Professional Documents
Culture Documents
الترجمة من منظور فقهاء اللغة - الإشكاليات والإستراتيجيات
الترجمة من منظور فقهاء اللغة - الإشكاليات والإستراتيجيات
ملخص الدراسة:
هدفت هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على الترجمة من منظور فقهاء اللغة
من حيث اإلشكاليات التي تواجه عمل الترجمة واإلستراتيجيات املعالجة ،مع التركيز على
بعض آراء فقهاء اللغة ودراسات الترجمة حول بعض النظريات واإلستراتيجيات .كما
ركزت الدراس ة على اإلستراتيجيات واألساليب والتقنيات التي يستخدمها املترجم في
معالجة تلك الصعوبات واإلشكاليات .وتناولت الدراسة بعض من تلك اآلراء عبر استبان
تم توزيعه على أساتذة اللغات ودراسات الترجمة واملترجمين الدارسين واملمارسين الهواة
في ميدان عمل الترجمة .من خالل هذه الدراسة نجد أن ممارسة الترجمة عمل صعب
يتطلب مقدرات كبيرة من املترجم من أجل معالجة تلك اإلشكاليات التي يواجهها ،عبر
استخدام اإلستراتيجيات واألساليب والتقنيات املطلوبة للترجمة .وخلصت الدراسة إلى
إمكانية استخدام الترجمة املباشرة وغير املباشرة في معالجة إشكاليات الترجمة مع
ً
اإلستراتيجيات األخرى ،وهذا العمل يتطلب أن يكون املترجم مؤهال.
الكلمات املفتاحية :دراسات الترجمة ،إستراتيجيات الترجمة ،التأهيل األكاديمي والتدريبي
للمترجم.
.1املقدمة:
قضية الترجمة على مر األزمنة والعصور هي عبارة عن ظاهرة إنسانية
ً ً ً
إبداعية معقدة بوصفها ّأدت أدوارا مهمة وحيوية رفدت الحضارة البشرية بالعلوم
الحيوية والثقافات املختلفة مما خلق التقارب بين الشعوب واملجتمعات .فقد
ظهرت الحاجة لعملية الترجمة لظروف اجتماعية واقتصادية على الرغم من
اختالف اللغة والثقافة بين الشعوب واألمم ،باعتبار أن الترجمة هي مصدر
َ
والحكم املتبادلة بين البشر لنقل العادات واللغات والثقافات والقيم
املعلومات ِ
الجمالية واألخالقية املتنوعة والعلوم والفلسفة والطب والهندسة واآلداب
والفنون .هذا ما جعل عملية الترجمة بمثابة العامل املشترك في حل مشاكل تعدد
واختالف اللغات وبالتالي أضحت عملية الترجمة جسر تواصل يربط بين عالقات
وثقافات الشعوب واألمم وبذلك تقوى الروابط ويتعزز التفاهم والتواصل بين
الشعوب واملجتمعات.
غير أن هنالك إشكاليات تواجهها الترجمة وبشكل خاصة ترجمة
النصوص ذات الخصوصية الثقافية واللغوية كما في الترجمة األدبية Literary
ً
Translationالتي هي من أكثر أنواع الترجمة تعقيدا ،إذ يواجه املترجم الذي يسلك
مسار الترجمة األدبية إشكاليات ومصاعب ومطبات وذلك العتبارات منها كون
الترجمة األدبية هي عملية مقاربة بين طرق وأساليب لغوية مختلفة يسعى فيها
املترجم إلى إعادة صياغة املعنى لتلك الطرق واألساليب في لغة الهدف بما يخلقه من
أثر وقيمة جمالية بنفس التأثير الذي تحدثه قراءة النص املصدر .ولهذه اإلشكالية
وألفاظ متعددة منها املباشر وغير
ٍ سببان هما اإلشكال اللغوي حيث لكل لغة ٍ
معان
املباشر أي (املعاني الحقيقية واملجازية) واأللفاظ العامة املستخدمة للتدليل على
مقاصد خاصة واملعاني املتعددة واملتضادة وكذلك ألفاظ السياقات املحذوفة التي
ال يمكن إدراك املعنى ووضوحه بدونها ،باإلضافة إلى األلفاظ والجمل املشتركة
وذات املعاني املختلفة بسبب اختالف النظم والقواعد اللغوية من لغة إلى أخرى.
