Professional Documents
Culture Documents
تمهيد:
بعد أن تطرقنا إلى مفيوم التعمم وكيفية حدوثو في ضوء النظرية السموكية وعند بعض أعالميا وعند
النظرية العقمية التي يتزعميا المساني األمريكي نعوم تشومسكي ،سنتطرق إلى نظرية أخرى اىتمت أيضا
بموضوع التعمم وكيفية حدوثة وىي ما يسمى بالنظرية البنائية أو التكوينية عند عالم النفس السويسري
جون بياجي (.)Jean Piaget
جون بياجيو ( )Jean Piagetعالم سويسري ولد سنة 6981توفي سنة 6891درس عمم النفس كما
درس البيولوجيا أيضا وىو صاحب النظرية المعرفية أو البنائية أو التكوينية التي تمحورت حول دراسة
النمو المعرفي عند الطفل ،لو مؤلفات عديدة منيا كتاب المغة والفكر عند الطفل ( ،)6891كتاب الذكاء
عند الطفل( ،)6861الذاكرة والذكاء ( ،)6819كتاب عمم النفس والبيداغوجيا ( ،)6891كتاب التربية إلى
أين (.)6899
يرى بياجي أن نظريات النمو المعرفي الكالسيكية تأخذ في حسبانيا ثالثة جوانب أساسية تساىم في
تشكيل معارف الفرد وىي النضج البيولوجي والتفاعل مع البيئة الطبيعية والتفاعل مع البيئة االجتماعية إال
أنيا تيمل عامال أساسيا في النمو يسميو بياجي بالتوازان ) (équilibrationويعمل عمى تنسيق العوامل
الثالثة ،ومفيوم التوازن عند بياجيو ىو أن "الطفل يبحث عن التوازن بين ما يدركو من مثيرات وأوضاع
جديدة وما يمتمكو من بنى معرفية عمى نحو مسبق ،فإذا كانت ىذه البنى قادرة عمى معالجة تمك المثيرات
واألوضاع فتستمر حالة التوازن ولن يصيبيا االضطراب أما إذا كان األمر غير ذلك أي أن البنى
المعرفية السابقة لمطفل غير قادرة عمى معالجة المثيرات واألوضاع الجديدة فالبد من حدوث عممية عقمية
لمحفاظ عمى التوازن1".ويقسم مراحل النمو المعرفي عند الطفل إلى مراحل وىي:
-1عبد المجيد نشواني ،عمم النفس التربوي ،در الفرقان ،األردن ،ط ،6899 ،6ص .659
1
-1المرحمة الحسية الحركية :تمتد من الوالدة حتى نياية السنة الثانية تقريبا ويحدث التعمم في ىذه
المرحمة عبر اإلحساسات واألفعال والمعالجات اليدوية وتتميز ىذه المرحمة بــ:
-2مرحمة ما قبل العمميات :تقع ىذه المرحمة بين نياية السنة الثانية ونياية السنة السابعة من عمر
الطفل وخالليا يكون قاد ار عمى استخدام المغة وتسمية األشياء ،قاد ار عمى التصنيف ،وتكوين بعض
ا لمفاىيم العقمية العامة مثل أكبر ،أطول وأقصر....إلخ ،تعتبر ظاىرة اتساع استخدام المغة من أىم
الخصائص التي تميز النمو المعرفي في ىذه المرحمة وىي مرحمة انشاء المفاىيم إال أن استخدام الطفل
لمرموز المغوية يختمف عن استخدام الكبار فقد يستخدم كممة كمب لمداللة عمى أي جسم يتحرك عمى أربع
قوائم سواء كان الجسم كمبا أم خروفا أم حصانا أم بقرة أم قطة ....لذا يسمي بياجي ىذا النوع من
المفاىيم بمصطمح (ما قبل المفهوم) لمداللة عمى أن مفاىيم األطفال تختمف عن مفاىيم الكبار.
والظاىرة األخرى التي تتميز بيا مرحمة ما قبل العمميات بظاىرة (التمركز حول الذات) فال يعي الطفل
وجيات نظر اآلخرين وال يعتقد بوجودىا لذلك ال يستطيع وضع نفسو موضع اآلخر لفيم وجية نظره ،وال
يستطيع أن يتصور أن إدراك األشياء ذاتيا يمكن أن يختمف باختالف المواقع التي تدرك منيا األشياء
ألنو لم يكتسب بعد ما يسميو بياجيو بثبات اإلدراك أي لم يكتسب بعد القدرة عمى معرفة أن خصائص
األشياء تبقى ثابتة ،كما يعتقد الطفل في ىذه المرحمة أن األشياء تتسم بالروح والحس ليذا يعتقد أن
الشمس والقمر يتبعانو أثناء سيره ،ويمكن إيجاز أىم خصائص النمو المعرفي في مرحمة ما قبل العمميات
فيما يمي:
2
*البدء بتكوين المفاىيم وتصنيف األشياء.
