Professional Documents
Culture Documents
فضاءات في انثروبولوجيا الاتصال
فضاءات في انثروبولوجيا الاتصال
أ/الزاوي خديجة
جامعة وهران
مقدمة:
ارتكزت اىتمامات الدارسين لظواىر اإلعالم واالتصال عمى المحاور التالية:
-اإلعالم واالتصال الجماىيري.
-تكنولوجيات اإلعالم واالتصال.
-االتصال في المؤسسات .
وفي نفس السياق استعمل مصطمح االتصال من عدة مضامين ك :ناقل،تبادل ،عالقة ،إقناع تأثير،
مراقبة ،....تناولو الباحثون من خالل مقاربات متعددة إال أنيا اقتصرت عمى دراسة االتصال كعممية
اتصالية بكل ما يرتبط بيا من عناصر أخرى ،وصفت بالطريقة التمغرافية درست بكثرة في مجتمع
المعمومات ،أي المجتمع الحديث المنتج و المستيمك لمتكنولوجيات اإلعالم واالتصال.لكن دراسة االتصال
كسيرورة قد اىمل تماما ىو موضوع دراسة االتصال باالقتراب االنثروبولوجي ،الحقل الجديد الذي بدا
التأسيس لو إال مؤخ ار عمى يد بعض االنثروبولوجيين الميتمين بظاىرة االتصال التي وجدت بوجود
اإلنسان فثقافتو وىذه المقالة ىي إشارة إلى ىذا الفضاء الجديد مستدلين ببعض الدراسات التي بحثت في
ىذا المجال فما ىو إذن ىذا الفضاء االتصالي؟
-انثروبولوجيا االتصال:
يرى االنثروبولوجييون أن االتصال ال يقتصر عمى االتصال الشفيي أو عبر وسائل اإلعالم واالتصال بل
يتعمق األمر بسيرورة أكثر تعقيد ،فالسموك الجسدي ،الحركات اإلرادية والالإرادية تمعب دو ار في االتصال
إلى جانب أن لكل ثقافة شفرة سموك ثقافي محددة لالتصال ،فيم يعتمدون عمى مقولة" ال يمكن أن ال
نتصل" ،أي أن االتصال ىو كل مندمج في سيرورة اجتماعية دائمة التي تشمل مختمف نماذج السموك:
الكممة ،النظرة ،الحركة ،...وكذلك في مختمف مجاالت الحيات اإلنسانية والثقافية منيا كاالحتفاالت
الرقص ،الموسيقى ،المسرح ،اليندسة المعمارية ،...و قد كان لمدرسة شيكاغو دو ار في توسيع دراسة
االتصال بعيدا عن وسائل اإلعالم واالتصال فخاصيتيا االمبريقية تجعميا رائدة في بداية تأسيس
النثروبولوجيا االتصال ىذه األخيرة التي أساسيا مبني عمى االمبريقية والميدانية أكثر منيا عمى النظرية
ىي خصوصية االنثروبولوجيا بمجاالتيا المختمفة .ومن الدراسات التي نعتبرىا أنيا ساىمت بطريقة او
اخرى في بناء ىذا الفضاء االنثروبولوجي االتصالي والمستخمصة لمفاىيم اتصالية جديدة كما يمي :
- 1حضارة المشافهة Maurice Houisدراسة في االنثروبولوجيا الميسانية باقتراب اتصالي
الحظ ىذا الباحث أن ىناك أسموب شفيي يمثل حضارة المشافية خاصية فقدىا المجتمع
األوروبي أين المغات فيو لمعيون أكثر لألذان ،حيث تساءل عمى الشعوب بدون كتابة أو حتى
التي ال تيتم بيا وال بالقراءة حول ماذا لدييم من تقنية اتصال اذا لم تكن ليم كتابة ؟
فمن البدييي أن تحافظ ىذه المجتمعات عمى ارثيا الثقافي بنقمو عن طريق نصوص تذكيرية متعددة قابمة
لمحفظ و الفيم .فالحظ أن ىذه المجتمعات تعتمد عمى المشافية التي تعد تقنية اتصال أساسية حتى و
إن لم تتفاعل فعالية الكتابة معيا ،إال أنيا تستمر في عممية تخميد المجتمع وارثو الثقافي كون ىذه التقنية
تتميز بعناصر فعالة لالتصال واالستمرار تتمثل في:
ا-عالقات االتصال :االتصال المساني عن طريق الصوت اإلنساني ىو اتصال سمعي ،معروف اليوية
لمفرد والجماعة ،وىو عمومي فيذه الخصائص الثالث تؤسس إلى عالقات شخصية مباشرة ما بين األفراد
عكس ما نجده في مجتمعات الكتابة أين العالقات ىي غير مباشرة تعتمد عمى عدة وسائط وصفيا كمود
ليفي ستروس بأنيا تنتج اتصال غير صادق .
ب-الذاكرة المؤسسية :االتصال الشفيي الناقل لمثقافة في مجتمع الالكتابة يرتكز عمى أشخاص يمثمون
مؤسسة ثقافية مثل الشعراء والمؤرخين الذين يروون التاريخ بشكل موسيقي في المناسبات يحكون فييا
تاريخ العشيرة ،األفراد ،والسير الذاتية ،مع اإلشارة ان الجانب المرئي المادي ليس غريب عن المشافية
مثل المنحوتات اإلفريقية فيي تحكي في صمت و تحفظ ذكرى الماضين الحاضرين.