واآلخر هو اإلشكال الثقافي الذي يتضمن الخصوصيات الثقافية التي
كثيرة
أحيان ٍ
ٍ تختلف باختالف الثقافات والحضارات والبيئات مما ُيص ِع ُب نقلها في
أثناء عملية الترجمة من لغة إلى أخرى ومن ثقافة إلى أخرى .إذ ُيعد إيجاد املكافئات
اللغوية والثقافية في لغة وثقافة الهدف أمرا بالغ الصعوبة يواجهه املترجم مما
يجعله يتبع بعض اإلستراتجيات كالتكييف واإليضاح والتطويع والتصرف من أجل
تكييف املضمون الذي تكون الغاية منه التوافق مع ثقافة املتلقي ومن هنا يتضح
دور املترجم في معالجة إشكالية الترجمة األدبية.
ً
لذلك ُينظر إلى املقابل (تكافؤ املفردة) على أنه أحد املفاهيم األكثر إشكاال
ً
وإثارة للجدل في دراسات الترجمة .هذا ما دفع الباحث للتنقيب في إشكاليات
الترجمة واإلستراتيجيات املعالجة لها من منظور فقهاء وعلماء اللغة ودورهم
األساس ي في وضع نظريات ومعايير وإستراتيجيات لحل مشاكل الترجمة التي تواجه
املترجمين في ميدان العمل من خالل دراسة اإلشكاليات وطرق وإستراتيجيات
املعالجة املرتبطة بالترجم.
تتناول هذه الدراسة الترجمة ودور املترجم من حيث آراء أصحاب
االختصاص من فقهاء وعلماء اللغة الذين وضعوا نظريات ومعايير وطرق
وإستراتيجيات لحل مشاكل الترجمة التي تواجه املترجمين في ميدان العمل
التطبيقي ،وذلك من ناحية دراسة اإلشكاليات وطرق وإستراتيجيات املعالجة
املرتبطة بالترجمة ودور املترجم .وستتم اإلجابة عن أسئلة الدراسة ،من خالل
تسليط الضوء على الترجمة ومشكالتها وطرق وإستراتيجيات املعالجة املطروحة
من قبل اللغويين واملترجمين املمارسين في ميدان عمل الترجمة ودور املترجم .كما
يقوم الباحث بتحليل ومناقشة نتائج االستبيان املوزع كدراسة ميدانية عن تلك
اآلراء التي تصنف اإلشكاليات واإلستراتيجيات املعالجة.
.1.1مشكلة البحث
يواجه املترجم عند الترجمة إشكالية في عملية الترجمة وكيفية استخدام
اإلستراتيجيات املعالجة واملحافظة على املعنى الوارد في النص املصدر واستخدام
آليات وأساليب الترجمة من أجل الحصول على النص الهدف بنفس روح ومضمون
النص املصدر.
.1.2الفرضيات
• النظريات واإلستراتيجيات املطروحة من املنظرين في مجال الترجمة ال تشكل حلوال
كافية ملشاكل الترجمة التي تواجه املترجمين.
• وجود بعض اإلشكاليات حول اإلستراتيجيات عند التطبيق العملي لدى املترجمين
الهواة.
.1.3أسئلة البحث
• ما هي التقنيات واألساليب التي استند عليها املترجم في ترجمة القطعة هل يمكن
تحديد إشكاليات الترجمة التي يواجهها املترجم؟
• كيف يتمكن املترجم من معرفة طرق وإستراتيجيات املعالجة؟
• ما هو أثر استخدام نظريات وإستراتيجيات الترجمة في العمل الترجمي التطبيقي؟
1.4األهداف
تهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على الترجمة وإشكالياتها
واإلستراتجيات املعالجة ،وتحديد طرق وإستراتجيات حل مشاكل الترجمة مع إظهار
الدور الذي يؤديه فقهاء اللغة واملنظرون في مجال الترجمة من أجل مساعدة
املترجمين وكل من يمارس مهنة الترجمة من محترفين وهواة.
