Professional Documents
Culture Documents
الفكر السياسي الإغريقي القديم عند السفسطائيين و سقراط
الفكر السياسي الإغريقي القديم عند السفسطائيين و سقراط
اتجه الفكر اليوناني في منتصف القرن األول قبل امليالد إلى االهتمام بالوجود الطبيعي القائم على
املالحظة و التحليل أكثر من االهتمام بالقضايا األسطورية و التفسيرات امليتافيزيقية و هذا ما أنتج
فكرا اختلطت فيه بداية؛ األسطورة و ما وراء الطبيعة مع االستنتاجات العقلية للواقع املوضوعي
املادي ،حيث ساعد نمو التجارة و الرخاء املادي و وجود وقت فراغ كافي لالهتمام و التأمل في مختلف
جوانب الوجود و منها اإلنسان في حد ذاته ،و بذلك ظهرت مذاهب فكرية متعددة استخدمت العقل
من أجل الوصول إلى املعرفة الحقيقية ،أي املعرفة من أجل املعرفة في حد ذاتها ال لغاية نفعية مادية
من ورائها ،و بتطور الحياة االقتصادية و االجتماعية و تغيرها في بالد اإلغريق عامة و أثينا خاصة ظهر
مجموعة من املفكرين ُس ّم ُيوا بالسفسطائيين حاولوا االنتقال في بحثهم من دراسة الطبيعة و البحث
عن املعرفة املطلقة لذاتها إلى البحث بدال عن ذلك في اإلنسان و قضايا اليومية و الوسائل املعرفية
التي من خاللها يحقق مصلحته الشخصية ،و بذلك انتقل الفكر معهم من كونه فكرا أسطوريا ثم
فكرا طبيعيا إلى كونه فكرا إنسانيا فرديا محضا.
1
.1تعريف السفسطائيين:
ترجع كلمة السفسطائي في أصلها اليوناني إلى كلمة حكمة املشتقة من املفردة اليونانية
Sophiaأو ، Sophosو هي تعني معلم الحكمة ،فالسفسطائيون إذا هم مجموعة من محترفي مهنة
التعليم الذين أخذوا على عاتقهم تعليم الشباب بأجر مالي فنون الجدل و الخطابة ،بوصفهما
أفضل و أسهل الطرق و أكثرها قدرة على تحقيق النجاح السياس ي ،و قد تميز السفسطائيون
بالثقافة الواسعة ألنهم كانوا من أصول و مدن مختلفة بقيم و أفكار مختلفة نهلوا من مصادر
معرفية متعددة أكسبتهم غزارة و تنوع معرفي و براعة خطابية و بالغية.
و من أهم مفكريهم :أنتيفون ،بروتاغوراس ،كالكيز ،تراسيماخوس.
.2أهم أفكارهم:
▪ االهتمام بدراسة اإلنسان و قضاياه و مشكالته اليومية و االبتعاد عن دراسة اإلالهيات و
األساطير و مواضيع العلم الطبيعي.
▪ االهتمام بالفرد و اعتباره محورا الهتمامهم ،فجعلوا من نجاحه و سعادته موضوع انشغالهم.
▪ سعوا إلى تعليم تالميذتهم االنشغال بتفاصيل حياتهم العملية و مشكالتهم اليومية و الطرق
املؤدية إلى النجاح السريع مركزين على ما هو نافع و مفيد و ليس على ما هو حقيقي و صحيح.
▪ آمن السفسطائيون بقيم تختلف عن القيم السائدة في أثينا ،فكانت قيمهم مرتبطة باملنفعة و
املصلحة و الذاتية و الفردانية و السعادة و اللذة...الخ.
▪ اعتبروا أن اإلنسان مقياس كل ش يء فهو الذي يحدد قيم الخير و الشر ،السعادة و املنفعة ،و
ليست األخالق أو القوانين أو الدين.
▪ اعتبروا أن املعرفة نسبية رافضين القول بوجود حقيقة مطلقة في هذا العالم.
▪ آمنوا بأن الحق و الحقيقة مرتبطان بالقوة و من يملك القوة يفرض الحقيقة التي يراها في
مصلحته.
▪ اهتموا بالنزعة الفردية و سمو الفرد في بحثه عن السعادة و املصلحة بعيدا عن القيود الدينية و
األخالقية و القانونية.
▪ رفضوا القوانين الوضعية و اعتبروها ابتكارا بشريا تعسفيا يتعارض مع روح الطبيعة.
▪ كما اعتقدوا بعدو وجود قوانين عادلة ألن العدالة املطلقة غير موجودة و القوانين تضعها فئة
لتخضع بها فئة أخرى و تسرق منها ثمار و قوة أفرادها.
