Professional Documents
Culture Documents
1
المحاضرتين األولى والثانية
كثيرا ما سمعتم بالحاالت الذهنية والحاالت الفيزيائية وبكون النشاط النفسي على أنه داخلي
وأن هته الحاالت النفسية أو الذهنية هي متنوعة في طبيعتها وأنواعها ،ورأينا على أن الفالسفة
عادة ما يميزون بين الحاالت النفسية والحاالت المادية .اإلشكال الذي سننطلق منه لتقديم هذه
المادة هو إشكال بسيط ظاهريا لكنه في الواقع إشكال مطروح منذ القرن 71إلى اليوم فالفلسفة
والعلم يحاوالن تقديم جوابا عن هذه القضية.
ففي تمييزنا بين الحاالت الذهنية والحاالت المادية نستند إلى بعض الخصائص المميزة فنقول
إن هناك اختالفا بين مالحظتنا للنشاط النفسي بوصفه تجربة ذاتية ومالحظتنا للمواضيع
الخارجية المادية وهذه المالحظة قد تبدو أساسية وأولية فيمكن أن نقوم بتصنيف الحاالت
الذهنية فنميز بين:
-7الوجدانات أو االنفعاالت ( )émotionsفاأللم (كموضوع) نوع من الحاالت الذهنية،
-2اإلحساسات واإلدراكات فأنا حينما أرى تفاحة يانعة أكون إحساسا أو إدراكا حول لون
التفاحة أو مذاقها أو حينما أنصت إلى خرير المياه فيتكون لدي إحساس ( (sensation
حول هذا الصوت،
-3التمثالت التخييلية فأنا أتخيل أن هناك حيوانا أو كائنا يسمى "الغول" وأضع له عينين
حمراواتين وأنفا برتقاليا ،أو أتخيل جبال من الذهب (كل هذا يدخل ضمن التمثالت
التخييلية)،
-4االعتقادات فأنا أعتقد أن المطر سوف يسقط غدا فهذا االعتقاد قد يكون صادقا وقد
يكون كاذبا أو أن زينب أقل ذكاء مني أو أكثر ذكاء ،أو حينما أقول 71 = 6 + 4
فهذا كذلك اعتقاد،
1
-5الرغبات واإلرادات ( )désirs et volitionsقد أحس بالعطش وأشتهي كأسا من الماء
البارد وقد تتحول هذه الرغبة إلى فعل فأذهب للبحث عن ما أروي به ظمئي.
نحن إذا أمام تعدد في الحاالت الذهنية فكيف يمكن أن نجد نوعا من الخصائص المشتركة
بين كل هته األنواع؟ فالقاسم المشترك بينها أنها كلها تدخل في إطار الحاالت الذهنية
وتتطلب نوعا من الوعي ،وهي كذلك تتميز بكونها عبارة عن تجربة ذاتية
( Les qualia ou conscience phénoménale sont le contenu
( )subjectif de l'expérience d'un état mental.التجربة المعاشة).
ونجد خاصية أخرى تميز هذه الحاالت الذهنية (الوجدانات واالنفعاالت ،اإلحساسات،
()l’intentionnalité القصدية وهي واالعتقادات) واإلرادات الرغبات
( )Franz Brentanoوخاصة االعتقادات والقناعات تكون موجهة نحو موضوع أو لها
موضوع يحملها (أي عبارة عن تمثل لشيء ما) وكذلك األفعال التخيلية والرغبات يمكن
أن يكون لها نوع من القصدية .إذن هناك خاصيتي "الوعي" و "القصدية" وهي غير
موجودة في الحاالت المادية فهي حاالت تشكل موضوعا للعلم الطبيعي فهي بالتالي تشترك
في الخصائص العامة للمادة والتي تعرف بالوزن أو الكتلة ،الشحنة ،الحركة ،السرعة،
أي االمتداد...
يمكننا أن نميز في الحاالت الذهنية والحاالت المادية بين حاالت النوع ( les états
typesخصوصا في الحاالت الذهنية) وحاالت الورود أو التوارد ()occurrence
فاإلحساس باأللم "حالة النوع" أما األلم الذي نحسه هو نوع من "الورود" يحدث في
رأسي.
لكي نميز بين الحاالت الذهنية والحاالت المادية يمكن أن نقدم 4خصائص:
-7الحاالت الذهنية هي حاالت ذاتية لها ولوج خاص على خالف الحاالت المادية (التي
لها معرفة عامة وموضوعية)
-2أن الحاالت الذهنية تتطلب الوعي (تجربة معاشة )les qualiaفي حين أن الحاالت
المادية ال تتطلب الوعي (أي ال تستند إلى تجربة داخلية فهي موضوعية)
1
-3الحاالت الذهنية لها قصدية وهته القصدية تطرح إشكاال أو علينا التحقق فيها فالقول
بوجودها في الحاالت الذهنية يعني أن لها معنى وداللة ()sens et signification
وبالتالي فهي تخضع لنوع من القواعد العقالنية ( )règles rationnellesفرغبتي
في شرب الماء البارد واعتقادي بوجود متجر للمرطبات يقدم خدماته يدفعني للذهاب
إليه للتزود (إذا كان االعتقاد Pله كنتيجة )Qنتحدث إذا عن وجود عالقة سببية بين
الحاالت الذهنية تحترم المبادئ المنطقية العقالنية.
-4الحرية ( (le libre arbitreفنحن نأتي للقسم بمحض إرادتنا لتحقيق رغبة النجاح
ألن لدينا قناعة بأن الدراسة مهمة في حين أن الحاالت المادية محكومة بنوع من
الحتمية الميكانيكية .ولكن نعرف معيشيا أن الفعل ينطوي على بعد إرادي فرغبتي في
رفع يدي قد يتحول إلى فعل إرادي وبدوره يتحول إلى فعل مادي.
-7االحتمال األول :أن الحاالت المادية تسبب حاالت مادية (محكومة بالقوانين الفيزيائية)
-2االحتمال الثاني :الحاالت المادية تسبب حاالت ذهنية (نستمع لقراءة قصيدة شعرية
فيحصل لدينا إدراك ،أي حالة ذهنية ،بأن هناك شعر يتلى بسبب نوع من القراءة لها
إيقاع ومعان) وبشكل عام المكونات الحسية للمحيط الخارجي تسبب إدراكات
واعتقادات حول هته المكونات بل وحتى وجدانات أو انفعاالت.
-3االحتمال الثالث :حاالت ذهنية تؤدي إلى حاالت ذهنية أخرى فإدراكي لوجود قارورة
ماء يدفعني إلى الرغبة في الشرب ،وبشكل عام اإلدراكات واالعتقادات تسبب حاالت
من الرغبات واإلرادات.
-4االحتمال الرابع :الحاالت الذهنية تسبب حاالت مادية فإرادتي في اإلمساك بقارورة
الماء أدى إلى ارتفاع يدي اليمنى .لكن رفع اليد هو فعل مادي ماكروفيزيقي (macro-
)physiqueيتكون من سلسلة من األفعال الدقيقة ( )micro-physiqueولفهم كيفية
تحول الرغبات واإلرادات إلى أفعال مادية وتناسق سلسة من األفعال الدقيقة هو ما
ولد الحاجة إلى علم الفيزيولوجيا فهناك دائما حاجة مجتمعية لظهور أي علم .بشكل
عام الرغبات واإلرادات تسبب بعض األفعال الفيزيائية التي تسمح لنا بإنجاز وتحقيق
1
األثر المرغوب فيه .ولهذا السبب فهذا النوع الرابع هو الذي يطرح إشكاال في فلسفة
الذهن.
لكن ما يالحظ معيشيا هو أن العالقة بين الحاالت الذهنية والحاالت المادية هي سلسلة
عالقات "هذا الجو المتقلب تسبب لي في ألم في رأسي ودفعني للبحث عن مسكن أو
عالج":
تكمن الصعوبة في هذا النقاش في حالة تزامن سبب مادي أو حالة نفسية وسبب مادي أو
حالة مادية وراء فعل ما ،لمن سنعطي األولوية؟ هل يمكن أن يكون لحالة مادية سببان
أحدهما مادي بحت والثاني نفسي؟ أال يجرنا هذا إلى النقاش الفلسفي وإلى الثنائية الديكارتية
روح وجسد؟ لذلك يجب أن يكون تفسيرنا للظاهرة ماديا كليا (مبدأ االكتمال la
)complétudeفال يجب أن نبحث عن عالقة سببية خارج النطاق العلمي والمادي .نجد
أنفسنا إذا أمام 4قضايا أو مبادئ:
-7القضية األولى :نحن أمام تمييز واختالف تامين بين الحاالت الذهنية والحاالت المادية.
-2القضية الثانية :الحاالت الذهنية تسبب حاالت مادية.
