You are on page 1of 39

‫كلية العلوم االنسانية واالجتماعية ‪-‬القنيطرة‬

‫‪-‬مسلك علم النفس‪-‬‬

‫دروس من أجل الدعم والتكوين‬

‫وحدة المقاربات المعرفية للذهن‬


‫الفصل الخامس‬

‫األستاذ‪ :‬الباديدي التهامي‬

‫‪1‬‬
‫المحاضرتين األولى والثانية‬
‫كثيرا ما سمعتم بالحاالت الذهنية والحاالت الفيزيائية وبكون النشاط النفسي على أنه داخلي‬
‫وأن هته الحاالت النفسية أو الذهنية هي متنوعة في طبيعتها وأنواعها‪ ،‬ورأينا على أن الفالسفة‬
‫عادة ما يميزون بين الحاالت النفسية والحاالت المادية‪ .‬اإلشكال الذي سننطلق منه لتقديم هذه‬
‫المادة هو إشكال بسيط ظاهريا لكنه في الواقع إشكال مطروح منذ القرن ‪ 71‬إلى اليوم فالفلسفة‬
‫والعلم يحاوالن تقديم جوابا عن هذه القضية‪.‬‬
‫ففي تمييزنا بين الحاالت الذهنية والحاالت المادية نستند إلى بعض الخصائص المميزة فنقول‬
‫إن هناك اختالفا بين مالحظتنا للنشاط النفسي بوصفه تجربة ذاتية ومالحظتنا للمواضيع‬
‫الخارجية المادية وهذه المالحظة قد تبدو أساسية وأولية فيمكن أن نقوم بتصنيف الحاالت‬
‫الذهنية فنميز بين‪:‬‬
‫‪ -7‬الوجدانات أو االنفعاالت (‪ )émotions‬فاأللم (كموضوع) نوع من الحاالت الذهنية‪،‬‬
‫‪ -2‬اإلحساسات واإلدراكات فأنا حينما أرى تفاحة يانعة أكون إحساسا أو إدراكا حول لون‬
‫التفاحة أو مذاقها أو حينما أنصت إلى خرير المياه فيتكون لدي إحساس ( ‪(sensation‬‬
‫حول هذا الصوت‪،‬‬
‫‪ -3‬التمثالت التخييلية فأنا أتخيل أن هناك حيوانا أو كائنا يسمى "الغول" وأضع له عينين‬
‫حمراواتين وأنفا برتقاليا‪ ،‬أو أتخيل جبال من الذهب (كل هذا يدخل ضمن التمثالت‬
‫التخييلية)‪،‬‬
‫‪ -4‬االعتقادات فأنا أعتقد أن المطر سوف يسقط غدا فهذا االعتقاد قد يكون صادقا وقد‬
‫يكون كاذبا أو أن زينب أقل ذكاء مني أو أكثر ذكاء‪ ،‬أو حينما أقول ‪71 = 6 + 4‬‬
‫فهذا كذلك اعتقاد‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -5‬الرغبات واإلرادات (‪ )désirs et volitions‬قد أحس بالعطش وأشتهي كأسا من الماء‬
‫البارد وقد تتحول هذه الرغبة إلى فعل فأذهب للبحث عن ما أروي به ظمئي‪.‬‬
‫نحن إذا أمام تعدد في الحاالت الذهنية فكيف يمكن أن نجد نوعا من الخصائص المشتركة‬
‫بين كل هته األنواع؟ فالقاسم المشترك بينها أنها كلها تدخل في إطار الحاالت الذهنية‬
‫وتتطلب نوعا من الوعي‪ ،‬وهي كذلك تتميز بكونها عبارة عن تجربة ذاتية‬
‫( ‪Les qualia ou conscience phénoménale sont le contenu‬‬
‫‪( )subjectif de l'expérience d'un état mental.‬التجربة المعاشة)‪.‬‬
‫ونجد خاصية أخرى تميز هذه الحاالت الذهنية (الوجدانات واالنفعاالت‪ ،‬اإلحساسات‪،‬‬
‫(‪)l’intentionnalité‬‬ ‫القصدية‬ ‫وهي‬ ‫واالعتقادات)‬ ‫واإلرادات‬ ‫الرغبات‬
‫(‪ )Franz Brentano‬وخاصة االعتقادات والقناعات تكون موجهة نحو موضوع أو لها‬
‫موضوع يحملها (أي عبارة عن تمثل لشيء ما) وكذلك األفعال التخيلية والرغبات يمكن‬
‫أن يكون لها نوع من القصدية‪ .‬إذن هناك خاصيتي "الوعي" و "القصدية" وهي غير‬
‫موجودة في الحاالت المادية فهي حاالت تشكل موضوعا للعلم الطبيعي فهي بالتالي تشترك‬
‫في الخصائص العامة للمادة والتي تعرف بالوزن أو الكتلة‪ ،‬الشحنة‪ ،‬الحركة‪ ،‬السرعة‪،‬‬
‫أي االمتداد‪...‬‬
‫يمكننا أن نميز في الحاالت الذهنية والحاالت المادية بين حاالت النوع ( ‪les états‬‬
‫‪types‬خصوصا في الحاالت الذهنية) وحاالت الورود أو التوارد (‪)occurrence‬‬
‫فاإلحساس باأللم "حالة النوع" أما األلم الذي نحسه هو نوع من "الورود" يحدث في‬
‫رأسي‪.‬‬
‫لكي نميز بين الحاالت الذهنية والحاالت المادية يمكن أن نقدم ‪ 4‬خصائص‪:‬‬
‫‪ -7‬الحاالت الذهنية هي حاالت ذاتية لها ولوج خاص على خالف الحاالت المادية (التي‬
‫لها معرفة عامة وموضوعية)‬
‫‪ -2‬أن الحاالت الذهنية تتطلب الوعي (تجربة معاشة‪ )les qualia‬في حين أن الحاالت‬
‫المادية ال تتطلب الوعي (أي ال تستند إلى تجربة داخلية فهي موضوعية)‬

‫‪1‬‬
‫‪ -3‬الحاالت الذهنية لها قصدية وهته القصدية تطرح إشكاال أو علينا التحقق فيها فالقول‬
‫بوجودها في الحاالت الذهنية يعني أن لها معنى وداللة (‪)sens et signification‬‬
‫وبالتالي فهي تخضع لنوع من القواعد العقالنية (‪ )règles rationnelles‬فرغبتي‬
‫في شرب الماء البارد واعتقادي بوجود متجر للمرطبات يقدم خدماته يدفعني للذهاب‬
‫إليه للتزود (إذا كان االعتقاد ‪ P‬له كنتيجة ‪ )Q‬نتحدث إذا عن وجود عالقة سببية بين‬
‫الحاالت الذهنية تحترم المبادئ المنطقية العقالنية‪.‬‬
‫‪ -4‬الحرية (‪ (le libre arbitre‬فنحن نأتي للقسم بمحض إرادتنا لتحقيق رغبة النجاح‬
‫ألن لدينا قناعة بأن الدراسة مهمة في حين أن الحاالت المادية محكومة بنوع من‬
‫الحتمية الميكانيكية‪ .‬ولكن نعرف معيشيا أن الفعل ينطوي على بعد إرادي فرغبتي في‬
‫رفع يدي قد يتحول إلى فعل إرادي وبدوره يتحول إلى فعل مادي‪.‬‬

‫‪ -7‬االحتمال األول‪ :‬أن الحاالت المادية تسبب حاالت مادية (محكومة بالقوانين الفيزيائية)‬
‫‪ -2‬االحتمال الثاني‪ :‬الحاالت المادية تسبب حاالت ذهنية (نستمع لقراءة قصيدة شعرية‬
‫فيحصل لدينا إدراك‪ ،‬أي حالة ذهنية‪ ،‬بأن هناك شعر يتلى بسبب نوع من القراءة لها‬
‫إيقاع ومعان) وبشكل عام المكونات الحسية للمحيط الخارجي تسبب إدراكات‬
‫واعتقادات حول هته المكونات بل وحتى وجدانات أو انفعاالت‪.‬‬
‫‪ -3‬االحتمال الثالث‪ :‬حاالت ذهنية تؤدي إلى حاالت ذهنية أخرى فإدراكي لوجود قارورة‬
‫ماء يدفعني إلى الرغبة في الشرب‪ ،‬وبشكل عام اإلدراكات واالعتقادات تسبب حاالت‬
‫من الرغبات واإلرادات‪.‬‬
‫‪ -4‬االحتمال الرابع‪ :‬الحاالت الذهنية تسبب حاالت مادية فإرادتي في اإلمساك بقارورة‬
‫الماء أدى إلى ارتفاع يدي اليمنى‪ .‬لكن رفع اليد هو فعل مادي ماكروفيزيقي (‪macro-‬‬
‫‪ )physique‬يتكون من سلسلة من األفعال الدقيقة (‪ )micro-physique‬ولفهم كيفية‬
‫تحول الرغبات واإلرادات إلى أفعال مادية وتناسق سلسة من األفعال الدقيقة هو ما‬
‫ولد الحاجة إلى علم الفيزيولوجيا فهناك دائما حاجة مجتمعية لظهور أي علم‪ .‬بشكل‬
‫عام الرغبات واإلرادات تسبب بعض األفعال الفيزيائية التي تسمح لنا بإنجاز وتحقيق‬
‫‪1‬‬
‫األثر المرغوب فيه‪ .‬ولهذا السبب فهذا النوع الرابع هو الذي يطرح إشكاال في فلسفة‬
‫الذهن‪.‬‬
‫لكن ما يالحظ معيشيا هو أن العالقة بين الحاالت الذهنية والحاالت المادية هي سلسلة‬
‫عالقات "هذا الجو المتقلب تسبب لي في ألم في رأسي ودفعني للبحث عن مسكن أو‬
‫عالج"‪:‬‬

‫تكمن الصعوبة في هذا النقاش في حالة تزامن سبب مادي أو حالة نفسية وسبب مادي أو‬
‫حالة مادية وراء فعل ما‪ ،‬لمن سنعطي األولوية؟ هل يمكن أن يكون لحالة مادية سببان‬
‫أحدهما مادي بحت والثاني نفسي؟ أال يجرنا هذا إلى النقاش الفلسفي وإلى الثنائية الديكارتية‬
‫روح وجسد؟ لذلك يجب أن يكون تفسيرنا للظاهرة ماديا كليا (مبدأ االكتمال ‪la‬‬
‫‪ )complétude‬فال يجب أن نبحث عن عالقة سببية خارج النطاق العلمي والمادي‪ .‬نجد‬
‫أنفسنا إذا أمام ‪ 4‬قضايا أو مبادئ‪:‬‬
‫‪ -7‬القضية األولى‪ :‬نحن أمام تمييز واختالف تامين بين الحاالت الذهنية والحاالت المادية‪.‬‬
‫‪ -2‬القضية الثانية‪ :‬الحاالت الذهنية تسبب حاالت مادية‪.‬‬
‫‪ -3‬القضية الثالثة‪ :‬وهي مبدأ االكتمال السببي ‪( Nomologique‬القانون الذي يحكم‬
‫الظاهرة الطبيعية) والتفسيري لمجال الحاالت المادية (كل الحاالت المادية لها أسباب‬
‫مادية تامة ومكتملة وخاضعة لقوانين فيزيائية وتمتلك تفسيرا فيز)يائيا تاما ومكتمال)‬
‫‪ -4‬القضية الرابعة‪ :‬ال يمكن أن تكون هيمنة لجانب على اآلخر أي ‪le mental et le‬‬
‫‪.physique‬‬
‫سوف نكون أما جملة من اإلشكاليات الكبرى والتي شغلت الفالسفة منذ القرن ‪ 71‬إلى‬
‫اآلن‪ ،‬فإذا أخذنا كل قضية من القضايا السابقة منفردة فهي تكون صحيحة أما إذا اجتمعت‬
‫في وحدة فإننا نكون أما إشكالية كبرى‪:‬‬
‫"أرفع يدي (حالة مادية ‪ )P2‬قد يكون لها أساس مادي تام مكتمل (وخز إبرة ‪ )P1‬وسبب‬
‫ذهني (إرادة‪ :‬حالة ذهنية ‪ )M1‬غير أن هذين السببين متمايزين فإذا أقرينا بالقاعدة ‪ 3‬فال‬

