You are on page 1of 11

‫العدد الثامن عشر‪ -‬كانون الثاني‪ /‬يناير‪2022‬‬ ‫مراجعات الكتب‬

‫املاء وصناعة املقدس‬


‫ّ‬
‫الواحي باملغرب‬ ‫دراسة أنثروبولوجية لبنيات املجتمع‬

‫(((‬
‫حسن حبران‬

‫ً‬
‫أول‪ :‬مقدمة‬
‫تناولت الدراسات السوسيولوجية الغربية (املعرفة الكولونيالية) وما بعد الكولونيالية في‬
‫مدخل ً‬‫ً‬
‫مهما لفهم هذه‬ ‫املغرب (السوسيولوجية املغربية) موضوع املاء والواحات عامة‪ ،‬لكونه شكل‬
‫ً‬
‫املجتمعات املحلية والعالقة التي تربطها باملوارد الطبيعية‪ ،‬وقد تناولت في ُمجملها عددا من الثيمات‬
‫ً‬
‫ومضمونا‪ ،‬بما فيها املاء والطقوس االجتماعية‪ ،‬أي تلك املعبودات واملزارات املائية‬ ‫التي تختلف شكال‬
‫والتقاليد والطقوس االجتماعية‪ ،‬ثم املاء والصراعات اإلثنية والقبائلية‪ ،‬واملاء وتضاريس املنطقة‪،‬‬
‫بما فيها العالية (منبع املياه) والسافلة (مصب املياه) وغيرها‪ .‬أما اهتمامات السوسيولوجية املغربية‬
‫فكانت باالمتداد الثقافي لعنصر املاء‪ ،‬والتنظيم االجتماعي للماء‪ ،‬سواء في بعده التقليدي أم الجديد‬
‫(املحدث)‪ .‬إضافة أنها عنيت بعالقات االستعمار باملاء وآثاره االجتماعية والثقافية وتأثيرات ندرة املاء‬
‫بالهجرة وظهور زراعات بديلة‪.‬‬
‫بعضا من الواحات املغربية والدور التاريخي واالجتماعي‬ ‫استطاع (شارل دو فوكو)((( أن ُيشخص ً‬
‫بالشكل املكثف تضاريس املنطقة‪َ ،‬‬ ‫ّ‬
‫وسرد مجموعة‬ ‫الذي لعبه املاء واألرض في هذه امليادين‪ ،‬ووصف‬
‫ّ‬
‫من األحداث التاريخية والصراعات حول املاء واألرض‪ ،‬وسلط األضواء على توتر العالقات ما بين‬
‫اإلثنيات وقبائل املنطقة‪ ،‬وتحدث (بول باسكون) عن الدور املحوري الذي يلعبه املاء واألرض في‬
‫املجتمعات املغربية عامة‪ ،‬ورأى أنه ال يمكن معرفة مجموعة من الظواهر املحلية من دون ربطها‬
‫بسياق التطور الذي عاشته‪ ،‬ليستنتج أن لهذين العنصرين منزلة جوهرية في الحياة االجتماعية‬
‫ً‬
‫وثقافيا يستجيب إلى االستعماالت‬ ‫ً‬
‫اجتماعيا‬ ‫ً‬
‫تقسيما‬ ‫والفالحية والثقافة اليومية‪ .‬قسم شهور السنة‬
‫((( باحث مغربي‪ ،‬مهتم باألنثروبولوجيا والتنمية االجتماعية‪.‬‬
‫((( بول باسكون‪ ،‬سوسيولوجي (مغربي‪/‬فرن�سي)‪ ،‬ولد بمدينة فاس باملغرب‪ ،‬سنة ‪ ،1932‬كلف بالتنسيق بين الدراسات التحضيرية‬
‫ألول تصميم خما�سي مغربي بمصلحة التخطيط‪ ،‬كانت له اهتمامات تخص املسألة الزراعية ونظام الري باملغرب‪ ،‬من مؤلفاته (صيف‬
‫حوز مراكش‪ ،‬املجتمع املركب)‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫مراجعات الكتب‬ ‫العدد الثامن عشر‪ -‬كانون الثاني‪ /‬يناير‪2022‬‬

