You are on page 1of 35

‫فضائل وآداب‬

‫تالوة القرآن‬
‫بسم اهلل الرحمان الرحيم‬
‫إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل‬
‫من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده اهلل فال‬
‫مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال‬
‫اهلل وحده ال شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‬
‫‪ ‬أما بعد؛‬
‫فإننا نحمد اهلل ‪ ‬على نعمة اإلسالم‪ ،‬ونسأل اهلل‬
‫‪ ‬أن يرزقنا وإياكم اإلخالص يف القول والعمل‪ ،‬كما‬
‫نسأله ‪ ‬أن يجعل ذلك يف موازين أعمالنا يوم القيامة‪،‬‬
‫كتابة اليوم بعنوان‪ :‬فضائل وآداب سماع القرآن‪.‬‬
‫وعلو مكانته أمر ال‬
‫ّ‬ ‫إن فضل القرآن العظيم وشرفه‬
‫يخفى على المسلمين‪ ،‬فهو كتاب اهلل ‪ ،‬هو كالم‬
‫خالق الخلق أجمعين‪ ،‬ولقد اقتضت سنة اهلل ‪ ‬يف‬
‫خلقه أن يكون سماعهم واتباعهم للقرآن العظيم سببا‬

‫‪5‬‬
‫ٓ‬
‫فضائل واداب ســماع القران‬
‫لنجاهتم‪ ،‬والبشرية بأسرها يف حاجة إلى نور القرآن‬
‫لتصان كرامة اإلنسان‪ ،‬وأشد الناس احتياجًا إليه هم‬
‫المسلمون‪ ،‬ذلك أهنم ال يستطيعون أن يواجهوا مشاكل‬
‫عصرهم وزماهنم إال بالقرآن العظيم‪ ،‬يعتصمون به‬
‫ويتلونه ويسمعونه ويقيمون أحكامه يف حياهتم‪ ،‬ومن‬
‫هنا كانت أهمية هذا الموضوع ‪-‬موضوع الكتابة‬
‫فضائل وآداب سماع القرآن‪ ،-‬والقرآن هجره كثير‬
‫من المسلمين‪ ،‬هجروا القرآن استماعا‪ ،‬ارتبط استماع‬
‫القرآن يف أذهان كثير من الناس باألحزان والمآتم بل‬
‫أقبل الناس على سمع اللهو والغناء ومزمار الشيطان‪،‬‬
‫وهجروا سماع القرآن العظيم فال حول وال قوة إال باهلل‬
‫العلي العظيم‪.‬‬
‫من هنا تأيت هذه الكتابة لحث المسلمين على الرجوع‬
‫إلى كتاب رهبم وتالوة كالم اهلل ‪ ،‬واالستماع لهذا‬
‫القرآن العظيم‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫االستماع للقرآن العظيم له آداب وله أحكام‪،‬‬
‫فنتكلم من خالل هذه الكتابة عن تعريف السماع لغة‬
‫واصطالحا‪ ،‬وأقسام الناس يف سماع القرآن‪ ،‬ومظاهر‬
‫هجر سماع القرآن‪ ،‬وعدم االستماع له نذكر بعضا‬
‫من آداب استماع القرآن‪ ،‬وبعضا من فضائل استماع‬
‫القرآن‪ ،‬وما هو حكم االستماع للقرآن؟‬
‫يف البداية نذكر تعريف السماع يف لغة العرب‪ ،‬يف‬
‫لسان العرب كل ما ذكره علماء اللغة يف معنى السماع‬
‫قالوا‪ :‬السماع يف اللغة مصدر مشتق من الفعل سمع‬
‫الذي يدل على إدراك شيء باألذن‪ ،‬كما قال ‪ K :‬ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‪[ J‬ق ‪ ،]37 :‬يقال سمع الشيء‬
‫سمعا وسماعا‪ ،‬وقد يجمع على أسماع‪.‬‬
‫أما استعماالت السمع يف القرآن فجاءت لعدة معان‬
‫تتعلق بموضوع الكتابة‪ ،‬فيأيت السمع يف القرآن بمعنى‬

‫‪7‬‬
‫ٓ‬
‫فضائل واداب ســماع القران‬
‫القبول والعمل‪ ،‬كما قال تعالى ‪ K :‬ﭵﭶﭷﭸﭹ‬
‫ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‪[ J‬النَّمل‬