‫‪1‬‬
‫وجود للذهني‪ .‬ولكي نجيب على هذا اإلشكال نضيف المبدأ الرابع وهو غياب ‪la‬‬
‫‪ surdétermination régulière‬ومعناها‪:‬‬
‫‪« Si les états mentaux causent les états physiques, alors on ne peut‬‬
‫‪pas‬‬ ‫‪admettre‬‬ ‫‪l’existence‬‬ ‫‪d’une‬‬ ‫‪surdétermination‬‬ ‫‪causale‬‬
‫» ‪régulière.‬‬

‫منح األولوية في ا لتفسير للحاالت المادية انطالقا من وجود أسباب مادية مكتملة وأسباب‬
‫ذهنية مضافة (أي ضرورة إقرار نوع من التكافؤ) وبإضافة المبدأ ‪ 4‬تصبح المبادئ‬
‫الثالث األولى وحدة غير متماسكة فنالحظ أن كل مبدأين متوافقين وكل زوجين من هذه‬
‫المبادئ المتوافقة يؤدي إلى دحض المبدأ الثالث وبهذا نجد أنفسنا أمام االحتماالت أو‬
‫الحاالت التالية‪:‬‬
‫‪ ‬الحالة األولى‪ :‬المبدأين ‪ 7‬و‪ 2‬و ‪ )4-2-7( 4‬يؤدي إلى نفي المبدأ ‪:3‬‬
‫‪"-7‬كل الحاالت الذهنية ليست مادية‪.‬‬
‫‪"-2‬الحاالت الذهنية تسبب حاالت مادية‬
‫فحسب هذا المبدأ كل حالة مادية لها بالضرورة سبب مادي تام فالحاالت الذهنية غير المادية‬
‫غير ضرورية لتفسير الحالة المادية‪.‬‬
‫‪ ‬الحالة الثانية‪ :‬بقبولنا المبادئ ‪ 3-7-4‬يكون المبدأ ‪ 2‬ملغيا‪ ،‬فتبعا للمبدأ ‪ 7‬الحاالت‬
‫الذهنية ليست مادية وحسب المبدأ ‪ 3‬يقر بشمولية التفسير السببي المادي الكلي فال‬
‫مكان هنا للمبدأ ‪ 2‬إذ ال مكان في هاته الحالة للحاالت الذهنية كسبب للحاالت‬
‫الفيزيائية‪.‬‬
‫‪ ‬الحالة الثالثة‪ :‬إذ أقرينا بالمبادئ ‪ 3-2-4‬يصبح مبدأ ‪ 7‬الغيا‪ ،‬فتبعا للمبدأ ‪ 2‬بما‬
‫أن الحاالت الذهنية تسبب حاالت مادية وتبعا للمبدأ ‪ 3‬وحده التفسير الكلي المادي‪،‬‬
‫يصبح المبدأ ‪ 7‬الغيا فنعتبر أن الحاالت الذهنية ال اختالف بينها وبين الحاالت‬
‫المادية (‪ )identiques‬الهوية السيكوفيزيائية (‪.)l’identité psychophysique‬‬

‫‪1‬‬
‫إن إشكالية فلسفة الذهن والعلوم المعرفية تتلخص في التضارب الحاصل والصراع بين‬
‫تجربتنا الذاتية وبين العلم (كمبدأ)‪ ،‬ولكي نقدم جوابا عن هاته اإلشكالية نكون أمام احتمال‬
‫حذف أحد المبادئ األربعة من أجل رفع هذا التناقض الذي يولده التقاؤها المتزامن أو الموحد‬
‫وبالتالي ففلسفة الذهن ومختلف المقاربات التي قدمت منذ القرن ‪ 71‬إلى اآلن تقوم حول سؤال‪:‬‬
‫أية مبدأ يمكن رفعه وبأية شروط تسمح بتأسيس فلسفة للذهن مقنعة‪ ،‬ثم سوف مقف عند ما‬
‫قدمته العلوم المعرفية بخصوص هذه اإلشكالية لنقف عند بعض القضايا المطروحة في هذا‬
‫النقاش (الفعل الحر‪ ،‬التجربة المعيشة ‪ ،‬المفهوم‪)...‬‬

‫إن اإلشكال الذي ينبغي أن يقدم جوابا عنه هو كيف انتقلنا من تساؤل إشكال فلسفي في العالقة‬
‫السببية بين الذهن والدماغ إلى الجواب العلمي؟ (أصل اإلشكالية فلسفي ولكن أصبح العلم هو‬
‫الذي يقدم جوابا)‪ ،‬ما هي المحطات الفلسفية التي سعت إلى تجاوز اإلشكال الذي تطرحه‬
‫فلسفة الذهن؟ (بالحديث عن المكونات أو المبادئ األربع) ففلسفة الذهن تقر بالتمييز بين‬
‫الحاالت الذهنية والحاالت المادية‪ ،‬وهذا التمييز يستند إلى ما تتناوله التجربة الذاتية بين الحالة‬
‫الذهنية والعوامل المادية الخارجية‪ .‬ما هي العالقة السببية بين ما هو ذهني وما هو مادي؟‬
‫هاتين المقدمتين تطرحان إشكاال أمام العلم الحديث فقبل ديكارت لم يكن هناك مشكل ولكن‬
‫منذ تأسيس الميكانيكا أصبح الحفاظ على وحدة التفسير العلمي للنشاط الذهني يطرح مشكال‬
‫خصوصا مع المبدأ الرابع (‪ )4‬فنحن أمام بناء غير صلب وغير متماسك‪ ،‬في تصور فلسفي‬
‫يلخص هذه العالقة بين الحاالت الذهنية والحاالت المادية في الجواب األول‪ ،‬مع ديكارت‬
‫الذي يلغى المبدأ (‪ )3‬ويحافظ على دور الالمادي في التفسير (هنالك جوهران ولكن هنالك‬
‫ايضا تفاعل سيكوفيزيائي)‪ .‬فالمشكل يظل مطروحا‪ :‬هل المعرفة مستقلة عن العالم الخارجي‬
‫(أي داخلية) وبالتالي ليس لها مرجع‪ ،‬فأنا الذي أعرف حاالتي الذهنية وهي معطاة فطريا وال‬
‫تفترض وجودا خارجيا (هل يمكن وجود داللة بدون مرجع؟)‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫اإلشكالية الثانية عند ديكارت هي كيف يمكن أن تؤسس العالقة والتفسير السيكوفيزيائي وذلك‬
‫برفع المبدأ (‪)3‬؟ نجد عند جون إيكلس (‪ )Eccles‬الذي يتحدث عن الثنائية ويحيل على الفيزياء‬
‫الكمية‪.‬‬
‫هل للنفس الدور نفسه الذي تلعبه المادة؟ كيف يتحقق التموضع المادي في الدماغ؟ افتراض‬
‫الغدة الصنوبرية في تموضع الذهن فقد افترض ديكارت أن الحاالت الذهنية من الممكن أن‬
‫تتدخل لتغيير بنية ومسار البنية العصبية (وهذا طبعا ناجم عن سوء فهم للمفهوم المتجهة‬
‫الرياضي آنذاك)‪.‬‬
‫هناك إشكال أول وهو محاولة تفسير البنية انطالقا من الثنائية التفاعلية عند ديكارت؛ غير أن‬
‫هذا النقاش حول الثنائية سيتطور مع سبينوزا‪ ،‬فالنفس والجسم مظهران للشيء نفسه‪ ،‬وبهذا‬
‫يكون سبينوزا قد ألغى المبدأ (‪ .)2‬مبدأ الساعة عند ليبنز (ساعتان متشابهتان في دقتهما وفي‬
‫تقديمهما للوقت بشكل متزامن مما يوحي بتدخل إلهي‪ ،‬إما أن قوة خفية تحكمهما أو أن هناك‬
‫شخص يتدخل لضبطهما معا‬
‫‪Panpsychisme: Position suivant la quelle toute matière possède des‬‬
‫‪états mentaux‬‬
‫أي كل الموجودات لها نفس‪ ،‬وبالتالي هل يمكن الحديث عن سيكولوجيا تامة بذاتها؟‬
‫فوجودها إذن سوف يتعارض مع الواقع‪.‬‬
‫فهل نقبل أن كل الموجودات لها روح؟ وهل هناك سيكولوجيا تامة بدون تفسيرها المادي؟ (‬
‫سبينوزا سيزيل المبدأ (‪ )2‬أي ال تفاعل بين الجوهرين‬
‫فنحن إذن إما أمام‪:‬‬
‫‪ -7‬ظاهراتية مصاحبة ‪ .Epiphénoménologie‬أو‬
‫‪ Surdéterminisme -2‬المبدأ(‪)4‬‬
‫كل تحول يحدث في الغشاء الخارجي يؤثر في الغشاء الداخلي والعكس صحيح (العالقة بين‬
‫الجسد والروح هي ثنائية ال تفاعلية عند فيشنر‪.‬‬
‫‪Le plus simple possible, l’exemple de Leibniz où les deux horloges‬‬
‫‪marquent toujours la même heure, ne sont pas deux horloges‬‬
‫‪1‬‬
‫‪puisqu’elles n’en font qu’une en réalité, ce qui nous fait économiser‬‬
‫‪de la matière (l’épi-phénoménologie).‬‬
‫في المصاحبة الظاهراتية هناك اختالف بين الحاالت الذهنية والحاالت المادية فهي تقر بالمبدأ‬
‫(‪ )7‬وهل يكون لها تأثير سببي في الحاالت المادية (‪ )2‬والجواب هو أن الحاالت الذهنية لها‬
‫مسببات مادية (‪ )elles ont des causes physiques‬لكن ال يمكنها أن تسبب بدورها ال‬
‫حاالت مادية وال حاالت ذهنية ألن الحاالت الذهنية مجرد ظاهرة مصاحبة تصاحب بعض‬
‫الظواهر الفيزيائية‪ .‬فهذا الموقف ينعت بثنائيات الحاالت والخصائص ( ‪Etats et‬‬
‫‪ )propriétés‬أي أن بعض األنظمة الفيزيائية ليس لها فقط خصائص فيزيائية ولكن كذلك‬
‫حاالت وخصائص ذهنية غير أن هاته األخيرة ليس لها تأثير (‪ )effet‬من أي نوع‪ ،‬ويرجع‬
‫هذا التيار إلى ‪.)7285/7225(Thomas Henry Huxley‬هذا للظاهراتية المصاحبة أو هذا‬
‫التيار يقبل بالمبدأ (‪ )7‬و(‪ )3‬وينفي المبدأ (‪ )2‬إضافة إلى أنه ال يسلم بوجود ‪un pan‬‬
‫‪ psychisme‬وال بمبدأ اكتمال التفسير المادي للحاالت الذهنية (‪ )3‬وال بمبدأ االكتمال السببي‬
‫لمجال الحاالت الذهنية أي تفسير حاالت ذهنية بحاالت ذهنية (‪.)'3‬وبالمقابل تعمل النزعة‬
‫على حذف المبدأ الذي يسلم بوجود سببية ذهنية (‪)2‬‬
‫المشكلة التي تطرحه هاته النزعة هي أنها ال تسمح بتقديم تمييز بين الفعل القصدي والسلوك‬
‫الجسمي ‪ comportement corporel pur‬فمثال ال يوجد فارق بين الحالة التي أرفع فيها‬
‫يدي آليا بفعل ردة فعل والحالة التي أرفع فيها يدي عن قصد‪.‬‬
‫إن النزعة الظاهراتية المصاحبة ال تقدم جوابا محسوما عند سؤال كيف لحاالت مادية أن‬
‫تحدد موضعياحاالت ليست مادية والتي ال يمكنها أن تكون سببا ألي شيء آخر؟‬
‫(‪ le surdéterminisme‬المبدأ (‪ ))4‬هذا الموقف يقر بالثنائية لكنه مختلف مفهوميا عن‬
‫الظاهرة المصاحبة وهو ليس موقفا متوازيا وال تفاعليا وهو يسلم بالمبادئ (‪ )2( ،)7‬و (‪)3‬‬
‫لكنه ينفي الموقف (‪:)4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Si tous les états physiques p « état occurrence » ont des explications‬‬
‫‪sous forme d’états mentaux, p a en même temps une cause‬‬
‫‪physique complète et distincte de la cause mentale m.‬‬
‫أي مستقبل إذا لـــــ ‪le surdéterminisme‬؟ إن اعتماد هذه االستراتيجية التي تهدف إلى‬
‫خلق نوع من التجانس بين المبادئ (‪ )2( )7‬و (‪ )3‬فإنها تجابه بجملة من االعتراضات فما‬
‫دامت ترفض المبدأ (‪ )2‬الخاص بالسببية الذهنية وتقبل بأولوية التفسير المنتظم للحاالت‬
‫المادية التي تكون تحت تأثير الحاالت النفسية فإنها تقود إلى نفي الغاية من وراء هذا المبدأ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫كلية العلوم االنسانية واالجتماعية ‪-‬القنيطرة‬

