You are on page 1of 3

‫مفهوم الفضاء العمومي‪:‬‬

‫أخذ يورغن هابرماس ‪ (...-Jürgen Habermas ( 1929‬مفهوم الفضاء العمومي (‪(espace public‬‬
‫عن كانط ‪ E.Kant‬الذي قال به و تم استعماله بكثرة في مجال التحليل السياس ي منذ سبعينيات‬
‫القرن املاض ي‪ ،‬فهو الفضاء الوسطي الذي ّ‬
‫تكون تاريخيا في زمن األنواربين املجتمع املدني و الدولة ‪،‬‬
‫إنه أيضا املكان املتاح مبدئيا لجميع املواطنين حيث بإمكانهم االجتماع لتكوين رأي عام‪.‬‬
‫لم يشرع الفكرالنقدي في الفلسفة في تناول موضوع الفضاء العمومي كمبحث إال في القرن التاسع‬
‫عشر‪ ،‬جاء ذلك في خضم االتجاهات التي ظهرت و تهم تحليل الهيمنة التي مارستها املؤسسات‬
‫الرسمية في سعيها لبسط نفوذها عبرالقول بمركزية سلطتها و شد الفرد إليها ألجل احتو ائه‪.‬‬

‫كتاب " الفضاء العمومي‪ :‬حفرية العمومية (‪ (publicité‬كبعد مكون للمجتمع البورجوازي " هو‬
‫موضوع أطروحة هابرماس في السوسيولوجيا بجامعة ماربورغ بأملانيا في ‪ ، ]ii[ 1961‬عبارة عن‬
‫دراسة لبنية و وظيفة النموذج الليبرالي للفضاء العمومي البورجوازي في أوروبا‪ ،‬يحلل فيه ظهور هذا‬
‫النموذج و تحوالته التاريخية منذ العصرالهليني مرورا بالعصرالروماني حتى العصرالحديث‪ ،‬و‬
‫ُيبعد من الدراسة ما يسمى الفضاء العمومي العامي ""‪ ]Plébéien ]iii‬الذي بقي مستترا مع مرور‬
‫الزمن‪ ،‬وتفحص الدراسة أيضا املظاهرالعامة للعناصرالليبرالية املكونة للرأي العام البورجوازي‬
‫والتحوالت التي خضع لها في إطارالدولة االجتماعية بأوروبا [‪ ]iv‬وهو مزيج من "فينومينولوجيا‬
‫الروح" لهيجل ‪ F.Hegel‬والنقد اإليديولوجي الذي قام به ماركس ‪ ، K.Marx‬أبرز هابرماس من‬
‫خالله اغتراب الوعي الجماعي (هيجل( داخل الدعاية و التفكك البنيوي للسلطة (ماركس( [‪.]v‬‬

‫يعرف هابرماس الفضاء العمومي البورجوازي كفضاء ألشخاص خاصين مجتمعين على شكل عموم‪،‬‬
‫هؤالء األشخاص يدافعون عن هذا الفضاء العمومي املنظم من طرف السلطة‪ ،‬وهم في نفس الوقت‬
‫ضدها‪ ،‬وذلك من أجل نقاش القواعد العامة للتبادل في ميدان تبادل السلع والعمل االجتماعي (‬
‫املجال الذي بقي خاصا وأهميته ذات بعد عام (‪ ،‬وسيط هذا التعارض بين الفضاء العمومي والسلطة‬
‫هو وسيط أصلي ال سابق تاريخيا‪ ،‬إنه االستخدام العمومي للعقل أو‪:‬‬
‫مثلت العمومية عند كانط‪ ،‬السلطة الوحيدة القادرة على ضمان وحدة السياسة واألخالق‪ ،‬ويعتبر‬
‫االستخدام العمومي للعقل بالنسبة إليه‪ ،‬شأنا خاصا للعلماء وبالخصوص العلماء الذين يقومون‬
‫]‪ ،‬من هذا املنطلق يرى كانط أن االستخدام العمومي ‪vii‬بإعداد مبادئ العقل الخالص أي الفالسفة [‬
‫للعقل الخاص بنا يجب أن يكون حرا وهو الوحيد القادرعلى جلب األنواربين الناس واستخدامه‬
‫الخاص يجب أن يكون محدودا جدا‪ ،‬غيرذلك فإنه يؤدي إلى عرقلة األنوار‪.‬‬

