You are on page 1of 37

‫اإلنسان مصدر المشاكل ومصدر الحلول‬

‫فتح اهلل كولن ‪ 15/02/2021‬العدد ‪82‬‬


‫املشاكل كثرية ومل ْخيُل زمن من مشاكل‪ .‬ولكن‪ ،‬إذا كانت املشاكل سُتحُّل يوًم ا‪ ،‬فسوف حيلها‬
‫أف ‪33‬راد بال مش ‪33‬اكل‪ ..‬أف ‪33‬راٌد َح ُّل وا مش ‪33‬اكلهم الداخلي ‪33‬ة‪ ،‬أي مل تع ‪33‬د ال ‪33‬دنيا مش ‪33‬كلة بالنس ‪33‬بة هلم‪ ،‬مل يع ‪33‬د‬
‫ِة ِم‬ ‫ِط ِري‬ ‫ِء ِن‬ ‫ِت ِم‬ ‫ِل‬
‫ال ‪33‬زوج والول ‪33‬د مش ‪33‬كلة هلم‪ُ( ،‬ز ِّيَن لَّن اِس ُح ُّب الَّش َه َو ا َن الِّنَس ا َو اْلَب َني َو اْلَقَن ا اْلُم َقْنَط َر َن‬
‫ال ‪َّ3 3‬ذ َه ِب َو اْلِف َّض ِة َو اَخْلْي ِل اْلُمَس َّو َم ِة َو اَألْنَع اِم َو اَحْلْر ِث )(آل عمران‪)١٤:‬؛ ك‪33 3‬ل ما يف ال‪33 3‬دنيا من فنت‬
‫وعقبات‪ ،‬كل ما يعوق الرجال من بنني ونساء‪ ،‬أو ما يع‪33‬وق النس‪3‬اء من أموال ورج‪3‬ال‪ ،‬كله‪33‬ا امتح‪3‬ان‬
‫وابتالء ما مل ُيستخدم يف مكانه الصحيح‪.‬‬
‫إن املرء إذا مل يتجاوز هذه املشاكل يف ذاته فهو املشكلة‪ .‬املشاكل اخلارجي‪33‬ة يف احلقيقة نابع‪33‬ة من‬
‫مش‪33‬اكله هو‪ .‬مل تع‪33‬رف األرض مفه‪33‬وم “املش‪33‬كلة” إال مع اإلنس‪33‬ان‪ .‬بعب‪33‬ارة أخ‪33‬رى إن املش‪33‬كلة هبطت‬
‫إىل األرض مع آدم اإلنس‪33 3‬ان (مع التزامن‪33 3‬ا ب‪33 3‬التوقري ملقام النب‪33 3‬وة)‪ .‬قب‪33 3‬ل جميء آدم إىل األرض مل يكن‬
‫للديناص‪33‬ورات ال‪3‬يت ك‪3‬انت تعيش عليه‪33‬ا أي إش‪3‬كال‪ ،‬مل يكن لوحي‪3‬دي القرن وال للفيل‪3‬ة أي‪3‬ة مش‪3‬كلة‪ ،‬مل‬
‫يكن للنب ‪33‬ات إش ‪33‬كال مع الش ‪33‬جر وال للش ‪33‬جر إش ‪33‬كال مع النب ‪33‬ات‪ .‬املش ‪33‬كلة هبطت إىل األرض مع‬
‫اإلنسان‪.‬‬
‫إلزالة املشكلة اليت جاءت مع اإلنسان‪ ،‬أرسل اهلل األنبياء حيث مت االرتقاء مبس‪33‬توى اإلنس‪33‬ان من‬
‫خالل تربيت‪3‬ه وتثقيفه‪ ،‬ومن مث انطلقت عملي‪3‬ة حل املش‪3‬اكل‪ .‬الي‪3‬وم‪ ،‬قب‪3‬ل حل املش‪3‬اكل الكامن‪3‬ة يف ذات‬
‫اإلنس ‪33 3‬ان‪ ،‬يتم اللج ‪33 3‬وء حلّل اإلش ‪33 3‬كال االقتص ‪33 3‬ادي‪ ،‬واإلش ‪33 3‬كال االجتماعي‪ ،‬واإلش ‪33 3‬كال السياس ‪33 3‬ي‪،‬‬
‫واملش‪3‬اكل املتعلقة بالرتبي‪3‬ة والتعليم‪ .‬ولكن ما دام اإلنس‪3‬ان َمْو ب‪3‬وء باملش‪3‬اكل‪ ،‬فس‪3‬وف ينش‪3‬ر الفريوس‪3‬ات‬
‫ويعدي اجلميع‪ ،‬وكل حماولة للبناء واإلصالح ستنتهي بالفشل‪.‬‬
‫إن مهمتكم الك‪33 3‬ربى أن حتّل وا مش‪33 3‬اكل ذواتكم أوًال‪ ،‬مث تنطلقوا حلل مش‪33 3‬اكل اآلخ‪33 3‬رين‪ .‬هل‬
‫ميكنكم أن تقولوا إنكم حللتم مشاكلكم؟ أي إن البيت مل يعد عائًق ا أمامكم‪ ،‬احلياة الزوجي‪33‬ة واألوالد‬
‫مل يعودوا عقبة لكم‪ ،‬الراتب ك‪3‬ذلك س‪3‬واء ك‪3‬ان أو مل يكن‪ ..‬هل تقول‪3‬ون “ال مش‪3‬كلة‪ ،‬س‪3‬أعمل ّمحاًال‬
‫لتغطي‪33‬ة حاج‪33‬ايت‪ ،‬ال يهم‪ ،‬ذاك املنص‪33‬ب ك‪33‬ان أو مل يكن‪ ،‬سأتس ‪ّ3‬و ل وأنظ‪33‬ف مراحيض املس‪33‬اجد لت‪33‬أمني‬
‫معيش‪33‬يت‪ ،‬ال مش‪33‬كلة”‪ .‬إذا كنتم ق‪33‬د جتاوزمت أنفس‪33‬كم إىل هذا احلد‪ ،‬وس ‪ّ3‬لمتم أموركم إىل اهلل‪ ،‬وص‪33‬ار‬
‫تسليمكم توكًال‪ ،‬وحتَّو ل التوّك ل إىل تفويض‪ ،‬آنذاك ُأجزم أنكم حللُتم مشاكلكم حًّقا‪.‬‬
‫عن ‪33‬دها ماذا أفع ‪33‬ل؟ أقّب ل ج ‪33‬بيَنكم وأق ‪33‬ول س ‪33‬ريوا على برك ‪33‬ة اهلل‪ ..‬أنتم ج ‪33‬اهزون حلّل املش ‪33‬اكل‬
‫املنتشرة يف أرجاء العامل‪ .‬عندما حتّلون مشاكلكم الذاتية‪ ،‬فلن تبقى عندئذ مش‪3‬اكل ال يف الدول‪3‬ة وال يف‬

‫‪1‬‬
‫اجملتمع‪ .‬ولكن إذا كّن ا نتخب‪33‬ط يف إش‪33‬كال الس‪33‬عي وراء ال‪33‬راتب واألس‪33‬رة واملنص‪33‬ب وغريها‪ ،‬فال داعي‬
‫للنقاش‪.‬‬
‫ي‪33‬أتيين كث‪33‬ريون‪ ،‬يقول أحدهم وك‪33‬أن القيامة ق‪33‬د ق‪33‬امت‪ :‬مل أرَز ق مبول‪33‬ود‪ ،‬ل‪33‬و دع‪33‬وَت يل‪ ،‬أتوس‪33‬ل‬
‫إلي‪33‬ك‪ ،‬فقدنا الس‪33‬كينة يف ال‪33‬بيت‪ ،‬وأن‪33‬ا يف ش‪33‬جار دائم مع الزوج‪33‬ة‪ .‬ها هي مش‪33‬كلة‪ ،‬ومش‪33‬اكل أخ‪33‬رى‬
‫مثلها ال تعد وال حتصى‪ .‬إن أفراًد ا تعثروا مبشاكل بسيطة كهذه‪ ،‬ال ميكن أن حيّلوا مشاكل اجملتمع‪ .‬إن‬
‫ال‪33‬ذين يتص‪ّ3‬د ون الي‪33‬وم حلّل املش‪33‬اكل متع‪33‬ثرون مبش‪33‬اكل من هذا الن‪33‬وع لألس‪33‬ف‪ .‬كي‪33‬ف إذا ك‪33‬ان الطبيب‬
‫مريًض ا؟ طبيب ي ‪33‬داوي الن ‪33‬اس وهو مريض؛ أج ‪33‬ل‪ ،‬مريض ُيع ‪33‬دي اآلخ ‪33‬رين مبيكروبات ‪33‬ه ظًّن ا من ‪33‬ه أن ‪33‬ه‬
‫يداويهم‪.‬‬
‫مهّم تكم الك ‪33 3‬ربى أن حتّل وا اإلش ‪33 3‬كال ال ‪33 3‬ذي عرفْت ه األرض مع اإلنس ‪33 3‬ان‪ .‬إذا حللتم "مش ‪33 3‬كلة‬
‫اإلنس ‪33‬ان"‪ ،‬عندئ ‪33‬ذ س ‪33‬تفهمون مع ‪33‬ىن حديث "كما تكون ‪33‬وا ُي وىَّل عليكم"‪ .‬كما تكون ‪33‬وا أنتم س ‪33‬يكون‬
‫وضعكم االقتصادي واإلداري والسياسي‪ ،‬وكما تكونوا أنتم سُتدار أموركم‪.‬‬
‫ال تبحث‪33‬وا عن املش‪33‬كل يف اخلارج‪ ،‬اإلش‪33‬كال يف داخلن‪33‬ا‪ ،‬وعن‪33‬دما حنّل ه يف داخلن‪33‬ا س‪ُ3‬تَح ّل املش‪33‬اكل‬
‫اخلارجية تلق ائًّيا‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(*) الرتمجة عن الرتكي‪33‬ة‪ :‬هيئ‪33‬ة حراء للرتمجة‪ .‬هذه النص‪33‬وص مرتمجة من دروس األس‪33‬تاذ فتح اهلل ك‪33‬ولن‬
‫اخلاصة‪.‬‬

‫درب األنبياء‬

‫فتح اهلل كولن ‪ 05/09/2019‬العدد ‪22‬‬

‫إن كنت حتلم بقطف مثار يانع‪33‬ة يف أعمال اإلرش‪33‬اد والتبلي‪33‬غ‪ ،‬فال حتس ‪ّ3‬نب أهنا تأتي‪33‬ك جماًن ا نتيج‪33‬ة‬
‫خ ‪33‬وارق تت ‪33‬نزل علي ‪33‬ك من الس ‪33‬ماء‪ ،‬ب ‪33‬ل احرص على أن تأخ ‪33‬ذ باألس ‪33‬باب كامل ‪33‬ة يأت ‪33‬ك اخلري مدراًر ا‪.‬‬
‫وذلك هو األصل يف شريعة الفطرة وسنة الكون‪ .‬انظر إىل النبات‪ ،‬أتراه يثمر دفعة واحدة؟! إمنا حيت‪3‬اج‬
‫إىل زمن طويل من العناية والرعاية حىت ينبت فينمو فيستوي فيؤيت ُأُك َله‪.‬‬

‫متاما مثل البيضة اليت ال خَي ُر ج فرُخ ه‪3‬ا س‪3‬ا ا إال بع‪3‬د زمن مكت‪3‬وب‪ .‬ف‪3‬إن كنت ترج‪3‬و حص‪3‬يلة طيب‪3‬ة‬
‫ًمل‬
‫خلدماتك ال‪33‬يت تقوم هبا يف س‪33‬احة اإلرش‪33‬اد‪ ،‬ف‪33‬اعلم أن‪33‬ه لن يتم ذل‪33‬ك إال بع‪33‬د أن تل‪33‬تزم بكامل األس‪33‬باب‬

‫‪2‬‬
‫الصحيحة واألساليب الصائبة اليت تنسجم مع طبيعة تلك اخلدمات‪ .‬أما العكس فس‪33‬عٌي وراء أحالم لن‬
‫تتحقق أبًد ا‪ .‬بالّٰل ه عليك‪ ،‬أتظن أن الّٰل ه سيغري سنته الكونية من أجل سواد عيوننا‪ ،‬وهو الذي مل يغريها‬
‫من أج‪33‬ل أنبيائ‪33‬ه‪ ،‬ب‪33‬ل حىت من أج‪33‬ل حبيب‪33‬ه األك‪33‬رم ورس‪33‬وله األعظم ص‪33‬لى اهلل علي‪33‬ه وس‪33‬لم؟! احلقيقة أن‬
‫األنبي ‪33‬اء مجيعهم وعلى رأس ‪33‬هم س ‪33‬يد األنبي ‪33‬اء ص ‪33‬لى اهلل علي ‪33‬ه وس ‪33‬لم عمل ‪33‬وا جبد وك ‪33‬افحوا حبكمة س ‪33‬نني‬
‫طويل‪33‬ة ص‪33‬ابرين ص‪33‬امدين مث‪33‬ابرين‪ .‬ومن مث ج‪33‬اء اللطف الرب‪33‬اين نص‪ً3‬ر ا وتوفيًق ا من‪33‬ه تع‪33‬اىل‪ ،‬كثمرة ل‪33‬ذلك‬
‫الكفاح الطويل‪ .‬إذن‪ ،‬من أراد التوفيق والنجاح فليسلك درب األنبياء‪.‬‬

‫األسوة والخدمة‬

‫إن من ُق ّد ر هلم أن يقوموا ب ‪33‬دور “األس ‪33‬وة” يف أي خدمة إمياني ‪33‬ة‪ ،‬فعليهم أن يكون ‪33‬وا “رج ‪33‬ال‬
‫خدمة” حًق ا‪ ،‬بكل كياهنم‪ ،‬ويف ك‪3‬ل ش‪3‬أن من ش‪3‬ؤون حي‪3‬اهتم‪ .‬عليهم أن يس‪3‬عوا لي‪3‬ل هنار دون توق‪3‬ف‪،‬‬
‫بل ينبغي أال يراهم أحد ن‪3‬ائمني أب‪3‬دا؛ ب‪3‬ل إذا أمكن فلتكن ثالث س‪3‬اعات من ي‪3‬ومهم لن‪3‬ومهم وس‪3‬اعتان‬
‫لسائر شؤوهنم‪ ،‬مث لينطلقوا ساعني خّد اما فيما تبّق ى من أوقاهتم‪ .‬إن‪33‬ه هبذا املس‪33‬توى من األداء فحس‪33‬ب‪،‬‬
‫ميكنهم أن يكونوا “مثاال” ملن حوهلم‪ ،‬ويكونوا قد وّفوا املسؤولية حقها‪ .‬أحسب أن أبطاال قد نذروا‬
‫أنفسهم للخدمة وفًق ا هلذه املقاييس س‪3‬وف خيطئ‪3‬ون الطري‪3‬ق إىل من‪3‬ازهلم يف بعض األحي‪3‬ان‪ .‬هذا وينبغي‬
‫على “رجل اخلدمة” أن يدير ظهره إىل ك‪3‬ل ش‪3‬يء يش‪3‬غله عن قضيته‪ ،‬وأال يقع أس‪3‬ري أي قي‪3‬د مينع‪3‬ه من‬
‫السعي أبًد ا‪َ ،‬م نزال ك‪3‬ان أو أهال أو عمال أو أي ش‪3‬يء آخ‪3‬ر… إن “ص‪3‬احب القضية” أص‪ً3‬ال‪ ،‬ليس ل‪3‬ه‬
‫حياة خاصة‪ ،‬اللهم إال يف بعض شؤونه الضرورية‪.‬‬

‫كظم الغيظ والبطولة‬

‫ال ش‪33‬ك أن حبس اإلنس‪33‬ان لغضبه وكظمه لغيظ‪33‬ه إزاء ما يلقاه من إس‪33‬اءات ومنّغص‪33‬ات من‪33‬اقٌض‬
‫لفطرته‪ ،‬لكّن املطلوب منه‪ ،‬هو هذا الفعل بالذات‪ .‬مث إّن خلّو املرء من حاسة الغضب َم نقَص ة وليس‪33‬ت‬
‫فضيلة أب‪ً3‬د ا‪ .‬إن القرآن يطلب من‪33‬ا يف مث‪33‬ل هذه احلاالت أن نكظم غيظن‪33‬ا‪ ،‬وحنبس غضبنا‪ ،‬ونص‪33‬رب على‬
‫األسباب اليت أثارت حفيظتنا‪ .‬هناك فرق كبري بني انعدام الغيظ متاًم ا وكظمه‪ .‬فمن َع ِدم الغي‪َ3‬ظ مل ين‪3‬ل‬
‫ثواب‪33‬ا لقاء ذل‪33‬ك‪ ،‬ألن‪33‬ه مص‪33‬اب حبال‪33‬ة غ‪33‬ري طبيعي‪33‬ة‪ .‬أما اإلنس‪33‬ان ال‪33‬ذي انتب‪33‬ه إىل نفس‪33‬ه فوج‪33‬دها تغلي وق‪33‬د‬
‫أوش ‪33‬كت على االنفج ‪33‬ار كالربك ‪33‬ان‪ ،‬فهّب مس ‪33‬رًعا‪ ،‬ف ‪33‬أحكم قي ‪33‬اد ثورهتا وكظم ن ‪33‬ريان غيظه ‪33‬ا… هذا‬
‫اإلنسان قد يرقى إىل مقام الوالية نتيجة هذا املوقف البطويل…‬

‫ـــــــــــــــــــ‬

‫‪3‬‬
‫(*) الرتمجة عن الرتكية‪ :‬نوزاد صواش‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫رجل يسبح دون أن يعرف السباحة‬

‫فتح اهلل كولن ‪ 09/12/2018‬العدد ‪69‬‬

‫إن حالنا يف اقتفاء أثر األنبي‪3‬اء ومن س‪3‬ار على درهبم من العظماء‪ ،‬يش‪3‬به حاَل َم ن ألقى بنفس‪3‬ه يف البح‪3‬ر‬
‫دون أن يعرف السباحة‪ ،‬ظل يتخّب ط هن‪3‬ا وهن‪3‬اك دون ج‪3‬دوى‪ ..‬فلما ش‪3‬اهده أهل احلرف‪3‬ة ق‪3‬الوا‪“ :‬هذا‬
‫ال يع‪33‬رف الس‪33‬باحة‪ ،‬هلّم وا بن‪33‬ا ننقذه”‪ .‬هذا حال َم ن أراد الس‪33‬ري يف طري‪33‬ق العظماء‪ ،‬يقول‪“ :‬اللهم ال‬
‫طاقة يل على السري يف هذا الطريق‪ ،‬ولكنين أحب أهله‪ ،‬نذرت نفسي للس‪33‬ري معهم‪ ،‬نظ‪33‬رُت إىل األنبي‪33‬اء‬
‫العظام واألولياء الفخام واألبرار الك‪3‬رام فوج‪3‬دهتم يس‪3‬بحون يف هذا البح‪3‬ر‪ ،‬ك‪3‬ل أملي ي‪3‬ا رب أن أك‪3‬ون‬
‫معهم وإن كنُت ال أجيد السباحة مثلهم”‪ ،‬مث يلقي بنفسه يف هذا البحر‪.‬‬

‫إن اهلل ع‪33‬ز وج‪33‬ل لن ي‪33‬رتك عب‪ً3‬د ا توَّج ه إلي‪33‬ه هبذا الش‪33‬عور أن يغ‪33‬رق‪ ،‬ب‪33‬ل س‪33‬يأخذ بي‪33‬ده وينقذه‪ ،‬ويفتح ل‪33‬ه‬
‫آفاًقا مل تكن يف حسبانه؛ جيعل من اللمعة مشًس ا‪ ،‬ومن القطرة حبًر ا‪ ،‬ومن ال شيء كَّل ش‪33‬يء‪ ..‬املهم أن‬
‫نكون على هذا الوعي‪ ،‬منحو ذاتنا‪ ،‬وننسلخ من دعوى األنانية‪.‬‬

‫الكتاب األوحد على مستوى العالم‬

‫القرآن “أمان ‪33‬ة”‪ ..‬أمان ‪33‬ة تتطّلب حفَظ “نصوص ‪33‬ها”‪ ،‬وفهم “معانيه ‪33‬ا” يف العقول والقل ‪33‬وب بش ‪33‬كٍل‬
‫صحيح‪ .‬فمن مل يع‪3‬رف مع‪3‬اين القرآن فما ع‪3‬رف قيمت‪3‬ه حًّقا‪ .‬احلفاظ على القرآن ال يك‪3‬ون باالس‪3‬تماع‬
‫إليه أو قراءته فقط‪ ..‬احلفاظ عليه يعين إحياء معاني‪3‬ه يف أرج‪3‬اء اجملتمع واحليلول‪3‬ة دون ذب‪3‬ول تل‪3‬ك املع‪3‬اين‬
‫أو شحوهبا يف القلوب‪ ،‬وبذل كل ما يف الوسع جلعله “الكت‪3‬اب األوحد” على مس‪3‬توى الع‪33‬امل‪ .‬ف‪3‬إن مل‬
‫حناف‪33‬ظ علي‪33‬ه ض‪33‬من هذا املعي‪33‬ار‪ ،‬واقتص ‪َ3‬ر حفظن‪33‬ا ل‪33‬ه على وض ‪ِ3‬عه يف أغطي‪33‬ة حريري‪33‬ة مزخرف‪33‬ة ُتعَّل ق ف‪33‬وق‬
‫رؤوسنا يف حجرات النوم‪ ،‬فقد فّر طنا يف حقه وُخ ّنا األمانة‪.‬‬

‫المواجهة العميقة‬

‫حنن أحوج ما نك‪33‬ون إىل إحي‪33‬اء اللي‪33‬ايل‪ ..‬حنن حباج‪33‬ة إىل أن خنل‪33‬و إىل اهلل تع‪33‬اىل‪ ،‬حباج‪33‬ة إىل يقظ‪33‬ة قلبي‪33‬ة‬
‫حقيقية بني يدي اهلل عز وجل‪ .‬حنن حباجة إىل أن نلح يف عبوديتنا على معىن “اإلحس‪33‬ان”‪ .‬حنن حباج‪33‬ة‬
‫إىل ذل ‪33‬ك أش ‪33‬د االحتي ‪33‬اج‪ .‬إزاء هذه العواص ‪33‬ف املهول ‪33‬ة ال ‪33‬يت تعص ‪33‬ف حولن ‪33‬ا‪ ،‬إزاء تس ‪33‬وناميات متعاقب ‪33‬ة‬
‫وأعاصري مروعة‪ ،‬إزاء عجز األشجار العمالقة عن الصمود وهتاويها أمامها‪ ،‬إزاء ك‪3‬ل ذل‪3‬ك حنن حباج‪3‬ة‬
‫إىل أن نتمسك بأوامر اهلل بعمق وجدية أكثر‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫األشجار اليت ال متتد جذورها يف أعماق الرتبة تنهار مع أدىن عاصفة‪ .‬عليكم أن تعمقوا العالقة مع اهلل‬
‫بال توق‪33‬ف‪ ،‬كون‪33‬وا مث‪33‬ل األش‪33‬جار الضاربة جبذورها يف األعماق‪ .‬ال‪33‬ذين يه‪33‬امجونكم الي‪33‬وم يتعمقون يف‬
‫ممارسة العداء والظلم ضدكم‪ ،‬يتعمقون يف حبك املكائد إلبادتكم‪ .‬فما مل تواجهوهم بالعمق نفس‪33‬ه يف‬
‫عالقتكم مع اهلل‪ ،‬ما مل تص ‪33‬مدوا‪ ،‬وتواظب ‪33‬وا على الص ‪33‬مود‪ ،‬تقذف بكم العواص ‪33‬ف بعي ‪ً3‬د ا‪ ،‬وتتن ‪33‬اثرون‬
‫ك ‪33‬أوراق اخلري ‪33‬ف‪ .‬لقد مشلكم اهلل حبفظ ‪33‬ه حىت الي ‪33‬وم‪ .‬إذا بقيتم على هذ اإلخالص والتج ‪33‬رد‪ ،‬واألداء‬
‫الرفيع‪ ،‬والسلوك العميق‪ ،‬واإلميان بـ”الغاية احللم”‪ ،‬والثبات عليه‪3‬ا والتمس‪3‬ك هبا‪ ،‬ف‪3‬إن اهلل س‪3‬يقابل ك‪3‬ل‬
‫خطوة إلي‪3‬ه خبطوات‪ ،‬س‪3‬يقابل املش‪3‬ي إلي‪3‬ه باهلرول‪3‬ة‪ ..‬تص‪3‬نعون ش‪3‬يًئا حبجم قطرة فيجعله‪3‬ا عش‪3‬ر قطرات‪،‬‬
‫بل مائة قطرة حسب إخالصكم وعمق نيتكم‪.‬‬