‫‪ ،]81 :‬فهنا بمعنى القبول والعمل تسمع إال من يؤمن هبا‬


‫ما تسمع إال من يؤمن هبا‪ ،‬وأراد باإلسماع ها هنا القبول‬
‫والعمل بما يسمع؛ ألنه إذا لم يقبل ولم يعمل به فهو‬
‫بمنزلة من لم يسمع‪ ،‬أيضا يأيت السمع يف القرآن بمعنى‬
‫االستجابة يأيت السمع يف الشرع بمعنى االستجابة كما‬
‫يف قول المصلي‪ :‬سمع اهلل لمن حمده أي‪ :‬أجاب اهلل‬
‫حمده وتقبله‪ ،‬كما يف دعاء النبي ‪ « :‬اللهم‬
‫إين أعوذ بك من دعاء ال يسمع » (((()‪ ،‬ال يسمع أي ال‬
‫يستجاب وال يعتد به‪ ،‬فكأنه غير مسموع‪ ،‬أيضا يأيت يف‬
‫القرآن السمع يعرب عنه تارة عن األذن كما يف قوله ‪:‬‬
‫‪K‬ﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ‪[ J‬ال َب َق َر ِة ‪ ]٧ :‬أي طبع عليها‬
‫بطابع ال يدخلها اإليمان فال يسمعون ما يفيدهم‪ ،‬ويعرب‬
‫((( رواه الرتمذي (‪ ،)3482‬والنسائي (‪ ،)5467‬وأبو داود (‪ ،)1548‬وابن ماجه‬
‫(‪.)3837‬‬
‫‪8‬‬
‫أيضا بالسمع تارة عن الفعل إدراك الشيء باألذن كما‬
‫ُّ‬
‫[الش َع َراء‪]212 :‬‬ ‫يف قوله ‪ K :‬ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ‪J‬‬
‫يعني عن الفعل‪ ،‬وهكذا يعرب بالسمع تارة عن الفهم‬
‫كما يف قولهم لم تسمع ما قلت أي‪ :‬لم تفهم‪ ،‬وذلك‬
‫أي‬ ‫[ال َب َق َر ِة ‪]285 :‬‬ ‫كما يف قوله تعالى‪K :‬ﮮ ﮯ‪J‬‬
‫فهمنا وسمعنا‪ ،‬هكذا كما يف قول اهلل ‪K :‬ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‪J‬‬
‫[األَن َفال ‪ ]23 :‬أي‪ :‬أفهمهم بأن جعل لهم قوة يفهمون هبا‪.‬‬
‫أما سماع يف اصطالح العلماء فقد عرفه الحافظ‬
‫كما يف مقدمة فيض القدير شرح‬ ‫‪‬‬ ‫المناوي‬
‫الجامع الصغير قال‪« :‬السماع فهم السامع ما كشف‬
‫به من البيان» والمقصود هنا سماع التدبر والتفكر ال‬
‫مجرد السماع‪ ،‬وابن القيم ‪ ‬له كالم أيضا يف كتابه‬
‫مدارج السالكين يقول‪« :‬وحقيقة السماع تنبيه القلب‬
‫على معاين المسموع‪ ،‬وتحريكه عنها طلبا وهربا وحبا‬
‫‪9‬‬
‫ٓ‬
‫فضائل واداب ســماع القران‬

‫ثم أيضا نقول فاالستماع كما مر هو‪:‬‬ ‫وبغضا» (((‪،‬‬


‫قصد السماع بغية فهم المسموع أو االستفادة منه‪،‬‬
‫االستماع للقرآن وقصد السماع بغية فهم المسموع‬
‫واالستفادة من المسوع الذي يتلى‪ ،‬وهنا فائدة الفرق‬
‫بين السماع واالستماع واإلنصات للقرآن‪ ،‬السماع هو‬
‫مجرد استقبال األذن لذبذبات صوتية من مصدر معين‬
‫دون إعارهتا انتباها مقصودا‪ ،‬قد يكون السماع بقصد‬
‫أو بدون قصد‪ ،‬فاإلنسان يسمع كل ما يقال حوله‪ ،‬وقد‬
‫ينتبه إلى ما يسمع وقد ال ينتبه هذا معنى السماع‪ ،‬أما‬
‫االستماع فهو مهارة يعطي فيها المستمع اهتماما خاصا‬
‫اهتماما مقصودا لما تتلقاه أذنه من أصوات‪ ،‬فهو أعلى‬
‫من السماع‪ ،‬ومرتبة االستماع أعلى من السماع ألن‬
‫االستماع البد أن يتوفر فيه القصد‪ ،‬ولذلك أمرنا اهلل‬
‫‪ ‬عند تالوة القرآن إذا تلي القرآن علينا فقال اهلل ‪:‬‬
‫((( مدارج السالكين (‪.)478/1‬‬