-3القضية الثالثة :وهي مبدأ االكتمال السببي ( Nomologiqueالقانون الذي يحكم
الظاهرة الطبيعية) والتفسيري لمجال الحاالت المادية (كل الحاالت المادية لها أسباب
مادية تامة ومكتملة وخاضعة لقوانين فيزيائية وتمتلك تفسيرا فيز)يائيا تاما ومكتمال)
-4القضية الرابعة :ال يمكن أن تكون هيمنة لجانب على اآلخر أي le mental et le
.physique
سوف نكون أما جملة من اإلشكاليات الكبرى والتي شغلت الفالسفة منذ القرن 71إلى
اآلن ،فإذا أخذنا كل قضية من القضايا السابقة منفردة فهي تكون صحيحة أما إذا اجتمعت
في وحدة فإننا نكون أما إشكالية كبرى:
"أرفع يدي (حالة مادية )P2قد يكون لها أساس مادي تام مكتمل (وخز إبرة )P1وسبب
ذهني (إرادة :حالة ذهنية )M1غير أن هذين السببين متمايزين فإذا أقرينا بالقاعدة 3فال
1
وجود للذهني .ولكي نجيب على هذا اإلشكال نضيف المبدأ الرابع وهو غياب la
surdétermination régulièreومعناها:
« Si les états mentaux causent les états physiques, alors on ne peut
pas admettre l’existence d’une surdétermination causale
» régulière.
منح األولوية في ا لتفسير للحاالت المادية انطالقا من وجود أسباب مادية مكتملة وأسباب
ذهنية مضافة (أي ضرورة إقرار نوع من التكافؤ) وبإضافة المبدأ 4تصبح المبادئ
الثالث األولى وحدة غير متماسكة فنالحظ أن كل مبدأين متوافقين وكل زوجين من هذه
المبادئ المتوافقة يؤدي إلى دحض المبدأ الثالث وبهذا نجد أنفسنا أمام االحتماالت أو
الحاالت التالية:
الحالة األولى :المبدأين 7و 2و )4-2-7( 4يؤدي إلى نفي المبدأ :3
"-7كل الحاالت الذهنية ليست مادية.
"-2الحاالت الذهنية تسبب حاالت مادية
فحسب هذا المبدأ كل حالة مادية لها بالضرورة سبب مادي تام فالحاالت الذهنية غير المادية
غير ضرورية لتفسير الحالة المادية.
الحالة الثانية :بقبولنا المبادئ 3-7-4يكون المبدأ 2ملغيا ،فتبعا للمبدأ 7الحاالت
الذهنية ليست مادية وحسب المبدأ 3يقر بشمولية التفسير السببي المادي الكلي فال
مكان هنا للمبدأ 2إذ ال مكان في هاته الحالة للحاالت الذهنية كسبب للحاالت
الفيزيائية.
الحالة الثالثة :إذ أقرينا بالمبادئ 3-2-4يصبح مبدأ 7الغيا ،فتبعا للمبدأ 2بما
أن الحاالت الذهنية تسبب حاالت مادية وتبعا للمبدأ 3وحده التفسير الكلي المادي،
يصبح المبدأ 7الغيا فنعتبر أن الحاالت الذهنية ال اختالف بينها وبين الحاالت
المادية ( )identiquesالهوية السيكوفيزيائية (.)l’identité psychophysique
1
إن إشكالية فلسفة الذهن والعلوم المعرفية تتلخص في التضارب الحاصل والصراع بين
تجربتنا الذاتية وبين العلم (كمبدأ) ،ولكي نقدم جوابا عن هاته اإلشكالية نكون أمام احتمال
حذف أحد المبادئ األربعة من أجل رفع هذا التناقض الذي يولده التقاؤها المتزامن أو الموحد
وبالتالي ففلسفة الذهن ومختلف المقاربات التي قدمت منذ القرن 71إلى اآلن تقوم حول سؤال:
أية مبدأ يمكن رفعه وبأية شروط تسمح بتأسيس فلسفة للذهن مقنعة ،ثم سوف مقف عند ما
قدمته العلوم المعرفية بخصوص هذه اإلشكالية لنقف عند بعض القضايا المطروحة في هذا
النقاش (الفعل الحر ،التجربة المعيشة ،المفهوم)...
إن اإلشكال الذي ينبغي أن يقدم جوابا عنه هو كيف انتقلنا من تساؤل إشكال فلسفي في العالقة
السببية بين الذهن والدماغ إلى الجواب العلمي؟ (أصل اإلشكالية فلسفي ولكن أصبح العلم هو
الذي يقدم جوابا) ،ما هي المحطات الفلسفية التي سعت إلى تجاوز اإلشكال الذي تطرحه
فلسفة الذهن؟ (بالحديث عن المكونات أو المبادئ األربع) ففلسفة الذهن تقر بالتمييز بين
الحاالت الذهنية والحاالت المادية ،وهذا التمييز يستند إلى ما تتناوله التجربة الذاتية بين الحالة
الذهنية والعوامل المادية الخارجية .ما هي العالقة السببية بين ما هو ذهني وما هو مادي؟
هاتين المقدمتين تطرحان إشكاال أمام العلم الحديث فقبل ديكارت لم يكن هناك مشكل ولكن
منذ تأسيس الميكانيكا أصبح الحفاظ على وحدة التفسير العلمي للنشاط الذهني يطرح مشكال
خصوصا مع المبدأ الرابع ( )4فنحن أمام بناء غير صلب وغير متماسك ،في تصور فلسفي
يلخص هذه العالقة بين الحاالت الذهنية والحاالت المادية في الجواب األول ،مع ديكارت
الذي يلغى المبدأ ( )3ويحافظ على دور الالمادي في التفسير (هنالك جوهران ولكن هنالك
ايضا تفاعل سيكوفيزيائي) .فالمشكل يظل مطروحا :هل المعرفة مستقلة عن العالم الخارجي
(أي داخلية) وبالتالي ليس لها مرجع ،فأنا الذي أعرف حاالتي الذهنية وهي معطاة فطريا وال
تفترض وجودا خارجيا (هل يمكن وجود داللة بدون مرجع؟).
1
اإلشكالية الثانية عند ديكارت هي كيف يمكن أن تؤسس العالقة والتفسير السيكوفيزيائي وذلك
برفع المبدأ ()3؟ نجد عند جون إيكلس ( )Ecclesالذي يتحدث عن الثنائية ويحيل على الفيزياء
الكمية.
هل للنفس الدور نفسه الذي تلعبه المادة؟ كيف يتحقق التموضع المادي في الدماغ؟ افتراض
الغدة الصنوبرية في تموضع الذهن فقد افترض ديكارت أن الحاالت الذهنية من الممكن أن
تتدخل لتغيير بنية ومسار البنية العصبية (وهذا طبعا ناجم عن سوء فهم للمفهوم المتجهة
الرياضي آنذاك).
هناك إشكال أول وهو محاولة تفسير البنية انطالقا من الثنائية التفاعلية عند ديكارت؛ غير أن
هذا النقاش حول الثنائية سيتطور مع سبينوزا ،فالنفس والجسم مظهران للشيء نفسه ،وبهذا
يكون سبينوزا قد ألغى المبدأ ( .)2مبدأ الساعة عند ليبنز (ساعتان متشابهتان في دقتهما وفي
تقديمهما للوقت بشكل متزامن مما يوحي بتدخل إلهي ،إما أن قوة خفية تحكمهما أو أن هناك
شخص يتدخل لضبطهما معا
Panpsychisme: Position suivant la quelle toute matière possède des
états mentaux
أي كل الموجودات لها نفس ،وبالتالي هل يمكن الحديث عن سيكولوجيا تامة بذاتها؟
فوجودها إذن سوف يتعارض مع الواقع.
فهل نقبل أن كل الموجودات لها روح؟ وهل هناك سيكولوجيا تامة بدون تفسيرها المادي؟ (
سبينوزا سيزيل المبدأ ( )2أي ال تفاعل بين الجوهرين
فنحن إذن إما أمام:
-7ظاهراتية مصاحبة .Epiphénoménologieأو
Surdéterminisme -2المبدأ()4
كل تحول يحدث في الغشاء الخارجي يؤثر في الغشاء الداخلي والعكس صحيح (العالقة بين
الجسد والروح هي ثنائية ال تفاعلية عند فيشنر.
Le plus simple possible, l’exemple de Leibniz où les deux horloges
marquent toujours la même heure, ne sont pas deux horloges
1
puisqu’elles n’en font qu’une en réalité, ce qui nous fait économiser
de la matière (l’épi-phénoménologie).
