You are on page 1of 88

‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫املقدمة‬
‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬
‫خري َّأمة‪،‬‬
‫احلمد هلل الذي أكمل لنا الدين وأمتَّ علينا النعمة‪ ،‬وجعل َّأمتنا ‪َّ -‬أمـة اإلسالم‪َ -‬‬
‫رسوًل منَّا يتلو علينا آايته ويزكينا‪ ،‬ويعلِّّمنـا الكتاب واحلكمة‪ ،‬والصالة والسالم على‬
‫وبعث فينا ً‬
‫َمن أرسله هللا للعاملني رمحة‪ ،‬نبيِّّنـا حممد وعلى آله وصحبه‪.‬‬
‫فإن احلكمة من خلق اجلن واإلنس هي عبادة هللا وحـده‪ ،‬كما قال تعاىل‪{ :‬‬
‫أمـا بعد‪َّ :‬‬

‫‪( )1( }                ‬الذاريـات‪ .)56 :‬ولذا كان التوحيد والعقيدة‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬

‫الصحيحة املأخوذةُ من منبعها األصلي وموردهـا املبارك كتاب هللا وسنة رسوله ‪ ‬هي الغاية‬
‫لتحقيق تلك العبـادة‪ ،‬فـهي األساس لعمارة هذا الكون‪ ،‬وبفقدها يكون فساده وخرابه واختالله‪،‬‬
‫{ ‪             ‬‬ ‫كـمـا قال هللا تعـاىل‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪‬‬‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫{ ‪ ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪( )2( }‬األنبياء‪ ،)22 :‬وقال سـبحانه‪:‬‬
‫‪                ‬‬

‫‪( )3( }‬الطالق‪ ،)12 :‬إىل غري ذلك من اآلايت‪.‬‬


‫تستقل مبعرفة تفاصيل ذلك بعـث هللا رسلَه وأنـزل كتبَه؛‬
‫َّ‬ ‫وملا كان غري ممكن للعقول أن‬
‫أسس و ٍ‬
‫اضحة ودعائم‬ ‫إليضاحه وبيانه وتفصيله للناس حىت يقوموا بعبـادة هللا على علم وبصرية و ٍ‬
‫سبحانه‪     {:‬‬ ‫رسل هللا على تبليغه‪ ،‬وتوالوا يف بيانه كما قال‬ ‫ٍ‬
‫قومية‪ ،‬فتتابع ُ‬
‫‪( )4(}     ‬فاطر‪ ،)24 :‬وقال سبحانه‪( )5( }               { :‬املؤمنون‪:‬‬

‫)‪ (1‬سورة الذارايت آية ‪. 56 :‬‬


‫)‪ (2‬سورة األنبياء آية ‪. 22 :‬‬
‫)‪ (3‬سورة الطالق آية ‪. 12 :‬‬
‫)‪ (4‬سورة فاطر آية ‪. 24 :‬‬
‫)‪ (5‬سورة املؤمنون آية ‪. 44 :‬‬

‫‪4‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫بعضا إىل أن ختمهم بسيِّّدهم وأفضلهم وإمامهم نبيِّّنا حممد ‪ ‬فبَـلّغ‬


‫بعضهم ً‬
‫‪ ،)44‬أي يتبع ُ‬
‫وجهرا‪ ،‬وقام‬
‫حق جهاده ودعا إىل هللا س ًّـرا ً‬
‫األمة‪ ،‬وجاهد يف هللا َّ‬
‫الرسالة و َّأدى األمانة‪ ،‬ونصح َّ‬
‫أشد األذى‪ ،‬فصـرب كما صرب أولو العزم من الرسل‪،‬‬ ‫أوذي يف هللا َّ‬‫أكمل قيام‪ ،‬و َ‬‫َ‬ ‫أبعباء الرسالة‬
‫ومل يزل داعيًا إىل هللا هاديـًا إىل صراطـه املستقيم حىت أظهر هللا به ال ِّّدين‪ ،‬وأمت به النِّّعمة‪ ،‬ودخل‬
‫اجا‪ ،‬ومل ميَُت ‪ ‬حىت أكمل هللا به ال ِّّدين وأمتَّ به النِّّعمـة‪،‬‬
‫الناس بسبب دعوتـه يف دين هللا أفو ً‬
‫{ ‪        ‬‬ ‫وأنـزل يف ذلك سبحانه قولـه‪:‬‬

‫‪( )1( }       ‬املائدة‪.)3 :‬‬


‫فبني صلوات هللا وسالمه عليه الدين كلَّه أصوله وفروعه‪ ،‬كما قال إمام دار اهلجرة مالك‬
‫َّ‬
‫ظن ابلنيب ‪ ‬أنه علَّم أمتـه اًلستنجاء ومل يعلمهم التوحيد "‪.‬‬ ‫بن أنس رمحه هللا‪ُ " :‬حمال أن يُ َّ‬
‫وقد كان ‪ ‬داعيةً إىل توحيد هللا وإخالص ال ِّّدين هلل ونبذ الشرك كـلِّّه ِّ‬
‫كبريه وصغريه شأن‬
‫الرسل كلَّهم متَّفقون على ذلـك‪ ،‬متضافرون على الدعوة إليه‪ ،‬بل هو‬ ‫َ‬ ‫مجيع املرسلني؛ إذ َّ‬
‫أن‬
‫منطلق دعوهتم وزبدة رسالتهم وأسـاس بعثتهم‪ ،‬يقول هللا تعاىل‪     { :‬‬
‫ُ‬
‫‪               ‬‬

‫‪( )2( } ‬النحل‪ ،)36 :‬وقال‪:‬‬


‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬

‫‪( )3( }                                ‬األنبياء‪:‬‬ ‫{ ‪     ‬‬
‫‪       ‬‬

‫{ ‪            ‬‬ ‫‪ ،)25‬وقال تعاىل‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪‬‬‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫{‪ ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪( )4( }‬الزخرف‪ ،)45 :‬وقال تعـاىل‪:‬‬

‫)‪ (1‬سورة املائدة آية ‪. 3 :‬‬


‫)‪ (2‬سورة النحل آية ‪. 36 :‬‬
‫)‪ (3‬سورة األنبياء آية ‪. 25 :‬‬
‫)‪ (4‬سورة الزخرف آية ‪. 45 :‬‬

‫‪5‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫‪              ‬‬

‫‪( )1( }‬الشـورى‪.)13 :‬‬

‫وقد ثبت يف الصحيحني عن أيب هريرة ‪ ‬عن رسول هللا ‪ ‬أَنه قال‪{ :‬األنبياء إخوة‬

‫فـال ِّّدين واحـ ٌد‪ ،‬والعقيدة واحدةٌ‪ ،‬و َّإَّنا حصل‬ ‫(‪)3( )2‬‬
‫شىت ودينُهم واحد}‬ ‫َّ‬
‫لعالت‪َّ ،‬أمها ُهتم َّ‬

‫التنوعُ بينهم يف الشرائع‪ ،‬كما قـال تعـاىل‪( )4( }                    { :‬املائدة‪:‬‬
‫ُّ‬
‫‪.)48‬‬
‫ولذا ينبغي أن يكون ِّّ‬
‫كل مسلم وواضحا لدى ِّّ‬
‫كل مؤمـن َّ‬
‫أن العقيدة ًل جمال‬ ‫متقررا لدى ِّّ‬
‫وإَّنا الواجب علـى ك ِّّـل مسلم يف مشارق األرض ومغارهبا أن يعتقد‬‫فيها للرأي واألخذ والعطاء‪َّ ،‬‬
‫ـرد ٍد‪،‬‬ ‫عقيدة األنبياء واملرسـلني‪ ،‬وأن يؤمن ابألصول اليت آمنوا هبا ودعوا إليها دون تش ُّـك ٍ‬
‫ك أو ت ُّ‬
‫{ ‪               ‬‬

‫‪             ‬‬

‫‪( )5( }‬البقرة‪.)285 :‬‬


‫فهذا شأ ُن املؤمنني‪ ،‬وهذا سبيلهم‪ :‬اإلميان والتسليم واإلذعان والقبـول‪ ،‬وعندما يكون املؤمن‬
‫بعيدا‬
‫ويطمئن قلبُه‪ ،‬ويكون ً‬
‫ُّ‬ ‫نفسه‪،‬‬
‫كذلك ترافقه السالمة‪ ،‬ويتحقق له األمـن واألمـان‪ ،‬وتزكو ُ‬
‫عما يقع فيه َّ‬
‫ضالل النـاس بسبب عقائدهم الباطلة من تناقض واضطراب وشكوك‬ ‫متام البعد َّ‬
‫وحرية وتذبذب‪.‬‬
‫وأوهام َ‬

‫)‪ (1‬سورة الشورى آية ‪. 13 :‬‬


‫)‪ (2‬البخاري أحاديث األنبياء (‪ ، )3259‬مسلم الفضائل (‪ ، )2365‬أبو داود السنة (‪ ، )4675‬أمحد (‪. )406/2‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري (‪ ، )3443‬وصحيح مسلم (‪. )2365‬‬
‫)‪ (4‬سورة املائدة آية ‪. 48 :‬‬
‫)‪ (5‬سورة البقرة آية ‪. 285 :‬‬

‫‪6‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫والعقيدة اإلسالمية الصحيحة أبصوهلا الثابتة وأسسها السـليمة وقواعدهـا املتينة هي ‪ -‬دون‬
‫غريها ‪ -‬اليت حت ِّّقق للناس سعادهتم ورفعتهم وفالحهم يف الدنيـا واآلخرة؛ لوضوح معاملها‪َّ ،‬‬
‫وصحة‬
‫دًلئلها‪ ،‬وسـالمة براهينـها وحججـها‪ ،‬وملوافقتها للفطرة السليمة‪ ،‬والعقول الصحيحة‪ ،‬والقلوب‬
‫السويَّة‪.‬‬
‫وهلذا فإ ّن العا َملَ اإلسالمي كلّه يف أش ِّّد احلاجة إىل معرفة هذه العقيدة الصافيـة النقيَّة؛ إذ‬
‫قطب سعادته الذي عليه تدور‪ ،‬ومستقر جناته الذي عنه ًل حتور‪.‬‬
‫هي ُ‬
‫أبرز أصوهلا‬
‫أصول العقيدة اإلسالمية وأه َّـم أسسـها و َ‬
‫ويف هذا املؤلّف الوجيز جيد املسلم َ‬
‫ومعاملها ممَّا ًل غىن ملسلم عنه‪ ،‬وجيد ذلك كله مقروًن بدليله‪ ،‬مدعَّ ًمـا بشواهده‪ ،‬فهو كتاب‬
‫مشتمل على أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‪ ،‬وهي أصول عظيمة موروثة عن الرسل‪،‬‬
‫ظاهرة غاية الظهور‪ ،‬ميكن لكل مميِّّز من صغـري وكبري أن يُدركها أبقصر زمان وأوجز مدَّة‪،‬‬
‫والتوفيق بيد هللا وحده‪ .‬وهبذه املناسبة نتقدم ابلشكر اجلزيل للذين سامهوا يف إعداد هذا الكتاب‬
‫وهم‪ :‬الدكتور صاحل بـن سعد السحيمي‪ ،‬والدكتور عبد الرزاق بن عبد احملسن العباد‪ ،‬والدكتور‬
‫إبراهيم بن عامر الرحيلي‪ .‬كما نشـكر اللذين قاما مبراجعته وصياغته ومها‪ :‬الدكتور علي بن‬
‫حممد ًنصر فقيهي‪ ،‬والدكتور أمحد بن عطية الغامدي‪.‬‬
‫عموم املسلمني‪ ،‬وآخر دعواًن أن احلمـد هلل رب العاملني‪.‬‬ ‫َّ‬
‫وإًن لنرجوه سبحانه أن ينفع به َ‬
‫األمانة العامة‬
‫جملمع امللك فهد لطباعة املصحف الشريف‬

‫‪7‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫متهيد‬
‫ًل خيفى على كل مسلم أمهية اإلميان‪ ،‬وعظم شأنه‪ ،‬وكـثرة عوائـده وفوائده على املؤمن يف‬
‫الدنيا واآلخرة‪ ،‬بل إن كل خري يف الدنيا واآلخرة متوقف على حتقق اإلميان الصحيح‪ ،‬فهو أجل‬
‫املطالب‪ ،‬وأهم املقاصد‪ ،‬وأنبل األهداف‪ ،‬وبه حييا العبد حياة طيبة سعيدة‪ ،‬وينجو من املكـاره‬
‫والشـرور والشدائد‪ ،‬وينال ثواب اآلخرة ونعيمها املقيم وخريها الدائم املستمر الذي ًل حيول وًل‬
‫يزول‪.‬‬
‫‪            ‬‬ ‫قال تعاىل‪{ :‬‬

‫{ ‪  ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪( )1( }       ‬النحل‪ .)97 :‬وقال تعاىل‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪( )2( }           ‬اإلسراء‪:‬‬


‫‪       ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪.)19‬‬
‫‪         ‬‬ ‫وقال تعـاىل‪{ :‬‬

‫‪  ‬‬


‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪( )3( }‬طه‪ .)75 :‬وقـال تعـاىل‪{ :‬‬

‫‪( )4( }   ‬الكهف‪.)108 ،107 :‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬

‫واآلايت يف هذا املعىن يف القرآن الكرمي كثرية‪.‬‬


‫وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن اإلميان يقوم على األصـول الستة‪ ،‬وهي‪ :‬اإلميان‬
‫ابهلل‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬واليوم اآلخر‪ ،‬والقـدر خريه وشره‪ ،‬وقد جاء ذكر هذه األصول‬
‫يف القرآن الكرمي والسنة النبويـة يف مواطن عديدة‪ .‬منها‪:‬‬

‫)‪ (1‬سورة النحل آية ‪. 97 :‬‬


‫)‪ (2‬سورة اإلسراء آية ‪. 19 :‬‬
‫)‪ (3‬سورة طه آية ‪. 75 :‬‬
‫)‪ (4‬سورة الكهف آية ‪. 108 ، 107 :‬‬

‫‪8‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

           { :‫تعاىل‬ ‫ قوله‬- 1
               

.)136 :‫) (النساء‬1( }    


  

            { :‫ وقوله تعاىل‬- 2

.)177 :‫) (البقرة‬2( }     


  
        
     
 
  
      
   
  

            { :‫ وقوله تعاىل‬- 3
               

.)285 :‫) (البقرة‬3( }  


 
   
    

.)49 :‫) ( القمر‬4( }         


  
      { :‫ وقوله تعاىل‬- 4
 

‫ وثبت يف صحيح مسلم من حديث عمر بن اخلطـاب املشهور حبديث جربيل {أن‬- 5
،‫ وكتبه‬،‫ ومالئكته‬،‫ ( أن تؤمن ابهلل‬:‫ قـال‬،‫ أخربين عن اإلميان‬:‫ فقال‬ ‫جربيل سأل النيب‬
. )6( )5( }‫ وتؤمن ابلقدر خـريه وشره‬،‫ واليوم اآلخر‬،‫ورسله‬
‫ وهي‬،‫ بل ًل إميـان ألحـد إًل ابإلميان هبا‬،‫فهذه أصول ستة عظيمة يقوم عليها اإلميان‬
،‫ فاإلميان ببعضها مستلزم لإلميان بباقيها‬،‫ ًل ينفك بعضها عـن بعـض‬،‫أصول مرتابطة متالزمة‬
.‫والكفر ببعضها كفر بباقيها‬

. 136 : ‫( سورة النساء آية‬1)


. 177 : ‫( سورة البقرة آية‬2)
. 285 : ‫( سورة البقرة آية‬3)
. 49 : ‫( سورة القمر آية‬4)
، )4695( ‫ أبو داود السنة‬، )4990( ‫ النسائي اإلميان وشرائعه‬، )2610( ‫ الرتمذي اإلميان‬، )8( ‫( مسلم اإلميان‬5)
. )27/1( ‫ أمحد‬، )63( ‫ابن ماجه املقدمة‬
. )1( ‫( صحيح مسلم برقم‬6)

9
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫ولذا كان متأكدا يف حق كل مسلم أن تعظم عنايته واهتمامـه هبـذه األصول علما وتعلما‬
‫وحتقيقا‪.‬‬
‫وفيما يلي بيان ما يتعلق ابألصل األول من هذه األصول وهو اإلميان ابهلل‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫الباب األول‪ :‬اإلميان ابهلل‬


‫إن اإلميان ابهلل ‪ ‬هو أهم أصول اإلميـان‪ ،‬وأعظمـها شـأًن‪ ،‬وأعالها قدرا‪ ،‬بل هو أصل‬
‫أصول اإلميان‪ ،‬وأساس بنائه‪ ،‬وقوام أمره‪ ،‬وبقيـة األصول متفرعة منه‪ ،‬راجعة إليه‪ ،‬مبنية عليه‪.‬‬
‫واإلميان ابهلل عز وجـل هـو اإلميان بوحدانيته سبحانه يف ربوبية‪ ،‬وألوهيته‪ ،‬وأمسائه وصفاته‪ ،‬فهذه‬
‫أصول ثالثة يقوم عليها اإلميان ابهلل‪ ،‬بل إن الدين اإلسالمي احلنيف إَّنـا سـمي توحيدا ألن‬
‫مبناه على أن هللا واحد يف ملكه وأفعاله ًل شريك له‪ ،‬وواحد يف ذاته وأمسائه وصفاته ًل نظري‬
‫له‪ ،‬وواحد يف ألوهيته وعبادته ًل َّ‬
‫ند له‪.‬‬
‫وهبذا يعلم أن توحيد األنبياء واملرسلني ينقسم إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬توحيد الربوبية ‪ ،‬وهو اإلقرار َّ‬
‫أبن هللا تعاىل رب ك ّـل شيء وملي ُكه وخال ُقه‬
‫ـافع الضـار‪ ،‬املتف ِّّـرُد ابإلجابة عند اًلضطرار‪ ،‬الذي له األمر كله‪،‬‬
‫املميت الن ُ‬
‫ُ‬ ‫ورازقُه‪ ،‬وأَنه احمليي‬
‫األمر كله‪ً ،‬ل شريك له يف ذلك‪.‬‬
‫وبيده اخلري كله‪ ،‬وإليه يُرجـع ُ‬
‫القسم الثاين‪ :‬توحيد األلوهية ‪ ،‬وهو إفراد هللا وحده ِّّ‬
‫ابلذل واخلضـوع واحملبَّة واخلشوع‬
‫والركوع والسجود والذبح والنذر‪ ،‬وسائر أنواع العبـادة ًل شريك له‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬توحيد األمساء والصفات ‪ ،‬وهو إفراد هللا تعاىل‪ .‬مبا مسـى ووصف نفسه‬
‫يف كتابه وعلى لسان نبيه ‪ ‬وتنـزيهه عـن النقـائص والعيوب ومماثلة اخللق فيما هو من خصائصه‬
‫كل شيء قدير‪ ،‬وأنَّه احل ُّـي القيُّوم الذي ًل أتخذه ِّسنة‬
‫بكل شـيء عليم‪ ،‬وعلى ِّّ‬
‫أبن هللا ِّّ‬
‫واإلقرار َّ‬
‫وًل نـوم‪ ،‬له املشيئة النافذة واحلكمة البالغة‪ ،‬وأنَّه مسيع بصري‪ ،‬رؤوف رحيـم‪ ،‬علـى العرش استوى‪،‬‬
‫ِّ‬
‫وعلى امللك احتوى‪ ،‬وأنَّه ال َـملك القدوس السالم املؤمـن املهيمن العزيز اجلبَّار ِّّ‬
‫املتكرب‪ ،‬سبحان‬
‫عما يشركون‪ ،‬إىل غري ذلك مـن األمساء احلسىن‪ ،‬والصفات العلى‪.‬‬ ‫هللا َّ‬
‫دًلئل كثرية من الكتاب والسنة‪.‬‬
‫ولكل قسم من هذه األقسام الثالثة ُ‬
‫فالقرآن كله يف التوحيد‪ ،‬وحقوقه وجزائه ويف شأن الشـرك وأهلـه وجزائهم‪.‬‬
‫وهذه األقسام الثالثة للتوحيد قد أخذها أهل العلم ابًلستقراء والتتبـع لنصوص الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬وهو استقراء اتمٌّ لنصوص الشرع‪ ،‬أفـاد هـذه احلقيقة الشرعية‪ ،‬وهي أ ّن التوحيد املطلوب‬

‫‪11‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫فمن مل أيت هبذا مجيعـه‬


‫من العباد هو اإلميان بوحدانيـة هللا يف ربوبيته وألوهيَّته وأمسائه وصفاته‪َ ،‬‬
‫فليـس مبؤمن‪ ،‬وفيما يلي فصول ثالثة يف كل فصل منها بيان لقسـم مـن هـذه األقسام‪:‬‬

‫‪12‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫الفصل األول‪ :‬توحيد الربوبية‬


‫املبحث األول‪ :‬معناه وأدلته من الكتاب والسنة والعقل والفطرة‪.‬‬
‫أوال‪ :‬تعريفه‪:‬‬
‫الرب‪ ،‬فالربوبية صفـة هللا‪ ،‬وهي مأخوذة‬ ‫أ‪ -‬لغة ‪ :‬الربوبية مصدر من الفعل ربب‪ ،‬ومنه ُّ‬
‫صلِّح‪.‬‬
‫من اسم الرب‪ ،‬والرب يف كالم العرب يطلق على معان‪ :‬منها املالك‪ ،‬والسيد املطاع‪ ،‬وال ُـم ْ‬
‫ب‪ -‬أما يف االصطالح ‪ :‬فإن توحيد الربوبية هو إفراد هللا أبفعاله‪.‬‬
‫ومنها اخللق والرزق والسيادة واإلنعام وامللك والتصوير‪ ،‬والعطاء واملنع‪ ،‬والنفع والضر‪،‬‬
‫واإلحياء واإلماتة‪ ،‬والتدبري احملكـم‪ ،‬والقضاء والقدر‪ ،‬وغـري ذلك من أفعاله اليت ًل شريك له‬
‫فيها‪ ،‬وهلذا فإن الواجب على العبد أن يؤمن بذلك كله‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬أدلته ‪:‬‬
‫{ ‪         ‬‬ ‫أ‪ -‬من الكتاب ‪ :‬قوله تعـاىل‪:‬‬
‫‪                   ‬‬

‫‪( )1( }       ‬لقمان‪:‬‬


‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪‬‬

‫‪( )2( } ‬الطور‪:‬‬


‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪ .)11 ،10‬وقولـه تعاىل‪   { :‬‬
‫‪  ‬‬

‫‪)35‬‬
‫ب‪ -‬من السنة ‪ :‬ما رواه اإلمام أمحد وأبو داود من حديث عبـد هللا بن الشخري ‪‬‬
‫مرفوعا وفيه‪( :‬السيد هللا تبارك وتعاىل‪ .) ..‬وقد ثبت يف الرتمـذي وغريه أن النيب ‪ ‬قال يف‬
‫وصيته ًلبن عباس رضي هللا عنـهما‪{ ...:‬واعلم أن األمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء‬

‫)‪ (1‬سورة لقمان آية ‪. 11 ، 10 :‬‬


‫)‪ (2‬سورة الطور آية ‪. 35 :‬‬

‫‪13‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫مل ينفعـوك إًل بشيء قد كتبه هللا لك‪ ،‬وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء مل يضـروك إًل بشيء‬
‫قد كتبه هللا عليك‪ ،‬رفعت األقالم وجفت الصحف} (‪.)2( )1‬‬
‫ج‪ -‬داللة العقل ‪ :‬دل العقل على وجود هللا تعاىل وانفراده ابلربوبيـة وكمال قدرته على‬
‫اخللق وسيطرته عليهم‪ ،‬وذلك عن طريق النظر والتفكر يف آايت هللا الدالة عليه‪ .‬وللنظر يف‬
‫آايت هللا واًلستدًلل هبا على ربوبيته طـرق كثرية حبسب تنوع اآلايت وأشهرها طريقان‪:‬‬
‫الطريق األول ‪ :‬النظر يف آايت هللا يف خلق النفس البشرية وهو مـا يعرف بـ (دًللة‬
‫األنفس)‪ ،‬فالنفس آية من آايت هللا العظيمة الدالة على تفرد هللا وحده ابلربوبية ًل شريك له‪،‬‬
‫‪( )3( }  ‬الذارايت‪ ،)21 :‬وقال تعاىل‪{ :‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫كما قـال تعـاىل‪   { :‬‬
‫‪  ‬‬

‫‪( )4( }    ‬الشمس‪ ،)7 :‬وهلذا لو أن اإلنسان أمعن النظر يف نفسه وما‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬

‫فيها من عجـائب صنـع هللا ألرشده ذلك إىل أن له راب خالقا حكيما خبريا؛ إذ ًل يستطيع‬
‫اإلنسـان أن خيلق النطفة اليت كان منها ؟ أو أن حيوهلا إىل علقـة‪ ،‬أو حيـول العلقـة إىل مضغة‪،‬‬
‫أو حيول املضغة عظاما‪ ،‬أو يكسو العظام حلما ؟‬
‫الطريق الثاين ‪ :‬النظر يف آايت هللا يف خلق الكون وهو ما يعـرف بـ (دًللة اآلفاق)‪ ،‬وهذه‬
‫{ ‪  ‬‬ ‫كذلك آية من آايت هللا العظيمة الدالـة علـى ربوبيته‪ ،‬قال هللا تعاىل‪:‬‬
‫‪                ‬‬

‫‪( )5( }‬فصلت‪.)53 :‬‬

‫(‪ )1‬الرتمذي صفة القيامة والرقائق والورع (‪ ، )2516‬أمحد (‪. )293/1‬‬


‫(‪ )2‬سنن الرتمذي (‪ ، )2516‬ومسند أمحد (‪ ، )307 / 1‬وقد حسن احلديث الرتمذي وصححه ‪ ،‬وصححه احلاكم ‪.‬‬
‫)‪ (3‬سورة الذارايت آية ‪. 21 :‬‬
‫)‪ (4‬سورة الشمس آية ‪. 7 :‬‬
‫)‪ (5‬سورة فصلت آية ‪. 53 :‬‬