‫حقيقة الشوق إلى الجنة‬

‫عن ‪33‬دنا رج ‪33‬اء واحد‪ :‬اللهم ش ‪33‬وًقا إىل لقائ ‪33‬ك ولقاء حبيب ‪33‬ك تغنين ‪33‬ا ب ‪33‬ه عن الش ‪33‬وق إىل ما س ‪33‬واك‪ .‬اللهم‬
‫امنحنا شوًقا إليك وإىل حبيبك يأخذ بألبابنا‪ ،‬شوًقا ميح‪3‬و من قلوبن‪3‬ا ك‪3‬ل ش‪3‬وق إىل غ‪33‬ريك‪ .‬أيه‪33‬ا ال‪3‬رحيم‬
‫األوحد‪ ،‬أف‪33‬رغ قلوبن‪33‬ا من مجي‪33‬ع األش‪33‬واق األخ‪33‬رى‪ ،‬حىت الش‪33‬وق إىل اجلن‪33‬ة أزل‪33‬ه إن ك‪33‬ان ش‪33‬وًقا ِل ذاهتا‪.‬‬
‫أج ‪33‬ل‪ ،‬اجلن ‪33‬ة هلا قيمة‪ ،‬لكن قيمته ‪33‬ا ليس ‪33‬ت ل ‪33‬ذاهتا‪ ،‬حنن يف ش ‪33‬وق إليه ‪33‬ا ألن مجال اهلل هن ‪33‬اك‪ ،‬ورض ‪33‬وانه‬
‫هناك‪ ،‬واألنبياء العظام هناك‪ ،‬ومن أحبهم اهلل هناك‪ .‬شوُقنا إىل اجلنة من أجله س‪3‬بحانه‪ ،‬وإكراًم ا هلؤالء‬
‫العظماء‪ .‬وإال فُحّبنا الذي هنيم فيه هو اهلل ‪ ،U‬اهلل‪.‬‬

‫(*) الرتمجة عن الرتكية‪ :‬نوزاد صواش‪ .‬هذه النصوص مرتمجة من دروس األستاذ املنشورة‪.‬‬

‫السلوك وفتح القلوب‬

‫فتح اهلل كولن ‪ 04/02/2017‬العدد ‪23‬‬

‫ال ش‪33‬ك أن الّس ر ال‪33‬ذي هّز أرك‪33‬ان األرض كله‪33‬ا على أي‪33‬دي أحد عش‪33‬ر حواري‪33‬ا هو إخالص‪33‬هم العمي‪33‬ق‬
‫وسلوكهم الصادق ال‪3‬ذي ي‪3‬دفع الن‪3‬اس إىل اإلميان‪ .‬وك‪3‬ذلك س‪3‬اداتنا الص‪3‬حابة الك‪3‬رام رض‪3‬وان اهلل عليهم‬
‫عن ‪33‬دما انطلقوا يف ش ‪33‬ىت بقاع الع ‪33‬امل حيمل ‪33‬ون مش ‪33‬اعل اإلميان يف أي ‪33‬ديهم‪ ،‬ك ‪33‬ان الس ‪33‬ر األعظم يف تفّتح‬
‫القلوب هلم بالقبول حيثما حّل وا‪ ،‬يكمن يف س‪3‬لوكهم الص‪33‬ادق ال‪3‬ذي يس‪3‬تحث القل‪3‬وَب على االس‪3‬تجابة‬
‫واإلميان‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫وهك ‪33‬ذا س ‪33‬ارت ق ‪33‬اطرة الزمان قرن ‪33‬ا بع ‪33‬د ق ‪33‬رن حىت بلغت عص ‪33‬رنا ال ‪33‬راهن‪ ،‬ف ‪33‬إذا باملس ‪33‬لمني ق ‪33‬د ازدادت‬
‫أع‪33‬دادهم ك‪33‬ثرة‪ ،‬وامت‪33‬دت رقع‪33‬ة أراض‪33‬يهم طوال وعرض‪33‬ا‪ ،‬يف حني أن ال‪33‬روح فقدت هليَبه‪33‬ا يف النفوس‪،‬‬
‫واملعاين انطفأت جذوهُت ا يف القلوب‪ ،‬فاختّل التوازن بني الكّم والكيف‪.‬‬

‫الي ‪33‬وم ل ‪33‬دينا العقل املفّك ر وعن ‪33‬دنا املنطق املدِّبر‪ ،‬وق ‪33‬د تفوقن ‪33‬ا على القدماء من أس ‪33‬الفنا يف جمال العل ‪33‬وم‬
‫واملعارف والتكنولوجيا بصورة هائل‪3‬ة ال تقب‪3‬ل املقارن‪3‬ة‪ .‬لكن ش‪3‬تان بني قلوبن‪3‬ا وبني القل‪3‬وب ال‪3‬يت ك‪3‬انت‬
‫ختفق يف ج‪3‬واحنهم‪ .‬إنن‪3‬ا الي‪3‬وم حمرومون من نعمة ك‪3‬ربى ك‪3‬انوا ميلكوهنا‪ ..‬نعمة االستش‪3‬عار باهلل يف ك‪3‬ل‬
‫خفقة من خفقات القلب‪ ،‬مث جتلي ذلك االستش‪3‬عار يف مالمح الوج‪3‬ه وظه‪33‬وُر آث‪3‬اره يف الس‪3‬لوك‪ .‬أج‪3‬ل‪،‬‬
‫ك‪33‬ان ينبغي أن ينعكس خلج‪33‬ان القلب وخفقان‪33‬ه على وجوهن‪33‬ا وس‪33‬لوكنا‪ ،‬وأن يك‪33‬ون َم ظهُر ن‪33‬ا مرآة ملا‬
‫ميوج يف بواطنن ‪33‬ا من يقني؛ متاما مث ‪33‬ل الس ‪33‬اعة حينما يتجلى عمله ‪33‬ا ال ‪33‬داخلي على هيئته ‪33‬ا اخلارجي ‪33‬ة يف‬
‫صورة نظام عجيب حيث تتنقل العقارب بني الثواين والدقائق والساعات بدق‪33‬ة فائقة ت‪33‬دفع املرَء إىل أن‬
‫يقول “ما أعظم هذا اإلبداع وما أروعه!‪ ”..‬تنّبْه إىل أّن حمركاِت الساعة الداخليَة هي املوِّج ُه احلقيقي‬
‫لنظامها اخلارجي‪.‬‬

‫إن من‪3‬ابع احليوي‪3‬ة كامن‪3‬ة يف ب‪3‬واطن اإلنس‪3‬ان؛ يف قلب‪3‬ه‪ ،‬يف لطيفت‪3‬ه الرباني‪3‬ة‪ ،‬يف س‪3‬ره‪ ،‬يف خفّي ه‪ ،‬يف أخفاه‪،‬‬
‫يف أعماق‪33‬ه الالهنائي‪33‬ة‪ .‬وعن‪33‬دما تتفج‪33‬ر هذه املن‪33‬ابع من األعماق تظه‪33‬ر انعكاس‪33‬اهتا س‪33‬لوكا على اجلوارح‬
‫واملالمح واألطراف‪.‬‬

‫ومن مث فما َينقص العاَمل اإلسالمي اليوم ليس العلم وال التكنولوجيا وال املال ‪-‬ال شك أن لكل عنص‪33‬ر‬
‫من هذه العناصر دورا مهما‪ -‬إمنا نقصنا احلقيقي هو سلوك صادق‪ ،‬وحال خالصة‪ ،‬وحياة قلبية عميقة‬
‫وواس‪33‬عة توّج هن‪33‬ا يف قيامن‪33‬ا وقعودن‪33‬ا وترش‪33‬دنا يف ِح ّلن‪33‬ا وترحالن‪33‬ا‪ .‬إن ما ينقص‪33‬نا ص‪33‬ورة س‪33‬لوكية ص‪33‬ادقة‬
‫حتّر ك مكامن اإلميان يف قلوب الناس وحتضهم على التصديق برسالتنا اخلالدة‪.‬‬

‫المكابدة والمكافأة‬

‫بقدر ما حيت‪33‬اج اإلنس‪33‬ان إىل القرآن‪ ،‬يتطلب القرآن يف التعب‪33‬ري عن ذات‪33‬ه وج‪33‬وهره أناس‪33‬ا خملص‪33‬ني أنقي‪33‬اء‬
‫اصطبغت قلوهبم بصبغة القرآن فَتَق ْر َأنوا‪ .‬عندما ُيوَض ع كتاب اهلل يف معلقات خمملّي ة مجيل‪3‬ة على رف‪3‬وف‬
‫عالي ‪33‬ة مزخرف ‪33‬ة‪ ،‬فال َي رى الن ‪33‬وَر إال بني احلني واآلخ ‪33‬ر ِلتلمس ‪33‬ه األي ‪33‬دي إجالال‪ ،‬وتقّبل ‪33‬ه الش ‪33‬فاُه تّربك ‪33‬ا‪،‬‬
‫وتعي‪33‬ده إىل مكان‪33‬ه يتيما‪ ،‬فمع‪33‬ىن ذل‪33‬ك أن‪33‬ه س‪33‬جني ال يس‪33‬تطيع التعب‪33‬ري عن نفس‪33‬ه واإلفص‪33‬اح عن حقائقه‪،‬‬
‫وكيف يتسىن له ذلك وليس هناك من ميثل رسالته السامية؟!‬

‫‪7‬‬
‫لقد كان القرآن حاضرا وفاعال يف احلياة على مّر القرون‪ ،‬وكان الدليَل اهلادي والروح الس‪3‬اري جلمي‪3‬ع‬
‫البش‪33‬رية من‪33‬ذ اللحظ‪33‬ة األوىل ال‪33‬يت جتّلى فيه‪33‬ا على األرض‪ .‬فت‪33‬ارة انطل‪33‬ق ن‪33‬داؤه يف األرج‪33‬اء كاف‪33‬ة يش‪33‬دو‬
‫ويصدح ويدوي يف الزمان واملكان؛ وتارة بّح صوُته‪ ،‬وخب‪33‬ا ن‪33‬وُر ه‪ ،‬وانكمش يف ص‪33‬مت ك‪33‬ئيب‪ ،‬حينما‬
‫ُأِجلَم عن الكالم‪ ،‬وُو ِض ع يف الُقُطف املخملّية مكَّبال‪ ،‬وألقي يف حجرات الزينة سجينا بئيسا‪.‬‬

‫باهلل عليك كيف تنتظر أن تنال ما ناله الكادحون املكابدون من أرباب القلوب اليت تفتتت وذابت من‬
‫أجل القرآن‪ ،‬وقلبك مل يتفتت من أجله مرة واحدة ومل َيُذ ب يف س‪3‬بيله ق‪3‬ط‪ .‬ص‪33‬حيح أن اللطي‪3‬ف املّن ان‬
‫ق ‪33‬د يتجلى على عب ‪33‬ده بعطاي ‪33‬ا مل ينتظرها وألطاف مل حيتس ‪33‬بها‪ ،‬غ ‪33‬ري أن القاع ‪33‬دة تقول بقدر الك ‪33‬دح‬
‫واملكابدة‪ ،‬تكتسب العطية واملكافأة‪ .‬إذْن باِد ر إىل إحياء الليايل بالتضرع واالبتهال؛ اص‪3‬بغ ظلمة ليل‪3‬ك‬
‫بص‪33‬بغة النه‪33‬ار وض‪33‬يائه س‪33‬تجد اهلل ق‪33‬د ص‪33‬بغ ظلمات حيات‪33‬ك ولياليه‪33‬ا ب‪33‬أنوار النه‪33‬ار األغ‪33‬ر؛ وحّو ل لي‪33‬ايل‬
‫دني‪33‬اك إىل أي‪33‬ام بيضاء‪ ،‬س‪33‬تجد اهلل ق‪33‬د حّو ل ظلمات آخرت‪33‬ك إىل أن‪33‬وار‪ .‬واعلم أن الوج‪33‬وه ال‪33‬يت مترغت‬
‫على عتب ‪33‬ات ال ‪33‬رمحن‪ ،‬ال خيذهلا اهلل أب ‪33‬دا‪ ،‬وال خُي زيه ‪33‬ا‪ ،‬وال يرتكه ‪33‬ا ُتوطأ حتت األق ‪33‬دام؛ لكْن بش ‪33‬رط أن‬
‫ُتقبل عليه بك‪3‬ل قلب‪3‬ك‪ ،‬وتتج‪3‬ه إىل باب‪3‬ه بك‪3‬ل جوارحك وهتت‪3‬ف‪ :‬ي‪3‬ا رب من يل س‪3‬واك؟! خ‪3‬ذ بي‪3‬دي…‬
‫يا رب يا رب…‬

‫اآلذان شبعى والعيون جوعى‬

‫حراء العدد ‪40‬‬

‫إذا وّح د العب‪3‬د بني “القال‪-‬واحلال”‪َ ،‬عَلْت منزلت‪3‬ه عن‪3‬د مواله‪ ،‬وَم ن َعَلْت منزلت‪3‬ه عن‪3‬د مواله‪ ،‬ارتفعْت‬
‫مكانته يف النفوس‪ ،‬وكان ِلـقاِله وقٌع يف القلوب‪ .‬فـ”القال‪-‬واحلال” طرفا “لس‪3‬اٍن واحد” ل‪3‬ه ما ل‪3‬ه من‬
‫األمهي‪33‬ة يف إعالء احلق ومتثيل‪33‬ه وتبليغ‪33‬ه… وإذا ما ص‪33‬دع هذا اللس‪33‬ان باحلقيقة زل‪33‬زل القل‪33‬وب‪ .‬ذل‪33‬ك هو‬
‫شأن من مجع بني احلال والقال ومل يفصل بينهما؛ فكلمات‪3‬ه ت‪3‬رتك يف القل‪3‬وب أث‪ً3‬ر ا ال ينمحي وُيكَتب هلا‬
‫اخللود‪ .‬ويف األث‪3‬ر أن اهلل أوحى إىل عيس‪3‬ى ابن مرمي‪ِ“ :‬ع ْظ نفَس ك حبكميت‪ ،‬ف‪3‬إن انتفعْت فِع ظ الن‪3‬اس‪،‬‬
‫وإال فاستحي مين”‪ ،‬ويف هذا أبلغ البيان للسر الكامن وراء تصديق القول بالفعل‪.‬‬

‫على املرء إًذا أن يقوم مبا آمن ب‪33‬ه أوًال‪ ،‬مث ينطل‪33‬ق ليب‪33‬وح ‪-‬بتج‪ّ3‬ر ٍد وفن‪33‬اٍء والتفات عن ال‪33‬ذات‪ -‬مبا خ‪33‬اجل‬
‫ص‪33‬دره من مش‪33‬اعر‪ ،‬وما ت‪33‬ردد يف أعماق‪33‬ه من أص‪33‬داء‪ ،‬وما انقدح يف ذهن‪33‬ه من أفك‪33‬ار إث‪33‬ر قيامه مبا آمن‬
‫به‪ .‬أَال فليستحي من يعظ ‪-‬مثًال‪ -‬يف التهجد والقيام وهو يف ليله من الغافلني النيام‪ ،‬وكذا من يعظ يف‬

‫‪8‬‬
‫اخلش ‪33‬وع واخلضوع وهو يف ص ‪33‬الته غاف ‪33‬ل الٍه مل يل ‪33‬تزم مبا جيب من األدب والوق ‪33‬ار بني ي ‪33‬دي اهلل‪ ،‬وال‬
‫ينبس‪ّ3 3‬ن ببنت ش ‪33‬فة عن “َن ْذ ر العمر لآلخ ‪33‬رين” من ك ‪33‬ان بال “قلب من ‪33‬ذور” لآلخ ‪33‬رين‪ .‬أج ‪33‬ل‪ ،‬لقد‬
‫قضت حكمة اخلالق أّن تأثري القول رهن بتخّلله يف قائله وقيامه به‪ ،‬فقال منبًه ا‪َ﴿ :‬يا َأُّيَه ا اَّلِذ يَن آَم ُنوا‬
‫َمِل َتُقوُلوَن َم ا َال َتْف َعُلوَن * َك ُبَر َم ْق ًتا ِعْنَد اِهلل َأْن َتُقوُلوا َم ا َال َتْف َعُلوَن ﴾(الصف‪.)3-2:‬‬

‫وال يذهّنب بأحٍد ال‪3‬وهُم إىل أّن اآلي‪3‬ة عن‪3‬دما حتّذ ر املؤمنني وُتنك‪3‬ر عليهم بص‪3‬يغة الس‪3‬ؤال‪ ،‬أهنا تقول هلم‪:‬‬
‫“ُكّف وا عن ق‪3‬ول ما ال تفعل‪3‬ون”‪ ،‬ب‪3‬ل تقول هلم‪“ :‬ق‪3‬د غ‪3‬دومت ترمجاًنا للح‪3‬ق ب‪3‬أقوالكم‪ ،‬فِلَم ال ت‪3‬رتمجون‬
‫أقواَلكم إىل أفعال أيًض ا؟ فالقول املنفصل عن الفع‪3‬ل هو من أعظم ما جيلب غضب اجلب‪3‬ار ومقت‪3‬ه”‪ .‬إًذا‬
‫ليس املراد من‪33‬ع اإلنس‪33‬ان من ق‪33‬وِل ما مل يفع‪ْ3‬ل ‪ ،‬ب‪33‬ل حتفيزه على فع‪33‬ل ما يقول… فالفع‪33‬ل عب‪33‬ادة والقول‬
‫عب‪33‬ادة‪ ،‬ف‪33‬إذا تركهما مًع ا فقد اق‪33‬رتف إمثني اث‪33‬نني وُح ِر م “الت‪33‬أثَري” من وجهني‪ ،‬ومن ت‪33‬رك أحَد مها فقد‬
‫اقرتف إًمثا واحًد ا وُح ِر م “التأثري” من وجه واحد‪.‬‬

‫أج ‪33‬ل‪ ،‬قوُل ك ملا مل تفع ‪33‬ل‪ ،‬أو ب ‪33‬األحرى ترُك ك لفع ‪33‬ل ما تقول‪ ،‬جيلب الغضب اإلهلي‪ ،‬وخُي مد ج ‪33‬ذوة‬
‫كلمات‪33‬ك‪ ،‬ويزع‪33‬زع ثقة اخلل‪33‬ق ب‪33‬ك‪ ،‬وحيي‪33‬ل عبارات‪33‬ك مفرداٍت جاف‪ً3‬ة حُّدها اآلذاُن إىل أمٍد‪ ،‬مث مص‪ُ3‬ريها‬
‫النسيان إىل األبد‪.‬‬

‫عرفُت أناًس ا الَّص مُت ْمَسُتهم‪ ،‬ال يتحدثون إال ملاًم ا‪ ،‬وعندما يقتضي األمر فح‪3‬ديثهم ‪-‬غالًب ا‪ -‬إما ش‪3‬رح‬
‫ملع‪33‬اٍن جتَّلْت يف س‪33‬لوكهم األص‪33‬يل‪ ،‬وإما تفص‪33‬يل ملش‪33‬اعر عميقة يعوزها البي‪33‬ان‪ ،‬أو تيس‪33‬ري حلقائق أش‪33‬كل‬
‫فهُم ه ‪33‬ا على من َعميت بص ‪33‬ائرهم‪ .‬وكم وق ‪33‬ف الن ‪33‬اس مش ‪33‬دوهني مبه ‪33‬ورين وهم يص ‪33‬غون إىل ُخ طبهم‬
‫الص‪33 3‬امتة‪ ،‬أي خطِب لس‪33 3‬ان احلال‪ .‬ي‪33 3‬ا هلل كم وكم بلغ‪33 3‬وا من عمق احلال والقلب‪ ،‬حىت إن ك‪33 3‬ل من‬
‫جيلس بني أي‪33‬ديهم ويس‪33‬تمع إليهم‪ ،‬ما أس‪33‬هل أن يفهم عنهم ول‪33‬و مل يكن ممن يع‪33‬رف لغتهم‪ ،‬ف‪33‬يزداد هلم‬
‫إكباًر ا وتقديًر ا‪ .‬وعندما كّنا حنضر جمالسهم كّنا نقول‪“ :‬شِه دنا‪ ،‬أدَر ْك نا‪ ،‬تشّر بنا” ال “مسعنا‪ ،‬تعّلمن‪33‬ا‪،‬‬
‫صّد قنا”… كانت كلماهتم حكمة‪ .‬فإن الذوا بالصمت ش‪3‬عرَت بس‪3‬هاٍم يف أعماق‪3‬ك ت‪3‬رمي هبا نظ‪3‬راٌت‬
‫منهم ترى اهلل عليها رقيًبا‪.‬‬

‫أجل‪ ،‬ما أكثرها من ينابيع وما أغزرها من عيون‪ ،‬تلك اليت مررُت هبا! لكن ‪-‬وا حس‪3‬رتاه‪ -‬مل أس‪3‬تطع‬
‫ملء دل‪33‬وي‪ ،‬فك‪33‬ان العبث والتس‪33‬كع حرف‪33‬يت‪ .‬أليس ش‪33‬عث حايل دليًال على تش‪ّ3‬ر دي وض‪33‬ياعي؟! إن‪33‬ين ما‬
‫زلت حىت اآلن أش‪33‬عر ب‪33‬أثر ص‪33‬مت هؤالء الرب‪33‬انيني ال‪33‬ذين إْن حتّد ثوا فكلماهتم “حكمة”‪ ،‬وإن ص‪33‬متوا‬
‫فاضوا فكًر ا وتأمًال‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ما أكثر ما مسعُت حىت اليوم من خطب بليغة وكلمات فريدة‪.‬آذاُننا شبَعى‪ ،‬وعيوُننا جوَعى‪ .‬ليتين أرى‬
‫اإلس‪33‬الم س‪33‬لوًك ا ميش‪33‬ي على األرض‪ ،‬ال كلمات ت‪33‬رتدد فحس‪33‬ب‪ .‬وا أس‪33‬فاه‪ ،‬فالكلمات تش‪33‬كو قائله‪33‬ا‪،‬‬
‫واخلطب تشكو خطيبها‪ .‬أرجوكم ال تعتبوا علّي ‪ ،‬فإنين بينما أقول ما أقول أضع نفس‪33‬ي يف هذه الكّف ة‬
‫نفس‪3‬ها؛ ق‪3‬ل يل أين اخلش‪3‬وع يف وج‪3‬وه املص‪33‬لني والقراء‪ ،‬ومن يقفون ص‪ًّ3‬فا واحًد ا بني ي‪3‬دي اهلل تع‪33‬اىل؟!‬
‫فال معاين املثول بني يدي اهلل هلا أثر على حالنا وسلوكنا‪ ،‬وال اخلشية تبَّدت يف قسماتنا؛ ويكأّن قلوبن‪33‬ا‬
‫ميتة!‬

‫أجل‪ ،‬إْن كّنا نبتغي سبيًال للتأثري يف النفوس فهو لسان “احلال”‪َ ،‬أَنسيتم أّن أمة حممد ‪-‬ص‪33‬لى اهلل علي‪33‬ه‬
‫وسلم‪ -‬ما انتكست إال يوم أن أخطَأْت طريَق لسان “احلال”؟! أال ما أقَّل رجاَل احلال اليوم!‪ ..‬وإّنن‪33‬ا‬
‫ما ُمنين‪3‬ا باهلزمية إال مبْح ل حّل بن‪3‬ا يف رج‪3‬ال احلال‪َ .‬أك‪َ3‬ر ه أن أنفث بالي‪3‬أس يف القل‪3‬وب… وما أري‪3‬د إال‬
‫التنويه هبذا األصل‪“ :‬العودة إىل الذات‪ ،‬والتج‪ّ3‬د د‪ ،‬وال‪3‬وعي ال‪3‬دائم”‪ .‬وإيّن ألحَس ب أّن املوت خ‪3‬ري من‬
‫حي‪33 3‬اة الغ‪33 3‬افلني عن اجلوهر وال‪33 3‬ذات‪ .‬رّبن‪33 3‬ا امنن علين‪33 3‬ا باليقظ‪33 3‬ة والع‪33 3‬ودة إىل ال‪33 3‬ذات… وإال فأكرمن‪33 3‬ا‬
‫بلقائك‪.‬‬

‫ذرة من عمل خالص‬


‫فتح اهلل كولن ‪ 25/04/2019‬العدد ‪71‬‬

‫احرصوا على العمق يف العبودية‪َ ..‬أولوا اإلخالص عناية خاصة‪ ..‬اإلخالص مينح العمَق قيمَته احلقيقية‪.‬‬
‫ذرة من عمل خالص َتفُضل أطناًنا من عمل بال إخالص‪ .‬حتّر وا مرضاة اهلل يف أعمالكم‪ .‬إن رض‪3‬ي هو‬
‫وغضب الع‪33‬اُمل كل‪33‬ه فال يهّم‪ ،‬إن َقِب ل هو ورفض الع‪33‬اُمل كل‪33‬ه فال ض‪33‬ري‪ .‬إن رض‪33‬ي اهلل عنكم وقب‪33‬ل بكم‬
‫واقتضت حكمت ‪33‬ه ذل ‪33‬ك‪ ،‬يوّج ه قل ‪33‬وب الن ‪33‬اس إليكم ب ‪33‬القبول حىت وإن مل تطلب ‪33‬وا ذل ‪33‬ك‪ .‬لتكن غايتن ‪33‬ا‬
‫األساس يف هذه اخلدمة املباركة حتقيق مرضاته سبحانه ال غري‪ ..‬األمر مكفول بعناي‪3‬ة اهلل‪ ..‬فعلين‪3‬ا باجلّد‬
‫واإلتقان‪ ،‬وعلينا باإلخالص والتجرد‪.‬‬

‫لو منحوني وسام “فاتح العالم”‬

‫ال تس‪33‬تحق ال‪33‬دنيا البقاء فيه‪33‬ا إن مل نعّل ق حياتن‪33‬ا فيه‪33‬ا بغاي‪33‬ة س‪33‬امية‪ .‬هذه قناع‪33‬ة القطمري (يقص‪33‬د نفس‪33‬ه)‪.‬‬
‫أج ‪33‬ل‪ ،‬إن مل أع ‪ّ3‬ر ف الع ‪33‬امل َمبِل ك املل ‪33‬وك س ‪33‬بحانه وأب ‪33‬ذل قص ‪33‬ارى جه ‪33‬دي يف ذل ‪33‬ك‪ ،‬إن مل أغ ‪33‬رس حمب ‪33‬ة‬

