You are on page 1of 728

‫‪http://www.shamela.

ws‬‬
‫تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة‬

‫الكتاب‪ :‬حادي األرواح إلى بالد األفراح [آثار اإلمام ابن قيم الجوزية وما‬
‫لحقها من أعمال (‪])10‬‬
‫المؤلف‪ :‬أبو عبد اهلل محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (‪- 691‬‬
‫‪)751‬‬
‫المحقق‪ :‬زائد بن أحمد النشيري‬
‫راجعه‪ :‬يحيى بن عبد اهلل الُّثمالي ‪ -‬علي بن محّم د العمران‬
‫الناشر‪ :‬دار عطاءات العلم (الرياض) ‪ -‬دار ابن حزم (بيروت)‬
‫الطبعة‪ :‬الرابعة‪ 1440 ،‬هـ ‪ 2019 -‬م (األولى لدار ابن حزم)‬
‫عدد األجزاء‪( 2 :‬في ترقيم واحد متسلسل)‬
‫قدمه للشاملة‪ :‬مؤسسة «عطاءات العلم»‪ ،‬جزاهم اهلل خيرا‬
‫[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]‬

‫آثار اإلمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (‪)10‬‬

‫حادي األرواح إلى بالد األفراح‬

‫تأليف‬
‫اإلمام أبي عبد الَّله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (‪ 691‬هـ ‪ 751 -‬هـ)‬

‫تحقيق‬
‫زائد بن أحمد النشيري‬
‫إشراف‬
‫بكر بن عبد الَّله أبو زيد‬

‫دار عطاءات العلم ‪ -‬دار ابن حزم‬

‫(المقدمة‪)1/‬‬

‫َر اَجَع َه ذا الُج ْز َء‬


‫يحيى بن عبد الَّله الُّثمالي‬
‫علي بن محّم د العمران‬

‫(المقدمة‪)3/‬‬

‫مقدمة التحقيق‬
‫إَّن الحمد لَّله نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ بالَّله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده‬
‫الَّله فال ُمضَّل لُه‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ .‬وأشهُد أن ال إله إاَّل الَّله وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهُد‬
‫أَّن محمًد ا عبده ورسوله‪.‬‬
‫‪َ{ -‬ياَأُّيَه ا اَّلِذ يَن آَم ُنوا اَّتُقوا الَّلَه َح َّق ُتَق اِتِه َو اَل َتُم وُتَّن ِإاَّل َو َأْنُتْم ُمْس ِلُم وَن (‪[ })102‬آل عمران‪:‬‬
‫‪.]102‬‬
‫‪َ{ -‬ياَأُّيَه ا الَّناُس اَّتُقوا َر َّبُك ُم اَّلِذ ي َخ َلَقُك ْم ِم ْن َنْف ٍس َو اِح َد ٍة َو َخ َلَق ِم ْنَه ا َز ْو َجَه ا َو َبَّث ِم ْنُه َم ا ِر َج ااًل‬
‫َك ِثيًر ا َو ِنَس اًء َو اَّتُقوا الَّلَه اَّلِذ ي َتَس اَءُلوَن ِبِه َو اَأْلْرَح اَم ِإَّن الَّلَه َك اَن َعَلْيُك ْم َر ِقيًبا (‪[ })1‬النساء‪.]1 :‬‬
‫ِف‬ ‫ِل‬ ‫ِد‬ ‫ِذ‬
‫‪َ{ -‬ياَأُّيَه ا اَّل يَن آَم ُنوا اَّتُقوا الَّلَه َو ُقوُلوا َقْو اًل َس يًد ا (‪ُ )70‬يْص ْح َلُك ْم َأْع َم اَلُك ْم َو َيْغ ْر َلُك ْم‬
‫ُذُنوَبُك ْم َو َمْن ُيِط ِع الَّلَه َو َرُس وَلُه َفَق ْد َفاَز َفْو ًز ا َعِظ يًم ا} [األحزاب‪.]71 - 70 :‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فهذا كتاب "حادي األرواح إلى بالد األفراح" البن قيم الجوزية‪ ،‬ضَّم نه مؤلفه ما أعَّده الَّلُه ألهل‬
‫الجَّنة‪ :‬من ُنُز ل ونعيٍم مقيم‪ ،‬وهو كتاب كما قال عنه مؤلفه‪" :‬اسٌم يطابق مسَّم اه‪ ،‬ولفٌظ يوافق‬
‫معناُه‪ ،‬فهو مثير ساكن العزمات إلى روضات الجَّنات‪ ،‬وباعث الِه َم م العلَّيات إلى العيش الهني في‬
‫تلك الغرفات"‪.‬‬
‫وقبل الحديث عن دراسة الكتاب وما يتضمنه‪ ،‬أحُّب أن ألقي‬

‫(المقدمة‪)5/‬‬

‫الضوء على بعض المؤلفات التي تتحدث عن "الجَّنة ووصفها ونعيمها" فأقوُل وبالَّله التوفيق‪:‬‬

‫تنقسم الكتب المؤلفة عن الجنة إلى قسمين‪:‬‬


‫األول‪ُ :‬ك تب مفردة في الجنة ووصفها ونعيمها‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬كتب تضمنت الحديث عن موضوع الجنة ووصفها ونعيمها وهي نوعان‪:‬‬
‫أ ‪ -‬كتب خاصة عن أحوال اآلخرة‪.‬‬
‫ب ‪ -‬كتب الصحاح والسنن والجوامع والمصنفات المؤلفة على األبواب الفقهية‪.‬‬

‫القسم األول‪ :‬كتب مفردة في الجنة ووصفها ونعيمها‪:‬‬


‫‪" - 1‬وصف الفردوس"‪.‬‬
‫لعبد الملك بن حبيب األندلس االلبيري (ت‪ 238 /‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -‬طبع بدار الكتب العلمية ‪ -‬ط األولى ‪ 1407 -‬هـ ‪ 1987 -‬م‪.‬‬

‫‪" - 2‬صفة الجنة"‪.‬‬


‫ألبي بكر عبد الَّله بن محمد بن عبيد القرشي المعروف "بابن أبي الدنيا" (ت‪ 281 /‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -‬نشرته مكتبة ابن تيمية ‪ -‬القاهرة ‪ -‬ط األولى ‪ 1417 -‬هـ ‪ 1996 -‬م ‪ -‬تحقيق ودراسة‪/‬‬
‫عمرو عبد المنعم سليم‪.‬‬

‫‪" - 3‬دقائق األخبار في بيان أهل الجنة وأهوال النار"‪.‬‬

‫(المقدمة‪)6/‬‬
‫ألبي الليث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي (ت‪ 375 /‬هـ)‪ .‬انظر األعالم للزركلي (‪/8‬‬
‫‪.)27‬‬

‫‪" - 4‬صفة الجنة"‪.‬‬


‫ليحيى بن إبراهيم بن محارب السرقسطي (ت‪ 414 /‬هـ)‪.‬‬
‫انظر هدية العارفين (‪.)518 /2‬‬

‫‪" - 5‬صفة الجنة"‪.‬‬


‫‪ -‬ألبي نعيم األصبهاني (ت‪ 430 /‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -‬طبعة دار المأمون للتراث (دمشق ‪ -‬بيروت)‪( ،‬ط ‪ -‬األولى) ‪ 1408‬هـ ‪ 1988 -‬م‪ .‬تحقيق‪/‬‬
‫علي رضا عبد الَّله‪.‬‬
‫‪" - 6‬صفة الجنة"‪.‬‬
‫‪ -‬لضياء الدين أبي عبد الَّله محمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي (ت‪ 643 /‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -‬طبعة دار بلنسية ‪ -‬الرياض ‪ 1423 -‬هـ ‪ 2002 -‬م‪.‬‬
‫‪ -‬تحقيق‪ /‬صبري بن سالمة شاهين‪.‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬كتب تضمنت الحديث عن موضوع الجنة ووصفها ونعيمها‪.‬‬


‫أ ‪ -‬كتب خاصة عن أحوال اآلخرة‪:‬‬
‫‪" - 1‬الزهد" رواية ُنعيم بن حماد‪.‬‬

‫(المقدمة‪)7/‬‬

‫لعبد الَّله بن المبارك المروزي (ت‪ 181 /‬هـ)‪.‬‬


‫‪ -‬طبعة دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت‪ .‬تحقيق‪ /‬حبيب الرحمن األعظمي‪.‬‬

‫‪" - 2‬الزهد"‬
‫لهناد بن السري الكوفي (ت‪ 243 /‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -‬طبعة دار الخلفاء للكتاب اإلسالمي ‪ -‬الكويت‪( .‬ط‪ /‬األولى) ‪ 1406‬هـ ‪ 1985 -‬م‪ .‬تحقيق‪/‬‬
‫عبد الرحمن الفريوائي‪.‬‬

‫‪" - 3‬تنبيه الغافلين بأحاديث سيد المرسلين"‪.‬‬


‫ألبي الليث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي (ت‪ 375 /‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -‬طبعة ‪ -‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت (ط‪ /‬الثانية) ‪ 1406 -‬هـ ‪ 1986 -‬م‪ .‬كتب حواشيه‬
‫وصححه‪ /‬أحمد سالم‪.‬‬

‫‪" - 4‬البعث والنشور"‪.‬‬


‫ألبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت‪ 458 /‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -‬طبعة مؤسسة الكتب الثقافية ‪ -‬بيروت ‪( -‬ط‪ /‬األولى) ‪ 1408 -‬هـ ‪ 1988 -‬م‪ .‬تحقيق‪/‬‬
‫محمد السعيد بسيوني زغلول‪.‬‬

‫‪" - 5‬العاقبة في أحوال اآلخرة"‪.‬‬


‫ألبي محمد عبد الحق بن عبد الرحمن بن الحسين األزدي األندلسي اإلشبيلي (ت‪ 581 /‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -‬طبعة دار الصحابة ‪ -‬طنطا ‪( -‬ط‪ /‬األولى) ‪ 1410 -‬هـ ‪ 1990 -‬م‪.‬‬

‫(المقدمة‪)8/‬‬

‫تحقيق‪ /‬عبيد الَّله المصري األثري‪.‬‬

‫‪" - 6‬التذكرة بأحوال الموتى وأمور اآلخرة"‪.‬‬


‫لمحمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح األنصاري الخزرجي األندلسي القرطبي (ت‪ 671 /‬هـ)‪.‬‬
‫طبعة دار المنهاج ‪ -‬الرياض ‪ -‬الطبعة اُألولى ‪ 1425 -‬هـ‪.‬‬
‫دراسة وتحقيق‪ /‬الدكتور‪ :‬الصادق محمد إبراهيم‪.‬‬

‫‪" - 7‬الفتن والمالحم"‪.‬‬


‫ألبي الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي (ت‪ 774 /‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -‬طبعة‪ :‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ‪( -‬الطبعة األولى) ‪ 1408 -‬هـ ‪ 1988 -‬م‪ .‬ضبطه‬
‫وصححه‪ /‬أحمد عبد الشافي‪.‬‬

‫‪" - 8‬البدور السافرة في أمور اآلخرة"‪.‬‬


‫لجالل الدين عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر بن محمد بن سابق األسيوطي "السيوطي" (ت‪/‬‬
‫‪ 911‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -‬طبعة مؤسسة الكتب الثقافية ‪ -‬بيروت ‪( -‬ط‪ /‬األولى) (‪ 1411‬هـ ‪ 1991 -‬م)‪ .‬تحقيق‪ /‬أبي‬
‫محمد المصري‪.‬‬

‫‪" - 9‬البحور الزاخرة في علوم اآلخرة" (‪.)1‬‬


‫__________‬
‫(‪ )1‬لمعرفة المزيد من المؤلفات التي تتحدث عن الجَّنة‪ ،‬انظر معجم الموضوعات المطروقة في‬
‫التأليف اإلسالمي‪ ،‬وبيان ما فيها‪ ،‬تأليف‪ :‬عبد الَّله بن محمد الحبشي (‪.)381 - 380 /1‬‬

‫(المقدمة‪)9/‬‬

‫لمحمد بن أحمد السفاريني (ت‪ 1188 /‬هـ)‪.‬‬


‫انظر‪ :‬غذاء األلباب شرح منظومة اآلداب (‪ )50 /1‬للسفاريني‪.‬‬

‫ب ‪ -‬كتب الصحاح والسنن والجوامع والمصنفات المؤلفة على األبواب الفقهية‪.‬‬


‫ففي كل من "صحيح مسلم"‪ ،‬و"جامع الترمذي"‪ ،‬و"سنن ابن ماجه" و"سنن الدارمي" و"صحيح‬
‫ابن حبان" و"شرح السنة" للبغوي؛ و"المصنف" لعبد الرزاق الصنعاني‪ ،‬و"المصنف" ألبي بكر بن‬
‫أبي شيبة = أبواب تتعلق بـ "صفة الجنة ونعيمها ووصفها"‪.‬‬
‫‪ -‬وتتميز تلك الكتب عدا مصنفي عبد الرزاق وابن أبي شيبة بما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬الترجمة والتبويب لتلك األحاديث‪.‬‬
‫‪ - 2‬االقتصار على األحاديث المسندة (المرفوعة) فقط؛ إال ما ندر‪.‬‬
‫‪ -‬ويتميز مصنفي عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن تلك الكتب بما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬خلوهما من الترجمة والتبويب‪.‬‬
‫‪ - 2‬احتواؤهما على األحاديث المرفوعة والمرسلة والموقوفة والمقطوعة‪.‬‬
‫‪ -‬وتتفق جميع الكتب على‪:‬‬
‫‪ - 1‬عدم استيعابها ألحاديث الجنة ووصفها‪.‬‬
‫‪ - 2‬تضمنها على األحاديث الصحيحة والضعيفة عدا صحيحي البخاري ومسلم‪.‬‬

‫(المقدمة‪)10/‬‬

‫التعريف بكتاب حادي األرواح إلى بالد األفراح‬


‫ويتضمن ما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬اسمه‪.‬‬
‫‪ - 2‬إثبات نسبته إلى مؤلفه‪.‬‬
‫‪ - 3‬تاريخ تأليفه‪.‬‬
‫‪ - 4‬نقول العلماء منه‪ ،‬وثناؤهم عليه‪.‬‬
‫‪ - 5‬موضوعه ومحتواه‪.‬‬
‫‪ - 6‬موارده‪.‬‬
‫‪ - 7‬طبعاته ومختصراته‪.‬‬
‫‪ - 8‬وصف النسخ الخطَّية المعتمدة في التحقيق‪.‬‬
‫‪ - 9‬المنهج في تحقيق الكتاب‪.‬‬
‫‪ - 10‬نماذج من النسخ المعتمدة في التحقيق‪.‬‬

‫(المقدمة‪)11/‬‬

‫‪ - 1‬اسم الكتاب‪:‬‬
‫ورد لهذا الكتاب اسمان‪:‬‬
‫االسم األول‪" :‬حادي األرواح إلى بالد األفراح"‪.‬‬
‫‪ -‬هكذا سَّم اه مؤلفه في مقدمة كتابه هذا (ص‪ )16 /‬فقال‪" :‬وهذا كتاب اجتهدت في جمعه‬
‫وترتيبه وتفصيله وتبويبه‪ . . . .‬وسَّم يته "حادي األرواح إلى بالد األفراح"‪." . . .‬‬
‫‪ -‬واَّتفقت جميع النسخ الخطَّية على هذا االسم‪ ،‬وأما ما زادته النسخ (أ‪ ،‬ب‪ ،‬ج‪ ،‬هـ) بعد اسم‬
‫الكتاب‪( :‬ومثير ساكن العزمات إلى روضات الجنات‪ ،‬وباعث الهمم العلَّيات إلى العيش الهني‬
‫في تلك الغرفات [وفي (ج) "الدرجات" بدل "الغرفات"] = فهو من إضافة النَّس اخ‪ ،‬بدليل‬
‫مجيء تلك الجملة بعد اسم الكتاب بخٍّط صغير عدا النسخة (ج)‪)1( .‬‬
‫‪ -‬وذكره بهذا االسم أيًض ا أكثر َمْن ترجم للمؤلف‪.‬‬
‫‪ -‬وذكره عامة َمْن نقل ِم ْن هذا الكتاب‪ :‬كابن حجر والسخاوي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ولعَّل من تصُر ف النساخ أيًض ا ما جاء عند السفاريني في "غذاء األلباب شرح منظومة‬
‫اآلداب" في (‪ )50 /1‬و (‪ )330 /2‬حيث قال‪" :‬وقد أَّلف اإلمام ابن القيم في صفة الجَّنة كتابه‬
‫"حادي األرواح إلى منازل األفراح"‪ ،). . . .‬والموضع الثاني نحوه‪ ،‬فلعَّل السفاريني وقف على‬
‫نسخة بهذا العنوان‪ ،‬أو عَّبر عنه بفحواه‪.‬‬
‫ونظير ذلك ما جاء في بعض النسخ الخطية في دار الكتب المصرية رقم (‪ )2203‬تصُّو ف‬
‫وأخالق دينية‪ ،‬حيث ورد فيها "ديار" بدل كلمة "بالد"‪ .‬انظر مقدمة الجميلي لكتاب "حادي‬
‫األرواح" ص (‪ ،)14‬ط‪ /‬دار الكتاب العربي‪.‬‬

‫(المقدمة‪)12/‬‬

‫والبرزنجي والسفاريني كما سيأتي‪.‬‬


‫االسم الثاني‪" :‬صفة الجنة"‪.‬‬
‫هكذا سَّم اه المؤلف في كتابه "الصواعق المرسلة على الجهمية والمعِّطلة" (‪ :)1332 /4‬فقال‬
‫في الطريق الخامس والعشرين ما نُّصه‪" :‬وقد ذكرنا في كتاب "صفة الجنة" أربعين دلياًل على‬
‫مسألة الرؤية من الكتاب والسنة والعقل الصريح‪." . . .‬‬
‫واالسم األول هو االسم الصريح الذي ال شك فيه‪ ،‬ألمرين‪:‬‬
‫‪ - 1‬أَّن المؤلف نَّص على ذلك في مقدمة كتابه‪ ،‬كما سبق نقله‪.‬‬
‫‪ - 2‬ال يعدو هذا االسم (صفة الجنة) أن يكون وصًف ا مختصًر ا لموضوع الكتاب ومحتواه‪،‬‬
‫وليس اسًم ا َعَلِم ًّيا‪ ،‬بدليل أن المؤلف جمع بين االسمين في مقام واحد‪ ،‬فقال في رِّده على أكابر‬
‫شيوخ المعتزلة‪ :‬أبي الحسين البصري‪ ،‬الذي ظن أنه ليس في الرؤية إال حديث واحد‪ ،‬وهو‬
‫حديث جرير بن عبد الَّله البجلي =‪" :‬ولم يعلم أنه فيها ما يقارب من ثالثين حديًثا‪ ،‬وقد ذكرناها‬
‫في كتاب‪- :‬صفة الجنة‪" -‬حادي األرواح" (‪.)1‬‬

‫‪ - 2‬إثبات نسبة الكتاب إلى مؤلفه‪.‬‬


‫نسبة هذا الكتاب (حادي األرواح إلى بالد األفراح) إلى ابن القيم ثابتة ال شك فيها‪ ،‬ودالئل‬
‫ذلك وجوه عديدة منها‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬مختصر الصواعق المرسلة للموصلي ص (‪.)471‬‬

‫(المقدمة‪)13/‬‬

‫‪ - 1‬إحالة المؤلف في هذا الكتاب على كتاٍب من كتبه وهو "اجتماع الجيوش اإلسالمية" انظر‬
‫(ص‪.)843 /‬‬
‫‪ - 2‬إحالة المؤلف في كتابه "الصواعق المرسلة على الجهمية المعطلة" (‪ )1332 /4‬على هذا‬
‫الكتاب في األحاديث الواردة في الرؤية‪ ،‬انظر "حادي األرواح‪( " . . .‬ص‪.)685 - 625 /‬‬
‫‪ - 3‬مجيء نسبة الكتاب إلى مؤلفه في جميع النسخ الخطية = سواء التي اعتمدناها‪ ،‬أو أعتمد‬
‫عليها غيرنا‪ ،‬أو التي ُو ِص فت في الفهارس‪.‬‬
‫‪ - 4‬ذكر بعض َمْن ترجم للمؤلف أن له كتاًبا بهذا االسم‪ :‬كابن رجب في "ذيل طبقات الحنابلة"‬
‫(‪ ،)450 /2‬والداودي في "طبقات المفسرين" (‪ ،)96 /2‬وابن العماد في "شذرات الذهب" (‬
‫‪ ،)170 - 169 /6‬وحاجي خليفة في "كشف الظنون" (‪ ،)623 /1‬والبغدادي في "هدية‬
‫العارفين" (‪ )158 /2‬لكنه تصَّح ف عنده من (حادي) إلى "هادي"‪ ،‬وصديق حسن خان في "التاج‬
‫المكلل" (ص‪.)426 /‬‬
‫‪ - 5‬نقول العلماء عن هذا الكتاب‪ ،‬وهي مثبتة في أماكنها في الكتاب‪ ،‬كابن حجر والسخاوي‬
‫والبرزنجي والسفاريني (كما سيأتي مفَّصاًل في بابه)‪.‬‬
‫‪ - 6‬تصريح المؤلف بالنقل عن شيخيه‪( :‬ابن تيمية والمِّز ي)‪ .‬انظر (ص‪,267 ,134 ,132 /‬‬
‫‪.)733 ،732 ،730 ،724 ،713 ,709 ,618 ،609 ،536 ،500 ,429‬‬

‫(المقدمة‪)14/‬‬

‫‪ - 3‬تاريخ تأليف الكتاب‪:‬‬


‫ذكر المؤلف ‪-‬رحمه الَّله‪ -‬أنه فرغ من تأليف هذا الكتاب‪ :‬عشَّية عرفة عند الثلث اآلخر من‬
‫الليل‪ ،‬سنة خمس وأربعين وسبعمائة‪ ،‬أي‪ :‬قبل وفاته بست سنين‪.‬‬
‫وقد جاء هذا النص النفيس في آخر النسخة المدنية (أ)‪ ،‬وفي أَّو ل النسخة العراقية (هـ)‪.‬‬

‫‪ - 4‬نقول العلماء منه‪ ،‬وثناؤهم عليه‪:‬‬


‫‪ - 1‬عبد الرحمن بن إسماعيل بن الحسن بن محمد بن عبد الرحمن المؤدب السنجاري‬
‫المعروف "بابن المسواك الحيالي"‪.‬‬
‫وهو ناسخ النسخة (هـ) العراقية وذلك عام ‪ 771‬هـ‪ ،‬فقد أنشأ (‪ )16‬بيًتا يمدح فيها الكتاب فقال‬
‫ما نصه‪" :‬يقول ناسخ هذا الكتاب المذكور اسمه آخره‪ ،‬ممتدًح ا له بهذه األبيات‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫جزى الَّله منشئه بخير جزائه ‪ ...‬وأسكنه الفردوس مع خير رسله‬
‫فقد جَّد في تأليفه موضًح ا لمن ‪ ...‬وعاه طريًق ا ال مخاف بسبله‬
‫وقال‪:‬‬
‫يحنون شوًقا للديار وأهلها ‪ ...‬إذا حادي األرواح سار بأهله‬
‫ونادى أال ِم ْن شِّيق زاد شوقه ‪ ...‬إلى بلد األفراح يا طيب ظله‬
‫إلى أن قال‪:‬‬
‫فهذا كتاب القوم يتلى فمن ُتَر ى ‪ ...‬يقوم بأقوال نحوها بفعله‬

‫(المقدمة‪)15/‬‬

‫وفيه إشارات لمن رام سبرها ‪ُ ...‬تْم َل في عقد الكتاب وُح ِّله‬
‫وختمه بقوله‪:‬‬
‫ومغفرًة للسامعين تعمهم ‪ ...‬فهذا كتاٌب ما سمعنا بمثله‬
‫وصِّل يا ربي على أحمد الِّر ضى ‪ ...‬وعترته والصحب جمًعا وأهله‬
‫‪ - 2‬الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقالني (ت‪ 852 /‬هـ)‪.‬‬
‫نقل منه في فتح الباري في مواضع‪ )354 /12( :‬و (‪ 434 /13‬و‪ )437‬وهو في "حادي‬
‫األرواح" (ص‪ 838 /‬و‪ 685 - 625‬و‪ 754‬و‪.)801‬‬
‫‪ - 3‬محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت‪ 902 /‬هـ) نقل منه في المقاصد الحسنة (ص‪)287 /‬‬
‫رقم (‪ :)668‬وهو بنصه في "حادي األرواح" (ص‪.)762 /‬‬
‫‪ - 4‬مرعي بن يوسف الكرمي المقدسي الحنبلي (ت‪ 1033 /‬هـ) فقد أشار إليه واقتبس منه‬
‫ِل ِت‬ ‫ِم‬ ‫ِذ‬
‫كثيًر ا في كتابه "الكلمات البِّينات في قوله تعالى‪َ{ :‬و َبِّش ِر اَّل يَن آَمُنوا َو َع ُلوا الَّصا َح ا َأَّن َلُه ْم‬
‫َج َّناٍت } (ص‪ ،)49 /‬المطبوع ضمن لقاء العشر األواخر بالمسجد الحرام جزء رقم (‪.)62‬‬
‫‪ - 5‬محمد بن رسول الحسيني الشافعي البرزنجي (ت‪ 1103 /‬هـ)‪.‬‬
‫فقد نقل منه في رسالته "القول المختار في حديث "تحاَّج ِت الجنة والنار" (ص‪ - )50 /‬المطبوع‬
‫ضمن لقاء العشر األواخر بالمسجد الحرام جزء رقم (‪.)53‬‬

‫(المقدمة‪)16/‬‬

‫وهو في "حادي األرواح" (ص‪ 754 /‬و ‪.)801‬‬


‫‪ - 6‬محمد بن أحمد السفاريني (ت‪ 1188 /‬هـ)‪.‬‬
‫فقد نقل منه في موضعين في كتابه "غذاء األلباب شرح منظومة اآلداب" (‪ 330 /2‬و ‪.)331‬‬
‫وهو بنِّص ه في "حادي األرواح" (ص‪ 487 - 485 /‬و ‪.)477 - 476‬‬
‫‪ - 7‬أحمد بن إبراهيم بن عيسى (ت‪ 1329 /‬هـ)‪.‬‬
‫فقد أكثر النقل من هذا الكتاب في كتابه توضيح المقاصد وتصحيح القواعد فى شرح قصيدة‬
‫اإلمام ابن القيم‪ ،‬من (‪ )468 /2‬إلى (‪. )1( )599 /2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ونقل السيوطي (ت‪ 922 /‬هـ) كالًم ا في ذبح الموت ُيشابه ما ذكره المؤلف في حادي‬
‫األرواح (ص‪ ،)816 /‬لكنه لم ينسبه البن القيم‪ ،‬لذا وضعته هنا للعلم به‪ .‬انظر رسالة رفع‬
‫الصوت بذبح الموت ضمن الحاوي للفتاوى (‪.)96 /2‬‬
‫(المقدمة‪)17/‬‬

‫‪ - 5‬موضوعه ومحتواه‪:‬‬
‫افتتح المؤلف كتابه هذا بمقدمة فيها تعريف بكتابه‪ ،‬واشتملت على‪:‬‬
‫‪ -‬الغاية التي من أجلها خلق الَّله الخلق‪ ،‬وحال من استحكمت‪ ,‬هم الغفلة وهم أكثر الناس‪،‬‬
‫وحال الموَّفقين الذين علموا ما خلقوا له‪ ،‬وما ُأريد بإيجادهم‪ ،‬ثم قصيدة ميمَّية في وصف الجنة‬
‫اشتملت على (‪ )48‬بيًتا‪.‬‬
‫‪ -‬ثم بين أقسام الكتاب‪ ،‬حيث قَّس مه إلى (‪ )70‬باًبا فذكرها‪.‬‬
‫‪ -‬الباب األول‪ :‬ذكر فيه األدلة من الكتاب والسنة على وجود الجنة اآلن‪.‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬ذكر فيه اختالف الناس في الجنة التي ُأسكنها آدم عليه الصالة والسالم وأهبط‬
‫منها‪ ،‬هل هي‪ :‬جنة الخلد‪ ،‬أو جنة غيرها؟‬
‫فذكر أدلة الفريقين‪ ،‬وما رَّد كل فريق على اآلخر‪ ،‬وذكر ُش به من زعم أن جنة الخلد لم ُتخلق‬
‫َبعد‪ ،‬والرّد عليها‪.‬‬
‫واستوعبت هذه المسألة من هذا الباب (‪ )2‬إلى آخر الباب (‪.)8‬‬
‫ثم بدأ بالجنة فافتتح الكالم بذكر عدد أبوابها‪ ،‬وسعتها‪ ،‬وصفاتها‪ ،‬ومسافة ما بين البابين‪ ،‬ثم‬
‫تطرق إلى مكانها‪ ،‬وأين هي؟ ومفتاح الجنة‪ ،‬وتوقيع الجنة ومنشورها الذي يوقع به ألصحابها‬
‫عند الموت وعند دخولها‪ ،‬وبَّين أن الجنة ليس لها إاَّل طريق واحد‪.‬‬

‫(المقدمة‪)18/‬‬

‫وهذا شمل من الباب (‪ )9‬إلى آخر الباب (‪.)16‬‬


‫ثم ذكر درجات الجنة‪ ،‬وبَّين أعالها‪ ،‬واسم تلك الدرجة‪ ،‬ثم تطرق لعرض الرب سبحانه وتعالى‬
‫سلعته الجنة على عباده‪ ،‬وثمنها الذي طلبه منهم‪ ،‬وعقد التبايع‪ ،‬ثم طلب أهل الجنة لها من ربهم‪،‬‬
‫وطلبها لهم وشفاعتها فيهم إلى ربهم‪.‬‬
‫وذلك من الباب (‪ )17‬إلى الباب (‪.)20‬‬
‫‪ -‬ثم تحدث من الباب (‪ )21‬إلى الباب (‪ )33‬عن أسماء الجنة‪ ،‬ومعانيها‪ ،‬واشتقاقها‪ ،‬وذكر عدد‬
‫الجنان وأنها نوعان‪.‬‬
‫ثم ذكر خلق الرب تبارك وتعالى بعض الِج َنان بيده وغرسها‪ ،. . .‬ثم أعقبه بذكر بوابي الجنة‬
‫وخزنتها واسم مقدمهم ورئيسهم‪ ،‬وأول من يقرع باب الجنة‪ ،‬وأول األمم دخواًل ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫صفات السابقين من هذه األمة إلى الجنة‪ ،‬وسبق الفقراء األغنياء إلى الجنة‪ ،‬ثم تطرق إلى ذكر‬
‫أصناف أهل الجنة‪ ،‬وبَّين أَّن أكثر أهل الجنة هم من أمة محمد ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬وبَّين أن‬
‫النساء في الجنة والنار هم أكثر من الرجال‪ ،‬ثم أعقبه فيمن يدخل الجنة من هذه األمة بغير‬
‫حساب مع بيان أوصافهم‪ ،‬وذكر ما ورد مَن حَثيات الرب تبارك وتعالى‪.‬‬
‫‪ -‬ثم بَّين نعيم الجنة‪ ،‬وصفة ذلك بالتفصيل‪ ،‬فذكر تربة الجنة وطينها وحصباَءها وبناءها‪ ،‬ونورها‬
‫وبياضها‪ ،‬وغرفها وقصورها وخيامها‪ ،‬وبَّين معرفتهم لمنازلهم ومساكنهم إذا دخلوا الجنة؛ وإن‬
‫لم يروها قبل ذلك‪.‬‬

‫(المقدمة‪)19/‬‬

‫ثم تحدث عن صفة أهل الجنة في‪َ :‬خ ْلقهم وُخ ُلقهم وطولهم وعرضهم ومقدار أسنانهم‪ ،‬ثم ذكر‬
‫أعلى أهل الجنة منزلة وأدناهم‪ ،‬وتحفتهم إذا دخلوها‪ ،‬وذكر ريح الجنة‪ ،‬واألذان الذي يؤذن به‬
‫مؤذن الجنة فيها‪ ،‬ثم تطرق إلى أشجار الجنة وبساتينها وظاللها‪ ،‬وثمارها وأنواعها وصفاتها‬
‫وريحانها‪ ،‬ثم تحدث عن زرع الجنة‪ ،‬وأنهارها وعيونها وطعامهم وشرابهم‪ ،‬وآنيتهم التي يأكلون‬
‫فيها ويشربون وأجناسها وصفاتها‪ ،‬ثم تحدث عن لباسهم وحليهم وفرشهم وبسطهم ووسائدهم‬
‫ونمارقهم وغيرها‪ ،‬ثم عَّر ج إلى ذكر خيامهم وسررهم وأرائكم‪ ،‬وخدمهم وغلمانهم‪ ،‬ونسائهم‬
‫وسراريهم وأوصافهَّن ‪ ،‬وحسنهن وصفائهن وجمالهن الظاهر والباطن‪ ،‬ثم تطَّر ق إلى ذكر الماَّدة‬
‫التي خلق منها الحور العين‪ ،‬وما ورد في ذلك‪.‬‬
‫ثم ذكر نكاح أهل الجنة ووطئهم ونزاهة ذلك عن المذي والمني‪ ،‬وأن ذلك ال يوجب غساًل ‪ ،‬ثم‬
‫ذكر اختالف الناس هل في الجنة حمل ووالدة أم ال؟‪.‬‬
‫ثم تطَّر ق إلى ذكر سماع أهل الجنة‪ ،‬وغناء الحور العين‪ ،‬وسماع خطاب الَّله عز وجل‬
‫ومحاضرته لهم‪ ،‬ثم تطرق أيًض ا إلى ذكر مطايا أهل الجنة وخيولهم ومراكبهم‪ ،‬وزيارة بعضهم‬
‫بعًض ا‪ ،‬ثم ذكر سوق الجنة وما أعَّد الَّله فيه ألهلها‪ ،‬وزيارة أهل الجنة ربهم تبارك وتعالى‪.‬‬
‫ثم ذكر السحاب والمطر الذي يصيبهم في الجنة‪ ،‬وذكر ما ورد في أن أهلها كلهم ملوك‪ ،‬وأن‬
‫الجنة فوق ما يخطر بالبال أو يدور في الَخ َلد‪.‬‬

‫(المقدمة‪)20/‬‬

‫وذلك كله استغرق من الباب (‪ )34‬إلى الباب (‪.)64‬‬


‫‪ -‬ثم عقد الباب (‪ )65‬في رؤيتهم ربهم تبارك وتعالى‪ ،‬وتجليه لهم ضاحًك ا إليهم وذكر أن هذا‬
‫الباب أشرف أبواب الكتاب‪ ،‬وأجلها قدًر ا‪ ،‬وأعالها خطًر ا‪.‬‬
‫‪ -‬فافتتحُه بسبعة أدلة من القرآن على الرؤية‪ ،‬وبَّين أوجه الداللة منها على ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬ثم أعقبه باألدلة من السنة على ذلك‪ ،‬فذكره عن (‪ )28‬صحابًّيا‪.‬‬
‫‪ -‬ثم تاله ما جاء عن الصحابة في ذلك‪ ،‬فذكره عن (‪ )12‬صحابًّيا‪.‬‬
‫‪ -‬ثم أعقبه ما جاء عن التابعين فمن بعدهم‪.‬‬
‫‪ -‬ثم ذكر ما جاء عن األئمة األربعة ونظرائهم وشيوخهم وأتباعهم في مسألة الرؤية‪.‬‬
‫‪ -‬ثم أعقبه ما جاء عن أهل اللغة في ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬ثم عقد فصاًل في وعيد منكري الرؤية‪.‬‬
‫ثم عقد الباب (‪ )66‬في تكليمه سبحانه وتعالى ألهل الجنة وخطابه لهم‪ ،‬ومحاضرته إَّياهم‬
‫وسالمه عليهم ثم ذكر ما يدل على ذلك‪ ،‬ثم تحدث في الباب (‪ )67‬عن أبدية الجنة‪ ،‬وأنها ال‬
‫تفنى وال تبيد‪ ،‬وذكر فصاًل في أقوال الناس في فناء الجنة والنار‪ ،‬ومن قال بها‪ ،‬وما احتج به‬
‫أرباب كل قول‪ ،‬وذكر فيه الفرق بين دوام الجنة والنار شرًعا وعقاًل من (‪ )25‬وجًه ا‪.‬‬

‫(المقدمة‪)21/‬‬

‫ثم عقد الباب (‪ )68‬ذكر فيه ما جاء في آخر أهل الجنة دخواًل ‪.‬‬
‫ثم أعقبه بالباب (‪ )69‬جمع فيه فصواًل لم يذكرها فيما تقدم‪ ،‬فأورد فيه ما جاء في لسان أهل‬
‫الجنة‪ ،‬وما جاء في احتجاج الجنة والنار‪ ،‬وما جاء في أن الجنة يبقى فيها فضل فينشئ الَّله خلًق ا‬
‫دون النار‪ ،‬وما جاء في امتناع النوم على أهل الجنة‪ ،‬وما ورد في ارتقاء العبد وهو في الجَّنة من‬
‫درجٍة إلى درجٍة أعلى منها‪ ،‬ثَّم ما جاء في إلحاق ذرية المؤمن به في الدرجة‪ ،‬وإن لم يعملوا‬
‫بعمله‪ ،‬واالختالف في المراد بالذرية‪ ،‬ودليل كل قول‪.‬‬
‫ثَّم أورد ما جاء في أَّن الجنة تتكَّلم‪ ،‬وأَّنها تزداد حسًنا على الدوام‪ ،‬وأَّن الحور العين يطلبن‬
‫أزواجهَّن أكثَر مما يطلبهن أزواجهَّن ‪.‬‬
‫ثَّم ذكر ما جاء في ذبح الموت بين الجَّنة والَّنار‪ ،‬وذكر ما جاء في ارتفاع العبادات في الجَّنة إاَّل‬
‫عبادة الذكر فهي دائمة‪ ،‬وأورد ما جاء في تذاكر أهل الجَّنة ما كان بينهم في دار الدنيا‪.‬‬
‫ثَّم ختم الكتاب بالباب (‪ )70‬في ذكر المستحق لهذه البشرى دون غيره‪ ،‬فذكر اآليات الواردة‬
‫في ذلك‪ ،‬وجملة من إعتقاد أهل السَّنة والجماعة‪.‬‬
‫وختم هذا الباب بفصل هو خاتمة الكتاب‪ ،‬وهو خاتمة دعوى أهل الجَّنة‪ ،‬فأورَد ما جاء فيه من‬
‫آياٍت وأحاديث في ذلك‪ ،‬وأَّنهم ُيْلَه مون الحمد كما ُيلهمون الَّنَف س‪.‬‬

