Professional Documents
Culture Documents
قطوف 3
قطوف 3
1
اجملتمع .ولكن إذا كّن ا نتخب33ط يف إش33كال الس33عي وراء ال33راتب واألس33رة واملنص33ب وغريها ،فال داعي
للنقاش.
ي33أتيين كث33ريون ،يقول أحدهم وك33أن القيامة ق33د ق33امت :مل أرَز ق مبول33ود ،ل33و دع33وَت يل ،أتوس33ل
إلي33ك ،فقدنا الس33كينة يف ال33بيت ،وأن33ا يف ش33جار دائم مع الزوج33ة .ها هي مش33كلة ،ومش33اكل أخ33رى
مثلها ال تعد وال حتصى .إن أفراًد ا تعثروا مبشاكل بسيطة كهذه ،ال ميكن أن حيّلوا مشاكل اجملتمع .إن
ال33ذين يتصّ3د ون الي33وم حلّل املش33اكل متع33ثرون مبش33اكل من هذا الن33وع لألس33ف .كي33ف إذا ك33ان الطبيب
مريًض ا؟ طبيب ي 33داوي الن 33اس وهو مريض؛ أج 33ل ،مريض ُيع 33دي اآلخ 33رين مبيكروبات 33ه ظًّن ا من 33ه أن 33ه
يداويهم.
مهّم تكم الك 33 3ربى أن حتّل وا اإلش 33 3كال ال 33 3ذي عرفْت ه األرض مع اإلنس 33 3ان .إذا حللتم "مش 33 3كلة
اإلنس 33ان" ،عندئ 33ذ س 33تفهمون مع 33ىن حديث "كما تكون 33وا ُي وىَّل عليكم" .كما تكون 33وا أنتم س 33يكون
وضعكم االقتصادي واإلداري والسياسي ،وكما تكونوا أنتم سُتدار أموركم.
ال تبحث33وا عن املش33كل يف اخلارج ،اإلش33كال يف داخلن33ا ،وعن33دما حنّل ه يف داخلن33ا سُ3تَح ّل املش33اكل
اخلارجية تلق ائًّيا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) الرتمجة عن الرتكي33ة :هيئ33ة حراء للرتمجة .هذه النص33وص مرتمجة من دروس األس33تاذ فتح اهلل ك33ولن
اخلاصة.
درب األنبياء
إن كنت حتلم بقطف مثار يانع33ة يف أعمال اإلرش33اد والتبلي33غ ،فال حتس ّ3نب أهنا تأتي33ك جماًن ا نتيج33ة
خ 33وارق تت 33نزل علي 33ك من الس 33ماء ،ب 33ل احرص على أن تأخ 33ذ باألس 33باب كامل 33ة يأت 33ك اخلري مدراًر ا.
وذلك هو األصل يف شريعة الفطرة وسنة الكون .انظر إىل النبات ،أتراه يثمر دفعة واحدة؟! إمنا حيت3اج
إىل زمن طويل من العناية والرعاية حىت ينبت فينمو فيستوي فيؤيت ُأُك َله.
متاما مثل البيضة اليت ال خَي ُر ج فرُخ ه3ا س3ا ا إال بع3د زمن مكت3وب .ف3إن كنت ترج3و حص3يلة طيب3ة
ًمل
خلدماتك ال33يت تقوم هبا يف س33احة اإلرش33اد ،ف33اعلم أن33ه لن يتم ذل33ك إال بع33د أن تل33تزم بكامل األس33باب
2
الصحيحة واألساليب الصائبة اليت تنسجم مع طبيعة تلك اخلدمات .أما العكس فس33عٌي وراء أحالم لن
تتحقق أبًد ا .بالّٰل ه عليك ،أتظن أن الّٰل ه سيغري سنته الكونية من أجل سواد عيوننا ،وهو الذي مل يغريها
من أج33ل أنبيائ33ه ،ب33ل حىت من أج33ل حبيب33ه األك33رم ورس33وله األعظم ص33لى اهلل علي33ه وس33لم؟! احلقيقة أن
األنبي 33اء مجيعهم وعلى رأس 33هم س 33يد األنبي 33اء ص 33لى اهلل علي 33ه وس 33لم عمل 33وا جبد وك 33افحوا حبكمة س 33نني
طويل33ة ص33ابرين ص33امدين مث33ابرين .ومن مث ج33اء اللطف الرب33اين نصً3ر ا وتوفيًق ا من33ه تع33اىل ،كثمرة ل33ذلك
الكفاح الطويل .إذن ،من أراد التوفيق والنجاح فليسلك درب األنبياء.
األسوة والخدمة
إن من ُق ّد ر هلم أن يقوموا ب 33دور “األس 33وة” يف أي خدمة إمياني 33ة ،فعليهم أن يكون 33وا “رج 33ال
خدمة” حًق ا ،بكل كياهنم ،ويف ك3ل ش3أن من ش3ؤون حي3اهتم .عليهم أن يس3عوا لي3ل هنار دون توق3ف،
بل ينبغي أال يراهم أحد ن3ائمني أب3دا؛ ب3ل إذا أمكن فلتكن ثالث س3اعات من ي3ومهم لن3ومهم وس3اعتان
لسائر شؤوهنم ،مث لينطلقوا ساعني خّد اما فيما تبّق ى من أوقاهتم .إن33ه هبذا املس33توى من األداء فحس33ب،
ميكنهم أن يكونوا “مثاال” ملن حوهلم ،ويكونوا قد وّفوا املسؤولية حقها .أحسب أن أبطاال قد نذروا
أنفسهم للخدمة وفًق ا هلذه املقاييس س3وف خيطئ3ون الطري3ق إىل من3ازهلم يف بعض األحي3ان .هذا وينبغي
على “رجل اخلدمة” أن يدير ظهره إىل ك3ل ش3يء يش3غله عن قضيته ،وأال يقع أس3ري أي قي3د مينع3ه من
السعي أبًد اَ ،م نزال ك3ان أو أهال أو عمال أو أي ش3يء آخ3ر… إن “ص3احب القضية” أصً3ال ،ليس ل3ه
حياة خاصة ،اللهم إال يف بعض شؤونه الضرورية.
ال ش33ك أن حبس اإلنس33ان لغضبه وكظمه لغيظ33ه إزاء ما يلقاه من إس33اءات ومنّغص33ات من33اقٌض
لفطرته ،لكّن املطلوب منه ،هو هذا الفعل بالذات .مث إّن خلّو املرء من حاسة الغضب َم نقَص ة وليس33ت
فضيلة أبً3د ا .إن القرآن يطلب من33ا يف مث33ل هذه احلاالت أن نكظم غيظن33ا ،وحنبس غضبنا ،ونص33رب على
األسباب اليت أثارت حفيظتنا .هناك فرق كبري بني انعدام الغيظ متاًم ا وكظمه .فمن َع ِدم الغيَ3ظ مل ين3ل
ثواب33ا لقاء ذل33ك ،ألن33ه مص33اب حبال33ة غ33ري طبيعي33ة .أما اإلنس33ان ال33ذي انتب33ه إىل نفس33ه فوج33دها تغلي وق33د
أوش 33كت على االنفج 33ار كالربك 33ان ،فهّب مس 33رًعا ،ف 33أحكم قي 33اد ثورهتا وكظم ن 33ريان غيظه 33ا… هذا
اإلنسان قد يرقى إىل مقام الوالية نتيجة هذا املوقف البطويل…
ـــــــــــــــــــ
3
(*) الرتمجة عن الرتكية :نوزاد صواش.
4
رجل يسبح دون أن يعرف السباحة
إن حالنا يف اقتفاء أثر األنبي3اء ومن س3ار على درهبم من العظماء ،يش3به حاَل َم ن ألقى بنفس3ه يف البح3ر
دون أن يعرف السباحة ،ظل يتخّب ط هن3ا وهن3اك دون ج3دوى ..فلما ش3اهده أهل احلرف3ة ق3الوا“ :هذا
ال يع33رف الس33باحة ،هلّم وا بن33ا ننقذه” .هذا حال َم ن أراد الس33ري يف طري33ق العظماء ،يقول“ :اللهم ال
طاقة يل على السري يف هذا الطريق ،ولكنين أحب أهله ،نذرت نفسي للس33ري معهم ،نظ33رُت إىل األنبي33اء
العظام واألولياء الفخام واألبرار الك3رام فوج3دهتم يس3بحون يف هذا البح3ر ،ك3ل أملي ي3ا رب أن أك3ون
معهم وإن كنُت ال أجيد السباحة مثلهم” ،مث يلقي بنفسه يف هذا البحر.
إن اهلل ع33ز وج33ل لن ي33رتك عبً3د ا توَّج ه إلي33ه هبذا الش33عور أن يغ33رق ،ب33ل س33يأخذ بي33ده وينقذه ،ويفتح ل33ه
آفاًقا مل تكن يف حسبانه؛ جيعل من اللمعة مشًس ا ،ومن القطرة حبًر ا ،ومن ال شيء كَّل ش33يء ..املهم أن
نكون على هذا الوعي ،منحو ذاتنا ،وننسلخ من دعوى األنانية.
القرآن “أمان 33ة” ..أمان 33ة تتطّلب حفَظ “نصوص 33ها” ،وفهم “معانيه 33ا” يف العقول والقل 33وب بش 33كٍل
صحيح .فمن مل يع3رف مع3اين القرآن فما ع3رف قيمت3ه حًّقا .احلفاظ على القرآن ال يك3ون باالس3تماع
إليه أو قراءته فقط ..احلفاظ عليه يعين إحياء معاني3ه يف أرج3اء اجملتمع واحليلول3ة دون ذب3ول تل3ك املع3اين
أو شحوهبا يف القلوب ،وبذل كل ما يف الوسع جلعله “الكت3اب األوحد” على مس3توى الع33امل .ف3إن مل
حناف33ظ علي33ه ض33من هذا املعي33ار ،واقتص َ3ر حفظن33ا ل33ه على وض ِ3عه يف أغطي33ة حريري33ة مزخرف33ة ُتعَّل ق ف33وق
رؤوسنا يف حجرات النوم ،فقد فّر طنا يف حقه وُخ ّنا األمانة.
المواجهة العميقة
حنن أحوج ما نك33ون إىل إحي33اء اللي33ايل ..حنن حباج33ة إىل أن خنل33و إىل اهلل تع33اىل ،حباج33ة إىل يقظ33ة قلبي33ة
حقيقية بني يدي اهلل عز وجل .حنن حباجة إىل أن نلح يف عبوديتنا على معىن “اإلحس33ان” .حنن حباج33ة
إىل ذل 33ك أش 33د االحتي 33اج .إزاء هذه العواص 33ف املهول 33ة ال 33يت تعص 33ف حولن 33ا ،إزاء تس 33وناميات متعاقب 33ة
وأعاصري مروعة ،إزاء عجز األشجار العمالقة عن الصمود وهتاويها أمامها ،إزاء ك3ل ذل3ك حنن حباج3ة
إىل أن نتمسك بأوامر اهلل بعمق وجدية أكثر.
5
األشجار اليت ال متتد جذورها يف أعماق الرتبة تنهار مع أدىن عاصفة .عليكم أن تعمقوا العالقة مع اهلل
بال توق33ف ،كون33وا مث33ل األش33جار الضاربة جبذورها يف األعماق .ال33ذين يه33امجونكم الي33وم يتعمقون يف
ممارسة العداء والظلم ضدكم ،يتعمقون يف حبك املكائد إلبادتكم .فما مل تواجهوهم بالعمق نفس33ه يف
عالقتكم مع اهلل ،ما مل تص 33مدوا ،وتواظب 33وا على الص 33مود ،تقذف بكم العواص 33ف بعي ً3د ا ،وتتن 33اثرون
ك 33أوراق اخلري 33ف .لقد مشلكم اهلل حبفظ 33ه حىت الي 33وم .إذا بقيتم على هذ اإلخالص والتج 33رد ،واألداء
الرفيع ،والسلوك العميق ،واإلميان بـ”الغاية احللم” ،والثبات عليه3ا والتمس3ك هبا ،ف3إن اهلل س3يقابل ك3ل
خطوة إلي3ه خبطوات ،س3يقابل املش3ي إلي3ه باهلرول3ة ..تص3نعون ش3يًئا حبجم قطرة فيجعله3ا عش3ر قطرات،
بل مائة قطرة حسب إخالصكم وعمق نيتكم.
عن 33دنا رج 33اء واحد :اللهم ش 33وًقا إىل لقائ 33ك ولقاء حبيب 33ك تغنين 33ا ب 33ه عن الش 33وق إىل ما س 33واك .اللهم
امنحنا شوًقا إليك وإىل حبيبك يأخذ بألبابنا ،شوًقا ميح3و من قلوبن3ا ك3ل ش3وق إىل غ33ريك .أيه33ا ال3رحيم
األوحد ،أف33رغ قلوبن33ا من مجي33ع األش33واق األخ33رى ،حىت الش33وق إىل اجلن33ة أزل33ه إن ك33ان ش33وًقا ِل ذاهتا.
أج 33ل ،اجلن 33ة هلا قيمة ،لكن قيمته 33ا ليس 33ت ل 33ذاهتا ،حنن يف ش 33وق إليه 33ا ألن مجال اهلل هن 33اك ،ورض 33وانه
هناك ،واألنبياء العظام هناك ،ومن أحبهم اهلل هناك .شوُقنا إىل اجلنة من أجله س3بحانه ،وإكراًم ا هلؤالء
العظماء .وإال فُحّبنا الذي هنيم فيه هو اهلل ،Uاهلل.
(*) الرتمجة عن الرتكية :نوزاد صواش .هذه النصوص مرتمجة من دروس األستاذ املنشورة.
ال ش33ك أن الّس ر ال33ذي هّز أرك33ان األرض كله33ا على أي33دي أحد عش33ر حواري33ا هو إخالص33هم العمي33ق
وسلوكهم الصادق ال3ذي ي3دفع الن3اس إىل اإلميان .وك3ذلك س3اداتنا الص3حابة الك3رام رض3وان اهلل عليهم
عن 33دما انطلقوا يف ش 33ىت بقاع الع 33امل حيمل 33ون مش 33اعل اإلميان يف أي 33ديهم ،ك 33ان الس 33ر األعظم يف تفّتح
القلوب هلم بالقبول حيثما حّل وا ،يكمن يف س3لوكهم الص33ادق ال3ذي يس3تحث القل3وَب على االس3تجابة
واإلميان.
6
وهك 33ذا س 33ارت ق 33اطرة الزمان قرن 33ا بع 33د ق 33رن حىت بلغت عص 33رنا ال 33راهن ،ف 33إذا باملس 33لمني ق 33د ازدادت
أع33دادهم ك33ثرة ،وامت33دت رقع33ة أراض33يهم طوال وعرض33ا ،يف حني أن ال33روح فقدت هليَبه33ا يف النفوس،
واملعاين انطفأت جذوهُت ا يف القلوب ،فاختّل التوازن بني الكّم والكيف.
الي 33وم ل 33دينا العقل املفّك ر وعن 33دنا املنطق املدِّبر ،وق 33د تفوقن 33ا على القدماء من أس 33الفنا يف جمال العل 33وم
واملعارف والتكنولوجيا بصورة هائل3ة ال تقب3ل املقارن3ة .لكن ش3تان بني قلوبن3ا وبني القل3وب ال3يت ك3انت
ختفق يف ج3واحنهم .إنن3ا الي3وم حمرومون من نعمة ك3ربى ك3انوا ميلكوهنا ..نعمة االستش3عار باهلل يف ك3ل
خفقة من خفقات القلب ،مث جتلي ذلك االستش3عار يف مالمح الوج3ه وظه33وُر آث3اره يف الس3لوك .أج3ل،
ك33ان ينبغي أن ينعكس خلج33ان القلب وخفقان33ه على وجوهن33ا وس33لوكنا ،وأن يك33ون َم ظهُر ن33ا مرآة ملا
ميوج يف بواطنن 33ا من يقني؛ متاما مث 33ل الس 33اعة حينما يتجلى عمله 33ا ال 33داخلي على هيئته 33ا اخلارجي 33ة يف
صورة نظام عجيب حيث تتنقل العقارب بني الثواين والدقائق والساعات بدق33ة فائقة ت33دفع املرَء إىل أن
يقول “ما أعظم هذا اإلبداع وما أروعه! ”..تنّبْه إىل أّن حمركاِت الساعة الداخليَة هي املوِّج ُه احلقيقي
لنظامها اخلارجي.
إن من3ابع احليوي3ة كامن3ة يف ب3واطن اإلنس3ان؛ يف قلب3ه ،يف لطيفت3ه الرباني3ة ،يف س3ره ،يف خفّي ه ،يف أخفاه،
يف أعماق33ه الالهنائي33ة .وعن33دما تتفج33ر هذه املن33ابع من األعماق تظه33ر انعكاس33اهتا س33لوكا على اجلوارح
واملالمح واألطراف.