‫‪-‬مسلك علم النفس‪-‬‬

‫وحدة املقاربات املعرفية للذهن‬


‫الفصل الخامس‬
‫املحاضرة ‪-4-‬‬

‫األستاذ‪ :‬الباديدي التهامي‬

‫‪1‬‬
‫تسعى العلوم املعرفية إلى تقديم جواب عن االختالف الحاصل بين ما تقدمه تجربتنا الذاتية من معرفة‬

‫حول عالقة الذهن بالدماغ وبين ما يقدمه العلم (كمبدأ)‪ .‬ولكي نقدم جوابا عن هاته اإلشكالية نكون أمام‬

‫احتمال إلغاء أحد املبادئ األربعة السابقة‪ ،‬من أجل رفع التناقض الذي يولده التقاؤها املتزامن أو املوحد؛‬

‫وبالتالي ففلسفة الذهن ومختلف املقاربات التي قدمت منذ القرن ‪ 71‬إلى اآلن تقوم حول سؤال‪ :‬أي مبدأ‬

‫يمكن رفعه وبأية شروط‪ ،‬ليتسنى تقديم جواب مقنع؟‬

‫وعليه سنحاول استعراض مختلف املواقف املعبر عنها في عالقتها بتطور علم النفس وبالعلوم املعرفية‬

‫عامة‪ ،‬وما قدمته بخصوص هذه اإلشكالية لنقف عند بعض القضايا الفرعية املطروحة في هذا النقاش‬

‫(…‪.)le libre arbitre – le vécu subjectif – le concept‬‬

‫اإلشكال الذي ينبغي أن يقدم جواب عنه هو كيف انتقلنا من تناول فلسفي (العالقة السببية بين‬

‫الذهن والدماغ) إلى تناول علمي؟ (أصل اإلشكالية فلسفي ولكن أصبح العلم هو الذي يسعى إلى تقديم‬

‫جواب)‪ ،‬ما هي املحطات الفلسفية التي سعت إلى تجاوز اإلشكال الذي تطرحه فلسفة الذهن؟‬

‫بالحديث عن املكونات أو املبادئ األربع ففلسفة الذهن تقر بالتمييز بين الحاالت الذهنية والحاالت‬

‫املادية‪ ،‬وهذا التمييز يستند على ما تقدمه التجربة الذاتية بين الحالة الذهنية والحالة املادية الخارجية‪ .‬ما‬

‫طبيعة العالقة بين ما هو ذهني وما هو مادي؟‬

‫هاتان املقدمتان تطرحان إشكاال أمام العلم الحديث فقبل ديكارت لم يكن هناك مشكل ولكن منذ‬

‫تأسيس امليكانيكا أصبح الحفاظ على وحدة التفسير العلمي لنشاط الذهن يطرح مشكال خصوصا باعتماد‬

‫املبدأ الرابع (‪ )4‬فنحن بذلك أمام بناء غير صلب وغير متماسك‪.‬‬

‫الثنائية التفاعلية‪:‬‬

‫قامت فلسفة ديكارت على نقد التصور الكالسيكي للروح بوصفها مبدأ الحياة‪ ،‬وحركة الجس م‪.‬‬

‫وقدمت تص ورا جديدا إلش كالية النفس الجس م‪ ،‬يقوم على الفص ل بينهما بوص فهما جوهرين منفص لين‬

‫عن بعض هما البعض‪ .‬وهذا ما يحيل على نو من الينااية التي نجدها في أس ا التص ور الديكارتي‪ ،‬غير أنه‬

‫‪2‬‬
‫إذا كانت فلس فة ديكارت تقوم على نو من االس تقالل املفهومي واالنطولوجي املتبادل بين النفس والجس م‪،‬‬

‫ف نهه ا تطور ب اإلة اف ة إلى ذل ك نسري ة حول الوح دة الس يكوف ي ااية بين النفس والجس م‪ ،‬والتي ال يمكن‬

‫اعتب اره ا مجرد تجميع بس يك لتف اعلهم ا‪ .‬ذل ك أن ديك ارت فس ر ه ذه الوح دة انطالق ا من افتراض وجود‬

‫تموةع عصبي للنفس‪ ،‬ومن وجود ترابك نوروسيكولوجي‪.‬‬

‫نش ير هنا إلى أن هذا البعد الياني من تص ور ديكارت ‪،‬ل مهمال مقارنة بالبعد األول‪ ،‬ومرد ذلك إلى‬

‫املعطيات النوروتشريحية التي استند إليها ديكارت في منح مكانة خاصة للغدة الصنوبرية من تصوره هذا‪.‬‬

‫إن الص عوبة التي يطرحها التص ور الديكارتي تكمن في التمييز بين النفس ي والجس مي‪ ،‬وفي اآلن نفس ه‬

‫وحدتهما‪ .‬أو بص يغة أخرى إن أس ا إش كالية النفس الجس م في التص ور الديكارتي تتميل في الجمع بين‬

‫الطابع الالممتد للنفس بوصفها جوهرا ال ماديا‪ ،‬وبين تموةعها في حيز من الجسم (الدماغ)‪.‬‬

‫يحدد النسق الديكارتي‪:‬‬

‫النفس بوص فها جوهرا ته يء موجود بذاته‪ ،‬ومس تقل عن كل ه يء أخر حيث ماهيتها أو طبيعتها‬

‫األساسية هي التفكير‪ .‬فهي تميل "الش يء املفكر"‪،‬‬

‫الجس م بوص فه جوهرا من طبيعة مختلفة كليا‪ ،‬إذ ماهيته أو طبيعته األس اسية هي االمتداد الذي‬

‫يعبر عن الفهم الجديد‪ ،‬الهندس ي والتكميمي‪ ،‬للمادة‪ .‬أي "الش يء املمتد"‪.‬‬

‫نس ج ل أن ه ذا التمييز الين الي ال ذي أخ ذ ب ه ديك ارت ليس اعتب اطي ا‪ ،‬وإنم ا يس تن د إلى املراجع ة‬

‫النسري ة التي ق ام ه ا ملفهومي النفس والجس م؛ ذل ك أن الفهم الج دي د ال ذي ق دم ه ديك ارت ملفهوم النفس‬

‫يتج اوز ويقطع مع التص ور الكالس يكي ملفهوم الروح‪ ،‬ففي بحي ه عن تح دي د الهوي ة الذاتية في جوابه عن‬

‫س ؤال‪" :‬من أنا؟" انطلق من رفض كونه تجميعا لألعض اء التي يس ميها "الجس م اإلنس اني"‪ ،‬ليخلإ إلى كون‬

‫الجواب يتلخإ في "الش يء املفكر"‪ .‬ويبرز ذلك تخلي ديكارت عن التص ور األرس طي ل نس ان بوص فه‬

‫"حيوان عاقل"‪ ،‬وكذلك عن التص ورات الفلس فية والالهوتية القديمة حول الروح مبدأ حركة الجس م‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫لكن ما يميز اإلنس ان حس ب ديكارت هو امللكة التأملية (‪ )théorétique‬التي خإ ها أرس طو الحيوانات‬

‫التي له ا ملك ة التفكير(‪ .)raisonnement‬وهو ب ذل ك يختزل الو‪ ،‬ااف النفس ي ة في الو‪،‬يف ة الت أملي ة‬

‫(‪ )théorétique‬والتذهنية (‪ ،)cogitative‬وهذا ما يش كل عمق املراجعة الديكارتية ملفهوم الروح التي كانت‬

‫تعتبر‪" :‬عل ة ومب دأ الجس م الحي"‪ .‬وعلى ة وء ذل ك ال الحيوان ات وال النب ات ات تتوفر على روح ب املعنى‬

‫الديكارتي‪.‬‬

‫إن أطروح ة الفص ل الواقعي بين النفس والجس م‪ ،‬الين ااي ة ال ديك ارتي ة‪ ،‬تس ل مرتبط ة ب املراجع ة‬

‫النسرية لهذين املفهومين‪ ،‬فديكارت ال يميز بين النفس والجس م بش كل عام‪ ،‬وإنما بين "الجس م اآللة" من‬

‫جهة‪ ،‬و"النفس بوصفها مبدأ النشاط العقلي" من جهة أخرى‪.‬‬

‫إن ما توجه إليه س هام النقد في الينااية الديكارتية‪ ،‬ليس مقدماتها النسرية العامة املؤس س ة على‬

‫خلفية التص ور امليكانيكي الس ااد في الفكر الحديث‪ ،‬وإنما خالص اتها االنطولوجية‪ ،‬ذلك أن النش اط ‪res-‬‬

‫‪ cogitan‬الالم ادي والالممت د ‪ ،inétendue‬بمعنى النش اط ال ذهني‪ ،‬أة حى يس توع ب من خالل مف اهيم‬

‫املعكوس ية واالس تبطان (‪ .)l’intériorité‬وعليه فالتفكير ما هو إال تميل للمواة يع واألش ياء على ش كل‬

‫أفكار‪ ،‬هذه األخيرة ذات وجود ةمن عقلي‪ ،‬تكمن في األنا النفس‪ ،‬على شكل تميالت‪.‬‬

‫يقود التمييز ال ذي أدخل ه ديك ارت بين الطبيع ة ال داخلي ة ال ذاتي ة للنش اط ال ذهني‪ ،‬وبين الوجود‬

‫الخارجي واملوة و ي لألش ياء‪ ،‬إلى اعتبار معرفة األنا أو الذهن هي املعرفة األس هل واألكشر مباش رة‪ .‬فاإلدراك‬

‫ي أن يكون التفكير‬ ‫الداخلي للذهن من طرف ذاته نفس ها‪ ،‬بوص فه مص در كل األفعال الذهنية‪ ،‬يقت‬

‫محددا بالو ي‪ ،‬الذي يحيل على املعرفة األولية واملباش رة من طرف األنا نفس ه باألفعال الذهنية الداخلية‪،‬‬

‫وهذا ما يجعل من النفس "مسرحا داخليا" النعكا األفكار أو التميالت في "األنا"‪.‬‬

‫يتضح مما سبق‪:‬‬

‫‪-‬إن النش اط النفس ي يتم باس تقالل عن الجس م‪ ،‬والجس م يوجد ويش تغل من تلقاء ذاته‪ ،‬على ش كل‬

