؟
ولقد ذهب بعض أعاظم مشاخينا ـ على ما يظهر من بعض تقريرات درسه ( )2ـ إىل
أّن الشرط الشرعّي كاجلزء ال يكون واجبا بالوجوب الغريّي ،ولكن هذا كالم ال
يستقيم
والحاصل أّنه ا فرضتم يف الشرط أّن التقّيد داخل وهو جزء حتليلّي فقد فرضتم
ّمل
معه أّن القيد خارج ،فكيف تفرضون مّر ة أخرى أّنه داخل يف املأمور به املتعّلق
باملقّيد؟!
.7الشرط المتأّخ ر
هل ميكن أن يكون الشرط الشرعّي متأّخ را يف وجوده زمانا عن املشروط أو ال
ميكن؟
ومن قال بعدم إمكانه ( )1قاس الشرط الشرعّي على الشرط العقلّي ،ومنشأ هذا
الشّك والبحث ورود بعض الشروط الشرعّية اليت ظاهرها تأّخ رها يف الوجود عن
(
املشروط ،وذلك مثل الغسل الليلّي للمستحاضة الكربى الذي هو شرط ـ عند بعضهم
)2ـ لصوم النهار السابق على الليل .والذاهبون إىل االستحالة أّو لوا ما ورد يف الشريعة
بتأويالت كثرية يطول شرحها .وأحسن ما قيل يف توجيه إمكان الشرط املتأّخ ر يف
الشرعّيات
أّن الكالم تارة يكون يف شرط املأمور به ،وأخرى يف شرط احلكم ،سواء كان
تكليفّيا أم وضعّيا .أّم ا :يف شرط املأمور به ،فإّن جمّر د كونه شرطا شرعّيا للمأمور به ال
مانع منه ؛ ألّنه ليس معناه إّال أخذه قيدا يف املأمور به على أن تكون احلّص ة اخلاّص ة من
املأمور به هي املطلوبة .وأّم ا :يف شرط احلكم ،سواء كان احلكم تكليفّيا أم وضعّيا ،
فإّن الشرط فيه معناه أخذه مفروض الوجود واحلصول يف مقام جعل احلكم وإنشائه ،
فإّن احلكم يف الشرط املتأّخ ر يبقى يف فعلّيته مراعى إىل أن حيصل الشرط الذي أخذ
مفروض احلصول ،هذا خالصة رأي شيخنا املعّظم ،وال خيلو عن مناقشة.
.9المقّد مة العبادّية
ثبت بالدليل أّن بعض املقّد مات الشرعّية ال تقع ( )1مقّد مة إّال إذا وقعت على وجه
عبادّي ،وثبت أيضا ترّتب الثواب عليها خبصوصها .ومثاهلا منحصر يف الطهارات
الثالث :الوضوء ،والغسل ،والتيّم م.
اإلشكال فيها من جهتني :
من جهة أّن الواجب الغريّي ال يكون إّال توّص لّيا ،فكيف جيوز أن تقع املقّد مة مبا
هي مقّد مة عبادة؟!
ومن جهة ثانية :أّن الواجب الغريّي مبا هو واجب غريّي ال استحقاق للثواب
عليه.
وحنن نقول على االختصار :فال بّد أن يفرض الوضوء عبادة قبل فرض تعّلق األمر
الغريّي به ؛ ألّن األمر الغريّي ـ حسبما فرضناه ـ إمّن ا يتعّلق بالوضوء العبادّي مبا هو
عبادة ،ال بأصل الوضوء مبا هو .ومن هنا يصّح استحقاق الثواب عليه ؛ ألّنه عبادة يف
نفسه.
ولكن ينشأ من هذا البيان إشكال آخر ،وهو أّنه إذا كانت عبادّية الطهارات غري
ناشئة من األمر الغريّي ،فما هو األمر املصّح ح لعبادّيتها ،واملعروف أّنه ال يصّح فرض
العبادة عبادة إّال بتعّلق أمر هبا .
وقد أجيب عن هذه الشبهة بوجوه كثرية .وأحسنها فيما أرى ـ بناء على ثبوت
األمر الغريّي ،أي وجوب مقّد مة الواجب ،وبناء على أّن عبادّية العبادة ال تكون إّال
بقصد األمر املتعّلق هبا ـ هو أّن املصّح ح لعبادّية الطهارات هو األمر النفسّي االستحباّيب
هلا يف حّد ذاهتا السابق على تعّلق األمر الغريّي هبا.
هذا كّله بناء على ثبوت األمر الغريّي باملقّد مة ،وبناء على أّن مناط عبادّية العبادة
هو قصد األمر املتعّلق هبا .وكال املبنيني حنن ال نقول به.
فنقول يف تصحيح عبادّية الطهارات :إّن اإلتيان باملقّد مة بنفسه يعّد امتثاال لألمر
النفسّي بذي املقّد مة العبادّي .ويكفي يف عبادّية الفعل ـ كما قلنا ـ ارتباطه باملوىل
واإلتيان به متقّر با إليه (تعاىل) مع عدم ما مينع من التعّبد به .وال شّك يف أّن قصد
الشروع بامتثال األمر النفسّي بفعل مقّد ماته قاصدا هبا التوّص ل إىل الواجب النفسّي
العبادّي يعّد طاعة وانقيادا للموىل (.)2
وهبذا تصّح ح عبادّية املقّد مة ،وإن مل نقل بوجوهبا الغريّي ،وال حاجة إىل فرض
طاعة األمر الغريّي .
النتيجة
.1الضّد العاّم
مل يكن اختالفهم يف الضّد العاّم من جهة أصل االقتضاء وعدمه ،فإّن الظاهر أهّن م
مّتفقون على االقتضاء ،وإمّن ا اختالفهم يف كيفّيته (: )1
فقيل ( : )2إّنه على حنو العينّية ،أي إّن األمر بالشيء عني النهي عن ضّد ه العاّم ،
فيدّل عليه حينئذ بالداللة املطابقّية.
وقيل :إّنه على حنو اجلزئّية ،فيدّل عليه بالداللة التضّم نّية ،باعتبار أّن
()3
الوجوب ينحّل إىل طلب الشيء مع املنع من الرتك ،فيكون املنع من الرتك جزءا حتليلّيا
يف معىن الوجوب.
(
وقيل :إّنه على حنو اللزوم البنّي باملعىن األخّص ( ، )4فيدّل عليه بالداللة االلتزامّية
.)5
وقيل ( : )6إّنه على حنو اللزوم البنّي باملعىن األعّم ،أو غري البنّي ،فيكون اقتضاؤه
له عقلّيا صرفا.
والحّق أّنه ال يقتضيه بأّي حنو من أحناء االقتضاء ( ، )1أي إّنه ليس هناك هني
مولوّي عن الرتك يقتضيه نفس األمر بالفعل على وجه يكون هناك هني مولوّي وراء
نفس األمر بالفعل.