‫الفالحية واليومية لهذه املجتمعات (شهور خاصة بالطقوس والعادات والتقاليد ذات االرتباط باملوارد‬
‫املائية‪ ،‬شهور ذات املمارسات الجيدة بما يخص الفالحة املاء‪...‬إلخ)‪.‬‬
‫ضربا من ضروب التجديد املوضوعاتي في‬ ‫وبناء عليه‪ ،‬يعد البحث في أنثروبولوجيا املاء واملوارد ً‬
‫ً‬
‫الكتابة األنثروبولوجية‪ ،‬خاصة إذا كان األمر مرتبطا بأحد املجتمعات املعروفة بالندرة فيه‪ ،‬فهو‬
‫ّ‬
‫بمنزلة مدخل يمكن الباحث من فهم البنيات االجتماعية والثقافية والسياسية‪ ،‬واختراقها‪ .‬فالواحة‬
‫ّ‬ ‫رهينة بدوام واستمرارية املوارد املائية‪ً ،‬‬
‫نظرا لكونها تشكل أحد املقومات الطبيعية واالجتماعية داخل‬
‫املنظومة البيئية الهشة(((‪ .‬فقد ارتبط عنصر املاء بعدد من الطقوس واملعتقدات والقيم ومجموعة‬
‫ّ‬
‫من األعراف‪ ،‬هذه األخيرة احتكمت ملنطق جماعي يتم بواسطته اللجوء إلى عنصر املاء على نحو‬
‫مشترك أو (ملك مشترك)‪ ،‬ألن القبيلة تتضمن على مؤسسات تقليدية ومعارف محلية تقوم بواسطتها‬
‫بتدبير ندرة املاء وإدارتها(((‪(( ،‬فاملاء هنا عامل مباشر لنشأة وتطور أشكال الحياة بالواحة‪ ،‬وآلية من‬
‫(((‬
‫آليات الضبط االجتماعي))‪.‬‬
‫إن كتاب (املاء وصناعة املقدس‪ :‬دراسة أنثروبولوجية لبنيات املجتمع الواحي باملغرب) ((( للباحثة‬
‫حنان حمودا هو في األصل أطروحة دكتوراه في علم االجتماع بجامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية اآلداب‬
‫والعلوم اإلنسانية‪ ،‬ونشر ضمن إصدارات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية بالرباط‪.2021‬‬
‫يمكن تقسيم الكتاب الذي يضم مقدمة وسبعة فصول أساسية وخاتمة تركيبية إلى محورين‬
‫كبيرين؛ أما األول فتقدم فيه الباحثة املوضوع املراد معالجته مع الوقوف عند أبرز املفهومات‬
‫واألهداف التي تصبو إليها الدراسة‪ ،‬ثم االشكاالت التي تعرفها الواحة عامة‪ ،‬والنماذج الثقافية التي ما‬
‫زالت حاضرة إلى اليوم في واحة سكورة‪ ،‬أما الثاني فيمكن إدراجه ضمن املاء االجتماعي واملاء الثقافي‪،‬‬
‫من خالله وقفت الباحثة عند مجموعة من املؤسسات التقليدية والطقوس والعادات والقيم التي‬
‫تصهر باستمرار املعارف واألعراف املحلية وإعادة إنتاج العالقات االجتماعية والزراعية‪ ،‬فضال على‬
‫مجموعة من الظواهر التي غيرت الخريطة االجتماعية واالقتصادية بالواحة‪ ،‬أهمها الهجرة وبيع‬
‫األرا�ضي وضعف اإلنتاج الزراعي وتراجع القطاع السياحي‪.‬‬
‫((( محمد آيت حمزة‪ ،‬التوازن االيكولوجي الواحي بين التنافس والتكامل‪ ،‬ندوة املجال واملجتمع بالواحات املغربية‪( ،‬مكناس‪ :‬كلية‬
‫اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ ،)1993 ،‬ص‪.78‬‬
‫‪(4) Vincent Battesti, Jardins au désert: Evolution des pratiques et savoirs oasiens, jérid Tunisien (Paris : IRD Editions,‬‬
‫‪2005) p15.‬‬
‫((( حنان حمودا‪ ،‬املاء وصناعة املقدس‪ :‬دراسة أنثروبولوجية لبنيات املجتمع املغربي الواحي باملغرب‪( ،‬الرباط‪ :‬كلية اآلداب والعلوم‬
‫اإلنسانية‪ ،)2021 ،‬ص‪.23‬‬
‫((( حنان حمودا‪ :‬أستاذة علم االجتماع واألنثروبولوجيا بكلية اآلداب والعلوم اإلنسانية في جامعة محمد الخامس بالرباط‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫العدد الثامن عشر‪ -‬كانون الثاني‪ /‬يناير‪2022‬‬ ‫مراجعات الكتب‬

‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬البعد املنهجي واإلشكالي في الكتاب‬
‫هذا الكتاب هو دراسة أنثروبولوجية لبنيات املجتمع الواحي في املغرب من خالل ربطه بأقدس‬
‫املقدسات في املجتمعات الواحية ذاتها‪ ،‬وهو عنصر املاء‪ ،‬واعتمدت الباحثة في دراستها على عدد من‬
‫املقابالت خاصة مع الشيوخ (كبار السن) الحاملين تر ًاثا ومعرفة مائية بالواحات‪ .‬واعتمدت ً‬
‫أيضا على‬
‫تسخير تقنيات البحث الكيفي لتنقل لنا بالتفاصيل الدقيقة واملكثفة األحداث املتعلقة بالطقوس‬
‫والعادات والهندسة االجتماعية ملوردي املاء واألرض‪ .‬تناولت تيمة املاء بوصفه (ظاهرة اجتماعية‬
‫وثقافية بامتياز بدوار أوالد اعميرة) وهو تجمع سكني يقطن به مجموعة من السكان؛ تجمعهم روابط‬
‫عائلية وقبلية وجغرافية‪ ،‬وينتمي إلى واحة سكورة بإقليم وارزازات‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ثقافيا ومدخل لفهم‬ ‫هذا الربط بين املعطى الطبيعي للماء وبنائه الثقافي واالجتماعي يشكل وعاء‬
‫ً‬
‫هذه املجتمعات ونظرتها إلى املجال الذي تعيش فيه‪ ،‬شكلت عملية الوصف املكثف ركيزة أساسا في‬
‫البحث الذي اشتغل على سؤال مشكل مفاده‪ :‬أي عالقة تربط بين املجتمع واملاء واملجال في الواحات‬
‫املغربية؟ مع التركيز على مجال الدراسة (دوار أوالد اعميرة بواحة سكورة أهل الوسط – إقليم‬
‫وارزازات)‪.‬‬
‫إن الواحة هي ذلك ((املجال الذي تنتشر به حضارة مائية بمكوناتها التقنية‪ ،‬كأشكال تعبئة املياه‬
‫وتوزيعها ونظامها االقتصادي املعتمد على تكامل الزراعة وتربية املاشية‪ ،‬وكذا بنظامها االجتماعي‬
‫املتمثل في حقوق املياه وكذا التوازي بين املورفولوجية االجتماعية وأشكال توزيع املياه‪ ،‬ثم العالقة‬
‫بين قوانين املياه والتراتب االجتماعي والهوية الفردية والجماعية))(((‪ ،‬لكن يجب اإلشارة هنا إلى أن‬
‫الواحة عرفت مجموعة من التغيرات والديناميات االجتماعية واالقتصادية والسياسية التي مست‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫جوهريا في تحديد مفهومها في‬ ‫أنماط العيش والقيم والتنظيمات االجتماعية‪ ،‬وشكل ذلك إشكاال‬
‫وقتنا الحالي‪ .‬إذ لم تعد التنظيمات وال املورفولوجيات االجتماعية وال أشكال تدبير املاء كما صاغتها‬
‫النظريات الكالسيكية ثابتة اليوم‪ ،‬أي إن ندرة املوارد املائية دفعت بعدد من السكان والتنظيمات‬
‫االجتماعية إلى التفكيك‪ ،‬بل هاجر عدد من األسر والتجمعات السكنية إلى داخل وخارج املغرب‪،‬‬
‫ّ‬
‫إضافة أن دخول املكننة أو اآلليات الزراعية املعاصرة فككت من تلك العالقة الرابطة بين (السيد‬
‫والعبد)‪ ،‬ثم إن ظهور تقنيات زراعية جديدة في الواحة وآليات جديدة للري (من مثل الري املوضعي)‬
‫انعكس في البعد االجتماعي والثقافي‪ .‬وأسهمت جمعيات املجتمع املدني في تفكيك تلك التنظيمات‬
‫االجتماعية التقليدية التي صاغتها النظريات الكالسيكية‪ ،‬وأصبحت هي املشرفة على أشكال تدبير‬
‫املاء في الواحات عوض النظام القبلي التي صاغتها تلك النظريات الكالسيكية‪ ،‬هذا كله دفع إلى القول‬
‫((( امحمد مهدان‪ ،‬املاء والتنظيم االجتماعي‪ :‬دراسة سوسيولوجية ألشكال التدبير االجتماعي للسقي بواحة تودغى‪( ،‬أكادير‪،‬‬
‫جامعة ابن زهر‪ ،‬طباعة ونشر سوس‪ )2012 ،‬ص‪.12‬‬