‫‪14‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫ومن أتمل اآلفاق وما يف هذا الكون من مساء وأرض‪ ،‬وما اشتملت عليه السماء من جنوم‬
‫وكواكب ومشس وقمر‪ ،‬وما اشتملت عليـه األرض مـن جبال وأشجار وحبار وأهنار‪ ،‬وما يكتنف‬
‫ذلك من ليل وهنار وتسيري هـذا الكون كله هبذا النظام الدقيق؛ دله ذلك على أن هناك خالقا‬
‫موجدا له مدبًِّّرا لشؤونه‪ ،‬وكلما تدبر العاقل يف هذه املخلوقـات وتغلغـل فكره يف‬
‫هلذا الكـون‪ً ،‬‬
‫بدائع الكائنات علم أهنا ُخلقت للحق وابحلق‪ ،‬وأنـها صحـائف آايت‪ ،‬وكتب براهني ودًلًلت‬
‫على مجيع ما أخرب به هللا عن نفسه وأدلـة على وحدانيته‪.‬‬
‫وقد جاء يف بعض اآلاثر أن قوما أرادوا البحث مع اإلمام أيب حنيفـة يف تقرير توحيد‬
‫الربوبية‪ ،‬فقال هلم رمحه هللا‪ " :‬أخربوين قبل أن نتكلم يف هـذه املسألة عن سفينة يف دجلة تذهب‬
‫فتمتلئ من الطعام وغريه بنفسها وتعـود بنفسها‪ ،‬فرتسو بنفسها وترجع‪ ،‬كل ذلك من غري أن‬
‫يديرها أحد ؟ "‪.‬‬
‫فقالوا‪ " :‬هذا حمال ًل ميكن أبدا‪ .‬فقال هلم‪ :‬إذا كان هـذا حمـاًل يف سفينة فكيف يف هذا‬
‫العامل كله علوه وسفله ؟ "‪.‬‬
‫فنبه إىل أن اتساق العامل ودقة صنعه ومتام خلقه دليل علـى وحدانيـة خالقه وتفرده‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫املبحث الثاين‪ :‬بيان أن اإلقرار هبذا التوحيد وحده ال ينجي من العذاب‪.‬‬


‫إن توحيد الربوبية هو أحد أنواع التوحيد الثالثة كما تقدم؛ ولذا فإنـه ًل يصح إميان أحد‬
‫وًل يتحقق توحيده إًل إذا وحد هللا يف ربوبيته‪ ،‬لكن هذا النوع من التوحيد ليس هو الغاية من‬
‫بعثة الرسل عليهم السالم‪ ،‬وًل ينجـي وحده من عذاب هللا ما مل أيت العبد بالزمه توحيد‬
‫األلوهية‪.‬‬
‫‪( )1( }        ‬يوسف‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫ولذا يقول هللا تعاىل‪     { :‬‬
‫‪  ‬‬

‫‪ ،)106‬واملعىن أي‪ :‬ما يقر أكثرهم ابهلل راب وخالقا ورازقا ومدبـرا‪ -‬وكل ذلك من توحيد الربوبية‬
‫‪ -‬إًل وهم مشركون معه يف عبادته غريه مـن األواثن واألصنام اليت ًل تضر وًل تنفع‪ ،‬وًل تعطي‬
‫وًل متنع‪.‬‬
‫وهبذا املعىن لآلية قال املفسرون من الصحابة والتابعني‪.‬‬
‫قال ابن عباس رضي هللا عنهما‪ " :‬من إمياهنم إذا قيل هلـم مـن خلـق السماء‪ ،‬ومن خلق‬
‫األرض ومن خلق اجلبال ؟ قالوا‪ :‬هللا وهم مشركون "‪.‬‬
‫ْرَمة‪ " :‬تسأهلم من خلقهم ومن خلـق السماوات واألرض فيقولون هللا فذلك إمياهنم‬‫وقال ِّعك ِّ‬
‫ابهلل‪ ،‬وهم يعبدون غريه "‪.‬‬
‫وقال جماهد‪ " :‬إمياهنم قوهلم‪ :‬هللا خالقنا ويرزقنا ومييتنا فهذا إميان مع شـرك عبادهتم غريه "‪.‬‬
‫وقال عبد الرمحن بن زيد بن أسلم بن زيد‪ " :‬ليس أحد يعبد مـع هللا غريه إًل وهو مؤمن‬
‫أن هللا خال ُقه ورازقُه‪ ،‬وهـو يشرك به‪ ،‬أًل ترى كيف قال إبراهيم‪{ :‬‬
‫ابهلل ويعرف أن هللا ربُّه‪ ،‬و َّ‬
‫‪               ‬‬

‫‪( )2( }‬الشـعراء‪. )3( " )77 -75 :‬‬

‫)‪ (1‬سورة يوسف آية ‪. 106 :‬‬


‫)‪ (2‬سورة الشعراء آية ‪. 77 ، 75 :‬‬
‫)‪ (3‬انظر ‪ :‬تفسري ابن جرير (‪. )313 -312 / 7‬‬

‫‪16‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫والنصوص عن السلف يف هذا املعىن كثرية‪ ،‬بل لقد كـان املشـركون زمن النيب ‪ ‬مقرين‬
‫ابهلل راب خالقا رازقا مدبرا‪ ،‬وكان شركهم به من جهـة العبادة حيث اختذوا األنداد والشركاء‬
‫يدعوهنم ويستغيثون هبم وينزلون هبم حاجاهتم وطلباهتم‪.‬‬
‫وقد دل القرآن الكرمي يف مواطن عديدة منه علـى إقـرار املشـركني بربوبية هللا مع إشراكهم‬
‫‪      ‬‬ ‫به يف العبادة‪ ،‬ومن ذلك قوله تعاىل‪{ :‬‬

‫{ ‪  ‬‬ ‫‪( )1( }           ‬العنكبوت‪ ،)61 :‬وقوله تعاىل‪:‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪                  ‬‬

‫‪  ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪( )2( }           ‬العنكبوت‪ ،)63 :‬وقوله تعاىل‪{ :‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪  ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫{ ‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪( )3( }          ‬الزخرف‪ ،)87 :‬وقوله تعاىل‪:‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪‬‬

‫‪                ‬‬

‫‪               ‬‬

‫‪                ‬‬

‫‪( )4( }‬املؤمنون‪.)89 -84 :‬‬


‫فلم يكن املشركون يعتقدون أن األصنام هي اليت تنزل الغيث وترزق العامل وتدبر شؤونه‪،‬‬
‫بل كانوا يعتقدون أن ذلك مـن خصـائص الـرب سبحانه‪ ،‬ويقرون أن أواثهنم اليت يدعون من‬
‫دون هللا خملوقة ًل متلك ألنفسها وًل لعابديها ضرا وًل نفعا استقالًل وًل موات وًل حياة وًل‬
‫نشورا ‪ ،‬وًل تسمع وًل تبصر‪ ،‬ويقرون أن هللا هو املتفرد بذلك ًل شريك له‪ ،‬ليس إليهم وًل إىل‬
‫أواثهنم شيء من ذلك‪ ،‬وأنه سبحانه اخلالق وما عداه خملوق والرب ومـا عداه مربوب‪ ،‬غري أهنم‬

‫)‪ (1‬سورة العنكبوت آية ‪. 61 :‬‬


‫)‪ (2‬سورة العنكبوت آية ‪. 63 :‬‬
‫)‪ (3‬سورة الزخرف آية ‪. 87 :‬‬
‫)‪ (4‬سورة املؤمنون آية ‪. 89 - 84 :‬‬

‫‪17‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫جعلوا له من خلقه شركاء ووسائط‪ ،‬يشفعون هلـم بزعمهم عند هللا ويقربوهنم إليه زلفى؛ ولذا‬
‫‪          ‬‬ ‫قال هللا تعاىل‪{ :‬‬

‫‪( )1( }   ‬الزمـر‪ ،)3 :‬أي ليشفعوا هلم عند هللا يف نصرهم ورزقهم وما ينوهبم من أمر الدنيا‪.‬‬
‫ومع هذا اإلقرار العام من املشركني هلل ابلربوبية إًل أنه مل يدخلـهم يف اإلسالم بل حكم هللا‬
‫فيهم أبهنم مشركون كافرون وتوعدهم ابلنار واخللـود فيها واستباح رسوله ‪ ‬دماءهم وأمواهلم‬
‫لكوهنم مل حيققـوا ًلزم توحيـد الربوبية وهو توحيد هللا يف العبادة‪.‬‬
‫وهبذا يتبني أن اإلقرار بتوحيد الربوبية وحده دون اإلتيان بالزمه توحيد األلوهية ًل يكفي‬
‫وًل ينجي من عذاب هللا‪ ،‬بل هو حجة ابلغة على اإلنسان تقتضي إخالص الدين هلل وحده‬
‫ًل شريك له‪ ،‬وتستلزم إفـراد هللا وحـده ابلعبادة‪ .‬فإذا مل أيت بذلك فهو كافر حالل الدم واملال‪.‬‬

‫)‪ (1‬سورة الزمر آية ‪. 3 :‬‬

‫‪18‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫املبحث الثالث‪ :‬مظاهر االحنراف يف توحيد الربوبية‬


‫ابلرغم من أن توحيد الربوبية أمر مركوز يف الفطر‪ ،‬جمبولـة عليـه النفوس‪ ،‬متكاثرة على تقريره‬
‫األدلة‪ ،‬إًل أنه وجد يف الناس من حصل عنـده احنراف فيه‪ ،‬وميكن تلخيص مظاهر اًلحنراف‬
‫يف هذا الباب فيما يلي‪:‬‬
‫أصال وإنكار وجوده سبحانه‪ ،‬كما يعتقد ذلـك املالحدة الذين‬
‫‪ - 1‬جحد ربوبية هللا ً‬
‫{ ‪‬‬ ‫يسندون إجياد هذه املخلوقات إىل الطبيعة‪ ،‬أو إىل تقلب الليل والنهار‪ ،‬أو حنو ذلك‬

‫‪( )1( }                  ‬اجلاثية‪.)24 :‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -2‬جحد بعض خصائص الرب سبحانه وإنكار بعض معاين ربوبيتـه‪ ،‬كمن ينفي قدرة‬
‫هللا على إماتته أو إحيائه بعد موته‪ ،‬أو جلب النفع لـه أو دفع الضر عنه‪ ،‬أو حنو ذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬إعطاء شيء من خصائص الربوبية لغري هللا سبحانه‪ ،‬فمن اعتقـد وجود متصرف مع‬
‫هللا ‪ ‬يف أي شيء من تدبري الكون من إجيـاد أو إعدام أو إحياء أو إماتة أو جلب خري أو‬
‫دفـع شر أو غري ذلك مـن معاين الربوبية فهو مشرك ابهلل العظيم‪.‬‬

‫)‪ (1‬سورة اجلاثية آية ‪. 24 :‬‬

‫‪19‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫الفصل الثاين‪ :‬توحيد األلوهية‬


‫األلوهية مشتقة من اسم اإلله‪ ،‬أي املعبود املطاع‪ ،‬فاإلله اسم من أمسـاء هللا احلسىن‪،‬‬
‫واأللوهية صفة من صفات هللا العظيمة‪ ،‬فهو سـبحانه املـألوه املعبود الذي جيب أن أتهله القلوب‬
‫وختضع له وتذل وتنقاد؛ ألنه سـبحانه الرب العظيم‪ ،‬اخلالق هلذا الكون‪ ،‬املدبر لشؤونه‪،‬‬
‫املوصوف بكل كمـال‪ ،‬املنـزه عن كل نقص‪ ،‬وهلذا فإن الذل واخلضوع ًل ينبغي إًل له‪ ،‬فحيـث‬
‫كان متفردا ابخللق واإلنشاء واإلعادة ًل يشركه يف ذلك أحـد وجـب أن ينفرد وحده ابلعبادة‬
‫دون سواه ًل يشرك معه يف عبادته أحد‪.‬‬
‫العبد علم ِّ‬
‫اليقني أن هللا وحده‬ ‫فتوحيد األلوهية هو إفراد هللا وحده ابلعبادة‪ ،‬وذلك أبن يعلم ُ َ‬
‫هو املألوه املعبود على احلقيقة‪ ،‬وأن صفـات األلوهيـة ومعانيها ليست موجودة يف أحد من‬
‫املخلوقات وًل يستحقها إًل هللا تعـاىل‪ ،‬فإذا علم العبد ذلك واعرتف به حقا أفرد هللا ابلعبـادة‬
‫كلـها الظـاهرة والباطنة‪ ،‬فيقوم بشرائع اإلسالم الظاهرة كالصالة والزكاة والصوم واحلـج واألمر‬
‫ابملعروف والنهي عن املنكر ِّّ‬
‫وبر الوالدين وصلة األرحـام‪ ،‬ويقـوم أبصوله الباطنة من اإلميان ابهلل‬
‫ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر والقـدر خريه وشره‪ً ،‬ل يقصد بشيء من ذلك غرضا من‬
‫األغراض غري رضا ربـه وطلب ثوابه‪.‬‬
‫ويف هذا الفصل سيتم تناول ٍ‬
‫مجلة من املباحث املهمة املتعلقة هبذا النـوع من التوحيد‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫املبحث األول‪ :‬أدلته‪ ،‬وبيان أمهيته‬


‫املطلب األول‪ :‬أدلّتُه‪.‬‬
‫لقد تضافرت النصوص وتظاهرت األدلة علـى وجـوب إفـراد هللا ابأللوهية‪ ،‬وتنوعت يف‬
‫دًللتها على ذلك‪:‬‬
‫{ ‪      ‬‬ ‫‪ - 1‬اترة ابألمر به‪ ،‬كما يف قوله تعاىل‪:‬‬

‫‪  ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫{ ‪   ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪( )1( }               ‬البقـرة‪ ،)21 :‬وقولـه‪:‬‬

‫‪( )3( }             ‬اإلسراء‪،)23 :‬‬


‫‪   ‬‬ ‫(النساء‪ ،)36 :‬وقوله‪    { :‬‬
‫‪ ‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪}‬‬
‫وحنوها من اآلايت‪.‬‬
‫‪ - 2‬واترة ببيان أنه األساس لوجود اخلليقة واملقصود من إجياد الثقلني‪ ،‬كما قال تعاىل‪:‬‬
‫‪( )4( }        ‬الذارايت‪.)56 :‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫{ ‪  ‬‬
‫‪  ‬‬

‫{ ‪   ‬‬ ‫‪ - 3‬واترة ببيان أنه املقصود من بعثة الرسل كمـا يف قولـه تعـاىل‪:‬‬

‫{ ‪      ‬‬ ‫‪( )5( } ‬النحـل‪ ،)36 :‬وقوله‪:‬‬


‫‪  ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪( )6( }                            ‬األنبياء‪.)25 :‬‬
‫‪    ‬‬

‫)‪ (1‬سورة البقرة آية ‪. 21 :‬‬


‫)‪ (2‬سورة النساء آية ‪. 36 :‬‬
‫)‪ (3‬سورة اإلسراء آية ‪. 23 :‬‬
‫)‪ (4‬سورة الذارايت آية ‪. 56 :‬‬
‫)‪ (5‬سورة النحل آية ‪. 36 :‬‬
‫)‪ (6‬سورة األنبياء آية ‪. 25 :‬‬

‫‪21‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫‪‬‬ ‫‪ - 4‬واترة ببيان أنه املقصود من إنـزال الكتب اإللـهية‪ ،‬كمـا يف قوله تعاىل‪{ :‬‬
‫‪                ‬‬

‫‪( )1( }‬النحل‪.)2 :‬‬


‫‪ - 5‬وتـارة ببيان عظيم ثواب أهله وما أعد هلم من أجور عظيمـة ونعم كرمية يف الدنيـا‬
‫{ ‪         ‬‬ ‫واآلخرة‪ ،‬كما قال هللا تعـاىل‪:‬‬

‫‪( )2( }     ‬األنعام‪.)82 :‬‬


‫‪ - 6‬واترة ابلتحذير من ضده‪ ،‬وبيان خطورة مناقضته‪ ،‬وذكر ما أعـد سبحانه من عقاب‬
‫{ ‪            ‬‬ ‫أليم ملن تركه‪ ،‬كقوله تعاىل‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫{ ‪ ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪( )3( }  ‬املائدة‪ ،)72 :‬وقوله تعاىل‪:‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪( )4( }  ‬اإلسراء‪.)39 :‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬

‫إىل غري ذلك من أنواع األدلة املشتملة على تقرير التوحيد والدعوة إليـه والتنويه بفضله‬
‫وبيان ثواب أهله وعظم خطورة خمالفته‪.‬‬
‫والسنة النبوية كذلك مليئة ابألدلة على هذا التوحيد وأمهيته‪ ،‬من ذلك‪:‬‬

‫)‪ (1‬سورة النحل آية ‪. 2 :‬‬


‫)‪ (2‬سورة األنعام آية ‪. 82 :‬‬
‫)‪ (3‬سورة املائدة آية ‪. 72 :‬‬
‫)‪ (4‬سورة اإلسراء آية ‪. 39 :‬‬

‫‪22‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫‪ - 1‬ما رواه البخاري يف صحيحه عن معاذ بن جبل ‪ ‬قال‪ :‬قال النيب ‪{ ‬اي معاذ‬
‫أتدري ما حق هللا على العباد ؟ قال‪ :‬هللا ورسوله أعلم‪ .‬قـال‪ :‬أن يعبدوه وًل يشركوا به شيئا‪،‬‬
‫أتدري ما حقهم عليه ؟ قال‪ :‬هللا ورسـوله أعلم‪ .‬قال‪ :‬أن ًل يعذهبم} (‪. )2( )1‬‬

‫‪ - 2‬وعن ابن عباس ‪ ‬قال‪ :‬ملا بعث النيب ‪ ‬معاذا حنو اليمن قال لـه‪{ :‬إنك تقدم‬
‫على قوم من أهل الكتاب فليكـن أول مـا تدعوهـم إىل أن يوحدوا هللا تعاىل فإذا عرفوا ذلك‬
‫فأخربهم أن هللا فـرض عليـهم مخـس صلوات} (‪ ،.... )3‬احلديث‪ ،‬رواه البخاري (‪.)4‬‬

‫‪ - 3‬وعن ابن مسعود ‪ ‬أن رسـول هللا ‪ ‬قـال‪{ :‬مـن مـات وهـو يـدعو من دون هللا‬

‫نـدًّا دخل النار} (‪ ، )5‬رواه البخاري (‪. )6‬‬

‫‪ - 4‬وعن جابر بن عبد هللا ‪ ‬أن رسول هللا ‪ ‬قال‪{ :‬من لقي هللا ًل يشرك به شيئا‬

‫دخل اجلنة‪ ،‬ومن لقيه يشرك به شـيئا دخـل النـار} (‪ ، )7‬رواه مسلم (‪. )8‬‬
‫واألحاديث يف هذا الباب كثرية‪.‬‬
‫املطلب الثاين بيان أمهيته وأنه أساس دعوة الرسل‬

‫)‪ (1‬البخاري التوحيد (‪ ، )6938‬مسلم اإلميان (‪ ، )30‬الرتمذي اإلميان (‪ ، )2643‬ابن ماجه الزهد (‪ ، )4296‬أمحد‬
‫(‪. )230/5‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري (‪. )7373‬‬
‫)‪ (3‬البخاري املغازي (‪ ، )4090‬مسلم اإلميان (‪ ، )19‬الرتمذي الزكاة (‪ ، )625‬النسائي الزكاة (‪ ، )2435‬أبو داود‬
‫الزكاة (‪ ، )1584‬ابن ماجه الزكاة (‪ ، )1783‬أمحد (‪ ، )233/1‬الدارمي الزكاة (‪. )1614‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري (‪. )7372‬‬
‫)‪ (5‬البخاري تفسري القرآن (‪ ، )4227‬مسلم اإلميان (‪ ، )92‬أمحد (‪. )443/1‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري (‪. )4497‬‬
‫)‪ (7‬البخاري العلم (‪ ، )129‬مسلم اإلميان (‪ ، )32‬أمحد (‪. )244/3‬‬
‫)‪ (8‬صحيح مسلم (‪. )93‬‬

‫‪23‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫املطلب الثاين‪ :‬بيان أمهيته وأنه أساس دعوة الرسل‪.‬‬


‫ًل ريب أن توحيد األلوهية هو أعظم األصول على اإلطالق وأكملـها وأفضلها وألزمها‬
‫لصالح اإلنسانية‪ ،‬وهو الذي خلق هللا اجلن واإلنس ألجله‪ ،‬وخلق املخلوقات وشرع الشرائع‬
‫لقيامه‪ ،‬وبوجوده يكون الصالح‪ ،‬وبفقـده يكون الشر والفساد‪ ،‬ولذا كان هذا التوحيد زبدة‬
‫{ ‪   ‬‬ ‫دعـوة الرسـل وغايـة رسالتهم وأساس دعوهتم‪ ،‬يقول هللا تبارك وتعاىل‪:‬‬

‫{ ‪     ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪( )1( } ‬النحـل‪ ،)36 :‬وقـال‪:‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪( )2( }                            ‬األنبياء‪.)25 :‬‬
‫‪    ‬‬

‫وقد دل القرآن الكرمي يف مواطن عديدة أن توحيد األلوهية هو مفتـاح دعوة الرسل‪ ،‬وأن‬
‫كل رسول يبعثه هللا يكون أول ما يدعو قومه إليه توحيد هللا وإخالص العبادة له‪ ،‬قال هللا‬
‫‪( )3( }              ‬األعراف‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫تعاىل‪     { :‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪             ‬‬ ‫‪ ،)65‬وقال تعـاىل‪{ :‬‬

‫‪  ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫{ ‪   ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪( )4( }‬األعـراف‪ ،)73 :‬وقال تعاىل‪:‬‬

‫‪( )5( }          ‬األعراف‪.)85 :‬‬


‫‪  ‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬بيان أنه حمور اخلصومة بني الرسل وأممهم‪.‬‬


‫تقدم أن توحيد العبادة هو مفتتح دعوات الرسل مجيعهم‪ ،‬فمـا مـن رسول بعثه هللا إًل وكان‬
‫أول ما يدعو قومه إليه هو توحيد هللا‪ ،‬ولذا كانت اخلصومة بني األنبياء وأقوامهم يف ذلك‪،‬‬

‫)‪ (1‬سورة النحل آية ‪. 36 :‬‬


‫)‪ (2‬سورة األنبياء آية ‪. 25 :‬‬
‫)‪ (3‬سورة األعراف آية ‪. 65 :‬‬
‫)‪ (4‬سورة األعراف آية ‪. 73 :‬‬
‫)‪ (5‬سورة األعراف آية ‪. 85 :‬‬

‫‪24‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫ واألقوام يصرون على البقاء على الشرك‬،‫فاألنبياء يدعوهنم إىل توحيـد هللا وإخالص العبادة له‬
.‫وعبادة األواثن إًل من هداه هللا منهم‬
        { :‫قال هللا تعاىل عن قوم نوح عليه السالم‬

:‫) (نوح‬1( } 


  
 
  
   
     
        
  
     
   
   
  
   
  

        { :‫ وقال عن قوم هود عليه السـالم‬،)24-23

  
           
   
     { ،)22 :‫) (األحقاف‬2( }    
  
  
  

.)53 :‫) (هود‬3( } 


    
  
  
  
  
    
   
   
    

          { :‫وقال عن قوم صاحل عليه السالم‬

.)62 :‫) (هود‬4( } 


        
 
  
  
 
            
     
    

        { :‫وقال عن قوم شعيب عليه السالم‬

.)87 :‫) (هود‬5( }          


 
 
       
        
  
  
          

           { :‫وقال عن كفـار قريـش‬
                

                 

.)7-4 :‫) (ص‬6( }

. 24 ، 23 : ‫( سورة نوح آية‬1)


. 22 : ‫( سورة األحقاف آية‬2)
. 53 : ‫( سورة هود آية‬3)
. 62 : ‫( سورة هود آية‬4)
. 87 : ‫( سورة هود آية‬5)
. 7 - 4 : ‫( سورة ص آية‬6)

25
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫‪             ‬‬ ‫وقـال‪{ :‬‬
‫‪              ‬‬

‫‪               ‬‬

‫‪( )1( } ‬الفرقان‪-41 :‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪.)44‬‬
‫فهذه النصوص وما جاء يف معناها تدل أوضح دًللـة أن املعـرتك واخلصومة بني األنبياء‬
‫وأقوامهم إَّنا كان حول توحيد العبادة والدعـوة إىل إخالص الدين هلل‪.‬‬
‫وقد ثبت يف الصحيح أن النيب ‪ ‬قال‪{ :‬أمرت أن أقاتل الناس حىت يشهدوا أن ًل إله‬
‫إًل هللا وأن حممدا رسول هللا ويقيمـوا الصـالة ويؤتـوا الزكاة‪ ،‬فإذا فعلوا ذلك عصموا مين دماءهم‬
‫وأمواهلم إًل حبـق اإلسـالم وحساهبم على هللا} (‪.)3( )2‬‬

‫وثبت يف الصحيح أيضا عن النيب ‪ ‬قال‪{ :‬من قال ًل إله إًل هللا وكفر مبا يعبد من‬

‫حرم ماله ودمه وحسابه على هللا} (‪.)5( )4‬‬


‫دون هللا ُ‬

‫)‪ (1‬سورة الفرقان آية ‪. 44 - 41 :‬‬


‫(‪ )2‬البخاري اإلميان (‪ ، )25‬مسلم اإلميان (‪. )22‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ ، )52‬وصحيح مسلم برقم (‪. )22‬‬
‫(‪ )4‬مسلم اإلميان (‪ ، )23‬أمحد (‪. )394/6‬‬
‫(‪ )5‬صحيح مسلم برقم (‪. )23‬‬

‫‪26‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫املبحث الثاين‪ :‬وجوب إفراد هللا ابلعبادة‪ ،‬وحتته مطالب‬


‫املطلب األول‪ :‬معىن العبادة واألصول اليت تُبىن عليها‪.‬‬
‫العبادة يف اللغة‪ :‬الذل واخلضوع‪ ،‬يقال‪ :‬بعري معبد‪ ،‬أي‪ :‬مذلل‪ ،‬وطريـق معبد‪ :‬إذا كان‬
‫مذلال قد وطئته األقدام‪.‬‬
‫وشرعا‪ :‬هي اسم جامع لكل ما حيبه هللا ويرضاه من األقوال واألعمـال الظاهرة والباطنة‪.‬‬
‫وسيأيت ما يوضح ذلك عند ذكر بعض أنواع العبادة‪.‬‬
‫وهي تبىن على ثالثة أركان‪:‬‬
‫‪    ‬‬ ‫األول‪ :‬كمال احلب للمعبود سبحانه‪ ،‬كما قال تعاىل‪{ :‬‬

‫‪( )1( }‬البقرة‪.)165 :‬‬

‫‪( )2( }  ‬اإلسراء‪.)57 :‬‬


‫‪  ‬‬ ‫الثاين‪ :‬كمال الرجاء‪ ،‬كما قال تعاىل‪    { :‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬ ‫الثالث‪ :‬كمال اخلوف من هللا سبحانه‪ ،‬كما قـال تعـاىل‪{ :‬‬

‫‪( )3( }‬اإلسراء‪.)57 :‬‬


‫وقد مجع هللا سبحانه بني هذه األركان الثالثة العظيمة يف فاحتة الكتـاب يف قوله سبحانه‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫{‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪}  ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫{ ‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪}  ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫{ ‪  ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ، } ‬فاآلية األوىل فيها احملبة؛ فإن هللا منعم‪ ،‬واملنعم ُحي ُّ‬
‫(‪)6‬‬
‫ب علـى قـدر إنعامه‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫)‪ (1‬سورة البقرة آية ‪. 165 :‬‬