‫‪10‬‬
‫احلبيب املص‪33‬طفى ص‪33‬لى اهلل علي‪33‬ه وس‪33‬لم يف القل‪33‬وب‪ ،‬إن مل أعمل على هداي‪33‬ة الن‪33‬اس إىل اهلل‪ ،‬إن مل أكن‬
‫هائًم ا بغاي‪33‬ة س‪33‬امية كه‪33‬ذه ‪-‬أرج‪33‬و أن تع‪33‬ذروين س‪33‬أقول ش‪33‬يًئا أقول‪33‬ه لنفس‪33‬ي دائًم ا‪ -‬فس‪33‬أعّد نفس‪33‬ي محاًر ا‬
‫حىت ل‪33‬و منح‪33‬وين وس‪33‬ام “ف‪33‬اتح الع‪33‬امل”‪ .‬احلبيب املص‪33‬طفى ص‪33‬لى اهلل علي‪33‬ه وس‪33‬لم يأمرن‪33‬ا ‪-‬ف‪33‬داه روحي‪-‬‬
‫ب‪33‬أن “حبب‪33‬وا اهلل إىل عب‪33‬اده حيببكم اهلل”‪ .‬اغرس‪33‬وا حمبت‪33‬ه يف القل‪33‬وب حيببكم اهلل‪ ..‬هن‪33‬اك مقابل‪33‬ة خاص‪33‬ة‪..‬‬
‫َتوّج ه إىل اهلل بقطرة يقابل‪3‬ك ببح‪3‬ر‪ ،‬تقدم حنوه ب‪3‬ذّر ة يقابل‪3‬ك بش‪3‬مس‪ ،‬تقدم إلي‪3‬ه بع‪3‬امل ف‪3‬اٍن مينح‪3‬ك عا ا‬
‫ًمل‬
‫خالًد ا‪.‬‬

‫إزالة الموانع بين العباد ورب العباد‬

‫هن‪3‬اك مفه‪3‬وم يع‪3‬رب عن فلس‪3‬فتنا يف “دع‪3‬وة اخلدمة” نك‪3‬رره دائًم ا‪“ :‬العيش من أج‪3‬ل اآلخ‪3‬رين”‪ .‬أج‪3‬ل‪،‬‬
‫أن تقول إمنا أعيش من أج‪3‬ل أن يعيش الن‪3‬اس‪ ،‬إمنا أعيش من أج‪3‬ل أن يتواص‪3‬ل الن‪3‬اس مع اهلل‪ ،‬أن تتص‪3‬ل‬
‫قلوب العباد باهلل‪ ،‬أن تزول املوانع بني العباد ورب العباد‪ ،‬مث ليحدْث يل بعد ذلك ما حيدث‪ ،‬ال أب‪3‬ايل؛‬
‫ي‪33‬أيت الظ‪33‬امل يركل‪33‬ين ال ض‪33‬ري‪ ،‬يص‪33‬ادر ممتلك‪33‬ايت ال ب‪33‬أس‪ ،‬ي‪33‬أيت آخ‪33‬رون يعلنون‪33‬ين إرهابي‪33‬ا‪ ،‬يفرتي س‪33‬فيههم‬
‫بأنن ‪33‬ا فرق ‪33‬ة ض ‪33‬الة‪ ..‬دع ‪33‬وهم يقول ‪33‬ون ما يش ‪33‬اؤون‪ .‬ك ‪33‬ل يعمل على ش ‪33‬اكلته‪ ،‬ك ‪33‬ل يع ‪33‬رب عن س ‪33‬جيته‪ .‬ال‬
‫تك ‪33‬رتثوا‪ ،‬ال تب ‪33‬الوا‪ ،‬أغمضوا أعينكم عنهم‪َ( ،‬و ِإَذا َم ُّر وا ِب الَّلْغِو َم ُّر وا ِكَر اًم ا)(الفرق ‪33‬ان‪ .)72:‬عب ‪33‬اد اهلل‬
‫اُخلّلص عندما تتح‪3‬رش هبم عب‪3‬ارات تافه‪3‬ة أو تص‪3‬رفات مسجة ميرون من عن‪3‬دها بوق‪3‬ار‪ .‬إذا مسعَت كالما‬
‫تافها من هؤالء اجلاهلني قل هلم “سالما” وواصل يف سريك كما ُتعِّلمنا سورة الفرقان‪.‬‬

‫صادروا ممتلكاته فقال‬

‫مسعت مراًر ا من غري واحد من اإلخوة يف حركة اخلدمة؛ ممن ك‪3‬انوا أبطاًال يف الب‪3‬ذل والعطاء واإلنفاق‬
‫وصادرت احلكومة الرتكية ممتلك‪3‬اهتم ظلًم ا يف اآلون‪3‬ة األخ‪3‬رية‪ ،‬يقول‪“ :‬أن‪3‬ا ب‪3‬دأت عملي أج‪ً3‬ريا بس‪3‬يًطا‪،‬‬
‫مث جئت إىل إسطنبول‪ ،‬اشرتيت أرًض ا مبكسيب املتواض‪3‬ع‪ ،‬األرض ج‪3‬اءت ب‪3‬أرض أخ‪3‬رى‪ ،‬األرض أجنبت‬
‫مب ‪33‬ىن‪ ،‬املب ‪33‬ىن أجنب مب ‪33‬ىن آخ ‪33‬ر‪ ،‬ومن ريع ‪33‬ه أنش ‪33‬ئت مب ‪33‬ان أخ ‪33‬رى‪ ،‬ومنه ‪33‬ا أنش ‪33‬ئت فيل ‪33‬ل‪ ،‬ومنه ‪33‬ا أنش ‪33‬ئت‬
‫مس ‪33‬اجد عمالق ‪33‬ة‪ ،‬ك ‪33‬ذلك ال ‪33‬ذي أنش ‪33‬ئ يف جن ‪33‬وب أفريقي ‪33‬ا‪ ..‬ك ‪33‬ان اهلل هو املعطي يومه ‪33‬ا‪ ،‬وهو الي ‪33‬وم‬
‫يأخذها”‪ ،‬حيكي ذلك مبتسًم ا‪ .‬يقول “قليب مطمئن‪ ،‬اهلل أعطى واهلل أخذ”‪ .‬وال يكتفي هبذا‪ ،‬بل يربر‬
‫األخ‪33‬ذ فيقول‪“ :‬لع‪33‬ل ش‪33‬يًئا من حظ النفس خال‪33‬ط هذا الكس‪33‬ب‪ ،‬لع‪33‬ل احلس‪33‬اب علي‪33‬ه س‪33‬يكون ش‪33‬اًقا يف‬
‫الدار األخرى‪ ،‬فأخذه اهلل هنا ليعفيين من احلساب هناك”‪ ..‬هذا تفكري أبطال اإلنفاق عندكم‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫يف اللحظ‪3‬ات األوىل من الص‪3‬دمة ينبغي االعتص‪3‬ام بالص‪3‬رب‪ ..‬فخ‪3‬ر اإلنس‪3‬انية ص‪3‬لى اهلل علي‪3‬ه وس‪3‬لم يقول‪:‬‬
‫“إمنا الصرب عند الصدمة األوىل” (رواه البخاري)‪ .‬عندما يطعنونك باإلبرة ُص ّر على أس‪3‬نانك وال تقل‬
‫“أف”‪ ..‬سنستمر على هذا النحو‪ ،‬سنصرب عند الصدمة األوىل وبعدها وال نشكو‪ .‬رأينا ش‪3‬دة ال‪3‬دهر‪،‬‬
‫على اهلل توكلنا‪.‬‬

‫ربنا عليك توكلن‪3‬ا وإلي‪3‬ك أنبن‪3‬ا وإلي‪3‬ك املص‪3‬ري‪ .‬حس‪3‬بنا اهلل ونعم الوكي‪3‬ل‪ .‬نعم املوىل ونعم النص‪3‬ري‪ ..‬هذه‬
‫أنفاسنا اليت نرددها‪ ..‬حسبنا اهلل ال إله إال هو علي‪3‬ه ت‪3‬وكلت وهو رب الع‪3‬رش العظيم‪ .‬وهبذه الكلمات‬
‫سنختم حياتنا‪.‬‬

‫(*) الرتمجة عن الرتكية‪ :‬نوزاد صواش‪ .‬هذه النصوص مرتمجة من دروس األستاذ اخلاصة‪.‬‬

‫أريد مجانين‬

‫فتح اهلل كولن ‪ 22/02/2017‬العدد ‪14‬‬

‫لو أن املرء طلب اإلخالص واليقني يف اليوم مائة مرة فما هو من املك‪33‬ثرين‪ .‬لكن كي‪33‬ف ينبغي أن‬
‫يك ‪33‬ون الطلب؟ دع‪MM‬اَء ق‪MM‬ول أم دع‪MM‬اَء فع‪MM‬ل؟ أرى أن دع ‪33‬اء الفع ‪33‬ل هو األص ‪33‬ل‪ ،‬لكن ‪33‬ه ال مين ‪33‬ع من دع ‪33‬اء‬
‫القول‪ .‬أما األفضل فدعاء قول يالزمه دعاء فعل‪ .‬وإذا كان لنص‪3‬يحيت مكان‪3‬ة عن‪3‬دكم‪ ،‬فنص‪3‬يحيت األوىل‬
‫واألخ ‪33‬رية هي أن تطلب‪MM‬وا مرض‪MM‬اة اهلل تع‪MM‬الى‪ .‬فقد تنس ‪33‬ون طلب اجلن ‪33‬ة يف دع ‪33‬واتكم أو االس ‪33‬تجارة من‬
‫النار‪ ،‬لكن حذار أن تنسوا طلب اإلخالص واليقين بإلحاح‪ ،‬ألن األمر ال حيتمل النس‪33‬يان‪ .‬إذا تالش‪33‬ى‬
‫اإلخالص وضاع اليقني لدى الفرد فقد تدحرج يف فراغ خميف‪ ،‬إذ أقواله ال تتج‪33‬اوز حنجرت‪33‬ه‪ ،‬وأفعال‪33‬ه‬
‫ال تعرب عن أي معىن نبيل‪.‬‬

‫قلَت فأج‪33 3‬دَت ‪ ،‬وكتبَت فأب‪33 3‬دعَت ‪ ،‬ومهمت فنلت ك‪33 3‬ل مطل‪33 3‬وب… عندئ‪33 3‬ذ ب‪33 3‬ادر إىل محاس‪MM M‬بة‬
‫نفسك فورا‪ ،‬إذ ق‪33‬د يك‪33‬ون ذل‪33‬ك اس‪33‬تدراجا‪ .‬ومن ي‪33‬درى فقد ينفتح مع النجاح ب‪M‬اٌب يق‪ِM‬ذ ف ب‪M‬ك في‬
‫متاه‪MM‬ات العجب والك ‪33‬رب والري ‪33‬اء‪ ،‬وينغل ‪33‬ق مع ‪33‬ه ب ‪33‬اُب “كن بين الن‪MM‬اس ف‪MM‬ردا من الن‪MM‬اس”‪ .‬لقد ارتع ‪33‬د‬
‫األص‪33‬فياء فرق‪33‬ا من اخليب‪33‬ة والفش‪33‬ل‪ ،‬لكن خ‪33‬وفهم من النج‪33‬اح ك‪33‬ان أعظم وأج‪ّ3‬ل‪ .‬زرع‪33‬وا األرض زرع‪33‬ا‪،‬‬
‫فما إن اخضّر ت وأمثرت وطابت حىت أسرعوا يبكون‪ ،‬وأنفسهم راحوا حياس‪3‬بون‪ ،‬وق‪3‬الوا وهم وجل‪3‬ون‬

‫‪12‬‬
‫“ماذا جنينا على أنفسنا حىت اهتزت األرض وربت وأنبتت واّز ينت؟ رباه! أيكون ذلك استدراجا من‬
‫حيث ال نعلم؟”‬

‫ك‪33‬ان فخ‪33‬ر اإلنس‪33‬انية ص‪33‬لى اهلل علي‪33‬ه وس‪33‬لم قب‪33‬ل البعث‪33‬ة املبارك‪33‬ة وبع‪33‬دها مفعما بالهّم متلفع‪M‬ا ب‪M‬الغم‬
‫إزاء ما يرى من شقاء مادي وضياع روحي يسود البشرية كلها‪ .‬فالرواي‪3‬ات تقول إن‪3‬ه ك‪3‬ان قب‪3‬ل النب‪3‬وة‬
‫يع ‪33‬تزل الن‪33‬اس أحيان‪33‬ا وخيل‪33‬و إىل نفس‪33‬ه مت‪33‬أمال يف مش‪33‬اكل اإلنس‪33‬انية املأزومة‪ .‬أما عن مبل‪33‬غ مهه بع ‪33‬د أن‬
‫حتمل مهمة الرس‪33‬الة فينب‪33‬ه إلي‪33‬ه القرآن العظيم ق‪33‬ائال‪َ﴿ :‬فَلَعَّل َك َباِخ ٌع َنْف َس َك َعَلى آَثاِر ِه ْم ِإْن ْمَل ُيْؤ ِم ُن وا‬
‫َهِبَذ ا اَحْلِد يِث َأَس ًف ا﴾(الكه ‪33‬ف‪ ،)6:‬أليس ‪33‬ت اآلي ‪33‬ة ذات مغ ‪33‬زى عمي ‪33‬ق يه ‪33‬ز القلب هزا وي ‪33‬ؤثر يف ص ‪33‬ميم‬
‫الوج ‪33‬دان؟ إن أخط‪MM‬ر همن‪MM‬ا الي‪MM‬وم خلون‪MM‬ا من الهم‪ .‬اهلم ال ‪33‬ذي يس ‪33‬لبنا الن ‪33‬وم ويقض مضجعنا ويرتكن ‪33‬ا‬
‫مؤرقني ع‪3‬دة أي‪3‬ام يف األس‪3‬بوع وحنن نس‪3‬عي جاهدين نغ‪3‬رس حقائق اإلميان والقرآن يف القل‪3‬وب ونتطل‪3‬ع‬
‫إىل أن يس ‪33‬تجيب هلا ض ‪33‬مري اجملتمع اإلنس ‪33‬اين‪ .‬وإذ مل ن ‪33‬أَر ق مبث ‪33‬ل هذا اهلم الي ‪33‬وم‪ ،‬فس ‪33‬وف تنهمر علين ‪33‬ا‬
‫مهمات حترمنا النوم غدا‪ .‬واحلق أقول؛ يكاد املرء يتفطر أسفا حينما ال يرى من يتفطر مها‪.‬‬

‫تشّبع بحب اهلل إلى ح‪M‬د الجن‪M‬ون‪ ،‬ال يغريّن ك عن‪33‬ه حس‪33‬ن وال يفتنن‪33‬ك عن‪33‬ه مجال‪ِ ،‬ارَق على ك‪33‬ل‬
‫املعادالت وتس‪3‬اَم على ك‪3‬ل املقاييس‪ ،‬ارف‪3‬ع ش‪3‬عار الث‪3‬ورة ض‪3‬د ك‪3‬ل مألوف‪ ،‬واهت‪3‬ف كما هت‪3‬ف ال‪3‬رومي‬
‫“هلّم إّيل ي ‪33 3‬ا إنس ‪33 3‬ان”‪ ،‬مث ادفن نفس ‪33 3‬ك يف غي ‪33 3‬اهب النس ‪33 3‬يان‪ .‬ن ‪33 3‬اد كما ن ‪33 3‬ادى ب ‪33 3‬ديع الزمان “وا‬
‫إنس ‪33‬انيتاه”‪ ،‬مث امِض وال تفك ‪33‬ر بس ‪33‬عادتك الشخص ‪33‬ية‪ .‬أج ‪33‬ل‪ِ ،‬انس رغ ‪33‬د احلي ‪33‬اة‪ ،‬انس ال ‪33‬بيت والول ‪33‬د‪،‬‬
‫واسلك درب أهل السمو الواصلني لتكون من الناجني‪.‬‬

‫جمانَني أري ‪33‬د‪ ،‬حفن ‪ً3‬ة من اجملانني… يث ‪33‬ورون على ك ‪33‬ل املع ‪33‬ايري املألوف ‪33‬ة‪ ،‬يتج ‪33‬اوزون ك ‪33‬ل املقاييس‬
‫املعروف‪33‬ة‪ .‬وبينما الن‪33‬اس إىل املغري‪33‬ات يته‪33‬افتون‪ ،‬هؤالء منه‪33‬ا يفرون وإليه‪33‬ا ال يلتفت‪33‬ون‪ .‬أري‪33‬د حفن‪33‬ة ممن‬
‫نس‪33‬بوا إىل خفة العقل لش‪33‬دة حرص‪33‬هم على دينهم وتعلقهم بنش‪33‬ر إمياهنم؛ هؤالء هم “اجملانني” ال‪33‬ذين‬
‫مدحهم سيد املرسلني‪ ،‬إذ ال يفكرون مبلذات أنفسهم‪ ،‬وال يتطلعون إىل منصب أو شهرة أو جاه‪ ،‬وال‬
‫يرومون متعة الدنيا وماهلا‪ ،‬وال يفتنون باألهل والب‪3‬نني… ي‪3‬ا رب‪ ،‬أتضرع إلي‪3‬ك… خ‪3‬زائن رمحت‪3‬ك ال‬
‫هناية هلا‪ ،‬أعِط كل سائل مطلبه‪ ،‬أما أنا فمطليب حفنة من اجملانني… يا رب يا رب…‬

‫ـــــــ‬

‫(*) الرتمجة عن الرتكية‪ :‬نوزاد صواش‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫أنانية الفرد وأنانية الجماعة‬

‫إذا ُعه‪33‬د إلين‪33‬ا مبس‪33‬ؤولية يف خدمة اإلميان ‪-‬ص‪33‬غرية أو كب‪33‬رية‪ -‬فعلين‪33‬ا أن نوّفيه‪33‬ا حّق ه‪33‬ا ونتواض‪33‬ع ق‪33‬ائلني‪:‬‬
‫"املسؤولية أعلى من كل شيء‪ ،‬والنفس أدىن من كل شيء"‪ ،‬ونكون على وعي بوظيفتنا وموقعنا‪.‬‬

‫وق ‪33‬د مينحن ‪33‬ا الب ‪33‬اري انبعاث ‪33‬ا جدي ‪33‬دا‪ ،‬يوّفقن ‪33‬ا ويكل ‪33‬ل أعمالن ‪33‬ا بالنج ‪33‬اح ويتك ‪33‬رم علين ‪33‬ا بعطاي ‪33‬ا ال تع ‪33‬د وال‬
‫حتصى‪ .‬فاحلذر احلذر ‪-‬حلظتئذ‪ -‬من الوقوع يف براثن األنانية‪ ،‬فردية كانت أو مجاعية‪.‬‬

‫"حنن‪ ..‬حنن‪ "..‬اليت تعترب أبسَط درجات الشرك باعتبارها "أنانية مجاعي‪3‬ة"‪ ،‬حىت يتطّو ر ب‪3‬ه األمر فيقول‬
‫"أنا‪ ..‬أنا‪ "..‬اليت هي أغلظ درجات الشرك‪.‬‬

‫ألن األناني‪33‬ة س‪33‬بب احلرمان من ع‪33‬ون اهلل‪ .‬إذا أردت لعناي‪33‬ة اهلل أن تس‪33‬تمر ب‪33‬اهلطول علي‪33‬ك يف جناحات‪33‬ك‪،‬‬
‫فتخّل عن ادعاء الفضل لذاتك‪ ،‬اعمل على حمو "األنا"‪ ،‬وانِس ب الفضل إىل ص‪3‬احب الفضل‪ ،‬وتواض‪3‬ع‬
‫أمام اهلل‪ .‬ألن اإلنس‪33‬ان كلما ازداد علما ازداد تواض ‪33‬عا؛ كالش‪33‬جرة ال‪33‬يت كلما ازداد محله ‪33‬ا وازداد ما‬
‫حتمله من فواكه ومثار‪ ،‬تزداد أغصاهنا دنًّو ا إىل األرض‪ ،‬إن هذا ال‪3‬وعي –لعمري‪ -‬س‪3‬يمكننا من جتاوز‬
‫املسافات‪ ،‬واملضّي إىل املستقبل قدما بروح غضة ومحاسة متقدة ال تعرف الكلل وال امللل أبدا‪.‬‬

‫(ِإَّن اَّلِذ يَن آَم ُنوا َو َعِم ُلوا الَّص اَحِلاِت َسَيْجَعُل ُهَلُم الَّر َٰمْحُن ُو ًّدا)(مرمي‪.)96:‬‬

‫خيرب تعاىل أنه يغرس لعباده املؤمنني الذين يعملون الصاحلات‪ ،‬وهي األعمال ال‪3‬يت ترض‪33‬ي اهلل ع‪33‬ز وج‪3‬ل‪،‬‬
‫يغ ‪33‬رس هلم يف قل ‪33‬وب عب ‪33‬اده الص ‪33‬احلني مودة‪ ،‬وهذا أمر ال ب ‪33‬د من ‪33‬ه وال حمي ‪33‬د عن ‪33‬ه‪ .‬وق ‪33‬د وردت ب ‪33‬ذلك‬
‫األحاديث الصحيحة عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من غري وجه‪.‬‬

‫ق ‪33‬ال اإلمام أمحد‪ :‬عن أيب هري ‪33‬رة‪ ،‬عن الن ‪33‬يب ص ‪33‬لى اهلل علي ‪33‬ه وس ‪33‬لم ق ‪33‬ال‪" :‬إن اهلل إذا أحب عب ‪ًM‬د ا دع‪MM‬ا‬

‫جبري ‪َM‬ل فق‪MM‬ال‪ :‬ي‪MM‬ا جبري‪MM‬ل إني أحب فالن‪MM‬ا فأحب‪MM‬ه‪ .‬ق‪MM‬ال‪ :‬فيحب‪MM‬ه جبري‪MM‬ل"‪ .‬ق‪MM‬ال‪" :‬ثم ين‪MM‬ادي في أه ‪َM‬ل‬
‫الس‪MM‬ماء‪ :‬إن اهلل يحب فالن‪MM‬ا"‪ .‬ق‪MM‬ال‪" :‬فيحب‪MM‬ه أه‪MM‬ل الس‪MM‬ماء‪ ،‬ثم يوض‪MM‬ع ل‪MM‬ه القب‪MM‬ول في األرض‪ ..‬وإن‬
‫اهلل إذا أبغض عب‪33‬دا دع‪33‬ا جربي‪33‬ل فقال‪ :‬ي‪33‬ا جربي‪33‬ل‪ ،‬إين أبغض فالن‪33‬ا فأبغضه"‪ .‬ق‪33‬ال‪" :‬فيبغضه جربي‪33‬ل‪ ،‬مث‬
‫ينادي يف أهل السماء‪ :‬إن اهلل يبغض فالنا فأبغضوه"‪ .‬قال‪" :‬فيبغضه أهل السماء‪ ،‬مث يوضع له البغضاء‬
‫يف األرض"‪( .‬ورواه مسلم‪ ،‬ورواه أمحد‪ ،‬والبخاري)‬

‫وق‪33‬ال أحد الس‪33‬لف الص‪33‬احل‪" :‬ما أقب‪33‬ل عب‪33‬د بقلب‪33‬ه إىل اهلل إال أقب‪33‬ل اهلل بقل‪33‬وب املؤمنني إلي‪33‬ه‪ ،‬حىت يرزق‪33‬ه‬
‫مودهتم ورمحتهم"‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫وكان عثمان بن عفان رضي اهلل عن‪3‬ه يقول‪ :‬ما من عب‪3‬د يعمل خ‪3‬ريا أو ش‪3‬را ‪ ،‬إال كس‪3‬اه اهلل ع‪3‬ز وج‪3‬ل‬
‫رداء عمله‪.‬‬

‫جيب علين ‪33‬ا أن حنرص بك‪ّ3 3‬ل أحوالن ‪33‬ا وأطوارن ‪33‬ا أن ننس‪َ3 3‬ج حياتن ‪33‬ا بنس ‪33‬يج اإلميان واإلحس ‪33‬ان واإلخالص‬
‫واليقني والرضا كما ُتنس‪3‬ج ال‪3‬دانتيال‪ ،‬وأن يك‪3‬ون هذا َّمهن‪3‬ا وهدَفنا وش‪3‬غلنا الش‪3‬اغل‪ ..‬كما ينبغي لن‪3‬ا أن‬
‫نتضّر ع كث ‪ً3‬ريا حىت تواف‪33‬ق ك ‪ُّ3‬ل أعمالن‪33‬ا مرض‪33‬ياِت احلق تع‪33‬اىل الس‪33‬بحانية‪ ،‬وأال نرض‪33‬ى عن أي ش‪33‬يء ال‬
‫يوافق رضاه‪..‬‬