‫‪195‬‬
‫مراجعات الكتب‬ ‫العدد الثامن عشر‪ -‬كانون الثاني‪ /‬يناير‪2022‬‬

‫إن هناك ُّ‬


‫تغي ًرا من الناحية االجتماعية والثقافية لهذه العناصر من واحة إلى أخرى ومن سياق إلى‬
‫آخر‪.‬‬
‫انطلقت الباحثة من فرضية عامة هي كون عنصر املاء بمجتمع الدراسة هو أساس جل التفاعالت‬
‫واإلنتاجات السوسيوثقافية‪ ،‬وهو الفاعل واملنشط الحيوي لعملية استمرار نظام األعراف وإعادة‬
‫إنتاج القيم الجماعية التي أسست ملوضوع الهوية‪.‬‬
‫استطاعت الباحثة في هذه الدراسة املزج بين إطار نظري ودراسات عرفتها املجتمعات املغربية‪،‬‬
‫خاصة تلك التي أنتجتها السوسيولوجيا الكولونيالية أمثال (روبير مونطاني(((‪ ،‬إرنيست كيلنر(((‪،‬‬
‫إدمون دوتي(‪ ((1‬وغيرهم)‪ ،‬وتعاملت بحذر إبستيمولوجي مع ما قد يصحب ذلك من (إسقاطات‬
‫إديولوجية أو أحكام مسبقة) على تلك املجتمعات‪ ،‬واستندت إلى عدد من الباحثين املعاصرين الذين‬
‫تناولوا موضوع الواحة واملجتمعات املغربية عامة من قبيل بول باسكون(‪ ،((1‬كليفورد غيرتز(‪،((1‬‬

‫((( روبير مونطاني‪ :‬أنثروبولوجي فرن�سي وأحد املتخصصين في السوسيولوجيا الكولونيالة في املغرب‪ )1954-1893( ،‬تعلم اللغة‬
‫ً‬
‫مستشارا في ما يخص القضايا القبيلية‬ ‫األمازيغية من أجل فهم املجتمع املغربي‪ ،‬ودرسه‪ ،‬حاصل على اإلجازة في الفلسفة‪ ،‬اشتغل‬
‫للمقيم العام الفرن�سي إبان االستعمار‪ ،‬له عدد من اإلنتاجات املعرفية (البربر واملخزن‪ ،‬ميالد البروليتاريا املغربية)‪.‬‬
‫((( إرنيست كيلنر‪ :‬سوسيولوجي ولد في فرنسا (‪ ،)1995 – 1925‬حاصل على شهادة الدكتوراه سنة ‪ 1961‬عن أطروحته في موضوع‬
‫(تنظيم الزاوية لدى البربر‪ :‬تنظيمها وأدوارها)‪ ،‬درس الفلسفة والعلوم السياسية واالقتصادية في كلية بالبول بجامعة أكسفورد سنة‬
‫‪ ،1941‬من مؤلفاته ( ‪.)Conditions of Liberty ،Thought and Change ،Words and Things‬‬
‫ً‬
‫مساعدا في األوراس‬ ‫(‪ ((1‬ادمون دوتي‪ :‬يطلق عليه اسم رائد أنثروبولوجيا الدين في املغرب‪ ،‬ولد في فرنسا (‪ ،)1927- 1867‬عمل‬
‫الجزائرية‪ ،‬من أعماله (مالحظات حول اإلسالم املغاربي‪ :‬الزاويا ‪ ،1900‬كومة األحجار املقدسة‪ ،‬السحر والدين في إفريقيا الشمالية)‪.‬‬
‫(‪ ((1‬انظر التعريف أعاله‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫(‪ ((1‬كليفورد غيرتز‪ ،‬أنثروبولوجي أميركي ولد سنة ‪ّ ،1929‬‬
‫درس مادة العالقات االجتماعية وعمل باحثا مشاركا في مختبر العالقات‬
‫ً‬
‫مستشارا للعلوم االجتماعية في مؤسسة فورد‬ ‫االجتماعية في جامعة هارفارد‪ ،‬ترأس لجنة الدراسات املقارنة للدول الجديدة‪ ،‬وعمل‬
‫بأندونيسيا‪ .‬من مؤلفاته (‪.)Observer l’islam: changements religieux au Maroc et en Indonésie ،The Religion of Java‬‬