‫)‪ (2‬سورة اإلسراء آية ‪. 57 :‬‬
‫)‪ (3‬سورة اإلسراء آية ‪. 57 :‬‬
‫)‪ (4‬سورة الفاحتة آية ‪. 2 :‬‬
‫)‪ (5‬سورة الفاحتة آية ‪. 3 :‬‬
‫)‪ (6‬سورة الفاحتة آية ‪. 4 :‬‬

‫‪27‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫واآلية الثانية فيها الرجاء‪ ،‬فاملتصف ابلرمحة ترجى رمحتـه‪ ،‬واآلية الثالثة فيها اخلوف‪ ،‬فمالك‬
‫اجلزاء واحلساب خياف عذابه‪.‬‬
‫‪ ، )1( }    ‬أي‪ :‬أعبدك اي رب هـذه الثالث‪:‬‬
‫وهلذا قال تعاىل عقب ذلك‪   { :‬‬

‫‪ ، )2( }      ‬ورجائك الـذي دل عليه‪:‬‬


‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫مبحبتك اليت دل عليها‪   { :‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪. )4( }      ‬‬


‫‪ ،‬وخوفـك الـذي دل عليـه‪   { :‬‬
‫(‪)3‬‬
‫‪}  ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫{ ‪  ‬‬
‫‪  ‬‬

‫والعبادة ال تقبل إال بشرطني‪:‬‬


‫‪ - 1‬اإلخالص فيها للمعبود ؛ فإن هللا ًل يقبل من العمل إًل اخلـالص لوجهه سبحانه‪،‬‬
‫‪( )5( }      ‬البينة‪ ،)5 :‬وقَال تعاىل‪{ :‬‬
‫‪    ‬‬ ‫قال تعاىل‪              { :‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪      ‬‬


‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪( )6( } ‬الزمر‪ ،)3 :‬وقال تعـاىل‪{ :‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪( )7( }‬الزمر‪.)14 :‬‬


‫‪ - 2‬املتابعة للرسول صلى هللا عليه وسلم؛ فإن هللا ًل يقبل من العمل إًل املوافق هلدي‬
‫‪       ‬‬ ‫الرسول ‪ ‬قال هللا تعاىل‪{ :‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫{ ‪ ‬‬
‫‪    ‬‬ ‫‪( )8( }‬احلشر‪ ،)7 :‬وقَال تعاىل‪:‬‬

‫‪( )9( }          ‬النساء‪.)65 :‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫)‪ (1‬سورة الفاحتة آية ‪. 5 :‬‬


‫)‪ (2‬سورة الفاحتة آية ‪. 2 :‬‬
‫)‪ (3‬سورة الفاحتة آية ‪. 3 :‬‬
‫)‪ (4‬سورة الفاحتة آية ‪. 4 :‬‬
‫)‪ (5‬سورة البينة آية ‪. 5 :‬‬
‫)‪ (6‬سورة الزمر آية ‪. 3 :‬‬
‫)‪ (7‬سورة الزمر آية ‪. 14 :‬‬
‫)‪ (8‬سورة احلشر آية ‪. 7 :‬‬
‫)‪ (9‬سورة النساء آية ‪. 65 :‬‬

‫‪28‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫وقوله ‪{ ‬من أحدث يف أمرًن هذا ما ليس منه فـهو رد} (‪( )2( )1‬أي مردود عليه)‪.‬‬
‫فال عربة ابلعمل ما مل يكـن خالصا هلل صوااب على سنة رسـول هللا ‪ ‬قال الفضيل بن‬
‫‪( )3( } ‬هود‪ ،7 :‬امللك‪:‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫عياض رمحه هللا يف قوله تعـاىل‪      { :‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ " :)2‬أخلصه وأصوبه "‪ ،‬قيل‪ :‬اي أاب علي‪ ،‬وما أخلصـه وأصوبه ؟ قال‪ " :‬إن العمل إذا كان‬
‫خالصا ومل يكن صوااب مل يقبـل‪ ،‬وإذا كان صوااب ومل يكن خالصا مل يقبل حىت يكون خالصا‬
‫صوااب‪ ،‬واخلالص مـا كان هلل‪ ،‬والصواب ما كان على السنة " (‪. )4‬‬
‫{ ‪   ‬‬ ‫ومن اآلايت اجلامعة هلذين الشرطني قوله تعاىل يف آخر سورة الكهف‪:‬‬
‫‪                 ‬‬

‫‪( )5( }             ‬الكهف‪.)110 :‬‬

‫)‪ (1‬البخاري الصلح (‪ ، )2550‬مسلم األقضية (‪ ، )1718‬أبو داود السنة (‪ ، )4606‬ابن ماجه املقدمة (‪، )14‬‬
‫أمحد (‪. )270/6‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم (‪. )2697‬‬
‫)‪ (3‬سورة هود آية ‪. 7 :‬‬
‫)‪ (4‬حلية األولياء ‪. )95 / 8( :‬‬
‫)‪ (5‬سورة الكهف آية ‪. 110 :‬‬

‫‪29‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫املطلب الثاين‪ :‬ذكر بعض أنواع العبادة‪.‬‬


‫العبادة أنواعها كثرية‪ ،‬فكل عمل صاحل حيبه هللا ويرضاه قويل أو فعلـي ظاهر أو ابطن فهو‬
‫نوع من أنواعها وفرد من أفرادها‪ ،‬وفيما يلي ذكر بعـض األمثلة على ذلك‪:‬‬
‫‪ - 1‬فمن أنواع العبادة‪ :‬الدعاء‪ ،‬بنوعيه دعاء املسألة‪ ،‬ودعاء العبادة‪.‬‬
‫‪( )1( }     ‬غافر‪ ،)14 :‬وقال تعاىل‪{ :‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪  ‬‬ ‫قـال هللا تعـاىل‪    { :‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪‬‬ ‫{ ‪  ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪( )2( }    ‬اجلن‪ ،)18 :‬وقال تعـاىل‪:‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬

‫‪                 ‬‬

‫‪( )3( }                           ‬األحقاف‪.)6 -5 :‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪‬‬

‫فمن دعا غري هللا ‪ ‬بشيء ًل يقدر عليه إًل هللا فهو مشرك كـافر سـواء كان املدعو حيا‬
‫أو ميتا‪ ،‬ومن دعا حيا‪ .‬مبا يقدر عليه مثل أن يقـول‪ :‬اي فالن أطعمين‪ ،‬أو اي فالن اسقين‪ ،‬وحنو‬
‫ذلك فال شيء عليه‪ ،‬ومن دعا ميتا أو غائبا‪ .‬مبثل هذا فإنه مشرك؛ ألن امليت والغائب ًل‬
‫ميكن أن يقوم‪ .‬مبثل هذا‪.‬‬
‫والدعاء نوعان‪ :‬دعاء املسألة ودعاء العبادة‪.‬‬
‫فدعاء املسألة‪ ،‬هو سؤال هللا من خريي الدنيا واآلخرة‪ ،‬ودعاء العبـادة يدخل فيه كل‬
‫القرابت الظاهرة والباطنة؛ ألن املتعبد هلل طالب بلسان مقالـه ولسان حاله من ربه قبول تلك‬
‫العبادة واإلاثبة عليها‪.‬‬
‫وكل ما ورد يف القرآن من األمر ابلدعاء والنهي عن دعـاء غـري هللا والثناء على الداعني‬
‫يتناول دعاء املسألة ودعاء العبادة‪.‬‬

‫)‪ (1‬سورة غافر آية ‪. 14 :‬‬


‫)‪ (2‬سورة اجلن آية ‪. 18 :‬‬
‫)‪ (3‬سورة األحقاف آية ‪. 6 ، 5 :‬‬

‫‪30‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫‪ - 4 ،3 ،2‬ومن أنواع العبادة‪ :‬احملبة واخلوف والرجاء‪ ،‬وقد تقـدم الكالم عليها وبيان أهنا‬
‫أركان للعبادة‪.‬‬
‫‪ - 5‬ومن أنواعها‪ :‬التوكل‪ ،‬وهو اًلعتماد على الشيء‪.‬‬
‫والتوكل على هللا‪ :‬هو صدق تفويض األمر إىل هللا تعاىل اعتمادا عليـه وثقة به مع مباشرة‬
‫{ ‪  ‬‬ ‫ما شرع وأابح من األسباب لتحصيـل املنـافع ودفـع املضار‪ ،‬قال هللا تعاىل‪:‬‬

‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫{ ‪      ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪( )1( }        ‬املائدة‪ ،)23 :‬وقال تعاىل‪:‬‬

‫‪( )2( }‬الطالق‪.)3 :‬‬


‫‪ -8 ،7 ،6‬ومن أنواع العبادة‪ :‬الرغبة والرهبة واخلشوع‪.‬‬
‫فأما الرغبة‪ :‬فمحبة الوصول إىل الشيء احملبوب‪ ،‬والرهبة‪ :‬اخلوف املثمـر للهرب من‬
‫املخوف‪ ،‬واخلشوع‪ :‬الذل واخلضوع لعظمة هللا حبيث يستسـلم لقضائه الكوين والشرعي‪ ،‬قال‬
‫‪    ‬‬ ‫هللا تعاىل يف ذكر هذه األنواع الثالثة مـن العبادة‪{ :‬‬

‫‪( )3( } ‬األنبياء‪.)90 :‬‬


‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬

‫‪ - 9‬ومن أنواعها‪ :‬اخلشية‪ ،‬وهي اخلوف املبين على العلم بعظمة مـن خيشاه وكمال‬
‫‪( )4( }      ‬البقرة‪.)150 :‬‬ ‫سـلطانه‪ ،‬قـال هللا تعـاىل‪    { :‬‬
‫‪  ‬‬

‫‪( )5( }   ‬املائدة‪.)3 :‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫{ ‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫)‪ (1‬سورة املائدة آية ‪. 23 :‬‬


‫)‪ (2‬سورة الطالق آية ‪. 3 :‬‬
‫)‪ (3‬سورة األنبياء آية ‪. 90 :‬‬
‫)‪ (4‬سورة البقرة آية ‪. 150 :‬‬
‫)‪ (5‬سورة املائدة آية ‪. 3 :‬‬

‫‪31‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫‪ -10‬ومنها اإلانبة ‪ ،‬وهي الرجوع إىل هللا تعـاىل ابلقيـام بطاعتـه واجتناب معصيته‪ ،‬قال‬
‫هللا تعاىل‪( )1( }                    { :‬الزمـر‪.)54 :‬‬
‫‪ - 11‬ومنها‪ :‬االستعانة ‪ ،‬وهي طلب العون من هللا يف حتقيـق أمـور الدين والدنيا‪ ،‬قال‬
‫‪ ، )2( }     ‬وقـال ‪ ‬يف وصيته ًلبن عباس‪:‬‬
‫‪    ‬‬ ‫هللا تعاىل‪   { :‬‬
‫‪    ‬‬

‫{إذا استعنت فاستعن ابهلل} (‪. )4( )3‬‬

‫‪ - 12‬ومنها‪ :‬االستعاذة ‪ ،‬وهي طلب اإلعاذة واحلماية من املكـروه‪ ،‬قال هللا تعاىل‪{ :‬‬

‫‪    ‬‬


‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬ ‫{ ‪ ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪ )5( }       ‬وقال تعاىل‬ ‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪. )6( } ‬‬


‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪  ‬‬

‫‪ - 13‬ومنها االستغاثة ‪ ،‬وهو طلب الغوث‪ ،‬وهو اإلنقاذ من الشـدة واهلالك‪ ،‬قال هللا‬
‫‪( )7( } ‬األنفال‪.)9 :‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫تعاىل‪    { :‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ - 14‬ومنها الذبح ‪ ،‬وهو إزهاق الروح إبراقـة الـدم علـى وجـه اخلصوص تقراب إىل هللا‪،‬‬
‫‪( )8( }       ‬األنعام‪:‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫قال هللا تعاىل‪  { :‬‬
‫‪  ‬‬

‫‪( )9( }      ‬الكوثر‪.)2 :‬‬


‫‪    ‬‬ ‫‪ ،)162‬وقال تعـاىل‪  { :‬‬
‫‪ ‬‬

‫)‪ (1‬سورة الزمر آية ‪. 54 :‬‬


‫)‪ (2‬سورة الفاحتة آية ‪. 5 :‬‬
‫)‪ (3‬الرتمذي صفة القيامة والرقائق والورع (‪ ، )2516‬أمحد (‪. )308/1‬‬
‫)‪ (4‬سنن الرتمذي (‪ ، )2516‬ومسند أمحد (‪ ، )307 / 1‬وقد حسن احلديث الرتمذي وصححه احلاكم ‪.‬‬
‫)‪ (5‬سورة الفلق آية ‪. 2 ، 1 :‬‬
‫)‪ (6‬سورة الناس آية ‪. 4 - 1 :‬‬
‫)‪ (7‬سورة األنفال آية ‪. 9 :‬‬
‫)‪ (8‬سورة األنعام آية ‪. 162 :‬‬
‫)‪ (9‬سورة الكوثر آية ‪. 2 :‬‬

‫‪32‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫‪ - 15‬ومنها النذر ‪ ،‬وهو إلزام املرء نفسه بشيء ما‪ ،‬أو طاعة هلل غـري واجبة‪ ،‬قال هللا‬
‫تعاىل‪( )1( }                          { :‬اإلنسان‪.)7 :‬‬
‫فهذه بعض األمثلة على أنواع العبادة‪ ،‬ومجيع ذلك حق هلل وحـده ًل جيوز صرف شيء منه‬
‫لغري هللا‪.‬‬
‫والعبادة حبسب ما تقوم به من األعضاء على ثالثة أقسام‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬عبادات القلب‪ ،‬كاحملبـة واخلوف والرجـاء واإلًنبـة واخلشية والرهبة والتوكل‬
‫وحنو ذلك‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬عبادات اللسان‪ ،‬كاحلمد والتهليل والتسبيح واًلسـتغفار وتالوة القرآن‬
‫والدعاء وحنو ذلك‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬عبادات اجلوارح‪ ،‬كالصالة والصيام والزكاة واحلـج والصدقة واجلهاد‪ ،‬وحنو‬
‫ذلك‪.‬‬

‫)‪ (1‬سورة اإلنسان آية ‪. 7 :‬‬

‫‪33‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫املبحث الثالث‪ :‬محاية املصطفى ‪ ‬جناب التوحيد‬


‫لقد كان النيب ‪ ‬حريصا أشد احلرص على أمته؛ لتكون عزيزة منيعـة حمققة لتوحيد هللا ‪‬‬
‫{ ‪ ‬‬ ‫جمانبة لكل الوسائل واألسباب املفضية ملا يضاده ويناقضه‪ ،‬قال هللا تعاىل‪:‬‬
‫‪           ‬‬

‫‪( )1( }‬التوبة‪.)128 :‬‬


‫وقد أكثر ‪ ‬يف النهي عن الشرك وحذر وأنذر وأبدأ وأعاد وخص وعم يف محاية احلنيفية‬
‫السمحة ملة إبراهيم اليت بعث هبا من كل مـا قـد يشوهبا من األقوال واألعمال اليت يضمحل‬
‫معها التوحيد أو ينقص‪ ،‬وهـذا كثري يف السنة الثابتة عنه ‪ ‬فأقام احلجة‪ ،‬وأزال الشبهة‪ ،‬وقطع‬
‫املعـذرة‪ ،‬وأابن السبيل‪.‬‬
‫ويف املطالب التالية عرض يتبني من خالله محاية املصطفـى ‪ ‬محـى التوحيد وسده كل‬
‫طريق يفضي إىل الشرك والباطل‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬الرقى‪.‬‬
‫أ‪ -‬تعريفها‪ :‬الـرقى مجـع رقية‪ ،‬وهي القراءة والنفث طلبا للشفاء والعافية‪ ،‬سواء كانت من‬
‫القرآن الكرمي أو من األدعية النبوية املأثورة‪.‬‬
‫ب‪ -‬حكمها‪ :‬اجلواز‪ ،‬ومن األدلة على ذلك ما يلي‪:‬‬
‫فعن عوف بن مالك ‪ ‬قال‪{ :‬كنا نرقي يف اجلاهلية فقلنا‪ :‬اي رسول هللا كيف ترى يف‬

‫ذلك ؟ فقال‪ :‬اعرضوا علي رقاكم‪ً ،‬ل أبس ابلرقى ما مل يكـن فيه شرك} (‪ ، )2‬رواه مسلم (‪. )3‬‬

‫)‪ (1‬سورة التوبة آية ‪. 128 :‬‬


‫)‪ (2‬مسلم السالم (‪ ، )2200‬أبو داود الطب (‪. )3886‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم برقم (‪. )2200‬‬

‫‪34‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫(‪)2‬‬
‫وعن أنس بن مالك ‪ ‬قال‪{ :‬رخص رسـول هللا ‪ ‬يف الرقيـة مـن العني (‪ )1‬واحلمة‬

‫والنملة} (‪ ،" )3‬رواه مسلم (‪. )4‬‬

‫وعن جابر بن عبد هللا ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‪{ ‬مـن استطاع أن ينفع أخاه‬

‫فليفعل} (‪ ، )5‬رواه مسلم (‪. )6‬‬

‫وعن عائشة رضي هللا عنها قالت‪{ :‬كان رسول هللا ‪ ‬إذا اشتكى منـا إنسان مسحه‬
‫بيمينه مث قال‪ :‬أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشايف ًل شفاء إًل شفاؤك شفاء ًل يغادر‬
‫سقما} (‪ ، )7‬رواه البخاري ومسلم (‪. )8‬‬
‫ج‪ -‬شروطها‪ :‬وجلوازها وصحتها شروط ثالثة‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن ًل يعتقد أهنا تنفع لذاهتا دون هللا‪ ،‬فإن اعتقد أهنا تنفع بذاهتـا من دون هللا فهو‬
‫حمرم‪ ،‬بل هو شرك‪ ،‬بل يعتقد أهنا سبب ًل تنفع إًل إبذن هللا‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن ًل تكون مبا خيالف الشرع كما إذا كانت متضمنة دعاء غري هللا أو استغاثة‬
‫ابجلن وما أشبه ذلك‪ ،‬فإهنا حمرمة‪ ،‬بل شرك‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن تكون مفهومة معلومة‪ ،‬فإن كانت من جنـس الطالسـم والشعوذة فإهنا ًل جتوز‪.‬‬

‫)‪ " (1‬العني " إصابة العائن غريه بعينه بقدر هللا ‪.‬‬
‫)‪ " (2‬الـحمة " حباء مهملة مضمومة مث ميم خمففة ‪ :‬وهي السم ‪ ،‬ومعناه ‪ :‬أذن يف الرقية من كل ذات سـم ‪ ،‬مثل لدغة‬
‫الثعبان ‪ ،‬أو العقرب أو حنومها ‪.‬‬
‫)‪ " (3‬النملة " بفتح النون وإسكان امليم ‪ :‬قروح خترج من اجلنب ‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح مسلم برقم (‪. )2196‬‬
‫)‪ (5‬مسلم السالم (‪ ، )2198‬أمحد (‪. )302/3‬‬
‫)‪ (6‬صحيح مسلم برقم (‪. )2199‬‬
‫)‪ (7‬البخاري الطب (‪ ، )5418‬مسلم السالم (‪ ، )2191‬ابن ماجه الطب (‪ ، )3520‬أمحد (‪. )45/6‬‬
‫)‪ (8‬صحيح البخاري برقم (‪ ، )5743‬وصحيح مسلم برقم (‪. )2191‬‬

‫‪35‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫وقد سئل اإلمام مالك رمحه هللا‪ :‬أيرقي الرجل ويسرتقي ؟ فقـال‪ً " :‬ل أبس بذلك‪ ،‬ابلكالم‬
‫الطيب "‪.‬‬
‫د‪ -‬الرقية املمنوعة‪ :‬كل رقية مل تتوفر فيها الشروط املتقدمة فإهنا حمرمة ممنوعة‪ ،‬كأن يعتقد‬
‫الراقي أو املرقي أهنا تنفع وتؤثر بذاهتا‪ ،‬أو تكـون مشتملة على ألفاظ شركية وتوسالت كفرية‬
‫وألفاظ بدعية‪ ،‬وحنو ذلـك‪ ،‬أو تكون أبلفاظ غري مفهومة كالطالسم وحنوها‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬التمائم‪.‬‬
‫أ‪ -‬تعريفها‪ :‬التمـائم مجع متيمة‪ ،‬وهي ما يعلق على العنق وغـريه من تعويـذات أو خرزات‬
‫أو عظام أو حنوها جللب نفع أو دفع ضـر‪ ،‬وكان العرب يف اجلاهلية يعلقوهنا على أوًلدهم‬
‫يتقون هبا العـني بزعمـهم الباطل‪.‬‬
‫ب‪ -‬حكمها‪ :‬التحرمي‪،‬‬
‫بل هي نوع من أنواع الشرك؛ ملا فيها من التعلق بغري هللا؛ إذ ًل دافـع إًل هللا‪ ،‬وًل يطلب‬
‫دفع املؤذايت إًل ابهلل وأمسائه وصفاته‪.‬‬
‫عن ابن مسعود ‪ ‬قال‪ :‬مسعت رسول هللا ‪ ‬يقـول‪{ :‬إن الرقـى والتمائم والتولة‬

‫شرك} (‪ ، )1‬رواه أبو داود واحلاكم (‪. )2‬‬

‫وعن عبد هللا بن عكيم ‪ ‬مرفوعا‪{ :‬من تعلق شيئا وكل إليـه} (‪ ، )3‬رواه أمحد‬
‫والرتمذي واحلاكم (‪. )4‬‬

‫)‪ (1‬أبو داود الطب (‪ ، )3883‬ابن ماجه الطب (‪ ، )3530‬أمحد (‪. )381/1‬‬
‫)‪ (2‬سنن أيب داود برقم (‪ ، )3883‬ومستدرك (‪ )241 / 4‬وصححه احلاكم ووافقه الذهيب ‪.‬‬
‫)‪ (3‬الرتمذي الطب (‪. )2072‬‬
‫)‪ (4‬مسند أمحد (‪ ، )310/ 4‬وسنن الرتمذي برقم (‪ ، )2072‬ومستدرك احلـاكم (‪ )241 / 4‬وصححـه احلاكم ‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫وعن عقبة بن عامر ‪ ‬مرفوعا‪{ :‬من تعلق متيمة فال أمت هللا له‪ ،‬ومـن تعلق ودعة فال‬

‫ودع هللا له}(‪ ،)1‬رواه أمحد واحلاكم (‪. )2‬‬

‫وعن عقبة بن عامر ‪ ‬أن رسول هللا ‪ ‬قال‪{ :‬من علق متيمة فقـد أشرك} (‪، )3‬‬
‫رواه أمحد (‪ . )4‬فهذه النصوص وما يف معناها يف التحذير من الرقـى الشركية اليت كـانت هي‬
‫غالب رقى العرب فنهي عنها ملا فيها من الشـرك والتعلق بغري هللا تعاىل‪.‬‬
‫ج‪ -‬وإذا كان املعلق من القرآن الكرمي‪ ،‬فهذه املسألة اختلف فيها أهـل العلم‪ ،‬فذهب‬
‫بعضهم إىل جواز ذلك‪ ،‬ومنهم من منع ذلك‪ ،‬وقال ًل جيـوز تعليق القرآن لالستشفاء‪ ،‬وهو‬
‫الصواب لوجوه أربعة‪:‬‬
‫‪ -1‬عموم النهي عن تعليق التمائم‪ ،‬وًل خمصص للعموم‪.‬‬
‫‪ -2‬سدا للذريعة‪ ،‬فإنه يفضي إىل تعليق ما ليس من القرآن‪.‬‬
‫‪ -3‬أنه إذا علق فال بد أن ميتهن املعلق حبمله معه يف حال قضاء احلاجـة واًلستنجاء‪،‬‬
‫وحنو ذلك‪.‬‬
‫‪ -4‬أن اًلستشفاء ابلقرآن ورد على صفة معينة‪ ،‬وهي القراءة بـه علـى املريض فال تتجاوز‪.‬‬
‫املطلب الثالث لبس احللقة واخليط وحنوها‬
‫املطلب الثالث‪ :‬لبس احللقة واخليط وحنوها‪.‬‬
‫أ‪ -‬احللقة قطعة مستديرة من حديد أو ذهب أو فضة أو حناس أو حنـو ذلك‪ ،‬واخليط‬
‫معروف‪ ،‬وقد جيعل من الصوف أو الكتان أو حنوه‪ ،‬وكـانت العرب يف اجلاهلية تعلق هذا ومثله‬
‫{ ‪     ‬‬ ‫لدفع الضر أو جلب النفع أو اتقاء العـني‪ ،‬وهللا تعاىل يقول‪:‬‬

‫)‪ (1‬أمحد (‪. )154/4‬‬


‫)‪ (2‬مسند أمحد (‪ ، )154 /4‬ومستدرك احلاكم (‪ ، )240 /4‬وصححه احلاكم ووافقه الذهيب ‪.‬‬
‫)‪ (3‬أمحد (‪. )156/4‬‬
‫)‪ (4‬مسند أمحد (‪ ، )156 / 4‬وصححه احلاكم (‪ )244 /4‬وقال عبد الرمحن بن حسن ورواته ثقات ‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫‪                 ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪( )1( }         ‬الزمر‪ ،)38 :‬ويقول تعاىل‪{ :‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪‬‬

‫‪( )2( } ‬اإلسراء‪.)56 :‬‬


‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬

‫وعن عمران بن حصني ‪{ ‬أن النيب ‪ ‬رأى رجال يف يده حلقة مـن صفر فقال‪ :‬ما‬
‫هذه ؟ قال‪ :‬من الواهنة‪ ،‬فقال‪ :‬انـزعها؛ فإهنا ًل تزيـدك إًل وهنا‪ ،‬انبذها عنك‪ ،‬فإنك لو مت‬
‫وهي عليك مـا أفلحـت أبـدا} (‪ ، )3‬رواه أمحد (‪. )4‬‬
‫وعن حذيفة بن اليمان ‪( ‬أنه رأى رجال يف يده خيط من احلمـى فقطعه وتال قوله‬
‫‪( )5( }         ‬يوسف‪. )6( )106 :‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫تعـاىل‪      { :‬‬
‫‪  ‬‬