ومن مث فما َينقص العاَمل اإلسالمي اليوم ليس العلم وال التكنولوجيا وال املال -ال شك أن لكل عنص33ر
من هذه العناصر دورا مهما -إمنا نقصنا احلقيقي هو سلوك صادق ،وحال خالصة ،وحياة قلبية عميقة
وواس33عة توّج هن33ا يف قيامن33ا وقعودن33ا وترش33دنا يف ِح ّلن33ا وترحالن33ا .إن ما ينقص33نا ص33ورة س33لوكية ص33ادقة
حتّر ك مكامن اإلميان يف قلوب الناس وحتضهم على التصديق برسالتنا اخلالدة.
المكابدة والمكافأة
بقدر ما حيت33اج اإلنس33ان إىل القرآن ،يتطلب القرآن يف التعب33ري عن ذات33ه وج33وهره أناس33ا خملص33ني أنقي33اء
اصطبغت قلوهبم بصبغة القرآن فَتَق ْر َأنوا .عندما ُيوَض ع كتاب اهلل يف معلقات خمملّي ة مجيل3ة على رف3وف
عالي 33ة مزخرف 33ة ،فال َي رى الن 33وَر إال بني احلني واآلخ 33ر ِلتلمس 33ه األي 33دي إجالال ،وتقّبل 33ه الش 33فاُه تّربك 33ا،
وتعي33ده إىل مكان33ه يتيما ،فمع33ىن ذل33ك أن33ه س33جني ال يس33تطيع التعب33ري عن نفس33ه واإلفص33اح عن حقائقه،
وكيف يتسىن له ذلك وليس هناك من ميثل رسالته السامية؟!
7
لقد كان القرآن حاضرا وفاعال يف احلياة على مّر القرون ،وكان الدليَل اهلادي والروح الس3اري جلمي3ع
البش33رية من33ذ اللحظ33ة األوىل ال33يت جتّلى فيه33ا على األرض .فت33ارة انطل33ق ن33داؤه يف األرج33اء كاف33ة يش33دو
ويصدح ويدوي يف الزمان واملكان؛ وتارة بّح صوُته ،وخب33ا ن33وُر ه ،وانكمش يف ص33مت ك33ئيب ،حينما
ُأِجلَم عن الكالم ،وُو ِض ع يف الُقُطف املخملّية مكَّبال ،وألقي يف حجرات الزينة سجينا بئيسا.
باهلل عليك كيف تنتظر أن تنال ما ناله الكادحون املكابدون من أرباب القلوب اليت تفتتت وذابت من
أجل القرآن ،وقلبك مل يتفتت من أجله مرة واحدة ومل َيُذ ب يف س3بيله ق3ط .ص33حيح أن اللطي3ف املّن ان
ق 33د يتجلى على عب 33ده بعطاي 33ا مل ينتظرها وألطاف مل حيتس 33بها ،غ 33ري أن القاع 33دة تقول بقدر الك 33دح
واملكابدة ،تكتسب العطية واملكافأة .إذْن باِد ر إىل إحياء الليايل بالتضرع واالبتهال؛ اص3بغ ظلمة ليل3ك
بص33بغة النه33ار وض33يائه س33تجد اهلل ق33د ص33بغ ظلمات حيات33ك ولياليه33ا ب33أنوار النه33ار األغ33ر؛ وحّو ل لي33ايل
دني33اك إىل أي33ام بيضاء ،س33تجد اهلل ق33د حّو ل ظلمات آخرت33ك إىل أن33وار .واعلم أن الوج33وه ال33يت مترغت
على عتب 33ات ال 33رمحن ،ال خيذهلا اهلل أب 33دا ،وال خُي زيه 33ا ،وال يرتكه 33ا ُتوطأ حتت األق 33دام؛ لكْن بش 33رط أن
ُتقبل عليه بك3ل قلب3ك ،وتتج3ه إىل باب3ه بك3ل جوارحك وهتت3ف :ي3ا رب من يل س3واك؟! خ3ذ بي3دي…
يا رب يا رب…
إذا وّح د العب3د بني “القال-واحلال”َ ،عَلْت منزلت3ه عن3د مواله ،وَم ن َعَلْت منزلت3ه عن3د مواله ،ارتفعْت
مكانته يف النفوس ،وكان ِلـقاِله وقٌع يف القلوب .فـ”القال-واحلال” طرفا “لس3اٍن واحد” ل3ه ما ل3ه من
األمهي33ة يف إعالء احلق ومتثيل33ه وتبليغ33ه… وإذا ما ص33دع هذا اللس33ان باحلقيقة زل33زل القل33وب .ذل33ك هو
شأن من مجع بني احلال والقال ومل يفصل بينهما؛ فكلمات3ه ت3رتك يف القل3وب أثً3ر ا ال ينمحي وُيكَتب هلا
اخللود .ويف األث3ر أن اهلل أوحى إىل عيس3ى ابن مرميِ“ :ع ْظ نفَس ك حبكميت ،ف3إن انتفعْت فِع ظ الن3اس،
وإال فاستحي مين” ،ويف هذا أبلغ البيان للسر الكامن وراء تصديق القول بالفعل.
على املرء إًذا أن يقوم مبا آمن ب33ه أوًال ،مث ينطل33ق ليب33وح -بتجّ3ر ٍد وفن33اٍء والتفات عن ال33ذات -مبا خ33اجل
ص33دره من مش33اعر ،وما ت33ردد يف أعماق33ه من أص33داء ،وما انقدح يف ذهن33ه من أفك33ار إث33ر قيامه مبا آمن
به .أَال فليستحي من يعظ -مثًال -يف التهجد والقيام وهو يف ليله من الغافلني النيام ،وكذا من يعظ يف
8
اخلش 33وع واخلضوع وهو يف ص 33الته غاف 33ل الٍه مل يل 33تزم مبا جيب من األدب والوق 33ار بني ي 33دي اهلل ،وال
ينبسّ3 3ن ببنت ش 33فة عن “َن ْذ ر العمر لآلخ 33رين” من ك 33ان بال “قلب من 33ذور” لآلخ 33رين .أج 33ل ،لقد
قضت حكمة اخلالق أّن تأثري القول رهن بتخّلله يف قائله وقيامه به ،فقال منبًه اَ﴿ :يا َأُّيَه ا اَّلِذ يَن آَم ُنوا
َمِل َتُقوُلوَن َم ا َال َتْف َعُلوَن * َك ُبَر َم ْق ًتا ِعْنَد اِهلل َأْن َتُقوُلوا َم ا َال َتْف َعُلوَن ﴾(الصف.)3-2:
وال يذهّنب بأحٍد ال3وهُم إىل أّن اآلي3ة عن3دما حتّذ ر املؤمنني وُتنك3ر عليهم بص3يغة الس3ؤال ،أهنا تقول هلم:
“ُكّف وا عن ق3ول ما ال تفعل3ون” ،ب3ل تقول هلم“ :ق3د غ3دومت ترمجاًنا للح3ق ب3أقوالكم ،فِلَم ال ت3رتمجون
أقواَلكم إىل أفعال أيًض ا؟ فالقول املنفصل عن الفع3ل هو من أعظم ما جيلب غضب اجلب3ار ومقت3ه” .إًذا
ليس املراد من33ع اإلنس33ان من ق33وِل ما مل يفعْ3ل ،ب33ل حتفيزه على فع33ل ما يقول… فالفع33ل عب33ادة والقول
عب33ادة ،ف33إذا تركهما مًع ا فقد اق33رتف إمثني اث33نني وُح ِر م “الت33أثَري” من وجهني ،ومن ت33رك أحَد مها فقد
اقرتف إًمثا واحًد ا وُح ِر م “التأثري” من وجه واحد.
أج 33ل ،قوُل ك ملا مل تفع 33ل ،أو ب 33األحرى ترُك ك لفع 33ل ما تقول ،جيلب الغضب اإلهلي ،وخُي مد ج 33ذوة
كلمات33ك ،ويزع33زع ثقة اخلل33ق ب33ك ،وحيي33ل عبارات33ك مفرداٍت جافً3ة حُّدها اآلذاُن إىل أمٍد ،مث مصُ3ريها
النسيان إىل األبد.
عرفُت أناًس ا الَّص مُت ْمَسُتهم ،ال يتحدثون إال ملاًم ا ،وعندما يقتضي األمر فح3ديثهم -غالًب ا -إما ش3رح
ملع33اٍن جتَّلْت يف س33لوكهم األص33يل ،وإما تفص33يل ملش33اعر عميقة يعوزها البي33ان ،أو تيس33ري حلقائق أش33كل
فهُم ه 33ا على من َعميت بص 33ائرهم .وكم وق 33ف الن 33اس مش 33دوهني مبه 33ورين وهم يص 33غون إىل ُخ طبهم
الص33 3امتة ،أي خطِب لس33 3ان احلال .ي33 3ا هلل كم وكم بلغ33 3وا من عمق احلال والقلب ،حىت إن ك33 3ل من
جيلس بني أي33ديهم ويس33تمع إليهم ،ما أس33هل أن يفهم عنهم ول33و مل يكن ممن يع33رف لغتهم ،ف33يزداد هلم
إكباًر ا وتقديًر ا .وعندما كّنا حنضر جمالسهم كّنا نقول“ :شِه دنا ،أدَر ْك نا ،تشّر بنا” ال “مسعنا ،تعّلمن33ا،
صّد قنا”… كانت كلماهتم حكمة .فإن الذوا بالصمت ش3عرَت بس3هاٍم يف أعماق3ك ت3رمي هبا نظ3راٌت
منهم ترى اهلل عليها رقيًبا.
أجل ،ما أكثرها من ينابيع وما أغزرها من عيون ،تلك اليت مررُت هبا! لكن -وا حس3رتاه -مل أس3تطع
ملء دل33وي ،فك33ان العبث والتس33كع حرف33يت .أليس ش33عث حايل دليًال على تشّ3ر دي وض33ياعي؟! إن33ين ما
زلت حىت اآلن أش33عر ب33أثر ص33مت هؤالء الرب33انيني ال33ذين إْن حتّد ثوا فكلماهتم “حكمة” ،وإن ص33متوا
فاضوا فكًر ا وتأمًال.
9
ما أكثر ما مسعُت حىت اليوم من خطب بليغة وكلمات فريدة.آذاُننا شبَعى ،وعيوُننا جوَعى .ليتين أرى
اإلس33الم س33لوًك ا ميش33ي على األرض ،ال كلمات ت33رتدد فحس33ب .وا أس33فاه ،فالكلمات تش33كو قائله33ا،
واخلطب تشكو خطيبها .أرجوكم ال تعتبوا علّي ،فإنين بينما أقول ما أقول أضع نفس33ي يف هذه الكّف ة
نفس3ها؛ ق3ل يل أين اخلش3وع يف وج3وه املص33لني والقراء ،ومن يقفون صًّ3فا واحًد ا بني ي3دي اهلل تع33اىل؟!
فال معاين املثول بني يدي اهلل هلا أثر على حالنا وسلوكنا ،وال اخلشية تبَّدت يف قسماتنا؛ ويكأّن قلوبن33ا
ميتة!
أجل ،إْن كّنا نبتغي سبيًال للتأثري يف النفوس فهو لسان “احلال”َ ،أَنسيتم أّن أمة حممد -ص33لى اهلل علي33ه
وسلم -ما انتكست إال يوم أن أخطَأْت طريَق لسان “احلال”؟! أال ما أقَّل رجاَل احلال اليوم! ..وإّنن33ا
ما ُمنين3ا باهلزمية إال مبْح ل حّل بن3ا يف رج3ال احلالَ .أكَ3ر ه أن أنفث بالي3أس يف القل3وب… وما أري3د إال
التنويه هبذا األصل“ :العودة إىل الذات ،والتجّ3د د ،وال3وعي ال3دائم” .وإيّن ألحَس ب أّن املوت خ3ري من
حي33 3اة الغ33 3افلني عن اجلوهر وال33 3ذات .رّبن33 3ا امنن علين33 3ا باليقظ33 3ة والع33 3ودة إىل ال33 3ذات… وإال فأكرمن33 3ا
بلقائك.
احرصوا على العمق يف العبوديةَ ..أولوا اإلخالص عناية خاصة ..اإلخالص مينح العمَق قيمَته احلقيقية.
ذرة من عمل خالص َتفُضل أطناًنا من عمل بال إخالص .حتّر وا مرضاة اهلل يف أعمالكم .إن رض3ي هو
وغضب الع33اُمل كل33ه فال يهّم ،إن َقِب ل هو ورفض الع33اُمل كل33ه فال ض33ري .إن رض33ي اهلل عنكم وقب33ل بكم
واقتضت حكمت 33ه ذل 33ك ،يوّج ه قل 33وب الن 33اس إليكم ب 33القبول حىت وإن مل تطلب 33وا ذل 33ك .لتكن غايتن 33ا
األساس يف هذه اخلدمة املباركة حتقيق مرضاته سبحانه ال غري ..األمر مكفول بعناي3ة اهلل ..فعلين3ا باجلّد
واإلتقان ،وعلينا باإلخالص والتجرد.
ال تس33تحق ال33دنيا البقاء فيه33ا إن مل نعّل ق حياتن33ا فيه33ا بغاي33ة س33امية .هذه قناع33ة القطمري (يقص33د نفس33ه).
أج 33ل ،إن مل أع ّ3ر ف الع 33امل َمبِل ك املل 33وك س 33بحانه وأب 33ذل قص 33ارى جه 33دي يف ذل 33ك ،إن مل أغ 33رس حمب 33ة
10
احلبيب املص33طفى ص33لى اهلل علي33ه وس33لم يف القل33وب ،إن مل أعمل على هداي33ة الن33اس إىل اهلل ،إن مل أكن
هائًم ا بغاي33ة س33امية كه33ذه -أرج33و أن تع33ذروين س33أقول ش33يًئا أقول33ه لنفس33ي دائًم ا -فس33أعّد نفس33ي محاًر ا
حىت ل33و منح33وين وس33ام “ف33اتح الع33امل” .احلبيب املص33طفى ص33لى اهلل علي33ه وس33لم يأمرن33ا -ف33داه روحي-
ب33أن “حبب33وا اهلل إىل عب33اده حيببكم اهلل” .اغرس33وا حمبت33ه يف القل33وب حيببكم اهلل ..هن33اك مقابل33ة خاص33ة..
َتوّج ه إىل اهلل بقطرة يقابل3ك ببح3ر ،تقدم حنوه ب3ذّر ة يقابل3ك بش3مس ،تقدم إلي3ه بع3امل ف3اٍن مينح3ك عا ا
ًمل
خالًد ا.
هن3اك مفه3وم يع3رب عن فلس3فتنا يف “دع3وة اخلدمة” نك3رره دائًم ا“ :العيش من أج3ل اآلخ3رين” .أج3ل،
أن تقول إمنا أعيش من أج3ل أن يعيش الن3اس ،إمنا أعيش من أج3ل أن يتواص3ل الن3اس مع اهلل ،أن تتص3ل
قلوب العباد باهلل ،أن تزول املوانع بني العباد ورب العباد ،مث ليحدْث يل بعد ذلك ما حيدث ،ال أب3ايل؛
ي33أيت الظ33امل يركل33ين ال ض33ري ،يص33ادر ممتلك33ايت ال ب33أس ،ي33أيت آخ33رون يعلنون33ين إرهابي33ا ،يفرتي س33فيههم
بأنن 33ا فرق 33ة ض 33الة ..دع 33وهم يقول 33ون ما يش 33اؤون .ك 33ل يعمل على ش 33اكلته ،ك 33ل يع 33رب عن س 33جيته .ال
تك 33رتثوا ،ال تب 33الوا ،أغمضوا أعينكم عنهمَ( ،و ِإَذا َم ُّر وا ِب الَّلْغِو َم ُّر وا ِكَر اًم ا)(الفرق 33ان .)72:عب 33اد اهلل
اُخلّلص عندما تتح3رش هبم عب3ارات تافه3ة أو تص3رفات مسجة ميرون من عن3دها بوق3ار .إذا مسعَت كالما
تافها من هؤالء اجلاهلني قل هلم “سالما” وواصل يف سريك كما ُتعِّلمنا سورة الفرقان.