‫أج‪33‬ل‪ ،‬إن رض ‪33‬اه تع ‪33‬اىل هو أهم ش‪33‬رٍط يف ك‪33‬ل أفعالن‪33‬ا تص ‪ّ3‬ر فاتنا‪ ،‬وأن ن‪33‬ركض يف إث‪33‬ر هذا ونطلب‪33‬ه على‬
‫الدوام‪ ..‬غري أنه قد ال يتس لنا أن ننجح دائ ا يف حتقيق هذا املطلب؛ وذلك ألننا ق‪33‬د خنطئ من وقٍت‬
‫ًم‬ ‫ىّن‬
‫آلخ‪33‬ر حيث إنن‪33‬ا بش‪33‬ر من حلٍم ودٍم ‪ ،‬ومع ذل‪33‬ك فإن‪33‬ه ال ينبغي ألخطائن‪33‬ا أن متنعن‪33‬ا من أن ُنظه ‪33‬ر ونتفّو ه‬
‫دائًم ا مث ‪33‬ل هذا الش ‪33‬عور والتفك ‪33‬ري الس ‪33‬امي‪ ،‬وحىت وإن س ‪33‬قطنا أو تعثرن ‪33‬ا‪ ،‬فيجب علين ‪33‬ا أن ننهض من‬
‫فورنا ونرّدد قائلني‪“ :‬اللهم اإلمياَن ‪ ،‬واإلحساَن واإلخالَص والرضا والعش‪َ3‬ق واالش‪3‬تياَق …”‪ ،‬جيب أن‬
‫ننسج حياتنا حول هذه الغاية النبيلة‪ ،‬وأن نجعل نيل رضا اهلل تعالى هدفنا الوحي‪MM‬د‪ ،‬وأن نتضّر ع لي‪33‬ل‬
‫هنار قائلني‪“ :‬اللهم وّفقنا إىل العبادة كأننا نراك‪ ،‬والعيش بشعور أنك ترانا‪ ،‬وأن نسري وخنطو خطواتن‪33‬ا‬
‫وفق مرادك‪ ،‬وال حترمنا اللهم ذلك ولو للحظة”‪.‬‬

‫نكران الذات والمدُد الرباني‬

‫فتح اهلل كولن ‪ 02/02/2017‬العدد ‪24‬‬

‫كن‪33‬ا ت‪33‬ائهني ض‪33‬ائعني مش‪َّ3‬ر دين هن‪33‬ا وهن‪33‬اك‪ ،‬فأدرَك ن‪33‬ا اهلل برمحت‪33‬ه وأبلغن‪33‬ا بفضله وكرمه مواطَن من اخلري‬
‫والعطاء يتعذر أن نصل إليها حبولنا وقوتنا‪ .‬إننا نؤمن إميانا قاطعا أننا نتفيأ يف ظالل العناية الربانية‪ .‬بعد‬
‫التأكي‪33‬د على هذه احلقيقة‪ ،‬من املفي‪33‬د أن أنب‪33‬ه إىل أمور مهمة ينبغي االل‪33‬تزام هبا حىت ال ينقطع التأيي‪33‬د‬
‫اإلهلي والعطاء الرباين الذي ال يفتأ يهطل على رؤوسنا كالغيث يف هذه األيام‪:‬‬

‫َم ْح ُو الذات‬

‫ينبغي أن نقنع “أنفسنا” أنه ليس لنا يٌد يف حص‪33‬ول هذا اخلري العميم‪ .‬فالنج‪3‬اح ك‪3‬ل النج‪3‬اح لطف من‬
‫اهلل وفضل من لدنه وإحسان‪ .‬فإذا آمّنا بذلك فقد جّنبن‪3‬ا أنفَس نا ش‪3‬وائَب الش‪3‬رك‪ ،‬وأجنيناها من األوهام‬

‫‪15‬‬
‫ال‪33‬يت تظ‪33‬ل النفُس َتُض ّخ ها يف دواخلن‪33‬ا لكي تضّخ م أنانيتن‪33‬ا‪ .‬ب‪33‬ل حيس‪33‬ن أن نقول‪“ :‬في الحقيقة‪ ،‬ل‪M‬و لم‬
‫ُأقِح ْم نفس‪M‬ي في ه‪M‬ذا األم‪M‬ر‪ ،‬لوج‪M‬د ل‪M‬ه رج‪M‬اال خ‪M‬يرا م‪M‬ني في إخالص‪M‬هم وص‪M‬دق تم‪M‬ثيلهم‪ ،‬ولقطعْت‬
‫القافلُة مسافات واسعة أضعاَف ما قطعْته حتى اليوم‪ .‬وا أسفاه‪ ،‬فلوال كدورة نفسي لتجّلى المدُد‬
‫اإللهي وفق صفائه المقدس على الخدمة اإليمانية‪ .‬وا حسرتاه‪ ،‬فق‪MM‬د ارتطمت تجليات‪MM‬ه بفيروس‪MM‬ات‬
‫أنانيتي وتحطمت على ضعفي وسيئاتي‪ .‬أجل بسببي أنا تعثرنا وتأخرنا عن المواقع التي قصدناها‪،‬‬
‫وابتع‪MM‬دنا عن الم‪M‬راقي ال‪M‬تي حلمن‪M‬ا به‪MM‬ا”‪ .‬ب‪33‬ل ينبغي تك‪33‬رار هذا الس‪33‬ؤال‪“ :‬ي‪33‬ا نفس‪ ،‬كم إنس‪33‬انا قتلِت‬
‫حىت اليوم!؟‪ ..‬كم إنسانا كان يبحث عن احلقيقة فتعثر بك وفقدها إىل األبد!؟”‪.‬‬

‫أيه‪33‬ا البطل ال‪33‬ذي ن‪33‬ذر روحه للحقيقة! هذا هو القل‪33‬ق ال‪33‬ذي ينبغي أن ميور يف أحش‪33‬ائك مورا‪ ،‬ويه‪33‬ز‬
‫كيانك هزا كي ال تنقطع جتليات الرعاية الربانية‪ .‬ومن مث‪ ،‬كلما عظم النج‪MM‬اُح ال‪MM‬ذي تم على ي‪MM‬ديك‪،‬‬
‫ب‪MM‬الْغ في نك‪MM‬ران ذات‪MM‬ك‪ ،‬وأوِغ ْل في مح‪MM‬و نفس‪MM‬ك‪ ،‬وت‪MM‬ذّلْل أم‪MM‬ام اهلل‪ ،‬وانكس‪MM‬ر بين يدي‪MM‬ه‪ ،‬وأمِعْن في‬
‫العبودية له‪ .‬ذلك أحرى ب‪M‬ك كي ال تنس‪M‬حق تحت أثق‪M‬ال أنانيت‪M‬ك‪ .‬اغ‪ِ3‬ر ْس هذه الفك‪33‬رة يف روحك‪،‬‬
‫وثّبْتها يف قلبك حىت تصبح جزءا من كيانك وبعدا من أبعاد طبيعتك‪ .‬كان الن‪33‬يب ص‪33‬لى اهلل علي‪33‬ه وس‪33‬لم‬
‫يبكي ص ‪33‬باح مس ‪33‬اء متضرعا ويقول‪“ :‬ي ‪33‬ا حي ي ‪33‬ا قي ‪33‬وم‪ ،‬برمحت ‪33‬ك أس ‪33‬تغيث‪ ،‬أص ‪33‬لح يل ش ‪33‬أين كَّل ه وال‬
‫تكل‪33‬ين إىل نفس‪33‬ي طرف‪33‬ة عني”‪ .‬ف‪33‬إن اختذَت هذا ال‪33‬دعاء ِو ردا ل‪33‬ك‪ ،‬ال يفارق لس‪33‬اَنك وال قلَب ك‪ ،‬فقد‬
‫ُو ِقيَت من االنسحاق حتت حوافر النفس اجلموح‪.‬‬

‫جعجعة األنانية‬

‫ينبغي أن نعلم يقينا أن اخللل والفش‪3‬ل ال يقع إال مبا كس‪3‬بت أي‪3‬دينا‪ ،‬وأن النفس هي الع‪3‬ائُق األك‪3‬رب لك‪3‬ل‬
‫خدمة إمياني ‪33‬ة‪ .‬وما يتم من توفي ‪33‬ق وإجناز‪ ،‬فه ‪33‬و حمُض إك ‪33‬راٍم من ‪33‬ه ج ‪ّ3‬ل وعال‪ ،‬ف ‪33‬اخلري ك ‪33‬ل اخلري من اهلل‬
‫وحده‪ .‬أما مقول‪33‬ة ﴿ِإَمَّنا ُأوِتيُت ُه َعَلى ِعْلٍم ِعْن ِدي﴾(القص‪33‬ص‪ ،)78:‬فلم يقله‪33‬ا إال “ق‪33‬ارون” حينما ظن‬
‫نفسه مصدر األرزاق والنعم‪ .‬وإهنا َلعبارة مل يزل كل قارون وفرع‪3‬ون يرددها ع‪3‬رب الت‪3‬اريخ‪ .‬أما األنبي‪3‬اء‬
‫وعلى رأسهم سيد األنبي‪3‬اء ص‪3‬لى اهلل علي‪3‬ه وس‪3‬لم فقد ك‪3‬انت كلمتهم واحدة‪َ﴿ :‬ال َأْم ِل ُك ِلَنْف ِس ي َنْف ًع ا‬
‫َو َال َض ًّر ا ِإَّال َم ا َش اَء اُهلل﴾(األعراف‪ .)188:‬فمن يقْل ‪“ :‬فعلُت أنا‪ ،‬أجنزُت أنا‪ ،‬جنحُت أنا‪ ،‬ل‪3‬و مل أكن‬
‫أنا…” فمعناه أنه واقع يف مستنقع آسن من التفكري الفرعوين‪ .‬يقول س‪3‬يدنا رس‪3‬ول اهلل ص‪33‬لى اهلل علي‪3‬ه‬
‫وس ‪33‬لم “ألْن َيه ‪33‬دي اهلل ب ‪33‬ك رجال واحدا خ ‪ٌ3‬ري ل ‪33‬ك من ْمُحر الَّنَعم”‪ .‬فل ‪33‬و هدى اهلل ماليني من الن ‪33‬اس‬

‫‪16‬‬
‫على ي ‪33‬ديك‪ ،‬فنس ‪33‬بَت تل ‪33‬ك اهلداي ‪33‬ة إىل نفس ‪33‬ك‪ ،‬فقد أحبطَت عمل ‪33‬ك‪ ،‬ورميت بنفس ‪33‬ك يف َلظى الن ‪33‬ار‬
‫وحرمتها من النعيم املقيم‪.‬‬

‫الَغيرة المقدسة‬

‫عن ‪33‬دما يس ‪33‬تقر يف قلب املؤمن الش ‪33‬عوُر الت ‪33‬اّم ب ‪33‬أن اخلري كل ‪33‬ه والتوفي ‪33‬ق كل ‪33‬ه من اهلل وحده‪ ،‬ي ‪33‬أىب إال أن‬
‫يك ‪33‬ون ش ‪33‬غُله الش ‪33‬اغُل وُّمهه ال ‪33‬دائم هو احلديث عن ‪33‬ه س ‪33‬بحانه‪ ،‬والَغ ريَة من ك ‪33‬ل ق ‪33‬ول يقال يف غ ‪33‬ريه ع ‪33‬ز‬
‫شأنه‪ .‬يأيت بعض الناس أحيانا فيقول بإسهاب “ق‪3‬رأ علّي الكت‪3‬اَب الفالَّين ك‪3‬ذا ع‪3‬دٌد من الن‪3‬اس…” أو‬
‫“يشارك يف دروسي كذا عدٌد من أصحاب الثقافة العالية…”‪ ،‬بينما الصحيح أن ُنس ‪ِ3‬ه ب يف احلديث‬
‫عن ش ‪33‬ؤون اهلل دائما‪ ،‬وأن نك ‪33‬ون غي ‪33‬ورين يف ذل ‪33‬ك أميا غ ‪33‬رية‪ .‬كث ‪33‬ريا ما جند عاطفة األب ‪33‬وة واألمومة‬
‫تسيطر على بعضهم‪ ،‬فإذا ما جاء ذكر األبناء يف جملس ما‪ ،‬انته‪33‬زوا الفرص‪33‬ة لكي يتح‪33‬دثوا عن أبن‪33‬ائهم‪.‬‬
‫كذلك نرى من يتحني الفرص للحديث عن مهاراته يف الكتابة وبراعته يف اخلطابة‪ .‬وهذا س‪33‬لوك س‪33‬يء‬
‫ال يلي‪33‬ق بإنس‪33‬ان ناض‪33‬ج يقٍظ أب‪33‬دا‪ .‬ف‪33‬األحرى بن‪33‬ا أن ن‪33‬رتقب الفرص‪33‬ة بع‪33‬د األخ‪33‬رى لكي نتح‪33‬دث عن اهلل‬
‫سبحانه‪ .‬فإذا جاء ذك‪3‬ر الوف‪3‬اء مثال‪ ،‬ينبغي أن خنرتق الكالم فنقول “ومن أعظُم من اهلل وف‪3‬اء؟! إن اهلل‬
‫أوىف األوفي ‪33‬اء!‪ ”..‬مث نسرتس ‪33‬ل يف احلديث عن وف ‪33‬اء اهلل ع ‪33‬ز وج ‪33‬ل لعب ‪33‬اده‪ .‬وإذا ما َتطّر َق أحُد هم إىل‬
‫مفه‪33‬وم احلق وإحقاق‪33‬ه ألهل‪33‬ه مثال‪ ،‬علين‪33‬ا أن نس‪33‬رع فنقول‪َ﴿ :‬و َم ا َق َد ُر وا اَهلل َح َّق َقْد ِرِه﴾(الزمر‪،)67:‬‬
‫فقد أخرَج ن ‪33‬ا من الع ‪33‬دم ووهبن ‪33‬ا لب ‪33‬اس الوج ‪33‬ود‪ ،‬ومل يرتكن ‪33‬ا مجادا‪ ،‬ب ‪33‬ل منَح ن ‪33‬ا احلي ‪33‬اة‪ ،‬ومل يكت ‪ِ3‬ف بنفخ‬
‫ال‪33‬روح يف أب‪33‬داننا‪ ،‬ب‪33‬ل كّر من‪33‬ا ورفعن‪33‬ا إىل مقام اإلنس‪33‬انية‪ ،‬مث ش‪ّ3‬ر فنا باإلميان‪ ،‬ومل ينقطع فضله عن‪33‬د هذا‬
‫احلد‪ ،‬بل أكرمنا بأن أدخلنا رحاب خدمة اإلميان والقرآن”‪ .‬نعم‪ ،‬علين‪3‬ا أن نؤك‪3‬د ذل‪3‬ك‪ ،‬ونب‪3‬دي غ‪3‬رية‬
‫‪-‬يف هذا الشأن‪ -‬منقطعة النظري‪.‬‬

‫فما بالن‪3‬ا ن‪3‬دور باحلديث حول هذا األمر أو ذاك الش‪3‬خص‪ ،‬يف حِني أن هن‪3‬اك واحدا أحدا ج‪3‬ديرا ب‪3‬أن‬
‫ت‪33‬دور ك‪33‬ل األحاديث حول‪33‬ه لي‪33‬ل هنار‪ .‬ب‪33‬ل إذا مسْع نا أحَد هم يقول “لقد ألقيُت كلمة يف حفل ك‪33‬ذا‪،‬‬
‫فت ‪33‬أثر الن ‪33‬اس من كالمي وس ‪33‬الت دموعهم‪ ،‬وق ‪33‬الوا عن كلميت ك ‪33‬ذا وك ‪33‬ذا…” فينبغي أن يبل ‪33‬غ بن ‪33‬ا‬
‫االس ‪33‬تياء إىل حد املرض والت ‪33‬أمل فنقول “ما ب ‪33‬ال هذا الرج ‪33‬ل يطي ‪33‬ل احلديث عن نفس ‪33‬ه‪ ،‬وينس ‪33‬ب اخلري‬
‫إليها‪ ،‬يف حني أن اهلل تعاىل هو صاحب املواهب واملنن كلها‪ ،‬وهو املستحق الوحيد للحديث عنه”‪.‬‬

‫ُانظْر حيث أقمَته‬

‫‪17‬‬
‫إذا أردَت أن تعرف عند اهلل مقام‪M‬ك‪ ،‬ف‪M‬انظر حيث أقمَت ه من نفس‪M‬ك‪ .‬ما مدى حب‪33‬ك ل‪33‬ه؟ ما نوعي‪33‬ة‬
‫الصلة ال‪3‬يت أقمته‪3‬ا بين‪3‬ك وبين‪3‬ه؟ علي‪3‬ك أن ت‪3‬راقب س‪3‬لوكك إزاء هذا األمر دائما‪ ،‬وتظ‪3‬ل يقظ‪3‬ا ومتحفزا‬
‫باستمرار‪ .‬فإذا كانت عالقتنا به وثيقة متينة‪ ،‬فسوف نس‪3‬تغّل ك‪3‬ل س‪3‬احنة للوص‪3‬ول إلي‪3‬ه وللح‪3‬ديث عن‪3‬ه‪،‬‬
‫وبالت‪33‬ايل س‪33‬يكون وحده هو املع‪33‬روف‪ ،‬هو املذكور‪ ،‬هو املش‪33‬كور‪ ،‬وس‪33‬وف خيفق قلبن‪33‬ا مبعيت‪33‬ه يف قيامن‪33‬ا‬
‫وقعودن‪33‬ا‪ ،‬وس‪33‬وف َنَر ى أث‪33‬ره على الكائن‪33‬ات يف ك‪33‬ل طرف‪33‬ة عني‪ ،‬وس‪33‬وف نغل‪33‬ق أب‪33‬واب تأمالتن‪33‬ا على ما‬
‫سواه‪.‬‬

‫سر التوفيق‬

‫إن أعظم وسيلة جللب الع‪3‬ون اإلهلي والتوفي‪3‬ق الرب‪3‬اين تأس‪3‬يس التواف‪3‬ق وحتقي‪3‬ق التوحد بني أف‪3‬راد اجملتمع‪.‬‬
‫فغنيمة التوفي ‪33‬ق هلا ُغرُمه ‪33‬ا‪ .‬وُغرُمه ‪33‬ا هو ترس ‪33‬يخ ال ‪33‬وعي اجلماعي‪ ،‬واحلفاظ على س ‪33‬ر التواف ‪33‬ق وروح‬
‫االتفاق‪ ،‬واالبتع‪33‬اد عن ك‪33‬ل ن‪33‬زاع وش‪33‬قاق‪ .‬ف‪33‬إذا أص‪33‬بحنا كيان‪33‬ا متوحدا وكًّال متوافقا‪ ،‬فس‪33‬وف تت‪33‬نزل‬
‫علين‪33‬ا من األلطاف ما ال عني رأت وال أذن مسعت وال خطر على قلب بش‪33‬ر‪ ،‬وس‪33‬وف منتل‪33‬ك القدرة‬
‫على رفع أمحاٍل أثقَل من جب‪3‬ل ق‪3‬اف‪ .‬أما إذا زال التواف‪ُ3‬ق وتبّخ ر االتفاُق ‪ ،‬ومل يب‪3‬ق س‪3‬وى بضعة رج‪3‬ال‬
‫ض‪33‬عاٍف من حولن‪3‬ا‪ ،‬فلن ي‪3‬أيت املدد اإلهلي حىت ل‪3‬و ب‪3‬ذلنا قص‪33‬ارى جهودن‪3‬ا‪ .‬فإنن‪3‬ا إن قطعن‪3‬ا حب‪3‬ل االتفاق‬
‫فيما بينن‪3‬ا انَتس‪3‬فْت من‪3‬اجُم قوتن‪3‬ا ومن‪3‬ابُع طاقتن‪3‬ا‪ ،‬وكن‪3‬ا س‪3‬ببا يف انقطاع ُغي‪3‬وث الرمحة علين‪3‬ا والع‪33‬ون لن‪3‬ا‪.‬‬
‫لذا‪ ،‬جيب أن نركز جهودنا كلها لكي نبقى متماسكني متاسك الفوالذ ومشدودين إىل بعضنا كالبنيان‬
‫املرصوص‪ .‬وها هو القرآن يعلن عن مرس‪3‬ومه اخلال‪3‬د بقول‪3‬ه‪َ﴿ :‬يُد اِهلل َفْو َق َأْيِد يِه ْم ﴾(الفتح‪ ،)10:‬ومن‬
‫هن ‪33‬ا ف ‪33‬إن اللطف والس ‪33‬ند ال ‪33‬ذي ي ‪33‬نزل على األف ‪33‬راد لن ي ‪33‬داين حجَم اللطف والس ‪33‬ند ال ‪33‬ذي ي ‪33‬نزل على‬
‫اجلماع ‪33‬ة املتوحدة أب ‪33‬دا‪ ،‬حىت وإن ك ‪33‬ان هؤالء األف ‪33‬راد عمالقة يف العلم والعرف ‪33‬ان‪ ،‬جب ‪33‬اال يف الزهد‬
‫والتقوى‪ ،‬وحيدي أزماهنم يف مواهبهم الذاتية وإقبال الناس عليهم وتقرهبم من اهلل جل وعال‪.‬‬

‫كيف نصمد أمام األعاصير؟‬

‫فتح اهلل كولن ‪ 24/10/2019‬العدد ‪74‬‬

‫حنن أحوج ما نكون إىل إحياء الليايل‪ ..‬حنن حباج‪3‬ة إىل أن خنل‪3‬و إىل اهلل‪ ..‬حباج‪3‬ة إىل يقظ‪3‬ة قلبي‪3‬ة حقيقي‪3‬ة‬
‫عن ‪33‬دما نقف بني يدي ‪33‬ه س ‪33‬بحانه‪ ..‬حنن حباج ‪33‬ة إىل أن نلّح يف عبوديتن ‪33‬ا على مع ‪33‬ىن “اإلحس ‪33‬ان” ال ‪33‬ذي‬
‫تعرفونه جيًد ا‪ ..‬حنن حمتاجون إىل ذلك أشد االحتياج‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫إزاء هذه العواص ‪33‬ف املهول ‪33‬ة ال ‪33‬يت تعص ‪33‬ف حولن ‪33‬ا‪ ،‬إزاء تس ‪33‬وناميات متعاقب ‪33‬ة‪ ،‬إزاء أعاص ‪33‬ري مروع ‪33‬ة‪ ،‬إزاء‬
‫عج‪33‬ز األش‪33‬جار العمالق‪33‬ة عن الص‪33‬مود وهتاويه‪33‬ا‪ ،‬إزاء ك‪33‬ل ذل‪33‬ك‪ ،‬حنن حباج‪33‬ة إىل أن نتمس‪33‬ك ب‪33‬أوامر اهلل‬
‫بقوة وجدية كبرية‪ .‬كما ق‪3‬ال أحد العظ‪3‬ام “إن كنت ختش‪3‬ى ع‪3‬ذاب اهلل فتمس‪3‬ك ب‪3‬أوامره”‪ .‬فاألش‪3‬جار‬
‫ترمي جبذورها يف األعماق لكيال تنهار‪.‬‬

‫األش‪3‬جار القريب‪3‬ة من املاء ال متت‪3‬د ج‪3‬ذورها يف أعماق الرتب‪3‬ة‪ ،‬تنه‪3‬ار يف احلال مع أدىن عاص‪3‬فة‪ .‬ينبغي أن‬
‫تعِّم قوا العالق ‪33 3‬ة مع اهلل بال توق ‪33 3‬ف‪ ،‬كون ‪33 3‬وا مث ‪33 3‬ل األش ‪33 3‬جار الضاربة جبذورها يف األعماق‪ .‬ال ‪33 3‬ذين‬
‫يهامجونكم اليوم يتعَّم قون يف ممارسة الع‪3‬داء والظلم ض‪3‬دكم‪ ،‬يتعَّم قون يف َح ْب ك املكائ‪3‬د إلب‪3‬ادتكم‪ ..‬ما‬
‫مل تواجه‪33‬وهم ب‪33‬العمق نفس‪33‬ه‪ ،‬وما مل تص‪33‬مدوا وتواظب‪33‬وا على الص‪33‬مود‪ ،‬تقذف بكم العواص‪33‬ف بعي ‪ً3‬د ا‪،‬‬
‫وتتناثرون كأوراق اخلريف‪.‬‬

‫لقد مشلكم اهلل حبفظ‪33‬ه حىت الي‪33‬وم‪ ،‬أس‪33‬أله تع‪33‬اىل أن ي‪33‬دمي حفظ‪33‬ه عليكم‪ ..‬إذا بقيتم على هذ اإلخالص‬
‫والتج ‪33 3‬رد‪ ،‬على هذا األداء الرفي ‪33 3‬ع والس ‪33 3‬لوك العمي ‪33 3‬ق‪ ،‬واإلميان هبذا “اُحللم الغاي ‪33 3‬ة”‪ ،‬والثب ‪33 3‬ات علي ‪33 3‬ه‬
‫والتمس‪33‬ك ب‪33‬ه‪ ،‬ف‪33‬إن اهلل س‪33‬يقابل ك‪33‬ل خطوة إلي‪33‬ه خبطوات‪ ،‬س‪33‬يقابل املش‪3‬ي إلي‪33‬ه باهلرول‪33‬ة‪ ..‬تص‪33‬نعون ش‪33‬يًئا‬
‫حبجم قطرة فيجعلها عشر قطرات‪ ،‬بل مائة قطرة حسب إخالصكم وعمق نيتكم‪.‬‬

‫عن أنس بن مال‪3‬ك وأيب هري‪3‬رة ‪-‬رض‪33‬ي اهلل عنهما‪ -‬عن الن‪3‬يب ‪-‬ص‪33‬لى اهلل علي‪3‬ه وس‪3‬لم‪ -‬فيما يروي‪3‬ه عن‬
‫ِم‬ ‫ِذ‬ ‫ِذ‬ ‫ِش‬
‫ربه ‪-‬عز وجل‪ -‬قال‪« :‬إذا َتَقَّر َب العبُد إَّيل ْبًر ا َتَقَّر ْبُت إليه َر اًعا‪ ،‬وإذا َتَقَّر َب إَّيل َر اًعا َتَقَّر ْبُت ْن ُه‬
‫َباًعا‪ ،‬وإذا أتاين ميشي َأَتْيُتُه َه ْر َو َلًة»‪.‬‬

