You are on page 1of 57

‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫المقــــدمــــــة‬
‫‪1‬‬
‫إعتبرت األرض سبب الثروة والنماء‪ ،‬والزالت كذلك رغم تبدل الوقت والظروف‬
‫هذا ما جعل اإلنسان في سعي متواصل الستنباط الطرق لغاية تنظيم األرض‪ ،‬ودائم الحرص‬
‫على بيان ما يتصل بها باستحداث الوسائل القانونية ‪.‬‬
‫ومن هنا برز نظام التسجيل العقاري الذي يقوم على فكرة توضيح معالم الملكية‬
‫وإقرارها مسندة إلى مستحقيها‪ ،‬وإخضاع األراضي والمباني لنظام اإلشهار العيني بإنشاء‬
‫رسم يكون بمثابة الحالة المدنية للعقار‪ .‬فال ترسم به من الحقوق العينية إال التي أثبتها الحكم‬
‫بالتسجيل ومن الحقوق الجديدة إال الثابتة قانونا ‪.‬‬
‫وقد ظهرت طالئع هذا النظام في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بإرساء القانون‬
‫العقاري المعروف بطريقة‪ Acte TORRENS‬الذي دافع عن مشروعه روبارت ريتشارد‬
‫تورينس سنة ‪ 1865‬ووقع إقراره من قبل البرلمان األسترالي سنة ‪. 1868‬‬
‫ويؤكد األستاذ الهادي سعيد أن فكرة التسجيل العقاري فكرة قديمة‪ ،‬تمتد عروقها في‬
‫بطون التاريخ‪ ،‬وقد كانت بابل أول دولة أقامت نظاما ال يقل في الكثير من النواحي إحكاما‬
‫عن نظام التسجيل العقاري المعاصر‪ .‬فأحصت األراضي الزراعية‪ ،‬وأثبتت على صحائف‬
‫من اآلجر ما هو كفيل ب ضبطها والتعرف عليها وجمع المعلومات على األراضي في كل قرية‬
‫باعتبارها مجموعة زراعية‪ ،‬ومراجعتها من حين آلخر‪.‬‬
‫أما تونس‪ ،‬فقد عرفت نظاما لمسح األراضي من العهد القرطاجني ‪ 2‬والذي إستمده من‬
‫الحضارات التي سبقته‪ .‬ثم شهدت في العصر الروماني تطورا للتسجيل العقاري وإجراءات‬
‫تقسيم العقارات ‪.‬‬
‫أما عرب الجاهلية فنجد عندهم عادة تحجير األراضي والتي أخذ بها المسلمون بعدهم‬
‫فقد وضع الفقه اإلسالمي األسس لعلم التوثيق‪ ،‬ودعا لضرورة تحرير الكتائب وتوثيق‬

‫‪ )1‬إبن خلدون"المقدمة"‬
‫‪ ) 2‬يراجع حول المسح في قرطاج محمود العنابي "قانون التسجيل العقاري التونسي" علما وعمال ‪.‬دراسة مقارنة‪ ،‬منشورات معهد البحوت‬
‫والدراسات العربية التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ‪ 1973‬ص‪ 1‬ما يليها‬

‫‪1‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫المعامالت من خالل اآلية الكريمة " إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه"‪ .3‬لكن فقهاء‬
‫اإلسالم لم يضعوا أحكاما لإلشهار العقاري ‪.‬‬
‫أما العهد الحسيني‪ ،‬فلم يشهد تجربة الدفاتر الخاقانية العثمانية‪ ،‬وكان لهذا الوضع األثر‬
‫الكبير‪ ،‬ذلك أنه ساعد الفرنسيين خالل فترة الحماية لإلستالء على أخصب األراضي الزراعية‬
‫في إطار إصالح قانوني‪ ،‬وقع بمقتضاه تغيير نظام الملكية العقارية‪ ،‬وظهرت في هذه الفترة‬
‫الدف اتر العقارية بالبالد التونسية من خالل إصدار األمر العلي المؤرخ في غرة جويلية‬
‫‪ . 41885‬وقد تتالت التطورات القانونية العقارية التونسية مرورا من صدور القانون عدد ‪05‬‬
‫لسنة ‪ 1965‬المؤرخ في ‪ 02‬فيفري ‪ 1965‬المتعلق بإصدار مجلة الحقوق العينية‪ ،‬وصوال‬
‫إلى تنقيح ‪ 17‬أفريل ‪ 2001‬لنفس المجلة ‪.‬‬
‫والمالحظ للقوانين العربية يتبين أن هناك عدة تسميات للقانون العقاري‪ ،‬فمن الدول‬
‫من يطلق عليه إسم قانون التسجيل‪ ،‬وهناك من يسميه نظام اإلشهار العقاري أو الشهر العقاري‬
‫كدولة مصر العربية ‪ .‬ومن هنا نستنتج الخاصية األساسية للتسجيل العقاري وهي وظيفته‬
‫اإلشهارية و ال تي تمثل موضوع رسالتي هذه ‪ .‬فما المقصود بالوظيفة اإلشهارية؟‬
‫تعرف الوظيفة اإلشهارية بأنها مجموع األعمال التي تمكن بمقتضاها إدارة الملكية‬
‫العقارية العموم من اإلطالع على الوثائق التي تمسكها‪ ،‬والتي يجيز القانون أو يوجب عليها‬
‫وضعها على ذمة المطلعين ليقفوا على الحقوق والتصرفات القانونية المتعلقة بالعقارات‬
‫المسجلة حماية ل هم وألرباب تلك العقارات‪ ،‬ولذوي الحقوق الموظفة عليها ‪ .5‬فآلية التسجيل‬
‫العقاري وجدت إلشهار المعامالت العقارية ولكي تصبح الوضعية القانونية للعقار واضحة‬
‫المعالم ‪.‬‬
‫أما مصطلح التسجيل فهو يعد من المصطلحات القانونية األكثر ورودا في المجالت‬
‫القانونية ‪ .‬فبالرجوع لمجلة اإللتزامات والعقود نجد أن لفظة التسجيل مرتبطة بقباضة التسجيل‬
‫أين يتم تسجيل العقود والكتائب والحجج قصد إثبات التاريخ‪ ،‬وحتى يمكن اإلحتجاج بالكتب‬

‫‪ 3‬صورة البقرة اآلية ‪282‬‬


‫‪ 4‬صدر هذا األمر العلي عن الباي وسمي بعد ذلك بالقانون العقاري إعندادا بالتسمية الواردة صلب تقرير اللجنة المكلفة بإعداده ‪ .‬تحولت التسمية‬
‫الفرنسية من ‪ Loi foncière‬إلى ‪ . Code foncier‬أنظر كذلك ‪George SOULMAGNON La loi tunisienne du premier juillet‬‬
‫‪1885 sur la propriete immobilière et le regime des livres fonciers.Lib du recueil sirey, PARIS 1933 N°21 page 17‬‬
‫‪et 18‬‬
‫‪5‬حامد النقعاوي "الوجيز في قانون السجل العيني" ص ‪313‬‬

‫‪2‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫أو العقد خاصة عقود البيع والشراء والقرض وغيرها من العقود‪ .‬وقد ورد هذا المعنى بالفصل‬
‫‪ 581‬من م إ ع وبهذا المعنى ال يعدوا أن يكون التسجيل سواء شرطا من الشروط الشكلية‬
‫المرتبطة بالمفعول اإلحتجاجي للعقد ‪.‬‬
‫أما التسجيل العقاري فقد عرفه الفقيه‪ George SOULMAGNON‬بكونه طريقة‬
‫ترمي إلى إخراج العقار من وضعيته السالفة وجعله خاضعا لنظام السجالت العقارية ‪ .‬أما‬
‫عملية التسجيل فقد عرفها الفقيه‪ Gasse VICTOR‬بأنها نظام يمكن مالك العقار من رسم‬
‫نهائي غير ممكن الطعن فيه‪ ،‬وهذا الرسم هو بمثابة بطاقة الوالدة للعقار من حيث وضعيته‬
‫القانونية‪ .‬لكن تخصيص سجل لكل ملك ومسكه من قبل حافظ الملكية العقارية‪ ،‬ضمانا لعالنية‬
‫المعامالت العقارية والتي تسبقه أعماال أخرى من األهمية والخطورة بمكان وهي إجراءات‬
‫التسجيل‪.‬‬
‫تتميز إجراءات التسجيل بالصبغة اإلشهارية من خالل جملة األعمال الفنية والقضائية‬
‫الموصلة إلثبات شخصية العقار بعد تطهيره من الرسوم القديمة الصحيح منها والمفتعل‬
‫وتصفيته من كل الحقوق والتحمالت القديمة التي لم تعلن وقت التسجيل‪ ،‬وذلك على وجه‬
‫الحسم بمقتضى حكم قضائي ال يقبل المراجعة إال في حاالت محدودة حتى يخرج العقار للناس‬
‫صافيا‪ ،‬واضح المعالم‪ ،‬مسندا الملكية لشخص أو أشخاص معينين ‪.‬‬
‫وهنا نتبين الميزة األساسية للقانون العقاري التونسي‪ ،‬وهي الطابع القضائي لهذا‬
‫التسجيل‪ .‬فإجراءات التسجيل تكون بمراقبة قاض مقرر الذي يقوم بأعمال استقرائية ورد‬
‫تحديدها بالفصل ‪ 329‬من م ح ع ‪ .‬وهذا التوجه إختاره كل من الكونغو وبرازافيل التي‬
‫تعرض مطالب التسجيل على المحاكم العدلية‪ .‬وتبعا لذلك تخضع أحكامها لطرق الطعن العادية‬
‫خالفا للتسجيل ال عقاري التونسي الذي تختص به محكمة خاصة وهي المحكمة العقارية‪ .‬وفي‬
‫مقابل ذلك نجد أن أغلب الدول العربية كالمغرب مثال والدول الغربيـــة كفرنسا تعتمد التسجيل‬
‫اإلداري ‪.‬‬
‫والجدير بالذكر أن الدفاتر العقارية تنقسم إلى صنفين ‪ :‬دفاتر شخصية وهي األقدم‬
‫ودفاتر عينية كثر الجدل حول تحديد تاريخ بروزها‪ ،‬وإن كان جل الباحثون يرجعون أمرها‬
‫إلى التجربة األسترالية ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫فالنظام األول‪ ،‬يمتاز باعتماد أسماء األشخاص المالكين للعقار أو من تصدر عنهم‬
‫تصرفات تتعلق به من خالل ترتيب هجائي دون اإللتفات إلى العقار كمحور لتنظيم الملكية ‪.‬‬
‫وهذه الترسيمات ليست لها قوة ثبوتية‪ ،‬بل هي مجرد إجراء يهدف إلى العالنية فقط دون أن‬
‫يكون لها تأثير على الحق ‪.‬‬
‫أما النظام العيني على غرار القانون التونسي والذي وقع إرساؤه مع دخول الحماية‬
‫لتونس‪ ،‬يعتمد العقار كمحور للتسجيل بالسجل العقاري‪ ،‬ويصبح هذا األخير ذاتا مستقلة‬
‫ومشخصة بكل دقة في صحيفة خاصة به في ذلك السجل ‪.‬‬
‫وقد كان التسجيل العقاري بتونس إختياريا إلى سنة ‪ ،1964‬وبصدور المرسوم رقم‬
‫‪ 03‬لسنة ‪ 1964‬المؤرخ في ‪ 20‬فيفري ‪ ،1964‬أصبح إجباريا‪ ،‬ويمتاز بكونه مجانيا إال أن‬
‫تدخلـه إقـتصر على جهـات دون أخرى ‪ .‬نـتـج عن ذلك نوعان من المطالب وهي مطالـب‬
‫التسجيل العادية ومطالب التسجيل المسحيّة أو اإلجبارية ‪.‬‬
‫ويبقى دور المحكمة العقارية هاما بالنسبة للنظامين مع إختالف إجراءات كل منهما‬
‫ويتمثل بالخصوص في دراسة مطالب التسجيل وفحص الرسوم وتطبيقها على العين والتثبت‬
‫من كونها معززه بالحوز الفعلي السالم من العيوب ‪ ،‬والتحقق من أن الطالب هو فعال صاحب‬
‫الحق وال يدعي باطال ي رمي من ورائه اإلستالء على حقوق غيره ‪ .‬ويتأكد هذا التوجه من‬
‫خالل اإلشهارات‪ ،‬كإشهار مطلب التسجيل بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية خالل العشر‬
‫أيام الموالية لتقديم المطلب كما أورد ذلك الفصل ‪ 322‬م ح ع‪ .‬فالتسجيل العقاري كعملية‬
‫تتدخل في إحداثه ثالثة أجهزة أساس ية وهي مصلحة قيس األراضي كجهاز فني يعد األمثلة‬
‫الهندسية‪ ،‬والمحكمة العقارية كجهاز قضائي تصدر األحكام على ضوء األبحاث اإلستحقاقية‬
‫واإلستقرائية التي يقوم بها القاضي المقرر بإذن منها ثم يأتي دور إدارة الملكية العقارية‬
‫كجهاز إداري وظيفتها إقامة الرسوم العقارية باإلعتماد على األحكام العقارية ‪.‬‬
‫إن الغاية األساسية من التسجيل العقاري‪ ،‬إشهار الحقوق العقارية من خالل إشهار‬
‫المعامالت الواقعة على عقار معين بتخصيص رسم عقاري له ضمن السجل العقاري ‪.‬‬
‫فالوظيفة اإلشهارية بهذا التوجه تتمظهر خاصة بعد صدور الحكم العقاري وإقامة الرسم ‪.‬‬
‫فلئن ال ننفي وجود إشهار في ا ألعمال التحضيرية كالنشر بالرائد الرسمي ‪ ،‬والتعليق للمطالب‬

‫‪4‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫بالوالية التي يوجد بدائرتها العقار‪ .‬إال أن هذه اإلشهارات ال تمثل إال عمليات لإلعالن‬
‫واإلعالم للكافة لضمان صدور حكم عقاري حامل بين طياته الطمأنينة واإلستقرار وبالتالي‬
‫رسم عقاري تتماثل من خالل بياناته الوضعية القانونية للعقار مع الوضعية اإلستحقاقية‬
‫والواقعية له ‪.‬‬
‫وتبعا لذلك سأتناول بالدراسة في هذه الرسالة الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري بعد‬
‫صدور الحكم والتي تطرح عدة إشكاليات قانونية وعملية على درجة كبيرة من األهمية فما‬
‫هو مدلول الوظيفة اإلشهارية‪ ،‬وما مدى ضمان السجل العقاري لمبدأ اإلشهار؟‬
‫لإلجابة عن هذه التساؤالت سأتناول بالدرس في الجزء األول من الرسالة ماهية‬
‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري بعد صدور حكم التسجيل ‪ ،‬فيما أتعرض في الجزء الثاني‬
‫لبيان حدود تلك الوظيفة ‪.‬‬

‫الجـزء األول‪:‬‬
‫ماهيـة الوظيفـة اإلشهاريـة‬
‫يقوم نظام التسجيل العيني الوارد بقانون تورنس والذي وقع تبنيه من المشرع التونسي‬
‫على قاعدة التخصيص ‪ .‬وهي التي تجعل من الوحدة العقارية محور اإلشهار ومرجعه‬

‫‪5‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫األساسي ‪ .‬إن العنصر الثابت في عملية التسجيل والترسيمات الالحقة هو العقار‪ ،‬أما العنصر‬
‫المتغير فهم األشخاص الذين يتعاقبون على التملك به أو اكتساب حقوق عينية فرعية عليه ‪.‬‬
‫تكون الرسم‬
‫أما قاعدة التخصيص فتتمثل في تمييز كل عقار بصحيفة أو عدة صحف ّ‬
‫و انتقاالت‬ ‫العقاري ‪ ،‬والذي يحتوي كل المعلومات التي تخص ذلك العقار من تحمالت‬
‫طرأت عليه ‪ .‬و مجموع الرسوم العقارية تكون السجل العقاري ‪.‬‬
‫و الرسم هو تشخيص للعقار مما جعل البعض يعتبر السجل بمثابة الحالة المدنية‬
‫و‬ ‫للعقار ‪ 6‬من خالل ذكر " رقمه وإسم مالكه وجميع المعامالت التي تطرأ عليه ‪. " ...‬‬
‫بهذا المعنى مثل السجل العقاري تحديدا للوحدة العقارية ‪ ،‬وتثبت الحقوق باسم مالكها‬
‫الحقيقي حسب اإلجراءات المقررة بالقانون العقاري الذي يهدف إلى تطهير الوحدة العقارية‬
‫من جميع الحق وق السابقة قصد إنشاء سند ملكية وسيلته في ذلك اإلشهار فهو آلية وهدف في‬
‫اآلن نفسه ‪.‬‬
‫فالتسجيل العقاري يمثل مرحلة اإلجراءات القضائية قصد الوصول إلى الحكم العقاري‬
‫الذي يقضي بتسجيل معاملة ما على عقار معين بإقامة رسم له ‪ .‬إن إقامة الرسم العقاري‬
‫تكون الحقة للحكم وهي من واجبات إدارة الملكية العقارية ‪ ،‬وبترسيم الحق ينشأ ويثبت‬
‫تجاه األطراف وتجا ه الغير ‪ ،‬فالوظيفة اإلشهارية تبعا لذلك تتمظهر في أحسن مظاهرها في‬
‫السجل العقاري‪ ،‬فهو"المعرف" و"البطاقة المدنية للعقار"‪.‬‬
‫و لدراسة ماهية الوظيفة اإلشهارية سأتعرض في فرع اول من التحليل إلى تحديد‬
‫مفهوم الوظيفة اإلشهارية في ما ابين في الفرع الثاني آليات تحقيق هذه الوظيفة ‪.‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬تحديد مفهوم الوظيفة اإلشهارية‬


‫لئن أمكن تعريف الوظيفة اإلشهارية بأنها مجموع األعمال التي تمكن بمقتضاها إدارة‬
‫الملكية العقارية العموم من اإلطالع على الوثائق التي تمسكها و التي يجيز القانون أو يوجب‬
‫عليها وضعها على ذمة المطلعين ‪ ،‬إال أن هذا التعريف يقصر الوظيفة في اآلليات التي تحققها‬

‫‪ 6‬محمود العنابي" قانون التسجيل العقاري علما وعمال"‬

‫‪6‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫و الحال أنها أشمل من ذلك و محاولة مني تحديد هذا المفهوم سأتناول في مبحث أول دراسة‬
‫مبدأ العالنية و الذي يمظهر الوظيفة اإلشهارية في ما أخصص المبحث الثاني لبيان موجبات‬
‫هذه الوظيفة ‪.‬‬

‫المبحث األول ‪ :‬مبدأ العالنيّة‬


‫المشرع وأعطى‬
‫ّ‬ ‫يخص البيانات الواردة بالسجل العقاري و التي أوجب‬
‫ّ‬ ‫إن مبدأ العالنيّة‬
‫ّ‬
‫اإلطالع عليها من طرف العموم‪ .‬فهذا المبدأ يتمثّل في إخضاع كافة الصكوك المؤثّرة‬ ‫ّ‬
‫حق‬
‫و تبعا‬ ‫على الحقوق العينيّة أو يحتمل أن تؤثـّر عليها بطريق الترسيم بالسجل العقاري‬
‫فالحق العيني ال يوجد إالّ في‬
‫ّ‬ ‫لذلك فك ّل ما لم يشهر بالسجل العقاري ال إعتبار وال عمل به‬
‫إطار هذا السجل ولكن في مقابل هذا المبدأ فإنّنا نجد له إستثناءات ها ّمة‪.‬‬
‫و نظرا ألهميّة هذا المبدأ سأتناول في فقرة أولى تحديد هذا المبدأ و كيفيّة تحقيقه عمليّا‬
‫أتعرض في فقرة ثانية إلى إستثناءات هذا المبدأ‪.‬‬
‫ثم ّ‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬مبدأ عالنيّة السجل العقاري‬


‫يستلزم مبدأ عالنية السجل العقاري أن كل الترسيمات و التنصيصات الواردة بالرسوم العقارية‬
‫ّ‬
‫اإلطالع عليها‪ .‬وتبعا لذلك فال يمكن تجاهل أو نكران بيانات تلك‬ ‫تكون معلنة لك ّل من يريد‬
‫يخص بيانات السجل‬
‫ّ‬ ‫السجل فمثلما الشأن بأن ال يعذر الشخص بجهله للقانون كذلك األمر فيما‬
‫و ال يتمتّع تبعا لذلك‬ ‫العقاري و التي ال يعذر المتعامل على العقار بجهله لتلك البيانات‬
‫ّ‬
‫اإلطالع ممنوح لك ّل شخص يروم ذلك ‪ .‬و أن كل حق‬ ‫بحماية القانون و األمر الذي جعل ّ‬
‫حق‬
‫‪1‬‬ ‫ّ‬
‫الحق بال زيادة وال نقصان‪.‬‬ ‫منصوص عليه بالسجل العقاري ومرسّم به بمثابة حقيقة‬
‫ويتحقّق عمليّـا هذا المبدأ من خالل اإلشهار وهو واجب ليتم ّكن أصحاب الحقوق من‬
‫اإلحتجاج بحقوقهم على الغير فبدون اإلشهار في السجل العقاري ال يمكن لهم اإلحتجاج بتلك‬
‫الحقوق في مواجهة الغير‪.‬‬

‫دكتور محمد مهدي الجم" التحفيظ العقاري في المغرب " دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة الثانية ص ‪282‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪7‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫القوة الثبوتيّة للترسيم‪ ،‬فهذا األخير‬


