Professional Documents
Culture Documents
Shared Religious Constants A Factor of Unity Between Morocco and African Countries
Shared Religious Constants A Factor of Unity Between Morocco and African Countries
يشرفني أن أتناول الكلمة في هذا المجلس ،الذي تشرفت به جاللتكم الموقرة لتناول موضوع في غاية األهمية ،سواء بالنسبة
للمملكة المغربية أو بالنسبة للعديد من البلدان األفريقية .وترتبط هذه الدول بالمغرب بعالقات تعود إلى قرون مضت ،حيث
تجمعها قاعدة دينية مشتركة كانت في الماضي جوهر العالقات وما زالت تحتفظ بكل طاقاتها لتعزيز وتعزيز حاضرها
ومستقبلها أبدا .روابط .وأقصد هنا العالقات القائمة على مستوى أعمق ،المستوى الشعبي الذي ظل وفيًا لألبعاد الروحية
والفكرية التي ال تتأثر عادة بتغيرات الظروف .كما أنهم ال يتأثرون بالخيارات الشخصية التي تخضع لحسابات سياسية ضيقة قد
تؤثر ،من خالل الجهل المتفائل ،سلبًا على هذه القواسم المشتركة ،بل وتؤدي إلى إنكارها من قبل فئات معينة من الناس في هذه
البلدان .وقد تستهدفهم أيًض ا رغبات طموحة من الخارج ،مدفوعة بالمنافسة أو التنافس .لكن التراث المشترك ال يتزعزع ألنه
مبني على أسس اإلخالص والخير والصواب ،امتثاًال لقول هللا تعالى( :يثبت هللا الذين آمنوا بالقول الثابت في الدنيا) وفي
اآلخرة»( .سورة إبراهيم ،اآلية )27
إن النهضة المباركة التي نشهدها ،يا صاحب الجاللة ،في تطوير العالقات مع الدول اإلفريقية ،على أساس التشاور المتبادل
والخبرات وحماية الهوية والمنافع المشتركة ،يجب أن تصاحبها حركة تحسيسية موجهة للمغاربة ومواطنيهم .االخوة في الدول
االفريقية .ويجب تذكيرهم باألسس القوية التي أرساها أجدادهم ،وأبرزها الثوابت المشتركة في المجال الديني .وهذا أمر
ضروري اآلن عندما يتم استهداف الدين من قبل عدوه اللدود التطرف والتعصب .وخارج القارة هناك كثيرون ينظرون إلى
الشعب األفريقي باعتباره "فريسة سهلة" ،يمكن التالعب بهويته في تجاهل تام للعواقب المدمرة التي قد يترتب على مثل هذا
العبث .إن الروابط الروحية بين المغرب والشعوب اإلفريقية مبنية على أساس الصالح والتقوى ،وموجهة نحو اإلصالح
والتحسين .ولما كان األمر كذلك ،فإن الهوية (المشتركة) لهؤالء األشخاص لم تتعرض أبًد ا ألي خطر يتعلق باالختيارات
العقائدية أو المذهبية أو السلوكية .اليوم ،لألسف ،بعض الناس ،بعد أن فقدوا كل التقوى ،انحرفوا عن طريق أسالفهم وعن
االحترام الذي أظهره هؤالء دائًم ا للتنوع واالختالف في جميع المجاالت المذكورة .واألسوأ من ذلك أن اإلهمال الحالي
ألخالقيات التنوع واالختالف في مجال االجتهاد (أو ممارسة الحكم المستقل) -التي حافظ عليها أسالفنا بقوة -قد أدى إلى شر
وشيك وواسع االنتشار يثير معاناة الجميع والجميع . .ونتذكر هنا آفة التطرف الذي يعيث فسادا وينتهك الحرمات ويسفك
الدماء .ويمكننا أن نتذكر بسهولة تحذير الكتاب المجيد حيث يقول هللا تعالىَ( :و اَّتُقوا ِفْت َن ًة اَل ُتِص يُب اَّلِذيَن َظ َلُموا ِم ْنُك ْم َخ اِّصيَن )
(سورة األنفال) .اآلية .) 25آمل يا صاحب الجاللة أن تستمروا في مساعيكم الحالية في مجال تعزيز الشورى المتبادلة في
األمور الدينية ،وتعزيز المصالح المتبادلة في الحياة الدنيا في هذه البلدان األفريقية ،والتعاون معها بما يضمن أمنها الروحي
وتأكيده .هويتهم الثقافية حول الثوابت المشتركة المذكورة آنفا.
