You are on page 1of 3

‫القرآن والعلوم الكونية‬

‫يقول اإلمام أبو إسحق الشاطبي‪:‬‬


‫"هذه الشريعة المباركة أمية‪ ،‬ألن أهلها كذلك‪ ،‬فهو أجرى على اعتبار‬
‫المصالح"‬
‫"م ‪--‬ا تق ‪--‬رر من أمي ‪--‬ة الش ‪--‬ريعة وأنه ‪--‬ا جاري ‪--‬ة على م ‪--‬ذاهب أهله ‪--‬ا‪ ،‬وهم الع ‪--‬رب‪،‬‬
‫ينبني عليه قواعد‪:‬‬
‫منه ‪--‬ا‪ :‬أن كث ‪--‬يرا من الن ‪--‬اس تج ‪--‬اوزا في ال ‪--‬دعوى على الق ‪--‬رآن الح ‪--‬د‪ ،‬فأض ‪--‬افوا‬
‫إلي‪-- -‬ه ك‪-- -‬ل علم ي‪-- -‬ذكر للمتق‪-- -‬دمين أو للمت‪-- -‬أخرين‪ :‬من عل‪-- -‬وم الطبيعي‪-- -‬ات‪ ،‬والتع‪-- -‬اليم‪،‬‬
‫والمنط ‪-- -‬ق‪ ،‬وعلم الح ‪-- -‬روف‪ ،‬وجمي ‪-- -‬ع م ‪-- -‬ا نظ ‪-- -‬ر في ‪-- -‬ه الن ‪-- -‬اظرون من ه ‪-- -‬ذه الفن ‪-- -‬ون‬
‫وأش ‪--‬باهها‪ .‬وه ‪--‬ذا إذا عرض ‪--‬ناه على م ‪--‬ا تق ‪--‬دم(‪ )1‬لم يص ‪--‬ح‪ .‬وإ لى ه ‪--‬ذا ف ‪--‬إن الس ‪--‬لف‬
‫الص‪--‬الح‪ ،‬من الص‪--‬حابة والت‪--‬ابعين ومن يليهم‪ ،‬ك‪--‬انوا أع‪--‬رف ب‪--‬القرآن وبعلوم‪--‬ه وم‪--‬ا‬
‫أودع في‪-‬ه‪ ،‬ولم يبلغن‪-‬ا أن‪-‬ه تكلم أح‪-‬د منهم في ش‪-‬يء من ه‪-‬ذا الم‪-‬دعى س‪-‬وى م‪-‬ا تق‪-‬دم‬
‫وم‪--‬ا ثبت في‪--‬ه من أحك‪--‬ام التكلي‪--‬ف وأحك‪--‬ام اآلخ‪--‬رة وم‪--‬ا يلي ذل‪--‬ك‪ .‬ول‪--‬و ك‪--‬ان لهم في‬
‫ذل‪--‬ك خ‪--‬وض ونظ‪--‬ر لبلغن‪--‬ا من‪--‬ه م‪--‬ا ي‪--‬دلنا على أص‪--‬ل المس‪--‬ألة‪ .‬إال أن ذل‪--‬ك لم يكن‪،‬‬
‫فدل على أنه غير موجود عندهم‪ .‬وذلك دليل على أن القرآن لم يقصد في‪--‬ه تقري‪--‬ر‬
‫لش‪--‬يء مم‪--‬ا زعم‪--‬وا‪ .‬نعم تض‪--‬من علوم‪--‬ا هي من جنس عل‪--‬وم الع‪--‬رب أو م‪--‬ا ينب‪--‬ني‬
‫على معهوده ‪-- -‬ا‪ ،‬مم ‪-- -‬ا يتعجب من ‪-- -‬ه أول ‪-- -‬وا األلب ‪-- -‬اب‪ ،‬وال تبلغ ‪-- -‬ه إدراك ‪-- -‬ات العق ‪-- -‬ول‬
‫الراجح‪--‬ة دون االهت‪--‬داء بأعالم‪--‬ه واالس‪--‬تنارة بن‪--‬وره‪ ،‬أم‪--‬ا أن في‪--‬ه م‪--‬ا ليس من ذل‪--‬ك‬
‫فال […]‬
‫ومنه‪-- -‬ا‪ :‬أن‪-- -‬ه إنم‪-- -‬ا يص‪-- -‬ح‪ ،‬في مس‪-- -‬لك األفه‪-- -‬ام والفهم‪ ،‬م‪-- -‬ا يك‪-- -‬ون عام‪-- -‬ا لجمي‪-- -‬ع‬
‫الع ‪--‬رب‪ ،‬فال يتكل ‪--‬ف في ‪--‬ه ف ‪--‬وق م ‪--‬ا يق ‪--‬درون علي ‪--‬ه بحس ‪--‬ب األلف ‪--‬اظ والمع ‪--‬اني‪ ،‬ف ‪--‬إن‬
‫الن ‪--‬اس‪ ،‬في الفهم وت ‪--‬أتي التكلي ‪--‬ف في ‪--‬ه‪ ،‬ليس ‪--‬وا على وزان واح ‪--‬د وال متق ‪--‬ارب‪ ،‬إال‬
‫أنهم يتق‪--‬اربون في األم‪--‬ور الجمهوري‪--‬ة وم‪--‬ا وااله‪--‬ا‪ ،‬وعلى ذل‪--‬ك ج‪--‬رت مص‪--‬الحهم‬
‫في الدنيا ولم يكونوا بحيث يتعمق‪--‬ون في كالمهم وال في أعم‪-‬الهم إال بمق‪--‬دار م‪-‬ا ال‬
‫يخل بمقاصدهم"‪.‬‬