2
ثانيا الفكرالسياس ي عند سقراط:
)1املولد و النشأة:
في الحقيقة ال نعرف عن سقراط سوى كونه من أبناء إحدى الجزر اليونانية ،كان يعلم الفلسفة
للناس في أسواق أثينا و شوارعها دون أخذ أجر على ذلك ،حوكم عام 399ق.م بتهمة اإلساءة إلى اآللهة
و إفساد عقول الشباب و ُحكم عليه باملوت و عمره حوالي سبعون عاما ،عاصر السفسطائيين و تأثر
بهم من خالل تركيزه على البحث في اإلنسان و ليس الطبيعة ،لكنه عارضهم و وقف في مواجهتهم ،و
رفض آراءهم حول القيم و القوة و عدم الخضوع للقوانين...الخ.
)2منهجه:
استخدم سقراط في حواراته منهجا ارتبط باسمه هو املنهج التهكمي التوليدي الذي يقوم على
دعامتين:
الشك و السخرية :حيث يدعي سقراط عدم املعرفة ،فيطرح أسئلة متتالية بطريقة جدلية مدعيا
الجهل و معطيا للمجيب افتراضه معرفة الجواب مسبقا ،ثم يدفعه إلى نقض ما سبق من آرائه بنفسه
إلى أن يصل إلى الحقيقة التي يريدها سقراط لكنه يستنتجها وحده ،فسقراط كان يرى أن الحقيقة
مختزنة في أعماق اإلنسان و تحتاج فقط ملن يستخرجها.
االستنباط و التوليد :عن طريق الحوار و التساؤل يساعد سقراط محدثه و محاوره و يحثه للوصول
إلى الحقيقة املختزنة في أعماقه فيستنتجها بنفسه.
)3أفكاره:
تتلخص أبرز أفكاره السياسية في ما يلي:
▪ عارض الديمقراطية اإلغريقية القائمة على املساواة و على تولي املناصب السياسية عن طريق
القرعة ،فاملساواة عنده ال تعني العدالة؛ ألنه من غير املمكن مساواة الذين يعلمون بالذين ال
يعلمون ،فكما أن ربان السفينة يجب أن يكون عارفا بفنون اإلبحار كي يكون قائدا للسفينة،
كذلك السياسيين يجب أن يكونوا من أصحاب العلم و املعرفة بشؤون الحكم و فنونه لكي يتولوا
شؤون الحكم.
3
▪ رفض الحكم الذي تمارسه الجمعية العامة القائمة على تساوي األدوار و األصوات ألولئك الجهلة
بفن السياسة مع الحكماء و أصحاب املؤهالت و الخبرات و املعرفة.
▪ رأى سقراط أن الفضيلة هي املعرفة و املعرفة هي الفضيلة بمعنى أن مصدر الفضيلة هي املعرفة و
الوصول إلى املعرفة هو فضيلة في حد ذاتها ،فالعقل حسب سقراط يتوصل عن طريق البحث و
التأمل و التفكير إلى معرفة الفضيلة ،و هو يقصد بذلك أن الخير و الفضيلة يمكن إدراكهما عن
طريق العقل بمعزل عن رغبات اإلنسان.
▪ رأى سقراط أن اإلنسان خير بطبعه و هو ال يفعل الشر إال لجهله به ،لذلك فهو يدعو إلى
التعليم ،و التعليم وحده من يوصل إلى الفضيلة التي هي أساس صالح املجتمع.
▪ دعا سقراط إلى تولي الحكماء و أصحاب املعرفة لشؤون الحكم و السلطة ،ألنهم يتسمون
بالفضيلة التي وصلوا إليها عن طريق العلم و الحكمة و ليس بالقرعة و االنتخاب.
▪ دعا إلى حكم الفيلسوف املطلق ألنه األكثر فضيلة و حكمة و علما ،و بذلك كان سقراط عدوا
للنظام الديمقراطي األثيني.
▪ رأى سقراط أن العدالة هي احترام القوانين و الخضوع لها مهما كان مصدرها و طبيعتها ،ألن
القوانين هي نتاج العقل و هي إخضاع الغرائز األدنى في اإلنسان للعقل املتجسد في القوانين.
▪ في األخير دفع سقراط حياته ثمنا إليمانه بفكرة سيادة القانون ،عندما رفض الهرب من السجن و
التخلص من حكم اإلعدام ،الن في هروبه خرقا للقوانين حتى و لو كانت جائرة و ظاملة ،فانتقاده
للديمقراطية األثينية و مرتكزاتها أفض ى إلى وفاته.
4