‫من تقَّر ب إىل اهلل بشيء من الطاعات ولو قلياًل قابله اهلل بأضعاف من اِإل ثاب‪3‬ة واِإل ك‪3‬رام‪ ،‬وكلما زاد يف‬
‫الطاعة زاده يف الثواب‪ ،‬وأسرع برمحته وفضله‪،‬‬

‫احرصوا على العمق يف العبودية‪ ،‬أعطوا اإلخالص عناي‪3‬ة خاص‪3‬ة‪ ،‬اإلخالص مينح العمَق قيمَت ه احلقيقي‪3‬ة‪.‬‬
‫ذرة من عمل خالص َتفُضل أطناًنا من عمل بال إخالص‪ ،‬هكذا يقول األستاذ النورس‪33‬ي‪ .‬حتّر وا مرض‪33‬اة‬
‫اهلل يف أعمالكم‪ ..‬إن رض‪33 3‬ي عنكم وقِب ل بكم واقتضت حكمت‪33 3‬ه ذل‪33 3‬ك‪ ،‬يوّج ه قل‪33 3‬وب الن‪33 3‬اس إليكم‬
‫بالقبول‪ ،‬حىت وإن مل تطلبوا ذلك‪ .‬لتكن غايتنا األساس يف هذه اخلدمة املباركة حتقيق مرض‪33‬اته س‪33‬بحانه‬
‫ال غري‪ .‬األمر مكفول بعناية اهلل‪ ،‬فعلينا باجلد واإلتقان‪ ،‬وعلينا كذلك باإلخالص والتجرد‪.‬‬

‫ال تدمروا األصول بسوء أسلوبكم‬

‫‪19‬‬
‫أمل يقل فخ‪33‬ر اإلنس‪33‬انية علي‪33‬ه الص‪33‬الة والس‪33‬الم ليبلغّن هذا ال‪33‬دين ما بل‪33‬غ اللي‪33‬ل والنه‪33‬ار؟ لقد أث‪33‬ىن القرآن‬
‫على هذه األمة املبارك ‪33‬ة (ُك ْنُتْم َخ ْي ُأَّم ٍة ُأْخ ِر َج ْت ِللَّن اِس َت ْأُم وَن ِب اْلَم ْع وِف َو َتْنَه ْو َن َعِن اْلُم ْنَك ِر‬
‫ُر‬ ‫ُر‬ ‫َر‬
‫َو ُتْؤ ِم ُنوَن ِباِهلل)(آل عمران‪ .)110:‬ي‪3‬ا أمة حممد! أنتم خ‪3‬ري أمة أخ‪3‬رجت حلمل الن‪3‬اس إىل اخلري‪ ،‬حتّثون‬
‫على الص‪33 3 3‬دق واجلمال وف‪33 3 3‬ق األص‪33 3 3‬ول الص‪33 3 3‬حيحة وتنش‪33 3 3‬روهنا‪ ،‬تس‪33 3 3‬عون إىل من‪33 3 3‬ع الش‪33 3 3‬ر واالحنراف‬
‫والسيئات‪ ..‬تفعلون ذلك بدافع إميانكم‪.‬‬

‫أج‪3‬ل‪ ،‬بع‪33‬د أن ُذك‪33‬ر املن‪3‬افقون بأوص‪33‬افهم‪ ،‬ج‪3‬اء ذك‪3‬ر املؤمنني هبذه اخلص‪33‬ال الرفيع‪33‬ة‪ .‬كث‪3‬رية هي األماكن‬
‫ال‪33 3‬يت ُذك‪33 3‬ر فيه‪33 3‬ا املؤمن‪33 3‬ون وّمُحل‪33 3‬وا مهمة نش‪33 3‬ر احلقيقة وإبع‪33 3‬اد الن‪33 3‬اس عن املس‪33 3‬اوئ‪ .‬س‪33 3‬تقومون هبذه‬
‫املس‪33‬ؤولية‪ ..‬هذا أمر ال ب‪33‬د من‪33‬ه‪ ،‬هذا من األص‪33‬ول األساس‪33‬ية‪ .‬أما األس‪33‬لوب فعليكم أن تضبطوه وف‪33‬ق‬
‫املبادئ اليت أرساها اجملتهدون‪ ،‬ووفق الكليات اليت وّض حها اجملددون الذين يبعثهم اهلل يف كل قرن‪.‬‬

‫ال ت ‪33‬دمروا األص ‪33‬ول والث ‪33‬وابت بس ‪33‬وء أس ‪33‬لوبكم‪ ..‬حذار أن خترق ‪33‬وا األص ‪33‬ول بأخطاء أس ‪33‬لوبية‪ .‬هذا‬
‫موض‪33‬وع يف غاي‪33‬ة األمهي‪33‬ة‪ .‬احرص‪33‬وا على أن حتتكموا إىل العقل املش‪33‬رتك‪ .‬تش‪33‬اوروا فيما بينكم‪ ،‬قول‪33‬وا‬
‫“هناك مسألة‪ ،‬لكّن عْر َض ها قد يثري ردة فعل الناس‪ ،‬فكيف نعرب عنها يا ترى؟”‪.‬‬

‫هذه من ال ‪33‬ديناميات األساس ‪33‬ية ال ‪33‬يت حتاف ‪33‬ظ على حي ‪33‬ويتكم‪ ..‬وهن ‪33‬اك أمر آخ ‪33‬ر‪ ،‬وهو أن تقدموا تل ‪33‬ك‬
‫احملاسن يف معارض خمتلفة‪ ،‬تقدموهنا سلوًك ا وحاًال وامتثاًال للناس أمجعني‪ ..‬ليست الع‪33‬ربة بك‪33‬ثرة الكالم‬
‫على املن‪33‬ابر‪ ،‬األص‪33‬ل أن تتمثل‪33‬وا “إذا ُر ؤي ُذك‪33‬ر اهلل”‪ .‬هذه من الس‪33‬مات الب‪33‬ارزة ل‪33‬دى العظماء يف علم‬
‫الرجال‪ .‬من إذا رأيته ذّك رك باهلل‪ ،‬هذا هو املؤمن احلق‪.‬‬

‫ي‪33‬ا من إذا س‪33‬جد جتلى اهلل‪ ،‬قي‪33‬ل هذا يف س‪33‬يدنا رس‪33‬ول اهلل ص‪33‬لى اهلل علي‪33‬ه وس‪33‬لم‪ .‬القرآن الك‪33‬رمي يص‪33‬ف‬
‫تقّلباته أثناء السجود‪ ،‬يقول تعاىل‪َ( :‬و َتَق ُّلَب َك يِف الَّس اِج ِد يَن ((الش‪3‬عراء‪ .)219:‬إن‪3‬ه س‪3‬بحانه وتع‪3‬اىل ي‪3‬رى‬
‫كي‪33‬ف تتقلب وس‪33‬ط الس‪33‬اجدين لكي تقوم مبهمة العبودي‪33‬ة على أكمل وج‪33‬ه‪ ،‬ي‪33‬رى كي‪33‬ف جُت ه‪33‬د نفس‪33‬ك‬
‫لكي يك‪33‬ون هؤالء الس‪33‬اجدون عب‪33‬اًدا هلل حًّق ا‪ .‬من ي‪33‬راكم على هذه احلال من االحرتاق سيتس‪33‬اءل “ما‬
‫القصة؟ ملاذا أنتم هكذا؟” هذا السؤال فرصة للتعبري عن قضيتكم‪ ،‬فرصة لتوض‪33‬يح س‪33‬لوككم أو ش‪33‬رحه‬
‫أو وضع حاشية عليه‪ ..‬فرصة ذهبية للحديث عن احلقيقة‪ ،‬وهذا هو املطلوب‪.‬‬

‫(*) الرتمجة عن الرتكية‪ :‬نوزاد صواش‪ .‬هذه النصوص مرتمجة من دروس األستاذ اخلاصة‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫سلوك المحتسبين‬

‫فتح اهلل كولن ‪ 20/12/2016‬العدد ‪43‬‬

‫األصل أن جُن ِّم ع طاقتنا ونبذهلا يف مشاريع صاحلة نافع‪33‬ة‪ .‬وحذار من التش‪3‬تت والتبع‪33‬ثر‪ .‬فاإلنس‪3‬ان حمدود‬
‫الطاقة واملقدرة‪ ،‬حمدود التفكري والفهم‪ ،‬حمدود املنطق واالستيعاب… فإذا ما تناثرت ّمهته هنا وهن‪33‬اك‪،‬‬
‫يص ‪33‬اب باإلرهاق ويتعّث ر يف القي ‪33‬ام مبهامه الضرورية‪ ،‬ورمبا يفش ‪33‬ل يف القي ‪33‬ام هبا متاًم ا‪ .‬ومن مث اعمل ‪33‬وا‬
‫وسِّددوا‪ُ ..‬أعِج ب الناس بص‪33‬نيعكم أم ال‪َ .‬ر َّح ب‪33‬وا بكم أم َعَبس‪33‬وا يف وج‪33‬وهكم… ينبغي أّال نلتفت إىل‬
‫ذل‪33 3‬ك‪ِ .‬لَنُك ن ماء يف الص‪33 3‬حارى القاحل‪33 3‬ة… ولنت‪33 3‬دفق سلس‪33 3‬بيًال كاألهنار… وإْن ع ‪ّ3 3‬د ها بعضهم ًّمُسا‬
‫وأعرض عن شرهبا‪ ،‬ال نيأس‪.‬‬

‫ِلَنُك ن تراًب ا حتت األق ‪33‬دام دائًم ا؛ كْن تراًب ا‪ ،‬كْن تراًب ا حىت ُتنبت ال ‪33‬وروَد… ِلَنُك ن تراًب ا‪ ،‬تراًب ا خص ‪ً3‬با‬
‫معطاء… بعضهم قد ُيِع ّد ذل‪3‬ك ال‪3‬رتاب ق‪3‬احًال فُيحجم عن ن‪3‬ثر الب‪3‬ذور‪ ،‬ال ض‪3‬ري… لننُثر ك‪3‬ل ما منل‪3‬ك‬
‫يف تل‪33‬ك األرض الطيب‪33‬ة‪ ،‬وال يعنين‪33‬ا َأَر عاها من بع‪33‬دنا أحد أم ال‪ِ .‬لَنُك ن غماًم ا يش‪33‬مل الن‪33‬اس بظالل‪33‬ه‪ ،‬مث‬
‫يتقاطر غيًثا منهمًر ا على رؤوس‪33‬هم‪ ،‬وال علين‪33‬ا أن ننش‪33‬غل‪َ ،‬أق‪33‬اموا س‪33‬دوًد ا لالس‪33‬تفادة من ذل‪33‬ك الغيث أم‬
‫مل يقيموا؟ ِلنص‪3‬دح ب‪3‬أقوى األلفاظ وأع‪3‬ذب األحلان‪ ،‬ول‪3‬و س‪ّ3‬د وا آذاهنم أو أغمضوا عي‪3‬وهنم إعراًض ا‪ ،‬ال‬
‫نبايل… ِلَنْس ع دون ملل إىل إمساعهم أعذب األحلان بأعذب العبارات وأرق األلفاظ‪.‬‬

‫ِلَنْر فع القلَم ونكتْب به عبارات مص‪3‬بوغًة ب‪3‬اإلخالص‪ ،‬ملون‪3‬ة ب‪3‬اإلخالص‪ ،‬مزخرف‪3‬ة ب‪3‬اإلخالص‪ ،‬مطبوع‪3‬ة‬
‫باإلخالص… وْلَتُك ن مرض‪3‬اة اهلل روح تل‪3‬ك العب‪3‬ارات… وال يعنين‪3‬ا َأأْثىن بعضهم عليه‪3‬ا أم ال‪ .‬ف‪3‬إْن مل‬
‫ُيقب‪33‬ل عليه‪33‬ا الي‪33‬وم أحٌد فس‪33‬وف حيتضنها أجي‪33‬ال الغ‪33‬د املنص‪33‬فون‪ِ .‬لَنُك ن حنن تراًبا تطؤه األق‪33‬دام… ِلَنْب ق‬
‫ُنعِّفر وجوهنا بالرتاب… وال نبايل‪َ ،‬أَعَر فوا َقْد َر نا أم مل يعرفوا‪ِ .‬لَنْن ثر الب‪3‬ذور‪ ،‬وال نب‪3‬ايل حىت ل‪3‬و زعموا‬
‫أهنم ُه ْم الزارع ‪33 3‬ون… ِلُنْنش ‪33 3‬ئ س ‪33 3‬دوًدا َتس ‪33 3‬قي أراض ‪33 3‬يهم‪ ،‬وال نب ‪33 3‬ايل ول ‪33 3‬و ق ‪33 3‬الوا عن أنفس ‪33 3‬هم “حنن‬
‫املنشئون”‪ .‬فالقول ال َيعنينا‪ ،‬ألّن املهم هو القيام مبا ينبغي إكراًم ا لإلنسانية‪.‬‬

‫ق ‪33‬د تب ‪33‬دو هذه املع ‪33‬اين ‪-‬ألين تفَّو هُت هبا‪ -‬متعِّثرة ش ‪33‬احبة متهافت ‪33‬ة‪ِ ،‬م ْثلي متاًم ا‪ ،‬لكنه ‪33‬ا يف أص ‪33‬لها ن ‪33‬داء‬
‫األنبي‪3‬اء وأنفاس‪3‬هم يف ك‪3‬ل زمان‪َ( :‬و َم ا َأْس َأُلُك ْم َعَلْي ِه ِم ْن َأْج ٍر ِإْن َأْج ِر َي ِإَّال َعَلى َر ِّب اْلَع اَلِم َني )… ال‬
‫نري‪33‬د منكم ج‪33‬زاء… َفَعْلن‪33‬ا‪َ ،‬أَجْنْز ن‪33‬ا‪َ ،‬أَقْم ن‪33‬ا‪ُ ،‬قْلن‪33‬ا‪َ ،‬م َّه ْد نا‪ ،‬كن‪33‬ا تراًب ا‪ ،‬بَّلْغن‪33‬ا رس‪33‬الة‪َ ،‬نَش رنا احلق‪َ ،‬خ َد منا‬
‫احلقيقة… ال نريد منكم مقابل ذلك ولو مثقال ذرة‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫األس ‪33‬تاذ ب ‪33‬ديع الزمان ي ‪33‬ذكر قص ‪33‬ة حبيب النج ‪33‬ار يف س ‪33‬ورة يس‪ ،‬وال ‪33‬يت قي ‪33‬ل إهنا وقعت يف أنطاكي ‪33‬ا‪،‬‬
‫والروايات تقول إهنم رُس ُل عيسى ‪-‬عليه السالم‪ …-‬يأيت رسوالن مث يلحق هبما ث‪33‬الث‪ .‬يقول حبيب‬
‫النج‪3‬ار‪( :‬اَّتِبُع وا َمْن َال َيْس َأُلُك ْم َأْج ًر ا َو ُه ْم ُمْه َتُد وَن )‪ .‬هؤالء وج‪3‬دوا الطري‪3‬ق‪ ،‬إهنم على هدى‪ ،‬وهم ال‬
‫يطلب‪33‬ون منكم أج ‪ً3‬ر ا‪ ..‬إن ك‪33‬ان الب‪33‬د من االتب‪33‬اع ف‪33‬اتبعوا هؤالء… اتبع‪33‬وا من ال ينتظ‪33‬ر منكم ش‪33‬يًئا‪ ،‬ال‬
‫يطمع يف ش‪33‬يء عن‪33‬دكم‪ .‬وال تتبع‪33‬وا من حيِّدق فيكم طمًع ا يف ثن‪33‬اء أو تص‪33‬فيق أو متّل ق مقاب‪33‬ل مع‪33‬روف‬
‫أس‪33‬داه إليكم… أو يس‪33‬عى إىل ملء أكياس‪33‬ه وخزائن‪33‬ه ب‪33‬أموالكم لقاء إحس‪33‬اناته إليكم… ولكن اتبع‪33‬وا‬
‫هؤالء… اتبعوا األنبياء العظام… اتبع‪3‬وا ورثَتهم املخَلص‪3‬ني ك‪3‬أيب بك‪3‬ر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وعلي رض‪3‬ي‬
‫اهلل عنهم وأرض ‪33 3 3 3‬اهم أمجعني آالف املرات… اتِبع ‪33 3 3 3‬وا من س‪33 3 3 3‬ار على درهبم ك‪33 3 3 3‬اجليالين‪ ،‬والش‪33 3 3 3‬اذيل‪،‬‬
‫ومص‪3‬طفى الص‪3‬ديق البك‪3‬ري‪ ،‬وحممد هباء ال‪3‬دين النقش‪3‬بندي‪ ،‬واإلمام الرب‪3‬اين‪ ،‬وخال‪3‬د البغ‪3‬دادي‪ ،‬والش‪3‬اه‬
‫ويل اهلل ال‪33 3‬دهلوي‪ ،‬وب‪33 3‬ديع الزمان النورس‪33 3‬ي‪ ،‬وَم ن تبعهم بإحس‪33 3‬ان من جنوم اهلدى… هؤالء ف ‪33‬ارقوا‬
‫ال‪3‬دنيا كما ج‪3‬اؤوا إليه‪3‬ا؛ ليس معهم س‪3‬وى الكفن‪ .‬ومل يوِّر ث‪3‬وا من مت‪3‬اع ال‪3‬دنيا ول‪3‬و مثقال ذرة‪ .‬هؤالء‬
‫هم من ُيقتدى هبم… هؤالء عّد وا الدنيا حمطة عابرة… قال سيد املرسلني‪“ :‬ما يل وللدنيا؟ ما أن‪3‬ا يف‬
‫ال‪33‬دنيا إال ك‪33‬راكب اس‪33‬تظل حتت ش‪33‬جرة مث راح وتركه‪33‬ا”؛ ال عالق‪33‬ة يل هبذه ال‪33‬دنيا‪ ،‬إن ص‪33‬ليت هبا ص‪33‬لة‬
‫مسافر جلس حتت شجرة ريثما يلتقط بعض أنفاسه مث غادرها‪.‬‬

‫اتبع‪33‬وا من ك‪33‬ان على هذه الش‪33‬اكلة‪ ،‬اتبع‪33‬وا من يعيش عيش‪33‬ة كه‪33‬ذه… من اقت‪33‬دى هبم ال خيس‪33‬ر أب‪ً3‬د ا…‬
‫ِلُنُك ِث ر من العمل الطيب‪ ،‬وِلَنْنش ‪33‬ر اخلري والص ‪33‬الح… مث ال ننتظ ‪33‬ر مقاب ‪33‬ل ما ب ‪33‬ذلناه‪َ .‬ذَك ْر ن ‪33‬ا يف أحد‬
‫ال‪33‬دروس إذا ص‪33‬نعَت معروًف ا أو تص‪ّ3‬د قَت ‪ ،‬أو زّك يَت ‪ ،‬أو أحس‪33‬نَت إىل أحد‪ ،‬أو وهبَت أحًد ا منزًال‪ ،‬أو‬
‫مّه دَت طريًق ا… فال ُتبطل هذا باملّن قوًال أو فعًال أو إشارة أو حىت بتعبريات وجه‪33‬ك وأنت تنظ‪33‬ر إلي‪33‬ه‬
‫وكأن‪33‬ك تقول‪ :‬أمل ُأَم ِّه د ل‪33‬ك طريًق ا؟ أمل أؤس‪33‬س ل‪33‬ك بيًت ا؟‪ ..‬إن فعلَت ‪ ،‬فقد ص‪3‬رّي ت عمل‪33‬ك رديًئ ا بال‬
‫قيمة‪.‬‬

‫قيمة العمل مرتبطة خبل‪33‬وه من املّن ‪ .‬يقول تع‪33‬اىل‪َ( :‬ال ُتْبِط ُل وا َص َد َقاِتُك ْم )؛ ال تبطل‪33‬وا ما تقِّدمون‪33‬ه رمًز ا‬
‫لص‪3‬دقكم‪ ،‬وبوض‪3‬وح أك‪3‬ثر‪ ،‬ال تبطل‪3‬وا ما يعرّب عن ش‪3‬هامتكم ويرمز إىل ِص ْد قكم جه‪ً3‬ر ا أو تلميًح ا على‬
‫س ‪33‬بيل املّن ة واإلحراج‪ .‬وك ‪33‬ذلك التبلي ‪33‬غ ال تعّر ض ‪33‬وه ملص ‪33‬يبة املّن ة‪ ،‬وال انطالقكم هبذه الرس ‪33‬الة إىل أحناء‬
‫الع ‪33‬امل‪ ،‬وال انفت ‪33‬احكم إىل أك ‪33‬ثر من ‪ 150‬دول ‪33‬ة‪ ،‬أو تأسيس ‪33‬كم ألك ‪33‬ثر من أل ‪33‬ف مدرس ‪33‬ة… ب ‪33‬ل كلما‬
‫اهنمرْت عليكم الِنَعم الرباني ‪33 3 3‬ة ك ‪33 3 3‬الغيث‪ ،‬وبّللتكم من أعلى رؤوس ‪33 3 3‬كم إىل أمخص أق ‪33 3 3‬دامكم احنن ‪33 3 3‬وا‬
‫كالغص ‪33‬ن تواض‪ً3 3‬عا‪ .‬هذا هو مقتضى الش ‪33‬عور ِبِنَعم اهلل ومقتضى إدراك مواهب ‪33‬ه الواس ‪33‬عة؛ أْي االحنن ‪33‬اء‬

‫‪22‬‬
‫والس ‪33‬جود تواض ‪ً3‬عا… هذا االحنن ‪33‬اء اع ‪33‬رتاٌف ب ‪33‬أن هذه الِنَعم ليس ‪33‬ت ِم َّن ا‪ ،‬إمنا هي من ‪33‬ه س ‪33‬بحانه‪ .‬هذه‬
‫الروح‪ ،‬روح النذر‪ ،‬هي احملّر ك األكرب ألولئك ال‪3‬ذين ن‪3‬ذروا أنفس‪3‬هم خلدمة القرآن‪ .‬وجيب على هؤالء‬
‫الن‪3‬اذرين أّال يتخل‪3‬وا عنه‪3‬ا أب‪ً3‬د ا‪ .‬شخص‪ًّ3‬يا مل أس‪3‬تطع أن أك‪3‬ون ك‪3‬ذلك‪ ،‬وال أمل‪3‬ك اهلَّم ة ل‪3‬ذلك‪ ،‬ولكنكم‬
‫بإذن اهلل وعنايته ولطفه ورعايته ستحققون ذلك‪.‬‬

‫اللهم َأِفْض علينا من َعوارف املعارف… أفض علينا نعمك املش‪3‬رقة الوج‪3‬وه ومواهب‪3‬ك النضرة املالمح‬
‫غيًثا مدراًر ا يغشانا من رؤوسنا إىل أقدامنا‪ُ .‬ص َّبه اللهم علين‪3‬ا ص‪ًّ3‬با‪ ،‬فنحن فقراء ال يش‪3‬بعون‪ ،‬وإزاء ك‪3‬ل‬
‫لطف من لدنك “هل من مزيد” يهتفون‪.‬‬

‫(*) الرتمجة عن الرتكية‪ :‬نور الدين صواش‪ .‬هذا النص مفَّر غ ومرتجم من دروس األستاذ الشفوية‪.‬‬

‫كن شمًس ا‬

‫فتح اهلل كولن ‪ 04/12/2022‬العدد ‪90‬‬

‫كن مشسا‪ ،‬اْس َتفاد منها الناس أم مل يستفيدوا‪ ،‬فال ضري‪ ..‬كن ماء‪ ،‬شرب منها الناس أم أعرضوا عن‬
‫شرهبا‪ ،‬فال تيأس‪ ..‬كن تراًبا‪َ ،‬نثر الناس البذور يف جوفه أم مل ينثروا‪ ،‬فال تبايل‪ ..‬كن شجرة مثمرة‪،‬‬
‫استظل الناس حتت ظلها أم مل يستظلوا‪ ،‬فال عليك‪ ..‬املهم أن تكون‪ ..‬أن تكون موجوًد ا‪ ..‬وإْن‬
‫انصبغَت باالحِّم اء كنَت الرابح‪ ..‬على اإلنسان أن يفعل مبحض إرادته ما جيب فعله يف سبيل غايته‬
‫املثلى‪ ،‬وميضي حبماسة متقدة إىل مهمة آخرى دون انتظار احلصاد‪ ..‬فاألساس هو العمل الطيب‪ ،‬مث‬
‫املضي دون االلتفات إىل الوراء‪ .‬انُثْر البذور يف األرض‪ ،‬وْليحصد من حصد بعدك‪.‬‬

‫ال تقل "ال بد أن أقوم باحلصاد أنا‪ ..‬ال بد أن أنال اجلائزة أنا‪ ..‬ال بد أن يثين الناس علّي أنا‪ ..‬ال بد‬
‫أن يقِّدروين أنا"‪ ،‬إمنا قل "ال أريد شيًئا مقابل ذلك ولو مثقال ذرة"‪.‬‬

‫إن العمل دون مقابل خيفف ْمِحل اإلنسان‪ .‬بينما العمل طمًعا يف الثناء أو التصفيق هو ذل وإهانة‬
‫لكينونته‪ .‬وعلى اإلنسان أّال متد يده متسِّو ًال وطالًبا أجره من اآلخرين‪ ،‬ألنه خملوق عزيز مكَّر م‪ .‬ومبا‬
‫أن اإلنسان من الُص نع اإلهلي‪ ،‬فإن سؤَله من غري اهلل إهانة لُص نعه تعاىل‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫لقد ُخ لق اإلنسان عزيًز ا وال جيدر به أن ميّد يده إىل خملوق مثله‪ ..‬عليه أن يطلب فقط من خالقه‪ ..‬إذا‬
‫ذهبَت إىل اآلخ‪33‬رة وِص لتك باهلل قوي‪33‬ة‪ ،‬فه‪33‬ذا يكفي‪33‬ك وزي‪33‬ادة‪ ..‬فال حاج‪33‬ة ل‪33‬ك يف دعم اآلخ‪33‬رين أب ‪ً3‬د ا‪.‬‬
‫ولعل هذه أهم ميزة لألرواح اليت نذرت نفسها خلدمة اإلنسانية‪.‬‬