وبما أن الكثير من الناس في العديد من البلدان اإلفريقية ،وربما حتى في المغرب ،يسمعون عن هذه الثوابت ولكنهم ال يعرفون
جوهرها أو أهميتها في الحياة الدينية وصلتها باألمن الروحي ،فقد رأينا أنه من المفيد تذكير هؤالء بالثوابت ،امتثاًال ألمر هللا
تعالى« :فذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين» (سورة الذاريات أو الرياح المشتتة ،اآلية .)55وقد يتساءل البعض عن المعنى
المقصود من مصطلح الثوابت .وتشير هذه الثوابت إلى االختيارات الدينية التي قام بها المغاربة ،إلى جانب عدد من الشعوب
اإلفريقية ،خاصة في غرب إفريقيا ،في العقيدة ،والمذهب ،وسلوك الروحي .يأخذ) .وكان االختيار حرًا ،نتيجة الجهود المستقلة
التي قام بها األئمة الطليعة الذين استمدوا القواعد الدينية من األصول .وجميع هذه االجتهادات هي اجتهادات سنية سليمة ال
تختلف إال في التفاصيل الصغيرة والصغرى من حيث انسجامها وامتثالها للقواعد األساسية في مسائل العقيدة والعبادة
والمعامالت .وبعبارة أخرى ،تشكل هذه االختيارات مرجعية إيمانية وأمنية روحية ،إذا جاز التعبير ،وبالتالي ال ينبغي ألي
شخص من داخل المجتمع أو من خارجه أن يغيره .وبسبب هذه االستمرارية عبر الزمن تسمى هذه االختيارات بالثوابت .ومن
الواضح أن هذه الثوابت ليست جديدة بأي حال من األحوال ،بل يمكن إرجاعها إلى عدة قرون مضت .وقد وصفهم فيما مضى
الشيخ المغربي عبد الواحد بن عاشير فقال:
أما تاريخ إمارة المؤمنين في المغرب ،فينظر إليه األفريقيون بقدر كبير من اإلعجاب والتبجيل ،لصحته وشرعيته ،ومعالمه
وأحداثه السنية .في الواقع ،عندما جاء موالي إدريس إلى المغرب ،فعل ذلك وفي يده وصية من أخيه .ونذكر أن أخو إدريس
محمد بن عبد هللا (النفس الزكية) قد نال البيعة من أعيان وأعظم أهل المدينة المنورة -بلدة الرسول . -صلى هللا عليه وسلم قبل
أن تتم البيعة للعباسي أبي جعفر المنصور .وعلى هذا األساس المشروع ،بايعت شعوب المغرب العربي موالي إدريس ،أول
شخص حمل لقب أمير المؤمنين (أمير المؤمنين) في هذا الجزء الغربي من العالم اإلسالمي .كما أنه أول من أنشأ أول دولة
إسالمية مستقلة عن دولة المشرق .وفي المشرق ،رجح اإلمامان مالك بن أنس وأبو حنيفة إمامته على إمامة العباسيين .كما
اعتبروا أن إمامته أصح من والية أبي جعفر المنصور ،ألن البيعة تمت لمحمد بن عبد هللا النفس الزكية أوال.
وعليه ،فقد أنشئت إمارة المؤمنين في المغرب بعد أن استوفت جميع معايير صحتها :وهي مبنية على أساس البيعة القانونية
والمشروعة .عالوة على ذلك ،فقد أيده اثنان من أكابر األئمة في اإلسالم :مالك بن أنس ،وأبي حنيفة .وهكذا تأسست أول إمارة
المؤمنين في األحياء المغربية.
ومع بدء انفتاح الجزء الغربي من العالم اإلسالمي خالل العقد السادس من العام الهجري األول ،تفاقمت األزمة مع ظهور
الطوائف واستمرار المعارضة لحكم الدولة األموية والعباسية ،وأبرزها معارضة المؤيدين .أهل البيت (أو آل النبي) .وقد عانى
األخيرون من اضطهاد ال هوادة فيه من قبل الساللتين المذكورتين لعقود من الزمن ،وتحديدا بين السنة األربعين -التي
للهجرة
تزامنت مع تولي معاوية السلطة -والعام 169الذي شهد مقتل محمد بن عبد هللا (ع)- .نفس الزكية) في موقعة الفخ (أو غزوة
الشرك) بالقرب من مكة .وفي الوقت نفسه ،عانى المغرب أكثر من قرن من سوء اإلدارة على يد الحكام األمويين والعباسيين.
