You are on page 1of 7

‫الخشوع في الصالة (⮫)‬

‫الخشوع في الصالة‬
‫الخشوع في الصالة وحضور القلب فيها‪ ،‬وعالج الوسوسة‬
‫خشوع القلب‬
‫الشيطان والخشوع‬
‫مظاهر الخشوع‬
‫مراتب الخشوع‬
‫من أسباب قبول الصالة‬
‫الخشوع وذكر هللا‬
‫الخشوع وحضور القلب‬
‫األسباب المعينة على الخشوع‬
‫في الصالة‬
‫الخشوع – أهميته وأثره‬
‫أسباب الخشوع‬
‫اإليمان الصادق واالعتقاد الجازم‬
‫اإلكثار من القراءة والذكر‬
‫دوام المحاسبة والمراقبة‬

‫الخشوع في الصالة‬
‫تأليف‬
‫عبد هللا بن جار هللا آل جار هللا‬
‫غفر هللا له ولوالديه ولجميع المسلمين‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الخشوع في الصالة وحضور القلب فيها‪ ،‬وعالج الوسوسة‬


‫الحمد هلل الذي جعل الصالة عماد الدين وصلة قوية بين هللا وعباده المؤمنين‪ ،‬والصالة والسالم على محمد األمين وآله‬
‫وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫َّل‬ ‫ْل‬ ‫َأ‬
‫وبعد‪ :‬فإن الخشوع هو الخضوع والتذلل والسكون‪ ،‬قال هللا تعالى‪َ} :‬قْد ْفَلَح ا ُمْؤ ِم ُن وَن * ا ِذيَن ُه ْم ِفي َص اَل ِتِه ْم‬
‫َخ اِش ُعوَن { [المؤمنون‪ .]2 ،1 :‬أي قد فاز وسعد ونجح المؤمنون المصلون ومن صفاتهم أنهم }اَّلِذيَن ُه ْم ِفي َص ِتِه ْم‬
‫اَل‬
‫َخ اِش ُعوَن { والخشوع في الصالة‪ :‬هو حضور القلب فيها بين يدي هللا تعالى محبة له وإجالًال وخوًف ا من عقابه ورغبة في‬
‫ثوابه مستحضًر ا لقربه فيسكن لذلك قلبه وتطمئن نفسه وتسكن حركاته متأدًبا بين يدي ربه مستحضًر ا جميع ما يقوله‬
‫ويفعله في صالته من أولها إلى آخرها فتزول بذلك الوساوس واألفكار‪ ،‬والخشوع هو روح الصالة والمقصود األعظم‬
‫منها فصالة بال خشوع كبدن ميت ال روح فيه‪.‬‬
‫خشوع القلب‬
‫وأصل الخشوع خشوع القلب الذي هو ملك األعضاء فإذا خشع القلب خشعت الجوارح كلها‪ ،‬ولما رأى سعيد بن المسيب‬
‫رجًال يعبث في صالته‪ ،‬قال‪ :‬لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه [شرح السنة]‪.‬‬
‫الشيطان والخشوع‬
‫وليس للعبد من صالته إال ما عقل منها وحضر قلبه فيها‪ ،‬والشيطان يريد من العبد أن ال يصلي ليكون من أصحاب النار‪،‬‬
‫فإذا صلى حال بينه وبين نفسه يوسوس له ويشغله عن صالته حتى يبطلها‪ ،‬أو ينقصها‪ ،‬وفي الحديث‪« :‬إن العبد ليصلي‬
‫الصالة ال يكتب له إال ُربعها‪ ،‬إال ُخ مسها‪ ،‬إال ُسدسها‪ ،‬حتى بلغ ُعشرها» [رواه أبو داود والنسائي وابن حبان]‪ .‬وقد أرشد‬
‫النبي ﷺ الذي هو بأمته رءوف رحيم أرشد إلى سالح قوي يكافح به العدو‪ .‬فإذا خرج المسلم من بيته إلى المسجد أو‬
‫إلى غيره أرشده أن يقول‪« :‬باسم هللا‪ ،‬آمنت باهلل‪ ،‬اعتصمت باهلل‪ ،‬توكلت على هللا وال حول وال قوة إال باهلل» إذا قال ذلك‬
‫يقال له‪ :‬هديت وكفيت ووقيت ويتنحى عنه الشيطان‪[ .‬رواه أبو داود والترمذي والنسائي]‪.‬‬
‫فإذا دخل المسجد يقول‪« :‬أعوذ باهلل العظيم وبوجهه الكريم وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم»‪ ،‬إذا قال ذلك قال‬
‫الشيطان‪ :‬عصم مني سائر اليوم‪[ .‬حديث حسن رواه أبو داود بإسناد جيد]‪.‬‬
‫وإذا دخل في صالته مستحضًر ا عظمة ربه وحضوره بين يديه يقول بعد دعاء االستفتاح‪« :‬أعوذ باهلل السميع العليم من‬
‫الشيطان الرجيم»‪.‬‬
