You are on page 1of 4

‫المحاضرة الرابعة‬

‫النظرية المعرفية عند جان بياجيه‬

‫تمهيد‪:‬‬

‫بعد أن تطرقنا إلى مفيوم التعمم وكيفية حدوثو في ضوء النظرية السموكية وعند بعض أعالميا وعند‬
‫النظرية العقمية التي يتزعميا المساني األمريكي نعوم تشومسكي‪ ،‬سنتطرق إلى نظرية أخرى اىتمت أيضا‬
‫بموضوع التعمم وكيفية حدوثة وىي ما يسمى بالنظرية البنائية أو التكوينية عند عالم النفس السويسري‬
‫جون بياجي (‪.)Jean Piaget‬‬

‫‪-1‬التعريف بجون بياجيه‪:‬‬

‫جون بياجيو (‪ )Jean Piaget‬عالم سويسري ولد سنة ‪ 6981‬توفي سنة ‪ 6891‬درس عمم النفس كما‬
‫درس البيولوجيا أيضا وىو صاحب النظرية المعرفية أو البنائية أو التكوينية التي تمحورت حول دراسة‬
‫النمو المعرفي عند الطفل‪ ،‬لو مؤلفات عديدة منيا كتاب المغة والفكر عند الطفل (‪ ،)6891‬كتاب الذكاء‬
‫عند الطفل(‪ ،)6861‬الذاكرة والذكاء (‪ ،)6819‬كتاب عمم النفس والبيداغوجيا (‪ ،)6891‬كتاب التربية إلى‬
‫أين (‪.)6899‬‬

‫‪-2‬مفهوم النظرية المعرفية عند بياجيه‪:‬‬

‫يرى بياجي أن نظريات النمو المعرفي الكالسيكية تأخذ في حسبانيا ثالثة جوانب أساسية تساىم في‬
‫تشكيل معارف الفرد وىي النضج البيولوجي والتفاعل مع البيئة الطبيعية والتفاعل مع البيئة االجتماعية إال‬
‫أنيا تيمل عامال أساسيا في النمو يسميو بياجي بالتوازان )‪ (équilibration‬ويعمل عمى تنسيق العوامل‬
‫الثالثة‪ ،‬ومفيوم التوازن عند بياجيو ىو أن "الطفل يبحث عن التوازن بين ما يدركو من مثيرات وأوضاع‬
‫جديدة وما يمتمكو من بنى معرفية عمى نحو مسبق‪ ،‬فإذا كانت ىذه البنى قادرة عمى معالجة تمك المثيرات‬
‫واألوضاع فتستمر حالة التوازن ولن يصيبيا االضطراب أما إذا كان األمر غير ذلك أي أن البنى‬
‫المعرفية السابقة لمطفل غير قادرة عمى معالجة المثيرات واألوضاع الجديدة فالبد من حدوث عممية عقمية‬
‫لمحفاظ عمى التوازن‪1".‬ويقسم مراحل النمو المعرفي عند الطفل إلى مراحل وىي‪:‬‬

‫‪-1‬عبد المجيد نشواني‪ ،‬عمم النفس التربوي‪ ،‬در الفرقان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪ ،6899 ،6‬ص ‪.659‬‬

‫‪1‬‬
‫‪-1‬المرحمة الحسية الحركية‪ :‬تمتد من الوالدة حتى نياية السنة الثانية تقريبا ويحدث التعمم في ىذه‬
‫المرحمة عبر اإلحساسات واألفعال والمعالجات اليدوية وتتميز ىذه المرحمة بــ‪:‬‬