‫‪196‬‬
‫العدد الثامن عشر‪ -‬كانون الثاني‪ /‬يناير‪2022‬‬ ‫مراجعات الكتب‬

‫عبد الكريم الخطيبي(‪ ،((1‬حسن رشيق(‪ ،((1‬عبد هللا حمودي(‪ ،((1‬املختار الهراس(‪ ...((1‬إلخ‪ .‬ومن‬
‫ّ‬
‫جهة ثانية تحليلها املعطيات امليدانية بصورة مكثفة‪ ،‬والدخول في تفاصيل دقيقة لحياة املحليين‬
‫ً‬
‫وتحديدا دوار أوالد اعميرة مختبر الدراسة امليدانية‪.‬‬ ‫بواحة سكورة‪،‬‬
‫(الر ُس ْ‬
‫وم)‪ ،‬وقد‬ ‫وال يمكن أن نغفل مجموعة من الوثائق التاريخية والعقارية التي تسمى ً‬
‫محليا ب ـ ْ‬
‫دعمت بها الباحثة أطروحتها‪ ،‬وهي عقود بيع وشراء املاء‪ ،‬والنخيل‪ ،‬وتصالح بين ذوي الحقوق‪ ،‬وأداء‬ ‫ّ‬
‫الديون‪ ،‬والتنازل عن أرا�ضي‪ ،‬وفك النزاع حول ملكة األرض‪ ،‬وال سيما إذا ما علمنا أن ((الفصل بين‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫املعرفة الشفهية واملعرفة املكتوبة لم يعد ً‬
‫مجديا))(‪ ،((1‬وركزت الباحثة في تحيلها هذه الوثائق‬ ‫شيئا‬
‫على ربطها بالسياق الذي أنتجت فيه‪ ،‬والقراءة السوسيولوجية لها‪ ،‬ال عرضها فحسب‪.‬‬

‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬املاء الطبيعي واملاء املقدس في الواحة‬
‫إذا كان عنصر املاء من الناحية الطبيعية يحمل خصائص فزيائية موحدة‪ ،‬فإنه ال يمكن أن يكون‬
‫ً‬
‫متعددا من الناحية االجتماعية والثقافية‪ ،‬ويبدو ذلك من خالل عدد من الطقوس والسيرورات‬ ‫إال‬
‫التفاعلية الناظمة ملجموعة من العالقات االجتماعية‪ .‬إذ تقول الباحثة في هذا املضمار‪(( :‬يمارس‬
‫السكان املحليون باملنطقة مجموعة من الطقوس الحاملة للعديد من الدالالت الثقافية‪ ،‬التي‬
‫ترجمتها إلى مظاهر اجتماعية دالة على نمط عيشهم‪ ،‬وطبيعة اقتصادهم غير املستقر واملشروط‬
‫باملاء والتساقطات املطرية‪ ،‬وهو املحدد األسا�سي لسلوكهم االجتماعي‪ ،‬املوازي لنشاطهم الزراعي‪،‬‬

‫ً‬ ‫(‪ ((1‬عبد الكريم الخطيبي‪ :‬سوسيولوجي وروائي مغربي (‪ّ ،)2009-1938‬‬
‫درس علم االجتماع في السوربون بباريس واشتغل أستاذا‬
‫ً‬
‫جامعيا بكلية اآلداب والعلوم اإلنسانية بالرباط‪ ،‬وتميز بكتاباته في مجاالت متعددة؛ (الشعر‪ ،‬الرواية‪ ،‬املسرح‪ ،)...‬من أعماله‪( :‬تفكير‬
‫املغرب‪ ،‬صورة األجنبي في األدب الفرن�سي‪ ،‬الذاكرة املوشومة)‪.‬‬
‫(‪ ((1‬حسن رشيق‪ :‬أنثروبولوجي مغربي‪ ،‬يعمل أستاذا للدراسات األنثروبولوجية في جامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء في املغرب‪،‬‬
‫من مؤلفاته (القريب والبعيد‪ :‬قرن من االنثروبولوجيا باملغرب‪ ،‬سيدي شمهروش‪ :‬الطقو�سي والسيا�سي في األطلس الكبير)‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ومديرا ملعهد الدراسات اإلقليمية في جامعة برنستون في الواليات املتحدة‬ ‫(‪ ((1‬عبد هللا حمودي‪ :‬أنثروبولوجي مغربي اشتغل أستاذا‬
‫األميركية‪ ،‬من أعماله (الرهان الثقافي وهم القطيعة‪ ،‬الشيخ واملريد‪ :‬النسق الثقافي للسلطة في املجتمعات العربية الحديثة‪ ،‬املسافة‬
‫والتحليل في صياغة أنثروبولوجيا عربية)‪.‬‬
‫(‪ ((1‬املختار الهراس‪ :‬سوسيولوجي مغربي‪ ،‬اشتغل أستاذ علم االجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط‪ ،‬له عدد من املؤلفات حول‬
‫املجتمع املغربي (القبيلة والسلطة تطور البنيات االجتماعية في شمال املغرب)‪.‬‬
‫(‪ ((1‬عبد هللا حمودي‪« ،‬الداخلي والخارجي في التنظير للظاهرة القبلية‪ ،‬خطوة في طريق تأسيس خطاب أنثروبولوجي مستقل»‪،‬‬
‫عمران للعلوم االجتماعية‪ ،‬ع‪ ،))2017 ،19 :‬ص ‪.15‬‬