‫ثم بعد ذلك يتفكر المصلي فيما يقوله ويفعله ويسمعه من اإلمام إذا كان مأموًما فجهر اإلمام بالقراءة استمع لقراءته‪ ،‬فإذا‬
‫أسر اشتغل المأموم بالقراءة‪.‬‬
‫مظاهر الخشوع‬
‫ومن مظاهر الخشوع في الصالة‪ :‬قبض اليد اليمنى على كوع الشمال‪ ،‬والنظر إلى موضع سجوده وعدم رفع بصره إلى‬
‫السماء‪ ،‬وعدم االلتفات يميًن ا أو شماًال وعدم الحركة والعبث واالشتغال بالمالبس وغيرها وعدم فرقعة األصابع أو‬
‫تشبيكها‪ ،‬فكل هذا ينافي الخشوع‪ .‬قال ابن عباس‪« :‬ركعتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه» [شرح السنة]‪.‬‬
‫وقال سلمان الفارسي‪« :‬الصالة مكيال فمن وَّفى ُو ِّفي له‪ ،‬ومن طَّف ف فقد علمتم ما قال هللا في المطففين» [شرح السنة]‪.‬‬
‫وفي الحديث‪« :‬أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صالته» وهو الذي ال يتم ركوعها وال سجودها وال القراءة فيها [رواه‬
‫أحمد]‪.‬‬
‫وفي الحديث‪« :‬إن هللا ينصب وجهه لوجه عبده في صالته ما لم يلتفت» [رواه الترمذي]‪.‬‬
‫وااللتفات المنهي عنه في الصالة قسمان‪ :‬التفات القلب عن هللا تعالى إلى غيره‪ ،‬والتفات البصر وكالهما منهي عنه‪ ،‬وال‬
‫يزال هللا مقبًال على عبده ما دام العبد مقبًال على صالته‪ ،‬فإذا التفت بقلبه أو بصره أعرض هللا عنه‪.‬‬
‫وقد ُسئل النبي ﷺ عن االلتفات في الصالة فقال‪« :‬هو اختالس يختلسه الشيطان من صالة العبد» [متفق عليه]‪ ،‬وفي‬
‫رواية‪« :‬إّياك وااللتفات في الصالة فإنها هلكة» [رواه الترمذي]‪.‬‬
‫إن الرجل منا إذا أراد أن يقابل ملًك ا أو رئيًس ا تجّمل لمقابلته وأقبل عليه بكليته وسمعه وبصره‪ ،‬وإن المصلي يقف أمام هللا‬
‫ملك الملوك يناجيه بكالمه وهو يراه ويسمعه ويعلم سّر ه وعالنيته فليراقبه بالخشوع والخضوع والمحبة والخوف والرجاء‬
‫والرغبة والرهبة‪.‬‬
‫إن الصالة بقيامها وركوعها وسجودها وأذكارها وجميع حركاتها عبادة هلل تعني االنقياد الكامل والطاعة التامة واالستسالم‬
‫هلل رب العالمين بامتثال أوامره واجتناب نواهيه مدى الحياة وفي جميع األزمنة واألمكنة‪.‬‬
‫مراتب الخشوع‬
‫وقال اإلمام ابن القّيم ‪-‬رحمه هللا‪ -‬في كتابه (الوابل الصيب من الكلم الطيب)‪ :‬والناس في الصالة على مراتب خمسة‪:‬‬
‫إحداها‪ :‬مرتبة الظالم لنفسه المفرط وهو الذي انتقص من وضوئها ومواقيتها وحدودها وأركانها‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬من يحافظ على مواقيتها وحدودها وأركانها الظاهرة ووضوئها لكن قد ضَّيع مجاهدة نفسه بالوسوسة فذهب مع‬
‫الوساوس واألفكار‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬من حافظ على حدودها وأركانها وجاهد نفسه في دفع الوساوس واألفكار فهو مشغول في مجاهدة عدوه لئال يسرق‬
‫من صالته فهو في صالة وجهاد‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬من إذا قام إلى الصالة أكمل حقوقها وأركانها وحدودها واستغرق قلبه مراعاة حدودها لئال يضيع منها شيء بل‬
‫هّمه كله مصروف إلى إقامتها كما ينبغي‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬من إذا قام إلى الصالة قام إليها كذلك ولكن مع هذا قد أخذ قلبه ووضعه بين يدي ربه سبحانه وتعالى ناظًر ا بقلبه‬
‫إليه مراقًبا له ممتلًئ ا من محبته وتعظيمه كأنه يراه ويشاهده فهذا بينه وبين غيره في الصالة أفضل وأعظم مما بين السماء‬