‫وبهذا المعنى نتبيّن اإلرتباط الوثيق بين مبدأ العالنيّة ومبدأ ّ‬
‫المشرع تحقيقا ألهداف مبدأ العالنيّة ذلك ّ‬
‫أن كالهما يك ّمل اآلخر‪ .‬فقد أوجب‬ ‫ّ‬ ‫كُ ّ‬
‫ـرس من طرف‬
‫المشرع التونسي إشهار كافّة التصرفات القانونية المتعلّقة بالحقوق المرسّمة وهذا الواجب ال‬
‫ّ‬
‫بقوة ثبوتيّة‪.‬‬
‫يستقيم بدون إكساء تلك الترسيمات ّ‬
‫وخالفا لذلك ّ‬
‫فإن ك ّل الحقوق الغير منصوص عليها بالسجل العقاري تنكر وال يعترف بها‪.‬‬
‫ّ‬
‫إن نكران هذه الحقوق يختلف حسب النظام المعتمد‪ ،‬فإذا ما كان النظام يأخذ بقاعدة‬
‫المفعول المنشىء للترسيم يكون إعدام الحق غير المرسّم إعداما مطلقا‪ ،‬فال وجود لهذا الحق‬
‫تجاه األطراف و ال بين المتعاقدين‪ .‬و بخالف ذلك ّ‬
‫فإن الحق الذي لم يرسّم يكون معدوما تجاه‬
‫الغير حسن النيّة و الذي اكتسب حقوقا عينية على موضوع العقد وهو جاهل بإنجرار الحق‬
‫تكرس قاعدة المفعول المنشئ للترسيم‬
‫إلى أحد األطراف‪ ،‬هذا التوجّه نجده في األنظمة التي لم ّ‬
‫‪.‬‬
‫وبما أن مبدأ العالنية يقوم على إشهار الحقوق العينية بالسجل العقاري فماهي الحقوق الواجب‬
‫إشهارها ضمن مبدأ العالنيّة ؟‪.‬‬
‫الترسيم بمفهومه الضيّق يتمثّل في العمليّة الكتابيّة المتعلّقة بإدراج صكّ إتفاقي أو‬
‫إداري أو قضائي أو والئي منشئ ّ‬
‫لحق الملكيّة أو غيره من الحقوق العينية األصليّة أو التبيعّة‬
‫مصرح له أو بانقضائه أو بجعله غير قابل للتفويت أو مقيّد لحريّة‬
‫ّ‬ ‫أو ناقل أو معدّل له أو‬
‫جوالنه أو مغيّر لشرط من شروط ترسيمه‪ ،‬ويضاف لتلك الصكوك القائمة بحالة حق اإلشتراك‬
‫و تضاف لذلك‬ ‫في الملكيّة بالزواج أو بتجزئة العقار و الذي يتض ّمن التقسيم و القسمة‬
‫عقود تسويغ العقارات التي تجاوزت مدّتها ‪ 3‬سنوات عن ذلك أو عقود التسويغ إذا كانت‬
‫تجيز اإلنتفاع بالعقار مدّة نتجاوز نهايتها إنقضاء السنة الثالثة من التاريخ الذي أبرمت فيه ‪.‬‬
‫يخص في‬
‫ّ‬ ‫المشرع هذه األحكام بالفصل ‪ ( 373‬جديد ) م ح ع فالترسيم‬
‫ّ‬ ‫و قد أورد‬
‫المرتبة األولى الحقوق العينيّة كحق السكن و حق الهواء مع ضرورة اإلشارة إلى حق اإلنزال‬
‫و حق الكردار و اإلجارة الطويلة التي ألغي العمل بها منذ صدور مجلّة الحقوق العينية غير‬
‫أن هذا اإللغاء لم يكن له مفعوال رجعيّا‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫و تبعا لذلك ّ‬
‫فإن تطبيق الفصل‪ 373‬يكون بارتباط وثيق مع الفصل ‪ 12‬م ح ع فال‬
‫يمكن ترسيم عقد منشئ لحق غير مدرج بالقائمة المذكورة إذ أنها قائمة حصريّة فال ترسم‬
‫حقوق الشفعة و األولويّة في الشراء‪ ،‬كما ترسم وبصفة استثنائية بعض الحقوق الشخصيّة إال‬
‫أن ما يجمع الحقوق القابلة للترسيم عينية كانت أو شخصيّة أنها متعلّقة بالعقار موضوع الرسم‬
‫العقاري و الذي ال يدرج به إال ما يتعلّق به‪.‬‬
‫إال أن الحقوق العينية قد توجد و تقوم خارج إطار السجل العقاري بل إنها تكون نافذة‬
‫تجاه الغير و هذه الحقوق تمثّل إستثناءات مبدأ العالنيّة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬إستثناءات مبدأ العالنيّة‬

‫ّ‬
‫الحق العيني قائما ونافذا تجاه الغير رغم غياب اإلشهار بالسجل العقاري وهذه‬ ‫يكون‬
‫اإلستثناءات كثيرة سأكتفي في هذه الفقرة بذكر بعض األمثلة ‪.‬‬
‫يمكن اإلشارة إلى انتقال ملكية العقارات الفالحيّة الراجعة في األصل لألجانب إلى ملك الدولة‬
‫الخاص بموجب التأميم تطبيقا للقانون عدد ‪ 5‬لسنة ‪ 1964‬المؤرخ في ‪ 12‬ماي ‪ 1964‬و‬
‫فبمجرد صدور هذا القانون انتقلت ملكية تلك العقارات إلى‬
‫ّ‬ ‫المتعلّق بالعقارات الفالحّية بتونس‬
‫ال دولة دون قيام الدولة بإشهار هذا اإلنتقال بالسجل العقاري لمجابهة الغير الذي قد يكتسب‬
‫حقوقا على تلك العقارات بعد صدور القانون المذكور أعاله وذلك تطبيقا للقاعدة التي مفادها‬
‫أن كل شخص مفروض عليه العلم بالقانون طبقا للفصل ‪ 545‬م إ ع‪.‬‬
‫ومن اإلستثناءات أيضا الحقوق العينية التبعيّة التي ال تخضع لإلشهار عن طريق الترسيم‬
‫لخصوصيّة طبيعتها القانونية و عدم تالؤمها مع أصول نظامي التسجيل و السجل العيني و‬
‫هذان اإلستثناءان هما اإلمتياز العام الذي تتمتّع به خزينة الدولة و ّ‬
‫حق الحبس‪ .‬اما الحق األول‬
‫في متاز بكثرته لذلك يتعذر ترسيمه ألنه من السهولة إكتشافه من طرف المتعاملين أما حق‬
‫الحبس فالحوز عادة ما يكون معلنا و بالتالي يمكن مجابهة الغير به‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫نجد إستثناء أخر هام وهو انتقال الملكية بموجب اإلرث طبقا للفصل ‪ 373‬م إ ع دون‬
‫وجوبيّة إشهار بالسجل العقاري فلئن يبقى الحق مرسّما بإسم المورث بعد وفاته فهو ينتقل‬
‫قانونا للورثة من لحظة الوفاة‪.‬‬
‫ّ‬
‫اإلطالع على الرسم العقاري هو واجب محمول على‬ ‫و نستنتج من هذا التحليل أن‬
‫المتعاملين‪ ،‬فال يكون كافيا ذلك أنه ال يغني عن وجوب العلم بالقانون و معاينة العقار موضوع‬
‫التعامل على أرض الواقع ألن األمثلة الهندسية كثيرا ما ال تعكس هذا الواقع المادي للعقار‪،‬‬
‫فحق اإلرتفاق الذي تتمتّع به األرض المنخفضة و التي تكون موجودة حذو أرض مرتفعة‬
‫ّ‬
‫ومنحدرة في إتجاهها فال يجوز في هذه الحالة لصاحب هذه األرض الالحقة الذكر أن يمنع‬
‫سيل مياه األمطار المنحدرة على أرضه ببناء س ّد أو غير ذلك من الحواجز بتعلّة أن ّ‬
‫حق‬
‫اإلرتفاق المحتج به غير مرسم بالرسم العقاري‪.‬‬
‫ومهما يكن من أمر فإن مبدأ العالنية يبقى ركيزة النظام القانوني للمعامالت التي‬
‫موضوعها العقارات المسجّلة باإلطالع على السجل العقاري يعكس حقيقتي العقار الماديّة و‬
‫القانونية وهو كما سبق اإلشارة إليه حق متاح لكّ الناس و يكمل هذا الواجب معرفة األشخاص‬
‫بالقانون و الزيارة الميدانية للعقار قصد معرفة واقعه واكتشاف ما ال تستطيع األمثلة الهندسية‬
‫توضيحه في الرسم العقاري‪ ،‬و تبعا لذلك أقام المشرع التونسي قاعدة عا ّمة في القانون العقاري‬
‫تنص على أن‪ " :‬ك ّل حق عيني ال ّ‬
‫يتكون إال بترسيمه‬ ‫ّ‬ ‫وردت بالفصل ‪ 305‬م ح ع و التي‬
‫بالسجل العقاري وإبتداءا من تاريخ ذلك الترسيم و إبطال الترسيم وإعتمادا على الترسيمات‬
‫الوارد ة بالسجل " فهذا الفصل يوجب إشهار الحقوق العينية بالسجل العقاري فما هي موجبات‬
‫الوظيفة اإلشهارية للسجل العقاري ؟‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬موجبات الوظيفة اإلشهارية‬


‫تجدر اإلشارة في بداية هذا المبحث الثاني إلى أن اإلشهار يتمظهر من خالل الترسيم‬
‫بالسجل العقاري و تع ّد وظيفة الترسيم محور وظائف السجل العيني إذ بها ترتبط تلك الوظائف‬
‫ومنها تتأثّر فعلى إثر كل ّ مطلب ترسيم مقبول يت ّم تحيين السجل العقاري لتطابق بياناته مع‬

‫‪10‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫الواقع الذي أفرزته العمليّة العقارية المرسمة‪ ،‬و لهذا التحيين أيضا مساس بالوظيفة اإلشهاريّة‬
‫طالما أن وسائل أداء هذه الوظيفة هي بيانات الرسم العقاري‪.‬‬
‫و دراسة موجبات اإلشهار بالسجل العقاري هي دراسة لموجبات الترسيم بهذا السجل وتبعا‬
‫لذلك وجب تحديد مفهوم الترسيم وهو في معناه الضيّق العمليّة الكتابيّة المتعلّقة بإدراج صكّ‬
‫ّ‬
‫لحق الملكيّة أو غيره من الحقوق العينية‬ ‫إتفاقي أو إداري أو قضائي أو وال شيء منشىء‬
‫مصرح به أو بانقضائه أو جعله غير قابل‬
‫ّ‬ ‫األصليّة او التبعيّة‪ ،‬أو ناقل له أو معدّل له أو‬
‫ي شرط آخر من شروط ترسيمه كما نجد إلى جانب هذه‬
‫للتفويت أو مقيّد لحريّة جوالنه أو أل ّ‬
‫الحقوق العينية موضوع الترسيم بعض الحقوق الشخصيّة كعقد التسويغ الذي تتجاوز مدّته ‪3‬‬
‫نص في فقرته األولى على ّ‬
‫أن هذه الحقوق‬ ‫سنوات و قد أورد الفصل‪ 373‬م ح ع هذه القائمة و ّ‬
‫" يجب إشهارها بطريق الترسيم برسم الملكية "‪ .‬و ما يجمع الحقوق القابلة للترسيم عينيّة‬
‫كانت أو شخصيّة هو أنها متعلّقة بعقار‪ ،‬وهو أمر بديهي طالما أن منطلق الرسم العقاري هو‬
‫العقار فال يدرج به إال ما يتعلّق به على أنه تجدر اإلشارة إلى وجوب تفرقة الترسيم على‬
‫صه‬
‫التنصيصات األخرى الواردة بالسجل العقاري على غرار القيد اإلحتياطي و الذي خ ّ‬
‫المشرع بالباب الثاني من العنوان الثالث الذي ورد تحت عنوان اإلعتراضات التحفظيّة و‬
‫ّ‬
‫‪ 372‬م ح ع ‪.‬‬ ‫المض ّمنة بالفصول ‪ 365‬إلى‬
‫مجرد تنصيص لإلعالم بوجود عمل‬
‫ّ‬ ‫و تجدر اإلشارة أن ك ّل ما يقيّد إحتياطيا ال يرسم بل هو‬
‫أو إجراء ما‪ ،‬كالقيد اإلحتياطي المتعـلّق بالدعاوى الرامية إلى اسـتصدار حكم ببطالن الحقوق‬
‫يخص وعد البيع و الذي ينفي‬
‫ّ‬ ‫العينية المرسـّمة أو إبطالها او فسخها أو القيد اإلحتياطي الذي‬
‫حسن النيّة و الجهل‪ .‬كما أن القيود اإلحتياطية قابلة للسقوط بمرور المدّة و يمكن للمحكمة‬
‫اإلبتدائية التي بدائرت ها العقار إصدار إذن على عريضة بالتشطيب على القيود اإلحتياطية‬
‫المتعلّقة بالدعاوى و عقود المغارسة وقد ورد هذا الحكم بالفصل ‪ 371‬م ح ع ‪.‬‬
‫ومهما يكن من أمر فإن موجبات اإلشهار في السجل العقاري عن طريق الترسيم ها ّمة‬
‫ّ‬
‫الحق ال يعتبر موجودا تجاه الغير إال من يوم إدراجه بالسجل العقاري وهو ما يعبر‬ ‫ذلك أن‬
‫ّ‬
‫للحق ( فقرة أولى) كما أن الحق‬ ‫عنه بالمفعول المنشئ للترسيم و الذي يصاحبه مفعول حفظي‬
‫قوة ثبوتية مطلقة ‪.‬‬
‫المرسّم يكتسب ّ‬

‫‪11‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫سم‬
‫الفقرة األولى ‪ :‬نشأة الحق المر ّ‬

‫ينتج عن ترسيم الحق بالسجل العقاري نشأة ذلك الحق و يتبعه مفعول حفظي لذلك‬
‫الحق‪.‬‬
‫يتمثّل مبدأ المفعول المنشئ للترسيم في ارتباط نشأة الحق بترسيمه فالملكيّة مثال ال‬
‫تنتقل من ذ ّمة البائع إلى ذ ّمة المشتري إال بترسيم عقد البيع أي بإشهاره بالسجل العقاري‪ .‬و‬
‫قد رأى الفقيه ‪ Alfred Dain‬في هذا المبدأ تصادما مع أسس القانون المدني الفرنسي‬
‫صة مبدأ سلطان اإلرادة الذي يفترض الرضائيّة في المادّة التعاقدية ‪.2‬‬
‫وخا ّ‬
‫كما رأى فيه بعض الفقهاء التونسيون تخطيا لمبادئ الفقه اإلسالمي و التي لم تعرف‬
‫لها شبيها ‪ .‬و قد أثرت تلك اإلنتقادات على سلطة الحماية واستغلت فترة تأجيل دخول المجلة‬
‫العقارية حيّز التنفيذ لتقوم بمراجعة العديد من فصولها و تعدل عن تبنّي مبدأ المفعول المنشئ‬
‫للترس يم و تنقيح األحكام التي تضمنته و حصر آثار الترسيم على اإلحتجاج بالحق العيني إزاء‬
‫الغير‪ .‬و بهذا الخيار كان نظام اإلشهار العقاري نظاما عينيا منقوصا بتبنيه المبادئ السبعة‬
‫وهي مبدأ التخصيص و التطابق بين الرسم و المثال و مبدأ الشرعية ومبدأ تسلسل الترسيمات‬
‫ومبدأ المفعول الحفظي للترسيم و منع التقادم بنوعية و القوة الثبوتية للترسيم و التخلّي عن‬
‫المبدأ األخير وهو المفعول المنشئ للترسيم و الذي لم يقع تنبيه إال في القانون المؤرخ في ‪04‬‬
‫ماي ‪ 1992‬كما وقع ّ‬
‫سن قواعد لإلعداد لتطبيقه و تدعيمه‪.‬‬
‫وقع التكريس الصريح لهذا المفعول المنشئ للترسيم في الفصل ‪ 305‬جديد م ح ع و‬
‫يتكون إال بترسيمه بالسجل العقاري و ابتداء من‬ ‫ّ‬ ‫نص على انه " ك ّل حق عيني ال‬‫ّ‬ ‫الذي‬
‫ّ‬
‫للمجلة العقارية‬ ‫تاريخ ذلك الترسيم " و هذه الصيغة ذاتها التي كانت مض ّمنة بالنسخة األصليّة‬
‫عند صدورها سنة ‪ 1885‬و تبعا لذلك كان اإلصالح التشريعي يمثّل في الحقيقة تراجعا عن‬
‫ما جاء به تنقيح سنة ‪ 1886‬و عودة لألصل ‪ .‬وهو بذلك يمثّل نظام إشهار عقاري عيني‬

‫‪2‬‬
‫‪) Alfred Dain . Le système Torreng et son application en Tunisie et en Algérie R.A. 1885 . I p 285 et suiv.‬‬
‫يندرج هذا الموقف للفقيه المذكور ضمن األفكار العا ّمة التي كانت يتبنّها مدرسة الشرح على المتون في فترة صدور المجلة العقاريّة بتونس في‬
‫إطار دفاع هذه المدرسة عن مبادئ مجلة ‪.1804‬‬

‫‪12‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫و المغربي و‬ ‫منسجما مع القوانين المقارنة كالقانون اللبناني و السوري و المصري‬


‫الليبي و األلماني و السويسري وكذلك إنسجاما مع أحكام مشروع القانون العربي الموحّد‬
‫للتسجيل و اإلشهار المصادق عليه في نطاق الجامعة العربيّة في شهر نوفمبر ‪ 31990‬وقد‬
‫صة المتعلّقة بالبيع الفصل ‪581‬‬
‫ترتب عن تنقيح الفصل المذكور أعاله تنقيح النصوص الخا ّ‬
‫م إ ع والهبة الفصل ‪204‬م أ ش و الرهن العقاري الفصل‪ 278‬م ح ع وذلك بموجب ثالثة‬
‫قوانين صدرت كلّها في تاريخ واحد و هو ‪ 4‬ماي ‪.1992‬‬
‫يتكون إال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحق العيني ال‬ ‫إن الفصل ‪ 305‬م ح ع بعد التنقيح لسنة ‪ 1992‬يعتبر أن‬
‫يتكون" ال تشمل كافـّة اآلثار المنصوص عليها بالفصل‬
‫بترسيمه بالسجل العقاري و عبارة " ّ‬
‫فالتكوين يختلف عن التعديل أو اإلنقضاء او التقييد من حريّة الجوالن أو تغيير شرط الترسيم‬
‫فالمشرع التونسي جعل الفصل ‪ 305‬م ح ع بمثابة المبدأ العام وأردفه بالفصل ‪ ( 373‬جديد‬
‫ّ‬ ‫‪:‬‬
‫نص على أنه ال تيرتّب عن الصكوك الخاضعة للترسيم سوى إلتزامات شخصيّة‬
‫) م ح ع الذي ّ‬
‫التصرف القانوني المشهر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إذا لم يت ّم ترسيمها‪ ،‬فإذا ت ّم ذلك يترتب األثر العيني المقصود من‬
‫‪4‬‬
‫نص عليه الفصل ‪ 67‬من ظهير التحفيظ العقاري المغربي الذي‬
‫هذا النص متماش مع ما ّ‬
‫جاء به أن " األفعال اإلداريّة و اإلتفاقات التعاقدية الرامية إلى تأسيس حق عيني أو نقله إلى‬
‫الغير أو اإلعتراف به أو تعديله أو إنهائه ال تنتج أي أثر و لو بين األطراف ‪ ،‬إال من تاريخ‬
‫ا لتسجيل دون اإلضرار بالحقوق و الدعاوى فيما بينهم نسب عدم تنفيذ إتفاقهم ‪. 5‬‬
‫ّ‬
‫الحق أو انتقاله أو إنقضائه هو تاريخ الترسيم بقطع‬ ‫إن التاريخ المعتّد به قانونا لنشأة‬
‫النظر عن تاريخ الصكّ خالفا للقانون المصري الذي يعتمد تاريخ العقد ألنتقال الملكيّة كما‬
‫ورد ذلك في المذكرة التوضيحية لمشروع المادة ‪ 934‬من القانون المصري ‪.6‬‬
‫و الفصل ‪ 305‬م ح ع إذا ما قارناه بالقانون المدني و خاصة الفصل ‪ 583‬م إ ع الذي‬
‫ينص على أنه " إذا ت ّم التبليغ بالتراضي الجانبين انتقلت ملكية المشترى للمشتري" ولذلك‬

‫‪ 3‬محمد كمال شرف الدين " مبدأ المفعول المنشئ للترسيم في قوانين ‪ 4‬ماي ‪ " 1992‬مقال بالمجلّة القانونية التونسية لسنة ‪ 1993‬الصفحة ‪.104‬‬
‫‪ ) 4‬اما القانون الليبي رقم ‪ 11‬لسنة ‪ 1988‬فهو أشّد صرامة فجاء بالمادّة ‪ 3‬منه ما يلي ‪ " :‬ال يعتّد في إثبات الحقوق العينية العقارية بأية حجّة أو‬
‫وثائق أو شهادات أو أيّة مستندات أخرى تتعارض مع أحكام القوانين المشار اليها في المادة السابقة " فعبارة النص وردت عامة و لكلذك فإنها تؤخذ‬
‫على إطالقها فالصكوك الغير مرسمة ال تكون لها حجّة و لو بين أطرافها وفقا لهذا النص‪.‬‬
‫‪ ) 5‬د محمد مهدي الجم " التحفيظ العقاري في المغرب " دار الثقافة للتشر و التوزيع الطبعة الثالثة صفحة ‪.273‬‬
‫‪ ) 6‬حامد المقعاوي ‪ :‬الوجيز في قانون السجل العيني‪ ،‬دار الميزان للنشر ‪،‬سوسة تونس الطبعة األولى ص ‪. 252‬‬

‫‪13‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫و الرجوع‬ ‫ّ‬
‫بحق عيني مرسم‬ ‫وجب ترك مفاهيم القانون المدني جانبا كلما تعلّق األمر‬
‫إلى قواعد القانون العقاري ألنّه قانون خاص و الخاص يقدّم على العام‪.‬‬
‫تخص مثال نطاق ومجال هذا المبدأ ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وقد طرح مبدأ المفعول المنشئ عدّة تساؤالت‬
‫ّ‬
‫بالحق فإن الفصل ‪ 373‬م ح‬ ‫فلئن أورد المشرع الفصل ‪ 305‬م ح ع أن الترسيم يتعلّق‬
‫ع (جديد) يميل إلى اعتبار "الصكوك و اإلتفاقات و األحكام" من "األمور" التي يجب إشهارها‬
‫بالترسيم ومهما يكن من أمر فالصكّ يشهر بالسجل و يشهر تبعا لذلك الحق العيني أما نطاق‬
‫المبدأ يشمل ج ّل الصكوك و اإلتفاقات و األحكام المتعلّقة بالحقوق العينية سواء كانت تهدف‬
‫إلنشاء الحق أو لنقله أو للتصريح به أو لتعديله أو إلنقضائه أو بجعله غير قابل للتفويت أو‬
‫لتغيير أي شرط أخر من شروط ترسيمه ‪.‬‬
‫كما نجد إشكاال آخر يتعلّق بما جرى العمل على تسميته بـ " الصكوك المتأخرة " وهي‬
‫الصكوك التي تنشأ في الفترة الممتّدة من تاريخ تقديم مطلب التسجيل أو التصريح بالملكية‬
‫إلى تاريخ صدور الحكم العقاري القاضي بالتسجيل و تتميّز هذه الصكوك بصدورها في فترة‬
‫انتقالية من حياة العقار من نظام العقارات غير المسجّلة إلى نظام العقارات المسجّلة فهـل‬
‫تخضع لنظام العقارات الغير مسجّلة أم إلى نظام العقارات المسجّلة ؟ و هل تخضع هذه‬
‫التصرفات إلى مبدأ المفعول المنشئ للترسيم؟‬
‫يرتبط الح ّل بتحديد المفعول الزمني للتطهير القانوني المترتّب عن الحكم العقاري‬
‫فالمحكمة العقارية تحسم الوضعية القانونية للعقار و تثبت زمن تلقّي التصريح بالملكيّة أو‬
‫تقديم مطلب الترسيم فيزيد المفعول التطهيـري لحكمها لذلك التاريخ وتبعا لذلك تعتبر الصكوك‬
‫المتأخ رة خاضعة للترسيم و اإلشهار بالسجل العيني إذ صدرت ممن حكم لفائدته بالتسجيل‪.‬‬
‫وقد قضت مجلّة الحقوق العينية بأحكام دقيقة هذه المسألة وقد تضمنتها الفصل ‪ 350‬والذي‬
‫وقع تنقيحه تماشيا مع تطبيق مبدأ المفعول المنشئ للترسيم ‪ " :‬تودع بكتابة المحكمة العقارية‬
‫الصكوك و اإلتفاقات التي تقع في المدّة الجارية بين تقديم مطلب التسجيل و الحكم في األصل‬
‫يتكون إال بترسيمه بالسجل العقاري"‪.‬‬
‫إذا كان الحق العيني المض ّمن بها ال ّ‬
‫وهذا الحكم يأذن بترسيم الحقوق الحاصلة بعد تقديم مطلب التسجيل بترسيمها بسجل‬
‫يتكون إال بترسيمه بالسجل وابتداء‬
‫الملكية العقارية طبق أحكام الفقرة األولى إذ أن الحق ال ّ‬