في المصاحبة الظاهراتية هناك اختالف بين الحاالت الذهنية والحاالت المادية فهي تقر بالمبدأ
( )7وهل يكون لها تأثير سببي في الحاالت المادية ( )2والجواب هو أن الحاالت الذهنية لها
مسببات مادية ( )elles ont des causes physiquesلكن ال يمكنها أن تسبب بدورها ال
حاالت مادية وال حاالت ذهنية ألن الحاالت الذهنية مجرد ظاهرة مصاحبة تصاحب بعض
الظواهر الفيزيائية .فهذا الموقف ينعت بثنائيات الحاالت والخصائص ( Etats et
)propriétésأي أن بعض األنظمة الفيزيائية ليس لها فقط خصائص فيزيائية ولكن كذلك
حاالت وخصائص ذهنية غير أن هاته األخيرة ليس لها تأثير ( )effetمن أي نوع ،ويرجع
هذا التيار إلى .)7285/7225(Thomas Henry Huxleyهذا للظاهراتية المصاحبة أو هذا
التيار يقبل بالمبدأ ( )7و( )3وينفي المبدأ ( )2إضافة إلى أنه ال يسلم بوجود un pan
psychismeوال بمبدأ اكتمال التفسير المادي للحاالت الذهنية ( )3وال بمبدأ االكتمال السببي
لمجال الحاالت الذهنية أي تفسير حاالت ذهنية بحاالت ذهنية (.)'3وبالمقابل تعمل النزعة
على حذف المبدأ الذي يسلم بوجود سببية ذهنية ()2
المشكلة التي تطرحه هاته النزعة هي أنها ال تسمح بتقديم تمييز بين الفعل القصدي والسلوك
الجسمي comportement corporel purفمثال ال يوجد فارق بين الحالة التي أرفع فيها
يدي آليا بفعل ردة فعل والحالة التي أرفع فيها يدي عن قصد.
إن النزعة الظاهراتية المصاحبة ال تقدم جوابا محسوما عند سؤال كيف لحاالت مادية أن
تحدد موضعياحاالت ليست مادية والتي ال يمكنها أن تكون سببا ألي شيء آخر؟
( le surdéterminismeالمبدأ ( ))4هذا الموقف يقر بالثنائية لكنه مختلف مفهوميا عن
الظاهرة المصاحبة وهو ليس موقفا متوازيا وال تفاعليا وهو يسلم بالمبادئ ( )2( ،)7و ()3
لكنه ينفي الموقف (:)4
1
Si tous les états physiques p « état occurrence » ont des explications
sous forme d’états mentaux, p a en même temps une cause
physique complète et distincte de la cause mentale m.
أي مستقبل إذا لـــــ le surdéterminisme؟ إن اعتماد هذه االستراتيجية التي تهدف إلى
خلق نوع من التجانس بين المبادئ ( )2( )7و ( )3فإنها تجابه بجملة من االعتراضات فما
دامت ترفض المبدأ ( )2الخاص بالسببية الذهنية وتقبل بأولوية التفسير المنتظم للحاالت
المادية التي تكون تحت تأثير الحاالت النفسية فإنها تقود إلى نفي الغاية من وراء هذا المبدأ.
1
كلية العلوم االنسانية واالجتماعية -القنيطرة
1
تسعى العلوم املعرفية إلى تقديم جواب عن االختالف الحاصل بين ما تقدمه تجربتنا الذاتية من معرفة
حول عالقة الذهن بالدماغ وبين ما يقدمه العلم (كمبدأ) .ولكي نقدم جوابا عن هاته اإلشكالية نكون أمام
احتمال إلغاء أحد املبادئ األربعة السابقة ،من أجل رفع التناقض الذي يولده التقاؤها املتزامن أو املوحد؛
وبالتالي ففلسفة الذهن ومختلف املقاربات التي قدمت منذ القرن 71إلى اآلن تقوم حول سؤال :أي مبدأ
وعليه سنحاول استعراض مختلف املواقف املعبر عنها في عالقتها بتطور علم النفس وبالعلوم املعرفية
عامة ،وما قدمته بخصوص هذه اإلشكالية لنقف عند بعض القضايا الفرعية املطروحة في هذا النقاش
اإلشكال الذي ينبغي أن يقدم جواب عنه هو كيف انتقلنا من تناول فلسفي (العالقة السببية بين
الذهن والدماغ) إلى تناول علمي؟ (أصل اإلشكالية فلسفي ولكن أصبح العلم هو الذي يسعى إلى تقديم
جواب) ،ما هي املحطات الفلسفية التي سعت إلى تجاوز اإلشكال الذي تطرحه فلسفة الذهن؟
بالحديث عن املكونات أو املبادئ األربع ففلسفة الذهن تقر بالتمييز بين الحاالت الذهنية والحاالت
املادية ،وهذا التمييز يستند على ما تقدمه التجربة الذاتية بين الحالة الذهنية والحالة املادية الخارجية .ما
هاتان املقدمتان تطرحان إشكاال أمام العلم الحديث فقبل ديكارت لم يكن هناك مشكل ولكن منذ
تأسيس امليكانيكا أصبح الحفاظ على وحدة التفسير العلمي لنشاط الذهن يطرح مشكال خصوصا باعتماد
املبدأ الرابع ( )4فنحن بذلك أمام بناء غير صلب وغير متماسك.
الثنائية التفاعلية:
قامت فلسفة ديكارت على نقد التصور الكالسيكي للروح بوصفها مبدأ الحياة ،وحركة الجس م.
وقدمت تص ورا جديدا إلش كالية النفس الجس م ،يقوم على الفص ل بينهما بوص فهما جوهرين منفص لين
عن بعض هما البعض .وهذا ما يحيل على نو من الينااية التي نجدها في أس ا التص ور الديكارتي ،غير أنه
2
إذا كانت فلس فة ديكارت تقوم على نو من االس تقالل املفهومي واالنطولوجي املتبادل بين النفس والجس م،
ف نهه ا تطور ب اإلة اف ة إلى ذل ك نسري ة حول الوح دة الس يكوف ي ااية بين النفس والجس م ،والتي ال يمكن
اعتب اره ا مجرد تجميع بس يك لتف اعلهم ا .ذل ك أن ديك ارت فس ر ه ذه الوح دة انطالق ا من افتراض وجود
نش ير هنا إلى أن هذا البعد الياني من تص ور ديكارت ،ل مهمال مقارنة بالبعد األول ،ومرد ذلك إلى
املعطيات النوروتشريحية التي استند إليها ديكارت في منح مكانة خاصة للغدة الصنوبرية من تصوره هذا.
إن الص عوبة التي يطرحها التص ور الديكارتي تكمن في التمييز بين النفس ي والجس مي ،وفي اآلن نفس ه
وحدتهما .أو بص يغة أخرى إن أس ا إش كالية النفس الجس م في التص ور الديكارتي تتميل في الجمع بين
الطابع الالممتد للنفس بوصفها جوهرا ال ماديا ،وبين تموةعها في حيز من الجسم (الدماغ).
النفس بوص فها جوهرا ته يء موجود بذاته ،ومس تقل عن كل ه يء أخر حيث ماهيتها أو طبيعتها
الجس م بوص فه جوهرا من طبيعة مختلفة كليا ،إذ ماهيته أو طبيعته األس اسية هي االمتداد الذي
نس ج ل أن ه ذا التمييز الين الي ال ذي أخ ذ ب ه ديك ارت ليس اعتب اطي ا ،وإنم ا يس تن د إلى املراجع ة
النسري ة التي ق ام ه ا ملفهومي النفس والجس م؛ ذل ك أن الفهم الج دي د ال ذي ق دم ه ديك ارت ملفهوم النفس
يتج اوز ويقطع مع التص ور الكالس يكي ملفهوم الروح ،ففي بحي ه عن تح دي د الهوي ة الذاتية في جوابه عن
س ؤال" :من أنا؟" انطلق من رفض كونه تجميعا لألعض اء التي يس ميها "الجس م اإلنس اني" ،ليخلإ إلى كون
الجواب يتلخإ في "الش يء املفكر" .ويبرز ذلك تخلي ديكارت عن التص ور األرس طي ل نس ان بوص فه
"حيوان عاقل" ،وكذلك عن التص ورات الفلس فية والالهوتية القديمة حول الروح مبدأ حركة الجس م.
3
لكن ما يميز اإلنس ان حس ب ديكارت هو امللكة التأملية ( )théorétiqueالتي خإ ها أرس طو الحيوانات
التي له ا ملك ة التفكير( .)raisonnementوهو ب ذل ك يختزل الو ،ااف النفس ي ة في الو،يف ة الت أملي ة
( )théorétiqueوالتذهنية ( ،)cogitativeوهذا ما يش كل عمق املراجعة الديكارتية ملفهوم الروح التي كانت
تعتبر" :عل ة ومب دأ الجس م الحي" .وعلى ة وء ذل ك ال الحيوان ات وال النب ات ات تتوفر على روح ب املعنى
الديكارتي.
