You are on page 1of 2

‫المدرسة الفرنسية‬

‫وقد ارتبطت بالمنظور التاريخي لألدب‪ ،‬إذ يرى دارسو األدب األعمال األدبية في صورة أعمال‬
‫منتظمة في نسق تاريخي‪ ،‬ويطبقون مقوالت التأريخ وفلسفته ومناهجه في دراساتهم األدبية‪ .‬وتبدأ‬
‫هذه المقوالت بمقولة (النسبية الزمانية والمكانية) أي أن لكل زمان ومكان تقاليد وأذواقا ومعايير‬
‫وأعرافا ونظما سياسية واقتصادية واجتماعية تحكم هذا المكان والزمان‪ ،‬ثم إن هذه االتقاليد‬
‫واألذواق والمعايير‪ ...‬تتغير بمرور الزمان واختالف األمكنة‪ ،‬وعليه؛ فالبد من الرجوع بالعمل‬
‫األدبي حين دراسته إلى فضائه الزماني والمكاني‪ ،‬وأن ال نفسره أو نحكم عليه بأعين عصرنا‬
‫الحاضر‪ ،‬وإنما بأعين معاصريه‪ .‬ثم تأتي مقوالت التاريخ األخرى التي ُيطبقها أصحاب المدرسة‬
‫الفرنسية من مثل‪ :‬السببية‪ ،‬والنشوء والتطور للظواهر األدبية‪ ،...‬واليقينية وهي تخص العمل‬
‫األدبي في توثيقه‪ .‬من أشهر أقطاب المدرسة الفرنسية‪ :‬فان تيجم‪ ،‬فرنسوجويار‪،‬رينيهإيتامبل‬

‫وبفضل ما تتمتع به فرنسا من ثقافة ونفوذ وربما هيمنة أيضا تمتد جذورها إلى منتصف‬
‫القرن السابع عشر ‪ ،‬فقد استطاعت وجهة النظر الفرنسية أن تفرض نفسها؛ وأن تترك بصماتها‬
‫على مفهوم األدب المقارن منذ نشأته األولى؛ حتى ُأِخذ ُيعرف بـ ( المفهوم الفرنسي لألدب المقارن‬
‫)‪ .‬لقد كان آلراء بول فان تيغم‪ ،‬وجان ماري كاريه‪ ،‬وفرانسوا غويار‪ ،‬وغيرهم دور كبير وبارز‬
‫ال في تحديد هذا المفهوم فحسب بل في انتشاره أيضا في معظم البلدان األوربية وفي وصوله إلى‬
‫أقطار اخرى خارج أوربا؛ بما في ذلك أمريكا‪.‬‬

‫يقول بول فان تيغم في مقدمة كتابه ( األدب المقارن )‪ (( :‬واألدب المقارن علم فرنسي في‬
‫جله‪ ،‬له ماضيه الالمع وله آماله العراض ))‪ .‬ثم يقدم تعريفا محددا حيث يقول‪ (( :‬إن األدب‬
‫المقارن بالمعنى األصلي للكلمة يدرس في العالب عالقات ثنائية ‪ ،‬أي عالقات بين عنصرين‬
‫فحسب‪ ،‬سواء أكان هذان العنصران كتابين أم كاتبين أم طائفتين من الكتب أو الكَّت اب‪ ،‬أم أدبين‬
‫كاملين‪ .‬وسواء أ كانت هذه العالقات تتصل بمادة األثر الفني أم بصورته ))‪.‬‬

‫ففي هذا النص يكشف لنا فان تيغم عن فهمه لجوهر الدراسة المقارنة ‪ ،‬فهي دراسة العالقات‬
‫الثنائية أي بين ( ُمرِس ل وُمْس َت قِبل ) ثم ( واسطة ) تربط بينهما وتأخذ على عاتقها مهمة نقل‬
‫( الرسالة ) من الطرف األول إلى الطرف الثاني ‪ .‬وال يغيب عن بال فان تيغم الطابع الغربي‬
‫للظروف التاريخية التي كانت وراء قيام منهج الدراسة المقارنة في المراحل األولى؛ فالخصائص‬

‫‪1‬‬
‫القومية لهذه اآلداب‪ ،‬وجوهر العالقات التاريخية بينها هي التي وجهت دائما ذهن الباحث المقارن‬
‫وفكره وهو يفكر بحلول يراها مناسبة للمعضالت التي تواجهه ‪.‬‬

‫ولعل جان ماري كاريه أكثر وضوحا وجزما من سابقه وهو يربط الدراسة المقارنة بمناهج‬
‫البحث التاريخي‪ ،‬وكذلك في موقفه من قضية التأثير والتأثر وأهميته في أية دراسة مقارنة حيث‬
‫يقول‪ (( :‬إن كلمة التأثير معناها غالبا التأويل‪ ،‬فرد الفعل‪ ،‬فالمقارنة‪ ،‬فالمعركة)) وهذا ما يذكرنا‬
‫بقول بول فاليري‪ (( :‬ال يوجد شيء أكثر ابتكارا وال أشد شخصية من أن يتغذى االنسان من‬
‫اآلخرين‪ ،‬ولكن ينبغي هضم هذا الغذاء‪ ،‬فالحق ان االسد مكون من خراف مهضومة ))‪ .‬وعلى هذا‬
‫فان دراسة األدب المقارن إنما تهدف إلى وصف انتقال شيء أدبي إلى خارج حدوده اللغوية‪ ،‬كما‬
‫يتعين على الدارس أن ينظر إلى األمر من عدة نواحي فــ ‪:‬‬

‫‪ -‬إما أن يدرس موضوع هذا االنتقال‪ ،‬وهو عادة إما أنواع أدبية أو أشكال فنية أو أساليب‬
‫وصور تعبيرية‪ ،‬وأما آراء أو نماذج‪ ،‬أو أساطير أو عواطف ‪.‬‬

‫‪ -‬وإما أن يدرس كيفية االنتقال‪ ،‬وهو إما أن تناول ناحية ( المرَس ل ) فيدرس رواج مؤلف‬
‫أو كتاب أو نوع أدبي في بلد أجنبي و( التأثير ) الذي احدثه هذا كله فيه والتقليدات التي‬
‫كان موضوعا لها‪ ،‬فالمرَس ل هنا واحد والمظاهر كثيرة ‪.‬‬
‫‪ -‬وإما أن يقف الدارس من ناحية ( المرِس ل ) فيدرس المصادر التي استمد منها المؤلف‪،‬‬
‫والتي قد تكون كثيرة إلى غير غاية ‪ ،‬والوحدة في هذه المرة هي وحدة المستقِبل ‪.‬‬
‫‪ -‬ثم البد من الوقوف عند ( الوسطاء ) الذين سهلوا انتقال التأثيرات ووحدة كل موضوع‬
‫هنا هي وحدة الناقل ‪.‬‬

‫‪2‬‬

You might also like