وفي سياق هذا الظلم المشترك ،لجأ إدريس بن عبد هللا إلى المغرب ،بعد أن نجا من الموت بأعجوبة في معركة الفخ .وبذلك
كان أول أمير للمؤمنين ينال محنة البيعة بعيدًا عن المشهد الذي مزقته الحرب واالنقالبات ،بعد الخلفاء الراشدين.
ومن المعروف أن أي نظام سياسي معين ال يكون شرعًيا إال إذا كان صحيًح ا وقادًر ا على توفير األمن واالستقرار الذي يمّك ن
الناس من االهتمام بشؤون الحياة الدنيا واالستعداد لحياة سعيدة .في اآلخرة .وذلك ألن اإلسالم هو رسالة هللا تعالى إلى جميع
عباده في أمور الدنيا والدين .وكان ال بد أن تشتمل الرسالة على هدى مناسب يعينهم على تنظيم أمورهم في الدنيا التي هي
معاشهم ،وفي اآلخرة التي هي دار المصير .ولهذا كان من أول ما اهتم به رسول هللا صلى هللا عليه وسلم حين استقر بالمدينة
أن يضع أول حجر األساس لمجتمع آمن مستقر ،يلتزم أفراده بتعزيز والتعاون الذي يحقق المنافع المتبادلة للجميع ويدفع الفساد
والظلم .سيكون مجتمًع ا تديره دولة محنكة في الحكم ومشبعة بالحكمة لضمان أن تكون حياة المجتمع منظمة ومستقيمة.
ومن المعروف أن التجسيد األول للوحدة اإلسالمية ،في إطار كيان سياسي قائم على البيعة والشورى ،جاء بفضل مساعي
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في المدينة المنورة .وهو النموذج الذي ظل المسلمون في أفريقيا يعتبرونه نموذجا مثاليا يستحق
المحاكاة واالمتثال الدقيق.
وكما كان الحال مع أهل المدينة ،فإن الممارسات غير التقليدية لم تكن شائعة في معظم البلدان األفريقية بفضل ارتباط المسلمين
بالمذهب الذي أسسه اإلمام مالك .وفي السياق نفسه ،فإن من أبرز مميزات المغرب واألندلس أنه لم يتعرض أي من األئمة
السابقين الذين نالوا شهرة كبيرة للتشكيك أو التشهير .وهذا ما دفع أبو الوليد الطرطوشي إلى أن يعزو هذا المكانة التي ال يرقى
إليها الشك إلى حقيقة أن سكان الغرب اإلسالمي متمسكون دائًما بالسنة والجماعة (أو السنة) .وهذا بدوره سمح لهم باالبتعاد عن
االنغماس في الممارسات غير التقليدية والبدع غير المبررة في الدين ،واتباع قدوة السلف الصالح .وتشكل وحدة المذهب إحدى
القواسم المشتركة بين هذه البلدان ،والتي تؤهلها بالفعل لتكوين وحدة عضوية قوية داخل األمة اإلسالمية في هذا الجناح الغربي
من العالم اإلسالمي وعبر أفريقيا.
واآلن إذا نظرنا إلى الخصائص الرئيسية للمذهب المالكي ،نالحظ أنها تتمحور حول ما يلي:
خبرة؛
المرونة ويظهر ذلك بوضوح في القاعدة التي تنص على ضرورة مراعاة االختالف ومراعاةه .عالوة على ذلك ،فإنه يلعب دوًرا
مهًم ا في تحقيق التقارب بين مختلف مدارس الشريعة اإلسالمية.
وفي الواقع ،كان اإلمام مالك ال يزال على قيد الحياة عندما تأسست الدولة اإلدريسية في المغرب .ويبدو أن إدريس بن عبد هللا
الكامل الذي عرف موطأ مالك هو أول من دعا المغاربة إلى اتباع طريقة مالك وقراءة الموطأ .وقد روى ابن خلدون في مقدمته
أنه قال« :نحن أهل أن نتبع مذهب مالك ،ونقرأ كتابه» .وقد رسخت هذه القناعة فيما بعد خليفته ووريثه إدريس بن إدريس.