‫واألرض‪.‬‬
‫فالقسم األول‪ :‬معاقب‪ ،‬والثاني‪ :‬محاسب‪ ،‬والثالث‪ُ :‬م َّك فر عنه‪ .‬والرابع‪ :‬مثاب‪ .‬والخامس‪ :‬مقَّر ب من ربه ألن له نصبًيا‬
‫ممن جعلت قرة عينه في الصالة فاستراح بها كما كان رسول هللا ﷺ يقول‪« :‬أرحنا يا بالل بالصالة» [زاد‬
‫المعاد]‪ ،‬ويقول‪« :‬جعلت قرة عيني في الصالة» [الجامع الصغير]‪ ،‬ومن قَّر ت عينه باهلل قَّر ت به كل عين‪ ،‬ومن لم تقر‬
‫عينه باهلل تقطعت نفسه على الدنيا حسرات‪ .‬وإنما يقوى العبد على حضوره في الصالة واشتغاله فيها بربه إذا قهر شهوته‬
‫وهواه‪ ،‬وإال فقلب قد قهرته الشهوة وأسره الهوى ووجد الشيطان فيه مقعًد ا تمكن فيه كيف يخلص من الوساوس واألفكار‬
‫انتهى‪.‬‬
‫من أسباب قبول الصالة‬
‫وقال بعض العلماء‪ :‬يحتاج المصلي إلى أربع خصال حتى ترفع صالته‪« :‬حضور قلب‪ ،‬وشهود عقل‪ ،‬وخضوع أركان‪،‬‬
‫وخشوع الجوارح»‪ .‬فمن صلى بال حضور قلب فهو مصٍل الٍه‪ ،‬ومن صلى بال شهود عقل‪ ،‬فهو مصٍل ساٍه‪ ،‬ومن صلى‬
‫بال خضوع األركان فهو مصٍل جاٍف ‪ ،‬ومن صلى بال خشوع الجوارح‪ ،‬فهو مصٍل خاطئ‪ ،‬ومن صلى بهذه األركان فهو‬
‫مصٍل واٍف‪.‬‬
‫وقال ﷺ لمن طلب منه موعظة وجيزة‪« :‬صل صالة مودع» أي‪ :‬إذا صليت فأكمل صالتك كأنها آخر صالة‬
‫تصليها في حياتك‪.‬‬
‫الخشوع وذكر هللا‬
‫والخشوع في الصالة حالة تخضع وتطمئن فيها الجوارح بأعمال الصالة وترافقها أذكار صادرة عن ذهن حاضر متدبر‬
‫وتواكبها خواطر تقوم بالفؤاد منفعلة بمهابة هللا وإجالله ومشاعر متجهة إليه في القنوت واإلخبات‪ .‬وال تتم صالة بغير‬
‫خشوع مهما كانت ملتزمة بالمظهر المسنون أو انضبطت فيها الحركات اآللية أو تم كالم اللسان‪.‬‬
‫والخشوع حالة ال تتيسر إال لمن تعهد نفسه بالتزكية ورطب لسانه بذكر هللا في كل حين وأالن فؤاده باستشعار هيبة ربه‬
‫حتى تفَّج رت في نفسه ينابيع اإليمان وعرف طمأنينة اليقين فصار يحسن العبادة كأنه يرى هللا }َأَلْم َي ْأِن ِلَّلِذيَن َآَم ُنوا َأْن‬
‫َت ْخ َش َع ُقُلوُبُهْم ِلِذ ْك ِر ِهَّللا َو َم ا َنَز َل ِمَن اْلَح ِّق { [الحديد‪ ،]16 :‬وقد فسر النبي ﷺ «اإلحسان بأن تعبد هللا كأنك تراه فإن‬
‫لم تكن تراه فإنه يراك»‪.‬‬
‫الخشوع وحضور القلب‬
‫والخشوع تكامل بين معان مختلفة من التوجه إلى هللا ومن التجّر د له عما سواه واستشعار جالل هللا وعظمته والتذلل له‬
‫والخضوع واالستكانة بين يديه وال بد من استحضار هذا الشعور الكامل لدى كل قول أو عمل من إجراءات الصالة‬
‫فالخشوع قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع والذل‪.‬‬
‫وأجمع العارفون على أن الخشوع محله القلب وثمرته على الجوارح فالخاشعون هم الخاضعون هلل والخائفون منه‪ ،‬وفسَّر‬
‫الخشوع في الصالة بأنه جمع الهمة لها واإلعراض عما سواها وهذا الخشوع وسيلة لتنمية ملكة حصر الذهن التي لها‬
‫أكبر األثر في نجاح اإلنسان في هذه الحياة‪ ،‬وقد عَّلق فالح المصلين بالخشوع في صالتهم فدل على أن من لم يخشع في‬
‫صالته فليس من أهل الفالح‪ .‬ومما يبطل الصالة الكالم العمد والضحك واألكل والشرب وكشف العورة واالنحراف عن‬
‫جهة القبلة والعبث الكثير وحدوث النجاسة‪ .‬ومما يعصم من الشيطان التعّو ذ باهلل منه ومخالفته والعزم على عصيانه وكثرة‬