‫أب‪--‬و اس‪--‬حق الش‪--‬اطبي‪ ،‬الموافقات في أصول الش ريعة‪ .‬الج‪--‬زء الث‪--‬اني‪ .‬المكتب‪--‬ة‬
‫التجارية الكبرى القاهرة‪ ،‬ص‪ 79‬وما بعدها‪.‬‬
‫والش‪-- -‬اطبي ه‪-- -‬و أب‪-- -‬و اس‪-- -‬حق إب‪-- -‬راهيم بن موس‪-- -‬ى بن محم‪-- -‬د اللخمي الش‪-- -‬اطبي‬
‫الغرناطي المتوفى سنة ‪790‬هـ (كان معاصرا البن خلدون) أشهر مؤلفاته‪ :‬كت‪--‬اب‬
‫"الموافق ات" الم‪--‬ذكور وه‪--‬و في أص‪--‬ول الفق‪--‬ه‪ ،‬فري‪--‬د في باب‪--‬ه‪ ،‬وكت‪--‬اب "االعتص ام"‬
‫وموض ‪--‬وعه الب ‪--‬دع وأحكامه ‪--‬ا‪ .‬يق ‪--‬ول عن ‪--‬ه الش ‪--‬يخ رش ‪--‬يد رض ‪--‬ا محق ‪--‬ق ه ‪--‬ذا الكت ‪--‬اب‬
‫األخير‪" :‬كان أصوليا مفسرا فقيها‪ ،‬محدثا لغويا بيانيا‪ ،‬نظارا ثبتا‪ ،‬ورع‪--‬ا ص‪--‬الحا‪،‬‬
‫زاهدا سنيا‪ ،‬إمام‪-‬ا مطلق‪-‬ا‪ ،‬بحاث‪-‬ا م‪-‬دققا‪ ،‬ج‪-‬دليا بارع‪-‬ا في العل‪-‬وم‪ ،‬من أف‪-‬راد العلم‪-‬اء‬
‫المحققين األثبات‪ ،‬وأكابر األمة الثقات…"‪.‬‬
‫ويق ‪--‬ول األس ‪--‬تاذ عب ‪--‬د اهلل دراز‪ ،‬ش ‪--‬يخ علم ‪--‬اء دمي ‪--‬اط (بمص ‪--‬ر) في زمان ‪--‬ه‪ ،‬عن‬
‫كت‪-- -‬اب "الموافق‪-- -‬ات" م‪-- -‬ا نص‪-- -‬ه‪" :‬ل‪-- -‬و اتخ‪-- -‬ذ من‪-- -‬ارا للمس‪-- -‬لمين‪ ،‬بتقري‪-- -‬ره بين العلم‪-- -‬اء‬
‫وإ ذاعت ‪--‬ه بين الخاص ‪--‬ة‪ ،‬لك ‪--‬ان مذب ‪--‬ة تط ‪--‬رد أولئ ‪--‬ك األدعي ‪--‬اء المتطلفلين على موائ ‪--‬د‬
‫الش ‪--‬ريعة المطه ‪--‬رة‪ ،‬يتبجح ‪--‬ون ب ‪--‬أنهم أه ‪--‬ل لالجته ‪--‬اد م ‪--‬ع خل ‪--‬وهم من ك ‪--‬ل وس ‪--‬يلة‪،‬‬
‫وتجردهم من الصفات التي تدنيهم من ه‪--‬ذا المي‪--‬دان‪ ،‬س‪--‬وى مج‪--‬رد ال‪--‬دعوى وتمكن‬
‫اله‪--‬وى وت‪--‬رك أم‪--‬ور ال ‪--‬دين فوض ‪--‬ى بال رقيب‪ .‬ف ‪--‬ترى فريق ‪--‬ا ممن يس‪--‬تحق وص ‪--‬ف‬
‫األمي‪-‬ة في الش‪-‬ريعة يأخ‪-‬ذ ببعض جزئياته‪-‬ا يه‪-‬دم ب‪-‬ه كلياته‪-‬ا‪ ،‬ح‪-‬تى يص‪-‬ير منه‪-‬ا إلى‬
‫ما ظهر ل‪-‬ه بب‪-‬ادي ال‪-‬رأي من غ‪-‬ير إحاط‪-‬ة بمقاص‪-‬د الش‪-‬ريعة لتك‪-‬ون ميزان‪-‬ا في ي‪-‬ده‬
‫له ‪--‬ذه األدل ‪--‬ة الجزئي ‪--‬ة‪ ،‬وفريق ‪--‬ا آخ ‪--‬ر يأخ ‪--‬ذ األدل ‪--‬ة الجزئي ‪--‬ة مأخ ‪--‬ذ االس ‪--‬تظهار على‬
‫غرض‪--‬ه في النازل‪--‬ة العارض‪--‬ة‪ ،‬فيحكم اله‪--‬وى على األدل‪--‬ة ح‪--‬تى تك‪--‬ون األدل‪--‬ة تبع‪--‬ا‬
‫لغرضه‪ ،‬من غير إحاطة بمقاصد الشريعة…"‪n‬‬
‫(انظر عرضا لكتاب حول "أثر الشاطبي في الفكر السلفي ب‪--‬المغرب" في ب‪--‬اب‬
‫"متابعات" من هذا العدد)‪.‬‬

‫من ك‪--‬ون الش‪--‬ريعة اإلس‪--‬المية أمي‪--‬ة ن‪--‬زلت على معه‪--‬ود الع‪--‬رب ومس‪--‬تواهم‬ ‫(‪)1‬‬

‫الحضاري والفكري…‬

You might also like