‫‪197‬‬
‫مراجعات الكتب‬ ‫العدد الثامن عشر‪ -‬كانون الثاني‪ /‬يناير‪2022‬‬

‫املتسم بالكفاف واالقتصار على مزروعات محدودة بعينها))(‪ .((1‬فواحة سكورة ‪-‬بحسب الباحثة‪-‬‬
‫ً‬
‫طقوسا ودالالت رمزية حية‪ ،‬ورأت أن طقس (تال‪-‬غنجا)(‪ ((1‬يعد أبرز‬ ‫ما تزال إلى اليوم تشهد‬
‫الطقوس الداللية والرمزية املوجودة بمجال الدراسة‪ ،‬حيث احتل املاء مهمة في الضمير الجمعي‬
‫ّ‬
‫لسكان الواحة كلهم‪ ،‬في حين شكل الطقس االستمطاري معالم تلك البنيات الزراعة وصورها‬
‫َ‬
‫معاني ودالالت رمزية متعددة‪.‬‬ ‫الهندسية الحاملة‬
‫توصلت الباحثة أن مجموعة من املمارسات الطقوسية متصلة بالعنصر النسوي‪ ،‬لذلك سمتها‬
‫نظرا الرتباطها بعملية تصريف رموز الخصوبة في أبرز داللة أنثروبولوجية‬ ‫(طقوس مائية أنثوية)‪ً ،‬‬
‫ُ َ‬
‫مثل ُوت َ‬ ‫ُ‬
‫لعب أدوارها داخل طقس (تال‪-‬غنجا) املنادي للمطر وغيث السماء‪ .‬فاملقدس‬ ‫تستحضر وت‬
‫عبر عن تراث ومعرفة‬ ‫املائي هنا الذي ُترجم بصورة ممارسات طقوسية مائية وزراعية فلكلورية‪ُ ،‬ي ّ‬
‫ُ‬
‫محلية تعزى إلى تقاليد وعادات وأعراف املجتمع العميري بواحة سكورة‪ .‬رأت األستاذة حنان حمودا‬
‫أن ((البنى الطقوسية لم تنل حظها الكافي من الدراسة والتحليل املوضوعي‪ ،‬بحيث بقي جزء كبير‬
‫دون‬‫منها ضمن صفحات التراث الشفهي‪ ،‬لصيق بأفواه الرواة من الشيوخ بالخصوص‪ ،‬وهو غير ُم ّ‬
‫عرض لإلتالف وضياع تفاصيله بموت ناقليه وحامليه))(‪.((2‬‬ ‫ُوم ّ‬
‫تضيف الباحثة في هذا املنوال ((إن طقوس املاء والزراعة املمارسة من لدن الساكنة املحلية‪،‬‬
‫تلعب أدوارا في نقل الطقس من زمنه الدنيوي إلى زمنه ‹›القد�سي››‪ ،‬تضفي عليه أيضا صفة التأثير‬
‫ُ ََ‬
‫وامل َماثلة‪ ،‬ما بين قوى الطبيعة (املطر‪ ،‬الزرع‪ ،‬األرض) مع االنسان (الدمية العروس)‪ ،‬عبر التركيز‬
‫على إطالق العنان لتصريف رموز الخصب والغيث والخير واالحتفال‪...‬إلخ))(‪ .((2‬وهو ما ُي ّبين املنزلة‬
‫الرمزية والطقوسية التي احتلها املاء في املجتمعات الواحية وفي عالقاتهم االجتماعية والزراعية‪ ،‬بل‬
‫ً‬
‫وتحديدا‬ ‫مختبرا للدراسة والتحليل‪،‬‬‫ً‬ ‫يمكن أن نجعل من واحات تافياللت حالة تقدم نفسها بوصفها‬
‫(‪((2‬‬
‫تلك املرتبطة باملاء وأبعاده الطبيعية والثقافية‬
‫إن التعدد اإلثني الذي تعرفه الواحة أسهم في خلق هرم اجتماعي في عالقته باملاء‪ ،‬وظل املقدس‬
‫ّ‬
‫املائي مرتبط باإلثنيات جميعها التي حلت بواحة سكورة من قبيل (الشرفاء)‪ ،‬وهم من أهل البيت‬
‫(‪ ((1‬حنان حمودا‪ ،‬املاء وصناعة املقدس‪ :‬دراسة أنثروبولوجية لبنيات املجتمع املغربي الواحي باملغرب‪ ،‬ص‪.45‬‬
‫َْ ْ‬
‫(‪ ((1‬يبدأ طقس (تال‪-‬غ ْن َجا) بحسب الباحثة باستيقاظ النساء في الساعات األولى من صباح يوم الجمعة‪ ،‬وإعداد الفطور لهذا‬
‫َ ْ‬
‫يسل ْ‬
‫يت)‪ ،‬ويطوفون بها عبر دواوير الواحة وأضرحتها في موكب احتفالي‬ ‫اليوم‪ ،‬وتحمل النساء رفقة الصبية دمية على شكل عروس (تا ِ‬
‫مهيب خاص بالعروس املطر‪ ،‬وتتداخل مظاهر هذا االحتفال بمظاهر طلب الغيث والرجاء‪.‬‬
‫(‪ ((2‬حنان حمودا‪ ،‬املاء وصناعة املقدس‪ ،‬ص‪.55‬‬
‫(‪ ((2‬السابق نفسه‪ ،‬ص‪.60‬‬
‫‪(22) Toufik Ftaita, Anthropologie de l’irrigation : les oasis de Tiznit, Maroc, (Paris: L’Harmattan,2006), p2.‬‬