‫ذكر هللا تعالى‪ .‬قال ﷺ‪« :‬رأيت رجًال من ُأمتي قد احتوشته الشياطين فجاء ذكر هللا فطرد الشيطان عنه» [الوابل‬
‫الصيب]‪.‬‬
‫أخي المسلم‪ :‬حافظ على صلواتك الخمس بشروطها وأركانها وواجباتها وخشوعها وُسننها ومكمالتها حتى يحفظك هللا بها‪.‬‬
‫وقد شَّبهها رسول هللا ﷺ في محوها للخطايا بالنهر الجاري الذي يغتسل منه العبد كل يوم خمس مرات ‪ ،‬فيذهب ما‬
‫فيه من األوساخ ‪ ،‬واألدران ‪ ،‬قال‪« :‬فكذلك الصلوات الخمس يمحو هللا بهن الخطايا» [متفق عليه]‪.‬‬
‫وقال تعالى‪َ} :‬و اَّلِذيَن ُه ْم َع َلى َص اَل ِتِه ْم ُي َح اِفُظ وَن * ُأوَلِئَك ِفي َج َّن اٍت ُم ْك َر ُموَن { [المعارج‪.]35 ،34 :‬‬
‫اللهم اجعلنا وجميع المسلمين من المحافظين على الصلوات‪ ،‬المكرمين بنعيم الجنات‪ .‬وصلى هللا على محمد وعلى آله‬
‫وصحبه وسلم تسليًما كثيًر ا‪.‬‬
‫***‬
‫األسباب المعينة على الخشوع‬
‫في الصالة‬
‫الحمد هلل الذي جعل الصالة عمود الدين وقال تعالى‪َ} :‬و ِإَّن َه ا َلَك ِبيَر ٌة ِإاَّل َع َلى اْلَخ اِش ِعيَن * اَّلِذيَن َي ُظ ُّن وَن َأَّن ُهْم ُم اَل ُقو َر ِّب ِه ْم‬
‫َو َأَّن ُهْم ِإَلْيِه َر اِجُعوَن { [البقرة‪ ، ]46 ،45 :‬والصالة والسالم على نبينا محمد الذي كان آخر وصيته ُألمته عند خروجه من‬
‫الدنيا الحث على الصالة لما لها من األهمية في الدين وعلى آله وصحابته أفضل الصالة وأزكى التسليم‪.‬‬
‫الخشوع ‪ -‬أهميته وأثره‬
‫إن الظواهر التي تظهر على الكثير من قسوة القلب وقحط العين وانعدام التدبر‪ ،‬هي بسبب المادة التي طغت على قلوبنا‬
‫فأصبحت تشاركنا في عبادتنا‪ ،‬وال يمكن للقلوب أن ترجع لحالتها الصحيحة حتى تتطهر من كل ما علق بها من أدران‪.‬‬
‫فهذا هو أمير المؤمنين عثمان بن عفان يضع يده على الداء لهذه الظاهرة فيقول‪« :‬لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كالم هللا‬
‫عز وجَّل» [الزهد ألحمد]‪.‬‬
‫والخشوع الحق يطلق عليه اإلمام ابن القيم (خشوع اإليمان) وُيعرفه بأنه (خشوع القلب هلل بالتعظيم واإلجالل والوقار‬
‫والمهابة والحياء‪ ،‬فينكسر القلب هلل كسرة ممتلئة من الوجل والخجل والحب والحياء‪ ،‬وشهود نعم هللا‪ ،‬وجناياته هو فيخشع‬
‫القلب ال محالة فيتبعه خشوع الجوارح) [الروح البن القيم]‪.‬‬
‫ومما يدل على أهمية الخشوع كونه السبب األهم لقبول الصالة التي هي أعظم أركان الدين بعد الشهادتين‪ ،‬وفي الُسنن عن‬
‫النبي ﷺ أنه قال‪« :‬إن العبد لينصرف من صالته‪ ،‬ولم يكتب له منها إال نصفها‪ ،‬إال ثلثها‪ ،‬إال ربعها‪ ،‬إال خمسها‪ ،‬إال‬
‫سدسها‪ ،‬إال سبعها‪ ،‬إال ثمنها‪ ،‬إال تسعها‪ ،‬إال عشرها»‪.‬‬
‫كما أن الخشوع ُيسهل فعل الصالة وُيحببها إلى النفس‪ ،‬قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه هللا في تفسير‬
‫قوله تعالى‪َ} :‬و ِإَّن َه ا َلَك ِبيَر ٌة ِإاَّل َع َلى اْلَخ اِش ِعيَن { أي فإنها سهلة عليهم خفيفة؛ ألن الخشوع وخشية هللا ورجاء ما عنده يوجب‬
‫له فعلها منشرًح ا بها صدره‪ ،‬لترُقبه للثواب وخشيته من العقاب‪ .‬كما أن الخشوع هو العلم الحقيقي‪.‬‬
‫قال ابن رجب رحمه هللا في شرح حديث أبي الدرداء في فضل العلم؛ ُر وي عن عبادة بن الصامت وعوف بن مالك‬
‫وحذيفة رضي هللا عنهم أنهم قالوا‪( :‬أول علم ُيرفع من الناس الخشوع حتى ال ترى خاشًع ا)‪.‬‬