‫(المقدمة‪)22/‬‬

‫‪ - 6‬موارده‪:‬‬
‫تنقسم الموارد التي اعتمد عليها المؤِّلف من حيث تصريحه بها وعدمه إلى قسمين (‪:)1‬‬
‫األَّو ل‪ :‬مصادر صَّر ح بأسمائها‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬مصادر صَّر ح بأسماء مؤلفيها‪.‬‬
‫القسم األَّو ل‪ :‬المصادر التي صَّر ح بأسمائها‪.‬‬
‫‪ - 1‬اإلبانة‪ ،‬البن بطة‪ ،‬في ص (‪.)710 ,704 ,703 ،676 ,675 ،674 ،657‬‬
‫‪ - 2‬البعث والنشور‪ ،‬للبيهقي في (ص‪.)664 ،530 ,507 /‬‬
‫‪ - 3‬التاريخ (تاريخ بغداد)‪ ،‬للخطيب في ص (‪.)516‬‬
‫‪ - 4‬التفسير‪ ،‬لمنذر بن سعيد البلوطي‪ ،‬في ص (‪.)47‬‬
‫‪ - 5‬التفسير‪ ،‬للماوردي‪ ،‬في ص (‪.)48‬‬
‫‪ - 6‬التفسير‪ ،‬البن الخطيب في ص (‪.)49‬‬
‫‪ - 7‬التفسير‪ ،‬ألبي القاسم الراغب األصبهاني في ص (‪.)49‬‬
‫‪ - 8‬التفسير‪ ،‬للرماني في ص (‪.)50‬‬
‫‪ - 9‬التفسير‪ ،‬البن مزين المالكي في ص (‪.)94 ،51‬‬
‫‪ - 10‬التفسير‪ ،‬البن المنذر في ص (‪.)128‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬يحتمل نقل المؤلف عن بعض هذه الكتب بواسطة‪ ،‬فال ُيعتبر من موارده‪.‬‬

‫(المقدمة‪)23/‬‬

‫‪ - 11‬التفسير‪ ،‬للُّس دي في ص (‪.)359‬‬


‫‪ - 12‬التفسير‪ ،‬البن مردويه في ص (‪.)804 ،743 ،624 ،387‬‬
‫‪ - 13‬التفسير‪ ،‬ألسباط بن نصر‪ ،‬في ص (‪.)615‬‬
‫‪ - 14‬التفسير‪ ،‬لسعيد بن أبي عروبة‪ ،‬في ص (‪.)480‬‬
‫‪ - 15‬التفسير‪ ،‬البن أبي حاتم‪ ،‬في ص (‪.)729‬‬
‫‪ - 16‬التفسير‪ ،‬لعبد بن حميد في ص (‪.)733‬‬
‫‪ - 17‬التفسير‪ ،‬لعلي بن أبي طلحة الوالبي في ص (‪.)735‬‬
‫‪ - 18‬التفسير‪ ،‬للطبري في ص (‪.)744 ،743‬‬
‫‪ - 19‬الجامع‪ ،‬للترمذي‪ ،‬في ص (‪،314 ،293 ،171 ،158 ،149 ،111 ،91 ،41‬‬
‫‪،573 ,556 ،527 ،505 ،500 ،443 ،242 ،383 ,381 ،379 ،350 ،321 ،316‬‬
‫‪.)672 ،671 ،670‬‬
‫‪ - 20‬الجعديات‪ ،‬لعلي بن الجعد‪ ،‬في ص (‪.)309‬‬
‫‪ - 21‬الجمع بين الصحيحين‪ ،‬لعبد الحق اإلشبيلي‪ ،‬في ص (‪.)661‬‬
‫‪ - 22‬الحلية = "حلية األولياء"‪ ،‬ألبي نعيم األصبهاني في ص (‪.)276‬‬
‫‪ - 23‬الرد على بشر المريسي‪ ،‬لعثمان بن سعيد الدارمي‪ ،‬في ص (‪.)674‬‬
‫‪ - 24‬رسالة في السنة لإلمام أحمد‪ ،‬رواية أبي جعفر الطائي في ص (‪.)99‬‬

‫(المقدمة‪)24/‬‬

‫‪ - 25‬رسالة في السنة لإلمام أحمد‪ ،‬رواية عبدوس في ص (‪. )100‬‬


‫‪ - 26‬الرؤية = إثبات الرؤية‪ ،‬للبيهقي في ص (‪.)691 ،664‬‬
‫‪ - 27‬الرؤية‪ ،‬للدارقطني‪ ،‬في ص (‪. )644‬‬
‫‪ - 28‬الزهد‪ ،‬لإلمام أحمد‪ ،‬في ص (‪.)552 ،524‬‬
‫‪ - 29‬السنن‪ ،‬ألبي داود‪ ،‬في ص (‪.)229 ،188 ،187 ،173 ،145 ،112 ،39 ،36‬‬
‫‪ - 30‬السنن‪ ،‬للترمذي = الجامع‪.‬‬
‫‪ - 31‬السنن‪ ،‬البن ماجه‪ ،‬في ص (‪.)662 ،291 ،248 ،229 ،113‬‬
‫‪ - 32‬السنن‪ ،‬للنسائي‪ ،‬في ص (‪.)396 ،39‬‬
‫‪ - 33‬السنة‪ ،‬البن أبي عاصم في ص (‪. )571‬‬
‫‪ - 34‬السنة‪ ،‬للطبراني في ص (‪. )643‬‬
‫‪ - 35‬السنة‪ ،‬لعبد الَّله بن أحمد‪ ،‬في ص (‪.)723 ،643‬‬
‫‪ - 36‬شرح السنة (‪ ، )1‬للطبري "الاللكائي"‪ ،‬في ص (‪.)710 ،701 ،617‬‬
‫‪ - 37‬شرح حديث الصور‪ ،‬للوليد بن مسلم في ص (‪. )500‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬هو "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة"‪ ،‬ويطلق عليه المؤلف أيًض ا "السنة"‪.‬‬

‫(المقدمة‪)25/‬‬

‫‪ - 38‬الصحاح‪ ،‬للجوهري‪ ،‬في ص (‪.)475 ،462 ،207‬‬


‫‪ - 39‬الصحيح‪ ،‬للبخاري (‪( ، )1‬راجع فهرس أسماء الكتب)‪.‬‬
‫‪ - 40‬الصحيح‪ ،‬لمسلم‪( ،‬راجع فهرس أسماء الكتب)‪.‬‬
‫‪ - 41‬الصحيح‪ ،‬للحاكم (‪ ، )2‬في ص (‪.)671 ،670 ،396 ،33‬‬
‫‪ - 42‬الصحيح‪ ،‬للبرقاني‪ ،‬في ص (‪. )796‬‬
‫‪ - 43‬الصحيح‪ ،‬ألبي عوانة‪ ،‬في ص (‪.)141 ،35‬‬
‫‪ - 44‬الصحيح‪ ،‬البن حبان‪ ،‬في ص (‪.)141 ،93 ،33‬‬
‫‪ - 45‬صفة الجَّنة‪ ،‬ألبي نعيم األصبهاني‪ ،‬في ص (‪.)545 ,173‬‬
‫‪ - 46‬الطبقات "طبقات الحنابلة"‪ ،‬ألبي الحسين بن أبي يعلى‪ ،‬في ص (‪. )97‬‬
‫‪ - 47‬علو الرب على خلقه واستوائه (‪ ، )3‬للمؤِّلف‪ ،‬في ص (‪. )843‬‬
‫‪ - 48‬الفوائد‪ ،‬البن السَّم اك‪ ،‬في ص (‪. )301‬‬
‫‪ - 49‬الفصوص‪ ،‬البن عربي الطائي في ص (‪. )730‬‬
‫‪ - 50‬المسائل لإلمام أحمد‪ ،‬رواية عبد الَّله في ص (‪. )96‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬وراجع أيًض ا اإلحالة إلى "الصحيحين" في فهرس أسماء الكتب‪.‬‬
‫(‪ )2‬هو المستدرك على الصحيحين‪ ،‬وذلك االطالق فيه تجوز‪ .‬وانظر ما كتبه المؤلف عن‬
‫المستدرك في "الفروسية المحمدية"‪ ،‬ص (‪.)214 - 213‬‬
‫(‪ )3‬هو "اجتماع الجيوش اإلسالمية في غزو المعطلة والجهمية"‪.‬‬

‫(المقدمة‪)26/‬‬

‫‪ - 51‬المسائل لإلمام أحمد‪ ،‬رواية أحمد االصطخري‪ ،‬في ص (‪.)97‬‬


‫‪ - 52‬المسائل لإلمام أحمد‪ ،‬رواية إبراهيم بن زياد الصائغ‪ ،‬في ص (‪.)707‬‬
‫‪ - 53‬المسائل لإلمام أحمد‪ ،‬رواية حنبل‪ ،‬في ص (‪.)708 ،707 ,706‬‬
‫‪ - 54‬المسائل لإلمام أحمد‪ ،‬رواية الفضل بن زياد‪ ،‬في ص (‪.)704‬‬
‫‪ - 55‬المسائل لإلمام أحمد‪ ،‬رواية أبي داود‪ ،‬في ص (‪.)705‬‬
‫‪ - 56‬المسائل لإلمام أحمد‪ ،‬رواية أبي بكر المروذي‪ ،‬في ص (‪.)705‬‬
‫‪ - 57‬المسائل لإلمام أحمد‪ ،‬رواية أبي طالب‪ ،‬في ص (‪.)706‬‬
‫‪ - 58‬المسائل لإلمام أحمد‪ ،‬رواية إسحاق بن هانئ‪ ،‬في ص (‪.)706‬‬
‫‪ - 59‬المسائل لإلمام أحمد‪ ،‬رواية يوسف القطان‪ ،‬في ص (‪.)706‬‬
‫‪ - 60‬المسائل لإلمام أحمد‪ ،‬رواية األثرم‪ ،‬في ص (‪.)707‬‬
‫‪ - 61‬المسائل ألحمد وإسحاق‪ ،‬رواية إسحاق بن منصور‪ ،‬في ص (‪.)704‬‬
‫‪ - 62‬المسائل ألحمد وإسحاق‪ ،‬رواية حرب الكرماني‪ ،‬في‬

‫(المقدمة‪)27/‬‬

‫ص (‪.)826 ,663‬‬
‫‪ - 63‬المسند‪ ،‬لإلمام أحمد‪( ،‬راجع فهرس أسماء الكتب)‪.‬‬
‫‪ - 64‬المسند‪ ،‬للشافعي‪ ،‬في ص (‪.)653 ،576‬‬
‫‪ - 65‬المسند‪ ،‬للبزار‪ ،‬في ص (‪.)676 ،591 ،371 ،35‬‬
‫‪ - 66‬المسند‪ ،‬لعبد بن حميد‪ ،‬في ص (‪.)117‬‬
‫‪ - 67‬المسند‪ ،‬ألبي داود الطيالسي‪ ،‬في ص (‪.)335 ،185‬‬
‫‪ - 68‬المسند‪ ،‬ألبي يعلى الموصلي‪ ،‬في ص (‪.)785 ،498 ,417 ،356 ،277 ,189‬‬
‫‪ - 69‬المسند‪ ،‬ألحمد بن منيع‪ ،‬في ص (‪.)269‬‬
‫‪ - 70‬المسند‪ ،‬إلسحاق بن راهويه‪ ،‬في ص (‪.)305‬‬
‫‪ - 71‬المسند‪ ،‬البن مردويه‪ ،‬في ص (‪.)386‬‬
‫‪ - 72‬المسند‪ ،‬للحسن بن سفيان‪ ،‬في ص (‪.)521‬‬
‫‪ - 73‬المعارف‪ ،‬البن قتيبة‪ ،‬في ص (‪.)52‬‬
‫‪ - 74‬المعجم (الكبير)‪ ،‬للطبراني‪ ،‬في ص (‪.)252‬‬
‫‪ - 75‬مقاالت اإلسالميين‪ ،‬ألبي الحسن األشعري‪ ،‬في ص (‪.)26‬‬
‫‪ - 76‬الموطأ‪ ،‬لإلمام مالك‪ ،‬في ص (‪.)40‬‬
‫‪ - 77‬النهاية "في غريب الحديث"‪ ،‬البن األثير‪ ،‬في ص (‪.)263‬‬

‫(المقدمة‪)28/‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬المصادر التي صَّر ح بأسماء مؤلفيها‪:‬‬


‫‪ -‬اإلمام أحمد‪ ،‬من كتابه "الرد على الجهمية والزنادقة" في (ص‪.)97 - 96 /‬‬
‫‪ -‬أبو بكر بن أبي عاصم من كتابه "اآلحاد والمثاني"‪ ،‬في (ص‪.)272 /‬‬
‫‪ -‬األزهري‪ ،‬من "تهذيب اللغة"‪ ،‬في ص (‪.)478‬‬
‫‪ -‬البيهقي‪ ،‬من "شعب اإليمان"‪ ،‬في ص (‪.)439‬‬
‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬من "مصنف مفرد في الرؤية"‪ ،‬في (ص‪.)609 /‬‬
‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬من "رسالته في الرد على من قال بفناء الجنة والنار"‪ ،‬في (ص‪،730 ،724 /‬‬
‫‪.)733 ،732‬‬
‫‪ -‬أبو حاتم الرازي‪ ،‬من كتابه "الجرح والتعديل"‪ ،‬في ص (‪،500 ،499 ،390 ،325 ،119‬‬
‫‪.)592 ،573‬‬
‫‪ -‬الحسن بن عرفة‪ ،‬من جزئه‪ ،‬في ص (‪.)610 ،397‬‬
‫‪ -‬خيثمة بن سليمان من الفوائد‪ ،‬في ص (‪.)254‬‬
‫‪ -‬ابن خزيمة‪ ،‬من كتابه "التوحيد"‪ ،‬في ص (‪.)650 ،649‬‬
‫‪ -‬الدارقطني‪ ،‬من كتابه "األفراد"‪ ،‬في ص (‪.)228‬‬
‫‪ -‬ابن أبي داود‪ ،‬من "البعث"‪ ،‬في ص (‪.)687 ،658 ،343‬‬
‫‪ -‬ابن أبي الدنيا‪ ،‬من "صفة الجنة"‪ ،‬وقد أكثر عنه جًّدا (راجع فهرس أسماء الرجال)‪.‬‬

‫(المقدمة‪)29/‬‬

‫‪ -‬الزجاج‪ ،‬من كتابه "معاني القرآن وإعرابه"‪ ،‬في ص (‪,415 ,305 ,202 ,196 ،102‬‬
‫‪.)492 ,419‬‬
‫‪ -‬أبو زرعة الرازي‪ ،‬من "الضعفاء والكذابين"‪ ،‬في ص (‪. )443‬‬
‫‪ -‬الزمخشري‪ ،‬من "الكشاف"‪ ،‬في ص (‪.)109 ،60‬‬
‫‪ -‬سيبويه‪ ،‬من "الكتاب"‪ ،‬في ص (‪. )719‬‬
‫‪ -‬ابن أبي شيبة‪ ،‬من "المصنف"‪ ،‬في ص (‪.)287 ,285 ,271 ،131‬‬
‫‪ -‬الطبراني‪ ،‬من المعجم "األوسط"‪ ،‬في ص (‪.)595 ,507 ,502 ،274 ،253 - 252‬‬
‫‪ -‬الطبراني‪ ،‬من "المعجم الصغير"‪ ،‬في (ص‪.)519 /‬‬
‫‪ -‬أبو عبد الَّله المقدسي‪ ،‬من كتابه "صفة الجَّنة"‪ ،‬في ص (‪،278 ,276 ،274 ،273 ،164‬‬
‫‪.)503 ،333 ،296 ،279‬‬
‫‪ -‬عبد الرحمن بن أبي حاتم‪ ،‬من كتابه "السنة" (‪ ، )1‬في ص (‪.)702 ,701 ,700‬‬
‫‪ -‬عبد الرزاق الصنعاني‪ ،‬من كتابه "التفسير"‪ ،‬في ص (‪. )193‬‬
‫‪ -‬عبد الرزاق الصنعاني ‪ -‬من "المصنف" في ص (‪. )277‬‬
‫‪ -‬ابن عبد البر‪ ،‬من "االستيعاب"‪ ،‬في ص (‪. )660‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬نقله الاللكائي في شرح أصول االعتقاد‪ ،‬فهو نقل بواسطة‪.‬‬

‫(المقدمة‪)30/‬‬
‫‪ -‬ابن عدي‪ ،‬من "الكامل في ضعفاء الرجال"‪ ،‬في ص (‪,498 ,390 ,325 ,301 ،261‬‬
‫‪.)581 ,501 ,500 ,499‬‬
‫‪ -‬ابن عطية‪ ،‬من تفسيره "المحرر الوجيز"‪ ،‬في ص (‪.)236‬‬
‫‪ -‬أبو عبيد‪ ،‬في "غريب الحديث"‪ ،‬في ص (‪.)449‬‬
‫‪ -‬أبو عبيدة‪ ،‬في "مجاز القرآن"‪ ،‬في ص (‪,458 ,446 ,415 ،411 ،304 ،199 ،102‬‬
‫‪.)494 ,486 ,482 ,480 ,478 ,477 ,463‬‬
‫‪ -‬الفراء‪ ،‬من "معاني القرآن"‪ ،‬في ص (‪،478 ,463 ،458 ،444 ،414 ،411 ،196‬‬
‫‪.)719 ،482‬‬
‫‪ -‬أبو الفتح بن جني‪ ،‬من كتابه "سر صناعة اإلعراب"‪ ،‬في ص (‪.)102‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة الدينوري‪ ،‬من "تفسير غريب القرآن"‪ ،‬في ص (‪.)346 ,199‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة الدينوري‪ ،‬من "تأويل مشكل القرآن"‪ ،‬في ص (‪.)720 ،414 - 413‬‬
‫‪ -‬ابن المبارك‪ ،‬من "الزهد"‪ ،‬في ص (‪.)516 ،456 ،328 ،152‬‬
‫‪ -‬المبرد‪ ،‬من "المقتضب"‪ ،‬في ص (‪.)102‬‬
‫‪ -‬مجاهد‪ ،‬من "التفسير"‪ ،‬وهي عند الطبري‪ ،‬وراجع فهرس أسماء الرجال "مجاهد"‪.‬‬
‫‪ -‬مقاتل‪ ،‬من "التفسير"‪ ،‬في ص (‪،446 ،416 ،412 ،197 ،106‬‬

‫(المقدمة‪)31/‬‬

‫‪.)563 ,523 ,492 ،489 ,486 ،483 ,476 ،474 ،464‬‬


‫‪ -‬الواحدي‪ ،‬من تفسيره "الوسيط"‪ ،‬في ص (‪.)808 ،478 ،449 ،447 ،446‬‬

‫(المقدمة‪)32/‬‬

‫‪ - 7‬طبعاته ومختصراته‪:‬‬
‫طبع الكتاب عَّدة طبعات‪.‬‬
‫‪ - 1‬طبعة مطبعة فرج الَّله الكردي ‪ -‬القاهرة ‪ 1326 ،-‬هـ‪ ،1908 /‬بهامش‪ :‬إعالم الموقعين‬
‫عن رِّب العالمين‪ ،‬في (‪ )3‬أجزاء‪.‬‬
‫‪ - 2‬طبعة في عام ‪ 1340‬هـ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬في (‪ )3‬أجزاء‪.‬‬
‫‪ - 3‬طبعة مطبعة األنوار‪ ،‬القاهرة‪ 1357 ،‬هـ‪ 1938 /‬م‪ ،‬في (‪ )304‬صفحة‪.‬‬
‫‪ - 4‬طبعة في مصر َطَبَعها‪ :‬محمد علي صبيح‪ 1381 ،‬هـ‪ ،‬بتصحيح محمود حسن الربيع‪.‬‬
‫‪ - 5‬طبعة مكتبة نهضة مصر‪ :‬القاهرة‪ 1391 ،‬هـ‪ 1971 /‬م‪ ،‬في (‪ )342‬صفحة‪.‬‬
‫‪ - 6‬طبعة مكتبة المعارف‪ :‬الطائف‪ ،‬في (‪ )296‬صفحة‪.‬‬
‫‪ - 7‬طبعة مطبعة المدني‪ :‬القاهرة‪ 1398 ،‬هـ‪ 1978 /‬م‪ ،‬في (‪ )424‬صفحة‪.‬‬
‫‪ - 8‬طبعة دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪ 1403 ،‬هـ‪ 1983 /‬م‪ ،‬في (‪ )301‬صفحة‪.‬‬
‫‪ - 9‬طبعة دار المدني‪ :‬جدة‪ 1404 ،‬هـ‪ 1983 /‬م‪ ،‬في (‪ )301‬صفحة‪.‬‬
‫‪ - 10‬طبعة مكتبة دار البيان‪ :‬دمشق‪ ،‬ومكتبة المؤيد‪ :‬الرياض‪،‬‬

‫(المقدمة‪)33/‬‬

‫(ط)‪ ،‬الثانية ‪ 1414‬هـ‪ 1993 /‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬بشير محمد عيون‪ ،‬في (‪ )395‬صفحة‪.‬‬
‫‪ - 11‬طبعة دار الكتاب العربي‪ :‬بيروت‪( ،‬ط) الثانية‪ 1406 ،‬هـ‪ 1986 /‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد‬
‫الجميلي في (‪ )461‬صفحة‪.‬‬
‫‪ - 12‬طبعة مكتبة دار التراث‪ :‬المدينة‪ ،‬ودار ابن كثير‪ :‬دمشق‪ ،‬بيروت‪( ،‬ط) األولى ‪ 1411‬هـ‪/‬‬
‫‪ 1991‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬يوسف على البديوي‪ ،‬مراجعة وتقديم محي الدين مستو‪ ،‬في (‪ )628‬صفحة‪.‬‬
‫‪ - 13‬طبعة مطبعة المدني‪ :‬القاهرة‪ 1417 ،‬هـ‪ 1996 /‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي صبح المدني‪ ،‬في (‬
‫‪ )363‬صفحة‪.‬‬
‫‪ - 14‬طبعة مؤسسة الرسالة‪ :‬بيروت‪( ،‬ط) الثانية‪ 1422 ،‬هـ‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي الشربجي وقاسم‬
‫النوري‪ ،‬في (‪ )509‬صفحة‪.‬‬
‫‪ - 15‬طبعة دار ابن حزم‪ :‬بيروت‪( ،‬ط) األولى‪ 1424 ،‬هـ‪ 2004 /‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬فواز زمرلي‬
‫وفاروق الترك‪ ،‬في (‪ )781‬صفحة‪.‬‬
‫‪ - 16‬طبعة دار ابن رجب‪ :‬المنصورة‪( ،‬ط) األولى ‪ 1421‬هـ‪ 2000 /‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد‬
‫العاَّل وي‪ ،‬راجعه وقَّدم له‪ :‬مصطفى العدوي‪ ،‬في (‪ )487‬صفحة‪.‬‬
‫<رمز>‪ -‬مختصرات الكتاب‪/<:‬رمز>‬
‫‪" - 1‬الداعي إلى أشرف المساعي" ألحد تالمذة المؤِّلف‪ ،‬لخصه‪ ،‬وحذف أسانيده‪ ،‬ورتبه على‬
‫ثمانية أبواب (‪. )1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬كشف الظنون (‪.)623 /1‬‬

‫(المقدمة‪)34/‬‬

‫‪ - 2‬منتقى من حادي األرواح‪ ،‬ليوسف بن عبد الَّله الحسني األرميوني الشافعي‪ ،‬وهو مخطوط‬
‫بالمكتبة األحمدَّية‪ ،‬بحلب رقم (‪ ،)285‬نسخت سنة ‪ 984‬هـ‪.‬‬
‫‪" - 3‬مثير ساكن الغرام إلى روضات دار السالم"‪ ،‬لصديق حسن خان كما في التاج المكَّلل ص‬
‫(‪.)427‬‬
‫‪ - 4‬نظم آلخر الباب الرابع عشر في مفاتيح كل مطلوب من الخير نظمها الشيخ سعد بن عتيق‬
‫النجدي‪ ،‬وهو ضمن مجموعة "هداية الطريق من مسائل آل عتيق"‪ ،‬وهو مخطوط بالمكتبة‬
‫السعودية بالرياض برقم (‪ )85 /46‬مجاميع‪.‬‬
‫‪" - 5‬تقريب حادي األرواح"‪ ،‬لعبد الحميد أحمد الدخاخني‪ ،‬وقد طبع بدار الصفا‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‬
‫‪ -‬األولى ‪ 1410 ،-‬هـ‪ 1990 /‬م‪.‬‬

‫(المقدمة‪)35/‬‬

‫‪ - 8‬وصف النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق‪:‬‬


‫اعتمدت في تحقيق الكتاب على خمس نسٍخ خطية‪ ،‬وهي كالتالي‪:‬‬

‫‪ - 1‬نسخة مكتبة عارف حكمت (أ)‪.‬‬


‫وهي نسخة محفوظة في مكتبة عارف حكمت‪ ،‬بالمدينة النبوية‪ ،‬تحت رقم (‪ ،)178‬مواعظ‪،‬‬
‫ويقع الكتاب في (‪ )191‬لوحة‪ ،‬كل لوحة تحتوي على وجهين‪ ،‬وخُّطها جِّيد واضح‪ ،‬مضبوط‬
‫بالشكل في غالبه‪ ،‬وكاتبها‪ :‬محمود بن أحمد بن محمد الحموي (‪ )1‬مولًد ا‪ ،‬الفُّيومي نسًبا‪،‬‬
‫لثالث خلون من شهر جمادى األولى‪ ،‬سنة ثالث وتسعين وسبعمائة (‪ 793‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -‬وجاء في صفحة العنوان بخٍّط كبير "حادي األوراح إلى بالد األفراح"‪.‬‬
‫‪ -‬ثَّم ُك ِتَب بخٍّط صغير "ومثير ساكن العَز مات إلى روضات الجَّنات‪ ،‬وباعث الِه مم العلَّيات إلى‬
‫العيش الهنيء في تلك الغرفات"‪.‬‬
‫‪ -‬وجاء في نهاية الكتاب ما نُّص ه‪" :‬بلغ مقابلة على أصٍل غير األصل المنقول منه‪ ،‬مع معارضتها‪،‬‬
‫فصَّح إن شاء الَّله تعالى‪ ،‬وذلك نهاية‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ولد سنة (‪ 750‬هـ)‪ ،‬وهو ابن الفُّيومي صاحب "المصباح المنير"‪ ،‬حفظ القرآن‪ ،‬وسمع‬
‫الحديث‪ ،‬وتفَّق ه إلى أن تقَّدم في الفقه وأصوله والعربية واللغة وغيرها‪ ،‬وولي قضاة حماة‪ ،‬وصَّنف‬
‫الكثير مثل‪ :‬شرح ألفَّية ابن مالك‪ ،‬وتكملة شرح المنهاج للسبكي في (‪ )13‬مجلًد ا‪ .‬انظر‪ :‬الضوء‬
‫الاَّل مع (‪.)130 /10‬‬

‫(المقدمة‪)36/‬‬

‫ثالث عشر جمادى األولى‪ ،‬سنة ثالث وتسعين"‪.‬‬


‫وقد جعلتها أصاًل لما تتمَّيز به هذه النسخة من مميزات تنفرد ببعضها عن النسخ األخرى‪.‬‬
‫وأهم هذه المميزات ما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أَّنها معارضة ومقابلة على أصٍل غير األصل المنقول منه‪.‬‬
‫‪ - 2‬أَّنها بخط أحد العلماء‪ ،‬وهو ممن انتهت إليه رئاسة المذهب الشافعي بحماة‪ ،‬مع الدين‬
‫والتواضع والعَّف ة واالنكباب على المطالعة والتصنيف والمشاركة في األدب وغيره‪ ،‬وحسن‬
‫الخط‪.‬‬
‫‪ - 3‬أَّنها نسخة متقنة ومضبوطة ضبًطا جِّيًد ا (‪ ، )1‬حيث َض َبط األلفاظ الُم ْش ِكَلة‪ ،‬وأشار إلى ما‬
‫له أكثر من وجه في ضبط الكلمة ورمز له بـ "معا"‪.‬‬
‫‪ - 4‬أَّنُه جاء في نهاية النسخة تاريخ تأليف الكتاب فقال‪" :‬ذكر المؤِّلف رحمه الَّله أَّنه فرغ منه‬
‫عشية عرفة عند الثلث األخير من الليل سنة خمس وأربعين وسبعمائة"‪ ،‬وال يخفى ما في هذا‬
‫النص العزيز من أهمية وفائدة (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ومن عنايته بالخط والكتابة أَّنه عمل منظومة نحو تسعين بيًتا في علم الخط وصناعة الكتاب‬
‫ثَّم عمل شرًح ا لهذه المنظومة‪ .‬الضوء الالمع (‪.)130 /10‬‬
‫(‪ )2‬قد ُيْس َتدُّل من هذا التاريخ أَّن تأليف كتاب "الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة" كان‬
‫سنة (‪ )745‬هـ أو بعدها؛ ألَّن المؤلف ذكر كالًم ا من "حادي األرواح" في ذلك الكتاب والَّله‬
‫أعلم‪.‬‬

‫(المقدمة‪)37/‬‬

‫‪ - 5‬أَّن سقطها قليٌل جًّدا‪ ،‬وال يعدو أن يكون من انتقال الَنَظر ونحوه‪.‬‬

‫‪ - 2‬نسخة كوبريلي (ب)‪.‬‬


‫وهي محفوظة بمكتبة كوبريلي زاده محمد باشا‪ ،‬في استانبول بتركيا‪ ،‬تحت رقم (‪ ،)717‬ويقع‬
‫الكتاب في (‪ )253‬لوحة‪ ،‬كل لوحة تحتوي على وجهين‪ ،‬وخُّطها عادي واضح العبارة‪ ،‬مضبوط‬
‫بالشكل أحياًنا‪ ،‬وناسخها‪ :‬إبراهيم بن عبد الغالب بن إبراهيم األنصاري الحنبلي (‪ ،)1‬وقد فرغ‬
‫من كتابتها في الثامن عشر من شهر رمضان سنة إحدى وستين وسبعمائة (‪ 761‬هـ)‪ ،‬وجاء في‬
‫صفحة العنوان بخط كبير "حادي األرواح"‪ ،‬وكتب تحته بخط أصغر منه "إلى بالد األفراح‪،‬‬
‫ومثير سكان العزمات إلى روضات الجَّنات‪ ،‬وباعث الهمم العليات إلى العيش الهنيء في تلك‬
‫الغرفات"‪.‬‬
‫‪ -‬وكتب على هذه الصفحة تمُّلك‪ :‬ملكه أحمد بن [‪ .]. . .‬وبقيته مطموس عليه‪.‬‬
‫‪ -‬وكتب عليها أيًض ا‪" :‬عن علي بن أبي طالب رضي الَّله عنه قال‪ :‬الحَّنان‪ :‬اَّلذي [‪َ ]. . .‬مْن‬
‫أعرض عنه‪ ،‬والمَّنان‪ :‬اَّلذي ُيعطي الَّنوال [‪ ]. . .‬الُّس ؤال"‪.‬‬
‫‪ -‬وجاء في آخر النسخة تمُّلك لكَّنه غير واضح في التصوير ونُّص ه‪ . . . ." :‬محمد بن عبد الَّله‬
‫المطلبي‪ . .‬سنة خمس وثمانمائة‪." . .‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬لم أقف على ترجمته‪.‬‬

‫(المقدمة‪)38/‬‬
‫وتتميز هذه النسخة‪:‬‬
‫أ ‪ -‬بقرب عهدها من مؤلفه‪.‬‬
‫ب ‪ -‬قَّلة السقط واألخطاء‪.‬‬

‫‪ - 3‬نسخة جامعة برنستون (ج)‪.‬‬


‫وهي محفوظة في مكتبة جامعة برنستون بالواليات المتحدة‪ ،‬تحت رقم (‪ ،)2208‬ويقع الكتاب‬
‫في (‪ )168‬لوحة‪ ،‬كل لوحة تحتوي على وجهين‪ ،‬وخُّطها نسخي ال بأس به‪ ،‬وغالب أوله‬
‫مشكول األحرف‪ ،‬ويقل حَّتى يتالشى في آخره‪ ،‬وكاتبها‪ :‬محمد بن خليل الناسخ المؤدب (‪،)1‬‬
‫وكان فراغه من كتابتها في يوم االثنين من شهر شوال من سنة إحدى وستين وسبعمائة (‪761‬‬
‫هـ)‪.‬‬
‫‪ -‬وقد ُك تب في طرف الورقة األخيرة بخًّط حديٍث "نقلت هذه النسخة من خط المصنف رحمه‬
‫الَّله"‪.‬‬
‫‪ -‬وجاء في (‪ 135‬ق‪ /‬ب) في الحاشية‪" :‬كذا في األصل نسخة المصنف"‪.‬‬
‫قلُت ‪ :‬وهذا الكالم محتمل لقرب عهد النسخة بالمصنف‪ ،‬ولوال أَّن الخط حديث ‪-‬فيما يظهر‪-‬‬
‫ومغايٌر لخِّط الكتاب لكان الجزم بذلك‪.‬‬
‫‪ -‬وقد تمَّلك هذا الكتاب واطلع عليه عدٌد من أهل العلم‪:‬‬
‫فجاء في وسط صفحة العنوان ما يلي‪" :‬ثم ملكه العبد الفقير الفاني‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬لم أقف على ترجمته‪.‬‬

‫(المقدمة‪)39/‬‬

‫الحاج تاج الدين بن محمد الكوراني توفاه الَّله على اإليمان عند خروج نفسه‪ ،‬وثَّبته للجواب في‬
‫َر ْم ِس ه‪ ،‬وجعله من أصحاب اليمين وحشره تحت لواء سيد المرسلين محمد صَّلى الَّله عليه وعلى‬
‫آله وصحبه أجمعين‪ ،‬وغفر له ولوالديه‪ ،‬ولمن مات من أهلهم وقومهم وجيرتهم ولسائر‬
‫المسلمين أحياًء وأمواًتا أجمعين‪ ،‬والحمد لَّله رب العالمين"‪.‬‬
‫‪ -‬وجاء في يسار صفحة العنوان ما يلي "ملك الفقير" [‪ ]. . .‬جمال [ابن] الشيخ محمد [إمام]‬
‫جامع [الشرفية]‪ . . .‬محرم من‪. . . .‬‬
‫‪ -‬وجاء فيها أيًض ا‪" :‬ثم ملكه من فضل ربه الكريم‪ ،‬السيد عبد الرحيم بفضله‪ .‬سنة ‪ 1144‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬وجاء في نهاية الكتاب ما نصه‪" :‬نظر في هذه النسخة الفقير إلى الَّله تعالى‪ :‬أحمد بن محمد‬
‫المغربي األندلسي غفر الَّله له ولوالديه ولجميع المسلمين آمين‪.‬‬
‫‪ -‬وجاء أيًض ا ما نصه‪" :‬قرأُت هذا الكتاب مطالعة تامة من أَّو له إلى آخره‪ ،‬وأنا الفقير إليه‬
‫[‪ ]. . . .‬السيد عبد الرحيم ‪-‬الَّر اجي عفو ربه الكريم‪ -‬ابن الحاج محمد الحبال‪ ،‬أصلح له كل‬
‫األحوال‪ ،‬وذلك المطالعة في مدرسة الشرفية‪ ،‬مدرسة جِّده‪ :‬السيد عبد الرحمن محي السنة‬
‫العجمي عليه الرحمة والرضوان‪ ،‬وصَّلى الَّله على سيدنا وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين آمين يا‬
‫رب العالمين‪ ،‬وذلك في نصف شهر رجب الفرد من سنة ‪.1154‬‬

‫(المقدمة‪)40/‬‬

‫وتمتاز هذه النسخة‪:‬‬


‫‪ - 1‬بقرب تاريخ نسخها إلى المؤلف‪.‬‬
‫‪ - 2‬تداولها على أيدي بعض أهل العلم‪.‬‬
‫‪ - 3‬أَّنها منسوخة من نسخة المؤِّلف وهذا محتمل‪.‬‬

‫‪ - 4‬النسخة البريطانية (د)‪:‬‬


‫وهي محفوظة في المتحف البريطاني (شرقيات) برقم (‪ ،)9259‬وتقع في (‪ )266‬لوحة‪ ،‬وكل‬
‫لوحة تحتوي على وجهين‪ ،‬وخطها نسخي جميل جًّدا‪ ،‬وغالبه مضبوط بالشكل‪ ،‬وكاتبها‪ :‬محمد‬
‫بن محمد بن عبد الكريم الموصلي الشافعي (‪- )1‬فيما يظهر‪ -‬وقد فرغ من كتابتها في [‪]. . .‬‬
‫من رجب الفرد سنة أربعين [وثمانمائة]‪:‬‬
‫وجاء في آخرها‪" :‬بلغ مقابلة بحسب الطاقة والَّله المستعان"‪.‬‬
‫وجاء فيها أيًض ا تمُّلك ونصه‪" :‬الحمد لَّله‪ ،‬انتقل هذا الكتاب المستطاب في ملك [الفقير] إلى‬
‫رَّبه العلي عبد العزيز بن عبد الَّله بن فيروز الحنبلي في شهر الَّله المعظم ‪ 9‬رمضان سنة ‪1183‬‬
‫هـ وصَّلى الَّله وسلم على سيدنا محمد"‪.‬‬
‫ويبدو أَّن النسخة اطلع عليها غير واحد‪:‬‬
‫‪ -‬فقد جاء في (‪ 145‬ق‪ /‬ب) تعليًق ا في تخريج حديث‪ ،‬ثَّم ختمه بقوله "كتبه محمد"‪ ،‬وهذا‬
‫يحتمل أنه الناسخ‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬لم أقف على ترجمته‪.‬‬