.2إشكاليات الترجمة وإستراتيجيات الحلول:
ً
أوال :قضية املعنىMeaning Problem :
تعتبر قضية إشكاليات الترجمة والصعوبات التي يواجهها املترجم عند
ً
عملية الترجمة من القضايا املهمة جدا في دراسات الترجمة ،إذ تكمن هذه
املترجم ،املجلد ،18العدد ،2جوان 2018 108
الترجمة من منظور فقهاء اللغة :اإلشكاليات واإلستراتيجيات
الصعوبات مما شجع الكثير من الباحثين إلى التطرق لتك اإلشكالية وكل على
طريقته في التناول الذي غطى الكثير من جوانب املشكلة إال أنه بالتأكيد ليس من
دراسة تعالج القضية بكاملها .وجاءت النقاشات املتعلقة بالتكافؤ بعد الجدل الذي
أثير بالبحث عن طرق التمييز بين الترجمات الحرفية والحرة في الشكل واملضمون
باعتبار أن النص الهدف كان مكافئا للنص املصدر في النقاشات السابقة بين
املنظرين للترجمة في التمييز بين الترجمة الحرفية والترجمة الحرة ،وكذلك التفريق
بين الشكل واملحتوى وعلى الرغم من أن املفاهيم التي طرأت على التكافؤ إال أنه ال
ً
يزال مكانا للنقاش والدراسة باعتبار أن جل نظريات الترجمة تعتبر الترجمة ظاهرة
مزدوجة لغوية وغير لغوية في ٍآن واحد 2.وحسب جيرمي مندي ،التكافؤ هو وصف
وتفسير العالقة بين النص املصدر والنص الهدف التي يتم قياسها وتحليلها
بخمسة عناصر هي( :كتابة وتحرير الكلمات سواء كانت جمال أو نصوصا ،وتحليل
املعنى املعجمي سواء كان معنى صريح أو ضمني ،وأثر التواصل الذي يحدثه التكافؤ
الحر ،وتشابه الخصائص اللغوية التي يحدثها التكافؤ الشكلي ،والحالة وهي الهدف
من وظيفة الترجمة التي يحدثها التكافؤ الوظيفي3.
تباينت اآلراء لدى املنظرين للترجمة حول التكافؤ وتصنيفه وأنواع فمنهم
مثل جاكبسون في كتابه األوجه اللغوية للترجمة On Aspects of Translation
1959أرجع أصل التكافؤ إلى علم الرياضيات باعتبار يستخدم للتدليل على تماثل
القيمة في املعادلة الرياضية فمن هنا أيد بعض املنظرين للترجمة بأن التكافؤ يشير
إلى عالقة مماثلة بين املعطيات في النص املصدر وتعويضها بأخرى في النص الهدف
من دون وقوع تغيير بليغ 4.بينما عارض البعض اآلخر التكافؤ بهذا املفهوم من
أمثال سونيل هورنبي التي تعتبر أن استخدام التكافؤ بهذه الطريق أمر غير مقبول
بسبب عدم وجود هوية تكافؤ بين النص املصدر والنص الهدف مما يعنى عدم
وجود تكافؤ تام ومطلق باعتبار أن التكافؤ مفهوم ثابت وغامضً .
وبناء على هذا
التباين بين املنظرين صنف العلماء التكافؤ ألنواع تجرى عليها الدراسات كعناصر
للتفريق بين الترجمة الحرفية وترجمة املعنى باملعنى املكافئ له بحيث ال يمثل ذلك
طرائق أو إستراتيجيات للترجمة .ووفق لذلك تم تصنيف التكافؤ إلى فئات وأنواع
حسب وظيفته وأهميته في الترجمة ومع ذلك نجد بعض العلماء واملنظرين اختلفوا
املترجم ،املجلد ،18العدد ،2جوان 2018 110
الترجمة من منظور فقهاء اللغة :اإلشكاليات واإلستراتيجيات
في تعريف وتصنيف التكافؤ وينظر إليه كل طرف منهم حسب الرؤية التي يتبناها
على أساس اللغة ونوع النص ووظيفة التكافؤ وظل إلى يومنا هذا مكان نقاش
ً ً
واختالف لدى منظري الترجمة مما جعله يشهد تطورا كبيرا من حيث التنظير
ً
والتناول فمثال كاتفورد Catfordيعتبر التكافؤ ظاهرة أساسية في الترجمة على
املستويين النظري والتطبيقي وحدد له شروطا ميزها بنوعين هما التكافؤ النص ي
Textual Equivalenceالذي يركز على إمكانية إيجاد مكافئ للنص املصدر في لغة
الهدف.