‫‪------------‬‬

‫(*) هذه النص‪33‬وص مرتمجة من دروس األس‪33‬تاذ فتح اهلل ك‪33‬ولن اخلاص‪33‬ة‪ .‬الرتمجة عن الرتكي‪33‬ة‪ :‬هيئ‪33‬ة حراء‬
‫للرتمجة‪.‬‬

‫اإلنسان مرآة‬

‫فتح اهلل كولن ‪ 04/12/2022‬العدد ‪90‬‬

‫إذا مل نستطع أن نعرب عن ذاتنا بصدق‪ ،‬فسيصبح انتظار تغري اآلخرين ال معىن له‪ .‬اإلنسان هو املرآة‬
‫الوحيدة اليت تستطيع أن تعكس جتليات الذات اإلهلية بأمسائها احلسىن وصفاهتا السبحانية؛ ولذلك‬
‫فعالقتنا جتاه اإلنسان تعين عالقتنا بصنعة اهلل ‪ ‬فتلك العالقة معيار لكمال احرتامنا هلل تعاىل‪.‬‬

‫وألننا مل نعرب جبد عن قيم اإلسالم‪ ،‬فاآلخرون يرون اإلسالم على غري حقيقته‪ ،‬فهناك سيل من‬
‫املشوشات السوداء‪ ..‬انظروا‪ ،‬سرتون هذا السيل األسود حولكم يسود وجوه املسلمني‪ .‬يقول النيب‬
‫‪َ" :‬ليبلغَّن هذا األمر ما بلغ الليل والنهار" (رواه أمحد)‪ ،‬أي سيصل االسم احملمدي لكل مكان تطلع‬
‫عليه الشمس‪ .‬قولوا يل‪ ،‬أمل تنتشروا يف ربوع األرض ويف كل مكان تطلع عليه الشمس؟ من جهة‬
‫ميثل هذا اهلّم تطهري ألرواحنا‪ ،‬ومن جهة أخرى يسوقنا إىل غاية علوية شريفة لنخدم فيها‪.‬‬

‫فهي حياة قلبية جديدة تتمـثل يف اإلميــان بـاهلل‪ ،‬وبريشة معرفة اهلل الضاربة على القلب أثناء سرينا‪..‬‬
‫ويف الطريق إىل اهلل سنجد أنفسنا يف كل خطوة خنطوها‪ ،‬تتجلى لنا حزمة من أطياف املعرفة الواردة‬
‫على قلوبنا‪ .‬لكن إن توقفنا يف مكاننا واكتفينا باملوجود فسيعرب هذا عن قلة مهتنا‪ ،‬وكاألشجار اليابسة‬
‫يف مكاهنا سنكون‪ ،‬وما رآه اآلخرون منا باألمس‪ ،‬جيب أن يشاهدوا غريه اليوم‪ .‬حنب أن نقدم هلم‬
‫أمًر ا خمتلًف ا وجديًد ا‪ ،‬حىت ينجذبوا إىل ما نقدمه‪ ،‬وباجنذاهبم سيصلون إىل اهلل وإىل أفق النجاة‪.‬‬

‫أما عن عالقتنا مبن هو أقرب من أنفسنا منا‪ ،‬فيجب أن نعيد تأسيسها‪ ،‬جيب علينا أن نتجاوز ُبْع دنا‬
‫عنه حىت حنظى بالقرب منه جل وعال‪ .‬وما دام هو َنَثرنا يف األرض كالبذور‪ ،‬فيجب أن نتمثل حال‬

‫‪24‬‬
‫البذور يف ارتقائها ومنوها‪ ..‬وما دام زرعنا يف خمتلف أحناء العامل‪ ،‬علينا أن ننبت الثمار النافعة‪ .‬اللهم‬
‫خذ بأيدينا‪ ،‬فبدونك حنن ال شيء‪.‬‬

‫‪------------------‬‬

‫(*) هذه النص‪33‬وص مرتمجة من دروس األس‪33‬تاذ فتح اهلل ك‪33‬ولن اخلاص‪33‬ة‪ .‬الرتمجة عن الرتكي‪33‬ة‪ :‬هيئ‪33‬ة حراء‬
‫للرتمجة‪.‬‬

‫حوار مع النفس‬

‫فتح اهلل كولن ‪ 15/11/2018‬العدد ‪ ,69‬املقال الرئيس‬


‫ِك‬ ‫ِض‬ ‫ِص‬
‫أيته ‪33 3‬ا النفس! َتَف َّليِت من مش ‪33 3‬اعر اخلري ‪33 3‬ف‪ ،‬و ريي َن رة خضراء حىت تطري يف حميط الطي ‪33 3‬وُر‬
‫والعص‪33‬افري‪ ..‬وُك وين منبًع ا للماء حىت ُيه‪َ3‬ر ع حنوِك ك‪ُّ3‬ل حمروقي الفؤاد‪ ..‬وذويب مث‪33‬ل الش‪33‬معة وانش‪33‬ري‬
‫فيما حوالي‪ِ3 3‬ك األن ‪33‬وار‪ ،‬انش ‪33‬ريها إىل أن تس ‪33‬حري أولئ ‪33‬ك ال ‪33‬ذين يش ‪33‬اهدون الب ‪33‬در في ‪33‬رتكوا مش ‪33‬اهدته‬
‫ويص‪33‬بحوا فراش‪33‬ات يف أجوائ‪33‬ك‪ ..‬وع‪33‬انقي الن‪33‬اَس ب‪33‬دفء وحن‪33‬ان كاألمه‪33‬ات حىت يلقي ال‪33‬ذين خيافون‬
‫سخطك بأنفسهم يف حضنك دون تردد‪ ..‬ووِّز عي ِنَعَم اهلل عليك إىل من حولك بسخاٍء ‪ ،‬وِّز عيها ف‪3‬إن‬
‫السخاء أشد املعادالت السرية تأثًريا يف القرب من اجلنة ومن اهلل تع‪3‬اىل‪ ..‬ف‪3‬إذا رَّس خِت هذه املعادل‪3‬ة يف‬
‫روحِك وتطَّبعِت هبا واس ‪33 3‬تخدمِتها‪ ،‬ف ‪33 3‬إن أغل ‪33 3‬ظ األرواح ال ‪33 3‬يت دأَبْت على مذهب احلقد والكراهي‪33 3‬ة‬
‫والعداء؛ سيصطّف ون يوًم ا ما وهم ُيشّك لون طوابَري منتظرين الدخول يف أجوائك‪.‬‬

‫علي ‪ِ3‬ك أن تك‪33‬وين مث‪33‬ل الغي‪33‬وم‪ ،‬وُحَتويل دون حرارة الش‪33‬مس احلارق‪33‬ة‪ ،‬وأن تك‪33‬وين مث‪33‬ل األمطار الغزي‪33‬رة‬
‫اليت هتطل من دون تعلق باملواسم ف طفئ هلي كل أحد وكل شيء‪ ..‬وكوين ‪-‬على األقل‪ -‬مث‪33‬ل رذاٍذ‬
‫َب‬ ‫ُت‬
‫ُي رِّبت على احلدائق والبس ‪33‬اتني‪ ،‬والس ‪33‬فوح والُّر ب ‪33‬ا‪ ،‬واجلب ‪33‬ال والتالل‪ ..‬فرِّب يت أنِت أيًض ا على القل ‪33‬وب‬
‫واألرواح القاحل ‪33‬ة‪ ،‬وك ‪33‬وين ورًد ا للماء الع ‪33‬ذب املفت ‪33‬وح لك ‪33‬ل أحد‪ ،‬حىت س ‪ 3‬دائ ا يف فضاءاتِك‬
‫ُي َمَع ًم‬ ‫َم‬
‫أصواُت األباريق واِجلَر ار‪ ،‬وْلتجِد القلوُب احملرتقة بنار احلسرات ض‪33‬الَتها يف حميطِك ‪ ،‬وْلَتْنَف ْد ِم داد أقالم‬
‫ص‪33‬يادي األق‪33‬وال احلكيمة‪ ،‬ولُتص‪33‬بْح املش‪33‬اعُر الرائع‪ُ3‬ة ال‪33‬يت تتل‪33‬ون هبا ص‪33‬حائف الكتب مزامَري الروحانيني‬
‫كلما فتحِت فاك ِلتبوحي بإهلاماِت روِح ك‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫ومهما َش َح َذ الغي ‪ُ3‬ظ والغضُب واحلقُد والكراهي ‪ُ3‬ة خن ‪33‬اجَر هم وهامجوا ك ‪33‬ل من يالقون ‪33‬ه‪ ،‬ودمروا ك ‪33‬ل‬
‫ش ‪33‬يء‪ ،‬فْلتك ‪33‬وين أنِت حامي‪ً3 3‬ة محيمة لك‪ِّ3 3‬ل من يل ‪33‬وذ ب‪ِ3 3‬ك ممن ال مك ‪33‬ان هلم وال مأوى‪ ،‬مبن فيهم تل ‪33‬ك‬
‫األرواح اهلائجة‪ ،‬وال ختِّييب رجاَء َم ن ُيهَر عون إىل وصايتِك ‪.‬‬

‫وكما هو احلاُل الي ‪33‬وم‪ ،‬فح ‪33‬ىت يف األوق ‪33‬ات ال ‪33‬يت خيِّر ب فيه ‪33‬ا عفاريُت األفك ‪33‬ار املتمردة ك‪َّ3 3‬ل الطرق‪،‬‬
‫ويه‪33‬دمون ك‪33‬ل اجلس‪33‬ور اجلامع‪33‬ة بني أبن‪33‬اء أمتن‪33‬ا‪ ،‬علي‪ِ3‬ك أن تبيِن ‪-‬مبا ل‪33‬ديك من احملب‪33‬ة والتس‪33‬امح وهيج‪33‬ان‬
‫القلب‪ُ -‬طُر ًقا وجسوًر ا معنوي‪ً3‬ة‪ ،‬وحتاويل الوص‪3‬ول إىل مجي‪3‬ع النقاط ال‪3‬يت تس‪3‬تطيعني الوص‪3‬ول إليه‪3‬ا‪ ..‬وال‬
‫تتع‪33‬ثري بالتعامل مع اآلخ‪33‬رين مبث‪33‬ل ما ع‪33‬املوك‪ ،‬وعلي‪33‬ك أن تتص‪33‬ريف مبا تقتضيه طبيع‪33‬ة املس‪33‬لم حىت ول‪33‬و‬
‫أفضى ب ‪ِ3‬ك إىل املوت‪ ..‬وأن حُت ِّو يل ما ُترَش قني ب‪33‬ه من احلج‪33‬ارة إىل أن‪33‬وار‪ ،‬وكأن‪33‬ك ُتقِّدمني ملن حول ‪ِ3‬ك‬
‫ُعروًض ا من األلعاب النارية‪ ،‬كشأن النيازك اليت ترتطم بالغالف اجلوي فتتحول إىل أض‪3‬واء‪ ..‬وأن تلِّي ين‬
‫ك‪َّ3 3‬ل ما يتص ‪33‬اعد حول ‪33‬ك من األص ‪33‬وات الص ‪33‬اخبة حبَّدة وش ‪33‬دة‪ ،‬فتص ‪33‬نعي منه ‪33‬ا باق ‪33‬اٍت من احملب ‪33‬ة‪ ،‬وال‬
‫تتفَّو هي قطًعا ال عن وعورة الطريق وال عن انغالق اجلسور‪ ،‬حىت ال حُت ِّر كي فريوسات األحقاد املاضية‬
‫وكراهيتها‪.‬‬

‫إن هذه الطريق هي طريق األنبياء‪ ،‬وهي َأْمُنَت جسٍر للعبور إىل مستوى اإلنسان الكامل‪ ..‬إهنا طريق مل‬
‫تتعثر بأحد ممن ساروا عليها إىل يومنا‪ ،‬كما أهنم مل يغريوا موقفهم جتاه ما القوه من وقاحة أو فظاظ‪33‬ة‪.‬‬
‫واحلُّق أنه إذا كان اإلنساُن واعًيا بـ”إنسانيته”‪ ،‬فلن تؤثر أش‪3‬كاُل احلقد والكراهي‪3‬ة والوقاحة وال غريها‬
‫من مظاهر الَف جاجة‪ ،‬على اجتاه تفكريه وال َم واقفه‪ ..‬وهذا ما ينبغي أن يكون‪.‬‬

‫ص ‪33‬حيح أن هن ‪33‬اك مس ‪33‬لمني حيي ‪33‬دون عن الطري ‪33‬ق عن ‪33‬دما يتعرض ‪33‬ون لبعض الص ‪33‬دمات‪ ،‬إال أن هؤالء من‬
‫األرواح الفج‪33‬ة ال‪33‬يت مل هتدأ أمواُج مش‪33‬اعرها وأفكاِر ها ومل َتص‪33‬ل إىل ق‪33‬رار ووق‪33‬ار‪ ،‬وإن‪33‬ين ال أتوق‪33‬ع من‬
‫هذه األرواح اهلزيل ‪33 3‬ة أن تنفع اآلخ ‪33 3‬رين بش ‪33 3‬يء‪ ..‬وأمث ‪33 3‬ال هؤالء مل خيرج ‪33 3‬وا عن إص ‪33 3‬دار الص ‪33 3‬خب‬
‫والضجيج جتاه خمتلف األحداث‪ ،‬وكأهنم طبوٌل ُتقَر ع‪ ،‬وهذا من أهم أس‪3‬باِب كث‪3‬ري من الش‪3‬جار الواق‪3‬ع‬
‫بني الناس يف هذه األيام‪.‬‬

‫إن االمنح ‪33‬اء والتواض ‪33‬ع واحللم‪ ،‬هو حال دائم ل ‪33‬دى األش ‪33‬خاص الناض ‪33‬جني الوق ‪33‬ورين‪ .‬ومهما ك ‪33‬انت‬
‫األوض‪33‬اع‪ ،‬ف‪33‬إن أمث‪33‬ال هؤالء يف العمق مث‪33‬ل الس‪33‬ماوات‪ ،‬ويف الس‪33‬عة مث‪33‬ل البح‪33‬ار‪ ،‬ويف اهليب‪33‬ة والرس‪33‬وخ‬
‫مث‪33 3‬ل اجلب‪33 3‬ال الش‪33 3‬وامخ‪ ،‬ويف التواض‪33 3‬ع مث‪33 3‬ل ال‪33 3‬رتاب؛ فال هم يت‪33 3‬أثرون مبا جيري حوهلم‪ ،‬وال يتعك‪33 3‬رون‬
‫مبختل‪33‬ف االختالطات‪ ،‬وال يرض‪33‬خون للعواص‪33‬ف‪ ،‬ب‪33‬ل يضعون وج‪33‬وههم على األرض وحيتضنون ك‪33‬ل‬

‫‪26‬‬
‫ش ‪33‬يء وك‪َّ3 3‬ل أحد‪ ..‬فهم كال ‪33‬ذهب ال ‪33‬ذي ذاب وغلى وبل ‪33‬غ إىل ص ‪33‬فاء اجلوهر‪ ،‬فل ‪33‬و ُو ض ‪33‬عوا يف أف ‪33‬ران‬
‫ُتذيب اجلرانيت َلَم ا تغريْت طبيعتهم‪ .‬لقد احرتقوا وأص‪3‬بحوا رماًد ا‪ ،‬فلم يع‪3‬ودوا يت‪3‬أثرون بأي‪3‬ة ن‪3‬ار‪ ،‬ولن‬
‫يستسلموا ألية مجرة‪ ،‬وبالفعل فلن جتد من يتصدى حلرق الرماد وإذابة الذهب اخلالص يف البوتقات‪.‬‬

‫أيتها النفس! ينبغي لك أن تشعري يف أعماق ضمريك هبموم كل أحد‪ ،‬حبيث ال َيتوقع أحد منك فوق‬
‫ذل ‪33 3‬ك‪ ،‬وأن تش ‪33 3‬عري ب ‪33 3‬آالمهم يف دواخل ‪33 3‬ك وتبكي‪ ،‬حبيث جتف حياهلا دموع العي ‪33 3‬ون الباكي ‪33 3‬ة‪ ،‬وأن‬
‫تتحرقي ِم ن أْج لهم حىت ينسى كُّل ا عانني آالَم هم جتاه هذا الذي اكتوى كبده من املعاناة‪.‬‬
‫ُمل‬
‫فالسعيد الذي اختذ موقفه طبًق ا هلذا األفق‪ُ ،‬يعترَب ُمدِر ًك ا ‪-‬يف نطاق شخص‪33‬ه‪“ -‬ليل‪َ3‬ة ق‪33‬دٍر ” يتجلى فيه‪33‬ا‬
‫كُّل أنواع اجلمال اليت تفوق حدود تصوره‪ ،‬وُيْذ َك ُر يف األرض والسماء مبقام‪“ :‬خليفة اهلل”‪.‬‬

‫إن الطبيع‪33 3‬ة اإلنس‪33 3‬انية حتت‪33 3‬وي على الس‪33 3‬رور واحلزن مًع ا‪ ،‬فال‪33 3‬ذي يس‪33 3‬تطيع أن َيس ‪ُ3 3‬ج ن احلزن يف قفص‬
‫اإلرادة‪ ،‬وُيطل ‪َ3‬ق س‪33‬راح محامة الس‪33‬رور لتحِّل ق إىل أقص‪33‬ى ما ميكن أن تطري إلي‪33‬ه‪ ،‬هو اإلنس‪33‬ان الكامل‪،‬‬
‫وهو من ج ‪33‬انٍب “س ‪َّ3‬ج اٌن ”‪ ،‬ومن ج ‪33‬انٍب آخ ‪َ3‬ر “مريِّب طي ‪33‬ور”؛ يرب ‪33‬ط ما يرب ‪33‬ط ويس ‪ِّ3‬ر ح ما يس ‪ِّ3‬ر ح‪.‬‬
‫أج‪33‬ل‪ ،‬إَّن َقْطَعن‪33‬ا لص‪33‬وت أهوائن‪33‬ا ونزواتن‪33‬ا باس‪33‬تخداِم إرادتن‪33‬ا؛ بس‪33‬الٌة وإق‪33‬دام‪ ،‬وَفْتَح ن‪33‬ا لقلوبن‪33‬ا حبيث تَس ع‬
‫لتستضيف اجلميَع ؛ شجاعٌة ومروءة‪.‬‬

‫أيتها النفس! َتصَّر يف دائًم ا بشجاعة‪ ،‬واحرصي على التحلي باملروءة‪ ،‬واس‪33‬تخدمي وج‪33‬دانك كاحملك يف‬
‫انتقاد ذات‪ِ3‬ك ‪ ،‬وتبَّس مي يف وج‪33‬ه اجلمي‪33‬ع بوجه‪33‬ك الش‪33‬احب املص‪3‬فِّر وكأن‪33‬ه ذهٌب َتَص َّفى يف الَبوتقات‪..‬‬
‫وإذ تتبس‪33‬مني لك‪33‬ل أحد فح‪33‬ذاِر أن هُت ملي التعامل معهم مث‪33‬ل ص‪33‬ريٍّيف ِخ ِّر يت‪ ،‬ف‪33‬أنِت مباهيت‪33‬ك مس‪33‬تعدٌة‬
‫لكل هذا‪ ،‬فُأوىل مغامراتك يف السماء أوضُح دليل على ذل‪3‬ك‪ ،‬فبينما ك‪3‬انت املالئك‪3‬ة هتّز مه‪33‬دك وت‪3‬رتمن‬
‫ل‪33‬ك بتهوي‪33‬دات الغبطة والس‪33‬رور؛ ك‪33‬انت الش‪33‬ياطني تقوم ب‪33‬دوِر “ض‪33‬ارب الن‪33‬اقوس” يف مراس‪33‬م احلس‪33‬د‪.‬‬
‫فمنذ أول أيامِك القيت حسًد ا رهيًبا إىل جانب ما وقع عليك من نظرات اإلعجاب والتقدير؛ ولس‪3‬ت‬
‫أدري هل أص ‪33 3‬ابتك العي ‪33 3‬ون أم ال؟ ولكْن أص ‪33 3‬ابْتِك حال ‪33 3‬ة من التع ‪33 3‬ثر وإن كنِت ق ‪33 3‬د حَّلقِت يف هناي ‪33 3‬ة‬
‫املطاف‪ ،‬و ا مددِت ي‪33‬دِك إىل الش‪33‬جرة احملظ‪33‬ورة وأخطأِت يف اجته‪33‬ادك حول تع‪33‬يني وقت اإلفطار ‪-‬‬
‫َّمل‬
‫عل ا بأن هذا من باب سيئات املقربني‪ -‬إذا ب‪ِ3‬ك تفتحني عيني‪3‬ك يف س‪3‬جن ال‪3‬دنيا‪ ..‬ال‪ ،‬ال‪ ..‬ب‪3‬ل رأيت‪ِ3‬ك‬
‫ًم‬
‫يف أحضان األرض اليت ستحتضن “حضرة أمحد”‪ .‬وقوُل الشاعر “حممد لطفي”‪:‬‬

‫إن احلكمة احلقيقية للشجرة‬

‫هي قدوم حضرة حممد إىل الدنيا‬

‫‪27‬‬
‫يشري إىل ُأوىل الثمرات احللوة لَقَد رِك احلامض‪.‬‬

‫أجل‪ ،‬إنِك لو بقيِت يف اجلنة لبقيِت مثل شجرة غري مثمرة وغري قابلة للنمو‪ .‬وما ك‪3‬ان ل‪3‬ك أن تش‪3‬عري‬
‫قط مبا متلكينه من الثروة الكامنة‪ ،‬يف حني أنك عندما فارقِت اجلن‪3‬ة ونص‪33‬بِت خيمت‪ِ3‬ك يف ال‪33‬دنيا‪ ،‬حتَّو لْت‬
‫هذه البالُد ا ِرت بة املغَّربة إىل بس‪3‬تان لل‪3‬ورود‪ ،‬وأص‪3‬بحْت هذه ال‪3‬ديار ال‪3‬يت ك‪3‬انت منفاِك ‪ ،‬رياًض ا وبس‪3‬اتني‬
‫ُمل‬
‫ت ‪33‬رتعرع هبا األنبي ‪33‬اء واألولي ‪33‬اء‪ ..‬وأخ ‪ً3‬ريا حتولْت غبطُة املالئك ‪33‬ة كلًّي ا إىل تقدير وتبجي ‪33‬ل‪ ،‬وع ‪33‬اد حس ‪33‬د‬
‫الشياطني مثل حربٍة خلصت إىل حنورهم هم‪.‬‬

‫واآلن تع ‪33‬اْيَل ‪ ،‬لَتَض ِعي ِقَيمِك حتت احلماي ‪33‬ة‪ ،‬وُتَر ِّك ِز ي على اس ‪33‬تثمار هذا املنفى ‪-‬ال ‪33‬ذي ُيعترَب طريًق ا‬
‫للقرب من اهلل‪ -‬على أحس‪33‬ن وج‪33‬ه‪ ،‬وال َحُتِّو يل وس‪33‬ائَل التقرب إىل اهلل‪ ،‬إىل أس‪33‬باب لالبتع‪33‬اد عن‪33‬ه‪ ،‬وال‬
‫تفِّر حي الش‪33‬يطان ال‪33‬ذي هو خص‪33‬مِك األب‪33‬دي ب‪33‬الوقوع يف ِش باك الكراهي‪33‬ة والبغضاء والغي‪33‬ظ واحلرص‬
‫واحلسد! ولو أنك أخطأِت يوًم ا ما‪ ،‬ووقعت دون املس‪3‬توى‪ ،‬ف‪3‬افعلي كما فع‪3‬ل الن‪3‬يب آدم علي‪3‬ه الس‪3‬الم؛‬
‫وانتص‪33 3‬يب قائمة‪ ،‬واس‪33 3‬تفيقي واع‪33 3‬رتيف جبرميت‪33 3‬ك‪ ،‬وت‪33 3‬وجهي حنو ب‪33 3‬اب احلق املفت‪33 3‬وح دائًم ا‪ ،‬وال متنحي‬
‫أخطاَءك حّق احلياة ولو لدقيقة واحدة‪ .‬وإذا كانت طبيعتِك البشرية ق‪3‬د فس‪3‬دْت بال‪3‬ذنوب فَأحييه‪3‬ا مرة‬
‫أخرى بإكسري التوبة‪ ،‬واجعليها تقف على أقدامها لتعود إىل رهبا حبماس جياش‪ ،‬وإذ تقومني هبذا كل‪33‬ه‬
‫فت‪33‬ذكري أن طبيع‪33‬ة ك‪33‬ل البش‪33‬رية مث‪ُ3‬ل طبيعت‪ِ3‬ك ‪ ،‬وأهنم ق‪33‬د يقع‪33‬ون يف مث‪33‬ل ما وقعِت في‪33‬ه من األخطاء‪..‬‬
‫واْلَتِمِس ي املعاذير لكل املخطئني‪ ،‬بل إذا استطعِت فأشفقي عليهم‪ ،‬ألهنم ُغلبوا واهنزموا أمام نفوس‪33‬هم‪،‬‬
‫احتضِنيهم وس‪3‬اِعديهم‪ ..‬وحذاِر أن تقفي من اآلخ‪3‬رين موق‪3‬ف احملاِس ب على ذن‪3‬وهبم وتنش‪3‬غلي بأخطاء‬
‫هذا وذاك‪ ،‬وإن ك ‪33‬ان ي ‪33‬روق ل ‪ِ3‬ك االهتمام باألخطاء‪ ،‬فاس ‪33‬تخدمي هوايت ‪33‬ك هذه جتاه أخطائ ‪33‬ك أنت‪،‬‬
‫حىت ال ُينسَيك “أدرانك الكبريَة” ما لدى العاملني من األوساخ الصغرية‪.‬‬