‫(المقدمة‪)41/‬‬

‫‪ -‬وجاء أيًض ا في (‪ 225‬ق‪ /‬أ) لرجٍل آخر "ولعَّله من المتصوفة" لَّم ا ذكر ابُن القيم ابن عربي‬
‫ووصفه بإمام االتحادية‪ ،‬قال معلًق ا‪" :‬حاشاُه من االتحاد قَّدس الَّله سره‪ ،‬ونَّو ر لنا قبره‪ ،‬وأمدنا الَّله‬
‫تعالى والمسلمين بمدده آمين"‪.‬‬
‫وتتميز هذه النسخة‪:‬‬
‫‪ - 1‬بقرب عهدها من المؤِّلف‪.‬‬
‫‪ - 2‬كونها مكتوبة بخط جميل‪.‬‬
‫‪ - 3‬كونها مقابلة ومعارضة على نسخة أخرى‪.‬‬

‫‪ - 5‬النسخة العراقية (هـ)‪:‬‬


‫وهي محفوظة في مكتبة األوقاف العامة ببغداد تحت رقم (‪.)6673‬‬
‫وقد وصلت هذه النسخة إلى نعمان اآللوسي عن طريق الِه َبة ِم ْن عبد الرزاق أفندي سبط متولي‬
‫األعظمية‪ ،‬فوقفها اآللوسي على المدرسة المرجانية ببغداد‪ ،‬ثَّم انتقلت إلى مكتبة األوقاف العامة‬
‫(كما جاء ذلك على صفحة العنوان)‪.‬‬
‫ويقع الكتاب في (‪ )232‬لوحة‪ ،‬كل لوحة تحتوي على وجهين‪ ،‬وخطها عادي واضح‪ ،‬كتبها‪:‬‬
‫عبد الرحمن بن إسماعيل بن الحسن بن محمد بن عبد الرحمن المؤدب السنجاري المعروف‬
‫"بابن المسواك الحيالي" (‪ ،)1‬وكان قد فرغ من كتابتها في آخر رجب سنة (‪ 771‬هـ)‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬لم أقف على ترجمته‪.‬‬

‫(المقدمة‪)42/‬‬
‫‪ -‬وقد جاء على صفحة العنوان ‪-‬إضافة إلى ما تقدم ذكره‪ -‬ما نُّص ه‪" :‬قال رحمه الَّله‪:‬‬
‫ِع َّدة الخير عندنا كلماٌت ‪ ...‬أربٌع قالهَّن خير البرية‬
‫اتق الشبهات وازهد ودع ‪ ...‬ما ليس يعنيك واعمَلْن بنية‬
‫وغيرها‬
‫انظر إلى هذا الزمان اَّلذي قد ‪ ...‬ساد فيه اللكع بن اللكع‬
‫في أهله من بعد إعجابهم ‪ُ ...‬ش ٌّح مطاع وهًو ى مَّتبع‬
‫وِم َّم ا جاء فيها أيًض ا بعد اسم الكتاب والمؤِّلف تاريخ تأليف الكتاب فجاء ما نصه‪" :‬وذكر‬
‫المؤلف أَّنه فرغ منه عشية عرفة عند الثلث اآلخر من الليل سنة خمس وأربعين وسبعمائة"‪.‬‬
‫‪ -‬ويبدو أَّن النسخة اطلع عليها غير واحد‪.‬‬
‫‪ -‬فقد جاء عليها ‪-‬في أَّو ل الكتاب‪ -‬تعليقات في تفسير الغريب باللغة العربية ثَّم ترجمتها‬
‫بالفارسية‪.‬‬
‫‪ -‬وجاء في (‪ 50‬ق‪ /‬ب) تعليق لرجل أشعري في تأويل اليد بالقدرة‪.‬‬
‫‪ -‬وكتب أحد المَّطلعين على النسخة في نهاية الكتاب تعليًق ا فقال‪" :‬طالعه جميًعا واستفاد‬
‫[‪ ]. . .‬جامعه غير أحرف يسيرة ال أعتقدها‪ ،‬نَّبهت على بعضها في الهامش [‪.]. . .‬‬
‫‪ -‬وكتب الناسخ (‪ )16‬بيًتا امتدح فيها هذا الكتاب ومؤِّلفه‪" ،‬كما تقدم ذكر بعض األبيات"‪.‬‬

‫(المقدمة‪)43/‬‬

‫وتتميز هذه النسخة بما يلي‪:‬‬


‫‪ - 1‬قرب عهدها بالمؤِّلف‪.‬‬
‫‪ - 2‬قَّلة السقط واألخطاء فيها‪.‬‬
‫‪ - 3‬أَّنها مقابلة ومصححة‪.‬‬
‫‪ - 4‬ما ذكره الناسخ في أَّو ل صفحة تحت العنوان من تاريخ فراغ المؤِّلف من الكتاب‪.‬‬

‫(المقدمة‪)44/‬‬
‫‪ - 9‬المنهج في تحقيق الكتاب‪:‬‬
‫‪ -‬لما كانت النسخ المعتمدة في تحقيق هذا الكتاب جِّيدة جًّدا = اتخذت نسخة مكتبة عارف‬
‫حكمت أصاًل لتميزها عن باقي النسخ بعَّدة مميزات "كما تقدم ذكره في وصفها" وأثبُّت الفروق‬
‫وقمت بوضع رموز تشير إلى كِّل نسخة‪:‬‬
‫‪" -‬أ" = المكتبة المحمودية بالمدينة النبوية‪.‬‬
‫‪" -‬ب" = مكتبة كوبريلي بتركيا‪.‬‬
‫‪" -‬ج" = مكتبة جامعة برنستون‪.‬‬
‫‪" -‬د" = مكتبة المتحف البريطاني‪.‬‬
‫‪" -‬هـ" = مكتبة األوقاف العامة ببغداد‪.‬‬
‫وقد قمُت بإنزال أرقام صفحات كل من نسخة "أ‪ ،‬ب" داخل النص‪ ،‬ووضعه بين معقوفتين‪.‬‬
‫هذا إضافة إلى ما تقدم ذكره في غير ما كتاب من ضبط النص وتقسيمه‪ ،‬وتخريج األحاديث‬
‫واآلثار‪ ،‬وتوثيق النصوص الواردة فيه (‪ ،)1‬ووضع الفهارس الكاشفة عن مكنونه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬وكان قد سبقني في العمل على أَّو ل الكتاب الشيخ‪ :‬الحسن بن عبد الرحمن العلوي‪ ،‬فما‬
‫استفدته منه وضعته بين نجمتين *‪.* . . .‬‬

‫(المقدمة‪)45/‬‬

‫‪ - 10‬نماذج من النسخ المعتمدة في التحقيق‬

‫(المقدمة‪)46/‬‬

‫‪ - 1‬الورقة األولى من نسخة مكتبة "عارف حكمت" بالمدينة النبوية (أ)‬

‫(المقدمة‪)47/‬‬
‫‪ - 1‬الورقة األولى من الكتاب لنسخة "عارف حكمت" بالم د ينة النبوية (أ)‬

‫(المقدمة‪)48/‬‬

‫‪ - 1‬الورقة األخيرة من نسخة "عارف حكمت" (أ)‬

‫(المقدمة‪)49/‬‬

‫‪ - 2‬الورقة األولى من نسخة "كوبريلي" بتركيا (ب)‬

‫(المقدمة‪)50/‬‬

‫‪ - 2‬الورقة األخيرة من نسخة "كوبريلي" بتركيا (ب)‬

‫(المقدمة‪)51/‬‬

‫‪ - 3‬الورقة األولى من نسخة "برنستون" بالواليات المتحدة (ج)‬

‫(المقدمة‪)52/‬‬

‫‪ - 3‬الورقة األخيرة من نسخة "برنستون" بالواليات المتحدة (ج)‬

‫(المقدمة‪)53/‬‬

‫‪ - 4‬الورقة األولى من نسخة المتحف البريطاني (د)‬


‫(المقدمة‪)54/‬‬

‫‪ - 4‬الورقة األخيرة من نسخة المتحف البريطاني (د)‬

‫(المقدمة‪)55/‬‬

‫‪ - 5‬الورقة األولى من نسخة مكتبة األوقاف العراقية (هـ)‬

‫(المقدمة‪)56/‬‬

‫‪ - 5‬الورقة األخيرة من نسخة مكتبة األوقاف العراقية (هـ)‬

‫(المقدمة‪)57/‬‬

‫ِبْس ِم الَّلِه الَّر ْح َم ِن الَّر ِح يِم (‪)1‬‬


‫الحمد لَّله اَّلذي جعل (‪ )2‬جَّنات الفردوس لعباده المؤمنين ُنُز اًل (‪ ،)3‬ويَّس رهم لألعمال الصالحة‬
‫الموصلة إليها‪ ،‬فلم يتخذوا (‪ )4‬سواها ُش ُغاًل ‪ ،‬وسَّهل (‪ )5‬لهم ُطرقها‪ ،‬فسلكوا السبيل (‪)6‬‬
‫الموصلة إليها ُذُلاًل ‪ ،‬خلقها لهم قبل أن يخلقهم‪ ،‬وأسكنهم إَّياها قبل أن ُيوجدهم‪ ،‬وحجبها‬
‫بالمكاره‪ ،‬وأخرجهم إلى دار (‪ )7‬االمتحان‪ ،‬ليبلوهم أُّيهم أحسُن عماًل ‪ ،‬وجعل ميعاد دخولها يوم‬
‫القدوم (‪ )8‬عليه‪ ،‬وضرب مَّدة الحياة الفانية دونه أجاًل ‪ ،‬أودعها ما ال عيٌن رأت‪ ،‬وال أذٌن‬
‫سمعت‪ ،‬وال خطر علي قلب بشر‪ ،‬وجاَّل ها عليهم حَّتى (‪ )9‬عاينوها بعين البصيرة التي هي أنفذ‬
‫من رؤية البصر‪ ،‬وبَّش رهم بما أعَّد لهم فيها على لسان رسوله (‪ )10‬خير‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬جاء في "أ" بعد البسملة "وصَّلى الَّله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسَّلم"‪.‬‬
‫وفي "ب"‪" :‬وهو حسبي ونعم الوكيل"‪.‬‬
‫وليس في "ج" البسملة وال غيرها‪.‬‬
‫وفي "هـ" "وال حول وال قَّو ة إاَّل بالَّله العلي العظيم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬قوله "اَّلذي جعل" في "هـ"‪" :‬اَّلذي عَّز وجَّل وعال‪ ،‬وجعل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ج" "منزاًل "‪.‬‬
‫(‪ )4‬في "هـ"‪" :‬يجعل لهم" بدل "يتخذوا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في "أ"‪" :‬سَّهل لهم طرقها‪ ،‬ويَّس رهم فسلكوا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬من "أ"‪ ،‬وفي باقي النسخ "السبل"‪ ،‬ووقع في "هـ" "السبل الموصلة بها ذلال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬قوله "إلى دار" في "هـ" "من صلب أبيهم آدم إلى دار البلوى و"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في "ج"‪" :‬القيامة" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )9‬في "ب‪ ،‬هـ"‪" :‬حين"‪.‬‬
‫(‪ )10‬وقع في "ج" بعد "رسوله" جملة مضروب عليها "فهي خير الِبَش ر على لسان" ووقع =‬

‫(‪)1/3‬‬

‫البشر‪ ،‬وكَّم ل لهم البشرى بكونهم (‪َ{ )1‬خ اِلِد يَن ِفيَه ا اَل َيْبُغوَن َعْنَه ا ِح َو اًل (‪[ } )108‬الكهف‪:‬‬
‫‪.]108‬‬
‫والحمد لَّله فاطِر السموات واألرِض ‪ ،‬جاعل المالئكة رساًل ‪ ،‬وباعث الرسل مبشرين ومنذرين‪،‬‬
‫لئال يكون للَّناس على الَّلِه ُح َّجٌة بعد الرسل‪ ،‬إذ لم يخلقهم عبًثا‪ ،‬ولم يتركهم ُس دًى ‪ ،‬ولم يغفلهم‬
‫ِل‬
‫هماًل ‪ ،‬بل خلَق هم ألمٍر عظيٍم ‪ ،‬وهَّيَأهم َخ ْطٍب جسيم‪ ،‬وعَّم ر لهم دارين (‪ ، )2‬فهذه لمن أجاَب‬
‫الَّداعي‪ ،‬ولم يبِغ سوى ربه الكريم بداًل ‪ ،‬وهذه لمن لم ُيجب دعوته‪ ،‬ولم يرفع بها رأًس ا‪ ،‬ولم‬
‫يعِّلق بها أَماًل ‪.‬‬
‫والحمد لَّله اَّلذي رضي من (‪ )3‬عباده باليسير من العمل‪ ،‬وتجاوَز لهم عن الكثير من الَز لل‪،‬‬
‫وأفاَض عليهم النعمة‪ ،‬وكتب (‪ )4‬على نفسه الرحمة‪ ،‬وضَّم ن (‪ )5‬الكتاب اَّلذي كتبه‪ :‬أَّن رحمته‬
‫سبقت غضبه‪ .‬دعا عباده إلى دار السالم‪ ،‬فعَّم هم بالَّدعوة ُح َّج ًة منه عليهم وَعداًل ‪ ،‬وخَّص بالهداية‬
‫والتوفيِق من شاء نعمًة (‪ )6‬منه وفضاًل ‪ ،‬فهذا عْد ُله وحكمته‪ ،‬وهو العزيز الحكيم‪ ،‬وذلك فضُله (‬
‫‪ )7‬يؤتيه من يشاء‪ ،‬والَّله ذو الفضل العظيم‪.‬‬
‫__________‬
‫= في "هـ" بعد "رسوله" "صَّلى الَّله عليه وسَّلم محمٍد "‪.‬‬
‫(‪ )1‬في "هـ"‪" :‬بقوله"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "هـ"‪" :‬دارين آخرتين"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "أ"‪" :‬عن"‪ ،‬وجاء في "هـ" "من عباده المؤمنين باليسير"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في "ب"‪" :‬وكتب لهم على نفسه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في "هـ"‪" :‬وضمن لهم في الكتاب"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في "ج"‪" :‬رحمًة"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في "ج‪ ،‬هـ"‪" :‬فضل الَّله"‪.‬‬

‫(‪)1/4‬‬

‫وأشهُد أن ال إلَه إاَّل الَّلُه وحدُه ال شريَك له‪ ،‬شهادَة عبده وابن عبِد ه وابن أَم ِته‪ ،‬ومن ال غنى به (‬
‫‪ )1‬طرفة عيٍن عن فضله ورحمته‪ ،‬وال مطمع له في الفوز بالجَّنة والنجاة من الَّنار إال بعفوه‬
‫ومغفرته‪.‬‬
‫وأشهُد أَّن محمًد ا عبُد ه ورسوله‪ ،‬وأميُنه على وحيِه‪ ،‬وخيرته من َخ ْلِق ه‪ ،‬أرسله رحمًة للعالمين‪،‬‬
‫وقدوًة للعاملين‪ ،‬ومحَّج ًة للَّس الكين‪ ،‬وُح َّج ًة على العباد أجمعين‪ ،‬بعثه لإليمان به (‪ )2‬منادًيا‪ ،‬وإلى‬
‫دار الَّس الم داعًيا‪ ،‬وللخليقة هادًيا‪ ،‬ولكتابه (‪ )3‬تالًيا‪ ،‬وفي مرضاته ساعًيا‪ ،‬وبالمعروف آمًر ا‪ ،‬وعن‬
‫المنكر ناهًيا‪ ،‬أرسَله على حين فترٍة من الرسل‪ ،‬ودروٍس من السبل (‪ ، )4‬فهدى به إلى أقوم‬
‫الطرق‪ ،‬وأوضح السبل‪ ،‬وافترَض على العباد طاعته ومحبته‪ ،‬وتعزيره‪ ،‬وتوقيره‪ ،‬والقياَم بحقوقه‪،‬‬
‫وسَّد إلى (‪ )5‬الجَّنة جميع الطرِق ‪ ،‬فلم يفتحها ألحٍد إاَّل من طريقه‪ ،‬فلو أتوا من كِّل طريق‪،‬‬
‫واستفتحوا من كِّل باٍب ‪َ ،‬لَم ا ُفِتَح لهم حتى يكونوا َخ ْلَف ُه من الَّداخلين‪ ،‬وعلى منهاجه وطريقته (‬
‫‪ )6‬من السالكين‪ .‬فسبحاَن من شرَح له صدره‪ ،‬ووضع عنه وزره‪ ،‬ورفع له ِذ ْك َر ُه‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ج‪ ،‬د"‪" :‬له"‪.‬‬
‫(‪ )2‬من "أ"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "هـ"‪" :‬ولكتابه العزيز"‪.‬‬
‫(‪ )4‬قوله "ودروس من السبل" من "هـ"‪ ،‬ونسخٍة على حاشية "أ"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في "هـ"‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في "ب" "وطريقه"‪.‬‬

‫(‪)1/5‬‬

‫وجعل الذَّلة والصغار على من خالَف أمره‪.‬‬


‫فدعا إلى الَّلِه وإلى جنته سًّر ا وجهاًر ا‪ ،‬وأَّذَن بذلك بين أظُه ِر ُأَّمِتِه (‪ )1‬لياًل ونهاًر ا‪ ،‬إلى أْن طلع‬
‫فجُر اإلسالم‪ ،‬وأشرقت شمُس اإليمان‪ ،‬وعلْت كلمة الرحمن‪ ،‬وَبطلت دعوة الشيطان‪ ،‬وأضاءت‬
‫بنور رسالته األرُض بعد ظلماتها‪ ،‬وتأَّلفت به القلوب بعد تفُّر قها وشتاتها‪ ،‬فأشرَق (‪ )2‬وجه الدهر‬
‫حسًنا‪ ،‬وأصبح الظالُم ضياًء‪ ،‬واهتدى كُّل حيران‪ ،‬فلَّم ا أكمَل الَّلُه به دينه‪ ،‬وأتَّم به نعمته‪ ،‬ونشَر به‬
‫على (‪ )3‬الخالئق رحمته‪ ،‬فبَّلغ رساالت ربه ونصح عباده‪ ،‬وجاهد في الَّلِه حَّق جهاده = خَّيره‬
‫بين الُم قام في الدنيا وبين لقائه والقدوم عليه‪ ،‬فاختار لقاَء رِّبه محَّبًة له‪ ،‬وشوًقا إليه‪ ،‬فاستأثر به‬
‫ونقله إلى الرفيق األعلى‪ ،‬والمحل األرفع األسنى‪ ،‬وقد ترك أمته على الواضحة الغَّر اء‪ ،‬وال َّج ِة‬
‫َمَح‬
‫البيضاء‪ ،‬فسلك أصحاُبه وأتباعهم على أثره إلى جَّنات الَّنعيم‪ ،‬وعدَل الراغبون عن هديه إلي‬
‫طريِق (‪ )4‬الجحيم‪ِ{ :‬لَيْه ِلَك َمْن َه َلَك َعْن َبِّيَنٍة َو َيْحَيى َمْن َح َّي َعْن َبِّيَنٍة َو ِإَّن الَّلَه َلَس ِم يٌع َعِليٌم}‬
‫[األنفال‪.]42 :‬‬
‫فصَّلى الَّلُه ومالئكته وأنبياؤه ورسله وعباُده المؤمنون عليه‪ ،‬كما وَّح د الَّله وعَبَدُه‪ ،‬وعَّر فنا به‬
‫ودعا إليه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من "أ"‪ ،‬وفي باقي النسخ "اُألَّمة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "هـ" "فأشرق به وجه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في نسخٍة على حاشية "أ" "على كل الخالئق"‪ ،‬ووقع في "هـ" "ونشر على الخالئق"‪.‬‬
‫(‪ )4‬قوله "هديه إلى طريق" وقع في "أ" "هذه إلى طرق"‪.‬‬

‫(‪)1/6‬‬
‫أَّما بعُد ‪ :‬فإَّن الَّلَه سبحانه وتعالى لم يخلق خلَق ُه َعَبًثا‪ ،‬ولم يتركهم ُس ًد ى‪ ،‬بل خلقهم ألمٍر عظيٍم ‪،‬‬
‫وخْطٍب جسيٍم ‪ُ ،‬عِر َض (‪ )1‬على السموات واألرض والجبال فأبيَن وأْشَف ْق َن (‪ )2‬منه إشفاًقا‬
‫ووجاًل ‪ ،‬وقلن‪ :‬رَّبنا إن أمرتنا فسمًعا وطاعًة‪ ،‬وإن َخ َّيْر َتَنا فعافيتك ُنريد‪ ،‬ال َنْبغي بها بَد اًل ‪ .‬وحَم َلُه‬
‫ِح‬ ‫ِفِه‬
‫اإلنساُن على َض ْع وعجِز ه عن حمله‪ ،‬وَناَء (‪ )3‬به على ُظلمه وجهله‪ ،‬فألقى أكثُر الَّناِس ال ْم َل‬
‫عن ظهورهم لشَّدة مؤَنِتِه عليهم وثقله‪ ،‬فصحبوا الدنيا صحبَة األنعام الَّس ائمة‪ ،‬ال ينظرون في‬
‫معرفة ُموجِد هم وحِّق ِه عليهم‪ ،‬وال في المراد من إيجادهم وإخراجهم إلى هذه الَّدار‪ ،‬التي هي‬
‫طريق وَمْع بر إلى دار القرار‪ ،‬وال َيَتفَّك ُر ون في قَّلة مقامهم في الدنيا الفانية‪ ،‬وُس رعة رحيلهم إلى‬
‫اآلخرة الباقية‪ ،‬فقد ملكهم باعُث الِح ِّس (‪ ، )4‬وغاب عنهم داعي العقل‪ ،‬وشملتهم الغفلة‪،‬‬
‫وغَّر تهم األمانُّي الباطلة‪ ،‬والُخَد ع الكاذبة‪ ،‬فخَدَعهم طوُل األمل‪ ،‬وَر اَن على قلوبهم سوُء العمل‪،‬‬
‫َفِه َمُم ُه م (‪ )5‬في لَّذ ات الدنيا‪ ،‬وشهوات النفوس‪ ،‬كيف َحَص َلْت حَّص لوها‪ ،‬ومن أِّي وجٍه الحت‬
‫لهم (‪ )6‬أخذوها‪ ،‬إذا أبدى لهم حٌّظ من الدنيا ناِج َذ ْيه طاروا إليه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "هـ"‪ُ" :‬عِر َض حمله على‪." . . .‬‬
‫(‪ )2‬وقع في "ب"‪ ،‬وفي نسخٍة على حاشية "أ" واْس تْع فعْين"‪ ،‬وجاء في "د" "واستعفين وأشفقن‬
‫منه" بالجمع بينهما‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ج‪ ،‬هـ" "وباء"‪ ،‬وُضِرَب عليها في "د"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في "أ‪ ،‬ج‪ ،‬هـ"‪" :‬الِج ِّن "‪.‬‬
‫(‪ )5‬في "ب‪ ،‬هـ"‪" :‬فَه ُّم ُه م"‪.‬‬
‫(‪ )6‬ليس في "أ‪ ،‬هـ"‪.‬‬

‫(‪)1/7‬‬

‫ُز َر افاٍت (‪ )1‬ووحداًنا‪ ،‬وإذا َعرض لهم عرٌض (‪ )2‬عاجٌل من الدنيا لم يؤثروا عليه ثواًبا من الَّله‬
‫وال رضواًنا‪َ{ :‬يْع َلُم وَن َظاِه ًر ا ِم َن اْلَحَياِة الُّد ْنَيا َو ُه ْم َعِن اآْل ِخ َر ِة ُه ْم َغاِفُلوَن (‪[ } )7‬الروم‪،]7 :‬‬
‫{َنُس وا الَّلَه َفَأْنَس اُه ْم َأْنُفَس ُه ْم ُأوَلِئَك ُه ُم اْلَف اِس ُقوَن (‪[ } )19‬الحشر‪.]19 :‬‬
‫والَعجُب كُّل العجب ِم ْن غفلة َمْن لحظاُته معدودٌة عليه‪ ،‬وكل َنَف ٍس من أنفاسه ال قيمة له‪ ،‬وإذا‬
‫ذهب لم يرجع إليه‪ ،‬فَم َطايا الليِل والَّنهار ُتسِرُع به‪ ،‬وال يَتَف َّك ُر إلى أين ُيْح مل‪ ،‬ويساُر به أعظم من‬
‫سير الَبِر ْيِد ‪ ،‬وال يدري إلى أِّي الَّدارين ُينقل‪ ،‬فإذا َنَز َل به الموُت اشتَّد قلُقُه لخراب ذاِتِه‪ ،‬وذهاب‬
‫لَّذ اِتِه‪ ،‬ال ِلَم ا سبَق من جَناياِتِه‪ ،‬وسَلَف ِم ْن َتْف ِر ْيِطِه‪ ،‬حيُث لم ُيَق ِّدم لحياته‪ ،‬فإن خطرْت له خَطرٌة‬
‫عارضٌة ِلَم ا ُخ ِلَق له‪َ ،‬دَفَع ها باعتماده على العفو‪ ،‬وقال‪ :‬قد أنبأنا الَّله (‪ )3‬أَّنه هو الغفور الرحيم‪،‬‬
‫وكأَّنه لم ُيَنَّبأ‪ :‬أَّن عذابه هو العذاُب األليم‪.‬‬
‫فصل‬
‫ِف‬
‫ولَّم ا علم الُمَو َّفقون ما ُخ لقوا له‪ِ ،‬و ما أريَد بإيجادهم‪ ،‬رفعوا رؤوسهم‪ ،‬فإذا َعَلم الجنة قد ُر َع‬
‫لهم‪ ،‬فَش َّم روا إليه‪ ،‬وإذا صراُطها المستقيم قد َو َض َح لهم‪ ،‬فاستقاموا عليه‪ ،‬ورأوا من أعظِم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬وقع في "هـ" "ُز ُمًر ا"‪.‬‬
‫والزرافات‪ :‬الجماعات‪ ،‬والزرافة ‪-‬بالفتح‪ :-‬الجمع من الناس‪ ،‬انظر الصحاح (‪.)1048 /2‬‬
‫(‪ )2‬ليس في "هـ"‪.‬‬
‫(‪ )3‬من "أ‪ ،‬هـ"‪.‬‬

‫(‪)1/8‬‬

‫الَغْبِن (‪ )1‬بيُع ما ال عيٌن رأت‪ ،‬وال أذٌن سمعت‪ ،‬وال خطَر على قلب بشر‪ ،‬في أبٍد ال يزول‪ ،‬وال‬
‫ينفُذ = بُصَباَبة (‪ )2‬عيٍش ‪ ،‬إَّنما هو كأضغاث أحالم‪ ،‬أو كطيٍف (‪ )3‬زاَر في المَنام‪َ ،‬مشوٍب‬
‫بالُّنَغِص (‪ ، )4‬ممزوِج بالُغَص ِص (‪ ، )5‬إْن أضحك قلياًل أبكى كثيًر ا‪ ،‬وإن َس َّر يوًما أحزَن شهوًر ا‪،‬‬
‫آالُمُه تزيُد على لَّذ اِتِه‪ ،‬وأحزانه أضعاُف أضعاف َم َس َّر اِتِه‪ ،‬أوله مَخ اوف‪ ،‬وآخُر ُه َم َتاِلف‪.‬‬
‫فَيا َعجًبا من سفيٍه في صورة حكيم (‪ ، )6‬ومعتوٍه في ِم ْس اَل خ (‪ )7‬عاقٍل ‪ ،‬آثر (‪ )8‬الحظ الفاني‬
‫الخسيس‪ ،‬على الحِّظ الباقي النفيس‪ ،‬وباع جَّنًة عرضها السموات واألرض؛ بسجٍن ضِّيٍق بين‬
‫أرباب العاهات (‪ ، )9‬ومساكن طِّيبًة في جَّنات عدن تجري من تحتها األنهاَر ‪ ،‬بأْع َطاٍن (‪)10‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الغبن‪ :‬النقص‪ ،‬الصحاح (‪.)1589 /2‬‬
‫(‪ )2‬الُّص بابة‪ :‬البقَّية من الماِء في اإلناء‪ ،‬الصحاح (‪ ،)176 /1‬والمعنى‪ :‬بحياٍة قصيرة‪.‬‬
‫(‪ )3‬الطائف‪ :‬ما كان كالخيال‪ ،‬يلُّم بالشخص‪ .‬المعجم الوسيط ص (‪.)598‬‬
‫(‪ )4‬النغص‪ :‬الكدر‪ ،‬الصحاح (‪.)830 /1‬‬
‫(‪ )5‬الُغَصَص ‪ :‬ما اعترض في الَح ْلق من شجى أو طعام أو شراب‪ .‬الصحاح (‪ ،)821 /1‬والمعجم‬
‫الوسيط ص (‪.)686‬‬
‫(‪ )6‬في "هـ"‪" :‬حليم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المْس الخ‪ :‬اإلهاب‪ ،‬أي‪ :‬الجلد‪ ،‬الصحاح (‪ ،)370 /1‬والمعجم الوسيط ص (‪.)468‬‬
‫(‪ )8‬في "ب" "ءآثر" باالستفهام‪ ،‬وهو محتمل‪ ،‬والمثبت أقرب‪.‬‬
‫(‪ )9‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ" ونسخة على حاشية "أ" "العاهات والبليات"‪.‬‬
‫(‪ )10‬األعطان جمع َعَطن‪ ،‬وهو مبارك اإلبل عند الماء لتشرب َعَلاًل بعد َنَه ٍل ‪= .‬‬

‫(‪)1/9‬‬

‫ضيقة آخرها الخراُب والبوار‪ ،‬وأبكاًر ا ُعُر ًبا َأْتَر اًبا‪ ،‬كأَّنهَّن الياقوُت والمرجان؛ ِبَق ذراٍت َدِنَس ات‬
‫سيئات األخالق مسافحات‪ ،‬أو متخذات أْخَد اٍن (‪ ، )1‬وُحْو ًر ا مقصورات في الخيام؛ بخبيثات‬
‫ِس يئاٍت (‪ )2‬بين األناِم (‪ ، )3‬وأنها ا من خمٍر لَّذ ٍة للشاربين؛ بشراٍب َنجس ذهٍب للعقل فسٍد‬
‫ُم‬ ‫ُم‬ ‫ًر‬ ‫ُم‬
‫للدنيا والِّدين‪ ،‬ولَّذ ة النظر إلى وجه العزيز الرحيم؛ بالتمتع برؤية الوجِه القبيح الدميم‪ ،‬وسماَع‬
‫الخطاب من الرحمن؛ بسماع المعازف والغناء واأللحان‪ ،‬والجلوس على منابر اللؤلؤ والياقوت‬
‫والزبرجد يوم الَم زيد؛ بالجلوس في مجالس الفسوق مع كل شيطاٍن مريٍد ‪ ،‬ونداَء (‪ )4‬المنادي يا‬
‫أهل الجَّنة‪" :‬إَّن لكم أن تنعموا فال تبأسوا (‪ ، )5‬وتحيوا فال تموتوا‪ ،‬وتقيموا فال تظعنوا‪ ،‬وتشُّبوا‬
‫فال تهرموا" (‪ )6‬؛ بغناِء الُم َغِّنين‪:‬‬
‫ِل‬
‫وَقَف الَه َو ى ِبي َحْيُث َأْنِت َفَلْيَس ي ‪ُ ...‬مَتَأخٌر َعْنُه واَل ُمَتَق َّد ُم‬
‫َأِج ُد الَم الَمَة في َه َو اِك لذيذة ‪ُ ...‬ح ًّبا ِلِذ ْك ِر ِك ‪َ ،‬فْلَيُلْم ِني الُّلَّو ُم (‪)7‬‬
‫__________‬
‫= الصحاح (‪.)1584 /2‬‬
‫(‪ )1‬أخدان جمع ِخ ْد ن‪ ،‬والخدين‪ :‬الَّص ديق‪ .‬الصحاح (‪.)1549 /2‬‬
‫(‪ )2‬في "د" ونسخٍة على حاشية "أ" "ُمَس َّيَباٍت "‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "د" ونسخٍة على حاشية "أ" "األنعام"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في "هـ" "وقد نادى" بدل "ونداء"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في "ج"‪" :‬تيأسوا"‪ ،‬والمثبت أولى لموافقته لما في صحيح مسلم‪.‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه مسلم في صحيحه رقم (‪.)2837‬‬
‫(‪ )7‬انظر ديوان أبي الشيص الخزاعي ص (‪.)102 - 101‬‬

‫(‪)1/10‬‬

‫وإَّنما يظهُر الَغْبُن الفاحُش في هذا البيِع يوَم القيامة‪ ،‬وإَّنما يتبيُن َس َف ُه باِئِعِه يوم الحسرِة والندامة‪،‬‬
‫إذا ُح ِش َر المتقون إلى الرحمن وفًد ا‪ ،‬وسيَق المجرمون إلى جهَّنم ِو ْر ًدا‪ ،‬ونادى الُم نادي على‬
‫رؤوس األشهاد‪ ،‬ليعلمَّن أهُل الموقِف من أولى بالكرِم من بين العباِد ‪ ،‬فلو توهم المتخلف عن هذه‬
‫الرفقة ما ُأِع َّد لهم من اإلكرام‪ ،‬واُّدخَر لهم من الفضل واإلنعام‪ ،‬وما ُأْخ ِف َي لهم من ُقَّر ة أعين‪ ،‬لم‬
‫يقْع على مثلها بصر‪ ،‬وال سمعته أذن‪ ،‬وال خطَر على قلب بشر = َلَعِلَم أَّي بضاعة أضاع‪ ،‬وأَّنه ال‬
‫خيَر له في حياته‪ ،‬وهو معدوٌد من َس َق ِط المتاِع ‪ ،‬وعلَم أَّن القوَم قد توَّس طوا ُمْلًك ا كبيًر ا‪ ،‬ال تعتريه‬
‫اآلفات‪ ،‬وال يلَح قه الزوال‪ ،‬وفازوا بالَّنعيِم الُم قيِم في جوار الكبير الُم َتَعاِل ‪.‬‬
‫فُه ْم في روضاِت الجَّنات يتقلبون‪ ،‬وعلى َأِس َّر تَه ا تحت الِح َج اِل يجلسون‪ ،‬وعلى الُف رِش ‪-‬التي‬
‫ٍق‬
‫بطائنها من استبر ‪ -‬يَّتكئون‪ ،‬وبالحور العين يتمتعون‪ ،‬وبأنواع الثمار يتفكهون‪َ{ ،‬يُطوُف َعَلْيِه ْم‬
‫ِو ْلَد اٌن ُمَخ َّلُد وَن (‪ِ )17‬بَأْك َو اٍب َو َأَباِر يَق َو َك ْأٍس ِم ْن َم ِعيٍن (‪ )18‬اَل ُيَص َّد ُعوَن َعْنَه ا َو اَل ُيْنِز ُفوَن (‬
‫‪َ )19‬و َفاِكَه ٍة ِم َّم ا َيَتَخ َّيُر وَن (‪َ )20‬و َلْح ِم َطْيٍر ِم َّم ا َيْش َتُه وَن (‪َ )21‬و ُح وٌر ِع يٌن (‪َ )22‬ك َأْم َثاِل الُّلْؤ ُلِؤ‬
‫اْل ْك ُنوِن (‪ )23‬ا ِب ا َك اُنوا ُلوَن (‪[ } )24‬الواقعة‪َ { ،]24 - 17 :‬طاُف َعَل ِه ِبِص اٍف‬
‫ْي ْم َح‬ ‫ُي‬ ‫َيْع َم‬ ‫َجَز ًء َم‬ ‫َم‬
‫ِم ْن َذَه ٍب َو َأْك َو اٍب َو ِفيَه ا َما َتْش َتِه يِه (‪ )1‬اَأْلْنُف ُس َو َتَلُّذ اَأْلْع ُيُن َو َأْنُتْم ِفيَه ا َخ ا ُد وَن } [الزخرف‪:‬‬
‫ِل‬
‫‪ .]71‬تاِهلل‪ ،‬لقد ُنودَي عليها في سوِق الَك ساِد ‪ ،‬فما قَّلَب وال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬كذا في جميع النسخ‪ ،‬وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وخلف ويعقوب وحمزة والكسائي‪،‬‬
‫وقرأ باقي العشرة "تشتهيه"‪.‬‬
‫انظر "النشر في القراءات العشر" البن الجزري ص (‪.)276‬‬

