You are on page 1of 4

‫إن الدعوة لهذا المؤتمر العظيم جاءت بأمر من هللا تعالى لنبيه إبراهيم الخليل – عليه الصالة والسالم

– ‪:‬‬
‫ِيق }‪ ،‬وهى دعوة قديمة‪ ،‬ومكان‬ ‫ضام ٍِر َيْأت َ‬
‫ِين مِنْ ُك ِّل َف ٍّج َعم ٍ‬ ‫اس ِب ْال َح ِّج َيْأ ُتو َ‬
‫ك ِر َجااًل َو َعلَى ُك ِّل َ‬ ‫{وَأ ِّذنْ فِى ال َّن ِ‬
‫َ‬
‫االنعقاد الدائم الذى ال يتغير هو بيت هللا الحرام وأكنافه المقدسة التى جمعت بين البركة اإللهية‪ ،‬والعراقة‬
‫‪.‬التاريخية‪ ،‬والحرمة الدينية‬

‫يقول الرسول الكريم صلى هللا عليه وسلم‪ :‬أما علمت أن اإلسالم يهدم ما كان قبله‪ ،‬وأن الهجرة تهدم ما كان‬
‫قبلها‪ ،‬وأن الحج يهدم ما كان قبله ؟ ولمَّا سُئل عليه السالم‪ :‬أى األعمال أفضل؟ قال‪ :‬إيمان باهلل ورسوله‪.‬‬
‫‪.‬قيل‪ :‬ثم أى ؟ قال‪ :‬جهاد فى سبيل هللا‪ .‬قيل‪ :‬ثم أى ؟ قال‪ :‬حج مبرور‪H‬‬

‫إن أعظم وأكبر وأقوى مؤتمر يعقد فى كل عام هو الحج‪ ,‬فالحج بالنسبة لألمة اإلسالمية مؤتمر عظيم ‪,‬‬
‫يجتمع فيه المسلمون بأشهر معلومات‪ ,‬وأيام معدودات بهذه األعداد الكبيرة فى كل عام‪ ,‬فهو بحقيقة األمر‬
‫أعظم مؤتمر لألمة اإلسالمية‪ ,‬حتى أنه أعظم مؤتمر بالنسبة للبشرية كلها‪ ,‬فال يوجد على وجه األرض‬
‫مؤتمر‪ H‬آخر يجتمع فيه المسلمون بأعداد كثيرة فى أى مكان‪ ,‬وفى أى زمان من العالم كاجتماعهم فى الحج ‪,‬‬
‫‪.‬ولو تـُرك األمر للمسلمين ألصبحت أعدادهم أضعافا ً مضاعفة مما هى عليه اليوم‬

‫حقا ً إنه مؤتمر‪ H‬جامع لم تألف مثله البشرية فى ظل أى مبدأ من المبادئ‪ ،‬أو أيدلوجية من األيدلوجيات‪ ،‬إنه‬
‫مؤتمر‪ H‬مازالت تتعاقب على حضوره أجيال المسلمين المتالحقة عاما ً بعد عام ‪ ،‬ويجتمع‪ H‬فيه الحجاج الذين‬
‫وفدوا من كل بلد وصل إليه اإلسالم وأشرقت‪ H‬فى ربوعه كلمة التوحيد‪ ,‬ألوان شتى‪ ،‬وألسنة مختلفة‪،‬‬
‫‪.‬واختصاصات‪ H‬متعددة‪ ،‬كلها قد التقت على صعيد واحد فى هذا المؤتمر‪ H‬العالمى الفريد‬

‫نعم إن الحج واحدة من العبادات الرئيسية الكبرى التى يتعبد بها المسلمون‪ ،‬ولعل من أسرار‪ H‬هذه العبادة أن‬
‫يجمع هللا عز وجل مندوبين من كل بلد مسلم ليلتقوا فى تلك الرحاب المقدسة الطاهرة فيتدارسوا أحوالهم‪،‬‬
‫ويوحدوا جهودهم‪ H‬ويستفيدوا من خبرات بعضهم بما يرفع شأنهم ومكانتهم بين أمم األرض قاطبة‪ ،‬ويعيدهم‬
‫‪.‬إلى دور الريادة والقيادة الذى ضاع منهم منذ أن اغتربت حقائق اإلسالم فى ساحة حياتهم‬