والدليل عليه أّن الوجوب ـ سواء كان مدلوال لصيغة األمر ،أو الزما عقلّيا هلا
كما هو احلّق ـ ليس معىن مرّك با ،بل هو معىن بسيط وحداّين ،هو لزوم الفعل ،والزم
كون الشيء واجبا املنع من تركه.
ولكن هذا املنع الالزم للوجوب ليس منعا مولوّيا ،وهنيا شرعّيا ،بل هو منع عقلّي
تبعّي من غري أن يكون هناك من الشارع منع وهني وراء نفس الوجوب .وسّر ذلك
واضح ،فإّن نفس األمر بالشيء على وجه الوجوب كاف يف الزجر عن تركه ،فال
حاجة إىل جعل للنهي عن الرتك من الشارع زيادة على األمر بذلك الشيء.
فإن كان مراد القائلني باالقتضاء يف املقام أّن نفس األمر بالفعل يكون زاجرا عن
تركه ،فهو مسّلم ،بل ال بّد منه ؛ ألّن هذا هو مقتضى الوجوب ؛ ولكن ليس هذا هو
موضع النزاع يف املسألة ،بل موضع النزاع هو النهي املولوّي زائدا على األمر بالفعل ؛
وإن كان مرادهم أّن هناك هنيا مولوّيا عن الرتك يقتضيه األمر بالفعل ـ كما هو موضع
النزاع ـ فهو غري مسّلم ،وال دليل عليه ،بل هو ممتنع.
وبعبارة أوضح وأوسع :أّن األمر والنهي متعاكسان ـ مبعىن أّنه إذا تعّلق األمر
بشيء فعلى طبع ذلك يكون نقيضه بالتبع ممنوعا منه ،وإّال خلرج الواجب عن كونه
واجبا ؛ وإذا تعّلق النهي بشيء فعلى طبع ذلك يكون نقيضه بالتبع مدعّو ا إليه ،وإّال
خلرج احملّر م عن كونه حمّر ما ، ...ولكن ليس معىن هذه التبعّية يف األمر أن يتحّق ق ـ فعال
ـ هني مولوّي عن ترك املأمور به باإلضافة إىل األمر املولوّي بالفعل ،كما أّنه ليس معىن
هذه التبعّية يف النهي أن يتحّق ق ـ فعال ـ أمر مولوّي برتك املنهّي عنه باإلضافة إىل النهي
املولوّي عن الفعل.
والسّر ما قلناه :إّن نفس األمر بالشيء كاف يف الزجر عن تركه ،كما أّن نفس
النهي عن الفعل كاف للدعوة إىل تركه ،بال حاجة إىل جعل جديد من املوىل يف
املقامني ،بل ال يعقل اجلعل اجلديد كما قلنا يف مقّد مة الواجب حذو القّذ ة بالقّذ ة ،
فراجع.
وألجل هذه التبعّية الواضحة اختلط األمر على كثري من احملّر رين هلذه املسألة ،
فحسبوا أّن هناك هنيا مولوّيا عن ترك املأمور به وراء األمر بالشيء اقتضاه األمر على حنو
العينّية ،أو التضّم ن ،أو االلتزام ،أو اللزوم العقلّي .كما حسبوا ـ هنا يف مبحث النهي ـ
أّن معىن النهي هو الطلب إّم ا للرتك أو الكّف ،وقد تقّد مت اإلشارة إىل ذلك يف حترير
النزاع (.)1
وهذان التومّه ان يف النهي واألمر من واد واحد .وعليه ،فليس هناك طلب للرتك
وراء الردع عن الفعل يف النهي ،وال هني عن الرتك وراء طلب الفعل يف األمر.
نعم ،جيوز لآلمر بدال من األمر بالشيء أن يعرّب عنه بالنهي عن الرتك ،كأن يقول
ـ مثال ـ بدال من قوله «صّل» « :ال ترتك الصالة» .وجيوز له بدال من النهي عن الشيء
أن يعرّب عنه باألمر بالرتك ،كأن يقول ـ مثال ـ بدال من قوله «ال تشرب اخلمر» « :اترك
شرب اخلمر» ،فيؤّد ي التعبري الثاين يف املقامني مؤّدى التعبري األّو ل املبدل منه ،أي إّن
التعبري الثاين حيّق ق الغرض من التعبري األّو ل.
فإذا كان مقصود القائل بأّن األمر بالشيء عني النهي عن ضّد ه العاّم هذا املعىن ـ
أي إّن أحدمها يصّح أن يوضع موضع اآلخر ،وحيّل حمّله يف أداء غرض اآلمر ـ فال بأس
به وهو صحيح ،ولكن هذا غري العينّية املقصودة يف املسألة على الظاهر.
.2الضّد الخاّص
إّن القول باقتضاء األمر بالشيء للنهي عن ضّد ه اخلاّص يبتين ويتفّر ع على القول
باقتضائه للنهي عن ضّد ه العاّم.
و ا ثبت ـ حسبما تقّد م ـ أّنه ال هني مولوّي عن الضّد العاّم ،فبالطريق األوىل نقول
ّمل
:
إّنه ال هني مولوّي عن الضّد اخلاّص ؛ ملا قلنا من ابتنائه وتفّر عه عليه.
وعلى هذا ،فاحلّق أّن األمر بالشيء ال يقتضي النهي عن ضّد ه مطلقا ،سواء كان
عاّم ا أو خاّص ا.
أّم ا كيف يبتين القول بالنهي عن الضّد اخلاّص على القول بالنهي عن الضّد العاّم
ويتفّر ع عليه فهذا ما حيتاج إىل شيء من البيان ،فنقول :
إّن القائلني بالنهي عن الضّد اخلاّص هلم مسلكان ال ثالث هلما ،وكالمها يبتين
ويتفّر ع على ذلك :
ثمرة المسألة
إّن ما ذكروه من الثمرات هلذه املسألة خمتّص بالضّد اخلاّص فقط ( ، )2وأّمهها
والعمدة فيها هي صّح ة الضّد إذا كان عبادة على القول بعدم االقتضاء ،وفساده على
القول باالقتضاء (.)3
بيان ذلك أّنه قد يكون هناك واجب ـ أّي واجب كان ،عبادة أو غري عبادة ـ ،
وضّد ه عبادة ،وكان الواجب أرجح يف نظر الشارع من ضّد ه العبادّي ؛ فإّنه ملكان
التزاحم بني األمرين للتضاّد بني متعّلقيهما ،واألّو ل أرجح يف نظر الشارع ،ال حمالة
يكون األمر الفعلّي
املنّج ز هو األّو ل دون الثاين.
وحينئذ ،فإن قلنا بأّن األمر بالشيء يقتضي النهي عن ضّد ه اخلاّص ،فإّن الضّد
العبادّي يكون منهّيا عنه يف الفرض ،والنهي يف العبادة يقتضي الفساد ،فإذا أيت به وقع
فاسدا .وإن قلنا بأّن األمر بالشيء ال يقتضي النهي عن ضّد ه اخلاّص ،فإّن الضّد العبادّي
ال يكون منهّيا عنه ،فال مقتضي لفساده.