‫وساق أحاديث ُأخرى في هذا المعنى ثم قال‪ :‬ففي هذه األحاديث أن ذهاب العلم بذهاب العمل وأن الصحابة رضي هللا‬
‫عنهم فَّس روا ذلك بذهاب العلم الباطن من القلوب وهو الخشوع‪ .‬وقد ساق ُمحقق الكتاب لألثر السابق عدة ُط رق وقال‪ :‬إنه‬
‫يتقوى بها‪.‬‬
‫فالصالة إًذ ا صلة بين العبد وربه‪ ،‬ينقطع فيها اإلنسان عن شواغل الحياة‪ ،‬ويتجه بكيانه كله إلى ربه‪ ،‬يستمد منه الهداية‬
‫والعون والتسديد‪ ،‬ويسأله الثبات على الصراط المستقيم‪ .‬ولكن الناس يختلفون في هذه الصلة‪ ،‬فمنهم من تزيده صالته‬
‫إقباًال على هللا ومنهم من ال تؤثر فيه صالته إلى ذلك الحد الملموس‪ ،‬بل هو يؤديها بحركات وقراءة وذكر وتسبيح ولكن‬
‫من غير شعور كامل لما يفعل وال استحضار لما يقول‪ :‬والصالة التي يريدها اإلسالم ليست مجرد أقوال يلوكها اللسان‬
‫وحركات تؤديها الجوارح بال تدبر من عقل وال خشوع من قلب‪.‬‬
‫ففي ُسنن الترمذي عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ ،‬قال رسول هللا ﷺ ‪« :‬إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة‬
‫من عمله الصالة‪ ،‬فإن صلحت فقد أفلح وأنجح‪ ،‬وإن فسدت فقد خاب وخسر فإن انتقص من فريضته شيًئ ا قال الرب عّز‬
‫وجَّل‪ :‬انظروا هل لعبدي من تطوع! فيكمل بها ما انتقص من الفريضة ثم تكون سائر أعماله على هذا»‪.‬‬
‫ولما يعانيه كثير من الناس من قلة خشوع في الصالة‪ ،‬فقد رأينا أن نلتمس بعض األسباب التي تعيدنا إلى الصالة الحقيقية‬
‫التي توثق صلتنا بربنا عَّز وجَّل وهي صالة القلب والجوارح وتذللها هلل تبارك وتعالى‪ .‬وقد امتدح هللا عَّز وجَّل أهل هذه‬
‫الصفة من المؤمنين حيث قال تعالى‪َ} :‬قْد َأْفَلَح اْلُمْؤ ِم ُن وَن * اَّلِذيَن ُه ْم ِفي َص اَل ِتِه ْم َخ اِش ُعوَن { [المؤمنون‪ .]2 ،1 :‬ولعلنا‬
‫بعدما نقرأ قوله سبحانه‪ِ} :‬إَّن الَّص اَل َة َت ْن َه ى َع ِن اْلَفْح َش اِء َو اْلُم ْن َك ِر { [العنكبوت‪ ،]45 :‬نسأل أنفسنا ما بال الكثيرين منا‬
‫يخرجون من صالتهم ثم يأتون بأفعال وأمور منكرة شتان بينها وبين ما تتركه صالة الخاشعين األوابين من أثر على‬
‫أصحابها الذين يخرج الواحد منهم من صالته وهو ُيِحُّس بأن كل صالٍة تغسل ما في قلبه من أدران الدنيا وتقِّر به إلى هللا‬
‫عَّز وجَّل‪.‬‬
‫أسباب الخشوع‬
‫إًذ ا فال بد من أسباب لقلة الخشوع وال ريب أن هناك خلًال ونقًص ا في أدائنا للصالة‪ ،‬ولعلنا في هذه العجالة نستعرض‬
‫بعض األسباب المعينة ‪-‬بإذن هللا‪ -‬على الخشوع في الصالة وهي‪:‬‬
‫اإليمان الصادق واالعتقاد الجازم‬
‫اإليمان الصادق واالعتقاد الجازم بما يترتب على الخشوع من فضل عظيم في الدنيا واآلخرة‪ ،‬في اإلحساس بالسكون‬
‫والطمأنينة وراحة ال مثيل لها وطيب نفس يفوق الوصف‪.‬‬
‫قال تعالى‪َ} :‬قْد َأْفَلَح اْلُمْؤ ِم ُن وَن * اَّلِذيَن ُه ْم ِفي َص اَل ِتِه ْم َخ اِش ُعوَن { [المؤمنون‪ ،]2 ،1 :‬وروى مسلم عن عثمان بن عفان ‪t‬‬
‫قال‪ :‬سمعت رسول هللا ﷺ‪ ،‬يقول‪« :‬ما من امرئ مسلم تحضره صالة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها‬
‫إال كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة‪ ،‬وذلك الدهر كله»‪ ،‬واآليات واألحاديث الدالة على فضل الخشوع‬
‫كثيرة‪.‬‬

‫اإلكثار من القراءة والذكر‬


‫اإلكثار من قراءة القرآن والذكر واالستغفار وعدم اإلكثار من الكالم بغير ذكر هللا كما في الحديث‪« :‬ال تكثروا الكالم‬
‫بغير ذكر هللا‪ :‬فإن كثرة الكالم بغير ذكر تعالى قسوة للقلب! وإن أبعد الناس من هللا القلب القاسي» [رواه الترمذي]‪.‬‬
‫فقراءة القرآن وتدبره من أعظم أسباب لين القلوب‪ ،‬قال تعالى‪ُ} :‬هَّللا َن َّز َل َأْح َس َن اْلَح ِديِث ِك َت اًبا ُم َتَش اِبًها َم َث اِنَي َت ْق َش ِعُّر ِم ُه‬
‫ْن‬
‫ُج ُلوُد اَّلِذيَن َي ْخ َش ْو َن َر َّبُهْم ُث َّم َت ِليُن ُج ُلوُد ُه ْم َو ُقُلوُبُهْم ِإَلى ِذ ْك ِر ِهَّللا{ [الزمر‪.]23 :‬‬
‫فالقراءة والذكر حصن من الشيطان ووساوسه وهي سبب الطمئنان القلوب الذي يفقده الكثير من الناس‪ ،‬قال تعالى‪} :‬اَّلِذيَن‬
‫َآَم ُنوا َو َت ْط َمِئُّن ُقُلوُبُهْم ِبِذ ْك ِر ِهَّللا َأاَل ِبِذ ْك ِر ِهَّللا َت ْط َمِئُّن اْلُقُلوُب { [الرعد‪ ،]28 :‬كما أن اإلكثار من ذكر هللا عَّز وجَّل سبب‬
‫للفالح‪ ،‬قال تعالى‪َ} :‬و اْذ ُك ُروا َهَّللا َك ِثيًر ا َلَع َّلُك ْم ُتْف ِلُحوَن { [الجمعة‪.]10 :‬‬
‫وليس المقام لبيان فضل الذكر ولكن أردنا التنويه إلى أنه سبب من أسباب الخشوع‪ ،‬ومن يرد معرفة ذلك ‪-‬فضل الذكر‪-‬‬
‫فعليه الرجوع إلى كتاب هللا واألذكار التي ثبتت عن النبي ﷺ‪ ،‬ومع هذا أيًض ا الحرص على مجاهدة الشيطان وذلك‬
‫بأن يعقد العزم على مجاهدته من قبل القيام إلى الصالة وإن دخل عليه في أول صالته فال يستسلم له في وسطها أو آخرها‬
‫بل ينبغي أن يجاهد الشيطان حتى اللحظة األخيرة من الصالة فالشيطان يسعى إلى تشتيت الذهن حتى ال يعقل المصلي‬
‫شيًئ ا من صالته‪ ،‬وروى مسلم عن عثمان بن أبي العاص ‪ t‬أنه قال‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬إن الشيطان حال بيني وبين صالتي‬
‫وبين قراءتي يلبسها علَّي ‪ ،‬فقال رسول هللا ﷺ ‪« :‬ذاك شيطان يقال له خنزب‪ ،‬فإذا أحسسته فتعَّو ذ باهلل منه واتفل عن‬
‫يسارك ثالًث ا» ويقول راوي الحديث‪ :‬ففعلت ذلك فأذهبه هللا عز وجل عني‪ .‬إًَذ ا فينبغي أن ُيشِّمر المصلي في المجاهدة وال‬
‫ينقطع بأن ُيشّم ر عن ساعد الجد‪ ،‬فإذا لم يخشع في هذه الصالة فيعقد العزم على الخشوع في األخرى‪ ،‬وإن قل خشوعه‬
‫في هذه‪ ،‬فليحرص على كمال الخشوع في التي تليها وهكذا‪ ،‬وال يتضجر من طول المجاهدة‪ .‬ويسأل هللا سبحانه وتعالى‬
‫أن ُيعينه على ذلك‪.‬‬