‫إن الحج ركنٌ من أركان اإلسالم الخمسة‪ ,‬وهو فرض على ك ِّل مستطيع‪ ,‬ذكراً كان أو أنثى‪ ,‬وهو مؤتمر‬
‫سنوى‪ ,‬إالَّ أن مشكلة األمة اليوم أنها ال تتعامل مع هذا الحدث العظيم كما يجب أن تتعامل معه‪ ,‬نعم‪ :‬إنها ال‬
‫ب وصوب‪ H,‬وإنما تتعامل مع هذا‬ ‫تتعامل مع هذا الحدث العظيم على أنه مؤتمر‪ H‬لألمة اإلسالمية من ك ِّل َحدَ ٍ‬
‫المؤتمر العظيم على اعتبار أنه عمل فردى يلتقى فيه الناس لوقت معلوم! ثم يعودون من حيث جاؤوا! نعم‪:‬‬
‫هكذا يتعاملون‪ ,‬بمعنى أن كل مسلم يذهب للحج‪ ,‬فيحج ثم يعود إلى بيته بدون أن يضيف إليه هذا االجتماع‬
‫‪.‬شعور‪ H‬باالنتماء إلى هذه األمة‬

‫هذا المؤتمر العالمى للمسلمين الذى يجب أن يتدارسوا فيه جل أمورهم‪ H‬وأهمها‪ ،‬فى جو من الحب والتجرد‪H‬‬
‫والتقرب إلى هللا تعالى‪ ،‬ينبغى أن تزال فيه االنقسامات‪ ،‬و ُت َح ُّل فيه الصراعات‪ ،‬وتتآلف القلوب‪ ،‬هذا التجمع‬
‫الفريد يجب أن يُست َغ َّل وال يضيع‪﴿ ،‬لِ َي ْش َه ُدوا‪َ H‬م َناف َِع لَ ُه ْم﴾ (الحج‪ :‬من اآلية ‪ ,)28‬وأفضل‪ H‬المنافع وأحسن‬
‫‪.‬التآخى هو الحب فى هللا‪ ،‬واالجتماع على غاية واحدة وهدف سواء‬

‫ولكن األعوام تمر‪ ،‬والحال هو الحال‪ ،‬وكأن األمر ليس له صلة من قريب أو بعيد بالناحية اإلسالمية أو‬
‫الدينية‪ ،‬وكأن الحجيج جماعة شردوا من أممهم وليست لهم صلة بفرائضهم وشعائرهم‪ ،‬مع أنهم قد حضروا‪H‬‬
‫من بالد قد تسير المظاهرات و تقوم الدنيا و تقعد من أجل مصالح ضيقة تخص الحكام و لكن مصالح األمة‬
‫‪!.‬ال يلتفت إليها‬

‫الحج عم ٌل عظيم مبارك‪ ،‬ولكن هل يُصدق إنسان عاقل أن اجتماع هذا العدد الهائل من الناس فى صعيد‬
‫واحد! وفى أيام ٍمتتالية ال يمكن أن يؤدى إلى تغيير عظيم على مستوى الدنيا جميعها‪ ,‬إذا ما وُ جِّ ه الوجهة‬
‫الصحيحة ؟! وهل يمكن أن يصدق‪ H‬إنسان عاقل بأن اجتماع هذا القـَدر من الناس فى مكان واحد‪ ,‬وفى‪ H‬وقت‬
‫واحد‪ ,‬ال يمكن أن يُغير لألفضل! على العكس تماما! فالذى يتبادر للذهن بأنه إذا لم يكن هناك قدرة للناس‬
‫على التغيير وهم متفرقون! فإن اجتماعهم هذا يقربهم من التغيير المنشود‪ ,‬ولكن المعضلة أن هذا التغيير ال‬
‫‪!.‬يجرى‬
‫على الرغم من رضوان هللا تبارك وتعالى‪ H,‬وعلى الرغم من األجر العظيم‪ H‬الذى يكرم هللا به الحجيج‪ ,‬حين‬
‫يُباهى بهم مالئكته وقد جاؤوا إلى بيته شـُعثا غـُبرا‪ ,‬ويشهدهم‪ H‬أنه قد غفر لهم‪ ,‬إن الحج هو مؤتمر سنوى‬
‫لألمة اإلسالمية‪ ،‬رغم كونه فرضا ً على الفرد مرة فى عمره‪ ،‬وفى هذا إشارة إلى أن المقصود األعظم من‬
‫الحج هو اجتماع المسلمين فى هذا المؤتمر‪ H‬الكبير ليشهدوا منافع لهم‪ ،‬إضافة إلى المنفعة الفردية التى تتحقق‬
‫‪.‬للمسلم بأن يعود من ذنوبه كيوم ولدته أمه‬