وأرجحّية الواجب على ضّد ه اخلاّص العبادّي تتصّو ر يف أربعة موارد :
.1أن يكون الضّد العبادّي مندوبا ،وال شّك يف أّن الواجب مقّد م على
املندوب ،كاجتماع الفريضة مع النافلة ؛ فإّنه بناء على اقتضاء األمر بالشيء للنهي عن
ضّد ه ال يصّح االشتغال بالنافلة مع حلول وقت الفريضة ،وال بّد أن تقع النافلة فاسدة.
نعم ،ال بّد أن تستثىن من ذلك نوافل الوقت ؛ لورود األمر هبا يف خصوص وقت
الفريضة ،كنافليت الظهر والعصر.
وعلى هذا ،فمن كان عليه قضاء الفوائت ال تصّح منه النوافل مطلقا ،بناء على
النهي عن الضّد ،خبالف ما إذا مل نقل بالنهي عن الضّد ؛ فإّن عدم جواز فعل النافلة
حينئذ حيتاج إىل دليل خاّص .
.2أن يكون الضّد العبادّي واجبا ،ولكّنه أقّل أمهّية عند الشارع من األّو ل ،كما
يف مورد اجتماع إنقاذ نفس حمرتمة من اهللكة مع الصالة الواجبة.
.3أن يكون الضّد العبادّي واجبا ،ولكنه موّس ع الوقت ،واألّو ل مضّيق ،وال
شّك يف أّن املضّيق مقّد م على املوّس ع وإن كان املوّس ع أكثر أمهّية منه .مثاله :اجتماع
قضاء الدين الفورّي مع الصالة يف سعة وقتها .وإزالة النجاسة عن املسجد مع الصالة يف
سعة الوقت.
.4أن يكون الضّد العبادّي واجبا أيضا ،ولكّنه خمرّي ،واألّو ل واجب معنّي ،وال
شّك يف أّن املعنّي مقّد م على املخرّي وإن كان املخرّي أكثر أمهّية منه ؛ ألّن املخرّي ،له بدل
دون املعنّي .مثاله :اجتماع سفر منذور يف يوم معنّي مع [الصوم من] خصال الكّف ارة ،
فلو ترك املكّلف السفر واختار الصوم من خصال الكّف ارة ،فإن كان األمر بالشيء
يقتضي النهي عن ضّد ه كان الصوم منهّيا عنه فاسدا.
هذه خالصة بيان مثرة املسألة مع بيان موارد ظهورها ،ولكن هذا املقدار من
البيان ال يكفي يف حتقيقها ؛ فإّن ترّتبها وظهورها يتوّقف على أمرين :
األّو ل :القول بأّن النهي يف العبادة يقتضي فسادها حىّت النهي الغريّي التبعّي ؛ ألّنه
إذا قلنا بأّن النهي مطلقا ال يقتضي فساد العبادة أو خصوص النهي التبعّي ال يقتضي
الفساد ،فال تظهر الثمرة أبدا .وهو واضح ؛ ألّن الضّد العبادّي حينئذ يكون صحيحا ،
سواء قلنا بالنهي عن الضّد أم مل نقل.
والحّق أّن النهي يف العبادة يقتضي فسادها حىّت النهي الغريّي على الظاهر .وسيأيت
حتقيق ذلك يف موضعه إن شاء اهلل (تعاىل) (.)1
واستعجاال يف بيان هذا األمر نشري إليه إمجاال ،فنقول :إّن أقصى ما يقال يف عدم
اقتضاء النهي التبعّي للفساد هو :أّن النهي التبعّي ال يكشف عن وجود مفسدة يف
املنهّي عنه ،وإذا كان األمر كذلك فاملنهّي عنه باق على ما هو عليه من مصلحة بال
مزاحم ملصلحته ،فيمكن التقّر ب فيه إذا كان عبادة بقصد تلك املصلحة املفروضة فيه.
وهذا ليس بشيء ـ وإن صدر من بعض أعاظم مشاخينا ( )2ـ ؛ ألّن املدار يف القرب
والبعد يف العبادة ليس على وجود املصلحة واملفسدة فقط ؛ فإّنه من الواضح أّن املقصود
من القرب والبعد من املوىل القرب والبعد املعنوّيان ؛ تشبيها بالقرب والبعد املكانّيني ،
وما مل يكن الشيء مرغوبا فيه للموىل فعال ال يصلح للتقّر ب به إليه ،وجمّر د وجود
مصلحة فيه ال يوجب مرغوبّيته له مع فرض هنيه وتبعيده.
وبعبارة أخرى :ال وجه للتقّر ب إىل املوىل مبا أبعدنا عنه ،واملفروض أّن النهي
التبعّي هني مولوّي ،وكونه تبعّيا ال خيرجه عن كونه زجرا ،وتنفريا ،وتبعيدا عن الفعل
وإن كان التبعيد ملفسدة يف غريه ،أو لفوات مصلحة الغري.
نعم ،لو قلنا بأّن النهي عن الضّد ليس هنيا مولوّيا ،بل هو هني يقتضيه العقل
الذي
ال يستكشف منه حكم الشرع ـ كما اخرتناه يف املسألة ـ فإّن هذا النهي العقلّي ال
يقتضي تبعيدا عن املوىل إّال إذا كشف عن مفسدة مبغوضة للموىل .وهذا شيء آخر ال
يقتضيه حكم العقل يف نفسه.
الثاني :أّن صّح ة العبادة والتقّر ب ال يتوّقف على وجود األمر الفعلّي هبا ،بل
يكفي يف التقّر ب هبا إحراز حمبوبّيتها الذاتّية للموىل ،وإن مل يكن هناك أمر فعلّي هبا
ملانع.
أّم ا إذا قلنا بأّن عبادّية العبادة ال تتحّق ق إّال إذا كانت مأمورا هبا بأمر فعلّي فال
تظهر هذه الثمرة أبدا ؛ ألّنه قد تقّد م أّن الضّد العبادّي ـ سواء كان مندوبا أو واجبا أقّل
أّمهية أو موّس عا أو خمرّي ا ـ ال يكون مأمورا به فعال ( ، )1ملكان املزامحة بني األمرين ،ومع
عدم األمر به ال يقع عبادة صحيحة وإن قلنا بعدم النهي عن الضّد (.)2
والحّق هو األّو ل ـ أي إّن عبادّية العبادة ال تتوّقف على تعّلق األمر هبا فعال ،بل
إذا أحرز أهّن ا حمبوبة يف نفسها للموىل ،مرغوبة لديه ؛ فإّنه يصّح التقّر ب هبا إليه وإن مل
يأمر هبا فعال ملانع ـ ( ، )3ألّنه ـ كما أشرنا إىل ذلك يف مقّد مة الواجب ( )4ـ يكفي يف
عبادّية الفعل ارتباطه باملوىل ،واإلتيان به متقّر با به إليه مع ما مينع من التعّبد به من كون
فعله تشريعا ،أو كونه منهّيا عنه ،وال تتوّقف عبادّيته على قصد امتثال األمر ،كما
مال إليه ( )5صاحب اجلواهر قدسسره (.)6
هذا ،وقد يقال يف املقام ـ نقال عن احملّق ق الثاين (تغّم ده اهلل برمحته) ( )7ـ :إّن هذه
الثمرة تظهر حىت مع القول بتوّقف العبادة على تعّلق األمر هبا ،ولكن ذلك يف خصوص
التزاحم بني الواجبني :املوّس ع ،واملضّيق وحنومها ،دون التزاحم بني األهّم واملهّم
املضّيقني.