‫ُم ِّر ي بالن‪3‬اس كلما مررِت هبم مث‪3‬ل النس‪3‬ائم ال‪3‬يت حتمل ش‪3‬ذى ال‪3‬ورود! وْلَتُفح رائحت‪ِ3‬ك من الطرق ال‪3‬يت‬
‫ُمَتِّر ين هبا عبًق ا عبًق ا‪ ،‬واحرتقي مث‪3‬ل الش‪3‬موع وذويب‪ ،‬وأن‪3‬ريي اآلخ‪3‬رين‪ ،‬ولكن ال َتن‪3‬وطي هذه التضحية‬
‫الك ‪33‬ربى مبص ‪33‬احلِك اخلاص ‪33‬ة‪ ..‬وُدوري مث ‪33‬ل ال ‪33‬دواليب وأطلقي األَّن ات‪ ،‬وَأطِف ئي ن ‪33‬ريان مجي ‪33‬ع القل ‪33‬وب‬
‫احملرتق ‪33‬ة‪ ،‬وال ُتَف ِّك ري بنفس ‪ِ3‬ك بتاًت ا‪ ،‬واحرتقي مث ‪33‬ل ا بخ ‪33‬رة ش ‪33‬يًئا فش ‪33‬يًئا وهبدوء لتنش ‪33‬ري فيما حول ‪33‬ك‬
‫َمل‬
‫الروائح الطيب‪3‬ة‪ ،‬ولكن ال تش‪3‬تكي من حال‪3‬ك‪ ،‬وك‪3‬وين ناكس‪3‬ة ال‪3‬رأس ك‪3‬ل حني‪ ،‬وال جتعلي ما َح ب‪3‬اك ب‪3‬ه‬
‫احلُّق من األلطاف وسيلة للتفاخر جتاه اآلخرين‪ ،‬بل اعت‪3‬ربي مث‪3‬ل هذه األلطاف مبثاب‪3‬ة عرب‪3‬ون مينح‪3‬ه اهلل‬
‫للمحتاجني‪ ،‬وكوين خِج ل‪3‬ة بس‪3‬بب أخ‪3‬ذِك األج‪3‬رة مقَّد ًم ا‪ ..‬إن‪3‬ك إن ربطِت جه‪3‬ودك وخ‪3‬دماتِك بتوج‪3‬ه‬
‫اآلخ‪33‬رين من منطل‪33‬ق أن‪33‬ك تس‪33‬تحقني ذل‪33‬ك مقاب‪33‬ل خ‪33‬دماتك وجه‪33‬ودك‪ ،‬فإن‪ِ3‬ك س‪33‬تبدئني بتوق‪33‬ع االلتفات‬

‫‪28‬‬
‫منهم‪ ،‬وهذا داء عضاٌل ِم ن شأنه أن ُينِّفر عنِك كل أحد‪ ،‬وإذا أص‪3‬ررت على ذل‪3‬ك فإن‪ِ3‬ك س‪3‬تتلَّقنْي ك‪3‬ل‬
‫يوم صفعاٍت متتاليًة‪ ،‬على عكس ما كنِت تتوقعني‪ ،‬وس‪ُ3‬تَبِّعدين عن‪3‬ك الن‪3‬اس‪ ..‬وإن كنِت تري‪3‬دين راحة‬
‫الب ‪33‬ال فهي يف االس ‪33‬تغناء والتواض ‪33‬ع واالمنح ‪33‬اء والقناع ‪33‬ة‪ ..‬وأما ال ‪33‬ذين يس ‪33‬تعظمون أنفس ‪33‬هم‪ ،‬ويتومهون‬
‫امتالكهم لقدرات خارق ‪33‬ة‪ ،‬وينتظ ‪33‬رون من ك ‪33‬ل أحد توجًه ا إليهم والتفاًت ا‪ ،‬ويقومون ويقع ‪33‬دون يف‬
‫حرص وتبخ ‪33‬رت‪ ،‬فس ‪33‬يكونون يوًم ا ما‪ ،‬ض ‪33‬حايا لالض ‪33‬طرابات الروحي ‪33‬ة ول ‪33‬و ك ‪33‬انوا يف طري ‪33‬ق الطمأنين ‪33‬ة‬
‫والسالم‪.‬‬

‫أيته ‪33‬ا النفس! إن كنِت جريئ ‪ً3‬ة وجس ‪33‬ورًة فعًال‪ ،‬فابص ‪33‬قي يف وج ‪ِ3‬ه ما يف داخل ‪33‬ك من الع ‪33‬داء‪ ،‬واطردي‬
‫اخلذالن من باب‪33‬ك‪ ،‬وُدوس‪33‬ي على رأس الظلم‪ ،‬واقطعي أنفاس الوقاحة ُم نطلقًة من الش‪33‬عور بأن‪33‬ه تع‪33‬اىل‬
‫حاض‪33‬ر يف ك‪33‬ل مك‪33‬ان‪ ..‬واكبحي مجاح ن‪33‬وازع اخلطاي‪33‬ا عن طري‪33‬ق اإلميان باالنتقام اإلهلي‪ ،‬وحاويل أّال‬
‫تسريي صوب تلبية غرائز النفس ونزواهتا‪ ،‬بل سريي يف طريق مرضاة اهلل تعاىل‪ ،‬واستشعري دائًم ا بأن‬
‫اهلل رقيب علي‪3‬ك‪ ،‬واهتزي كما هتتز األش‪3‬جار‪ ،‬لَتْنُفِض ي عن‪3‬ك ك‪َّ3‬ل ما ُيفِس د طبيعت‪ِ3‬ك ويش‪ِّ3‬و ه منظ‪3‬رك‪،‬‬
‫وما هو غ ‪33‬ريب عن روحك وعبٌء على قلب ‪ِ3‬ك من أن ‪33‬واع ال ‪33‬ذنوب واخلطاي ‪33‬ا واملعاص ‪33‬ي‪ ،‬حىت تتن ‪33‬اثر‬
‫وتذهب عنِك أبعَد ما تكون‪.‬‬

‫وال تنَس ْي أن ك‪33‬ل ما س‪33‬تبذلينه يف س‪33‬بيل التفّلت من هذه األمور ال‪33‬يت ُتغرِّي طبيعت ‪ِ3‬ك وتل ‪ِّ3‬و ث روحِك ‪،‬‬
‫س ‪ُ3‬تعترب مبثاب ‪33‬ة اجله ‪33‬اد‪ ،‬وس ‪33‬تقِّر بك من اهلل تع ‪33‬اىل خطوة خطوة‪ ،‬وإال فال مفر ل ‪ِ3‬ك من أن تبتع ‪33‬دي عن ‪33‬ه‬
‫دائًم ا‪ ،‬وتعيشي أمَّر حاالت الغربة‪ ،‬وتغرقي مع املنبوذين يف حبار الوحش‪3‬ة‪ ..‬كما أن خان‪3‬ة احلس‪3‬نات يف‬
‫دف‪33‬رت أعمال‪33‬ك س‪33‬تبقى فارغ‪33‬ة‪ ،‬وأن‪33‬ك ستعيش‪33‬ني ظالًم ا وقتامًة يف حيات‪33‬ك القلبي‪33‬ة والروحي‪33‬ة‪ ،‬فاس‪33‬تعيدي‬
‫نشاطك وانتعشي واستفيقي لتتبيَّن القيم اإلنسانية‪ ،‬وال تستعجلي وال تتهوري حىت ال جتعلي فردوَس ك‬
‫املفقود هذه املرة‪ ،‬ضحيًة ِلاَّل مباالة‪.‬‬

‫فك‪33‬ل ما تبذلين‪33‬ه الي‪33‬وم من جه‪33‬د يف س‪33‬بيل اس‪33‬رتداد ما ق‪33‬د فقدِت يف الس‪33‬ابق‪ ،‬س‪33‬يعود إلي‪33‬ك عن‪33‬دما حيني‬
‫املوس‪33‬م بعش‪33‬رين أو ثالثني من أض‪33‬عافه‪ ،‬كش‪33‬أن الب‪33‬ذرة ال‪33‬يت ُتلقى يف ال‪33‬رتاب مث تع‪33‬ود س‪33‬نبلة‪ ..‬ف‪33‬إذا ك‪33‬ان‬
‫األمر كذلك فال تتوقفي أبًد ا‪ ،‬بل انثري اخلَري والفضيلَة يف ك‪3‬ل األحناء مثلما ُتن‪3‬ثر الب‪3‬ذور‪ ،‬وَأِز يلي ص‪3‬دأ‬
‫املش‪33‬اعر املرتكزِة على اخلطاي‪33‬ا‪ ،‬واجعلي الس‪33‬عادَة الدنيوي‪33‬ة واألخروي‪33‬ة لآلخ‪33‬رين هدَف حيات‪33‬ك‪ ..‬عيش‪33‬ي‬
‫ِت‬ ‫ِة‬
‫هك‪33‬ذا حىت تتح‪33‬رري من س‪33‬جن احلس‪33‬ابات واملن‪33‬افع الشخص‪33‬ية القاتل‪ 3‬لروحك‪ ،‬وْلتعيش‪33‬ي أن املت‪33‬اعَب‬
‫دائًم ا من توزي ‪33‬ع الراحة على اآلخ ‪33‬رين‪ ،‬اس ‪33‬تمعي هلموم الن ‪33‬اس‪ ،‬وعيش ‪33‬ي مهومهم‪ ،‬وإيِّن أنيًن ا ب ‪33‬اهلموم‪،‬‬

‫‪29‬‬
‫ولكن حاويل أن تعاجلي مهومهم‪ ،‬وافتحي صدرِك باحملبة جلميع الن‪33‬اس‪ ،‬حىت ُيه‪33‬رع إىل دفئ‪33‬ك “ض‪33‬حايا‬
‫النفس” الذين ظلموا أنفسهم بأنفسهم‪.‬‬

‫وامس‪33‬حي وجه‪33‬ك ب‪33‬األرض مث‪33‬ل األهنار‪ ،‬وت ‪3‬دَّفقي باحلي‪33‬اة‪ ،‬وك‪33‬وين مث‪33‬ل الش‪33‬مس والقمر حتتضنني ك ‪َّ3‬ل‬
‫شيء بنورِك وترِّبتني على رؤوس كل شيء‪ ..‬وال خُت ِّي يب رج‪3‬اَء َم ن حيس‪3‬نون الظن ب‪ِ3‬ك فيتوجه‪33‬ون إلي‪3‬ك‬
‫مت‪33‬وقعني من‪33‬ك ش‪33‬يًئا‪ ،‬وك‪33‬وين يف اخلدمة راكضة يف مقدمة الص‪33‬فوف‪ ،‬بينما حتاولني الَّتَخ ِّف َي يف أواخ‪33‬ر‬
‫األواخر عند توزيع األجور‪ ،‬وابتعدي عن ربط ما ُيعمل ألجل اهلل باملص‪33‬احل الدنيوي‪3‬ة مث‪3‬ل ما تفِّر ين من‬
‫العقرب والثعب‪33‬ان‪ ..‬ولكن إن حص‪33‬ل ل‪33‬ك ان‪33‬زالق ش‪33‬عوري كه‪33‬ذا من دون إرادة من‪33‬ك‪ ،‬ف‪33‬اعتربي ذل‪33‬ك‬
‫تلّو ًث ا يف املش ‪33‬اعر‪ ،‬وُع ِّدي مث ‪33‬ل هذا التل ‪33‬وث ول ‪33‬و لدقيقة واحدة إهان ‪ً3‬ة ملوقع ‪33‬ك اإلنس ‪33‬اين املميز ال ‪33‬ذي‬
‫حترزينه بني الكائنات‪ ،‬واهرعي حنو مغتَس ٍل ُتَنِّق َني فيه أدراَن دواخِلِك ‪.‬‬

‫وك‪33‬وين يف ك‪33‬ل حاالت‪33‬ك منش‪33‬غلة مبش‪33‬اعر اإلحس‪33‬ان وترمجاًن ا للخ‪33‬ري واجلمال‪ ..‬فاألق‪33‬دام ال‪33‬يت تس‪33‬ري يف‬
‫طري ‪33‬ق اخلري والفضيلة هلي أمسى من اهلامات‪ ،‬كما أن القل ‪33‬وب ال ‪33‬يت تنبض مبش ‪33‬اعر اإلحس ‪33‬ان ت ‪33‬وازي‬
‫الكعب‪33‬ة يف قداس‪33‬تها‪ ..‬والواق‪33‬ع أن ماهيت‪33‬ك كعب‪ٌ3‬ة‪ ،‬وهدُفك هو رض‪33‬ا احلق‪ ،‬وطريقك َم طاٌف ي‪33‬دور في‪33‬ه‬
‫الُقدس ‪33‬يون يف اجتاه الوص ‪33‬ول إىل احلق تع ‪33‬اىل‪ ..‬وما دمِت متمس ‪33‬كة خبطِك هذا‪ ،‬فستص ‪33‬بحني موض ‪33‬وع‬
‫حديث احملاورات يف ما وراء الس ‪33‬ماوات‪ ،‬وس‪ُ3 3‬يذَك ر امسِك مع الروحانيني‪ .‬فِز ي ‪33‬دي من س ‪33‬رعتك يف‬
‫س ‪33‬ريِك على اخلط اإلنس ‪33‬اين‪ ،‬ف ‪33‬إن حاجتن ‪33‬ا إىل مث ‪33‬ل هذه اجله ‪33‬ود يف هذا الع ‪33‬امل ال ‪33‬ذي ت ‪33‬آكلت في ‪33‬ه القيم‬
‫اإلنس‪33‬انية‪ ،‬ت‪33‬وازي حاجتن‪33‬ا إىل املاء واهلواء‪ ..‬ففِّك ري دائًم ا ب‪33‬اخلري‪ ،‬وتكلمي ب‪33‬اخلري‪ ،‬واس ‪َ3‬عْي يف أعمال‬
‫اخلري‪.‬‬

‫إن أحس ‪33‬ن احلاالت ال ‪33‬يت تب ‪33‬دو فيه ‪33‬ا الراي ‪33‬ات هو عن ‪33‬دما تك ‪33‬ون حممول ‪33‬ة على أكت ‪33‬اِف أن ‪33‬اس يتحرك ‪33‬ون‪.‬‬
‫والنحُل ُيعترب مبارًك ا ما دام ينتج العسل‪ ،‬وِم شيُة الفارس أك‪3‬ثُر مهاب‪ً3‬ة من وقفت‪3‬ه‪ ..‬فقومي وامحلي الراي‪3‬ة‬
‫مث ‪33‬ل األبطال‪ ،‬وامل ‪33‬ئي خليت ‪33‬ك بالعس ‪33‬ل مث ‪33‬ل النح ‪33‬ل‪ ،‬وال تس ‪33‬قطي إىل مس ‪33‬توى الُك س ‪3‬اىَل املك ‪33‬روهني‪..‬‬
‫وكوين دائًم ا مستعّد ة لتلقي األوامر يف خدمة اإلنس‪3‬انية‪ ،‬واس‪3‬تعدي للرحي‪3‬ل‪ ،‬ف‪3‬إن الرحي‪3‬ل حمّق ق ومقّد ر‬
‫مهما ك‪3‬ان وقت‪3‬ه جمه‪3‬وًال‪ ،‬فك‪3‬وين على اس‪3‬تعداد ت‪3‬ام وتطّه ري من ال‪3‬ذنوب‪ ،‬وافتحي الب‪3‬اب لن‪3‬داء الغيب‪،‬‬
‫وكوين على أهبة االستعداد‪.‬‬

‫(*) نشر هذا املقال يف جملة “سيزنيت” الرتكية حتت عنوان‪:‬‬

‫‪30‬‬
‫‪ ،Bir Sorgulama‬العدد‪( 252:‬يناير ‪ .)2000‬الرتمجة عن الرتكية‪ :‬أجري أشيوك‪.‬‬

‫شعور الرحمة‬

‫فتح اهلل كولن ‪ ،‬العدد ‪ 68‬مقال رئيس‬

‫الرمحة هي مخرية الك ‪33‬ون األوىل‪ ،‬ب ‪33‬دوهنا ك‪ُّ3 3‬ل ش ‪33‬يء ختّب ٌط وفوض ‪33‬ى‪ ..‬فبالرمحة ُو ج ‪33‬د ك ‪33‬ل ش ‪33‬يء‪ ،‬وهبا‬
‫ُيواِص ُل وجوَده وينتظم يف ِس لك النظام‪.‬‬

‫برس‪33‬ائل الرمحة ال‪33‬يت أتت من وراء اآلف‪33‬اق انتظمت األرض واس‪33‬توت الس‪33‬ماء‪ ،‬وبفضل الرمحة حاز ك‪33‬ل‬
‫شيء ‪-‬بدًءا من اجملرات وانتهاًء بالذرات‪ -‬تناغمه الباهر ووئامه املذهل وعمله االنسيايب‪.‬‬

‫يف هذه العملي‪33‬ة جتري “بروف‪33‬ة” ما س‪33‬يؤول إلي‪33‬ه ك‪33‬ل ش‪33‬يء يف ع‪33‬امل اخلل‪33‬ود‪ .‬فك‪33‬ل املوج‪33‬ودات تس‪33‬عى‬
‫حثيًثا وتتواثب حنو هذا االجتاه‪ ،‬ويف كل وثبة تتألق الرمحة ويتجلى النظام واالنتظام‪.‬‬

‫لقد جتلت هذه الرمحة األس‪33‬طورية يف نس‪33‬يم اهلواء وت‪33‬دفق األهنار‪ ،‬واق‪33‬رتبت من‪33‬ا حىت ص‪33‬افحت جباهن‪33‬ا‬
‫والمست أقدامنا‪ ،‬فمن ذا الذي مل يشعر هبا بعد؟‬

‫بأجنح ‪33‬ة الرمحة ُجتول ف ‪33‬وق رؤوس ‪33‬نا الس ‪33‬حُب وتص ‪33‬ول‪ ،‬وتنش ‪33‬ق أرحامه ‪33‬ا عن غيٍث ينج ‪33‬دنا كفارس‬
‫يرت ‪33‬دي أومسته وحزامه‪ ،‬ويهت ‪33‬ف الرع ‪33‬د وال ‪33‬ربق ببش ‪33‬ارات تل ‪33‬ك الرمحة اخلفي ‪33‬ة‪ ،‬فيص ‪33‬دح الك ‪33‬ون كل ‪33‬ه‬
‫بأهازيج “ص‪33‬احب الرمحة الالهنائي‪33‬ة” وأحلان‪33‬ه‪ ،‬وتش‪33‬دو اليابس‪ُ3‬ة والبح‪33‬ار واألش‪33‬جار والنبات‪33‬ات بأنغامه‪،‬‬
‫ويرتاّص ون يف حلقات وصفوف وجًه ا لوجه مرتمنني بأغاريد الرمحة‪ ،‬كٌّل بألفاظه وأحلانه‪.‬‬

‫انظ ‪33 3‬روا إىل ال ‪33 3‬دودة يف تراهبا‪ ..‬ما أحوجه ‪33 3‬ا إىل الرمحة يف حاهلا الضعيفة تل ‪33 3‬ك! ق ‪33 3‬د تطؤها األق‪33 3‬دام‬
‫فتسحقها‪ ،‬ومع ذل‪3‬ك تس‪3‬عى يف س‪3‬بيلها رمحة ب‪3‬اآلخرين‪ ،‬فهي س‪3‬ليلُة ِع رٍق مك‪3‬افٍح ال يع‪3‬رف الكل‪3‬ل وال‬
‫الفت‪33‬ور‪ ،‬فَتفتح الرتب‪ُ3‬ة املش‪33‬فقُة هلا أحضاهَن ا‪ ،‬لتضع يف املقاب‪33‬ل مئ‪33‬اٍت من البيضات يف ك‪33‬ل حفن‪33‬ة من هذا‬
‫احلضن ال ‪33‬دافئ‪ ،‬تتنفس ب ‪33‬ه “الرتب ‪33‬ة األُّم” فرَت ُب و وتنضج‪ .‬فالرتب ‪33‬ة رمحة لل ‪33‬دودة‪ ،‬وال ‪33‬دودُة رمحٌة للرتب ‪33‬ة‪.‬‬
‫فوًحيا ألولئ‪3‬ك اجله‪3‬ال حَي رق‪3‬ون العش‪3‬ب واجلذور وبقاي‪3‬ا ال‪3‬زروع حىت تك‪3‬ون مساًد ا‪ ،‬وبؤًس ا إلنس‪3‬ان يظلم‬
‫الرتبَة والدود مًعا ويقضي على الرمحة اليت بينهما وهو ال يدري!‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫مث انظ‪3‬روا إىل النحل‪3‬ة وهي ُتطِل ق على أل‪3‬ف زهرة وزهرة بس‪3‬ماهتا‪ ،‬أو دودة القز وهي حبيس‪3‬ة منغمس‪3‬ة‬
‫يف شرنقتها‪ ،‬كيف تتحمل صنوف العن‪3‬اء يف س‪3‬بيل التن‪3‬اغم مع أوركس‪3‬رتا املرمحِة؟ وهل لن‪3‬ا أن نتغاض‪3‬ى‬
‫عما تقاسيه تلك الفدائيات حىت ُتطِعم اإلنساَن العسَل وُتلبَس ه احلرير؟!‬

‫بل حِّدث وال حرج عن رمز الشفقة “الدجاجة” حني ُتسّلُم رأَس ها للكلب كي تنقذ فراخه‪33‬ا‪ ،‬وتأّم ل‬
‫تل‪3‬ك الوحوش اجلائع‪3‬ة ال‪3‬يت تضع يف أف‪3‬واه جرائه‪3‬ا ما ابتلعت‪3‬ه من طع‪3‬اٍم رغم ش‪3‬دة جوعه‪3‬ا‪ ،‬وفّك ر كي‪3‬ف‬
‫يكون شعورها؟‬

‫إن كل شيء يف هذا الك‪3‬ون يفِّك ر يف الرمحة‪ ،‬ويتح‪3‬دث بلس‪3‬ان الرمحة وَيِع ُد بالرمحة‪ .‬وهبذا ميكن النظ‪3‬ر‬
‫إىل الك ‪33 3‬ون كل ‪33 3‬ه على أن ‪33 3‬ه س ‪33 3‬يمفونية الرمحة؛ فك ‪33 3‬ل األص ‪33 3‬وات واألنفاس‪ ،‬وك ‪33 3‬ل النغمات املفردة‬
‫واملزدوجة‪ ،‬جتري وفق إيقاٍع رائع ال ميكن أن يتعامى أو يتغافل عنها أحد‪ ،‬أو أال يش‪3‬عر ب‪3‬أن وراء ك‪3‬ل‬
‫َم ش‪33‬اهد الرمحة هذه مرمحًة واس‪33‬عًة حتي‪33‬ط بك‪33‬ل ش‪33‬يء وتقود هذه اجلوق‪33‬ة ذات األس‪33‬رار‪ .‬فوي‪33‬ل ألرواح‬
‫تعيسة ال تعي شيًئا من هذه األخبار‪.‬‬

‫إن اإلنس ‪33‬ان مس ‪33‬ؤول جتاه ك ‪33‬ل هذه األحداث‪ ،‬ومكل ‪33‬ف ب ‪33‬أن حيِّف ز ش ‪33‬عوره ويس ‪33‬تحّث إرادت ‪33‬ه وي ‪33‬دفع‬
‫إدراكه وتفكريه مجيًعا ليستوعب هذه الرمحة الواس‪3‬عة‪ ،‬ويضيف إليه‪3‬ا من أنفاس‪3‬ه احلّر ى نغمات‪3‬ه الذاتي‪3‬ة‪.‬‬
‫إنه مكلف بإبداء جانب الرمحة جتاه اجملتمع ال‪3‬ذي يعيش في‪3‬ه‪ ،‬واإلنس‪3‬انيِة ال‪3‬يت ينتمي إليه‪3‬ا‪ ،‬ب‪3‬ل جتاه ك‪ِّ3‬ل‬
‫الكائنات احلية‪ ،‬باعتبارها َد يًنا إنسانًّيا يدين به‪.‬‬

‫فربمحته لآلخرين يسمو يف هذا الطريق ويرتقي‪ ،‬وجبوره عليهم وظلمه هلم وقس‪3‬وته معهم يص‪3‬بح حمتَق ًر ا‬
‫َم هيًنا ووصمَة عاٍر يف جبني اإلنسانية‪ .‬فقد غفر اهلل لبغّي سقت كلًب ا يقاس‪33‬ي ش‪33‬دة العطش وارتقت إىل‬
‫اجلنان‪ ،‬وُعّذ بْت امرأة حبست هرة حىت ماتت جوًعا كما ورد يف كالم أصدق القائلني ص‪33‬لى اهلل علي‪33‬ه‬
‫وس‪33‬لم‪ .‬ارمحوا اآلخ‪33‬رين تن‪33‬الوا املرمحة‪ ،‬فالي‪33‬د ال‪33‬يت ت‪33‬رحم يف األرض س‪33‬تتلقى أل‪33‬ف بش‪33‬ارة من ع‪33‬وامل ما‬
‫وراء السماوات‪.‬‬