إن أطروح ة الفص ل الواقعي بين النفس والجس م ،الين ااي ة ال ديك ارتي ة ،تس ل مرتبط ة ب املراجع ة
النسرية لهذين املفهومين ،فديكارت ال يميز بين النفس والجس م بش كل عام ،وإنما بين "الجس م اآللة" من
إن ما توجه إليه س هام النقد في الينااية الديكارتية ،ليس مقدماتها النسرية العامة املؤس س ة على
خلفية التص ور امليكانيكي الس ااد في الفكر الحديث ،وإنما خالص اتها االنطولوجية ،ذلك أن النش اط res-
cogitanالالم ادي والالممت د ،inétendueبمعنى النش اط ال ذهني ،أة حى يس توع ب من خالل مف اهيم
املعكوس ية واالس تبطان ( .)l’intérioritéوعليه فالتفكير ما هو إال تميل للمواة يع واألش ياء على ش كل
أفكار ،هذه األخيرة ذات وجود ةمن عقلي ،تكمن في األنا النفس ،على شكل تميالت.
يقود التمييز ال ذي أدخل ه ديك ارت بين الطبيع ة ال داخلي ة ال ذاتي ة للنش اط ال ذهني ،وبين الوجود
الخارجي واملوة و ي لألش ياء ،إلى اعتبار معرفة األنا أو الذهن هي املعرفة األس هل واألكشر مباش رة .فاإلدراك
ي أن يكون التفكير الداخلي للذهن من طرف ذاته نفس ها ،بوص فه مص در كل األفعال الذهنية ،يقت
محددا بالو ي ،الذي يحيل على املعرفة األولية واملباش رة من طرف األنا نفس ه باألفعال الذهنية الداخلية،
-إن النش اط النفس ي يتم باس تقالل عن الجس م ،والجس م يوجد ويش تغل من تلقاء ذاته ،على ش كل
4
-إن الح االت النفس ي ة عب ارة عن ح االت داخلي ة تتميز ب الو ي واملعكوس ي ة ،وتتم بص يغ ة املتكلم
"األنا".
انطالقا من هاتين الخالص تين نتس اءل كيف اس توعب ديكارت الهوية اإلنس انية ،بوص فها تركيبا
للنفس والجس م؟ أو بص يغة أخرى كيف يمكن اس تيعاب املعطيات والسواهر التي تؤكد تداخل النفس ي
والجس مي (اإلرادة واإلحس ا ) في التكوين اإلنس اني ،على أس ا التمييز االنطولوجي الديكارتي بين النفس
والجسم؟
يش كل الفع ل ال ذهني عل ى الجس م ،كم ا ه و الح ال ف ي األفع ال املادي ة والجس دية الت ي
يس ب ها ال ذهن ،اإلرادة أو الفع ل اإلرادي ،والفع ل الجس دي عل ى ال ذهن ال ذي تميل ه التجرب ة
الحسية واالنفعالية ،املسهرين األساسيين لتفاعل الذهن والدماغ ،وهو ما يبرز وحدتهما.
ي وجود حيز لحض ور وتموة ع لكن افتراض إمكانية للتفاعل الس ببي بين الذهن والجس د يقت
النفس في الجس د اإلنس اني ،بحيث يمكنها أن تمار و،اافها :توجيه الحركات الجسدية وتلقي االنطباعات
الحس ية .ويتميل هذا الحيز في الغدة الص نوبرية ( .)conarium, la glande pinéaleويرجع ذلك ديكارت إلى
كون الغدة الص نوبرية العض و الوحيد في الدماغ غير املقس م إلى ش قين ،وعليه فالتركيب الذي يتكون من
النفس والجسد ،أسا الطبيعة اإلنسانية ،ليس تجميعا بسيطا لهما ،وإنما يعبر عن وحدة حقيقية:
"En effet, tous ces sentiments de faim, de soif, de douleur, etc., ne sont autre chose que
de certaines façons confuses de penser, qui, provient et dépendent de l’union et comme un
"mélange de l’esprit avec le corps
وخالص ة القول ،إن الص عوبة التي يطرحها النس ق الديكارتي أمام علم النفس تكمن في كيفية الجمع
في نسق واحد بين التمييز بين الذهن والدماغ بوصفهما جوهرين مختلفين ،وبين وحدتهما التفاعلية.
في تحقيق هذا املسعى عمل الززعة الينااية التفاعلية إلى إلغاء املبدأ ( )3وحافست على دور الالمادي في
التفسير (هناك جوهران ولكن هناك تفاعل سيكوفيزيالي)، .ل املشكل مطروحا :هل املعرفة مستقلة عن
5
العالم الخارجي (أي داخلية) وبالتالي ليس لها مرجع فأنا الذي أعرف حاالتي الذهنية وهي معطاة فطريا وال
اإلشكالية اليانية التي تطرحها الززعة الينااية التفاعلية :هي كيف يمكن أن تؤسس العالقة والتفسير
السيكوفيزيالي وذلك برفع املبدأ ()3؟ نجد هذا التصور عند إكليس ""Ecclesالذي يميز بين ثالثة عوالم:
العالم املادي ،وعالم الحاالت الواعية ،وعالم املعارف املوةوعية ،حيث عالم الحاالت الواعية ينتج عالم
املعارف املوةوعية؛
ويستند في تفسير ذلك إلى ما تقدمه الفيزياء الكمية من افتراض وجود ،مواقع مجهريةmicro-( ،
)sitesكما هي متعارف عليها ،والتي حاول من خاللها تحديد كيفية تأثير األحداث الذهنية على األحداث
العصبية :فقارن بذلك الذهن بحقل احتماالت كمية يسمح بتنشيك شعيرات ( )vésiculesالشبكة قبل-
سينابية .وعليه يعتبر "إكليس" أن الذهن بوصفه كيانا واعيا يمتلك نشاطا خاصا به من حيث البحث
(االنتباه ،والدافع ،والضرورة )...ومن حيث توحيد املعطيات ،لكنه باملقابل ال يقدم تفسيرا لكيفية تحقق
ذلك.
6
كلية العلوم االنسانية واالجتماعية -القنيطرة
1
الثنائية الالتفاعلية
هل للحاالت الذهنية دور في تحديد الحاالت املادية؟ أو كيف يتحقق التموضع املادي للذهن في
الدماغ؟
إن افتراض تموضع النفس في الغدة الصنوبرية ،حسب ديكارت ،يتيح إمكانية تدخل الحاالت الذهنية
لتغيير مسار البنية العصبية وتعديله (وهذا ناجم عن سوء فهم مفهوم vecteurالرياض ي آنذاك).
غير أن النقاش بخصوص النزعة الثنائية ،سيأخذ مسارا جديدا مع سبينوزا الذي يعتبر أن النفس
والجسم مظهران للش يء نفسه ،وعليه يمكن اعتبار الجسم Automate physiqueوالنفس عبارة عن
Automate spirituelوبهذا يكون سبينوزا قد ألغى املبدأ ( .)2كما يبرز ذلك مثال الساعة الذي قدمه ليبنز
(ساعتان متشابهتان في دقتهما وفي تقديمهما للوقت بشكل متزامن مما يوحي بتدخل إلهي ،إما أن قوة خفية
تحكمهما أو أن هناك شخص يتدخل لضبطهما معا؛ بمعنى أن كل املوجودات لها ثنائية املظهر مظهر خارجي
مادي وهو ما نلحظه ومظهر داخلي (غير مادي) نتاج تأمل أو ملحظة داخلية.
وبالتالي إن القضايا التي تطرح أمام الثنائية اللتفاعلية تتلخص من جهة في وجود سيكولوجيا تامة
بذاتها؛ ذلك أن وجودها سوف يتعارض مع الواقع العلمي ،بمعنى تأسيس سيكولوجيا تامة بدون الخذ
بالساس الفيزيكالي الذي استند إليه العلم الحديث؛ ومن جهة أخرى اإلقرار بكون كل املوجودات لها روح.
فنحن إذن أمام حلين للقضايا التي تطرحها النزعة الثنائية في صيغتها اللتفاعلية:
-1ظاهرة-مصاحبة .Epiphénoménologie
Surdétermination -2
كل تحول يحدث في الغشاء الخارجي يؤثر في الغشاء الداخلي والعكس صحيح (العلقة بين الجسد
2
Le plus simple possible, l’exemple de Leibniz où les deux horloges marquent toujours la
même heure, ne sont pas deux horloges puisqu’elles n’en font qu’une en réalité, ce qui nous
تبعا لنزعة الظاهرة املصاحبة ( )Epiphénoménologieهناك اختلف بين الحاالت الذهنية والحاالت
املادية فهي بذلك تقر باملبدأ ( ،)1غير أن السؤال يظل مطروحا بخصوص دور الحاالت الذهنية في الحاالت
الجواب :إن للحاالت الذهنية مسببات مادية ( )elles ont des causes physiquesلكن ال يمكنها أن
تسبب بدورها ال حاالت مادية وال حاالت ذهنية؛ لن الحاالت الذهنية مجرد ظاهرة مصاحبة تصاحب بعض
الظواهر الفيزيائية .فهذا املوقف ينعت بثنائيات الحاالت والخصائص ( )Etats et propriétésأي أن بعض
النظمة الفيزيائية ليس لها فقط خصائص فيزيائية ولكن كذلك حاالت وخصائص ذهنية؛ غير أن هاته
الخيرة ليس لها تأثير ( )effetمن أي نوع؛ ويرجع هذا التيار إلى .)1281/1221(Thomas Henry Huxley
بالنسبة للظاهرة املصاحبة فإنها تقبل باملبدأين ( )1و( )3وتنفي املبدأ ( )2إضافة إلى أنها ال تسلم
بوجود panpsychismeوال بمبدأ اكتمال التفسير املادي للحاالت املادية ( )3وال بمبدأ االكتمال السببي
ملجال الحاالت الذهنية أي تفسير الحاالت للذهنية بحاالت ذهنية ( .)'3لكنها باملقابل تعمل على حذف املبدأ
املشكلة التي تطرحها هاته النزعة هي أنها ال تسمح بتقديم تمييز بين الفعل القصدي والسلوك
الجسمي ،فمثل ال يوجد فارق بين الحالة التي أرفع فيها يدي آليا بفعل ردة فعل ،والحالة التي أرفع فيها يدي
عن قصد.