‫دوام المحاسبة والمراقبة‬


‫دوام محاسبة النفس ولومها على ما ال ينبغي من االعتقاد والقول والفعل‪ ،‬قال تعالى‪َ} :‬ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن َآَم ُن وا اَّتُقوا َهَّللا َو ْلَت ْن ُظ ْر‬
‫َن ْف ٌس َم ا َقَّد َم ْت ِلَغٍد َو اَّتُقوا َهَّللا ِإَّن َهَّللا َخ ِبيٌر ِبَم ا َت ْع َم ُلوَن { [الحشر‪.]18 :‬‬
‫وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ‪ t‬يقول‪« :‬حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا‪ ،‬وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا‪ ،‬وتزّينوا‬
‫للعرض األكبر»‪.‬‬
‫وأيًضا الُبعد عن المعاصي بصرف النظر عَّم ا يحرم النظر إليه‪ ،‬وكذا حفظ اللسان والسمع وسائر الجوارح وإشغالها بما‬
‫يخصها من عبودية‪ ،‬وصرفها بالنظر في كتاب هللا والكتب العلمية المفيدة وما يباح النظر إليه والتفُّك ر في مخلوقاته‬
‫سبحانه وتعالى واالستماع إلى الطيب من القول والتحدث في المفيد‪ ،‬فال شك أن الذنوب تقيد المرء وتحجزه عن أداء‬
‫العبادات على الوجه المطلوب‪ ،‬فكل إنسان يعرف ما هو واقع فيه من الذنوب وعليه أن يسعى في إصالح حاله واإلصالح‬
‫متعلق بمحاسبة النفس حيث إن المرء إذا حاسب نفسه بحث عما يصلحها‪.‬‬
‫تدبر القرآن واألذكار‪:‬‬
‫تدبر وتفهم ما يقال في الصالة وعدم صرف النظر فيما سوى موضع السجود مستشعًر ا بذلك رهبة الموقف‪.‬‬

‫يقول اإلمام ابن القيم في الفوائد‪« :‬للعبد بين يدي هللا موقفان‪ :‬موقف بين يديه في الصالة‪ ،‬وموقف بين يديه يوم لقائه‪ ،‬فمن قام بحق‬
‫الموقف األول هون عليه الموقف اآلخر‪ ،‬ومن استهان بهذا الموقف ولم يوفه حقه شدد عليه ذلك الموقف»‪ .‬قال تعالى‪َ} :‬و ِمَن الَّلْي ِل‬
‫َف اْس ُج ْد َلُه َو َس ِّبْح ُه َلْي اًل َط ِو ياًل * ِإَّن َه ُؤ اَل ِء ُيِحُّبوَن اْلَع اِج َلَة َو َي َذ ُروَن َو َر اَء ُه ْم َي ْو ًما َث ِقياًل { [اإلنسان‪ ]27-26 :‬فالبد من إعطاء هذا‬
‫الموقف حقه من خضوع وخشوع وانكسار إجالًال هلل عز وجل واستشعاًر ا بأن هذه الصالة هي الصالة األخيرة في الدنيا‪ ،‬فلو استقر‬
‫هذا الشعور في نفس المصلي لصلى صالة خاشعة‪.‬‬