‫آلة ذاتية الحركة‪ ،‬دون سند من النفس‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪-‬إن الح االت النفس ي ة عب ارة عن ح االت داخلي ة تتميز ب الو ي واملعكوس ي ة‪ ،‬وتتم بص يغ ة املتكلم‬

‫"األنا"‪.‬‬

‫انطالقا من هاتين الخالص تين نتس اءل كيف اس توعب ديكارت الهوية اإلنس انية‪ ،‬بوص فها تركيبا‬

‫للنفس والجس م؟ أو بص يغة أخرى كيف يمكن اس تيعاب املعطيات والسواهر التي تؤكد تداخل النفس ي‬

‫والجس مي (اإلرادة واإلحس ا ) في التكوين اإلنس اني‪ ،‬على أس ا التمييز االنطولوجي الديكارتي بين النفس‬

‫والجسم؟‬

‫يش كل الفع ل ال ذهني عل ى الجس م‪ ،‬كم ا ه و الح ال ف ي األفع ال املادي ة والجس دية الت ي‬

‫يس ب ها ال ذهن‪ ،‬اإلرادة أو الفع ل اإلرادي‪ ،‬والفع ل الجس دي عل ى ال ذهن ال ذي تميل ه التجرب ة‬

‫الحسية واالنفعالية‪ ،‬املسهرين األساسيين لتفاعل الذهن والدماغ‪ ،‬وهو ما يبرز وحدتهما‪.‬‬

‫ي وجود حيز لحض ور وتموة ع‬ ‫لكن افتراض إمكانية للتفاعل الس ببي بين الذهن والجس د يقت‬

‫النفس في الجس د اإلنس اني‪ ،‬بحيث يمكنها أن تمار و‪،‬اافها‪ :‬توجيه الحركات الجسدية وتلقي االنطباعات‬

‫الحس ية‪ .‬ويتميل هذا الحيز في الغدة الص نوبرية (‪ .)conarium, la glande pinéale‬ويرجع ذلك ديكارت إلى‬

‫كون الغدة الص نوبرية العض و الوحيد في الدماغ غير املقس م إلى ش قين‪ ،‬وعليه فالتركيب الذي يتكون من‬

‫النفس والجسد‪ ،‬أسا الطبيعة اإلنسانية‪ ،‬ليس تجميعا بسيطا لهما‪ ،‬وإنما يعبر عن وحدة حقيقية‪:‬‬

‫‪"En effet, tous ces sentiments de faim, de soif, de douleur, etc., ne sont autre chose que‬‬
‫‪de certaines façons confuses de penser, qui, provient et dépendent de l’union et comme un‬‬
‫"‪mélange de l’esprit avec le corps‬‬
‫وخالص ة القول‪ ،‬إن الص عوبة التي يطرحها النس ق الديكارتي أمام علم النفس تكمن في كيفية الجمع‬

‫في نسق واحد بين التمييز بين الذهن والدماغ بوصفهما جوهرين مختلفين‪ ،‬وبين وحدتهما التفاعلية‪.‬‬

‫في تحقيق هذا املسعى عمل الززعة الينااية التفاعلية إلى إلغاء املبدأ (‪ )3‬وحافست على دور الالمادي في‬

‫التفسير (هناك جوهران ولكن هناك تفاعل سيكوفيزيالي)‪، .‬ل املشكل مطروحا‪ :‬هل املعرفة مستقلة عن‬

‫‪5‬‬
‫العالم الخارجي (أي داخلية) وبالتالي ليس لها مرجع فأنا الذي أعرف حاالتي الذهنية وهي معطاة فطريا وال‬

‫تفترض وجودا خارجيا (هل يمكن وجود داللة بدون مرجع؟)‪.‬‬

‫اإلشكالية اليانية التي تطرحها الززعة الينااية التفاعلية‪ :‬هي كيف يمكن أن تؤسس العالقة والتفسير‬

‫السيكوفيزيالي وذلك برفع املبدأ (‪)3‬؟ نجد هذا التصور عند إكليس "‪"Eccles‬الذي يميز بين ثالثة عوالم‪:‬‬

‫العالم املادي‪ ،‬وعالم الحاالت الواعية‪ ،‬وعالم املعارف املوةوعية‪ ،‬حيث عالم الحاالت الواعية ينتج عالم‬

‫املعارف املوةوعية؛‬

‫ويستند في تفسير ذلك إلى ما تقدمه الفيزياء الكمية من افتراض وجود‪ ،‬مواقع مجهرية‪micro-( ،‬‬

‫‪ )sites‬كما هي متعارف عليها‪ ،‬والتي حاول من خاللها تحديد كيفية تأثير األحداث الذهنية على األحداث‬

‫العصبية‪ :‬فقارن بذلك الذهن بحقل احتماالت كمية يسمح بتنشيك شعيرات (‪ )vésicules‬الشبكة قبل‪-‬‬

‫سينابية‪ .‬وعليه يعتبر "إكليس" أن الذهن بوصفه كيانا واعيا يمتلك نشاطا خاصا به من حيث البحث‬

‫(االنتباه‪ ،‬والدافع‪ ،‬والضرورة‪ )...‬ومن حيث توحيد املعطيات‪ ،‬لكنه باملقابل ال يقدم تفسيرا لكيفية تحقق‬

‫ذلك‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫كلية العلوم االنسانية واالجتماعية ‪-‬القنيطرة‬

‫‪-‬مسلك علم النفس‪-‬‬

‫وحدة املقاربات املعرفية للذهن‬


‫الفصل الخامس‬
‫املحاضرتين ‪5-‬و‪-6‬‬

‫األستاذ‪ :‬الباديدي التهامي‬

‫‪1‬‬
‫الثنائية الالتفاعلية‬

‫هل للحاالت الذهنية دور في تحديد الحاالت املادية؟ أو كيف يتحقق التموضع املادي للذهن في‬

‫الدماغ؟‬

‫إن افتراض تموضع النفس في الغدة الصنوبرية‪ ،‬حسب ديكارت‪ ،‬يتيح إمكانية تدخل الحاالت الذهنية‬

‫لتغيير مسار البنية العصبية وتعديله (وهذا ناجم عن سوء فهم مفهوم ‪ vecteur‬الرياض ي آنذاك)‪.‬‬

‫غير أن النقاش بخصوص النزعة الثنائية‪ ،‬سيأخذ مسارا جديدا مع سبينوزا الذي يعتبر أن النفس‬

‫والجسم مظهران للش يء نفسه‪ ،‬وعليه يمكن اعتبار الجسم ‪ Automate physique‬والنفس عبارة عن‬

‫‪ Automate spirituel‬وبهذا يكون سبينوزا قد ألغى املبدأ (‪ .)2‬كما يبرز ذلك مثال الساعة الذي قدمه ليبنز‬

‫(ساعتان متشابهتان في دقتهما وفي تقديمهما للوقت بشكل متزامن مما يوحي بتدخل إلهي‪ ،‬إما أن قوة خفية‬

‫تحكمهما أو أن هناك شخص يتدخل لضبطهما معا؛ بمعنى أن كل املوجودات لها ثنائية املظهر مظهر خارجي‬

‫مادي وهو ما نلحظه ومظهر داخلي (غير مادي) نتاج تأمل أو ملحظة داخلية‪.‬‬

‫وبالتالي إن القضايا التي تطرح أمام الثنائية اللتفاعلية تتلخص من جهة في وجود سيكولوجيا تامة‬

‫بذاتها؛ ذلك أن وجودها سوف يتعارض مع الواقع العلمي‪ ،‬بمعنى تأسيس سيكولوجيا تامة بدون الخذ‬

‫بالساس الفيزيكالي الذي استند إليه العلم الحديث؛ ومن جهة أخرى اإلقرار بكون كل املوجودات لها روح‪.‬‬

‫فنحن إذن أمام حلين للقضايا التي تطرحها النزعة الثنائية في صيغتها اللتفاعلية‪:‬‬

‫‪ -1‬ظاهرة‪-‬مصاحبة ‪.Epiphénoménologie‬‬

‫‪Surdétermination -2‬‬

‫كل تحول يحدث في الغشاء الخارجي يؤثر في الغشاء الداخلي والعكس صحيح (العلقة بين الجسد‬

‫والروح في الثنائية اللتفاعلية عند فيشنر‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪Le plus simple possible, l’exemple de Leibniz où les deux horloges marquent toujours la‬‬

‫‪même heure, ne sont pas deux horloges puisqu’elles n’en font qu’une en réalité, ce qui nous‬‬

‫‪fait économiser de la matière (l’épi-phénoménologie).‬‬

‫تبعا لنزعة الظاهرة املصاحبة (‪ )Epiphénoménologie‬هناك اختلف بين الحاالت الذهنية والحاالت‬

‫املادية فهي بذلك تقر باملبدأ (‪ ،)1‬غير أن السؤال يظل مطروحا بخصوص دور الحاالت الذهنية في الحاالت‬

‫املادية (املبدأ ‪)2‬؟‬

‫الجواب‪ :‬إن للحاالت الذهنية مسببات مادية (‪ )elles ont des causes physiques‬لكن ال يمكنها أن‬

‫تسبب بدورها ال حاالت مادية وال حاالت ذهنية؛ لن الحاالت الذهنية مجرد ظاهرة مصاحبة تصاحب بعض‬

‫الظواهر الفيزيائية‪ .‬فهذا املوقف ينعت بثنائيات الحاالت والخصائص (‪ )Etats et propriétés‬أي أن بعض‬

‫النظمة الفيزيائية ليس لها فقط خصائص فيزيائية ولكن كذلك حاالت وخصائص ذهنية؛ غير أن هاته‬

‫الخيرة ليس لها تأثير (‪ )effet‬من أي نوع؛ ويرجع هذا التيار إلى ‪.)1281/1221(Thomas Henry Huxley‬‬

‫بالنسبة للظاهرة املصاحبة فإنها تقبل باملبدأين (‪ )1‬و(‪ )3‬وتنفي املبدأ (‪ )2‬إضافة إلى أنها ال تسلم‬

‫بوجود ‪ panpsychisme‬وال بمبدأ اكتمال التفسير املادي للحاالت املادية (‪ )3‬وال بمبدأ االكتمال السببي‬

‫ملجال الحاالت الذهنية أي تفسير الحاالت للذهنية بحاالت ذهنية (‪ .)'3‬لكنها باملقابل تعمل على حذف املبدأ‬

‫الذي يسلم بوجود سببية ذهنية (املبدأ ‪)2‬‬

‫املشكلة التي تطرحها هاته النزعة هي أنها ال تسمح بتقديم تمييز بين الفعل القصدي والسلوك‬

‫الجسمي‪ ،‬فمثل ال يوجد فارق بين الحالة التي أرفع فيها يدي آليا بفعل ردة فعل‪ ،‬والحالة التي أرفع فيها يدي‬

‫عن قصد‪.‬‬

‫إن نزعة الظاهرة املصاحبة ال تقدم جوابا عن سؤال كيف لحاالت مادية أن تحدد موضعيا حاالت‬

‫ليست مادية والتي ال يمكنها أن تكون سببا لي ش يء آخر؟‬

‫‪3‬‬
‫‪ : la surdétermination‬هذا املوقف يقر بالثنائية لكنه مختلف مفهوميا عن الظاهرة املصاحبة‬

‫فهو ليس موقفا متوازيا وليس تفاعليا كذلك‪ ،‬لكونه يسلم باملبادئ (‪ )1‬و(‪ )2‬و(‪ )3‬وينفي املبدأ(‪:)4‬‬

‫‪Pour tous les états physiques p, si p a une cause mentale, p a en même temps également‬‬

‫‪une cause physique complète qui est distincte de la cause mentale.‬‬

‫أي مستقبل إذن ل ـ ـ ‪la surdétermination‬؟ إن اعتماد هذه االستراتيجية التي تهدف إلى خلق نوع من‬