إن نزعة الظاهرة املصاحبة ال تقدم جوابا عن سؤال كيف لحاالت مادية أن تحدد موضعيا حاالت
3
: la surdéterminationهذا املوقف يقر بالثنائية لكنه مختلف مفهوميا عن الظاهرة املصاحبة
فهو ليس موقفا متوازيا وليس تفاعليا كذلك ،لكونه يسلم باملبادئ ( )1و( )2و( )3وينفي املبدأ(:)4
Pour tous les états physiques p, si p a une cause mentale, p a en même temps également
أي مستقبل إذن ل ـ ـ la surdétermination؟ إن اعتماد هذه االستراتيجية التي تهدف إلى خلق نوع من
التجانس بين املبادئ ( )1و ( )2و ( )3يجابه بجملة من االعتراضات ،فإذا كان هذا املوقف ال يرفض املبدأ
( )2الخاص بالسببية الذهنية ويقبل بأولوية التفسير املنتظم للحاالت املادية التي تكون تحت تأثير الحاالت
النفسية فإنها بذلك تميل إلى نفي الغاية من وراء هذا املبدأ.
إن حذف املبدأ ( )2من املبادئ التي تقوم عليها فلسفة الذهن ،املتعلق بعلقة الذهن بالجسم في
موقف التوازي السيكوفيزيائي اللتفاعلي يطرح مجموعة من القضايا بخصوص النزعة الثنائية وعلقة
الذهن بالدماغ ،خصوصا فيما يتعلق ب ـ ،Panpsychismeكون املكون النفس ي حاضر في كل املوجودات ،أو
أن هناك إمكانية تأسيس سيكولوجيا تامة ومكتملة ال مادية .غير أن االنتقادات املقدمة بخصوص هاتين
النقطتين دفعت الباحثين إلى تقديم تصورات بديلة من قبيل الظاهرة املصاحبة التي تقر بأن هنالك فروقا
بين الحاالت الذهنية والحاالت املادية (املبدأ )1وتحتفظ كذلك باملبدأ ( )3لكن تطرح النقاش بخصوص
املبدأ ( )2أي هل هناك علقة سببية بين الحاالت الذهنية والحاالت املادية ،فهي بذلك تعتبر أن هذه
الحاالت الذهنية ما هي في الواقع إال حاالت مصاحبة فقط للحاالت املادية فتكون بذلك قد حافظت على
املبدأ ( )3وسلمت باملبدأ ( )4الذي يقر بأن نتحفظ عن تقديم جواب :ال يمكن تقديم أسبقية في التفسير.
إن السؤال الذي قد يطرح :ما الجدوى من القول بوجود حاالت ذهنية إن لم يكن لها أي دور سببي ال
في وجود حاالت مادية وال في وجود حاالت ذهنية أخرى؟ بمعنى أننا لسنا أمام استقللية تفسيرية تامة
ومكتملة للنشاط النفس ي .وما الجدوى من وجود هذه الحاالت الذهنية مادامت عبارة عن حاالت مصاحبة
للنشاط املادي.
4
دائما في إطار الثنائية هناك موقف آخر لكن هذه املرة ال يناقش املبادئ ( )1.2.3ولكن يناقش املبدأ
( )4هو موقف Surdéterminationحيث يقر بأسبقية تفسير النشاط النفس ي لكن علينا أن نكون حذرين
فنحن لسنا ال في الظاهرة املصاحبة وال في الثنائية اللتفاعلية ولكن أمام تيار ثالث أي أننا نقر باملبدأ ()3
قائم وليس له امتداد على الحاالت غير املادية ولكن في املقابل نعتبر أن كل حالة فيزيائية لها سبب ذهني
وكذلك في اآلن ذاته لها سبب مادي تام ومختلف عن السبب النفس ي ،في هاته الحالة تمنح الولوية في
التفسير للسبب املادي وليس للسبب الذهني .وال يجب أن نفهم من ذلك أننا أمام موقف الظاهرة املصاحبة
لن هذا املوقف يقبل بأسبقية التفسير املادي عن التفسير النفس ي ،إذن رفض املبدأ ()4
5
كلية العلوم االنسانية واالجتماعية -القنيطرة
1
الهوية السيكوفيزيائية (:)L’identité psychophysique
بالنظر إلى الحلول املقدمة من طرف املواقف الثالث املعبر عنها سابقا :الثنائية الفاعلية (نفي
املبدأ )3وثنائية التوازي والظاهرة املصاحبة (نفي املبدأ )2واملوقف الثالث ( La surdéterminationنفي
املبدأ الرابع) ،فإنها جميعا تعتريها جملة من النقائص التفسيرية لعالقة الحاالت الذهنية بالحاالت
املادية؛ ويظل الحل املتبقي أمامنا ملناقتت واستعراض خصائص هو القول بتطابق الحاالت الذهنية
مع الحاالت املادية والذي يمكن أن يجد سنده في القول بتطابق األسباب الذهنية مع األسباب املادية
( ،)les causes mentales sont Identiques à des causes physiquesعلى اعتبار أن الحاالت ()états
هي ورود فردي ( )occurrence individuelleوخاص لخاصية معينة ،فتصبح بذلك الحاالت الذهنية
مكونا من مجال الحاالت املادية ،بمعنى أن الفارق بين الحاالت الذهنية والحاالت املادية هو فارق
مفهومي ( )distinction conceptuelleيجد سنده في كون الولوج االبسييي لحاالننا الذهنية متتلف
وبهذا يمكن القول بأن نظرية الهوية السيكوفزيائية ننفي املبدأ رقم 1لتقديم جواب عن عالقة
النفس بالجسي
وعلي يمكن اعتبار نظرية الهوية السيكوفزيائية إحدى الصيغ القوية من النزعة املادية األحادية
الت نقر بأن ليست هنالك فروق بين الحاالت الذهنية والحاالت املادية .بمعنى هل يكفي أننا أمام نجربة
ذانية نمتاز بالقصدية لتأسيس موقف علي يميز بين الحاالت الذهنية والحاالت املادية ،أي االنطالق
2
إن ما ينبغي أن يناقش في فلسفة الذهن هو املبدأ ( .)1ويتلخص السؤال في كيفية نقديم جواب
عن ذلك؟
كيف يمكن أن تسبب حاالت نفسية حاالت مادية ( )2وأن نحافظ على وحدة التفسير العلي
إن ما ينبغي مراجعت هو املبدأ رقم( ،)1أي أن نقدم نفسيرا للسببية الذهنية ال يتعارض مع
املعارف العلمية الحالية .والنقاش الذي تعرف العلوم املعرفية راهنا يمكن أن نلخص على التكل
التالي :اسينادا إلى املبدأ ( )3علينا أن نطور نصورا لعالقة الذهن بالجسم يأخذ بالسببية الذهنية وفي
اآلن نفس يحافظ ويصون الخصائص املميزة للحاالت الذهنية دون األخذ باملبدأ (.)1
لتقديم جواب علينا إذن أن نعدل املبدأ ( )1كما قلنا أو نتتلى عن وهذا سيطرح طبعا مسألة أساسية:
كيف يمكن أن يتحقق ذلك دون املساس بتصائص الحاالت الذهنية (القصدية والتجربة الذانية( بمعنى
كيف نقدم نظرية أو نصورا حول التجربة املعيتية وحول الحاالت القصدية مع عدم األخذ باملبدأ ( )1الذي
يبدو أن الحل املمكن للسببية الذهنية هو أن نفترض أن األسباب الذهنية مطابقة identiques
لألسباب املادية ،وفي هذه الحالة نصبح األسباب الذهنية جزءا من األسباب املادية ،وبعض األسباب
املادية هي أسباب ذهنية ،لكون بعض الحاالت املادية هي حاالت ذهنية .بافتراضنا أن األسباب هي حاالت
3
وبأن هان الحاالت هي نوع من الورود الفردي( )occurrenceلخاصية ما ،ففي هان الحالة يصبح
اليساؤل عن السبب الذي يولد النييجة ،بوصف سببا ذهنيا أو ماديا ،ال معنى ل .ذلك أن إذا عرفنا
األسباب الذهنية باألسباب املادية أو الفيزيائية ،فإننا نحدد الحاالت الذهنية بالحاالت املادية ،وإذا قلنا
بأن هناك نطابقا بين هان الحاالت بوصفها نوعا من التوارد الفردي لخصائص معينة ،فإن الحاالت
الذهنية هي جزء من مجال الحاالت الفيزيائية .وعلي ال وجود في الواقع لفروق بين الحاالت الذهنية
والحاالت املادية؛ وكل ما هنالك هو نمييز مفهومي يسيند إلى املنظور اإلبسييي الذي ننظر من خالل
املادية الدقيقة بمفاهيم فيزيائية – كيف نحافظ على االستقاللية التفسيرية للنتاط النفس دون
الوقوع في نوع من االختزالية) ،فه نفترض بتكل بسيط أن الحاالت الذهنية هي حاالت مطابقة لبعض
الحاالت املادية كي نفسر السببية الذهنية؛ لكن ال تترح لنا كيف لهان الحاالت الذهنية أن نكون
مطابقة لحاالت فيزيائية مع احتفاظها بتصائصها (القصدية والتجربة املعيتة) .إن ما يجب أن نقدم
عن جوابا هو كيف نحل هذا اإلشكال (نقر بالتطابق بين الحاالت الذهنية والحاالت املادية ونقر بأن
بينهما اختالفا من حيث الخصائص ،فإذا حذفنا التجربة املعاشة نسقط في األحادية املتوهة).