‫‪14‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫من تاريخ ذلك الترسيم " ويستخلص من هذا الفصل أن الحقوق موضوع هذه الصكوك‬
‫تتكون و ال تنشأ إال من تاريخ ترسيمها بالسجل العقاري ‪. 7‬‬
‫المتأخرة ال ّ‬
‫المشرع التونسي نشأة الحق المرسّم بمفعول هام وهو المفعول الحفظي‬
‫ّ‬ ‫وقد دعّم‬
‫للترسيم و الذي أورده المشرع الفص ‪ 361‬م ح ع " رسم الملكّية و الترسيم يحفضان الحق‬
‫موضوعهما كا لم يقع إبطالهما أو التشطيب عليهما أو تعديلهما" و هذا أثر آخر لإلشهار إذ‬
‫أن الحقوق المش ّهرة تتمتّع بالحفظ ما لم يقع القيام بدعوى في التشطيب على ترسيم سابق و‬
‫إضافة إلى ذلك فإن الحقوق المشهرة بالسجل العقاري ال يسري عليها مرور الزمن فالتقادم‬
‫‪8‬‬
‫‪ 370‬م ح ع‬ ‫ال ينسحب على هذه الحقوق و قد أورد المشرع هذا الحكم بالفصل‬
‫سك بالحوز‬
‫معتبرا " ان مرور الزمن ال يسري على الحق المرسم و أنه ليس ألي كان أن يتم ّ‬
‫مهما طالت مدّته" ‪.‬‬
‫و يستخلص مما سبق بيانه أن المشرع أوجب إشهار الصكوك و اإلتفاقات و األحكام التي‬
‫موضوعها حقوق عينية أو بعض الحقوق الشخصية أثارا على درجة كبيرة من األهميّة من خالل نشأة‬
‫بقوة ثبوتية مطلقة و التي تم ّكن صاحب الحق من‬
‫الحق و حفظه ولكن المشرع أوجب تمتّع هذه الترسيم ّ‬
‫معارضة الكافة به واإلحتجاج به كوسيلة لإلثبات تكفي بذاتها دون اللجوء إلى الصك الذي انبنى عليه‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬القـوة الثبوتيّـة للترسيـم‬


‫القوة الثبوتية في أن الرسم العقاري و الشهادات المستخرجة منه بصورة قانونية تكفي‬
‫يتمثل مبدأ ّ‬
‫لذاتها إلثبات الحق المرسم و تعيين حدوده و تمكين صاحبه من اإلحتجاج به على الكافة دون اإللتفات إلى‬
‫طريقة إنجراره أو أصل الصك الذي انبنى عليه‪.‬‬
‫و‬ ‫القوة الثبوتية للترسيم العقاري يكمله مبدأ اإلحتجاج بالترسيم‬
‫و بهذا المعنى فإن مبدأ ّ‬
‫معارضة الكافة به فال يمكن الحديث عن المعارضة للكافة دون تكريس مبدأ القوة الثبوتية للحق المرسم ‪.‬‬
‫يعتبر ج ّل الفقهاء مبدأ ّ‬
‫القوة الثبوتيّة المطلقة للترسيم أساس كينونة النظام العيني ‪ 9‬وهو الح ّد الفاصل‬
‫بين نظامي اإلشهار العقاري العيني و الشخصي‪ ،‬فالنظام الشخصي ال يعترف بالقوة الثبوتية‬
‫لإلشهار‪.‬‬

‫‪ ) 7‬حامد النقعاوي " الوجيز في قانون السجل العيني " دار ميزان للنشر سوسة تونس الطبعة األولى الصفحة ‪252‬‬
‫‪ ) 8‬محمود العنابي‪ :‬سبق ذكره ص ‪. 129‬‬
‫‪ ) 9‬محمد كمال شرف الدين ‪ :‬سبق ذكره‬

‫‪15‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫إن أهم مقاصد نظام السجل العيني هو إعطاء الحقوق العينية المرسمة حجية على‬
‫الكافة فالحق المرسم ثابت ويواجه به الجميع فهو بمثابة وسيلة اإلثبات الكاملة ‪ .‬ولكن هذا‬
‫المبدأ لم يجعله المشرع على إطالقه في كل الحاالت إذ أقام تفرقة بين الترسيمات األولى أي‬
‫الناطق بها في إطار حكم قضائي بالتسجيل‪ ،‬والترسيمات اإلدارية الالحقة والتي ال تتمتع إال‬
‫بقوة ثبوتية نسبية ‪.‬‬
‫أما الترسيمات األولى فهي التي وردت في شكل حكم قضائي صادر عن المحكمة‬
‫العقارية والقاضي بترسيم العقار وقد أقرت الفصول ‪ 308‬و ‪ 337‬و‪ 355‬م ح ع على وجه‬
‫الخصوص أحكام القانون العقاري القديم ونصت على أن الحق يكون الغيا كلما لم يقع ترسيمه‬
‫عند التسجيل‪ ،‬فال يمكن بأي حال تغيير الترسيمات األولى وال القيام بدعوى تهدف الرجوع‬
‫للعقار إذ أن هذه الترسيمات تتمتع بحجية مطلقة والتي كانت ركيزة تطهير العقار ‪ .‬خالفا‬
‫قوة ثبوتية نسبيّة‪.‬‬
‫للترسيمات الالحقة و اإلدارية و التي تشهد ّ‬
‫لقد نصت الفقرة الثانية من الفصل ‪ 305‬م ح ع على أن " إبطال الترسيم ال يمكن بأي‬
‫حال أن يعارض به الغير حسن النية "‪ ،‬فالترسيم اإلداري الالحق قابل لإلبطال والحكم‬
‫القضائي باإلبطال أو التشطيب له حجة محدودة تجاه الغير حسن النية ‪ّ .‬‬
‫إن الترسيم هو وليد‬
‫السند الذي تسبب في وجوده‪ ،‬فإن بطل العقد لسبب من األسباب القانونية فإنه يمكن التشطيب‬
‫كرس الفصل المذكور أعاله حماية للشخص حسن النية الذي يتمتع بقوة ثبوتية‬
‫على الترسيم ‪ّ .‬‬
‫مطلقة إذا إكتسب حقوقا إعتمادا على الترسيمات الواردة بالسجل العقاري ‪.‬‬
‫المشرع لم يبين مفهوم الغير وبالرجوع إلى الفصل ‪241‬‬
‫ّ‬ ‫ونالحظ في هذا اإلطار أن‬
‫م إ ع نجد أن الورثة والخلف الخاص ليست لهم صفة الغير بما أنهم معنيون بآثار التصرفات‬
‫الصادرة عن مورثهم أو سلفهم بإيجابياتها وسلبياتها ‪ .‬إال أن هذا المفهوم ال يتماشى ومضمون‬
‫الفصل ‪ 305‬م ح ع الذي عمل من خالله المشرع على حماية الخلف الخاص أساسا‪ .‬فعبارة‬
‫"إكتسب حقوقا على العقار" تنسحب على الخلف الخاص الذي هو خلف لصاحب الحق‬
‫المرسم‪ ،‬فال يمكن أن يكون خلفا عاما له ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫وحسن النية يعتبر من الواجبات األولية التي يتحملها مشتري العقار‪ ،‬إذ عليه أن يتحرى‬
‫حقيقة ملكية البائع حتى ال يجهل ما يكون من مصلحته أو واجبه أن يعلم ‪ .‬وإذا لم يباشر‬
‫التحريات الالزمة‪ ،‬فإنه يرتكب غلطا غير مغتفر يبعد قرينة حسن النية ‪ .‬فحسن النية ليس ما‬
‫نعتقده بل ما كان يجب إعتقاده ومعرفته ‪ 10‬فاإلقتصار على مقياس الجهل لقيام ركن حسن النية‬
‫يجعل منها غطاءا لصالح المغفلين أكثر مما هو في صالح األشخاص العاديين ‪ .‬تبعا لذلك‬
‫يصبح لحسن النية معنى سلبي‪ ،‬فالشخص حسن النية هو شخص مغفـّل ‪ .11‬ومهما يكن من‬
‫أمر فإن حسن النية مفترض حسب الفصل ‪ 558‬م إ ع وهذا ما أكدته محكمة التعقيب وعلى‬
‫من يدعي عكس ذلك إثباته ‪.‬‬
‫وتعود أصل حماية الغير حسن النية إلى القانون البروسي المؤرخ في ‪ 05‬ماي ‪1875‬‬
‫وإلى فصله التاسع على وجه الخصوص‪ ،‬وهذا القانون خالفا لعدة تشاريع ال يحمي إال الغير‬
‫الذي إكتسب حقوقا بعوض‪ .‬فافتراض حسن النية أو سوئها هو السجل العقاري وليس‬
‫الشخصي فتضمن السجل العقاري ل وجود نزاع حول حق مرسم يصبح معه الغير غير متمتع‬
‫بصفة حسن النية أي الجهل بوجود النزاع وفي هذا اإلطار يمكن ذكر القيد اإلحتياطي الذي‬
‫يحمي أصحاب الحقوق من خطر الغير حسن النية‪ .‬وقد أكدت محكمة التعقيب هذا التوجه‬
‫من خالل القرار عدد ‪ 58‬المؤرخ في ‪ 09‬جوان ‪ 1975‬الذي نص على أن ‪":‬المراد بحسن‬
‫النية هنا أن يكون المشتري ال يعلم وقت شرائه بوجود شراء قبله لما إشتراه" كما بينت‬
‫محكمة التعقيب مفهوم الغير في قرارها عدد ‪ 3151‬المؤرخ في ‪ 25‬ماي ‪ 1981‬أن ‪":‬المراد‬
‫بالغير هو كل من إنجر لهم حق بوجه خاص أما من إنجر لهم حق بوجه عام كالورثة فال‬
‫يعتبرون غيرا" ‪.‬‬
‫نستخلص مما سبق أن القوة الثبوتية المطلقة في خصوص الترسيمات الالحقة اإلدارية‬
‫رهينة توفر شروط حسن النية حين التعاقد وإكتساب الحق اعتمادا على الترسيمات الواردة‬
‫بالسجل ‪ ،‬وفي غير هذه الحاالت تكون هذه الحجية نسبية ‪.‬‬

‫‪ ) 10‬فضيلة عجالن ‪" :‬حماية الغير في التسجيل العقاري" مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص السنة الجامعية ‪. 1999 – 1998‬‬
‫ص ‪. 129‬‬
‫‪ ) 11‬محمد جمال الدين زكي ‪ "la bonne foi dans l'acquisition des droits" Caire 1953 :‬ص ‪. 129‬‬

‫‪17‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫كما تجدر اإلشارة إلى أن الحجية تنحصر في بيانات السجالت العينية وهي التي تكون‬
‫موضوع إطالع من العموم بما أن هذه السجالت معدة لإلشهار خالفا لسجالت اإليداع‬
‫والسجالت الهجائية وهذا تأكيد على حرص المشرع على موجبات الوظيفة اإلشهارية‪.‬‬
‫وما يمكن إستخالصه من خالل هذا التحليل للقوة الثبوتية المطلقة حرص المشرع على‬
‫جعل الحق المرسم بمثابة الحقيقة المطلقة التي ال تضاهي حقيقة أخرى فهي بمثابة الوسيلة‬
‫اإلثباتية الهامة في مواجهة الغير‪ ،‬و بهذا المعنى أصبح الحق المشهر أداة لمعارضة الكافة ‪.‬‬
‫كما ذهب المشرع التونسي إلى إعتبار الحق غير المرسم الغيا أي ال عمل عليه وال‬
‫إعتبار له وهدف السجل العقاري إشهار "الحالة المدنية للعقار والتي تعكس الحالة الواقعية‬
‫لكي تكون الملكية العقارية واضحة المعالم و محققة لإلستقرار ‪ .‬وتبعا لذلك كان الرسم‬
‫العقاري زيادة ع لى أنه وسيلة إثبات ذات حجية هامة فالرسم يثبت الحق بقطع النظر عن‬
‫الصك الذي نقله وبذلك فإن الحق المشهر يعارض به الكافة وهذه المعارضة ال يمكن أن تقوم‬
‫إال من تاريخ الترسيم ‪.‬‬
‫يتمتع صاحب الحق المشهر بحق معارضة الكافة فال يمكن لهؤالء المنازعة في ذلك‬
‫الحق فالترسيم المتمظهر في حكم التسجيل يشكل الحقيقة القضائية لحالة العقار اإلستحقاقية‬
‫بقطع النظر عن الحقيقة الواقعية فال مجال لغير هذه الحقيقة صلب صفحات السجل العقاري‪،‬‬
‫وفي هذا اإلطار ورد الفصل ‪ 373‬م ح ع فقرة ثالثة الذي أوجب أن الكراء طويل المدة ال‬
‫يعارض به مشتري العقار ما لم يقع ترسيمه ‪ .‬فما هي اآلليات التي تم ّكن من تحقيق الوظيفة‬
‫اإلشهارية للسجل العقاري ؟‬

‫الفرع الثاني ‪:‬آليات تحقيق الوظيفة اإلشهارية‬


‫إن القراءة الشمولية لنظام السجل العيني‪ ،‬تمكننا من تبين وجوب اإلطالع على بيانات‬
‫السجل العقاري وإن لم ينص القانون صراحة على هذه القاعدة ‪ .‬فمثلما ال عذر لمن يجهل‬
‫القانون كذلك الحال في القانون العقاري‪ ،‬فال يعذر المرء لجهله بيانات السجل العقاري‪ ،‬وال‬
‫ينتفع تبعا لذلك بحماية القانون ‪ .‬لذلك أقر المشرع التونسي حق اإلطالع على بيانات السجل‬
‫العقاري للجميع‪ ،‬والتي تمكن المطلع من معرفة الوضعية القانونية للعقار ‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫يمثل اإلشهار الغاية األساسية للنظام العقاري العيني من خالل ضبطه لحق الملكية‬
‫‪12‬‬
‫‪ ،‬وهذه الوحدة تمثل محور اإلشهار العيني‬ ‫والحقوق العينية األخرى في الوحدة العقارية‬
‫والعنصر الثابت فيه‪ ،‬وحيث يتم إشهار الحالة المادية للعقار والحقوق العينية المتعلقة به مع‬
‫ذكر أسماء المالكين وغيرهم من أرباب الحقوق العينية‪ ،‬وهم يشكلون العنصر المتغير في‬
‫النظام العيني ‪ .‬واإلطالع على السجل العقاري يعني التطلع أي النظر فيه أو أحد الرسوم‬
‫المشرع باهتمام خاص‬
‫ّ‬ ‫صها‬ ‫ّ‬
‫واإلطالع كآليّة لإلشهار خ ّ‬ ‫المكونة له و قراءة البيانات الواردة فيه‬
‫اإلطالع إذ أنّنا نجد ّ‬
‫إطالعا مباشر وهو ما سنتناول في المبحث‬ ‫ّ‬ ‫كما و أنّه ميّز بين طرق‬
‫األول من هذا الفرع و إطالع غير مباشر وهو موضوع المبحث الثاني‪.‬‬

‫المبحث األول ‪ :‬اإل ّ‬


‫طالع المباشر‬

‫ّ‬
‫اإلطالع على الرسوم العقارية‪ ،‬من ذلك القانون اللبناني‬ ‫لئن قننت عديد التشاريع ّ‬
‫حق‬
‫ّ‬
‫اإلطالع ‪ ،‬وقد ورد هذا اإلجراء بالمادّة ‪ 86‬من القرار رقم‬ ‫الذي أوجب وضع رسوم مقابل‬
‫‪ . 188‬و كذلك القانون الليبي بالمادّة ‪ 94‬من قانون التسجيل العقاري و نفس الموقف سلكه‬
‫المشرع‬
‫ّ‬ ‫المشرع المغربي بالفصل‪ 35‬من القرار الوزاري المؤرخ في ‪ 4‬جانفي ‪ ،1915‬إالّ أن‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫اإلطالع‪.‬‬ ‫التونسي لم يسلك هذا المنهج ولم يقنّن حق‬
‫فإن إدارة الملكيّة العقاريّة فسحت المجال ل ّكل من يريد‬
‫رغم هذا الغياب التشريعي ‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫اإلطالع على الرسوم العقارية و قد جعلت هذا الحق غير مقيّد بشروط‪ ،‬فلم تشترط ال المصلحة‬
‫وال الصفة و هذا يؤ ّكد الحرص على تحقيق الوظيفة اإلشهاريّة للسجل العقاري‪ .‬وقد جعلت‬
‫ّ‬
‫اإلطالع خاضع إلجراءات إدارية بسيطة‪.‬‬ ‫هذا‬
‫ّ‬
‫اإلطالع يكون ملزما بتقديم مطلب كتابي أو شفاهي إلى العون المشرف على‬ ‫فطالب‬
‫ّ‬
‫اإلطالع‪ ،‬الذي يتولى التثبّت من وجود الرسم العقاري بالمكان الم ّخصص لحفظ الرسوم‬ ‫قاعة‬

‫‪ ) 12‬لم يعرف المشرع الوحدة العقارية وعرفها بعض الفقهاء بكونها كل قطعة محدودة من األرض تقع في قسم مساحي واحد‪ ،‬مع ما يدخل في‬
‫تكوينها كالمناجم والمحاجر والمنشآت أو المزروعات التي تعتبر متممة لها بشرط أن تكون مملوكة لشخص واحد‪ ،‬أو عدة أشخاص على الشيوع وال‬
‫يفصل جزء منها على سائر األجزاء فاصل من ملك عام أو خاص وال يكون لجزء منها أو عليها من الحقوق ما ليس لألجزاء األخرى أو عليها‬

‫‪19‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫العقاريّة‪ ،‬و إذا ما تبيّن وجود الرسم موضوع المطلب فإنّه يشير على الطالب تعمير إحدى‬
‫إستمارتين موجودتين لديه بحسب ما إذا كان شخصا ماديّا أو ذاتا اعتباريّة‪ ،‬ث ّم يقوم بتعمير‬
‫اإلطالع المعدّة في نظيرين فيمضيهما الطالب ث ّم يحيلهما العون المكلّف بقاعة‬
‫ّ‬ ‫مطبوعة مطلب‬
‫ّ‬
‫اإلطالع و يمضي النظيرين ثم يعيدهما‬ ‫ّ‬
‫اإلطالع إلى وكيل التقابيض الذي يستخلص معلوم‬
‫و المطبوعتين بعد إعادة‬ ‫إلى العون المشرف على قاعة الرسوم و يسلمه الوصل‬
‫ّ‬
‫اإلطالع‬ ‫اإلطالع و يتسلّم الرسم العقاري و يمكنه الجلوس بقاعة‬
‫ّ‬ ‫سحبهما من عون قاعة‬
‫ّ‬
‫اإلطالع‪.‬‬ ‫ليتولى قراءة ما شاء منه تحت إشراف العون المكلف بقاعة‬
‫ّ‬
‫اإلطالع على الرسوم‬ ‫نص الفصل ‪ 387‬جديد م ح ع على واجب التمكين من‬
‫و قد ّ‬
‫العقارية بمقتضى القانون عد ‪ 35‬لسنة ‪ ،2001‬و بالتالي ّ‬
‫فإن هذا القانون لم يأت بجديد بل‬
‫كرس ما جرى به العمل بإدارة الملكية العقارية فلم يشترط هذا القانون توفر المصلحة في‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫اإلطالع حقا مطلقا غير مقيّدا‬ ‫حق‬ ‫ّ‬
‫اإلطالع‪ ،‬ولم يشترط أيضا األهليّة و تبعا لذلك كان ّ‬ ‫طالب‬
‫بشروط معيّنة‪.‬‬
‫المشرع التونسي على إشهار مضمون السجل العقاري من خالل‬
‫ّ‬ ‫هذا ما يفسّر حرص‬
‫ّ‬
‫اإلطالع في متناول ك ّل النّاس فيمكنهم ذلك بمجرد التصريح بإرادتهم بصفة كتابيّة‬ ‫جعل ّ‬
‫حق‬
‫بمجرد القيام ببعض اإلجراءات اإلداريّة السهلة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أو شفاهيّـة و‬
‫ّ‬
‫اإلطالع بمتناول العموم يؤدي إلى أن أصل الرسم العقاري أصبح بيد‬ ‫و لكن جعل‬
‫المتعاملين و تحت سلطتهم الماديّة المباشرة‪ ،‬وهذا ما يجعل الرسم العقاري عرضة للتمزيق‬
‫أو الشطب أو التغيير أو غير ذلك من أساليب التدليس فهل أوجد القانون وسائل معيّنة لحماية‬
‫البيانات الواردة بالرسم العقاري؟‪.‬‬
‫اإلطالع على مجلّة الحقوق العينية يؤدي بنا إلى القول أنّه ال يوجد إال فصل وحيد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إن‬
‫يجرم ك ّل تدليس أو تقليد أو تغيير في الرسوم العقارية ‪ .‬وقد وضع‬
‫وهو الفصل ‪ ، 405‬والذي ّ‬
‫المشرع هذه الجرائم ضمن تطبيقات الفصلين ‪ 175‬و‪ 177‬من المجلّة الجنائيّة و لكن القانون‬
‫ّ‬
‫تسول له نفسه‬
‫الجنائي له صبغة عقابيّة لتحقيق المحافظة على النظام العام ولردع كل من ّ‬
‫مجرم في إطار المجلّة الجنائيّة و لكن للحماية و جب إتخاذ إجراءات وقائية إلى‬
‫ّ‬ ‫إتيان أي فعل‬
‫جانب اإلجراءات و التدابير العقابية‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫أن حماية السجل‬ ‫‪13‬‬