والسّر يف ذلك :أّن األمر يف املوّس ع إمّن ا يتعّلق بصرف وجود الطبيعة على أن يأيت
به املكّلف يف أّي وقت شاء من الوقت الوسيع احملّد د له .أّم ا األفراد مبا هلا من
اخلصوصّيات الوقتّية ،فليست مأمورا هبا خبصوصها ،واألمر باملضّيق إذا مل يقتض النهي
عن ضّد ه فالفرد املزاحم له من أفراد ضّد ه الواجب املوّس ع ال يكون مأمورا به ال حمالة
من أجل املزامحة ،ولكّنه ال خيرج بذلك عن كونه فردا من الطبيعة املأمور هبا .وهذا
كاف يف حصول امتثال األمر بالطبيعة ؛ ألّن انطباقها على هذا الفرد املزاحم قهرّي ،
فيتحّق ق به االمتثال قهرا ،ويكون جمزئا عقال عن امتثال الطبيعة يف فرد آخر ؛ ألّنه ال
فرق من جهة انطباق الطبيعة املأمور هبا بني فرد وفرد.
وبعبارة أوضح أّنه لو كان الوجوب يف الواجب املوّس ع ينحّل إىل وجوبات متعّد دة
بتعّد د أفراده الطولّية املمكنة يف مّد ة الوقت احملّد د على وجه يكون التخيري بينها شرعّيا ،
فال حمالة ال أمر بالفرد املزاحم للواجب املضّيق ،وال أمر آخر يصّح حه ،فال تظهر
الثمرة ،ولكّن األمر ليس كذلك ؛ فإّنه ليس يف الواجب املوّس ع إّال وجوب واحد يتعّلق
بصرف وجود الطبيعة ،غري أّن الطبيعة ا كانت هلا أفراد طولّية متعّد دة ميكن انطباقها
ّمل
على كّل واحد منها ،فال حمالة يكون املكّلف خمرّي ا عقال بني األفراد ـ أي يكون خمرّي ا
بني أن يأيت بالفعل يف أّو ل الوقت ،أو ثانيه ،أو ثالثه ،وهكذا إىل آخر الوقت ـ ،وما
خيتاره من الفعل يف أّي وقت يكون هو الذي ينطبق عليه املأمور به ،وإن امتنع أن يتعّلق
األمر به خبصوصه ملانع ،بشرط أن يكون املانع من غري جهة نفس مشول األمر املتعّلق
بالطبيعة له ،بل من جهة شيء خارج عنه وهو املزامحة مع املضّيق يف املقام.
هذا خالصة توجيه ( )1ما نسب إىل احملّق ق الثاّين رحمههللا يف املقام ،ولكّن شيخنا
احملّق ق النائيّين رحمههللا مل يرتضه ( )2؛ ألّنه يرى أّن املانع من تعّلق األمر بالفرد املزاحم
يرجع إىل نفس مشول األمر املتعّلق بالطبيعة له ،يعين أّنه يرى أّن الطبيعة املأمور هبا مبا
هي مأمور هبا
ال تنطبق على الفرد املزاحم وال تشمله ،وانطباق الطبيعة ال مبا هي مأمور هبا على الفرد
املزاحم ال ينفع وال يكفي يف امتثال األمر بالطبيعة .والسّر يف ذلك واضح ،فإّنا إذ نسّلم
أّن التخيري بني أفراد الطبيعة ختيري عقلّي نقول :إّن التخيري إمّن ا هو بني أفراد الطبيعة
املأمور هبا مبا هي مأمور هبا ،فالفرد املزاحم خارج عن نطاق هذه األفراد اليت بينها
التخيري.
أّم ا :أّن الفرد املزاحم خارج عن نطاق أفراد الطبيعة املأمور هبا مبا هي مأمور هبا ،
فألّن األمر إمّن ا يتعّلق بالطبيعة املقدورة للمكّلف مبا هي مقدورة :ألّن القدرة شرط يف
()1
ّم عا نفسه يف املأمور به ،مأخوذة يف اخلطاب ،ال أهّن ا شرط عقلّي حمض ،واخلطاب
شامل يف إطالقه لألفراد املقدورة وغري املقدورة.
بيان ذلك أّن األمر إمّن ا هو جلعل الداعي يف نفس املكّلف ،وهذا املعىن بنفسه
يقتضي كون متعّلقه مقدورا ؛ الستحالة جعل الداعي إىل ما هو ممتنع ؛ فيعلم من هذا
أّن القدرة مأخوذة يف متعّلق األمر ويفهم ذلك من نفس اخلطاب ،مبعىن أّن اخلطاب ا
ّمل
كان يقتضي القدرة على متعّلقه ،فتكون سعة دائرة املتعّلق على قدر سعة دائرة القدرة
عليه ،ال تزيد وال تنقص ،أي تدور سعته وضيقه مدار سعة القدرة وضيقها.
وعلى هذا ،فال يكون األمر شامال ملا هو ممتنع من األفراد ؛ إذ يكون املطلوب به
الطبيعة مبا هي مقدورة ،والفرد غري املقدور خارج عن أفرادها مبا هي مأمور هبا.
نعم ،لو كان اعتبار القدرة مبالك قبح تكليف العاجز فهي شرط عقلّي ال يوجب
تقييد متعّلق اخلطاب ؛ ألّنه ليس من اقتضاء نفس اخلطاب ،فيكون متعّلق األمر هي
الطبيعة مبا هي ،ال مبا هي مقدورة ،وإن كان مبقتضى حكم العقل ال بّد أن يقّيد
الوجوب هبا ،فالفرد املزاحم ـ على هذا ـ هو أحد أفراد الطبيعة مبا هي اليت تعّلق هبا
كذلك.
وتشييد ما أفاده أستاذنا ومناقشته حيتاج إىل حبث أوسع لسنا بصدده اآلن ،راجع
()1
عنه تقريرات تالمذته الرتّتب
()2
وإذ امتّد البحث إىل هنا ،فهناك مشكلة فقهّية تنشأ من اخلالف املتقّد م ال بّد
من التعّر ض هلا مبا يليق هبذه الرسالة.