أول جواب يقدم الحل لهذا اإلشكال هو ما نقدم السلوكية املنطقية أو ما يعرف ب" :الفيزيكاليزم
ذلك أن املنطلق األساس للمدرسة السلوكية هو أن بمقدورنا وصف ونفسير أنتطة ( les
conduitesأو مجمل النتاط النفس ) األفراد وذلك بمالحظة سلوكاتهم فقط ،ما دام السلوك عبارة
عن وحدة وظيفية بين مثير واستجابة ،فهذا املبدأ يدعو إلى التتلي عن استعمال املفاهيم الذهنية في
نفسي ر نتاط الكائنات والسلوك هو مجمل الحركات الجسمية والت يمكن وصفها ونحديدها كليا من
خالل قاموس فيزيائي مادي (ف" :أنا أحس بالعطش" ال ينبغي أن يحيلن إلى إحساس داخلي وإنما هو
4
مجمل النتاط الجسي الذي يترجم سلوك العطش لدي فال وجود للمفاهيم الذهنية كاالعتقاد بوجود
املاء).
أ-السلوكية املنهجية:
وهي ندعو السيكولوجيا إلى االقتصار في دراستها على دراسة السلوك وفي هان الحالة املقوالت الت
تتمل أو نحتوي على مفاهيم ذهنية من قبيل "أرغب في شرب املاء" ال نصف السلوك في حد ذان ولكنها
نصف فقط االستعدادات السلوكية لدى الفرد .فه ال ننفي وجود الحاالت الذهنية ولكن ال تهمنا على
مستوى التفسير.
ب-السلوكية املنطقية:
الذي من خالل نقول بتطابق الحاالت الذهنية بالحاالت املادية مسيندا إلى مواضعات داللية ،ذلك أن
املفاهيم الذهنية هي مفاهيم نصف االستعدادات السلوكية أي أن الحاالت الذهنية هي حاالت مطابقة
هل علينا أن نقبل في نفسير النتاط النفس بالقول بوجود مفاهيم ذهنية ()concepts mentaux
فالسلوكية لها موقف في كيفية نفسير النتاط النفس حيث ينبغي أن ينطلق من استعدادات سلوكية
وبالتالي علينا أن نتتزل املفاهيم الذهنية في مفاهيم مادية فيزيائية فهذا املوقف يمكن التمييز في بين
جانبين:
-من الناحية املنهجية :قد نقبل بوجود املفاهيم الذهنية ولكن علينا أن نقتصر في دراسة
-من الناحية املنطقية :إن ما ينبغي القيام ب هو اختزال هذه املفاهيم الذهنية في مفاهيم
5
ويمكن حصر األطروحات الرئيسية في السلوكية املنطقية (أحد نيارات الفيزيكاليزم الداللي
-1كل نوع من الحاالت الذهنية ( )état typeمطابق لنوع من الحاالت املادية أو الفيزيائية .فهذه
الحاالت هي حاالت ماكرو سكوبية إذ يمكن ألي كان مالحظتها دون أن يكون حاصال على نكوين
نتصص ؛
-2الهوية ( )identitéأو التطابق الهوياتي يحدد قبليا عن طريق نحليل داللي وليس بحث
امبيريقي نجريب ،وبهذا فاملفاهيم الذهنية ال نمتلك محتوى إال بوصفها حاالت مطابقة ملفاهيم
فيزيائية ،ونتأسس هذه الهوية على أساس نحليل داللي يمكن صياغت على التكل التالي :كل أنواع
الحاالت الذهنية في كل العوالم املمكنة ،مطابقة ألنواع الحاالت املادية أو الفيزيائية وبالتالي ال وجود
ملفاهيم ذهنية دون وجود مفاهيم فيزيائية ،أو بصيغة أخرى ال وجود لنفس دون جسم.
-3يمكن بالنييجة نرجمة كل مفهوم ذهن في مفهوم فيزيائي ،وبالتالي كل املقوالت الت تتتمل
على مفاهيم ذهنية يمكن أن نتتزل في مقوالت نقوم على مفاهيم فيزيائية.
انطالقا من هان األطروحات الثالثة يمكن أن نفهم األساس الداللي الذي نقوم علي السلوكية
املنطقية ،كل املفاهيم الذهنية ( )Mوبالنسبة لكل شخص ( )Xيمكن نحليل االفتراض التالي(Xهو)M؛
فنقول إذا وجدت التروط املادية ( )P1فإن الشخص ( )Xسيظهر السلوك ( )C1وإذا كانت لدينا
التروط الفيزيائية ( )P2سوف يظهر الشخص ( )Xالسلوك ( )C2وذلك في كل السياقات املمكنة ،حيث
يظهر نوع من السلوك .فالسلوك بذلك يكون نابعا للتروط الفيزيائية وليس للحاالت الذهنية (املثير
يحدد االستجابة).
يسيند هذا الفهم إلى مسألة أساسية ،إلى نفي وجود لغة خاصة ،ذلك أن املفاهيم نمتلك دالالتها
حسب نحققها (حسب السياق) بمعنى أن محتوى مفاهيمنا يقوم على الكيفية الت نستتدم بها هذه
املفاهيم في لغة عامة فمثال مفهوم "ألم" كمفهوم ذهن ال يمتلك محتوى إال في ظل نحقق شروط عامة
6
(عمومية) نحدد استتدام بمعنى أن الولوج إلى محتويات مفاهيمنا الذهنية ال يمكن أن يتم عن طريق
االسيبطان وإنما من خالل نحقق شروط مادية متتركة أو عامة نمنحها داللتها .في عبارة "أنا أحس
هنالك شروط مادية لتحقق األلم وليس هنالك فعل اسيبطان .مفهوم األلم في سياق اجتماعي
يتحقق بتروط مادية .نترجم إلى مفهوم فيزيائي ،في ظل وجود األعراض يتكون املفهوم الذهن "األلم".
