You are on page 1of 7

‫وحدة البحث القانون االقتصادي الجزائري و اقتصاد السوق‬

‫ندوة علمية حول‬


‫بعد ‪ 3‬سنوات من التعديل الدستوري لسنة ‪ 2016‬ما مدى تفعيل دسترة الحقوق االقتصادية و‬
‫االجتماعية ‪ ،‬المادتين ‪ 43‬و ‪ 44‬من الدستور كنموذج ‪.‬‬
‫يوم ‪_18‬مارس ‪2019‬‬
‫الحق في المنافسة في القانون الجزائري في ظل أحكام المادة ‪ 43‬من التعديل الدستوري ‪2016‬‬
‫من إعداد الطالبة عطوي مريم‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫بدأت اإلصالحات االقتصادية في الجزائر في نهاية الثمانينيات في ظل األزمة االقتصادية التي‬


‫عرفتها وحتمت عليها اللجوء إلى صندوق النقد الدولي‪ ،‬الذي بدوره فرض عليها إلتزامات من أهمها‬
‫السعي إلى انتهاج اقتصاد السوق‪ ،‬وفي ظل هاته اإلصالحات تجسدت أولى خطوات االعتراف بحرية‬
‫المنافسة في القانون الجزائري بصدور قانون ‪ 1989‬المتعلق بتنظيم األسعار الذي تضمن تحرير‬
‫األسعار وضمان حرية المنافسة ألول مرة‪.‬‬

‫ويعتبر األمر ‪ 06-95‬المتعلق بالمنافسة‪ ،‬من النصوص الرسمية التي اعترفت ضمنيا بمبدأ حرية‬
‫التجارة والصناعة قبل تكريسها صراحة بالمادة ‪ 37‬من دستور ‪ .1996‬وقد نص هذا األمر صراحة على‬
‫مبدأ حرية المنافسة‪ ،‬حيث أخضع تحديد األسعار لقانون العرض والطلب أي لقواعد السوق‪ ،‬استنادا‬
‫لقواعد المنافسة الحرة‪.‬‬

‫كما يمثل تكريس مبدأ حرية التجارة والصناعة بموجب المادة ‪ 37‬من دستور ‪ 1996‬تأسيسا‬
‫ضمنيا لمبدأ حرية المنافسة باعتباره مبدأ ال ينفصل عن مبدأ حرية التجارة والصناعة‪ .‬لكن التعديل‬
‫الدستوري ‪ 2016‬تضمن أحكاما مختلفة وتعديالت فيما يخص توسيع مجال الحرية على مستوى النشاط‬
‫االقتصادي كما أنه فرض حدود ممارسة هاته الحرية ‪.‬‬

‫فهل تمثل أحكام المادة ‪ 43‬من التعديل الدستوري ‪ 2016‬تفعيال للضمان الدستوري لمبدأ حرية‬
‫المنافسة؟‬

‫واجابة عن هذه اإلشكالية تضمنت المداخلة عنصرين‪:‬‬

‫أوال‪ :‬تكريس الحق في المنافسة في القانون الجزائري‬

‫ثانيا‪ :‬حدود ممارسة الحق في المنافسة‬

‫أوال‪ :‬تكريس الحق في المنافسة في القانون الجزائري‬

‫تجسد تكريس الحق في المنافسة في القانون الجزائري على مرحلتين‪ ،‬مرحلة تكريس تشريعي وأخرى‬
‫دستوري‪.‬‬