‫التجانس بين املبادئ (‪ )1‬و (‪ )2‬و (‪ )3‬يجابه بجملة من االعتراضات‪ ،‬فإذا كان هذا املوقف ال يرفض املبدأ‬

‫(‪ )2‬الخاص بالسببية الذهنية ويقبل بأولوية التفسير املنتظم للحاالت املادية التي تكون تحت تأثير الحاالت‬

‫النفسية فإنها بذلك تميل إلى نفي الغاية من وراء هذا املبدأ‪.‬‬

‫إن حذف املبدأ (‪ )2‬من املبادئ التي تقوم عليها فلسفة الذهن‪ ،‬املتعلق بعلقة الذهن بالجسم في‬

‫موقف التوازي السيكوفيزيائي اللتفاعلي يطرح مجموعة من القضايا بخصوص النزعة الثنائية وعلقة‬

‫الذهن بالدماغ‪ ،‬خصوصا فيما يتعلق ب ـ ‪ ،Panpsychisme‬كون املكون النفس ي حاضر في كل املوجودات‪ ،‬أو‬

‫أن هناك إمكانية تأسيس سيكولوجيا تامة ومكتملة ال مادية‪ .‬غير أن االنتقادات املقدمة بخصوص هاتين‬

‫النقطتين دفعت الباحثين إلى تقديم تصورات بديلة من قبيل الظاهرة املصاحبة التي تقر بأن هنالك فروقا‬

‫بين الحاالت الذهنية والحاالت املادية (املبدأ ‪ )1‬وتحتفظ كذلك باملبدأ (‪ )3‬لكن تطرح النقاش بخصوص‬

‫املبدأ (‪ )2‬أي هل هناك علقة سببية بين الحاالت الذهنية والحاالت املادية‪ ،‬فهي بذلك تعتبر أن هذه‬

‫الحاالت الذهنية ما هي في الواقع إال حاالت مصاحبة فقط للحاالت املادية فتكون بذلك قد حافظت على‬

‫املبدأ (‪ )3‬وسلمت باملبدأ (‪ )4‬الذي يقر بأن نتحفظ عن تقديم جواب‪ :‬ال يمكن تقديم أسبقية في التفسير‪.‬‬

‫إن السؤال الذي قد يطرح‪ :‬ما الجدوى من القول بوجود حاالت ذهنية إن لم يكن لها أي دور سببي ال‬

‫في وجود حاالت مادية وال في وجود حاالت ذهنية أخرى؟ بمعنى أننا لسنا أمام استقللية تفسيرية تامة‬

‫ومكتملة للنشاط النفس ي‪ .‬وما الجدوى من وجود هذه الحاالت الذهنية مادامت عبارة عن حاالت مصاحبة‬

‫للنشاط املادي‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫دائما في إطار الثنائية هناك موقف آخر لكن هذه املرة ال يناقش املبادئ (‪ )1.2.3‬ولكن يناقش املبدأ‬

‫(‪ )4‬هو موقف ‪ Surdétermination‬حيث يقر بأسبقية تفسير النشاط النفس ي لكن علينا أن نكون حذرين‬

‫فنحن لسنا ال في الظاهرة املصاحبة وال في الثنائية اللتفاعلية ولكن أمام تيار ثالث أي أننا نقر باملبدأ (‪)3‬‬

‫قائم وليس له امتداد على الحاالت غير املادية ولكن في املقابل نعتبر أن كل حالة فيزيائية لها سبب ذهني‬

‫وكذلك في اآلن ذاته لها سبب مادي تام ومختلف عن السبب النفس ي‪ ،‬في هاته الحالة تمنح الولوية في‬

‫التفسير للسبب املادي وليس للسبب الذهني‪ .‬وال يجب أن نفهم من ذلك أننا أمام موقف الظاهرة املصاحبة‬

‫لن هذا املوقف يقبل بأسبقية التفسير املادي عن التفسير النفس ي‪ ،‬إذن رفض املبدأ (‪)4‬‬

‫إذن نحن أمام ثلثة احتماالت‪:‬‬

‫‪ -‬االحتمال الول نفي املبدأ (‪ :)3‬الثنائية التفاعلية‬

‫‪ -‬االحتمال الثاني نفي املبدأ (‪ Epiphénoménologie:)2‬و ثنائية التوازي أو الثنائية اللتفاعلية‬

‫‪ -‬االحتمال الثالث نفي املبدأ (‪Surdétermination :)4‬‬

‫‪5‬‬
‫كلية العلوم االنسانية واالجتماعية ‪-‬القنيطرة‬

‫‪-‬مسلك علم النفس‪-‬‬

‫وحدة املقاربات املعرفية للذهن‬


‫الفصل الخامس‬
‫املحاضرة ‪7-‬و ‪-8‬‬

‫األستاذ‪ :‬الباديدي التهامي‬

‫‪1‬‬
‫الهوية السيكوفيزيائية (‪:)L’identité psychophysique‬‬

‫بالنظر إلى الحلول املقدمة من طرف املواقف الثالث املعبر عنها سابقا‪ :‬الثنائية الفاعلية (نفي‬

‫املبدأ ‪ )3‬وثنائية التوازي والظاهرة املصاحبة (نفي املبدأ ‪ )2‬واملوقف الثالث ‪( La surdétermination‬نفي‬

‫املبدأ الرابع)‪ ،‬فإنها جميعا تعتريها جملة من النقائص التفسيرية لعالقة الحاالت الذهنية بالحاالت‬

‫املادية؛ ويظل الحل املتبقي أمامنا ملناقتت واستعراض خصائص هو القول بتطابق الحاالت الذهنية‬

‫مع الحاالت املادية والذي يمكن أن يجد سنده في القول بتطابق األسباب الذهنية مع األسباب املادية‬

‫(‪ ،)les causes mentales sont Identiques à des causes physiques‬على اعتبار أن الحاالت (‪)états‬‬

‫هي ورود فردي (‪ )occurrence individuelle‬وخاص لخاصية معينة‪ ،‬فتصبح بذلك الحاالت الذهنية‬

‫مكونا من مجال الحاالت املادية‪ ،‬بمعنى أن الفارق بين الحاالت الذهنية والحاالت املادية هو فارق‬

‫مفهومي (‪ )distinction conceptuelle‬يجد سنده في كون الولوج االبسييي لحاالننا الذهنية متتلف‬

‫عن الولوج إلى حاالننا املادية (املالحظة من الداخل ‪ /‬املالحظة من الخارج)‬

‫وبهذا يمكن القول بأن نظرية الهوية السيكوفزيائية ننفي املبدأ رقم ‪ 1‬لتقديم جواب عن عالقة‬

‫النفس بالجسي‬

‫نفي املبدأ رقم ‪ :1‬الحاالت الذهنية هي حاالت مادية‬

‫املبدأ ‪ :2‬الحاالت الذهنية تسبب حاالت مادية‬

‫املبدأ ‪ :3‬مبدأ االكتمال السبب النومولوجي لتفسير ما هو مادي بما هو مادي‬

‫وعلي يمكن اعتبار نظرية الهوية السيكوفزيائية إحدى الصيغ القوية من النزعة املادية األحادية‬

‫الت نقر بأن ليست هنالك فروق بين الحاالت الذهنية والحاالت املادية‪ .‬بمعنى هل يكفي أننا أمام نجربة‬

‫ذانية نمتاز بالقصدية لتأسيس موقف علي يميز بين الحاالت الذهنية والحاالت املادية‪ ،‬أي االنطالق‬

‫من السيكولوجيا التعبية لتأسيس نقاش علي ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫إن ما ينبغي أن يناقش في فلسفة الذهن هو املبدأ (‪ .)1‬ويتلخص السؤال في كيفية نقديم جواب‬

‫عن ذلك؟‬

‫كيف يمكن أن تسبب حاالت نفسية حاالت مادية (‪ )2‬وأن نحافظ على وحدة التفسير العلي‬

‫للحاالت املادية (‪)3‬؟‬

‫إن ما ينبغي مراجعت هو املبدأ رقم(‪ ،)1‬أي أن نقدم نفسيرا للسببية الذهنية ال يتعارض مع‬

‫املعارف العلمية الحالية‪ .‬والنقاش الذي تعرف العلوم املعرفية راهنا يمكن أن نلخص على التكل‬

‫التالي‪ :‬اسينادا إلى املبدأ (‪ )3‬علينا أن نطور نصورا لعالقة الذهن بالجسم يأخذ بالسببية الذهنية وفي‬

‫اآلن نفس يحافظ ويصون الخصائص املميزة للحاالت الذهنية دون األخذ باملبدأ (‪.)1‬‬

‫(‪ )3‬ما هو مادي يفسر بما هو مادي؛‬

‫(‪ )2‬السببية الذهنية في نفسير الحاالت املادية؛‬

‫(‪ )1‬نرفض املبدأ (‪ )1‬حيث نجري تعديال نوافقيا علي ‪.‬‬

‫لتقديم جواب علينا إذن أن نعدل املبدأ (‪ )1‬كما قلنا أو نتتلى عن وهذا سيطرح طبعا مسألة أساسية‪:‬‬

‫كيف يمكن أن يتحقق ذلك دون املساس بتصائص الحاالت الذهنية (القصدية والتجربة الذانية( بمعنى‬

‫كيف نقدم نظرية أو نصورا حول التجربة املعيتية وحول الحاالت القصدية مع عدم األخذ باملبدأ (‪ )1‬الذي‬

‫يأخذ بالفروق بين الحاالت الذهنية والحاالت املادية‪.‬‬

‫يبدو أن الحل املمكن للسببية الذهنية هو أن نفترض أن األسباب الذهنية مطابقة ‪identiques‬‬

‫لألسباب املادية‪ ،‬وفي هذه الحالة نصبح األسباب الذهنية جزءا من األسباب املادية‪ ،‬وبعض األسباب‬

‫املادية هي أسباب ذهنية‪ ،‬لكون بعض الحاالت املادية هي حاالت ذهنية‪ .‬بافتراضنا أن األسباب هي حاالت‬

‫‪3‬‬
‫وبأن هان الحاالت هي نوع من الورود الفردي(‪ )occurrence‬لخاصية ما‪ ،‬ففي هان الحالة يصبح‬

‫اليساؤل عن السبب الذي يولد النييجة‪ ،‬بوصف سببا ذهنيا أو ماديا‪ ،‬ال معنى ل ‪ .‬ذلك أن إذا عرفنا‬

‫األسباب الذهنية باألسباب املادية أو الفيزيائية‪ ،‬فإننا نحدد الحاالت الذهنية بالحاالت املادية‪ ،‬وإذا قلنا‬

‫بأن هناك نطابقا بين هان الحاالت بوصفها نوعا من التوارد الفردي لخصائص معينة‪ ،‬فإن الحاالت‬

‫الذهنية هي جزء من مجال الحاالت الفيزيائية‪ .‬وعلي ال وجود في الواقع لفروق بين الحاالت الذهنية‬

‫والحاالت املادية؛ وكل ما هنالك هو نمييز مفهومي يسيند إلى املنظور اإلبسييي الذي ننظر من خالل‬

‫للحاالت املادية والذهنية والذي يقيم نمييزا بينها‪.‬‬

‫نظرية الهوية السيكوفيزيائية هي أطروحة مادية ‪( physicaliste‬إمكانية نفسير كل التتصصات‬

‫املادية الدقيقة بمفاهيم فيزيائية – كيف نحافظ على االستقاللية التفسيرية للنتاط النفس دون‬

‫الوقوع في نوع من االختزالية)‪ ،‬فه نفترض بتكل بسيط أن الحاالت الذهنية هي حاالت مطابقة لبعض‬

‫الحاالت املادية كي نفسر السببية الذهنية؛ لكن ال تترح لنا كيف لهان الحاالت الذهنية أن نكون‬