()3
وهي أّن كثريا من الناس جندهم حيرصون ـ حبسب هتاوهنم ـ على فعل بعض
العبادات املندوبة يف ظرف وجوب شيء هو ضّد للمندوب ،فيرتكون الواجب
ويفعلون املندوب ،كمن يذهب للزيارة ،أو يقيم مأمت احلسني عليهالسالم وعليه دين
واجب األداء ؛ كما جندهم يفعلون بعض الواجبات العبادّية يف حني أّن هناك عليهم
واجبا أهّم فيرتكونه ،أو واجبا مضّيق الوقت مع أّن األّو ل موّس ع فيقّد مون املوّس ع على
املضّيق ،أو واجبا معّينا مع أّن األّو ل خمرّي فيقّد مون املخرّي على املعنّي ...وهكذا.
وجيمع الكّل تقدمي فعل املهّم العبادّي على األهّم ،فإّن املضّيق أهّم من املوّس ع ،
واملعنّي أهّم من املخرّي ،كما أّن الواجب أهّم من املندوب .ومن اآلن سنعرّب باألهّم
واملهّم ونقصد ما هو أعّم من ذلك كّله.
فإذا قلنا بأّن صّح ة العبادة ال تتوّقف على وجود أمر فعلّي متعّلق به ،وقلنا بأّنه ال
هني عن الضّد ،أو النهي عنه ال يقتضي الفساد فال إشكال وال مشكلة ؛ ألّن فعل املهّم
العبادّي يقع صحيحا حىّت مع فعلّية األمر باألهّم ،غاية األمر يكون املكّلف عاصيا برتك
األهّم من دون أن يؤّثر ذلك على صّح ة ما فعله من العبادة.
وإمّن ا املشكلة فيما إذا قلنا بالنهي عن الضّد ،وأّن النهي يقتضي الفساد ،أو قلنا
بتوّقف
(
صّح ة العبادة على األمر هبا ـ كما هو املعروف عن الشيخ صاحب اجلواهر قدسسره
)1ـ ،فإّن أعماهلم هذه كّلها باطلة وال يستحّق ون عليها ثوابا ؛ ألّنه إّم ا منهّي عنها
والنهي يقتضي الفساد ،وإّم ا ال أمر هبا وصّح تها تتوّقف على األمر.
فهل هناك طريقة لتصحيح فعل املهّم العبادّي مع وجود األمر باألهّم؟
ذهب مجاعة إىل تصحيح العبادة يف املهّم بنحو «الرتّتب» بني األمرين :األمر
باألهّم واألمر باملهّم ،مع فرض القول بعدم النهي عن الضّد وأّن صّح ة العبادة تتوّقف
()2
على وجود األمر.
والظاهر أّن أّو ل من أّس س هذه الفكرة ،وتنّبه هلا احملّق ق الثاين ،وشّيد أركاهنا
السّيد املريزا الشريازّي ،كما أحكمها ( )3ونّق حها شيخنا احملّق ق النائيّين قدسسره (.)4
وهذه الفكرة وحتقيقها من أروع ( )5ما انتهى إليه البحث األصوّيل تصويرا وعمقا.
وخالصة فكرة «الرتّتب» أّنه ال مانع عقال من أن يكون األمر باملهّم فعلّيا عند
عصيان األمر باألهّم ،فإذا عصى املكّلف وترك األهّم فال حمذور يف أن يفرض األمر
()6
باملهّم حينئذ ؛ إذ ال يلزم منه طلب اجلمع بني الضّد ين ،كما سيأيت توضيحه.
وإذا مل يكن مانع عقلّي من هذا الرتّتب ؛ فإّن الدليل يساعد على وقوعه ،والدليل
هو نفس الدليلني املتضّم نني لألمر باملهّم واألمر باألهّم ،ومها كافيان إلثبات وقوع
الرتّتب.
وعليه ،ففكرة الرتّتب وتصحيحها يتوّقف على شيئني رئيسني يف الباب :
أحدمها :إمكان الرتّتب يف نفسه .وثانيهما :الدليل على وقوعه.
أّما األّو ل :ـ وهو إمكانه يف نفسه ـ فبيانه أّن أقصى ما يقال يف إبطال الرتّتب و
استحالته هو :دعوى لزوم احملال منه ،وهو فعلّية األمر بالضّد ين يف آن واحد ؛ ألّن
القائل بالرتّتب يقول بإطالق األمر باألهّم ،ومشوله لصوريت فعل األهّم وتركه ،ففي
حال فعلّية األمر باملهّم ـ وهو حال ترك األهّم ( )1ـ يكون األمر باألهّم فعلّيا على قوله ،
واألمر بالضّد ين يف آن واحد حمال.
ولكن هذه الدعوى ـ عند القائل بالرتّتب ـ باطلة ؛ ألّن قوله « :األمر بالضّد ين يف
آن واحد حمال» فيه مغالطة ظاهرة ،فإّن قيد «يف آن واحد» يوهم أّنه راجع إىل
«الضّد ين» ،فيكون حماال ؛ إذ يستحيل اجلمع بني الضّد ين ،بينما هو يف احلقيقة راجع
إىل األمر ،وال استحالة يف أن يأمر املوىل يف آن واحد بالضّد ين ،إذا مل يكن املطلوب
اجلمع بينهما يف آن واحد ؛ ألّن احملال هو اجلمع بني الضّد ين ،ال األمر هبما يف آن
واحد وإن مل يستلزم اجلمع بينهما.
أّم ا :أّن قيد «يف آن واحد» راجع إىل األمر ال إىل الضّد ين فواضح ؛ ألّن املفروض
أّن األمر باملهّم مشروط برتك األهّم ،فاخلطاب الرتّتّيب ليس فقط ال يقتضي اجلمع بني
الضّد ين ،بل يقتضي عكس ذلك ؛ ألّنه يف حال انشغال املكّلف بامتثال األمر باألهّم
وإطاعته ،ال أمر يف هذا احلال إّال باألهّم ،ونسبة املهّم إليه حينئذ كنسبة املباحات
إليه ،وأّم ا :يف حال ترك األهّم واالنشغال باملهّم فإّن األمر باألهّم نسّلم أّنه يكون فعلّيا
وكذلك األمر باملهّم ،ولكن خطاب املهّم حسب الفرض مشروط برتك األهّم وخلّو
الزمان منه ،ففي هذا احلال املفروض يكون األمر باملهّم داعيا للمكّلف إىل فعل املهّم يف
حال ترك األهّم ،فكيف يكون داعيا إىل اجلمع بني األهّم واملهّم يف آن واحد؟!