وينقل المراكشي في كتابه المعجب ما شهده عهد يعقوب المنصور من تطور فروع الفقه ومحاوالت القيام به .من قبل السلطات
لوضع حد لها ،من باب االحتياط ورغبة في حماية ضمير الناس ،في وقت لم يتم فيه نصحهم وإشرافهم بشكل كاف من قبل عدد
كاف من الفقهاء والعلماء .ومع ذلك ،عندما أدركت السلطات أن فرع القانون يشكل مساٍع جديرة باالهتمام ،وليس في الحقيقة
مجموعة من المعرفة تهدف إلى إرباك الناس أو جعل عبادتهم الطقسية غامضة ،سمحوا لها باالزدهار .واليوم ،يتعين على
الناس في البلدان األفريقية أن يفهموا أن المذهب (أو مدرسة الشريعة اإلسالمية) يهدف إلى حماية الناس من خطر االرتباك،
وخاصة داخل المساجد .وعلى بعض إخواننا في الشام أن يتقي هللا ويحترم اختياراتنا المذهبية ،ألن عامة الناس يتأثرون بسهولة
باالختالفات البسيطة .كما أنهم يميلون إلى النظر إلى االختالفات غير المهمة على أنها اختالفات بين الحق والباطل ،على الرغم
من أن الواقع غير ذلك.
لكن في أواخر عهد الخلفاء الراشدين بدأت الفرق اإلسالمية في الظهور .وفي العقود التالية ،انتشرت أفكارهم وتطورت أكثر.
ومن المسائل التي يحتاج الناس إلى فهمها ما ذكره القرآن والسنة من طبيعة هللا تعالى وصفاته وفهم مقتضيات اإليمان .لقد
فسرها بعض الناس بشكل حرفي بحيث يلتزمون بأبعاد نصية ضيقة ،بينما أخذ آخرون الكثير من الحرية في تفسيرهم لتطوير
تصورات سلبية أو معيبة .وكان هذا ،في جوهره ،مجال البحث المتعلق بالعقيدة .وكما هو متوقع ،انتشرت العقائد بما يتناسب
مع تنوع مدارس القانون .ومن بين المدارس الكثيرة التي اهتمت بهذا المجال ،برزت األشاعرة .سميت باسم أبي الحسن
األشعري (توفي عام 324هـ) ،وقد انطلقت المدرسة لمعارضة التأويالت التي اقترحتها الباطنية (مدرسة مهتمة بالجوانب
الباطنية للدين) والرافضة (الرافضة) .وهي فرقة تشكك في سلطة بعض الخلفاء) .وفي هذا الصدد بذل المؤسس وأتباعه جهودًا
محمودة.
ولكي نبين للعامة لماذا كان اختيار المذهب األشعري ذا أهمية كبيرة ،خاصة في عصرنا الحاضر ،يمكننا أن نؤكد ما يلي :إن
األشاعرة يعتبرون أن من اعتنق اإليمان يقول" :هناك" ال إله إال هللا " ،وهو مؤمن حقيقي .وكل شيء آخر متروك له وهلل
تعالى .وهذا يعني أنه ال يجوز ألي شخص ،بأي حال من األحوال ،أن ُيتهم بالكفر (أو الكفر) .ومن الواضح أن الجماعات
المعارضة للعقيدة األشعرية هي أكثر ميًال إلى إلقاء تهمة التكفير على الناس ،بل وقتلهم على أساس تهم يعتقدون أنها تضعف
اإليمان .وأول ضحايا هؤالء "المتعصبين" هم المسلمون .عالوة على ذلك ،فإن أفعالهم الشنيعة تلحق ضررا جسيما بسمعة
العقيدة اإلسالمية نفسها.
هذه إذن هي الثوابت والخصوصيات الدينية التي اعتمدها المغاربة والتزموا بها على مدى قرون .كما أدرك علماء المالكية
أهمية ربط المذهب المالكي بالجانب العقائدي من أجل تحصين عقيدة الناس .ولهذا الغرض فقد خصصوا أبوابًا تمهيدية كاملة
للمسائل العقدية ،كما تدل على ذلك رسالة الرسالة التي كتبها أبي زيد القيرواني (المعروف أيضًا بالمالك الصغير أو المالك
الصغير المظومة)( .رسالة في الشعر) البن عاشر ،و (الجامع من األحكام) لشهاب الدين القرافي.