‫(‪)1/11‬‬
‫استام إاَّل أفراٌد من العباد‪ ،‬فواعجًبا لها كيَف ناَم طالُبها؟ وكيف لم يسمح بمهرها خاطُبها؟ وكيف‬
‫طاَب العيش في هذه الَّدار بعد سماِع أخبارها؟ وكيف قَّر للمشتاق الَق رار‪ ،‬دون ُمعانقة أبكارها؟‬
‫وكيف قَّرْت دونها أعيُن الُم شتاقين؟ وكيف َصَبرْت عنها أنفس الموقنين؟ وكيف َص َد َفْت عنها‬
‫قلوب أكثر العالمين؟ وبأِّي شيٍء تعَّو َضْت عنها نفوس الُم ْع رِض يَن ؟‬
‫ِس‬
‫َو َم ا ذاك إاَّل غيرًة أْن َيَنالها ‪َ ...‬و ى كفئها‪ ،‬والَّر ُّب بالخلق أعَلُم‬
‫ِل‬ ‫ٍة‬ ‫ِج‬
‫وإْن ُح َبْت عَّنا بكِّل كريه ‪ ...‬وُح َّف ت بما يؤذي النفوس وُيْؤ ُم‬
‫ِف ٍت‬ ‫ٍة‬ ‫َّلِه‬
‫فل ما في حشوها من َمسَّر ‪ ...‬وأصنا لَّذ ا بها ُيَتَنَّعُم‬
‫َّل‬
‫ول ه برُد العيِش بيَن خيامها ‪ ...‬وروضاتها‪ ،‬والثغُر في الروُض (‪َ )1‬يبسُم‬
‫ولَّله واديها اَّلذي هو موعُد الـ ‪ ...‬مزيد ِلَو ْفِد الُح ِّب ‪ ،‬لو ُك ْنَت ِم ْنُه م‬
‫ِح‬
‫بذَّيالك الوادي يهيُم صبابة ‪ُ ...‬م ٌّب يَر ى أَّن الصبابَة مغنُم‬
‫ِط‬ ‫َّل‬
‫ول ه أفراُح الُم حبين عندما ‪ُ ...‬يَخ ا ُبهم من فوقهم‪ ،‬وُيَس ِّلُم‬
‫ولَّله أبصاٌر ترى الَّله جهرًة ‪ ...‬فال الضيُم يغشاها‪ ،‬وال هي تسأُم‬
‫ِم ِد‬ ‫ِه‬
‫فيا نظرًة َأْه َدْت إلى الوج َنْض َر ًة ‪َ ...‬أ ْن بع ها َيسلو المحُّب الُم تَّيُم‬
‫ٍة‬ ‫َّل‬
‫ول ه كم من َخ ْيَر إْن َتَبَّس مْت ‪ ...‬أضاء لها نوٌر من الفجر أعظُم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في نسخٍة على حاشية "أ" "الَّثغر"‪ ،‬وفي "هـ" "مبسم" بدل "يبسم"‪.‬‬

‫(‪)1/12‬‬

‫َّل‬
‫فيا لَّذ َة األبصار إْن هي أقبلْت ‪ ...‬ويا لَّذ ة األسماع حين تك ُم‬
‫ويا خْج َلَة الغصن (‪ )1‬الرطيب إذا انـ ‪ ...‬ــثنْت ويا خجلة الفجرين (‪ )2‬حين َتَبَّس ُم‬
‫فإن كنت ذا قلٍب عليل (‪ )3‬بحبها ‪ ...‬فلم َيْبَق إاَّل وصُلها لك َمْر َه ُم‬
‫ِد‬ ‫ِم‬
‫وال سَّيما في َلْث ها عند ضمها ‪ ...‬وقد صاَر منها تحت جي َك معصُم‬
‫تراه إذا أبدْت لُه ُح ْسَن وجِه ها ‪ ...‬يَلُّذ به قبل الوصال‪ ،‬وَينَعُم‬
‫تفَّك ُه فيها العيُن عند (‪ )4‬اجتالئها ‪ ...‬فواكه شَّتى‪ ،‬طلُعها ليس ُيْع َد ُم‬
‫ٍن‬ ‫ٍة‬ ‫ِم‬
‫عناقيَد من كر ‪ ،‬وتفاَح جَّن ‪ ...‬ورَّماَن أغصا به (‪ )5‬القلُب مغرُم‬
‫ِل‬
‫و لَو رد ما قد ألَبَس ْتُه ُخ دوُدَه ا ‪ ...‬وللخمر ما قد ضَّم ُه الِّر يُق والفُم‬
‫ٍد‬ ‫ٍد‬
‫تقَّس م منها الحسُن في جمٍع واح ‪َ ...‬فيا عجًبا من واح يتقَّس ُم‬
‫ِت‬ ‫ِف‬
‫لها َر ٌق شَّتى من الُح سن ُأجِم َعْت ‪ ...‬بُج مَل َه ا‪ ،‬إَّن الُّس لَّو ُمَح َّر ُم‬
‫ُتَذ ِّك ُر بالَّر حمن َمْن ُه َو ناظٌر ‪ ...‬فينطُق بالَّتسبيِح ال يتلعثُم‬
‫إذا َقاَبَلْت جيَش الُه موم بوجهها ‪ ...‬توَّلى على أعقابه الجيُش ُيْه َزُم‬
‫فيا خاِط َب الحسناء إْن ُك ْنَت باغًيا ‪ ...‬فهذا زماُن الَم هر فهو الُم َق َّدم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "أ‪ ،‬هـ"‪" :‬الغض"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "أ‪ ،‬ج‪ ،‬د"‪" :‬البحرين"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في نسخٍة على حاشية "أ" "عليك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في "هـ"‪" :‬قبل"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في "ب"‪" :‬بها"‪.‬‬

‫(‪)1/13‬‬

‫ِن‬
‫وكن ُمبغًض ا للخائنات لحِّبها ‪ ...‬فتحظى بها من ُدو هَّن َو َتْنَعُم‬
‫ِت ٍن‬
‫وكْن أِّيًم ا مَّم ن (‪ )1‬سواها فإَّنها ‪ ...‬لمثلَك في جَّنا َعْد تأَّيُم‬
‫ٍد‬
‫وُصْم يوَمَك األدنى لعَّلك في غ ‪ ...‬تفوُز بعيد الفطر‪ ،‬والَّناُس ُصَّو ُم‬
‫ِد‬ ‫ِت‬
‫وأقدْم وال تقنْع بعيٍش ُمَنَّغٍص ‪ ...‬فما فاز باَّللذا من ليس ُيق ُم‬
‫وإْن ضاقت الدنيا عَليك بأسرها ‪ ...‬ولم يُك فيها َم ْنِزٌل لك ُيْع َلُم‬
‫ِت ٍن‬
‫فحَّي على جَّنا عد فإَّنها ‪ ...‬منازُلك األولى وفيها الُم خَّيُم‬
‫ولكَّننا َس ْبُي العدِّو فهل ترى ‪َ ...‬نعوُد إلى أوطاننا ونسلُم‬
‫ِه‬
‫وقد زعموا أَّن الغريَب إذا نأى ‪ ...‬وشَّطْت ب أوطاُنُه فْه َو ُمغَر ُم‬
‫ِت‬ ‫ٍب‬
‫وأُّي اغترا فوَق ُغربتنا التي ‪ ...‬لها َأْض َح األعداُء فينا َتَح َّك ُم‬
‫ِح‬ ‫ِق َّل‬
‫وحَّي على السو ا ذي فيه يلتقي الـ ‪ُ ...‬م ُّبوَن ذاك الُّس وق للقوم ُمعلُم‬
‫فما شئت خْذ منه بال ثمٍن له ‪ ...‬فقد أسَلَف الُّتجاُر فيه وأسلموا‬
‫ِس‬ ‫َّل‬ ‫ِم‬
‫وحَّي على يو المزيد ا ذي به ‪ ...‬زيارُة رِّب العرِش ‪ ،‬فاليوم َم و ُم‬
‫ِم ِك‬ ‫ِم‬ ‫ٍد‬
‫وحَّي على وا هنالَك َأْفَيٍح (‪ ... )2‬وُتربتُه ْن أْذَفِر ال ْس َأْع َظُم‬
‫ِع‬ ‫ٍة‬
‫منابُر من نوٍر هناَك وفض ‪ ...‬ومن خالِص ال ْق يان (‪ )3‬ال يتقَّصُم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "أ"‪" :‬مَّم ا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬األفيح‪ :‬الواسع‪ .‬الصحاح (‪ .)348 /1‬وأيًض ا‪ :‬فاح المسك فيًح ا‪.‬‬
‫(‪ )3‬العقيان‪ :‬ذهب متكاثف في مناجمه‪ ،‬خالص مَّم ا يختلط به من الِّر مال والحجارة‪= .‬‬

‫(‪)1/14‬‬

‫وكثباُن مسٍك قد ُج ِعْلَن مقاعًد ا ‪ِ ...‬لَمْن دوَن أصحاِب المنابر ُتعلم‬


‫ِش‬
‫فبينا هُم في عي هم وسرورهم ‪ ...‬وأرزاُقُه م تجري عليهم وُتْق َسُم‬
‫إذا هْم بنوٍر ساطٍع أْش َر َقْت له ‪ ...‬بأقطارها الجَّناُت ال ُيَتَو َّه ُم‬
‫َّل‬
‫َتَج ى َلُه ْم رُّب السماوات جْه َر ًة ‪ ...‬فيضَح ُك فوَق العرِش ُثَّم ُيَك ِّلُم‬
‫َس اَل ٌم عليكم يسمعون جميُعُه م ‪ ...‬بآذانهم َتْس ليَم ه إْذ ُيَس ِّلُم‬
‫يقوُل َس لوني ما اْش َتَهْيُتْم َفُك ُّل ما ‪ُ ...‬تريدوَن عندي‪ ،‬إَّنني أنا أْرَح ُم‬
‫َّل‬
‫فقالوا جميًعا‪ :‬نحُن نْس أُلَك الرضا ‪ ...‬فأْنَت ا ذي تولي الجميَل وترحُم‬
‫فيعطيهم هذا‪ ،‬وُيشِه ُد جمعهم ‪ ...‬عليه‪ ،‬تعالى الَّلُه‪ ،‬فالَّلُه أكرُم‬
‫فيا بائًعا هذا ببخٍس ُمَعَّج ٍل ‪ ...‬كأَّنك ال َتدري‪ ،‬بلى سوَف َتْع َلُم‬
‫فإْن ُك ْنَت اَل تدري فتلَك مصيبٌة ‪ ...‬وإْن كنْت َتْد ري فالمصيبة أعظُم (‪)1‬‬
‫فصل‬
‫وهذا كتاٌب اجتهدُت في جمعه وترتيبه وتفصيله وتبويبه‪ ،‬فهو للَم ْح زوِن َس ْلَو ٌة‪ ،‬وللمشتاق إلى‬
‫تلك العرائِس َج لوة‪ ،‬محِّر ٌك للقلوب إلى أجِّل مطلوٍب ‪ ،‬وحاٍد للنفوس إلى ُمجاورة الملك‬
‫القدوس‪ ،‬ممتٌع‬
‫__________‬
‫= المعجم الوسيط ص (‪ .)648‬والصحاح (‪.)1767 /2‬‬
‫(‪ )1‬هذه األبيات قطعة من "القصيدة الميمَّية" للمؤلف‪ ،‬وقد ذكر قطعة كبيرة منها في "طريق‬
‫الهجرتين" (ص‪ ،)55 - 51 /‬وُقرئت على المؤلف كما في ذيل طبقات الحنابلة البن رجب‬
‫الحنبلي (‪.)452 - 451 /2‬‬
‫(‪)1/15‬‬

‫لقارئه‪ ،‬مشِّو ٌق للناظر فيه‪ ،‬ال َيسأُمه الجليُس ‪ ،‬وال َيمُّله األنيس‪ُ ،‬مشَتِم ٌل من بدائع الفوائد‪ ،‬وفرائد‬
‫القالئد‪ ،‬على ما لعَّل المجتهد في الطلب ال يْظَف ُر به فيما سواُه من الكتب‪ ،‬مع تضُّم نه لجملة‬
‫كثيرٍة من األحاديث المرفوعات‪ ،‬واآلثار الموقوفات‪ ،‬واألسراُر المودعة في كثيٍر من اآليات‪،‬‬
‫والنكت البديعات‪ ،‬وإيضاح كثيٍر من المشكالِت ‪ ،‬والتنبيه على أصول من األسماء والصفات‪.‬‬
‫إذا نظر فيه الَّناظر زاده إيماًنا‪ ،‬وجلى عليه الجَّنة حتى كأَّنه يشاهدها عياًنا‪ ،‬فهو مثيُر ساكن‬
‫العزمات إلى روضات الجَّنات‪ ،‬وباعث الهمم العليات إلى العيش الهنِّي في تلك الغرفات‪.‬‬
‫َّل‬
‫وسميته "حادي األرواح إلى بالد األفراح" فإَّنه اسٌم يطابق مسَّم اُه‪ ،‬ولفٌظ يوافق معناه‪ ،‬وال ه يعلُم‬
‫ما قصدُت ‪ ،‬وما بجمعه وتأليفِه أردُت ‪ ،‬فهو عند لسان كل عبٍد وقلبه‪ ،‬وهو المطِلُع على نيته‬
‫وكسبِه‪ ،‬وكان ُج ُّل المقصود منه بشارة أهِل السَّنِة بما أعَّد الَّلُه لهم في الجَّنة؛ فإَّنهم المستحقون‬
‫للُبشرى في الحياة الدنيا وفي اآلخرة‪ ،‬وِنَعُم الَّلِه عليهم باطنة وظاهرة‪ ،‬وهم أولياء الرسول‬
‫وحزبه‪ ،‬ومن خَرَج عن ُس َّنته فهم أعداؤُه وحربه‪ ،‬ال تأخذهم في نصرة سنته مالمة اللَّو ام‪ ،‬وال‬
‫يتركون ما صَّح عنه لقول أحٍد من األنام‪ ،‬والُّس َّنُة أجُّل في صدروهم من أْن ُيَق ِّدموا عليها رأًيا‬
‫فقهًّيا‪ ،‬أو بحًثا جدلًّيا‪ ،‬أو خيااًل صوفًّيا‪ ،‬أو تناقًض ا كالمًّيا‪ ،‬أو قياًس ا فلسفًّيا‪ ،‬أو حكًم ا سياسًّيا‪ ،‬فمن‬
‫قَّدم عليها شيًئا من ذلك‪ ،‬فباُب الصواِب عليه مسدوٌد‪ ،‬وهو عن طريق الرشاد مصدود‪.‬‬
‫فيا أُّيها الَّناظُر فيه لك ُغْنمه‪ ،‬وعلى مؤلفه ُغْر ُمُه‪ ،‬ولك َص ْف ُو ُه‪،‬‬

‫(‪)1/16‬‬

‫وعليه َك َد ُر ه‪ ،‬وهذه بضاعته الُم ْز َج اة ُتعَر ُض عليك‪ ،‬وَبَناُت أفكاِر ِه ُتَز ُّف إليك‪ ،‬فإْن صادفت كفًؤ ا‬
‫كريًم ا لن تعدم منه إمساًك ا بمعروٍف أو تسريًح ا بإحساٍن ‪ ،‬وإْن كان غيَر ه فالَّله المستعان‪ ،‬فما كان‬
‫من صواب فمن الواحد المَّناِن ‪ ،‬وما كان من خطٍأ فمِّني ومن الشيطان‪ ،‬والَّلُه برٌي منه ورسوله‪.‬‬
‫وقد قَّس مُت الكتاب سبعين باًبا‪.‬‬
‫الباب األَّو ل‪ :‬في بيان وجود الجَّنة اآلن‪.‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬في اختالف الَّناس في الجَّنة التي أسكنها آدم‪ ،‬هل هي جنة الخلد أو جنة في‬
‫األرض؟‪.‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬في سياق حجج من ذهب إلى أَّنها جَّنُة الخلِد ‪.‬‬
‫الباب الَّر ابع‪ :‬في سياق حجج الطائفة التي قالت‪ :‬إَّنها (‪ )1‬في األرض‪.‬‬
‫الباب الخامس‪ :‬في جواب أرباب هذا القوِل لمن نازعهم‬
‫الباب السادس‪ :‬في جواب من زعَم أَّنها جَّنُة الخلِد عن حجج منازعيهم‪.‬‬
‫الباب الَّس ابع‪ :‬في ذكر شبه من زعَم أَّن الجَّنَة لم تخلق بعد‪.‬‬
‫الباب الثامن‪ :‬في الجواب عَّم ا احتجوا به من الشبه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "هـ"‪" :‬إَّنها جَّنٌة في األرِض "‪.‬‬

‫(‪)1/17‬‬

‫الباب التاسع‪ :‬في ذكر عدد أبواب الجَّنة‪.‬‬


‫الباب العاشر‪ :‬في ذكر سعة أبوابها‪.‬‬
‫الباب الحادي عشر‪ :‬في صفة أبوابها‪.‬‬
‫الباب الثاني عشر‪ :‬في ذكر مسافة ما بين الباب والباب‪.‬‬
‫الباب الثالث عشر‪ :‬في مكان الجَّنة‪ ،‬وأين هي؟‪.‬‬
‫الباب الَّر ابع عشر‪ :‬في مفتاح الجَّنة‪.‬‬
‫الباب الخامس عشر‪ :‬في توقيع الجَّنة ومنشورها اَّلذي يكتب ألهلها‪.‬‬
‫الباب السادس عشر‪ :‬في بيان توحد طريق الجَّنة‪ ،‬وأَّنُه ليس لها إاَّل طريٌق واحد‪.‬‬
‫الباب السابع عشر‪ :‬في درجات الجَّنة‪.‬‬
‫الباب الثامن عشر‪ :‬في ذكر أعلى درجاتها‪ ،‬واسم تلك الدرجة‪.‬‬
‫الباب التاسع عشر‪ :‬في عرض الرب تعالى سلعته على عباده وثمنها اَّلذي طلبه منهم‪ ،‬وعقد‬
‫التبايع اَّلذي وقع بين المؤمنين وبين ربهم‪.‬‬
‫الباب العشرون‪ :‬في طلب الجَّنة أهلها من ربهم‪ ،‬وشفاعتها فيهم وطلبهم لها‪.‬‬
‫الباب الحادي والعشرون‪ :‬في أسماء الجَّنة ومعانيها واشتقاقها‪.‬‬
‫الباب الثاني والعشرون‪ :‬في عدد الجَّنات وأنواعها‪.‬‬
‫(‪)1/18‬‬

‫الباب الثالث والعشرون‪ :‬في خلق الرب تعالى لبعضها بيده‪.‬‬


‫الباب الَّر ابع والعشرون‪ :‬في ذكر بوابيها وخزنتها‪.‬‬
‫الباب الخامس والعشرون‪ :‬في ذكر أَّو ل من يقرع باب الجَّنة‪.‬‬
‫الباب السادس والعشرون‪ :‬في ذكر أَّو ل األمم دخواًل الجَّنة‪.‬‬
‫الباب الَّس ابع والعشرون‪ :‬في ذكر الَّس ابقين من هذه األمة إلى الجَّنة وصفتهم‪.‬‬
‫الباب الثامن والعشرون‪ :‬في سبق الفقراِء األغنياَء إلى الجَّنة‪.‬‬
‫الباب التاسع والعشرون‪ :‬في ذكر أصناف أهل الجَّنة التي ُضِّم نت لهم دون غيرهم‪.‬‬
‫الباب الثالثون‪ :‬في أَّن أكثر أهل الجَّنِة هم أَّمة محمد ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪.-‬‬
‫الباب الحادي والثالثون‪ :‬في أَّن النساء في الجَّنة والَّنار أكثر من الرجال‪.‬‬
‫الباب الثاني والثالثون‪ :‬في َمْن يدخل الجَّنة من هذه األمة بغير حساٍب ‪ ،‬وذكر أوصافهم‪.‬‬
‫الباب الثالث والثالثون‪ :‬في ذكر حثيات الرب عَّز وجل الذين يدخلهم الجَّنة‪.‬‬
‫الباب الَّر ابع والثالثون‪ :‬في ذكر تربة الجَّنة وطينها وحصبائها وبنائها (‪. )1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب" "ونباتها"‪.‬‬

‫(‪)1/19‬‬

‫الباب الخامس والثالثون‪ :‬في ذكر نورها وبياضها‪.‬‬


‫الباب السادس والثالثون‪ :‬في ذكر غرفها وقصورها ومقاصيرها وخيامها‪.‬‬
‫الباب السابع والثالثون‪ :‬في ذكر معرفتهم بمنازلهم ومساكنهم إذا دخلوا الجَّنة‪ ،‬وإْن (‪ )1‬لم‬
‫يروها قبل ذلك‪.‬‬
‫الباب الثامن والثالثون‪ :‬في كيفية دخولهم الجَّنة (‪ )2‬وما ُيستقبلون به عند دخولها‪.‬‬
‫الباب التاسع والثالثون‪ :‬في ذكر صفة أهل الجَّنة في َخ ْلقهم وُخ ُلِق ِه م وطولهم وعرضهم ومقادير‬
‫أسنانهم‪.‬‬
‫الباب األربعون‪ :‬في ذكر أعلى أهِل الجَّنة منزلًة وأدناهم‪.‬‬
‫الباب الحادي واألربعون‪ :‬في تحفة أهل الجَّنة أَّو ل ما يدخلونها‪.‬‬
‫الباب الثاني واألربعون‪ :‬في ذكر ريح الجَّنة‪ ،‬ومن مسيرة كم يوجد‪.‬‬
‫الباب الثالث واألربعون‪ :‬في األذان اَّلذي يؤذن به المؤذن فيها‪.‬‬
‫الباب الَّر ابع واألربعون‪ :‬في أشجار الجَّنة وبساتينها وظاللها‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ليس في "هـ"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "هـ"‪" :‬إلى الجَّنة"‪.‬‬

‫(‪)1/20‬‬

‫الباب الخامس واألربعون‪ :‬في ذكر ثمارها وتعدد أنواعها وصفاتها‪.‬‬


‫الباب السادس واألربعون‪ :‬في ذكر الزرع في الجَّنة‪.‬‬
‫الباب الَّس ابع واألربعون‪ :‬في ذكر أنهار الجَّنة وعيونها وأصنافها ومجراها اَّلذي تجري عليه‪.‬‬
‫الباب الثامن واألربعون‪ :‬في ذكر طعام أهل الجَّنة وشرابهم ومصرفه‪.‬‬
‫الباب التاسع واألربعون‪ :‬في ذكر آنيتهم التي يأكلون ويشربون فيها وأجناسها وصفاتها‪.‬‬
‫الباب الخمسون‪ :‬في ذكر لباسهم وحليتهم وفرشهم وبسطهم وجنابذهم (‪ )1‬ونمارقهم وزرابيهم‬
‫(‪. )2‬‬
‫الباب الحادي والخمسون‪ :‬في ذكر خيامهم وسررهم وأرائكهم وبشخاناتهم‪.‬‬
‫الباب الثاني والخمسون‪ :‬في ذكر َخَد م أهل الجَّنة وغلمانهم‪.‬‬
‫الباب الثالث والخمسون‪ :‬في ذكر نساء أهل الجَّنة وسراريهم وأصنافهَّن وأوصافهَّن وجمالهَّن‬
‫الظاهر والباطن‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ليس في "د"‪ ،‬والجنابذ‪ :‬واحدها ُج ْنُبَذ ة‪ :‬وهو ما ارتفع من الشيء واستدار كالُقَّبة‪ .‬الصحاح‬
‫(‪.)469 /1‬‬
‫(‪ )2‬في "د‪ ،‬هـ"‪ :‬زيادة "ومناديلهم ووسائدهم"‪.‬‬

‫(‪)1/21‬‬
‫الباب الَّر ابع والخمسون‪ :‬في ذكر المادة التي خلق منها الحور العين‪ ،‬وذكر صفاتهَّن ومعرفتهَّن‬
‫اليوم بأزواجهَّن ‪.‬‬
‫الباب الخامس والخمسون‪ :‬في ذكر نكاح أهل الجَّنة ووطئهم والتذاذهم بذلك‪ ،‬ونزاهته عن‬
‫المذي والمني‪.‬‬
‫الباب السادس والخمسون‪ :‬في ذكر (‪ )1‬اختالف الَّناس‪ ،‬هل في الجَّنة حمٌل ووالدة أم ال؟‬
‫وحجة الفريقين‪.‬‬
‫الباب السابع والخمسون‪ :‬في ذكر سماع الجَّنة وغناء الحور العين‪.‬‬
‫الباب الثامن والخمسون‪ :‬في ذكر مطايا أهل الجَّنة وخيولهم ومراكبهم‪.‬‬
‫الباب الَّتاسع والخمسون‪ :‬في زيارة أهل الجَّنة بعضهم بعًض ا ومذاكرتهم ما كان بينهم في الدنيا‪.‬‬
‫الباب الستون‪ :‬في ذكر سوق الجَّنة وما أعَّد الَّلُه فيه ألهلها‪.‬‬
‫الباب الحادي والستون‪ :‬في زيارة أهل الجَّنة ربهم تبارك وتعالى‪.‬‬
‫الباب الثاني والستون‪ :‬في ذكر السحاب والمطر اَّلذي يصيبهم في الجَّنة‪.‬‬
‫الباب الثالث والستون‪ :‬في ذكر ُمْلك الجَّنة‪ ،‬وأَّن أهلها كلهم ملوك فيها‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من "ج"‪.‬‬

‫(‪)1/22‬‬

‫الباب الَّر ابع والستون‪ :‬في أَّن الجَّنة فوق ما يخطر بالبال أو يدور في الَخ َلد‪ ،‬وأَّن موضع سوط‬
‫منها خير من الدنيا وما فيها‪.‬‬
‫الباب الخامس والستون‪ :‬في رؤية أهل الجَّنة ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم جهرة كما ُيرى القمر‬
‫ليلة البدر‪ ،‬وتجليه لهم ضاحًك ا (‪. )1‬‬
‫الباب السادس والستون‪ :‬في تكليمه سبحانه ألهل الجَّنة وخطابه لهم ومحاضرته إَّياهم وسالمه‬
‫عليهم‪.‬‬
‫الباب السابع والستون‪ :‬في أبدية الجَّنة أَّنها ال تفنى وال تبيد‪.‬‬
‫الباب الثامن والستون‪ :‬في ذكر آخر أهل الجَّنة دخواًل إليها‪.‬‬
‫الباب التاسع والستون‪ :‬وهو باٌب جامع‪ ،‬فيه فصول منثورة‪.‬‬
‫الباب السبعون‪ :‬في المستحق لهذه البشارة دون غيره‪.‬‬
‫والَّلُه سبحانه المسؤول أن يجعله خالًص ا لوجهه الكريم‪ُ ،‬مْد نًيا لمؤلفه وقارئه وكاتبه من جَّنات‬
‫الَّنعيم‪ ،‬وأن يجعله ُح َّج ة له‪ ،‬وال يجعله حجة عليه‪ ،‬وأن ينفع به من انتهى إليه‪ ،‬إَّنه خيُر مسؤول‪،‬‬
‫وأكرم مأمول‪ ،‬وهو حسبنا ونعم الوكيل (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله "وتجليه لهم ضاحًك ا" ليس في "ج"‪.‬‬
‫(‪ )2‬من قوله "والَّله سبحانه وتعالى هو المسؤول" إلى "الوكيل" سقط من "ج"‪.‬‬

‫(‪)1/23‬‬

‫الباب األَّو ل‪ :‬في بياِن وجوِد الجَّنة اآلن‬


‫لم يزل أصحاب رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬والتابعون‪ ،‬وتابعوهم‪ ،‬وأهل السَّنة‬
‫والحديث قاطبة‪ ،‬وفقهاء اإلسالم‪ ،‬وأهل التصوف والزهِد على اعتقاد ذلك وإثباته؛ مستندين في‬
‫ذلك إلى نصوص الكتاِب والسَّنة‪ ،‬وما ُعِلَم بالضرورة من أخبار الُّر سل كلهم من أَّو لهم إلى‬
‫آخرهم‪ ،‬فإَّنهم دعوا األمم إليها‪ ،‬وأخبروا بها‪ .‬إلى أْن نبغت نابغة من القدرية (‪ )1‬والمعتزلة (‪)2‬‬
‫فأنكرت أْن تكون اآلن مخلوقة‪ ،‬وقالت‪ :‬بل الَّلُه ينشئها يوَم المعاد‪.‬‬
‫وَحَم َلهم على ذلك أصلهم الفاسد اَّلذي وضعوا به شريعًة ِلَم ا (‪ )3‬يفعله الَّله تعالى‪ ،‬وأَّنه ينبغي له‬
‫أْن يفعَل كذا‪ ،‬وال ينبغي له أْن يفعل كذا‪ ،‬وقاسوه على خلقه في أفعاله (‪ ،)4‬فهم ُمشِّبهة في‬
‫األفعاِل ‪ ،‬ودخل التجُّهم فيهم‪ ،‬فصاروا مع ذلك معطلة في الصفات‪ .‬وقالوا‪َ :‬خ ْلُق الجَّنة قبل‬
‫الجزاِء عبث‪ ،‬فإَّنها تصير معطلة ُمَدًد ا متطاولة ليس فيها سكانها‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬هم منكروا الَق َد ر‪.‬‬
‫(‪ )2‬فرقٌة ظهرت في عهد الحسن البصري‪ ،‬ثَّم تطورت عقائدهم‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "د"‪" :‬فيما"‪.‬‬
‫(‪ )4‬كذا في جميع النسخ‪ ،‬وجاء في "هـ" "أفعالهم" لكن ضرب عليها الَّناسخ وأثبت "أفعاله"‪.‬‬

‫(‪)1/24‬‬
‫وقالوا‪ :‬ومن المعلوم أَّن ملًك ا لو اتخذ داًر ا‪ ،‬وأعَّد فيها ألوان األطعمة واآلالت والمصالح‪،‬‬
‫وعَّطلها من الَّناِس ‪ ،‬ولم ُيَم ِّك نهم من دخولها قروًنا متطاولة = لم يكن ما َفَعَلُه واقًعا على وجه‬
‫الحكمة‪ ،‬ووجد العقالء سبياًل إلى االعتراض عليه‪.‬‬
‫فحجروا على الرِّب تبارك وتعالى بعقولهم الفاسدة‪ ،‬وآرائهم الباطلة وشَّبهوا أفعاله بأفعالهم‪،‬‬
‫وردوا من النصوص ما خالف هذه الَّش ريعة الباطلة التي وضعوها للرب‪ ،‬أو حَّر فوها عن مواضِعها‪،‬‬
‫وضَّللوا وبَّدعوا من خالفهم فيها‪ ،‬والتزموا فيها لوازم أضحكوا عليهم فيها العقالء‪.‬‬
‫ولهذا يذكر السلُف في عقائدهم‪ :‬أَّن الجَّنة والَّناَر مخلوقتان‪ ،‬ويذكر من صَّنف في المقاالت أَّن‬
‫هذه مقالة أهل السَّنة‪ ،‬والحديث قاطبة ال يختلفون فيها (‪. )1‬‬
‫قال اإلمام أبو الحسن األشعري في كتاب "مقاالت اإلسالميين‪ ،‬واختالف المصِّلين" (‪: )2‬‬
‫"ُج ملة ما عليه أصحاب الحديث وأهل السَّنة‪ :‬اإلقرار بالَّله ومالئكته وكتبه ورسله وما جاء من‬
‫عند الَّله‪ ،‬وما رواُه الثقات عن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬ال َيُر ُّدون من ذلك شيئا‪،‬‬
‫والَّله تعالى إلٌه واحٌد فرٌد صمد‪ ،‬لم يتخذ صاحبًة وال ولًد ا‪ ،‬وأَّن محمًد ا عبده ورسوله‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪" :‬شرح أصول اعتقاد أهل السَّنة" ِللاللكائي‪" ،)1184 /3( :‬والشريعة" لآلجري‪/3( :‬‬
‫‪ ،)1343‬و"الرسالة الوافية" للَّداني ص (‪.)195‬‬
‫(‪ )350 - 345 /1( )2‬ط‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد محيي الِّدين عبد الحميد‪.‬‬

‫(‪)1/25‬‬

‫وأَّن الجَّنة حٌّق‪ ،‬وأَّن الَّناَر حق‪ ،‬وأَّن الَّس اعة آتيٌة ال ريب فيها‪ ،‬وأَّن الَّله يبعث من في القبور‪.‬‬
‫وأَّن الَّلَه تعالى على عرشه‪ ،‬كما قال‪{ :‬الَّر ْح َمُن َعَلى اْلَعْر ِش اْس َتَو ى (‪[ } )5‬طه‪ ،]5 :‬وأَّن له‬
‫َيَد ْين بال كيف‪ ،‬كما قال‪َ{ :‬خ َلْق ُت ِبَيَد َّي } [ص‪ ،]75 :‬وكما قال‪َ{ :‬يَد اُه َمْبُس وَطَتاِن } [المائدة‪:‬‬
‫‪ ،]64‬وأَّن له عينين بال كيف‪ ،‬كما قال‪َ{ :‬تْج ِر ي ِبَأْع ُيِنَنا} [القمر‪ ،]14 :‬وأَّن له وجًه ا‪ ،‬كما قال‪:‬‬
‫{َو َيْبَق ى َو ْجُه َر ِّبَك ُذو اْلَج اَل ِل َو اِإْل ْك َر اِم (‪[ } )27‬الرحمن‪.]27 :‬‬
‫وأَّن أسماء الَّله تعالى ال يقال‪ :‬إَّنها غير الَّله‪ ،‬كما قالت المعتزلة والخوارج‪ ،‬وأقُّر وا أَّن لَّله ِع ْلًم ا‪،‬‬
‫كما قال‪َ{ :‬أْنَز َلُه ِبِعْلِم ِه} [النساء‪ ،]166 :‬وكما قال‪َ{ :‬و َم ا َتْح ِم ُل ِم ْن ُأْنَثى َو اَل َتَض ُع ِإاَّل ِبِعْلِم ِه}‬
‫[فاطر‪.]11 :‬‬
‫وأثبتوا الَّس مع والبصر‪ ،‬ولم ينفوا ذلك عن الَّله‪ ،‬كما َتْنفيه (‪ )1‬المعتزلة‪ ،‬وأثبتوا لَّله القَّو ة كما‬
‫قال‪َ{ :‬أَو َلْم َيَر ْو ا َأَّن الَّلَه اَّلِذ ي َخ َلَق ُه ْم ُه َو َأَش ُّد ِم ْنُه ْم ُقَّو ًة} [فصلت‪.]15 :‬‬
‫وقالوا‪ :‬إَّنه ال يكون في األرِض من خيٍر وال شر إاَّل ما شاء الَّله‪ ،‬وإَّن األشياء تكون بمشيئة الَّله‪،‬‬
‫كما قال تعالى‪َ{ :‬و َم ا َتَش اُءوَن ِإاَّل َأْن َيَش اَء الَّلُه} [اإلنسان‪ ،]30 :‬وكما قال المسلمون‪ :‬ما شاء‬
‫الَّله كان‪ ،‬وما لم يشأ ال يكون (‪. )2‬‬
‫وقالوا‪ :‬إَّن أحًد ا ال يستطيع أْن يفعل شيًئا قبل أْن يفعله‪ ،‬أو يكون‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ" "َنَف ْتُه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب‪ ،‬هـ" "وما لم يشأ لم يكن"‪ ،‬وفي المقاالت "وما ال يشأ ال يكون"‪.‬‬

‫(‪)1/26‬‬

‫أحد يقدر أْن يخرج عن علم الَّله‪ ،‬أو أْن يفعل شيًئا َعِلَم الَّلُه أَّنُه ال يفعله‪.‬‬
‫وَأَقُّر وا أَّنه ال خالَق إاَّل الَّله (‪ ، )1‬وأَّن أعمال العباد يخلقها الَّلُه‪ ،‬وأَّن العباد ال يقدرون أْن يخلقوا‬
‫شيًئا‪.‬‬
‫وأَّن الَّلَه تعالى وَّفق المؤمنين لطاعته‪ ،‬وخذل الكافرين‪ ،‬ولطف بالمؤمنين‪ ،‬ونظَر لهم‪ ،‬وأصلحهم‪،‬‬
‫وهداهم‪ ،‬ولم يلطْف بالكافرين‪ ،‬وال أصلحهم‪ ،‬وال هداهم‪ ،‬ولو أصلحهم لكانوا صالحين‪ ،‬ولو‬
‫هداهم لكانوا مهتدين‪.‬‬
‫وأَّن الَّلَه تعالى يقدر أْن يصلح الكافرين‪ ،‬ويلطف بهم حَّتى يكونوا مؤمنين‪ ،‬ولكَّنه أراد أْن يكونوا‬
‫كافرين كما علم‪ ،‬وخذلهم وأضَّلهم‪ ،‬وطبع على قلوبهم‪.‬‬
‫وأَّن الخيَر والَّش َّر بقضاء الَّله (‪ )2‬وقدره‪ ،‬ويؤمنون بقضاء الَّله وقدره خيره وشِّر ه‪ُ ،‬ح ْلوه وُمره‪،‬‬
‫ويؤمنون أَّنهم ال يملكون ألنفسهم نفًعا وال ضًّر ا إاَّل ما شاء الَّلُه‪ ،‬كما قال‪ ،‬ويلجئون أمرهم إلى‬
‫الَّله‪ ،‬ويثبتون الحاجة إلى الَّله في كِّل وقٍت ‪ ،‬والفقر إلى الَّلِه في كِّل حال‪.‬‬
‫ويقولون‪ :‬إَّن القرآن كالم الَّلُه غير مخلوق‪ ،‬والكالم في الوقف واَّللفظ من قال باَّللفظ أو‬
‫بالوقف فهو مبتدع عندهم‪ ،‬ال يقال‪ :‬اَّللفظ بالقرآن مخلوق‪ ،‬وال يقال‪ :‬غير مخلوق‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في المقاالت "وأَّن سيئات العباد يخلقها الَّله"‪ ،‬وهي ليست في جميع النسخ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب" "بقضائه" بداًل من "بقضاء الَّله"‪.‬‬