-3مرحمة العمميات المادية :تبدأ من سن الثامنة إلى سن الحادية عشر يستطيع الطفل في ىذه المرحمة
ممارسة العمميات التي تدل عمى حدوث التفكير المنطقي شرط أن تكون مرتبطة باألفعال المادية
الممموسة "فإذا أعطي طفل في الثامنة أو التاسعة من عمره ثالثة مكعبات ذات حجوم مختمفة فإنو
يستطيع من خالل اإلدراك البصري ودون القيام بأية مقارنات فعمية بين المكعبات أن يقول بأن المكعب
األول أكبر من المكعب الثاني وأن الثاني أكبر من الثالث وبذلك يستنتج أن المكعب األول أكبر من
المكعب الثالث أما إذا حاول القيام باالستنتاج المنطقي ذاتو من خالل استخدام الرموز عوضا عن األشياء
المادية (المكعبات) كأن نسألو إذا كان أ>ب وكان ج <ب ،فأي الحدود الثالثة هو األكبر ؟ فسٌواجه
الطفل صعوبة فً الوصول إلى االستنتاج الصحٌح 2".وفي ىذه المرحمة تضعف حالة التمركز حول
الذات ليصبح الطفل قاد ار عمى فيم وجية نظر اآلخرين كما تأخذ لغتو شكل الطابع االجتماعي عمى نحو
متزايد ،كما ينجح في الخالص من تركيز تفكيره عمى بعد واحد لألشياء فيستطيع تطوير المفاىيم مثل
الكبار كما يستطيع تصنيف األشياء في ضوء أبعاد متعددة لمسيء الواحد في الوقت نفسو ويمكن تمخيص
أىم ما يميز مرحمة العمميات المادية في ىذه النقاط:
*االنتقال من المغة المتمركزة حول الذات إلى المغة ذات الطابع االجتماعي.
-4مرحمة العمميات المجردة :من 66سنة إلى 61سنة في ىذه المرحمة يمارس الطفل أكثر العمميات
المعرفية تطو ار حيث يستطيع التفكير والبحث بعيدا عن األشياء المادية الممموسة فاألشياء لم تعد موجودة
3
في العالم الخارجي فقط ،بل موجودة في عقمو أيضا فيو يفكر عمى نحو مجرد ويصل إلى النتائج
المنطقية دون الرجوع إلى األشياء المادية الممموسة فيو يفكر تجريديا وقادر عمى حل المشكالت يضع
الفرضيات ويقترح الحمول الممكنة ويبني النظريات.
وخالصة القول :إن بياجيو يرفض مبادئ النظرية الفطرية وكذلك يرفض نظرية التعمم واالكتساب القائمة
عمى التقميد .فالمغة باألساس عند بياجيو ىي عمل إبداعي ،أما التقميد فمو دور ىامشي في اكتسابيا كما
أن ىناك خالفاً جوىرياً بين السموكيين والمعرفيين حول دور العقل في اكتساب المغة .فالمعرفيون يرفضون
الرأي القائل بأن التعمم يحدث نتيجة لمؤثرات خارجية فقط ،ويرفضون كذلك فكرة أن عقل الطفل صفحة
بيضاء تؤثر فييا البيئة ،وىناك خالف بين نظريتي بياجيو وتشومسكي ،ومرد ىذا االختالف يرجع إلى
تصور طبيعة بنى المعرفة ال إلى وظيفتيا يرى تشومسكي أن ىناك بنى خاصة باالكتسابات المغوية،
وفطريتيا مرتبطة بالطابع الفريد لمغة البشرية ،أما بياجيو فيرى أن بنى المعرفة عامة ،وأنيا تجد أساسيا
في بنى بيولوجية ،ولكن ال توجد وراثياً إنيا بنية مخصصة الكتساب الوظيفة البشرية النوعية التي ىي
المغة.
وعمى الرغم من أن نظرية بياجيو من أعظم نظريات المعرفة التي حاولت تفسير النمو المعرفي عند
األطفال ،إال أن ىناك عدداً من الجوانب التي اتجيت نحوىا انتقادات العمماء والباحثين يقول بعض
الباحثين :إن نظرية بياجيو قممت من قيمة القدرات العقمية ألطفال مرحمة ما قبل المدرسة وبالغت في
الوقت نفسو في عمميات التفكير المجردة لممراىقين والبالغين وقد وأجريت العديد من الدراسات لمالحظة
العالقة بين مراحل التطور المعرفي المقترحة من قبل بياجيو وبين الميارات المغوية وخمصت الدراسات
إلى وجود عالقة عندما يكون عمر الطفل حوالي()69شي اًر .وعمى أي ٍ
حال من الصعب أن تظير عالقة
دقيقة بين سموك معرفي محدد والعناصر المغوية في ىذه السن المبكرة.
4