‫و قد رأى بعض رجال القانون و المهتّمين بالقانون العقاري‬
‫العقاري ال يكون إالّ بوضع قواعد عقابيّة إلى جانب إجراءات وقائيّة وقد رأو أن األمر يتعلّق‬
‫بمصداقيّة السجل العقاري و التي هي حجر أساس النظام العيني‪.‬‬
‫ولئن مثلت السياسة العقابيّة دورها في ردع كل من يف ّكر في القيام بتدليس أو تزييف‬
‫ّ‬
‫اإلطالع و المرور‬ ‫لبيانات السجل العقاري ّ‬
‫فإن ذلك ال يمنع هذه الرسوم من أن تتهرأ لكثرة‬
‫ّ‬
‫اإلطالع بواسطة‬ ‫بأيدي المطلعين و لذلك وجب إيجاد حلول أكثر نجاعة على أن ال يكون‬
‫البرمجيات اإل لكترونيّة و التي قد تكون مهددة بالتدمير و التدليس كما أن العقوبات المدرجة‬
‫في نطاق جرائم اإلعالميّة في المجلّة الجنائيّة ال تفي بالجرائم المرتكبة على البرمجيات‬
‫ّ‬
‫لإلطالع على الرسوم العقارية دون أن‬ ‫اإللكترونيّة ‪ ،‬و تبعا لذلك وجب إيجاد طرق مثلى‬
‫يمس ذلك من البيانات الواردة بها أو بالحالة الماديّة لألوراق و قد يكون السينماتوغرافيا حالّ‬
‫ّ‬
‫جذريّا ‪.14‬‬
‫ّ‬
‫اإلطالع المباشر ورغم األهميّة التي يمثّلها‬ ‫في نهاية هذا التحليل يمكن القول ّ‬
‫بأن آليّة‬
‫و حلول‬ ‫في تحقيق الوظيفة اإلشهاريّة للسجل العقاري لكنّها في حاجة إلى حماية أكبر‬
‫ناجعة للمحافظة على الرسوم العقاريّة و البيانات الواردة فيها من أي عبث أو تدليس ‪ .‬وإذا‬
‫ّ‬
‫باإلطالع غير‬ ‫ّ‬
‫لإلطالع الغير المباشر؟ و ماذا يقصد‬ ‫ما كان األمر كذلك فماهو الشأن بالنسبة‬
‫المباشر؟‪.‬‬

‫طالع غير المباشر‬


‫المبحث الثاني ‪ :‬اإل ّ‬
‫ّ‬
‫اإلطالع من طرف العموم على السجل العقاري و بياناته آليّة لتحقيق الوظيفة‬ ‫لئن مثل‬
‫اإلشهاريّة للسجل العقاري إالّ أن إلدارة الملكيّة العقارية سبل عديدة في ذلك ‪ ،‬إذ نجد إلى‬

‫‪ ) 13‬حامد النقعاوي"الوجيز في قانون السجل العيني" ص ‪331‬‬


‫‪ ) 14‬أورد هذا الح ّل حامد النقعاوي في نفس المرجع السابق ذكره‬

‫‪21‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫ّ‬
‫اإلطالع المباشر على الرسوم العقارية ‪ ،‬ووسائل إطالع غير مباشر من ذلك تسليم‬ ‫جانب‬
‫اإلدارة لشهادات تقيمها و ترسّمها و سنكتفي بذكر أه ّمها‪.‬‬
‫نجد في إطار هذه الشهادات‪ ،‬شهادة الملكيّة العقاريّة و التي تقام أساس على الرسوم‬
‫العقارية وهي تتض ّمن أساسا تشخيص العقار موضوع الرسم تحديد بيان أسماء المالكين بصفة‬
‫مسترسلة مع تحديد نطاق ملكيّة ك ّل منهم من خالل بيان إن كانت الملكيّة مكتملة األركان أو‬
‫ملكية رقبة فقط و تحدّد شهادة الملكية التحمالت الموظفة على العقار بذكر أنواعها كالرهون‬
‫تخص كامل العقار أو مناب منه فقط و‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحق و بيان إن كانت هذه التحمالت‬ ‫و شرط إسقاط‬
‫ّ‬
‫الموظف عليه التح ّمل مع ذكر المستفيدين من هذه التحمالت‬ ‫في هذه الحالة وجب ذكر المناب‬
‫فالعون الذي يع ّد شهادة الملكيّة يكتفي بنقل تلك البيانات من خالل دراسته لمضمون الرسم‬
‫العقاري‪.‬‬
‫ولكن هذه العمليّة رغم بساطتها على درجة كبيرة من األهميّة ذلك أن العون وجب‬
‫عليه التثبّت من الوضعيّة القانونية و الماديّة للعقار في وقت تقديم المطلب لتكون شهادة الملكيّة‬
‫مرآة عاكسة لحقيقة العقار فيجب عليه كذلك التأ ّكد من مالكي العقار و إنتقاالت الملكيّة التي‬
‫ّ‬
‫الموظفة على العقار و أصحابها‪.‬‬ ‫يخص التحمالت‬
‫ّ‬ ‫حصلت و كذلك الشأن فيما‬
‫ينص بشهادة الملكيّة إال على الحقوق‬
‫ّ‬ ‫تتعلّق المسألة بتحيين الوضعيّة الماديّة للعقار فال‬
‫وأصحابها الثابتة في ذلك التاريخ فإذا ما وجد بيعا قد وقع بمقتضاه إستخراج الجزء المبيع‬
‫فينص العون بشهادة الملكيّة على تلك العمليّة مع ذكر المساحة الجديدة للعقار‬
‫ّ‬ ‫برسم مستقّل‬
‫موضوع الرسم العقاري بعد استغالل الجزء المبيع برسم جديد‪ ،‬و المالحظ ّ‬
‫أن هذه الشهادة‬
‫ال تسلّم إال لمالك العقار موضوع الرسم وتبعا لذلك فهي ال تدخل في إطار الشهادات المعدّة‬
‫لتحقيق الوظيفة اإلشهاريّة خالفا لذلك نجد شهادات الترسيم و التي تشمل الرسم و غيره من‬
‫و شهادة التـنصيص و‬ ‫الكتابات و لذلك فإنّنا نجد ثالثة أنواع من الشهادات‪ ،‬شهادة الترسيم‬
‫شهادة التشطيب وكل شهادة تقتصر في مضمونها على العمليّة المذكورة وتاريخ إنجازها‪.‬‬
‫و تجدر اإلشارة إلى أن التنقيح التشريعي بتاريخ ‪ 17‬أفريل ‪ 2001‬ضمن القانون عدد‬
‫‪ 35‬لسنة ‪ 2001‬والذي نقّح الفصل ‪ 378‬م ح ع ألغى العمل بأغلب الشهادات التي كانت تنّص‬
‫عليه صبغته القديمة و لم يعد العمل في إطار اإلدارة الملكية العقارية العمل جاريا إال بشهادات‬

‫‪22‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫الملكية وعدم الملكية و نسخ الرسوم العقارية أما شهادة عدم المل ّكية وجداول حوصلة الحقوق‬
‫العينية وهما صنفان من الشهادات أصول نظام اإلشهار لشخصي ذلك أنهما تستندان عل‬
‫بيانات الفهارس الهجائيّة التي تمسكها إدارة الملكيّة العقارية بصورة ثانوية و تكميليّة‪.‬‬
‫تتض ّمن شهادة عدم الملكيّة إشهاد إدارة الملكية العقارية بعدم تملّك شخص ما بعقار‬
‫مسجّل وفي المقابل تتض ّمن شهادات جداول حوصلة الحقوق العينيّة وجود عقارات مسجّلة أو‬
‫حقوق مرسّمة بإسم شخص معيّن‪.‬‬
‫المكلف بهذه المه ّمة يتولّى البحث في‬
‫ّ‬ ‫أ ّما كيفيّة إعداد هذين الشهادتين ّ‬
‫فإن العون‬
‫الفهارس الهجائيّة السابق ذكرها عن إسم المالك ولكن العمليّة تتطلّب تحيين هذه الفهارس‬
‫مستمرة ومنتظمة لتكون البيانات معيّنة و حقيقيّة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بصفة‬
‫لئن لم يجز القانون التونسي العقاري على غرار القوانين المقارنة تسليم الرسوم‬
‫العقاريّة تحقيقا للوظيفة اإلشهاريّة فقد أجيز إلدارة الملكية العقارية تسليم نسخ مطابقة لألصل‬
‫من الرسوم العقارية حسب الطلب و هذا رغم غياب نص تشريعي يجيز ذلك صراحة‪ ،‬و قد‬
‫كانت اإلدارة تستند في تسليم هذه النسخ إلى الفصل ‪ 387‬م ح ع الذي ورد بها أن مدير‬
‫بحق عيني فالنّص‬
‫ّ‬ ‫الملكية العقاريّة يتولّى تسليم نسخ حرفيّة من جميع التنصيصات المتعلّقة‬
‫المشرع التونسي تفادى‬
‫ّ‬ ‫هنا لم يشر بصفة صريحة أو ضمنية إلى نسخة الرسم العقاري إال أن‬
‫هذا الغياب التشريعي م ن خالل التنقيح التشريعي بمقتضى القانون عدد ‪ 35‬لسنة ‪2001‬‬
‫كرس صراحة واجب تسليم نسخة من الرسم العقاري‪.‬‬
‫المؤرخ في ‪ 17‬أفريل ‪ 2001‬و الذي ّ‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن التشاريع العربيّة المقارنة لم تجز صراحة أو ضمنيا تسليم نسخ مطابقة‬
‫لألصل من الرسوم العقاريّة من خالل قانون السجل العقاري الليبي الذي يجيز في المادّة ‪94‬‬
‫ّ‬
‫موظفي المحافظة‬ ‫ّ‬
‫اإلطالع على عين المكان على الرسوم وبحضور أحد‬ ‫منه تمكين العموم من‬
‫ّ‬
‫اإلطالع في أيّام محدّدة من األسبوع كما أباح الحصول على مختلف الشهادات‬ ‫و قد حدّد هذا‬
‫المنصوص عليها قانونا‪ .‬أما المشرع المغربي فلم يعطي المسألة أهميّة كبرى و إكتفى باإلشارة‬
‫إلى تحقيق الوظيفة اإلشهارية وآليات تلك الوظيفة للكناش العقاري في المواد ‪،37 ،36 ،35‬‬
‫مكرر من القرار الوزاري المؤرخ في ‪ 04‬جوان ‪ 1915‬وقد اتّسم هذا القرار‬
‫‪ ،39 ،38‬و ‪ّ 39‬‬
‫ّ‬
‫اإلطالع‪ ،‬و تتمثل أساسا في‬ ‫بغموض جعل المحافظ العقاري المغربي يضع قيودا على ّ‬
‫حق‬

‫‪23‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫للمشرع التونسي الذي لم يشترط ال األهلية‬


‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اإلطالع و هذا خالفا‬ ‫اشتراط المصلحة في طلب‬
‫و ال المصلحة و ال الصفة‪ .‬و لكن تسليم النسخ المطابقة لألصل من السجل العقاري على‬
‫أهميته ال يخلو من مشاكل على مستوى الواقع‪.‬‬
‫المحرر‬
‫ّ‬ ‫فالمشرع أوجب على‬
‫ّ‬ ‫تطلب هذه النسخ عادة في إطار عمليات التحرير‬
‫ّ‬
‫اإلطالع على الرسم العقاري واعتماد بياناته في التحرير إال أن تلك البيانات الواردة بهذا‬
‫ّ‬
‫الحق موضوع التعامل فمطالب‬ ‫السجل كثيرا ما ال تعكس الحالة اإلستحقاقية الراهنة للعقار أو‬
‫و يعبر‬ ‫الترسيم المقدمة حديثا إلدارة الملكيّةالعقارية و التي لم تت ّخذ في شانها قرارات‬
‫عنها بعبارة "العمليات الجارية" و تفاديا لهذا النقص جري العمل بإدارة الملكية العقارية على‬
‫تسليم نسخة من الرسم العقاري مت ّممة بقائمة في العمليات الجارية حتى يكون المتعاملون على‬
‫بينة من مرتبهم المحتملة في األسبقيّة‪.‬‬
‫مجرد‬
‫قوة ثبوتيّة فهي ّ‬
‫و الجدير بالذكر أن بيانات القائمة في العمليات الجارية ليست لها ّ‬
‫وسيلة لإلخبار فقط مثلما هو الشأن بالنسبة للتنصيصات الهامشيّة التي كثيرا ما ال تظهر‬
‫بنسخة الرسم العقاري ألنّها محررة بقلم الرصاص‪ .‬فما جدوى تلك القائمة؟‬
‫نص الفصل ‪ 377‬ثالثا من م ح ع على واجب المحرر في إشعار األطراف بالحالة‬
‫‪243‬‬ ‫القانونية الواردة بالرسم العقاري ونظرا للعالقة التعاقدية التي تخضع ألحكام الفصل‬
‫م إ ع والذي يقتضي الوفاء باإللتزامات مع تمام األمانة و ال يلتزم بما صرح به فقط بل يلتزم‬
‫أيضا بك ّل ما ترتّب على اإللتزام من حيث القانون أو العرف أو اإلنصاف حسب طبيعته ‪.‬‬
‫بهذا المعنى أصبح المحرر ملزما على ما ترتّب عليه من واجبات و هو ما يعبّر عنه بمبدأ‬
‫‪15‬‬
‫وتبعا لذلك فعلى المحرر إشعار األطراف بمحتوى القائمة‬ ‫حسن النيّة في تنفيذ العقود‬
‫‪16‬‬
‫المكملة لنسخة الرسم العقاري وإن لم يفعل بات عامر الذ ّمة بما ألحقه ببعضهم من األذى‬
‫‪.‬‬
‫أما كيفية إعداد النسخة المطابقة لألصل من الرسم العقاري فهي تتمثل في سحب الرسم‬
‫العقاري المطلوب من القاعة التي تحفظ فيها الرسوم العقارية و يقع تصوير ذلك الرسم‬
‫بالفوتوغرافيا ثم يبحث حول العمليات الجارية و التي عادة ما يقترن وجودها بفقدان الرسم‬

‫‪ ) 15‬حامد النقعاوي " الوجيز في قانون السجل العيني " ص ‪ 329‬دار الميزان للنشر سوسة تونس طبعة أولى ‪2002‬‬
‫‪ ) 16‬نفس المرجع السابق ذكره‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫العقاري من القاعة المخصصة للرسم و عادة ما يوجد لدى العون المحقّق أو المراجع و بالتالي‬
‫ّ‬
‫فالتفطن إلى وجود العمليّات الجارية يسيرا و في هذه الحالة تحال النسخة إلى المدير الجهوي‬
‫بعد ختم كل صفحة من صفحات الرسم بالطابع الذي يثبت وجود عمليات جارية و تسليم‬
‫قائمتها ليتولّى إمضاءها‪.‬‬
‫المشرع التونسي كان حريصا على تحقيق‬
‫ّ‬ ‫في ختام هذا المبحث الثاني يمكن القول ّ‬
‫أن‬
‫المشرع وجعلها‬
‫ّ‬ ‫كرسها‬
‫اإلطالع و التي ّ‬‫ّ‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للسجل العقاري من خالل أهميّة‬
‫ّ‬
‫بالحق‬ ‫ّ‬
‫المتعلقة‬ ‫ّ‬
‫اإلطالع كما وأنّه أوجب تسليم ك ّل البيانات‬ ‫مطلقة دون تحديد بشروط طلب‬
‫العيني و قد قامت إدارة الملكيّة العقاريّة بواجب هام من خالل تسليم أنواع عديدة من الشهادات‬
‫والتي كانت في إجراءاتها على قدر من البساطة‪.‬‬
‫تجدر اإلشارة إلى أن الترسيم الذي يقوم بالوظيفة اإلشهارية لما بعد صدور الحكم‬
‫بالتسجيل عرف تقهقرا ‪ ،‬إذ أن الرسوم العقارية أصبحت عاجزة عن عكس الحالة اإلستحقاقية‬
‫و الواقعية للعقار ‪ .‬إن الرسم يعتمد نشر المعلومات الحقيقية و الواقعية بإشهار هوية العقار‬
‫‪ 373‬م ح ع إال‬ ‫دون اإلهتم ام بهوية األشخاص ‪ ،‬و ما التنصيصات الواردة بالفصل‬
‫تأكيدا على ذلك ‪.‬‬
‫إذا ما أصبح الرسم العقاري يتضمن معلومات منقوصة خاصة و أن النقص قد ضرب‬
‫مبدأ هاما من المبادئ العينية و هو مبدأ التسلسل المنصوص عليه بم ح ع فنجد حلقات تمثل‬
‫إنتقاالت للملكية لم يقع التنصيص عليها بالرسم العقاري‪.‬‬
‫و تبعا لذلك كانت الوظيفة اإلشهارية للسجل العقاري محدودة األمر الذي يدعوني إلى‬
‫تخصيص الجزء الثاني من هذه الرسالة لبيان تلك الحدود‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫الجزء الثاني ‪:‬‬


‫حدود الوظيفة اإلشهارية للسجل العقاري‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫فإن تحليل‬ ‫لئن رأى الكثير من الفقهاء أن نظام التسجيل العقاري التونسي نموذجيا‬
‫األسس والتطورات التاريخية التي شهدها تكشف عن عدة مفارقات‪ .‬فالتسجيل العيني ضمن‬
‫القانون التونسي كانت الغاية منه إشهار المعامالت القائمة على العقارات وبالتالي تحقيق‬
‫الوضوح ومعرفة الحالة القانونية لعقار معين في وقت معين‪ .‬وتكون هذه الصورة الموجودة‬
‫في السجل العقاري مرآة لواقع العقار‪.‬‬
‫إال أن نظام اإلشهار العقاري التونسي شهد عيوبا لم تنلها يد المشرع الحديث‪ ،‬رغم‬
‫إرادته الواضحة في تحسين النظام العقاري وتغييره ‪ .‬وفي هذا اإلطار تندرج إشكالية الرسوم‬

‫‪ ) 1‬محمد كمال شرف الدين التطور التاريخي لنظام العقاري التونسي التسجيل واإلشهار (‪)1985/1885‬‬

‫‪26‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫المجمدة والتي سأتناولها بالدرس في فرع أول من هذا الجزء الثاني ‪ .‬فما معنى رسوم مجمدة؟‬
‫ومتى ظهرت هذه الظاهرة؟ وما مدى خطورتها على تواصل إستقرار المعامالت؟‬
‫وحرصا من المشرع التونسي على ضمان اإلشهار وهو الهدف األساسي واألمثل‬
‫لنظام التسجيل العقاري من خالل ما يقوم به من دور إعالمي‪ ،‬ضمانا للمحافظة على حقوق‬
‫كل من له عالقة بالعقار المراد تسجيله‪ .‬كل ذلك في إطار الشفافية ووضوح المعامالت‬
‫العقارية بصفة مسترسلة كما وقع بيانه في الجزء األول من رسالتي هذه‪.‬‬
‫وباسم هذه اإلعتبارات تدخل المشرع التونسي من خالل قيامه بوضع حلول تحسينية‬
‫وإصالحات للقضاء على ظاهرة الرسوم المجمدة والتي تمظهرت من خالل قوانين آمرة‬
‫وتنقيحات على درجة من األهمية تجعلني أخصها بالفرع الثاني‪.‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬إشكالية الرسوم المجمدة كحد للوظيفة اإلشهارية‪:‬‬


‫أدخل المشرع التونسي عدة تحسينات على نظام التسجيل واإلشهار منذ مرسوم عدد‬
‫‪ 4‬لسنة ‪ 1964‬المؤرخ في ‪ 21‬فيفري ‪ . 1964‬ولقد ت ّم نقل جل التعديالت التي تضمنها هذا‬
‫النص القانوني صلب مجلة الحقوق العينية‪ ،‬من ذلك التبسيط في اإلجراءات لدى المحكمة‬
‫العقارية‪ ،‬وتحسين دور مدير إدارة الملكية العقارية ومن تعديل القواعد المتعلقة بشهادات‬
‫الملكية ‪ .‬إال أن هذا النظام يشكو من عدة نقائص أصبح من الضروري التفكير فيها بصفة‬
‫جدية حتى يؤدي هذا النظام الدور المناط بعهدته‪ .‬وفي هذا اإلطار تندرج ظاهرة الرسوم‬
‫المجمدة والتي إستفحلت بصفة كبيرة ‪.‬‬
‫لدراسة هذه الظاهرة الخطيرة‪ ،‬سأتعرض في مبحث أول إلى مفهوم الرسوم المجمدة‬
‫وإلى تحديد أسباب تفشي هذه الظاهرة في السجل العقاري في مبحث ثان‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫المبحث األول ‪ :‬مفهوم الرسم المجمد‬

‫بادئ ذي بدء تجدر اإلشارة إلى أن للرسم المجمد تعريفان‪ ،‬إذ نجد تعريفا مضيقا وآخر‬
‫موسعا‪.2‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬التعريف المضيق‬


‫الرسم المجمد هو الرسم الذي يستعصي تحيينه دون تدخل السلطة القضائية أو اإلدارية‪.‬‬
‫وهذا التعريف الضيق كما يصفه بذلك بعض الفقهاء يركز مفهوم الرسم المجمد على عنصرين‬
‫هما ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬إستعصاء عملية تحيينه أي أن هذه العملية على درجة كبيرة من الصعوبة ‪ .‬ولسائل أن‬
‫يطرح سؤال ما معنى التحيين؟‬
‫التحيين هو عملية متعددة اإلجراءات ترمي إلى جعل الوضعية القانونية للعقار مطابقة‬
‫للحالة الواقعية له بشكل يعكس حقيقة العقار‪ .‬وهذا يعني أن يكون مضمون الرسم العقاري‬
‫مطابق لواقعه‪ .‬وكمثال لذلك يمكن اإلشارة إلى أن يكون إسم مالك العقار المحدد بالرسم هو‬
‫نفسه المالك الحقيقي للعقار في الواقع‪ .‬فكيف يمكن تجاوز صعوبة عملية التحيين أمام هذا‬
‫الرسم المجمد؟‬
‫ثانيا ‪ :‬تدخل السلطة القضائية أو اإلدارية للقيام بعملية التحيين‪ ،‬وهذا األمر يتعلق بتوزيع‬
‫اإلختصاص من خالل القانون العيني والذي في إطار تنظيمه للسجل العقاري ينظم إختصاص‬
‫كل هيكل يتدخل في العمليات المتعلقة به من خالل تعيين الجهاز الذي يتحمل واجب التسجيل‬
‫والترس يم ‪ ،‬والجهاز الذي يقوم بعملية التحيين للرسوم العقارية التي تشتكي الجمود‪ ،‬والذي له‬
‫إلى جانب هذا التعريف الضيق تعريفا آخر موسعا‪.‬‬

‫‪ )2‬أنظر محمد كمال شرف الدين "مبدأ المفعول المنشئ للترسيم في قوانين ‪4‬ماي ‪ : 1992‬المجلة القانونية التونسية ‪ 1993‬ص ‪" 103‬‬