إن أي حديث عن المدرسة األشعرية يسلط الضوء على مكانتها كمدرسة سنية أصيلة عززت العقيدة اإلسالمية إلى حد كبير عن
طريق أهل السنة والجماعة ،وذلك تمشيا مع اإلسالم الذي حث المسلمين على تشكيل مدرسة واحدة .المجتمع وااللتزام بالسنة.
لقد كان المذهب األشعري دائًم ا المذهب الرسمي لألئمة الكبار ،مثل مالك بن أنس ،وأبي حنيفة النعمان ،والشافعي ،وأحمد بن
حنبل ،وغيرهم.
فاإلمام األشعري (رحمه هللا) لم يخرج عن العقيدة ولم ينشئ مدرسة جديدة كاملة من فراغ؛ بل إنه ببساطة أعاد التأكيد على
المنهج الذي سار عليه السلف ،ودافع بشدة عن ممارسات أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم .فاالنتساب إليه هو بمثابة
االعتراف بأن األشعري قد أظهر تمسكًا قويًا بطريقة السلف وشرع في البحث عن األدلة والبراهين التي تؤيده .وأصبح أهل هذا
الطريق يعرفون باألشاعرة .وأشار شيخ اإلسالم عز الدين بن عبد السالم إلى أن المذهب األشعري الذي حظي بإجماع المذاهب
الشافعية والمالكية والحنفية ،استطاع أن ينتشر ويسود بفضل المنهج المعتدل الذي اتبعه .قد اختار أن يخطو .انتشرت العقيدة
األشعرية في العديد من بلدان العالم اإلسالمي ،أوًال في العراق ،ومن هناك إلى منطقة الشام (فلسطين وسوريا واألردن ولبنان
الحالية) وفي مصر ،على فرق السلطان الناصر صالح الدين .األيوبي ،ثم بالمغرب ،عبر مكتب أبي عبد هللا بن تومرت.
لقد اعتنق الشعب المغربي العقيدة األشعرية باعتبارها مدرسة عقائدية كاملة ذات قوة هائلة في اإلثبات واإلقناع والنقاش .كما
اختاروها أيًض ا ألنهم شعروا أنها تحافظ على المبادئ العقيدية األساسية ،وسعوا جاهدين إلى تجنب التشبيه (أو تجسيم اإلله)
والتعطيل (إنكار هللا لجميع الصفات) .كما أعربوا عن تقديرهم العتداله ومساره الوسطي الذي تجاوز القراءات الحرفية
للنصوص والتفسيرات البعيدة االحتمال التي "تختطف" معاني النص دون داع.
وانتشرت العقيدة األشعرية في األمة اإلسالمية (المجتمع اإلسالمي عمومًا) ،بحكم وسطيتها ووسطيتها .وقد القت استحسانًا
وسرعان ما امتزجت بعلم السلوك اإلسالمي بعد أن أعجب المؤسس باإلمام عبد هللا الحارث بن أسد المحاسبي (توفي سنة
243هـ) .وكان األخير أحد قادة الصوفية الرائدين واألكثر دراية ،وكذلك المرشد الذي قام بتدريب شخصيات صوفية بارزة
مثل أبو القاسم الجنيد بن محمد.
تشكل سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أساس السلوك الصوفي عند المغاربة ،سواء في األخالق الصوفية الجميلة أو
الممارسات الصوفية الفعلية .ويبدو أن المغاربة قد وجدوا "جملهم الضال" إذا جاز التعبير في الجوانب العملية للسنة النبوية
التي هيأت التربة الزدهار األخالق الرفيعة والذوق الرفيع .كما تمسكوا بالحديث النبوي واعتمدوا عليه في الحجة والتصور
والعمل .وجاء في الحديث القدسي« :إن أوليائي من عبادي وأحبابي يذكرون كلما ذكرت .وكذلك أذكر إذا ذكروا».