نجد أطروحات الفيزيكاليزم الداللي physicalisme sémantiqueسندها كذلك فيما يذهب إلي
Gilbert Ryleوهو أحد املدافعين عن املدرسة السلوكية (السلوكية املنطقية) في نقل ملا يسمي ب ـ "خطأ
التصنيفات" ( )l’erreur des catégoriesوالت هي موجهة في األساس إلى أطروحة "ثنائية الجواهر أو
الثنائية التفاعلية لديكارت"؛ غير أن الدعم الكبير املقدم لهذه األطروحة فنجده عند Carl Gustav
-2شروط نحقق كل مقولة (أو عبارة) نكون مقابلة للمالحظة العمومية أو الخارجية؛
-3السلوك الذي يتم نناول انطالقا من مفاهيم مادية هو وحده القابل للمالحظة العمومية
أو الخارجية؛
-4وييبع ذلك ،يمكن وصف داللة كل املقوالت الت نحتوي على مفاهيم ذهنية باستتدام
إذا كان الفيزيكاليزم الداللي يقوم على افتراض وجود نطابق بين الحاالت الذهنية والحاالت املادية .فإن
النقد موج باألساس إلى ما يسيى بالتطابق بين الحاالت الذهنية والحاالت املادية بوصفها نوعا ( )Typeمن
7
مثال :أردت أن أنناول قطعة حلوى إذن هنالك مجموعة من االستعدادات السلوكية نؤدي إلى
لكن السؤال هو هل رغبت في نناول الحلوى مرنبطة باعتقاد بأن هناك قطعة حلوى متوفرة في
منزلي (االعتقاد موجود) واالعتقاد هو حالة ذهنية؛ فكيف يمكن االنطالق من حالة ذهنية؟
هناك مجموعة من الحاالت املادية نحققها مرنبط بوجود مفهوم ذهن (االعتقاد مثال) أي من
الصعب إيجاد نطابق من حيث النوع بين الحاالت الذهنية والحاالت املادية ،وبالتالي نعيد
التفكير...حالة النوع الحاالت الذهنية نقبل التحقق املتعدد وبالتالي فالحالة الذهنية "عطش" قد
نتحقق ليس كحالة نوع ( )typeوإنما كتوارد ( )occurrenceعن طريق تتغيل دارة عصبية متتلفة وهذا
ما يطرح نقاشا من مستوى آخر :أال ينبغي أن نفكر في حل إشكالية "الذهن/الدماغ" ويسهم في نأسيس
إن ما قدم في ناريخ علم النفس إلى حدود 1591لم يكن في صلب اهتمامان دراسة النتاط النفس
*-منذ فيتنر وإلى حدود 1513مع ظهور السلوكية انصب االهتمام على دراسة عالقة النفس
-1إمع السلوكية انطالقا من مقدماتها األنطولوجية واالبسييمولوجية تسلم بوجود نطابق ما بين
الحاالت الذهنية والحاالت الفيزيائية ،وهذا التطابق يقود إلى اختزال املفاهيم الذهنية في مفاهيم فيزيائية،
وبالتالي ما نبحث عن هو شروط نحقق السلوك وهذا التحقق يسيند إلى مقوالت فيزيكالية نمنحها داللتها،
8
وفي هذا غياب ملبحث علم النفس كمبحث قائم بذان ،ألن اإلشكال املطروح مع السلوكية هو هل يمكن
9
كلية العلوم االنسانية واالجتماعية -القنيطرة
املحاضرتين 9-و-01
1
النزعة الوظيفية:
أصبحت النزعة الوظيفية حاضرة بقوة في مجال فلسفة الذهن وفي باقي تخصصات العلوم املعرفية،
ويعود الفضل في ذلك إلى ثلة من الباحثين على رأسهم بوتمام ( ،)Putnamويجد هذا التصور سنده في
أطروحة التحقق املتعدد للحاالت الذهنية وفي ظهور الحاسوب وتطور الذكاء االصطناعي.
تنطلق العلوم املعرفية وعلم للنفس املعرفي من فرضية كون النظام املعرفي مشيد على أساسين وكل
واحد مستقل بنفسه .فمن جهة الذهن يقوم بمعالجة املعلومات يرمزها ويخزنها ويسترجعها ،والحامل
املادي (الدماغ) أو العدة املادية التي يتموضع عليها النظام املعرفي وهذه العدة املادية متعددة ومتنوعة
االتجاه الثاني :البحث عن آليات وميكانيزمات (عدة مادية) تسمح بتحقق اشتغاله
بمعنى أن النزعة الوظيفية في محاولتها تقديم جواب عن عالقة الحاالت الذهنية بالحاالت املادية،
-3بناء على ( )1و( )2تحدد الحاالت الذهنية بدورها السببي في تسلسل الحاالت الذهنية (بمعنى
-5محتوى املفاهيم الذهنية مختلف عن محتوى املفاهيم الفيزيائية ،باإلضافة إلى أن إمكانية التحقق
فيزيائي وحيد.P
2
قدمت
إن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل تقبل النزعة الوظيفية بكون الحاالت الذهنية هي حاالت مادية
إن الحل الذي تقدمه النزعة الوظيفية بسيط :وهو أن الحاالت الذهنية هي حاالت وظيفية ،تؤدي
وظيفتها من خالل دورها السببي الذي تلعبه في تسلسل الحاالت الذهنية ،بمعنى أن الحاالت الذهنية تحدد
انطالقا من الدور الذي تلعبه خصائص املدخالت وخصائص املخرجات .أي أن كل دور سببي يشترط تحققا
باإلضافة إلى أن محتوى املفاهيم الذهنية مختلف عن محتوى املفاهيم الفيزيائية بحكم أن التحقق
املتعدد للحاالت الذهنية من صنف النوع ( ،)Typeيمنع على مفاهيم هذا النوع أن يكون لها امتداد مشترك
coextensifمع مفهوم مادي وحيد ،وإنما يقبل مفاهيم مادية متعددة ليست من صنف النوع ،إذن
القول بأن الحاالت الذهنية هي حاالت وظيفية تتيح إمكانية تفسير النشاط الذهني في استقاللية عن
الحامل املادي ،علينا أن نبحث في الشروط التي تحقق هذا الدور السببي للحاالت الذهنية ومن هنا يمكن
تأسيس املعرفانية (فودور )Fodorدمج بين تصور Putnamللحاالت الذهنية (ظيفية) وتصور
تشومسكي التمثلي ( ،)mentalismeمما يجعل من الحاالت الذهنية حاالت داخلية وليست خارجية (لغة
التفكير) العالم موجود قبليا وأتعرف عليه من خالل تمثالتي عنه (هناك تمثالت داخلية ،كيف يمكن أن
يستقيم األمر بالقول بأن هذه الحاالت الذهنية تقبل تحققا ماديا متعددا ( )mentalisme matérielوكأننا
3
أمام "شبح في اآللة" فالتمثالت عبارة عن رموز وهي تحدد بتركيبها وليس بمدلولها وهذا التركيب (املقاس) هو
الذي يترجم التحقق املادي (رموز مادية تقبل تحققا متعددا) في سلسلة املعالجة.
-أال ينبغي االستغناء عن النزعة التمثلية أي االشتغال دون وجود لغة التفكير؟
-الحاالت الذهنية كحاالت قصدية هل يمكن القول بأن املعرفية تقدم جوابا عن القصدية،
-هل يمكن التأسيس ملقاربة معرفية تقبل بالحوسبة لكن يمكن أن تكون انبنائية وليست
فطرية أو امبريقية؟
املعرفية بتبنيها النزعة الوظيفية قدمت نوعا من الجواب عن عالقة النفس ي بالجسمي يستند على
مفهومين أساسيين:
فإذا كانت املعرفية قد حاولت تقديم جواب الغاية منه محاولة تأسيس عالقة الذهن بالحامل املادي
طبيعيا كان أم اصطناعيا ،فافتراض كون الحاالت الذهنية وظيفية ،أي تتحقق وظيفتها انطالقا من الدور
السببي الذي تلعبه في تسلسل عملية املعالجة الحاسوبية ( Computationأي أننا أمام مشروع معالجة
املعلومات يستند إلى آلة Turingكخلفية تفسيرية لألدوار السببية انطالقا من مدخالت ومخرجات ،وهو ما
*-ال يتطلب هذا االشتغال بالضرورة وجود رموز ،ذلك أن العودة إلى تاريخ العلوم املعرفية
وباملقابل نسجل على أن تقاطعات الفروع العلمية املشكلة للعلوم املعرفية قد عرفت تغايرا في أدوارها،
فإذا كان املشروع األصلي للعلوم املعرفية يستند إلى الشبكات ( ،(Neuromimétiqueفإن هذا التصور
ينطلق من محاولة بناء نماذج مصنعة تحاكي البنية العصبية (التقاء بين علم النفس والسيبرنيتيكا والعلوم
العصبية في صيغتها األولية) ،غير أن االنتقال منذ 1551إلى نمذجة حاسوبية أعادت تشكيل حقل العلوم
املعرفية وفق 3أقطاب :اللسانيات ،وعلم النفس ،والذكاء االصطناعي في صيغته األولى.
فهذا التمييز ضروري في شرح مسألة أساسية والتي على العلوم املعرفية أن تقدم جوابا بخصوصها
وهي مسألة التمثالت أو ما يعرف في اللغة الفلسفية باملقاصد ( .)Les intentionsتفترض اللسانيات
التوليدية مع تشومسكي بأن هناك تمايزا بين املعنى le sensوالتركيب أو النحو syntaxeوهذا التمييز ينطلق
من افتراض أن البنية النحوية هي بنية فطرية وبالتالي فإن اكتساب اللغة ،كيف ما كانت ،يستند إلى وجود
هذه البنية التركيبية الفطرية التي على أساسها يمكن توليد الداللة ،وهذا املجاز الفطري الذي قدرته
اللسانيات التوليدية يمكن نسخه على اآللة فيصبح النحو ،la syntaxeأو ما يعرف في لغة البرمجة
املعلوماتية بالبرنامج ،programmeاألساس الذي يحكم منطق االشتغال الذهني أو املعرفي لكن مع مالحظة
أساسية وهي أن املعرفية الطبيعية أو اإلنسانية واملعرفية االصطناعية artificielleكالهما تشتركان في هذا
الطابع الفطري ،بمعنى أنه لكي يشتغل النظام املعرفي بصيغتيه الطبيعية واالصطناعية ،ال بد من وجود
لغة أو برنامج ،فنحن هنا أمام عودة إلى الطرح الديكارتي في العلوم املعرفية فما قدمه Jerry Fodorفي هذا
فيصبح النظام املعرفي نظاما ملعالجة الرموز أو التمثالت ،وتفترض في هذا القول مسألتان:
5
األولى :إن العالم الواقعي هو معطى سلفا ويعاد بناؤه في نظامنا املعرفي على شكل
تمثالت.