‫‪ -1‬التكريس التشريعي للحق في المنافسة‬


‫ويعتبر األمر ‪ 06-95‬المتعلق بالمنافسة‪ ،‬من النصوص الرسمية التي اعترفت ضمنيا‬
‫بمبدأ حرية التجارة والصناعة قبل تكريسها صراحة بالمادة ‪ 37‬من دستور ‪ .1996‬وقد نص هذا األمر‬
‫صراحة على مبدأ حرية المنافسة‪ ،‬حيث أخضع تحديد األسعار لقانون العرض والطلب أي لقواعد السوق‪،‬‬
‫استنادا لقواعد المنافسة الحرة‪ .1‬فقد تضمن مبادئ معينة تجعل منه قانونا للمنافسة الحرة منها تشجيع‬
‫المنافسة وحمايتها وكذا حماية األعوان االقتصاديين والمستهلكين‪ ،‬وأنشأ مجلس المنافسة لضمان التطبيق‬
‫السليم للقواعد التي تتعلق بحماية المنافسة‪ ،‬بما يضمن التطبيق السليم للقواعد التي تتعلق بحماية المنافسة‪.‬‬

‫‪ -2‬التكريس الدستوري للحق في المنافسة‬


‫أول نص دستوري تضمن حقوق اقتصادية هو نص المادة ‪ 37‬من دستور‪ 1996‬التي نصت‬
‫صراحة على مبدأ حرية التجارة والصناعة‪ ،‬باعتباره مبدأ مكرس دستوريا يمارس في إطار القانون‪.‬‬
‫ويعد مبدأ حرية التجارة والصناعة أساسا قانونيا لحرية المنافسة فهو يمنح حرية واسعة لألشخاص‬
‫‪2‬‬
‫لممارسة أي نشاط يرونه محققا لمصالحهم‪ .‬وهو مبدأ حرية المبادرة‪.‬‬
‫ولذلك فإن االعتراف الدستوري بمبدأ حرية التجارة والصناعة يقتضي االعتراف بحرية‬
‫المنافسة ولو ضمنيا‪ ،‬فحرية المنافسة مسألة مالزمة للتجارة والصناعة‪ .3‬فال يتحقق االعتراف بحرية‬
‫النشاط التجاري والصناعي مالم يتضمن حق القيام بهذا النشاط في نظام تسوده المزاحمة والتنافس أي‬
‫حرية المنافسة‪.‬‬

‫وإذا كانت القيمة الدستورية لحرية المنافسة تستمد في نص المادة ‪ 37‬من كونها مالزمة لحرية‬
‫المبادرة الخاصة التي ضمنها وكرسها دستور ‪ 1996‬وكذا الفقرة األولى من المادة ‪ 43‬من دستور ‪،2016‬‬
‫أي أن الحق في المنافسة مكرس ضمنيا بتكريس مبدأ حرية التجارة واالستثمار‪ ،‬فإن ما يالحظ من أحكام‬
‫المادة ‪ 43‬في باقي فقراتها هو اإلشارة الضمنية لمبدأ حرية المنافسة كما سيتم توضيحه‪:‬‬

‫‪ -1‬أوال عبارة " تكفل الدولة ضبط السوق"‪ ،‬هي إشارة صريحة لوجود المنافسة الحرة فالحديث عن‬
‫ضبط السوق ال يكون إال في سوق يقوم على المنافسة الحرة يتنافس فيه األعوان االقتصاديون‬
‫دون قيد‪ ،‬مما يستوجب ضبط السوق لحماية المنافسة‪.‬‬
‫‪ -2‬عبارة " تعمل الدولة على تحسين مناخ األعمال‪ ،‬وتشجع على ازدهار المؤسسات دون تمييز‬
‫خدمة للتنمية االقتصادية " إشارة المؤسس إلى التزام الدولة المساواة بين المؤسسات دون تمييز‪.‬‬
‫أي أن تمتن ع الدولة عن تقييد المنافسة وتفضيل متنافس عن اآلخر وفقا لمبدأ المساواة‪ .‬وأن يمارس‬
‫كل متنافس دوره دون عوائق أو حواجز وهذا ما تفترضه المنافسة الحرة‪.‬‬
‫‪ -3‬عبارة " يمنع القانون االحتكار" النص على منع االحتكار‪ ،‬وهو ممارسة مخالفة للمنافسة الحرة‪،‬‬
‫منع االحتكار إشارة صريحة من المشرع لضمان حرية المنافسة‪ .‬فحرية المنافسة تقوم على‬