في األدلة التي قدمناها أعاله فيما يتعلق باألصل السني للصوفية في المغرب ،نالحظ أن هناك تقاربا في وجهات النظر بين
أقطاب الصوفية الرئيسيين (جمع قطب ،حرفيا ،قطبي ،ولكن مجازيا ،بارز وعالي للغاية)- .الزعيم الصوفي الجليل) .وهذا
التقارب يوحي بصدق سلسلة اإلسناد واألدلة السنية التي يدعيها الصوفية المغربية .والحقيقة تكتسب أهمية أعمق عندما نستشهد
بحديث نبوي يرفع من مكانة أهل الغرب اإلسالمي (وهم أهل المغرب العربي في الواقع) ،حسب بعض المفسرين .وروى مسلم
عن سعد بن أبي وقاص أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال« :ال يزال أهل الغرب على الدين ،إلى قيام الساعة».
وفي هذا الصدد يقول عبد الرحمن بن الجوزي« :لقد رأيت أن االشتغال بالفقه وسماع الحديث ال يكاد يكفي الستقامة القلب.
وهذه األنشطة تحتاج إلى تعزيزها بأرقى القيم األخالقية والتأمل في قصص حياة وسلوك السلف الصالح (للدروس األخالقية)”.
وفي نفس السياق يقول حجة اإلسالم أبو حامد الغزالي“ :الصوفية من أول من سلك طريق هللا تعالى .وذلك ألن حركاتهم
وسكونهم كلها ،وظاهرهم وأفعالهم ،وباطن مشاعرهم مستمدة من نور مشكاة النبوة المضيئة .وليس هناك نور آخر غير نور
النبوة يهدي إليه».
ويبدو أن التمسك بأصول ( الكتاب والسنة) هو أساس تعاليم الطرق الصوفية .كما أنه المعيار األساسي في المغرب لتمييز
الصواب عن الخطأ .وهذا يفسر لماذا كان أبو الحسن األشديلي يخاطب تالميذه ذات يوم قائًال" :إذا خالفت نورتك الكتاب
والسنة ،فتمسك بالكتاب والسنة ،واترك سعيك ،وأخبر نفسك أن هللا" وقد ضمن لي العصمة بالكتاب والسنة ،ال باإللهام والتنوير
والرؤى ،إال إذا كانت خاضعة لسلطان الكتاب والسنة».
واآلن ،إذا أردنا أن نأخذ في االعتبار الدور الذي لعبته الطرق والقادة الصوفيون المغاربة في نشر اإلسالم ،فإن مجرد النظر
في تاريخ أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يفي بالغرض .ويكشف عن اإلنجازات التي حققها التيجانيون والكونتيون والفاضليون
والمالينيون في األجزاء الغربية من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ،حيث برزت دولة عمر الفوتي بهويتها اإلسالمية الصوفية
التجانية إلى حد ما .ومن الجدير بالذكر أيًض ا إنجازات المدرسة األحمدية اإلدريسية وفروعها في األجزاء الشرقية من بالد
السودان (أرض ذوي البشرة الداكنة) لصالح اإلسالم والمسلمين.
إال أن االتجاه الذي ساد كممثل حقيقي لطريقة الجنيد الصوفية هو التوجيه والعمل والسلوك الصوفي الموجه ،وهو ما يعرف
أيًض ا بالتصوف العملي .ومن بين الطرق التي تنتمي إلى هذا التصور من الصوفية ،رغم أنها في حد ذاتها طرق كاملة
ومستقلة ،ولها زعماء بارزون وسمات مميزة ،يمكن أن نذكر:
تبرز المدرسة القادرية كأول مدرسة صوفية ظهرت في اإلسالم ،أما المدرسة األشدلية فهي أكثر المدارس انتشارا وأيضا بأكثر
فروعها انتشارا في المغرب والمشرق (المنطقتين الغربية والشرقية من بالد الشام) .العالم اإلسالمي ،على التوالي) .ومن أمثلة
هذه الفروع :الجزولية ،الزروقية ،الوفائية ،الناصرية .وغيرهم -كلهم ممثلون لطريقة اإلمام الجنيد .تتمتع المدرسة التيجانية
بشهرة عالمية ،مع انتشار قوي في أفريقيا .ويعرف أتباعها باسم التيجانيين (أو التيجانيين).
ومن المعروف أن قنوات االتصال الصوفية بين المغرب وإفريقيا تطورت في وقت مبكر جًد ا .تشير المصادر التاريخية إلى أن
بالد شنجيت (موريتانيا الحالية) كانت بمثابة جسر لعبور المدارس الصوفية المغربية من المغرب إلى إفريقيا عبر السنغال.