أما النوع اآلخر هو التوافق الشكلي Formal Correspondenceالذي
يركز على استبدال العناصر اللغوية في لغة املصدر بعناصر توافقها في لغة الهدف
وفق النظام العام الذي يحكم اللغتين .بينما يعرف بوبوفيك Popovicالتكافؤ في
كتابه نظرية الترجمة الفنية Theory of Artistic Translationبأربعة أنواع 5هي:
التكافؤ اللغويLinguistic Equivalence :o
oالتكافؤ النموذجي (اإليحائي)Paradigmatic Equivalence :
oالتكافؤ األسلوبيStylistic Equivalence :
oالتكافؤ النص ي (السياقي)Textual (Syntagmatic) Equivalence :
من خالل هذا التميز الذي صنف به التكافؤ تظهر هوية الرسالة املعبر
عنها بين النص املصدر والنص الهدف ،بالتالي كلما ابتعد املترجم عن التكافؤ
املناسب والدقيق ظهرت إشكالية التكافؤ بوضوح .ومشكلة التكافؤ رغم بروزها على
السطح في أعمال الترجمة إال أن أهل االختصاص من علماء اللغة ومنظرين
الترجمة حملوها أكثر من طاقتها من خالل التباري في تعريف وتميز التكافؤ الذي
ً
اختلفت فيه املسميات أكثر من األشكال الوظيفية للتكافؤ .فمثال في مقابل
التصنيف الذي أحدثه بوبوفيك نجد يوجين نايدا Nidaقد ميز التكافؤ بنوعين
هما :التكافؤ الشكلي Formal Equivalenceالذي ركز من خالله على نقل الرسالة
نفسها وبذات الشكل واملضمون وأطلق نايدا على هذا النوع من الترجمة "الترجمة
الشرحية" أي اإليضاح التي قصد منها حصول املتلقي على الفهم النص املصدر
بالقدر املمكن .والنوع الثاني هو التكافؤ الحر (الحركي) Dynamic Equivalence
الذي ركز فيه على قدرة التأثير املكافئ وقصد بذلك تشابه العالقة بين متلقي النص
ً
املصدر ومتلقي النص الهدف .وكذلك أضاف كولر Koller 6تصنيفا أخر من أنواع
التكافؤ شملت:
التكافؤ الداللي (الصريح)Denotative Equivalence : ▪
التكافؤ الضمنيConnotative Equivalence : ▪
التكافؤ الشكليFormal Equivalence : ▪
التكافؤ التداوليPragmatic Equivalence : ▪
ي (املعياري)Text-Normative Equivalence : التكافؤ النص ▪
من خالل تناول إشكالية الترجمة املتمثلة في مشكلة التكافؤ نجد أن أهل
االختصاص من منظرين يتبادلون األدوار في في تسمية وتصنيف أنواع التكافؤ
ً ً
وبنفس الخصائص واملعالجات رغم اختالف الرؤى أحيانا .فمثال تجد التكافؤ
الضمني Equivalence Connotativeعند كولر يشابه التكافؤ الداللي Semantic
Equivalenceفي جزئية عالقته بالكلمات باعتبار أن املنهج فيه الترجمة الحرفية
هي اإلستراتيجية املناسبة .كما جاء التكافؤ املرجعي Referential Equivalence
ً
ضمنا في املعاني التي ميزها يوجين نايدا بغرض تمكين املترجم من معالجة النص
املصدر والنص الهدف عبر وضع نفس الحقائق واملرجعية التي صدر بها النص
األصل ،والتكافؤ الوظيفي Functional Equivalenceالذي قصد به تمكين
املترجم من العناصر اللغوية والثقافية وحسن السياق في لغة الهدف وهي أفضل
إستراتيجية تتبع لترجمة املصطلحات واألمثال .أما منى بيكر Mona Bakerفي كتابها
الذي يحمل عنوان "بمعنى آخر "In other wordsتعتبر أن التكافؤ هو األسلوب
الذي يستخدمه املترجمين أكثر من غيره في عملية الترجمة وصنفته بمسميات
أخرى 7هي:
التكافؤ على مستوى الكلمةEquivalence at word level : o
التكافؤ فوق مستوى الكلمةEquivalence above word level : o
التكافؤ النص يTextual Equivalence : o
التكافؤ النحويGrammatical Equivalence : o
تطابق في العالقة بين الرسالة واملتلقي كما في الترجمة التي يستخدم فيها التكافؤ
الحر بغرض إيجاد مكافئ طبيعي للرسالة في النص املصدر وبنفس التأثير الذي
يحدثه النص املصدر في املتلقي ،عند البحث عن توفير سياق طبيعي في النص
الهدف .وبذلك يمكننا أن نتوافق مع رؤية نايدا في كتابه (نحو علم الترجمة ،صفحة
)159استخدام التكافؤ الحر وتكييفه وأقلمته على مستوى النحو عبر "تحويل
تراكيب الكلمات واستخدام الفعل مكان االسم وتبديل االسم بالضمير".