‫‪ 1‬بوقطوف بهجت‪ ،‬مبدأ حرية األسعار في القانون الجزائري‪ ،‬مذكرة ماجستير‪ ،‬جامعة الجزائر‪ 1‬بن يوسف بن خدة‪ ،‬الجزائر‪،2013-2012 ،‬‬
‫ص‪.32.‬‬
‫‪ 2‬محمد الشريف كتو‪ ،‬الممارسات المنافية للمنافسة في القانون الجزائري‪ ،‬دراسة مقارنة بالقانون الفرنسي‪ ،‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو‪،‬‬
‫أطروحة دكتوراه‪ ،2005-2004 ،‬ص‪.33.‬‬
‫‪ 3‬تعتبر حرية المنافسة قيمة حقوقية رديفة لحرية المبادرة الخاصة التي تضمن أغلب الدساتير الحالية ومن بينها الجزائري حق ممارستها‪ ،‬على‬
‫أساس أن حق األشخاص في مزاولة نشاطهم كفاعلين اقتصاديين ال يتأتى إال اذا كان مؤطرا بضمانات قانونية ناجعة قوية‪ ،‬يقع على رأسها القانون‬
‫األساسي للدولة أي الدستور‪ ،‬يقصد هنا دستور ‪ .1996‬محمد تيورسي‪ ،‬الضوابط القانونية للحرية التنافسية في الجزائر‪ ،‬دار هومة‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪ ،2013‬ص‪.121.‬‬
‫أساس التعددية في المتعاملين االقتصاديين‪ ، 4‬وهي كما عرفها أستاذ تيورسي " المنافسة تعني‬
‫تعدد القائمين والممارسين للنشاط االقتصادي‪ ،‬فحرية المنافسة تعني العمل في سوق يتعدد فيه‬
‫الممارسون االقتصاديون لنفس النشاط وأن يستمروا في هذه المنافسة دون قيود"‪ 5‬فاذا كان التعدد‬
‫هو المنافسة‪ ،‬واالحتكار ممنوع بموجب نص دستوري‪ ،‬فإن حرية المنافسة مكرسة بموجب هذا‬
‫النص‪.‬‬
‫وهذه الفقرة التي تمنع االحتكار دون تحديد لصورة معينة لالحتكار في إطار هذا المنع‪،‬‬
‫يعاب عليها أنها تتعارض مع أحكام قانون المنافسة التي التمنع إال التعسف في االحتكار بموجب نص‬
‫المادة ‪ 7‬من األمر ‪ " 03-03‬يحظر كل تعسف ناتج عن وضعية هيمنة على السوق أو احتكار لها أو‬
‫على جزء منها "‪ .‬مما يطرح مسألة عدم دستورية النص التشريعي الذي يسمح وفقا لصياغته الحالية‬
‫بوجود احتكارات إذا لم تكن تعسفية وهذا يتعارض مع الحكم الدستوري الذي يمنع أي احتكار بصفة‬
‫‪6‬‬
‫مطلقة‪.‬‬
‫‪ -4‬عبارة " يمنع القانون االحتكار والمنافسة غير النزيهة " نصه على أن القانون يمنع المنافسة غير‬
‫النزيهة إ شارة منه لقانون الممارسات التجارية‪ ،‬فاستعمال المشرع مصطلح " المنافسة النزيهة " يحيل‬
‫إلى قانون الممارسات التجارية‪ ،‬بدل المنافسة الحرة التي ترتبط أكثر مع قانون المنافسة‪ .‬وهذا يؤكد أنه‬
‫في الجزء األول من الفقرة عندما نص على القانون الذي يمنع االحتكار أنه يشير لقانون المنافسة‪.‬‬
‫وعليه فإن إشارة المشرع للمبدأ في التعديل الدستوري ‪ ،72016‬يعد دون شك تفعيل للمبدأ وارتقاء‬
‫به لمصاف القواعد الدستورية‪ .‬وبالتالي تستأثر السلطة التشريعية وحدها تقييد هاته الحرية‪.‬‬
‫وبالرجوع للمادة ‪ 43‬من دستور ‪ 2016‬فهي من جهة تضمن حرية المبادرة الخاصة‪ ،‬ومن جهة‬
‫تبين حدود هذه الحرية واإلطار الذي تمارس فيه‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬حدود ممارسة الحق في المنافسة‪:‬‬

‫ورد في نص المادة ‪" 43‬حرية التجارة واالستثمار في إطار القانون " أي يمكن للمشرع تقييد‬
‫هاته الحرية من خالل تنظيم ممارستها‪ .‬أي أن الممارسة الحرة لألنشطة االقتصادية مرهونة بأن تمارس‬
‫في إطار واضح‪ ،‬شفاف وغير مستثني فئة معينة إال ما استثناه القانون بنص صريح‪ .‬فقد أقر المشرع‬
‫الدستوري وفقا لهذه الفقرة بأن حرية ممارسة النشاط االقتصادي تحددها استثناءات تبررها إما مقتضيات‬
‫المنافسة أو ضرورة حماية المستهلك وتتمثل أساسا في االحتكارات الطبيعية‪ ،‬األنشطة المقننة وكذا‬
‫األسعار المقننة‪.‬‬
‫المكانة التي يت متع بها المبدأ أعطته حصانة ضد أي مساس إال بموجب تعديل دستوري جديد‪ ،‬لكن‬
‫هذا ال يعني أن المبدأ مطلق‪ ،‬بل قيده الدستور بأن يكون في إطار القانون بأن فتح المجال أمام إمكانية‬
‫‪8‬‬
‫وضع قيود تشريعية على هذه الحرية‪ ،‬بشرط أال يكون من شأنها إعادة النظر في المبدأ بمجمله‪.‬‬
‫االحتكارات الطبيعية‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫‪ 4‬محند وعلي عيبوط‪ ،‬االستثمارات األجنبية في القانون الجزائري‪ ،‬دار هومة‪ ،‬الجزائر‪ ،2012 ،‬ص‪ 198.‬و ص‪.199.‬‬
‫‪ 5‬محمد تيورسي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.100.‬‬
‫‪ 6‬بوحاليس الهام‪ ،‬الحماية القانونية للسوق في ظل قواعد المنافسة‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬جامعة اإلخوة منتوري‪ ،‬قسنطينة‪ ،2017-2016 ،‬ص‪.26.‬‬
‫‪ 7‬القانون ‪ 01-16‬المؤرخ في ‪ 06‬مارس ‪ ،2016‬يتضمن التعديل الدستوري‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 14‬سنة ‪.2016‬‬
‫‪ 8‬ولد رابح صافية‪ ،‬مداخلة نسبية حرية التجارة والصناعة في القانون الجزائري‪ ،‬قدمت ضمن أعمال ملتقى أثر التحوالت االقتصادية على‬
‫المنظومة القانونية‪ ،‬جامعة جيجيل‪ 30 ،‬نوفمبرو ‪ 1‬ديسمبر‪ ،2011‬ص‪.6.‬‬
‫وفقا لمبدأ حرية المنافسة‪ ،‬يكون ألي شخص الحق في ممارسة أي نشاط‪ ،‬لكن في الواقع مازالت‬
‫الدولة تحتكر بعض األنشطة‪ ،‬وهو ما يتعارض والنص الدستوري‪.‬‬
‫وبمقاربة الوضع بما سبق فإنه في إطار المرسوم التشريعي ‪ 12-93‬المستثمرون الخواص ال‬
‫يمكنهم التدخل في كل القطاعات االقتص ادية فهناك مجاالت مفتوحة للدولة دون الخواص‪ ،‬وهذا في ظل‬
‫احتكار الدولة لمختلف المجاالت االقتصادية‪ .‬وفي ظل األمر ‪ 903-01‬الذي لم يتضمن أي نص يحدد‬
‫مجاالت محددة للدولة لالستثمار أو تمنع الدولة من االستثمار‪ ،‬فقد تم تحرير العديد من األنشطة التي كانت‬
‫تعرف باالسترات يجية مثل الكهرباء والغاز‪ ،‬المواصالت‪ ،‬المناجم‪ ،‬المحروقات التجارة الخارجية تباعا في‬
‫الفترة الممتدة من (‪ )2000-2005‬وهذا في ظل دستور ‪.1996‬‬
‫ورغم تكريس المبدأ صراحة في دستور ‪ 1996‬وتحرير معظم األنشطة‪ ،‬إال أن المبدأ يحده‬
‫استمرار احتكار الدولة لبعض األنشطة االقتصادية احتكار تام أو جزئي‪ ،‬في إطار ما يعرف باالحتكارات‬
‫الطبيعية التي عرفتها المادة ‪ 5‬من األمر ‪ " :10 06-95‬حاالت السوق أو النشاط التي تتميز بوجود عون‬
‫اقتصادي واحد يستغل هذا السوق أو قطاع نشاط معين" منشأ هذه االحتكارات واقعي‪ ،‬أدت إليه ظروف‬
‫أو طبيعة الخدمة والسل عة ولم تنشأ بفعل ممارسات غير مشروعة‪ .‬ولذلك يقبل بقاؤها بعيدة عن مقتضيات‬
‫المنافسة‪ .‬وتمثل ضرورة للمستهلك وهو ما أدى الى استمرار احتكارها ولو جزئيا ومثال ذلك مرفق‬
‫الكهرباء ولو أنه حرر منذ ‪ 2002‬وفتح للمنافسة فيما يخص اإلنتاج فحسب ( بناء و استغالل المنتجات)‬
‫يبقى سونلغاز المتعامل التاريخي العمومي يمارس احتكار طبيعي في نقل الكهرباء والغاز‪ ،‬واستمرار‬
‫‪11‬‬
‫تدخل الدولة هنا يندرج ضمن ضمان الخدمة العمومية‪.‬‬

‫كما أن استمرار الممارسة الحرة لألنشطة االقتصادية يجب أن يتم في إطار القانون‪ ،‬فحرية‬
‫التجارة والصناعة ال يقصد بها ممارسة األنشطة االقتصادية دون االلتزام بما يفرضه القانون من قواعد‬
‫تحكم النشاط أو الخروج عنها‪ ،‬لكن يقصد بها ممارسة في إطار القانون بكل وضوح وشفافية وبالمساواة‬
‫بين كل األشخاص والفئات دون إقصاء ‪ .‬إال أنه من حيث الواقع المعاش يالحظ أن هناك أنشطة ال زالت‬
‫الدولة تحتكرها وال تسمح لغيرها بالممارسة في إطار ذلك االحتكار سواء من قبل الخواص‪ ،‬إال من سمح‬
‫له بممارستها بموجب نص خاص‪ .‬وهذا األمر يتعارض مع النص الدستوري الذي يضمن أن تمارس‬
‫التجارة والصناعة بحرية ودون تمييز‪ .‬هناك من يبرر هذا االستمرار في االحتكار أو تقنين الدخول لبعض‬
‫األنشطة رغم دستورية حرية المبادرة بارتباط هاته األنشطة بالنظام العام‪ ،‬أو بارتباطها بمقتضيات‬
‫المصلحة العامة من أمن وطني وصحة عامة وآداب عامة‪.12‬‬

‫‪ -2‬األنشطة المقننة‪:‬‬
‫نصت المادة ‪ 1‬من مرسوم تشريعي ‪ 12-93‬ترقية االستثمار على أن المستثمرون الخواص ال‬
‫يمكنهم التدخل في كل القطاعات االقتصادية‪ .‬فقد تم تحديد مجاالت خاصة بالدولة ال يمكن للخواص‬

‫‪ 9‬األمر ‪ 03-01‬المؤرخ في‪ 20 :‬أوت ‪ ،2001‬يتعلق بتطوير االستثمار‪ ،‬الجريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪ 47‬سنة ‪.2001‬‬
‫‪ 10‬أمر ‪ 06-95‬المؤرخ في‪ 25 :‬جانفي‪ ،1995‬يتعلق بالمنافسة‪ ،‬الجريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪ 9‬سنة ‪.1995‬‬
‫‪ 11‬بوحاليس الهام‪ ،‬االلمرجع السابق‪ ،‬ص‪22.‬‬
‫‪ 12‬عماد عجابي‪ ،‬تكريس مبدأ حرية التجارة والصناعة في الجزائر‪ ،‬مجلة الباحث للدراسات األكاديمية‪ ،‬العدد ‪ ،4‬ديسمبر‪ ،2014‬ص‪.4.‬‬
‫ممارسة أي نشاط فيها‪ ،‬هذا القيد على حرية المنافسة يمثل احتكار الدولة الكلي لمختلف المجاالت‬
‫االقتصادية كان تعر فه مختلف قوانين االستثمار الجزائري قبل تبني حرية الصناعة والتجارة ‪.13‬‬

‫لكن في ظل اإلصالحات التي عرفها المجال االقتصادي وتبني حرية التجارة واالستثمار‪ ،‬أصبح‬
‫المجال مفتوح للخواص وطنين وأجانب دون تحديد لنشاط معين‪ ،‬لكن لم يتم اطالق المبدأ فقد استعمل‬
‫عبارة " في إطار القانون"‪ ،‬حيث يمكن تحديد نطاق وأطر تمارس فيها األنشطة االقتصادية من قبل‬
‫السلطة التشريعية والتنفيذية على حد سواء وهو ما يعرف باألنشطة المقننة‪.‬‬

‫والمادة ‪ 3‬من قانون ‪14 09-16‬المتعلق باالستثمار والتي كانت في ظل التعديل الدستوري أشارت‬
‫لمفهوم األنشطة المقننة بنصها‪ " :‬تنجز االستثمارات‪ ...‬في ظل احترام القوانين والتنظيمات السيما‬
‫المتعلقة بالنشاطات والمهن المقننة‪ "..‬وتعتبر نشاطا مقننا كل نشاط أو مهنة يخضعان للقيد في السجل‬
‫التجاري‪ ،‬ويستوجبان شروط خاصة للسماح بممارسة كل منهما‪.‬‬

‫تقنين األنشطة أو المهن يستند إلى اعتبارات منها تعلقها بالظام العام‪ ،‬أمن الممتلكات واألشخاص‪،‬‬
‫حماية الصحة العمومية‪ ،‬حماية اآلداب العامة‪ ،‬حماية الثروات الطبيعية والممتلكات الطبيعية‪.‬‬

‫بعض القيود األخرى تكون على االستثمار األجنبي تخرج عن مبدأ حرية المنافسة وليس لها‬
‫أساس في ظل المبدأ‪ ،‬منها اجبارية الشراكة ‪ %51-49‬بالنسبة لالستثمارات التي تهدف إلى انتاج سلع‬
‫وخدمات تتم في اطار شراكة مع متعامل وطني‪ ،15‬وكذلك مبدأ الشراكة بنسبة ‪ %30‬على األقل من قيمة‬
‫رأسمال لفائدة المتعامل الوطني‪.16‬‬
‫‪ -3‬األسعار المقننة‪:‬‬
‫من بين أهم مبادئ المنافسة الحرة حرية األسعار التي نصت عليها المادة ‪ 4‬من األمر‪" 03-03‬‬
‫‪17‬‬