‫‪198‬‬
‫العدد الثامن عشر‪ -‬كانون الثاني‪ /‬يناير‪2022‬‬ ‫مراجعات الكتب‬

‫املنحدرون من ذرية الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب وفاطمة بنت الرسول عليه السالم‪ ،‬ألن‬
‫وتبعا لذلك‪ ،‬فإن شرفاء املغرب‬ ‫املغرب في نظر النسابين املغاربة لم يحتضن سوى هذين الفرعين‪ً ،‬‬
‫محليا (إكرامن‪ /‬مفرد‪ .‬أكرام)‬‫ً‬ ‫هم الحسنيون والحسينيون(‪ ،((2‬و(املرابطون) أو كما يطلق عليهم‬
‫عددا من الزوايا واملواقع الدينية من مثل املساجد والكتاتيب‬ ‫أي الرجل الصالح؛ وبنى املرابطون ً‬
‫القرآنية‪ ،‬كان لهم دور محوري بخصوص التنظيم االجتماعي للماء وهو إقامة الصلح ما بين القبائل أو‬
‫اإلثنيات املتصارعة‪ ،‬و(الحراطين) اسم يطلق على السكان السود أو امللونين الذين يقطنون املناطق‬
‫الصحراوية وشبه الصحراوية‪ .‬وقد شاع عند الباحثين‪ ،‬وحتى في الرواية الشفهية‪ ،‬أن مصطلح‬
‫(حراطين) تحريف للمفردة العربية (حراثين) أي نسبة إلى الحرث بقلب الثاء طاء في اللهجات املحلية؛‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ومن قبيل (اليهود)‪ ،‬إذ ت ّبين الباحثة مجموعة من )املجاالت اليهودية( التي ظلت مرتبطة بموضوع‬
‫املقدس وبعض الظواهر الطبيعية والثقافية واالجتماعية‪ .‬فقد ((اتسمت حياة يهود سكورة بالعديد‬
‫من املمارسات الطقوسية والثقافية والشعائر الدينية‪ ،‬الزاخرة بتمثالت هذه الفئة االجتماعية‬
‫واالثنية من السكان القدامى بسكورة))(‪.((2‬‬
‫ً‬
‫إن عالقة املاء الطبيعي باملاء االجتماعي تشكل في واحة سكورة مناسبة وشرطا الشتغال األنساق‬
‫الرمزية واملعتقدات والقيم وإعادة إنتاج مجموعة من السلوكات والطقوس واألفعال منذ تاريخ م�ضى‬
‫إلى اليوم‪ ،‬وهو األمر الذي رفع من منزلة املاء إلى (أقدس املقدسات) بتعبير الباحثة‪.‬‬

‫ر ً‬
‫ابعا‪ :‬املؤسسات التقليدية واملاء السوسيوثقافي‬
‫ما األدوار التي تلعبها املؤسسات التقليدية في تدبير املاء في املجتمع العمري (نسبة إلى دوار أوالد‬
‫ً‬
‫اجتماعيا في الواحة؟ وال سيما إذا ما علمنا أن من الباحثين من‬ ‫عميرة)‪ ،‬وكيف للماء أن ينتج تر ً‬
‫اتبا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫تقليديا يعرف به املجتمع املغربي‪،‬‬ ‫نموذجا‬ ‫ذهب إلى القول بأن هذه املجتمعات القروية والقبلية‪ ،‬تشكل‬
‫خصوصا إن تعلق األمر بالنموذج االنقسامي(‪ ،((2‬وأن الفرد خاضع باستمرار ملنطق الجماعة في وقت‬ ‫ً‬
‫السلم وفي وقت الحرب‪ ،‬إذ ((ترجع هذه األوقاف إلى الرغبة في تنظيم الحياة اليومية))(‪.((2‬‬
‫ً‬
‫(‪ ((2‬مجموعة مؤلفين‪ ،‬إثنيات وقبائل من خالل‪ :‬معلمة املغرب‪ ،‬محمد حجي (مشرفا)‪ ،‬ج‪( ،10‬من انتاج الجمعية املغربية للتأليف‬
‫والترجمة والنشر‪ ،‬مطبعة سال‪ ،‬د‪.‬م)‪ ،‬ص ‪ ،3353‬ص‪5336.‬‬
‫(‪ ((2‬حنان حمودا‪ ،‬املاء وصناعة املقدس‪ ،‬ص‪.221 ،220‬‬
‫‪(25) Abdellah Hamoudi, Ségmentarité, stratification sociale, pouvoir politique et sainteté, Réflexion sur les thèses de‬‬
‫‪gellner, Hespéris Tamuda,(1974 ), p 147.‬‬
‫(‪ ((2‬بن محمد قسطاني‪ ،‬الواحات املغربية قبل االستعمار»غريس نموذجا»‪( ،‬الرباط‪ .‬املعهد امللكي للثقافة األمازيغية‪ ،‬مركز‬

‫‪199‬‬
‫مراجعات الكتب‬ ‫العدد الثامن عشر‪ -‬كانون الثاني‪ /‬يناير‪2022‬‬

‫اهتمت الباحثة في هذا العمل بمجموعة من التنظيمات االجتماعية التقليدية ْ‬


‫(الجماعة والقبيلة)‬
‫التي حافظت على أبرز مقوماتها كما كانت من ذي قبل‪ ،‬إذ لعبت القبيلة ْ‬
‫والجماعة‪- ،‬وما تزاالن‪ً -‬‬
‫أدورا‬
‫ً‬
‫وخصوصا‬ ‫بارزة في تدبير مختلف أصناف املوارد الطبيعية‪ ،‬بقواعد وقيم عرفية متوارثة باألساس‪،‬‬
‫موردا األرض واملاء‪ .‬فهذا األخير ((كان دائما في صف الفرقة الغالبة أو صديقا لألقوياء املهيمنين على‬
‫الحقل السوسيواقتصادي))(‪ .((2‬وتقول الباحثة في هذا املضمار‪(( :‬ال زال يتسم املجتمع بأوالد اعميرة‬
‫بالتوزيع التقليدي وإنتاج نفس قيم الهوية الجماعية واالرتباط باألرض واملجال‪ ،‬عبر تداول ثقافة‬
‫زراعية ومائية عرفية قديمة‪ ،‬لضمان استمرارية رموز القبيلة ومحدداتها الثقافية‪ ،‬التي تتمركز حول‬
‫دينامية املوارد))(‪ .((2‬وعلى الرغم من وجود ملكية فردية في مجاالت مشابهة ألوالد (اعميرة) من مثل‬
‫واحات (غريس) و(فركلة) و(الجرف) بإقليم الرشيدية‪ ،‬فقد ظلت أشكال استخدام األرض ونظام‬
‫الري خاضعة للتنظيم الجماعي للقبائل‪ ،‬وقد عرفت ْ‬
‫(الجماعة) التي تشرف على تنظيم املياه تحوالت‬
‫عميقة قاومتها السلطة السياسية بعد تفكيك البنية القبلية‪ ،‬وأصبحت إدارة املوارد تتسم بالفو�ضى‬
‫في عالية الواحة(‪ .((2‬وأصبحنا نعيش اليوم تحوالت في استخدام املواد الطبيعية عامة‪ ،‬واملائية‬
‫ً‬
‫تحديدا‪ ،‬من مثل ظهور بعض الزراعات الرأسمالية التي تسعى إلى (استثمار‪/‬استغالل) في هذه املوارد‪.‬‬
‫فهم هنا أن هذه املحافظة على البنية القبلية العمرية شملت املستويات‬ ‫لكن ال يجب أن ُي َ‬
‫جميعها‪ ،‬فقد كشفت الباحثة في هذا العمل امليداني على بعض التغيرات االجتماعية واالقتصادية‬
‫التي انعكست على ملكية األرض وملكية املاء‪(( ،‬واستطاعت بعض الفئات االجتماعية‪ ،‬أن تغير من‬
‫املكانة االقتصادية التي كانت عليه والتي لم تكن تملك أي رأسمال مادي أو وسائل اإلنتاج))(‪.((3‬‬
‫َ‬
‫وعلى الرغم من تمكن هذه الفئة‪ ،‬خاصة (الحراطين)‪ ،‬إحداث تغير في منزلتها االقتصادية‪ ،‬انهزمت‬
‫ً‬
‫اجتماعيا داخل املجال‪ .‬أما عن العالقة التي تربط املاء بالتراتب االجتماعي‪ ،‬فقد رأت أن السكان‬
‫املحليين خاضعون ملنطق ميزان القوى القائم على امتالك وسائل اإلنتاج الضرورية وقواه التي‬
‫تلعب ً‬
‫دورا ً‬
‫مهما في السلم االجتماعي‪ ،‬فقد ((فرضت التنظيمات القبلية التي عرفتها املناطق الواحية‬
‫والجبلية باألطلس الكبير‪ ،‬على الدوام وجود فئات اجتماعية متباينة‪ ،‬أحدها «قائد» بقوة السلطة‬