‫‪28‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬التعريف الموسع‬


‫الرسم المج ّمد حسب هذا التعريف يتمثل في الرسم الذي ال يطابق محتواه واقع العقار‪.‬‬
‫فهذا التعريف يكتفي بشرط وحيد لوصف الرسم العقاري بأنه مج ّمد‪ ،‬وذلك بمجرد اإلطالع‬
‫على البيانات الموجودة بالرسم العقاري‪ ،‬ومقارنة تلك البيانات بواقع العقار‪ .‬فإذا ما تبين وجود‬
‫إختالف وعدم تطابق بين واقع العقار والرسم الذي يخصه‪ ،‬كأن ينص الرسم العقاري بأن‬
‫مالك العقار هو فالن ونجد أن المالك الحقيقي هو شخص أول إنتقلت له ملكية العقار من‬
‫شخص ثان كان بدوره قد إشترى العقار من المالك المنصوص عليه بالرسم العقاري ‪.‬‬
‫للرسم المجمد ميزة أساسية وهي أنه مساس بمبدإ التسلسل‪ ،‬أي فقدان حلقة من الحلقات‬
‫التي تفرضها قاعدة التسلسل في الترسيم‪ ،‬ذلك أن الرسم العقاري وجب أن يتضمن كل‬
‫المعامالت الحاصلة على العقار مع تنظيمها زمنيا‪ .‬فإذا ما إفتقد الرسم ألحد العمليات التي‬
‫موضوعها التفويت ف ي العقار موضوع الرسم‪ ،‬إتصف بالجمود‪ .‬فما مدى خطورة هذه‬
‫الظاهرة؟‬
‫إن القول بأن الرسوم العقارية أصبحت في جزء منها ال تقوم بدورها في إشهار‬
‫المعامالت ضمانا وحفاظا للحقوق خاصة الغير الذي تكون له نية إشتراء العقار‪ ،‬فإذا ما‬
‫أصبح الرسم العقاري ال يكشف له عن حقيقة وضعية العقار فال فائدة من اإلطالع على هذا‬
‫الرسم‪ ،‬وال فائدة ترجى م ن السجل العقاري ككل‪ ،‬ذلك أنه كثيرا ما يؤدي بالشخص المطلع‬
‫إلى إعالم منقوص أو خاطئ‪.‬‬
‫إن هذه الظاهرة ليست بحديثة الظهور‪ ،‬ذلك أن الرسوم المجمدة وجدت منذ الستينات‬
‫إذ بلغ عددها ‪ 40‬رسما مج ّمدا سنة ‪ . 1964‬وقد أكد الدارسون لهذه الظاهرة أن هذا العدد رغم‬
‫اإلصالحات التي قام بها المشرع سنة ‪ 1964‬من خالل إدخال المسح اإلجباري المجاني‬
‫للعقارات في إطار تحد يد للمناطق التي يشملها هذا اإلجراء والذي تقوم به لجنة مؤهلة قانونا‬
‫وهي لجنة المسح‪ ،‬إال أن هذه اإلجراءات واإلصالحات التشريعية لم تساهم في التنقيص من‬
‫مرات‪.‬‬
‫حدة هذه الظاهرة‪ ،‬بل تفاقمت من خالل تضاعف عدد الرسوم المج ّمدة عدّة ّ‬

‫‪29‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫وقد أكد الدارسون أن نسبتها تفوق ‪ ،%60‬ذلك أن دراسة ‪ 1986‬بينت أن هذه النسبة‬
‫‪17‬‬
‫وهذه النسبة‬ ‫تمثل عدد الرسوم المجمدة من مجموع الرسوم والذي يقدر ب‪ 152800‬رسما‬
‫ناتجة عن العيوب التي تحتويها الملفات‪ .‬وفي سنة ‪ 1988‬قدّرت عدد الرسوم المج ّمدة بـ‬
‫‪ 152800‬رسما من مجموع ‪ 254671‬رسما‪.‬‬
‫ّ‬
‫إن ظاهرة الجمود تفاقمت وأصبحت معضلة تشل اليوم أكثر من ‪ % 90‬من عدد‬
‫الرسوم العقارية‪ .‬وقد مثلت هذه المعضلة محور إهتمام الباحثين‪ ،‬ورجال القانون المهتمين‬
‫بالقانون العقاري التونسي‪ .‬وقد تمظهر ذلك في مئوية القانون العقاري التونسي‪ ،‬والذي إحتفل‬
‫‪18‬‬
‫بها في أفريل ‪ 1987‬إذ ذهب جل الفقهاء المتدخلين في ملتقى مئوية التسجيل العقاري بتونس‬
‫إلى ضرورة معالجة مرض و"داء " الرسوم المجمدة بل هناك من وصف هذه الظاهرة بمرض‬
‫الموت و"مرض السرطان" و"قتل الشيخ" و"جنازة القانون العقاري"‪.19‬‬
‫وقد تمخض عن أعمال هذا الملتقى الذي بين النقائص التي يعاني منها القانون العقاري‬
‫التونسي على مستوى تنظيم السجل العقاري خاصة مع ما وقع إعالمه من أرقام مفجعة‬
‫للرسوم المجمدة‪ ،‬والتي جعلت رجال القانون يوجهون نقدا الذعا لمبادئ القانون العقاري‬
‫التونسي ‪ .‬ونتيجة لذل ك إتجهت النية إلى مراجعة أصل نظام التسجيل العقاري الذي تميز‬
‫بالبطء في اإلجراءات والتكلفة الباهضة زيادة على التعقيد مع اإلرتكاز على إجراءات إدارية‬
‫تمكن من إقامة رسم عقاري وبالتالي تمام أعمال التسجيل في أجل ال يتجاوز ‪ 15‬سنة‪.‬‬
‫ونتج عن هذه اإلستشارة الموسعة تكون لجنة خاصة بوزارة العدل ‪ 20‬لدراسة المسألة‬
‫لتبيين أسباب تفشي "داء " الرسوم المجمدة قصد تقديم مقترحات إستنادا إلى المعطيات القانونية‬
‫والواقعية المتصلة بالرسوم المجمدة والملفات المعطلة من خالل دراسات ميدانية وقع اإلرتكاز‬
‫عليها‪ .‬ولكن عالج أي "داء " يتطلب معرفة أسبابه والدواعي التي أدت إلى ظهوره كي يكون‬
‫الدواء ناجعا‪.‬‬

‫‪ ) 17‬ملتقى مئوية القانون بتونس نظمية كلية الحقوق والعلوم االقتصادية والسياسة بسوسة أيام ‪10-9‬و‪ 11‬أفريل ‪ 1987‬بسوسة‪ ،‬نشر كلية الحقوق‬
‫والعلوم االقتصادية والسياسة بسوسة ‪.‬‬
‫‪ ) 18‬مئوية التسجيل العقاري بتونس ملتقى نظمته كلية الحقوق والعلوم االقتصادية والسياسية بسوسة بالتعاون مع إدارة الملكية العقارية بمناسبة مرور‬
‫مائة سنة على بعث دفتر خانة لألمالك العقارية أيام‪ 11-10-9‬أفريل ‪ 1987‬بسوسة نشر كلية الحقوق والعلوم االقتصادية والسياسة بسوسة‬
‫‪ ) 19‬األستاذ العربي هاشم التقرير اإلنتمائي لملتقى مئوية القانون العقاري ‪1987‬‬
‫‪ ) 20‬ترأس اللجنة السيد حسن الممي "قاض" وشملت خاصة السيدة روضة الساحلي "قاضية" والسادة موسى الشنوي وفرحات الراجحي ومحمد‬
‫المنصف الزين وصالح الدين الضميري ومحمد الحبيب بن عبد السالم وحمدي مارس موظفين‬

‫‪30‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬أسباب ظهور وتفشي الرسوم المجمدة في السجل‬


‫العقاري‬
‫إستحوذت معظلة الرسوم المج ّمدة على إهتمام عديد الباحثين المختصين في مجال‬
‫القانون العقاري وجل رجال القانون الذين كتبوا في هذه المسألة واتفقوا على ضرورة التصدي‬
‫لهذه الظاهرة الخطيرة‪.‬‬
‫ولئن اختلفوا في تحديد أسباب هذه الظاهرة ومدى مساهمتها في تفشيها‪ ،‬إال أن األسباب تبقى‬
‫‪21‬‬
‫تفرقة بين األسباب الخاصة والتي لها عالقة‬ ‫واحدة‪ .‬وسأعتمد في تحديد هذه األسباب‬
‫بتنظيم السجل العقاري‪ ( ،‬أ ) واألسباب العامة التي عادة ما ترتبط باألطراف أو المتعاملين‬
‫مع العقارات موضوع التسجيل (ب)‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬األسباب الخاصة‬


‫وجب في بداية هذا التحليل اإلشارة إلى أن أسباب تفشي ظاهرة الرسوم المجمدة وإن‬
‫كانت الدراسة تقوم على أساس تفرقة بين أسباب عامة وأسباب خاصة‪ ،‬إال أن هذه التفرقة ال‬
‫تتعدى أن تكون مجرد تقسيم منهجي ذلك أنه ال يمكن الحديث عن عنصر على حدى فتأثير‬
‫هذه األسباب كان باتحادها معا‪.‬‬
‫تتمثل هذه األسباب الخاصة في طبيعة أعمال التسجيل العقاري التونسي (‪ )1‬وأن‬
‫القانون العقاري التونسي لم يحترم مبادئ نظام السجالت العينية ‪ )2(.‬وإضافة إلى ذلك تتسم‬
‫إجراءات التسجيل بالطول على المستوى الزمني (‪.)3‬‬
‫‪ ) 1‬تتسم أعمال التسجيل في القانون العقاري التونسي بأنها قضائية ‪ ,‬فلقد خير المشرع منذ‬
‫وضعه للقانون العقاري‪ ،‬إختيار الطريقة القضائية في التسجيل ‪ .‬وبدا بذلك متميزا على بـقيـة‬
‫بلـدان العالـم العربي أو الغـربي‪ ،‬زيادة على أنه مـنح اإلخـتـصاص لمحكمة مختـصة "‬
‫صناعي ا" و معرفيا وهي المحكمة العقارية‪ .‬إال أن دقة اإلجراءات القضائية وما تحققه من‬

‫‪ ) 21‬السيد علي كحلون " التحسين العقاري وأثره على المفعول المنشئ للترسم " ‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫ضمانات وعدم إحترام مبادئها و ضوابطها‪ ،‬ينعكس سلبا على عملية التسجيل ومن شأن ذلك‬
‫أن يوفر ظرفا مالئما لنشأة العقار مجمدا منذ البداية‪ ،‬كأن يصدر حكم التسجيل باسم المجموعة‬
‫فيما يخص األراضي اإلشتراكية‪ ،‬أو باسم المتوفي في حالة العجز في العثور عن حجج‬
‫الوفيات والحاال ت المدنية ‪ .‬وهذه الصور وغيرها ينتج عنها والدة الرسم العقاري منذ البداية‬
‫مجمدا‪.‬‬
‫‪ ) 2‬عدم إحترام مبادئ نظام السجالت العينية ‪ :‬يعتبر هذا السبب من األسباب الرئيسية إن لم‬
‫نقل إنه محور جمود الرسوم وسببه الوحيد‪ .‬فالنظام العيني يقوم على خمسة مبادئ أساسية‪،‬‬
‫ومتناسقة‪ ،‬ومكملة كل واحدة منها لألخرى ‪ .‬و تبعا لذلك ال مجال للتخلي عن أحد تلك‬
‫المبادئ‪ ،‬أل ن في التخلي عن إحداها تخل عن جميع المبادئ األخرى‪ .‬والمتأمل للقانون‬
‫العقاري المعتمد سنة ‪ 1885‬يالحظ أنه لم يعتمد كل مبادئ القانون العيني إذ تخلى عن أهمها‬
‫وهو المفعول المنشئ للترسيم بدعوى المحافظة على المبادئ المدنية وتبنى في المقابل‬
‫المفعول النسبي للترسيمات اإلدارية الالحقة‪.‬‬
‫وقد ساهم هذا الوضع في إضعاف السجالت وفقدانها لقوتها وأدى العمل بهذا النظام‬
‫العقاري المنقوص إلى إطمئنان المتعاملين إلى الحقوق المنشئة بمقتضى اإلتفاق‪ ،‬لذلك بقيت‬
‫إجراءات الترسيم من آخر إهتماماتهم ‪ .‬وبمجرد تعرضهم ألي صعوبة مهما كانت ضئيلة‬
‫يتراجع عن القيام با لترسيم‪ ،‬ومن هذا المنطلق مثلت طول اإلجراءات سببا آخر لإلمتناع عن‬
‫تسجيل المعامالت العقارية‪.‬‬
‫‪ ) 3‬طول إجراءات التسجيل ‪ :‬تتميز اإلجراءات باإلمتداد زمنيا على مدى سنوات متعددة‪،‬‬
‫فرغم محاوالت إدارة الملكية العقارية من اإلستجابة للطلبات في أسرع األوقات‪ ،‬إال أن بعض‬
‫و حجمه‬ ‫الملفات تتطلب الكثير من الوقت بحكم مبدإ الشرعية في الترسيم‪ ،‬و ضغط العمل‬
‫‪.‬‬
‫وتساهم هذه الظاهرة بشكل هام في جمود الرسوم العقارية ‪ ، 22‬غير أن هذه األسباب‬
‫المتعلقة بالتنظيم على مستوى السجل العقاري على أهميتها‪ ،‬ليست الوحيدة المتسببة في تفشي‬
‫ظاهرة الرسوم المجمدة‪ ،‬ذلك أننا نجد أسباب ال تقل عنها أهمية وهي األسباب العامة‪.‬‬

‫‪ ) 22‬علي كحلون "التحين العقاري وأثره على المفعول المنشئ للترسيم الصفحلت ‪10‬غلى ‪. 14‬‬

‫‪32‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬األسباب العامة‬


‫تتمثل هذه األسباب في طريقة تحرير الصكوك والرسوم (‪ )1‬والتي تعاني من جهل‬
‫المتعاملين على العقارات وفي كلفة األعمال الفنية للتسجيل (‪ )2‬إضافة إلى توزيع إختصاص‬
‫التسجيل القاري بين المحاكم في القانون التونسي (‪.)3‬‬
‫‪ )1‬طريقة تحرير الصكوك والرسوم ‪ :‬أوجبت مجلة الحقوق العينية والتي تمثل القانون العيني‬
‫التونسي والصادرة سنة ‪ 1965‬ضرورة إحتواء الكتائب المقدمة للترسيم على تنصيصات‬
‫وجوبية لتسهيل العملية‪ .‬فنظام السجل العيني يقوم على قاعدة التخصيص أي أن يخصص‬
‫لكل عقار صحيفة أو رسم عقاري خاص به ضمن السجل العقاري‪ ،‬والحال أن العديد من‬
‫األشخاص تدلي بكتائب خطية تتميز بنقص في التنصيصات جهال من هؤالء المتعاملين‬
‫بالسجل العيني ‪.‬‬
‫فنظام السجل العيني قام على أنقاض نظام هش في اإلثبات والبيان على حد تعبير المستعمر‬
‫‪23‬‬
‫لكن النظام العقاري المتبنى في مادة التسجيل واإلشهار لم ينه المشاكل ‪ .‬وإذا ما‬ ‫الفرنسي‬
‫تجاوز الشخص مسألة كتابة الصكوك والرسوم فإنه يصطدم بكلفة األعمال الفنية والتي تتميز‬
‫باإلرتفاع‪.‬‬
‫‪ )2‬التكلفة الباهضة لألعمال الفنية ‪ :‬قد يتعلق الترسيم بمنابات مشاعة فال يوجد في القانون‬
‫التونسي ما يمنع تجزئة العقار أو المساحة وهنا نجد أن المثال الهندسي يمثل أحد عناصر‬
‫السجل العقاري‪ ،‬وفي هذه الحالة فإن الترسيم ال يقع إال بعد إعداد مثال هندسي تقوم به مصلحة‬
‫قيس األراضي‪ ،‬وهي مؤسسة عمومية ذا ت صبغة تجارية‪ .‬تتصف تكلفة إعداد األمثلة‬
‫باإلرتفاع وهي ليست في متناول الجميع‪ .‬فاألراضي الفالحية والتي تشملها أعمال التسجيل‬

‫‪23‬‬
‫‪) Chafedine Mohamed Kamel les droit des tiers et les actes translatifs de propreté immobilière thèse faculté de‬‬
‫‪droit et des sciences politiques de Tunis 1990page 168 et survient‬‬

‫‪33‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫المسحي يملكها أفراد من ذوي الدخل المتوسط أو الضعيف لذلك نجدهم عاجزون عن تسديد‬
‫تلك المبالغ إلجراء العمليات الفنية‪ ،‬بل نجد أن هؤالء األشخاص يتحاشون القيام بتسجيل‬
‫معامالتهم العقارية هروبا من إرتفاع تكاليف العمليات الفنية إضافة إلى ّ‬
‫أن مطلب الترسيم قد‬
‫يتطلب تدخل عدّة محاكم مما يقلص حظوظ ترسيم تلك اإلتفاقات‪.‬‬
‫‪ )3‬توزيع إختصاص السجل العقاري بين المحاكم ‪ :‬قد تقتضي إجراءات الترسيم‪ ،‬تدخل‬
‫محاكم الحق العام والمحكمة العقارية وحتى بعض الجهات اإلدارية وإن كان هذا التدخل يقع‬
‫بصفة مباشرة أو غير مباشرة‪ ،‬وهذا الواقع أدى إلى وجود بعض القرارات المتناقضة والتي‬
‫تهرب األشخاص من كثرة الهياكل القضائية‬
‫قللت إمكانية ترسيم الرسوم والكتائب نتيجة ّ‬
‫المتد ّخلة‪.‬‬
‫لم يكن التحيين من أهداف الفرنسيين‪ ،‬فقد وضعوا أسس القانون العقاري لغاية تمرير‬
‫الملكية بأيدي الفرنسيين بواسطة آليات القانون العقاري المستحدث ‪ .‬لكن المشرع التونسي‬
‫أحس بخطورة الرسوم المج ّمدة باكرا وحاول معالجتها في إطار إعادة هيكلة إلدارة الملكية‬
‫ّ‬
‫العقارية " دفتر خانة " بموجب المرسوم عدد ‪ 4‬لسنة ‪ 1964‬المؤرخ في ‪ 21‬فيفري ‪.1964‬‬
‫ولكن هذه اإلجراءات لم تقضي على هذه الظاهرة التي إستفحلت وأصبحت ته ّم جل الرسوم‬
‫العقاريّة إن لم تقل كلها‪ ،‬مما جعل األصوات ترتفع منادية بنهاية نظام التسجيل العقاري ‪.‬‬
‫إال أن أعمال اللجنة الخاصة لوزارة العدل والتي تناولت منذ تكوينها سنة ‪1988‬‬
‫مسألة الرسوم المجمدة من خالل دراسات نظرية قانونية ودراسات واقعية وميدانية وقد‬
‫تمخض عن أعمالها إجراءات و محاوالت لإلصالح تمظهرت في قوانين تشريعية‪ ،‬وهو ما‬
‫سنستعرض له بالدرس في الفرع الثاني من هذا الجزء الثاني من هذه الرسالة‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬الحلول اإلصالحية والتحسينية للقضاء على ظاهرة‬


‫الرسوم المجمدة‬
‫ّ‬
‫إن نظام التسجيل العقاري له وظيفة أساسية وهي اإلشهار‪ ،‬ولكي يضطلع بهذه الوظيفة‬
‫يتحتم المحافظة بإستمرار على التوافق بين مضمون السجل العقاري وواقع الحقوق العينية‬

‫‪34‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫العقارية المسجلة‪ .‬بحيث تكون هذه الحقوق مرسّمة دوما بأسماء أصحابها إال أن المتتبع لحياة‬
‫السجل العقاري منذ نشأته‪،‬يتبين أن التوافق المنشود تراجع بصفة ملحوظة في كثير من‬
‫الرسوم العقارية التي أصبحت وضعيتها غير مطابقة تماما للواقع وما النسب المخيفة التي‬
‫وقع ذكرها في الفرع األول إال دليل قاطع على إستفحال ظاهرة الرسوم المج ّمدة‪.‬‬
‫وقد جعلت هذه الوضعية المتردية البعض ينادي بإلغاء التسجيل العقاري والرجوع إلى‬
‫نظام الملكية غير المسجلة‪ .‬إال أن المشرع لم ينهج هذا المنهج وخير خيار العالج واإلصالح‬
‫وإتخاذ جملة من التدابير واإلجراءات التي ترمي إلى القضاء على ظاهرة الجمود وإرجاع‬
‫الحياة إلى الرسوم التي ماتت أو أوشكت على الموت‪ .‬وقد ت ّم هذا اإلصالح التشريعي بمقتضى‬
‫قانون أو تنقيح تشريعي أول في سنة ‪ 1992‬وهو موضوع المبحث األول من هذا الفرع‬
‫الثاني وبما أن التنقيح لم يحقق النتائج المرجوة فقد أتبعه بقانون خصه بمسألة التحيين العقاري‬
‫والذي صدر سنة ‪ 2001‬وهو موضوع المبحث الثاني من هذا الفرع الثاني من رسالتي‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬محاولة اإلصالح األولى ‪.‬القانون عدد‪ 39‬لسنة ‪1992‬‬


‫المؤرخ في ‪ 27‬أفريل ‪1992‬‬
‫تأكدت ضرورة تدخل المشرع التونسي في ميدان القانون العقاري في الملتقى الذي‬
‫أقيم بمناسبة اإلحتفال بمئوية القانون العقاري التونسي وحصل إجماع حول "مرض" هذا‬
‫النظام واتجهت النية منذ ذلك التاريخ إلى مراجعة أصل القانون العقاري الذي بدا بطيئا مكلفا‬
‫ومعقدا ومريضا والتعويل على إجراءات تمكن من إنهاء أعمال التسجيل في وقت محدد‪.‬‬
‫وتبعا لذلك تكونت لجنة مختصة في شهر جوان ‪ 1988‬وتعهدت بوضع مشروع قانون يهدف‬
‫إلى تحيين ال رسوم العقارية وإستكمال النظام العيني لقواعده األساسية قصد التصدي لمعظلة‬
‫الرسوم المجمدة والقضاء عليها‪.‬‬
‫إن المتأمل لإلصالح التشريعي األول يالحظ أنه أنشأ إجراءا قانونيا جديدا تمثل في‬
‫تحيين الرسوم التي تعاني من الجمود فهذا اإلجراء مستحدث في القانون العقاري ولذلك‬
‫فسنخص هذا المفهوم بالفقرة األولى من هذا المبحث األول بينما سنتطرق في الفقرة الثانية‬
‫ّ‬
‫إلى مميزات ونتائج هذا اإلصالح التشريعي‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬مفهوم التحيين‬


‫نتبين مفهوم التحيين من خالل قانون عدد ‪ 39‬لسنة ‪ 1992‬المؤرخ في ‪ 27‬أفريل‬
‫‪ 1992‬فالتحيين يتمثل في جعل الوضعية القانونية للعقار مطابقة للحالة الواقعية له بشكل‬
‫تعكس حقيقة العقار وبالتالي تحديد الوضعية القانونية والتي يقصد بها البيانات الموجودة‬
‫بالرسم العقاري والو ضعية الواقعية أي ما هو موجود في الواقع وذلك للتوصل لحقيقة متطابقة‬
‫في وقت معين‪.‬‬
‫المشرع التونسي عن بقية المشرعين فال نجد شبيها له في القوانين‬
‫ّ‬ ‫هذا اإلجراء إنفرد به‬
‫الغربية وال العربية بل أننا ال نجد له شبيها في القوانين العقارية المقارنة ‪.‬‬
‫التحيين بهذا المعنى يصبح تطبيقا لمبدإ التسلسل والذي يعني أن تكون المعامالت التي‬
‫موضوعها العقار مرسّمة بصفة مسترسلة ومنظمة زمنيا فال نجد حلقة مفقودة وبهذه الطريقة‬
‫نتمكن من إخراج العقار من حالته الراكدة التي كان عليه قبل إجراء التحيين والتي تشبه‬
‫الموت أو "الغيبوبة "‪ .‬ذلك أن الرسم العقاري موجود إال أن الوجود ال فائدة ترجى منه فالرسم‬
‫المجمد يمتاز بالغموض والتحيين يجعله موجودا في الدورة اإلقتصادية فيصبح بإمكان‬
‫المتعاملين على العقار التعامل في شأنه دون خوف‪ .‬وتجدر المالحظة إلى أن المشرع التونسي‬
‫‪24‬‬
‫وبهذا‬ ‫إتخذ صياغة التحيين والتخليص من الجمود للتحدث عن شكل التحيين في مجمله‬
‫المعنى يكون التحيين بمثابة الحل التشريعي الذي إهتدى إليه رجال القانون الذين شاركوا في‬
‫أعمال اللجنة المكونة للتصدي والقضاء على الرسوم المجمدة والتي مثلت خطرا ونقيصة من‬
‫المشرع‬
‫ّ‬ ‫نظام التسجيل العقاري التونسي‪ .‬فما هي نتائج هذا اإلجراء المستحدث في صراع‬
‫التونسي ضد هذا الجمود الذي يضرب جل الرسوم العقارية المكونة للسجل العقاري؟‪ّ .‬‬
‫إن‬
‫التحيين إذا يخص العقارات المسجلة وبالتالي فهو يختلف عن التسجيل الذي يخص معاملة ما‬
‫أو عقار كان غير مسجل ويختلف كذلك عن الترسيم‪.‬‬