وهذا هو حال القادرية؛ مدارس البقعية والفاضلية واألشددلية والتيجانية .وجميع هذه المدارس هي األحدث انتشاًر ا في بالد
شنجيت ،وكذلك األكثر انتشاًر ا في غرب أفريقيا.
ولم يكتف مشايخ الصوفية المغاربة بسعيهم إلى ترسيخ قيم التسامح والتعايش فحسب ،بل رفعوا التحديات وتصدوا للمخاطر
التي تحدق بالقارة اإلفريقية .كما ساهموا في تعزيز الروابط الروحية واألخالقية بهدف نشر القيم السامية لإلسالم المعتدل.
وبالمثل ،وعبر التاريخ ،أبدى المغرب اهتماما بالمنتسبين للطرق الصوفية في هذه الجهات ،من خالل الحفاظ على الروابط
الروحية التي تربط سكان البلدان األفريقية وأمير المؤمنين والمدافع عن الدين والمؤسسات ذات الصلة وتعزيزها .ومن المؤكد
أن هذا التراث الروحي والتربوي قد ساهم في ترسيخ قيم السالم والتسامح والوسطية والوسطية لتحقيق االستقرار واليقين
والسكينة (الروحية).
النموذج الديني المغربي ،معزز بالثوابت الثالثة – العقيدة (األشعرية) ،والمذهب (المالكي) ،والتصوف – تحت رعاية إمارة
المؤمنين التي تكفل الحماية والحصانة لهذا النموذج الديني المعتدل .وهو ما أعطى المغرب مكانة خاصة تتيح له استقبال نخبة
من الطالب األفارقة وأيضا عدد من الطالب من الدول األوروبية الذين يستفيدون من التكوين في معهد محمد السادس لتكوين
المرشدين والمرشدات (سيدات المرشدات الدينيات) .ويتلقى جميع هؤالء المتدربين تعليمًا دقيقًا في المبادئ الدينية ،وفق منهج
وأسلوب وسطيين موجهين نحو تحقيق األمن والسالم واألمن والطمأنينة.
ومن بين فروع رعاية جاللتكم للبلدان اإلفريقية -وهي كثيرة -تبرز مؤسسة علمية إفريقية تسمى مؤسسة محمد السادس
للعلماء األفارقة ،ومقرها فاس ،منارة العلم واإليمان .ال تزال المؤسسة في بدايتها ،وهي تجمع بالفعل مجموعة نخبة من السادة
وعلماء الدين الذين يجتمعون لتبادل اآلراء ،والتواصي بالحق والصبر ،ومناقشة أي مسألة تهم قارتنا وعلمائنا الدينيين وشعبنا.
الشريعة (القانون المنزل) .وكل هذا ،بطبيعة الحال ،يمكنهم من تقديم مساهمات ملحوظة في تحقيق األمن األخالقي لقارتهم.
ومع تزايد أعمال هذه المؤسسة ،إن شاء هللا ،ستظهر إلى الواجهة اآلثار الحميدة ألعمالكم النبيلة لصالح الثوابت الدينية التي
تجمع المسلمين في أفريقيا .إن مساهماتكم في إرساء األمن الروحي والنظام العام في هذه البلدان ،وخارجها ،في العالم بأسره،
ستكون واضحة للجميع .وبفعلك هذا ،فإنك ال تطلب مكافأة أو شكًر ا؛ أنت ببساطة تستجيب ألمر رب العالمين" :وقل اعملوا
فسيرى هللا عملكم ورسله والمؤمنون" .ونسأل هللا أن نكون من المؤمنين الذين يشهدون على اإلنجازات التي حققتها إمارة الصالحات
المؤمنين .وستكون اإلنجازات ملحوظة بالنظر إلى ما حققته قيادة محمد السادس في فترة عشر سنوات .إن المآثر كثيرة
وعظيمة لدرجة أنه ال يمكن حصرها في مثل هذا الزمان والمكان القصيرين.
تقبل هللا أعمالكم كلها يا موالي!
[ ]1محاضرة حسانية ألقاها أمام أمير المؤمنين صاحب الجاللة الملك محمد السادس ،ألقاها البروفسور .روان مباي ،األستاذة
بجامعة الشيخ أنتا ديوب في داكار ،السنغال ،في 6رمضان هـ ( 22مايو م) ،في“ :المحاضرات الحسانية رمضان
2018 1439
1439هـ /مايو – يونيو 2018م” ،منشورات وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية ،ص.”45-33: