You are on page 1of 6

‫الثوابت الدينية المشتركة عامل وحدة بين المغرب والدول اإلفريقية [‪]1‬‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم!‬

‫الحمد هلل رب العالمين‬

‫وصلى هللا على النبي وعلى آله وصحبه وسلم!‬

‫موالي أمير المؤمنين (جاللة أمير المؤمنين)!‬

‫يشرفني أن أتناول الكلمة في هذا المجلس‪ ،‬الذي تشرفت به جاللتكم الموقرة لتناول موضوع في غاية األهمية‪ ،‬سواء بالنسبة‬
‫للمملكة المغربية أو بالنسبة للعديد من البلدان األفريقية‪ .‬وترتبط هذه الدول بالمغرب بعالقات تعود إلى قرون مضت‪ ،‬حيث‬
‫تجمعها قاعدة دينية مشتركة كانت في الماضي جوهر العالقات وما زالت تحتفظ بكل طاقاتها لتعزيز وتعزيز حاضرها‬
‫ومستقبلها أبدا‪ .‬روابط‪ .‬وأقصد هنا العالقات القائمة على مستوى أعمق‪ ،‬المستوى الشعبي الذي ظل وفيًا لألبعاد الروحية‬
‫والفكرية التي ال تتأثر عادة بتغيرات الظروف‪ .‬كما أنهم ال يتأثرون بالخيارات الشخصية التي تخضع لحسابات سياسية ضيقة قد‬
‫تؤثر‪ ،‬من خالل الجهل المتفائل‪ ،‬سلبًا على هذه القواسم المشتركة‪ ،‬بل وتؤدي إلى إنكارها من قبل فئات معينة من الناس في هذه‬
‫البلدان‪ .‬وقد تستهدفهم أيًض ا رغبات طموحة من الخارج‪ ،‬مدفوعة بالمنافسة أو التنافس‪ .‬لكن التراث المشترك ال يتزعزع ألنه‬
‫مبني على أسس اإلخالص والخير والصواب‪ ،‬امتثاًال لقول هللا تعالى‪( :‬يثبت هللا الذين آمنوا بالقول الثابت في الدنيا) وفي‬
‫اآلخرة»‪( .‬سورة إبراهيم‪ ،‬اآلية ‪)27‬‬

‫إن النهضة المباركة التي نشهدها‪ ،‬يا صاحب الجاللة‪ ،‬في تطوير العالقات مع الدول اإلفريقية‪ ،‬على أساس التشاور المتبادل‬
‫والخبرات وحماية الهوية والمنافع المشتركة‪ ،‬يجب أن تصاحبها حركة تحسيسية موجهة للمغاربة ومواطنيهم‪ .‬االخوة في الدول‬
‫االفريقية ‪ .‬ويجب تذكيرهم باألسس القوية التي أرساها أجدادهم‪ ،‬وأبرزها الثوابت المشتركة في المجال الديني‪ .‬وهذا أمر‬
‫ضروري اآلن عندما يتم استهداف الدين من قبل عدوه اللدود التطرف والتعصب‪ .‬وخارج القارة هناك كثيرون ينظرون إلى‬
‫الشعب األفريقي باعتباره "فريسة سهلة"‪ ،‬يمكن التالعب بهويته في تجاهل تام للعواقب المدمرة التي قد يترتب على مثل هذا‬
‫العبث‪ .‬إن الروابط الروحية بين المغرب والشعوب اإلفريقية مبنية على أساس الصالح والتقوى‪ ،‬وموجهة نحو اإلصالح‬
‫والتحسين‪ .‬ولما كان األمر كذلك‪ ،‬فإن الهوية (المشتركة) لهؤالء األشخاص لم تتعرض أبًد ا ألي خطر يتعلق باالختيارات‬
‫العقائدية أو المذهبية أو السلوكية‪ .‬اليوم‪ ،‬لألسف‪ ،‬بعض الناس‪ ،‬بعد أن فقدوا كل التقوى‪ ،‬انحرفوا عن طريق أسالفهم وعن‬
‫االحترام الذي أظهره هؤالء دائًم ا للتنوع واالختالف في جميع المجاالت المذكورة‪ .‬واألسوأ من ذلك أن اإلهمال الحالي‬
‫ألخالقيات التنوع واالختالف في مجال االجتهاد (أو ممارسة الحكم المستقل) ‪ -‬التي حافظ عليها أسالفنا بقوة ‪ -‬قد أدى إلى شر‬
‫وشيك وواسع االنتشار يثير معاناة الجميع والجميع ‪ . .‬ونتذكر هنا آفة التطرف الذي يعيث فسادا وينتهك الحرمات ويسفك‬
‫الدماء‪ .‬ويمكننا أن نتذكر بسهولة تحذير الكتاب المجيد حيث يقول هللا تعالى‪َ( :‬و اَّتُقوا ِفْت َن ًة اَل ُتِص يُب اَّلِذيَن َظ َلُموا ِم ْنُك ْم َخ اِّصيَن )‬
‫(سورة األنفال)‪ .‬اآلية ‪ .) 25‬آمل يا صاحب الجاللة أن تستمروا في مساعيكم الحالية في مجال تعزيز الشورى المتبادلة في‬
‫األمور الدينية‪ ،‬وتعزيز المصالح المتبادلة في الحياة الدنيا في هذه البلدان األفريقية‪ ،‬والتعاون معها بما يضمن أمنها الروحي‬
‫وتأكيده‪ .‬هويتهم الثقافية حول الثوابت المشتركة المذكورة آنفا‪.‬‬

‫وبما أن الكثير من الناس في العديد من البلدان اإلفريقية‪ ،‬وربما حتى في المغرب‪ ،‬يسمعون عن هذه الثوابت ولكنهم ال يعرفون‬
‫جوهرها أو أهميتها في الحياة الدينية وصلتها باألمن الروحي‪ ،‬فقد رأينا أنه من المفيد تذكير هؤالء بالثوابت‪ ،‬امتثاًال ألمر هللا‬
‫تعالى‪« :‬فذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين» (سورة الذاريات أو الرياح المشتتة‪ ،‬اآلية ‪ .)55‬وقد يتساءل البعض عن المعنى‬
‫المقصود من مصطلح الثوابت‪ .‬وتشير هذه الثوابت إلى االختيارات الدينية التي قام بها المغاربة‪ ،‬إلى جانب عدد من الشعوب‬
‫اإلفريقية‪ ،‬خاصة في غرب إفريقيا‪ ،‬في العقيدة‪ ،‬والمذهب‪ ،‬وسلوك الروحي‪ .‬يأخذ)‪ .‬وكان االختيار حرًا‪ ،‬نتيجة الجهود المستقلة‬
‫التي قام بها األئمة الطليعة الذين استمدوا القواعد الدينية من األصول‪ .‬وجميع هذه االجتهادات هي اجتهادات سنية سليمة ال‬
‫تختلف إال في التفاصيل الصغيرة والصغرى من حيث انسجامها وامتثالها للقواعد األساسية في مسائل العقيدة والعبادة‬
‫والمعامالت‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬تشكل هذه االختيارات مرجعية إيمانية وأمنية روحية‪ ،‬إذا جاز التعبير‪ ،‬وبالتالي ال ينبغي ألي‬
‫شخص من داخل المجتمع أو من خارجه أن يغيره‪ .‬وبسبب هذه االستمرارية عبر الزمن تسمى هذه االختيارات بالثوابت‪ .‬ومن‬
‫الواضح أن هذه الثوابت ليست جديدة بأي حال من األحوال‪ ،‬بل يمكن إرجاعها إلى عدة قرون مضت‪ .‬وقد وصفهم فيما مضى‬
‫الشيخ المغربي عبد الواحد بن عاشير فقال‪:‬‬

‫(التدريس) عقيدة األشعري‪ ،‬فقه مالك‪ ،‬وطريقة الجنيد (الصوفي)‬


‫وفي تكريس الثوابت الدينية المشتركة بين المملكة المغربية والدول اإلفريقية‪ ،‬تبرز رباعية أو باألحرى مجموعة مكونة من‬
‫أربعة أصول‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫إمارة المؤمنين (أو إمارة المؤمنين) ؛‬ ‫‪‬‬

‫المذهب المالكي (المذهب المالكي في الشريعة اإلسالمية)؛‬ ‫‪‬‬


‫العقيدة األشعرية (العقيدة األشعرية)؛ و‬ ‫‪‬‬

‫التصوف (أو تبني الصوفية)‬ ‫‪‬‬

‫الثابت األول‪ :‬إمارة المؤمنين (أو إمارة المؤمنين)‬


‫ولكل من هذه الشعوب األفريقية أمته الخاصة ونظامه السياسي الخاص‪ .‬وهذا النظام له شرعيته الحديثة من حيث االختيار‬
‫واالنتخاب‪ .‬إال أن المسلمين في كل من هذه البلدان يدركون األهمية الرمزية ألميرة المؤمنين في التاريخ اإلسالمي‪ ،‬وكذلك‬
‫تاريخها العريق والفعال في المملكة المغربية‪ .‬إنها إذن قواسم مشتركة رمزية ال تؤثر على الحياة السياسية في هذه البلدان‪،‬‬
‫ولكن ال تزال لها أهمية رمزية عبر عنها الشعب األفريقي مرارا وتكرارا‪ .‬وتجلت هذه األهمية أيًض ا في الموقف الذي اتخذه‬
‫بعض زعماء الديانات األفريقية الذين سعوا إلى تعزيز الروابط التي تربطهم بأجدادكم يا صاحب الجاللة‪ .‬حتى أن بعضهم سافر‬
‫آالف األميال لزيارة جدك في موطنه في المنفى‪ .‬كما يمكن رؤية هذا األصل الرمزي بسهولة في السعادة الروحية التي يرون‬
‫بها جاللتك ودفء الترحيب الذي يحتفظون به لك ‪ -‬وهو امتياز ال يمكن ألحد أن ينكره‪ ،‬إال األكثر جهاًل أو جاحًد ا للجميل‪.‬‬

‫أما تاريخ إمارة المؤمنين في المغرب‪ ،‬فينظر إليه األفريقيون بقدر كبير من اإلعجاب والتبجيل‪ ،‬لصحته وشرعيته‪ ،‬ومعالمه‬
‫وأحداثه السنية‪ .‬في الواقع‪ ،‬عندما جاء موالي إدريس إلى المغرب‪ ،‬فعل ذلك وفي يده وصية من أخيه‪ .‬ونذكر أن أخو إدريس‬
‫محمد بن عبد هللا (النفس الزكية) قد نال البيعة من أعيان وأعظم أهل المدينة المنورة ‪-‬بلدة الرسول‪ . -‬صلى هللا عليه وسلم قبل‬
‫أن تتم البيعة للعباسي أبي جعفر المنصور‪ .‬وعلى هذا األساس المشروع‪ ،‬بايعت شعوب المغرب العربي موالي إدريس‪ ،‬أول‬
‫شخص حمل لقب أمير المؤمنين (أمير المؤمنين) في هذا الجزء الغربي من العالم اإلسالمي‪ .‬كما أنه أول من أنشأ أول دولة‬
‫إسالمية مستقلة عن دولة المشرق‪ .‬وفي المشرق‪ ،‬رجح اإلمامان مالك بن أنس وأبو حنيفة إمامته على إمامة العباسيين‪ .‬كما‬
‫اعتبروا أن إمامته أصح من والية أبي جعفر المنصور‪ ،‬ألن البيعة تمت لمحمد بن عبد هللا النفس الزكية أوال‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فقد أنشئت إمارة المؤمنين في المغرب بعد أن استوفت جميع معايير صحتها‪ :‬وهي مبنية على أساس البيعة القانونية‬
‫والمشروعة‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فقد أيده اثنان من أكابر األئمة في اإلسالم‪ :‬مالك بن أنس‪ ،‬وأبي حنيفة‪ .‬وهكذا تأسست أول إمارة‬
‫المؤمنين في األحياء المغربية‪.‬‬

‫ومع بدء انفتاح الجزء الغربي من العالم اإلسالمي خالل العقد السادس من العام الهجري األول‪ ،‬تفاقمت األزمة مع ظهور‬
‫الطوائف واستمرار المعارضة لحكم الدولة األموية والعباسية‪ ،‬وأبرزها معارضة المؤيدين‪ .‬أهل البيت (أو آل النبي)‪ .‬وقد عانى‬
‫األخيرون من اضطهاد ال هوادة فيه من قبل الساللتين المذكورتين لعقود من الزمن‪ ،‬وتحديدا بين السنة األربعين ‪ -‬التي‬
‫للهجرة‬

‫تزامنت مع تولي معاوية السلطة ‪ -‬والعام ‪ 169‬الذي شهد مقتل محمد بن عبد هللا (ع)‪- .‬نفس الزكية) في موقعة الفخ (أو غزوة‬
‫الشرك) بالقرب من مكة‪ .‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬عانى المغرب أكثر من قرن من سوء اإلدارة على يد الحكام األمويين والعباسيين‪.‬‬
‫وفي سياق هذا الظلم المشترك‪ ،‬لجأ إدريس بن عبد هللا إلى المغرب‪ ،‬بعد أن نجا من الموت بأعجوبة في معركة الفخ‪ .‬وبذلك‬
‫كان أول أمير للمؤمنين ينال محنة البيعة بعيدًا عن المشهد الذي مزقته الحرب واالنقالبات‪ ،‬بعد الخلفاء الراشدين‪.‬‬
‫ومن المعروف أن أي نظام سياسي معين ال يكون شرعًيا إال إذا كان صحيًح ا وقادًر ا على توفير األمن واالستقرار الذي يمّك ن‬
‫الناس من االهتمام بشؤون الحياة الدنيا واالستعداد لحياة سعيدة‪ .‬في اآلخرة‪ .‬وذلك ألن اإلسالم هو رسالة هللا تعالى إلى جميع‬
‫عباده في أمور الدنيا والدين‪ .‬وكان ال بد أن تشتمل الرسالة على هدى مناسب يعينهم على تنظيم أمورهم في الدنيا التي هي‬
‫معاشهم‪ ،‬وفي اآلخرة التي هي دار المصير‪ .‬ولهذا كان من أول ما اهتم به رسول هللا صلى هللا عليه وسلم حين استقر بالمدينة‬
‫أن يضع أول حجر األساس لمجتمع آمن مستقر‪ ،‬يلتزم أفراده بتعزيز والتعاون الذي يحقق المنافع المتبادلة للجميع ويدفع الفساد‬
‫والظلم‪ .‬سيكون مجتمًع ا تديره دولة محنكة في الحكم ومشبعة بالحكمة لضمان أن تكون حياة المجتمع منظمة ومستقيمة‪.‬‬

‫الثابت الثاني‪ :‬المذهب المالكي (المذهب المالكي)‬


‫يبرز المذهب المالكي بين المذاهب الكبرى في الشريعة اإلسالمية‪ .‬وهو منسوب إلى إمام دار الهجرة (أو دار الهجرة) اإلمام‬
‫مالك بن أنس‪ .‬وهو من أكثر المدارس الفقهية شيوعًا وانتشارًا في بلدان الغرب اإلسالمي وكذلك في العديد من البلدان األفريقية‪.‬‬

‫ومن المعروف أن التجسيد األول للوحدة اإلسالمية‪ ،‬في إطار كيان سياسي قائم على البيعة والشورى‪ ،‬جاء بفضل مساعي‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في المدينة المنورة‪ .‬وهو النموذج الذي ظل المسلمون في أفريقيا يعتبرونه نموذجا مثاليا يستحق‬
‫المحاكاة واالمتثال الدقيق‪.‬‬

‫وكما كان الحال مع أهل المدينة‪ ،‬فإن الممارسات غير التقليدية لم تكن شائعة في معظم البلدان األفريقية بفضل ارتباط المسلمين‬
‫بالمذهب الذي أسسه اإلمام مالك‪ .‬وفي السياق نفسه‪ ،‬فإن من أبرز مميزات المغرب واألندلس أنه لم يتعرض أي من األئمة‬
‫السابقين الذين نالوا شهرة كبيرة للتشكيك أو التشهير‪ .‬وهذا ما دفع أبو الوليد الطرطوشي إلى أن يعزو هذا المكانة التي ال يرقى‬
‫إليها الشك إلى حقيقة أن سكان الغرب اإلسالمي متمسكون دائًما بالسنة والجماعة (أو السنة)‪ .‬وهذا بدوره سمح لهم باالبتعاد عن‬
‫االنغماس في الممارسات غير التقليدية والبدع غير المبررة في الدين‪ ،‬واتباع قدوة السلف الصالح‪ .‬وتشكل وحدة المذهب إحدى‬
‫القواسم المشتركة بين هذه البلدان‪ ،‬والتي تؤهلها بالفعل لتكوين وحدة عضوية قوية داخل األمة اإلسالمية في هذا الجناح الغربي‬
‫من العالم اإلسالمي وعبر أفريقيا‪.‬‬
‫واآلن إذا نظرنا إلى الخصائص الرئيسية للمذهب المالكي‪ ،‬نالحظ أنها تتمحور حول ما يلي‪:‬‬

‫الوساطة واالعتدال؛‬ ‫‪‬‬

‫التطور والتجديد؛‬ ‫‪‬‬

‫الواقعية‪ ،‬بمعنى أن االهتمام يتركز على األحداث الفعلية والمعاشة‬ ‫‪‬‬

‫خبرة؛‬

‫المرونة ويظهر ذلك بوضوح في القاعدة التي تنص على ضرورة مراعاة االختالف ومراعاةه‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فإنه يلعب دوًرا‬ ‫‪‬‬
‫مهًم ا في تحقيق التقارب بين مختلف مدارس الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫وفي الواقع‪ ،‬كان اإلمام مالك ال يزال على قيد الحياة عندما تأسست الدولة اإلدريسية في المغرب‪ .‬ويبدو أن إدريس بن عبد هللا‬
‫الكامل الذي عرف موطأ مالك هو أول من دعا المغاربة إلى اتباع طريقة مالك وقراءة الموطأ‪ .‬وقد روى ابن خلدون في مقدمته‬
‫أنه قال‪« :‬نحن أهل أن نتبع مذهب مالك‪ ،‬ونقرأ كتابه»‪ .‬وقد رسخت هذه القناعة فيما بعد خليفته ووريثه إدريس بن إدريس‪.‬‬

‫وينقل المراكشي في كتابه المعجب ما شهده عهد يعقوب المنصور من تطور فروع الفقه ومحاوالت القيام به‪ .‬من قبل السلطات‬
‫لوضع حد لها‪ ،‬من باب االحتياط ورغبة في حماية ضمير الناس‪ ،‬في وقت لم يتم فيه نصحهم وإشرافهم بشكل كاف من قبل عدد‬
‫كاف من الفقهاء والعلماء‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬عندما أدركت السلطات أن فرع القانون يشكل مساٍع جديرة باالهتمام‪ ،‬وليس في الحقيقة‬
‫مجموعة من المعرفة تهدف إلى إرباك الناس أو جعل عبادتهم الطقسية غامضة‪ ،‬سمحوا لها باالزدهار‪ .‬واليوم‪ ،‬يتعين على‬
‫الناس في البلدان األفريقية أن يفهموا أن المذهب (أو مدرسة الشريعة اإلسالمية) يهدف إلى حماية الناس من خطر االرتباك‪،‬‬
‫وخاصة داخل المساجد‪ .‬وعلى بعض إخواننا في الشام أن يتقي هللا ويحترم اختياراتنا المذهبية‪ ،‬ألن عامة الناس يتأثرون بسهولة‬
‫باالختالفات البسيطة‪ .‬كما أنهم يميلون إلى النظر إلى االختالفات غير المهمة على أنها اختالفات بين الحق والباطل‪ ،‬على الرغم‬
‫من أن الواقع غير ذلك‪.‬‬

‫الثابت الثالث‪ :‬العقيدة األشعرية‬


‫في عصر الرسالة‪ ،‬وحتى في عصر الخلفاء الراشدين‪ ،‬كان الشعب المسلم يشكل وحدة حقيقية‪ ،‬عقيدية وفكرية وجماعية‪ .‬وحتى‬
‫عندما ظهرت الخالفات‪ ،‬سرعان ما تمت تسويتها وتحقق الوفاق ألن الناس غالًبا ما كانوا يلجأون مباشرة إلى الكتاب (القرآن)‬
‫والسنة (التقليد)‪.‬‬

‫لكن في أواخر عهد الخلفاء الراشدين بدأت الفرق اإلسالمية في الظهور‪ .‬وفي العقود التالية‪ ،‬انتشرت أفكارهم وتطورت أكثر‪.‬‬
‫ومن المسائل التي يحتاج الناس إلى فهمها ما ذكره القرآن والسنة من طبيعة هللا تعالى وصفاته وفهم مقتضيات اإليمان‪ .‬لقد‬
‫فسرها بعض الناس بشكل حرفي بحيث يلتزمون بأبعاد نصية ضيقة‪ ،‬بينما أخذ آخرون الكثير من الحرية في تفسيرهم لتطوير‬
‫تصورات سلبية أو معيبة‪ .‬وكان هذا‪ ،‬في جوهره‪ ،‬مجال البحث المتعلق بالعقيدة‪ .‬وكما هو متوقع‪ ،‬انتشرت العقائد بما يتناسب‬
‫مع تنوع مدارس القانون‪ .‬ومن بين المدارس الكثيرة التي اهتمت بهذا المجال‪ ،‬برزت األشاعرة‪ .‬سميت باسم أبي الحسن‬
‫األشعري (توفي عام ‪ 324‬هـ)‪ ،‬وقد انطلقت المدرسة لمعارضة التأويالت التي اقترحتها الباطنية (مدرسة مهتمة بالجوانب‬
‫الباطنية للدين) والرافضة (الرافضة) ‪ .‬وهي فرقة تشكك في سلطة بعض الخلفاء)‪ .‬وفي هذا الصدد بذل المؤسس وأتباعه جهودًا‬
‫محمودة‪.‬‬

‫ولكي نبين للعامة لماذا كان اختيار المذهب األشعري ذا أهمية كبيرة‪ ،‬خاصة في عصرنا الحاضر‪ ،‬يمكننا أن نؤكد ما يلي‪ :‬إن‬
‫األشاعرة يعتبرون أن من اعتنق اإليمان يقول‪" :‬هناك" ال إله إال هللا "‪ ،‬وهو مؤمن حقيقي‪ .‬وكل شيء آخر متروك له وهلل‬
‫تعالى‪ .‬وهذا يعني أنه ال يجوز ألي شخص‪ ،‬بأي حال من األحوال‪ ،‬أن ُيتهم بالكفر (أو الكفر)‪ .‬ومن الواضح أن الجماعات‬
‫المعارضة للعقيدة األشعرية هي أكثر ميًال إلى إلقاء تهمة التكفير على الناس‪ ،‬بل وقتلهم على أساس تهم يعتقدون أنها تضعف‬
‫اإليمان‪ .‬وأول ضحايا هؤالء "المتعصبين" هم المسلمون‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فإن أفعالهم الشنيعة تلحق ضررا جسيما بسمعة‬
‫العقيدة اإلسالمية نفسها‪.‬‬

‫هذه إذن هي الثوابت والخصوصيات الدينية التي اعتمدها المغاربة والتزموا بها على مدى قرون‪ .‬كما أدرك علماء المالكية‬
‫أهمية ربط المذهب المالكي بالجانب العقائدي من أجل تحصين عقيدة الناس‪ .‬ولهذا الغرض فقد خصصوا أبوابًا تمهيدية كاملة‬
‫للمسائل العقدية‪ ،‬كما تدل على ذلك رسالة الرسالة التي كتبها أبي زيد القيرواني (المعروف أيضًا بالمالك الصغير أو المالك‬
‫الصغير المظومة)‪( .‬رسالة في الشعر) البن عاشر‪ ،‬و (الجامع من األحكام) لشهاب الدين القرافي‪.‬‬

‫إن أي حديث عن المدرسة األشعرية يسلط الضوء على مكانتها كمدرسة سنية أصيلة عززت العقيدة اإلسالمية إلى حد كبير عن‬
‫طريق أهل السنة والجماعة‪ ،‬وذلك تمشيا مع اإلسالم الذي حث المسلمين على تشكيل مدرسة واحدة‪ .‬المجتمع وااللتزام بالسنة‪.‬‬
‫لقد كان المذهب األشعري دائًم ا المذهب الرسمي لألئمة الكبار‪ ،‬مثل مالك بن أنس‪ ،‬وأبي حنيفة النعمان‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأحمد بن‬
‫حنبل‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬

‫فاإلمام األشعري (رحمه هللا) لم يخرج عن العقيدة ولم ينشئ مدرسة جديدة كاملة من فراغ؛ بل إنه ببساطة أعاد التأكيد على‬
‫المنهج الذي سار عليه السلف‪ ،‬ودافع بشدة عن ممارسات أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ .‬فاالنتساب إليه هو بمثابة‬
‫االعتراف بأن األشعري قد أظهر تمسكًا قويًا بطريقة السلف وشرع في البحث عن األدلة والبراهين التي تؤيده‪ .‬وأصبح أهل هذا‬
‫الطريق يعرفون باألشاعرة‪ .‬وأشار شيخ اإلسالم عز الدين بن عبد السالم إلى أن المذهب األشعري الذي حظي بإجماع المذاهب‬
‫الشافعية والمالكية والحنفية‪ ،‬استطاع أن ينتشر ويسود بفضل المنهج المعتدل الذي اتبعه‪ .‬قد اختار أن يخطو‪ .‬انتشرت العقيدة‬
‫األشعرية في العديد من بلدان العالم اإلسالمي‪ ،‬أوًال في العراق‪ ،‬ومن هناك إلى منطقة الشام (فلسطين وسوريا واألردن ولبنان‬
‫الحالية) وفي مصر‪ ،‬على فرق السلطان الناصر صالح الدين‪ .‬األيوبي‪ ،‬ثم بالمغرب‪ ،‬عبر مكتب أبي عبد هللا بن تومرت‪.‬‬

‫لقد اعتنق الشعب المغربي العقيدة األشعرية باعتبارها مدرسة عقائدية كاملة ذات قوة هائلة في اإلثبات واإلقناع والنقاش‪ .‬كما‬
‫اختاروها أيًض ا ألنهم شعروا أنها تحافظ على المبادئ العقيدية األساسية‪ ،‬وسعوا جاهدين إلى تجنب التشبيه (أو تجسيم اإلله)‬
‫والتعطيل (إنكار هللا لجميع الصفات)‪ .‬كما أعربوا عن تقديرهم العتداله ومساره الوسطي الذي تجاوز القراءات الحرفية‬
‫للنصوص والتفسيرات البعيدة االحتمال التي "تختطف" معاني النص دون داع‪.‬‬
‫وانتشرت العقيدة األشعرية في األمة اإلسالمية (المجتمع اإلسالمي عمومًا)‪ ،‬بحكم وسطيتها ووسطيتها‪ .‬وقد القت استحسانًا‬
‫وسرعان ما امتزجت بعلم السلوك اإلسالمي بعد أن أعجب المؤسس باإلمام عبد هللا الحارث بن أسد المحاسبي (توفي سنة‬
‫‪ 243‬هـ)‪ .‬وكان األخير أحد قادة الصوفية الرائدين واألكثر دراية‪ ،‬وكذلك المرشد الذي قام بتدريب شخصيات صوفية بارزة‬
‫مثل أبو القاسم الجنيد بن محمد‪.‬‬

‫الثابت الرابع‪ :‬التصوف‬


‫تشكل الصوفية وحركتها جزءا ال يتجزأ من تاريخ المغرب‪ .‬بل إنهم يشكلون عنصرا أساسيا وجوهريا في الهوية المغربية‪ ،‬عبر‬
‫التاريخ‪ ،‬كما أثبتته الدراسات التاريخية والفكرية والثقافية‪ .‬حصيلة هذا الواقع هي الحضور القوي زمانيا ومكانيا للصوفية‬
‫بالمغرب‪ ،‬وكذا إشعاعها الكمي والنوعي منذ بداية الفتوحات اإلسالمية مع عقبة بن نافع‪ ،‬وموسى بن نصير‪ ،‬وموالي إدريس‬
‫بن عبد هللا‪ ، .‬إلى يومنا هذا‪ ،‬في عهد أمير المؤمنين صاحب الجاللة الملك محمد السادس (حفظه هللا)‪ .‬وبالجملة فإن الصوفية‬
‫كانت وال تزال عنصرا حيويا وركيزة في حياة المجتمع المغربي وفي سلوك أفراده‪ .‬وبذلك أصبحت من أقوى ثوابت األمم‪،‬‬
‫متوافقة تماًما مع بقية الثوابت التي تعود أصولها إلى نفس المصدر‪ ،‬وهو كتاب هللا وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫تشكل سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أساس السلوك الصوفي عند المغاربة‪ ،‬سواء في األخالق الصوفية الجميلة أو‬
‫الممارسات الصوفية الفعلية‪ .‬ويبدو أن المغاربة قد وجدوا "جملهم الضال" إذا جاز التعبير في الجوانب العملية للسنة النبوية‬
‫التي هيأت التربة الزدهار األخالق الرفيعة والذوق الرفيع‪ .‬كما تمسكوا بالحديث النبوي واعتمدوا عليه في الحجة والتصور‬
‫والعمل‪ .‬وجاء في الحديث القدسي‪« :‬إن أوليائي من عبادي وأحبابي يذكرون كلما ذكرت‪ .‬وكذلك أذكر إذا ذكروا»‪.‬‬

‫في األدلة التي قدمناها أعاله فيما يتعلق باألصل السني للصوفية في المغرب‪ ،‬نالحظ أن هناك تقاربا في وجهات النظر بين‬
‫أقطاب الصوفية الرئيسيين (جمع قطب‪ ،‬حرفيا‪ ،‬قطبي‪ ،‬ولكن مجازيا‪ ،‬بارز وعالي للغاية)‪- .‬الزعيم الصوفي الجليل)‪ .‬وهذا‬
‫التقارب يوحي بصدق سلسلة اإلسناد واألدلة السنية التي يدعيها الصوفية المغربية‪ .‬والحقيقة تكتسب أهمية أعمق عندما نستشهد‬
‫بحديث نبوي يرفع من مكانة أهل الغرب اإلسالمي (وهم أهل المغرب العربي في الواقع)‪ ،‬حسب بعض المفسرين‪ .‬وروى مسلم‬
‫عن سعد بن أبي وقاص أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪« :‬ال يزال أهل الغرب على الدين‪ ،‬إلى قيام الساعة»‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد يقول عبد الرحمن بن الجوزي‪« :‬لقد رأيت أن االشتغال بالفقه وسماع الحديث ال يكاد يكفي الستقامة القلب‪.‬‬
‫وهذه األنشطة تحتاج إلى تعزيزها بأرقى القيم األخالقية والتأمل في قصص حياة وسلوك السلف الصالح (للدروس األخالقية)”‪.‬‬
‫وفي نفس السياق يقول حجة اإلسالم أبو حامد الغزالي‪“ :‬الصوفية من أول من سلك طريق هللا تعالى‪ .‬وذلك ألن حركاتهم‬
‫وسكونهم كلها‪ ،‬وظاهرهم وأفعالهم‪ ،‬وباطن مشاعرهم مستمدة من نور مشكاة النبوة المضيئة‪ .‬وليس هناك نور آخر غير نور‬
‫النبوة يهدي إليه»‪.‬‬

‫ويبدو أن التمسك بأصول ( الكتاب والسنة) هو أساس تعاليم الطرق الصوفية‪ .‬كما أنه المعيار األساسي في المغرب لتمييز‬
‫الصواب عن الخطأ‪ .‬وهذا يفسر لماذا كان أبو الحسن األشديلي يخاطب تالميذه ذات يوم قائًال‪" :‬إذا خالفت نورتك الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬فتمسك بالكتاب والسنة‪ ،‬واترك سعيك‪ ،‬وأخبر نفسك أن هللا" وقد ضمن لي العصمة بالكتاب والسنة‪ ،‬ال باإللهام والتنوير‬
‫والرؤى‪ ،‬إال إذا كانت خاضعة لسلطان الكتاب والسنة»‪.‬‬

‫واآلن‪ ،‬إذا أردنا أن نأخذ في االعتبار الدور الذي لعبته الطرق والقادة الصوفيون المغاربة في نشر اإلسالم‪ ،‬فإن مجرد النظر‬
‫في تاريخ أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يفي بالغرض‪ .‬ويكشف عن اإلنجازات التي حققها التيجانيون والكونتيون والفاضليون‬
‫والمالينيون في األجزاء الغربية من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى‪ ،‬حيث برزت دولة عمر الفوتي بهويتها اإلسالمية الصوفية‬
‫التجانية إلى حد ما‪ .‬ومن الجدير بالذكر أيًض ا إنجازات المدرسة األحمدية اإلدريسية وفروعها في األجزاء الشرقية من بالد‬
‫السودان (أرض ذوي البشرة الداكنة) لصالح اإلسالم والمسلمين‪.‬‬

‫إال أن االتجاه الذي ساد كممثل حقيقي لطريقة الجنيد الصوفية هو التوجيه والعمل والسلوك الصوفي الموجه‪ ،‬وهو ما يعرف‬
‫أيًض ا بالتصوف العملي‪ .‬ومن بين الطرق التي تنتمي إلى هذا التصور من الصوفية‪ ،‬رغم أنها في حد ذاتها طرق كاملة‬
‫ومستقلة‪ ،‬ولها زعماء بارزون وسمات مميزة‪ ،‬يمكن أن نذكر‪:‬‬

‫المدرسة القادرية ;‬ ‫‪‬‬

‫الشاذلية‪ .‬مدرسة ؛‬ ‫‪‬‬

‫المدرسة التيجانية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫تبرز المدرسة القادرية كأول مدرسة صوفية ظهرت في اإلسالم‪ ،‬أما المدرسة األشدلية فهي أكثر المدارس انتشارا وأيضا بأكثر‬
‫فروعها انتشارا في المغرب والمشرق (المنطقتين الغربية والشرقية من بالد الشام)‪ .‬العالم اإلسالمي‪ ،‬على التوالي)‪ .‬ومن أمثلة‬
‫هذه الفروع‪ :‬الجزولية‪ ،‬الزروقية‪ ،‬الوفائية‪ ،‬الناصرية‪ .‬وغيرهم ‪ -‬كلهم ممثلون لطريقة اإلمام الجنيد‪ .‬تتمتع المدرسة التيجانية‬
‫بشهرة عالمية‪ ،‬مع انتشار قوي في أفريقيا‪ .‬ويعرف أتباعها باسم التيجانيين (أو التيجانيين)‪.‬‬

‫المدارس الصوفية في أفريقيا ومعالمها وأعالمها‬


‫وقد امتد اختيار الشعب المغربي للجنيدي إلى أفريقيا من حيث العلم والممارسة الفعلية‪ .‬كتب التاريخ والسير الذاتية‬
‫والببليوجرافيات‪.‬‬

‫ومن المعروف أن قنوات االتصال الصوفية بين المغرب وإفريقيا تطورت في وقت مبكر جًد ا‪ .‬تشير المصادر التاريخية إلى أن‬
‫بالد شنجيت (موريتانيا الحالية) كانت بمثابة جسر لعبور المدارس الصوفية المغربية من المغرب إلى إفريقيا عبر السنغال‪.‬‬
‫وهذا هو حال القادرية؛ مدارس البقعية والفاضلية واألشددلية والتيجانية‪ .‬وجميع هذه المدارس هي األحدث انتشاًر ا في بالد‬
‫شنجيت‪ ،‬وكذلك األكثر انتشاًر ا في غرب أفريقيا‪.‬‬