ثالثا :إشكالية الثقافةCulture’s Problem In Translation :
ً ً
نجد أن الترجمة ترتبط ارتباطا كبيرا بالثقافة ،فالثقافة هي سلسلة من
السلوكيات والقيم واملفاهيم واملبادئ واألفكار التي يحملها اإلنسان .فهي مكمل
ُّ ُّ ُّ
ِللغة واللغة مكمل للثقافة باعتبار أن اللغة وسيلة للتعبير عن الثقافة .فالثقافة
بمفهومها األشمل هي مجموعة من القيم واملعارف والعادات واألخالق والفنون
واملعتقدات واألعراف والقوانين التي يكتسبها اإلنسان من املجتمع والبيئة التي
يعيش فيها ،وفي هذا الخضم نجد أن الترجمة هي حاجة اإلنسان إلى نقل املعلومات
وتوصيل األفكار بين اللغات املتعددة بغرض التفاعل والتبادل الثقافي بين
املجتمعات بما يقرب املفاهيم الثقافية بين تلك الشعوب .ضمن هذا الفهم يسعى
املترجم إليجاد نظير أو تكافؤ ثقافي بين النص املصدر والنص الهدف وفق طبيعة
وثقافة اللغتين ومن هنا تظهر اإلشكالية الثقافية في الترجمة واملتمثلة في
االختالفات الثقافية بين األمم بسبب التباين الثقافي الذي يوصل عملية الترجمة إلى
ما ُيعرفه علماء الترجمة بتعذر الترجمة Untranslatabilityويحدث ذلك بسبب
عدم وجود اصطالح أو تعبير في لغة الهدف يقابل ما في لغة املصدر وبذلك تكون
إشكالية الثقافة أكبر معضلة في الترجمة نتيجة لصعوبات مرتبطة ببعض العناصر
منها :املعتقدات وبيئة مجتمع الثقافة.
لم تغيب إشكالية الثقافة في الترجمة عن نقاش علماء اللغة والترجمة إذ
يرى تايلور ) (Taylor’s 1871في ذلك على أن الثقافة هي مفهوم كبير يتضمن
مجموعة من القيم واألخالق واملعتقدات واملعارف والفنون واألعراف والقوانين
والعادات والتقاليد التي يكتسبها اإلنسان باعتباره عضوا في مجتمع من املجتمعات.
كما هو الحال عند بيتر نيومارك ) (Newmark 1988الذي اعتبر أن الثقافة هي
أسلوب العيش واملظاهر التي يظهر مجتمع ما من خالل استخدام ذلك املجتمع
ُّ
ِللغة محددة على أنها وسيلة للتعبير .وعند الترجمة من لغة إلى لغة ومن ثقافة إلى
ثقافة أخرى يواجه املترجم تلك اإلشكاليات الثقافية والتي من ضمنها تعابير
ومصطلحات سياسية ودينية وإدارية وأدبية مما يصعب عليه إيجاد نظير أو تكافؤ
ً
يتناسب مع ذلك في اللغة والثقافة الهدف .فمثال في الثقافة العربية نجد اسم انثى
البعير (الجمل) هي الناقة التي ال نظير أو مكافئ في اللغات األخرى كاإلنجليزية مثل
ُ ّ
قول الشاعر الجاهلي املنخل اليشكري:8
أحبها وتحبني ويحب ناقتها بعيري
فالناقة اسم له حضور كثيف في الثقافة العربية ورد في النصوص
الدينية في القرآن الكريم مثل ناقة نبي هللا صالح عليه السالم وكذلك في السيرة
النبوية لسيدنا محمد صلى هللا عليه وسلم (ناقته القصواء) باإلضافة إلى ورود
كلمة الناقة في الشعر العربي بشكل عام .وعند ما حاول بعض املترجمين ترجمة
بيت الشعر أعاله واجهتهم إشكالية إيجاد النظير أو املكافئ في الثقافة اإلنجليزية
فمنهم من رأى ما يناسب ذلك في قول شكسبير “Who loves me, :Shakespeare
” Love my Dog with meفترجم البيت على النحو التاليI love her, she loves :
me with my camelإال أن البعض ترجمة كلمة ناقة إلى اإلنجليزية بـ The female
of camelلتصبح ترجمة البيتI love her, she loves me and my camel :
loves her female camel tooوهنالك من ترجم كلمة ناقة بـ she- camelوفي
اعتقادي هذا صحيح باعتباره يطابق ترجمة ناقة في القرآن في اآلية رقم ( )64من
وها َت ْأ ُك ْل في َأ ْ ض هَّللا َوَال َت َم ُّس َ
وها سورة هودَ ( :و َيا َق ْوم ََٰهذه َن َاق ُة هَّللا َل ُك ْم َآي ًة َف َذ ُر َ
ِ ر ِ ِ ِ ِ ِِ
اب َقر ٌ
يب)9 وء َف َي ْأ ُخ َذ ُك ْم َع َذ ٌ
ِب ُس ٍ
ِ
(")64 And O my people, this is the she-camel of Allah - [she is] to you a
sign. So let her feed upon Allah’s earth and do not touch her with
"harm, or you will be taken by an impending punishment
لتصبح ترجمة البيت:
I love her, she loves me and my loves her
she-Camel loves too
وبنا ًء عليه نجد أن االختالف بين اللغات يصاحبه اختالف بين الثقافات
ً
فمثال االختالف بين لغة املصدر والهدف يصاحبه اختالف بين الثقافتين املصدر
والهدف مما يؤثر بشكل واضح على عملية التواصل بين هاتين الثقافتين املختلفتين
وبذلك يتم التأثير على عملية الترجمة .من هنا تتضح أهمية الخلفية الثقافية
وأثرها على عملية الترجمة وبالتالي ظهور إشكالية األبعاد والخصوصيات الثقافية
نتيجة لعناصر ومقومات البيئة والحضارة املعنية بالثقافتين املنقول منهما وإليهما،
ً
فمثال في الثقافة اإلنجليزية بعض العبارات واألمثال واملصطلحات تحتاج من
املترجم إدراك الثقافتين في مثل الحاالت التالية:
في الثقافية اإلنجليزية تعبير يجعل املترجم في موقف صعب إذا لم يدرك
الثقافة وهو “If you were in my shoes” :والذي يفهمه الشخص العادي غير
املدرك للثقافة على أنه "إذا كنت في حذائي" وهي ترجمة حرفية ركيكة تخل باملعنى
املراد والذي يمكننا أن نفهمه على أنه "لو كنت في مقامي أو لو كنت في موقعي"
وكذلك مثال آخر من الثقافة اإلنجليزية “I have kept some money in the
ً
” Chest for a rainy dayالذي يترجم حرفيا إلى "لقد أبقيت على بعض املال في
الصدر ليوم ممطر" إذ تظهر اإلشكالية الثقافية في كلمة Chestالتي فهمت في
ثقافة الهدف على أنها الصدر بينما هي في ثقافة املصدر تعنى الخزنة وكذلك عبارة
Rainy Dayالتي فهمت في ثقافة الهدف على أنها "يوم ممطر" بينما هي في ثقافة
املصدر تعني "اليوم األسود" وبالتالي الترجمة الصحيحة هي "لقد احتفظت بعض
النقود في الخزانة لليوم األسود".
ً ً
وهكذا يؤدي البعد واالختالف الثقافي بين اللغات والثقافات دورا مهما في
عملية الترجمة .فالعبارات واملصطلحات التي لها بعد ثقافي يحمل أكثر من داللة في
أي لغة من اللغات قد ال تجد نفس البعد في لغة من اللغات األخرى ،مما يجعل
األمر يتطلب تكييف املضمون بما يتناسب مع معطيات الثقافتين.
ً
رابعا :إشكالية تعذرالترجمةUntranslatability Problem :
تعتبر إشكالية تعذر الترجمة من أكثر صعوبات الترجمة املرتبطة باألبعاد
الثقافية واللغوية ،التي يقف عندها املترجم في حيرة من أمره وعجزه عن إيحاد
نظير أو مكافئ لبعض املصطلحات أو التعابير في لغة الهدف .وبالتالي تتعذر الترجمة
أو تصبح شبه مستحيلة وفي ذلك يقول جون كاتفورد Catfordفي كتابه (نظرية
لغوية في الترجمة " )1965تنعدم إمكانية تعويض عنصر أو تركيب في بنية اللغة
املصدر بعنصر آخر في اللغة الهدف" ،10وهذا يعتبر تعذر طبيعي نتيجة لالختالف
في أنظمة اللغات إذ أن أي لغة لها نظامها الخص الذي يختلف عن لغة أخرى.
طر ائق وإستراتيجيات املعالجةMethods and Solution Strategies :
وفق املفهوم العلمي فإن الطريقة Methodهي مجموعة من األساليب
واإلجراءات والوسائل التي يقوم بها املترجم من أجل أن يحقق الهدف املنشود من
ترجمة النص املصدر إلى لغة الهدف .وبهذا املفهوم تكاد تكون الطريقة هي األسلوب
واألسلوب هو الطريقة أو جزء منها فيما يتعلق باإلجراءات التي يتخذها املترجم عند
ترجمة النصوص أو األعمال املراد ترجمتها من لغة ما إلى لغة أخرى .وتنقسم الطرق
واألساليب املتبعة في الترجمة إلى طريقتين مباشرة وغير مباشرة هما (الترجمة
املباشرة والترجمة غير املباشرة) باعتبار أن الطريقة هي جزء من اإلستراتيجية
Strategyالكلمة اإلنجليزية التي أخذت من الكلمة اإلغريقية Stratēgia11وهي في
األساس مصطلح عسكري يعنى الخطة وفن التخطيط للعمليات .أما في مجال
الترجمة فعرفها جون دوليل Jean Delisleعلى أنها "هي الخطة التي يستخدمها
معين ،إذ إن
سياق ٍٍ نص أواملترجم بالطريقة املنسجمة مع الهدف املتبع لترجمة ٍ
إستراتيجية الترجمة هي التي توجه املترجم التباع املنهج العام تجاه النص املراد
ترجمته ،حيث تتميز اإلستراتيجية بأنها القرارات الفورية كتطبيق في الترجمات
املختلفة" ترجمة الباحث.