‫(‪)1/27‬‬

‫ويقولون‪ :‬إَّن الَّله تعالى ُيرى باألبصاِر يوَم القيامة‪ ،‬كما ُيرى القمُر ليلة البدر‪ ،‬ويراُه المؤمنون‪ ،‬وال‬
‫ِئٍذ‬
‫يراُه الكافرون؛ ألَّنهم عن الَّله تعالى محجوبون‪ ،‬قال الَّلُه تعالى‪َ{ :‬ك اَّل ِإَّنُه ْم َعْن َر ِّبِه ْم َيْو َم‬
‫َلَمْحُج وُبوَن (‪[ } )15‬المطففين‪ ،]15 :‬وأَّن موسى عليه الَّس الم سأل الَّلَه سبحانه وتعالى الرؤية‬
‫في الدنيا‪ ،‬وأَّن الَّلَه تعالى تجَّلى للجبِل فجعله دًّك ا‪ ،‬فأعلمه بذلك أَّنُه ال يراُه في الدنيا‪ ،‬بل يراُه في‬
‫اآلخرة‪.‬‬
‫وال يكِّف رون أحًد ا من أهل القبلة بذنٍب يرتكبه‪ ،‬كنحو‪ :‬الِّز َنى والَّس رقة‪ ،‬وما أشبه ذلك من‬
‫الكبائر‪ ،‬وهم بما معهم من اإليمان مؤمنون‪ ،‬وإْن ارتكبوا الكبائَر ‪.‬‬
‫واإليمان ‪-‬عندهم‪ -‬هو اإليمان بالَّله ومالئكته وكتبه ورسله‪ ،‬وبالقدر خيره وشِّر ه‪ ،‬حلوه وُمِّر ه‪،‬‬
‫وأَّن ما أخطأهم لم يكن ليصيبهم‪ ،‬وأَّن ما أصابهم لم يكن لُيخطئهم‪.‬‬
‫واإلسالم هو‪ :‬أْن يشهد أْن ال إله إاَّل الَّله‪[ ،‬وأَّن محمًد ا رسول الَّله] (‪ ، )1‬كما جاء في الحديث‪،‬‬
‫واإلسالم عندهم غير اإليمان‪.‬‬
‫وُيِق ُّر وَن بأَّن الَّلَه مقِّلب القلوب‪.‬‬
‫وُيِق ُّر ون بشفاعة رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬وأَّنها ألهل الكبائر من ُأَّمِتِه ‪ ،‬وبعذاب القبِر ‪،‬‬
‫وأَّن الحوَض حٌق ‪ ،‬والصراط حٌّق‪ ،‬والبعَث بعد الموِت حٌّق‪ ،‬والمحاسبة من الَّله للعباد حٌّق‪،‬‬
‫والوقوف بين يدي الَّله تعالى حٌّق‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ما بين المعقوفتين من "مقاالت اإلسالميين"‪.‬‬

‫(‪)1/28‬‬

‫ويقرون بأَّن اإليمان‪ :‬قوٌل وعمل‪ ،‬يزيد وينقص (‪ ، )1‬وال يقولون‪ :‬مخلوق‪ ،‬وال غير مخلوق‪.‬‬
‫ويقولون‪ :‬أسماُء الَّله هي الَّله تعالى‪.‬‬
‫وال يشهدون على أحٍد من أهل الكبائِر بالَّناِر ‪ ،‬وال َيْح ُك ُم ون بالجَّنة ألحٍد من الُمَو ِّح دين‪ ،‬حَّتى‬
‫َّل‬ ‫َّل‬
‫يكوَن ال ه تعالى نَّز لهم (‪ )2‬حيث شاء‪ ،‬ويقولون‪ :‬أمرهم إلى ال ه‪ ،‬إْن شاء عَّذ بهم‪ ،‬وإْن شاء غفَر‬
‫لهم‪ ،‬ويؤمنون بأَّن الَّلَه تعالى ُيخرج قوًم ا من الُمَو ِّح دين من الَّنار‪ ،‬على ما جاءت به الروايات عن‬
‫رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪.-‬‬
‫وينكرون الجَد َل والِم َر اء في الِّدين‪ ،‬والخصومة في الَق َد ِر ‪ ،‬والمناظرة فيما يتناظر فيه أهل الجدل‬
‫ويتنازعون فيه من دينهم‪ ،‬بالَّتسليم للروايات الصحيحة‪ ،‬وِلَم ا جاءت به اآلثار التي رواها الثقات‪،‬‬
‫َعْد اًل عن عدل‪ ،‬حَّتى ينتهي ذلك إلى رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬وال يقولون‪ :‬كيف؟‬
‫وال‪ِ :‬لَم ؛ ألَّن ذلك ِبْد َعة‪.‬‬
‫ويقولون‪ :‬إَّن الَّله تعالى لم يأمر بالَّش ِّر ‪ ،‬بل نهى عنه‪ ،‬وأمَر بالخيِر ‪ ،‬ولم َيْر َض بالَّش ِّر ‪ ،‬وإْن كان‬
‫مريًد ا له‪.‬‬
‫ويعرفون حَّق الَّس لف اَّلذين اختارهم الَّلُه تعالى لصحبة نبيه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬ويأخذون‬
‫بفضاِئلهم‪ ،‬وُيْم ِس ُك ون عَّم ا شجَر بينهم صغيرهم وكبيرهم‪ ،‬وُيَق ِّد ُمون أبا بكر‪ ،‬ثَّم عمر‪ ،‬ثَّم عثمان‪،‬‬
‫ثَّم علًّيا رضي الَّلُه عنه‪ ،‬وُيِق ُّر ون‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب"‪" :‬يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في المقاالت "ينزلهم"‪.‬‬

‫(‪)1/29‬‬

‫بأَّنهم الخلفاء الَّر اشدون المهديون‪ ،‬وأَّنهم أفضُل الَّناِس كِّلهم بعد رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪.-‬‬
‫وُيَص ِّدقون باألحاديث التي جاءت عن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" -‬إَّن الَّلَه ينزُل إلى‬
‫الَّس ماِء الدنيا فيقول‪ :‬هل من مستغفٍر ؟ " (‪ ، )1‬كما جاء في الحديث عن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله‬
‫عليه وسلم‪ ،-‬ويأخذون بالكتاب والسَّنة‪ ،‬كما قال تعالى‪َ{ :‬فِإ ْن َناَزْع ُت ِفي َش ٍء ُّدوُه ِإَلى الَّلِه‬
‫ْي َفُر‬ ‫َت ْم‬
‫َو الَّر ُس وِل } [النساء‪.]59 :‬‬
‫ويرون اتباع مْن سلف من أئمة الِّدين‪ ،‬وأْن ال يتبعون (‪ )2‬في دينهم ما لم يأذن به الَّله‪ ،‬وُيقرون‬
‫أَّن الَّله تعالى يجيء يوم القيامة‪ ،‬كما قال‪َ{ :‬و َج اَء َر ُّبَك َو اْلَم َلُك َص ًّف ا َص ًّف ا (‪[ } )22‬الفجر‪:‬‬
‫‪ ،]22‬وأَّن الَّله تعالى َيْق ُر ُب من خلقه كيف شاء‪ ،‬كما قال‪َ{ :‬و َنْح ُن َأْقَر ُب ِإَلْيِه ِم ْن َحْبِل اْلَو ِر يِد (‬
‫‪[ } )16‬ق‪.]16 :‬‬
‫وَيَر ْو ن العيد والجمعة والجماعة خلف كِّل إماٍم ‪ ،‬بٍّر وفاجر‪.‬‬
‫وُيْثِبتون أَّن الَمْسَح على الُخ َّف ين ُس َّنة‪ ،‬ويرونه في الحَض ِر والَّسَف ر‪.‬‬
‫ويثبتون فرَض الجهاد للمشركين منذ بعَث الَّلُه نبيه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬إلى آخر عصابة‬
‫ُتقاتل الَّد َّج ال‪ ،‬وبعد ذلك‪.‬‬
‫َو َيَر ْو َن الُّد َعاَء ألئمة المسلمين بالَّصالِح ‪ ،‬وأْن ال ُيْخ َر ج (‪ )3‬عليهم بالَّس يف‪ ،‬وأْن ال يقاتلوا في‬
‫الفتنة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬رقم (‪ ،)1094‬ومسلم رقم (‪ )758‬واللفُظ له‪.‬‬
‫(‪ )2‬في المقاالت "يبتدعوا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في المقاالت "َيْخ ُر ُج وا"‪.‬‬

‫(‪)1/30‬‬

‫وُيَص ِّدقون بخروج الَّد َّج ال‪ ،‬وأَّن عيسى بن مريم ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪َ -‬يْق ُتُله‪.‬‬
‫ويؤمنون بُم ْنَك ٍر َو َنِكْيٍر ‪ ،‬والمعراج‪ ،‬والُّر ؤيا في المناِم ‪ ،‬وأَّن الدعاء لموتى المسلمين والصدقة‬
‫عنهم بعد موتهم َتِص ُل إليهم‪ ،‬ويصدقون أَّن في الدنيا َسَح َر ة‪ ،‬وأَّن الَّس احر كافر‪ ،‬كما قال الَّله‬
‫تعالى‪ ،‬وأَّن الَّس ْح ر كائٌن موجوٌد في الدنيا‪.‬‬
‫َو َيَر ْو َن الصالة على كِّل َمْن مات من أهل القبلة مؤمنهم (‪ )1‬وفاجرهم‪ ،‬ويقرون أَّن الجَّنة والَّناَر‬
‫مخلوقتان‪.‬‬
‫وأَّن من ماَت ماَت بأجله‪ ،‬وكذلك من ُقِتَل ُقِتَل بأجله‪.‬‬
‫وأَّن األرزاق من ِقَبل الَّله تعالى يرزقها عباده حالاًل كانت أو حراًما‪.‬‬
‫وأَّن الشيطان يوسوس لإلنسان‪ ،‬ويشككه ويخَّبطه (‪. )2‬‬
‫وأَّن الصالحين قد يجوز أْن َيُخ َّص هم الَّله تعالى بآياٍت َتْظَه ُر عليهم‪.‬‬
‫وأَّن الُّس َّنة ال ُتْنَس ُخ بالقرآن‪.‬‬
‫وأَّن األطفال أمرهم إلى الَّلِه‪ :‬إْن شاء عَّذ بهم‪ ،‬وإْن شاء فعل بهم ما أراد‪.‬‬
‫وأَّن الَّله تعالى عالٌم ما العباُد عاملون‪ ،‬وكتب أَّن ذلك يكون‪ ،‬وأَّن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في المقاالت "َبِّر هم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في المقاالت "ويتخَّبطه"‪.‬‬

‫(‪)1/31‬‬

‫األموَر بيِد الَّلِه تعالى‪.‬‬


‫ويرون الصبَر على حكم الَّله‪ ،‬واألخذ بما أمر الَّله تعالى به‪ ،‬واالنتهاء عَّم ا نهى الَّله عنه‪ ،‬وإخالَص‬
‫العمل‪ ،‬والنصيحة للمسلمين‪ ،‬ويدينون بعبادة الَّله في العابدين‪ ،‬والنصيحة لجماعة المسلمين‪،‬‬
‫واجتناب الكبائر‪ ،‬والزنى‪ ،‬وقول الزور‪ ،‬والَعَص بَّية (‪ ، )1‬والَف ْخ ر‪ ،‬والِكْبر‪ ،‬واإلزراء على الَّناس‪،‬‬
‫والُعْج ب (‪. )2‬‬
‫ويرون مجانبة كل داٍع إلى بدعة‪ ،‬والتشاغل بقراءة القرآن‪ ،‬وكتابة اآلثار‪ ،‬والَّنظر في الفقه مع‬
‫التواضع واالستكانة‪ ،‬وُح سن الخلق‪ ،‬وبذل المعروف‪ ،‬وكِّف األذى‪ ،‬وترك الغيبة والنميمة‬
‫والِّس عاية‪ ،‬وَتَف ُّق د المأكِل والمشرِب ‪.‬‬
‫فهذه جملُة ما يأمرون به‪ ،‬ويستعملونه‪ ،‬ويرونه‪ ،‬وبكِّل ما ذكرنا من قولهم نقول‪ ،‬وإليه نذهب‪،‬‬
‫وما توفيقنا إاَّل بالَّلِه ‪ ،‬وهو حسبنا ونعم الوكيل (‪ ، )3‬وبه نستعين‪ ،‬وعليه نتوكُل‪ ،‬وإليه المصير"‪.‬‬
‫والمقصود حكايته عن جميع أهل السَّنة والحديث‪ :‬أَّن الجَّنة والَّنار مخلوقتان‪ ،‬وُس ْق َنا جملة‬
‫كالمه ليكون الكتاب والسَّنة ُمَؤ َّس ًس ا على معرفة من يستحُّق الِبَش ارة المذكورة‪ ،‬وأَّن أهل هذه‬
‫المقالة هم أهلها‪ ،‬وبالَّله التوفيق‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من "هـ" والمقاالت‪ ،‬وفي باقي النسخ "والمعصية"‪.‬‬
‫(‪ )2‬سقط من "د"‪.‬‬
‫(‪ )3‬قوله "ونعم الوكيل" ليس في "ب‪ ،‬د"‪.‬‬

‫(‪)1/32‬‬
‫وقد دَّل على ذلك من القرآن‪ :‬قوله تعالى‪َ{ :‬و َلَق ْد َر آُه َنْز َلًة ُأْخ َر ى (‪ِ )13‬ع ْنَد ِس ْد َر ِة اْلُم ْنَتَه ى (‬
‫‪ِ )14‬ع ْنَد َه ا َج َّنُة اْلَم ْأَو ى (‪[ } )15‬النجم‪.]15 - 13 :‬‬
‫وقد رأى الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ِ -‬س دَر ة المنتهى (‪ ، )1‬ورأى عندها الجَّنة‪ ،‬كما في‬
‫"الصحيحين" من حديث أنس ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬في قصة اإلسراء وفي آخره‪ُ" :‬ثَّم انطلق بي‬
‫جبريل حَّتى أتى ِس ْد َر َة المنتهى‪ ،‬فغشيها ألواٌن ال أدري ما هي؟ قال‪ُ :‬ثَّم ُأْد ِخ ْلُت الجَّنة‪ ،‬فإذا فيها‬
‫َج نابُذ اَّللؤلؤ‪ ،‬وإذا ترابها المسُك " (‪. )2‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪ )3‬من حديث عبد الَّله بن عمر ‪-‬رضي الَّله عنهما‪ -‬أَّن رسول الَّله ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إَّن أحدكم إذا ماَت ُعِر َض على (‪ )4‬مقعده بالغداة والَعِش ِّي ‪ ،‬إْن كاَن من‬
‫أهل الجَّنة فمن أهل الجَّنة‪ ،‬وإْن كان من أهل الَّناِر فمن أهل الَّناِر ‪ ،‬فُيقال‪ :‬هذا مقعدك حَّتى يبعثك‬
‫الَّله يوَم القيامة (‪." )5‬‬
‫وفي "المسند" و"صحيح الحاكم" و"ابن حبان" وغيرهم من حديث البراء بن عازب ‪-‬رضي الَّله‬
‫عنه‪ -‬قال‪ :‬خرجنا مع رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬في َج َنازة رجٍل من األنصاِر ‪-‬فذكر‬
‫الحديث بطوله‪ -‬وفيه‪" :‬فينادي مناد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله‪" :‬سدرة المنتهى" ليس في "ب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري في صحيحه برقم (‪ ،)3164‬ومسلم برقم (‪ ،)163‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)1313‬ومسلم رقم (‪.)2866‬‬
‫(‪ )4‬في "هـ"‪" :‬عليه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬قوله "يوم القيامة" ليس في "ب"‪.‬‬

‫(‪)1/33‬‬

‫من الَّس ماِء ‪ :‬أْن َص َد َق عبدي‪ ،‬فأفرشوُه من الجَّنة‪ ،‬وألبسوُه من الجَّنة‪ ،‬وافتُح وا له باًبا إلى الجَّنة‪،‬‬
‫قال‪ :‬فيأتيه من َرْو ِح ها وطيبها" (‪ ، )1‬وذكر الحديث‪.‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪ )2‬من حديث أنس بن مالك رضي الَّله عنه قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله‬
‫عليه وسلم‪" :-‬إَّن العبَد إذا ُو ِض َع في قبره‪ ،‬وتوَّلى عنه أصحابه‪ ،‬وإَّنه ليسمع َقْر َع نعاِلهم قال‪:‬‬
‫فيأتيه ملكان فيقعدانه‪ ،‬فيقوالن له‪ :‬ما كنَت تقوُل في هذا الرجل؟ قال‪ :‬فأَّما المؤمُن فيقول‪ :‬أشهُد‬
‫أَّنه عبُد الَّلِه ورسوله‪ ،‬قال‪ :‬فيقوالن له‪ :‬انظر إلى مقعدك من الَّناِر ‪ ،‬قد أبدلك الَّله به مقعًد ا من‬
‫الجَّنة‪ .‬قال نبُي الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬فيراهما جميًعا"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في مسنده (‪ ،)297 ،295 ،288 ،287 /4‬وأبو داود (‪،4753 ،3212‬‬
‫‪ )4754‬والنسائي (‪ ،)78 /4‬وابن ماجه (‪ )1548‬و (‪ )1549‬والحاكم (‪ )93 /1‬رقم (‪)107‬‬
‫وأبو عوانة كما في "إتحاف المهرة" (‪ ،)459 /2‬وابن منده في اإليمان (‪ ،)1064‬والبيهقي في‬
‫إثبات عذاب القبر رقم (‪ )21‬و (‪ )43‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق زاذان عن البراء بن عازب فذكره‪.‬‬
‫والحديث صَّح حه‪ :‬أبو عوانة وابن منده والحاكُم والبيهقي وابن القيم وغيرهم‪.‬‬
‫قال ابن القيم في الروح ص (‪" :)91‬هذا حديث ثابٌت مشهوٌر ُمْس تفيض‪ ،‬صححه جماعة من‬
‫الحفاظ‪ ،‬وال نعلُم أحًد ا من أئمة الحديث طعن فيه‪ ،‬بل رووه في كتبهم وتلقوه بالقبول‪ ،‬وجعلوه‬
‫أصاًل من أصول الِّدين في عذاب القبر ونعيمه‪ ،‬ومساءلة منكر ونكير‪ ،‬وقبض األرواِح وصعودها‬
‫إلى بين يدي الَّلِه‪ ،‬ثَّم رجوعها إلى القبر‪." . . .‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري برقم (‪ ،)1308‬ومسلم برقم (‪ ،)2870‬واللفظ لمسلم‪.‬‬

‫(‪)1/34‬‬

‫وفي "صحيح أبي عوانة اإلْس َف راييني" و"سنن أبي داود" من حديث البراء بن عازب الطويل في‬
‫قبض الُّر وح‪" :‬ثَّم ُيفتح له باٌب من الجَّنة‪ ،‬وباٌب من الَّناِر ‪ ،‬فُيقال‪ :‬هذا كان منزلك لو عصيَت الَّله‬
‫أبدلك الَّلُه به هذا‪ ،‬فإذا رأى ما في الجَّنة قال‪ :‬رِّب عِّج ل قياَم الَّس اعة َك ْيَم ا أرجُع إلى أهلي‬
‫ومالي‪ ،‬فُيقال‪ :‬اْس كن" (‪. )1‬‬
‫وفي "ُمسند البَّز ار" وغيره من حديث أبي سعيد رضي الَّله عنه قال‪ :‬شهدنا مع الَّنبي ‪-‬صلى الَّله‬
‫عليه وسلم‪َ -‬ج نازًة‪ ،‬فقال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬أُّيها الَّناُس ‪ ،‬إَّن هذه اُألَّمة ُتْبَتلى‬
‫في قبورها‪ ،‬فإذا ُدِفَن اإلنساُن وتفَّر ق عنه أصحابه‪ ،‬جاءُه َم لٌك في يده ِم ْطَر اٌق فأقعده فقال‪ :‬ما‬
‫تقوُل في هذ الرجل؟ ‪-‬يعني محمًد ا ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬فإْن كان مؤمًنا‪ ،‬قال‪ :‬أشهُد أَّن ال‬
‫إلَه إاَّل الَّلُه وأَّن محمًد ا عبده ورسوله‪ ،‬فيقولون (‪ : )2‬صدقت‪ ،‬ثَّم ُيفتح له باٌب إلى الَّناِر‬
‫فيقولون‪ :‬هذا كان منزَلك لو كفرت بربك‪ ،‬فأَّما إْذ آمنت به فهذا منزلك‪ ،‬فُيفتُح له باٌب إلى‬
‫الجَّنة فيريُد أْن ينهض إلى الجَّنة فيقولون‪ :‬اْس كن" (‪ )3‬وذكر الحديث‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو عوانة في صحيحه كما في إتحاف المهرة البن حجر (‪ ،)459 /2‬وأبو داود‬
‫برقم (‪.)4753‬‬
‫ولعَّل هذا لفظ أبي عوانة في صحيحه‪ ،‬والحديث تقَّدم الكالم عليه مختصًر ا‪.‬‬
‫(‪ )2‬كذا في جميع النسخ "فيقولون"‪ ،‬وكذا ما بعده‪ ،‬وفي مصادر التخريج "فيقول"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أحمد (‪ )4 - 3 /3‬والبَّز ار كما في "كشف األستار" رقم (‪ ،)872‬وابن أبي عاصم‬
‫في "السَّنة" رقم (‪ ،)865‬والطبري في تفسيره (‪= ،)214 /13‬‬

‫(‪)1/35‬‬

‫وفي "صحيح مسلم" (‪ )1‬عن عائشة رضي الَّله عنها قالت‪َ :‬خ َس َف ِت الشمُس في حياِة رسول الَّله‬
‫‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬فذكرت الحديث إلى أْن قالت‪ -:‬ثَّم قام فخطب الَّنا ‪ ،‬فأثنى على الَّلِه‬
‫َس‬
‫بما هو أهله‪ ،‬ثَّم قال‪" :‬إَّن الشمس والقمر آيتان من آيات الَّله تعالى‪ ،‬ال يْخ سفان لموِت أحٍد وال‬
‫لحياته‪ ،‬فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الَّصالة"‪.‬‬
‫وقال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬رأيُت في مقامي هذا كَّل شيٍء ُو ِع ْدُتم‪ ،‬حَّتى لقد‬
‫رأيتني آخذ ِقْطًف ا من الجَّنة حين رأيتموني ُأَقِّد ُم‪ ،‬ولقد رأيُت جهَّنم َيْح ِط ُم بعُضها بعًض ا حين‬
‫رأيتموني تأَّخ ْر ُت "‪.‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪- )2‬واللفظ للبخاري‪ -‬عن عبد الَّله بن عباس‬
‫__________‬
‫= والبيهقي في "إثبات عذاب القبِر " رقم (‪.)31‬‬
‫من طريق عَّباد بن راشد البصري عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري‬
‫فذكره‪.‬‬
‫وقد تفَّر د به عباد ‪-‬وهو صدوٌق له أوهام‪ -‬عن خاله داود بن أبي هند مرفوًعا‪.‬‬
‫قال البَّز اُر ‪" :‬ال نعلمُه عن أبي سعيد إاَّل بهذا اإلسناِد ‪ ،‬وهذا من أغرِب ما كان ُيْس َأُل عنه الحسين‬
‫وابن معمر"‪.‬‬
‫وقد خولف عباد‪ ،‬خالفه مسلمة بن علقمة فأوقفه‪.‬‬
‫فرواه عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال‪ :‬فذكر نحًو ا من حديث عباد بن‬
‫راشد ولم يرفعه‪.‬‬
‫أخرجه عبد الَّله بن أحمد في "السَّنة" رقم (‪.)1460‬‬
‫ولعَّل الموقوف أشبه‪.‬‬
‫(‪ )1‬رقم (‪ ،)901‬وهو عند البخاري أيًض ا رقم (‪ 997‬و ‪.)1154‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)358‬ومسلم رقم (‪.)907‬‬

‫(‪)1/36‬‬

‫قال‪ :‬انخسفت الشمُس على عهد الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬فذكر الحديث وفيه ‪ -‬فقال‪:‬‬
‫"إَّن الشمَس والقمر آيتان من آيات الَّله‪ ،‬ال يخسفان لموِت أحٍد وال لحياته‪ ،‬فإذا رأيتم ذلك‬
‫فاذكروا الَّله‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا رسول الَّله رأيناَك تناولَت شيًئا في مقامك‪ ،‬ثَّم رأيناك تكعكعت (‪، )1‬‬
‫فقال‪ :‬إِّني رأيت الجَّنة‪ ،‬وتناولُت عنقوًدا‪ ،‬ولو أصبُته ألكلتم منه ما بقيت الدنيا‪ ،‬وُأِر يُت الَّناَر ‪ ،‬فلم‬
‫أَر منظًر ا كاليوِم قُّط أفظَع ‪ ،‬ورأيُت أكثَر أهلها النساء‪ ،‬قالوا‪ِ :‬بَم يا رسول الَّله؟ قال‪َ :‬بُكْف ِرهَّن ‪.‬‬
‫قيل‪ :‬أيكفرن بالَّله؟ قال‪َ :‬يكفرَن العشير‪ ،‬ويكفرن اإلحسان‪ ،‬لو أحسنَت إلى إحداهَّن الدهَر كَّله‪،‬‬
‫ثَّم رأْت منك شيًئا‪ ،‬قالت‪ :‬ما رأيت مْنَك خيًر ا قُّط "‪.‬‬
‫وفي "صحيح البخاري" (‪ )2‬عن أسماء بنت أبي بكر رضي الَّله عنهما عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪ -‬في صالة الكسوف‪ ،‬قال‪" :‬قد َدَنْت مِّني الجَّنة‪ ،‬حَّتى لو اجترأُت عليها لجئتكم بقطاٍف‬
‫من قطافها‪ ،‬ودنت مِّني الَّناُر حَّتى ُقلُت ‪ :‬أي رِّب ‪ ،‬وأنا معهم؟ فإذا امرأٌة ‪-‬حِس ْبُت أَّنه قال‪-:‬‬
‫َتخدشها ِه َّر ٌة‪ ،‬قلُت ‪ :‬ما شأن هذه؟ قالوا‪َ :‬حَبسْتها حَّتى ماتت جوًعا‪ ،‬ال أطعمتها وال أرسلتها‬
‫تأكل"‪.‬‬
‫وفي "صحيح مسلم" (‪ )3‬من حديث جابر رضي الَّله عنه في هذه القصة قال‪ُ" :‬عِر َض علَّي كُّل‬
‫شيٍء ُتولجونه (‪ ، )4‬فُعِرَضْت علَّي الجَّنة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تكعكع‪ :‬هاب وتراجع بعدما أقدم‪ .‬المعجم الوسيط ص (‪.)826‬‬
‫و"تكعكعت" من رواية الكشميهني‪ ،‬كما في الفتح (‪.)541 /2‬‬
‫(‪ )2‬رقم (‪.)712‬‬
‫(‪ )3‬رقم (‪.)9( - )904‬‬
‫(‪ )4‬في "د" وفي نسخٍة على حاشية "ب‪ ،‬ج"‪ُ" :‬تْو َعُد ونه" بداًل من "تولجونه"‪.‬‬

‫(‪)1/37‬‬

‫حَّتى تناولُت منها قطًف ا فقُصرْت يدي عنه‪ ،‬وُعِر َضْت علَّي الَّناُر ‪ ،‬فرأيُت فيها امرأًة من بني إسرائيل‬
‫ُتَعَّذ ُب في ِه َّر ٍة لها" وذكر الحديث‪.‬‬
‫وفي "صحيح مسلم" (‪ )1‬عنه في هذا الحديث‪" :‬ما من شيء ُتْو َعُد ْو َنُه إاَّل قد رأيُته في صالتي‬
‫هذه‪ ،‬لقد جيء بالَّناِر ‪ ،‬وذلك حين رأيتموني تأخرُت مخافَة أْن يصيبني من َلْف ِح ها‪ ،‬وحَّتى رأيُت‬
‫فيها صاحب الِم ْحَج ِن يجُّر ُقْص َبه في الَّناِر ‪ ،‬وكان يسرُق الحاَج ِبِم ْحَج ِنه‪ ،‬فإْن ُفِط َن له قال‪ :‬إَّنما‬
‫َتَعَّلَق بمحجني‪ ،‬وإْن ُغِف ل عنه ذهب به‪ ،‬وحَّتى رأيُت فيها صاحبة الِه َّر ة التي ربطتها؛ فلم تطعمها‬
‫ولم تدعها تأكل من خشاش األرض‪ ،‬حَّتى ماتت جوًعا‪ ،‬ثَّم جيء بالجَّنة‪ ،‬وذلكم حين رأيتموني‬
‫تقدمت حَّتى قمت في مقامي‪ ،‬ولقد مددُت يدي ‪-‬وأنا أريُد أْن أتناوَل من ثمرها لتنظروا إليه‪ -‬ثَّم‬
‫بدا لي أْن ال أفعل‪ ،‬فما من شيٍء توعدونه إاَّل قد رأيته في صالتي هذه"‪.‬‬
‫وفي "مسند اإلمام أحمد" و"سنن أبي داود" و"النسائي" من حديث عبد الَّله بن عمرو رضي الَّله‬
‫عنهما في هذه القصة‪" :‬واَّلذي نفُس محمٍد بيده لقد ُأْد ِنَيت الجَّنُة ِم ِّني‪ ،‬حَّتى لو َبَس ْطُت يدي‬
‫لتعاطيُت من قطوفها‪ ،‬ولقد ُأْد ِنيت الَّناُر مِّني حَّتى لقد جعلُت أَّتِق ْيها خشيَة أْن تغشاكم" وذكر‬
‫الحديث (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رقم (‪.)10( - )904‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أحمد (‪ 188 /2‬و ‪ ،)198‬وأبو داود رقم (‪ ،)1194‬والترمذي في الشمائل رقم (‬
‫‪ ،)324‬والنسائي (‪ )137 /3‬رقم (‪ )1482‬واللفظ له‪ ،‬وابن خزيمة في صحيحه رقم (‪1392‬‬
‫و ‪ ،)1393‬وابن حبان في صحيحه =‬

‫(‪)1/38‬‬
‫وفي "صحيح مسلم" (‪ )1‬من حديث أنس بن مالك رضي الَّله عنه قال‪ :‬بينما رسوُل الَّلِه ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪ -‬ذاَت يوٍم ‪ ،‬إْذ ُأقيمت الصالُة فقال‪" :‬أُّيها الَّناُس ‪ ،‬إِّني إَم اُمكم‪ ،‬فال تسبقوني‬
‫بالركوع وال بالسجود‪ ،‬وال ِبَر ْفِع رؤوسكم؛ فإِّني أراكم من أمامي ومن خلفي‪ ،‬وأيُم (‪ )2‬اَّلذي‬
‫نفسي بيده‪ ،‬لو رأيتم ما رأيُت لضحكتم قلياًل ‪ ،‬وبكيتم (‪ )3‬كثيًر ا‪ ،‬قالوا‪ :‬وما رأيت يا رسول الَّله؟‬
‫قال‪ :‬رأيُت الجَّنة والَّنار"‪.‬‬
‫وفي "الموطأ" و"السنن" من حديث كعب بن مالك قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪" :-‬إَّنما َنَسَم ُة المؤمن َطيٌر تعلُق في شجر الجَّنة حَّتى يرجعها الَّله إلى جسده يوم القيامة" (‬
‫‪. )4‬‬
‫__________‬
‫= (‪ /7‬رقم ‪ ،)2839‬والحاكم (‪ )478 /1‬رقم (‪ )1229‬وغيرهم مختصًر ا ومطَّو اًل ‪.‬‬
‫والحديث صححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم‪ ،‬وهو كما قالوا‪.‬‬
‫(‪ )1‬رقم (‪.)426‬‬
‫(‪ )2‬ليست في "هـ" وال في "صحيح مسلم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬من (أ)‪ .‬وفي باقي النسخ‪ ،‬وحاشية "أ"‪ ،‬وصحيح مسلم "ولبكيتم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مالك في "الموطأ" رقم (‪ ،)643‬وابن ماجه (‪ ،)4271‬والنسائي (‪،)108 /4‬‬
‫وأحمد (‪ 455 /3‬و ‪ )456‬واللفظ له‪ ،‬والطبراني (‪ )65 /19‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق مالك ومعمر ويونس وشعيب واألوزاعي كلهم عن الزهري حدثني عبد الرحمن بن‬
‫كعب عن أبيه كعب بن مالك فذكره‪.‬‬
‫وسنده صحيح‪ ،‬وصححه ابن حبان‪ ،‬لكن وقع فيه اختالف في سنده ومتنه‪ ،‬وخالصته‪:‬‬
‫أَّما السنُد ‪ :‬فطريق مالك ومن تابعه أرجحها‪.‬‬
‫وأَّما المتُن ‪ :‬فسيأتي في الحديث اآلتي‪= .‬‬

‫(‪)1/39‬‬

‫وهذا صريٌح في دخول الروح الجَّنة (‪ )1‬قبل يوم القيامة (‪. )2‬‬
‫ومثله حديث كعب بن مالك رضي الَّله عنه أيًض ا عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إَّن أرواح‬
‫الشهداء في طْيٍر ُخ ضٍر تعلُق من ثمر الجَّنة ‪-‬أو شجر الجَّنة‪ )3( "-‬رواُه أهل الُّس نن‪ ،‬وصَّح حه‬
‫الترمذي‪.‬‬
‫وسيأتي في آخر هذا الكتاب في الباب اَّلذي يذكر فيه دخول أرواح المؤمنين الجَّنة قبل يوم‬
‫القيامة‪ ،‬تماُم هذه األحاديث إْن شاء الَّلُه تعالى‪ ،‬وذكر داللة القرآن على ما دَّلت عليه الُّس نة من‬
‫__________‬
‫= انظر‪ :‬التمهيد البن عبد البر (‪ ،)58 - 56 /11‬وكالم محقق كتاب "الجهاد" البن أبي عاصم‬
‫(‪.)527 - 521 /2‬‬
‫(‪ )1‬من قوله "حتى يرجعها الَّلُه" إلى "الجَّنة" سقط من "ج"‪.‬‬
‫(‪ ) 2‬جاء في "هـ" ونسخة على حاشية "أ"‪" :‬ورواه اإلمام أحمد والشافعي في مسنديهما‪ ،‬رضوان‬
‫الَّلِه عليهما"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الترمذي برقم (‪ ،)1640‬وأحمد (‪ ،)386 /6‬وابن أبي عاصم في "الجهاد" رقم (‬
‫‪ ،)202‬وابن عبد البر في التمهيد (‪ )60 /11‬من طريق أحمد وابن أبي عمر وابن كاسب عن‬
‫ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن الزهري عن ابن كعب عن أبيه‪ ،‬فذكره‪.‬‬
‫وخالفهم الحميدي ‪-‬في مسنده (‪ - )385 /2‬في متنه‪ ،‬فوافق الجماعة‪.‬‬
‫فرواه عن ابن عيينة عن عمرو به‪ ،‬فذكره بلفظ‪" :‬نسمة المؤمن" بداًل من لفظ "أرواح الشهداء‪. .‬‬
‫‪." .‬‬
‫ولعَّل الوهم من ابن عيينة أو من عمرو بن دينار‪.‬‬
‫فإَّن الحديث رواه مالك ويونس وعقيل والليث واألوزاعي وشعيب ومعمر وغيرهم كلهم عن‬
‫الزهري به باللفظ المتقدم "نسمة المؤمن‪ " . . .‬وهذا اللفظ أصُّح وأثبت‪.‬‬
‫والحديث صححه الترمذي بقوله‪" :‬هذا حديٌث حسٌن صحيح"‪.‬‬

‫(‪)1/40‬‬

‫ذلك (‪. )1‬‬


‫وفي "صحيح مسلم" و"السنن" و"المسند" من حديث أبي هريرة رضي الَّله عنه أَّن رسول الَّله ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬لما خلَق الَّلُه تعالى الجَّنة والَّنار‪ ،‬أرسَل جبريَل إلى الجَّنة فقال‪:‬‬
‫اذهب فانظر إليها‪ ،‬وإلى ما أعددت ألهلها فيها‪ ،‬فذهَب فنظر إليها وإلى ما أعَّد الَّلُه ألهلها فيها‪،‬‬
‫فرجع فقال‪ :‬وعَّز تك ال يسمُع بها أحٌد إاَّل دخلها‪ ،‬فأمر بالجَّنة فُح َّف ت بالمكاره‪ ،‬فقال‪ :‬فارجع‬
‫فانظر إليها وإلى ما أعددت ألهلها فيها‪ ،‬قال‪ :‬فنظر إليها‪ ،‬ثَّم رجَع فقال‪ :‬وعَّز تك لقد خشيُت أْن‬
‫ال يدخلها أحد‪ ،‬قال‪ :‬ثَّم أرسله إلى الَّناِر قال‪ :‬اذهب فانظر إليها وإلى ما أعددت ألهلها فيها‪،‬‬
‫قال‪ :‬فنظر إليها فإذا هي يركُب بعضها بعًض ا‪ ،‬ثَّم رجع فقال‪ :‬وعَّز تك ال يدخلها أحد سمع بها‪،‬‬
‫فأمر بها فُح َّف ْت بالَّش َه َو ات ثَّم قال‪ :‬اذهب فانظر إلى ما أعددُت ألهلها فيها‪ ،‬فذهب فنظر إليها‪،‬‬
‫فرجع فقال‪ :‬وعَّز تك (‪ )2‬لقد خشيُت أْن ال ينجو منها أحٌد إاَّل دخلها" (‪. )3‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬هذا حديٌث حسٌن صحيح"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬لم يذكر المؤلف ذلك في آخر هذا الكتاب‪ ،‬فلعله ذهل عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬من قوله‪" :‬ال يدخلها أحٌد سمع بها" إلى "وعَّز تك" سقط من "ج"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الترمذي رقم (‪ ،)2560‬وأبو داود رقم (‪ ،)4744‬والنسائي (‪ ،)3 /7‬وأحمد (‪/2‬‬
‫‪ 333 - 332‬و ‪ 354‬و ‪ )373‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق‪ :‬محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة فذكره‪.‬‬
‫والحديث صَّح حه الترمذي كما نقل المصِّنف عنه‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬لم يخرج مسلم هذا الحديث في صحيحه‪.‬‬

‫(‪)1/41‬‬

‫وفي "الصحيحين" (‪ )1‬من حديث أبي هريرة رضي الَّلُه عنه‪ِ " :‬ج بت الجَّنة بالمكاره‪ ،‬و ِج ِت‬
‫ُح َب‬ ‫ُح‬
‫الَّناُر بالشهوات"‪.‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪ )2‬من حديث أبي سعيد الخدري رضي الَّله عنه عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪ -‬قال‪" :‬اختصمت الجَّنة والَّناُر ‪ ،‬فقالت الجَّنة يا رِّب مالها إَّنما يدخلها ُضَعَف اُء الَّناس‬
‫وَس َق ُطُه م؟ وقالت الَّناُر ‪ :‬يا رب ما لها يدخلها الجَّبارون والمتكبرون؟ فقال‪ :‬أنت رحمتي أصيُب‬
‫بِك َمْن أشاُء‪ ،‬وأنت عذابي أصيُب بِك من أشاُء‪ ،‬ولكِّل واحدٍة منكما ملؤها"‪.‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪ )3‬من حديث (ابن عمر رضي الَّله عنهما) (‪ )4‬عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪ -‬أَّنه قال‪" :‬اْش تكِت الَّناُر إلى رِّبها فقالت‪ :‬أي رِّب أكَل بعضي بعًض ا‪ ،‬فأذَن لها بَنَف َس ين‪:‬‬
‫نفٍس في الِّش تاء‪ ،‬ونفٍس في الَّصيف"‪.‬‬
‫وروى اَّلليُث بن سعد عن معاوية بن صالح عن عبد الملك بن أبي بشير ‪-‬رفع الحديث‪ -‬قال‪:‬‬
‫"ما من يوم إاَّل والجَّنة والَّنار يسأالن‪ ،‬تقوُل الجَّنة‪ :‬يا رِّب قد طابت ثمرتي‪ ،‬واَّطردت (‪)5‬‬
‫أنهاري‪ ،‬واْش َتْق ُت إلى أوليائي‪ ،‬فعِّج ل إلَّي بأهلي‪ ،‬وتقول الَّناُر ‪ :‬اشتَّد حِّر ي‪ ،‬وَبُعَد َقْع ري‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)6122‬ومسلم رقم (‪.)2823‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)7011‬ومسلم رقم (‪ ،)2846‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)512‬ومسلم رقم (‪ )617‬من حديث أبي هريرة رضي الَّله عنه‪.‬‬
‫(‪ )4‬كذا في جميع النسخ‪ ،‬والصواُب (أبي هريرة رضي الَّله عنه)‪.‬‬
‫(‪ )5‬أي‪َ :‬ج َر ْت ‪ .‬انظر‪ :‬الصحاح (‪.)427 /1‬‬

‫(‪)1/42‬‬

‫وعُظَم َجْم ري‪ ،‬فعِّج ل إلَّي بأهلي (‪. )2( " )1‬‬
‫وفي "صحيح البخاري" (‪ )3‬من حديث أنس رضي الَّله عنه عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪-‬‬
‫قال‪َ" :‬بْيَنَم ا أنا أسيُر في الجَّنة‪ ،‬وإذا بنهٍر في الجَّنة حافتاُه قباب الدِّر المجوف‪ ،‬قال‪ :‬قلُت ‪ :‬ما‬
‫هذا يا جبريل؟ قال‪ :‬هذا الكوثُر اَّلذي أعطاك رُّبك‪ ،‬فضرب الَم َلك بيده فإذا ِط ْيُنه ِم ْس ك َأْذَفر (‬
‫‪." )4‬‬
‫وفي "صحيح مسلم" (‪ )5‬من حديث جابر بن عبد الَّله رضي الَّله عنهما قال‪ :‬سمعُت رسول الَّله‬
‫‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬يقول‪" :‬دخلُت الجَّنة فرأيت فيها قصًر ا وداًر ا فقلُت ‪ :‬لمن هذا؟ فقيل‪:‬‬
‫لرجٍل من قريش‪ ،‬فرجوُت أْن أكون أنا هو‪ ،‬فقيل لعمر بن الخطاب‪ ،‬فلوال غيرُتك يا أبا حفص‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من قوله‪" :‬وتقول الَّناُر " إلى "بأهلي" سقط من "ج"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البيهقي في البعث والنشور برقم (‪ )192‬من طريق أبي العالِء الحسن بن سوار عن‬
‫الليث به مثله‪.‬‬
‫وأخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة برقم (‪ )85‬من طريق عبد الَّله بن صالح عن معاوية بن صالح به‬
‫مختصًر ا‪.‬‬
‫والحديث معضل‪ ،‬فإَّن عبد الملك بن أبي بشير البصري‪ ،‬ثقة من أتباع التابعين‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)288 - 287 /18‬‬
‫(‪ )3‬رقم (‪.)6210‬‬
‫(‪ )4‬قال عبد الملك بن حبيب السلمي في وصف الفردوس ص (‪" :)7‬واألذفر‪" :‬الشديد الطيب‬
‫الرائحة التي تكاد رائحته َتُعُّم من شَّد ِة فْيحها وريحها"‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)6621‬ومسلم رقم (‪ ،)2394‬واللفُظ اَّلذي ساقه المؤلُف ُمْد َمج‬
‫من البخاري ومسلم‪.‬‬

‫(‪)1/43‬‬

‫لدخلته‪ ،‬قال‪ :‬فبكى عمر‪ ،‬وقال‪َ :‬أَو ُيَغار عليك يا رسول الَّله؟‬
‫وسيأتي حديث بالل‪ ،‬وقول الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬ما دخلُت الجَّنة إاَّل سمعُت‬
‫خشخشتك (‪ )1‬بين يدَّي " (‪ )2‬وغير ذلك من األحاديث التي تأتي إْن شاء الَّله تعالى (‪. )3‬‬
‫وقال عبد الَّله بن وهب‪ :‬حدثنا معاوية بن صالح عن عيسى بن عاصم عن زٍّر بن ُح َبْيش عن أنس‬
‫بن مالك رضي الَّله عنه قال‪ :‬صَّلى بنا رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬ذات يوم صالة‬
‫الصبح‪ ،‬ثَّم مَّد يده‪ ،‬ثَّم أخرها‪ ،‬فلَّم ا سَّلم قيل له‪ :‬يا رسول الَّله‪ ،‬لقد صنعت في صالتك شيًئا لم‬
‫تصنعه في غيرها‪ ،‬قال‪ :‬إِّني ُأِر ْيُت (‪ )4‬الجَّنة فرأيُت فيها دالية (‪ُ ، )5‬قُطوفها دانية‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الخشخشة‪َ :‬صْو ت السالح وغيره‪ ،‬إذا ُح ِّر َك ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الصحاح (‪ ،)791 /1‬والمعجم الوسيط ص (‪.)258‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أحمد في المسند (‪ 354 /5‬و ‪ ،)360‬والترمذي برقم (‪ ،)3689‬وابن خزيمة رقم‬
‫(‪ ،)1209‬وابن حبان (‪ /15‬رقم ‪ 7086‬و ‪ ،)7087‬والحاكم (‪ )322 /3‬رقم (‪.)5245‬‬
‫من حديث بريدة بن الحصيب رضي الَّله عنه‪.‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬هذا حديث حسن صحيح غريب"‪.‬‬
‫والحديث صححه أيًض ا‪ :‬ابن خزيمة وابن حبان والحاكم‪.‬‬
‫وله شاهد‪ :‬من حديث جابر عند مسلم برقم (‪ ،)2457‬وفيه‪ . ." :‬ثَّم سمعُت َخ ْش خَش ة أمامي‪،‬‬
‫فإذا بالل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ص (‪.)235‬‬
‫(‪ )4‬في نسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬رأيت"‪.‬‬
‫(‪ )5‬الَّدالية‪ ،‬جمعها دوالي‪ :‬عنٌب أسود غير حالك‪ ،‬وعناقيده أعظم العناقيد كلها‪ . . .‬المعجم‬
‫الوسيط ص (‪.)318‬‬

‫(‪)1/44‬‬

‫ِن‬ ‫ِء‬
‫َح ُّبها كالُّدبا ‪ ،‬فأردُت أْن أتناول منها‪ ،‬فُأوحي إليها أ اْس تأخري‪ ،‬فاستأخرت‪ ،‬ثَّم ُأريت (‪ )1‬الَّناَر‬
‫فيما بيني وبينكم‪ ،‬حَّتى لقد رأيت ظَّلي وظلكم‪ ،‬فأومأُت إليكم أِن استأخروا فأوحي إلَّي أِقَّر هم (‬
‫‪ ، )2‬فإَّنك أْس َلْم َت وأسلموا‪ ،‬وهاجرت وهاجروا‪ ،‬وجاهدت وجاهدوا‪ ،‬فلم أَر لي عليكم فضاًل‬
‫إاَّل بالنبوة" (‪. )3‬‬
‫فإْن قيل‪ :‬ما منعكم (‪ )4‬من االحتجاج على وجودها (‪ )5‬اآلن بقصة (‪ )6‬آدم‪ ،‬ودخوله الجَّنة‬
‫وإخراجه منها بأكله من الشجرة‪ ،‬واالستدالل بها في غاية الظهور؟!‬
‫قيل‪ :‬االستدالل بذلك وإْن كان عند العامة في غاية الظهور‪ ،‬فهو في غاية الغموض؛ الختالف‬
‫الَّناس في الجَّنة التي أسكنها آدم‪ ،‬هل كانت جَّنَة الُخ ْلِد التي يدخلها المؤمنون يوم القيامة؟ أو‬
‫كانت جَّنًة في األرِض في‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ج"‪" :‬رأيت"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب‪ ،‬د"‪" :‬أن أقَّر هم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (‪ /2‬رقم ‪ ،)892‬وأبو عوانة في صحيحه كما في "إتحاف‬
‫المهرة البن حجر"‪ ،)13 /2( :‬والحاكم في مستدركه (‪ )503 /4‬رقم (‪ ،)8408‬وأبو نعيم في‬
‫"صفة الجَّنة" رقم (‪ )349‬مختصًر ا‪ ،‬والضياء المقدسي في المختارة (‪ )138 /6‬رقم (‪.)2136‬‬
‫والحديث صححه ابن خزيمة وأبو عوانة والحاكُم والضياء المقدسي‪.‬‬
‫(‪ )4‬في نسخة على حاشية "د" "معكم"‪ ،‬وفي حاشية "أ" "فما منعكم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في "أ"‪" :‬دخولها"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في نسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬بمعصية"‪.‬‬

‫(‪)1/45‬‬
‫َش ْر ِقِّيها؟ ونحن نذكر من قال بهذا ومن قال بهذا‪ ،‬وما احتج به كُّل فريٍق على قولهم‪ ،‬وما رَّد به‬
‫الفريُق اآلخر عليهم‪ ،‬بحول الَّله وقَّو ته‪.‬‬

‫(‪)1/46‬‬

‫الباب الثاني في اختالف الَّناِس في الجَّنة التي ُأسِكَنها آدم‪ ،‬وُأْه ِبَط منها (‪ ،)1‬هل هي جَّنة الخلد‪،‬‬
‫أو جَّنة (‪ )2‬أخرى غيرها في موضع عاٍل من األرِض (‪)3‬؟‬
‫قال منذر بن سعيد (‪ )4‬في "تفسيره"‪:‬‬
‫"وأَّما قوله تعالى آلدم‪َ{ :‬و ُقْلَنا َياآَدُم اْس ُك ْن َأْنَت َو َز ْو ُج َك اْلَج َّنَة} [البقرة‪.]35 :‬‬
‫فقالت طائفة‪ :‬أسكن الَّله آدم جنة الخلد التي يدخلها المؤمنون يوم القيامة‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هي جَّنة غيرها جعلها الَّلُه له وأسكنه إَّياها‪ ،‬ليست جَّنة الخلد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله‪" :‬وأهبط منها" ليس في "ب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "د"‪" :‬أم هي جنة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ب"‪" :‬أو جنة في األرض" بداًل من "أم جنة أخرى غيرها في موضٍع عاٍل من األرِض "‪.‬‬
‫(‪ )4‬وهو منذر بن سعيد بن عبد الَّلِه أبو الحكم الُبُّلوطي‪ ،‬ولد ‪ 273‬هـ‪ ،‬كان متفنًنا في ضروب‬
‫العلِم تفسيًر ا وفقًه ا ولغًة وأدًبا‪ ،‬وكان أخطَب أهل زمانه‪ ،‬منحرًفا إلى مذهب أهل الكالم‪ ،‬له‬
‫التفسير والَّناسخ والمنسوخ وغيرها‪ ،‬توفي سنة (‪ 355‬هـ)‪.‬‬
‫انظر‪" :‬تاريخ علماء األندلس" البن الفرضي رقم (‪ ،)1454‬و"طبقات المفسرين" للداوودي (‪/2‬‬
‫‪.)337 - 336‬‬

‫(‪)1/47‬‬

‫قال‪ :‬وهذا قوٌل يكثر الَّدالئل الَّش اهدة له‪ ،‬والموجبة للقول به" (‪. )1‬‬
‫وقال أبو الحسن الماوردي في "تفسيره"‪:‬‬
‫"واختلف الَّناُس في الجَّنة التي ُأسِكَناها على قولين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أَّنها جَّنة الخلد‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أَّنها جَّنة أعَّدها الَّلُه تعالى لهما (‪ ، )2‬وجعلها دار ابتالء‪ ،‬وليست جَّنة الخلد التي جعلها‬
‫دار جزاء‪.‬‬
‫ومن قال بهذا اختلفوا (‪ )3‬على قولين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أَّنها في الَّس ماء؛ ألَّنه َأْه َبَطُه َم ا منها‪ ،‬وهذا قول الحسن‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أَّنها في األرِض ؛ ألَّنه امتحنهما فيها بالَّنهي عن الشجرة التي ُنهيا عنها دون غيرها من‬
‫الثمار‪ ،‬وهذا قول ابن بحر (‪. )4‬‬
‫َّل‬ ‫ِم‬
‫وكان ذلك بعد أْن ُأ َر إبليس بالسجود آلدم عليه الَّس الم‪ ،‬وال ه أعلُم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬نقله المؤلُف في مفتاح دار السعادة عنه (‪.)11 /1‬‬
‫(‪ )2‬إلى هنا ينتهي كالم الماوردي من المطبوع (‪ ،)104 /1‬فلعَّل ما بعده سقط من الطباعة‪ ،‬أو‬
‫للمؤلف نسخة أخرى‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ب‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬اختلفوا فيه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬هو محمد بن بحر األصبهاني‪ ،‬قال ابن بابويه‪ :‬كان على مذهب المعتزلة‪ ،‬ووجًه ا عندهم‪،‬‬
‫صَّنف لهم التفسير‪ ،‬وتوفي سنة (‪ 322‬هـ)‪.‬‬
‫انظر‪" :‬لسان الميزان"‪ ،)96 /5( :‬و"طبقات المفسرين" للداوودي‪.)110 - 109 /2( :‬‬

‫(‪)1/48‬‬

‫بصواب ذلك" هذا كالمه‪.‬‬


‫وقال ابن الخطيب (‪ )1‬في "تفسيره" المشهور‪:‬‬
‫"واختلفوا في الجَّنة المذكورة في هذه اآلية‪ ،‬هل كانت في األرِض أو في السماء؟ وبتقدير أَّنها‬
‫كانت في الَّس ماء‪ ،‬فهل هي الجَّنة التي هي دار الثواب وجَّنة الُخ لد أو جَّنة أخرى؟ فقال أبو‬
‫القاسم الَبْلخي‪ ،‬وأبو مسلم األصبهاني‪ :‬هذه الجَّنة في (‪ )2‬األرِض ‪ .‬وَحَم ال اإلهباط على االنتقال‬
‫من ُبْق َعٍة إلى ُبْق َعة‪ ،‬كما في قوله تعالى‪{ :‬اْه ِبُطوا ِم ْص ًر ا} [البقرة‪ ]61 :‬واحتجا عليه بوجوه‪.‬‬
‫القوُل الثاني‪ :‬وهو قول الُج َّبائي‪ :‬أَّن تلك الجَّنة كانت في الَّس ماء الَّس ابعة‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬وهو قول جمهور أصحابنا‪ :‬أَّن هذه الجَّنة هي دار الثواب" (‪. )3‬‬
‫وقال أبو القاسم الَّر اغُب (‪ )4‬في "تفسيره"‪" :‬واختلف في الجَّنة التي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬هو محمد بن عمر بن الحسين فخر الَّدين الرازي‪ ،‬أبو عبد الَّلِه القرشي الَّتيمي‪ ،‬ولد سنة‬
‫‪ 544‬هـ‪ ،‬المفسر‪ ،‬المتكَّلم‪ ،‬إمام وقته في العلوِم العقلية‪ ،‬ندم في آخر عمره على دخوله في علم‬
‫الكالِم ‪ ،‬له‪ :‬التفسير الكبير "مفاتيح الغيب" ولم يكمله‪ ،‬توفي سنة (‪ 606‬هـ)‪.‬‬
‫انظر‪ :‬طبقات المفسرين للداوودي (‪.)218 - 215 /2‬‬
‫(‪ )2‬في مفاتيح الغيب‪" :‬كانت في"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪" :‬مفاتيح الغيب"‪ )5 - 4 /1( :‬وعنده مطَّو اًل ‪.‬‬
‫(‪ )4‬هو الحسين بن محمد بن المفضل األصبهاني‪ ،‬الملَّق ب بـ "الَّر اغب"‪ ،‬قال =‬

‫(‪)1/49‬‬

‫أسكنها آدم‪ ،‬فقال بعض المتكلمين‪ :‬كان بستاًنا جعله الَّله تعالى له امتحاًنا‪ ،‬ولم تكن جَّنة‬
‫المأوى"‪ .‬وذكر بعض االستدالل على القولين‪.‬‬
‫ومَّم ن ذكر الخالف أيًض ا أبو عيسى الُّر َّماني (‪ )1‬في "تفسيره" واختار أَّنها جَّنة الخلد‪ ،‬ثَّم قال‪:‬‬
‫"والمذهُب اَّلذي اخترناُه‪ ،‬قول الحسن وعمرو وواصل وأكثر أصحابنا‪ ،‬وهو قول أبي علي‪،‬‬
‫وشيخنا أبي بكر‪ ،‬وعليه أهل التفسير"‪.‬‬
‫واختار ابن الخطيب التوقف في المسألة‪ ،‬وجعله قواًل رابًعا فقال‪:‬‬
‫"والقوُل الَّر ابع‪ :‬أَّن الكل ُمْم كن‪ ،‬واألدلة متعارضة (‪َ ، )2‬فَو َج َب الَّتوقف وترك القطع"‪.‬‬
‫قال منذر بن سعيد‪" :‬والقوُل بأَّنها جَّنٌة في األرض ليست جَّنة الُخ ْلد قول أبي حنيفة وأصحابه‬
‫قال‪ :‬وقد رأيُت أقواًم ا نهضوا لمخالفتنا في‬
‫__________‬
‫= الذهبي‪" :‬كان من أذكياء المتكلمين"‪ .‬له "المفردات" وهو مشهوٌر ‪ ،‬والتفسير‪ ،‬وغيرهما‪ ،‬توفي‬
‫في حدوِد سنة (‪ 450‬هـ)‪.‬‬
‫انظر‪" :‬سير أعالم النبالء"‪ )121 - 120 /18( :‬مع الحاشية‪.‬‬
‫(‪ )1‬هو علي بن عيسى بن علي أبو الحسن الُّر َّماني ولد سنة (‪ 296‬هـ)‪ ،‬إماٌم مشهوٌر في النحو‬
‫والكالم‪ ،‬وكان معتزلًّيا‪ ،‬قال القفطي‪" :‬وكان مع اعتزاله شيعًيا" له نحو مائة مؤلف كالتفسير‬
‫وغيره‪ ،‬توفي سنة (‪ 384‬هـ)‪.‬‬
‫انظر‪" :‬تاريخ بغداد"‪ ،)17 /12( :‬و"طبقات المفسرين" للداوودي‪ .)425 - 423 /1( :‬تنبيه‪:‬‬
‫الصواب (ابن عيسى) بدل (أبو عيسى)‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "مفاتيح الغيب"‪ ،)5 /1( :‬و"مفتاح دار السعادة"‪ ،)149 /1( :‬و"األدلة النقلية ضعيفة‬
‫ومتعارضة" بداًل من "واألدلة متعارضة"‪.‬‬

‫(‪)1/50‬‬

‫جَّنة آدم‪ ،‬بتصويب مذهبهم من غير ُح َّج ة إاَّل الَّدعاوي واألمانَّي ‪ ،‬ما أتوا بحجٍة من كتاب وال ُس َّنٍة‪،‬‬
‫وال أثر عن صاحٍب ‪ ،‬وال تابع‪ ،‬وال تابع الَّتابع‪ ،‬ال موصواًل وال شاًّذا [وال] (‪ )1‬مشهوًر ا‪.‬‬
‫وقد أوجدناهم أَّن فقيه العراق ومن قال بقوله‪ ،‬قالوا‪ :‬إَّن جَّنة آدم ليست جَّنة الُخ ْلد‪ ،‬وهذه‬
‫الَّدواوين َمْش ُح ونة من علومهم‪ ،‬ليسوا عند أحٍد من الَّش اَّذين بل من رؤساء المخالفين‪ ،‬وإَّنما قلُت‬
‫هذا ليعلم أِّني ال أنصُر مذهب أبي حنيفة‪ ،‬وإَّنما أنصُر ما قام لي عليه دليل من القرآن والسَّنة‪.‬‬
‫‪ -‬هذا ابن ُمَز ين (‪ )2‬يقول في "تفسيره"‪" :‬سألُت ابن نافع عن الجَّنة أمخلوقٌة هي؟ فقال‪:‬‬
‫السكوت عن الكالم في هذا أفضل"‪.‬‬
‫‪ -‬وهذا ابن عيينة يقول في قوله عَّز وجَّل‪ِ{ :‬إَّن َلَك َأاَّل َتُج وَع ِفيَه ا َو اَل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من مفتاح دار السعادة (‪ )169 /1‬للمؤلف‪ ،‬وسقطت من جميع النسخ‪.‬‬
‫(‪ )2‬ابن ُمَز ْين هذا لعله؛ يحيى بن إبراهيم بن مزين الطليطلي أبو زكريا‪ ،‬مولى رملة بنت عثمان بن‬
‫عفان رضي الَّله عنه‪ ،‬سمع الموطأ من القعنبي ومطرف وحبيب‪ ،‬له تفسير الموطأ وغيره‪ ،‬توفي‬
‫سنة ‪ 259‬هـ‪.‬‬
‫انظر‪" :‬أخبار الفقهاء والمحدثين" للخشني رقم (‪ ،)495‬و"تاريخ علماء األندلس" البن الفرضي‬
‫رقم (‪.)1558‬‬
‫قلت‪ :‬لعَّل مراد المؤلف بتفسيره أي "تفسير الموطأ" ‪-‬إن كان المترجم هو المقصود‪ -‬فقد‬
‫اشتهر بـ "تفسير يحيى بن مزين" و"تفسير الموطأ"‪.‬‬
‫انظر‪ :‬برنامج التجيبي ص (‪ ،)269‬وجذوة المقتبس للحميدي‪ ،‬رقم (‪ ،)880‬وفهرس ابن خير‬
‫رقم (‪ )137‬و (‪ ،)148‬ومفتاح دار الَّس عادة (‪.)438 /1‬‬

‫(‪)1/51‬‬
‫َتْع َر ى (‪[ } )118‬طه‪ ]118 :‬قال‪ :‬يعني في األرِض ‪ ،‬وابن نافِع ‪ :‬إمام‪ ،‬وابن عيينة‪ :‬إمام‪ ،‬وهم ال‬
‫يأتوننا بمثلهما‪ ،‬ومن يضاُّد قوُله قولهما‪.‬‬
‫‪ -‬وهذا ابن ُقتيبة ذكر في كتاب "المعارف" (‪ )1‬بعد ِذ ْك ِر ه خلق الَّله آلدم وزوجه‪ ،‬قال‪" :‬ثَّم‬
‫تركهما‪ ،‬وقال‪ :‬أثمروا وأكثروا‪ ،‬واملؤا األرَض ‪ ،‬وتسلطوا على أنواِن (‪ )2‬البحور‪ ،‬وطير السماء‪،‬‬
‫واألنعام‪ ،‬وعشب األرِض ‪ ،‬وشجرها‪ ،‬وثمرها"‪ ،‬فأخبر أَّن في األرِض خلقه‪ ،‬وفيها أمره‪ ،‬ثَّم قال‪:‬‬
‫"ونصَب الفردوس فانقسم على أربعة أنهار‪ :‬سيحون وجيحون ودجلة والفرات ‪-‬ثَّم ذكر الحَّية‬
‫فقال‪" -:‬وكانت أعظم دواَّب البر‪ ،‬فقالت للمرأة‪ :‬إَّنكما ال تموتان إن أكلُتما من هذه الشجرة"‬
‫ثَّم قال بعد كالم‪" :‬ثَّم أخرجه من شرق (‪ )3‬جنة عدن إلى األرِض التي منها ُأِخ َذ ‪ ،‬ثَّم قال‪" :‬قال‬
‫وهب‪ :‬وكان مهبطه حين ُأْه ِبَط من جَّنة عدن في شرقي أرض الهند‪ ،‬قال‪ :‬واحتمل قابيُل أخاُه‬
‫حَّتى أتى به وادًيا من أودية اليمن‪ ،‬في شرقي (‪ )4‬عدن‪ ،‬فكمن فيه"‪.‬‬
‫وقال غيره كما (‪ )5‬نقل أبو صالح عن ابن عباس في قوله تعالى‪{ :‬اْه ِبُطوا} [البقرة‪" ]38 :‬هو‬
‫كما ُيقال‪ :‬هبط فالن أرض كذا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ص (‪.)12 - 8‬‬
‫(‪ )2‬أنوان‪ ،‬جمع ُنْو ن‪ :‬وهو الُحْو ت‪ .‬ويجمع أيًض ا على ِنْيَنان‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الصحاح (‪ ،)1615 /2‬وحاشية (ج)‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ب‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬مشرق"‪.‬‬
‫(‪ )4‬من قوله‪" :‬أرض الهند" إلى "شرقي" سقط من "ج"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في "ب‪ ،‬د‪ ،‬هـ" ونسخٍة على حاشية "أ" "فيما"‪.‬‬

‫(‪)1/52‬‬

‫وكذا" (‪. )1‬‬


‫قال منذر بن سعيد‪" :‬فهذا وهب بن ُمَنبه يحكي أَّن آدم ُخ ِلَق في األرِض ‪ ،‬وفيها سكن‪ ،‬وفيها‬
‫ُنصب له الفردوس‪ ،‬وأَّنه كان ِبَعَد ن‪ ،‬وأَّن األربعة األنهار انقسمت من ذلك النهر اَّلذي كان ُيَس َّم ى‬
‫فردوس آدم‪ ،‬وتلك األنهار معنا (‪ )2‬في األرض‪ ،‬ال اختالف بين المصلين (‪ )3‬في ذلك‪ ،‬فاعتبروا‬
‫يا ُأولي األلباب‪.‬‬
‫وأخبر أَّن الَح َّية التي كَّلمت آدم كانت من أعظم دواَّب الَبَّر ‪ ،‬ولم يقل‪ :‬من أعظم دواِّب الَّس ماِء ‪،‬‬
‫فهم يقولون‪ :‬إَّن الحَّية (‪ )4‬لم تكن في األرِض وإَّنما كانت فوق الَّس ماء الَّس ابعة‪.‬‬
‫ثَّم قال‪" :‬وأخرجه من شرق جَّنة عدن‪ ،‬وليس في جَّنة المأوى مشرٌق وال مغرب؛ ألَّنه ال شمس‬
‫فيها"‪.‬‬
‫ثَّم قال‪" :‬وأخرجه إلى األرِض التي ُأِخ َذ منها"‪ .‬يعني أخرجه من الفردوس اَّلذي نصب له في عدن‪،‬‬
‫في شرقي أرض الهند‪.‬‬
‫وهذه األخباُر التي حكى ابن قتيبة إَّنما ُتنبئ عن أرض اليمن وعن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪" :‬تفسير غريب القرآن" البن قتيبة ص (‪ ،)46‬وتلك الرواية لعلها من رواية الكلبي عن‬
‫أبي صالح به‪ .‬وهو إسناد واٍه‪ ،‬انظر‪" :‬اإلتقان" للسيوطي (‪.)535 /2‬‬
‫(‪ )2‬في "ب" "بقيا"‪ ،‬وفي "د" "بفناٍء "‪.‬‬
‫(‪ )3‬قال ناسخ "ج" في الحاشية‪" :‬لعله‪ :‬المسلمين"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في "ج"‪" :‬الجَّنة" وهو محتمل‪.‬‬

‫(‪)1/53‬‬

‫عدن وهي من أرض اليمن‪ ،‬وأخبر أَّن الَّله نصب الفردوس آلدم بَعَد ن‪ ،‬ثَّم أَّك َد ذلك بأْن قال‪:‬‬
‫"األربعة األنهار التي ذكرنا منقسمٌة من الَّنهِر اَّلذي كان يسقي فردوس آدم"‪.‬‬
‫قال منذر‪" :‬وقال ابن ُقَتيبة عن ابن منبه عن ُأبٍّي قال‪ :‬واشتهى آدم عند موته ِقْطًف ا من الجَّنة التي‬
‫كان فيها ‪-‬بزعمهم على ظهر الَّس ماء الَّس ابعة‪ -‬وهو في األرِض ‪ ،‬فخرج أوالده يطلبون ذلك له‪،‬‬
‫حَّتى َبَّلغتهم المالئكة موته" (‪ )1‬فأوالد آدم كانوا َمَج انْين عندكم ‪-‬إْن كان ما نقله ابن ُقتيبة‬
‫َح ًّق ا‪ -‬يطلبون ألبيهم ثمرة جَّنة الُخ ْلِد في األرِض ؟!‬
‫قال‪ :‬ونحُن لم َنُقْل ُعْش َر ما قال هؤالء‪ ،‬ولو كانت جَّنة الُخ ْلد لُخ ِّلَد فيها‪ ،‬ونحن استدللنا من‬
‫القرآن‪ ،‬وغيرنا َقَطع واَّدعى ما ليس له عليه ُبْر َه ان"‪.‬‬
‫فهذا ذكر بعض أقوال من حكى الخالف في هذه المسألة (‪ ، )2‬ونحن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬المعارف البن قتيبة ص (‪ .)12‬وأثر ُأبي بن كعب رضي الَّله عنه أخرجه ابن قتيبة ص (‬
‫‪ ،)12‬والدارقطني في "السنن" (‪ ،)71 /2‬وابن سعد في "الطبقات"‪ ،)34 - 33 /1( :‬وابن‬
‫المنذر في األوسط (‪ )370 /5‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريِق يونس بن عبيد وعثمان بن سعد عن الحسن البصري عن ُعتي ابن ضمرة عن أبي بن‬
‫كعب موقوًفا‪.‬‬
‫واألثر اختلف في رفعه ووقفه‪ ،‬وفي ذكر "ُعتي بن ضمرة" وإسقاطه‪ ،‬والوقف أشبه بالصواب‪،‬‬
‫والَّله أعلم‪.‬‬
‫والحديث صححه مرفوًعا الحاكُم والضياء المقدسي‪.‬‬
‫راجع تفصيل الكالِم فيه المرسل الخفي (‪.)629 - 603 /2‬‬
‫(‪ )2‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪" :‬والجَّنة التي ُأسكنها آدم وزوجته عند سلف =‬

‫(‪)1/54‬‬

‫نسوُق حجج الفريقين إْن شاَء الَّلُه تعالى‪ ،‬ونبين ما لهم وعليهم إْن شاء الَّلُه تعالى‪.‬‬
‫__________‬
‫= األمة‪ ،‬وأهل السَّنة والجماعة‪ :‬هي جنة الخلد‪ ،‬ومن قال إَّنها جَّنة في األرِض بأرض الهند‪ ،‬أو‬
‫بأرض ُج َّدة‪ ،‬أو غير ذلك فهو من المتفلسفة والمعتزلة‪.‬‬
‫والكتاب والسَّنة يرد هذا القول‪ ،‬وسلف األمة وأئمتها مَّتفقون على بطالن هذا القول‪ " . . .‬راجع‬
‫مجموع الفتاوى (‪.)349 - 347 /4‬‬

‫(‪)1/55‬‬

‫الباب الثالث‪ :‬في سياق ُحَج ج من اختاَر أَّنها جَّنة الخلد التي يدخلها الَّناس يوم القيامة (‪)1‬‬
‫قالوا‪ :‬قولنا هذا هو اَّلذي فطَر الَّلُه عليه الَّناَس صغيرهم وكبيرهم‪ ،‬ال يخطر بقلوبهم سواه‪،‬‬
‫وأكثُر هم ال َيْع َلم في ذلك نزاًعا‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وقد روى مسلم في "صحيحه" (‪ )2‬من حديث أبي مالك‪ ،‬عن أبي حازم عن أبي هريرة‪،‬‬
‫وأبي مالك عن ربعي عن حذيفة ‪-‬رضي الَّله عنهما‪ -‬قاال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪" :-‬يجمع الَّله تعالى الَّناَس ‪ ،‬فيقوُم المؤمنون حتى ُتْز َلف (‪ )3‬لهم الجَّنة‪ ،‬فيأتون آدم‬
‫فيقولون‪ :‬يا أبانا‪ :‬استفتح لنا الجنة‪ :‬فيقول‪ :‬وفل أخرجكم من الجَّنة إاَّل خطيئة أبيكم؟ " وذكر‬
‫الحديث‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وهذا يدُّل على أَّن الجَّنة التي ُأخرج منها هي بعينها التي ُتْطَلُب منه أن يستفتحها‪.‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪ )4‬حديث احتجاج آدم وموسى‪ ،‬وقول موسى‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب"‪" :‬في سياق حجج من ذهب إلى أَّنها جَّنة الخلد" بداًل من قوله "في سياق" إلى‬
‫"القيامة"‪ ،‬وليس في "هـ"‪ :‬كلمة "سياق"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رقم (‪.)195‬‬
‫(‪ )3‬أي ُتَقَّر ب‪ .‬انظر‪ :‬النهاية‪.)309 /2( :‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)6240‬ومسلم رقم (‪ )2652‬من حديث أبي هريرة‪ .‬وليس فيهما‬
‫هذا اللفُظ ‪ ،‬وإَّنما فيهما "خَّيبتنا وأخرجتنا من الجَّنة" وفي =‬

‫(‪)1/56‬‬

‫"أْخ َر ْج تنا وَنْف َس ك من الجَّنة"‪.‬‬


‫ولو كانت في األرِض ‪ ،‬فهم قد خرجوا من بساتين‪ ،‬فلم يخرجوا من الجَّنة‪.‬‬
‫وكذلك قول آدم للمؤمنين يوم القيامة‪" :‬وهل أخرجكم من الجَّنة إاَّل خطيئة أبيكم" (‪، )1‬‬
‫وخطيئته لم تخرجهم من ِج َنان الدنيا‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وقد قال تعالى في سورة البقرة‪َ{ :‬و ُقْلَنا َياآَدُم اْس ُك ْن َأْنَت َو َز ْو ُج َك اْلَج َّنَة َو ُكاَل ِم ْنَه ا َر َغًد ا‬
‫َحْيُث ِش ْئُتَم ا َو اَل َتْق َر َبا َه ِذِه الَّش َج َر َة َفَتُك وَنا ِم َن الَّظاِلِم يَن (‪َ )35‬فَأَز َّلُه َم ا الَّش ْيَطاُن َعْنَه ا َفَأْخ َر َجُه َم ا‬
‫ِم َّم ا َك اَنا ِفيِه َو ُقْلَنا اْه ِبُطوا َبْع ُضُك ْم ِلَبْع ٍض َعُد ٌّو َو َلُك ْم ِفي اَأْلْر ِض ُمْس َتَقٌّر َو َم َتاٌع ِإَلى ِح يٍن (‪} )36‬‬
‫[البقرة‪ ]36 ،35 :‬عقيب قوله "اهبطوا" فدَّل على أَّنهم لم يكونوا قبل ذلك في األرض‪.‬‬
‫فهذا يدل على أَّن ُه ُبوطهم كان من الجَّنة إلى األرِض من وجهين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬من لفظة‪{ :‬اْه ِبُطوا} فإَّنه نزول من علٍّو إلى ُس فل‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬قوله‪َ{ :‬و َلُك ْم ِفي اَأْلْر ِض ُمْس َتَقٌّر } [البقرة‪ .]36 :‬عقيب قوله‪{ :‬اْه ِبُطوا} فدَّل على أَّنهم‬
‫لم يكونوا قبل ذلك في األرض‪.‬‬
‫ثَّم أَّك َد هذا بقوله تعالى في سورة األعراف‪َ{ :‬قاَل ِفيَه ا َتْح َيْو َن َو ِفيَه ا َتُم وُتوَن َو ِم ْنَه ا ُتْخ َر ُج وَن (‬
‫‪[ } )25‬األعراف‪ ،]25 :‬ولو كانت الجَّنة في األرِض لكانت حياتهم فيها قبل اإلخراج وبعده‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وقد وَص َف سبحانه جَّنة آدم بصفاٍت ال تكون إاَّل في جَّنة‬
‫__________‬
‫= لفظ‪" :‬أنت آدُم اَّلذي أخرجتَك خطيئتك من الجَّنة" ونحوها‪.‬‬
‫(‪ )1‬تقَّدم قريًبا عند مسلم‪.‬‬