مسعت مراًر ا من غري واحد من اإلخوة يف حركة اخلدمة؛ ممن ك3انوا أبطاًال يف الب3ذل والعطاء واإلنفاق
وصادرت احلكومة الرتكية ممتلك3اهتم ظلًم ا يف اآلون3ة األخ3رية ،يقول“ :أن3ا ب3دأت عملي أجً3ريا بس3يًطا،
مث جئت إىل إسطنبول ،اشرتيت أرًض ا مبكسيب املتواض3ع ،األرض ج3اءت ب3أرض أخ3رى ،األرض أجنبت
مب 33ىن ،املب 33ىن أجنب مب 33ىن آخ 33ر ،ومن ريع 33ه أنش 33ئت مب 33ان أخ 33رى ،ومنه 33ا أنش 33ئت فيل 33ل ،ومنه 33ا أنش 33ئت
مس 33اجد عمالق 33ة ،ك 33ذلك ال 33ذي أنش 33ئ يف جن 33وب أفريقي 33ا ..ك 33ان اهلل هو املعطي يومه 33ا ،وهو الي 33وم
يأخذها” ،حيكي ذلك مبتسًم ا .يقول “قليب مطمئن ،اهلل أعطى واهلل أخذ” .وال يكتفي هبذا ،بل يربر
األخ33ذ فيقول“ :لع33ل ش33يًئا من حظ النفس خال33ط هذا الكس33ب ،لع33ل احلس33اب علي33ه س33يكون ش33اًقا يف
الدار األخرى ،فأخذه اهلل هنا ليعفيين من احلساب هناك” ..هذا تفكري أبطال اإلنفاق عندكم.
11
يف اللحظ3ات األوىل من الص3دمة ينبغي االعتص3ام بالص3رب ..فخ3ر اإلنس3انية ص3لى اهلل علي3ه وس3لم يقول:
“إمنا الصرب عند الصدمة األوىل” (رواه البخاري) .عندما يطعنونك باإلبرة ُص ّر على أس3نانك وال تقل
“أف” ..سنستمر على هذا النحو ،سنصرب عند الصدمة األوىل وبعدها وال نشكو .رأينا ش3دة ال3دهر،
على اهلل توكلنا.
ربنا عليك توكلن3ا وإلي3ك أنبن3ا وإلي3ك املص3ري .حس3بنا اهلل ونعم الوكي3ل .نعم املوىل ونعم النص3ري ..هذه
أنفاسنا اليت نرددها ..حسبنا اهلل ال إله إال هو علي3ه ت3وكلت وهو رب الع3رش العظيم .وهبذه الكلمات
سنختم حياتنا.
(*) الرتمجة عن الرتكية :نوزاد صواش .هذه النصوص مرتمجة من دروس األستاذ اخلاصة.
أريد مجانين
لو أن املرء طلب اإلخالص واليقني يف اليوم مائة مرة فما هو من املك33ثرين .لكن كي33ف ينبغي أن
يك 33ون الطلب؟ دعMMاَء قMMول أم دعMMاَء فعMMل؟ أرى أن دع 33اء الفع 33ل هو األص 33ل ،لكن 33ه ال مين 33ع من دع 33اء
القول .أما األفضل فدعاء قول يالزمه دعاء فعل .وإذا كان لنص3يحيت مكان3ة عن3دكم ،فنص3يحيت األوىل
واألخ 33رية هي أن تطلبMMوا مرضMMاة اهلل تعMMالى .فقد تنس 33ون طلب اجلن 33ة يف دع 33واتكم أو االس 33تجارة من
النار ،لكن حذار أن تنسوا طلب اإلخالص واليقين بإلحاح ،ألن األمر ال حيتمل النس33يان .إذا تالش33ى
اإلخالص وضاع اليقني لدى الفرد فقد تدحرج يف فراغ خميف ،إذ أقواله ال تتج33اوز حنجرت33ه ،وأفعال33ه
ال تعرب عن أي معىن نبيل.
قلَت فأج33 3دَت ،وكتبَت فأب33 3دعَت ،ومهمت فنلت ك33 3ل مطل33 3وب… عندئ33 3ذ ب33 3ادر إىل محاسMM Mبة
نفسك فورا ،إذ ق33د يك33ون ذل33ك اس33تدراجا .ومن ي33درى فقد ينفتح مع النجاح بMاٌب يقِMذ ف بMك في
متاهMMات العجب والك 33رب والري 33اء ،وينغل 33ق مع 33ه ب 33اُب “كن بين النMMاس فMMردا من النMMاس” .لقد ارتع 33د
األص33فياء فرق33ا من اخليب33ة والفش33ل ،لكن خ33وفهم من النج33اح ك33ان أعظم وأجّ3ل .زرع33وا األرض زرع33ا،
فما إن اخضّر ت وأمثرت وطابت حىت أسرعوا يبكون ،وأنفسهم راحوا حياس3بون ،وق3الوا وهم وجل3ون
12
“ماذا جنينا على أنفسنا حىت اهتزت األرض وربت وأنبتت واّز ينت؟ رباه! أيكون ذلك استدراجا من
حيث ال نعلم؟”
ك33ان فخ33ر اإلنس33انية ص33لى اهلل علي33ه وس33لم قب33ل البعث33ة املبارك33ة وبع33دها مفعما بالهّم متلفعMا بMالغم
إزاء ما يرى من شقاء مادي وضياع روحي يسود البشرية كلها .فالرواي3ات تقول إن3ه ك3ان قب3ل النب3وة
يع 33تزل الن33اس أحيان33ا وخيل33و إىل نفس33ه مت33أمال يف مش33اكل اإلنس33انية املأزومة .أما عن مبل33غ مهه بع 33د أن
حتمل مهمة الرس33الة فينب33ه إلي33ه القرآن العظيم ق33ائالَ﴿ :فَلَعَّل َك َباِخ ٌع َنْف َس َك َعَلى آَثاِر ِه ْم ِإْن ْمَل ُيْؤ ِم ُن وا
َهِبَذ ا اَحْلِد يِث َأَس ًف ا﴾(الكه 33ف ،)6:أليس 33ت اآلي 33ة ذات مغ 33زى عمي 33ق يه 33ز القلب هزا وي 33ؤثر يف ص 33ميم
الوج 33دان؟ إن أخطMMر همنMMا اليMMوم خلونMMا من الهم .اهلم ال 33ذي يس 33لبنا الن 33وم ويقض مضجعنا ويرتكن 33ا
مؤرقني ع3دة أي3ام يف األس3بوع وحنن نس3عي جاهدين نغ3رس حقائق اإلميان والقرآن يف القل3وب ونتطل3ع
إىل أن يس 33تجيب هلا ض 33مري اجملتمع اإلنس 33اين .وإذ مل ن 33أَر ق مبث 33ل هذا اهلم الي 33وم ،فس 33وف تنهمر علين 33ا
مهمات حترمنا النوم غدا .واحلق أقول؛ يكاد املرء يتفطر أسفا حينما ال يرى من يتفطر مها.
تشّبع بحب اهلل إلى حMد الجنMون ،ال يغريّن ك عن33ه حس33ن وال يفتنن33ك عن33ه مجالِ ،ارَق على ك33ل
املعادالت وتس3اَم على ك3ل املقاييس ،ارف3ع ش3عار الث3ورة ض3د ك3ل مألوف ،واهت3ف كما هت3ف ال3رومي
“هلّم إّيل ي 33 3ا إنس 33 3ان” ،مث ادفن نفس 33 3ك يف غي 33 3اهب النس 33 3يان .ن 33 3اد كما ن 33 3ادى ب 33 3ديع الزمان “وا
إنس 33انيتاه” ،مث امِض وال تفك 33ر بس 33عادتك الشخص 33ية .أج 33لِ ،انس رغ 33د احلي 33اة ،انس ال 33بيت والول 33د،
واسلك درب أهل السمو الواصلني لتكون من الناجني.
جمانَني أري 33د ،حفن ً3ة من اجملانني… يث 33ورون على ك 33ل املع 33ايري املألوف 33ة ،يتج 33اوزون ك 33ل املقاييس
املعروف33ة .وبينما الن33اس إىل املغري33ات يته33افتون ،هؤالء منه33ا يفرون وإليه33ا ال يلتفت33ون .أري33د حفن33ة ممن
نس33بوا إىل خفة العقل لش33دة حرص33هم على دينهم وتعلقهم بنش33ر إمياهنم؛ هؤالء هم “اجملانني” ال33ذين
مدحهم سيد املرسلني ،إذ ال يفكرون مبلذات أنفسهم ،وال يتطلعون إىل منصب أو شهرة أو جاه ،وال
يرومون متعة الدنيا وماهلا ،وال يفتنون باألهل والب3نني… ي3ا رب ،أتضرع إلي3ك… خ3زائن رمحت3ك ال
هناية هلا ،أعِط كل سائل مطلبه ،أما أنا فمطليب حفنة من اجملانني… يا رب يا رب…
ـــــــ
13
أنانية الفرد وأنانية الجماعة
إذا ُعه33د إلين33ا مبس33ؤولية يف خدمة اإلميان -ص33غرية أو كب33رية -فعلين33ا أن نوّفيه33ا حّق ه33ا ونتواض33ع ق33ائلني:
"املسؤولية أعلى من كل شيء ،والنفس أدىن من كل شيء" ،ونكون على وعي بوظيفتنا وموقعنا.
وق 33د مينحن 33ا الب 33اري انبعاث 33ا جدي 33دا ،يوّفقن 33ا ويكل 33ل أعمالن 33ا بالنج 33اح ويتك 33رم علين 33ا بعطاي 33ا ال تع 33د وال
حتصى .فاحلذر احلذر -حلظتئذ -من الوقوع يف براثن األنانية ،فردية كانت أو مجاعية.
"حنن ..حنن "..اليت تعترب أبسَط درجات الشرك باعتبارها "أنانية مجاعي3ة" ،حىت يتطّو ر ب3ه األمر فيقول
"أنا ..أنا "..اليت هي أغلظ درجات الشرك.
ألن األناني33ة س33بب احلرمان من ع33ون اهلل .إذا أردت لعناي33ة اهلل أن تس33تمر ب33اهلطول علي33ك يف جناحات33ك،
فتخّل عن ادعاء الفضل لذاتك ،اعمل على حمو "األنا" ،وانِس ب الفضل إىل ص3احب الفضل ،وتواض3ع
أمام اهلل .ألن اإلنس33ان كلما ازداد علما ازداد تواض 33عا؛ كالش33جرة ال33يت كلما ازداد محله 33ا وازداد ما
حتمله من فواكه ومثار ،تزداد أغصاهنا دنًّو ا إىل األرض ،إن هذا ال3وعي –لعمري -س3يمكننا من جتاوز
املسافات ،واملضّي إىل املستقبل قدما بروح غضة ومحاسة متقدة ال تعرف الكلل وال امللل أبدا.
(ِإَّن اَّلِذ يَن آَم ُنوا َو َعِم ُلوا الَّص اَحِلاِت َسَيْجَعُل ُهَلُم الَّر َٰمْحُن ُو ًّدا)(مرمي.)96:
خيرب تعاىل أنه يغرس لعباده املؤمنني الذين يعملون الصاحلات ،وهي األعمال ال3يت ترض33ي اهلل ع33ز وج3ل،
يغ 33رس هلم يف قل 33وب عب 33اده الص 33احلني مودة ،وهذا أمر ال ب 33د من 33ه وال حمي 33د عن 33ه .وق 33د وردت ب 33ذلك
األحاديث الصحيحة عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من غري وجه.
ق 33ال اإلمام أمحد :عن أيب هري 33رة ،عن الن 33يب ص 33لى اهلل علي 33ه وس 33لم ق 33ال" :إن اهلل إذا أحب عب ًMد ا دعMMا
جبري َMل فقMMال :يMMا جبريMMل إني أحب فالنMMا فأحبMMه .قMMال :فيحبMMه جبريMMل" .قMMال" :ثم ينMMادي في أه َMل
السMMماء :إن اهلل يحب فالنMMا" .قMMال" :فيحبMMه أهMMل السMMماء ،ثم يوضMMع لMMه القبMMول في األرض ..وإن
اهلل إذا أبغض عب33دا دع33ا جربي33ل فقال :ي33ا جربي33ل ،إين أبغض فالن33ا فأبغضه" .ق33ال" :فيبغضه جربي33ل ،مث
ينادي يف أهل السماء :إن اهلل يبغض فالنا فأبغضوه" .قال" :فيبغضه أهل السماء ،مث يوضع له البغضاء
يف األرض"( .ورواه مسلم ،ورواه أمحد ،والبخاري)
وق33ال أحد الس33لف الص33احل" :ما أقب33ل عب33د بقلب33ه إىل اهلل إال أقب33ل اهلل بقل33وب املؤمنني إلي33ه ،حىت يرزق33ه
مودهتم ورمحتهم".
14
وكان عثمان بن عفان رضي اهلل عن3ه يقول :ما من عب3د يعمل خ3ريا أو ش3را ،إال كس3اه اهلل ع3ز وج3ل
رداء عمله.
جيب علين 33ا أن حنرص بكّ3 3ل أحوالن 33ا وأطوارن 33ا أن ننسَ3 3ج حياتن 33ا بنس 33يج اإلميان واإلحس 33ان واإلخالص
واليقني والرضا كما ُتنس3ج ال3دانتيال ،وأن يك3ون هذا َّمهن3ا وهدَفنا وش3غلنا الش3اغل ..كما ينبغي لن3ا أن
نتضّر ع كث ً3ريا حىت تواف33ق ك ُّ3ل أعمالن33ا مرض33ياِت احلق تع33اىل الس33بحانية ،وأال نرض33ى عن أي ش33يء ال
يوافق رضاه..
أج33ل ،إن رض 33اه تع 33اىل هو أهم ش33رٍط يف ك33ل أفعالن33ا تص ّ3ر فاتنا ،وأن ن33ركض يف إث33ر هذا ونطلب33ه على
الدوام ..غري أنه قد ال يتس لنا أن ننجح دائ ا يف حتقيق هذا املطلب؛ وذلك ألننا ق33د خنطئ من وقٍت
ًم ىّن
آلخ33ر حيث إنن33ا بش33ر من حلٍم ودٍم ،ومع ذل33ك فإن33ه ال ينبغي ألخطائن33ا أن متنعن33ا من أن ُنظه 33ر ونتفّو ه
دائًم ا مث 33ل هذا الش 33عور والتفك 33ري الس 33امي ،وحىت وإن س 33قطنا أو تعثرن 33ا ،فيجب علين 33ا أن ننهض من
فورنا ونرّدد قائلني“ :اللهم اإلمياَن ،واإلحساَن واإلخالَص والرضا والعشَ3ق واالش3تياَق …” ،جيب أن
ننسج حياتنا حول هذه الغاية النبيلة ،وأن نجعل نيل رضا اهلل تعالى هدفنا الوحيMMد ،وأن نتضّر ع لي33ل
هنار قائلني“ :اللهم وّفقنا إىل العبادة كأننا نراك ،والعيش بشعور أنك ترانا ،وأن نسري وخنطو خطواتن33ا
وفق مرادك ،وال حترمنا اللهم ذلك ولو للحظة”.
كن33ا ت33ائهني ض33ائعني مشَّ3ر دين هن33ا وهن33اك ،فأدرَك ن33ا اهلل برمحت33ه وأبلغن33ا بفضله وكرمه مواطَن من اخلري
والعطاء يتعذر أن نصل إليها حبولنا وقوتنا .إننا نؤمن إميانا قاطعا أننا نتفيأ يف ظالل العناية الربانية .بعد
التأكي33د على هذه احلقيقة ،من املفي33د أن أنب33ه إىل أمور مهمة ينبغي االل33تزام هبا حىت ال ينقطع التأيي33د
اإلهلي والعطاء الرباين الذي ال يفتأ يهطل على رؤوسنا كالغيث يف هذه األيام:
َم ْح ُو الذات
ينبغي أن نقنع “أنفسنا” أنه ليس لنا يٌد يف حص33ول هذا اخلري العميم .فالنج3اح ك3ل النج3اح لطف من
اهلل وفضل من لدنه وإحسان .فإذا آمّنا بذلك فقد جّنبن3ا أنفَس نا ش3وائَب الش3رك ،وأجنيناها من األوهام
15
ال33يت تظ33ل النفُس َتُض ّخ ها يف دواخلن33ا لكي تضّخ م أنانيتن33ا .ب33ل حيس33ن أن نقول“ :في الحقيقة ،لMو لم
ُأقِح ْم نفسMي في هMذا األمMر ،لوجMد لMه رجMاال خMيرا مMني في إخالصMهم وصMدق تمMثيلهم ،ولقطعْت
القافلُة مسافات واسعة أضعاَف ما قطعْته حتى اليوم .وا أسفاه ،فلوال كدورة نفسي لتجّلى المدُد
اإللهي وفق صفائه المقدس على الخدمة اإليمانية .وا حسرتاه ،فقMMد ارتطمت تجلياتMMه بفيروسMMات
أنانيتي وتحطمت على ضعفي وسيئاتي .أجل بسببي أنا تعثرنا وتأخرنا عن المواقع التي قصدناها،
وابتعMMدنا عن المMراقي الMتي حلمنMا بهMMا” .ب33ل ينبغي تك33رار هذا الس33ؤال“ :ي33ا نفس ،كم إنس33انا قتلِت
حىت اليوم!؟ ..كم إنسانا كان يبحث عن احلقيقة فتعثر بك وفقدها إىل األبد!؟”.