‫‪10‬‬
‫‪K‬ﯜ‪[ J‬األَ َعراف ‪ ]204 :‬ولم يقل‪ :‬اسمعوا قال‪K :‬‬
‫ﯜ‪ ،J‬أما اإلنصات فهو مرتبة أعلى من السماع‬
‫واالستماع ألن فيه تركيزا أكرب من االنتباه واإلصغاء‬
‫والسكون من أجل هدف محدد‪ ،‬إ ًذا فيه انتباه إصغاء‬
‫سكون هذا هو اإلنصات؛ لذلك قال ‪K :‬ﯜ‬
‫ﯝﯞ‪[ J‬األَ َعراف ‪ ]204 :‬للقرآن‪ ،‬فاإلنصات هو المرتبة‬
‫األعلى فيه تركيز أكرب تستقبل األذن المسموع‪ ،‬ويعطي‬
‫أيضا المستمع اهتماما خاصا بل يكون فيه تركيز أكرب‬
‫من االنتباه واإلصغاء والسكون‪ ،‬هذه فائدة تتعلق أيضا‬
‫بموضوع سماع القرآن‪.‬‬
‫نتكلم عن مسألة مهمة وهي أقسام الناس يف سماع‬
‫القرآن‪ ،‬انقسم الناس مسلمهم وكافرهم برهم وفاجرهم‬
‫يف سماعهم للقرآن إلى أربعة أصناف‪ ،‬كما أشار إلى‬
‫ذلك شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ ‬يف مجموع الفتاوى‬
‫(أول المجلد السادس عشر يف ست صفحات) تكلم‬
‫‪11‬‬
‫ٓ‬
‫فضائل واداب ســماع القران‬
‫عن أقسام الناس يف سماع القرآن‪:‬‬
‫ممتنع‬
‫ٌ‬ ‫معرض‬
‫ٌ‬ ‫الصنف األول من األصناف األربعة‪:‬‬
‫عن سماع القرآن‪ ،‬وهؤالء هم أئمة الكفر كما قال اهلل‬
‫‪ ‬فيهم‪ K :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ‪ُ [ J‬ف ِّص َلت‪ ،]٢٦ :‬هؤالء أئمة الكفر معرض‬
‫ممتنع عن سماع القرآن هذا الصنف األول‪.‬‬
‫الصنف الثاين‪ :‬سمع الصوت ولم يفقه المعنى‪،‬‬
‫وهؤالء هم عامة الكفار من المشركين وأهل الكتاب‬
‫والمنافقين‪ ،‬وأمثلة ذلك كثيرة يف اآليات القرآنية‪ ،‬قال‬
‫‪K :‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ﯮ ﯯ ﯰ‪[ J‬األَن َعام ‪ ]٢٥ :‬إلى آخر هذه اآليات‪ ،‬مثل‬
‫هؤالء يسمعون الصوت وال يفقهون المعنى‪ ،‬وهؤالء‬
‫‪‬‬ ‫من شرار الدواب؛ ألن اهلل‬ ‫‪‬‬ ‫شر عند اهلل‬
‫ٌ‬
‫أعطاهم أسماعا وأبصارا وأفئدة ليستعملوها يف طاعة‬

‫‪12‬‬
‫اهلل‪ ،‬فاستعملوها يف معاصيه هؤالء ال خير فيهم‪ ،‬كما‬
‫قال اهلل ‪K :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ‪[ J‬األَن َفال ‪ ،]٣٢ - ٢٢ :‬فدلت اآليات‬
‫على أنه ليس كل من سمع وفقه يكون فيه خير بل قد‬
‫يكون يفقه وال يعمل بعلمه وال ينتفع به وال يكون فيه‬
‫خير‪.‬‬
‫الصنف الثالث من أقسام الناس يف سماع القرآن‪:‬‬
‫فقه المعنى ولم يقبله‪ ،‬وهؤالء اليهود كما أخرب اهلل‬
‫‪ ‬عنهم‪K :‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ‪[ J‬الن َِّساء ‪ ]٤٦ :‬إ ًذا هؤالء فقهوا المعنى ولم‬
‫يقبلوه‪ ،‬وال يقتصر األمر على اليهود فقط يف هذا الصنف‬
‫الثالث من فقه المعنى ولم يقبله ولم يقبل القرآن‪ ،‬ال‬

‫‪13‬‬
‫ٓ‬
‫فضائل واداب ســماع القران‬
‫يقتصر على هؤالء‪ ،‬ففي عالمنا اليوم نجد طوائف من‬
‫العلمانيين والعقالنيين وغيرهم الذين يفقهون المعنى‬
‫وال يقبلونه‪ ،‬منهم من يفقه المعنى ولم يقبله‪.‬‬
‫الصنف واألخير من أقسام الناس يف سماع القرآن‪:‬‬
‫سمع القرآن سماع فقه وقبول‪ ،‬هؤالء هم المؤمنون‬
‫بالقرآن العظيم‪ ،‬منقادون له ظاهرا وباطنا‪ ،‬وقد أثنى اهلل‬
‫‪ ‬عليهم يف مواضع كثيرة يف القرآن‪ ،‬منها قوله ‪:‬‬
‫‪K‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫[المائـِدَ ة ‪ ،]٨٣ :‬واهلل ‪ ‬يقول‪ K :‬ﭣ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‪َ J‬‬

‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ‬
‫[التَّو َبة ‪]١٢٤ :‬‬ ‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‪J‬‬
‫آيات كثيرة‪ ،‬هذه أقسام الناس يف سماع القرآن‪.‬‬
‫نتكلم عن مظاهر هجر القرآن وعدم االستماع له‪،‬‬
‫ما هي مظاهر عدم االستماع للقرآن؟ من مظاهر هجر‬

‫‪14‬‬
‫استماع القرآن لدى الكفار تارة باإلعراض عن سماع‬
‫عنهم يف كتابه‪ K :‬ﮊ ﮋ‬ ‫‪‬‬ ‫القرآن‪ ،‬كما أخرب اهلل‬
‫[ال َكهف‬ ‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‪J‬‬
‫‪ ]٥٧ :‬إ ًذا من مظاهر هجر استماع القرآن لدى الكفار‬
‫اإلعراض عن سماع القرآن االستكبار عن سماع‬
‫القرآن‪ ،‬كما قال تعالى‪ K :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫‪ُ [ J‬ل َقمان ‪ ،]٧ :‬االستكبار عن سماع القرآن‪ ،‬ومن مظاهر‬
‫هجرة القرآن لدى الكفار‪ :‬التواصي بعدم سماع القرآن‬
‫قال تعالى‪ K :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ‪ُ [ J‬ف ِّص َلت ‪ ]26 :‬ال تستمعوا يتواصون بعدم‬
‫سماع القرآن‪ ،‬ومن مظاهر أيضا هجر سماع القرآن‬
‫عند الكفار التعامي التصا ّم عن القرآن‪ ،‬قال تعالى‪K :‬‬
‫ﰙ ﰚ ﰛ ﰜﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﰣ ﰤ‪J‬‬