‫‪ ) 24‬ورد هذا المفهوم بالقانون عدد ‪ 39‬لسنة ‪ 1992‬المؤرخ في ‪ 27‬أفريل ‪ 1992‬و هو يتعلق بتحيين الرسوم العقارية و تخليصها من الجمود‪ .‬و قد‬
‫أورد الفصل ‪ 13‬نفس المفهوم الذي أبقى عليه المشرع في القانون عدد ‪ 34‬لسنة ‪ 2001‬المؤرخ في ‪ 10‬أفريل ‪ 2001‬و المتعلق بتحيين الرسوم العقارية‬
‫و كان من المفروض اإلشارة إلى تخليص الرسوم العقارية من الجنود تماشيا مع المضمون الذي أورده المشرّ ع بهذا القانون‬

‫‪36‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬نتائج ومميزات هذه المحارلة اإلصالحية التشريعية األولى‬


‫إمتدت أعمال اللجنة المتكونة قصد إيجاد حلول في مواجهة النقائص التي يعاني منها‬
‫التنظيم العقاري التونسي ذلك أن هذه األعمال تواصلت لمدة أربعة سنوات صدر على إثرها‬
‫قانون عدد ‪ 39‬لسنة ‪ 1992‬المؤرخ في ‪ 27‬أفريل ‪ .1992‬وقد أحدث هذا القانون إجراء‬
‫التحيين للرسوم العقارية التي تشتكي الجمود وقد خص المشرع هذا اإلجراء بلجنة مختصة‬
‫تعمل في إطار جهوي أي أنها ترجع بالنظر إلى الوالي‪ ،‬وتوجد مقراتها بالوالية‪ .‬فهي ليست‬
‫بالهيكل القضائي أي أنها ال ترجع بالنظر للمحكمة العقارية كما أنها ال تتبع هيكليا إدارة‬
‫الملكية العقارية لذلك أطلق على هذه اللجان صفة الجهوية وهي تختص بإقامة رسم عقاري‬
‫محيّـن أي أن يتضمن الرسم كل المعامالت العقارية الحاصلة طيلة الفترة الممتدة من لحظة‬
‫والدة الرسم العقاري إلى حين نهاية أعمال التحيين‪.‬‬
‫وقد أثار هذا الخيار بعض التساؤالت خاصة مع وجود دائرة خاصة بالرسوم المجمدة‬
‫عاملة بالمحكمة العقارية كما أن المشرع التونسي خيّـر التوجه القضائي ألعمال التحيين ذلك‬
‫أن إجراءاته قضائية رغم أن الغلبة كانت لإلتجاه اإلداري‪ .‬وقد يكون هذا التوجه التشريعي‬
‫راجع إلى الت أثر بالصبغة القضائية للتسجيل العقاري في القانون التونسي وهي ميزة القانون‬
‫العقاري التونسي ذلك أن التسجيل يكون بمقتضى حكم صادر عن المحكمة العقارية‪ ،‬وقد كان‬
‫من األجدى تكريس المسلك اإلداري بعد إعادة هيكلة وضبط وتعديل إدارة الملكية العقارية‬
‫التي تشتكي من شيخوخة األساليب واإلجراءات‪ ،‬فالمحكمة العقارية هي جهاز قضائي في‬
‫آخر المطاف وهي مختصة في فض النزاعات وليس من واجبها البحث مقام األطراف عن‬
‫الوثائق والسندات لذلك كان من األجدى إعطاء إختصاص التحيين إلدارة الملكية العقارية فهذا‬
‫الهيكل مختص فنيا وهيكليا وصناعيا في هذه المسألة والتي تدخل صلب إختصاصه وهو‬
‫إقامة الرسم العقاري‪.‬‬
‫طغت على إجراء التحيين النزعة المدنية حيث أسندت أعمال تسهيل الترسيم والتي‬
‫ورد ذكرها بالفصل ‪ 315‬م ح ع واألغالط المادية الواردة بالفصل ‪ 391‬م ح ع إلى رئيس‬
‫المحكمة اإلبتدائية سنة ‪ 1992‬ولو أنه وقع التراجع عن هذا التوجه سنة ‪ 1995‬لعدم نجاعته‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫تجدر اإلشارة في نهاية هذا العنصر أن هذا اإلصالح التشريعي المتمثل في القانون‬
‫عدد ‪ 39‬لسنة ‪ 1992‬المؤرخ في ‪ 27‬أفريل ‪ 1992‬لم يكن القانون الوحيد ذلك أنه وقع إصدار‬
‫بعض القوانين بعده من ذلك القانون عدد ‪ 46‬لسنة‪ 1992‬المؤرخ في ‪ 04‬ماي ‪ 1992‬والمتعلق‬
‫بتنقيح مجلة الحقوق العينية وكذلك القانون عدد ‪ 47‬لسنة ‪ 1992‬المؤرخ في ‪ 04‬ماي ‪1992‬‬
‫المتعلق بتنقيح الفصل ‪ 581‬م ح ع نتيجة إلستكمال القانون العيني التونسي لمبادئه بتكريس‬
‫‪25‬‬
‫كما‬ ‫مبدأ المفعول المنشئ للترسيم والذي إرتبط في بعض تطبيقاته بإجراءات التحيين‬
‫ألحقت هذه القوانين بالقانون عدد ‪ 48‬لسنة ‪ 1992‬المؤرخ في ‪ 04‬ماي ‪ 1992‬والمتعلق بتنقيح‬
‫الفصل ‪ 204‬م أ ش وأحدثت هذه القوانين المفعول المنشئ للترسيم وحددت طريقة معينة في‬
‫تحرير الرسم الخاضع له‪.‬‬
‫لئن لم يعلن فشل هذه المحاولة اإلصالحية التشريعية األولى‪ ،‬فإن عدم نجاعة وفشل‬
‫هذه التوجهات قد وقع إقرارها بصفة ضمنية من خالل صدور اإلصالح التشريعي الثاني‬
‫والذي تمظهر في القانون عدد ‪ 34‬لسنة ‪ 2001‬المؤرخ في ‪ 10‬أفريل ‪ 2001‬المتعلق بتحيين‬
‫الرسوم العقارية والذي أعل ن إلغاء لجان التحيين اإلدارية بمقتضى الفصل ‪ 36‬مع إحالة جميع‬
‫المطالب التي وقع تقديمها إليها والتي مازالت منشورة أمام المحكمة العقارية غير أن هذه‬
‫المحكمة تستمر في النظر طبق القانون عدد ‪ 39‬لسنة ‪ 1992‬المؤرخ في ‪ 27‬أفريل ‪1992‬‬
‫في المطالب المحالة إليها قبل دخول القانون عدد ‪ 34‬لسنة ‪ 2001‬المؤرخ في ‪ 10‬أفريل‬
‫‪ . 2001‬كما أقر هذا القانون مواصلة النظر طبق أحكام القانون عدد ‪ 39‬لسنة ‪ 1992‬في‬
‫‪26‬‬
‫‪ .‬وبهذا‬ ‫الطعون المرفوعة ضد القرارات الصادرة عن اللجان الجهوية لتحيين الرسوم‬
‫خص القانون المحكمة‬
‫ّ‬ ‫المعنى فإن قرارات لجان التحيين تتسم بالصبغة اإلدارية لذلك فقد‬
‫العقارية للنظر في الطعون الموجهة لها حرصا منه على مصالح المتعاملين بالعقارات‬
‫موضوع السجل العقاري رغم حصره لحاالت التي يمكن فيها القيام بالطعن‪.‬‬

‫‪ ) 25‬معلوم ان لجان التحيين تحيل على المحكمة العقارية كل المطالب التي لم تتوصل الى إصدار قرار بالترسيم في شأنها طبقا للفصل العاشر من‬
‫القانون عدد ‪ 39‬لسنة ‪ 1992‬المؤرخ في ‪ 27‬أفريل ‪. 1992‬‬
‫‪ ) 26‬معلوم أن قرارات اللجنة نهائية و ال يمكن الطعن فيها إال إذا خالفت أحكام الفصلين ‪ 6‬و ‪ 7‬من القانون عدد ‪ 39‬لسنة ‪ 1992‬المؤرخ في ‪27‬‬
‫أفريل ‪ 1992‬و ذلك في أجل شهرين من تاريخ اإلعالم القانوني و يرفع الطعن أمام المحكمة العقارية مع واجب الطاعن في إعالم إدارة الملكية‬
‫العقارية لذلك الطعن‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬محاولة اإلصالح الثانية ‪ :‬القانون عدد ‪ 34‬لسنة ‪2001‬‬


‫المؤرخ في ‪ 10‬أفريل ‪ 2001‬المتعلق بالتحيين‪.‬‬
‫لئن لم يقر المشرع التونسي فشل اإلصالح التشريعي األول في القضاء على ظاهرة‬
‫الرسوم المجمدة إال أنه أكد بصفة ضمنية فشله من خالل إتخاذ إجراءات تهدف إلى مقاومة‬
‫تكون لجان مختصة في ميدان القانون‬
‫جمود الرسوم العقارية‪ .‬وتمظهرت هذه النية من خالل ّ‬
‫العقاري وقد تواصل عملها طيلة سنة ‪ 2000‬وذلك من أجل إيجاد وضبط إجراءات ناجعة‬
‫لتنظيم السجل العيني‪ ،‬وقد أثمر هذا العمل صدور خمسة نصوص قانونية منها القانون عدد‬
‫‪ 91‬لسنة ‪ 2000‬المؤرخ في ‪ 31‬أكتوبر ‪ 2000‬المتعلق بتطبيق المفعول المنشئ للترسيم على‬
‫بعض الرسوم العقارية والقانون عدد ‪ 35‬لسنة ‪ 2001‬المؤرخ في ‪ 17‬أفريل ‪ 2001‬المتعلق‬
‫بتنقيح مجلة الحقوق العينية‪ .‬وقد هدف المشرع من خاللها إلى إنهاء سياسة اإلصالح في‬
‫الجوانب التي لها عالقة بجمود الرسم العقاري وخاصة في المسائل المتعلقة بتحرير الكتائب‪.‬‬
‫أما فيما يخص مشكلة الرسوم العقارية المجمدة فقد خصها المشرع بقانون على درجة كبيرة‬
‫من األهمية وهو القانون عدد ‪ 34‬لسنة ‪ 2001‬المؤرخ في ‪ 10‬أفريل ‪ 2001‬وتعلق بالرسوم‬
‫العقارية وطريقة تحيينها‪ .‬وقد كان المشرع متأثرا في إجراءاته باإلجراءات العادية للتسجيل‬
‫مع إلغاء لجان التحيين الجهوية‪.‬‬
‫ولدراسة هذا القانون فإنني سأتعرض في فقرة أولى من هذا التحليل إلى بيان اإلختصاص‬
‫الحكمي و الترابي في مطالب التحيين ثم سأبين في فقرة ثانية اإلجراءات الواجب إتباعها‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬تحديد مرجع النظر الحكمي و الترابي‬


‫أ) مرجع النظر الحكمي في مطالب التحيين‬
‫إن المتأمل للقانون عدد ‪ 34‬لسنة ‪ 2001‬المؤرخ في ‪ 10‬أفريل ‪ 2001‬المتعلق بالرسوم‬
‫العقارية المجمدة وكيفية تحيينها‪ ،‬يالحظ أن المشرع التونسي في إختياره إلجراءات تحيين‬
‫الرسوم العقارية المتصفة بالجمود حافظ على تكريس الطريقة القضائية على غرار ما هو‬
‫مكرس في مجال التس جيل العقاري‪ ،‬رغم اإلختالف الواضح بين اإلجراءين فإذا ما تعلق‬
‫التسجيل بإجراء معاملة عقارية على عقار بإقامة رسم عقاري له يحتوي على تلك المعاملة‬

‫‪39‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫وكل المعامالت التي تليها مع ترتيب زمني ومع وصف دقيق للعقار ومالكيه‪ .‬خالف لذلك‬
‫فإن التحيين يخص العقارات التي لها رسم عقاري أي عقارات مسجلة لكنها تتصف بالجمود‬
‫إذ أن مضمون الرسم العقاري متناقض مع واقع العقار‪ .‬ومهما يكن من أمر فإن اإلختالف‬
‫القائم بين المؤسستين لم يمنع المشرع من تبني التوجه القضائي لكالهما وهو ما يعتبر ميزة‬
‫القانون العقاري التونسي‪ ،‬الذي أسند النظر في مطالب التسجيل والتحيين للمحكمة العقارية و‬
‫هي الجهاز المؤهل قانونا في عملية التحيين‪.‬‬
‫هذا اإلختصاص ليس بالمستحدث ذلك أننا نجد تكريسا له في الفصل ‪ 13‬من القانون‬
‫عدد ‪ 39‬لسنة ‪ 1992‬المؤرخ في ‪ 27‬أفريل ‪ 1992‬الذي أسند مه ّمة التحيين للمحكمة العقارية‬
‫إذ نص أنه" بصورة إنتقالية ولمدة ثالث سنوات من تاريخ نشر هذا القانون تأذن المحكمة‬
‫العقارية سواءا بطلب ممن يهمه األمر أو من اللجنة الجهوية لتحيين الرسوم العقارية‬
‫وتخليصها من الجمود وبالتنصيص بالرسوم العقارية على آخر تعديل طرأ عليها وتنظر في‬
‫الحالة القانونية والمادية لل عقارات المسجلة من تاريخ إبتداء العمل بهذا القانون كما تأذن‬
‫بالتنصيص على سلسلة اإلنتقاالت التي طرأت على العقارات الالزمة"‬
‫حافظ القانون عدد ‪ 34‬لسنة ‪ 2001‬على نفس المضمون وقد أورد المشرع بالفصل ‪5‬‬
‫من نفس القانون المذكور أعاله ‪ .‬فإجراءات التحيين لها صبغة قضائية وهذا التوجه حتم إلغاء‬
‫اللجان الجهوية للتحيين التي وقع إنشاؤها بمقتضى القانون عدد ‪ 39‬لسنة ‪ 1992.‬وتبعا لذلك‬
‫وقعت إحالة المل فات التي تعهدت بها هذه اللجان للمحكمة العقارية وبذلك أكد هذا القانون‬
‫الطبيعة القضائية ألعمال التحيين وهو نفس اإلتجاه الذي أوجب إمكانية الطعن في قرارات‬
‫حافظ الملكية العقارية أمام المحكمة العقارية خالفا للتجارب المقارنة التي تمسكت بإجراءات‬
‫‪27‬‬
‫الطعن العادية‪.‬‬
‫وجبت اإلشارة إلى أن تطبيق قانون عدد ‪ 34‬لسنة ‪ 2001‬المتعلق بالرسوم العقارية‬
‫وتخليصها من الجمود إرتبط بالتطبيق التدريجي للمفعول المنشئ للترسيم والذي وقع تكريسه‬
‫بقانون عدد ‪ 46‬لسنة ‪ 1992‬المؤرخ في ‪ 04‬ماي ‪ 1992‬ثم القانون عدد ‪ 37‬لسنة ‪1995‬‬
‫المؤرخ في ‪ 1995/04/24‬وال متعلق بالتمديد في مفعول األحكام القانونية اإلنتقالية المرتبطة‬

‫‪ ) 27‬قانون برازفيل و الكنغو تعرض مطالب التسجيل على محاكم الحق العام مع اعتماد طرق الطعن العادية‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫بتحيين الرسوم العقارية ومرة ثانية بمقتضى القانون عدد ‪ 30‬لسنة ‪ 1998‬المؤرخ في ‪20‬‬
‫أفريل ‪ 1998‬وانتهى أخيرا إألى تطبيق نظام تدريجي و مزدوج لمبدأ المفعول المنشأ للترسيم‬
‫و إجراءات التحيين بموجب القانون عدد ‪ 34‬لسنة ‪ 2001‬المؤرخ في ‪ 10‬أفريل ‪. 2001‬‬
‫ومن هنا كان إختصاص المحكمة في الرسوم العقارية المقامة قبل سنة ‪ 1998‬وفي المطالب‬
‫الخاصة بالرسوم غير المحينة وهذا اإلختصاص وقتي ينتهي بإنتهاء تحيين الملفات المعطلة‬
‫وتطبيق المفعول المنشئ للترسيم‪ .‬ولكن أين يتمثل إختصاص محاكم الحق العام في القانون‬
‫عدد ‪ 34‬لسنة ‪ 2001‬المتعلق بالرسوم العقارية وطريقة تحيينها ؟‬
‫نص الفصل ‪ 9‬من القانون المذكور أعاله "لكل شخص إستدعي لدى إحدى محاكم‬
‫الحق العام أو لدى اللجنة الجهويّة لتصفية األحباس الخاصة أو المشتركة أن يطلب منها‬
‫قبل الخوض في األصل التخلي عن القضية أو المطلب بشرط أن يكون قد قدم بصفة قانونية‬
‫مطلبا لدى المحكمة العقارية في حدود نظرها المبين بالفصول السابقة وأن تسعى بإستمرار‬
‫في القيام بما يستلزمه النظر في ذلك المطلب"‬
‫نالحظ أن المشرع قد أعاد أحكام الفصل ‪ 331‬م ح ع وهو المنظم لتوزيع اإلختصاص بين‬
‫محاكم الحق العام والمحكمة العقارية فيما يتعلق باإلختصاص األصلي للمحكمة العقارية وقد‬
‫لوحظ بأن هذا الفصل ‪ 331‬م ح ع ال يتناسب والمبادئ العامة للقانون الواردة بمجلة المرافعات‬
‫المدنية والتجارية ذلك أن اإلختصاص الحكمي يعتبر من المسائل التي تتعلق بالنظام العام‬
‫فهي تدخل في إطار اإلجراءات األساسية وبالتالي فإن من واجب المحكمة أن تتمسك بها من‬
‫و تجدر اإلشارة إلى أنه يمكن‬ ‫تلقاء نفسها وتثيرها ولو إمتنع األطراف عن القيام بذلك‪.‬‬
‫إثارتها في أي طور من أطوار القضية خالفا لمرجع النظر الترابي الذي يهم األطراف‬
‫وحدهم والذي ال يمكن إثارته أو الخوض فيه إال قبل الخوض في األصل‪ .‬وبهذا المعنى كان‬
‫من األجدى تمكين األطراف الدفع بعدم اإلختصاص الحكمي في أي طور من أطوار القضية‬
‫وإبقاء حق إثارة المسألة من طرف المحكمة من تلقاء نفسها‪ ،‬لكن المشرع خيّـر اإلبقاء على‬
‫أحكام الفصل ‪ 331‬م ح ع وقد يبرر هذا الخيار التشريعي بطبيعة إختصاص المحكمة العقارية‬
‫في مسألة التحيين ذلك أنه كما سبق اإلشارة إليه إختصاص محدد في الزمن وفي الموضوع‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫إن القول بوجود تنازع في اإلختصاص بين محاكم الحق العام والمحكمة العقارية ليس‬
‫باألمر المستعصي وليس بالخطورة التي تتطلب وجود جهاز قضائي لحسم النزاعات المتعلقة‬
‫بتحديد مرجع النظر لكل محكمة على غرار ما هو معمول به في تنازع اإلختصاص بين‬
‫محاكم الحق العام والمحكمة اإلدارية ‪ . 28‬إذ يكفي تحديد الشروط الواجب توفرها لكي تتخلى‬
‫محاكم الحق العام عن النظر في الدعوى لفائدة المحكمة العقارية و قد وردت في الفصل ‪9‬‬
‫من القانون عدد ‪ 34‬لسنة ‪ 2001‬وتتمثل هذه الشروط في أن يكون مطلب التخلي قد قدّم قبل‬
‫الخوض في األصل أي قبل الجواب على الدعوى لكي يكون المطلب مستقيما قانونيا ووجيها‬
‫‪29‬‬
‫أما الشرط الثاني فهو يتمثل في أن يكون الطالب قد قدم مطلب للمحكمة العقارية في حدود‬
‫نظرها و يقع إثبات ذلك بأن يقدم للمحكمة شهادة في نشر القضية تسلم من إدارة المحكمة‬
‫العقارية كما وجب أن يسعى الطالب باستمرار في القيام بما يلزمه النظر في ذلك المطلب‪.‬‬
‫ما يمكن إستنتاجه على مستوى اإلختصاص الحكمي للمحكمة العقارية في مسألة التحيين هو‬
‫أن هذا اإلختصاص مطلقا وال يجوز لمحكمة أخرى أن تتدخل فيه‪ ،‬فهذا اإلختصاص الحكمي‬
‫تتمسك به المحكمة العقارية من تلقاء نفسها ودعوى التحيين ال يمكن بأي حال أن تكون من‬
‫أنظار محاكم الحق العام ولو في إطار قضية مدنية‪ ،‬وتبعا لذلك فإن إثارة هذا الدفع ممكن في‬
‫كل أطوار القضية ولو كان ذلك أمام محكمة التعقيب لتعلقه بالنظام العام‪ .‬وقد كان المشرع‬
‫متشدد في هذه المسألة للمحافظة على التناسق بين األحكام وتالفي تناقضها فما هو الشأن فيما‬
‫يخص اإلختصاص ال ترابي لمطالب تحيين الرسوم العقارية المجمدة ‪.‬‬

‫ب)مرجع النظر الترابي في مطالب التحيين‬


‫يقوم التنظيم القضائي على المستوى العقاري على المركزية ذلك أننا نجد المحكمة العقارية‬
‫بتونس وهي المحكمة العقارية األصلية‪ ،‬ونجد أيضا فروعا لهذه المحكمة وهي ليست مستقلة‬
‫عن المحكمة األصلية وتبعا لذلك كان القيام بالدعوى أمام المحكمة العقارية بتونس مهما كان‬
‫موقع العقار مستقيم قانونا‪.‬‬