أيه33ا البطل ال33ذي ن33ذر روحه للحقيقة! هذا هو القل33ق ال33ذي ينبغي أن ميور يف أحش33ائك مورا ،ويه33ز
كيانك هزا كي ال تنقطع جتليات الرعاية الربانية .ومن مث ،كلما عظم النجMMاُح الMMذي تم على يMMديك،
بMMالْغ في نكMMران ذاتMMك ،وأوِغ ْل في محMMو نفسMMك ،وتMMذّلْل أمMMام اهلل ،وانكسMMر بين يديMMه ،وأمِعْن في
العبودية له .ذلك أحرى بMك كي ال تنسMحق تحت أثقMال أنانيتMك .اغِ3ر ْس هذه الفك33رة يف روحك،
وثّبْتها يف قلبك حىت تصبح جزءا من كيانك وبعدا من أبعاد طبيعتك .كان الن33يب ص33لى اهلل علي33ه وس33لم
يبكي ص 33باح مس 33اء متضرعا ويقول“ :ي 33ا حي ي 33ا قي 33وم ،برمحت 33ك أس 33تغيث ،أص 33لح يل ش 33أين كَّل ه وال
تكل33ين إىل نفس33ي طرف33ة عني” .ف33إن اختذَت هذا ال33دعاء ِو ردا ل33ك ،ال يفارق لس33اَنك وال قلَب ك ،فقد
ُو ِقيَت من االنسحاق حتت حوافر النفس اجلموح.
جعجعة األنانية
ينبغي أن نعلم يقينا أن اخللل والفش3ل ال يقع إال مبا كس3بت أي3دينا ،وأن النفس هي الع3ائُق األك3رب لك3ل
خدمة إمياني 33ة .وما يتم من توفي 33ق وإجناز ،فه 33و حمُض إك 33راٍم من 33ه ج ّ3ل وعال ،ف 33اخلري ك 33ل اخلري من اهلل
وحده .أما مقول33ة ﴿ِإَمَّنا ُأوِتيُت ُه َعَلى ِعْلٍم ِعْن ِدي﴾(القص33ص ،)78:فلم يقله33ا إال “ق33ارون” حينما ظن
نفسه مصدر األرزاق والنعم .وإهنا َلعبارة مل يزل كل قارون وفرع3ون يرددها ع3رب الت3اريخ .أما األنبي3اء
وعلى رأسهم سيد األنبي3اء ص3لى اهلل علي3ه وس3لم فقد ك3انت كلمتهم واحدةَ﴿ :ال َأْم ِل ُك ِلَنْف ِس ي َنْف ًع ا
َو َال َض ًّر ا ِإَّال َم ا َش اَء اُهلل﴾(األعراف .)188:فمن يقْل “ :فعلُت أنا ،أجنزُت أنا ،جنحُت أنا ،ل3و مل أكن
أنا…” فمعناه أنه واقع يف مستنقع آسن من التفكري الفرعوين .يقول س3يدنا رس3ول اهلل ص33لى اهلل علي3ه
وس 33لم “ألْن َيه 33دي اهلل ب 33ك رجال واحدا خ ٌ3ري ل 33ك من ْمُحر الَّنَعم” .فل 33و هدى اهلل ماليني من الن 33اس
16
على ي 33ديك ،فنس 33بَت تل 33ك اهلداي 33ة إىل نفس 33ك ،فقد أحبطَت عمل 33ك ،ورميت بنفس 33ك يف َلظى الن 33ار
وحرمتها من النعيم املقيم.
الَغيرة المقدسة
عن 33دما يس 33تقر يف قلب املؤمن الش 33عوُر الت 33اّم ب 33أن اخلري كل 33ه والتوفي 33ق كل 33ه من اهلل وحده ،ي 33أىب إال أن
يك 33ون ش 33غُله الش 33اغُل وُّمهه ال 33دائم هو احلديث عن 33ه س 33بحانه ،والَغ ريَة من ك 33ل ق 33ول يقال يف غ 33ريه ع 33ز
شأنه .يأيت بعض الناس أحيانا فيقول بإسهاب “ق3رأ علّي الكت3اَب الفالَّين ك3ذا ع3دٌد من الن3اس…” أو
“يشارك يف دروسي كذا عدٌد من أصحاب الثقافة العالية…” ،بينما الصحيح أن ُنس ِ3ه ب يف احلديث
عن ش 33ؤون اهلل دائما ،وأن نك 33ون غي 33ورين يف ذل 33ك أميا غ 33رية .كث 33ريا ما جند عاطفة األب 33وة واألمومة
تسيطر على بعضهم ،فإذا ما جاء ذكر األبناء يف جملس ما ،انته33زوا الفرص33ة لكي يتح33دثوا عن أبن33ائهم.
كذلك نرى من يتحني الفرص للحديث عن مهاراته يف الكتابة وبراعته يف اخلطابة .وهذا س33لوك س33يء
ال يلي33ق بإنس33ان ناض33ج يقٍظ أب33دا .ف33األحرى بن33ا أن ن33رتقب الفرص33ة بع33د األخ33رى لكي نتح33دث عن اهلل
سبحانه .فإذا جاء ذك3ر الوف3اء مثال ،ينبغي أن خنرتق الكالم فنقول “ومن أعظُم من اهلل وف3اء؟! إن اهلل
أوىف األوفي 33اء! ”..مث نسرتس 33ل يف احلديث عن وف 33اء اهلل ع 33ز وج 33ل لعب 33اده .وإذا ما َتطّر َق أحُد هم إىل
مفه33وم احلق وإحقاق33ه ألهل33ه مثال ،علين33ا أن نس33رع فنقولَ﴿ :و َم ا َق َد ُر وا اَهلل َح َّق َقْد ِرِه﴾(الزمر،)67:
فقد أخرَج ن 33ا من الع 33دم ووهبن 33ا لب 33اس الوج 33ود ،ومل يرتكن 33ا مجادا ،ب 33ل منَح ن 33ا احلي 33اة ،ومل يكت ِ3ف بنفخ
ال33روح يف أب33داننا ،ب33ل كّر من33ا ورفعن33ا إىل مقام اإلنس33انية ،مث شّ3ر فنا باإلميان ،ومل ينقطع فضله عن33د هذا
احلد ،بل أكرمنا بأن أدخلنا رحاب خدمة اإلميان والقرآن” .نعم ،علين3ا أن نؤك3د ذل3ك ،ونب3دي غ3رية
-يف هذا الشأن -منقطعة النظري.
فما بالن3ا ن3دور باحلديث حول هذا األمر أو ذاك الش3خص ،يف حِني أن هن3اك واحدا أحدا ج3ديرا ب3أن
ت33دور ك33ل األحاديث حول33ه لي33ل هنار .ب33ل إذا مسْع نا أحَد هم يقول “لقد ألقيُت كلمة يف حفل ك33ذا،
فت 33أثر الن 33اس من كالمي وس 33الت دموعهم ،وق 33الوا عن كلميت ك 33ذا وك 33ذا…” فينبغي أن يبل 33غ بن 33ا
االس 33تياء إىل حد املرض والت 33أمل فنقول “ما ب 33ال هذا الرج 33ل يطي 33ل احلديث عن نفس 33ه ،وينس 33ب اخلري
إليها ،يف حني أن اهلل تعاىل هو صاحب املواهب واملنن كلها ،وهو املستحق الوحيد للحديث عنه”.
17
إذا أردَت أن تعرف عند اهلل مقامMك ،فMانظر حيث أقمَت ه من نفسMك .ما مدى حب33ك ل33ه؟ ما نوعي33ة
الصلة ال3يت أقمته3ا بين3ك وبين3ه؟ علي3ك أن ت3راقب س3لوكك إزاء هذا األمر دائما ،وتظ3ل يقظ3ا ومتحفزا
باستمرار .فإذا كانت عالقتنا به وثيقة متينة ،فسوف نس3تغّل ك3ل س3احنة للوص3ول إلي3ه وللح3ديث عن3ه،
وبالت33ايل س33يكون وحده هو املع33روف ،هو املذكور ،هو املش33كور ،وس33وف خيفق قلبن33ا مبعيت33ه يف قيامن33ا
وقعودن33ا ،وس33وف َنَر ى أث33ره على الكائن33ات يف ك33ل طرف33ة عني ،وس33وف نغل33ق أب33واب تأمالتن33ا على ما
سواه.
سر التوفيق
إن أعظم وسيلة جللب الع3ون اإلهلي والتوفي3ق الرب3اين تأس3يس التواف3ق وحتقي3ق التوحد بني أف3راد اجملتمع.
فغنيمة التوفي 33ق هلا ُغرُمه 33ا .وُغرُمه 33ا هو ترس 33يخ ال 33وعي اجلماعي ،واحلفاظ على س 33ر التواف 33ق وروح
االتفاق ،واالبتع33اد عن ك33ل ن33زاع وش33قاق .ف33إذا أص33بحنا كيان33ا متوحدا وكًّال متوافقا ،فس33وف تت33نزل
علين33ا من األلطاف ما ال عني رأت وال أذن مسعت وال خطر على قلب بش33ر ،وس33وف منتل33ك القدرة
على رفع أمحاٍل أثقَل من جب3ل ق3اف .أما إذا زال التوافُ3ق وتبّخ ر االتفاُق ،ومل يب3ق س3وى بضعة رج3ال
ض33عاٍف من حولن3ا ،فلن ي3أيت املدد اإلهلي حىت ل3و ب3ذلنا قص33ارى جهودن3ا .فإنن3ا إن قطعن3ا حب3ل االتفاق
فيما بينن3ا انَتس3فْت من3اجُم قوتن3ا ومن3ابُع طاقتن3ا ،وكن3ا س3ببا يف انقطاع ُغي3وث الرمحة علين3ا والع33ون لن3ا.
لذا ،جيب أن نركز جهودنا كلها لكي نبقى متماسكني متاسك الفوالذ ومشدودين إىل بعضنا كالبنيان
املرصوص .وها هو القرآن يعلن عن مرس3ومه اخلال3د بقول3هَ﴿ :يُد اِهلل َفْو َق َأْيِد يِه ْم ﴾(الفتح ،)10:ومن
هن 33ا ف 33إن اللطف والس 33ند ال 33ذي ي 33نزل على األف 33راد لن ي 33داين حجَم اللطف والس 33ند ال 33ذي ي 33نزل على
اجلماع 33ة املتوحدة أب 33دا ،حىت وإن ك 33ان هؤالء األف 33راد عمالقة يف العلم والعرف 33ان ،جب 33اال يف الزهد
والتقوى ،وحيدي أزماهنم يف مواهبهم الذاتية وإقبال الناس عليهم وتقرهبم من اهلل جل وعال.
حنن أحوج ما نكون إىل إحياء الليايل ..حنن حباج3ة إىل أن خنل3و إىل اهلل ..حباج3ة إىل يقظ3ة قلبي3ة حقيقي3ة
عن 33دما نقف بني يدي 33ه س 33بحانه ..حنن حباج 33ة إىل أن نلّح يف عبوديتن 33ا على مع 33ىن “اإلحس 33ان” ال 33ذي
تعرفونه جيًد ا ..حنن حمتاجون إىل ذلك أشد االحتياج.
18
إزاء هذه العواص 33ف املهول 33ة ال 33يت تعص 33ف حولن 33ا ،إزاء تس 33وناميات متعاقب 33ة ،إزاء أعاص 33ري مروع 33ة ،إزاء
عج33ز األش33جار العمالق33ة عن الص33مود وهتاويه33ا ،إزاء ك33ل ذل33ك ،حنن حباج33ة إىل أن نتمس33ك ب33أوامر اهلل
بقوة وجدية كبرية .كما ق3ال أحد العظ3ام “إن كنت ختش3ى ع3ذاب اهلل فتمس3ك ب3أوامره” .فاألش3جار
ترمي جبذورها يف األعماق لكيال تنهار.
األش3جار القريب3ة من املاء ال متت3د ج3ذورها يف أعماق الرتب3ة ،تنه3ار يف احلال مع أدىن عاص3فة .ينبغي أن
تعِّم قوا العالق 33 3ة مع اهلل بال توق 33 3ف ،كون 33 3وا مث 33 3ل األش 33 3جار الضاربة جبذورها يف األعماق .ال 33 3ذين
يهامجونكم اليوم يتعَّم قون يف ممارسة الع3داء والظلم ض3دكم ،يتعَّم قون يف َح ْب ك املكائ3د إلب3ادتكم ..ما
مل تواجه33وهم ب33العمق نفس33ه ،وما مل تص33مدوا وتواظب33وا على الص33مود ،تقذف بكم العواص33ف بعي ً3د ا،
وتتناثرون كأوراق اخلريف.
لقد مشلكم اهلل حبفظ33ه حىت الي33وم ،أس33أله تع33اىل أن ي33دمي حفظ33ه عليكم ..إذا بقيتم على هذ اإلخالص
والتج 33 3رد ،على هذا األداء الرفي 33 3ع والس 33 3لوك العمي 33 3ق ،واإلميان هبذا “اُحللم الغاي 33 3ة” ،والثب 33 3ات علي 33 3ه
والتمس33ك ب33ه ،ف33إن اهلل س33يقابل ك33ل خطوة إلي33ه خبطوات ،س33يقابل املش3ي إلي33ه باهلرول33ة ..تص33نعون ش33يًئا
حبجم قطرة فيجعلها عشر قطرات ،بل مائة قطرة حسب إخالصكم وعمق نيتكم.
عن أنس بن مال3ك وأيب هري3رة -رض33ي اهلل عنهما -عن الن3يب -ص33لى اهلل علي3ه وس3لم -فيما يروي3ه عن
ِم ِذ ِذ ِش
ربه -عز وجل -قال« :إذا َتَقَّر َب العبُد إَّيل ْبًر ا َتَقَّر ْبُت إليه َر اًعا ،وإذا َتَقَّر َب إَّيل َر اًعا َتَقَّر ْبُت ْن ُه
َباًعا ،وإذا أتاين ميشي َأَتْيُتُه َه ْر َو َلًة».
من تقَّر ب إىل اهلل بشيء من الطاعات ولو قلياًل قابله اهلل بأضعاف من اِإل ثاب3ة واِإل ك3رام ،وكلما زاد يف
الطاعة زاده يف الثواب ،وأسرع برمحته وفضله،
احرصوا على العمق يف العبودية ،أعطوا اإلخالص عناي3ة خاص3ة ،اإلخالص مينح العمَق قيمَت ه احلقيقي3ة.
ذرة من عمل خالص َتفُضل أطناًنا من عمل بال إخالص ،هكذا يقول األستاذ النورس33ي .حتّر وا مرض33اة
اهلل يف أعمالكم ..إن رض33 3ي عنكم وقِب ل بكم واقتضت حكمت33 3ه ذل33 3ك ،يوّج ه قل33 3وب الن33 3اس إليكم
بالقبول ،حىت وإن مل تطلبوا ذلك .لتكن غايتنا األساس يف هذه اخلدمة املباركة حتقيق مرض33اته س33بحانه
ال غري .األمر مكفول بعناية اهلل ،فعلينا باجلد واإلتقان ،وعلينا كذلك باإلخالص والتجرد.
19
أمل يقل فخ33ر اإلنس33انية علي33ه الص33الة والس33الم ليبلغّن هذا ال33دين ما بل33غ اللي33ل والنه33ار؟ لقد أث33ىن القرآن
على هذه األمة املبارك 33ة (ُك ْنُتْم َخ ْي ُأَّم ٍة ُأْخ ِر َج ْت ِللَّن اِس َت ْأُم وَن ِب اْلَم ْع وِف َو َتْنَه ْو َن َعِن اْلُم ْنَك ِر
ُر ُر َر
َو ُتْؤ ِم ُنوَن ِباِهلل)(آل عمران .)110:ي3ا أمة حممد! أنتم خ3ري أمة أخ3رجت حلمل الن3اس إىل اخلري ،حتّثون
على الص33 3 3دق واجلمال وف33 3 3ق األص33 3 3ول الص33 3 3حيحة وتنش33 3 3روهنا ،تس33 3 3عون إىل من33 3 3ع الش33 3 3ر واالحنراف
والسيئات ..تفعلون ذلك بدافع إميانكم.