‫لقد أدرك أج‪33‬دادنا هذا الس‪33‬ر فأش ‪َ3‬علوا آالف مواق‪33‬د املرمحة يف ك‪33‬ل ناحي‪33‬ة‪ ،‬واجت‪33‬ازوا حدود اإلنس‪33‬ان‬
‫فأسس ‪33‬وا حلماي ‪33‬ة احليوان ‪33‬ات ورعايته ‪33‬ا مجعي ‪33‬اٍت ت ‪33‬دل على أن ش ‪33‬عور الرمحة العمي ‪33‬ق ق ‪33‬د ص ‪33‬ار س ‪33‬جية هلم‬
‫وطبًعا‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫ومن يدري‪ ،‬لعل عصفوًر ا كسري الِّر جل أو لقلًق ا مهيض اجلناح‪ ،‬وقع يف طريِق واحٍد من أبطال الرمحة‬
‫هؤالء ف ‪33‬وخز ض ‪33‬مريه‪ ،‬وأهلمه أن يؤس ‪33‬س مأوى للطي ‪33‬ور الغربي ‪33‬ة امله ‪33‬اجرة ال ‪33‬يت عج ‪33‬زت عن مواص ‪33‬لة‬
‫هجرهتا على غرار دار املسنني لدى بين اإلنسان‪.‬‬

‫ليتنا نستطيع أن نرحم إنساننا كما كان أجدادنا يرمحون الكائنات‪ ،‬ولكن هيهات! إننا مل حنرم أنفس‪33‬نا‬
‫من الرمحة فحس ‪33‬ب‪ ،‬ب ‪33‬ل أهدرنا أجيالن ‪33‬ا ودّم رن ‪33‬ا أبناءن ‪33‬ا أيًض ا؛ فقد تركن ‪33‬اهم فريس ‪33‬ة لإلمهال الش ‪33‬ديد‬
‫ونزعن ‪33 3 3‬ا منهم مش ‪33 3 3‬اعر الرمحة‪ .‬أج ‪33 3 3‬ل‪ ،‬إنن ‪33 3 3‬ا حنن الس ‪33 3 3‬بب احلقيقي وراء آالف احلوادث اخلانقة واجلِّو‬
‫االجتماعي الذي مل يُعد فيه العيش ممكًنا‪.‬‬

‫ومن ج‪3‬انب آخ‪3‬ر‪ ،‬فاس‪3‬تخدام الرمحة يف غ‪3‬ري موض‪3‬عها وإس‪3‬اءة اس‪3‬تعماهلا‪ ،‬ال يقّل عن القس‪3‬وة ض‪3‬رًر ا ب‪3‬ل‬
‫هو أشّد وأقبح؛ فإذا كانت الرمحة يف موضعها ماء احلياة وإكسريها‪ ،‬فإهنا يف غري موض‪3‬عها س‪ٌّ3‬م زع‪3‬اف‬
‫وزّقوم علقم‪ .‬واملهم يف هذا الباب هو إدراك هذا الرتكيب‪ ،‬فاألكسجني واهليدروجني إذا َتَر َّك َبا بنس‪3‬بة‬
‫معينة‪ ،‬نتج عنهما أهم عناصر احلياة‪ ،‬وإذا اختلت النسبة أو انفصل أحدمها عن اآلخر‪ ،‬عاد أحدمها إىل‬
‫طبيعت‪3‬ه احلارق‪3‬ة واآلخ‪3‬ر إىل حمرتق‪ ،‬ل‪3‬ذا ينبغي أن يك‪3‬ون اإلنس‪3‬ان على دراي‪3‬ة مبقدار ما يبدي‪3‬ه من الرمحة‪،‬‬
‫ومدى استحقاق من يرمحه هبذه الرمحة‪.‬‬

‫إن الت‪33‬ودد إىل وحش ج‪33‬ائع طمًع ا يف رمحت‪33‬ه‪ ،‬يزي‪33‬د من ش‪33‬هيته لالف‪3‬رتاس‪ ،‬مث يطالب ب‪33‬أجرة أنياب‪33‬ه وخمالب‪33‬ه‬
‫بع ‪33‬د أن يفت ‪33‬ك ب ‪33‬ك‪ .‬ف ‪33‬التودد إىل أهل اجلور ق ‪33‬د يغ ‪33‬ريهم مبزي ‪33‬د من االعت ‪33‬داء‪ ،‬ل ‪33‬ذا ال رمحة مبن يتل ‪33‬ذذ‬
‫كاألفاعي بنهش اآلخرين‪ ،‬إن رمحة هؤالء تعين تسليم مصري العامل ألفاعي الكوبرا‪.‬‬

‫إن الرمحة مبن تلطخت ي‪33‬داه بال‪33‬دماء‪ ،‬وتعفر وجه‪33‬ه بال‪33‬دماء‪ ،‬وف‪33‬اض قلب‪33‬ه وتفج‪33‬رت عيون‪33‬ه بال‪33‬دماء‪ ،‬أي‬
‫مجع يف نفس‪33‬ه بني اجلن‪33‬ون والدموي‪33‬ة‪ ،‬ليس إال منتهى القس‪33‬وة جتاه ك‪33‬ل مظل‪33‬وم‪ .‬فمثل‪33‬ه كمن أش‪33‬فق على‬
‫الذئاب ومل يلتفت إىل حق اِحلمالن‪ ،‬قد ُيسعد ذلك الوحوش لكنه ميأل األقطار حنيًبا وأنيًنا‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫(*) نش ‪33‬ر هذا املقال يف جمل‪33‬ة “س ‪33‬يزنيت” الرتكي ‪33‬ة‪ ،‬الع ‪33‬دد‪( 22:‬نوفمرب ‪ .)1980‬الرتمجة عن الرتكي ‪33‬ة‪:‬‬
‫أجري أشيوك‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫الصبر الديناميكي‬

‫التحرك وعدم التوقف‬

‫ما دام اإلنسان موجود فكل شيء يبنى‬

‫اإلنسان الجديد‬

‫فتح اهلل كولن ‪ 27/02/2017‬العدد ‪11‬‬


‫‪Mart 1991‬‬

‫حنن اليوم على مشارف عهد جديد يف مسرية تاريخ اإلنسانية‪ ،‬متفتح على جتليات العناية الرباني‪3‬ة‪ .‬لقد‬
‫كان القرن الثامن عشر‪ ،‬بالنس‪3‬بة لعاملن‪3‬ا‪ ،‬ق‪3‬رن التقلي‪3‬د األعمى واملبتع‪3‬دين عن ج‪3‬وهرهم وكي‪3‬اهنم؛ وك‪3‬ان‬
‫القرن التاس‪3‬ع عش‪3‬ر‪ ،‬ق‪3‬رن ال‪3‬ذين اجنرف‪3‬وا خل‪3‬ف ش‪3‬ىت أن‪3‬واع الفانتازي‪3‬ات واص‪3‬طدموا مباض‪3‬يهم ومقوماهتم‬
‫التارخيي‪33‬ة؛ والقرن العش‪33‬رون‪ ،‬ك‪33‬ان ق‪33‬رن املغ‪33‬رتبني عن أنفس‪33‬هم كلي‪33‬ا واملنك‪33‬رين ل‪33‬ذواهتم وهويتهم‪ ،‬ق‪33‬رن‬
‫ال ‪33‬ذين ظل ‪33‬وا ُينّق ب ‪33‬ون عن َم ن يرش ‪33‬دهم وين ‪33‬ري هلم الطري ‪33‬ق يف ع ‪33‬اٍمل غ ‪33‬ري ع ‪33‬املهم‪ .‬ولكن مجي ‪33‬ع األمارات‬
‫والعالمات ال ‪33‬يت تل ‪33‬وح يف األف ‪33‬ق تبش ‪33‬ر ب ‪33‬أن القرن الواحد والعش ‪33‬رين‪ ،‬س ‪33‬يكون ق ‪33‬رن اإلميان واملؤمنني‪،‬‬
‫وعصر انبعاثنا وهنضتنا من جديد‪.‬‬

‫أج ‪33‬ل‪ ،‬من بني هؤالء ال ‪33‬ذين هج ‪33‬روا العقل والتفك ‪33‬ري من ‪33‬دفعني خل ‪33‬ف “املوض ‪33‬ات” الفكري ‪33‬ة دون أي‬
‫متحيص أو تدقيق‪ ،‬ومن ضمن اجلماهري الفاقدة لَو عيها‪ ،‬اهلائمة على وجهها‪ ،‬س‪3‬يولد إنس‪3‬ان جدي‪3‬د ك‪3‬ل‬
‫اجلدة‪ ،‬إنس‪33‬ان يفك‪33‬ر وحياس‪33‬ب‪ ،‬وي‪33‬وازن وي‪33‬دقق‪ ،‬ويعتمد على التجرب‪33‬ة ق‪33‬در اعتماده على العقل‪ ،‬ويث‪33‬ق‬
‫ويؤمن باإلهلام والوجدان قدر اهتمامه بالعقل والتجربة؛ إنسان حياول دوما بروحه وبدن‪33‬ه الوص‪33‬وَل إىل‬
‫األفضل‪ ،‬وي‪33‬رغب يف الوص‪33‬ول إىل الكمال والتكامل يف ك‪33‬ل ش‪33‬يء‪ .‬إنس‪33‬ان يس‪33‬مو باملوازن‪33‬ة بني ال‪33‬دنيا‬
‫واآلخرة‪ ،‬ويوفق إىل اجلمع بني عقل‪3‬ه وقلب‪3‬ه فيص‪3‬بح منوذج‪3‬ا جدي‪3‬دا ال مثي‪3‬ل ل‪3‬ه‪ .‬وال ش‪3‬ك أن والدة هذا‬
‫اإلنس ‪33‬ان اجلدي ‪33‬د ليس ب ‪33‬األمر الس ‪33‬هل‪ ،‬فال ب ‪33‬د من آالم خماض وتوّج ع وأنني‪ .‬ولكن حني ي ‪33‬ئني األوان‬
‫فس ‪33‬وف تتحقق هذه ال ‪33‬والدة املبارك ‪33‬ة حتما‪ ،‬ويظه ‪33‬ر هذا اجلي ‪33‬ل ال ‪33‬ذهيب بينن ‪33‬ا فج ‪33‬أة ‪-‬كاخلضر علي ‪33‬ه‬
‫الس ‪33‬الم‪ -‬بوجه ‪33‬ه الن ‪33‬وراين ال ‪33‬ذي يش ‪33‬ع كالب ‪33‬در‪ .‬فكما تنهمر الرمحة اإلهلي ‪33‬ة من خالل الغي ‪33‬وم املرتاكم‬
‫بعضها فوق بعض‪ ،‬وكما تتفجر املياه من ينابيع األرض‪ ،‬وتتفتح زهرات الثلج وتنتشر يف مواقع ذَو بان‬
‫الثلج واجللي ‪33‬د‪ ،‬وكما تتألأل قطرات الن ‪33‬دى وت ‪33‬رتبع على األوراق‪ ،‬سيس ‪33‬طع ن ‪33‬ور هذا اإلنس ‪33‬ان يف مساء‬
‫البشرية البائسة احلزينة ال حمالة‪ ،‬رمبا اليوم أو غدا أو بعد غد‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫اإلنسان اجلديد بطل يتمتع بشخصية قوي‪3‬ة اس‪3‬تطاعت أن تس‪3‬مو على املؤثرات اخلارجي‪3‬ة بش‪3‬ىت أنواعه‪33‬ا‪،‬‬
‫وعزمت على الصمود واالكتفاء الذايت‪ .‬فكما أن الش‪3‬رق والغ‪33‬رب لن يس‪3‬تطيعا أس‪3‬ره ووض‪33‬ع السالس‪3‬ل‬
‫يف قدمي‪33‬ه‪ ،‬فك‪33‬ذلك لن تس‪33‬تطيع األفك‪33‬ار والفلس‪33‬فات ال‪33‬يت تتن‪33‬اقض مع هويت‪33‬ه املعنوي‪33‬ة وج‪33‬ذوره أن تغ‪33‬ري‬
‫وجهت‪33‬ه وتضله يف ظالمه ‪33‬ا عن طريقه‪ ،‬ب‪33‬ل ولن تس‪33‬تطيع أن تزحزحه عن مكان‪33‬ه قي‪33‬د أمنل‪33‬ة أو أق‪33‬ل من‬
‫ذلك‪ .‬أجل‪ ،‬اإلنسان اجلديد رجل حر يف تفكريه‪ ،‬حر يف تصوره‪ ،‬حر يف إرادته‪ ،‬وحريت‪3‬ه هذه مرتبطة‬
‫بقدر عبوديت‪33‬ه هلل س‪33‬بحانه وتع‪33‬اىل‪ .‬مث إن اإلنس‪33‬ان اجلدي‪33‬د ال يتش‪33‬به ب‪33‬اآلخرين وال يتمث‪33‬ل هبم‪ ،‬ب‪33‬ل حياول‬
‫جاهدا أن يتزىّي هبويته الذاتية ويتزّين مبقوماته التارخيية‪.‬‬

‫اإلنسان اجلدي‪3‬د ممتلئ ب‪3‬الفكر‪ ،‬ملتهب بعش‪3‬ق البحث‪ ،‬مفعم باإلميان‪ ،‬قاب‪3‬ل للوج‪3‬دانيات‪ ،‬متش‪3‬بع بنش‪3‬وة‬
‫الروحاني‪3‬ة ومعانيه‪33‬ا… إنس‪3‬ان يب‪3‬دي كفاءة من ن‪3‬وع آخ‪3‬ر يف س‪3‬بيل بن‪3‬اء عامله‪ ،‬مس‪3‬تفيدا من إمكاني‪3‬ات‬
‫عصره إىل أقصى حد‪ ،‬متمسكا مببادئه وقيمه الذاتية‪.‬‬

‫اإلنس ‪33‬ان اجلدي ‪33‬د‪ ،‬هو إنس ‪33‬ان حيمل يف قلب ‪33‬ه إيـمان أج ‪33‬داده األجّالء‪ ،‬ويفك ‪33‬ر تفك ‪33‬ري أعالم حضارته‬
‫العظماء‪ ،‬وميتلئ مثلهم رغب‪33‬ة يف إمساع ص ‪33‬وته وإظه ‪33‬ار ق‪33‬وة رس‪33‬الته للبش‪33‬رية مجع ‪33‬اء… ومثلهم ك‪33‬ذلك‬
‫يس‪33‬طع ن‪33‬ورا يف كب‪33‬د الظالم فيضيء األرج‪33‬اء برمته‪33‬ا… ي‪33‬ؤدي واجب‪33‬ه هذا بص‪33‬دق ووف‪33‬اء غ‪33‬ري حمدود‪،‬‬
‫معتصما باحلق متمسكا بالرسالة السماوية يف كل حلظة‪ ..‬يتأمل ويئن‪ ،‬ميوت وحيي‪3‬ا من أج‪3‬ل إحي‪3‬اء احلق‬
‫وإهناضه‪ .‬فهو دائما على أهبة االستعداد للتخلي عن املال والول‪3‬د والغ‪3‬ايل والنفيس‪ ،‬ولن تك‪3‬ون س‪3‬عادته‬
‫الشخص‪33‬ية بغيت‪33‬ه أو مهه أب‪33‬دا‪ ،‬ب‪33‬ل مهه الوحي‪33‬د أال يضيع ب‪33‬ذرة واحدة من الب‪33‬ذور الص‪33‬احلة ال‪33‬يت منحه‪33‬ا ل‪33‬ه‬
‫احلق تع ‪33‬اىل‪ ،‬ب‪33‬ل ينثرها كله ‪33‬ا بدق‪33‬ة فائقة على س‪33‬فوح العناي‪33‬ة الرباني‪33‬ة من أج‪33‬ل مس‪33‬تقبل األمة القريب‬
‫والبعي ‪33‬د… مث ي ‪33‬رتقب مكاب ‪33‬دا آالم خماض جدي ‪33‬د‪ ،‬يتل ‪33‬وى ويت ‪33‬أوه ويئن ويقل ‪33‬ق‪ ،‬ويبته ‪33‬ل إىل املوىل ع ‪33‬ز‬
‫وجل يف أمل‪ ،‬ميوت وحييا يف اليوم ألف مرة ومرة‪ .‬فالسري يف س‪3‬بيل احلق والفن‪3‬اء في‪3‬ه غايت‪3‬ه الوحي‪3‬دة يف‬
‫احلياة‪ ،‬وانفالت هذه الغاية من بني يديه ‪-‬يف نظره‪ -‬خسارة ال تعوض أبدا‪.‬‬

‫اإلنس ‪33‬ان اجلدي ‪33‬د يس ‪33‬تخدم مجي ‪33‬ع وس ‪33‬ائل االتص ‪33‬االت احلديث ‪33‬ة؛ كتب ‪ً3‬ا وجرائ ‪33‬د وجمالت‪ ،‬وإذاع ‪33‬ة وتلفازًا‬
‫ومنشورات للولوج إىل القل‪33‬وب والنفوذ إىل العقول وال‪33‬دخول إىل األرواح‪ ،‬ويثبت جدارت‪33‬ه من خالهلا‬
‫مرة أخرى‪ ،‬بل ويسرتد مكانته املسلوبة يف التوازن العاملي من جديد‪.‬‬

‫اإلنسان اجلديد‪ ،‬هو إنس‪3‬ان عمي‪3‬ق من حيث ج‪3‬ذوره الروحي‪3‬ة‪ ،‬متع‪33‬دد من حيث ما ميلك‪3‬ه من كفاءات‬
‫صاحلة للحياة اليت يعيش يف أحضاهنا‪ .‬إنه صاحب القول الفصل يف كل امليادين بدءا من العلم إىل الفن‬

‫‪35‬‬
‫ومن التكنولوجيا إىل امليتافيزيقي‪3‬ا‪ ،‬وص‪3‬احب خ‪3‬ربة ومراس يف ك‪3‬ل ما خيص اإلنس‪3‬ان واحلي‪3‬اة‪ .‬أج‪3‬ل‪ ،‬إن‪3‬ه‬
‫عاشق ال ينطفئ ظمؤه إىل العلوم مهما هنل‪ ،‬مولع باملعرفة ولعًا ال يفتأ يتجدد كل حني‪ ،‬عميق بأبعاده‬
‫اللدنية اليت تعجز العقول عن تصورها‪ ..‬وهو هبذه اخلصال كلها يسري جنبا إىل جنب مع سعداء عص‪33‬ر‬
‫السعادة وينافس الروحانيني يف سباق معراجي جديد كل يوم‪.‬‬

‫اإلنس ‪33‬ان اجلدي ‪33‬د متش ‪33‬بع حبب الوج ‪33‬ود كل ‪33‬ه‪ ،‬حارس للقيم اإلنس ‪33‬انية وراص ‪33‬د هلا‪ .‬فه ‪33‬و من جه ‪33‬ة حيدد‬
‫موقع ‪33‬ه وينش ‪33‬ئ ذات ‪33‬ه على أس ‪33‬اس األخالق والفضيلة ال ‪33‬يت جتع ‪33‬ل من اإلنس ‪33‬ان أنس ‪33‬انا مثالي ‪33‬ا‪ ،‬ومن جه ‪33‬ة‬
‫أخرى حيتضن الوجود كله بقلبه الواسع وشفقته الشاملة‪ ،‬ويسعى دائما من أجل إس‪33‬عاد اآلخ‪33‬رين‪ .‬ويف‬
‫ال‪33‬وقت ال‪33‬ذي يقوم بوض‪33‬ع املع‪33‬ايري لنفس‪33‬ه‪ ،‬يقوم أيضا بوض‪33‬ع مقاييس حول كيفي‪33‬ة التعامل مع األش‪33‬ياء‬
‫والن ‪33‬اس ال ‪33‬ذين كتب علي ‪33‬ه العيش معهم؛ وإذا ما س ‪33‬نحت ل ‪33‬ه الفرص ‪33‬ة س ‪33‬عى جاهدا لتحقي ‪33‬ق مع ‪33‬ايريه‬
‫وخططه ال‪33‬يت وض‪33‬عها‪ .‬فه‪33‬و ال يت‪33‬واىن أب‪33‬دا عن متابع‪33‬ة ك‪33‬ل ما هو إجيايب فيما حول‪33‬ه وعن احلفاظ علي‪33‬ه‪،‬‬
‫وحث اآلخ‪33‬رين على ذل‪33‬ك… وهو يش‪33‬ن حرب‪33‬ا على كاف‪33‬ة املس‪33‬اوئ‪ ،‬وهو ك‪33‬القوس املش‪33‬دود‪ ،‬مس‪33‬تعد‬
‫دائما إلزالة هذه املس‪3‬اوئ واقتالعه‪3‬ا من ترب‪3‬ة اجملتمع ال‪3‬ذي يعيش في‪3‬ه‪ .‬وهو مؤمن ذاق حالوة اإلميان‪،‬‬
‫ومن مث يدعو اجلميع إىل رحاب اإلميان‪ .‬العبادة ‪-‬عنده‪ -‬مجال مطلق وهو لس‪33‬اهنا… يقرأ الكتب ال‪33‬يت‬
‫ينبغي أن ُتقرأ‪ ،‬ويوص‪33‬يها لآلخ‪33‬رين؛ وال ي‪33‬ربح يش‪33‬جع الص‪33‬حف واجملالت ال‪33‬يت ت‪33‬وقر ج‪33‬ذورنا الروحي‪33‬ة‬
‫وتبجل أصولنا املعنوية… يتنقل من شارع إىل شارع آخر حامال كل ما حيتاج إليه أبن‪33‬اء وطن‪33‬ه وأمت‪33‬ه‪،‬‬
‫ومن مث فهو رمز للمسؤولية السامية‪.‬‬

‫اإلنس‪33‬ان اجلدي‪33‬د ميل‪33‬ك طاق‪33‬ة بّن اءة وروحا مؤِّس س‪33‬ا‪ ،‬يبتع‪33‬د عن النمطي‪33‬ة بش‪33‬دة‪ ،‬يع‪33‬رف كي‪33‬ف جيدد نفس‪33‬ه‬
‫مع احلفاظ على ج‪33‬وهره‪ ،‬ويع‪33‬رف كي‪33‬ف ي‪33‬رّو ض األحداث فت‪33‬أيت ألمره طائع‪33‬ة خاض‪33‬عة‪ .‬يس‪33‬بق عص‪33‬ره‬
‫فيس‪33‬ري أمام الت‪33‬اريخ ق‪ُ3‬د ما على ال‪33‬دوام هبّم ة تتج‪33‬اوز حدود إرادت‪33‬ه‪ ،‬وش‪33‬وق ع‪33‬ارم وحب عمي‪33‬ق واعتماد‬
‫باهلل عظيم‪ .‬إن ‪33‬ه مث ‪33‬ال للت ‪33‬وازن الت ‪33‬ام بني األخ ‪33‬ذ باألس ‪33‬باب واالستس ‪33‬الم ل ‪33‬رب األس ‪33‬باب‪َ ..‬م ن رآه دون‬
‫معرفة به‪ ،‬ظنه عابدا لألسباب أو معّطال هلا؛ بينما احلقيقة ليست هذه وال تلك‪ ..‬ألن اإلنسان اجلديد‪،‬‬
‫بطل الت‪33‬وازن بك‪33‬ل ما تعني‪33‬ه كلمة الت‪33‬وازن؛ فه‪33‬و ي‪33‬رى أن األخ‪33‬ذ باألس‪33‬باب من واجب‪33‬ه‪ ،‬والتس‪33‬ليم للح‪33‬ق‬
‫تعاىل من صميم إميانه‪.‬‬

‫اإلنس ‪33‬ان اجلدي ‪33‬د ف ‪33‬اتح ومكتش ‪33‬ف مع ‪33‬ا‪ ،‬يغ ‪33‬وص ك ‪33‬ل ي ‪33‬وم يف أعماق أعماق ذات ‪33‬ه‪ ،‬ويطل ‪33‬ق ش ‪33‬راعه على‬
‫الفضاء الشاس‪33‬ع دوما فينص‪33‬ب رايت‪33‬ه على أب‪33‬راج جدي‪33‬دة ك‪33‬ل حني‪ ،‬ويلح على طرق األب‪33‬واب املكنون‪33‬ة‬
‫وفتحه‪33‬ا يف اآلف‪33‬اق واألنُفس‪ .‬وكلما بل‪33‬غ بفضل إميان‪33‬ه وعرفان‪33‬ه إىل أس‪33‬راِر ما وراء ال‪33‬وراء ازداد ش‪33‬وقا‬

‫‪36‬‬
‫ورغب‪33‬ة‪ ،‬وظ‪33‬ل يتنقل ِخب بائ‪33‬ه من رب‪33‬ع إىل رب‪33‬ع آخ‪33‬ر يف ع‪33‬وامل وراء وراء األبع‪33‬اد‪ .‬وأخ‪33‬ريا ي‪33‬أيت ي‪33‬وم ختاطب‪33‬ه‬
‫األرض مبا تك ‪33‬نزه يف باطنه ‪33‬ا‪ ،‬وتنفل ‪33‬ق البح ‪33‬ار بعص ‪33‬اه الس ‪33‬حرية لتنبث ‪33‬ق الآللئ من أعماقه ‪33‬ا‪ ،‬وتتفتح ل ‪33‬ه‬
‫أبواب السماء على مصاريعها وتستقبله بالتأهيل والرتحاب‪.‬‬

‫_______________‬

‫(*) الرتمجة عن الرتكية‪ :‬هيئة حترير اجمللة‪.‬‬

‫‪37‬‬

You might also like