وبعبارة أوضح :إّن إجياب اجلمع ال ميكن أن يتصّو ر إّال إذا كان هناك مطلوبان يف
عرض واحد ،على وجه لو فرض إمكان اجلمع بينهما ،لكان كّل منهما مطلوبا ،ويف
الرتّتب لو فرض حماال إمكان اجلمع بني الضّد ين فإّنه ال يكون املطلوب إّال األهّم ،وال
يقع املهّم يف هذا احلال على صفة املطلوبّية أبدا ،ألّن طلبه حسب الفرض مشروط
برتك األهّم ،فمع فعله ال يكون مطلوبا.
وأّما الثاني :ـ وهو الدليل على وقوع الرتّتب وأّن الدليل هو نفس دليلي األمرين ـ
فبيانه أّن املفروض أّن لكّل من األهّم واملهّم ـ حسب دليل كّل منهما ـ حكما مستقّال مع
قطع النظر عن وقوع املزامحة بينهما ،كما أّن املفروض أّن دليل كّل منهما مطلق
بالقياس إىل صوريت فعل اآلخر وعدمه .فإذا وقع التزاحم بينهما اّتفاقا ،فبحسب
إطالقهما يقتضيان إجياب اجلمع بينهما ،ولكن ذلك حمال ،فال بّد أن ترفع اليد عن
إطالق أحدمها ،ولكّن املفروض أّن األهّم أوىل وأرجح ،وال يعقل تقدمي املرجوح على
الراجح واملهّم على األهّم ،فيتعنّي رفع اليد عن إطالق دليل األمر باملهّم فقط ،وال
يقتضي ذلك رفع اليد عن أصل دليل املهّم .ألنه إمّن ا نرفع اليد عنه من جهة تقدمي إطالق
األهّم ملكان املزامحة بينهما وأرجحّية األهّم ،والضرورات إمّن ا تقّد ر بقدرها.
وإذا رفعنا اليد عن إطالق دليل املهّم مع بقاء أصل الدليل فإّن معىن ذلك اشرتاط
خطاب املهّم برتك األهّم .وهذا هو معىن الرتّتب املقصود.
والحاصل أّن معىن الرتّتب املقصود هو اشرتاط األمر باملهّم برتك األهّم ،وهذا
االشرتاط حاصل فعال مبقتضى الدليلني ،مع ضّم حكم العقل بعدم إمكان اجلمع بني
امتثاهلما معا ،وبتقدمي الراجح على املرجوح الذي ال يرفع إّال إطالق دليل املهّم ،فيبقى
أصل دليل األمر باملهّم على حاله يف صورة ترك األهّم ،فيكون األمر الذي يتضّم نه
الدليل مشروطا برتك األهّم .
وبعبارة أوضح أّن دليل املهّم يف أصله مطلق يشمل صورتني :صورة فعل األهّم ،
وصورة تركه ،و ا رفعنا اليد عن مشوله لصورة فعل األهّم ملكان املزامحة وتقدمي الراجح
ّمل
فيبقى مشوله لصورة ترك األهّم بال مزاحم ،وهذا معىن اشرتاطه برتك األهّم.
فيكون هذا االشرتاط مدلوال لدليلي األمرين معا بضميمة حكم العقل ،ولكن هذه
الداللة من نوع داللة اإلشارة (.)1
هذه خالصة فكرة «الرتّتب» على عالهتا ،وهناك فيها جوانب حتتاج إىل مناقشة
وإيضاح تركناها إىل املطّو الت ( ، )1وقد وضع هلا شيخنا احملّق ق النائيّين مخس مقّد مات
لسّد ثغورها ،راجع عنها تقريرات تالمذته (.)2
قيد المندوحة
ذكرنا فيما سبق أّن بعضهم قّيد النزاع هنا بأن تكون هناك مندوحة يف مقام
االمتثال (.)4
ومعىن «املندوحة» أن يكون املكّلف متمّك نا من امتثال األمر يف مورد آخر غري
مورد االجتماع.
ونظر إىل ذلك كّل من قّيد موضع النزاع مبا إذا كان اجلمع بني العنوانني بسوء
اختيار املكّلف.
وإمّن ا قّيد هبا موضع النزاع لالّتفاق بني الطرفني على عدم جواز االجتماع يف
صورة عدم وجود املندوحة ،وذلك فيما إذا احنصر امتثال األمر يف مورد االجتماع ،ال
بسوء اختيار املكّلف.
والسّر واضح ؛ فإّنه عند االحنصار تستحيل فعلّية التكليفني ؛ الستحالة امتثاهلما
معا ؛ ألّنه إن فعل ما هو مأمور به فقد عصى النهي ،وإن تركه فقد عصى األمر ،فيقع
التزاحم حينئذ بني األمر والنهي.
وظاهر أّن اعتبار قيد املندوحة الزم ملا ذكرناه ؛ إذ ليس النزاع جهتّيا ـ كما ذهب
إليه صاحب الكفاية ( )1ـ ،أي من جهة كفاية تعّد د العنوان يف تعّد د املعنون وعدمه وإن
(
مل جيز االجتماع من جهة أخرى ،حىّت ال حنتاج إىل هذا القيد ،بل النزاع ـ كما تقّد م
)2ـ هو يف جواز االجتماع وعدمه من أّية جهة فرضت وليس جهتّيا .وعليه ،فما دام
النزاع غري واقع يف عدم اجلواز يف صورة عدم املندوحة فهذه الصورة ال تدخل يف حمّل
النزاع يف مسألتنا.
فوجب ـ إذن ـ تقييد عنوان املسألة بقيد املندوحة كما صنع بعضهم (.)3
الحّق في المسألة
بعد ما قّد منا ـ من توضيح حترير النزاع وبيان موضع النزاع ـ نقول :إّن احلّق يف
املسألة هو «اجلواز» .وقد ذهب إىل ذلك مجع من احملّق قني املتأّخ رين (.)1
وسندنا يبتين على توضيح واختيار ثالثة أمور مرتّتبة :
أّو ال :أّن متعّلق التكليف ـ سواء كان أمرا أو هنيا ـ ليس هو املعنون ( ، )2أي الفرد
اخلارجّي للعنوان مبا له من الوجود اخلارجّي ؛ فإّنه يستحيل ذلك ،بل متعّلق التكليف
دائما وأبدا هو العنوان ،على ما سيأيت توضيحه (.)3
واعترب ذلك بالشوق ،فإّن الشوق يستحيل أن يتعّلق باملعنون ؛ ألّنه إّم ا أن يتعّلق
به حال عدمه أو حال وجوده ،وكّل منهما ال يكون ؛ أّم ا األّو ل :فيلزم تقّو م املوجود
باملعدوم ،وحتّق ق املعدوم مبا هو معدوم ـ ألّن املشتاق إليه له نوع من التحّق ق بالشوق
إليه ـ وهو حمال واضح ؛ وأّم ا الثاين :فألّنه يكون االشتياق إليه حتصيال للحاصل وهو
حمال ؛ فإذن ال يتعّلق الشوق باملعنون ال حال وجوده ،وال حال عدمه.