‫ب‪ -‬حكم لبس احللقة واخليط وحنو ذلك‪ ،‬حمرم فإن اعتقد ًلبسها أهنا مؤثرة بنفسها دون‬
‫هللا فهو مشرك شركا أكرب يف توحيد الربوبية؛ ألنه اعتقد وجود خالق مدبر مع هللا تعاىل هللا‬
‫عما يشركون‪.‬‬
‫وإن اعتقد أن األمر هلل وحده وأهنا جمرد سبب‪ ،‬ولكنه ليس مؤثرا فـهو مشرك شركا أصغر‬
‫ألنه جعل ما ليس سببا سببا والتفت إىل غري ذلك بقلبه‪ ،‬وفعله هذا ذريعة لالنتقال للشرك‬
‫األكرب إذا تعلق قلبه هبا ورجا منها جلـب النعماء أو دفـع البالء‪.‬‬
‫املطلب الرابع التربك ابألشجار واألحجار وحنوها‬
‫املطلب الرابع‪ :‬التربك ابألشجار واألحجار وحنوها‪.‬‬
‫التربك هو طلب الربكة‪ ،‬وطلب الربكة ًل خيلو من أمرين‪:‬‬

‫)‪ (1‬سورة الزمر آية ‪. 38 :‬‬


‫)‪ (2‬سورة اإلسراء آية ‪. 56 :‬‬
‫)‪ (3‬ابن ماجه الطب (‪ ، )3531‬أمحد (‪. )445/4‬‬
‫)‪ (4‬املسند (‪ ، )445 / 4‬وقال البوصريي إسناده حسن وقال اهليثمي رجاله ثقات ‪.‬‬
‫)‪ (5‬سورة يوسف آية ‪. 106 :‬‬
‫)‪ (6‬تفسري ابن أيب حامت (‪. )2207 / 7‬‬

‫‪38‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫{ ‪  ‬‬ ‫‪ - 1‬أن يكون التربك أبمر شرعي معلوم مثل القرآن قال هللا تعـاىل‪:‬‬

‫‪( )1( }   ‬األنعام‪ ،)155 ،92 :‬فمـن بركتـه هدايتـه للقلوب وشفاؤه للصدور وإصالحه‬
‫للنفوس وهتذيبه لألخالق‪ ،‬إىل غري ذلـك من بركاته الكثرية‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يكون التربك أبمر غري مشروع‪ ،‬كالتربك ابألشجار واألحجـار والقبور والقباب‬
‫والبقاع وحنو ذلك‪ ،‬فهذا كله من الشرك‪.‬‬
‫فعن أيب واقد الليثي قال‪{ :‬خرجنا مع رسول هللا ‪ ‬إىل حنني وحنـن حداثء عهد بكفر‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫يعكفون عندها وينوطـون هبـا أسلحتهم‪ ،‬يقال هلا ذات أنواط‪ ،‬فمررًن‬ ‫وللمشركني سدرة‬
‫بسدرة‪ ،‬فقلنا‪ :‬يـا رسـول هللا ‪ ‬اجعل لنا ذات أنواط كما هلم ذات أنواط‪ ،‬فقال رسول هللا ‪‬‬
‫{ ‪ ‬‬ ‫هللا أكـرب‪ ،‬إهنا السـنن‪ ،‬قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنـو إسـرائيل ملوسـى‪:‬‬

‫‪( )3( }                         ‬األعـراف‪ ،)138 :‬لرتكنب سنـن مـن‬

‫كـان قبلكـم} ‪ ،‬رواه التـرمـذي وصـححه (‪. )4‬‬


‫فقد دل هذا احلديـث على أن ما يفعله من يعتقد يف األشجار والقبـور واألحجار وحنوها‬
‫من التربك هبا والعكوف عندها والذبح هلا هو الشـرك‪ ،‬وهلذا أخرب يف احلديث أن طلبهم كطلب‬
‫بين إسرائيل ملـا قـالوا ملوسى‪ :‬اجعل لنا إهلا كما هلم آهلة فهؤًلء طلبوا سدرة يتربكون هبـا كمـا‬
‫يتربك املشركون‪ ،‬وأولئك طلبوا إلـها كما هلم آهلة‪ ،‬فيكون يف كال الطلبني منافاة للتوحيد؛ ألن‬
‫التربك ابلشجر نوع من الشرك‪ ،‬واختاذ إلـه غـري هللا شرك واضح‪.‬‬

‫)‪ (1‬سورة األنعام آية ‪. 92 :‬‬


‫)‪ (2‬السدرة ‪ :‬شجرة ذات شوك ‪.‬‬
‫)‪ (3‬سورة األعراف آية ‪. 138 :‬‬
‫)‪ (4‬سنن الرتمذي برقم (‪. ) 2180‬‬

‫‪39‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫إشـارة إىل أن شيئا من‬ ‫(‪)1‬‬


‫ويف قوله ‪ ‬يف احلديث‪{ :‬لرتكنب سنن من كان قبلكـم}‬
‫ذلك سيقع يف أمته ‪ ‬وقد قال ذلك عليه الصالة والسالم ًنهيـا وحمذرا‪.‬‬
‫املطلب اخلامس النهي عن أعمال تتعلق ابلقبور‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬النهي عن أعمال تتعلق ابلقبور‪.‬‬
‫لقد كان األمر يف صدر اإلسالم على منع زايرة القبور لقرب عـهدهم ابجلاهلية محاية حلمى‬
‫التوحيد وصيانة جلنابه‪ ،‬وملا حسن اإلميان وعظم شـأنه يف الناس ورسخ يف القلوب واتضحت‬
‫براهني التوحيد وانكشـفت شـبهة الشرك جاءت مشروعية زايرة القبور حمددة أهدافها موضحة‬
‫مقاصدها‪.‬‬
‫فعن بريدة بن احلصيب ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‪{ ‬هنيتكم عن زايرة القبور‬

‫فزوروها} (‪ ، )2‬رواه مسلم (‪. )3‬‬

‫وعن أيب هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال النيب ‪{ ‬زوروا القبور فإنـها تذكـر املوت} (‪. )5( )4‬‬

‫وعن أيب سعيد اخلدري ‪ ‬قال رسول هللا ‪{ ‬إين هنيتكـم عن زيـارة القبور فزوروها‬

‫فإن فيها عربة} (‪. )7( )6‬‬

‫)‪ (1‬الرتمذي الفنت (‪ ، )2180‬أمحد (‪. )218/5‬‬


‫)‪ (2‬مسلم اجلنائز (‪ ، )977‬النسائي األشربة (‪ ، )5652‬أبو داود األشربة (‪ ، )3698‬أمحد (‪. )350/5‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم برقم (‪. )977‬‬
‫)‪ (4‬مسلم اجلنائز (‪ ، )976‬النسائي اجلنائز (‪ ، )2034‬أبو داود اجلنائز (‪ ، )3234‬ابن ماجه ما جاء يف اجلنائز‬
‫(‪ ، )1572‬أمحد (‪. )441/ 2‬‬
‫)‪ (5‬صحيح مسلم برقم (‪. )975‬‬
‫)‪ (6‬أمحد (‪ ، )38/3‬مالك الضحااي (‪. )1048‬‬
‫)‪ (7‬مسند أمحد (‪ ، )38 /3‬ومستدرك احلاكم (‪. )531 /1‬‬

‫‪40‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫وعن أنس بن مالك ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‪{ ‬كنت هنيتكم عـن زايرة القبور أًل‬

‫فزوروها؛ فإهنا ترق القلب وتدمع العني وتذكر اآلخرة‪ ،‬وًل تقولوا هجرا} (‪. )2( )1‬‬

‫وعن بريدة ‪ ‬قال‪{ :‬كان رسول هللا ‪ ‬يعلمهم إذا خرجوا إىل املقابر فكان قائلهم‬
‫يقول‪ :‬السالم عليكـم أهل الداير من املؤمنني واملسلمني‪ ،‬وإنـا إن شاء هللا بكم لالحقون‪ ،‬أسأل‬
‫هللا لنا ولكم العافية} (‪ ، )3‬رواه مسلم (‪. )4‬‬
‫فهذه األحاديث وما جاء يف معناها تدل على أن مشروعية زايرة القبـور بعد املنع من ذلك‬
‫إَّنا كانت هلدفني عظيمني وغايتني جليلتني‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬التزهيد يف الدنيا بتذكر اآلخرة واملوت والبلى‪ ،‬واًلعتبار بـأهل القبور مما يزيد يف‬
‫إميان الشخص ويقوي يقينه ويعظم صلته ابهلل‪ ،‬ويذهـب عنه اإلعراض والغفلة‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬اإلحسان إىل املوتى ابلدعاء هلم والرتحم عليهم وطلب املغفـرة هلم وسؤال هللا العفو‬
‫عنهم‪.‬‬
‫هذا الذي دل عليه الدليل‪ ،‬ومن ادعى غري ذلـك طولـب ابحلجـة والربهان‪.‬‬
‫مث إن السنة قد جاءت ابلنهي عن أمور عديدة متعلقة ابلقبور وزايرهتا‪ ،‬صيانة للتوحيد‬
‫ومحاية جلنابه‪ ،‬جيب على كل مسلم تعلمها ليكون يف أمنـة من الباطل وسالمة من الضالل‪،‬‬
‫ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ - 1‬النهي عن قول اهلجر عند زايرة القبور‪.‬‬
‫وقد تقدم قوله ‪{ ‬وًل تقولوا هجرا} (‪ ، )5‬واملراد ابهلجر كل أمر حمظـور شرعا‪ ،‬وأييت‬
‫يف مقدمة ذلك الشرك ابهلل بدعاء املقبورين وسؤاهلم مـن دون هللا واًلستغاثة هبم وطلب املدد‬

‫)‪ (1‬أمحد (‪. )237/3‬‬


‫)‪ (2‬مستدرك احلاكم (‪. )532 / 1‬‬
‫)‪ (3‬مسلم اجلنائز (‪ ، )975‬النسائي اجلنائز (‪ ، )2040‬ابن ماجه ما جاء يف اجلنائز (‪ ، )1547‬أمحد (‪. )353/5‬‬
‫)‪ (4‬صحيح مسلم برقم (‪. )975‬‬
‫)‪ (5‬النسائي اجلنائز (‪ ، )2033‬أبو داود األشربة (‪ ، )3698‬أمحد (‪. )355/5‬‬

‫‪41‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫والعافية منهم‪ ،‬فكل ذلك من الشرك البـواح والكفر الصراح‪ ،‬وقد ثبت عن النيب ‪ ‬أحاديث‬
‫عديدة صرحية يف املنع مـن ذلك والنهي عنه ولعن فاعله‪ ،‬ففي صحيح مسلم عن جندب بن‬
‫عبـد هللا ‪ ‬أنه قال‪ :‬مسعت رسول هللا ‪ ‬قبل أن ميوت خبمس يقول‪{ :‬أًل إن من كـان‬

‫قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصاحليهم مساجد‪ ،‬أًل فال تتخذوا القبور مساجد ِّّ‬
‫إين أهناكم‬
‫عن ذلك} (‪ . )2( )1‬فدعاء األمـوات وسـؤاهلم احلاجـات وصرف شيء من العبادة هلم شرك‬
‫أكرب‪ ،‬أما العكوف عند القبور وحتـري إجابة الدعاء عندها ومثله الصالة يف املساجد اليت فيها‬
‫القبور فهو من البـدع املنكرة‪.‬‬
‫ويف الصحيحني عن عائشة رضي هللا عنها‪ :‬أنه ‪ ‬قال يف مرضه الـذي مل يقم منه‪{ :‬لعن‬

‫هللا اليهود والنصارى اختذوا قبور أنبيائهم مساجد} (‪. )4( )3‬‬
‫‪ - 2‬الذبح والنحر عند القبور‪.‬‬
‫فإن كان ذلك تقراب إىل املقبورين ليقضوا حاجة للشخص فهو شـرك أكرب وإن كان لغري‬
‫ذلك فهو من البدع اخلطرية اليت هي من أعظم وسـائل الشرك لقوله ‪ً{ ‬ل عقر يف‬

‫اإلسالم} (‪ ، )5‬قال عبد الرزاق‪{ :‬كانوا يعقرون عند القرب بقرة أو شاة} (‪. )7( )6‬‬
‫‪ -7 ،6 ،5 ،4 ،3‬رفعها زايدة على الرتاب اخلارج منـها‪ ،‬وجتصيصها‪ ،‬والكتابة‬
‫عليها‪ ،‬والبناء عليها‪ ،‬والقعود عليها‪.‬‬

‫)‪ (1‬مسلم املساجد ومواضع الصالة (‪. )532‬‬


‫)‪ (2‬صحيح مسلم برقم (‪. )532‬‬
‫)‪ (3‬البخاري اجلنائز (‪ ، )1324‬مسلم املساجد ومواضع الصالة (‪ ، )531‬النسائي املساجد (‪ ، )703‬أمحد‬
‫(‪ ، )146/6‬الدارمي الصالة (‪. )1403‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم (‪ ، )1330‬وصحيح مسلم برقم (‪. )531‬‬
‫)‪ (5‬أبو داود اجلنائز (‪ ، )3222‬أمحد (‪. )197/3‬‬
‫)‪ (6‬أبو داود اجلنائز (‪ ، )3222‬أمحد (‪. )197/3‬‬
‫)‪ (7‬سنن أيب داود لرقم (‪. )3222‬‬

‫‪42‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫فكل ذلك من البدع اليت ضلت هبا اليهود والنصارى وكانت من أعظم ذرائع الشرك‪ ،‬فعن‬
‫جابر ‪ ‬قال‪{ :‬هنى رسول هللا ‪ ‬أن جيصص القـرب‪ ،‬وأن يقعد عليه‪ ،‬وأن يبىن عليه‪ ،‬وأن‬

‫يزاد عليه‪ ،‬أو يكتب عليه} (‪ . )1‬رواه مسلم‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬واحلاكم (‪. )2‬‬
‫‪ - 8‬الصالة إىل القبور وعندها‪.‬‬
‫فعن أيب مرثد الغنوي قال‪ :‬مسعت رسول هللا ‪ ‬يقول‪ً :‬ل تصلوا إىل القبور‪ ،‬وًل جتلسوا‬
‫عليها))‪ ،‬رواه مسلم (‪. )3‬‬
‫وعن أيب سعيد اخلدري ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‪{ ‬األرض كلـها مسجد‪ ،‬إًل املقربة‬

‫واحلمام} (‪ . )4‬رواه أبو داود والرتمذي (‪. )5‬‬


‫‪ - 9‬بناء املساجد عليها‪.‬‬
‫وهو بدعة من ضالًلت اليهود والنصارى وتقدم حديث عائشة‪{ :‬لعـن هللا اليهود‬

‫والنصارى اختذوا قبور أنبيائهم مساجد} (‪. )6‬‬


‫‪ - 10‬اختاذها عيدا‪.‬‬

‫)‪ (1‬مسلم اجلنائز (‪ ، )970‬الرتمذي اجلنائز (‪ ، )1052‬النسائي اجلنائز (‪ ، )2027‬أبو داود اجلنائز (‪ ، )3225‬ابن‬
‫ماجه ما جاء يف اجلنائز (‪ ، )1563‬أمحد (‪. )339/3‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم برقم (‪ ، )970‬وسنن أيب داود برقم (‪ ، )3225‬ورقم (‪ ، )3226‬ومسـتدرك احلـاكم (‪. )525 / 1‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم برقم (‪. )972‬‬
‫)‪ (4‬الرتمذي الصالة (‪ ، )317‬أبو داود الصالة (‪ ، )492‬ابن ماجه املساجد واجلماعات (‪. )745‬‬
‫)‪ (5‬سنن أيب داود برقم (‪ ، )492‬وسنن الرتمذي برقم (‪ ، )317‬وصححه احلاكم ووافقه الذهيب ‪.‬‬
‫)‪ (6‬البخاري اجلنائز (‪ ، )1324‬مسلم املساجد ومواضع الصالة (‪ ، )531‬النسائي املساجد (‪ ، )703‬أمحد‬
‫(‪ ، )146/6‬الدارمي الصالة (‪. )1403‬‬

‫‪43‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫وهو من البدع اليت جاء النهي الصريح عنها لعظم ضررها‪ ،‬فعـن أيب هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول هللا ‪ً{ ‬ل تتخذوا قربي عيدا (‪ )1‬وًل جتعلـوا بيوتكم قبورا‪ ،‬وحيثما كنتم فصلوا علي‪،‬‬

‫فإن صالتكم تبلغين} ‪ ،‬رواه أبـو داود وأمحد (‪. )2‬‬


‫‪ - 11‬شد الرحال إليها‪.‬‬
‫وهو أمر منهي عنه ألنه من وسائل الشرك فعن أيب هريرة ‪ ‬عن النيب ‪ ‬قال‪ً{ :‬ل‬
‫تشد الرحال إًل إىل ثالثة مساجد‪ :‬املسجد احلـرام‪ ،‬ومسجد الرسول ‪ ‬ومسجد‬
‫األقصى} (‪ . )3‬رواه البخاري ومسلم (‪. )4‬‬
‫املطلب السادس‪ :‬التوسل‪.‬‬
‫أ‪ -‬تعريفه‪ :‬التوسـل مأخوذ يف اللغة من الوسيلة‪ ،‬والوسـيلة والوصيلة معنامها متقارب‪،‬‬
‫فالتوسـل هو التوصل إىل املراد والسعي يف حتقيقه‪.‬‬
‫ويف الشرع يراد به التوصل إىل رضوان هللا واجلنة؛ بفعل ما شرعه وترك ما هني عنه‪.‬‬
‫ب‪ -‬معىن الوسيلة يف القرآن الكرمي‪:‬‬
‫وردت لفظة " الوسيلة " يف القرآن الكرمي يف موطنني‪:‬‬
‫قوله تعاىل‪           { :‬‬ ‫‪-1‬‬

‫‪( )5( } ‬املائدة‪.)35 :‬‬


‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫)‪ (1‬العيد هو الذي يعود ويتكرر مثل عيد الفطر وعيد األضحى ‪ ،‬فكون اإلنسان يكرر الزايرة لقرب الرسول كل يوم من‬
‫أجل السالم فكأنه يتخذه عيدا ‪ ،‬فنهى الرسول عن ذلـك ‪ ،‬أمر املسلم أن يصلي ويسلم عليه وهو يف أي مكان‬
‫كان ألن هلل مالئكة سياحني يبلغون الرسول السالم وهذا من يسر هذا الدين إذ ليس ابستطاعة كل مسلم أن أييت‬
‫إىل املدينة ‪.‬‬
‫)‪ (2‬سنن أيب داود برقم (‪ ، )2042‬ومسند أمحد (‪. )367 /2‬‬
‫)‪ (3‬البخاري اجلمعة (‪ ، )1132‬ابن ماجه إقامة الصالة والسنة فيها (‪. )1410‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم (‪ ، )1189‬وصحيح مسلم (‪. )1397‬‬
‫)‪ (5‬سورة املائدة آية ‪. 35 :‬‬

‫‪44‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫‪ - 2‬قوله تعاىل‪          { :‬‬

‫‪( )1( }       ‬اإلسراء‪.)57 :‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫واملراد ابلوسيلة يف اآليتني‪ ،‬أي‪ :‬القربة إىل هللا ابلعمل مبا يرضيه‪ ،‬فقد نقل احلافظ ابن كثري‬
‫رمحه هللا يف تفسريه لآلية األوىل عن ابن عباس رضي هللا عنهما أن معىن الوسيلة فيها القربة‪،‬‬
‫ونقل مثل ذلك عن جماهد وأيب وائـل واحلسن البصري وعبد هللا بن كثري والسدي وابن زيد‬
‫وغري واحد (‪. )2‬‬
‫وأما اآلية الثانية فقد بني الصحايب اجلليل عبد هللا بن مسعود ‪ ‬مناسبة نزوهلا اليت توضح‬
‫معناها فقال‪ " :‬نزلت يف نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من اجلن‪ ،‬فأسلم اجلنيون‪ ،‬واإلنس‬
‫الذين يعبدوهنم ًل يشعرون " (‪. )3‬‬
‫وهذا صريح يف أن املراد ابلوسيلة ما يتقرب به إىل هللا تعاىل من األعمال الصاحلة والعبادات‬
‫‪ )4( }             ‬أي يطلبون ما يتقربون به إىل هللا‬
‫‪‬‬ ‫اجلليلة‪ ،‬ولذلك قال‪    { :‬‬

‫وينالون به مرضاته من األعمال الصاحلة املقربة إليه‪.‬‬


‫ج‪ -‬أقسام التوسل‪:‬‬
‫ينقسم التوسل إىل قسمني‪ :‬توسل مشروع‪ ،‬وتوسل ممنوع‪.‬‬
‫‪ - 1‬التوسل املشروع‪ :‬هو التوسل إىل هللا ابلوسيلة الصحيحـة املشروعة‪ ،‬والطريق الصحيح‬
‫ملعرفة ذلك هو الرجوع إىل الكتاب والسنة ومعرفة ما ورد فيهما عنها‪ ،‬فما دل الكتاب والسنة‬
‫على أنه وسيلة مشروعة فهو من التوسل املشروع‪ ،‬وما سوى ذلك فإنه توسل ممنوع‪.‬‬
‫والتوسل املشروع يندرج حتته ثالثة أنواع‪:‬‬

‫)‪ (1‬سورة اإلسراء آية ‪. 57 :‬‬


‫)‪ (2‬تفسري ابن كثري (‪. )50 /2‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم برقم (‪ . )3030‬وصحيح البخاري رقم (‪. )4714‬‬
‫)‪ (4‬سورة اإلسراء آية ‪. 57 :‬‬

‫‪45‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫األول‪ :‬التوسل إىل هللا تعاىل ابسم من أمسائه احلسىن أو صفة من صفاته العظيمة‪ ،‬كأن‬
‫يقول املسلم يف دعائه‪ :‬اللهم إين أسألك أبنك الرمحن الرحيم أن تعافيين‪ ،‬أو يقول‪ :‬أسألك‬
‫برمحتك اليت وسعت كل شيء أن تغفر يل وترمحين‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬
‫‪    ‬‬ ‫ودليل مشروعية هذا التوسل قوله تعاىل‪{ :‬‬

‫‪( )1( }‬األعراف‪.)180 :‬‬


‫الثاين‪ :‬التوسل إىل هللا تعاىل بعمل صاحل قام به العبد‪ ،‬كأن يقول‪ :‬اللهم إبمياين بك‪ ،‬وحمبيت‬
‫لك‪ ،‬واتباعي لرسولك اغفر يل‪ ،‬أو يقول‪ :‬اللهم إنـي أسألك حبيب لنبيك حممد ‪ ‬وإمياين به‬
‫أن تفرج عين‪ ،‬أو أن يذكر الداعي عمال صاحلا ذا ابل قام به فيتوسل به إىل ربه‪ ،‬كما يف قصة‬
‫أصحاب الغـار الثالثة اليت سريد ذكرها‪.‬‬
‫{ ‪        ‬‬ ‫ويدل على مشروعيته قوله تعاىل‪:‬‬

‫‪      ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪        ‬‬ ‫‪( )2( }    ‬آل عمران‪ ،)16 :‬وقوله تعـاىل‪{ :‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪‬‬

‫‪( )3( } ‬آل عمران‪.)53 :‬‬


‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬

‫ومن ذلك ما تضمنته قصة أصحاب الغار الثالثة كما يرويها عبـد هللا بن عمر رضي هللا‬
‫عنهما قال‪ :‬مسعت رسول هللا ‪ ‬يقول‪{ :‬بينما ثالثة نفر ممن كان قبلكم ميشون إذ أصاهبم‬
‫مطر‪ ،‬فأووا إىل غار فانطبق عليهم‪ ،‬فقال بعضهم لبعض‪ :‬إنه وهللا اي هؤًلء ًل ينجيكم إًل‬
‫الصدق‪ ،‬فليدع كل رجل منكم مبا يعلم أنه قد صدق فيه‪ ،‬فقال واحد منهم‪ :‬اللهم إن كنت‬
‫تعلم أنـه كان يل أجري عمل يل على فرق من أرز فذهب وتركه‪ ،‬وأين عمـدت إىل ذلك الفرق‬
‫فزرعته‪ ،‬فصار من أمره أين اشرتيـت منه بقرا‪ ،‬وأنه أاتين يطلـب أجره‪ ،‬فقلت له‪ :‬اعمد إىل تلك‬
‫البقر فسقها‪ ،‬فقال يل‪ :‬إَّنا يل عندك فـرق من أرز‪ ،‬فقلت له‪ :‬اعمد إىل تلك البقر‪ ،‬فإهنا من‬

‫)‪ (1‬سورة األعراف آية ‪. 180 :‬‬


‫)‪ (2‬سورة آل عمران آية ‪. 16 :‬‬
‫)‪ (3‬سورة آل عمران آية ‪. 53 :‬‬

‫‪46‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫الفرق‪ ،‬فساقها‪ ،‬فإن كنت تعلم أين فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا‪ ،‬فانساخت (‪ )1‬عنهم‬
‫الصخـرة‪ ،‬فقال اآلخر‪ :‬اللهم إن كنت تعلم أنه كان يل أبوان شيخان كبريان‪ ،‬وكنـت آتيهما كل‬
‫ليلة بلنب غنم يل‪ ،‬فأبطأت عليهما ليلة‪ ،‬فجئت وقد رقدا‪ ،‬وأهلي وعيايل يتضاغون من اجلوع‪،‬‬
‫فكنت ًل أسقيهم حىت يشرب أبواي‪ ،‬فكرهت أن أوقظهما‪ ،‬وكرهت أن أدعهما فيستكنا‬
‫لشربتهما‪ ،‬فلم أزل أنتظر حىت طلع الفجر‪ ،‬فإن كنت تعلم أين فعلت ذلك من خشـيتك ففـرج‬
‫عنـا‪ ،‬فانساخت عنهم الصخرة حىت نظروا إىل السماء‪ ،‬فقال اآلخر‪ :‬اللـهم إن كنت تعلم أنه‬
‫كانت يل ابنة عم من أحب الناس إيل‪ ،‬وإين راودتـها عـن نفسها فأبت إًل أن آتيها مبائة دينار‪،‬‬
‫فطلبتها حىت قدرت‪ ،‬فأتيتها هبا فدفعتها إليها فأمكنتين من نفسها‪ ،‬فلما قعدت بني رجليها‬
‫فقالت‪ :‬اتق هللا وًل تفـض اخلامت إًل حبقه‪ ،‬فقمت وتركـت املائة دينار‪ ،‬فإن كنت تعلم أين فعلت‬
‫ذلـك من خشيتك ففرج عنا‪ ،‬ففرج هللا عنهم فخرجوا} ‪ .‬رواه البخاري (‪. )2‬‬
‫الثالث‪ :‬التوسل إىل هللا بدعاء الرجل الصاحل الذي ترجى إجابة دعائـه‪ ،‬كأن يذهب املسلم‬
‫إىل رجل يرى فيه الصالح والتقوى واحملافظة على طاعـة هللا‪ ،‬فيطلب منه أن يدعو له ربه ليفرج‬
‫كربته وييسر أمره‪.‬‬
‫ويدل على مشروعية هذا النوع أن الصحابة رضي هللا عنـهم كـانوا يسألون النيب ‪ ‬أن‬
‫يدعو هلم بدعاء عام ودعاء خاص‪.‬‬
‫ففي الصحيحني من حديث أنس بن مالك ‪{ ‬أن رجال دخل يـوم اجلمعة من ابب‬
‫كان وجاه املنرب ورسول هللا ‪ ‬قائم خيطب‪ ،‬فاسـتقبل رسول ‪ ‬قائما فقال‪ :‬اي رسول هللا‬
‫هلكت املواشي وانقطعت السبل‪ ،‬فادع هللا يغيثنا‪ ،‬قال‪ :‬فرفع رسول هللا ‪ ‬يديه فقال‪ :‬اللهم‬
‫اسقنا‪ ،‬اللهم اسـقنا‪ ،‬اللهم اسقنا‪ ،‬قال أنس‪ :‬وًل وهللا ما نرى يف السماء من سحاب وًل‬
‫قزعـة (‪ )3‬وًل شيئا‪ ،‬وما بيننا وبني سلع من بيت وًل دار‪ ،‬قال‪ :‬فطلعت مـن ورائـه سحابة مثل‬