‫ال يخفى على أحد أن وحدة المسلمين تقف على رأس منافع األمة اإلسالمية اليوم‪ ،‬فما أحوجنا للوحدة بعد أن‬
‫‪.‬تشرذمنا وتفرقنا‬

‫ما أحوجنا للوحدة كى نواجه أعداءنا‪ ،‬ونسترد‪ H‬ديارنا المغصوبة‪ ،‬وننقذ مقدساتنا‪ H‬المدنسة‪ ،‬ونصون أعراضنا‪H‬‬
‫‪.‬المنتهكة‪ ،‬ونعيد ثرواتنا‪ H‬المنتهبة‪ ،‬وننتصر‪ H‬لنبينا الكريم عليه الصالة والسالم‬

‫ما أحوجنا للوحدة كى نحوز على رضا ربنا وخالقنا ورازقنا‪ H‬الذى أتاح للحجاج منا فرصة االجتماع‬
‫والمشاركة فى هذا المؤتمر العظيم لغفران الذنوب والتنقية من الخطايا ولكن كيف تتحقق الوحدة و أزمات‬
‫‪.‬المسلمين ال تنتهى؟‬

‫إن عدد الحجيج الكبير‪ ,‬والطاقة البشرية الهائلة‪ ,‬واالجتماع‪ H‬فى بيت هللا الحرام فى هذا الموسم‪ H‬العظيم‪ ,‬وهذا‬
‫المنسك الكريم‪ ,‬الذى تتجه فيه أنظار المسلمين إلى هذا المكان‪ ,‬فى هذه األيام المباركات‪ ,‬فى هذا المؤتمر‬
‫الكريم‪ ,‬و ينالون رحمته ورضوانه ومغفرته وبركاته‪ ,‬وتحم ُل المسلمين هذه المشقة وهذا التعب‪ ,‬وتلك‬
‫‪.‬المسئوليات‪ ,‬وكل هذه التكاليف‪ ,‬وهم يرجون رحمة ربهم الذى وعدهم بالمغفرة والرحمة بإذنه‬

‫نعم ال نبالغ فى الحقيقة حينما نقول بأن تفكير الكثير من المسلمين ضيق للغاية‪ ,‬وهمهم فردى‪ H‬متعلق‬
‫بأشخاصهم‪ ,‬نعم يجتمع ماليين البشر فى صعيد واحد‪ ,‬يذهب المسلم للحج ويعود‪ H‬وهمُّه الهدايا ! ثم يستمع‬
‫كما فى كل عام لخطبة يوم عرفة المكررة يثنى صاحبها‪ H‬على الحكام‪ ,‬وكأنهم‪ H‬أعادوا األندلس وطهروا‬
‫فلسطين‪ ,‬وأنقذوا العراق‪ ,‬وأجابوا‪ H‬نداء األفغان‪ ،‬ثم يعود بعد ذلك إلى سابق عهده بالحياة وكأن شيئا لم يكن‪,‬‬
‫‪.‬وكأن المسلمين بأحسن حال وأهنأ بال‬

‫واألصل أن يكون هذا المؤتمر لمعالجة قضايا‪ H‬المسلمين كافة‪ ,‬فقد كانت مواسم الحج فى السابق‪ H‬مؤتمرات‪H,‬‬
‫فالرسول‪ H‬عليه السالم كان يتقصد قبائل الحجيج فيدعوهم إلى هللا‪ ,‬وكذلك الحال زمن الخلفاء الراشدين ومن‬
‫خلفهم من بعدهم كانوا يعتبرون موسم الحج بمثابة تأكيد على وحدة بالد المسلمين كلها‪ ,‬واألصل فينا أن‬
‫نكون قد بدأنا بهذا منذ زمن بعيد‪ ,‬نقرب الناس ونبين لهم على أن موسم الحج يجب أن يكون مؤتمراً للتغيير‬
‫‪ .‬فى بالد المسلمين‬

You might also like