‫تحدد أسعار السلع والخدمات بصفة حرة وفقا لقواعد المنافسة الحرة والنزيهة " وأكدت المادة في فقرتها‬
‫الثانية أن ممارسة األسعار تكون بحرية مع احترام أحكام التشريع والنظيم المعمول بهما وكذا على أساس‬
‫قواعد اإلنصاف والشفافية‪ .‬فاألصل أن هاته المادة أكدت على حرية األسعار كعنصر من عناصر حرية‬
‫المنافسة‪ ،‬مع تحديد هذه الحرية باحترام التشريع والتنظيم من جهة‪ ،‬وقواعد االنصاف والشفافية من جهة‪.‬‬
‫حاالت تتعلق بأحكام تشريعية وتنظيمية في قطاعات معينة مثل قطاع الصيدلة‪ ،‬سيارات‬
‫األجرة‪ ، 18‬وقواعد االنصاف والشفافية التي ينص عليها العرف التجاري من جهة وأحكام قانون ‪02-04‬‬
‫‪19‬ل معدل والمتمم الذي يحدد القواعد المطبقة على الممارسات التجارية الذي تنص مادته األولى‪" :‬يهدف‬

‫‪ 13‬قانون االستثمار ‪ 1988‬قلص من حجم القطاعات االستراتيجية المحتكرة من قبل الدولة‪ ،‬كما أصبحت النشاطات المغلوقة في وجه القطاع‬
‫الخاص محددة بموجب نصوص تشريعية فقط‪ ،‬بالتالي جردت السلطة التنفيذية من صالحيات تخصيص نشاط معين‪ ،‬كما تم الغاء كل النصوص‬
‫التنظيمية المؤطرة لذلك‪ .‬ولد رابح صافبة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.5.‬‬
‫‪ 14‬قانون ‪ ،09-16‬مؤرخ في‪ 03 :‬أوت ‪ ،2016‬يتعلق بترقية االستثمار‪ ،‬الجريدة الرسمية‪ ،‬عدد‪. 46‬‬
‫‪ 15‬بوحاليس الهام‪،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.27.‬‬
‫‪ 16‬عميروس فتحي‪ ،‬التكريس الدستوري لحرية االستثمار في الجزائر‪ ،‬مجلة الحقوق والعلوم السياسية ‪ ،‬جامعة عباس لغرور خنشلة‪ ،‬العدد ‪8‬‬
‫جزء‪ ،2‬جوان‪ ،2018‬ص‪.8.‬‬
‫‪17‬‬
‫أمر رقم ‪ 03‬ـ ‪ ، 03‬مؤرخ في ‪ 19‬جويلية ‪ ، 2003‬يتعلق بالمنافسة ‪ ،‬معدل و متمم ‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ ، 43‬مؤرخ في ‪ 20‬جويلية ‪.2003‬‬
‫‪ 18‬عجابي‪،‬المرجع السابق‪.،‬ص‪.8.‬‬
‫‪ 19‬قانون ‪ ، 02-04‬المؤرخ في‪ 23 :‬جويلية ‪ ، 2004‬يحدد القواعد المطبقة على الممارسات التجارية‪ ،‬الجريدة الرسمية العدد‪ 41‬سنة ‪،2004‬‬
‫المعدل والمتمم بالقانون ‪ 06-10‬المؤرخ في ‪ 15‬أوت ‪ ،2010‬الجريدة الرسمية العدد ‪ 46‬سنة ‪.2010‬‬
‫هذا القانون إلى تحديد قواعد ومبادئ شفافية ونزاهة الممارسات التجارية التي تقوم بين األعوان‬
‫االقتصاديين وبين هؤالء والمستهلكين‪ ،‬وكذا حماية المستهلك وإعالمه‪".‬‬

‫لكن األمر ‪ 03-03‬أقر في المادة الخامسة منه للدولة أن تتدخل بصفة استثنائية لتحديد األسعار أحيانا‬
‫تدخال مباشرا يتناقض ومبدأ حرية المنافسة‪ ،‬بأن نصت على إمكانية تحديد هوامش وأسعار السلع والخدمات أو‬
‫األصناف المتجانسة من السلع والخدمات أو تسقيفها أو التصديق عليها عن طريق التنظيم‪.‬‬

‫تتخذ تدابير تحديد هوامش الربح وأسعار السلع والخدمات أو تسقيفها أو التصديق عليها على أساس‬
‫اقتراحات القطاعات المعنية وذلك لألسباب الرئيسية اآلتية‪:‬‬