‫)‪ (1‬فانفرجت شيئا ًل يستطيعون اخلروج منه ‪ ،‬كما يف حديث سامل ‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم (‪. )3465‬‬
‫)‪ (3‬سحاب متفرق ‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫الرتس‪ ،‬فلما توسطت السماء انتشرت‪ ،‬مث أمطرت‪ ،‬قال‪ :‬وهللا ما رأينا الشمس ستا‪ ،‬مث دخل‬
‫رجل من ذلك البـاب يف اجلمعـة املقبلـة‪ -‬ورسول هللا ‪ ‬قائم خيطب‪ -‬فاستقبله قائما فقال‪:‬‬
‫اي رسول هللا‪ ،‬هلكـت األموال‪ ،‬وانقطعت السبل‪ ،‬فادع هللا ميسكها‪ ،‬قال‪ :‬فرفع رسـول هللا ‪‬‬
‫يديه مث قال‪ :‬اللهم حوالينا وًل علينا‪ ،‬اللهم على اآلكام واجلبال والظـراب ومنابت الشجر‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فانقطعت‪ ،‬وخرجنا َّنشي يف الشمس} ‪ .‬قال شـريك‪ :‬فسألت أنسا‪ :‬أهو الرجل األول ؟‬
‫قَال‪ً :‬ل أدري (‪. )1‬‬
‫ويف الصحيحني أن النيب ‪ ‬ملا {ذكر أن يف أمته سبعني ألفـا يدخلـون اجلنة بغري حساب‬
‫وًل عذاب وقال‪ ( :‬هم الذي ًل يسرتقون وًل يكتوون وًل يتطريون وعلى رهبم يتوكلون ) قام‬
‫عكاشة بن حمصن فقال‪ :‬اي رسـول هللا ادع هللا أن جيعلين منهم‪ ،‬فقال‪( :‬أنت منهم)} (‪. )3( )2‬‬

‫ومن ذلك حديـث ذكـر النيب ‪ ‬أويسا القرين وفيه قال‪{ :‬فاسألوه أن يستغفر لكـم} ‪.‬‬
‫وهذا النوع من التوسل إَّنا يكون يف حياة من يطلب منه الدعاء‪ ،‬أمـا بعد موته فال جيوز؛‬
‫ألنه ًل عمل له‪.‬‬
‫‪ - 2‬التوسل املمنوع‪ :‬هو التوسل إىل هللا تعاىل مبا مل يثبت يف الشريعة أنه وسيلة‪ ،‬وهو‬
‫أنواع بعضها أشد خطورة من بعض‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ - 1‬التوسل إىل هللا تعاىل بدعاء املوتى والغـائبني واًلسـتغاثة هبـم وسؤاهلم قضاء احلاجات‬
‫وتفريج الكرابت وحنو ذلك‪ ،‬فهذا مـن الشـرك األكرب الناقل من امللة‪.‬‬

‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم (‪ ، )1013‬وصحيح مسلم رقم (‪. )897‬‬


‫)‪ (2‬البخاري الطب (‪ ، )5420‬مسلم اإلميان (‪ ، )220‬الرتمذي صفة القيامة والرقائق والورع (‪ ، )2446‬أمحد‬
‫(‪. )271/1‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم (‪ ، )5705‬وصحيح مسلم برقم (‪. )218‬‬

‫‪48‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫‪ - 2‬التوسل إىل هللا بفعل العبادات عند القبور واألضرحة بدعـاء هللا عندها‪ ،‬والبناء عليها‪،‬‬
‫ووضع القناديل والستور وحنو ذلك‪ ،‬وهذا من الشـرك األصغر املنايف لكمال التوحيد‪ ،‬وهو ذريعة‬
‫مفضية إىل الشرك األكرب‪.‬‬
‫‪ - 3‬التوسل إىل هللا جباه األنبياء والصـاحلني ومكانتهم ومنـزلتهم عند هللا‪ ،‬وهذا حمرم‪ ،‬بل‬
‫{ ‪  ‬‬ ‫هو من البدع احملدثة؛ ألنه توسل مل يشـرعه هللا ومل أيذن به‪ .‬قال تعاىل‪:‬‬

‫‪( )1( }‬يونـس‪ )59 :‬وألن جـاه الصـاحلني ومكانتهم عند هللا إَّنا تنفعهم هم‪ ،‬كما قال هللا‬

‫‪( )2( }          ‬النجم‪ ،)39 :‬ولذا مل يكن هذا التوسل‬
‫تعاىل‪     { :‬‬

‫معروفا يف عهد النيب ‪ ‬وأصحابه‪ ،‬وقد نص على املنع منه وحترميه غري واحد من أهل العلم‪:‬‬
‫قال أبو حنيفة رمحه هللا‪ (( :‬يكره أن يقول الداعي‪ :‬أسألك حبق فـالن أو حبق أوليائك‬
‫ورسلك أو حبق البيت احلرام واملشعر احلرام))‪.‬‬
‫د‪ -‬شبهات وردها يف ابب التوسل‪.‬‬
‫قد يورد املخالفون ألهل السنة واجلماعة بعض الشبهات واًلعرتاضـات يف ابب التوسل؛‬
‫ليتوصلوا هبا إىل دعم تقريراهتم اخلاطئة‪ ،‬وليومهـوا عـوام املسلمني بصحة ما ذهبوا إليه‪ ،‬وًل خترج‬
‫شبهات هؤًلء عن أحد أمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬إما أحاديث ضعيفة أو موضوعة يستدل هبا هؤًلء علـى مـا ذهبوا إليه‪ ،‬وهذه يفرغ‬
‫من أمرها مبعرفة عدم صحتها وثبوهتا‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ - 1‬حديث‪{ :‬توسـلوا جباهي فإن جاهي عنـد هللا عظيـم} ‪ ،‬أو {إذا سألتم هللا‬

‫فاسألوه جباهي فإن جاهي عند هللا عظيم} ‪ ،‬وهو حديث بـاطل مل يـروه أحـد مـن أهل العلم‪،‬‬
‫وًل هو يف شـيء من كتـب احلديـث‪.‬‬

‫)‪ (1‬سورة يونس آية ‪. 59 :‬‬


‫)‪ (2‬سورة النجم آية ‪. 39 :‬‬

‫‪49‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫‪ - 2‬حديث‪{ :‬إذا أعيتكم األمور فعليكم أبهل القبور} ‪ ،‬أو {فاسـتغيثوا أبهل‬

‫القبور} ‪ ،‬وهو حديث مكذوب مفرتى على النيب ‪ ‬ابتفاق العلماء‪.‬‬

‫‪ - 3‬حديث‪{ :‬لو أحسن أحدكم ظنه حبجر لنفعه} ‪ ،‬وهو حديث بـاطل مناقـض‬
‫لدين اإلسالم‪ ،‬وضعه بعض املشركني‪.‬‬
‫‪ - 4‬حديث‪{ :‬ملا اقرتف آدم اخلطيئة قال‪ :‬اي رب أسألك حبق حممد ملـا غفرت يل‪،‬‬
‫فقال‪ :‬اي آدم وكيف عرفت حممدا ومل أخلقه ؟ قال‪ :‬اي رب ملـا خلقتين بيدك ونفخت يف من‬
‫روحك رفعت رأسي فرأيـت على قوائم العرش مكتواب‪ً :‬ل إله إًل هللا حممد رسول هللا‪ ،‬فعلمت‬
‫أنك مل تضف إىل امسـك إًل أحـب اخللـق إليـك‪ ،‬فقـال‪ :‬غفـرت لـك ولـوًل حممـد مـا‬
‫خلقتك} (‪ )1‬وهو حديث ابطل ًل أصل له‪ ،‬ومثله حديث‪{ :‬لوًلك ما خلقـت األفالك} ‪.‬‬
‫فمثل هذه األحاديث املكذوبة والرواايت املختلقة امللفقة ًل جيوز ملسـلم أن يلتفت إليها‬
‫فضال عن أن حيتج هبا ويعتمدها يف دينه‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أحاديث صحيحة اثبتة عن النيب ‪ ‬يسـيء هـؤًلء فهمـها وحيرفوًن عن مرادها‬
‫ومدلوهلا‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ - 1‬ما ثبت يف الصحيح‪{ :‬أن عمر بن اخلطاب ‪ ‬كان إذا قحطـوا استسقى ابلعباس‬
‫بن عبد املطلب‪ ،‬فقال‪ :‬اللهم إًن كنا نتوسل إليك بنبينـا فتسقينا‪ ،‬وإًن نتوسل إليك بعم نبينا‬
‫فاسقنا‪ ،‬قال‪ :‬فيسقون} (‪. )3( )2‬‬

‫)‪ (1‬سلسلة األحاديث الضعيفة واملوضوعة لأللباين ج ‪ 88 / 1‬ح ‪. 25‬‬


‫)‪ (2‬البخاري اجلمعة (‪. )964‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم (‪. )1010‬‬

‫‪50‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫ففهمـوا مـن هـذا الـحديـث أن تـوسـل عمر ‪ ‬إَّنا كان جبـاه العبـاس ‪ ‬ومكانته عند‬
‫هللا ‪ ‬وأن املراد بقولـه‪{ :‬كنـا نتوسل إليك بنبينا [أي جباهه] فتسقينا‪ ،‬وإًن نتوسل إليك‬

‫بعم نبينـا} (‪[ )1‬أي جباهه]‪.‬‬


‫وهذا وًل ر ِّ‬
‫يب فهم خاطئ وأتويل بعيد ًل يدل عليه سياق النص ًل من قريب وًل من‬
‫بعيد؛ إذ مل يكن معروفا لدى الصحابة التوسل إىل هللا بـذات النيب ‪ ‬أو جاهه‪ ،‬وإَّنا كانوا‬
‫يتوسلون إىل هللا بدعائه حال حياتـه كمـا تقدم بعض هذا املعىن‪ ،‬وعمر ‪ ‬مل يرد بقوله‪{ :‬إًن‬

‫نتوسل إليك بعم نبينا} (‪ )2‬أي ذاته أو جاهه‪ ،‬وإَّنا أراد دعاءه‪ ،‬ولو كان التوسل بـالذات أو‬
‫اجلاه معروفا عندهم ملا عدل عمر عن التوسل بـالنيب ‪ ‬إىل التوسـل ابلعباس ‪ ‬بل ولقال له‬
‫الصحابة إذ ذاك كيف نتوسـل مبثـل العباس ونعدل عن التوسل ابلنيب ‪ ‬الذي هو أفضل‬
‫اخلالئق‪ ،‬فلما مل يقـل ذلك أحد منهم‪ ،‬وقد علم أهنم يف حياته إَّنا توسلوا بدعائه‪ ،‬وبعد مماتـه‬
‫توسـلوا بدعاء غريه علم أن املشروع عندهم التوسل بدعـاء املتوسـل ًل بذاته‪.‬‬
‫وهبذا يتبني أن احلديث ليس فيه متمسك ملن يقول جبـواز التوسـل ابلذات أو اجلاه‪.‬‬
‫‪ - 2‬حديث عثمان بن حنيف‪{ :‬أن رجال ضرير البصر أتى النيب ‪ ‬فقال‪ :‬ادع هللا أن‬
‫يعافيين‪ ،‬قال‪ :‬إن شئت دعوت وإن شئت صربت فهو خري لك‪ ،‬قال‪ :‬فادعه‪ ،‬قال‪ :‬فأمره أن‬
‫يتوضأ فيحسن وضـوءه ويدعـو هبـذا الدعاء‪ :‬اللهم إين أسألك وأتوجه إليك بنبيك حممد نيب‬
‫الرمحة‪ ،‬إين توجهت بك إىل ريب يف حاجيت هذه لتقضى يل اللهم فشفعه يف}(‪ ،)3‬رواه الـرتمذي‬
‫وأمحد وقال البيهقي إسناده صحيح(‪.)4‬‬

‫)‪ (1‬البخاري اجلمعة (‪. )964‬‬


‫)‪ (2‬البخاري اجلمعة (‪. )964‬‬
‫)‪ (3‬الرتمذي الدعوات (‪ ، )3578‬ابن ماجه إقامة الصالة والسنة فيها (‪. )1385‬‬
‫)‪ (4‬سنن الرتمذي برقم (‪ ، )3578‬ومسند أمحد (‪. )138 / 4‬‬

‫‪51‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫ففهموا من احلديث أنه يدل على جواز التوسل جباه النيب ‪ ‬أو غـريه من الصاحلني‪ ،‬وليس‬
‫يف احلديث ما يشهد لذلك‪ ،‬فإن األعمى قد طلب مـن النيب ‪ ‬أن يدعو له أبن يرد هللا عليه‬
‫بصره‪ ،‬فقال له‪{ :‬إن شئت صربت وإن شئت دعوت} (‪ ، )1‬فقال‪ :‬فادعه‪ ،‬إىل غري ذلك‬
‫من األلفاظ الواردة يف احلديـث املصرحة أبن هذا توسل بدعاء النيب ‪ً ‬ل بذاته أو جاهه؛‬
‫ولذا ذكر أهـل العلم هذا احلديث من معجزات النيب ‪ ‬ودعائه املستجاب‪ ،‬فإنه ‪ ‬بربكـة‬
‫دعائه هلذا األعمى أعاد هللا عليه بصره وهلـذا أورده البيـهقي يف دًلئـل النبوة (‪. )2‬‬
‫وأما اآلن وبعد موت النيب ‪ ‬فإن مثل هذا ًل ميكن أن يكون لتعـذر دعاء النيب ‪ ‬ألحد‬
‫بعد املوت‪ ،‬كما قال النيب ‪{ ‬إذا مات اإلنسان انقطـع عمله إًل من ثالث‪ :‬صدقة جارية‬

‫أو علم ينتفع به‪ ،‬أو ولد صاحل يدعو لـه} (‪ ، )3‬رواه مسلم (‪. )4‬‬
‫والدعاء من األعمال الصاحلة اليت تنقطع ابملوت‪.‬‬
‫وعلى كل فإن مجيع ما يتعلق به هؤًلء ًل حجة فيه؛ إما لعدم صحته‪ ،‬أو لعدم دًللته على‬
‫ما ذهبوا إليه‪.‬‬
‫املطلب السابع‪ :‬الغلو‪.‬‬
‫أ‪ -‬تعريفه‪ :‬الغلو يف اللغة هو جماوزة احلد‪ ،‬أبن يزيد يف محد الشيء أو ذمه على ما‬
‫يستحق‪.‬‬
‫ويف الشرع‪ :‬هو جماوزة حدود ما شرع هللا لعباده سواء يف العقيـدة أو العبادة‪.‬‬

‫)‪ (1‬البخاري املرضى (‪ ، )5328‬مسلم الرب والصلة واآلداب (‪ ، )2576‬أمحد (‪. )347/1‬‬
‫)‪ (2‬دًلئل النبوة للبيهقي (‪. )167 / 6‬‬
‫)‪ (3‬مسلم الوصية (‪ ، )1631‬الرتمذي األحكام (‪ ، )1376‬النسائي الوصااي (‪ ، )3651‬أبو داود الوصااي (‪، )2880‬‬
‫أمحد (‪ ، )372/ 2‬الدارمي املقدمة (‪. )559‬‬
‫)‪ (4‬صحيح مسلم برقم (‪. )1631‬‬

‫‪52‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫ب‪ -‬حكمه‪ :‬التحرمي؛ ملا جاء من النصوص يف النهي عنه والتحذيـر منه وبيـان سـوء عواقبه‬
‫‪      ‬‬ ‫على أهله يف العاجل واآلجل‪ .‬قال هللا تعـاىل‪{ :‬‬

‫‪( )1( }  ‬النساء‪.)171 :‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬

‫{ ‪            ‬‬ ‫وقال تعاىل‪:‬‬

‫‪( )2( }            ‬املائدة‪.)77 :‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫وعن ابن عباس رضي هللا عنهما‪ :‬أن رسـول هللا ‪ ‬قـال‪{ :‬إيـاكم والغلو‪ ،‬فإَّنا هلك من‬

‫كان قبلكم ابلغلو يف الدين} (‪ ، )3‬رواه أمحد واحلـاكـم وصححه ووافقه الذهيب (‪. )4‬‬

‫وعن ابن مسعود ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‪{ ‬هلك املتنطعون} (‪ ، )5‬قاهلـا ثالاث‪،‬‬
‫رواه مسلم (‪. )6‬‬
‫وعن عمر بن اخلطاب ‪ ‬أن رسول هللا ‪ ‬قال‪ً{ :‬ل تطروين كمـا أطرت النصارى‬

‫عيسى ابن مرمي‪ ،‬إَّنـا أنـا عبـد هللا ورسـوله} (‪ ، )7‬رواه البخاري (‪. )8‬‬
‫واملراد هذا احلديث‪ ،‬أي‪ً :‬ل متدحوين فتغلوا يف مدحي كمـا غلـت النصارى يف عيسى‬
‫فادعوا فيه الربوبية واأللوهية‪ ،‬وإَّنا أًن عبد هللا فصفـوين مبا وصفين به ريب‪ ،‬وقولوا‪ :‬عبد هللا‬
‫ورسوله‪ ،‬فأىب الضالل إًل خمالفة ألمـره وارتكااب لنهيه وًنقضوه أعظم املناقضة فغلوا فيه وابلغوا‬

‫)‪ (1‬سورة النساء آية ‪. 171 :‬‬


‫)‪ (2‬سورة املائدة آية ‪. 77 :‬‬
‫)‪ (3‬النسائي مناسك احلج (‪ ، )3057‬ابن ماجه املناسك (‪ ، )3029‬أمحد (‪. )347/1‬‬
‫)‪ (4‬املسند (‪ ، )347 / 1‬واملستدرك (‪. )638 / 1‬‬
‫)‪ (5‬مسلم العلم (‪ ، )2670‬أبو داود السنة (‪ ، )4608‬أمحد (‪. )386/1‬‬
‫)‪ (6‬صحيح مسلم برقم (‪. )2670‬‬
‫)‪ (7‬البخاري أحاديث األنبياء (‪ ، )3261‬أمحد (‪. )24/1‬‬
‫)‪ (8‬صحيح البخاري برقم (‪. )3445‬‬

‫‪53‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫يف إطرائه وادعوا فيه ما ادعت النصارى يف عيسى أو قريبا منه‪ ،‬فسألوه مغفرة الذنوب وتفريـج‬
‫الكروب وشفاء األمراض وحنو ذلك مما هو خمتص ابهلل وحده ًل شريك لـه‪ ،‬وكل ذلك من‬
‫الغلو يف الدين‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫املبحث الرابع‪ :‬الشرك والكفر وأنواعهما‬


‫وفيه مطالب‬
‫ما من ريب أن يف معرفة املسلم للشرك والكفر وأسباهبما ووسـائلهما وأنواعهما فوائد‬
‫عظيمة‪ ،‬إذا عرفها معرفة يقصد من ورائها السالمة من هذه الشرور والنجاة من تلك اآلفات‪،‬‬
‫وهللا سبحانه حيـب أن تعرف سبيل احلـق لتحب وتسلك‪ ،‬وحيب أن تعرف سبل الباطل لتجتنب‬
‫وتبغـض‪ ،‬واملسـلم كما أنه مطالب مبعرفة سبيل اخلري ليطبقها‪ ،‬فهو كذلك مطالب مبعرفة سـبل‬
‫الشر ليحذرها‪ ،‬وهلذا ثبت يف الصحيحني عن حذيفة بن اليمان رضـي هللا عنهما أنه قال‪:‬‬
‫{كان الناس يسألون رسول هللا ‪ ‬عن اخلري وكنت أسـأله عن الشر خمافة أن‬

‫يدركين} (‪. )2( )1‬‬


‫ويقول عمر بن اخلطاب ‪ " ‬إَّنا تنقض عـرى اإلسـالم عروة عروة إذا نشأ يف اإلسالم‬
‫من ًل يعرف اجلاهلية "‪.‬‬
‫والقرآن الكرمي مليء ابآلايت املبينة للشرك والكفر واحملذرة من الوقـوع فيهما‪ ،‬والدالة على‬
‫سوء عاقبتهما يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬بل إن ذلك مقصـد عظيم من مقاصد القرآن الكرمي والسنة‬
‫‪     ‬‬ ‫املطهرة‪ ،‬كمـا قـال هللا تعـاىل‪{ :‬‬

‫‪( )3(}‬األنعام‪.)55 :‬‬


‫وفيما يِّلي ذكر لبعض املطالب املهمة املتعلقة هبذا اجلانب‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬الشرك‪.‬‬
‫أ‪ -‬تعريفه‪ :‬يطلق الشرك يف اللغة على التسوية بني الشيئني‪.‬‬
‫وله يف الشرع معنيان‪ :‬عام وخاص‪.‬‬

‫)‪ (1‬البخاري املناقب (‪ ، )3411‬مسلم اإلمارة (‪ ، )1847‬أمحد (‪. )387/5‬‬


‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم (‪ ، )7084‬وصحيح مسلم برقم (‪. )1847‬‬
‫)‪ (3‬سورة األنعام آية ‪. 55 :‬‬

‫‪55‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫‪ - 1‬املعىن العام‪ :‬تسوية غري هللا ابهلل فيما هو من خصائصه سـبحانه‪ ،‬ويندرج حتته ثالثة‬
‫أنواع‪:‬‬
‫األول‪ :‬الشرك يف الربوبية‪ ،‬وهو تسوية غري هللا ابهلل فيمـا هـو مـن خصائص الربوبية‪ ،‬أو‬
‫نسبة شيء منها إىل غريه‪ ،‬كاخللق والرزق واإلجيـاد واإلماتة والتدبري هلذا الكون وحنو ذلك‪.‬‬
‫‪               ‬‬ ‫قال تعاىل‪{ :‬‬

‫‪( )1( } ‬فاطر‪.)3 :‬‬


‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪   ‬‬

‫الثاين‪ :‬الشـرك يف األمساء والصفات‪ ،‬وهو تسوية غـري هللا بـاهلل يف شيء منها‪ ،‬وهللا تعاىل‬
‫‪ ( )2( }   ‬الشورى‪.) 11 :‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬ ‫يقول‪   { :‬‬
‫‪  ‬‬

‫الثالث‪ :‬الشرك يف األلوهية‪ ،‬وهو تسوية غري هللا ابهلل يف شـيء مـن خصائص األلوهية‪،‬‬
‫كالصالة والصيام والدعاء واًلستغاثة والذبـح والنـذر وحنو ذلك‪.‬‬
‫‪          ‬‬ ‫قال هللا تعاىل‪{ :‬‬

‫‪( )3( }‬البقرة‪.)165 :‬‬


‫‪ -2‬املعىن اخلاص‪ :‬وهو أن يتخذ هلل ندا يدعوه كـما يدعو هللا ويسأله الشفاعة كما يسأل‬
‫هللا ويرجوه كما يرجو هللا‪ ،‬وحيبه كما حيب هللا‪ ،‬وهـذا هو املعىن املتبادر من كلمة " الشرك " إذا‬
‫أطلقت يف القرآن أو السنة‪.‬‬

‫)‪ (1‬سورة فاطر آية ‪. 3 :‬‬


‫)‪ (2‬سورة الشورى آية ‪. 11 :‬‬
‫)‪ (3‬سورة البقرة آية ‪. 165 :‬‬

‫‪56‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫ب‪ -‬األدلة على ذم الشرك وبيان خطره‪.‬‬


‫لقد تنوعت دًللة النصوص على ذم الشرك والتحذير منه وبيان خطـره وسوء عاقبته على‬
‫املشركني يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫‪ - 1‬فقد أخرب هللا سـبحانه أنه الذنب الذي ًل يغفره إًل ابلتوبة منـه قبل املوت‪ ،‬فقال‬
‫‪( )1( }       ‬النساء‪.)48 :‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫تعاىل‪  { :‬‬
‫‪  ‬‬

‫‪   ‬‬ ‫‪ - 2‬ووصفه أبنه أظلم الظلم‪ ،‬فقال تعاىل‪{ :‬‬

‫‪ ( )2( }‬لقمان‪.) 13 :‬‬

‫{ ‪      ‬‬ ‫‪ - 3‬وأخرب أنه حمبط لألعمال‪ ،‬فقال تعاىل‪:‬‬

‫‪( )3( }              ‬الزمر‪.)65 :‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬

‫{ ‪  ‬‬ ‫‪ - 4‬ووصفه أبن فيه تنقصا لرب العاملني ومساواة لغريه به‪ ،‬فقال تعاىل‪:‬‬

‫‪( )4( }       ‬الشعراء‪:‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬

‫‪.)98 -96‬‬
‫{ ‪  ‬‬ ‫‪ - 5‬وأخرب أن من مات عليه يكون خملدا يف ًنر جهنم‪ ،‬فقال تعـاىل‪:‬‬

‫‪( )5( }  ‬املائدة‪.)72 :‬‬


‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪               ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬

‫إىل غري ذلك من أنواع األدلة‪ ،‬وهي كثرية جدا يف القرآن الكرمي‪.‬‬
‫ج‪ -‬سبب وقوع الشرك‪:‬‬

‫)‪ (1‬سورة النساء آية ‪. 48 :‬‬


‫)‪ (2‬سورة لقمان آية ‪. 13 :‬‬
‫)‪ (3‬سورة الزمر آية ‪. 65 :‬‬
‫)‪ (4‬سورة الشعراء آية ‪. 98 - 96 :‬‬
‫)‪ (5‬سورة املائدة آية ‪. 72 :‬‬

‫‪57‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫إن أصل الشرك وسبب وقوعه يف بين آدم هـو الغلـو يف الصـاحلني املعظمني‪ ،‬وجتاوز احلد‬
‫{ ‪      ‬‬ ‫يف إطرائهم ومدحهم والثناء عليهم‪ ،‬قال هللا تعـاىل‪:‬‬
‫‪        ‬‬ ‫‪      ‬‬