‫‪15‬‬
‫ٓ‬
‫فضائل واداب ســماع القران‬
‫[ ُيونُس ‪ ،]42 :‬وهكذا أيضا من المظاهر االستهزاء حال‬
‫سماع القرآن‪ ،‬قال ‪ K :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫‪ ،]31‬استهزاء عند سماع القرآن‬ ‫[األَن َفال ‪:‬‬ ‫ﯕ‪J‬‬
‫الضجر والتأفف‪ ،‬بغض سماع القرآن وكراهية قارئه‪،‬‬
‫وهكذا التهاون والتغافل عن سماع الوحي‪ ،‬هذه كلها‬
‫مظاهر هجر استماع القرآن لدى الكفار‪.‬‬
‫أما مظاهر هجر استماع القرآن لدى المسلمين؛ ألن‬
‫هجر استماع القرآن ال يقتصر على الكفار أو المنافقين‬
‫بل يتعداه إلى فئات من المسلمين الذين تشبهوا هبؤالء‬
‫بإعراضهم عن سماع القرآن مع إيماهنم به‪ ،‬وهذا‬
‫اإلعراض عن سماع القرآن لدى المسلمين يف عدة‬
‫مظاهر‪:‬‬
‫فمن مظاهر هجر استماع القرآن لدى المسلمين‬

‫‪16‬‬
‫التشاغل بالغناء والمعازف عن استماع القرآن‪ ،‬وابن‬
‫فصل كثيرا يف هذه المسألة كما يف إغاثة‬
‫القيم ‪ّ ‬‬
‫اللهفان‪ ،‬ووصف لنا تأثير الغناء على الناس يف صدهم‬
‫عن استماع القرآن العظيم‪ ،‬فقال ‪« :‬ومن مكايد‬
‫عدو اهلل ومصايده‪ ،‬التي كاد بها من ّ‬
‫قل نصيبه من العلم‬
‫والعقل والدين‪ ،‬وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين‪،‬‬
‫سماع المكاء‪ ،‬والتصدية‪ ،‬والغناء باآلالت المحرمة‪،‬‬
‫الذي يصد القلوب عن القرآن» (((‪،‬إلى أخر كالمه‪،‬‬
‫أيضا يف موضع آخر أيضا‬ ‫‪‬‬ ‫ويضيف ابن القيم‬
‫من كتابه إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان‪ ،‬قال هناك‬
‫‪ ‬مبينا الفرق بين ذوق السابقين من السلف الصالح‬
‫المتمثل يف حب استماع القرآن وبين المتأخرين‪ ،‬كثير‬
‫من المتأخرين المتمثل يف حب سماع مزمار الشيطان‬
‫قال‪ :‬والسلف الصالح كانوا يجدون األذواق الصحيحة‬

‫((( إغاثة اللهفان (‪ 344/1‬وما بعدها)‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫ٓ‬
‫فضائل واداب ســماع القران‬
‫المتصلة باهلل يف األعمال الصحيحة المشروعة ويف‬
‫وتدبره واستماعه ويف مزاحمة‬ ‫‪‬‬ ‫قراءة كتاب اهلل‬
‫العلماء بالركب وإلى غيرها إلى آخر كالمه‪ ،‬ويقارن‬
‫بين هؤالء الذين يستمعون القرآن وبين غيرهم من‬
‫استبدل سماع القرآن بسماع المعازف والغناء وغيرها‪،‬‬
‫ومن أراد يرجع إلى كالمه يرجع يف إغاثة اللهفان يف‬
‫المجلد األول‪.‬‬
‫إ ًذا من مظاهر هجر سماع القرآن لدى المسلمين‬
‫التشاغل بالغناء والمعازف عن استماع القرآن‪ ،‬كذلك‬
‫أيضا سماع الطرب‪ ،‬من مظاهر هجر استماع القرآن‬
‫طرب السماع إلى صوت القارئ‪ ،‬القارئ للقرآن‬
‫االنفعال بجمال الصوت وعذوبته االشتغال به‪ ،‬سماع‬
‫الصوت سماع الطرب هذا‪ ،‬االستماع به عن تدبر آياته‬
‫واالنتفاع به فال يتعظون يف مواضع العظة وال ينتهون‬
‫يف مواضع النهي بل أشد من ذلك تراهم ينفعلون برفع‬

‫‪18‬‬
‫األصوات بعبارات مثل‪ :‬اهلل اهلل‪ ،‬اهلل يفتح عليك يا‬
‫سالم زدنا يا سيدنا‪ ،‬وهكذا يقولون‪ ،‬هذا سماع الطرب‬
‫ألنه يطرهبم فال يستمعون القرآن استماع فهم وتدبر‪،‬‬
‫وإنما استماع سماع صوت القارئ االنفعال بجمال‬
‫الصوت‪ ،‬وهذا أيضا مظهر من مظاهر هجر استماع‬
‫القرآن‪ ،‬كذلك من المظاهر التشاغل عن استماع‬
‫القرآن تراهم يتحدثون يضحكون ربما تلفظوا ببذيء‬
‫الكالم والقرآن يتلى على مسامعهم أو يلعبون النرد أو‬
‫األلعاب األخرى والقرآن يتلى أو يسب أحدهم اآلخر‬
‫ويشتم والقرآن يتلى على مسامعه‪ ،‬التشاغل عن استماع‬
‫القرآن‪ ،‬القرآن يتلى وهم مشغولون عنه‪ ،‬هذا مظهر من‬
‫مظاهر هجر استماع القرآن‪ ،‬فنسأل اهلل ‪ ‬أن يهدي‬
‫الجميع إلى الرجوع إلى سماع القرآن الكريم‪.‬‬
‫نأيت أيضا لمسألة أخرى‪ :‬آداب استماع القرآن‪ ،‬ال‬
‫أمر النبيين والمؤمنين باالستماع‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫شك أن اهلل‬