أج3ل ،بع33د أن ُذك33ر املن3افقون بأوص33افهم ،ج3اء ذك3ر املؤمنني هبذه اخلص33ال الرفيع33ة .كث3رية هي األماكن
ال33 3يت ُذك33 3ر فيه33 3ا املؤمن33 3ون وّمُحل33 3وا مهمة نش33 3ر احلقيقة وإبع33 3اد الن33 3اس عن املس33 3اوئ .س33 3تقومون هبذه
املس33ؤولية ..هذا أمر ال ب33د من33ه ،هذا من األص33ول األساس33ية .أما األس33لوب فعليكم أن تضبطوه وف33ق
املبادئ اليت أرساها اجملتهدون ،ووفق الكليات اليت وّض حها اجملددون الذين يبعثهم اهلل يف كل قرن.
ال ت 33دمروا األص 33ول والث 33وابت بس 33وء أس 33لوبكم ..حذار أن خترق 33وا األص 33ول بأخطاء أس 33لوبية .هذا
موض33وع يف غاي33ة األمهي33ة .احرص33وا على أن حتتكموا إىل العقل املش33رتك .تش33اوروا فيما بينكم ،قول33وا
“هناك مسألة ،لكّن عْر َض ها قد يثري ردة فعل الناس ،فكيف نعرب عنها يا ترى؟”.
هذه من ال 33ديناميات األساس 33ية ال 33يت حتاف 33ظ على حي 33ويتكم ..وهن 33اك أمر آخ 33ر ،وهو أن تقدموا تل 33ك
احملاسن يف معارض خمتلفة ،تقدموهنا سلوًك ا وحاًال وامتثاًال للناس أمجعني ..ليست الع33ربة بك33ثرة الكالم
على املن33ابر ،األص33ل أن تتمثل33وا “إذا ُر ؤي ُذك33ر اهلل” .هذه من الس33مات الب33ارزة ل33دى العظماء يف علم
الرجال .من إذا رأيته ذّك رك باهلل ،هذا هو املؤمن احلق.
ي33ا من إذا س33جد جتلى اهلل ،قي33ل هذا يف س33يدنا رس33ول اهلل ص33لى اهلل علي33ه وس33لم .القرآن الك33رمي يص33ف
تقّلباته أثناء السجود ،يقول تعاىلَ( :و َتَق ُّلَب َك يِف الَّس اِج ِد يَن ((الش3عراء .)219:إن3ه س3بحانه وتع3اىل ي3رى
كي33ف تتقلب وس33ط الس33اجدين لكي تقوم مبهمة العبودي33ة على أكمل وج33ه ،ي33رى كي33ف جُت ه33د نفس33ك
لكي يك33ون هؤالء الس33اجدون عب33اًدا هلل حًّق ا .من ي33راكم على هذه احلال من االحرتاق سيتس33اءل “ما
القصة؟ ملاذا أنتم هكذا؟” هذا السؤال فرصة للتعبري عن قضيتكم ،فرصة لتوض33يح س33لوككم أو ش33رحه
أو وضع حاشية عليه ..فرصة ذهبية للحديث عن احلقيقة ،وهذا هو املطلوب.
(*) الرتمجة عن الرتكية :نوزاد صواش .هذه النصوص مرتمجة من دروس األستاذ اخلاصة.
20
سلوك المحتسبين
األصل أن جُن ِّم ع طاقتنا ونبذهلا يف مشاريع صاحلة نافع33ة .وحذار من التش3تت والتبع33ثر .فاإلنس3ان حمدود
الطاقة واملقدرة ،حمدود التفكري والفهم ،حمدود املنطق واالستيعاب… فإذا ما تناثرت ّمهته هنا وهن33اك،
يص 33اب باإلرهاق ويتعّث ر يف القي 33ام مبهامه الضرورية ،ورمبا يفش 33ل يف القي 33ام هبا متاًم ا .ومن مث اعمل 33وا
وسِّددواُ ..أعِج ب الناس بص33نيعكم أم الَ .ر َّح ب33وا بكم أم َعَبس33وا يف وج33وهكم… ينبغي أّال نلتفت إىل
ذل33 3كِ .لَنُك ن ماء يف الص33 3حارى القاحل33 3ة… ولنت33 3دفق سلس33 3بيًال كاألهنار… وإْن ع ّ3 3د ها بعضهم ًّمُسا
وأعرض عن شرهبا ،ال نيأس.
ِلَنُك ن تراًب ا حتت األق 33دام دائًم ا؛ كْن تراًب ا ،كْن تراًب ا حىت ُتنبت ال 33وروَد… ِلَنُك ن تراًب ا ،تراًب ا خص ً3با
معطاء… بعضهم قد ُيِع ّد ذل3ك ال3رتاب ق3احًال فُيحجم عن ن3ثر الب3ذور ،ال ض3ري… لننُثر ك3ل ما منل3ك
يف تل33ك األرض الطيب33ة ،وال يعنين33ا َأَر عاها من بع33دنا أحد أم الِ .لَنُك ن غماًم ا يش33مل الن33اس بظالل33ه ،مث
يتقاطر غيًثا منهمًر ا على رؤوس33هم ،وال علين33ا أن ننش33غلَ ،أق33اموا س33دوًد ا لالس33تفادة من ذل33ك الغيث أم
مل يقيموا؟ ِلنص3دح ب3أقوى األلفاظ وأع3ذب األحلان ،ول3و سّ3د وا آذاهنم أو أغمضوا عي3وهنم إعراًض ا ،ال
نبايل… ِلَنْس ع دون ملل إىل إمساعهم أعذب األحلان بأعذب العبارات وأرق األلفاظ.
ِلَنْر فع القلَم ونكتْب به عبارات مص3بوغًة ب3اإلخالص ،ملون3ة ب3اإلخالص ،مزخرف3ة ب3اإلخالص ،مطبوع3ة
باإلخالص… وْلَتُك ن مرض3اة اهلل روح تل3ك العب3ارات… وال يعنين3ا َأأْثىن بعضهم عليه3ا أم ال .ف3إْن مل
ُيقب33ل عليه33ا الي33وم أحٌد فس33وف حيتضنها أجي33ال الغ33د املنص33فونِ .لَنُك ن حنن تراًبا تطؤه األق33دام… ِلَنْب ق
ُنعِّفر وجوهنا بالرتاب… وال نبايلَ ،أَعَر فوا َقْد َر نا أم مل يعرفواِ .لَنْن ثر الب3ذور ،وال نب3ايل حىت ل3و زعموا
أهنم ُه ْم الزارع 33 3ون… ِلُنْنش 33 3ئ س 33 3دوًدا َتس 33 3قي أراض 33 3يهم ،وال نب 33 3ايل ول 33 3و ق 33 3الوا عن أنفس 33 3هم “حنن
املنشئون” .فالقول ال َيعنينا ،ألّن املهم هو القيام مبا ينبغي إكراًم ا لإلنسانية.
ق 33د تب 33دو هذه املع 33اين -ألين تفَّو هُت هبا -متعِّثرة ش 33احبة متهافت 33ةِ ،م ْثلي متاًم ا ،لكنه 33ا يف أص 33لها ن 33داء
األنبي3اء وأنفاس3هم يف ك3ل زمانَ( :و َم ا َأْس َأُلُك ْم َعَلْي ِه ِم ْن َأْج ٍر ِإْن َأْج ِر َي ِإَّال َعَلى َر ِّب اْلَع اَلِم َني )… ال
نري33د منكم ج33زاء… َفَعْلن33اَ ،أَجْنْز ن33اَ ،أَقْم ن33اُ ،قْلن33اَ ،م َّه ْد نا ،كن33ا تراًب ا ،بَّلْغن33ا رس33الةَ ،نَش رنا احلقَ ،خ َد منا
احلقيقة… ال نريد منكم مقابل ذلك ولو مثقال ذرة.
21
األس 33تاذ ب 33ديع الزمان ي 33ذكر قص 33ة حبيب النج 33ار يف س 33ورة يس ،وال 33يت قي 33ل إهنا وقعت يف أنطاكي 33ا،
والروايات تقول إهنم رُس ُل عيسى -عليه السالم …-يأيت رسوالن مث يلحق هبما ث33الث .يقول حبيب
النج3ار( :اَّتِبُع وا َمْن َال َيْس َأُلُك ْم َأْج ًر ا َو ُه ْم ُمْه َتُد وَن ) .هؤالء وج3دوا الطري3ق ،إهنم على هدى ،وهم ال
يطلب33ون منكم أج ً3ر ا ..إن ك33ان الب33د من االتب33اع ف33اتبعوا هؤالء… اتبع33وا من ال ينتظ33ر منكم ش33يًئا ،ال
يطمع يف ش33يء عن33دكم .وال تتبع33وا من حيِّدق فيكم طمًع ا يف ثن33اء أو تص33فيق أو متّل ق مقاب33ل مع33روف
أس33داه إليكم… أو يس33عى إىل ملء أكياس33ه وخزائن33ه ب33أموالكم لقاء إحس33اناته إليكم… ولكن اتبع33وا
هؤالء… اتبعوا األنبياء العظام… اتبع3وا ورثَتهم املخَلص3ني ك3أيب بك3ر ،وعمر ،وعثمان ،وعلي رض3ي
اهلل عنهم وأرض 33 3 3 3اهم أمجعني آالف املرات… اتِبع 33 3 3 3وا من س33 3 3 3ار على درهبم ك33 3 3 3اجليالين ،والش33 3 3 3اذيل،
ومص3طفى الص3ديق البك3ري ،وحممد هباء ال3دين النقش3بندي ،واإلمام الرب3اين ،وخال3د البغ3دادي ،والش3اه
ويل اهلل ال33 3دهلوي ،وب33 3ديع الزمان النورس33 3ي ،وَم ن تبعهم بإحس33 3ان من جنوم اهلدى… هؤالء ف 33ارقوا
ال3دنيا كما ج3اؤوا إليه3ا؛ ليس معهم س3وى الكفن .ومل يوِّر ث3وا من مت3اع ال3دنيا ول3و مثقال ذرة .هؤالء
هم من ُيقتدى هبم… هؤالء عّد وا الدنيا حمطة عابرة… قال سيد املرسلني“ :ما يل وللدنيا؟ ما أن3ا يف
ال33دنيا إال ك33راكب اس33تظل حتت ش33جرة مث راح وتركه33ا”؛ ال عالق33ة يل هبذه ال33دنيا ،إن ص33ليت هبا ص33لة
مسافر جلس حتت شجرة ريثما يلتقط بعض أنفاسه مث غادرها.
اتبع33وا من ك33ان على هذه الش33اكلة ،اتبع33وا من يعيش عيش33ة كه33ذه… من اقت33دى هبم ال خيس33ر أبً3د ا…
ِلُنُك ِث ر من العمل الطيب ،وِلَنْنش 33ر اخلري والص 33الح… مث ال ننتظ 33ر مقاب 33ل ما ب 33ذلناهَ .ذَك ْر ن 33ا يف أحد
ال33دروس إذا ص33نعَت معروًف ا أو تصّ3د قَت ،أو زّك يَت ،أو أحس33نَت إىل أحد ،أو وهبَت أحًد ا منزًال ،أو
مّه دَت طريًق ا… فال ُتبطل هذا باملّن قوًال أو فعًال أو إشارة أو حىت بتعبريات وجه33ك وأنت تنظ33ر إلي33ه
وكأن33ك تقول :أمل ُأَم ِّه د ل33ك طريًق ا؟ أمل أؤس33س ل33ك بيًت ا؟ ..إن فعلَت ،فقد ص3رّي ت عمل33ك رديًئ ا بال
قيمة.
قيمة العمل مرتبطة خبل33وه من املّن .يقول تع33اىلَ( :ال ُتْبِط ُل وا َص َد َقاِتُك ْم )؛ ال تبطل33وا ما تقِّدمون33ه رمًز ا
لص3دقكم ،وبوض3وح أك3ثر ،ال تبطل3وا ما يعرّب عن ش3هامتكم ويرمز إىل ِص ْد قكم جهً3ر ا أو تلميًح ا على
س 33بيل املّن ة واإلحراج .وك 33ذلك التبلي 33غ ال تعّر ض 33وه ملص 33يبة املّن ة ،وال انطالقكم هبذه الرس 33الة إىل أحناء
الع 33امل ،وال انفت 33احكم إىل أك 33ثر من 150دول 33ة ،أو تأسيس 33كم ألك 33ثر من أل 33ف مدرس 33ة… ب 33ل كلما
اهنمرْت عليكم الِنَعم الرباني 33 3 3ة ك 33 3 3الغيث ،وبّللتكم من أعلى رؤوس 33 3 3كم إىل أمخص أق 33 3 3دامكم احنن 33 3 3وا
كالغص 33ن تواضً3 3عا .هذا هو مقتضى الش 33عور ِبِنَعم اهلل ومقتضى إدراك مواهب 33ه الواس 33عة؛ أْي االحنن 33اء
22
والس 33جود تواض ً3عا… هذا االحنن 33اء اع 33رتاٌف ب 33أن هذه الِنَعم ليس 33ت ِم َّن ا ،إمنا هي من 33ه س 33بحانه .هذه
الروح ،روح النذر ،هي احملّر ك األكرب ألولئك ال3ذين ن3ذروا أنفس3هم خلدمة القرآن .وجيب على هؤالء
الن3اذرين أّال يتخل3وا عنه3ا أبً3د ا .شخصًّ3يا مل أس3تطع أن أك3ون ك3ذلك ،وال أمل3ك اهلَّم ة ل3ذلك ،ولكنكم
بإذن اهلل وعنايته ولطفه ورعايته ستحققون ذلك.
اللهم َأِفْض علينا من َعوارف املعارف… أفض علينا نعمك املش3رقة الوج3وه ومواهب3ك النضرة املالمح
غيًثا مدراًر ا يغشانا من رؤوسنا إىل أقدامناُ .ص َّبه اللهم علين3ا صًّ3با ،فنحن فقراء ال يش3بعون ،وإزاء ك3ل
لطف من لدنك “هل من مزيد” يهتفون.
(*) الرتمجة عن الرتكية :نور الدين صواش .هذا النص مفَّر غ ومرتجم من دروس األستاذ الشفوية.
كن شمًس ا
كن مشسا ،اْس َتفاد منها الناس أم مل يستفيدوا ،فال ضري ..كن ماء ،شرب منها الناس أم أعرضوا عن
شرهبا ،فال تيأس ..كن تراًباَ ،نثر الناس البذور يف جوفه أم مل ينثروا ،فال تبايل ..كن شجرة مثمرة،
استظل الناس حتت ظلها أم مل يستظلوا ،فال عليك ..املهم أن تكون ..أن تكون موجوًد ا ..وإْن
انصبغَت باالحِّم اء كنَت الرابح ..على اإلنسان أن يفعل مبحض إرادته ما جيب فعله يف سبيل غايته
املثلى ،وميضي حبماسة متقدة إىل مهمة آخرى دون انتظار احلصاد ..فاألساس هو العمل الطيب ،مث
املضي دون االلتفات إىل الوراء .انُثْر البذور يف األرض ،وْليحصد من حصد بعدك.
ال تقل "ال بد أن أقوم باحلصاد أنا ..ال بد أن أنال اجلائزة أنا ..ال بد أن يثين الناس علّي أنا ..ال بد
أن يقِّدروين أنا" ،إمنا قل "ال أريد شيًئا مقابل ذلك ولو مثقال ذرة".
إن العمل دون مقابل خيفف ْمِحل اإلنسان .بينما العمل طمًعا يف الثناء أو التصفيق هو ذل وإهانة
لكينونته .وعلى اإلنسان أّال متد يده متسِّو ًال وطالًبا أجره من اآلخرين ،ألنه خملوق عزيز مكَّر م .ومبا
أن اإلنسان من الُص نع اإلهلي ،فإن سؤَله من غري اهلل إهانة لُص نعه تعاىل.
23
لقد ُخ لق اإلنسان عزيًز ا وال جيدر به أن ميّد يده إىل خملوق مثله ..عليه أن يطلب فقط من خالقه ..إذا
ذهبَت إىل اآلخ33رة وِص لتك باهلل قوي33ة ،فه33ذا يكفي33ك وزي33ادة ..فال حاج33ة ل33ك يف دعم اآلخ33رين أب ً3د ا.
ولعل هذه أهم ميزة لألرواح اليت نذرت نفسها خلدمة اإلنسانية.
------------
(*) هذه النص33وص مرتمجة من دروس األس33تاذ فتح اهلل ك33ولن اخلاص33ة .الرتمجة عن الرتكي33ة :هيئ33ة حراء
للرتمجة.
اإلنسان مرآة
إذا مل نستطع أن نعرب عن ذاتنا بصدق ،فسيصبح انتظار تغري اآلخرين ال معىن له .اإلنسان هو املرآة
الوحيدة اليت تستطيع أن تعكس جتليات الذات اإلهلية بأمسائها احلسىن وصفاهتا السبحانية؛ ولذلك
فعالقتنا جتاه اإلنسان تعين عالقتنا بصنعة اهلل فتلك العالقة معيار لكمال احرتامنا هلل تعاىل.