مضافا إىل أّن الشوق من األمور النفسّية ،وال يعقل أن يتشّخ ص ما يف النفس
بدون متعّلق ما ،كجميع األمور النفسّية ،كالعلم ،واخليال ،والوهم ،واإلرادة ،
وحنوها ،وال يعقل أن يتشّخ ص مبا هو خارج عن أفق النفس من األمور العينّية ؛ فال بّد
أن يتشّخ ص بالشيء املشتاق إليه مبا له من الوجود العنواّين الفرضّي ،وهو املشتاق إليه
أّو ال وبالذات ،وهو املوجود بوجود الشوق ،ال بوجود آخر وراء الشوق ،ولكن ا
ّمل
كان يؤخذ العنوان مبا هو حاك ومرآة عّم ا يف اخلارج ـ أي عن املعنون ـ فإّن املعنون
يكون مشتاقا إليه ثانيا و
بالعرض ،نظري العلم ؛ فإّنه ال يعقل أن يتشّخ ص باألمر اخلارجّي ،واملعلوم بالذات
دائما وأبدا هو العنوان املوجود بوجود العلم ،ولكن مبا هو حاك ومرآة عن املعنون.
وأّم ا املعنون لذلك العنوان فهو معلوم بالعرض باعتبار فناء العنوان فيه.
ويف احلقيقة إمّن ا يتعّلق الشوق بشيء إذا كان له جهة وجدان وجهة فقدان ،فال
يتعّلق باملعدوم من مجيع اجلهات ،وال باملوجود من مجيع اجلهات .وجهة الوجدان يف
املشتاق إليه هو العنوان املوجود بوجود الشوق يف أفق النفس باعتبار ما له من وجود
عنواّين فرضّي .وجهة الفقدان يف املشتاق إليه هو عدمه احلقيقّي يف اخلارج ،ومعىن
الشوق إليه هو الرغبة يف إخراجه من حّد الفرض والتقدير إىل حّد الفعلّية والتحقيق.
وإذا كان الشوق على هذا النحو ،فكذلك حال الطلب والبعث بال فرق ،فيكون
حقيقة طلب الشيء هو تعّلقه بالعنوان إلخراجه من حّد الفرض والتقدير إىل حّد الفعلّية
والتحقيق (.)1
ثانيا :أّنا ا قلنا بأّن متعّلق التكليف هو العنوان ال املعنون ال نعين أّن العنوان مبا له
ّمل
من الوجود الذهّين يكون متعّلقا للطلب ؛ فإّن ذلك باطل بالضرورة ؛ ألّن مثار اآلثار
ومتعّلق الغرض والذي ترتّتب عليه املصلحة واملفسدة هو املعنون ال العنوان ؛ بل نعين أّن
املتعّلق هو العنوان حال وجوده الذهّين ،ال أّنه مبا له من الوجود الذهّين أو هو مفهوم ،
ومعىن تعّلقه بالعنوان حال وجوده الذهّين أّنه يتعّلق به نفسه باعتبار أّنه مرآة عن املعنون
وفان فيه ،فتكون التخلية فيه عن الوجود الذهّين عني التحلية به.
ثالثا :أّنا إذ نقول « :إّن املتعّلق للتكليف هو العنوان مبا هو مرآة عن املعنون ،
وفان فيه» ال نعين أّن املتعّلق احلقيقّي للتكليف هو املعنون ،وأّن التكليف يسري من
العنوان إىل املعنون باعتبار فنائه فيه ـ كما قيل ( )2ـ ،فإّن ذلك باطل بالضرورة أيضا ؛ ملا
تقّد م أّن املعنون يستحيل أن يكون متعّلقا للتكليف بأّي حال من األحوال ،وهو حمال
حىّت لو كان بتوّس ط العنوان ،فإّن توّس ط العنوان ال خيرجه عن استحالة تعّلق التكليف
به ؛ بل نعين
ونقول :إّن الصحيح أّن متعّلق التكليف هو العنوان مبا هو مرآة وفان يف املعنون على أن
يكون فناؤه يف املعنون هو املصّح ح لتعّلق التكليف به فقط ؛ إذ إّن الغرض إمّن ا يقوم
باملعنون املفّين فيه ،ال أّن الفناء جيعل التكليف ساريا إىل املعنون ومتعّلقا به .وفرق كبري
بني ما هو مصّح ح لتعّلق التكليف بشيء ،وبني ما هو بنفسه متعّلق التكليف .وعدم
التفرقة بينهما هو الذي أوهم القائلني بأّن التكليف يسري إىل املعنون باعتبار فناء العنوان
فيه ،وال يزال هذا اخللط بني ما هو بالذات وما هو بالعرض مثار كثري من االشتباهات
اليت تقع يف علمي األصول والفلسفة .والفناء واآللّية يف املالحظة هو الذي يوقع االشتباه
واخللط ،فيعطى ما للعنوان للمعنون وبالعكس.
وإذا عسر عليك تفّه م ما نرمي إليه فاعترب ذلك يف مثال احلرف حينما حنكم عليه
بأّنه ال خيرب عنه ؛ فإّن عنوان احلرف ومفهومه اسم خيرب عنه ،كيف وقد أخرب بأّنه ال
خيرب عنه؟ ولكن إمّن ا صّح اإلخبار عنه بذلك فباعتبار فنائه يف املعنون ؛ ألّنه هو الذي له
هذه اخلاصّية ،ويقوم به الغرض من احلكم ،ومع ذلك ال جيعل ذلك كون املعنون ـ
وهو احلرف احلقيقّي ـ موضوعا للحكم حقيقة أّو ال وبالذات ؛ فإّن احلرف احلقيقّي
يستحيل أن يكون موضوعا للحكم وطرفا للنسبة بأّي حال من األحوال ولو بتوّس ط
شيء ،كيف وحقيقته النسبة والربط ،وخاّص ته أّنه ال خيرب عنه؟ .وعليه ،فاملخرب عنه
أّو ال وبالذات هو عنوان احلرف ،لكن ال مبا هو مفهوم موجود يف الذهن ؛ فإّنه هبذا
االعتبار خيرب عنه ،بل مبا هو فان يف املعنون وحاك عنه ،فاملصّح ح لإلخبار عنه بأّنه ال
خيرب عنه هو فناؤه يف معنونه ،فيكون احلرف احلقيقّي املعنون خمربا عنه ثانيا وبالعرض ،
وإن كان الغرض من احلكم إمّن ا يقوم باملفّين فيه ،وهو احلرف احلقيقّي .
وعلى هذا يّتضح جلّيا كيف أّن دعوى سراية احلكم أّو ال وبالذات من العنوان إىل
املعنون منشؤها الغفلة [عن التفرقة] بني ما هو املصّح ح للحكم على موضوع باعتبار
قيام الغرض بذلك املصّح ح ،فيجعل املوضوع عنوانا حاكيا عنه ،وبني ما هو املوضوع
للحكم القائم به الغرض ،فاملصّح ح للحكم شيء واحملكوم عليه واجملعول موضوعا شيء
آخر .ومن العجيب أن يصدر مثل هذه الغفلة من بعض أهل الفّن يف املعقول.