‫‪( )1( }‬نـوح‪.)24 -23 :‬‬


‫فهذه أسـماء رجـال صـاحلني من قوم نوح ملا مـاتوا جعلـوا لـهم أصنـامـا على صـورهم وسـموها‬
‫أبمسائهم قـاصدين بذلك تعظيمهم وختليد ذكرهم وتذكر فضلهم إىل أن آل هبـم األمـر إىل‬
‫عبادهتم‪.‬‬
‫ويشـهد لـهذا ما روي عن ابن عباس رضي هللا عنهما أنـه قـال‪ " :‬صارت األواثن اليت‬
‫كانت يف قوم نوح يف العرب بعد‪ ،‬أمـا ود فكـانت لكلب بدومة اجلندل‪ ،‬وأما سواع فكانت‬
‫هلذيل‪ ،‬وأما يغوث فكانت ملـراد‪ ،‬مث لبين غطيف ابجلوف عند سبأ‪ ،‬وأما يعوق فكانت هلمدان‪،‬‬
‫وأمـا نسـر فكانت حلمري آلل ذي الكالع‪ ،‬أمساء رجال صاحلني من قوم نوح‪ ،‬فلما هلكوا‬
‫أوحى الشيطان إىل قومهم أن انصبوا إىل جمالسهم اليت كانوا جيلسـون أنصااب ومسوها أبمسائهم‬
‫ففعلوا فلم تعبد حىت إذا هلك أولئك ونسخ (ونسخ العلم) (‪ )2‬العلـم عبدت " (‪. )3‬‬
‫روى ابن جرير الطربي عن حممد بن قيس عند قوله تعاىل‪ :‬وقالوا ًل تذرن آهلتك اآلية‪،‬‬
‫قال‪ " :‬كانوا قوما صاحلني من بين آدم‪ ،‬وكان هلـم أتباع يقتدون هم‪ ،‬فلما ماتوا قال أصحاهبم‬
‫الذين كانوا يقتدون هبـم‪ :‬لـو صورًنهم كان أشوق لنا إىل العبادة إذا ذكرًنهم‪ ،‬فصوروهم‪ ،‬فلما‬
‫مـاتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال‪ :‬إَّنا كانوا يعبدوهنم وهبـم يسـقون املطر‪،‬‬
‫فعبدوهم " (‪ . )4‬فجمعوا بني فتنتني‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬العكوف عند قبورهم‪.‬‬

‫)‪ (1‬سورة نوح آية ‪. 24 - 23 :‬‬


‫)‪ (2‬أي علم تلك الصور خبصوصها ‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم (‪. )4920‬‬
‫)‪ (4‬تفسري الطربي (‪. )254 / 12‬‬

‫‪58‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫الثانية‪ :‬تصوير صورهم ونصبها يف جمالسهم واجللوس إليها‪.‬‬


‫فبهذا وقع الشرك ألول مرة يف اتريخ البشرية فهما أعظم وسائل الشرك يف كل زمان ومكان‪.‬‬
‫د‪ -‬أنواع الشرك‪ :‬ينقسم الشرك إىل قسمني‪ :‬أكرب وأصغر‪.‬‬
‫‪ - 1‬الشرك األكرب‪ :‬هو اختاذ ند مع هللا يعبد كما يعبد هللا‪ ،‬وهـو ًنقل من ملة اإلسالم‬
‫حمبط لألعمال كلها‪ ،‬وصاحبه إن مات عليه يكـون خملدا يف ًنر جهنم ًل يقضى عليه فيموت‬
‫وًل خيفف عنه من عذاهبا‪.‬‬
‫أنواع الشرك األكرب‪ :‬وينقسم الشرك األكرب إىل أربعة أنواع‪:‬‬
‫‪ - 1‬شرك الدعوة‪ ،‬أي الدعاء‪ ،‬وذلك أن الدعاء من أعظـم أنـواع العبادة‪ ،‬بل هو لب‬
‫العبادة كما قال النيب ‪{ ‬الدعاء هو العبـادة} (‪ ، )1‬رواه أمحد والرتمذي وقال حديث‬

‫‪   ‬‬


‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫{ ‪  ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫حسن صحيح (‪ )2‬قال هللا تعاىل‪:‬‬

‫‪( )3( } ‬غافر‪.)60 :‬‬


‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪‬‬

‫وملا ثبت أن الدعاء عبادة‪ ،‬فصرفه لغري هللا شرك‪ ،‬فمن دعا نبيا أو ملكـا أو وليا أو قربا أو‬
‫{ ‪    ‬‬ ‫حجرا أو غري ذلك من املخلوقني فهو مشرك كافر‪ ،‬كمـا قال تعاىل‪:‬‬

‫‪( )4( }                         ‬املؤمنون‪:‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪.)117‬‬
‫{ ‪  ‬‬ ‫ومن األدلة على أن الدعاء عبادة وأن صرفه لغري هللا شرك قوله تعـاىل‪:‬‬

‫‪( )5( }                             ‬العنكبوت‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬

‫)‪ (1‬الرتمذي تفسري القرآن (‪ ، )2969‬ابن ماجه الدعاء (‪. )3828‬‬


‫)‪ (2‬مسند أمحد (‪ ، )267 / 4‬وسنن الرتمذي برقم (‪. )2969‬‬
‫)‪ (3‬سورة غافر آية ‪. 60 :‬‬
‫)‪ (4‬سورة املؤمنون آية ‪. 117 :‬‬
‫)‪ (5‬سورة العنكبوت آية ‪. 65 :‬‬

‫‪59‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫‪ ،)65‬فأخرب عن هؤًلء املشركني أبهنم يشـركون ابهلل يف رخائهم‪ ،‬وخيلصون له يف كرهبم وشدهتم‪،‬‬
‫فكيف مبن يشرك ابهلل يف الرخاء والشدة عياذا ابهلل‪.‬‬
‫‪ - 2‬شرك النية واإلرادة والقصد‪ ،‬وذلك أن ينوي أبعماله الدنيـا أو الرايء أو السمعة‪ ،‬إرادة‬
‫كلية كأهل النفاق اخللص‪ ،‬ومل يقصد هبا وجـه هللا والدار اآلخرة‪ ،‬فهو مشرك الشرك األكرب‪،‬‬
‫‪            ‬‬ ‫قال هللا تعـاىل‪{ :‬‬
‫‪                 ‬‬

‫‪( )1( }     ‬هود‪.)16-15 :‬‬


‫وهذا النوع من الشرك دقيق األمر ابلغ اخلطورة‪.‬‬
‫‪ - 3‬شرك الطاعة‪ ،‬فمن أطاع املخلوقني يف حتليل ما حرم هللا أو حتـرمي ما أحل هللا‪ ،‬ويعتقد‬
‫ذلك بقلبه أي أنه يسوغ هلم أن حيللوا وحيرموا ويسـوغ له ولغريه طاعته يف ذلك مع علمه أبنه‬
‫خمالف لدين اإلسالم فقد اختذهـم أراباب من دون هللا وأشرك ابهلل الشرك األكرب‪.‬‬
‫{ ‪         ‬‬ ‫قال هللا تعـاىل‪:‬‬

‫‪( )2( } ‬التوبة‪:‬‬


‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪         ‬‬

‫‪.)31‬‬
‫وتفسري اآلية الذي ًل إشكال فيه‪ :‬طاعة العلماء والعباد يف املعصيـة (أي يف تبديل حكـم‬
‫هللا) ًل دعاؤهم إايهم‪ ،‬كما فسرها النيب ‪ ‬لعدي بن حـامت ملا سأله فقال‪ :‬لسنا نعبدهم ؟‬
‫فذكر له أن عبادهتم طاعتهم يف املعصيـة (يف تبديل حكـم هللا)‪ ،‬فقال‪{ :‬أليس حيرمون ما أحل‬

‫هللا فتحرمونه وحيلون مـا حرم هللا فتحلونه} ‪ ،‬قال‪ :‬بلى‪ .‬قال‪{ :‬فتلك عبادهتم} ‪ ،‬رواه‬
‫الرتمذي وحسنه‪ ،‬والطرباين يف املعجم الكبري (‪. )3‬‬

‫)‪ (1‬سورة هود آية ‪. 16 - 15 :‬‬


‫)‪ (2‬سورة التوبة آية ‪. 31 :‬‬
‫)‪ (3‬سنن الرتمذي برقم (‪ ، )3095‬واملعجم الكبري للطرباين (‪. )92 / 17‬‬

‫‪60‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫‪ - 4‬شرك احملبة‪ ،‬واملراد حمبة العبودية املستلزمة لإلجـالل والتعظيـم والذل واخلضوع اليت ًل‬
‫تنبغي إًل هلل وحده ًل شريك له‪ ،‬ومىت صرف العبد هذه احملبة لغري هللا فقد أشرك به الشرك‬
‫{ ‪           ‬‬ ‫األكرب‪ ،‬والدليل قوله تعـاىل‪:‬‬

‫‪( )1( } ‬البقرة‪.)165 :‬‬


‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪ -2‬النوع الثاين من أنواع الشرك‪ ،‬الشرك األصغر‪:‬‬


‫وهو كل ما كان ذريعة إىل الشرك األكرب ووسيلة للوقوع فيه أو مـا جاء يف النصوص تسميته‬
‫شركا ومل يصل إىل حد األكرب‪ ،‬وهو يقع يف هيئـة العمل وأقوال اللسان‪ .‬وحكمه حتت املشيئة‬
‫كحكم مرتكب الكبرية‪.‬‬
‫ومن أمثلته ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬يسري الرايء‪ ،‬والدليل ما رواه اإلمام أمحد وغريه عن النيب ‪ ‬أنه قال‪{ :‬إن أخوف ما‬
‫أخاف عليكم الشرك األصغر‪ ،‬قالوا‪ :‬ومـا الشـرك األصغر اي رسول هللا قال‪( :‬الرايء‪ ،‬يقول هللا‬
‫تعاىل يوم القيامة إذا جـازى الناس أبعماهلم‪ :‬اذهبوا إىل الذين كنتم تراؤون يف الدنيا‪ ،‬فانظروا‬
‫هل جتدون عندهم جزاء}(‪. )3( )2‬‬

‫ب‪ -‬قول‪ " :‬ما شاء هللا وشئت "‪ ،‬روى أبو داود يف سننه عن النيب ‪ً{ ‬ل تقولوا ما‬

‫شاء هللا وشاء فالن‪ ،‬ولكن قولوا ما شـاء هللا مث شـاء فالن} (‪. )5( )4‬‬

‫)‪ (1‬سورة البقرة آية ‪. 165 :‬‬


‫)‪ (2‬أمحد (‪. )428/5‬‬
‫)‪ (3‬مسند أمحد (‪ ، )428 / 5‬قال املنذري إسناده جيد ‪ ،‬الرتغيب والرتهيب (‪ ، )48 / 1‬وقال اهليثمي ‪ :‬رجالـه رجال‬
‫الصحيح ‪ ،‬جممع (‪. )102 /1‬‬
‫)‪ (4‬أبو داود األدب (‪ ، )4980‬أمحد (‪. )399/5‬‬
‫)‪ (5‬سنن أيب داود برقم (‪ ، )4980‬قال الذهيب يف خمتصر البيهقي (‪ )2 / 140 / 1‬إسناده صاحل ‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫ج‪ -‬قـول‪ " :‬لـوًل هللا وفـالن "‪ ،‬أو قول‪ " :‬لـوًل البـط ألاتنـا اللصوص "‪ ،‬ونـحو ذلك‪ ،‬روى‬
‫{ ‪ ‬‬ ‫ابـن أبـي حامت يف تفسريه عـن ابـن عبـاس رضـي هللا عنهمـا يف معىن قـوله تعـاىل‪:‬‬

‫‪ )1( } ‬قـال‪ " :‬األنداد هو الشـرك أخفى مـن دبيب النمل على‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪‬‬

‫صفاة سـوداء يف ظلمة الليـل‪ ،‬وهـو أن تقـول‪ :‬وهللا وحياتـك يـا فالنـة وحيايت‪ ،‬وتقول‪ :‬لوًل كليبة‬
‫هذا ألاتًن اللصـوص‪ ،‬ولوًل البط يف الدار ألتى اللصوص‪ ،‬وقول الرجل ألصحابه‪ :‬مـا شـاء هللا‬
‫وشئت‪ ،‬وقول الرجل‪ :‬لوًل هللا وفالن‪ً ،‬ل جتعل فيها فالًن‪ ،‬هذا كلـه بـه شرك " (‪.)2‬‬
‫الفرق بني الشرك األكرب واألصغر‪:‬‬
‫بني الشرك األكرب واألصغر فروق عديدة‪ ،‬أمهها ما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن الشرك األكرب ًل يغفر هللا لصاحبه إًل ابلتوبة‪ ،‬وأما األصغر فتحـت املشيئة‪.‬‬
‫‪ -2‬أن الشرك األكرب حمبط جلميع األعمال‪ ،‬وأما األصغر فـال حيبـط إًل العمل الذي قارنه‪.‬‬
‫‪ -3‬أن الشرك األكرب خمرج لصاحبه من ملة اإلسالم‪ ،‬وأما الشرك األصغـر فال خيرجه منها‪.‬‬
‫‪ -4‬أن الشرك األكرب صاحبه خالد يف النار وحمرمة عليـه اجلنـة‪ ،‬وأمـا األصغر فكغريه من‬
‫الذنوب‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الكفر‪.‬‬
‫أ‪ -‬تعريفه‪ :‬الكفر لغة يطلق على السرت والتغطية‪.‬‬
‫وشـرعـا‪ :‬ضد اإلميان‪ ،‬وهـو‪ :‬عدم اإلميان ابهلل ورسـوله‪ ،‬سـواء كان معـه تكذيب أو مل يكن‬
‫معه تكذيب‪ ،‬بل عـن شـك وريـب‪ ،‬أو إعراض عن ذلك حسدا وكربا أو اتباعا لبعض األهواء‬
‫الصارفة عن اتبـاع الرسالة‪.‬‬
‫ب‪ -‬أنواع الكفر‪:‬‬
‫الكفر نوعان‪ :‬كفر أكرب‪ ،‬وكفر أصغر‪.‬‬

‫)‪ (1‬سورة البقرة آية ‪. 22 :‬‬


‫)‪ (2‬تفسري ابن أيب حامت (‪. )62 / 1‬‬

‫‪62‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫ واألصغـر موجب ًلستحقاق الوعيد دون‬،‫فالكفر األكرب هو املوجب للخلـود يف النـار‬


.‫اخللود‬
:‫ الكفر األكرب‬:‫أوال‬
:‫وهو مخسة أنواع‬
‫ فمن كذهبم فيما جاؤوا به‬،‫ وهو اعتقاد كذب الرسـل عليهم السـالم‬،‫ كفـر التكذيب‬-‫أ‬
:‫ والدليل قوله تعـاىل‬،‫ظاهرا أو ابطنا فقد كفر‬
                 {

.)68 :‫) (العنكبوت‬1( }    


  

‫ وأنه جاء ابحلق من‬،‫ وذلك أبن يكون عاملا بصدق الرسـول‬،‫ كفر اإلابء واًلستكبار‬- 2
 { :‫ والدليل قوله تعاىل‬،‫ استكبارا وعنادا‬،‫ لكن ًل ينقاد حلكمه وًل يذعن ألمره‬،‫عند هللا‬
           

.)34 :‫) (البقرة‬2( }


‫ وهو ضد‬،‫ ويقال لـه كفر الظن‬،‫ وعدم اجلزم بصدق الرسل‬،‫ وهو الرتدد‬،‫ كفر الشك‬- 3
.‫اجلزم واليقني‬
            { :‫والدليل قوله تعاىل‬
                

                 

.)38 -35 :‫) (الكهف‬3( }             

. 68 : ‫( سورة العنكبوت آية‬1)


. 34 : ‫( سورة البقرة آية‬2)
. 38 - 35 : ‫( سورة الكهف آية‬3)

63
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫‪ - 4‬كفر اإلعراض‪ ،‬واملراد اإلعراض الكلي عن الدين‪ ،‬أبن يعـرض بسمعه وقلبه وعلمه‬
‫‪    ‬‬ ‫عما جاء به الرسول ‪ ‬والدليل قوله تعاىل‪{ :‬‬

‫‪( )1( }‬األحقاف‪.)3 :‬‬


‫(‪)2‬‬
‫والدليل‬ ‫‪ - 5‬كفر النفاق‪ ،‬واملراد النفاق اًلعتقادي أبن يظهر اإلميان ويبطـن الكفر‬
‫‪          ‬‬ ‫قوله تعاىل‪{ :‬‬

‫‪( )3( }‬املنافقون‪.)3 :‬‬


‫والنفاق على ضربني‪:‬‬
‫‪ - 1‬نفاق اعتقاد وهو كفر أكرب ًنقل من امللة وهـو سـتة أنـواع‪ :‬تكذيب الرسول‪ ،‬أو‬
‫تكذيب بعض ما جاء به‪ ،‬أو بغض الرسول‪ ،‬أو بغـض ما جاء به‪ ،‬أو املسرة ابخنفاض دين‬
‫الرسول‪ ،‬أو الكراهية ًلنتصـار ديـن الرسول‪.‬‬
‫‪ - 2‬ونفاق عملي وهو كفر أصغر ًل ينقل من امللة‪ ،‬إًل أنـه جرميـة كبرية وإمث عظيم‪ ،‬ومنه‬
‫ما ذكره النيب ‪ ‬يف احلديث حيث قال‪{ :‬أربـع من كن فيه كان منافقا خالصا‪ ،‬ومن كانت‬
‫فيه خصلة منهن كـانت فيـه خصلة من النفاق حىت يدعها‪ :‬إذا اؤمتن خان‪ ،‬وإذا حـدث كـذب‪،‬‬
‫وإذا عاهد غدر‪ ،‬وإذا خاصم فجر} (‪ )4‬متفق عليه (‪. )5‬‬

‫)‪ (1‬سورة األحقاف آية ‪. 3 :‬‬


‫)‪ (2‬مدارج السالكني (‪. )346 / 1‬‬
‫)‪ (3‬سورة املنافقون آية ‪. 3 :‬‬
‫)‪ (4‬البخاري اإلميان (‪ ، )34‬مسلم اإلميان (‪ ، )58‬الرتمذي اإلميان (‪ ، )2632‬النسائي اإلميان وشرائعه (‪، )5020‬‬
‫أبو داود السنة (‪ ، )4688‬أمحد (‪. )189/2‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم (‪ ، )34‬وصحيح مسلم برقم (‪. )58‬‬

‫‪64‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫وقال عليه الصالة والسالم‪{ :‬آية املنافق ثالث‪ :‬إذا حدث كـذب‪ ،‬وإذا وعد أخلف‪،‬‬

‫وإذا أؤمتن خان} (‪ ، )1‬رواه البخاري (‪. )2‬‬

‫)‪ (1‬البخاري اإلميان (‪ ، )33‬مسلم اإلميان (‪ ، )59‬الرتمذي اإلميان (‪ ، )2631‬النسائي اإلميان وشرائعه (‪، )5021‬‬
‫أمحد (‪. )536/2‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم (‪. )33‬‬

‫‪65‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫اثنيا‪ :‬الكفر األصغر‪:‬‬


‫وهو ًل خيرج صاحبه من امللة وًل يوجب اخللود يف النار وإَّنـا عليـه الوعيد الشديد‪ ،‬وهو‬
‫كفر النعمة‪ ،‬ومجيع ما ورد يف النصوص من ذكر الكفر الذي ًل يصل إىل حد الكفر األكرب‪.‬‬
‫ومن األمثلة عليه‪:‬‬
‫{ ‪         ‬‬ ‫مـا ورد يف قـوله تعـاىل‪:‬‬
‫‪             ‬‬

‫‪( )1( } ‬النحل‪.)112 :‬‬

‫ويف قوله ‪{ ‬اثنتان يف الناس مها هبم كفر‪ ،‬الطعن يف النسب والنياحـة على‬

‫امليت} (‪ ، )2‬رواه مسلم (‪. )3‬‬

‫ويف قوله ‪ً{ ‬ل ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض} (‪ ، )4‬رواه البخاري‬
‫ومسلم (‪.)5‬‬
‫فهذا وأمثاله كفر دون كفر وهو ًل خيرج من امللة اإلسالمية‪.‬‬
‫{ ‪           ‬‬ ‫لقوله تعاىل‪:‬‬
‫‪                 ‬‬

‫‪              ‬‬

‫‪( )6( }‬احلجرات‪ ،)10 ،9 :‬فسماهم هللا ‪ ‬مؤمنني مع اًلقتتال‪.‬‬

‫)‪ (1‬سورة النحل آية ‪. 112 :‬‬


‫)‪ (2‬مسلم اإلميان (‪ ، )67‬الرتمذي اجلنائز (‪. )1001‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم برقم (‪. )67‬‬
‫)‪ (4‬البخاري العلم (‪ ، )121‬مسلم اإلميان (‪ ، )65‬النسائي حترمي الدم (‪ ، )4131‬ابن ماجه الفنت (‪ ، )3942‬أمحد‬
‫(‪ ، )358/4‬الدارمي املناسك (‪. )1921‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم (‪ ، )121‬وصحيح مسلم برقم (‪. )65‬‬
‫)‪ (6‬سورة احلجرات آية ‪. 10 ، 9 :‬‬

‫‪66‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

                 { :‫ولقوله تعاىل‬

‫ فدلـت اآلية الكرمية على أن كل ذنب دون‬،)48 :‫) (النساء‬1( }       
     
 
 

‫ إًل‬،‫الشرك حتت املشيئة أي إن شـاء هللا عذبـه بقدر ذنبه وإن شاء عفا عنه من أول وهلة‬
     { :‫الشرك به فإن هللا ًل يغفـره كما هو صريح يف اآلية وقوله تعاىل‬

.)72 :‫) (املائدة‬2( }     


 
  
              
      
 
    

. 48 : ‫( سورة النساء آية‬1)


. 72 : ‫( سورة املائدة آية‬2)

67
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫ ادعاء علم الغيب وما يلحق به‬:‫املبحث اخلامس‬


‫ وقد‬،‫الغيب هو كل ما غاب عن العقول واألنظار مـن األمـور احلـاضرة واملاضية واملستقبلة‬
.‫ بعلمه واختص نفسه سـبحانه بذلك‬ ‫استأثر هللا‬
:‫) (النمل‬1( } 
  
  
     
    
  
    { :‫قال هللا تعـاىل‬
       

:‫ وقال تعاىل‬،)26 :‫) (الكهف‬2( } 


  
   
  
 
      { :‫ وقال تعاىل‬،)65
  

.)9 :‫) (الرعد‬3( }         


    
  
   
       {
  

.‫ ًل ملك مقرب وًل نيب مرسل فضال عمن هو دوهنما‬،‫فال يعلم الغيب أحد إًل هللا‬
        { :‫قال هللا تعاىل عن نوح عليه السالم‬

  
  
 
     
   
  { :‫ وقال تعاىل عن هود عليه السالم‬،)31 :‫) (هود‬4(}
    

:‫ وقال تعـاىل لنبيـه حممد عليه الصالة والسالم‬،)23 :‫) (األحقاف‬5( }  
  
    
     

{ :‫ وقـال تعـاىل‬،)50 :‫) (األنعام‬6( }


     
  
  
  
  
    
 
 
 
 
     {
   

              

-31 :‫) (البقرة‬7( }           


  
       
  
  
   
  
  
  
  
    

.)32

. 65 : ‫( سورة النمل آية‬1)


. 26 : ‫( سورة الكهف آية‬2)
. 9 : ‫( سورة الرعد آية‬3)
. 31 : ‫( سورة هود آية‬4)
. 23 : ‫( سورة األحقاف آية‬5)
. 50 : ‫( سورة األنعام آية‬6)
. 32 - 31 : ‫( سورة البقرة آية‬7)

68
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫ كما قال‬،‫مث إنه سبحانه قد يطلع بعض خلقه على بعض األمور املغيبة عن طريـق الوحي‬
                { :‫تعاىل‬
                

‫ وهذا من الغيب النسيب الذي غـاب علمـه عـن بعـض‬،)28-26 :‫) (اجلن‬1( }      
‫ ومـن ذا الذي يدعي علمه‬،‫ أما الغيب املطلق فال يعلمه إًل هو سبحانه‬،‫املخلوقات دون بعض‬
.‫وقد استأثر هللا به‬
‫وهلذا فإن الواجب على كل مسلم أن حيذر من الدجاجلة والكذابـني املدعني لعلم الغيب‬
‫ كالسحرة‬،‫ الذين ضلوا يف أنفسهم وأضلوا كثـريا وضلوا عن سواء السبيل‬،‫املفرتين على هللا‬
.‫ وغريهم‬،‫والكذابني واملنجمني‬
‫ ويضلون هبا عوام‬،‫وفيما يلي عرض جلملة من أعمال هؤًلء اليت يدعون هبا علم الغيـب‬
.‫ ويفسدون هبا عقيدهتم وإمياهنم‬،‫املسلمني وجهاهلم‬
.‫ وهو يف اللغة ما خفي ولطف سببه‬:‫ السحر‬- 1
‫ فيمرض ويقتل ويفرق بني‬،‫ويف اًلصطالح هو عزائم ورقى وعقد يؤثِّّر يف القلـوب واألبـدان‬
‫ قال‬،‫ وما له يف اآلخرة من خالق‬،‫ والساحر كـافر ابهلل العظيم‬،‫ وهو كفر‬،‫املرء وزوجه إبذن هللا‬
             { :‫هللا تعاىل‬

              

                 

                  

                

.)102 :‫) (البقرة‬2( }

. 28 - 26 : ‫( سورة اجلن آية‬1)


. 102 : ‫( سورة البقرة آية‬2)

69
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫{ ‪          ‬‬ ‫ومنه النفث يف العقد‪ ،‬قال هللا تعاىل‪:‬‬

‫‪. )1( }   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪‬‬

‫‪ - 2‬التنجيم‪ :‬وهو اًلستدًلل ابألحوال الفلكية على احلوادث األرضية اليت مل تقع‪ ،‬فعن‬
‫ابن عباس رضي هللا عنهما قال‪ :‬قال رسول هللا ‪{ ‬من اقتبس علما من النجوم فقد اقتبس‬