‫‪ ) 28‬القانون األساسي عدد ‪ 38‬لسنة ‪ 1996‬المؤرخ في ‪ 3‬جوان ‪ 1996‬المتعلق بتوزيع اإلختصاص بين المحكمة اإلدارية و المحاكم العدلية و‬
‫إحداث مجلس تنازع اإلختصاص ‪.‬‬
‫‪ ) 29‬أحمد أبو الوفاء‪ " :‬أصول المحاكمات المدنية " الدار الجامعية بيروت ‪. 1983‬‬

‫‪42‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫لكن إنتشار فروع المحكمة العقارية في كل واليات البالد تقريبا جعل المشرع يعتمد‬
‫المبدأ العام المنصوص عليه بالفصل ‪ 38‬م م م ت والذي ينص على أن المحكمة المختصة‬
‫بالنظر في الدعاوي المتعلقة بالعقار هي المحكمة التي يوجد بدائرتها الترابية ذلك العقار‪،‬‬
‫وذلك تسهيال لألع مال القضائية للدعوى التي قد تتطلب معاينة العقار‪ .‬وقد أدى هذا الوضع‬
‫بالمشرع التونسي إلى تبني هذا المبدأ العام في القانون المتعلق بتحيين الرسوم العقارية المتسمة‬
‫بالجمود‪ ،‬وقد أورد هذا المعنى بالفصل ‪ 4‬فقرة ‪ 2‬من القانون عدد ‪ 34‬لسنة ‪ 2001‬بالتنصيص‬
‫على أن المطلب ي رفع "إلى مركز المحكمة العقارية الكائن بدائرته العقار" ونالحظ في هذا‬
‫اإلطار إستعمال المشرع لمصطلح "المركز" عوض "فرع المحكمة العقارية"‪ 30.‬وهذه القاعدة‬
‫تبقى سارية المفعول ولو كان المكلف العام بنزاعات الدولة طرفا في المطلب وذلك خالفا‬
‫للقاعدة الواردة بالفصل ‪ 32‬م م م ت والذي ينص على أن الدعوى تكون من أنظار المحاكم‬
‫‪31‬‬
‫و ذلك باعتبار‬ ‫المنتصبة بتونس إذا كانت الدولة طرفا فيها سواء كانت طالبة أو مطلوبة‬
‫أن القاعدة الواردة بقانون التحيين هي إستثناء لإلستثناء ‪.‬‬
‫ولكن اإلختصاص الترابي ال يه ّم النظام العام بل إنه يخص األطراف وتبعا لذلك كان‬
‫من الممكن القيام أمام المحكمة العقارية بتونس والحال أن العقار يوجد بنابل مثال وال تملك‬
‫المحكمة التي تنظر في الدعوى إثارة الدفع بعدم اإلختصاص الترابي قبل الخوض في األصل‬
‫على معنى الفصل ‪ 18‬م م م ت فالدفع المتعلق بمصلحة األطراف يبقى لهم وحدهم حق إثارته‬
‫في الوقت المناسب أي قبل الخوض في األصل تيسيرا لإلجراءات القضائية للتحيين‪ .‬فكيف‬
‫يت ّم تحيين السوم العقارية المتسمة بالجمود أمام المحكمة العقارية؟ وما هي مميزات هذه‬
‫اإلجراءات الوارد تحديدها بالقانون عدد ‪ 34‬لسنة ‪ 2001‬المؤرخ في ‪ 10‬أفريل ‪2001‬‬
‫والمتعلق بتحيين الرسوم العقارية المجمدة ؟‬

‫‪ ) 30‬علي كحلون ‪ :‬التحيين العقاري و أثره على المفعول المنـشئ للترسيم ‪.‬‬
‫‪ ) 31‬القانون عدد ‪ 13‬لسنة ‪ 1998‬المؤرخ في ‪ 7‬مارس ‪ 1998‬المتعلق بتمثيل الدولة و المؤسسات العمومية ذات الصبغة اإلدارية الخاضعة‬
‫إلشراف الدولة لدى سائر المحاكم ‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬إجراءات التحيين أمام المحكمة العقارية‬


‫أ‪ -‬اإلجراءات التحضيرية للتحيين‬
‫كرس المشرع التونسي من خالل القانون عدد ‪ 34‬لسنة ‪ 2001‬المؤرخ في ‪ 10‬أفريل ‪2001‬‬
‫المتعلق بتحيين الرسوم المجمدة اإلتجاه القضائي في إجراءات التحيين‪ .‬وبما أن القضاء له‬
‫صبغة إدعائية فإن الدعوى تنطلق بقيام الدعوى للحق أمام القضاء إلثبات ذلك الحق مع‬
‫‪32‬‬
‫وجوب توفر مجموعة من الشروط أوردها المشرع بمجلة المرافعات المدنية والتجارية‬
‫وهي المصلحة في القيام والصفة واألهلية ‪ .‬فلئن كانت األولى تتمثل في الغاية والفائدة المرجوة‬
‫من القيام فإن الثانية تتمثل في أن قيام الشخص يكون للدفاع عن نفسه وحقه أما األهلية فهي‬
‫حق اإلنسان في التصرف في أمالكه وقدرته على اإللزام واإللتزام‪.‬‬
‫إن المطلع على الفصل ‪ 4‬من القانون عدد ‪ 34‬لسنة ‪ 2001‬يالحظ أن المشرع إقتصر‬
‫على إشتراط المصلحة في القيام دون ذكر شرطي األهلية والصفة فهل أن المشرع تخلى عن‬
‫هذين الشرطين ؟ وما هو مقصد المشرع من هذا الخيار ؟‬
‫ورد بشرح أسباب القانون المذكور أعاله أن إقتصار المشرع على شرط المصلحة‬
‫كان لغاية تمكين بعض الذوات المعنوية والمادية من القيام لتحيين رسوم عقارية مجمدة متى‬
‫أثبتوا وجود مصلحة في ذلك‪ .‬وهذا تشجيع من المشرع وفتح لباب التحيين على مصراعيه ‪.‬‬
‫المشرع أعطى حق القيام في طلب تحيين الرسوم العقارية لحافظ الملكية العقارية‬
‫ّ‬ ‫كما أن‬
‫المشرع‬
‫ّ‬ ‫حسب الفصل ‪ 11‬من القانون عدد ‪ 34‬لسنة ‪ 2001‬وهذا إستثناء للقاعدة مما جعل‬
‫يشترط شروطا شكلية و أخرى موضوعية‪.‬‬
‫أما األولى فتتمثل في وجوب أن يكون الطلب في إطار نظر إدارة الملكية العقارية في‬
‫طلبات الترسيم أو التشطيب المقدمة بعد دخول هذا القانون حيز التنفيذ‪.‬‬
‫أما الشروط الموضوعية فهي تلك المتعلقة بالحالة اإلستحقاقية للعقار إذا ما أصبحت‬
‫غير ثابتة بسبب حالة شيوع ال متناهية مع تحديد مناب كل مستحق أو عدم التننصيص على‬
‫بالسجل ا لعقاري د‬ ‫تلك المنابات اإلستحقاقية األصلية من خالل إدراج حجج الوفايات مثال‬

‫‪ ) 32‬الفصل ‪ " 19‬حق القيام لدى المحاكم يكون لكل شخص له صفة وأهلية تخوال منه حتى القيام بطلب ماله من حق وأن تكون للقائم مصلحة من‬
‫القيام" السيد محمد الزين "النظرية العامة لاللتزامات العقد تونس في ‪ 1993‬صفحة ‪ 79‬وما بعده‬

‫‪44‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫أ كثر من المناب الحقيقي‬ ‫ون إدراج فريضة أو تجاوز تلك المنابات كأن تشمل عملية البيع‬
‫‪ .‬و تجدر اإلشارة أن ا لمشرع لم يحصر األسباب الموجبة لتخليص الرسم من الجمود بل‬
‫أوردها على سبيل الذكر ال الحصر ويبقى األمر خاضعا لتقدير إ دارة ا لملكية ا لعقارية و‬
‫تقدير رئيس المحكمة ‪.‬‬
‫وجب أن يرفع المطلب الصادر عن إدارة الملكية العقارية إلى رئيس المحكمة العقارية بتونس‬
‫و لرئيس‬ ‫د ون وجو ب إعالم المعنين فاألمر يبقى خاضعا لنظر حافظ الملكية العقارية‬
‫المحكمة قبول المطلب وإحالته إلى دائرة الرسوم المجمدة المختصة ترابيا حسب موقع العقار‬
‫موضوع الرسم العقاري أو رفض المطلب على ضوء الملحوظات المقدمة من اإلدارة و قرار‬
‫الرفض يمكن طلب تعليله مع وجود إمكانية إعادة المطلب إذا دعت الحاجة إلى ذلك على أن‬
‫هذا القرار ال يمكن الطعن فيه‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬
‫في الدعوة أو المعارضة‬ ‫حافظ المشرع على نفس اإلتجاه فيما يخص شروط التداخل‬
‫من خالل إشتراط المصلحة فقط دون األهلية و الصفة فالمعارضة هي المنازعة التي تصدر‬
‫أما التداخل فيكون من‬ ‫عن أحد األطراف أو الغير في أصل الحق بهدف إستحقاقه‬
‫الغير الذي يكون منازعا في الحق موضوع الدعوى‪ .‬و لقد درج المشرع هذا المدرج فسحا‬
‫منه المجال أمام ال شركات واألشخاص المعنوية والسؤال المطروح يتعلق بإمكانية التداخل‬
‫أو اإلعتراض دون أن يكون للغير الصفة القانونية كما هي الحالة في إجراءا ت التسجيل‬
‫‪ 330‬م ‪.‬ح ‪.‬ع من أن للمقدمين و الممثلين القانونين‬ ‫اإلختياري و الواردة بالفصل‬
‫واألقارب واألصدقاء ووكيل الج مهورية و حكام النواحي و الوالة صفة القيام باإلعتراض‬
‫نيابة عن القصر و الغائبين في آجال محدودة‪ .‬هذه القواعد مطبقة في مطالب التحيين ذلك‬
‫أنه يجري وفق أحكام القانون عدد ‪ 34‬لسنة ‪ 2001‬و حسب اإلجراءات الواردة بمجلة‬
‫خاصة و تبقى القواعد العامة سارية ما لم‬ ‫الحقوق العينية‪ .‬فهذا القانون لم يأت بقواعد‬
‫تتعارض مع موجبات إجراءات التحيين ‪.‬‬

‫‪ 2‬مفهوم التداخل في القانون العقاري مختلف عن مفهومه في م م م ت الوارد بالفصلين ‪ 224‬و‪ 225‬منها فالتداخل حق لكل من له مصلحة ولم‬
‫تعرف هذا المفهوم رغم تعدد التنقيحات وورود هذا المفهوم في عدة مواضيع‬
‫‪ 3‬يختلف هذا المفهوم عن المفهوم الوارد بالفصول ‪28‬و‪29‬و‪226‬و‪227‬و‪ 228‬م م م ت فهي دعوى تختص بالقيام بها المطلوب لرد دعوى أصلية أو‬
‫طلب مقاصة أو طلب غرم الضرر‬

‫‪45‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫أما تقديم المطالب فيكون مبدئيا إلى المحكمة العقارية وبصفة خاصة لكتابة هذه‬
‫المحكمة و التي يوجد بدائرتها العقار مع إمكانية تقديم اإلعتراضات لمحكمة الناحية التي‬
‫تحيلها للمحكمة صاحبة اإلختصاص الترابي تطبيقا لقوا عد الفصل ‪ 324‬م‪.‬ح‪.‬ع نص الفصل‬
‫األول من القانون عدد ‪ 34‬لسنة ‪ 2001‬على أ ن اإلجراءات الواردة بمجلة الحقوق العينية‬
‫تنطبق فيما لم يأت فيه قو اعد و أحكام خاصة ‪.‬‬
‫تقوم اإلجراءات العقارية فيما يخص اإلجراءات المسحية أو اإلختيارية على جملة من‬
‫اإلشهارات وقد نقل المشرع جانبا كبيرا منها وسحبها على مطالب التحيين رغم الفوارق‬
‫الموجودة بين مطالب التسجيل ومطالب التحيين و هذا التبني يفسر إرادة المشرع و حرصه‬
‫على العال نية في مطالب التحيين ‪.‬فما هي هذه اإلشهارات ؟‬
‫بالدفتر المعد لذلك ثم يوجه نظيرين‬ ‫بمجرد تلقي كاتب المحكمة المطلب يتولى إدراجه‬
‫ومضمونين منه‪ ،‬أما األول فيوجه إلدارة الملكية العقارية التي تتولى خالل األسبوع الموالي‬
‫إلتصالها به التنصيص على مضمون المطلب بالرسم العقاري و الرسوم العقارية المحينة‬
‫كما تضع المطلب ومؤيداته على ذمة العموم بقصد اإلطالع عليها دون مقابل ‪ .‬يقع تضمين‬
‫التنصيص تاريخ إجراءه والمحكمة المتعهدة وعدد المطلب وتاريخ تقديمه وموضوعه واسم‬
‫الطالب ولقبه ومقره وبيان الحقوق والعمليات المطلوب إدراجها‪ ،‬ثم تعلم اإلدارة المحكمة‬
‫العقارية بإتمام التنصيص وإفادتها بالحالة القانونية األخيرة للرسم العقاري‪.‬‬
‫أما مضمون المطلب الثاني ومؤيداته فكاتب المحكمة يوجهه إلى مركز محكمة الناحية‬
‫الكائن بدائرتها العقار وتوجد مطبوعة خاصة بهذا المضمون ويتولى قاضي الناحية تعليق‬
‫مضمون المطلب بمدخل المحكمة ويبقى معلقا لمدة شهرين مع إعالم كاتب المحكمة العقارية‬
‫بوقوع ذلك في ظرف ‪ 48‬ساعة‪ .‬و تتبع نفس اإلجراءات بالنسبة للتعليق ببهو المعتمدية الكائن‬
‫بدائرتها العقار والتي يوجه لها كاتب المحكمة مضمون المطلب بمجرد تسلمه فمدة التعليق‬
‫بالمعتمدية هي شهرين ويقوم المعتمد في جميع الصور اعالم المحكمة بالتعليق بعد إمضائه‬
‫في ظرف ‪ 48‬ساعة‪.‬‬
‫واإلشهار في إجراءات التحيين تتنوع إذ نجد اإلشهار األصلي ويتم بالتنصيص بالرسم‬
‫العقاري والتعليق بمركزي المعتمدية ومجكمة الناحية و هو إجراء وجوبي يمكن للمحكمة في‬

‫‪46‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫جلستها الحكمية أن تأذن بإتمامه إذا تعذر ذلك‪ .‬وكذلك الشأن بالنسبة للمطلب المقدم من إدارة‬
‫الملكية العقارية‪ .‬ونجد من ناحية ثانية اإلشهار التكميلي والذي تأذن المحكمة بإدراج المطلب‬
‫بالرائد الرسمي أو بإحدى الجرائد اليومية‪.‬‬
‫وتتمتع هذه اإلشهارات بأهمية بالغة إذ أورد المشرع بالفصل ‪ 13‬من القانون عدد ‪34‬‬
‫لسنة ‪ 2001‬أنه" ال يجوز إلدارة الملكية العقارية إبتداءا من تاريخ التنصيص على مضمون‬
‫المطلب بالرسم العقاري مبا شرة أي عملية في موضوعه و عليها أن توجه إلى المحكمة‬
‫ملفات المطالب المقدمة إليها في نفس الموضوع مع بيان تاريخ ورودها حسب التنصيصا‬
‫ت المثبتة بدفتر مطالب الترسيم أو الشطب "‬
‫يبدو للوهلة األولى أن المشرع منع جميع التعامالت على الرسم إذا تعلقت به مطالب‬
‫تحيين لكن هذا لم يكن مقصد المشرع بإعتباره أشار إلى المواضيع التي تتعلق بمضمون‬
‫المطلب فهناك مواضيع أخرى يمكن التنصيص عليها إذا لم تتعلق بموضوع التحيين‬
‫فالعمليات المتعلقة بالقيود اإلحتياطية و اإلعتراضات التحفظية و اإلنذارات وإصالح‬
‫األخطاء المادية يمكن إدراجها ولو كان الرسم موضوع مطلب تحيين‪.‬‬
‫و بهذا المعنى يمكن إلدارة الملكية العقارية قبول جميع العمليات وإدراجها و عدم‬
‫التقيد بحضر التعامل على الرسم كلما كانت ال تتعلق بموضوع المطلب و تصبح المسألة‬
‫خاضعة للسلطة التقديرية إلدارة الملكية العقارية‪ .‬أما الصعوبات الواقعية والتي تحول دون‬
‫تنفيذ حكم ا لتحيين فترجع بالنظر للمحكمة التي بإمكانها التعديل في الحكم أو الترسيمات‬
‫الواردة بالرسم العقاري ومراقبة مدى شرعية إدراج تلك الحقوق ‪.‬‬
‫تقوم إدارة الملكية العقارية بتوجيه المطالب المقدمة إليها في نفس الموضوع مع بيان ورودها‬
‫ثم إحالتها فورا إلى محكمة التحيين مع وجوبية بيان تاريخ تضمينها إذ أن هذا التاريخ على‬
‫درجة كبيرة من األهمية إذ تتعلق بتقدّم بعض الحقوق على األخرى وتاريخ التضمين معتمدا‬
‫في إيداع الحق بعد قبوله مهما تأخرت عملية اإلدراج بالرسم العقاري‪.‬‬
‫المشرع التونسي في الفقرة األخيرة من الفصل ‪ 13‬من نفس القانون أنه وجب‬
‫ّ‬ ‫وقد نص‬
‫تضمن الشهادات المسلمة من إدارة الملكية العقارية اإلشارة إلى التنصيصات المتعلقة‬

‫‪47‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫بالمطالب المقدمة في موضوع الشهادات المذكورة و في مقدمة هذه الشهادات نجد شهادة‬
‫الملكية التي أوردها الفصل ‪387‬م ح ع‪.‬‬
‫إن أهمية هذه اآلثار ال تنفي وجود السلبية من ذلك مثال حضر التعامل على العقار‬
‫موضوع التحيين العقاري فوقف التعامل على الرسم فيه خسارة كبيرة على مستوى التعامل‬
‫اإلقتصادي ‪ .‬كما أن المشرع لم يعط لمطلب التحيين حق التقدم القانوني على المطالب الالحقة‬
‫ولم يسحب آثار القيود اإلحتياطية من مطلب التحيين‪ ،‬كما و أنه لم يف ّكر في قيد مطلب التحيين‬
‫قيدا إحتياطيا وبقيت في سباق مع المطالب التي قد تأتى الحقا‪.‬‬
‫تجدر اإلشارة إلى وجود استثناء لمبدأ حضر التعامل على الرسم بمجرد التنصيص‬
‫على مطلب التحيين وقد ورد ذلك في الفصل ‪ 14‬من القانون عدد ‪ 34‬لسنة ‪ 2000‬من أنه‬
‫يمكن لدائرة الرسوم العقارية المجمدة أو قاضي السجل العقاري كل في حدود إختصاصه‬
‫اإلذن بناء على مطلب ممن له مصلح ة بمباشرة العملية المطلوبة لدى إدارة الملكية بعد التحقق‬
‫من عدم تعلقها بالمطلب المنشور لدى المحكمة و تقدير مدى تعلق الطلبات بالمطلب المنشور‪.‬‬
‫إن إدارة الملكية العقارية ترفع يدها عن جميع العمليات و تحيل الرسوم للمحكمة‬
‫العقارية و يبقى لكل من له المصلحة الحق في تقديم مطلب أمام قاضي السجل العقاري أو‬
‫دائرة تحيين الرسوم المج ّمدة حسب اإلختصاص لإلذن بإدراج الطلبات إذ أنه مطلب مستقل‬
‫على المطلب األصلي و تقع اإلجابة عنه بقرار إستيفائي ليست له قوة التنصيصات الواردة‬
‫في الحكم‪ .‬و يقوم التساؤل في هذا السياق عن اإلجراءات الحكمية المعتمدة في التحيين ‪.‬‬
‫ب ـ اإلجراءات الحكمية للتحيين ‪:‬‬
‫هناك هيكلين قضائيين مختصين في مسألة تحيين الرسوم العقارية المج ّمدة فقد جاء‬
‫في شرح األسباب أنه ت ّم إحداث قضاء فردي و تكليف قاض مختص بوظائف مشابهة لوظائف‬
‫تمس‬
‫ّ‬ ‫رئيس لجنة المسح العقاري و تم اإلستناد للقضاء الفردي للبتّ في المطالب التي ال‬
‫و مختلف‬ ‫بأصل الحق‪ .‬هذا القاضي هو جهاز قضائي يبتّ في نوع معيّن من القضايا‬
‫عن القاضي المقرر أو القاضي المكلّف اللذان يكونان مكلفان بالبحث فقط‪.‬‬
‫إستثنى المشرع التونسي اإلجراءات الخاصة بقاضي السجل العقاري من إجراءات‬
‫المواجهة إعتمادا على إمكانية إحتجاج على الغير التي تحصر في طلبات اإلشهار القانوني‬

‫‪48‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫لجميع المطالب و بهذا المعنى يصبح قاضي السجل العقاري جهاز قضائي غير حكمي إذ أن‬
‫و‬ ‫اإلجراءات أمامه إستيفائية ال تتطلب إستدعاء الطرف المقابل و تباشر بالمكتب‬
‫يستجاب للمطلب على ضوء ما قدمه األطراف من ملحوظات كتابية و شفاهية و بذلك تشبه‬
‫هذه اإلجراءات المعتمدة في األذون على العرائض ‪.‬‬
‫ّ‬
‫الخطة إلى جانب دائرة الرسوم المج ّمدة ال يتعدّى‬ ‫أخيرا يمكن القول أن إحداث هذه‬
‫كونه من األمور الصناعية ‪.‬‬
‫تتميّز اإلجراءات أمام دائرة الرسوم المج ّمدة بأنها قضائية إذ أن هذه الدائرة هي صاحبة‬
‫اإلختصاص األصلي في اإلجراءات المتعلقة بالتحيين و اإلجراءات أمامها إستيفائية ال تطرح‬
‫أي نزاع مع محافظتها على مبدأ المواجهة بين األطراف ‪.‬‬
‫نص الفصل ‪ 18‬من القانون عدد ‪ 34‬لسنة ‪ 2001‬المتعلق بتحيين الرسوم التي تعاني‬
‫من الجمود " يتعلق في الطلبات الرامية إلى التشطيب على ترسيم أو إبطال تشطيب أو تعديل‬
‫ترسيم أو الحط من الترسيم أو اإلعتراف بحق المغارسي أو قسمة األرض المغروسة‪ .‬و يقع‬
‫إستدعاء المطلوب إلى الجلسة التي تعينها إدارة الرسوم المجمدة طبق الصيغة المعينة‬
‫بالفصلين ‪ 342‬و ‪ 343‬م ح ع ويمكن للدائرة إذا لم يبلغ اإلستدعاء حسب الصيغة القانونية‬
‫اإلذن باستدعاء المطلوب بمكتوب مضمون الوصول مع اإلعالم بالبلوغ‪ .‬وقد حدد المشرع‬
‫المواضيع والطلبات الخاضعة لمبدأ الموا جهة واستثنى بقية الطلبات المنظورة أمام دائرة‬
‫الرسوم المجمدة و لذلك فقد حدد موضع اإلجراءات التنازعية‪.‬‬
‫أما تعهد قاضي السجل العقاري و دائرة الرسوم المج ّمدة فيقع بمقتضى إحالة من رئيس‬
‫المحكمة العقارية أو من ينوبه في أجل شهرين من تاريخ التنصيص على مضمون المطلب‬
‫بالرسم العقاري‪ .‬أما تتشكل دائرة الرسوم المجمدة بمناسبة النظر في المطالب التابعة لكل‬
‫فرع و هي التي تنظر في بقية الملفات العادية والمسحية ‪.‬‬
‫تتركب هذه الدائرة من وكيل رئيس وقاضيين‪.‬‬
‫كما حدد الفصل ‪ 17‬من قانون التحيين لسنة ‪ 2001‬الوسائل التحضيرية إذا يأذن كل‬
‫من دائرة الرسوم العقارية وقاضي السجل العقاري بالتخليصات الالزمة ويأذن كل فيما يخصه‬
‫بما يراه من الوسائل التحضيرية كاإلختبار والبحث والتوجه على العين وأخذ رأي إدارة‬