‫‪19‬‬
‫ٓ‬
‫فضائل واداب ســماع القران‬
‫يقول‪ K :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬ ‫‪‬‬ ‫واهلل‬
‫ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ‬
‫‪K،]٢‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬ ‫[األَن َفال ‪:‬‬ ‫ﭶ ﭷ‪J‬‬
‫ﭳ ﭴ ‪ J‬فهذا أمر وترغيب يف االستماع للقرآن‬
‫االستماع الصحيح‪ ،‬بل من أهل العلم كسفيان الثوري‬
‫وغيره قد جعل بداية العلم المؤدي إلى العمل جعل‬
‫االستماع الصحيح للقرآن هو بداية العلم المؤدي إلى‬
‫العمل‪ ،‬قال ‪« :‬أول العلم االستماع‪ ،‬ثم اإلنصات‬
‫ثم الحفظ ثم العمل ثم النشر» (((‪ ،‬إ ًذا القارئ والسامع‬
‫شريكان يف فضل التالوة وآداهبا إال أن القارئ النشغاله‬
‫بنطق اآليات ومخارج الحروف وحرصه على النطق‬
‫الصحيح وخوفه الخطأ وخاصة إذا كانت قراءته يف‬
‫جمع من الناس‪ ،‬فله آداب والقارئ آلته اللسان‪ ،‬أما‬

‫((( ذكره الحافظ ابن حجر يف فتح الباري (‪ ،)287/1‬وجاء بسند صحيح عند الدارمي‬
‫يف السنن رقم (‪ )1071‬يف بعض النسخ‪ ،‬ورقم (‪ )330‬بلفظ آخر بسند صحيح‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫المستمع فآلته األذن يسمع من أذنه التي تصب يف‬
‫القلب والعقل‪ ،‬فأذنه تسبق قلبه فلهذا االعتبار له آداب‬
‫خاصة بالمستمع وبشكل عام أن آداب االستماع هي‬
‫آداب التالوة مع بعض الفروق بينهما بسبب ظروف‬
‫السماع‪.‬‬
‫وقد ذكر العلماء آداب استماع القرآن منها‪ :‬تعظيم‬
‫المتكلم ينبغي لسامع القرآن أن يحضر هو يف قلبه‬
‫المتكلم فهو رب األرباب مالك كل شيء قيوم‬
‫السموات واألرض سبحانه وتعالى‪ ،‬القارئ يستحضر‬
‫يف قلبه عظمة المتكلم ‪ ،‬يستحضر صفات الكمال‬
‫والجمال والجالل يف قلبه وهو يستمع إلى كالم رب‬
‫العزة سبحانه وتعالى‪ ،‬هذا األدب مهم جدا من آداب‬
‫استماع القرآن تعظيم المتكلم‪.‬‬
‫األدب الثاين‪ :‬استشعار عظمة الكالم وعلوه‪ ،‬يستشعر‬
‫عظمة القرآن أن العظمة للقرآن هي من عظمة المتكلم‬
‫‪21‬‬
‫ٓ‬
‫فضائل واداب ســماع القران‬
‫به سبحانه وتعالى‪ ،‬فهو ليس كالم البشر ال يقاربه كالم‬
‫أحد من البشر بوجه من الوجوه كالم رب العالمين‪،‬‬
‫يستشعر عند االستماع للقرآن تعظيم المتكلم استشعار‬
‫عظمة الكالم وعلوه‪.‬‬
‫األدب الثالث‪ :‬حضور القلب عند السماع‪ ،‬حضور‬
‫القلب يكون القلب متأهبا يف شوق إلى تلقي ما تسمعه‬
‫األذن‪ ،‬ال ينصرف عنه فقد تكون األذن سامعة والقلب‬
‫مشغول هبموم أو بخواطر‪ ،‬لذلك ينبغي على مستمع‬
‫القرآن أن يطرد حديث النفس أثناء استماعه‪.‬‬
‫األدب الرابع من آداب استماع القرآن‪ :‬تدبر المسموع‬
‫بعد حضور القلب مباشرة ربما ال يتفكر يف غير القرآن‬
‫لكنه يقتصر على سماعه دون تدبر المقصود األعظم‬
‫من القراءة والسماع هو التدبر‪ ،‬تدبر القرآن والناس‬
‫‪‬‬ ‫يف انتفاعهم بالقرآن أحوال ذكرها ابن القيم‬

‫‪22‬‬
‫أيضا يف كتابه مدارج السالكين(((()‪ ،‬نذكرها باختصار‬
‫أحوال الناس يف انتفاعهم بالقرآن‪ ،‬قال ‪ :‬الناس‬
‫ثالثة‪ :‬رجل قلبه ميت فذلك الذي ال قلب له فهذه‬
‫ليست اآلية ذكر يف حقه‪ ،‬الثاين‪ :‬رجل له قلب حي‬
‫مستعد لكنه غير مستمع لآليات المتلوة قلبه مشغول‬
‫عنها بغيرها فهو غائب القلب ليس حاضرا‪ ،‬هذا أيضا‬
‫ال تحصل له الذكرى مع استعداده ووجود قلبه‪ ،‬رجل‬
‫له قلب حي مستعد لكنه غير مستمع لآليات المتلوة‬
‫هذا الثاين‪ ،‬الثالث يقول‪ :‬رجل حي القلب مستعد تليت‬
‫عليه اآليات فأصغى بسمعه وألقى السمع وأحضر‬
‫قلبه ولم يشغله بغير فهم ما يسمعه‪ ،‬فهو شاهد القلب‬
‫ملقي السمع‪ ،‬فهذا القسم هو الذي ينتفع باآليات‬
‫المتلوة‪ ،‬فاألول رجل قلبه ميت األول يقول بمنزلة‬
‫األعمى الذي ال يبصر‪ ،‬الثاين الذي هو رجل له قلب‬

‫((( مدارج السالكين (‪.)475/1‬‬

‫‪23‬‬
‫ٓ‬
‫فضائل واداب ســماع القران‬
‫حي مستعد لكنه غير مستمع لآليات الثاين يقول‪:‬‬
‫بمنزلة البصير الطامح ببصره إلى غير جهة المنظور إليه‬
‫فكالهما ال يراه‪ ،‬الثالث كما أشار هو رجل حي القلب‬
‫مستعد تليت عليه اآليات فأصغى بسمعه وألقى السمع‬
‫وأحضر قلبه لم ينشغل بغيره فهم ما يسمعه هذا الثالث‬
‫يقول‪ :‬بمنزلة البصير الذي قد حدق إلى جهة المنظور‬
‫وأتبعه بصره وقابله على توسط من البعد والقرب فهذا‬
‫هو الذي يراه‪.‬‬
‫أيضا من آداب استماع القرآن ذكرنا أربعة‪ :‬تعظيم‬
‫المتكلم‪ ،‬استشعار عظمة الكالم وعلوه‪ ،‬حضور القلب‬
‫عند السماع‪ ،‬تدبر المسموع‪.‬‬
‫الخامس من آداب استماع القرآن‪ :‬تفهم اآليات‬
‫المسموعة‪ ،‬يتأمل معاين أسماء اهلل تعالى وصفاته‬
‫وأفعاله‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫األدب السادس‪ :‬التخلي عن موانع الفهم ألن كثيرا‬
‫من الناس من يتلو القرآن أو يستمع للقرآن لكن توجد‬
‫موانع للفهم‪ ،‬أن تكون الهمة منصرفة إلى تحقيق‬
‫الحروف‪ ،‬يستمع السامع وهمه منصرف إلى تتبع‬
‫القارئ كيف يخرج الحروف من مخارجها‪ ،‬هذه‬
‫من موانع الفهم للقرآن‪ ،‬يكون مقلدا لمذهب سمعه‬
‫بالتقليد جمد عليه ثبت يف نفسه التعصب له بمجرد‬
‫االتباع للمسموع من غير وصول إليه بصيرة ومشاهدة‪،‬‬
‫يقلد مذهبا سمعه يقلد هذا المقلد لمذهب جمد عليه‪،‬‬
‫فهذا من موانع الفهم‪ ،‬أو أن يكون مصرا على ذنب‬
‫متصفا بكرب أو مبتلى هبوى يف الدنيا مطاع بسبب ظلمة‬
‫القلب فيه صدأ يف قلبه هذا من موانع فهم القرآن‪ ،‬يعتقد‬
‫حصر معاين آيات القرآن فيما تلقنه من تفسير‪ ،‬ال ينظر‬
‫إلى التفاسير األخرى ال يفهم المعنى إال بفهم واحد‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫ٓ‬
‫فضائل واداب ســماع القران‬
‫األدب السابع من آداب استماع القرآن‪ :‬أن يقدر يف‬
‫نفسه أنه هو المقصود بكل آية سمعها فإن سمع أمرا‬
‫أو هنيا فليستشعر أنه المقصود بذلك األمر أو النهي‪ ،‬إن‬
‫سمع وعدا أو وعيدا قدر كذلك أنه الموعود أو المتوعد‬
‫وإن سمع قصص األولين يف القرآن قدر أنه المقصود‬
‫بسياق العرب والعظات وحسن األخالق التي هبا يقوم‬
‫نفسه على هداها‪ ،‬إ ًذا هذا أدب مهم للمستمع للقرآن‬
‫يقدر يف نفسه أنه المقصود بكل آية سمعها‪ ،‬وقد أكد‬
‫هذا المعنى اإلمام ابن القيم ‪ ‬بقوله‪« :‬إذا أردت‬
‫االنتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تالوته وسماعه‪،‬‬
‫وألق سمعك واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به‬
‫سبحانه منه إليه فإنه خاطب منه لك على لسان رسوله‬
‫‪. ((( »‬‬
‫ثامنا من آداب استماع القرآن‪ :‬التأثر باآليات‬
‫((( الفوائد (ص‪.)15‬‬