الثانية :إن التمثالت تتميز بجانبين :أن لها داللة أو معنى ،ولها تركيب أو مقاس،
وبالتالي فهي عبارة عن رمز يقبل تحققا ماديا يحدده النحو الذي تكتب به ولها داللة ،وال يمكن
للنظام املعرفي أن يلج إلى محتوى الرمز فكل ما يقوم بمعالجته هو طريقة كتابتها (أي املقاس) وليس
املحتوى ،فيصبح النظام املعرفي نظاما قالبيا ،وبالتالي كل ما ينبغي أن تهتم به العلوم املعرفية هو
ذلك املستوى الرمزي في االشتغال ،بمعنى أننا أمام نظام معرفي يتكون من 3مستويات:
مستوى قاعدي يقوم على مبدأ التنشيط والكف في الوحدات األولية.
مستوى وسيط يتميز بوجود املعالجة الرمزية للمعلومات وبوجود لغة للتفكير.
مستوى أعلى وهو مستوى املقاصد الواعية واألفعال القصدية أو ما يسميه
Fodorبالسيرورة املركزية
فتصبح بذلك السيكولوجيا املعرفية مبحثا علميا قائم الذات يفسر ما هو سيكولوجي بما هو
سيكولوجي ،وبهذا نكون أمام استقاللية تفسيرية للنشاط الذهني بعيدا عن نوعية الحامل ،أكان
طبيعيا أم اصطناعيا.
-1املبدأ رقم ( ) 1الذي يقر باختالفالالحاالت الذهنية عن الحاالت املادية صحيح في حدود
-2املبدأ رقم ( )2الذي بموجبه الحاالت الذهنية تسبب حاالت مادية صحيح في حدود كون ورود
6
-3املبدا رقم ( )3الذي يهم االكتمال السببي النومولوجي للتفسير املادي ،يعد صحيحا في حدود
كون كل ورود حاالت مادية ( )pله أسباب مادية تامة ومكتملة ،ويخضع لقوانين مادية تامة ويقبل
وعليه يبدو أن النزعة الوظيفية قد قدمت جوابا عن عالقة الذهن بالدماغ بالشكل الذي تبدو
معه املبادئ الثالثة السابقة متجانسة ،شرط تطبيق املبدأ ( )1على حاالت النوع ()types d’états
( Mو)P؛ واملبدأ ( )2و( )3على حاالت الورود الفردية ( ،)occurrences individuellesوكذلك األمر
لقد حقق هذا اإلنجاز إسهاما كبيرا في فهم النشاط النفس ي وتفسيره ،لكن ككل مشروع علمي له
حدوده:
-1العائق األول:
املعرفية الطبيعية واالصطناعية تفرض نوعا من القيود البنيوية والوظيفية على النظام املعرفي بمعنى
أن بنية الدماغ أو بنية الحاسوب تفرضان نوعا من القيود البنيوية والوظيفية على كيفية معالجة
املعلومات.
-2العائق الثاني:
مسألة الداللة فاملعرفية الطبيعية في فهمها للعالم الخارجي ال تأخذ بالضرورة بالبنية التركيبية وإنما
بالسياق التداولي فجملة من قبيل "أكلت التفاحة الولد" جملة سليمة من الناحية التركيبية وتظل في
الحاسوبية املعرفية االصطناعية جملة سليمة أيضا بينما املعرفية الطبيعية ال تقبلها ،إال إذا سلمنا بوجود
نوع من التفاح آكل لألطفال .إذن فالنظام املعرفي الطبيعي قد يأخذ بالداللة أو املقاس أو بهما معا وهذا
النقد هو ما عبر عنه John Searleبالغرفة الصينية ( ،)La chambre chinoiseفإذا افترضنا أننا أمام غرفة
موصدة وبداخلها شخص نقدم له من خالل فتحات أنواعا من البطائق بأشكال وألوان مختلفة وعلى
البطاقات معلومات مكتوبة باللغة الصينية ،وعن كل بطاقة نقدمها نتلقى بطاقة جواب تتماش ى ومضمون
7
البطاقة املقدمة ،فإننا نكون اعتقادا بأن الشخص داخل الغرفة يتقن اللغة الصينية؛ ولكن األمر ليس
كذلك في الواقع حسب القالبية التمثلية حيث إن الشخص ببساطة لديه قاعدة بيانات حول رموز اللغة
-3العائق الثالث:
افتراض أن النظام املعرفي ينبغي أن يدرس انطالقا من املستوى الوسيط وبوجود برنامج قبلي فطري
يلغي األنا ويجعلنا نتحدث عن ذات في مستوى تحت شخص ي ( )subpersonnelبمعنى أن هذه الذات
املعرفية ليست ذاتا حرة وذات إرادة على خالف النظام املعرفي الطبيعي الذي يكون فيه الفاعل املعرفي
-4العائق الرابع:
إن املعرفية انطالقا من هذا التصور الحاسوبي التمثلي تفترض في كلتا الحالتين الطبيعية أو
االصطناعية نوعا من الفطرية بخصوص املعرفية أو التمثالت بينما ما تبرزه جملة من املعطيات أن السياق
البيئي والثقافي يلعبان دورا أساسيا في تحديد وتشكل املعرفية وفيما ستكون عليه ،بمعنى أن النظام املعرفي
هو حاصل سيرورة من التفاعل بين الذات املعرفية وبين السياق البيئي والثقافي.
-5العائق الخامس:
إن التصور الخطي لالشتغال املعرفي :من الترميز إلى التخزين ثم االسترجاع أو الفعل ،يجعل من
الذاكرة شيئا مضافا أو ملكة أو سيرورة من سيرورات االشتغال املعرفي لكن واقع األمر أنه ال وجود للمعرفية
إال بوجود نظام ذي ذاكرة ،فالذاكرة شرط للمعرفية .وكذلك افتراض أن املعرفية هي نتاج ملا يحدده الجسم
والسياق يجعل هذا املنظور الخطي الغيا ،فيصبح بناء التمثل موجها ومقادا بما يقدمه اإلدراك والفعل معا
وبشكل متزامن ،مما يجعل الفعل فموجها لالشتغال الذهني وليس نتاج االشتغال(مخرجاته).
8
-1العائق السادس:
إن افتراض أن املعرفية ذات طبيعة تمثلية رمزية يستند في أساسه إلى نزعة فطرية غير أنه يمكن
فتراض وجود نماذج معرفية لها القدرة على التعلم الذاتي ،وال تتوفر على برنامج معلوماتي مخزن في الجهاز،
وإنما تتكون من وحدات بسيطة من النورونات وال وجود للغة للتفكير تحدد اشتغالها ،فكل ما تتطلبه هاته
الوحدات لتشتغل هو مستوى من اإلثارة (عتبة اإلثارة) وبعض املعادالت الرقمية كي تشتغل فتنتج في
مخرجاتها إجابات متوافقة مع السياق أو مع املدخالت واملخرجات .نقول في هذه الحالة إن املعرفية تنبثق
من النظام املعرفي فيكون السياق محددا ملا يمكن أن يستعمله النظام املعرفي (إشارة إلى النزعة االمبريقية
مع جون لوك) لكن يمكن كذلك افتراض أن النظام املعرفي هو عبارة عن تجربة ذاتية معيشة خاصة تقوم
على انبثاق مزدوج Co émergenceيستند إلى بناء املوضوع وبناء العالم الخارجي وإعادة تنظيم البنية
املعرفية فتصبح املعرفية هي تاريخ التفاعل بين ما يقدمه السياق البيئي والثقافي وما يحدده النظام العصبي
أو االصطناعي فهي نتاج لهذا التفاعل بين الجسم والسياق فنقول إن املعرفية محمولة على الجسم ككل
الغاية من هذا اإلشكال هي مساءلة علم النفس أو كيف نظر علم النفس إلى موضوعه ،إن غاية هذا
الدرس هي محاولة تبيان األسس الفلسفية واالبستيمية لهذا املوضوع أو هذا النقاش لفهم عالقة النفس
بالجسم وكيف سعت مختلف التصورات التي تبلورت في كنف علم النفس إلى تقديم جواب عن هذه
العالقة ،علما أن املقدمات الفلسفية تشكل خلفية ملدارس علم النفس ،لذلك فنحن مطالبون بفهم هذه
الخلفيات.
9