‫(‪)1/57‬‬

‫الُخ ْلِد فقال‪ِ{ :‬إَّن َلَك َأاَّل َتُج وَع ِفيَه ا َو اَل َتْع َر ى (‪َ )118‬و َأَّنَك اَل َتْظَم ُأ ِفيَه ا َو اَل َتْض َح ى (‪} )119‬‬
‫[طه‪.]119 - 118 :‬‬
‫وهذا ال يكون في الدنيا أصاًل ‪ ،‬فإَّن الَّر جل ولو كان في أطيب منازلها فال ُبَّد أن يعرض له شيٌء‬
‫من ذلك‪ ،‬وقابل سبحانه بين الجوع والُعْر ي‪ ،‬والظمأ (‪ )1‬والضحى‪ ،‬وذلك أحسن من المقابلة‬
‫بين الجوع والعطش‪ ،‬والعري (‪ )2‬والضحى؛ فإَّن الجوَع ذُّل الباطن‪ ،‬والُعري ذُّل الَّظاهِر ‪ ،‬والظمُأ‬
‫حُّر الباطِن ‪ ،‬والضحى حُّر الظاهِر ؛ فنفى عن ساكنها ذَّل الظاهر والباطن‪ ،‬وحَّر الظاهر والباطن (‪)3‬‬
‫‪ ،‬وهذا شأن ساكن جَّنة الخلِد ‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وأيًض ا‪ ،‬فلو كانت تلك الجَّنة فِي الدنيا َلَعِلَم آدُم كذب إبليس في قوله‪َ{ :‬ه ْل َأُدُّلَك َعَلى‬
‫َش َج َر ِة اْلُخ ْلِد َو ُمْلٍك اَل َيْبَلى (‪[ } )120‬طه‪]120 :‬؛ فإَّن آدم كان يعلُم أَّن (‪ )4‬الدنيا ُمنقضية‬
‫فانية‪ ،‬وأَّن ملكها يبلى‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وأيًض ا‪ ،‬فهذه القصة في سورة البقرة ظاهرٌة جًّدا في أَّن الجَّنة التي ُأْخ ِرَج منها فوق الَّس ماِء ‪،‬‬
‫ِم‬ ‫ِل‬ ‫آِل‬ ‫ِل ِئ ِة‬
‫فإَّنه سبحانه قال‪َ{ :‬و ِإْذ ُقْلَنا ْلَم اَل َك اْسُج ُد وا َدَم َفَس َج ُد وا ِإاَّل ِإْب يَس َأَبى َو اْسَتْك َبَر َو َك اَن َن‬
‫اْلَك اِفِر يَن (‪َ )34‬و ُقْلَنا َياآَدُم اْس ُك ْن َأْنَت َو َز ْو ُج َك اْلَج َّنَة َو ُكاَل ِم ْنَه ا َر َغًد ا َحْيُث ِش ْئُتَم ا َو اَل َتْق َر َبا‬
‫َه ِذِه الَّش َج َر َة َفَتُك وَنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ليس في "ب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "هـ"‪" :‬والظمأ" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬جاء في "ب" بعد قوله "والباطن" ما نصه‪" :‬وذلك أحسن من المقابلة بين الجوع والعطِش‬
‫والعري والضحى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ليس في "ب"‪.‬‬

‫(‪)1/58‬‬

‫ِم َن الَّظاِلِم يَن (‪َ )35‬فَأَز َّلُه َم ا الَّش ْيَطاُن َعْنَه ا َفَأْخ َر َجُه َم ا ِم َّم ا َك اَنا ِفيِه َو ُقْلَنا اْه ِبُطوا َبْع ُضُك ْم ِلَبْع ٍض‬
‫ِل‬ ‫ِم‬ ‫ِح‬
‫َعُد ٌّو َو َلُك ْم ِفي اَأْلْر ِض ُمْس َتَقٌّر َو َم َتاٌع ِإَلى يٍن (‪َ )36‬فَتَلَّق ى آَدُم ْن َر ِّبِه َك َم اٍت َفَتاَب َعَلْيِه ِإَّنُه‬
‫ُه َو الَّتَّو اُب الَّر ِح يُم (‪[ } )37‬البقرة‪.]37 - 34 :‬‬
‫فهذا إهباط آدم وحواء وإبليس من الجَّنِة ‪ ،‬ولهذا أتى فيه بضمير الجمِع ‪.‬‬
‫وقد قيَل‪ :‬إَّن الخطاب لهما وللحَّية‪ .‬وهذا ضعيٌف جًّدا‪ ،‬إذ ال ذكر للحَّية في شيٍء من قَّصة آدم‪،‬‬
‫وال في الِّس ياِق ما يدُّل عليها‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬الخطاُب آلدَم وحَّو اء‪ ،‬وأتى فيه بضمير الجمع كقوله تعالى‪َ{ :‬و ُك َّنا ِلُح ْك ِم ِه ْم َش اِهِد يَن }‬
‫[األنبياء‪ ،]78 :‬وهَم ا داود وسليمان‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬آلدم وحواء وذريتهما‪.‬‬
‫وهذه األقوال ضعيفة غير األَّو ل؛ ألَّنها بين قوٍل ال دليَل عليه‪ ،‬وبين ما يدُّل اللفُظ على خالفه‪،‬‬
‫فثبت أَّن إبليس داخٌل في هذا الخطاِب ‪ ،‬وأَّنه من الُم ْه َبِط ْين‪.‬‬
‫ِت‬ ‫ِم‬ ‫ِب ِم‬
‫فإذا تقَّر ر هذا‪ ،‬فقد كَّر ر سبحانه اإلهباط ثانًيا بقوله تعالى‪ُ{ :‬قْلَنا اْه ُطوا ْنَه ا َج يًعا َفِإ َّما َيْأ َيَّنُك ْم‬
‫ِم ِّني ُه ًد ى َفَمْن َتِبَع ُه َد اَي َفاَل َخ ْو ٌف َعَلْيِه ْم َو اَل ُه ْم َيْحَز ُنوَن (‪[ } )38‬البقرة‪.]38 :‬‬
‫والَّظاهُر أَّن هذا (‪ )1‬اإلهباط الثاني غيُر األَّو ل‪ ،‬وهو إهباط من‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ليس في "أ"‪.‬‬

‫(‪)1/59‬‬

‫السماء إلى األرِض ‪ ،‬واألَّو ل إهباط من الجَّنة‪ ،‬وحينئٍذ فتكون الجَّنة التي ُأْه ِبُطوا منها أَّو اًل فوق‬
‫الَّس ماِء = جنة الخلِد ‪.‬‬
‫وقد ظَّن الزمخشري أَّن قوله تعالى‪{ :‬اْه ِبُطوا ِم ْنَه ا َج ِم يًعا} [البقرة‪ ]38 :‬خطاب (‪ )1‬آلدم وحواء‬
‫خاَّصة‪ ،‬وعَّبر عنهما بالجمع الْس ِتْتباعهما ُذِّر َّياتهما‪ ،‬قال‪" :‬والدليَل عليه قوله تعالى‪َ{ :‬قاَل اْه ِبَطا‬
‫ِل‬ ‫ِم‬ ‫ِم‬
‫ْنَه ا َج يًعا َبْع ُضُك ْم َبْع ٍض َعُد ٌّو } [طه‪ ،]123 :‬قال‪ :‬ويدل على ذلك قوله تعالى‪َ{ :‬فَمْن َتِبَع‬
‫ُه َد اَي َفاَل َخ ْو ٌف َعَلْيِه ْم َو اَل ُه ْم َيْحَز ُنوَن (‪َ )38‬و اَّلِذ يَن َكَف ُر وا َو َك َّذ ُبوا ِبآَياِتَنا ُأوَلِئَك َأْص َح اُب الَّناِر‬
‫ُه ْم ِفيَه ا َخ اِلُد وَن (‪[ } )39‬البقرة‪ ،]39 - 38 :‬وما هو إال حكم يعّم الَّناس كلهم‪ ،‬ومعنى قوله‪:‬‬
‫{َبْع ُضُك ْم ِلَبْع ٍض َعُد ٌّو } ما عليه الَّناُس من الَّتعادي والَّتباغي وتضليل بعضهم بعضا" (‪. )2‬‬
‫وهذا اَّلذي اختاره أضعف األقوال في اآلية‪ ،‬فإَّن (‪ )3‬العداوة التي ذكرها الَّلُه تعالى إَّنما هَي بين‬
‫آدم وإبليس وذريتهما‪ ،‬كما قال الَّله تعالى‪ِ{ :‬إَّن الَّش ْيَطاَن َلُك ْم َعُد ٌّو َفاَّتِخ ُذ وُه َعُد ًّو ا} [فاطر‪،]6 :‬‬
‫وهو سبحانه قد أَّك د َأْم َر العداوِة بين الشيطان (‪ )4‬واإلنسان‪ ،‬وأعاد وأَّبد (‪ِ )5‬ذ ْك َر َه ا في القرآن‬
‫ِلِش َّد ِة الحاجة إلى التحرز من هذا العدو‪ ،‬وأَّما آدم وزوجته‪ ،‬فإَّنه إَّنما أخبر في‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ليس في "ب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الكَّش اف (‪.)128 /1‬‬
‫(‪ )3‬في "ب"‪" :‬ألَّن "‪.‬‬
‫(‪ )4‬من قوله "لكم عدو فاتخذوه" إلى "الشيطان" سقط من "ب‪ ،‬ج"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في "ب‪ ،‬د"‪" :‬وأْبدى"‪ ،‬وسقط من "ج"‪.‬‬

‫(‪)1/60‬‬

‫كتابه أَّنه خلقها ليسكن إليها‪ ،‬وجعل بينهما مودة ورحمة‪ ،‬فالمودُة والرحمة بين الرجل وزوجته (‬
‫‪ ، )1‬والعداوة بين اإلنساِن والشيطان‪.‬‬
‫وقد تقَّدم ذكر آدم وزوجه وإبليس وهم ثالثة‪ ،‬فلماذا يعود الضميُر على بعض المذكور ‪-‬مع‬
‫منافرته لطريق الكالم‪ -‬دون جميعه‪ ،‬مع أَّن اللفظ والمعنى يقتضيه‪ ،‬فلم يصنع الزمخشري شيًئا‪.‬‬
‫وأَّم ا قوله تعالى في سورة طه‪َ{ :‬قاَل اْه ِبَطا ِم ْنَه ا َج ِم يًعا َبْع ُضُك ْم ِلَبْع ٍض َعُد ٌّو } [طه‪ .]123 :‬وهذا‬
‫خطاب آلدم وحَّو اء‪ ،‬وقد جعَل بعضهم عدًّو ا لبعٍض ‪ :‬فالضمير في قوله‪{ :‬اْه ِبَطا} إَّما أْن يرجَع إلى‬
‫آدم وزوجه‪ ،‬أو إلى آدَم وإبليس‪ ،‬ولم يذكر الزوجة؛ ألَّنها تبع (‪ )2‬له وعلى هذا‪ ،‬فالعداوة‬
‫المذكورة للمخاطبين باإلهباط‪ ،‬وهما‪ :‬آدم وإبليس‪ ،‬فاألمر (‪ )3‬ظاهر‪ ،‬وأَّما على األَّو ل‪ ،‬فتكون‬
‫اآلية قد اشتملت على أمرين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أمره تعالى آلدم وزوجه بالهبوط‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬إخباره بالعداوة بين آدم وزوجه‪ ،‬وبين إبليس؛ ولهذا أتى بضمير الجمع في الثاني دون‬
‫األَّو ل‪ ،‬وال بَّد أن يكون إبليُس داخاًل في حكِم هذه العداوة قطًعا‪ ،‬كما قال تعالى‪ِ{ :‬إَّن َه َذ ا َعُد ٌّو‬
‫َلَك َو ِلَز ْو ِج َك } [طه‪ ،]117 :‬وقال للذرية‪ِ{ :‬إَّن الَّش ْيَطاَن َلُك ْم َعُد ٌّو َفاَّتِخ ُذ وُه َعُد ًّو ا} [فاطر‪.]6 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د"‪" :‬وامرأته"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ليس في "أ"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ج"‪" :‬باألمر"‪ ،‬وفي "أ‪ ،‬هـ"‪" :‬فباألمر"‪.‬‬

‫(‪)1/61‬‬

‫وتأَّمل كيَف اَّتفقت المواضع التي فيها ِذ ْك ُر العداوِة على ضمير الجمِع دون التثنية؟‬
‫وأَّم ا اإلهباط‪ :‬فتارة ُيْذ َك ُر (‪ )1‬بلفِظ الجمع‪ ،‬وتارًة بلفِظ التثنية‪ ،‬وتارة بلفِظ اإلفراِد ‪ ،‬كقوله في‬
‫سورة األعراف‪َ{ :‬قاَل َفاْه ِبْط ِم ْنَه ا} [األعراف‪ ]13 :‬وكذلك في سورة (ص)‪ ،‬وهذا إلبليس‬
‫وحده‪.‬‬
‫وحيُث ورَد بصيغة الجمع‪ :‬فهو آلدم وزوجه وإبليس‪ ،‬إْذ مدار القَّصة عليهم‪.‬‬
‫وحيث ورَد بلفظ التثنية‪ :‬فإَّم ا أن يكون آلدم وزوجه‪ ،‬إذ هما اَّللذاِن باشرا األكَل من الشجرة‪،‬‬
‫وأقدما على المعصية‪.‬‬
‫وإَّما أْن يكون آلدَم وإبليس‪ ،‬إذ هما َأَبَو ا الثقلين‪ ،‬وأْص ال الُّذ رَّية‪ ،‬فذكر حالهما‪ ،‬وما آل إليه‬
‫أمرهما ليكون عظًة وعبرة ألوالدهما‪ ،‬وقد ُح ِكيت القوالن في ذلك‪.‬‬
‫واَّلذي يوضح أَّن الضمير في قوله‪َ{ :‬قاَل اْه ِبَطا ِم ْنَه ا َج ِم يًعا} [طه‪ ]123 :‬آلدم وإبليس‪ ،‬أَّن (‪)2‬‬
‫الَّله سبحانه لَّم ا ذكَر المعصيَة أفرد بها آدم دون زوجه‪ ،‬فقال‪َ{ :‬و َعَص ى آَدُم َر َّبُه َفَغَو ى (‪)121‬‬
‫ُثَّم اْج َتَباُه َر ُّبُه َفَتاَب َعَلْيِه َو َه َد ى (‪َ )122‬قاَل اْه ِبَطا ِم ْنَه ا َج ِم يًعا} [طه‪ .]123 - 121 :‬وهذا‬
‫يدُّل على أَّن المخاطب باإلهباِط هو آدم ومن زين له المعصية‪ ،‬ودخلت الزوجة تبًعا‪ ،‬فإَّن‬
‫المقصوَد إخبار الَّله سبحانه للثقلين بما جرى على أبويهما من‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ج‪ ،‬هـ"‪" :‬يذكره"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب‪ ،‬د"‪" :‬ألَّن "‪.‬‬

‫(‪)1/62‬‬

‫شؤم المعصية ومخالفة األمر (‪ ، )1‬فذكر أبويهما أبلُغ في حصوِل هذا المعنى‪ ،‬من ِذ ْك ر َأَبَو ي‬
‫اإلنس فقط‪.‬‬
‫وقد أخبر سبحانه عن الزوجة بأَّنها أكلت مع آدم‪ ،‬وأخبر أَّنه أهبطه وأخرجه من الجَّنة بتلك‬
‫األكلة‪ ،‬فُعِلَم أَّن ُح ْك َم الزوجة كذلك‪ ،‬وأَّنها صارت إلى ما صار إليه آدم‪.‬‬
‫فكان تجريد العناية إلى ذكر حال أبوي الثقلين أولى من تجريده إلى ذكر أبي اإلنِس وُأَّمهم‪،‬‬
‫فتأمله‪.‬‬
‫وبالجملِة فقوله تعالى‪{ :‬اْه ِبُطوا َبْع ُضُك ْم ِلَبْع ٍض َعُد ٌّو } [األعراف‪ ]24 :‬ظاهٌر في الجمع (‪، )2‬‬
‫فال يسوغ حمله على االثنين في قوله تعالى‪{ :‬اْه ِبَطا} [طه‪ ]123 :‬من غير موجب‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وأيًض ا‪ ،‬فالجَّنة جاءت ُمَعَّر فًة بالم التعريِف في جميع المواضع‪ ،‬كقوله‪{ :‬اْس ُك ْن َأْنَت‬
‫َز َك اْل َّنَة} [البقرة‪ .]35 :‬ونظائره‪ ،‬وال جَّنة يعهدها المخاطبون ويعرفونها إاَّل جَّنة الخلِد‬
‫َو ْو ُج َج‬
‫التي وعد الَّر حمن عباده بالغيب‪ ،‬فقد صاَر هذا االسُم َعَلًم ا عليها بالغلبِة‪ :‬كالمدينِة والَّنجِم‬
‫والبيت والكتاب ونظائرها‪ ،‬فحيُث ورد لفظها ُمَعَّر ًفا انصرف إلى الجَّنِة المعهودِة المعلومِة في‬
‫قلوِب المؤمنين‪.‬‬
‫وأَّما إْن ُأريَد به جَّنة غيرها فإَّنها تجيُء منَّك رًة أو مقَّيدًة باإلضافة (‪، )3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ج"‪" :‬اآلِم ر" وكالهما صحيح‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ج‪ ،‬هـ"‪" :‬الجميع" وكالهما صحيح‪.‬‬
‫(‪ )3‬قوله‪" :‬أو مقيدة باإلضافة" سقطت من "ب"‪.‬‬

‫(‪)1/63‬‬
‫أو مقَّيدًة من الِّس ياِق بما يدل على أَّنها جنٌة في األرِض ‪.‬‬
‫فاألَّو ل‪ :‬كقوله‪َ{ :‬ج َّنَتْيِن ِم ْن َأْعَناٍب } [الكهف‪.]32 :‬‬
‫والثاني‪ :‬كقوله‪َ{ :‬و َلْو اَل ِإْذ َدَخ ْلَت َج َّنَتَك } [الكهف‪.]39 :‬‬
‫والثالث‪ :‬كقوله‪ِ{ :‬إَّنا َبَلْو َناُه ْم َك َم ا َبَلْو َنا َأْص َح اَب اْلَج َّنِة} [القلم‪.]17 :‬‬
‫قالوا‪ :‬ومَّم ا يدُّل على أَّن جَّنة آدم هي جَّنة المأوى‪ :‬ما روى هوَذة بن خليفة عن عوف‪ ،‬عن َقَس اَمة‬
‫بن زهير عن أبي موسى األشعري ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪" :‬إَّن الَّلَه تعالى لَّم ا أخرج آدم من الجَّنة‬
‫زَّو ده من ثمار الجَّنة‪ ،‬وعَّلمه صنعة كَّل شيء‪ ،‬فثماركم هذه من ثمار الجَّنة‪ ،‬غير أَّن هذه َتَغَّير‪،‬‬
‫وتلك ال تغَّير (‪)2( " )1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "هـ"‪" :‬تتغَّير‪ ،‬وتلك ال تتغَّير"‪ ،‬وكذا عند ابن أبي حاتم في تفسيره‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه عبد الرزاق في تفسيره‪ ،)66 /1( :‬والطبري في "تفسيره" (‪ ،)175 /1‬وابن أبي‬
‫حاتم في تفسيره رقم (‪ ،)421‬والحاكم في المستدرك (‪ )592 /2‬رقم (‪ ،)3996‬والبيهقي في‬
‫البعث والنشور رقم (‪ ،)198‬والبَّز ار في مسنده رقم (‪ ،)3030‬وابن عساكر في تاريخه (‪/7‬‬
‫‪.)410‬‬
‫من طريق هوذة ومعمر وغندر وعبد الوهاب ومحمد بن ثور وابن أبي عدي كلهم عن عوف به‬
‫فذكره موقوًفا‪.‬‬
‫ورواه ِر ْبِعي بن ُعَلَّية والعباُس بن الفضل األنصاري كالهما عن عوف به مثله مرفوًعا‪.‬‬
‫أخرجه البزار‪ /8( :‬رقم ‪ ،)3029‬والروياني في مسنده رقم (‪.)567‬‬
‫والصواُب أَّنه موقوٌف على أبي موسى األشعري‪ ،‬أَّم ا ربعي فقد أخطأ فيه‪ ،‬وأَّما العَّباُس األنصاري‬
‫فمتروك الحديث‪ ،‬ولهذا قال البَّز ار‪" :‬وهذا الحديُث قد رواه غيُر واحٍد عن عوف عن قسامة عن‬
‫أبي موسى موقوًفا‪ ،‬وال =‬

‫(‪)1/64‬‬

‫قالوا‪ :‬وقد ضمن الَّلُه سبحانه وتعالى له إْن تاَب إليِه‪ ،‬وأناب أْن يعيده إليها‪ ،‬كما روى الِم ْنهال عن‬
‫ِم ِه ِل ٍت‬
‫سعيد بن ُج بير‪ ،‬عن ابن عباس رضي الَّلُه عنهما في قوله تعالى‪َ{ :‬فَتَلَّق ى آَدُم ْن َر ِّب َك َم ا َفَتاَب‬
‫َعَلْيِه} [البقرة‪ .]37 :‬قال‪ :‬يا رَّب ألم تخلقني بيدك؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬أْي رِّب ألم تنفخ فَّي من‬
‫روحك؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬أْي رِّب ألم ُتْس ِكَّني جنتك؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬أْي رِّب ألم تسبق َر ْح َم تك‬
‫َغَض َبَك ؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬قال أرأيَت إن تبُت وأصلحُت أراجعي أنت إلى الجَّنة؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬فهو‬
‫قوله تعالى‪َ{ :‬فَتَلَّق ى آَدُم ِم ْن َر ِّبِه َك ِلَم اٍت َفَتاَب َعَلْيِه} (‪. )1‬‬
‫وله طرق عن ابن عباس (‪ ، )2‬وفي بعضها‪" :‬كأَّن آدم قال لربه إْذ عصاُه‪ :‬رِّب إْن أنا ُتْبُت‬
‫وأصلحُت ‪ ،‬فقال له رُّبه‪ :‬إِّني راجُعك إلى الجَّنة" (‪. )3‬‬
‫فهذه بعض ما احتَّج به القائلون بأَّنها جَّنة الخلد‪ ،‬ونحن نسوُق ُح جج اآلخرين‪.‬‬
‫__________‬
‫= نعلُم أحًد ا رفعه إاَّل ربعي"‪.‬‬
‫واألثر صَّح حُه موقوًفا الحاكم فقال‪" :‬صحيح اإلسناِد ‪ ،‬ولم يخِّر جاُه"‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبري في تفسيره‪ ،)243 /1( :‬واآلجري في الشريعة‪)1182 - 1181 /3( :‬‬
‫رقم (‪ ،)755‬والحاكم في المستدرك (‪ )594 /2‬رقم (‪.)4002‬‬
‫من طريق ابن أبي ليلى والحسن بن صالح عن المنهال به مثله‪.‬‬
‫قال الحاكُم‪" :‬هذا حديٌث صحيح اإلسناِد ‪ ،‬ولم يخرجاه"‪ .‬وهو كما قال‪.‬‬
‫(‪ )2‬عند ابن أبي حاتم في تفسيره رقم (‪ ،)411‬والطبري (‪.)243 /1‬‬
‫(‪ )3‬عند الطبري‪ )243 /1( :‬وال يثبت سنده‪.‬‬

‫(‪)1/65‬‬

‫الباب الَّر ابع في سياق حجج الطائفة التي قالت‪ :‬ليست جَّنة الخلِد ‪ ،‬وإَّنما هي جَّنٌة في األرِض‬
‫قالوا‪ :‬هذا قول تكثر الَّدالئُل الموجبة للقول به‪ ،‬فنذكر بعضها‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬قد أخبَر الَّلُه سبحانه على لسان جميع رسله‪ :‬أَّن جنة الُخ لد إَّنما يكون الدخول إليها يوم‬
‫القيامة‪ ،‬ولم يأت زمن دخولها َبْع ُد ‪ ،‬وقد وصفها الَّلُه سبحانه وتعالى لنا في كتابه بصفاتها‪ ،‬وُمحال‬
‫أن يصف الَّلُه سبحانه وتعالى شيًئا بصفة‪ ،‬ثَّم يكون ذلك الشيء بغير تلك الصفة التي وصفها به‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬فوجدنا الَّله تعالى وصف الجَّنة التي ُأِع َّدت للمتقين بأَّنها‪َ{ :‬داَر اْلُم َق اَمِة} [فاطر‪،]35 :‬‬
‫فمن دخلها أقام بها‪ ،‬ولم يقم آدم بالجَّنة التي دخلها‪.‬‬
‫ووصفها بأَّنها‪َ{ :‬ج َّنُة اْلُخ ْلِد } [الفرقان‪ .]15 :‬وآدم لم ُيَخ َّلد فيها‪.‬‬
‫ووصفها بأَّنها‪ :‬دار ثواٍب وجزاٍء ‪ ،‬ال دار تكليف وأمٍر ونهي‪.‬‬
‫ووصفها بأَّنها (‪ :)1‬دار سالمٍة مطلقٍة ‪ ،‬ال دار ابتالٍء وامتحاٍن ‪ ،‬وقد ابتلي فيها آدم بأعظم االبتالء‪.‬‬
‫ووصفها بأَّنها‪ :‬داٌر ال ُيعصى الَّلُه فيها أبًد ا‪ ،‬وقد عصى آدُم رَّبه في‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سقط من "ج"‪.‬‬

‫(‪)1/66‬‬

‫جنته التي دخلها‪.‬‬


‫ووصفها بأَّنها‪ :‬ليست دار خوٍف وال َحَز ٍن ‪ ،‬وقد حصَل لألبوين فيها من الخوف والحزن ما‬
‫حصل‪.‬‬
‫وَس َّم اها‪ :‬داَر السالم ولم يْس َلم فيها األبواِن من الِف تنة‪.‬‬
‫وداَر القرار‪ ،‬ولم يستقَّر ا فيها‪.‬‬
‫وقال في داخليها‪َ{ :‬و َم ا ُه ْم ِم ْنَه ا ِبُم ْخ َر ِج يَن (‪[ } )48‬الحجر‪ ]48 :‬وقد ُأْخ ِرَج منها األبوان‪.‬‬
‫وقال‪{ :‬اَل َيَم ُّس ُه ْم ِفيَه ا َنَصٌب } [الحجر‪ ،]48 :‬وقد نَّد فيها آدم (‪ )1‬هارًبا فاًّر ا‪ ،‬وطفق يخصف‬
‫ورق الجَّنة على نفسه‪ ،‬وهذا الَّنَص ُب بعينه‪.‬‬
‫وأخبر أَّنه‪{ :‬اَل َلْغٌو ِفيَه ا َو اَل َتْأِثيٌم (‪[ } )23‬الطور‪ ،]23 :‬وقد سمع فيها آدم لغَو إبليس وإثمه‪.‬‬
‫وأخبر أَّنه ال ُيْسَمُع فيها لغٌو وال (‪ِ )2‬كَّذ اٌب ‪ ،‬وقد سمع فيها آدم عليه السالم َك ِذ ب إبليس وإثمه‪.‬‬
‫وقد سَّم اها الَّلُه سبحانه وتعالى‪َ{ :‬م ْق َعِد ِص ْد ٍق } [القمر‪ ،]55 :‬وقد َكَذ َب فيها إبليُس ‪ ،‬وحلف‬
‫على كذبه‪.‬‬
‫وقد قال تعالى للمالئكة‪ِ{ :‬إِّني َج اِع ٌل ِفي اَأْلْر ِض َخ ِليَفًة} [البقرة‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله‪" :‬نَّد فيها آدم" ليس في "أ‪ ،‬ج"‪" :‬آدم"‪ ،‬وليس في "هـ"‪" :‬نَّد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬قوله‪" :‬لغو وال" سقط من "ج"‪.‬‬

‫(‪)1/67‬‬
‫‪ ،]30‬ولم يقل‪ :‬إِّني جاعل في جَّنة المأوى‪ ،‬فقالت المالئكة‪َ{ :‬أَتْجَعُل ِفيَه ا َمْن ُيْف ِس ُد ِفيَه ا‬
‫َو َيْس ِف ُك الِّد َماَء} [البقرة‪ ]30 :‬ومحال أْن يكون هذا في جنة المأوى‪.‬‬
‫وقد أخبر الَّلُه سبحانه عن إبليس أَّنه قال آلدَم‪َ{ :‬ه ْل َأُدُّلَك َعَلى َش َج َر ِة اْلُخ ْلِد َو ُمْلٍك اَل َيْبَلى (‬
‫‪[ } )120‬طه‪.]120 :‬‬
‫فإن كان (‪ )1‬الَّلُه سبحانه وتعالى قد أسكَن آدم جنة الخلد والُم لك اَّلذي ال َيْبَلى‪ ،‬فكيف ال (‪)2‬‬
‫يرد عليه ويقول له‪ :‬كيف َتُد ُّلني على شيٍء أنا فيه‪ ،‬وقد ُأْع ِط يُته‪ ،‬ولم يكن الَّلُه سبحانه وتعالى قد‬
‫أخبر آدم إذ أسكنه الجَّنة أَّنه فيها من الخالدين‪ ،‬ولو علم أَّنها دار الخلد لما ركن إلى قول‬
‫إبليس‪ ،‬وال مال إلى نصيحته‪ ،‬ولكَّنه لما كان في غير دار خلوٍد غَّر ُه بما أطمعه (‪ )3‬فيه من‬
‫الُخ ْلِد ‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ولو كان آدم ُأْس ِكَن جنة الخلد‪ ،‬وهي دار الُقدس التي ال يسكنها إاَّل طاهٌر مقَّد ٌس ‪ ،‬فكيف‬
‫توَّص ل إليها إبليُس الرجس النجس المذموم الَم ْد ُح ور‪ ،‬حتى فتن فيها آدم عليه السالم ووسوس‬
‫له؟ وهذه الوسوسة‪ :‬إَّما أْن تكون في قلبه‪ ،‬وإَّما أْن تكوَن في ُأُذِنِه ‪ ،‬وعلى التقديرين‪ ،‬فكيف‬
‫توصَل اَّللعيُن إلى دخول دار المتقين‪.‬‬
‫وأيًض ا؛ فبعد أْن قيَل له‪َ{ :‬فاْه ِبْط ِم ْنَه ا َفَم ا َيُك وُن َلَك َأْن َتَتَكَّبَر ِفيَه ا}‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ليس في "ج"‪.‬‬
‫(‪ )2‬من "أ"‪ ،‬وفي باقي النسخ "لم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ج"‪" :‬أطعمه" وهو خطأ‪.‬‬

‫(‪)1/68‬‬

‫[األعراف‪ ،]13 :‬أيفسح له أْن يرقى إلى جنة المأوى فوق الَّس ماء الَّس ابعة بعد السخط عليه‪،‬‬
‫واإلبعاِد له‪ ،‬والَّد ْح ر (‪ )1‬والطرد بُعُتَّو ِه (‪ )2‬واستكباره‪ ،‬وهل هذا يالئم قوله‪َ{ :‬فَم ا َيُك وُن َلَك َأْن‬
‫َتَتَكَّبَر ِفيَه ا} فإْن كانت مخاطبته آلدم بما خاطبه به وقاسمه عليه ليست َتَكُّبًر ا‪ ،‬فما التكبر بعد‬
‫هذا؟!‬
‫فإْن قلتم‪ :‬فلعَّل وسوسته وصلْت إلى األبوين‪ ،‬وهو في األرِض ‪ ،‬وهما فوق السماء في عليين =‬
‫فهذا غير معقوٍل لغة وال حًّس ا وال ُعْر ًفا‪.‬‬
‫وإن زعمتم أَّنه دخَل في بطن الحَّية حتى أوصل إليهما الوسوسة = فأبطُل وأبطُل‪ ،‬إذ كيف َيْر قى‬
‫(‪ )3‬بعد اإلهباِط له إلى أْن يدخل الجَّنة‪ ،‬ولو في بطن الحَّية؟!‬
‫وإْن قلتْم ‪ :‬إَّنه دخَل في قلوبهما‪ ،‬ووسوس إليهما = فالمحذور قائم‪.‬‬
‫وأيًض ا؛ فإَّن الَّلَه سبحانه وتعالى حكى (‪ )4‬مخاطبته لهما كالًم ا سمعاُه شفاًه ا‪ ،‬فقال‪َ{ :‬م ا َنَه اُك َم ا‬
‫َر ُّبُك َم ا َعْن َه ِذِه الَّش َج َر ِة} [األعراف‪ ،]20 :‬وهذا دليٌل على مشاهدته لهما وللَّش جرة‪ ،‬ولَّم ا كان‬
‫آدم خارًج ا من الجَّنة وغير ساكن فيها قال الَّله تعالى له‪َ{ :‬أَلْم َأْنَه ُك َم ا َعْن ِتْلُك َم ا الَّش َج َر ِة}‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ج"‪" :‬والزجر"‪ ،‬وفي "هـ"‪" :‬والدحور"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في حاشية "ج" ما نُّصه‪" :‬الُعتو‪ :‬التجاوز عن الحَّد"‪ ،‬ووقع في "هـ"‪" :‬لعتَّو ه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ب‪ ،‬د"‪" :‬ترَّقى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬جاء في نسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬حكى عن"‪.‬‬

‫(‪)1/69‬‬

‫ِذِه‬
‫[األعراف‪ ]22 :‬ولم يقل عن هذه الشجرة‪ ،‬فعندما قال لهما‪َ{ :‬ما َنَه اُك َم ا َر ُّبُك َم ا َعْن َه‬
‫الَّش َج َر ِة} [األعراف‪ ]20 :‬لما أطمعهما في ُمْلكها‪ ،‬والخلود في مقَّر ها أتى باسم اإلشارة بلفظ‬
‫الحضور‪ ،‬تقريًبا لها‪ ،‬وإحضاًر ا لها عندهما‪ ،‬وربهما تعالى قال لهما‪َ{ :‬أَلْم َأْنَه ُك َم ا َعْن ِتْلُك َم ا‬
‫الَّش َج َر ِة} [األعراف‪ ،]22 :‬ولَّم ا أراد إخراجهما منها‪ ،‬فأتى باسم اإلشارِة بلفظ الُبعد والغيبة‪،‬‬
‫كأَّنهما لم يبق لهما من الجَّنة حتى وال مشاهدة الشجرة التي ُنهيا عنها‪.‬‬
‫وأيًض ا؛ فإَّنه سبحانه قال‪ِ{ :‬إَلْيِه َيْصَعُد اْلَك ِلُم الَّطِّيُب } [فاطر‪ ]10 :‬ووسوسة اللعين من أخبث‬
‫الَك ِلم‪ ،‬فال يصعد إلى محل القدس‪.‬‬
‫قال منذر‪" :‬وقد روي عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬أَّن آدَم عليه السالم ناَم في جنته" (‪)1‬‬
‫‪ .‬وجنة الُخ ْلد ال نوم فيها بالَّنص‪ ،‬وإجماع المسلمين‪ ،‬فإَّن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ُ -‬س ِئَل‪:‬‬
‫أيناُم أهُل الجَّنة في الجَّنة؟ قال‪" :‬ال‪ ،‬النوُم أخو الموِت " (‪ )2‬والنوم وفاٌة‪ ،‬وقد نطق به القرآن‪،‬‬
‫والوفاة َتَق ُّلُب حاٍل ‪ ،‬ودار‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬لم أقف عليه مرفوًعا‪.‬‬
‫وسيذكر المؤلف أَّنه جاء عن مجاهد‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البزاُر في مسنده‪ ،‬كما في "كشف األستار"‪ ،)3517 /4( :‬وأبو الشيخ األصبهاني‬
‫في تاريخ أصبهان رقم (‪ 353‬و ‪ )477‬وغيرهما‪.‬‬
‫من طريق الفريابي والحسين بن حفص وغيرهما عن الثوري عن محمد ابن المنكدر عن جابر‬
‫فذكره مرفوًعا‪.‬‬
‫وهذا خطٌأ على الثوري‪ ،‬والصواب أَّن الحديَث مرسل ليس فيه جابر بن عبد الَّلِه‪.‬‬
‫هكذا رواه وكيع وجرير وابن المبارك واألشجعي وقطبة وعبيد الَّله بن موسى‪ ،‬والفريابي ‪-‬في‬
‫الرواية الراجحة عنه‪ -‬ومخلد بن يزيد وقبيصة كلهم =‬

‫(‪)1/70‬‬

‫الَّس الم مسَّلمٌة من تقلب األحواِل ‪ ،‬والَّنائُم ميت أو كالميت"‪.‬‬


‫قلت‪ :‬الحديث اَّلذي أشار إليه المعروف أَّنه موقوف من رواية ابن أبي نجيح‪ ،‬عن مجاهد قال‪:‬‬
‫"ُخ ِلَق ْت حواُء من َقِص ْيرى آدم وهو نائٌم" (‪. )1‬‬
‫وقال َأْسَباط عن الُّس ِّدي‪ُ" :‬أْس ِكن آدم عليه السالم الجَّنة‪ ،‬وكان يمشي فيها َو ِح ًش ا ليس له زوج‬
‫يسكن إليها‪ ،‬فنام نومًة‪ ،‬فاستيقظ‪ ،‬فإذا عنَد رأسه امرأة قاعدة خلقها الَّلُه من ِض َلعه‪ ،‬فسألها ما‬
‫أنت؟ قالت‪ :‬امرأة‪ ،‬قال‪ :‬وِلَم ُخ ِلْق ِت ؟ قالت‪ :‬لتسكن إلَّي " (‪. )2‬‬
‫وقال ابن إسحاق عن ابن عباس رضي الَّلُه عنهما‪ُ" :‬أْلِق َي على آدم‬
‫__________‬
‫= عن الثوري عن ابن المنكدر مرساًل ‪.‬‬
‫أخرجه أحمد في الزهد رقم (‪ ،)43‬وابن المبارِك في الزهد‪ ،)279( :‬والعقيلي في الضعفاء‪/2( :‬‬
‫‪ ،)301‬والبيهقي في البعث والنشور رقم‪ 485( :‬و ‪.)486‬‬
‫ورواه المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه مرساًل نحوه‪.‬‬
‫أخرجه ابن حبيب في وصف الفردوس رقم (‪.)251‬‬
‫ولهذا قال أبو حاتم الَّر ازي ‪-‬وقد ُس ِئَل عن طريق الفريابي‪" :-‬الصحيح ابن المنكدر عن الَّنبي ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬ليس فيه جابر"‪ ،‬علل ابن أبي حاتم (‪ )219 /2‬رقم (‪.)2147‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره‪ )853 /3( :‬رقم (‪ ،)4719‬وهو أثر ثابت عن مجاهد‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره رقم (‪ ،)376‬والطبري‪ ،)229 /1( :‬وسنده ال بأس به‪.‬‬