‫‪26‬‬
‫المسموعة‪ ،‬يتأثر قلبه باآليات فإذا سمع آيات الرتهيب‬
‫خاف‪ ،‬يرتعد خوفا عند الوعيد وذكر النار ويستبشر‬
‫يطأطئ رأسه خضوعا‬
‫ُ‬ ‫فرحا عند الوعد وذكر الجنة‪،‬‬
‫عند ذكر اهلل تعالى وأسمائه وصفاته‪ ،‬يخفض صوته‬
‫وينكسر يف باطنه حياء من قبح مقالة الكفار ما يستحيل‬
‫على اهلل ‪ ،‬كذكرهم هلل تعالى ولدا وصاحبة وغير‬
‫ذلك من األمور الدالة على عدم تعظيمهم هلل تعالى‪.‬‬
‫تاسعا من آداب اجتماع القرآن‪ :‬الترقي يف استماع‬
‫القرآن‪ ،‬يرتقى إلى أن يسمع الكالم من اهلل تبارك وتعالى‬
‫ال من نفسه إن كان قارئا وال من غيره إن كان سامعا‪.‬‬
‫وأخيرا من آداب االستماع للقرآن‪ :‬التبرؤ من الحول‬
‫والقوة حال السماع؛ إذ حول وال قوة إال باهلل العلي‬
‫العظيم‪ ،‬يتحاشى النظر إلى نفسه بعين الرضا والتزكية‪،‬‬
‫فإذا سمع آيات الوعد والمدح للصالحين فال يشهد‬
‫لنفسه بالصالح بل يتشوق إلى أن يلحقه اهلل ‪ ‬هبم‪،‬‬
‫‪27‬‬
‫ٓ‬
‫فضائل واداب ســماع القران‬
‫وإذا سمع آيات المقت وذم العصاة والمقصرين شهد‬
‫على نفسه وقدر أنه المخاطب خوفا وإشفاقا‪ ،‬هذه‬
‫آداب عشرة من آداب االستماع للقرآن‪.‬‬
‫ٌ‬
‫نذكر بعضا من فضائل استماع القرآن يف أواخر هذه‬
‫الكتابة‪.‬‬
‫من فضائل استماع القرآن‪ ،‬هذا القرآن العظيم‬
‫متعبد بسماعه ألنه كتاب مبارك ومن بركة أنه مصدر‬
‫للخير العميم‪ ،‬فهو أيضا يتعبد بسماع القرآن‪ ،‬وكان‬
‫‪ ‬يحب أن يسمع القرآن من غيره‪ ،‬وأمر عبد‬
‫اهلل ابن مسعود أن يقرأ عليه القرآن ويستمع له‪ ،‬فخشع‬
‫‪ ‬لسماع القرآن منه‪ ،‬طلب استماع القرآن من‬
‫القارئ حسن الصوت الذي يجيد التالوة أمر متفق على‬
‫استحبابه‪ ،‬فهو عادة األخيار والصالحين من سلف هذه‬
‫األمة‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫استماع القرآن من فضائله أنه سبب لرحمة اهلل ‪،‬‬
‫قال ‪K :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫فاستماع القرآن سبب‬ ‫[األَ َ‬
‫عراف ‪]٢٠٤ :‬‬ ‫ﯟ ﯠ‪J‬‬
‫للعبد‪ ،‬استماع القرآن سبب لهداية‬ ‫‪‬‬ ‫لرحمة اهلل‬
‫الثقلين‪ ،‬اهلل ‪ ‬بين ذلك أن هذا القرآن مصدر الهداية‬
‫يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬من تمسك به تالوة واستماعا وتدبرا‬
‫وعمال فلن يضل ولن يشقى‪ ،‬كما قال ‪ K :‬ﭟ‬
‫ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ‬
‫سراء ‪ ،]٩ :‬وهكذا أيضا‬ ‫ِ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‪[ J‬اإل َ‬
‫من فضائل االستماع للقرآن أنه سبب لخشوع القلب‬
‫وبكاء العين‪ ،‬المؤمنون عند تالوهتم لكتاب اهلل أو‬
‫استماعهم تخشع قلوهبم تذرف عيوهنم يقبلون على‬
‫رهبم راغبين راهبين‪ ،‬ومن ذنوهبم مستغفرين‪ ،‬هذا أمر‬
‫مهم جدا‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫ٓ‬
‫فضائل واداب ســماع القران‬
‫نتكلم يف مسألة أخيرة من خالل هذه الكتابة عن‬
‫حكم االستماع للقرآن‪ ،‬فاألصل أن االستماع إلى‬
‫القرآن الكريم حين يقرأ هذا واجب‪ ،‬هذا هو األصل إن‬
‫لم يكن هناك عذر مشروع لرتك االستماع‪،‬‬
‫وهذا القول هو قول أكثر المفسرين واستدلوا بقول‬
‫اهلل ‪K :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫‪‬‬ ‫ﯟ ﯠ‪[ J‬األَ َعراف ‪ ،]٢٠٤ :‬هذا أمر من اهلل‬
‫فهذا هو األصل أنه واجب‪ ،‬االستماع للقرآن إذا تلي‬
‫إال من كان عنده عذر مشروع لرتك االستماع وسنشير‬
‫إلى بعض هذه األعذار‪ ،‬فهذا الوجوب الذي ذكره أهل‬
‫العلم وأكثر المفسرين مستدلين هبذه اآلية هو مطلق‬
‫أو مقيد عند أهل العلم؟‪ ،‬وال شك أنه مقيد قد يؤدي‬
‫حمل هذه اآلية على ظاهرها والقول بالوجوب إلى‬
‫حرج‪ K :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫فاآلن إذا تلي القرآن وحملنا‬ ‫[األَ َ‬
‫عراف ‪]٢٠٤ :‬‬ ‫ﯠ‪J‬‬