‫شعبة من السحر زاد ما زاد} (‪ ، )2‬رواه أبـو داود (‪. )3‬‬


‫‪ - 3‬زجر الطري واخلط يف األرض‪ :‬فعن قطن بن قبيصة عن أبيه قـال‪ :‬مسعت رسول‬
‫هللا ‪ ‬يقول‪{ :‬العيافة والطرية والطرق من اجلبت} (‪ )5( )4‬أي من السحر‪ ،‬والعيافة زجر‬
‫الطري والتفاؤل والتشاؤم أبمسائها وأصواهتا وممرها‪ ،‬والطرق اخلـط خيط يف األرض‪ ،‬أو الضرب‬
‫ابحلصى وادعاء علم الغيب‪.‬‬
‫‪ - 4‬الكهانة‪ :‬وهي ادعاء علم الغيب‪ ،‬واألصل فيها اسـرتاق اجلـن السمع من كالم‬
‫املالئكة فتلقيه يف أذن الكاهن‪.‬‬
‫عن أيب هريرة ‪ ‬عن النيب ‪ ‬قال‪{ :‬من أتى كاهنـا فصدقه مبا يقول فقد كفر مبا أنـزل‬

‫على حممد ‪ )6( }‬رواه أبو داود وأمحـد واحلاكـم (‪. )7‬‬

‫)‪ (1‬سورة الفلق آية ‪. 5 - 1 :‬‬


‫)‪ (2‬أبو داود الطب (‪ ، )3905‬ابن ماجه األدب (‪ ، )3726‬أمحد (‪. )227/1‬‬
‫)‪ (3‬سنن أيب داود برقم (‪. )3905‬‬
‫)‪ (4‬أبو داود الطب (‪ ، )3907‬أمحد (‪. )477/3‬‬
‫)‪ (5‬سنن أيب داود برقم (‪ ، )3907‬ومسند أمحد (‪. )477 / 3‬‬
‫)‪ (6‬الرتمذي الطهارة (‪ ، )135‬أبو داود الطب (‪ ، )3904‬ابن ماجه الطهارة وسننها (‪ ، )639‬أمحد (‪، )429/2‬‬
‫الدارمي الطهارة (‪. )1136‬‬
‫)‪ (7‬سنن أيب داود (‪ ، )3904‬ومسند أمحد (‪ ، )429 / 2‬املستدرك (‪ )50 / 1‬قال احلاكم صحيح على شـرط‬
‫الشيخني ووافقه الذهيب ‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫‪ - 5‬كتابة حروف أاب جاد‪ :‬وذلك أبن جيعل لكل حرف منها قـدرا معلوما من العدد‬
‫وجيري على ذلك أمساء اآلدميني واألزمنـة واألمكنـة‪ ،‬مث حيكم عليها ابلسعود أو النحوس وحنو‬
‫ذلك‪.‬‬
‫قال ابن عباس رضي هللا عنهما يف قوم يكتبون أاب جاد‪ ،‬وينظـرون يف النجوم‪(( :‬ما أرى‬
‫من فعل ذلك له عند هللا من خالق))‪ ،‬رواه عبد الرزاق يف املصنف (‪. )1‬‬
‫‪ - 6‬القراءة يف الكف والفنجان وحنو ذلك مما يدعي به بعض هـؤًلء معرفة احلوادث‬
‫املستقبلة من موت وحياة وفقر وغىن وصحة ومرض وحنـو ذلك‪.‬‬
‫‪ - 7‬حتضر األرواح‪ :‬ويزعم أراببه أهنم يستحضرون أرواح املوتـى ويسألوهنا عن أخبار‬
‫املوتى من نعيم وعذاب وغري ذلك‪ ،‬وهو نـوع مـن الدجل والشعوذة الشيطانية‪ ،‬ويراد منها إفساد‬
‫العقائد واألخالق والتلبيـس على اجلهال وأكل أمواهلم ابلباطل والتوصل إىل دعوى علم الغيب‪.‬‬
‫‪ - 8‬التطري‪ :‬وهو التشاؤم ابلسوانح والبوارح مـن الطـري والظبـاء وغريها‪ ،‬وهذا ابب من‬
‫الشرك وهو من إلقاء الشيطان وختويفه‪.‬‬
‫فعن عمران بن حصني مرفوعا‪{ :‬ليس منا من تطري أو تطـري لـه‪ ،‬أو تكهن أو تكهن له‪،‬‬

‫أو سحر أو سحر له‪ ،‬ومن أتى كاهنا فصدقه مبا يقـول فقد كفر مبا أنـزل على حممد ‪، }‬‬
‫رواه البزار (‪. )2‬‬
‫وهللا املسؤول أن يصلح أحوال املسلمني‪ ،‬ومينحهم الفقه يف الدين‪ ،‬ويعيذهم من خداع‬
‫اجملرمني وتلبيس أولياء الشياطني‪.‬‬

‫)‪ (1‬املصنف (‪. )26 / 11‬‬


‫)‪ (2‬مسند البزار (‪ ، )3578( )52 / 9‬وقال اهليثمي يف جممع الزوائد (‪ )117 /5‬رجاله رجال الصحيح ‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫الفصل الثالث‪ :‬توحيد األمساء والصفات‬


‫ويشتمل على متهيد وثالثة مباحث‪:‬‬
‫التمهيد‪ :‬اإلميان ابألمساء والصفات وأثر ذلك على املسلم‪.‬‬
‫املبحث األول‪ :‬تعريفه وأدلته‪.‬‬
‫أوال‪ :‬تعريفه‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬املنهج احلق يف إثباته‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬أدلة هذا املنهج‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬أمثلة تطبيقية إلثبات األمساء‬
‫والصفات يف ضوء الكتاب والسنة‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬قواعد يف ابب األمساء والصفات‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫التمهيد‬
‫اإلميان ابألمساء والصفات‬
‫وأثر ذلك يف سلوك املسلم‬
‫إن لإلميان أبمساء هللا وصفاته آاثرا عظيمة يف نفس املسلم وحتقيقه لعبادة ربه‪ .‬فمن آاثرها‬
‫تلك املعاين اليت جيدها العبد يف عبوديته القلبية اليت تثمـر التوكل على هللا تعاىل واًلعتماد عليه‪،‬‬
‫وحفظ جوارحه‪ ،‬وخطرات قلبـه‪ ،‬وضبط هواجسه حىت ًل يفكر إًل فيما يرضي هللا تعاىل‪ ،‬وحيـب‬
‫هلل ويف هللا‪ ،‬به يسمع‪ ،‬وبه يبصر‪ ،‬ومع ذلك هو واسع الرجاء وحسن الظن بربه‪.‬‬
‫هذه املعاين وغريها مما يتعلق ابإلميان مبعاين األمساء والصفـات تثمـر العبودية الظاهرة والباطنة‬
‫على تفاوت بني شخص وآخر وذلك فضـل هللا يؤتيه من يشاء‪.‬‬
‫فالمسه "الغفار" أثره العظيم يف حمبته وعدم اليأس من رمحتـه وًلمسـه " شديد العقاب " أثره‬
‫الكبري يف خشيته وعدم اجلرأة على حمارمه‪ .‬وهكـذا ألمسائه األخرى وصفاته آاثرها حبسب‬
‫دًلًلهتا املتنوعة يف نفـس املسـلم واستقامته على شرع هللا بل وحتقيق حمبته يف القلوب اليت هي‬
‫أساس سـعادة املسلم يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬ومفتاح كل خري وأعظم عون للعبد على عبادتـه لربه‬
‫على أكمل الوجوه إذ األعمال الظاهرة ختف وتثقل على النفس حبسـب احملبة القلبية هلل تعاىل‪.‬‬
‫فإكمال العمل وحتسينه على ما أراد هللا منوط ابحملبة القلبية هلل‪ .‬واحملبـة منوطة مبعرفة هللا‬
‫أبمسائه وصفاته‪ .‬وهلذا كان أعظم الناس عبادة هلل رسـل هللا الذين هم أعظم الناس حمبة له‬
‫وأعرفهم به‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫املبحث األول‪ :‬تعريف توحيد األمساء والصفات وأدلته‬


‫أوال‪ :‬تعريفه‪:‬‬
‫توحيد األمساء والصفات‪ :‬هو إثبات ما أثبت هللا لنفسه‪ ،‬وأثبته له رسوله ‪ ‬ونفي ما نفى‬
‫هللا عن نفسه‪ ،‬ونفاه عنـه رسـوله ‪ ‬مـن األمسـاء والصفات واإلقرار هلل تعاىل مبعانيها الصحيحة‬
‫ودًلًلهتا واستشعار آاثرهـا ومقتضياهتا يف اخللق‪.‬‬
‫اثنيًا‪ :‬املنهج يف إثباته‪:‬‬
‫يقوم املنهج احلق يف ابب األمساء والصفات على اإلميان الكامل والتصديق اجلازم مبا وصف‬
‫هللا به نفسه ووصفه به رسوله ‪ ‬من غـري حتريـف وًل تعطيل‪ ،‬ومن غري تكييف وًل متثيل‪.‬‬
‫والتحريف‪ :‬هو التغيري وإمالة الشيء عن وجهه‪ .‬وهو قسمان‪:‬‬
‫‪ - 1‬حتريف لفظي‪ .‬وذلك ابلزايدة يف الكلمة أو النقص أو تغيري حركة يف الكلمة كتحريف‬
‫‪( )1( } ‬طه‪ )5 :‬إىل استوىل‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫كلمة استوى يف قولـه تعـاىل‪   { :‬‬
‫‪  ‬‬

‫قال صاحب النونيـة‪:‬‬


‫‪ ‬يف وحي رب العرش زائداتن‬ ‫نـون اليـهود والم جهمي مها‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ - 2‬حتريف معنوي‪ .‬وذلك بتفسري اللفظ على غري مراد هللا ورسوله منـه كمن‬
‫فسر " اليد " هلل تعاىل ابلقوة أو النعمة‪ .‬فإن هذا تفسري ابطل ًل يـدل عليه الشرع وًل اللغة‪.‬‬
‫والتعطيل‪ :‬هو نفي صفات هللا تعاىل كمن زعم أن هللا تعاىل ًل يتصـف بصفة‪.‬‬
‫والفرق بني التحريف والتعطيل هو أن التحريف نفي املعىن الصحيح الذي دلت عليه‬
‫النصوص واستبداله مبعىن آخر غري صحيح أما التعطيل فهو نفـي املعىن الصحيح من غري‬
‫استبدال له مبعىن آخر‪.‬‬

‫)‪ (1‬سورة طه آية ‪. 5 :‬‬

‫‪74‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫والتكييف‪ :‬تعيني كيفية الصفة واهليئة اليت تكون عليها كفعـل بعـض املنحرفني يف هذا‬
‫الباب الذين يكيفون صفات هللا فيقولون كيفية يده‪ :‬كـذا وكذا‪ ،‬وكيفية استوائه على هيئة كذا‬
‫وكذا‪ .‬فإن هذا ابطل إذ ًل يعلم كيفية صفات هللا إًل هو وحده وأما املخلوقون فإهنم جيهلون‬
‫ذلك ويعجزون عـن إدراكه‪.‬‬
‫والتمثيل‪ :‬هو التشبيه كمن يقول هلل مسع كسمعنا ووجه كوجوهنا تعـاىل هللا عن ذلك‪.‬‬
‫وينتظم املنهج احلق يف ابب األمساء والصفات يف ثالثة أصول من حققـها سلم من اًلحنراف‬
‫يف هذا الباب‪ .‬وهي‪:‬‬
‫األصل األول‪ :‬تنـزيه هللا جل وعال عن أن يشبه شيء من صفاته شيئًا من صفات‬
‫املخلوقني‪.‬‬
‫األصل الثاين‪ :‬اإلميان‪ .‬مبا مسى ووصف هللا به نفسه ومبا مساه ووصفه بـه رسوله ‪ ‬على‬
‫الوجه الالئق جبالل هللا وعظمته‪.‬‬
‫األصل الثالث‪ :‬قطع الطمع عن إدراك حقيقة كيفية صفات هللا تعـاىل ألن إدراك املخلوق‬
‫لذلك مستحيل‪.‬‬
‫فمن حقق هذه األصول الثالثة فقد حقق اإلميان الواجب يف ابب األمسـاء والصفات على‬
‫ما قرره األئمة احملققون يف هذا الباب‪.‬‬
‫اثلثًا‪ :‬أدلة هذا املنهج‪:‬‬
‫دلت األدلة من كتاب هللا تعاىل على تقرير هذا املنهج‪.‬‬
‫فمن األدلة على األصل األول‪ :‬وهو تنـزيه الرب ‪ ‬عن مشاهبة املخلوقني‪ ،‬قول هللا‬
‫‪( )1( }   ‬الشورى‪.)11 :‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫تبارك وتعـاىل‪   { :‬‬
‫‪  ‬‬

‫ومقتضى اآلية نفي املماثلة بني اخلالق واملخـلوق من كل وجه مع إثبات السمع والبصر هلل ‪‬‬
‫ويف هذا إشـارة إىل أن ما يثبت هلل من السـمع والبصر ليس كما يثبت للمخلوقني من هاتني‬

‫)‪ (1‬سورة الشورى آية ‪. 11 :‬‬

‫‪75‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫الصفتني مع كثـرة من يتصف هبما من املخلوقني‪ .‬وما يقال يف السـمع والبصر يقال يف غريمها‬
‫{ ‪          ‬‬ ‫من الصفات‪ .‬واقرأ قوله تعـاىل‪:‬‬

‫‪ . )1( }  ‬أورد ابن كثري يف تفسري اآلية مـا رواه‬


‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬

‫البخـاري يف التوحيـد (‪ )372 13‬واإلمام أمحد يف املسند (‪ )46 6‬عن عائشة رضي هللا عنـها‬
‫قالت‪ " :‬احلمد هلل الذي وسع مسعه األصوات لقد جاءت اجملادلة إىل النيب ‪ ‬تكلمه وأًن يف‬
‫‪.... )2( }‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫ًنحية البيت ما أمسع فأنزل هللا عز وجـل { ‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫إىل آخر اآلية "‪. )3( .‬‬


‫‪( )4( }      ‬النحل‪ .)74 :‬قال‬
‫‪    ‬‬ ‫أيضا قول هللا تعاىل‪  { :‬‬
‫‪  ‬‬ ‫ومن األدلة ً‬
‫الطربي يف تفسري اآلية‪ " :‬فال متثلوا هلل األمثال وًل تشبهوا له األشباه فإنه ًل مثل له وًل‬
‫شبه " (‪. )5‬‬
‫وقال تعاىل‪( )6( }            { :‬مرميَ‪ )65 :‬قال ابن عبـاس رضي هللا عنهما‬
‫شبيها "‪.‬‬
‫مثال أو ً‬
‫يف تفسريها‪ " :‬هل تعلم للرب ً‬
‫‪    ‬‬ ‫ومن األدلة هلذا األصل‪ :‬قول هللا تبارك وتعاىل‪{ :‬‬

‫‪( )7( }‬اإلخالص‪ )4 :‬قال الطربي‪ " :‬ومل يكن له شبيه وًل عدل وليس كمثله شيء "‪.‬‬

‫)‪ (1‬سورة اجملادلة آية ‪. 1 :‬‬


‫)‪ (2‬سورة اجملادلة آية ‪. 1 :‬‬
‫)‪ (3‬ابن كثري (‪. )60 /8‬‬
‫)‪ (4‬سورة النحل آية ‪. 74 :‬‬
‫)‪ (5‬الطربي (‪. )621 / 7‬‬
‫)‪ (6‬سورة مرمي آية ‪. 65 :‬‬
‫)‪ (7‬سورة اإلخالص آية ‪. 4 :‬‬

‫‪76‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫ وهو اإلميان مبا جاء يف الكتاب والسـنة من أمساء هللا‬:‫ومن األدلة على األصل الثاين‬
                 {  ‫ قول هللا‬،‫وصفاته‬
                  

                 

 
 
    
 
   
  
   
 { :‫ وقوله تعـاىل‬.)255 :‫) (البقرة‬1( }              

     
  
     {
    :‫ وقوله تعاىل‬.)3 :‫) (احلديد‬2( }                   
                  

             

                

.)24 -22 :‫) (احلشر‬3( }     


 ‫ كـان رسول هللا‬:‫ومن السنة حديث أيب هريرة الذي أخرجه مسلم يف صحيحه قال‬
‫ {اللهم رب السماوات ورب األرض ورب العرش العظيم‬:‫أيمرًن إذا أخذًن مضجعنا أن نقول‬
‫ ومنـزل التوراة واإلجنيل والفرقان أعوذ بك من شر كل‬،‫ربنا ورب كل شيء فالق احلب والنـوى‬
‫ وأنت اآلخر فليس بعدك شيء‬،‫ اللهم أنت األول فليس قبلك شيء‬.‫دابة أنـت آخـذ بناصيتها‬
‫ اقض عنا الدَّيْن وأ ْغنِّنا من‬،‫ وأنت الباطن فليس دونك شيء‬،‫وأنت الظاهر فليس فوقك شيء‬
.‫ والنصوص يف تقرير هذا الباب كثرية جتل عـن احلصر‬. )5( )4( }‫الفقر‬

. 255 : ‫( سورة البقرة آية‬1)


. 3 : ‫( سورة احلديد آية‬2)
. 24 - 22 : ‫( سورة احلشر آية‬3)
، )5051( ‫ أبو داود األدب‬، )3481( ‫ الرتمذي الدعوات‬، )2713( ‫( مسلم الذكر والدعاء والتوبة واًلستغفار‬4)
. )404/2( ‫ أمحد‬، )3831( ‫ابن ماجه الدعاء‬
. )2713( ‫( صحيح مسلم برقم‬5)

77
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫وأما األصل الثالث وهو قطع الطمع عن إدراك كيفية صفات هللا تبـارك وتعاىل فقد دل‬
‫‪( )1( }       ‬طه‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫عليه قول هللا تعاىل‪    { :‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ .)110‬قال بعض أهل العلم يف معىن اآلية‪ً " :‬ل إحاطة للعلم البشري برب السماوات واألرض‬
‫فينفي جنس أنواع اإلحاطـة عـن كيفيتها "‪.‬‬
‫{ ‪     ‬‬ ‫أيضا قول هللا تعـاىل‪:‬‬
‫ومن األدلة هلذا األصل ً‬
‫‪( )2( }‬األنعام‪ )103 :‬قال بعض العلماء يف معرض حديثه عن اآلية‪ " :‬وهذا يدل على‬
‫كمال عظمته وأنه أكرب من كل شيء‪ ،‬وأنه لكـمال عظمته ًل يدرك حبيث حياط به فإن اإلدراك‬
‫وهو اإلحاطة ابلشيء قدر زائد علـى الرؤية فالرب يرى يف اآلخرة وًل يدرك كما يعلم وًل حياط‬
‫بعلمه "‪ .‬وينبغي للعاقل أن يعلم أن للعقل حدا يصل إليه وًل يتعداه كما أن للسمع والبصر‬
‫حدا ينتهيان إليه‪ ،‬فمن تكلف ما ًل ميكن أن يدرك ابلعقل كالتفكر يف كيفية صفات هللا‪ ،‬فهو‬
‫كالذي يتكلف أن يبصر ما وراء اجلدار أو يسمع األصوات يف األماكن البعيدة جدا عنه‪.‬‬

‫)‪ (1‬سورة طه آية ‪. 110 :‬‬


‫)‪ (2‬سورة األنعام آية ‪. 103 :‬‬

‫‪78‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫املبحث الثاين‪ :‬أمثلة تطبيقية إلثبات األمساء والصفات يف ضوء الكتاب والسنة‬
‫دل الكتاب والسنة على إثبات األمساء والصفات للرب عـز وجـل يف مواطن كثرية من أوجه‬
‫متعددة ويف سياقات متنوعة‪.‬‬
‫واألمساء والصفات الثابتة ابلكتاب والسنة كثرية ًّ‬
‫جدا دونت فيها الكتـب واملصنفات وعد‬
‫أهل العلم الكثري منها‪ .‬ونذكر هنا طائفة منها على سـبيل التمثيل ًل احلصر‪.‬‬
‫فمن أمساء هللا تعاىل‪:‬‬
‫احلي والقيوم‪:‬‬
‫{ ‪  ‬‬ ‫وقد دل على هذين اًلمسني الكتاب والسنة‪ .‬فمن الكتاب قول هللا تعـاىل‪:‬‬

‫‪( )1( }             ‬البقرة‪ .)255 :‬ومن السنة حديث أنس بـن مالك ‪ ‬قال‪ :‬كنا‬
‫مع النيب ‪ ‬يف حلقة ورجل قائم يصلي فلمـا ركـع وسجد وتشهد ودعا فقال يف دعائه‪ :‬اللهم‬
‫إين أسألك أبن لك احلمد ًل إلـه إًل أنت بديع السماوات واألرض اي ذا اجلالل واإلكرام اي‬
‫حي اي قيوم‪ .‬فقال النيب ‪{ ‬لقد دعا ابسم هللا األعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل‬

‫به أعطى} (‪. )3( )2‬‬


‫احلميد‪:‬‬
‫‪( )4( }   ‬البقرة‪:‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬ ‫وقد دل عليه قـول هللا عـز وجـل‪   { :‬‬
‫‪  ‬‬

‫‪ .)267‬ومن السنة حديث كعب بن عُ ْجَرة يف التشـهد أن النيب ‪ ‬علمهم أن يقولوا‪{ :‬اللهم‬

‫)‪ (1‬سورة البقرة آية ‪. 255 :‬‬


‫)‪ (2‬الرتمذي الدعوات (‪ ، )3475‬ابن ماجه الدعاء (‪. )3857‬‬
‫)‪ (3‬رواه احلاكم برقم (‪ )1856‬وقال ‪ :‬صحيح على شرط مسلم ووفقه الذهيب ‪.‬‬
‫)‪ (4‬سورة البقرة آية ‪. 267 :‬‬

‫‪79‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫صل على حممد وعلى آل حممد كما صليت علـى إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك محيد‬
‫جميد} (‪. )2( ) ... )1‬‬
‫الرمحن والرحيم‪:‬‬
‫‪      ‬‬ ‫وقد دل عليهما قـول هللا تعـاىل‪{ :‬‬

‫‪( )3( }‬الفاحتة‪.)3 ،2 :‬‬


‫ومن السنة أمر النيب ‪ ‬كاتبه يوم احلديبية عند كتابة الصلح بينه وبـني املشركني أن‬
‫يكتب (بسم هللا الرمحن الرحيم) (‪. )4‬‬
‫احلليم‪:‬‬
‫‪( )5( }      ‬فاطر‪ .)41 :‬ومـن‬ ‫ودليله من القرآن قوله تعاىل‪     { :‬‬
‫‪ ‬‬

‫السنة حديث ابن عباس رضي هللا عنهما أن رسول هللا ‪ ‬كان يقول عنـد الكرب‪ً{ :‬ل إله‬

‫إًل هللا العظيم احلليم} (‪ ) .. )6‬احلديث‪. )7( .‬‬

‫)‪ (1‬البخاري أحاديث األنبياء (‪ ، )3190‬مسلم الصالة (‪ ، )406‬الرتمذي الصالة (‪ ، )483‬النسائي السهو‬
‫(‪ ، )1288‬أبو داود الصالة (‪ ، )976‬ابن ماجه إقامة الصالة والسنة فيها (‪ ، )904‬أمحد (‪ ، )244/4‬الدارمي‬
‫الصالة (‪. )1342‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم (‪ ، )3370‬ومسلم برقم (‪. )406‬‬
‫)‪ (3‬سورة الفاحتة آية ‪. 3 ، 2 :‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم (‪. )2731‬‬
‫)‪ (5‬سورة فاطر آية ‪. 41 :‬‬
‫)‪ (6‬البخاري الدعوات (‪ ، )5985‬مسلم الذكر والدعاء والتوبة واًلستغفار (‪ ، )2730‬الرتمذي الدعوات (‪، )3435‬‬
‫ابن ماجه الدعاء (‪ ، )3883‬أمحد (‪. )280/1‬‬
‫)‪ (7‬رواه البخاري برقم (‪ ، )6345‬ومسلم برقم (‪. )2730‬‬

‫‪80‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫ومن صفات هللا‪:‬‬


‫القدرة‪:‬‬
‫وهي صفة ذاتية هلل تعاىل اثبتة ابلكتاب والسنة‪ .‬ومعىن ذاتية‪ :‬أي مالزمـة لذات هللا ًل‬
‫‪( )1( }           ‬البقرة‪ .)20 :‬ومن‬
‫‪  ‬‬
‫‪‬‬ ‫تنفك عنه سبحانه‪ .‬قال تعاىل‪ { :‬‬

‫السنة حديث عثمان بن أيب العاص أنه شكا إىل النيب ‪ً ‬‬
‫وجعا جيده يف جسده منذ أسلم‬
‫فقال له رسول هللا ‪{ ‬ضع يـدك علـى الذي أتمل من جسدك‪ ،‬وقل‪ :‬بسم هللا ثال ًاث وقل‪،‬‬

‫سبع مرات‪( :‬أعوذ بعـزة هللا وقدرته من شر ما أجد وأحاذر} (‪. )3( )2‬‬
‫احلياة‪:‬‬
‫وهي من صفات هللا الذاتية‪ .‬وهي مشتقة من امسه احلي وقد تقدم ذكـر األدلة عليها‪.‬‬
‫العلم‪:‬‬
‫‪   ‬‬ ‫صفة ذاتية هلل تعاىل وثبوهتا ابلكتاب والسنة‪ .‬قال تعـاىل‪{ :‬‬

‫‪( )4( }    ‬البقرة‪ .)255 :‬ومن السنة حديث جابر بن عبد هللا أن النيب ‪ ‬كان يعلمهم‬

‫أن يقولوا يف اًلستخارة‪{ :‬اللهم إين أستخريك بعلمـك وأستقدرك بقدرتك} (‪. )6( ) ... )5‬‬
‫اإلرادة‪:‬‬

‫)‪ (1‬سورة البقرة آية ‪. 20 :‬‬


‫)‪ (2‬مسلم السالم (‪ ، )2202‬الرتمذي الطب (‪ ، )2080‬أبو داود الطب (‪ ، )3891‬ابن ماجه الطب (‪، )3522‬‬
‫أمحد (‪ ، )217/4‬مالك اجلامع (‪. )1754‬‬
‫)‪ (3‬رواه مسلم برقم (‪. )2202‬‬
‫)‪ (4‬سورة البقرة آية ‪. 255 :‬‬
‫)‪ (5‬البخاري اجلمعة (‪ ، )1113‬الرتمذي الصالة (‪ ، )480‬النسائي النكاح (‪ ، )3253‬أبو داود الصالة (‪، )1538‬‬
‫ابن ماجه إقامة الصالة والسنة فيها (‪ ، )1383‬أمحد (‪. )344/3‬‬
‫)‪ (6‬رواه البخاري برقم (‪. )6382‬‬

‫‪81‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫وهي صفة فعلية اثبتة ابلكتاب والسنة‪ .‬والصفات الفعلية هـي املتعل َقـة مبشيئة هللا وقدرته‬
‫{ ‪       ‬‬ ‫إن شاء فعلها وإن شاء مل يفعلها‪ .‬قال تعـاىل‪:‬‬