“Stratėgie utilisée de façon cohėrente par le traducteur en fonction de
la visée adoptée pour la traduction d’un texte donné. La stratėgie de
traduction oriente la démarche globale du traducteur ả l’ėgard du texte
ả traduire et se distingue des décisions ponctuelles comme
l’application des divers procédés de traduction”12.
من هنا يتضح أن إستراتيجية الترجمة هي املنهج العام الذي يتبعه املترجم
ويعمل به في ترجمة النص من لغة املصدر إلى لغة الهدف .ووفق ما اتفق عليه
منظرو الترجمة أن اإلستراتيجيات الخاصة بالترجمة تستخدم من قبل املترجمين
لحل إشكاليات الترجمة التي تواجههم عند عملية الترجمة .إذ تعتبر تلك
اإلستراتيجيات بمثابة التقنيات واألساليب والطرق واإلجراءات املتبعة من قبل
املترجم لحل إشكاليات ترجمة النصوص وبذلك تصنف اإلستراتيجيات إلى نوعين
هما:
.1إستراتيجيات املصدر Source Strategiesوهي طرق وأساليب التمسك بخصائص
وقيم ومعايير ثقافة لغة املصدر املتبعة من قبل املترجم.
.2إستراتيجيات الهدف Target Strategiesوهي طرق وأساليب إخضاع النص
املصدر إلى متطلبات ثقافة لغة الهدف املتبعة من قبل املترجم.
ُ
وبناء على تصنيف أهل املصدر وأهل الهدف تقسم اإلستراتيجيات إلى
قسمين هما :إستراتيجيات الترجمة املباشرة وإستراتيجيات الترجمة غير املباشرة
ً
وأحيانا تسمى إستراتيجيات الترجمة الحرفية وإستراتيجيات الترجمة الحرة:
أساليب وتقنيات الترجمة املباشرة: أ.
الترجمة باالستالف أو االقتباسBorrowing : o
الترجمة عن طريق النسخCalque : o
الترجمة الحرفية أو ما يعرف بالترجمة كلمة بكلمةLiteral Translation : o
والصياغة واملعنى واللغة .لهذا ومن أجل تدارك تلك اإلشكاليات على املترجم اتباع
ما يلي:
إجادة اللغتين املصدر والهدف وثقافتيهما إجادة تامة واستخدام املعينات
التي تساعد في الترجمة من قواميس ومصادر ووسائل حديثة .التمكن من الحلول
اآلنية أثناء عملية الترجمة مع إمكانية العمل في أجواء تناسب طبيعة عمل الترجمة
والدقة واألمانة في عملية الترجمة والنقل واالضطالع املستمر ومواكبة مستجدات
اللغات والترجمة والثقافة .كما يتعين على املترجم املختص واملمارس والهاوي إدراك
االختالفات بين اللغات والثقافات ،مما يتيح له الفرصة باتباع اإلستراتيجية التي
تتناسب مع حل إشكالية الترجمة املاثلة أمامه وفق الرؤى واإلجراءات والتقنيات
التي وضعها فقهاء اللغة واملنظرون في مجال الترجمةً .
وبناء على معرفة وإدراك
املترجم وإحاطته بحلول وإستراتيجيات وطرق معالجة إشكاليات يتم اختيار أي
ً
تقنية أو أسلوب حسب طبيعة اإلشكالية .فأحيانا نجد املترجم يتبع إستراتيجيات:
التكافؤ بأنواعه املختلفة والتطابق والتطبيع Naturalizationواملعنى العام
General Senseوالنسخ اللفظي Transliterationوالترجمة بالثنائية
Translation Coupletوإيضاح الترجمة بالثالثية Translation Tripletوالترجمة
بالشرح (املصنف )Classifierوالترجمة بالتحييد Neutralizationوالترجمة بشرح
املواز
ِ وتحليل املكونات Componential Analysisوالترجمة بالشرح والتعبير
Paraphraseوالترجمة بالحذف Deletionوالترجمة بالتكييف Adaptation
والترجمة بالتوطين والتغريب Domestication and Foreignizationوالترجمة
باالستالف Borrowingوالترجمة بالتصرف وغيرها.
.3املنهجية:
اتبعت الدراسة املنهج الوصفي الذي يصف الظاهر ويحدد مكامن
إشكاليات الترجمة باإلضافة إلى املنهج الكيفي من خالل أخذ بعض العينات من آراء
فقهاء اللغة ودراسات الترجمة حول اإلشكاليات وإستراتيجيات املعالجة من أجل
اإلجابة عن أسئلة البحث.