ج-الكممة الممفوظة :الشيء الذي يجعل النصوص الشفيية ليا حياة مستمرة ألنيا تنزع الحجاب و تظير
لممجتمع ىويتو الخاصة ،تاريخو ،وحاضره فيي نصوص آنية متكونة من صوت وجميور مستقبل الن
الكممة الممفوظة ىي الشرط الذي يربط القائل بالسامع ،ثم لمكممة قوة حسب ىالس الكممة التي تقال جيدا
وفي الوقت المناسب ليا قيمة الفعل بحد ذاتو ،فيي تحمل وظيفة االندماج االجتماعي ووظيفة إعالمية
تمرر من خالليا معمومات عمى حسب سياق ووضعية النص الشفيي.
د-بنية النص:بنيةالنص الشفيي منظمة ورتمية لحنية تعمل عمى تسييل الذاكرة وعمى جمب االنتباه حيث
الحظ أن النصوص الشفيية في االحتفاالت اإلفريقية تحتوي عمى قاعدة بنيوية من خالليا الذاكرة تحفظ
وتنتقل،عكس النصوص المكتوبة التي تتطمب الرجوع في كل لحظة إلى السطور األولى لمسك خيوط
األفكار.
-2أنثروبولوجيا االتصال عند :YVES WINKIN
االتصال يعرفو ىذا األخير كل ما ينتجو اإلنسان في أية وضعية اجتماعية و كذلك ىو التعبيرات الناتجة
عن كل الفاعمين االجتماعيين .حسب YVESأن ىناك الكثير من ييتم باالتصال لكن األقمية منيم من
قام ببناء نظرية بالرجوع إلى ميدان الحياة المجتمعية والحظ االتصال عمى أصمو بالفعل ،سماه برىان
األنثروبولوجيا االتصال :تعمم مشاىدة االتصال في الكالم ،الحركات ،النظرات ...أي في الحياة اليومية
كما ىي .
فأنثروبولوجيا االتصال عنده ىو قبل كل شيء نظرة معمقة لممجتمع ترتكز عمى األعمال الميدانية
المتعددة األماكن المفتوحة مثل دراسة االتصال في :األسفار ،التظاىرات ،زيارة المتاحف ،مقاىي ،
حدائق عامة ،الموسيقى ،الرقص ،القرابة..
ىذا االقتراب مؤسس عمى االثنوغرافيا ال المسانيات وعمى االتصال ال المغة ،ألن االتصال ال يقتصر عمى
رسالة ،تبادل وتقابل بل كذلك عمى نسق عام المكون لسيرورة الحياة اليومية .
دراساتو الميدانية 1في ىذا المجال كانت موضوع كتابو أنثروبولوجيا االتصال ،نظرية الميدان ،يعتبر أىم
مرجع معاصر منظر النثروبولوجيا االتصال في الميدان.
-2االتصال الثقافي التثاقفي : LIPIANSKY
يقصد بو التقاء األشخاص الذين ينتمون إلى ثقافات مختمفة ،االلتقاء ىنا يتمثل في مميزات العالقة التي
تربط ما بين األشخاص ،الجنسية ماىي إال عامال ليذا االختالف فالمحيط االجتماعي ،الجنس ،السن،
األصل االثني ،مكان السكن ،الدين واالتجاه السياسي ىي التي تحدد ىذا النمط من االتصال إذن
االختالف ىنا يتمحور في الطباع الناتجة عن التنشئة االجتماعية القائمة عمى نظام من القيم والمعايير،
عالقات معاشة وطقوس التفاعل النابعة من الثقافة التي ينتمي إلييا الفرد ،تمثل كميا اليوية الثقافية التي
منيا يقود الفرد سموكا تو وسموكو االتصالي .
في أغمب األحيان يفسر صعوبة االتصال مابين األفراد الذين ينتمون إلى جنسيات مختمفة يكون سببيا
عدم التحكم في لغة اآلخر وبالتالي التحكم في لغتو سيزيل اإلشكال االتصالي ،لكن الذي يمعب دور
مركزي في نجاعة االتصال ىي مدى التحكم في الشفرات المغوية أكثر من المغة نفسيا ىذه الشفرات تمثل
ثقافة التي ال يستطيع تشفيرىا إال الناطق المنتمي ليذه الثقافة .
ما نستخمصو من ىذه الفضاءات ألنثروبولوجيا االتصال أن ىذا الحقل الجديد متميز عن االقتربات
االتصالية المتعددة األخرى بدراستو لالتصال في المجتمعات بدون مراعاة درجة تقدميا أو تخمفيا
التكنولوجي بل تراعي مميزاتيا الكائنة األصمية خاصة منيا التفافية ،فأنثروبولوجيا كل المجتمعات ىي
معموماتية اتصالية و في نفس الوقت ىي مختمفة عن بعضيا البعض لمخصائص التي ينفرد بيا كل
مجتمع عن اآلخر.
والحقل الجزائري يمثل حقال أنثروبولوجيا بالدرجة األولى والبحث في األعالم واالتصال يعد بحثا جديدا،
لم يتم استغالليا بعد عندنا خاصة أنو من االقترابات الميمة التي ستفتح المجال إلعادة النظر في مفاىيم
اإلعالم واالتصال وطرق دراستيا عمى حسب المجتمع المدروس لمكف من اإلسقاطات النظرية والمنيجية
غير المالئمة لبعض الحقول االجتماعية .
ولفيم ذاتنا وثقافتنا فعمينا فيم وتفسير اتصالنا أنثروبولوجيا فباالتصال تنتج ثقافة الجماعات والمجتمعات.
: أنظر المراجع اآلتية
1) Maurice HOUIS – L'anthropologie linguistique– 1971 –P 46 , 60 .
2) YVES Winkin – L'anthropologie de la communication la théorie du terrain – deboecle université – 1996 .
3) Edmond Marc Lipiansky – les dessous de la communication interculturelle , dans le livre : cabin philippe –
communication état de savoir –sciences humaines 2000 P269 -273 .
4) Mattelaut ( M) – histoire des théories de la communication – CASBAH 1999 .