وألننا مل نعرب جبد عن قيم اإلسالم ،فاآلخرون يرون اإلسالم على غري حقيقته ،فهناك سيل من
املشوشات السوداء ..انظروا ،سرتون هذا السيل األسود حولكم يسود وجوه املسلمني .يقول النيب
َ" :ليبلغَّن هذا األمر ما بلغ الليل والنهار" (رواه أمحد) ،أي سيصل االسم احملمدي لكل مكان تطلع
عليه الشمس .قولوا يل ،أمل تنتشروا يف ربوع األرض ويف كل مكان تطلع عليه الشمس؟ من جهة
ميثل هذا اهلّم تطهري ألرواحنا ،ومن جهة أخرى يسوقنا إىل غاية علوية شريفة لنخدم فيها.
فهي حياة قلبية جديدة تتمـثل يف اإلميــان بـاهلل ،وبريشة معرفة اهلل الضاربة على القلب أثناء سرينا..
ويف الطريق إىل اهلل سنجد أنفسنا يف كل خطوة خنطوها ،تتجلى لنا حزمة من أطياف املعرفة الواردة
على قلوبنا .لكن إن توقفنا يف مكاننا واكتفينا باملوجود فسيعرب هذا عن قلة مهتنا ،وكاألشجار اليابسة
يف مكاهنا سنكون ،وما رآه اآلخرون منا باألمس ،جيب أن يشاهدوا غريه اليوم .حنب أن نقدم هلم
أمًر ا خمتلًف ا وجديًد ا ،حىت ينجذبوا إىل ما نقدمه ،وباجنذاهبم سيصلون إىل اهلل وإىل أفق النجاة.
أما عن عالقتنا مبن هو أقرب من أنفسنا منا ،فيجب أن نعيد تأسيسها ،جيب علينا أن نتجاوز ُبْع دنا
عنه حىت حنظى بالقرب منه جل وعال .وما دام هو َنَثرنا يف األرض كالبذور ،فيجب أن نتمثل حال
24
البذور يف ارتقائها ومنوها ..وما دام زرعنا يف خمتلف أحناء العامل ،علينا أن ننبت الثمار النافعة .اللهم
خذ بأيدينا ،فبدونك حنن ال شيء.
------------------
(*) هذه النص33وص مرتمجة من دروس األس33تاذ فتح اهلل ك33ولن اخلاص33ة .الرتمجة عن الرتكي33ة :هيئ33ة حراء
للرتمجة.
حوار مع النفس
علي ِ3ك أن تك33وين مث33ل الغي33وم ،وُحَتويل دون حرارة الش33مس احلارق33ة ،وأن تك33وين مث33ل األمطار الغزي33رة
اليت هتطل من دون تعلق باملواسم ف طفئ هلي كل أحد وكل شيء ..وكوين -على األقل -مث33ل رذاٍذ
َب ُت
ُي رِّبت على احلدائق والبس 33اتني ،والس 33فوح والُّر ب 33ا ،واجلب 33ال والتالل ..فرِّب يت أنِت أيًض ا على القل 33وب
واألرواح القاحل 33ة ،وك 33وين ورًد ا للماء الع 33ذب املفت 33وح لك 33ل أحد ،حىت س 3دائ ا يف فضاءاتِك
ُي َمَع ًم َم
أصواُت األباريق واِجلَر ار ،وْلتجِد القلوُب احملرتقة بنار احلسرات ض33الَتها يف حميطِك ،وْلَتْنَف ْد ِم داد أقالم
ص33يادي األق33وال احلكيمة ،ولُتص33بْح املش33اعُر الرائعُ3ة ال33يت تتل33ون هبا ص33حائف الكتب مزامَري الروحانيني
كلما فتحِت فاك ِلتبوحي بإهلاماِت روِح ك.
25
ومهما َش َح َذ الغي ُ3ظ والغضُب واحلقُد والكراهي ُ3ة خن 33اجَر هم وهامجوا ك 33ل من يالقون 33ه ،ودمروا ك 33ل
ش 33يء ،فْلتك 33وين أنِت حاميً3 3ة محيمة لكِّ3 3ل من يل 33وذ بِ3 3ك ممن ال مك 33ان هلم وال مأوى ،مبن فيهم تل 33ك
األرواح اهلائجة ،وال ختِّييب رجاَء َم ن ُيهَر عون إىل وصايتِك .
وكما هو احلاُل الي 33وم ،فح 33ىت يف األوق 33ات ال 33يت خيِّر ب فيه 33ا عفاريُت األفك 33ار املتمردة كَّ3 3ل الطرق،
ويه33دمون ك33ل اجلس33ور اجلامع33ة بني أبن33اء أمتن33ا ،عليِ3ك أن تبيِن -مبا ل33ديك من احملب33ة والتس33امح وهيج33ان
القلبُ -طُر ًقا وجسوًر ا معنويً3ة ،وحتاويل الوص3ول إىل مجي3ع النقاط ال3يت تس3تطيعني الوص3ول إليه3ا ..وال
تتع33ثري بالتعامل مع اآلخ33رين مبث33ل ما ع33املوك ،وعلي33ك أن تتص33ريف مبا تقتضيه طبيع33ة املس33لم حىت ول33و
أفضى ب ِ3ك إىل املوت ..وأن حُت ِّو يل ما ُترَش قني ب33ه من احلج33ارة إىل أن33وار ،وكأن33ك ُتقِّدمني ملن حول ِ3ك
ُعروًض ا من األلعاب النارية ،كشأن النيازك اليت ترتطم بالغالف اجلوي فتتحول إىل أض3واء ..وأن تلِّي ين
كَّ3 3ل ما يتص 33اعد حول 33ك من األص 33وات الص 33اخبة حبَّدة وش 33دة ،فتص 33نعي منه 33ا باق 33اٍت من احملب 33ة ،وال
تتفَّو هي قطًعا ال عن وعورة الطريق وال عن انغالق اجلسور ،حىت ال حُت ِّر كي فريوسات األحقاد املاضية
وكراهيتها.
إن هذه الطريق هي طريق األنبياء ،وهي َأْمُنَت جسٍر للعبور إىل مستوى اإلنسان الكامل ..إهنا طريق مل
تتعثر بأحد ممن ساروا عليها إىل يومنا ،كما أهنم مل يغريوا موقفهم جتاه ما القوه من وقاحة أو فظاظ33ة.
واحلُّق أنه إذا كان اإلنساُن واعًيا بـ”إنسانيته” ،فلن تؤثر أش3كاُل احلقد والكراهي3ة والوقاحة وال غريها
من مظاهر الَف جاجة ،على اجتاه تفكريه وال َم واقفه ..وهذا ما ينبغي أن يكون.
ص 33حيح أن هن 33اك مس 33لمني حيي 33دون عن الطري 33ق عن 33دما يتعرض 33ون لبعض الص 33دمات ،إال أن هؤالء من
األرواح الفج33ة ال33يت مل هتدأ أمواُج مش33اعرها وأفكاِر ها ومل َتص33ل إىل ق33رار ووق33ار ،وإن33ين ال أتوق33ع من
هذه األرواح اهلزيل 33 3ة أن تنفع اآلخ 33 3رين بش 33 3يء ..وأمث 33 3ال هؤالء مل خيرج 33 3وا عن إص 33 3دار الص 33 3خب
والضجيج جتاه خمتلف األحداث ،وكأهنم طبوٌل ُتقَر ع ،وهذا من أهم أس3باِب كث3ري من الش3جار الواق3ع
بني الناس يف هذه األيام.
إن االمنح 33اء والتواض 33ع واحللم ،هو حال دائم ل 33دى األش 33خاص الناض 33جني الوق 33ورين .ومهما ك 33انت
األوض33اع ،ف33إن أمث33ال هؤالء يف العمق مث33ل الس33ماوات ،ويف الس33عة مث33ل البح33ار ،ويف اهليب33ة والرس33وخ
مث33 3ل اجلب33 3ال الش33 3وامخ ،ويف التواض33 3ع مث33 3ل ال33 3رتاب؛ فال هم يت33 3أثرون مبا جيري حوهلم ،وال يتعك33 3رون
مبختل33ف االختالطات ،وال يرض33خون للعواص33ف ،ب33ل يضعون وج33وههم على األرض وحيتضنون ك33ل
26
ش 33يء وكَّ3 3ل أحد ..فهم كال 33ذهب ال 33ذي ذاب وغلى وبل 33غ إىل ص 33فاء اجلوهر ،فل 33و ُو ض 33عوا يف أف 33ران
ُتذيب اجلرانيت َلَم ا تغريْت طبيعتهم .لقد احرتقوا وأص3بحوا رماًد ا ،فلم يع3ودوا يت3أثرون بأي3ة ن3ار ،ولن
يستسلموا ألية مجرة ،وبالفعل فلن جتد من يتصدى حلرق الرماد وإذابة الذهب اخلالص يف البوتقات.
أيتها النفس! ينبغي لك أن تشعري يف أعماق ضمريك هبموم كل أحد ،حبيث ال َيتوقع أحد منك فوق
ذل 33 3ك ،وأن تش 33 3عري ب 33 3آالمهم يف دواخل 33 3ك وتبكي ،حبيث جتف حياهلا دموع العي 33 3ون الباكي 33 3ة ،وأن
تتحرقي ِم ن أْج لهم حىت ينسى كُّل ا عانني آالَم هم جتاه هذا الذي اكتوى كبده من املعاناة.
ُمل
فالسعيد الذي اختذ موقفه طبًق ا هلذا األفقُ ،يعترَب ُمدِر ًك ا -يف نطاق شخص33ه“ -ليلَ3ة ق33دٍر ” يتجلى فيه33ا
كُّل أنواع اجلمال اليت تفوق حدود تصوره ،وُيْذ َك ُر يف األرض والسماء مبقام“ :خليفة اهلل”.
إن الطبيع33 3ة اإلنس33 3انية حتت33 3وي على الس33 3رور واحلزن مًع ا ،فال33 3ذي يس33 3تطيع أن َيس ُ3 3ج ن احلزن يف قفص
اإلرادة ،وُيطل َ3ق س33راح محامة الس33رور لتحِّل ق إىل أقص33ى ما ميكن أن تطري إلي33ه ،هو اإلنس33ان الكامل،
وهو من ج 33انٍب “س َّ3ج اٌن ” ،ومن ج 33انٍب آخ َ3ر “مريِّب طي 33ور”؛ يرب 33ط ما يرب 33ط ويس ِّ3ر ح ما يس ِّ3ر ح.
أج33ل ،إَّن َقْطَعن33ا لص33وت أهوائن33ا ونزواتن33ا باس33تخداِم إرادتن33ا؛ بس33الٌة وإق33دام ،وَفْتَح ن33ا لقلوبن33ا حبيث تَس ع
لتستضيف اجلميَع ؛ شجاعٌة ومروءة.
أيتها النفس! َتصَّر يف دائًم ا بشجاعة ،واحرصي على التحلي باملروءة ،واس33تخدمي وج33دانك كاحملك يف
انتقاد ذاتِ3ك ،وتبَّس مي يف وج33ه اجلمي33ع بوجه33ك الش33احب املص3فِّر وكأن33ه ذهٌب َتَص َّفى يف الَبوتقات..
وإذ تتبس33مني لك33ل أحد فح33ذاِر أن هُت ملي التعامل معهم مث33ل ص33ريٍّيف ِخ ِّر يت ،ف33أنِت مباهيت33ك مس33تعدٌة
لكل هذا ،فُأوىل مغامراتك يف السماء أوضُح دليل على ذل3ك ،فبينما ك3انت املالئك3ة هتّز مه33دك وت3رتمن
ل33ك بتهوي33دات الغبطة والس33رور؛ ك33انت الش33ياطني تقوم ب33دوِر “ض33ارب الن33اقوس” يف مراس33م احلس33د.
فمنذ أول أيامِك القيت حسًد ا رهيًبا إىل جانب ما وقع عليك من نظرات اإلعجاب والتقدير؛ ولس3ت
أدري هل أص 33 3ابتك العي 33 3ون أم ال؟ ولكْن أص 33 3ابْتِك حال 33 3ة من التع 33 3ثر وإن كنِت ق 33 3د حَّلقِت يف هناي 33 3ة
املطاف ،و ا مددِت ي33دِك إىل الش33جرة احملظ33ورة وأخطأِت يف اجته33ادك حول تع33يني وقت اإلفطار -
َّمل
عل ا بأن هذا من باب سيئات املقربني -إذا بِ3ك تفتحني عيني3ك يف س3جن ال3دنيا ..ال ،ال ..ب3ل رأيتِ3ك
ًم
يف أحضان األرض اليت ستحتضن “حضرة أمحد” .وقوُل الشاعر “حممد لطفي”:
27
يشري إىل ُأوىل الثمرات احللوة لَقَد رِك احلامض.
أجل ،إنِك لو بقيِت يف اجلنة لبقيِت مثل شجرة غري مثمرة وغري قابلة للنمو .وما ك3ان ل3ك أن تش3عري
قط مبا متلكينه من الثروة الكامنة ،يف حني أنك عندما فارقِت اجلن3ة ونص33بِت خيمتِ3ك يف ال33دنيا ،حتَّو لْت
هذه البالُد ا ِرت بة املغَّربة إىل بس3تان لل3ورود ،وأص3بحْت هذه ال3ديار ال3يت ك3انت منفاِك ،رياًض ا وبس3اتني
ُمل
ت 33رتعرع هبا األنبي 33اء واألولي 33اء ..وأخ ً3ريا حتولْت غبطُة املالئك 33ة كلًّي ا إىل تقدير وتبجي 33ل ،وع 33اد حس 33د
الشياطني مثل حربٍة خلصت إىل حنورهم هم.
واآلن تع 33اْيَل ،لَتَض ِعي ِقَيمِك حتت احلماي 33ة ،وُتَر ِّك ِز ي على اس 33تثمار هذا املنفى -ال 33ذي ُيعترَب طريًق ا
للقرب من اهلل -على أحس33ن وج33ه ،وال َحُتِّو يل وس33ائَل التقرب إىل اهلل ،إىل أس33باب لالبتع33اد عن33ه ،وال
تفِّر حي الش33يطان ال33ذي هو خص33مِك األب33دي ب33الوقوع يف ِش باك الكراهي33ة والبغضاء والغي33ظ واحلرص
واحلسد! ولو أنك أخطأِت يوًم ا ما ،ووقعت دون املس3توى ،ف3افعلي كما فع3ل الن3يب آدم علي3ه الس3الم؛
وانتص33 3يب قائمة ،واس33 3تفيقي واع33 3رتيف جبرميت33 3ك ،وت33 3وجهي حنو ب33 3اب احلق املفت33 3وح دائًم ا ،وال متنحي
أخطاَءك حّق احلياة ولو لدقيقة واحدة .وإذا كانت طبيعتِك البشرية ق3د فس3دْت بال3ذنوب فَأحييه3ا مرة
أخرى بإكسري التوبة ،واجعليها تقف على أقدامها لتعود إىل رهبا حبماس جياش ،وإذ تقومني هبذا كل33ه
فت33ذكري أن طبيع33ة ك33ل البش33رية مثُ3ل طبيعتِ3ك ،وأهنم ق33د يقع33ون يف مث33ل ما وقعِت في33ه من األخطاء..
واْلَتِمِس ي املعاذير لكل املخطئني ،بل إذا استطعِت فأشفقي عليهم ،ألهنم ُغلبوا واهنزموا أمام نفوس33هم،
احتضِنيهم وس3اِعديهم ..وحذاِر أن تقفي من اآلخ3رين موق3ف احملاِس ب على ذن3وهبم وتنش3غلي بأخطاء
هذا وذاك ،وإن ك 33ان ي 33روق ل ِ3ك االهتمام باألخطاء ،فاس 33تخدمي هوايت 33ك هذه جتاه أخطائ 33ك أنت،
حىت ال ُينسَيك “أدرانك الكبريَة” ما لدى العاملني من األوساخ الصغرية.