‫‪30‬‬
‫هذا األمر بمطلقه على الوجوب يكون فيه حرج‪ ،‬قد‬
‫يقرأ هذا القرآن بمحضر صانع يف صنعته ويشتغل يف‬
‫صنعته ويتلى القرآن‪ ،‬فهذا يرتك صنعته ويستمع إذا قلنا‬
‫بالوجوب فيه حرج‪ ،‬أو مدرس مدرسة يشرح للطالب‬
‫وتلي القرآن فيرتك تدريس هذا فيه حرج‪ ،‬أو يف الجامعة‬
‫مثال فلو وجب عليهم وعلى أمثالهم االستماع وجوبا‬
‫مطلقا لوقع الناس يف الحرج‪ ،‬وخاصة ما نراه أحيانا‬
‫من قراءة القرآن يف المساجد ويف الشوارع وعند بائعي‬
‫أشرطة التسجيل‪ ،‬ثم قد يقرأ قارئ يف الصالة جهرا فهل‬
‫يجب على الناس االستماع له‪ ،‬ربما وقعت التالوة‬
‫بصوت مرتفع يف أماكن االشتغال يكون السامع يف حالة‬
‫اشتغال كاألسواق التي بنيت لتعاطي أسباب الرزق‪ ،‬أو‬
‫البيوت يف حالة انشغال أهل البيت يف الكنس والطبخ‬
‫والتنظيف وغير ذلك‪ ،‬هكذا نجد صورا كثيرة يقرأ فيها‬
‫القرآن جهرا وال يمكن الجمع بين استماع القرآن وأداء‬

‫‪31‬‬
‫ٓ‬
‫فضائل واداب ســماع القران‬
‫المصالح األخرى‪ ،‬ال يمكن الجمع بينها يف آن واحد‬
‫قلبين يف جوف البشر‪ ،‬ولذلك‬ ‫‪‬‬ ‫فلم يجعل اهلل‬
‫فاآلية ليست على عمومها الظاهر مطلقا‪ ،‬والخالصة‬
‫من كالم أهل العلم بالنسبة لالستماع للقرآن يمكن‬
‫الجمع بين األقوال يف مسألة اإلنصات للقرآن بأن‬
‫يقال االستماع واإلنصات للقرآن يدور حكمه بحسب‬
‫المقام الذي يقرأ فيه‪ ،‬فإن كان يف الصالة أو كان هذا‬
‫المقام مقام قراءة للقرآن‪ ،‬كأن تنتفي عن السامع موانع‬
‫اإلنصات يجب عليه االستماع واإلنصات‪ ،‬أما ما عدا‬
‫ذلك من األحوال المختلفة التي يتنقل بينها المسلم من‬
‫عمل أو حديث أهل أو جلوس على طعام‪ ،‬أو تدارس‬
‫للفقه أو العلم يف المساجد والمدارس والجامعات‬
‫أو ما أشبه ذلك‪ ،‬فاالستماع واإلنصات يستحب وال‬
‫يجب‪ ،‬ويعذر المستمع برتك االستماع لتالوة القرآن‪،‬‬
‫وال يكون آثما بذلك وإنما سقط إثم ترك االستماع‬

‫‪32‬‬
‫للقرآن يف حاالت االشتغال دفعا للحرج عن الناس‪،‬‬
‫[الحج‬
‫َ‬ ‫كما قال ‪K :‬ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‪J‬‬
‫‪. ]٧٨ :‬‬
‫هذا ما أردنا أن نذكره من خالل هذه الكتابة تذكيرا‬
‫لنا ولكم بأهمية االستماع للقرآن العظيم‪ ،‬ذكرنا‬
‫تعريف االستماع لغة وأشرنا إلى أقسام الناس يف سماع‬
‫القرآن‪ ،‬وذكرنا بعضا من مظاهر هجر استماع القرآن‬
‫وآداب استماع القرآن‪ ،‬وفضائل استماع القرآن وحكم‬
‫االستماع للقرآن‪.‬‬
‫نسأل اهلل ‪ ‬أن يفقهنا وإياكم يف ديننا‪ ،‬كما نسأله‬
‫أن يحفظ بالدنا وبالد المسلمين من كل سوء‬ ‫‪‬‬

‫أن يوفق والة أمورنا لما يحبه‬ ‫‪‬‬ ‫وفتنة‪ ،‬نسأل اهلل‬
‫ويرضاه‪ ،‬وأن يرزقهم البطانة الصالحة‪ ،‬اللهم إنا‬
‫نسألك علما نافعا وقلبا خاشعا ودعاء مستجابا‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫ٓ‬
‫فضائل واداب ســماع القران‬
‫ربنا آتنا يف الدنيا حسنة ويف اآلخرة حسنة وقنا عذاب‬
‫النار‪ ،‬وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى‬
‫محمد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫اهلل على ّ‬

‫‪34‬‬
35

You might also like