‫مطابقة لحاالت فيزيائية مع احتفاظها بتصائصها (القصدية والتجربة املعيتة)‪ .‬إن ما يجب أن نقدم‬

‫عن جوابا هو كيف نحل هذا اإلشكال (نقر بالتطابق بين الحاالت الذهنية والحاالت املادية ونقر بأن‬

‫بينهما اختالفا من حيث الخصائص‪ ،‬فإذا حذفنا التجربة املعاشة نسقط في األحادية املتوهة)‪.‬‬

‫أول جواب يقدم الحل لهذا اإلشكال هو ما نقدم السلوكية املنطقية أو ما يعرف ب‪" :‬الفيزيكاليزم‬

‫الداللي" (‪.)physicalisme sémantique‬‬

‫ذلك أن املنطلق األساس للمدرسة السلوكية هو أن بمقدورنا وصف ونفسير أنتطة ( ‪les‬‬

‫‪ conduites‬أو مجمل النتاط النفس ) األفراد وذلك بمالحظة سلوكاتهم فقط‪ ،‬ما دام السلوك عبارة‬

‫عن وحدة وظيفية بين مثير واستجابة‪ ،‬فهذا املبدأ يدعو إلى التتلي عن استعمال املفاهيم الذهنية في‬

‫نفسي ر نتاط الكائنات والسلوك هو مجمل الحركات الجسمية والت يمكن وصفها ونحديدها كليا من‬

‫خالل قاموس فيزيائي مادي (ف‪" :‬أنا أحس بالعطش" ال ينبغي أن يحيلن إلى إحساس داخلي وإنما هو‬

‫‪4‬‬
‫مجمل النتاط الجسي الذي يترجم سلوك العطش لدي فال وجود للمفاهيم الذهنية كاالعتقاد بوجود‬

‫املاء)‪.‬‬

‫ينبغي التمييز داخل السلوكية إذا بين جانبين‪:‬‬

‫أ‪-‬السلوكية املنهجية‪:‬‬

‫وهي ندعو السيكولوجيا إلى االقتصار في دراستها على دراسة السلوك وفي هان الحالة املقوالت الت‬

‫تتمل أو نحتوي على مفاهيم ذهنية من قبيل "أرغب في شرب املاء" ال نصف السلوك في حد ذان ولكنها‬

‫نصف فقط االستعدادات السلوكية لدى الفرد‪ .‬فه ال ننفي وجود الحاالت الذهنية ولكن ال تهمنا على‬

‫مستوى التفسير‪.‬‬

‫ب‪-‬السلوكية املنطقية‪:‬‬

‫ويسيى املوقف الثاني بالسلوكية املنطقية ‪physicalisme sémantique‬وهو املوقف الفيزيكالي‬

‫الذي من خالل نقول بتطابق الحاالت الذهنية بالحاالت املادية مسيندا إلى مواضعات داللية‪ ،‬ذلك أن‬

‫املفاهيم الذهنية هي مفاهيم نصف االستعدادات السلوكية أي أن الحاالت الذهنية هي حاالت مطابقة‬

‫للحاالت املادية لالستعدادات السلوكية (‪.)prédispositions comportementales‬‬

‫هل علينا أن نقبل في نفسير النتاط النفس بالقول بوجود مفاهيم ذهنية (‪)concepts mentaux‬‬

‫فالسلوكية لها موقف في كيفية نفسير النتاط النفس حيث ينبغي أن ينطلق من استعدادات سلوكية‬

‫وبالتالي علينا أن نتتزل املفاهيم الذهنية في مفاهيم مادية فيزيائية فهذا املوقف يمكن التمييز في بين‬

‫جانبين‪:‬‬

‫‪ -‬من الناحية املنهجية‪ :‬قد نقبل بوجود املفاهيم الذهنية ولكن علينا أن نقتصر في دراسة‬

‫هذا النتاط على السلوك فقط‪.‬‬

‫‪ -‬من الناحية املنطقية‪ :‬إن ما ينبغي القيام ب هو اختزال هذه املفاهيم الذهنية في مفاهيم‬

‫فيزيائية نترجم أو تعكس االستعداد للسلوك‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫ويمكن حصر األطروحات الرئيسية في السلوكية املنطقية (أحد نيارات الفيزيكاليزم الداللي‬

‫‪ )physicalisme sémantique‬في األطروحات الثالثة التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬كل نوع من الحاالت الذهنية (‪ )état type‬مطابق لنوع من الحاالت املادية أو الفيزيائية‪ .‬فهذه‬

‫الحاالت هي حاالت ماكرو سكوبية إذ يمكن ألي كان مالحظتها دون أن يكون حاصال على نكوين‬

‫نتصص ؛‬

‫‪ -2‬الهوية (‪ )identité‬أو التطابق الهوياتي يحدد قبليا عن طريق نحليل داللي وليس بحث‬

‫امبيريقي نجريب ‪ ،‬وبهذا فاملفاهيم الذهنية ال نمتلك محتوى إال بوصفها حاالت مطابقة ملفاهيم‬

‫فيزيائية‪ ،‬ونتأسس هذه الهوية على أساس نحليل داللي يمكن صياغت على التكل التالي‪ :‬كل أنواع‬

‫الحاالت الذهنية في كل العوالم املمكنة‪ ،‬مطابقة ألنواع الحاالت املادية أو الفيزيائية وبالتالي ال وجود‬

‫ملفاهيم ذهنية دون وجود مفاهيم فيزيائية‪ ،‬أو بصيغة أخرى ال وجود لنفس دون جسم‪.‬‬

‫‪ -3‬يمكن بالنييجة نرجمة كل مفهوم ذهن في مفهوم فيزيائي‪ ،‬وبالتالي كل املقوالت الت تتتمل‬

‫على مفاهيم ذهنية يمكن أن نتتزل في مقوالت نقوم على مفاهيم فيزيائية‪.‬‬

‫انطالقا من هان األطروحات الثالثة يمكن أن نفهم األساس الداللي الذي نقوم علي السلوكية‬

‫املنطقية‪ ،‬كل املفاهيم الذهنية (‪ )M‬وبالنسبة لكل شخص (‪ )X‬يمكن نحليل االفتراض التالي(‪X‬هو‪)M‬؛‬

‫فنقول إذا وجدت التروط املادية (‪ )P1‬فإن الشخص (‪ )X‬سيظهر السلوك (‪ )C1‬وإذا كانت لدينا‬

‫التروط الفيزيائية (‪ )P2‬سوف يظهر الشخص (‪ )X‬السلوك (‪ )C2‬وذلك في كل السياقات املمكنة‪ ،‬حيث‬

‫يظهر نوع من السلوك‪ .‬فالسلوك بذلك يكون نابعا للتروط الفيزيائية وليس للحاالت الذهنية (املثير‬

‫يحدد االستجابة)‪.‬‬

‫يسيند هذا الفهم إلى مسألة أساسية‪ ،‬إلى نفي وجود لغة خاصة‪ ،‬ذلك أن املفاهيم نمتلك دالالتها‬

‫حسب نحققها (حسب السياق) بمعنى أن محتوى مفاهيمنا يقوم على الكيفية الت نستتدم بها هذه‬

‫املفاهيم في لغة عامة فمثال مفهوم "ألم" كمفهوم ذهن ال يمتلك محتوى إال في ظل نحقق شروط عامة‬

‫‪6‬‬
‫(عمومية) نحدد استتدام بمعنى أن الولوج إلى محتويات مفاهيمنا الذهنية ال يمكن أن يتم عن طريق‬

‫االسيبطان وإنما من خالل نحقق شروط مادية متتركة أو عامة نمنحها داللتها‪ .‬في عبارة "أنا أحس‬

‫باأللم" كيف يمكن أن نتحقق من وجود األلم كمفهوم ذهن ؟‬

‫هنالك شروط مادية لتحقق األلم وليس هنالك فعل اسيبطان‪ .‬مفهوم األلم في سياق اجتماعي‬

‫يتحقق بتروط مادية‪ .‬نترجم إلى مفهوم فيزيائي‪ ،‬في ظل وجود األعراض يتكون املفهوم الذهن "األلم"‪.‬‬

‫نجد أطروحات الفيزيكاليزم الداللي ‪ physicalisme sémantique‬سندها كذلك فيما يذهب إلي‬

‫‪ Gilbert Ryle‬وهو أحد املدافعين عن املدرسة السلوكية (السلوكية املنطقية) في نقل ملا يسمي ب ـ "خطأ‬

‫التصنيفات" (‪ )l’erreur des catégories‬والت هي موجهة في األساس إلى أطروحة "ثنائية الجواهر أو‬

‫الثنائية التفاعلية لديكارت"؛ غير أن الدعم الكبير املقدم لهذه األطروحة فنجده عند ‪Carl Gustav‬‬

‫‪Hempel‬الذي يقدم الحجج التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬داللة كل عبارة أو مقولة (‪ )proposition‬نتلخص في شروط نحققها (صدقها ‪)vérification‬‬

‫أي التروط الت من خاللها يتم نحديد صدق العبارة أو خطئها؛‬

‫‪ -2‬شروط نحقق كل مقولة (أو عبارة) نكون مقابلة للمالحظة العمومية أو الخارجية؛‬

‫‪ -3‬السلوك الذي يتم نناول انطالقا من مفاهيم مادية هو وحده القابل للمالحظة العمومية‬

‫أو الخارجية؛‬

‫‪ -4‬وييبع ذلك‪ ،‬يمكن وصف داللة كل املقوالت الت نحتوي على مفاهيم ذهنية باستتدام‬

‫مقوالت تستتدم فقط مفاهيم فيزيائية نصف السلوك‪.‬‬

‫إذا كان الفيزيكاليزم الداللي يقوم على افتراض وجود نطابق بين الحاالت الذهنية والحاالت املادية‪ .‬فإن‬

‫النقد موج باألساس إلى ما يسيى بالتطابق بين الحاالت الذهنية والحاالت املادية بوصفها نوعا (‪ )Type‬من‬

‫حيث إمكانية التحقق الفيزيائي‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫مثال‪ :‬أردت أن أنناول قطعة حلوى إذن هنالك مجموعة من االستعدادات السلوكية نؤدي إلى‬

‫ظهور هذه الرغبة‪:‬‬

‫*‪ -‬وجهت لي دعوة لتناول قطعة الحلوى مع صديق‬

‫*‪-‬أو قطعة الحلوى موجودة في البيت‬

‫*‪ -‬نواجدي أمام محل لبيع الحلويات‬

‫لكن السؤال هو هل رغبت في نناول الحلوى مرنبطة باعتقاد بأن هناك قطعة حلوى متوفرة في‬

‫منزلي (االعتقاد موجود) واالعتقاد هو حالة ذهنية؛ فكيف يمكن االنطالق من حالة ذهنية؟‬

‫هناك مجموعة من الحاالت املادية نحققها مرنبط بوجود مفهوم ذهن (االعتقاد مثال) أي من‬

‫الصعب إيجاد نطابق من حيث النوع بين الحاالت الذهنية والحاالت املادية‪ ،‬وبالتالي نعيد‬

‫التفكير‪...‬حالة النوع الحاالت الذهنية نقبل التحقق املتعدد وبالتالي فالحالة الذهنية "عطش" قد‬

‫نتحقق ليس كحالة نوع (‪ )type‬وإنما كتوارد (‪ )occurrence‬عن طريق تتغيل دارة عصبية متتلفة وهذا‬

‫ما يطرح نقاشا من مستوى آخر‪ :‬أال ينبغي أن نفكر في حل إشكالية "الذهن‪/‬الدماغ" ويسهم في نأسيس‬

‫سيكولوجيا قائمة بذاتها‪ ،‬انطالقا من الخالصات التالية‪:‬‬

‫إن ما قدم في ناريخ علم النفس إلى حدود ‪ 1591‬لم يكن في صلب اهتمامان دراسة النتاط النفس‬