‫‪49‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫الملكية العقارية كما يمكن لهما طلب أي وثيقة صالحة من كل اإلدارات والمؤسسات العمومية‬
‫أو الخاصة أو أي شخص مادي و يمكنهما اإلذن بإقامة المثال النهائي أو تعديله عند اإلقتضاء‬
‫مع إشتراط المبادئ العامة العقارية‪.‬‬
‫و قد تلجأ المحكمة إلى تعيين خبراء سواءا في قيس األراضي أو في الفالحة وتعيين‬
‫الخبير وواجباته والتزاماته وآجال تقديم التقرير وإجراء الفسخ يكون على معنى الفصل ‪101‬‬
‫م م م ت وما بعده و القانون عدد ‪ 61‬لسنة ‪ 1991‬المؤرخ في ‪ 23‬جوان ‪ 1991‬المتعلق‬
‫بالخبراء‪ .‬إن اإلذن في إنتداب الخبير يكون من قاضي السجل العقارى أو من دائرة الرسوم‬
‫العقارية و يقوم األطراف أو األحرص منهم تسبقة المصاريف الالزمة‪ .‬أما في ما يخص‬
‫البحث فإن قاضي السجل العقاري يتولى انهاء البحث مع إمكانية تعيين غيره‪ ،‬خالفا دائرة‬
‫الرسوم المجمدة التي تكلف أحد أعضائه ا مع تشريك القضاة في فصل القضايا من خالل‬
‫دراسة الملف و إعداد التقارير والتحريرعلى األطراف لتوضيح المسائل الغامضة والتحرير‬
‫على الخبير و سماع من تخشى المساس بحقوقه و اإلطالع على ملفات التحيين األخرى مع‬
‫الترخيص للغير في اإلطالع على الملف و أخذ صورة منه‪ ،‬كما يمكن التوجه على العيب‬
‫وهي أساس اإلجراءات في التسجيل للتأكد من شمول الكتب لكل العقار أو إذا ما تعلق األمر‬
‫مثال بحق مغارسي و التحقق واقعيا من إطعام األ شجار‪.‬‬
‫أما في ما يخص أخذ رأى إدارة الملكية العقارية فهو من قبيل اإلستحسان في جميع‬
‫الصور وال يقيد المحكمة فالمهم إحترام اإلجراءات بقطع النظر على اإلختصاص‪ .‬ذلك أن‬
‫المحكمة العقارية ال يمكنها تجاوز الملفات العقارية المفقودة وهي المعظلة التي تعطل إجراء‬
‫التحيين‪ ،‬ذ لك أن مفهوم التخليص ال يعني إمكانية التجاوز كما ورد تحديده بالفصل‪ 6‬من‬
‫قانون التحيين لسنة ‪ . 2001‬إن المحكمة مقيدة بعدم سريان الحيازة على العقارات المسجلة و‬
‫هي مدعوة إلحترام مبدأ التسلسل في الملكية ‪ .‬و تبعا لذلك يصبح للجمود تحديات تفرض‬
‫اللجوء إلى أحكام إستثن ائية حتى تكون للمحكمة سلطة مطلقة في إجراءات البحث و نتبيّن في‬
‫هذا السياق ضرورة طالق يد القضاء سواء كانت مجلسيّة أ و فردية قصد تحقيق اليقين‪.‬‬
‫تقوم المحكمة بالتثبت من شكليات المطلب ومن وجود المصلحة في القيام و التثبت من‬
‫بيانات المطلب و الوثائق المصاحبة و قيام أعمال اإلشهار التي وضعت على كاهل كاتب‬

‫‪50‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫المحكمة فهو المسؤول على إجراء هذه اإلشهارات مع وجوب مراعاة األجل في الحكم وهو‬
‫شهر من تاريخ إدراج التنصيص المتعلق باإلشهار األصلي و اإلشهار الجديد أو التكميلي‬
‫بعد التنصيص على مطلب التحيين األصلي بالرسم العقاري ذلك أنه من المحبذ اتخاذ القرارات‬
‫في أقرب اآلجال‪.‬‬
‫تجدر اإلشارة إلى أن اختصاص قاضي السجل العقاري يكون بصفة مدققة فهو ينظر‬
‫في المطلب الذي يخلو من كل معارضة قبل صدور الحكم و إال يقوم القاضي بالتخلي عن‬
‫النظر في المطلب لفائدة دائرة الرسوم المجمدة التي هي صاحبة اإلختصاص األصلي‪ ،‬أما‬
‫التخلي فيقع عن طريق إذن من رئيس المحكمة العقارية أو من ينوبه الذي يأذن بإحالة الملف‬
‫على الدائرة‪.‬‬
‫و أما دائرة الرسوم المجمدة فإنها ال تتخلى لفائدة قاض السجل العقاري ذلك أنها صاحبة‬
‫اإلختصاص العام كما سبق اإلشارة إليه و تبعا لذلك فإنه في صورة التخلي لفائدتها ال يحق‬
‫لها الرفض ذلك أن لها نظر شامل في عملية التحيين إحتراما للمبدأ العام القائل بأن من أمكنه‬
‫األكثر أمكنه األقل‪.‬‬
‫و الجدير بالذكر أنه يمكن ضم المطالب لبعضها بعض إذا كانت مرتبطة ببعضها نظرا‬
‫و الجزائي‪.‬‬ ‫لوحدة الموضوع و األطراف و السبب و لكن هذا يختلف عن الضم المدني‬
‫المشرع‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إن أهمية هذا الموضوع لما فيه من خصوصية على مستوى مطالب التحيين لم تدعو‬
‫إلى ضبط مدلول و حدود هذا الضم و إكتفى بتكريس المبدأ بالفصل‪ 22‬من القانون عدد‪34‬‬
‫لسنة ‪ " 2001‬تحكم ولو دون طلب بضم القضايا المرتبطة عند اإلقتضاء" و كان من الجدير‬
‫تحديد مفهوم اإلرتباط وصوره‪.‬و نبقى بهذا المعنى السلطة التقديرية واسعة للمحكمة في إثارة‬
‫مواطن الربط و القضاء تبعا لذل ك بضم المطالب لبعضها بعض وهو إجراء ضروري إذا ما‬
‫تعلقت مطالب التحسين برسم عقاري واحد‪.‬‬
‫يمكن للمحكمة رفض المطلب إذا لم يقدم الطالب الوثائق المطلوبة أو تقاعس عن‬
‫اإلستجابة لألحكام التحضيرية وهذه اإلمكانية غير مخولة لقاضي السجل العقاري الذي في‬
‫حالة استعصاء األمر يحيل المطلب على دائرة الرسوم العقارية و قد كان من األجدى إلزام‬
‫دائرة التحيين عدم القضاء بالرفض ألن غاية قانون ‪ 2001‬تحيين الرسوم العقارية المجمدة‬

‫‪51‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫و أما في صورة الرفض فالحالة تبقى على ما هي عليه و ينتج عن ذلك عدم تغيير طبيعة‬
‫الرسم لذلك كان من واجب المحكمة عدم اللجوء لرفض مطالب التحيين إال في حالة‬
‫اإلستعصاء المطلق‪.‬‬
‫أما إذا ما استجابت الهيئة القضائية للمطلب فهي تصدر حكما بالترسم كل حسب حدود‬
‫إختصاصه‪ .‬فإذا ما كان قاضي السجل العقاري مختصا بالنظر في المطالب الرامية إلى‬
‫تصحيح الوثائق المقدمة للترسيم كتدارك السهو أو النقص أو الغلط أو الخلل أو عدم تطابق‬
‫البيانات أو التنصيصات أو اإلرشادات أو اإلمضاءات كما ينظر أيضا في المطالب الرامية‬
‫إلى تحرير الفرائض حسب ما يرد في الرسم العقاري‪.‬‬
‫أما إدارة الرسوم العقارية فإن إختصاصها الحكمي ممتدا فهي تقضي بترسيم الكتائب‬
‫المقدمة كما تأذن لحافظ الملكية العقارية بإدراج تنصيصات محددة إلى جانب القضاء بإبطال‬
‫و تقسيم األرض‬ ‫التشطيب أو ضبط منابات إستحقاقية أو اإلعتراف بحق المغارسي‬
‫المغروسة و تأ ذن بترسيم الحقوق الناشئة عن حل األحباس‪.‬‬
‫ثم تقوم المحكمة العقارية بختم إجراءات التحيين وهي وسيلة مستحدثة في القانون‬
‫عدد‪ 34‬لسنة ‪ . 2001‬هذا اإلجراء يعني إستيفاء الشكليات المطلوبة و نهاية األعمال القانونية‬
‫واإلجرائية و يشترط لقيامه شمول التحيين لكامل الرسم العقاري موضوع المطلب أو الذي‬
‫نشأ عنه إحداث رسم عقاري جديد‪.‬‬
‫نص المشرع بالفصل ‪ 24‬من القانون عدد‪34‬‬
‫أما فيما يخص تنفيذ الحكم العقاري فقد ّ‬
‫لسنة ‪ 2001‬على الطريقة التقليدية في تنفيذ األحكام العقارية فال وجود ألحكام جديدة وقواعد‬
‫مستحدثة إال فيما يتعلق وجوب إعالم إدارة الملكية العقارية في صورة الحكم برفض المطلب‬
‫بقطع النظر إن كان المطلب مقدم من طرف األشخاص أو من حافظ الملكية العقارية على‬
‫معنى الفصل‪ 11‬من هذا القانون و اإلعالم يكون بمكتوب عادي ما دام المشرع لم يشترط‬
‫طريقة معينة في اإلعالم‪.‬‬
‫أما طريقة اإلعالم بالحكم يكون عن طريق كاتب المحكمة على معنى الفصل‪ 349‬م‬
‫ح ع مع إمكانية تنفيذ الحكم جبريا بعد تحليته بالصبغة التنفيذية فيما يخص المصاريف‬
‫المحكوم بها‪ .‬و قد جرى العمل بالمحكمة العقارية على تلخيص الحكم و إحالته على إدارة‬

‫‪52‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫الملكية العقارية التي تدرجه بدفتري التضمين و اإليداع ث ّم بالسجل العقاري مع وجوب‬
‫التنصيص على الحكم عند إدراج كل عملية يتم اإلذن بها بموجب الحكم‪.‬‬
‫وجبت اإلشارة في نهاية هذا الجزء الثاني من هذه الرسالة إلى أن المشرع و إن كرس‬
‫الصبغة النهائية لألحكام العقارية في مادة التحيين فال يمكن الطعن فيها بأي وجه من األوجه‬
‫‪33‬‬
‫مع تخصيص هذه اإلمكانية بإجراءات‬ ‫إال أنه أعطى إمكانية طلب إعادة النظر في الحكم‬
‫ويقدّم المطلب إلى مركز‬ ‫متميزة و منفردة فالقيام بطلب إعادة النظر يكون لمن له مصلحة‬
‫المحكمة العقارية الموجودة بدائرتها العقار مع إشتراط إنابة محام لدى اإلستناف أو التعقيب‬
‫وهذا اإلجراء مستحدث أيضا في المادة العقارية ذلك أنه يح ّد من عدد الطعون المقدمة مع‬
‫إيراد تنصيصات وجبت ذكرها بالمطلب دون تحديد جزاء عدم مراعاتها‪.‬‬
‫أما صور الطعن فوردت على سبيل الحصر ال الذكر وهي عدم اعتماد الحكم وثائق‬
‫كانت مظروفة بالملف ولها تأثير على وجه الفصل في القضية وهذا نفس الشرط الوارد‬
‫بالفصل ‪ 332‬م ح ع وقد أوضحت الدوائر المجتمعة للمحكمة العقارية أن عبارة عدم اعتماد‬
‫وثيقة مظروفة بالملف الوارد بالفصل ‪ 332‬م ح ع ثالثا يقصد بها اإلهمال المادي للوثيقة أو‬
‫شبهه و عدم اإللتفات إليها من طرف المحكمة رغم ما لها من تأثير على وجه الفصل في‬
‫القضية أو مخالفة ما تفيده العبارات الصريحة لتلك الوثيقة في ما ال يحتاج إلى تأويل أو‬
‫إحتمال في الداللة و ال يتعدى ذلك إلى مناقشة سلطة المحكمة في تقدير الوثائق المضافة ‪.‬‬
‫إن الطعن الذي يهدف إلى مناقشة المحكمة في تقدير وقائع القضية هو جدل موضوعي‬
‫و ليس سببا من أسباب المراجعة الواردة بالفصل ‪ 332‬م ح ع ‪.34‬‬
‫أما السبب الثاني فهو صدور حكم مدني إتصل به القضاء و متناقض مع الحكم العقاري‬
‫المشرع حريص على انسجام األحكام و عدم تعارضها ‪ ،‬و لذلك لم يشترط إضافة‬
‫ّ‬ ‫‪ ،‬و هنا نجد‬
‫مرة ‪.‬‬
‫نسخة من الحكم في ملف القضية ‪ .‬فهذا الطعن يمكن اإلحتجاج به ألول ّ‬

‫‪ ) 33‬السيد علي كحلون "التحين العقاري وأثره على المفعول المنشئ للترسيم ص‪139‬و‪141‬‬
‫‪ ) 34‬قرار الدوائر المجتمعة عدد ‪ 63‬الصادر بتاريخ ‪ 3‬جوان ‪ 1997‬نشرية قرارات و أحكام المحكمة العقارية في مادّة المراجعة ‪1996 – 1995‬‬
‫–‪ 1998 – 1997‬نشر مركز الدراسات القانونية و القضائية ص ‪. 155‬‬

‫‪53‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫أما السبب الثالث فهو إنبناء الحكم على أدلة ثبت جزائيا زورها أو تدليسها بحكم نهائي‬
‫و الشرط‬ ‫و هي نفس الصورة المعتمدة في الفصل ‪ 332‬م ح ع في قائمة صور المراجعة‬
‫الوحيد هو صدور حكم نهائـي في الزور أو التدليس ‪.‬‬
‫ومن خالل هذا التحديد نالحظ أن المشرع إعتمد تنظيم الصور الواردة في باب‬
‫المراجعة بمجلة الحقوق العينية مع إضافة عدم اإلستدعاء و صور عدم مراعاة العقود‬
‫‪35‬‬
‫اإلحتياطية كما تقدم ‪.‬‬
‫أما أجال الطعن فهي شهرين لكل الحاالت المذكورة سابقا و الشهر كما تنص عليه م‬
‫م م ت هو ‪ 30‬يوما و ال يحسب اليوم األخير إذا صادف يوم عطلة رسمية كما أن اليوم‬
‫األول ال يقع إحتسابه ذلك أن يوم العد ال يعد‪ .‬و يسري األجل من تاريخ إدراج الحكم بالرسم‬
‫العقاري‪.‬‬
‫أما فيما يخص الطعن المؤسس على صدور حكم الجزائي في تدليس الرسوم فاألجل‬
‫يبتدأ من تاريخ صدور الحكم الجزائي النهائي‪.‬‬
‫و يوجد أجل مفتوح يخص حالة صدور حكمين أو أكثر عن المحكمة العقارية في نفس‬
‫الموضوع وهذا الطعن يتعلق بالنظام العام إذ أنه يتعلق بتوحيد األحكام الصادرة في نفس‬
‫الموضوع و بين نفس األطراف‪ ،‬و تبعا لذلك كانت إعادة النظر في هذه الصورة مستقيمة‬
‫قانونا في أي وقت و يمكن للمحكمة إثارة هذا الطعن من تلقاء نفسها أو بطلب من إدارة الملكية‬
‫العقارية‪.‬‬
‫أما النظر في المطلب فهو يكون من طرف هيئة تتكون من وكيل رئيس و قاضيين‬
‫مقررين ممن لم يسبق لهم المشاركة في الحكم و يمكن أن يكون القرار برفض المطلب مع‬
‫أنه ثبت في األصل‪ ،‬فالشكل ال يمثل عقبة في إتجاه الطعن و يمكن للمحكمة قبول المطلب و‬
‫الرجوع في الحكم الذي يكون نافذا ال مجال للطعن فيه بأي وجه من األوجه إذ أن الحكم في‬
‫هذه الحالة يكون باتا‪.‬‬

‫‪ ) 35‬قرار الدوائر المجتمعة للمحكمة العقاريةعدد‪ 25‬الصادر بتاريخ ‪ 14‬جويلية ‪ 1998‬من المرجع السابق ص‪179‬‬

‫‪54‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫الخـــــاتمـــــــة‬
‫بعد الذي مر عرضه‪ ،‬سأحاول أن أستخلص ما ينفع لفهم الوظيفة اإلشهارية‬
‫للتسجيل العقاري ‪ .‬لقد إختار المشرع التونسي عرض جميع مطالب التسجيل على‬
‫محكمة خاصة وهي المحكمة العقارية‪ ،‬وحدد إجراءات متعددة وردت بمجلة الحقوق‬
‫العينية‪ ،‬كل ذلك لتمكين المحكمة من إحاطة نفسها بأوسع الضمانات ليحمل الحكم‬
‫اإلستقرار والطمأنينة ‪.‬‬
‫وال يمكن ألي حكم صادر بالتسجيل أن يكون حامال لإلستقرار والطمأنينة ما‬
‫لم تستوفى القضية فيه جميع أطوار اإلشهار الذي يرافق إجراءات التسجيل وما توفره‬
‫من ضمانات ‪ .‬إن هذه اإلشهارات على أهميتها ال تتعدى كونها ضمانات إلعالم‬
‫العموم بكيفية دقيقة بكل ما يتعلق بالعقارات المطلوب تسجيلها‪ ،‬وفي ذلك نداء ملح‬
‫ألصحاب الحقوق حتى يقدموا إعتراضاتهم ويفسح لهم المجال إلثبات حقوقهم ‪ .‬أ ّما‬
‫الوظيفة اإلشهارية الهامة فتبدأ بعد صدور الحكم بالتسجيل وإقامة الرسم العقاري‬
‫الذي يمثل إشهار للحقوق المتعلقة بالعقار موضوعه ‪.‬‬
‫وقد حاول المشرع التونسي من خال ل مجلة الحقوق العينية تأصيل الوظيفة‬
‫اإلشهارية‪ ،‬من خالل مبدأ العالنية الذي يوجب ترسيم الحقوق العينية األصلية‬
‫والتبعية‪ ،‬إضافة إلى بعض الحقوق الشخصية بالسجل العقاري ‪ .‬وقد استوجبت هذه‬
‫المشرع آليات هامة‬
‫ّ‬ ‫الوظيفة نشأة الحق المرسم وتمتعه بقوة ثبوتية مطلقة‪ ،‬كما أرسى‬
‫قصد تحقيق تلك الوظيفة من خالل تكريسه لحق اإلطالع على الرسوم العقارية من‬
‫طرف المتعاملين على العقارات و بتمكين هؤالء من نسخ و شهادات تثبت حقوقهم‬
‫العينية الواردة بالسجل العقاري ‪.‬‬
‫ولكن رغم كل هذه المحاوالت التشريعية ورغم مرور أكثر من قرن عن والدة‬
‫القانون العقاري التونسي‪ ،‬إال أن اإلنتقادات مازالت موجهة ضده‪ ،‬فقد نادى‬
‫و‬ ‫بعضهم"بمحاكمة القانون العقاري التونسي " لتراجع الوظيفة اإلشهارية خاصة‬
‫تفشي ظاهرة الرسـوم المجمدة والتي أضحت بمـثابة المعضلة التي تشل قرابة ‪%90‬‬
‫من الرسوم العقارية ‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫إن السجل العقاري لم يعد مرآة عاكسة لحقيقة العقار اإلستحقاقية والواقعية‪،‬‬
‫ورغم تحديد رجال القانون العقاري ألسباب تفشي ظاهرة الرسوم المجمدة‪ ،‬كمشاكل‬
‫التحرير وطول إجراءات التسجيل وكلفتها ‪ .‬ورغم تبني المشرع لمبدأ المفعول المنشئ‬
‫للترسيم والذي نتج عنه إكتمال النظام العقاري التونسي لصبغته العينية‪ ،‬إال أن تطبيق‬
‫هذا المبدأ تطلب مرحلية جعلت الرسوم العقارية تشهد تفرقة بين الرسوم العقارية‬
‫المقامة قبل ‪ 1998‬وتمثل موضوع عمليات التحيين‪ ،‬والرسوم العقارية المقامة بعد‬
‫ذلك التاريخ والتي تخضع للمبدأ المذكور ‪.‬‬
‫لقد حاول المشرع الحد من عدد الرسوم المجمدة من خالل إصداره لقانونين‬
‫وهما القانون عدد‪ 39‬لسنة ‪ 1992‬المؤرخ في ‪ 27‬أفريل ‪ 1992‬والقانون عدد ‪34‬‬
‫لسنة ‪ 2001‬المؤرخ في ‪ 10‬أفريل ‪ 2001‬و تعلقا بالتحيين العقاري الذي يعمل على‬
‫تحقيق التماثل بين الوضعية الواقعية واإلستحقاقية للعقار والوضعية القانونية له‬
‫الواردة بالسجل‪ ،‬إال أن كل هذه المحاوالت لم تقضي على معضلة الرسوم المجمدة‬
‫ذلك أن عددها في إرتفاع مستمر ‪.‬‬
‫إن السجل العقاري لم يعد يمثل الحقيقة المثلى‪ ،‬وتبعا لذلك تساءل العديد من‬
‫الفقهاء عن جدوى اإلطالع على الرسوم وجدوى السجل العقاري كأداة لتحقيق الوظيفة‬
‫اإلشهارية للملكية العقارية ‪.‬‬
‫هذا األمر يدعوني إلى التساؤل عن نجاعة نظام التسجيل العقاري ‪ .‬أليس من‬
‫األجدى الرجوع إلى نظام العقارات غير المسجلة التي تتميز بالبساطة والوضوح‬
‫واإلبتعاد عن اإلجراءات المعقدة ؟ أم قد يكمن الحل في تبني النظام الشخصي للتسجيل‬
‫العقاري ؟‬

‫‪56‬‬
‫‪‬‬ ‫الوظيفة اإلشهارية للتسجيل العقاري‬

‫‪57‬‬

You might also like