‫*يحدث التفكير بصورة رئيسية عبر األفعال‪.‬‬

‫*يتحسن تناسق االستجابات الحركية‪.‬‬

‫*يتطور الوعي بالذات‪.‬‬

‫* تتطور فكرة ثبات أو بقاء األشياء‪.‬‬

‫*تبدأ عممية اكتساب المغة‪.‬‬

‫‪-2‬مرحمة ما قبل العمميات‪ :‬تقع ىذه المرحمة بين نياية السنة الثانية ونياية السنة السابعة من عمر‬
‫الطفل وخالليا يكون قاد ار عمى استخدام المغة وتسمية األشياء‪ ،‬قاد ار عمى التصنيف‪ ،‬وتكوين بعض‬
‫ا لمفاىيم العقمية العامة مثل أكبر‪ ،‬أطول وأقصر‪....‬إلخ‪ ،‬تعتبر ظاىرة اتساع استخدام المغة من أىم‬
‫الخصائص التي تميز النمو المعرفي في ىذه المرحمة وىي مرحمة انشاء المفاىيم إال أن استخدام الطفل‬
‫لمرموز المغوية يختمف عن استخدام الكبار فقد يستخدم كممة كمب لمداللة عمى أي جسم يتحرك عمى أربع‬
‫قوائم سواء كان الجسم كمبا أم خروفا أم حصانا أم بقرة أم قطة ‪....‬لذا يسمي بياجي ىذا النوع من‬
‫المفاىيم بمصطمح (ما قبل المفهوم) لمداللة عمى أن مفاىيم األطفال تختمف عن مفاىيم الكبار‪.‬‬

‫والظاىرة األخرى التي تتميز بيا مرحمة ما قبل العمميات بظاىرة (التمركز حول الذات) فال يعي الطفل‬
‫وجيات نظر اآلخرين وال يعتقد بوجودىا لذلك ال يستطيع وضع نفسو موضع اآلخر لفيم وجية نظره‪ ،‬وال‬
‫يستطيع أن يتصور أن إدراك األشياء ذاتيا يمكن أن يختمف باختالف المواقع التي تدرك منيا األشياء‬
‫ألنو لم يكتسب بعد ما يسميو بياجيو بثبات اإلدراك أي لم يكتسب بعد القدرة عمى معرفة أن خصائص‬
‫األشياء تبقى ثابتة‪ ،‬كما يعتقد الطفل في ىذه المرحمة أن األشياء تتسم بالروح والحس ليذا يعتقد أن‬
‫الشمس والقمر يتبعانو أثناء سيره‪ ،‬ويمكن إيجاز أىم خصائص النمو المعرفي في مرحمة ما قبل العمميات‬
‫فيما يمي‪:‬‬

‫*ازدياد النمو المغوي واتساع استخدام الرموز المغوية‪.‬‬

‫*سيادة حالة التمركز حول الذات‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫*البدء بتكوين المفاىيم وتصنيف األشياء‪.‬‬

‫*الفشل في التفكير في أكثر من بعد واحد أو طريقة واحدة‪.‬‬

‫*يتقدم االدراك البصري عمى التفكير المنطقي‪.‬‬

‫‪-3‬مرحمة العمميات المادية‪ :‬تبدأ من سن الثامنة إلى سن الحادية عشر يستطيع الطفل في ىذه المرحمة‬
‫ممارسة العمميات التي تدل عمى حدوث التفكير المنطقي شرط أن تكون مرتبطة باألفعال المادية‬
‫الممموسة "فإذا أعطي طفل في الثامنة أو التاسعة من عمره ثالثة مكعبات ذات حجوم مختمفة فإنو‬
‫يستطيع من خالل اإلدراك البصري ودون القيام بأية مقارنات فعمية بين المكعبات أن يقول بأن المكعب‬
‫األول أكبر من المكعب الثاني وأن الثاني أكبر من الثالث وبذلك يستنتج أن المكعب األول أكبر من‬
‫المكعب الثالث أما إذا حاول القيام باالستنتاج المنطقي ذاتو من خالل استخدام الرموز عوضا عن األشياء‬
‫المادية (المكعبات) كأن نسألو إذا كان أ>ب وكان ج <ب ‪ ،‬فأي الحدود الثالثة هو األكبر ؟ فسٌواجه‬
‫الطفل صعوبة فً الوصول إلى االستنتاج الصحٌح‪ 2".‬وفي ىذه المرحمة تضعف حالة التمركز حول‬
‫الذات ليصبح الطفل قاد ار عمى فيم وجية نظر اآلخرين كما تأخذ لغتو شكل الطابع االجتماعي عمى نحو‬
‫متزايد‪ ،‬كما ينجح في الخالص من تركيز تفكيره عمى بعد واحد لألشياء فيستطيع تطوير المفاىيم مثل‬
‫الكبار كما يستطيع تصنيف األشياء في ضوء أبعاد متعددة لمسيء الواحد في الوقت نفسو ويمكن تمخيص‬
‫أىم ما يميز مرحمة العمميات المادية في ىذه النقاط‪:‬‬

‫*االنتقال من المغة المتمركزة حول الذات إلى المغة ذات الطابع االجتماعي‪.‬‬

‫*يحدث التفكير المنطقي عبر استخدام األشياء المادية الممموسة‪.‬‬

‫*تتطور عمميات التفكير في أكثر من طريقة واحدة‪.‬‬

‫*تتطور عمميات التجميع والتصنيف وتكوين المفاىيم‪.‬‬

‫*عدم أمكانية التفكير في االحتماالت المستقبمية‪.‬‬

‫‪-4‬مرحمة العمميات المجردة‪ :‬من ‪ 66‬سنة إلى ‪ 61‬سنة في ىذه المرحمة يمارس الطفل أكثر العمميات‬
‫المعرفية تطو ار حيث يستطيع التفكير والبحث بعيدا عن األشياء المادية الممموسة فاألشياء لم تعد موجودة‬

‫‪ -2‬عبد المجيد نشواني‪ ،‬عمم النفس التربوي‪ ،‬ص ‪.658‬‬

‫‪3‬‬
‫في العالم الخارجي فقط‪ ،‬بل موجودة في عقمو أيضا فيو يفكر عمى نحو مجرد ويصل إلى النتائج‬
‫المنطقية دون الرجوع إلى األشياء المادية الممموسة فيو يفكر تجريديا وقادر عمى حل المشكالت يضع‬
‫الفرضيات ويقترح الحمول الممكنة ويبني النظريات‪.‬‬

‫وخالصة القول‪ :‬إن بياجيو يرفض مبادئ النظرية الفطرية وكذلك يرفض نظرية التعمم واالكتساب القائمة‬
‫عمى التقميد‪ .‬فالمغة باألساس عند بياجيو ىي عمل إبداعي‪ ،‬أما التقميد فمو دور ىامشي في اكتسابيا كما‬
‫أن ىناك خالفاً جوىرياً بين السموكيين والمعرفيين حول دور العقل في اكتساب المغة‪ .‬فالمعرفيون يرفضون‬
‫الرأي القائل بأن التعمم يحدث نتيجة لمؤثرات خارجية فقط‪ ،‬ويرفضون كذلك فكرة أن عقل الطفل صفحة‬
‫بيضاء تؤثر فييا البيئة‪ ،‬وىناك خالف بين نظريتي بياجيو وتشومسكي‪ ،‬ومرد ىذا االختالف يرجع إلى‬
‫تصور طبيعة بنى المعرفة ال إلى وظيفتيا يرى تشومسكي أن ىناك بنى خاصة باالكتسابات المغوية‪،‬‬
‫وفطريتيا مرتبطة بالطابع الفريد لمغة البشرية‪ ،‬أما بياجيو فيرى أن بنى المعرفة عامة‪ ،‬وأنيا تجد أساسيا‬
‫في بنى بيولوجية‪ ،‬ولكن ال توجد وراثياً إنيا بنية مخصصة الكتساب الوظيفة البشرية النوعية التي ىي‬
‫المغة‪.‬‬

‫وعمى الرغم من أن نظرية بياجيو من أعظم نظريات المعرفة التي حاولت تفسير النمو المعرفي عند‬
‫األطفال‪ ،‬إال أن ىناك عدداً من الجوانب التي اتجيت نحوىا انتقادات العمماء والباحثين يقول بعض‬
‫الباحثين‪ :‬إن نظرية بياجيو قممت من قيمة القدرات العقمية ألطفال مرحمة ما قبل المدرسة وبالغت في‬
‫الوقت نفسو في عمميات التفكير المجردة لممراىقين والبالغين وقد وأجريت العديد من الدراسات لمالحظة‬
‫العالقة بين مراحل التطور المعرفي المقترحة من قبل بياجيو وبين الميارات المغوية وخمصت الدراسات‬
‫إلى وجود عالقة عندما يكون عمر الطفل حوالي(‪)69‬شي اًر‪ .‬وعمى أي ٍ‬
‫حال من الصعب أن تظير عالقة‬
‫دقيقة بين سموك معرفي محدد والعناصر المغوية في ىذه السن المبكرة‪.‬‬

‫‪4‬‬

You might also like