‫روى اإلمام أحمد عن أبي أيوب األنصاري ‪ t‬قال‪ :‬جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال‪ :‬يا رسول هللا عظني وأوجز‪ ،‬فقال عليه الصالة‬
‫والسالم‪« :‬إذا قمت في صالتك فصل صالة مودع وال تكلم بكالم تعتذر منه غًد ا واجمع اليأس مما في أيدي الناس»‪.‬‬

‫وأيًض ا هناك أسباب أخرى للخشوع نذكر منها‪:‬‬

‫الهمة وحضور القلب‪:‬‬

‫فإنه متى أهمك أمر حضر قلبك ضرورة‪ ،‬فال عالج إلحضاره إال صرف الهمة إلى الصالة‪ ،‬وانصراف الهمة يقوى ويضعف بحسب‬
‫قوة اإليمان باآلخرة واحتقار الدنيا‪.‬‬

‫التلذذ بالصالة‪:‬‬

‫اللذة التي يجدها العباد في صالتهم هي التي عبر عنها ابن تيمية ‪-‬رحمه هللا‪ -‬بقوله‪« :‬إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة‬
‫اآلخرة»‪ ،‬وال نظن أن مسلًم ا وجد هذه اللذة وذاق طعمها يفرط فيها ويتساهل في طلبها‪ .‬وهذه اللذة كما قال ابن القيم ‪-‬رحمه هللا‪-‬‬
‫تقوى بقوة المحبة وتضعف بضعفها‪ ،‬لذا ينبغي للمسلم أن يسعى في الطرق الموصلة إلى محبة هللا‪.‬‬

‫التبكير إلى الصالة‪:‬‬

‫وذلك بأن يهيئ القلب للوقوف أمام هللا عز وجل‪ ،‬فينبغي للمسلم أن يأتي إلى الصالة مبكًر ا ويقرأ ما تيسر من القرآن بتدبر وخشوع‬
‫فذلك أدعى للخشوع في الصالة‪ ،‬ويقول عليه الصالة والسالم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة ‪« :t‬لو يعلم‬
‫الناس ما في النداء والصف األول‪ ،‬ثم لم يجدوا إال أن يستهموا عليه الستهموا عليه‪ ،‬ولو يعلمون ما في التهجير الستبقوا إليه‪»..‬‬
‫[الحديث]‪.‬‬

‫وفرق بين شخص جاء إلى الصالة من مجلس كله لغو وحديث في الدنيا‪ ،‬وبين شخص قام إلى الصالة وقد هيأ قلبه للوقوف أمام هللا‬
‫لما قرأه من كالم هللا عز وجل‪ ،‬فال شك أن حال الثاني مع هللا أفضل من األول بكثير‪.‬‬

‫الحياء من هللا‪:‬‬

‫أن يستحيي العبد من هللا من أن يتقرب إليه عز وجل بصالة جوفاء خالية من الخشوع والخوف‪ ،‬فالشعور باالستحياء من هللا يدفع‬
‫المسلم إلى إتقان العبادة والتقرب إلى هللا بصالة خاشعة فيها معاني الخوف والرهبة‪.‬‬

‫النظر لحال السلف‪:‬‬


‫أن يدرك المسلم حال الصحابة والسلف في الصالة‪ :‬فقد ذكر ابن تيمية ‪-‬رحمه هللا‪ -‬أن مسلم بن يسار كان يصلي في المسجد فانهدم‬
‫طائفة منه وقام الناس‪ ،‬وهو في الصالة لم يشعر‪.‬‬

‫وكان عبد هللا بن الزبير ‪ t‬يسجد‪ ،‬فأتى المنجنيق فأخذ طائفة من ثوبه‪ ،‬وهو في الصالة ال يرفع رأسه‪.‬‬

‫وقالوا لعامر بن عبد القيس‪ :‬أتحدث نفسك بشيء في الصالة؟ فقال‪ :‬أو شيء أحب إلي من الصالة أحدث به نفسي؟ قالوا‪ :‬إنا لنحدث‬
‫أنفسنا في الصالة‪ ،‬فقال‪ :‬أبالجنة والحور ونحو ذلك؟ فقالوا‪ :‬ال‪ ،‬ولكن بأهلينا وأموالنا‪ ،‬فقال‪ :‬ألن تختلف األسنة (الرماح) في أحب إلي‬
‫(من أن أحدث نفسي بذلك) وأمثال هذا متعدد‪.‬‬

‫تلك بعض األسباب المعينة ‪-‬بإذن هللا‪ -‬على الخشوع في الصالة‪ ،‬وهللا نسأل أن يعيننا على طاعته ‪-‬عز وجل‪ -‬على الوجه الذي‬
‫يرضيه عنا‪.‬‬

‫(سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسالم على المرسلين والحمد هلل رب العالمين)‪.‬‬

You might also like