ُم ِّر ي بالن3اس كلما مررِت هبم مث3ل النس3ائم ال3يت حتمل ش3ذى ال3ورود! وْلَتُفح رائحتِ3ك من الطرق ال3يت
ُمَتِّر ين هبا عبًق ا عبًق ا ،واحرتقي مث3ل الش3موع وذويب ،وأن3ريي اآلخ3رين ،ولكن ال َتن3وطي هذه التضحية
الك 33ربى مبص 33احلِك اخلاص 33ة ..وُدوري مث 33ل ال 33دواليب وأطلقي األَّن ات ،وَأطِف ئي ن 33ريان مجي 33ع القل 33وب
احملرتق 33ة ،وال ُتَف ِّك ري بنفس ِ3ك بتاًت ا ،واحرتقي مث 33ل ا بخ 33رة ش 33يًئا فش 33يًئا وهبدوء لتنش 33ري فيما حول 33ك
َمل
الروائح الطيب3ة ،ولكن ال تش3تكي من حال3ك ،وك3وين ناكس3ة ال3رأس ك3ل حني ،وال جتعلي ما َح ب3اك ب3ه
احلُّق من األلطاف وسيلة للتفاخر جتاه اآلخرين ،بل اعت3ربي مث3ل هذه األلطاف مبثاب3ة عرب3ون مينح3ه اهلل
للمحتاجني ،وكوين خِج ل3ة بس3بب أخ3ذِك األج3رة مقَّد ًم ا ..إن3ك إن ربطِت جه3ودك وخ3دماتِك بتوج3ه
اآلخ33رين من منطل33ق أن33ك تس33تحقني ذل33ك مقاب33ل خ33دماتك وجه33ودك ،فإنِ3ك س33تبدئني بتوق33ع االلتفات
28
منهم ،وهذا داء عضاٌل ِم ن شأنه أن ُينِّفر عنِك كل أحد ،وإذا أص3ررت على ذل3ك فإنِ3ك س3تتلَّقنْي ك3ل
يوم صفعاٍت متتاليًة ،على عكس ما كنِت تتوقعني ،وسُ3تَبِّعدين عن3ك الن3اس ..وإن كنِت تري3دين راحة
الب 33ال فهي يف االس 33تغناء والتواض 33ع واالمنح 33اء والقناع 33ة ..وأما ال 33ذين يس 33تعظمون أنفس 33هم ،ويتومهون
امتالكهم لقدرات خارق 33ة ،وينتظ 33رون من ك 33ل أحد توجًه ا إليهم والتفاًت ا ،ويقومون ويقع 33دون يف
حرص وتبخ 33رت ،فس 33يكونون يوًم ا ما ،ض 33حايا لالض 33طرابات الروحي 33ة ول 33و ك 33انوا يف طري 33ق الطمأنين 33ة
والسالم.
أيته 33ا النفس! إن كنِت جريئ ً3ة وجس 33ورًة فعًال ،فابص 33قي يف وج ِ3ه ما يف داخل 33ك من الع 33داء ،واطردي
اخلذالن من باب33ك ،وُدوس33ي على رأس الظلم ،واقطعي أنفاس الوقاحة ُم نطلقًة من الش33عور بأن33ه تع33اىل
حاض33ر يف ك33ل مك33ان ..واكبحي مجاح ن33وازع اخلطاي33ا عن طري33ق اإلميان باالنتقام اإلهلي ،وحاويل أّال
تسريي صوب تلبية غرائز النفس ونزواهتا ،بل سريي يف طريق مرضاة اهلل تعاىل ،واستشعري دائًم ا بأن
اهلل رقيب علي3ك ،واهتزي كما هتتز األش3جار ،لَتْنُفِض ي عن3ك كَّ3ل ما ُيفِس د طبيعتِ3ك ويشِّ3و ه منظ3رك،
وما هو غ 33ريب عن روحك وعبٌء على قلب ِ3ك من أن 33واع ال 33ذنوب واخلطاي 33ا واملعاص 33ي ،حىت تتن 33اثر
وتذهب عنِك أبعَد ما تكون.
وال تنَس ْي أن ك33ل ما س33تبذلينه يف س33بيل التفّلت من هذه األمور ال33يت ُتغرِّي طبيعت ِ3ك وتل ِّ3و ث روحِك ،
س ُ3تعترب مبثاب 33ة اجله 33اد ،وس 33تقِّر بك من اهلل تع 33اىل خطوة خطوة ،وإال فال مفر ل ِ3ك من أن تبتع 33دي عن 33ه
دائًم ا ،وتعيشي أمَّر حاالت الغربة ،وتغرقي مع املنبوذين يف حبار الوحش3ة ..كما أن خان3ة احلس3نات يف
دف33رت أعمال33ك س33تبقى فارغ33ة ،وأن33ك ستعيش33ني ظالًم ا وقتامًة يف حيات33ك القلبي33ة والروحي33ة ،فاس33تعيدي
نشاطك وانتعشي واستفيقي لتتبيَّن القيم اإلنسانية ،وال تستعجلي وال تتهوري حىت ال جتعلي فردوَس ك
املفقود هذه املرة ،ضحيًة ِلاَّل مباالة.
فك33ل ما تبذلين33ه الي33وم من جه33د يف س33بيل اس33رتداد ما ق33د فقدِت يف الس33ابق ،س33يعود إلي33ك عن33دما حيني
املوس33م بعش33رين أو ثالثني من أض33عافه ،كش33أن الب33ذرة ال33يت ُتلقى يف ال33رتاب مث تع33ود س33نبلة ..ف33إذا ك33ان
األمر كذلك فال تتوقفي أبًد ا ،بل انثري اخلَري والفضيلَة يف ك3ل األحناء مثلما ُتن3ثر الب3ذور ،وَأِز يلي ص3دأ
املش33اعر املرتكزِة على اخلطاي33ا ،واجعلي الس33عادَة الدنيوي33ة واألخروي33ة لآلخ33رين هدَف حيات33ك ..عيش33ي
ِت ِة
هك33ذا حىت تتح33رري من س33جن احلس33ابات واملن33افع الشخص33ية القاتل 3لروحك ،وْلتعيش33ي أن املت33اعَب
دائًم ا من توزي 33ع الراحة على اآلخ 33رين ،اس 33تمعي هلموم الن 33اس ،وعيش 33ي مهومهم ،وإيِّن أنيًن ا ب 33اهلموم،
29
ولكن حاويل أن تعاجلي مهومهم ،وافتحي صدرِك باحملبة جلميع الن33اس ،حىت ُيه33رع إىل دفئ33ك “ض33حايا
النفس” الذين ظلموا أنفسهم بأنفسهم.
وامس33حي وجه33ك ب33األرض مث33ل األهنار ،وت 3دَّفقي باحلي33اة ،وك33وين مث33ل الش33مس والقمر حتتضنني ك َّ3ل
شيء بنورِك وترِّبتني على رؤوس كل شيء ..وال خُت ِّي يب رج3اَء َم ن حيس3نون الظن بِ3ك فيتوجه33ون إلي3ك
مت33وقعني من33ك ش33يًئا ،وك33وين يف اخلدمة راكضة يف مقدمة الص33فوف ،بينما حتاولني الَّتَخ ِّف َي يف أواخ33ر
األواخر عند توزيع األجور ،وابتعدي عن ربط ما ُيعمل ألجل اهلل باملص33احل الدنيوي3ة مث3ل ما تفِّر ين من
العقرب والثعب33ان ..ولكن إن حص33ل ل33ك ان33زالق ش33عوري كه33ذا من دون إرادة من33ك ،ف33اعتربي ذل33ك
تلّو ًث ا يف املش 33اعر ،وُع ِّدي مث 33ل هذا التل 33وث ول 33و لدقيقة واحدة إهان ً3ة ملوقع 33ك اإلنس 33اين املميز ال 33ذي
حترزينه بني الكائنات ،واهرعي حنو مغتَس ٍل ُتَنِّق َني فيه أدراَن دواخِلِك .
وك33وين يف ك33ل حاالت33ك منش33غلة مبش33اعر اإلحس33ان وترمجاًن ا للخ33ري واجلمال ..فاألق33دام ال33يت تس33ري يف
طري 33ق اخلري والفضيلة هلي أمسى من اهلامات ،كما أن القل 33وب ال 33يت تنبض مبش 33اعر اإلحس 33ان ت 33وازي
الكعب33ة يف قداس33تها ..والواق33ع أن ماهيت33ك كعبٌ3ة ،وهدُفك هو رض33ا احلق ،وطريقك َم طاٌف ي33دور في33ه
الُقدس 33يون يف اجتاه الوص 33ول إىل احلق تع 33اىل ..وما دمِت متمس 33كة خبطِك هذا ،فستص 33بحني موض 33وع
حديث احملاورات يف ما وراء الس 33ماوات ،وسُ3 3يذَك ر امسِك مع الروحانيني .فِز ي 33دي من س 33رعتك يف
س 33ريِك على اخلط اإلنس 33اين ،ف 33إن حاجتن 33ا إىل مث 33ل هذه اجله 33ود يف هذا الع 33امل ال 33ذي ت 33آكلت في 33ه القيم
اإلنس33انية ،ت33وازي حاجتن33ا إىل املاء واهلواء ..ففِّك ري دائًم ا ب33اخلري ،وتكلمي ب33اخلري ،واس َ3عْي يف أعمال
اخلري.
إن أحس 33ن احلاالت ال 33يت تب 33دو فيه 33ا الراي 33ات هو عن 33دما تك 33ون حممول 33ة على أكت 33اِف أن 33اس يتحرك 33ون.
والنحُل ُيعترب مبارًك ا ما دام ينتج العسل ،وِم شيُة الفارس أك3ثُر مهابً3ة من وقفت3ه ..فقومي وامحلي الراي3ة
مث 33ل األبطال ،وامل 33ئي خليت 33ك بالعس 33ل مث 33ل النح 33ل ،وال تس 33قطي إىل مس 33توى الُك س 3اىَل املك 33روهني..
وكوين دائًم ا مستعّد ة لتلقي األوامر يف خدمة اإلنس3انية ،واس3تعدي للرحي3ل ،ف3إن الرحي3ل حمّق ق ومقّد ر
مهما ك3ان وقت3ه جمه3وًال ،فك3وين على اس3تعداد ت3ام وتطّه ري من ال3ذنوب ،وافتحي الب3اب لن3داء الغيب،
وكوين على أهبة االستعداد.
30
،Bir Sorgulamaالعدد( 252:يناير .)2000الرتمجة عن الرتكية :أجري أشيوك.
شعور الرحمة
الرمحة هي مخرية الك 33ون األوىل ،ب 33دوهنا كُّ3 3ل ش 33يء ختّب ٌط وفوض 33ى ..فبالرمحة ُو ج 33د ك 33ل ش 33يء ،وهبا
ُيواِص ُل وجوَده وينتظم يف ِس لك النظام.
برس33ائل الرمحة ال33يت أتت من وراء اآلف33اق انتظمت األرض واس33توت الس33ماء ،وبفضل الرمحة حاز ك33ل
شيء -بدًءا من اجملرات وانتهاًء بالذرات -تناغمه الباهر ووئامه املذهل وعمله االنسيايب.
يف هذه العملي33ة جتري “بروف33ة” ما س33يؤول إلي33ه ك33ل ش33يء يف ع33امل اخلل33ود .فك33ل املوج33ودات تس33عى
حثيًثا وتتواثب حنو هذا االجتاه ،ويف كل وثبة تتألق الرمحة ويتجلى النظام واالنتظام.
لقد جتلت هذه الرمحة األس33طورية يف نس33يم اهلواء وت33دفق األهنار ،واق33رتبت من33ا حىت ص33افحت جباهن33ا
والمست أقدامنا ،فمن ذا الذي مل يشعر هبا بعد؟
بأجنح 33ة الرمحة ُجتول ف 33وق رؤوس 33نا الس 33حُب وتص 33ول ،وتنش 33ق أرحامه 33ا عن غيٍث ينج 33دنا كفارس
يرت 33دي أومسته وحزامه ،ويهت 33ف الرع 33د وال 33ربق ببش 33ارات تل 33ك الرمحة اخلفي 33ة ،فيص 33دح الك 33ون كل 33ه
بأهازيج “ص33احب الرمحة الالهنائي33ة” وأحلان33ه ،وتش33دو اليابسُ3ة والبح33ار واألش33جار والنبات33ات بأنغامه،
ويرتاّص ون يف حلقات وصفوف وجًه ا لوجه مرتمنني بأغاريد الرمحة ،كٌّل بألفاظه وأحلانه.
انظ 33 3روا إىل ال 33 3دودة يف تراهبا ..ما أحوجه 33 3ا إىل الرمحة يف حاهلا الضعيفة تل 33 3ك! ق 33 3د تطؤها األق33 3دام
فتسحقها ،ومع ذل3ك تس3عى يف س3بيلها رمحة ب3اآلخرين ،فهي س3ليلُة ِع رٍق مك3افٍح ال يع3رف الكل3ل وال
الفت33ور ،فَتفتح الرتبُ3ة املش33فقُة هلا أحضاهَن ا ،لتضع يف املقاب33ل مئ33اٍت من البيضات يف ك33ل حفن33ة من هذا
احلضن ال 33دافئ ،تتنفس ب 33ه “الرتب 33ة األُّم” فرَت ُب و وتنضج .فالرتب 33ة رمحة لل 33دودة ،وال 33دودُة رمحٌة للرتب 33ة.
فوًحيا ألولئ3ك اجله3ال حَي رق3ون العش3ب واجلذور وبقاي3ا ال3زروع حىت تك3ون مساًد ا ،وبؤًس ا إلنس3ان يظلم
الرتبَة والدود مًعا ويقضي على الرمحة اليت بينهما وهو ال يدري!.
31
مث انظ3روا إىل النحل3ة وهي ُتطِل ق على أل3ف زهرة وزهرة بس3ماهتا ،أو دودة القز وهي حبيس3ة منغمس3ة
يف شرنقتها ،كيف تتحمل صنوف العن3اء يف س3بيل التن3اغم مع أوركس3رتا املرمحِة؟ وهل لن3ا أن نتغاض3ى
عما تقاسيه تلك الفدائيات حىت ُتطِعم اإلنساَن العسَل وُتلبَس ه احلرير؟!
بل حِّدث وال حرج عن رمز الشفقة “الدجاجة” حني ُتسّلُم رأَس ها للكلب كي تنقذ فراخه33ا ،وتأّم ل
تل3ك الوحوش اجلائع3ة ال3يت تضع يف أف3واه جرائه3ا ما ابتلعت3ه من طع3اٍم رغم ش3دة جوعه3ا ،وفّك ر كي3ف
يكون شعورها؟
إن كل شيء يف هذا الك3ون يفِّك ر يف الرمحة ،ويتح3دث بلس3ان الرمحة وَيِع ُد بالرمحة .وهبذا ميكن النظ3ر
إىل الك 33 3ون كل 33 3ه على أن 33 3ه س 33 3يمفونية الرمحة؛ فك 33 3ل األص 33 3وات واألنفاس ،وك 33 3ل النغمات املفردة
واملزدوجة ،جتري وفق إيقاٍع رائع ال ميكن أن يتعامى أو يتغافل عنها أحد ،أو أال يش3عر ب3أن وراء ك3ل
َم ش33اهد الرمحة هذه مرمحًة واس33عًة حتي33ط بك33ل ش33يء وتقود هذه اجلوق33ة ذات األس33رار .فوي33ل ألرواح
تعيسة ال تعي شيًئا من هذه األخبار.
إن اإلنس 33ان مس 33ؤول جتاه ك 33ل هذه األحداث ،ومكل 33ف ب 33أن حيِّف ز ش 33عوره ويس 33تحّث إرادت 33ه وي 33دفع
إدراكه وتفكريه مجيًعا ليستوعب هذه الرمحة الواس3عة ،ويضيف إليه3ا من أنفاس3ه احلّر ى نغمات3ه الذاتي3ة.
إنه مكلف بإبداء جانب الرمحة جتاه اجملتمع ال3ذي يعيش في3ه ،واإلنس3انيِة ال3يت ينتمي إليه3ا ،ب3ل جتاه كِّ3ل
الكائنات احلية ،باعتبارها َد يًنا إنسانًّيا يدين به.
فربمحته لآلخرين يسمو يف هذا الطريق ويرتقي ،وجبوره عليهم وظلمه هلم وقس3وته معهم يص3بح حمتَق ًر ا
َم هيًنا ووصمَة عاٍر يف جبني اإلنسانية .فقد غفر اهلل لبغّي سقت كلًب ا يقاس33ي ش33دة العطش وارتقت إىل
اجلنان ،وُعّذ بْت امرأة حبست هرة حىت ماتت جوًعا كما ورد يف كالم أصدق القائلني ص33لى اهلل علي33ه
وس33لم .ارمحوا اآلخ33رين تن33الوا املرمحة ،فالي33د ال33يت ت33رحم يف األرض س33تتلقى أل33ف بش33ارة من ع33وامل ما
وراء السماوات.
لقد أدرك أج33دادنا هذا الس33ر فأش َ3علوا آالف مواق33د املرمحة يف ك33ل ناحي33ة ،واجت33ازوا حدود اإلنس33ان
فأسس 33وا حلماي 33ة احليوان 33ات ورعايته 33ا مجعي 33اٍت ت 33دل على أن ش 33عور الرمحة العمي 33ق ق 33د ص 33ار س 33جية هلم
وطبًعا.