‫ولم يكتف مشايخ الصوفية المغاربة بسعيهم إلى ترسيخ قيم التسامح والتعايش فحسب‪ ،‬بل رفعوا التحديات وتصدوا للمخاطر‬
‫التي تحدق بالقارة اإلفريقية‪ .‬كما ساهموا في تعزيز الروابط الروحية واألخالقية بهدف نشر القيم السامية لإلسالم المعتدل‪.‬‬
‫وبالمثل‪ ،‬وعبر التاريخ‪ ،‬أبدى المغرب اهتماما بالمنتسبين للطرق الصوفية في هذه الجهات‪ ،‬من خالل الحفاظ على الروابط‬
‫الروحية التي تربط سكان البلدان األفريقية وأمير المؤمنين والمدافع عن الدين والمؤسسات ذات الصلة وتعزيزها‪ .‬ومن المؤكد‬
‫أن هذا التراث الروحي والتربوي قد ساهم في ترسيخ قيم السالم والتسامح والوسطية والوسطية لتحقيق االستقرار واليقين‬
‫والسكينة (الروحية)‪.‬‬

‫النموذج الديني المغربي‪ ،‬معزز بالثوابت الثالثة – العقيدة (األشعرية)‪ ،‬والمذهب (المالكي)‪ ،‬والتصوف – تحت رعاية إمارة‬
‫المؤمنين التي تكفل الحماية والحصانة لهذا النموذج الديني المعتدل‪ .‬وهو ما أعطى المغرب مكانة خاصة تتيح له استقبال نخبة‬
‫من الطالب األفارقة وأيضا عدد من الطالب من الدول األوروبية الذين يستفيدون من التكوين في معهد محمد السادس لتكوين‬
‫المرشدين والمرشدات (سيدات المرشدات الدينيات)‪ .‬ويتلقى جميع هؤالء المتدربين تعليمًا دقيقًا في المبادئ الدينية‪ ،‬وفق منهج‬
‫وأسلوب وسطيين موجهين نحو تحقيق األمن والسالم واألمن والطمأنينة‪.‬‬

‫الثوابت كعامل للوحدة بين المغرب والدول اإلفريقية‬


‫إن موالي (جاللته) ثابت اإلمامة األعظم له أهمية قصوى من حيث الدور الذي يلعبه في حفظ الثوابت وحراستها‪ .‬وهذا دور‬
‫طبيعي‪ ،‬بالنظر إلى األمانة الموكلة إلى اإلمام األكبر‪ ،‬المنوط به حماية الدين‪ ،‬وكذلك مصطلح البيعة الشرعية الملزمة لألمة‬
‫وولي أمريتها‪.‬‬

‫ومن بين فروع رعاية جاللتكم للبلدان اإلفريقية ‪ -‬وهي كثيرة ‪ -‬تبرز مؤسسة علمية إفريقية تسمى مؤسسة محمد السادس‬
‫للعلماء األفارقة‪ ،‬ومقرها فاس‪ ،‬منارة العلم واإليمان‪ .‬ال تزال المؤسسة في بدايتها‪ ،‬وهي تجمع بالفعل مجموعة نخبة من السادة‬
‫وعلماء الدين الذين يجتمعون لتبادل اآلراء‪ ،‬والتواصي بالحق والصبر‪ ،‬ومناقشة أي مسألة تهم قارتنا وعلمائنا الدينيين وشعبنا‪.‬‬
‫الشريعة (القانون المنزل)‪ .‬وكل هذا‪ ،‬بطبيعة الحال‪ ،‬يمكنهم من تقديم مساهمات ملحوظة في تحقيق األمن األخالقي لقارتهم‪.‬‬
‫ومع تزايد أعمال هذه المؤسسة‪ ،‬إن شاء هللا‪ ،‬ستظهر إلى الواجهة اآلثار الحميدة ألعمالكم النبيلة لصالح الثوابت الدينية التي‬
‫تجمع المسلمين في أفريقيا‪ .‬إن مساهماتكم في إرساء األمن الروحي والنظام العام في هذه البلدان‪ ،‬وخارجها‪ ،‬في العالم بأسره‪،‬‬
‫ستكون واضحة للجميع‪ .‬وبفعلك هذا‪ ،‬فإنك ال تطلب مكافأة أو شكًر ا؛ أنت ببساطة تستجيب ألمر رب العالمين‪" :‬وقل اعملوا‬
‫فسيرى هللا عملكم ورسله والمؤمنون"‪ .‬ونسأل هللا أن نكون من المؤمنين الذين يشهدون على اإلنجازات التي حققتها إمارة‬ ‫الصالحات‬

‫المؤمنين‪ .‬وستكون اإلنجازات ملحوظة بالنظر إلى ما حققته قيادة محمد السادس في فترة عشر سنوات‪ .‬إن المآثر كثيرة‬
‫وعظيمة لدرجة أنه ال يمكن حصرها في مثل هذا الزمان والمكان القصيرين‪.‬‬
‫تقبل هللا أعمالكم كلها يا موالي!‬

‫السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته عليكم جميعا!‬

‫[‪ ]1‬محاضرة حسانية ألقاها أمام أمير المؤمنين صاحب الجاللة الملك محمد السادس‪ ،‬ألقاها البروفسور ‪ .‬روان مباي‪ ،‬األستاذة‬
‫بجامعة الشيخ أنتا ديوب في داكار‪ ،‬السنغال‪ ،‬في ‪ 6‬رمضان هـ (‪ 22‬مايو م)‪ ،‬في‪“ :‬المحاضرات الحسانية رمضان‬
‫‪2018‬‬ ‫‪1439‬‬

‫‪1439‬هـ ‪ /‬مايو – يونيو ‪2018‬م”‪ ،‬منشورات وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬ص‪.”45-33:‬‬

You might also like