‫الدراسات االنثروبولوجية والسوسيولوجية‪ )2005 ،‬ص‪.239‬‬


‫(‪ ((2‬حنان حمودا‪ ،‬املاء وصناعة املقدس‪ ،‬ص‪.135‬‬
‫(‪ ((2‬حنان حمودا‪ ،‬املاء وصناعة املقدس‪ ،‬ص‪.179‬‬
‫(‪ ((2‬فوزية برج‪« ،‬بيئوية الفقراء‪ ،‬ديناميات التكيف وممارسات العيش‪ :‬مقاربة أنثروبولوجية»‪ ،‬عمران للعلوم االجتماعية‪ ،‬املجلد‬
‫السابع‪ ،‬ع‪ ،)2019( 27 :‬ص‪.89‬‬
‫(‪ ((3‬حنان حمودا‪ ،‬املاء وصناعة املقدس‪ ،‬ص‪.136‬‬

‫‪200‬‬
‫العدد الثامن عشر‪ -‬كانون الثاني‪ /‬يناير‪2022‬‬ ‫مراجعات الكتب‬

‫والجاه والرأسمال االقتصادي واالجتماعي وموقعه العائلي والقبلي‪ ،‬والبقية تابعة))(‪.((3‬‬


‫فضل على أن ُ‬‫ً‬
‫العرف كان‪ ،‬وما زال‪ ،‬السائد واملنظم للحياة االجتماعية بالواحة‪ ،‬وهو املورد الذي‬
‫تدور وتنتظم من حوله أشكال التفاعل كلها في الحياة املشتركة للمحليين‪ ،‬بما فيها من صلة باألبعاد‬
‫االجتماعية والثقافية والسياسية التي كانت ترتكز عليه في جل تفاصيلها‪ ،‬فالدور الذي لعبته وتلعبه‬
‫األعراف واملؤسسات التقاليد دور جوهري في عملية الضبط االجتماعي‪ ،‬من خالل قنوات مرنة وفعالة‬
‫تنشئوية‪ ،‬ينهل منها العرف والدين‪ ،‬في عملية إنتاج نظام‬
‫للغاية‪ ،‬تنتج مؤسسات اجتماعية تقليدية ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اجماعي‪ ،‬ويتعارف عليها املجتمع‪ ،‬ويطبقها‪ ،‬ويعترف بها بوصفها قانونا وإطارا قاعديا لتنظيم سلوك‬
‫الفرد والجماعة وتأطيره‪.‬‬

‫ً‬
‫خامسا‪ :‬مناقشة ومالحظات عامة‬
‫إن األهمية التي يكتسيها هذا الكتاب تكمن في الربط املنهجي بين الطبيعي والثقافي‪ ،‬واالنفتاح‬
‫على تخصصات عدة من قبيل الجغرافية والتاريخ والسوسيولوجيا واألنثروبولوجيا‪ ،...‬وهو يعيد‬
‫النظر في االتجاه الذي يفصل بين الطبيعي والثقافي‪ .‬اختارت الباحثة املاء وأبعاده املقدسة أو‬
‫نسجل مالحظات عامة صاحبتنا في مراجعة هذا العمل‪ ،‬إذ نرى‬ ‫السوسيوثقافية‪ ،‬ومن ثم يمكننا أن ّ‬
‫ُ‬
‫تكتمل في اللحظة التي يتفاعل معها‬ ‫أن مناقشة مجموعة من األفكار واملعارف التي وردت في الكتاب‬
‫املتلقي ليعطي لها معنى ال قراءة فحسب‪:‬‬
‫‪ 1.‬بالقدر الذي عنيت الباحثة بتلك املؤسسات التقليدية الناظمة للعالقات االجتماعية‪ ،‬فإنها‬
‫أغفلت مجموعة من املؤسسات املعاصرة (الجمعيات الفالحية والتنموية والجماعات الترابية‬
‫فاعل ً‬ ‫ً‬
‫أساسا في قطاع املاء‪ ،‬بل‬ ‫ومراكز االستثمار الفالحي وكالة الحوض املائي‪ )...‬التي أصبحت‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫عنصرا مشوشا‪ ،‬ملا أضافته من مشروعات (تنموية)‬ ‫أحيانا‬ ‫كان تدخلها في املجاالت الواحية‬
‫وقيم جديدة تتنافى مع القيم التقليدية‪ ،‬وكانت النتيجة أنها خلخلت تلك املعتقدات والقيم‬
‫التقليدية‪.‬‬
‫‪2.‬شهدت الواحات املغربية مجموعة من االستثمارات الرأسمالية في قطاع (النخيل‪ ،‬الصبار‪،‬‬
‫الفستق‪ )...‬والتي مست باألساس الفرشات املائية‪ ،‬وانعكس ذلك في تلك القيم التقليدية‬
‫واملقدسات املائية‪ ،‬بل خلخل النظام االجتماعي والثقافي‪ .‬وعلى الرغم من استمرارية بعض‬
‫ً‬ ‫الرواسب الثقافية (القبلية)‪ ،‬فلم َ‬
‫تبق بالصورة نفسها التي كانت عليها من قبل‪ ،‬وخالفا ملا جاء‬
‫(‪ ((3‬حنان حمودا‪ ،‬املاء وصناعة املقدس‪ ،‬ص‪.200‬‬