‫ونفسيره بما هو نفس ‪:‬‬

‫*‪-‬منذ فيتنر وإلى حدود ‪ 1513‬مع ظهور السلوكية انصب االهتمام على دراسة عالقة النفس‬

‫بالفيسيولوجي من خالل مبحث السيكوفيزياء‬

‫‪ -1‬إمع السلوكية انطالقا من مقدماتها األنطولوجية واالبسييمولوجية تسلم بوجود نطابق ما بين‬

‫الحاالت الذهنية والحاالت الفيزيائية‪ ،‬وهذا التطابق يقود إلى اختزال املفاهيم الذهنية في مفاهيم فيزيائية‪،‬‬

‫وبالتالي ما نبحث عن هو شروط نحقق السلوك وهذا التحقق يسيند إلى مقوالت فيزيكالية نمنحها داللتها‪،‬‬

‫‪8‬‬
‫وفي هذا غياب ملبحث علم النفس كمبحث قائم بذان ‪ ،‬ألن اإلشكال املطروح مع السلوكية هو هل يمكن‬

‫القول بتفسير النتاط النفس بما هو نفس وليس بما هو مادي‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫كلية العلوم االنسانية واالجتماعية ‪-‬القنيطرة‬

‫‪-‬مسلك علم النفس‪-‬‬

‫وحدة املقاربات املعرفية للذهن‬


‫الفصل الخامس‬

‫املحاضرتين ‪9-‬و‪-01‬‬

‫األستاذ‪ :‬الباديدي التهامي‬

‫‪1‬‬
‫النزعة الوظيفية‪:‬‬
‫أصبحت النزعة الوظيفية حاضرة بقوة في مجال فلسفة الذهن وفي باقي تخصصات العلوم املعرفية‪،‬‬

‫ويعود الفضل في ذلك إلى ثلة من الباحثين على رأسهم بوتمام (‪ ،)Putnam‬ويجد هذا التصور سنده في‬

‫أطروحة التحقق املتعدد للحاالت الذهنية وفي ظهور الحاسوب وتطور الذكاء االصطناعي‪.‬‬

‫تنطلق العلوم املعرفية وعلم للنفس املعرفي من فرضية كون النظام املعرفي مشيد على أساسين وكل‬

‫واحد مستقل بنفسه‪ .‬فمن جهة الذهن يقوم بمعالجة املعلومات يرمزها ويخزنها ويسترجعها‪ ،‬والحامل‬

‫املادي (الدماغ) أو العدة املادية التي يتموضع عليها النظام املعرفي وهذه العدة املادية متعددة ومتنوعة‬

‫بوصفها بنية مادية‪.‬‬

‫وعليه يمكن القول إن التصور املعرفي يسير وفق اتجاهين‪:‬‬

‫االتجاه األول‪ :‬تقديم تعريف وتشخيص وظيفي للموضوع (عدة وظيفية)‬

‫االتجاه الثاني‪ :‬البحث عن آليات وميكانيزمات (عدة مادية) تسمح بتحقق اشتغاله‬

‫بمعنى أن النزعة الوظيفية في محاولتها تقديم جواب عن عالقة الحاالت الذهنية بالحاالت املادية‪،‬‬

‫خصت الحاالت الذهني بما يلي‪:‬‬

‫‪-1‬الحاالت الذهنية هي حاالت وظيفية‬

‫‪-2‬وظيفة حالة ذهنية تتحددد بالدور السببي الذي تلعبه‬

‫‪-3‬بناء على (‪ )1‬و(‪ )2‬تحدد الحاالت الذهنية بدورها السببي في تسلسل الحاالت الذهنية (بمعنى‬

‫خصائص املدخالت واملخرجات)‬

‫‪-4‬كل دور سببي يتطلب تحققا ماديا‪ ،‬ويقبل تحققا متعددا‬

‫‪-5‬محتوى املفاهيم الذهنية مختلف عن محتوى املفاهيم الفيزيائية‪ ،‬باإلضافة إلى أن إمكانية التحقق‬

‫املتعدد للحاالت الذهنية من نوع ‪ ،)Type(M‬تمنع املفهوم ‪ M‬من أن يكون ‪ coextensif‬ملفهوم‬

‫فيزيائي وحيد‪.P‬‬
‫‪2‬‬
‫قدمت‬

‫إن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل تقبل النزعة الوظيفية بكون الحاالت الذهنية هي حاالت مادية‬

‫بمعنى هل هناك تطابق نوع (‪ :)type‬حالة ذهنية‪/‬حالة مادية؟‬

‫إن الحل الذي تقدمه النزعة الوظيفية بسيط‪ :‬وهو أن الحاالت الذهنية هي حاالت وظيفية‪ ،‬تؤدي‬

‫وظيفتها من خالل دورها السببي الذي تلعبه في تسلسل الحاالت الذهنية‪ ،‬بمعنى أن الحاالت الذهنية تحدد‬

‫انطالقا من الدور الذي تلعبه خصائص املدخالت وخصائص املخرجات‪ .‬أي أن كل دور سببي يشترط تحققا‬

‫ماديا ويقبل تحققا ماديا متعددا‪.‬‬

‫باإلضافة إلى أن محتوى املفاهيم الذهنية مختلف عن محتوى املفاهيم الفيزيائية بحكم أن التحقق‬

‫املتعدد للحاالت الذهنية من صنف النوع (‪ ،)Type‬يمنع على مفاهيم هذا النوع أن يكون لها امتداد مشترك‬

‫‪ coextensif‬مع مفهوم مادي وحيد‪ ،‬وإنما يقبل مفاهيم مادية متعددة ليست من صنف النوع‪ ،‬إذن‬

‫فمنهجية البحث تقوم على خطوتين‪:‬‬

‫‪-1‬تعريف الحاالت الذهنية بأدوارها السببية‪.‬‬

‫‪-2‬تحديد وتمييز الحاالت املادية التي تحقق هذا الدور السببي‪.‬‬

‫القول بأن الحاالت الذهنية هي حاالت وظيفية تتيح إمكانية تفسير النشاط الذهني في استقاللية عن‬

‫الحامل املادي‪ ،‬علينا أن نبحث في الشروط التي تحقق هذا الدور السببي للحاالت الذهنية ومن هنا يمكن‬

‫الحديث عن الحوسبة‪ ،‬هل يمكن اعتبار الحاالت الذهنية رموزا؟‬

‫تأسيس املعرفانية (فودور ‪ )Fodor‬دمج بين تصور ‪ Putnam‬للحاالت الذهنية (ظيفية) وتصور‬

‫تشومسكي التمثلي (‪ ،)mentalisme‬مما يجعل من الحاالت الذهنية حاالت داخلية وليست خارجية (لغة‬

‫التفكير) العالم موجود قبليا وأتعرف عليه من خالل تمثالتي عنه (هناك تمثالت داخلية‪ ،‬كيف يمكن أن‬

‫يستقيم األمر بالقول بأن هذه الحاالت الذهنية تقبل تحققا ماديا متعددا ( ‪ )mentalisme matériel‬وكأننا‬

‫‪3‬‬
‫أمام "شبح في اآللة" فالتمثالت عبارة عن رموز وهي تحدد بتركيبها وليس بمدلولها وهذا التركيب (املقاس) هو‬

‫الذي يترجم التحقق املادي (رموز مادية تقبل تحققا متعددا) في سلسلة املعالجة‪.‬‬

‫‪ -‬أال ينبغي االستغناء عن النزعة التمثلية أي االشتغال دون وجود لغة التفكير؟‬

‫‪ -‬الحاالت الذهنية كحاالت قصدية هل يمكن القول بأن املعرفية تقدم جوابا عن القصدية‪،‬‬

‫وهل تقبل التجربة الذاتية اختزالها في بنية رمزية كونية‪.‬‬

‫‪ -‬هل يمكن التأسيس ملقاربة معرفية تقبل بالحوسبة لكن يمكن أن تكون انبنائية وليست‬

‫فطرية أو امبريقية؟‬

‫املعرفية بتبنيها النزعة الوظيفية قدمت نوعا من الجواب عن عالقة النفس ي بالجسمي يستند على‬

‫مفهومين أساسيين‪:‬‬

‫‪ -‬األول حول التحقق املتعدد للحاالت الذهنية؛‬

‫‪ -‬الثاني حول التكافؤ الوظيفي (‪ )Isomorphisme‬للحاالت الذهنية‪.‬‬

‫فإذا كانت املعرفية قد حاولت تقديم جواب الغاية منه محاولة تأسيس عالقة الذهن بالحامل املادي‬

‫طبيعيا كان أم اصطناعيا‪ ،‬فافتراض كون الحاالت الذهنية وظيفية‪ ،‬أي تتحقق وظيفتها انطالقا من الدور‬

‫السببي الذي تلعبه في تسلسل عملية املعالجة الحاسوبية ‪( Computation‬أي أننا أمام مشروع معالجة‬

‫املعلومات يستند إلى آلة ‪Turing‬كخلفية تفسيرية لألدوار السببية انطالقا من مدخالت ومخرجات‪ ،‬وهو ما‬

‫يجعل النظام املعرفي يتميز بخاصيتين‪:‬‬

‫*‪-‬الخطية أي تسلسل في املعالجة‪ :‬الترميز – االحتفاظ – االسترجاع‪ ،‬فيتوزع النظام املعرفي‬

‫بين ‪ 3‬محطات‪ :‬اإلدراك‪ ،‬والذاكرة‪ ،‬والفعل أو اإلنجاز‬

‫*‪-‬ال يتطلب هذا االشتغال بالضرورة وجود رموز‪ ،‬ذلك أن العودة إلى تاريخ العلوم املعرفية‬

‫سوف نجد على أن تبلورها كعلوم عرف لحظات متباينة‪:‬‬

‫ما قبل ‪1551‬‬


‫‪4‬‬
‫من ‪ 1551‬إلى ‪1511‬‬

‫ما بعد ‪1511‬‬

‫وباملقابل نسجل على أن تقاطعات الفروع العلمية املشكلة للعلوم املعرفية قد عرفت تغايرا في أدوارها‪،‬‬

‫فإذا كان املشروع األصلي للعلوم املعرفية يستند إلى الشبكات (‪ ،(Neuromimétique‬فإن هذا التصور‬

‫ينطلق من محاولة بناء نماذج مصنعة تحاكي البنية العصبية (التقاء بين علم النفس والسيبرنيتيكا والعلوم‬

‫العصبية في صيغتها األولية)‪ ،‬غير أن االنتقال منذ ‪ 1551‬إلى نمذجة حاسوبية أعادت تشكيل حقل العلوم‬

‫املعرفية وفق ‪ 3‬أقطاب‪ :‬اللسانيات‪ ،‬وعلم النفس‪ ،‬والذكاء االصطناعي في صيغته األولى‪.‬‬

‫فهذا التمييز ضروري في شرح مسألة أساسية والتي على العلوم املعرفية أن تقدم جوابا بخصوصها‬

‫وهي مسألة التمثالت أو ما يعرف في اللغة الفلسفية باملقاصد (‪ .)Les intentions‬تفترض اللسانيات‬

‫التوليدية مع تشومسكي بأن هناك تمايزا بين املعنى ‪ le sens‬والتركيب أو النحو ‪ syntaxe‬وهذا التمييز ينطلق‬

‫من افتراض أن البنية النحوية هي بنية فطرية وبالتالي فإن اكتساب اللغة ‪،‬كيف ما كانت‪ ،‬يستند إلى وجود‬

‫هذه البنية التركيبية الفطرية التي على أساسها يمكن توليد الداللة‪ ،‬وهذا املجاز الفطري الذي قدرته‬

‫اللسانيات التوليدية يمكن نسخه على اآللة فيصبح النحو ‪ ،la syntaxe‬أو ما يعرف في لغة البرمجة‬