‫‪ -‬تثبيت استقرار مستويات أسعار السلع والخدمات الضرورية‪ ،‬ذات االستهالك الواسع‪ ،‬في حالة‬
‫اضطراب محسوس للسوق‪.‬‬
‫‪ -‬مكافحة المضاربة بجميع أشكالها والحفاظ على القدرة الشرائية للمستهلك‪.‬‬
‫كما يمكن اتخاذ تدابير مؤقتة لتحديد هوامش الربح وأسعار السلع والخدمات أو تسقيفها‪ ،‬حسب األشكال‬
‫نفسها‪ ،‬في حالة ارتفاعها المفرط وغير المبرر‪ ،‬السيما بسبب اضطراب خطير للسوق أو كارثة أو‬
‫صعوبات مزمنة في التموين داخل قطاع نشاط معين أو في منطقة جغرافية معينة أو في حاالت‬
‫االحتكار الطبيعية‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫من خالل هاته الدراسة على ضوء أحكام المادة ‪ 43‬من دستور ‪ 2016‬نستنتج مايلي‪:‬‬
‫تبني المنافسة الحرة ضمن الحرية االقتصادية‪ ،‬فقد انتقلت من االعتراف القانوني من قانون المنافسة‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫إلى التكريس الدستوري لها‪ ،‬حتى وان كان ذلك بطريقة ضمنية فال يمكن تصور منع المنافسة غير‬
‫النزيهة دون وجود حرية المنافسة‪.‬‬
‫رغم تكريس المبدأ إال أن تحقيقه الفعلي لم يصل إلى التكريس النظري نظرا للحدود والقيود التي‬ ‫‪-‬‬
‫وضعها المشرع‪.‬‬
‫توسيع الحرية في النشاط االقتصادي بنصه على حرية االستثمار يستدعي فتح باقي االحتكارات‬ ‫‪-‬‬
‫للمنافسة الحرة‪.‬‬
‫أصبح كل من منع االحتكار والمنافسة غير النزيهة يتمتع بضمانة دستورية‪ .‬وهاته المبادئ نواة قانون‬ ‫‪-‬‬
‫الضبط ‪.‬‬
‫أضافت المادة ‪ 43‬الجديد لكنه ذا طابع شكلي إذ ال يظهر أثره في النصوص التشريعية فمثال قانون‬ ‫‪-‬‬
‫االستثمار الصادر في ظله يعد النظر في مسألة قاعدة الشراكة ‪. % 51-49‬‬
‫حصر حرية المنافسة بكل صورها وعناصرها بأن تكون في إطار القانون وهو ما يشكل قيد أساسي‬ ‫‪-‬‬
‫على هاته الحرية فقد يكون لهاته االستثناءات مايبررها فعال وقد تكون غير مبررة‪ ،‬وفي كل الحاالت‬
‫تبقى قيدا على حرية الممنافسة والتطبيق المطلق للمبدأ‪.‬‬
‫وفي األخير يطرح التسؤال في ظل عدم التوازن في األخذ بالمبدأ عن مدى رغبة المشرع الفعلية في‬ ‫‪-‬‬
‫تبني المبدأ؟‬
‫وفي الحقيقة تبني المبدأ ال يرجع الرادة فعلية في تبنيه‪ ،‬بل هو مسار فرضته الظروف االقتصادية‬
‫الوطنية والمحيط الدولي من خالل رغبة الجزائر االنضمام لمنظمة التجارة الدولية‪ ،‬وإبرام مختلف‬
‫االتفاقات الدولية في المجال والتي تلزم الجزائر في كل مرة باجراء تعديالت من خالل التقارير التي‬
‫تعدها في الموضوع‪.‬‬
‫وتعود هاته الرغبة لسنة ‪ 1995‬حيث أودعت الجزائر طلب االنضمام لمنظمة التجارة الدولية‪،‬‬
‫وكل التعديالت والقرارات في المجال االقتصدي بهدف تحقيق هذه الغاية‪.‬‬

You might also like