‫منحى آخرفي فهم ‪Francfort‬اتخذ هابرماس‪ ،‬كأبرز مفكري الجيل الثاني ملدرسة فر انكفورت‬
‫] و أنه ‪"viii‬األنوار" الذي تعتبر"الحداثة" مظهره األساس ي‪ ،‬معتبرا هاته األخيرة "كمشروع لم ينجز"[‬
‫أسيئ فهم األنوار‪ ،‬مخالفا اتجاه اآلباء األو ائل للمدرسة ( أدورنو وهوركهايمر‪ (...‬باعتبارهم بأن ظهور‬
‫األنظمة التوتاليتارية في أوروبا النصف األول من القرن العشرين كان من نتائج "حداثة األنوار‪.‬‬

‫إن موضوع الفضاء العمومي هو "العموم" كحامل لرأي عام بوظيفة نقدية مسندة إليها صفة‬
‫العمومية أي " عمومية النقاشات القانونية "‪.‬‬

‫] الذي ارتبط في أوروبا بالسلطة ‪ix‬يميزهابرماس بين نموذج الفضاء العمومي املهيكل تمثيليا [‬
‫الفيودالية والكنيسة والبالط امللكي ونموذج الفضاء العمومي البورجوازي الذي ظهربعد اختفاء‬
‫األول نتيجة للتحوالت البنيوية التي عرفها‪ ،‬فقد وعت البورجوازية بذاتها بعد تشكلها كطبقة قائمة‬
‫وعملت على تكوين استقالل خاص بها تجاه السلطة عن طريق تأسيس قواعد الحوارواملناقشة‬
‫العامة‪ ،‬تجلى ذلك بشكل واضح في إنجلترا نهاية القرن السابع عشرامليالدي وفي فرنسا نهاية القرن‬
‫الثامن عشروقد انتقل النقاش العمومي إلى الصالونات واملقاهي ثم إلى النوادي األدبية وما لبث أن‬
‫استقركأحد البنود الرئيسية في الدساتيرالغربية‪.‬‬

‫رصد هابرماس في مؤلفه السابق الذكر‪ ،‬تطور مفهومي "العام" و " الخاص" منذ العصرالوسيط‬
‫انطالقا من التعاريف الواردة في القانون الروماني حتى نهاية القرن الثامن عشرالذي عرف تفكك‬
‫الخيوط العريضة لتطور "العام" و "الخاص" عبرسيرورة االستقطاب أدت إلى االنقسام إلى عناصر‬
‫ذات بعد عام وأخرى ذات بعد خاص‪ ،‬فمع اإلصالح الديني في أوروبا‪ ،‬تحولت مثال الكنيسة كسلطة‬
‫دينية إلى قضية خاصة‪ ،‬فأصبحت حرية التدين ألول مرة جزءا من الحرية الشخصية وأصبحت‬
‫الكنيسة كهيكل اجتماعي ضمن هياكل أخرى تداربواسطة القانون العام كما فصلت "امليز انية‬
‫]‪x.‬العامة" عن ميز انية البالط امللكي بعد أن كانت جزءا من مدخر اته [‬
‫تميزت فترة القرن الثالث عشرامليالدي ببداية الرأسمالية التجارية واملالية (امليركانتيلية(‪ ،‬حيث‬
‫ظهرت عناصرجديدة للتبادل‪ ،‬تبادل السلع واملعلومات مشكلة بذلك عناصرنظام توغلت في النظام‬
‫االجتماعي‪ ،‬فتبادل املعلومات لم يكن مرتبطا بحاجيات التبادل السلعي فحسب‪ ،‬بل أن املعلومات‬
‫أصبحت هي األخرى سلعا لدرجة أن كل معلومة منقولة عن طريق الكتابة إال ولها سعرها الخاص بها‬

You might also like