‫املعلوماتية بالبرنامج ‪ ،programme‬األساس الذي يحكم منطق االشتغال الذهني أو املعرفي لكن مع مالحظة‬

‫أساسية وهي أن املعرفية الطبيعية أو اإلنسانية واملعرفية االصطناعية‪ artificielle‬كالهما تشتركان في هذا‬

‫الطابع الفطري‪ ،‬بمعنى أنه لكي يشتغل النظام املعرفي بصيغتيه الطبيعية واالصطناعية‪ ،‬ال بد من وجود‬

‫لغة أو برنامج‪ ،‬فنحن هنا أمام عودة إلى الطرح الديكارتي في العلوم املعرفية فما قدمه ‪ Jerry Fodor‬في هذا‬

‫الجانب شكل محاولة لدمج مشروعين‪:‬‬

‫‪ -‬مشروع النزعة الوظيفية مع ‪Putnam‬‬

‫‪ -‬ومشروع النزعة التمثلية مع تشومسكي‬

‫فيصبح النظام املعرفي نظاما ملعالجة الرموز أو التمثالت‪ ،‬وتفترض في هذا القول مسألتان‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫األولى‪ :‬إن العالم الواقعي هو معطى سلفا ويعاد بناؤه في نظامنا املعرفي على شكل‬ ‫‪‬‬

‫تمثالت‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬إن التمثالت تتميز بجانبين‪ :‬أن لها داللة أو معنى‪ ،‬ولها تركيب أو مقاس‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫وبالتالي فهي عبارة عن رمز يقبل تحققا ماديا يحدده النحو الذي تكتب به ولها داللة‪ ،‬وال يمكن‬

‫للنظام املعرفي أن يلج إلى محتوى الرمز فكل ما يقوم بمعالجته هو طريقة كتابتها (أي املقاس) وليس‬

‫املحتوى‪ ،‬فيصبح النظام املعرفي نظاما قالبيا‪ ،‬وبالتالي كل ما ينبغي أن تهتم به العلوم املعرفية هو‬

‫ذلك املستوى الرمزي في االشتغال‪ ،‬بمعنى أننا أمام نظام معرفي يتكون من ‪ 3‬مستويات‪:‬‬

‫مستوى قاعدي يقوم على مبدأ التنشيط والكف في الوحدات األولية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫مستوى وسيط يتميز بوجود املعالجة الرمزية للمعلومات وبوجود لغة للتفكير‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫مستوى أعلى وهو مستوى املقاصد الواعية واألفعال القصدية أو ما يسميه‬ ‫‪‬‬

‫‪ Fodor‬بالسيرورة املركزية‬

‫فتصبح بذلك السيكولوجيا املعرفية مبحثا علميا قائم الذات يفسر ما هو سيكولوجي بما هو‬

‫سيكولوجي‪ ،‬وبهذا نكون أمام استقاللية تفسيرية للنشاط الذهني بعيدا عن نوعية الحامل‪ ،‬أكان‬

‫طبيعيا أم اصطناعيا‪.‬‬

‫وبالتالي يمكن تلخيص ما قدمته النوعة الوظيفية في ما يلي‪:‬‬

‫‪-1‬املبدأ رقم (‪ ) 1‬الذي يقر باختالفالالحاالت الذهنية عن الحاالت املادية صحيح في حدود‬

‫استخدام الحاالت الذهنية واملادية من صنف النوع (‪)Type‬؛‬

‫‪-2‬املبدأ رقم (‪ )2‬الذي بموجبه الحاالت الذهنية تسبب حاالت مادية صحيح في حدود كون ورود‬

‫حاالت ذهنية (‪ )Occurrences d’états mentaux‬يسبب ورود حاالت مادية ( ‪Occurrences‬‬

‫‪ ،)d’états physiques‬بمعنى أن السببية تتحقق في حاالت الورود وليس في حاالت النوع‪،‬‬

‫‪6‬‬
‫‪-3‬املبدا رقم (‪ )3‬الذي يهم االكتمال السببي النومولوجي للتفسير املادي‪ ،‬يعد صحيحا في حدود‬

‫كون كل ورود حاالت مادية (‪ )p‬له أسباب مادية تامة ومكتملة‪ ،‬ويخضع لقوانين مادية تامة ويقبل‬

‫تفسيرا ماديا تاما‪.‬‬

‫وعليه يبدو أن النزعة الوظيفية قد قدمت جوابا عن عالقة الذهن بالدماغ بالشكل الذي تبدو‬

‫معه املبادئ الثالثة السابقة متجانسة‪ ،‬شرط تطبيق املبدأ (‪ )1‬على حاالت النوع (‪)types d’états‬‬

‫(‪ M‬و‪)P‬؛ واملبدأ (‪ )2‬و(‪ )3‬على حاالت الورود الفردية (‪ ،)occurrences individuelles‬وكذلك األمر‬

‫بالنسبة للمبدأ (‪.)4‬‬

‫لقد حقق هذا اإلنجاز إسهاما كبيرا في فهم النشاط النفس ي وتفسيره‪ ،‬لكن ككل مشروع علمي له‬

‫حدوده‪:‬‬

‫‪ -1‬العائق األول‪:‬‬

‫املعرفية الطبيعية واالصطناعية تفرض نوعا من القيود البنيوية والوظيفية على النظام املعرفي بمعنى‬

‫أن بنية الدماغ أو بنية الحاسوب تفرضان نوعا من القيود البنيوية والوظيفية على كيفية معالجة‬

‫املعلومات‪.‬‬

‫‪ -2‬العائق الثاني‪:‬‬

‫مسألة الداللة فاملعرفية الطبيعية في فهمها للعالم الخارجي ال تأخذ بالضرورة بالبنية التركيبية وإنما‬

‫بالسياق التداولي فجملة من قبيل "أكلت التفاحة الولد" جملة سليمة من الناحية التركيبية وتظل في‬

‫الحاسوبية املعرفية االصطناعية جملة سليمة أيضا بينما املعرفية الطبيعية ال تقبلها‪ ،‬إال إذا سلمنا بوجود‬

‫نوع من التفاح آكل لألطفال‪ .‬إذن فالنظام املعرفي الطبيعي قد يأخذ بالداللة أو املقاس أو بهما معا وهذا‬

‫النقد هو ما عبر عنه ‪ John Searle‬بالغرفة الصينية (‪ ،)La chambre chinoise‬فإذا افترضنا أننا أمام غرفة‬

‫موصدة وبداخلها شخص نقدم له من خالل فتحات أنواعا من البطائق بأشكال وألوان مختلفة وعلى‬

‫البطاقات معلومات مكتوبة باللغة الصينية‪ ،‬وعن كل بطاقة نقدمها نتلقى بطاقة جواب تتماش ى ومضمون‬

‫‪7‬‬
‫البطاقة املقدمة‪ ،‬فإننا نكون اعتقادا بأن الشخص داخل الغرفة يتقن اللغة الصينية؛ ولكن األمر ليس‬

‫كذلك في الواقع حسب القالبية التمثلية حيث إن الشخص ببساطة لديه قاعدة بيانات حول رموز اللغة‬

‫الصينية أو برنامجا أو لغة تهم شكل البطاقات وألوانها وليس محتواها‪.‬‬

‫‪ -3‬العائق الثالث‪:‬‬

‫افتراض أن النظام املعرفي ينبغي أن يدرس انطالقا من املستوى الوسيط وبوجود برنامج قبلي فطري‬

‫يلغي األنا ويجعلنا نتحدث عن ذات في مستوى تحت شخص ي (‪ )subpersonnel‬بمعنى أن هذه الذات‬

‫املعرفية ليست ذاتا حرة وذات إرادة على خالف النظام املعرفي الطبيعي الذي يكون فيه الفاعل املعرفي‬

‫(‪ )Agent cognitif‬هو املسؤول عما ينبغي معالجته‪.‬‬

‫‪ -4‬العائق الرابع‪:‬‬

‫إن املعرفية انطالقا من هذا التصور الحاسوبي التمثلي تفترض في كلتا الحالتين الطبيعية أو‬

‫االصطناعية نوعا من الفطرية بخصوص املعرفية أو التمثالت بينما ما تبرزه جملة من املعطيات أن السياق‬

‫البيئي والثقافي يلعبان دورا أساسيا في تحديد وتشكل املعرفية وفيما ستكون عليه‪ ،‬بمعنى أن النظام املعرفي‬

‫هو حاصل سيرورة من التفاعل بين الذات املعرفية وبين السياق البيئي والثقافي‪.‬‬

‫‪ -5‬العائق الخامس‪:‬‬

‫إن التصور الخطي لالشتغال املعرفي‪ :‬من الترميز إلى التخزين ثم االسترجاع أو الفعل‪ ،‬يجعل من‬

‫الذاكرة شيئا مضافا أو ملكة أو سيرورة من سيرورات االشتغال املعرفي لكن واقع األمر أنه ال وجود للمعرفية‬

‫إال بوجود نظام ذي ذاكرة‪ ،‬فالذاكرة شرط للمعرفية‪ .‬وكذلك افتراض أن املعرفية هي نتاج ملا يحدده الجسم‬

‫والسياق يجعل هذا املنظور الخطي الغيا‪ ،‬فيصبح بناء التمثل موجها ومقادا بما يقدمه اإلدراك والفعل معا‬

‫وبشكل متزامن‪ ،‬مما يجعل الفعل فموجها لالشتغال الذهني وليس نتاج االشتغال(مخرجاته)‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ -1‬العائق السادس‪:‬‬

‫إن افتراض أن املعرفية ذات طبيعة تمثلية رمزية يستند في أساسه إلى نزعة فطرية غير أنه يمكن‬

‫فتراض وجود نماذج معرفية لها القدرة على التعلم الذاتي‪ ،‬وال تتوفر على برنامج معلوماتي مخزن في الجهاز‪،‬‬

‫وإنما تتكون من وحدات بسيطة من النورونات وال وجود للغة للتفكير تحدد اشتغالها‪ ،‬فكل ما تتطلبه هاته‬

‫الوحدات لتشتغل هو مستوى من اإلثارة (عتبة اإلثارة) وبعض املعادالت الرقمية كي تشتغل فتنتج في‬

‫مخرجاتها إجابات متوافقة مع السياق أو مع املدخالت واملخرجات‪ .‬نقول في هذه الحالة إن املعرفية تنبثق‬

‫من النظام املعرفي فيكون السياق محددا ملا يمكن أن يستعمله النظام املعرفي (إشارة إلى النزعة االمبريقية‬

‫مع جون لوك) لكن يمكن كذلك افتراض أن النظام املعرفي هو عبارة عن تجربة ذاتية معيشة خاصة تقوم‬

‫على انبثاق مزدوج ‪ Co émergence‬يستند إلى بناء املوضوع وبناء العالم الخارجي وإعادة تنظيم البنية‬

‫املعرفية فتصبح املعرفية هي تاريخ التفاعل بين ما يقدمه السياق البيئي والثقافي وما يحدده النظام العصبي‬

‫أو االصطناعي فهي نتاج لهذا التفاعل بين الجسم والسياق فنقول إن املعرفية محمولة على الجسم ككل‬

‫ومموضعة في سياق بيئي وثقافي‪.‬‬

‫الغاية من هذا اإلشكال هي مساءلة علم النفس أو كيف نظر علم النفس إلى موضوعه‪ ،‬إن غاية هذا‬

‫الدرس هي محاولة تبيان األسس الفلسفية واالبستيمية لهذا املوضوع أو هذا النقاش لفهم عالقة النفس‬

‫بالجسم وكيف سعت مختلف التصورات التي تبلورت في كنف علم النفس إلى تقديم جواب عن هذه‬

‫العالقة‪ ،‬علما أن املقدمات الفلسفية تشكل خلفية ملدارس علم النفس‪ ،‬لذلك فنحن مطالبون بفهم هذه‬

‫الخلفيات‪.‬‬

‫‪9‬‬

You might also like