32
ومن يدري ،لعل عصفوًر ا كسري الِّر جل أو لقلًق ا مهيض اجلناح ،وقع يف طريِق واحٍد من أبطال الرمحة
هؤالء ف 33وخز ض 33مريه ،وأهلمه أن يؤس 33س مأوى للطي 33ور الغربي 33ة امله 33اجرة ال 33يت عج 33زت عن مواص 33لة
هجرهتا على غرار دار املسنني لدى بين اإلنسان.
ليتنا نستطيع أن نرحم إنساننا كما كان أجدادنا يرمحون الكائنات ،ولكن هيهات! إننا مل حنرم أنفس33نا
من الرمحة فحس 33ب ،ب 33ل أهدرنا أجيالن 33ا ودّم رن 33ا أبناءن 33ا أيًض ا؛ فقد تركن 33اهم فريس 33ة لإلمهال الش 33ديد
ونزعن 33 3 3ا منهم مش 33 3 3اعر الرمحة .أج 33 3 3ل ،إنن 33 3 3ا حنن الس 33 3 3بب احلقيقي وراء آالف احلوادث اخلانقة واجلِّو
االجتماعي الذي مل يُعد فيه العيش ممكًنا.
ومن ج3انب آخ3ر ،فاس3تخدام الرمحة يف غ3ري موض3عها وإس3اءة اس3تعماهلا ،ال يقّل عن القس3وة ض3رًر ا ب3ل
هو أشّد وأقبح؛ فإذا كانت الرمحة يف موضعها ماء احلياة وإكسريها ،فإهنا يف غري موض3عها سٌّ3م زع3اف
وزّقوم علقم .واملهم يف هذا الباب هو إدراك هذا الرتكيب ،فاألكسجني واهليدروجني إذا َتَر َّك َبا بنس3بة
معينة ،نتج عنهما أهم عناصر احلياة ،وإذا اختلت النسبة أو انفصل أحدمها عن اآلخر ،عاد أحدمها إىل
طبيعت3ه احلارق3ة واآلخ3ر إىل حمرتق ،ل3ذا ينبغي أن يك3ون اإلنس3ان على دراي3ة مبقدار ما يبدي3ه من الرمحة،
ومدى استحقاق من يرمحه هبذه الرمحة.
إن الت33ودد إىل وحش ج33ائع طمًع ا يف رمحت33ه ،يزي33د من ش33هيته لالف3رتاس ،مث يطالب ب33أجرة أنياب33ه وخمالب33ه
بع 33د أن يفت 33ك ب 33ك .ف 33التودد إىل أهل اجلور ق 33د يغ 33ريهم مبزي 33د من االعت 33داء ،ل 33ذا ال رمحة مبن يتل 33ذذ
كاألفاعي بنهش اآلخرين ،إن رمحة هؤالء تعين تسليم مصري العامل ألفاعي الكوبرا.
إن الرمحة مبن تلطخت ي33داه بال33دماء ،وتعفر وجه33ه بال33دماء ،وف33اض قلب33ه وتفج33رت عيون33ه بال33دماء ،أي
مجع يف نفس33ه بني اجلن33ون والدموي33ة ،ليس إال منتهى القس33وة جتاه ك33ل مظل33وم .فمثل33ه كمن أش33فق على
الذئاب ومل يلتفت إىل حق اِحلمالن ،قد ُيسعد ذلك الوحوش لكنه ميأل األقطار حنيًبا وأنيًنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) نش 33ر هذا املقال يف جمل33ة “س 33يزنيت” الرتكي 33ة ،الع 33دد( 22:نوفمرب .)1980الرتمجة عن الرتكي 33ة:
أجري أشيوك.
33
الصبر الديناميكي
اإلنسان الجديد
حنن اليوم على مشارف عهد جديد يف مسرية تاريخ اإلنسانية ،متفتح على جتليات العناية الرباني3ة .لقد
كان القرن الثامن عشر ،بالنس3بة لعاملن3ا ،ق3رن التقلي3د األعمى واملبتع3دين عن ج3وهرهم وكي3اهنم؛ وك3ان
القرن التاس3ع عش3ر ،ق3رن ال3ذين اجنرف3وا خل3ف ش3ىت أن3واع الفانتازي3ات واص3طدموا مباض3يهم ومقوماهتم
التارخيي33ة؛ والقرن العش33رون ،ك33ان ق33رن املغ33رتبني عن أنفس33هم كلي33ا واملنك33رين ل33ذواهتم وهويتهم ،ق33رن
ال 33ذين ظل 33وا ُينّق ب 33ون عن َم ن يرش 33دهم وين 33ري هلم الطري 33ق يف ع 33اٍمل غ 33ري ع 33املهم .ولكن مجي 33ع األمارات
والعالمات ال 33يت تل 33وح يف األف 33ق تبش 33ر ب 33أن القرن الواحد والعش 33رين ،س 33يكون ق 33رن اإلميان واملؤمنني،
وعصر انبعاثنا وهنضتنا من جديد.
أج 33ل ،من بني هؤالء ال 33ذين هج 33روا العقل والتفك 33ري من 33دفعني خل 33ف “املوض 33ات” الفكري 33ة دون أي
متحيص أو تدقيق ،ومن ضمن اجلماهري الفاقدة لَو عيها ،اهلائمة على وجهها ،س3يولد إنس3ان جدي3د ك3ل
اجلدة ،إنس33ان يفك33ر وحياس33ب ،وي33وازن وي33دقق ،ويعتمد على التجرب33ة ق33در اعتماده على العقل ،ويث33ق
ويؤمن باإلهلام والوجدان قدر اهتمامه بالعقل والتجربة؛ إنسان حياول دوما بروحه وبدن33ه الوص33وَل إىل
األفضل ،وي33رغب يف الوص33ول إىل الكمال والتكامل يف ك33ل ش33يء .إنس33ان يس33مو باملوازن33ة بني ال33دنيا
واآلخرة ،ويوفق إىل اجلمع بني عقل3ه وقلب3ه فيص3بح منوذج3ا جدي3دا ال مثي3ل ل3ه .وال ش3ك أن والدة هذا
اإلنس 33ان اجلدي 33د ليس ب 33األمر الس 33هل ،فال ب 33د من آالم خماض وتوّج ع وأنني .ولكن حني ي 33ئني األوان
فس 33وف تتحقق هذه ال 33والدة املبارك 33ة حتما ،ويظه 33ر هذا اجلي 33ل ال 33ذهيب بينن 33ا فج 33أة -كاخلضر علي 33ه
الس 33الم -بوجه 33ه الن 33وراين ال 33ذي يش 33ع كالب 33در .فكما تنهمر الرمحة اإلهلي 33ة من خالل الغي 33وم املرتاكم
بعضها فوق بعض ،وكما تتفجر املياه من ينابيع األرض ،وتتفتح زهرات الثلج وتنتشر يف مواقع ذَو بان
الثلج واجللي 33د ،وكما تتألأل قطرات الن 33دى وت 33رتبع على األوراق ،سيس 33طع ن 33ور هذا اإلنس 33ان يف مساء
البشرية البائسة احلزينة ال حمالة ،رمبا اليوم أو غدا أو بعد غد.
34
اإلنسان اجلديد بطل يتمتع بشخصية قوي3ة اس3تطاعت أن تس3مو على املؤثرات اخلارجي3ة بش3ىت أنواعه33ا،
وعزمت على الصمود واالكتفاء الذايت .فكما أن الش3رق والغ33رب لن يس3تطيعا أس3ره ووض33ع السالس3ل
يف قدمي33ه ،فك33ذلك لن تس33تطيع األفك33ار والفلس33فات ال33يت تتن33اقض مع هويت33ه املعنوي33ة وج33ذوره أن تغ33ري
وجهت33ه وتضله يف ظالمه 33ا عن طريقه ،ب33ل ولن تس33تطيع أن تزحزحه عن مكان33ه قي33د أمنل33ة أو أق33ل من
ذلك .أجل ،اإلنسان اجلديد رجل حر يف تفكريه ،حر يف تصوره ،حر يف إرادته ،وحريت3ه هذه مرتبطة
بقدر عبوديت33ه هلل س33بحانه وتع33اىل .مث إن اإلنس33ان اجلدي33د ال يتش33به ب33اآلخرين وال يتمث33ل هبم ،ب33ل حياول
جاهدا أن يتزىّي هبويته الذاتية ويتزّين مبقوماته التارخيية.
اإلنسان اجلدي3د ممتلئ ب3الفكر ،ملتهب بعش3ق البحث ،مفعم باإلميان ،قاب3ل للوج3دانيات ،متش3بع بنش3وة
الروحاني3ة ومعانيه33ا… إنس3ان يب3دي كفاءة من ن3وع آخ3ر يف س3بيل بن3اء عامله ،مس3تفيدا من إمكاني3ات
عصره إىل أقصى حد ،متمسكا مببادئه وقيمه الذاتية.
اإلنس 33ان اجلدي 33د ،هو إنس 33ان حيمل يف قلب 33ه إيـمان أج 33داده األجّالء ،ويفك 33ر تفك 33ري أعالم حضارته
العظماء ،وميتلئ مثلهم رغب33ة يف إمساع ص 33وته وإظه 33ار ق33وة رس33الته للبش33رية مجع 33اء… ومثلهم ك33ذلك
يس33طع ن33ورا يف كب33د الظالم فيضيء األرج33اء برمته33ا… ي33ؤدي واجب33ه هذا بص33دق ووف33اء غ33ري حمدود،
معتصما باحلق متمسكا بالرسالة السماوية يف كل حلظة ..يتأمل ويئن ،ميوت وحيي3ا من أج3ل إحي3اء احلق
وإهناضه .فهو دائما على أهبة االستعداد للتخلي عن املال والول3د والغ3ايل والنفيس ،ولن تك3ون س3عادته
الشخص33ية بغيت33ه أو مهه أب33دا ،ب33ل مهه الوحي33د أال يضيع ب33ذرة واحدة من الب33ذور الص33احلة ال33يت منحه33ا ل33ه
احلق تع 33اىل ،ب33ل ينثرها كله 33ا بدق33ة فائقة على س33فوح العناي33ة الرباني33ة من أج33ل مس33تقبل األمة القريب
والبعي 33د… مث ي 33رتقب مكاب 33دا آالم خماض جدي 33د ،يتل 33وى ويت 33أوه ويئن ويقل 33ق ،ويبته 33ل إىل املوىل ع 33ز
وجل يف أمل ،ميوت وحييا يف اليوم ألف مرة ومرة .فالسري يف س3بيل احلق والفن3اء في3ه غايت3ه الوحي3دة يف
احلياة ،وانفالت هذه الغاية من بني يديه -يف نظره -خسارة ال تعوض أبدا.
اإلنس 33ان اجلدي 33د يس 33تخدم مجي 33ع وس 33ائل االتص 33االت احلديث 33ة؛ كتب ً3ا وجرائ 33د وجمالت ،وإذاع 33ة وتلفازًا
ومنشورات للولوج إىل القل33وب والنفوذ إىل العقول وال33دخول إىل األرواح ،ويثبت جدارت33ه من خالهلا
مرة أخرى ،بل ويسرتد مكانته املسلوبة يف التوازن العاملي من جديد.
اإلنسان اجلديد ،هو إنس3ان عمي3ق من حيث ج3ذوره الروحي3ة ،متع33دد من حيث ما ميلك3ه من كفاءات
صاحلة للحياة اليت يعيش يف أحضاهنا .إنه صاحب القول الفصل يف كل امليادين بدءا من العلم إىل الفن
35
ومن التكنولوجيا إىل امليتافيزيقي3ا ،وص3احب خ3ربة ومراس يف ك3ل ما خيص اإلنس3ان واحلي3اة .أج3ل ،إن3ه
عاشق ال ينطفئ ظمؤه إىل العلوم مهما هنل ،مولع باملعرفة ولعًا ال يفتأ يتجدد كل حني ،عميق بأبعاده
اللدنية اليت تعجز العقول عن تصورها ..وهو هبذه اخلصال كلها يسري جنبا إىل جنب مع سعداء عص33ر
السعادة وينافس الروحانيني يف سباق معراجي جديد كل يوم.
اإلنس 33ان اجلدي 33د متش 33بع حبب الوج 33ود كل 33ه ،حارس للقيم اإلنس 33انية وراص 33د هلا .فه 33و من جه 33ة حيدد
موقع 33ه وينش 33ئ ذات 33ه على أس 33اس األخالق والفضيلة ال 33يت جتع 33ل من اإلنس 33ان أنس 33انا مثالي 33ا ،ومن جه 33ة
أخرى حيتضن الوجود كله بقلبه الواسع وشفقته الشاملة ،ويسعى دائما من أجل إس33عاد اآلخ33رين .ويف
ال33وقت ال33ذي يقوم بوض33ع املع33ايري لنفس33ه ،يقوم أيضا بوض33ع مقاييس حول كيفي33ة التعامل مع األش33ياء
والن 33اس ال 33ذين كتب علي 33ه العيش معهم؛ وإذا ما س 33نحت ل 33ه الفرص 33ة س 33عى جاهدا لتحقي 33ق مع 33ايريه
وخططه ال33يت وض33عها .فه33و ال يت33واىن أب33دا عن متابع33ة ك33ل ما هو إجيايب فيما حول33ه وعن احلفاظ علي33ه،
وحث اآلخ33رين على ذل33ك… وهو يش33ن حرب33ا على كاف33ة املس33اوئ ،وهو ك33القوس املش33دود ،مس33تعد
دائما إلزالة هذه املس3اوئ واقتالعه3ا من ترب3ة اجملتمع ال3ذي يعيش في3ه .وهو مؤمن ذاق حالوة اإلميان،
ومن مث يدعو اجلميع إىل رحاب اإلميان .العبادة -عنده -مجال مطلق وهو لس33اهنا… يقرأ الكتب ال33يت
ينبغي أن ُتقرأ ،ويوص33يها لآلخ33رين؛ وال ي33ربح يش33جع الص33حف واجملالت ال33يت ت33وقر ج33ذورنا الروحي33ة
وتبجل أصولنا املعنوية… يتنقل من شارع إىل شارع آخر حامال كل ما حيتاج إليه أبن33اء وطن33ه وأمت33ه،
ومن مث فهو رمز للمسؤولية السامية.
اإلنس33ان اجلدي33د ميل33ك طاق33ة بّن اءة وروحا مؤِّس س33ا ،يبتع33د عن النمطي33ة بش33دة ،يع33رف كي33ف جيدد نفس33ه
مع احلفاظ على ج33وهره ،ويع33رف كي33ف ي33رّو ض األحداث فت33أيت ألمره طائع33ة خاض33عة .يس33بق عص33ره
فيس33ري أمام الت33اريخ قُ3د ما على ال33دوام هبّم ة تتج33اوز حدود إرادت33ه ،وش33وق ع33ارم وحب عمي33ق واعتماد
باهلل عظيم .إن 33ه مث 33ال للت 33وازن الت 33ام بني األخ 33ذ باألس 33باب واالستس 33الم ل 33رب األس 33بابَ ..م ن رآه دون
معرفة به ،ظنه عابدا لألسباب أو معّطال هلا؛ بينما احلقيقة ليست هذه وال تلك ..ألن اإلنسان اجلديد،
بطل الت33وازن بك33ل ما تعني33ه كلمة الت33وازن؛ فه33و ي33رى أن األخ33ذ باألس33باب من واجب33ه ،والتس33ليم للح33ق
تعاىل من صميم إميانه.
اإلنس 33ان اجلدي 33د ف 33اتح ومكتش 33ف مع 33ا ،يغ 33وص ك 33ل ي 33وم يف أعماق أعماق ذات 33ه ،ويطل 33ق ش 33راعه على
الفضاء الشاس33ع دوما فينص33ب رايت33ه على أب33راج جدي33دة ك33ل حني ،ويلح على طرق األب33واب املكنون33ة
وفتحه33ا يف اآلف33اق واألنُفس .وكلما بل33غ بفضل إميان33ه وعرفان33ه إىل أس33راِر ما وراء ال33وراء ازداد ش33وقا
36
ورغب33ة ،وظ33ل يتنقل ِخب بائ33ه من رب33ع إىل رب33ع آخ33ر يف ع33وامل وراء وراء األبع33اد .وأخ33ريا ي33أيت ي33وم ختاطب33ه
األرض مبا تك 33نزه يف باطنه 33ا ،وتنفل 33ق البح 33ار بعص 33اه الس 33حرية لتنبث 33ق الآللئ من أعماقه 33ا ،وتتفتح ل 33ه
أبواب السماء على مصاريعها وتستقبله بالتأهيل والرتحاب.
_______________
37