‫‪201‬‬
‫مراجعات الكتب‬ ‫العدد الثامن عشر‪ -‬كانون الثاني‪ /‬يناير‪2022‬‬

‫في متن الكتاب‪ ،‬نفترض أن ّ‬


‫التغير الحاصل في مستوى املوارد الطبيعية وتحوالت استخدامها‪،‬‬
‫انعكس في طبيعة التمثالت والقيم واملعتقدات واملمارسات الطقوسية على األقل في باقي‬
‫ً‬
‫ميدانيا (فركلة‪ ،‬غريس‪ ،‬تودغى)‪.‬‬ ‫الواحات التي احتككنا بها‬
‫‪3.‬هل يمكن للواحة (الرأسمالية) أن تلغي الواحة السوسسيوثقافية‪ /‬التقليدية؟ وهل يمكن‬
‫الحديث عن الواحة بصيغة املفرد أم هناك واحات متعددة؟‬
‫في الحقيقة‪ ،‬على الرغم من التشابه الحاصل في املستوى الطبيعي لعدد من الواحات املغربية؛‬
‫فهناك من التعدد الثقافي ما يكفي للقول إنها تخلف من واحة إلى أخرى‪ ،‬وإذا كانت إثنيات معينة‬
‫قد استطاعت االرتقاء على املستوى االقتصادي واالنهزام على املستوى االجتماعي‪ ،‬فعلى العكس‬
‫تراجعت املنزلة االقتصادية إلثنيات أخرى‪ ،‬لكن لم نلمس مدى محافظة هذه األخيرة على املنزلة‬
‫االجتماعية التي كانت تحتلها أم ال‪ ،‬أي درجة االرتباط بين الثابت (االجتماعي) واملتغير (االقتصادي)‪.‬‬
‫وزيادة على ما سلف‪ ،‬يمكننا الحديث عن عدد من املشروعات التنموية التي تشهدها الواحات اليوم‬
‫تحت ذريعة (النموذج التنموي الجديد) أو (تنمية مناطق الواحات) والتي ينظر إليها بعين وبمقاربة‬
‫تقنية من دون أي استحضار للبعد الثقافي واالجتماعي‪ ،‬فلم نشهد مع الباحثة أي ربط منهجي بين هذه‬
‫تفصيل ً‬‫ً‬
‫مكثفا‪.‬‬ ‫املقاربات وتغييب البعد األنثروبولوجي والثقافي التي فصلت فيه الباحثة‬
‫إن للبعد الثقافي أو األنثروبولوجي أهمية بالغة في مجال الواحات واملاء‪ ،‬إذ بات من الواجب الرهان‬
‫على املدخل الثقافي في مجال التنمية‪ ،‬لكن لم نشهد في الكتاب درجة االرتباط بين املدخل الثقافي‬
‫الذي راهنت عليه الباحثة على مستوى الفهم والتحليل‪ ،‬والبعد التنموي الذي ظل شبه غائب‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫العدد الثامن عشر‪ -‬كانون الثاني‪ /‬يناير‪2022‬‬ ‫مراجعات الكتب‬

‫املصادرواملراجع‬
‫باللغة العربية‬
‫‪1.‬حمزة‪ .‬محمد آيت‪ ،‬التوازن اإليكولوجي الواحي بين التنافس والتكامل‪ :‬ندوة املجال‬
‫واملجتمع بالواحات املغربية‪( ،‬مكناس‪ :‬كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪.)1993 ،‬‬
‫‪2.‬حمودا‪ .‬حنان‪ ،‬املاء وصناعة املقدس‪ :‬دراسة انثروبولوجية لبنيات املجتمع املغربي الواحي‬
‫باملغرب‪( ،‬الرباط‪ :‬كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪.)2021 ،‬‬
‫‪3.‬قسطاني‪ .‬بن محمد‪ ،‬الواحات املغربية قبل االستعمار»غريس نموذجا»‪( ،‬الرباط‪ :‬املعهد‬
‫امللكي للثقافة األمازيغية‪ ،‬مركز الدراسات االنثروبولوجية والسوسيولوجية‪.) 2005،‬‬
‫‪4.‬مهدان‪ .‬امحمد‪ ،‬املاء والتنظيم االجتماعي‪ :‬دراسة سوسيولوجية ألشكال التدبير االجتماعي‬
‫للسقي بواحة تودغى‪( ،‬أكادير‪ :‬جامعة ابن زهر‪ ،‬طباعة ونشر سوس‪.)2012 ،‬‬
‫بلغة أجنبية‬
‫‪1. Hamoudi. ABDELLAH, Ségmentarité, stratification sociale, pouvoir politique‬‬
‫‪et sainteté, Réflexion sur les thèses de gellner, (Hespéris Tamuda, 1974).‬‬
‫‪2. Ftaita. Toufik, Anthropologie de l’irrigation : les oasis de Tiznit, Maroc, (Paris :‬‬
‫‪L’Harmattan, 2006).‬‬
‫‪3. Battesti. Vincent, Jardins au désert: Evolution des pratiques et savoirs oasiens,‬‬
‫‪jérid Tunisien, (Paris : IRD Editions, 2005).‬‬

‫‪203‬‬

You might also like