‫‪( )1( }         ‬األنعام‪:‬‬


‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪        ‬‬

‫‪ .)125‬ومن السـنة حديـث عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما قال‪ :‬مسعت رسول هللا ‪‬‬
‫عذااب‪ ،‬أصاب العذاب من كـان فيهم مث بعثوا على‬
‫ً‬ ‫يقـول‪{ :‬إذا أراد هللا بقوم‬

‫أعماهلم} (‪. )3( )2‬‬


‫العلو‪:‬‬
‫‪   ‬‬ ‫وهو صفة ذاتية اثبتة ابلكتاب والسنة‪ .‬قال تعـاىل‪{ :‬‬

‫‪( )4( }‬األعلى‪ .)1 :‬وقال تعاىل‪( )5( }             { :‬النحـل‪ .)50 :‬ومن‬

‫السنة حديث أيب هريرة املتقدم يف املبحث األول يف الذكر عند النـوم وفيه‪{ ...( :‬اللهم أنت‬
‫األول فليس قبلك شيء وأنت اآلخر فليـس بعـدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء‬
‫وأنت الباطن فليس دونـك شـيء} (‪. )7( ) ... )6‬‬

‫)‪ (1‬سورة األنعام آية ‪. 125 :‬‬


‫)‪ (2‬البخاري الفنت (‪ ، )6691‬مسلم اجلنة وصفة نعيمها وأهلها (‪ ، )2879‬أمحد (‪. )40/2‬‬
‫)‪ (3‬رواه مسلم برقم (‪. )9287‬‬
‫)‪ (4‬سورة األعلى آية ‪. 1 :‬‬
‫)‪ (5‬سورة النحل آية ‪. 50 :‬‬
‫)‪ (6‬مسلم الذكر والدعاء والتوبة واًلستغفار (‪ ، )2713‬الرتمذي الدعوات (‪ ، )3481‬أبو داود األدب (‪، )5051‬‬
‫ابن ماجه الدعاء (‪ ، )3831‬أمحد (‪. )536/2‬‬
‫)‪ (7‬رواه مسلم برقم (‪. )2713‬‬

‫‪82‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫االستواء‪:‬‬
‫{ ‪   ‬‬ ‫وهو صفة فعلية هلل تعاىل اثبتة ابلكتاب والسنة‪ .‬قال تعاىل‪:‬‬

‫‪( )1( }‬طه‪ .)5 :‬وعن قتادة بن النعمان ‪ ‬قال‪ :‬مسعت رسـول هللا ‪ ‬يقول‪{ :‬ملا فرغ‬

‫هللا من خلقه استوى على عرشه} (‪ . )2‬ومعىن اًلسـتواء يف لغة العرب‪ :‬العلو واًلرتفاع‪،‬‬
‫واًلستقرار والصعود واستواء هللا تعاىل علـى عرشه استواء يليق جبالله‪.‬‬
‫الكالم‪:‬‬
‫وهو صفة ذاتية ابعتبار النوع وصفة فعلية ابعتبار أفراد الكالم فهو سبحانه يتكلم مىت‬
‫شاء وكيف شاء بكالم مسموع‪ ،‬وقد دل على صفـة الكـالم األدلة من الكتاب والسـنة‪ .‬قـال‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬ ‫{ ‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪( )3( }  ‬النساء‪،)164 :‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫تعـاىل‪    { :‬‬
‫‪  ‬‬

‫‪( )4( } ‬األعراف‪.)143 :‬‬


‫‪      ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪   ‬‬

‫ومن السنة حديث أيب هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‪{ ‬احتـج آدم وموسى فقال له‬
‫موسى‪ :‬اي آدم أنت أبوًن خيَّبتنا وأخرجتنا من اجلنة‪ .‬قال لـه آدم‪ :‬اي موسى اصطفاك هللا بكالمه‬
‫وخط لك التوراة بيده} (‪ ) ... )5‬احلديث‪. )6( .‬‬

‫)‪ (1‬سورة طه آية ‪. 5 :‬‬


‫)‪ (2‬رواه الذهيب يف العلو برقم (‪ )119‬وقال ‪ :‬رواته ثقات ‪ ،‬رواه اخلالل يف كتاب السنة ‪.‬‬
‫)‪ (3‬سورة النساء آية ‪. 164 :‬‬
‫)‪ (4‬سورة األعراف آية ‪. 143 :‬‬
‫)‪ (5‬البخاري تفسري القرآن (‪ ، )4461‬مسلم القدر (‪ ، )2652‬الرتمذي القدر (‪ ، )2134‬أبو داود السنة (‪، )4701‬‬
‫ابن ماجه املقدمة (‪ ، )80‬أمحد (‪ ، )314/2‬مالك اجلامع (‪. )1660‬‬
‫)‪ (6‬رواه البخاري برقم (‪ ، )6614‬ومسلم برقم (‪. )2652‬‬

‫‪83‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫الوجه‪:‬‬
‫{ ‪  ‬‬ ‫وهو صفة ذاتية خربية اثبتة هلل ‪ ‬ابلكتاب والسنة‪ .‬قـال تعـاىل‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬ ‫‪( )1( }‬البقرة‪ .)272 :‬وقوله‪{ :‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬

‫‪( )2( }‬الرمحن‪ ،)27 :‬ومن السنة حديث جابر بن عبد هللا قال‪( :‬ملا نـزلت‪ :‬هذه اآلية‬

‫قال النيب ‪{ ‬أعوذ‬ ‫(‪)3‬‬


‫‪}    ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫{‬

‫فقال النيب ‪{ ‬أعوذ‬ ‫(‪)5‬‬


‫‪}   ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫بوجهك} (‪ . )4‬فقـال‪{ :‬‬

‫بوجهك} (‪ . )6‬قال { ‪( )7( }          ‬األنعام‪ .)65 :‬فقال النيب ‪{ ‬هذا‬

‫أيسر} (‪. )9( )8‬‬


‫اليدان‪:‬‬
‫{ ‪  ‬‬ ‫وهي صفة ذاتية خربية هلل ‪ ‬وثبوهتا ابلكتاب والسنة‪ .‬قال تعـاىل‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪     ‬‬ ‫{ ‪ ‬‬
‫‪      ‬‬ ‫‪( )10( }     ‬املائدة‪ .)64 :‬وقوله تعـاىل‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪( )11(} ‬ص‪ .)75 :‬ومن السنة حديـث أيب موسى األشعري الذي رواه مسلم‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪‬‬

‫)‪ (1‬سورة البقرة آية ‪. 272 :‬‬


‫)‪ (2‬سورة الرمحن آية ‪. 27 :‬‬
‫)‪ (3‬سورة األنعام آية ‪. 65 :‬‬
‫)‪ (4‬البخاري تفسري القرآن (‪ ، )4352‬الرتمذي تفسري القرآن (‪ ، )3065‬أمحد (‪. )309/3‬‬
‫)‪ (5‬سورة األنعام آية ‪. 65 :‬‬
‫)‪ (6‬البخاري تفسري القرآن (‪ ، )4352‬الرتمذي تفسري القرآن (‪ ، )3065‬أمحد (‪. )309/3‬‬
‫)‪ (7‬سورة األنعام آية ‪. 65 :‬‬
‫)‪ (8‬البخاري تفسري القرآن (‪ ، )4352‬الرتمذي تفسري القرآن (‪ ، )3065‬أمحد (‪. )309/3‬‬
‫)‪ (9‬رواه البخاري برقم (‪. )7406‬‬
‫)‪ (10‬سورة املائدة آية ‪. 64 :‬‬
‫)‪ (11‬سورة ص آية ‪. 75 :‬‬

‫‪84‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫عن النيب ‪ ‬قال‪{ :‬إن هللا يبسط يـده ابلليل ليتوب مسيء النهار‪ ،‬ويبسط يده ابلنهار ليتوب‬

‫مسيء الليـل حىت تطلع الشمس من مغرهبا} (‪. )2( )1‬‬


‫العينان‪:‬‬
‫وهي صفة ذاتية خربية اثبتة هلل ‪ ‬ابلكـتاب والسنة‪ .‬فمن الكتـاب قول هللا تعاىل‪{ :‬‬

‫‪( )4( }      ‬هود‪:‬‬


‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫(طه‪ .)39 :‬وقوله تعاىل‪   { :‬‬
‫‪  ‬‬
‫(‪)3‬‬
‫‪}          ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪ .)37‬ومن السنة حديث عبد هللا بن عمـر رضـي هللا عنهما يف الصحيحني عن النيب ‪ ‬أنه‬
‫قال‪{ :‬إن هللا ًل َخيْفى عليكـم إن هللاّ ليس أبعور وأشار بيده إىل عينيه‪ ،‬وإن املسيح الدجال‬

‫أعور العـني اليمىن كأ ّن عينه عنبة طافية} (‪. )6( )5‬‬


‫القدم‪:‬‬
‫وهي صفة ذاتية اثبتة للرب ‪ ‬ابألحاديث الصحيحة‪ .‬ومن ذلـك حديث أيب هريرة يف‬
‫حتاجج اجلنة والنار وفيه‪{ ...( :‬فأما النار فال متتلئ حىت يضع هللا تبارك وتعاىل رجله‪ ،‬تقول‬

‫)‪ (1‬مسلم التوبة (‪ ، )2759‬أمحد (‪. )395/4‬‬


‫)‪ (2‬رواه مسلم برقم (‪. )2759‬‬
‫)‪ (3‬سورة طه آية ‪. 39 :‬‬
‫)‪ (4‬سورة هود آية ‪. 37 :‬‬
‫)‪ (5‬البخاري التوحيد (‪ ، )6972‬مسلم اإلميان (‪ ، )169‬أمحد (‪. )127/2‬‬
‫)‪ (6‬رواه البخاري برقم (‪ ، )7407‬ومسلم برقم (‪. )2933‬‬

‫‪85‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫قط قط قط فهنالك متتلئ ويزوي بعضها إىل بعض} (‪ . )2( ) ... )1‬ويف بعض الرواايت يف‬

‫الصحيحني {فيضع قدمه عليـها} (‪. )4( ) ... )3‬‬


‫وأمساء هللا وصفاته الواردة يف الكتاب والسنة كثرية ًل حتصى وإَّنا هـذه أمثلة وجيب على‬
‫املسلم إثباهتا هلل تبارك وتعاىل على ما يليق جبالله وكمالـه‪ ،‬كما أثبتها هللا لنفسه يف كتابه‪ ،‬وهو‬

‫أعلم بنفسه من خلقه‪ ،‬وأثبتها له رسوله ‪ ‬يف سنته وهو أعلم اخللـق بربـه وأكملـهم ً‬
‫نصحـا‬
‫بياًن وأتقاهم وأخشاهم له‪ ،‬وليحذر من تعطيل هللا مـن صفاته أو تشبيهها‬
‫وأفصحهم وأبلغهم ً‬
‫‪( )5( }   ‬الشورى‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬ ‫بصفات املخلوقـني ألن هللا { ‪  ‬‬
‫‪  ‬‬

‫‪.)11‬‬

‫)‪ (1‬البخاري تفسري القرآن (‪ ، )4569‬مسلم اجلنة وصفة نعيمها وأهلها (‪ ، )2847‬الرتمذي صفة اجلنة (‪، )2557‬‬
‫أمحد (‪. )507/2‬‬
‫)‪ (2‬رواه البخاري برقم (‪ )4850‬ومسلم برقم (‪. )2846‬‬
‫)‪ (3‬البخاري تفسري القرآن (‪ ، )4569‬مسلم اجلنة وصفة نعيمها وأهلها (‪ ، )2846‬الرتمذي صفة اجلنة (‪، )2557‬‬
‫أمحد (‪. )507/2‬‬
‫)‪ (4‬رواه البخاري برقم (‪ )4849 ، 4848‬ومسلم برقم (‪. )2848‬‬
‫)‪ (5‬سورة الشورى آية ‪. 11 :‬‬

‫‪86‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫املبحث الثالث‪ :‬قواعد يف ابب األمساء والصفات‬


‫القاعدة األوىل‪ :‬القول يف الصفات كالقول يف الذات‬
‫وبياهنا‪ :‬أن هللا تعاىل ليس كمثله شيء ًل يف ذاته وًل صفاته‪ ،‬وًل أفعالـه‪ .‬فإذا كان هلل ذات‬
‫حقيقية ًل متاثل الذوات بال خالف فكذلـك الصفـات الثابتة له يف الكتاب والسنة‪ ،‬هي صفات‬
‫حقيقية ًل متاثل سـائر الصفـات فالقول يف الذات والصفات من ابب واحد‪.‬‬
‫وهذه قاعدة عظيمة يناقش هبا من ينكر الصفات مع إثباته الذات فـإن إثبات الذات‬
‫للرب ‪ ‬حمل إمجاع األمة‪.‬‬
‫تشبيها هلل خبلقه‪.‬‬
‫فإذا قال قائل‪ً :‬ل أثبت الصفات ألن يف إثباهتا ً‬
‫تشبيها على قولك‬
‫ذاات حقيقية وتثبت للمخلوقني ذو ًاات أفليس هـذا ً‬
‫يقال له‪ :‬أنت تثبت هلل ً‬
‫ذاات هلل ًل تشبه الذوات وًل يسـعه غري هذا‪ .‬قيل له يلزمك هذا يف ابب‬
‫!! فإن قال‪ :‬إَّنا أثبت ً‬
‫الصفات فإن كـانـت الذات ًل تشـبه الذوات وهو حق فكذلك صفات الذات اإلهلية ًل تشبه‬
‫ذاات ًل تعلم كيفيتها‪.‬‬
‫الصفات‪ .‬فإن قال‪ :‬كيف أثبت صفة ًل أعلم كيفيتها‪ .‬قلنا‪ :‬له كما تثبت ً‬
‫القاعدة الثانية القول يف بعض الصفات كالقول يف بعضها اآلخر‬
‫القاعدة الثانية‪ :‬القول يف بعض الصفات كالقول يف بعضها اآلخر‪.‬‬
‫وشرحها‪ :‬أن القول يف بعض صفات هللا من حيث اإلثبـات والنفي كالقول يف البعض‬
‫اآلخر وهذه القاعدة خياطب هبا من يثبت بعض الصفـات وينكر البعض اآلخر‪ .‬فإذا كان‬
‫الرجل يثبت بعض الصفات كاحلياة والعلـم والقدرة والسمع والبصر وغريها وجيعل ذلك كله‬
‫جمازا فيقال له‪ً :‬ل فرق بني‬
‫حقيقة مث ينازع يف صفـة احملبة والرضا والغضب وغريها‪ ،‬وجيعل ذلك ً‬
‫وعلما‬
‫مـا أثبته وبني ما نفيته فالقول يف أحدمها كالقول يف اآلخر‪ .‬فإن كنت تثبت له حياة ً‬
‫وبصرا ًل تشبه ما يثبت للمخلوقني الذين يتصفـون هبذه الصفات فكذلك يلزمك‬
‫ومسعا ً‬
‫وقدرة ً‬
‫ورضا وغضبًا كـما أخرب هـو عن نفسه من غري مشاهبة للمخلوقني وإًل وقعت‬
‫أن تثبت له حمبة ً‬
‫يف التناقض‪.‬‬
‫القاعدة الثالثة‪ :‬األمساء والصفات توقيفية‬

‫‪87‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫أمساء هللا وصفاته توقيفية ًل جمال للعقل فيها وعلى هذا فيجـب الوقـوف فيها على ما جاء‬
‫به الكتاب والسنة فال يزاد فيها وًل ينقص ألن العقـل ًل ميكنه إدراك ما يستحقه هللا تعاىل من‬
‫{ ‪       ‬‬ ‫األمساء والصفات فوجب الوقوف على النص‪ .‬قال تعاىل‪:‬‬

‫‪( )1( }         ‬اإلسراء‪ .)36 :‬وقد كان‬


‫‪         ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬

‫أئمة اإلسالم على هذا املنهج‪ .‬قال اإلمام أمحد رمحه هللا‪ً( :‬ل يوصف هللا إًل مبا وصف بـه‬
‫نفسه أو وصفه به رسوله ًل يتجاوز القرآن واحلديث)‪ .‬وقرر بعـض أهـل العلم أن العلم ابلشيء‬
‫حىت ُميكن وصفه له ثالثة طرق‪ :‬إما رؤيتَه‪ ،‬أو رؤيـة مثيله‪ ،‬أو وصفه ممن يعرفه‪ِّ .‬‬
‫وع ْل ُمنَا بَِّربِّّنا‬
‫وأمسائه وصفاته حمصور يف الطريـق الثـالث وهـو وصفه ممن يعرفه وليس أحد أعلم ابهلل مـن هللا‬
‫مث رسـله الذين أوحى إليهم وعلمهم فوجب لزوم طريق الوحي يف أمساء هللا وصفاتـه إذ مل نر ربنا‬
‫يف الدنيا فنصفه وليس له مثيل من خلقه فيوصف بوصفه‪ ،‬تعاىل ربنا وتقدس‪.‬‬
‫القاعدة الرابعة‪ :‬أمساء هللا كلها حسىن‬
‫‪ ‬‬ ‫أسـماء هللا كلهـا حسىن أي ابلغة يف احلسن غايته‪ .‬قـال تعـاىل‪{ :‬‬

‫‪( )2( }     ‬األعراف‪ )180 :‬وذلك لدًللتها على أحسن مسـمى وأشرف مدلول وهو‬

‫هللا ‪ ‬وألهنا متضمنة لصفات كـاملة ًل نقـص فيها بوجه من الوجوه ًل احتماًل وًل ً‬
‫تقديرا‪.‬‬
‫مثال ذلك‪( :‬احلي) اسم من أمساء هللا تعاىل متضمن للحياة الكاملة اليت مل تسبق بعدم وًل‬
‫يلحقها زوال‪ .‬احلياة املستلزمة لكمال الصفات مـن العلـم والقدرة والسمع والبصر وغريها‪ .‬ومثال‬
‫آخر‪( :‬العليم) اسم من أمسـاء هللا تعاىل متضمن للعلم الكامل الذي مل يسبق جبهل وًل يلحقه‬
‫‪( )3( } ‬طه‪)52 :‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫نسـيان‪ .‬قـال تعاىل { ‪‬‬
‫‪  ‬‬

‫)‪ (1‬سورة اإلسراء آية ‪. 36 :‬‬


‫)‪ (2‬سورة األعراف آية ‪. 180 :‬‬
‫)‪ (3‬سورة طه آية ‪. 52 :‬‬

‫‪88‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫العلـم الواسع احمليط بكل شيء مجلة وتفصيال سواء ما يتعلق أبفعالـه أو أفعـال خلقه‪ .‬كما قال‬
‫‪( )1( }   ‬غافر‪.)19 :‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪      ‬‬ ‫تعاىل‪    { :‬‬
‫‪ ‬‬

‫واحلسن يف أمساء هللا تعاىل يكون ابعتبار كل اسم على انفراد‪ ،‬ويكـون ابعتبار مجعه إىل‬
‫غريه فيحصل جبمع اًلسم إىل آخر كـمال فوق كمال‪.‬‬
‫ـريا فيكون كل منهما‬
‫مثال ذلك‪( :‬العزيز احلكيم) فإن هللا تعاىل جيمع بينهما يف القرآن كث ً‬
‫داًل على الكمال اخلاص الذي يقتضيه وهـو العـزة يف العزيز واحلكـم واحلكـمة يف احلكيـم‪.‬‬
‫واجلمـع بينهما دال على كمال آخـر وهو أن العزة هلل تعاىل مقرونة ابحلكـمة فعزته ًل تقتضي‬
‫وجورا كمـا يكون من بعض أعزاء املخلوقني فإن بعضهم قد أتخذه العزة ابإلمث فيظلـم‬
‫ظلما ً‬
‫ً‬
‫وجيور‪ ،‬وكذلك حكمه تعاىل وحكـمته مقروًنن ابلعز الكامل خبالف حكـم املخلوق وحكمته‬
‫فإهنما يعرتيهما الذل‪ .‬هذا وهللا أعلم‪.‬‬
‫ويف ختام هذا الباب نشري إىل مجلة من الفوائد والثمرات الـيت جينيـها املسلم بتحقيقه هلذا‬
‫األصل العظيم وهو اإلميان ابهلل وحـده ًل شريك لـه يف ربوبيته وألوهيته وأمسائه وصفاته‪ .‬فمن‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن العبد ينال بذلك سعادة الدنيا واآلخرة‪ ،‬بل إن السعادة يف الدارين متوقف احلصول‬
‫عليها على اإلميان ابهلل‪ ،‬فحظ العبد منها حبسب حظه من إميانه بربه وأمسائه وصفاته وألوهيته‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن إميان العبد بربه وأمسائه وصفاته هو أعظم أسباب خوفه سـبحانه وخشيته وحتقيق‬
‫طاعته‪ ،‬فكلما كان العبد بربه أعرف كان إليه أقرب‪ ،‬ومنه أخشى‪ ،‬ولعبادته أطلب‪ ،‬وعن‬
‫معصته وخمالفته أبعد‪.‬‬

‫)‪ (1‬سورة غافر آية ‪. 19 :‬‬

‫‪89‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫‪ - 3‬أن العبد ينال بذلك طمأنينة قلبه‪ ،‬وراحة نفسه‪ ،‬وأنـس خـاطره‪ ،‬واألمن واًلهتداء يف‬
‫{ ‪          ‬‬ ‫الدنيا واآلخرة وهللا تعاىل يقول‬

‫‪( )1(} ‬الرعد‪.)28 :‬‬


‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬

‫‪َّ - 4‬‬
‫أن نيل ثواب اآلخرة متوقف على اإلميان ابهلل وصحته‪ ،‬فبتحقيقـه وحتقيق لوازمه ينال‬
‫العبد ثواب اآلخرة فيدخل جنـة عرضها السـماء واألرض فيها من النعيم ما ًل عني رأت وًل‬
‫أذن مسعت وًل خطر على قلب بشر‪ ،‬وينجو من النار وعذاهبا الشديد‪ ،‬وأعظم من ذلك كلـه‬
‫أبدا‪ ،‬ويتلذذ يوم القيامة ابلنظر إىل وجهه الكرمي‬
‫أن يفـوز برضى الرب سبحانه فال يسخط عليه ً‬
‫يف غري ضراء مضرة وًل فتنة مضلة‪.‬‬
‫‪ - 5‬أن اإلميان ابهلل هو الذي يصحح األعمال وجيعلها مقبولة‪ ،‬فبفقده ًل تقبل بل ترد‬
‫{ ‪       ‬‬ ‫على صاحبها وإن كثرت وتنوعت‪ ،‬قال تعـاىل‬

‫‪‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫{ ‪  ‬‬
‫‪    ‬‬ ‫‪( )2(}           ‬املائدة‪ .)5 :‬وقـال تعـاىل‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪( )3( }          ‬اإلسراء‪.)19 :‬‬


‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬

‫وعمال‪ ،‬ويكسب‬
‫علمـا ً‬
‫‪ - 6‬أن اإلميان الصحيح ابهلل حيمل صاحبه على التزام احلق واتباعه ً‬
‫العبد اًلستعداد التام لتلقي املواعظ النافعة والعرب املؤثـرة‪ ،‬ويوجـب سالمة الفطرة‪ ،‬وحسن‬
‫القصد‪ ،‬واملبادرة إىل اخلـريات‪ ،‬وجمانبـة احملرمات واملنكرات‪ ،‬ولزوم األخالق احلميدة‪ ،‬واخلصال‬
‫الكرميـة‪ ،‬واآلداب النافعة‪.‬‬
‫‪َّ - 7‬‬
‫أن اإلميان ابهلل ملجـأ املؤمنني يف كل ما يلم هلم من شرور وحـزن وأمن وخوف وطاعة‬
‫ومعصية وغري ذلك من األمور اليت ًل بد لكل أحـد منها‪ ،‬فعند احملاب والسرور يلجؤون إىل‬
‫اإلميان ابهلل فيحمدون هللا ويثنـون عليه ويستعملون نعمته فيما حيب‪ ،‬وعند املكـاره واألحـزان‬

‫)‪ (1‬سورة الرعد آية ‪. 28 :‬‬


‫)‪ (2‬سورة املائدة آية ‪. 5 :‬‬
‫)‪ (3‬سورة اإلسراء آية ‪. 19 :‬‬

‫‪90‬‬
‫أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫يلجـؤون إىل اإلميان ابهلل فيتسلون إبمياهنم وما يرتتب عليه من األجر والثـواب‪ ،‬وعنـد املخاوف‬
‫واألحزان يلجؤون إىل اإلميان ابهلل فتطمئن قلوهبم ويزداد إمياهنم وتعظم ثقتهم برهبم‪ ،‬وعند‬
‫الطاعات والتوفيق لألعمال الصاحلات يلجـؤون إىل اإلميان ابهلل فيعرتفون بنعمته عليهم‪،‬‬
‫وحيرصون على تكـميلها‪ ،‬ويسألونه الثبات عليها والتوفيق لقبوهلا‪ ،‬وعند الوقوع يف شيء من‬
‫املعاصي يلجـؤون إىل اإلميان ابهلل فيبادرون إىل التوبة منها والتخلص من شرورها وأوضارهـا‪،‬‬
‫فاملؤمنون يف مجيع تقلباهتم وتصرفاهتم ملجؤهم إىل اإلميان ابهلل وحده‪.‬‬
‫‪ -8‬أن معرفة هللا تعاىل أبمسائه وصفاته توجـب حمبة هللا يف القلوب إذ أن أمساء هللا وصفاته‬
‫كاملة من كل وجه والنفوس قد جبلـت علـى حـب الكـمال والفضل فإذا حتققت حمبة هللا يف‬
‫القلوب انقادت اجلوارح ابألعمـال وحتققـت احلكمة اليت خلق العبد من أجلها وهي عبادة هللا‪.‬‬
‫‪ -9‬أن العلم ابألمساء والصفات يورث قوة اليقني بـانفراد هللا تعـاىل بتصريف شؤون اخللق‬
‫وانفراده بذلك ًل شريك له وهذا مما حيقق صـدق التوكل على هللا يف جلب املصاحل الدينية‬
‫والدنيوية ويف ذلك فالح العبـد وجناحه فمن توكل على هللا فهو حسبه‪.‬‬
‫‪ -10‬إحصاء األمساء احلسىن والعلم هبا أصل للعلم بكل معلـوم‪ ،‬فـإن املعلومات سواه إما‬
‫أن تكون خلقا له تعاىل أو أمرا‪ ،‬وهي إمـا علـم مبـا كونه‪ ،‬وإما علم مبا شرعه‪ ،‬ومصدر اخللق‬
‫واألمر عن أمسائه احلسىن ومهـا مرتبطان هبا ارتباط املقتضى مبقتضيه‪ .‬فمن أحصى أمساء هللا‬
‫كمـا ينبغـي للمخلوق أحصى مجيع العلوم‪.‬‬

‫‪91‬‬

You might also like