نعم ،إذا كان القائل بالسراية يقصد أّن العنوان يؤخذ فانيا يف املعنون ،وحاكيا
عنه ،وأّن الغرض إمّن ا يقوم باملعنون فذلك حّق وحنن نقول به ،ولكن ذلك ال ينفعه يف
الغرض الذي يهدف إليه ؛ ألّنا نقول بذلك من دون أن جنعل متعّلق التكليف نفس
املعنون ،وإمّن ا يكون متعّلقا له ثانيا وبالعرض ،كاملعلوم بالعرض ـ كما أشرنا إليه فيما
سبق ـ ،فإّن العلم إمّن ا يتعّلق باملعلوم بالذات ،ويتقّو م به ،وليس هو إّال العنوان املوجود
بوجود علمّي ،ولكن باعتبار فنائه يف معنونه يقال للمعنون « :إّنه معلوم» ،ولكّنه يف
احلقيقة هو معلوم بالعرض ال بالذات ،وهذا الفناء هو الذي خيّيل الناظر أّن املتعّلق
احلقيقّي للعلم هو املعنون ،ولقد أحسنوا يف تعريف العلم بأّنه «حصول صورة الشيء
لدى العقل ،ال حصول نفس الشيء» ،فاملعلوم بالذات هو الصورة ،واملعلوم بالعرض
نفس الشيء الذي حصلت صورته لدى العقل.
وإذا ثبت ما تقّد م ،واّتضح ما رمينا إليه ـ من أّن متعّلق التكليف أّو ال وبالذات هو
العنوان وأّن املعنون متعّلق له بالعرض ـ يّتضح لك احلّق جلّيا يف مسألتنا «مسألة اجتماع
األمر والنهي» ،وهو أّن احلّق جواز االجتماع.
ومعىن جواز االجتماع أّنه ال مانع من أن يتعّلق اإلجياب بعنوان ،ويتعّلق التحرمي
بعنوان آخر ،وإذا مجع املكّلف بينهما صدفة بسوء اختياره فإّن ذلك ال جيعل الفعل
الواحد املعنون لكّل من العنوانني متعّلقا لإلجياب والتحرمي إّال بالعرض ،وليس ذلك
مبحال ؛ فإّن احملال إمّن ا هو أن يكون الشيء الواحد بذاته متعّلقا لإلجياب والتحرمي.
وعليه ،فيصّح أن يقع الفعل الواحد امتثاال لألمر من جهة باعتبار انطباق العنوان
املأمور به عليه ،وعصيانا للنهي من جهة أخرى باعتبار انطباق عنوان املنهّي عنه عليه.
وال حمذور يف ذلك ما دام أّن ذلك الفعل الواحد ليس بنفسه وبذاته متعّلقا لألمر وللنهي
ليكون ذلك حماال ،بل العنوانان الفانيان مها املتعّلقان لألمر والنهي ،غاية األمر أّن
تطبيق العنوان املأمور به على هذا الفعل يكون هو الداعي إىل إتيان الفعل ،وال فرق بني
فرد وفرد يف انطباق العنوان عليه ،فالفرد الذي ينطبق عليه العنوان املنهّي عنه كالفرد
اخلايل من ذلك يف كون كّل منهما ينطبق عليه العنوان املأمور به بال جهة خلل يف
االنطباق.
وال فرق يف ذلك بني أن يكون تعّد د العنوان موجبا لتعّد د املعنون ،أو مل يكن ما
دام أّن املعنون ليس هو متعّلق التكليف بالذات.
نعم ،لو كان العنوان مأخوذا يف املأمور به واملنهّي عنه على وجه يسع مجيع
األفراد حىّت موضع االجتماع ـ وهو الفرد الذي ينطبق عليه العنوانان ـ ،ولو كان ذلك
من جهة إطالق الدليل ؛ فإّنه حينئذ تكون لكّل من الدليلني الداللة االلتزامّية على نفي
حكم اآلخر ( )1يف موضع االلتقاء ،فيتكاذبان ،وعليه ،يقع التعارض بينهما وخيرج
املورد عن مسألة االجتماع كما سبق بيان ذلك مفّص ال.
كما أّنه لو كانت القدرة على الفعل مأخوذة يف متعّلق األمر على وجه يكون
الواجب هو العنوان املقدور مبا هو مقدور فإّن عنوان املأمور به حينئذ ال يسع وال يعّم
الفرد غري املقدور ،فال ينطبق عنوان املأمور به مبا هو مأمور به على موضع االجتماع ،
وال يكون هذا الفرد غري املقدور شرعا من أفراد الطبيعة مبا هي مأمور هبا.
خبالف ما إذا كانت القدرة مصّح حة فقط لتعّلق التكليف بالعنوان ،فإّن عنوان
املأمور به يكون مقدورا عليه ولو بالقدرة على فرد واحد من أفراده ؛ وهلذا قلنا :إّنه لو
احنصر تطبيق املأمور به يف خصوص موضع االجتماع ـ كما يف مورد عدم املندوحة ـ يقع
التزاحم بني احلكمني يف موضع االجتماع ؛ ألّنه ال يصّح تطبيق املأمور به على هذا
الفرد ـ وهو موضع االجتماع ـ إّال إذا مل يكن النهي فعلّيا ،كما ال يصّح تطبيق عنوان
املنهّي عنه عليه إّال إذا مل يكن األمر فعلّيا ،فال بّد من رفع اليد عن فعلّية أحد
احلكمني ،وتقدمي األهّم منهما.
ولقد ذهب بعض أعالم أساتذتنا ( )2إىل أّن القدرة مأخوذة يف متعّلق التكليف ،
باعتبار أّن اخلطاب بالتكليف نفسه يقتضي ذلك ؛ ألّن األمر إمّن ا هو لتحريك املكّلف
حنو الفعل على أن يصدر منه باالختيار ،وهذا نفسه يقتضي كون متعّلقه مقدورا ؛
المتناع جعل الداعي حنو املمتنع وإن كان االمتناع من ناحية شرعّية.
ولكّننا مل نتحّق ق صّح ة هذه الدعوى ؛ ألّن صّح ة التكليف بطبيعة الفعل ال تتوّقف
على أكثر
من القدرة على صرف وجود الطبيعة ولو بالقدرة على فرد من أفرادها ،فالعقل هو
الذي حيكم بلزوم القدرة يف متعّلق التكليف ،وذلك ال يقتضي القدرة على كّل فرد من
أفراد الطبيعة إّال إذا قلنا بأّن التكليف يتعّلق باألفراد أّو ال وبالذات ،وقد تقّد م توضيح
فساد هذا الوهم (.)1