.4الدراسات السابقة:
هنالك عدد ال بأس به من الدراسات السابقة واملتعلقة بإشكاليات
الترجمة إال أن معظمها تناولت إشكاالت أنواع الترجمة املختلفة كل على ِح َد ٍة .ومن
تلك التجارب ما هو حول إشكاليات الترجمة واستخدام بعض اإلستراتيجيات
وسيتطرق الباحث لدراسة واحدة بالتعليق وهي:
تناولت حيزية سلمي ( )2009دراسة مشاكل الترجمة بوجه عام وخاصة
الترجمة األدبية في إيجاد املكافئ في اللغة الهدف من خالل نقل املعنى بما يناسبه.
واستخدمت إستراتيجية اإليضاح في الترجمة من أجل تبيين الغموض الذي يكتنف
النصوص األدبية ضمن آراء علماء الترجمة ،باإلضافة إلى أساليب اإليضاح التي
يستخدمها املترجم أثناء عملية الترجمة بوعي أو بدون وعي مثل التعويض والتذويب
وإعادة البناء وحاشة املترجم .وبالتالي خلصت الدراسة إلى ما يلي:
أ .أن إستراتيجية اإليضاح ضرورة يتبعها كل مترجم.
ب .أن إستراتيجية اإليضاح إجراء مالزم لعملية الترجمة رغم القيود اللغوية.
ج.هنالك أساليب يتبعها املترجم تجعل املتلقي في اللغة الهدف يرى النص الهدف
كأنه النص املصدر.
د .اتبعت الدراسة املنهج الوصفي وتطرقت إلى بعض أهم نظريات الترجمة وأحدثها
من خالل املقاربات كما تبنت الدراسة الترجمة املكافئة.
.5النتائج:
.1حققت النظريات واإلستراتيجيات واألساليب والتقنيات التي وضعها املنظرون في
مجال الترجمة ودراساتها من لغويين وعلماء دراسات الترجمة األهداف التي وضعت
من أجلها في حل ومعالجة بعض قضايا الترجمة وإشكالياتها.
.2تشابهت النظريات واإلستراتيجيات في معظم طرق وإسترانيجيات املعالجة.
.3أظهرت النظريات الدور الذي يؤديه منظرو اللغات ودراسات الترجمة في مجال
الترجمة ومدى مساعدة ذلك للمترجمين وكل من يمارس مهنة الترجمة وطالب العلم
في مواجهة إشكاليات الترجمة.
املراجع العربية:
-الديداوي ،محمد ( .)1992علم الترجمة بين النظرية والتطبيق ،دار املعارف للطباعة
والنشر ،تونس.
-الديداوي ،محمد ( .)2005منهاج املترجم ،املركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء.
-الشرقاوي ،عبد الكريم ( .)2009الترجمة والنسق األدبي ،دار توبقال للنشر ،الدار
البيضاء.
-برمان ،أنطوان ( .)2010الترجمة والحرف ،املنظمة العربية للترجمة ،بيروت.
-الجاحظ ،أبو عثمان بن بحر ( .)1959كتاب الحيوان ،ج ، 1الدار املصرية للنشر،
مصر.
-بن سكران بلقاسم ( .)2009الترجمة األدبية في ضوء سيميائيات التلقي (دراسة
ُ
وتحليل رواية الطاعون في نصها األصلي واملترجم :لنيل درجة املاجستير في النقد األدبي من
جامعة السانيا بوهران – الجزائر).
، الدار االيطالية للنشر، قضايا تاريخ ونظرية الترجمة األدبية.)1972( ليوناردو بروني-
.روما
PUf املطابع الجامعية الفرنسية، اكتشاف نظريات الترجمة.)1963( سنت جيروم-
.باريس
شركة جون بنجاميز للطباعة، اتجاهات دراسات الترجمة.)2006( سنيل هورنبي-
. أمستردام،والنشر
. بيروت، دار املنتخب العربي، املشاكل النظرية في الترجمة.)1963( جورج مونان-
:املراجع األجنبية
- Munday, J. (2001). Introducing Translation Studies, Theories and
Applications. Routledge, New York.
- Baker, M. (1992). In Other Words - A Coursebook on
Translation, Routledge, London.
- Newmark, P. (1987). A Text book of Translation, Foreign
Education Press, Shanghai.
- Mona Baker, (2001). Routledge Encyclopedia of Translation
Studies, Routledge, New York.
- Nida, E. A. (1964).Toward a science of Translating, E.J. Brill,
Leiden.
- Catford, J. C. (1965). A linguistic Theory of Translation; An
Essay in Applied Linguistics, Oxford University Press, London.