‫(‪)1/71‬‬

‫عليه الَّس الم الِّس نة‪ ،‬ثَّم ُأِخ َذ ضلًع ا من أضالعه من شقه األيسر‪ ،‬وألم مكانه لحًم ا‪ ،‬وآدم نائٌم‪ ،‬لم‬
‫َيُه َّب من نومته‪ ،‬حتى خلق الَّلُه من ضلعه تلك زوجته حواء‪ ،‬فسواها امرأًة يسكن إليها‪ ،‬فلَّم ا‬
‫كشف عنه الَّس نة‪ ،‬وَه َّب من نومته رآها إلى جنبه فقال‪ :‬لْح مي ودمي وزوجي (‪ ، )1‬فسكن إليها"‬
‫(‪. )2‬‬
‫قالوا‪ :‬وال نزاع أَّن الَّلَه سبحانه وتعالى خلَق آدم في األرِض ‪ ،‬ولم َيْذكر في موضع واحٍد أصاًل أَّنه‬
‫نقله إلى السماء بعد ذلك‪ ،‬ولو كان قد نقله بعد ذلك إلى الَّس ماِء لكان هذا أولى بالذكر؛ ألَّنه من‬
‫أعظم اآليات‪ ،‬ومن أعظم الَّنَعِم عليه‪ ،‬فإَّنه كان ِم ْع راًج ا ببدنه وروحه من األرِض إلى فوق‬
‫السماوات‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وكيف نقله سبحانه ويسكنه فوق الَّس ماِء ‪ ،‬وقد أخبر مالئكته أَّنه جاِع ُلُه في األرِض خليفًة (‬
‫‪ ، )3‬وكيف يسكنه دار الخلد التي من دخلها ُيَخ َّلُد فيها‪ ،‬وال يخرج منها؟ قال تعالى‪َ{ :‬و َم ا ُه ْم‬
‫ِم ْنَه ا ِبُم ْخ َر ِج يَن (‪[ } )48‬الحجر‪.]48 :‬‬
‫قالوا‪ :‬ولو لم يكن َمَعَنا في المسألة إاَّل أَّن الَّلَه سبحانه أهبط إبليس من الَّس ماِء حين امتنع من‬
‫السجود آلدم عليه السالم‪ ،‬وهذا أمر تكوين‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "هـ"‪" :‬وزوجتي"‪ ،‬وفي "ب‪ ،‬د"‪ُ" :‬ر وحي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبري في تفسيره‪.)230 /1( :‬‬
‫وهو ال يثبت عن ابن عباٍس ؛ لعدم معرفة الواسطة بين ابن إسحاق وابن عباس؛ وألَّن شيخ الطبري‬
‫ابن حميد‪ ،‬متكلٌم فيه‪.‬‬
‫(‪ )3‬من المطبوعة‪.‬‬

‫(‪)1/72‬‬
‫ال يمكن وقوع خالفه‪ ،‬ثَّم أدخل آدم عليه السالم الجَّنة بعد هذا‪ ،‬فإَّن األمَر بالسجود كان عقيب‬
‫خلقه من غير فصل‪ ،‬فلو كانت الجَّنة (‪ )1‬فوق السماوات لم يكن إلبليس سبيٌل إلى صعوِد ه‬
‫إليها‪ ،‬وقد ُأهِبَط منها‪.‬‬
‫وأَّم ا تلك التقادير التي قَّدرتموها فتكُّلفات ظاهرة‪:‬‬
‫كقول من قال‪ :‬يجوز أْن يصعد إليها صعوًدا عارًض ا ال مستقًّر ا‪.‬‬
‫وقول من قال‪ :‬أْدَخ َلْته الحَّية‪.‬‬
‫وقول من قال‪ :‬دخل في أجوافهما (‪. )2‬‬
‫وقول من قال‪ :‬يجوُز أن تصل وسوسته إليهما وهو في األرِض ‪ ،‬وهما فوق الَّس ماء‪.‬‬
‫وال يخفى ما في ذلك من التعسف الَّش ديد‪ ،‬والتكلف البعيد‪ ،‬وهذا بخالف قولنا‪ ،‬فإَّنه لما أهبطه‬
‫سبحانه من ملكوت السماء حيث لم يسجد آلدم عليه السالم ُأْش ِر َب عداوته‪ ،‬فلَّم ا أسكنه جنته‬
‫حسده عدوه‪ ،‬وسعى بكيِدِه وغروره في إخراجه منها‪ ،‬والَّلُه أعلم‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ومَّم ا يدُّل على أَّن جَّنة آدم لم تكن جنة الخلِد التي ُو ِع َد المتقون‪ :‬أَّن الَّلَه سبحانه لما خلقه‬
‫أعلمه أَّن ِلُعُم ِر ِه أجاًل ينتهي إليه‪ ،‬وأَّنه لم يخلقه للبقاِء ‪ ،‬كما روى الترمذي في "جامعه" من حديث‬
‫أبي هريرة ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬لما َخ َلَق الَّلُه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "أ‪ ،‬ج"‪" :‬الحَّية" وهو خطأ‪ ،‬وصوب ناسخ "أ" أنها "الجنة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب"‪ :‬و"أجوافها"‪.‬‬

‫(‪)1/73‬‬

‫آدم ونفَخ فيه من الروح عطس‪ ،‬فقال‪ :‬الحمُد لَّلِه‪ ،‬فحمَد الَّله (‪ )1‬بإذنه‪ ،‬فقال له رُّبه‪ :‬يرحمك‬
‫الَّله يا آدُم‪ ،‬اذهب إلى أولئك المالئكة إلى مأل منهم جلوس فقل‪ :‬السالم عليكم قالوا‪ :‬وعليك‬
‫الَّس الم (‪ ، )2‬ثَّم رجع إلى رَّبه فقال‪ :‬إَّن هذه الَّتحية (‪ )3‬تحيتك وتحية َبِنْيك بينهم‪ ،‬فقال الَّلُه له‬
‫ويداه مقبوضتان‪ :‬اختر أيهما شئت‪ ،‬فقال‪ :‬اخترت يمين ربي ‪-‬وكلتا َيَد ي رِّبي يميٌن مباركة‪ -‬ثَّم‬
‫بسطها فإذا فيها آدم وذريته‪ ،‬فقال‪ :‬يا رب ما هؤالِء ؟ قال‪ :‬هؤالء ُذَّر يُتك‪ ،‬فإذا كُّل إنساٍن‬
‫مكتوٌب ُعُم ره بين عينيه‪ ،‬فإذا رجٌل أضوؤهم‪ ،‬أو من أضوئهم قال‪ :‬يا رَّب من هذا؟ قال‪ :‬هذا‬
‫ابُنك داود‪ ،‬وقد َك تبُت َلُه ُعُم ر أربعين سنًة‪ ،‬قال‪ :‬يا رِّب زْد في عمره‪ ،‬قال‪ :‬ذلك اَّلذي كتبُت له‪،‬‬
‫قال‪ :‬رَّب ‪ ،‬فإَّني قد جعلُت له من ُعُم ري ِس َّتين سنة‪ ،‬قال‪ :‬أنت وذاك‪ ،‬قال‪ :‬ثَّم ُأسِكَن آدم الجَّنة ما‬
‫شاَء الَّلُه‪ ،‬ثَّم ُأْه بط منها‪ ،‬فكان آدم َيُعُّد ِلَنْف ِس ِه‪ :‬فأتاُه َم َلُك الموِت فقال له آدم‪ :‬قد عجلَت قد‬
‫ُك ِتَبْت لي ألُف سنٍة ‪ ،‬قال‪ :‬بلى‪ ،‬ولكَّنك جعلَت البنك داوَد ستين سنة‪ ،‬فجَح َد فجحدت ذريته‪،‬‬
‫وَنِس َي فنسيت ُذَّر يُته‪ ،‬قال‪ :‬فمن يومئٍذ ُأِم َر بالكتاب والُّش هوِد " (‪. )4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله‪" :‬فحمد الَّله" من الترمذي وغيره‪.‬‬
‫(‪ )2‬قوله‪" :‬قالوا‪ :‬وعليك الَّس الم" من الترمذي‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ب‪ ،‬د"‪" :‬هذه تحيتك‪." . . .‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الترمذي برقم (‪ ،)3368‬والنسائي في عمل اليوم والليلة رقم (‪ ،)218‬وابن أبي‬
‫عاصم في "السنة" رقم (‪ ،)206‬وابن حبان في صحيحه رقم (‪ ،)6167‬والحاكم في المستدرك‪:‬‬
‫(‪ )133 - 132 /1‬رقم (‪ )214‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ُذباب عن سعيد المقبري عن =‬

‫(‪)1/74‬‬

‫قال‪" :‬هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه‪ ،‬وقد ُر ِو َي من غير وجٍه عن أبي هريرة" (‪. )1‬‬
‫قالوا‪ :‬فهذا صريٌح في أَّن آدَم عليه السالم لم ُيْخ َلق في دار البقاِء التي ال يموت من دخلها‪ ،‬وإَّنما‬
‫ُخ ِلَق في دار الفناء التي جعل الَّلُه تعالى لها ولُس َّك اِنها أجاًل معلوًم ا‪ ،‬وفيها ُأْس ِكَن ‪.‬‬
‫فإْن قيَل‪ :‬فإذا كان آدُم عليه السالم قد علم أَّن له عمًر ا ُمَق َّد ًر ا‪ ،‬وأجاًل ينتهي إليه‪ ،‬وأَّنه ليَس من‬
‫الخالدين‪ ،‬فكيف لم َيْع َلْم َك ذَب إبليس في قوله‪َ{ :‬ه ْل َأُدُّلَك َعَلى َش َج َر ِة اْلُخ ْلِد } [طه‪]120 :‬؟‬
‫وقوله‪َ{ :‬أْو َتُك وَنا ِم َن اْلَخ اِلِد يَن (‪[ } )20‬األعراف‪.]20 :‬‬
‫__________‬
‫= أبي هريرة فذكر‪.‬‬
‫والحديث تفَّر د به الحارث ‪-‬وهو صدوٌق يهم‪ -‬عن المقبري‪ ،‬كما أشار إليه الترمذي بقوله‪. ." :‬‬
‫غريب"‪.‬‬
‫لكن أعَّله النسائي بأَّن هذا خطأ‪ ،‬وأَّن الصواب ما رواه ابن عجالن عن سعيد المقبري عن أبيه عن‬
‫عبد الَّله بن سالم فذكره موقوًفا مختصًر ا إلى قوله‪" :‬هذه تحيتك وتحية ذريتك"‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو صالح وأبو سلمة والشعبي ويزيد بن هرمز كلهم عن أبي هريرة مختصًر ا‪.‬‬
‫أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (‪ )220‬وغيره‪.‬‬
‫لكن قال النسائي‪" :‬وهو منكر"‪.‬‬
‫وله طريق آخر عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوًعا مختصًر ا‪.‬‬
‫أخرجه ابن سعد‪ )28 - 27 /1( :‬وغيره‪.‬‬

‫(‪)1/75‬‬

‫فالجواُب من وجهين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أَّن الُخ لد ال يستلزم الدوام والبقاء‪ ،‬بل هو المكث الطويل‪ ،‬كما سيأتي (‪. )1‬‬
‫الثاني‪ :‬أَّن إبليس لما حلف لُه‪ ،‬وَغَّر ه وأطمعه في الخلود نسي ما ُقَّد َر له من ُعُم ره‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وأيًض ا فمن المعلوم اَّلذي ال ينازع فيه مسلٌم أَّن الَّله سبحانه خلق آدم عليه السالم من تربة‬
‫ِم‬ ‫ٍة ِم ِط‬ ‫ِم‬
‫هذه األرض‪ ،‬وأخبر أَّنه خلقه { ْن ُس اَل َل ْن يٍن (‪[ } )12‬المؤمنون‪ ،]12 :‬وأَّنه خلقُه { ْن‬
‫َص ْلَص اٍل ِم ْن َحَم ٍإ َمْس ُنوٍن (‪[ } )26‬الحجر‪ .]26 :‬فقيل‪ :‬هو اَّلذي له صلصلة لُيْبِس ِه‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هو اَّلذي قد َتَغَّيرت رائحته‪ ،‬من قولهم‪َ :‬ص َّل اللحم إذا تغَّيَر ‪.‬‬
‫والَحَم ُأ‪ :‬الِّطْيُن األسود الُم َتَغير‪ .‬والَمْس ُنون‪ :‬الَم ْص ُبوب‪.‬‬
‫وهذه كلها أطوار للتراب اَّلذي هو مبدؤه األَّو ل‪ ،‬كما أخبَر عن أطوار خلق الذرية {ِم ْن ُنْطَف ٍة ُثَّم‬
‫ِم ْن َعَلَق ٍة ُثَّم ِم ْن ُمْضَغٍة} [الحج‪ ]5 :‬ولم يخبر سبحانه وتعالى أَّنه رفعه من األرِض إلى فوق‬
‫السماوات‪ ،‬ال قبل الَّتْخ ِليق وال بعده‪ ،‬فأين الدليل الَّداُّل على إْص عاد ماَّدته‪ ،‬أو إصعاده (‪ )2‬هو‬
‫بعد خلقه‪ ،‬وهذا ما ال دليل لكم عليه‪ ،‬وال هو الِز ٌم من لوازم ما‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ص (‪.)784 ،82‬‬
‫(‪ )2‬في "ب‪ ،‬ج"‪" :‬وإْصَعاده"‪.‬‬

‫(‪)1/76‬‬
‫أخبر الَّلُه به؟‬
‫قالوا‪ :‬ومن المعلوم أَّن ما فوق السماوات ليس بمكان للطين األرضي المتغير الَّر ائحة اَّلذي قد‬
‫أْنَتن من تغيره‪ ،‬وإَّنما محل هذا األرِض التي هي محل الُم َتغَّيرات الفاسدات‪ ،‬وأَّما ما فوق األفالك‬
‫فال يلحقه َتَغُّير وال َنَتٌن وال فساٌد (‪ )1‬وال استحالة‪ ،‬فهذا أمٌر ال يرتاُب فيه العقالء‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وقد قال الَّلُه تعالى‪َ{ :‬و َأَّما اَّلِذ يَن ُس ِعُد وا َفِف ي اْلَج َّنِة َخ اِلِد يَن ِفيَه ا َم ا َداَمِت الَّس َم اَو اُت‬
‫َو اَأْلْرُض ِإاَّل َم ا َش اَء َر ُّبَك َعَطاًء َغْيَر َمْج ُذ وٍذ (‪[ } )108‬هود‪ ،]108 :‬فأخبر سبحانه أَّن عطاء‬
‫جنة الخلد غير مجذوذ‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬فإذا ُج ِم َع ما أخبر الَّلُه سبحانه به من أَّنه خلقه من األرِض ‪ ،‬وجعله خليفة في األرِض ‪ ،‬وأَّن‬
‫إبليس وسوس إليه في مكانه اَّلذي أسكنه فيه‪ ،‬بعد أْن أهبطه من السماء بامتناعه من السجود له‪،‬‬
‫وأَّنه أخبر مالئكته أَّنه {َج اِع ٌل ِفي اَأْلْر ِض َخ ِليَفًة} [البقرة‪ ،]30 :‬وأَّن دار الخلد‪ :‬دار جزاء‬
‫وثواٍب على االمتحان والَّتكاليف‪ ،‬وأَّنها ال لغَو فيها وال تأثيم وال ِكَّذ اًبا‪ ،‬وأن من دخلها ال يخرج‬
‫منها‪ ،‬وال َيْبُؤ س وال يحزن‪ ،‬وال يخاف وال يناُم‪ ،‬وأَّن الَّلَه حرمها على الكافرين‪ ،‬وإبليس رأس‬
‫الكفر‪ ،‬فإذا ُج ِم َع ذلك بعضه إلى بعٍض ‪ ،‬وفَّك ر فيه الُم ْنِص ُف اَّلذي ُر ِفَع له علم الدليل‪ ،‬فشَّم ر إليه‪،‬‬
‫وربأ بنفسه عن حضيض التقليد َتَبَّين له الصواُب ‪ ،‬والَّلُه الموفق‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله‪" :‬وال فساد" ليس في "أ‪ ،‬ج"‪.‬‬

‫(‪)1/77‬‬

‫قالوا‪ :‬ولو لم يكن في هذه المسألة إاَّل أَّن الجَّنة ليسْت دار تكليٍف ‪ ،‬وقد كلف الَّله سبحانه‬
‫األبوين ِبَنْه يِه َم ا عن األكل من الشجرة‪ ،‬فدَّل على أَّنها دار تكليف (‪ )1‬ال دار جزاء وُخ ْلد‪.‬‬
‫فهذا أيًض ا بعض ما احتجْت به هذه الفرقة على قولها (‪ ، )2‬والَّلُه أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله‪" :‬دار تكليف" ليس في "ج"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "أ‪ ،‬ج‪ ،‬هـ"‪" :‬قولنا" وهو خطأ‪.‬‬

‫(‪)1/78‬‬
‫الباب الخامس في جواب أرباب هذا القول ألصحاب القول األَّو ل‬
‫قالوا‪ :‬أَّما قولكم‪ :‬إّن قولنا هو اَّلذي فطر الَّلُه عليه عباده بحيث ال يعرفون ِس َو اُه‪ ،‬فالمسألُة سمعية‬
‫ال ُتْع َر ُف إاَّل بأخبار الرسل‪ ،‬ونحن وأنتم إَّنما تلقينا هذا من القرآن‪ ،‬ال من المعقول وال من‬
‫الفطرة‪ ،‬فالمَّتبع فيه ما دَّل عليه كتاُب الَّلِه تعالى وسَّنة رسوله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬ونحن‬
‫نطالبكم بصاحٍب واحِد ‪ ،‬أو تابٍع أو أثٍر صحيٍح أو حسن‪ ،‬يصِّر ح بأنها جَّنُة الخلد التي أعَّدها الَّلُه‬
‫للمؤمنين بَعْيِنَه ا‪ ،‬ولن تجدوا إلى ذلك سبياًل ‪ ،‬وقد أوجدناكم من كالم السلف ما يدل على‬
‫خالفه‪ ،‬ولكن لَّم ا وردت الجَّنة ُمْطلقًة في هذه الِق َّص ة‪ ،‬وافقت اسم الجَّنة التي أعَّدها الَّلُه لعباده‬
‫في إطالقها‪ ،‬وبعض أوصافها‪ ،‬فذهب كثيٌر من األوهام إلى أَّنها هي بعينها‪ ،‬فإْن أردتم بالفطرة هذا‬
‫القدر لم ُيِف ْدكم شيًئا‪ ،‬وإْن أردتم أَّن الَّلَه فطر الخلق على ذلك كما فطرهم على ُحْس ن العدل‬
‫وقبح الظلم‪ ،‬وغير ذلك من األمور الِف ْطرية فدعوى باطلة‪ ،‬ونحن إذا رجعنا [‪ /26‬ب] إلى فطرنا‬
‫لم نجد علمها بذلك‪ ،‬كعلمها (‪ )1‬بوجوب الواجبات‪ ،‬واستحالة المستحيالت‪.‬‬
‫وأَّم ا استداللكم بحديث أبي هريرة ‪-‬رضي الَّله عنه‪ ،-‬وقول آدم‪" :‬وهل أخرجكم منها إاَّل خطيئة‬
‫أبيكم؟ " (‪ )2‬فإَّنما يدُّل على تأُّخر آدم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب"‪" :‬لم نجد علمنا بذلك كعلمنا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم رقم (‪ ،)195‬من حديث أبي هريرة رضي الَّله عنه‪.‬‬

‫(‪)1/79‬‬

‫عليه السالم عن االستفتاح (‪ )1‬للخطيئة التي تقدمت منه في دار الدنيا‪ ،‬وأَّنه بسبب تلك الخطيئة‬
‫حصل له الخروج من الجَّنة‪ ،‬كما في اللفظ اآلخر‪" :‬إني ُنِه يُت عن أكل الشجرة فأكلت منها" (‬
‫‪ ، )2‬فأيَن في هذا ما يدل على أَّنها جنة المأوى بمطابقٍة أو َتَض ُّم ن أو اْس ِتلزام‪ ،‬وكذلك قول‬
‫موسى له‪" :‬أخرجتنا ونفَس َك من الجَّنة" (‪ ، )3‬فإَّنه لم يقل له‪ :‬أخرجتنا من جنة الخلد‪.‬‬
‫وقولكم‪ :‬إَّنهم خرجوا إلى بساتين من جنس الجَّنة التي في األرِض ‪ ،‬فاسم الجَّنة وإن ُأْطِلَق على‬
‫تلك البساتين‪ ،‬فبينها وبين جَّنة آدم ما ال يعلمه إاَّل الَّلُه‪ ،‬وهي كالسجن بالَّنسبة إليها‪ ،‬واشتراكهما‬
‫في كونهما في األرِض ال ينفي تفاوتهما أعظم تفاوٍت في جميع األشياء‪.‬‬
‫وأَّم ا استداللكم بقوله تعالى‪َ{ :‬و ُقْلَنا اْه ِبُطوا} [البقرة‪ ]36 :‬عقيب إخراجهم من الجَّنة‪ ،‬فلفُظ‬
‫الهبوط ال يستلزم النزول من السماء إلى األرض‪ ،‬وغايته أن يدَّل على النزول من مكان عال إلى‬
‫أسفل منه‪ ،‬وهذا غير منكر‪ ،‬فإَّنها كانت جَّنًة في أعلى األرِض ‪ ،‬فُأهِبطوا منها إلى األرِض ‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬وقع في "أ"‪" :‬االستقباح" * ولعَّل المثبت هو الصواُب ‪ ،‬بدليل ما ورد في الَّنص‪" :‬فيأتون آدم‬
‫فيقولون‪ :‬يا أبانا استفتح لنا الجَّنة‪ " . .‬إلخ *‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)3162‬ومسلم رقم (‪ )194‬من حديث أبي هريرة الطويل في‬
‫الشفاعة‪.‬‬
‫(‪ )3‬تقدم تخريجه ص (‪.)57 - 56‬‬

‫(‪)1/80‬‬

‫وقد بَّيَّنا أَّن األمَر كان (‪ )1‬آلدم وزوجه وعدوهما‪ ،‬فلو كانت الجَّنة في السماء لما كان عدُّو هما‬
‫متمكًنا منهما (‪ )2‬بعد إهباطه األَّو ل؛ لَّم ا أبى الُّس جود آلدم عليه السالم‪ ،‬فاآلية إًذا من أظهر‬
‫الُحَجَج عليكم‪ ،‬وال تغني عنكم وجوه الَّتَعُّسَف ات والتكلفات التي قَّدرُتُم وها‪ ،‬وقد تقدمت‪.‬‬
‫وأَّم ا قوله تعالى‪َ{ :‬و َلُك ْم ِفي اَأْلْر ِض ُمْس َتَقٌّر َو َم َتاٌع ِإَلى ِح يٍن } [البقرة‪ ،]36 :‬فهذا ال يدُّل على‬
‫أَّنهم لم يكونوا قبل ذلك في األرِض ؛ فإَّن األرَض اسُم جنٍس ‪ ،‬وكانوا في أعالها وأطيبها‬
‫وأفضلها‪ ،‬في محل ال يدركهم فيه جوع وال ُعري وال ظمأ وال ضحى‪ ،‬فُأْه ِبطوا إلى أرٍض يعرض‬
‫فيها ذلك كله‪ ،‬وفيها حياتهم وموتهم‪ ،‬وخروجهم من القبور‪ ،‬والجَّنة التي أسكناها لم تكن دار‬
‫نصٍب وال تعٍب وال أًذى‪ ،‬واألرض التي أهبطوا إليها هي محل التعب والنصب‪ ،‬واألذى وأنواع‬
‫المكاره‪.‬‬
‫وأَّما قولكم‪ :‬إَّنه سبحانه وتعالى وصفها بصفاٍت ال تكون في الدنيا‪.‬‬
‫فجوابه‪ :‬أَّن تلك الِّص فات ال تكون في األرِض التي أهبطوا إليها‪ ،‬فمن أين لكم أَّنها ال تكون في‬
‫األرِض التي ُأْه ِبطوا منها‪.‬‬
‫ِل‬ ‫ِض‬
‫وأَّما قولكم‪ :‬إَّن آدم عليه السالم كان يعلم أَّن الدنيا ُمْنَق ية فانية‪ ،‬فلو كانت الجَّنة فيها َلَع َم‬
‫َك ِذ َب إبليس في قوله‪َ{ :‬ه ْل َأُدُّلَك َعَلى َش َج َر ِة اْلُخ ْلِد } [طه‪.]120 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ليس في "أ‪ ،‬ج"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "أ‪ ،‬ب‪ ،‬جـ"‪" :‬منها"‪.‬‬

‫(‪)1/81‬‬

‫فجوابه من وجهين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أَّن اَّللفظ إَّنما يدل على الُخ ْلد‪ ،‬وهو أعُّم من الَّدوام اَّلذي ال انقطاع له‪ ،‬فإَّنُه في اللغة‪:‬‬
‫الُم ْك ُث الَّطويل‪ .‬ومكث كل شيء بحسبه‪ ،‬ومنه قولهم‪ :‬رجل مخَّلد‪ .‬إذا َأَس َّن وَك بر‪ ،‬ومنه قولهم‬
‫ألثافِّي (‪ )1‬الصخور‪َ :‬خ واِلد‪ .‬لطول بقائها بعد دروس األطالل‪ .‬قال‪:‬‬
‫إاَّل رماًدا هاِم ًد ا دفعت ‪ ...‬عنه الرياح خوالٌد َس ْح م (‪)2‬‬
‫ونظير هذا إطالقهم القديم على ما تقادم عهده‪ ،‬وإن كان له أَّو ل‪ ،‬كما قال تعالى‪َ{ :‬ك اْل وِن‬
‫ُعْر ُج‬
‫اْلَق ِد يِم (‪[ } )39‬يس‪َ ، )3( ]39 :‬و {ِإْفٌك َقِد يٌم (‪[ } )11‬األحقاف‪ ،]11 :‬وقد أطلق تعالى‬
‫الخلود في الَّناِر على عذاب بعض العصاة‪ ،‬كقاتل النفس‪ ،‬وأطلقه الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪-‬‬
‫على قاتل نفسه‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أَّن العلم بانقطاع الدنيا ومجيء اآلخرة‪ ،‬إَّنما يعلم بالوحي‪ ،‬ولم يتقَّدم آلدم عليه‬
‫الصالة والسالم ُنُبَّو ة ُيْع َلُم بها ذلك‪ ،‬وهو وإْن نَّبأُه الَّلُه سبحانه وتعالى وأوحى إليه‪ ،‬وأنزل عليه‬
‫ُصُح ًف ا‪ ،‬كما في حديث أبي ذٍّر (‪- )4‬رضي الَّله عنه‪ ،-‬لكن هذا بعد إهباطه إلى األرض‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬اُألْثفَّية‪ :‬أحُد أحجار ثالثة توضع عليها القدر‪ .‬المعجم الوسيط ص (‪.)26‬‬
‫(‪ * )2‬انظر‪ :‬ديوان المخَّبل السعدي‪ِ :‬ض ْم ن كتاب شعراء مقُّلون ص (‪.* )312‬‬
‫(‪ )3‬وقع في المطبوعة هنا زيادة {ِإَّنَك َلِف ي َض اَل ِلَك اْلَق ِد يِم (‪[ })95‬يوسف‪.]95 :‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الطبراني في "الكبير" (‪ )158 - 157 /2‬مختصًر ا‪ .‬وأخرجه ابن حبان في‬
‫"صحيحه" رقم (‪ ،)361‬وفي "المجروحين" (‪ ،)130 - 129 /3‬وأبو نعيم في "الحلية"‪/1( :‬‬
‫‪ )168 - 166‬مطَّو اًل ‪.‬‬
‫وفيه إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني‪ ،‬كَّذ به أبو حاتم وأبو زرعة =‬

‫(‪)1/82‬‬
‫بنِّص القرآن‪ ،‬قال تعالى‪َ{ :‬قاَل اْه ِبَطا ِم ْنَه ا َج ِم يًعا َبْع ُضُك ْم ِلَبْع ٍض َعُد ٌّو َفِإ َّما َيْأِتَيَّنُك ْم ِم ِّني ُه ًد ى َفَم ِن‬
‫اَّتَبَع ُه َد اَي َفاَل َيِض ُّل َو اَل َيْشَق ى (‪[ })123‬طه‪ ،]123 :‬وكذلك في سورة البقرة‪ُ{ :‬قْلَنا اْه ِبُطوا‬
‫ِم ْنَه ا َج ِم يًعا َفِإ َّما َيْأِتَيَّنُك ْم ِم ِّني ُه ًد ى} اآلية [البقرة‪.]38 :‬‬
‫وأَّما قولكم‪ :‬إَّن الجَّنة وردت ُمَعَّر فًة باَّلالِم التي للَعهِد فتنصرف إلى جَّنة الُخ لد‪ ،‬فقد وردت ُمَعَّر فة‬
‫باَّلالم‪ ،‬غير مراٍد بها جَّنة الخلد قطًعا‪ ،‬كقوله تعالى‪ِ{ :‬إَّنا َبَلْو َناُه ْم َك َم ا َبَلْو َنا َأْص َح اَب اْلَج َّنِة ِإْذ‬
‫َأْقَسُم وا َلَيْص ِر ُمَّنَه ا ُمْص ِبِح يَن (‪})17‬‬
‫__________‬
‫= الرازيان‪.‬‬
‫وأخرجه أحمد في المسند‪ )178 /5( :‬مطَّو اًل ‪ ,‬والنسائي (‪ )275 /8‬مختصًر ا‪ ،‬وابن سعد في‬
‫"الطبقات"‪ )32 /1( :‬مختصًر ا وغيرهم من طريق عبيد بن الخشخاش وأبي إدريس الخوالني عن‬
‫أبي ذر فذكره‪.‬‬
‫وليس فيه ذكر الصحف‪ ،‬وفيه‪" :‬قلت‪ :‬يا رسول الَّله‪ ،‬أي األنبياء كان أَّو ل؟ قال‪ :‬آدم‪ ،‬قلت‪ :‬يا‬
‫رسول الَّله‪ ،‬آدم أنبٌي كان؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬نبٌّي مكَّلٌم"‪.‬‬
‫وال يثبُت إسناده ففي طريق عبيد الخشخاش ‪-‬وهو مجهول‪ :-‬أبو عمر الدمشقي وهو متروك‬
‫الحديث‪.‬‬
‫وفي طريق أبي إدريس‪ :‬القاسم بن محمد وهو مجهول‪ ،‬وقال البوصيري‪ :‬هو ضعيف‪.‬‬
‫لكن ورَد عن أبي أمامة عند ابن حبان في صحيحه (‪ /14‬رقم ‪ ،)6190‬والطبراني في "األوسط"‬
‫رقم (‪ )403‬وفي "الكبير" رقم (‪ )7545‬والحاكم (‪ )288 /2‬رقم (‪.)3039‬‬
‫والحديث تفَّر د به معاوية بن ساَّل م عن أخيه زيد عن أبي ساَّل م عن أبي أمامة كما قال الطبراني‪.‬‬
‫والحديث صححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي‪ ،‬وصححه ابن كثير‪.‬‬
‫انظر‪ :‬البداية والنهاية‪.)94 /1( :‬‬

‫(‪)1/83‬‬

‫[القلم‪.]17 :‬‬
‫وقولكم‪ :‬إَّن الَّس ياق ها هنا دَّل على أَّنها جَّنٌة في األرِض ‪.‬‬
‫ُقلنا‪ :‬واألدلة التي ذكرناها دَّلت على أَّن جنة آدم عليه الَّس الم في األرِض ‪ ،‬فلذلك ِص ْر َنا إلى‬
‫ُمْو ِج ِبَه ا‪ ،‬إْذ ال يجوُز تعطيل داللة الدليل الصحيح‪.‬‬
‫وأَّم ا استداللكم بأثر أبي موسى‪" :‬أَّن الَّله أخرج آدم من الجَّنة وزَّو ده من ثمارها" (‪ ، )1‬فليس فيه‬
‫زيادة على ما دَّل عليه القرآن‪ ،‬إاَّل تزوده منها‪ ،‬وهذا ال يقتضي أْن تكون جَّنة الُخ ْلِد ‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬إَّن هذه تتغير‪ ،‬وتلك ال تتغير" فمن أين لكم أَّن الجَّنة التي أسكنها آدم كان الَّتغُّير َيْع ِر ُض‬
‫لثمارها‪ ،‬كما َيْع ِر ُض لهذه الثمار‪ ،‬وقد ثبَت في الحديث الصحيح ِع ن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪ -‬أنه قال‪" :‬لوال بنو إسرائيل لم َيْخ َنز اَّللحم" (‪ )2‬أي‪ :‬لم َيَتَغَّير ولم َيْنَتْن ‪ ،‬وقد أبقى الَّلُه‬
‫سبحانه وتعالى في هذا العالم طعاَم الُعَزْير وَش َر اَبُه مئة سنٍة لم يتغَّير (‪. )3‬‬
‫ِم‬
‫وأَّما قولكم‪ :‬إَّن الَّلَه سبحانه وتعالى َض َن آلدم عليه السالم إْن تاَب أن يعيده إلى الجَّنة‪ ،‬فال ريَب‬
‫أَّن األمَر كذلك‪ ،‬ولكن ليس نعلم أَّن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تقدم تخريجه ص (‪.)64‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)3152‬ومسلم رقم (‪ ،)1470‬واللفظ للبخاري من حديث أبي‬
‫هريرة رضي الَّله عنه‪.‬‬
‫(‪ُ )3‬يشير المؤلف إلى قوله تعالى‪َ{ :‬أْو َك اَّلِذ ي َم َّر َعَلى َقْر َيٍة َو ِه َي َخ اِو َيٌة َعَلى ُعُر وِش َه ا} [البقرة‪:‬‬
‫‪ ،]259‬وراجع تفسير الطبري (‪.)28 /3‬‬

‫(‪)1/84‬‬

‫الضمان إَّنما يتناول عوده إلى تلك الجَّنة ِبَعْيِنَه ا‪ ،‬بل إذا أعاده إلى جنة الخلد‪ ،‬فقد وَفى سبحانه‬
‫بضمانه حَّق الوفاِء ‪ ،‬ولفُظ الَعْو د ال يستلزم الرجوع إلى َعْيِن الحالِة األولى‪ ،‬وال زمانها وال‬
‫مكانها‪ ،‬بل (‪ )1‬وال إلى نظيرها‪ ،‬كما قال شعيب لقومه‪َ{ :‬قِد اْفَتَر ْيَنا َعَلى الَّلِه َك ِذ ًبا ِإْن ُعْدَنا ِفي‬
‫ِم َّلِتُك ْم َبْع َد ِإْذ َنَّج اَنا الَّلُه ِم ْنَه ا َو َما َيُك وُن َلَنا َأْن َنُعوَد ِفيَه ا ِإاَّل َأْن َيَش اَء الَّلُه َر ُّبَنا} [األعراف‪،]89 :‬‬
‫وقد جعل الَّلُه سبحانه الُم َظاِه َر (‪ )2‬عائًد ا بإرادته الوطء ثانًيا‪ ،‬أو بنفس الوطء‪ ،‬أو باإلمساِك ‪،‬‬
‫وكل منها غيُر األَّو ِل ال عينه‪.‬‬
‫فهذا ما أجابت به هذه الطائفة لمن نازعها‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ليس في "ب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أي‪ :‬الذي يقول المرأته أنت علَّي كظهر ُأِّم ي ونحوه‪ .‬انظر‪" :‬الزاهر" لألزهري ص (‪.)443‬‬

‫(‪)1/85‬‬

‫الباب الَّس ادس في جواِب من زعَم أَّنها جَّنة الخلد عَّم ا احتَّج به منازعوهم‬
‫قالوا‪ :‬أَّما قولكم‪ :‬إَّن الَّلَه سبحانه أخبر أَّن جَّنة الخلِد إَّنما يقع الدخول إليها يوم القيامة‪ ،‬ولم يأِت‬
‫زمن دخولها َبْع ُد ‪.‬‬
‫فهذا حٌّق في الدخول المطلق‪ ،‬اَّلذي هو دخول استقراٍر ودواٍم ‪ ،‬وأَّم ا الدخول العارض‪ ،‬فيقع قبل‬
‫يوم القيامة‪.‬‬
‫وقد دخل الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬الجَّنة ليلة اإلسراء (‪ ،)1‬وأرواح المؤمنين والشهداء في‬
‫الَبْر زخ في الجَّنة (‪ ،)2‬وهذا (‪ )3‬غير الدخول اَّلذي أخبر الَّلُه به في يوم القيامة (‪ ،)4‬فدخول‬
‫الُخ ُلود إَّنما يكون يوم القيامة‪ ،‬فمن أين لكم أَّن ُمْطلق الدخول ال يكون في الدنيا‪ ،‬وبهذا َخ َرَج‬
‫الجواب عن استداللكم بكونها دار المقامة‪ ،‬ودار الخلد؟‬
‫قالوا‪ :‬وأَّم ا احتجاجكم بسائِر الوجوِه التي ذكرتموها في الجَّنة‪ ،‬وأَّنها لم توجد في جَّنة آدم عليه‬
‫الَّس الم من الُعري‪ ،‬والنصب والحزن واَّللغِو والكذب وغيرها‪.‬‬
‫فهذا كله حٌّق ال ننكره نحن‪ ،‬وال أحد من أهل اإلسالم‪ ،‬ولكن هذا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تقدم ص (‪ 43‬و ‪.)44‬‬
‫(‪ )2‬تقدم ص (‪ 39‬و ‪.)40‬‬
‫(‪ )3‬في نسخة على حاشية "أ"‪" :‬وهو"‪.‬‬
‫(‪ )4‬قوله‪" :‬في يوم القيامة" وقع في "أ‪ ،‬ب‪ ،‬د"‪" :‬في القيامة"‪ ،‬وجاء في "هـ"‪" :‬يوم القيامة"‪.‬‬

‫(‪)1/86‬‬

‫إذا دخلها المؤمنون يوم القيامة‪ ،‬كما يدل عليه سياق اآليات كلها‪ ،‬فإَّن نفي ذلك مقروٌن بدخول‬
‫المؤمنين إَّياها‪ ،‬وهذا ال ينفي أْن يكوَن فيها بين أبوي (‪ )1‬الثقلين ما حكاُه الَّلُه سبحانه وتعالى من‬
‫ذلك‪ ،‬ثَّم يصير األمر عند دخول المؤمنين إَّياها إلى ما أخبر الَّلُه عنها‪ ،‬فال َتَنافي بين األمرين‪.‬‬
‫وأَّما قولكم‪ :‬إَّنها داُر جزاٍء وثواٍب ال دار تكليٍف ‪ ،‬وقد كَّلف الَّلَه سبحانه آدم بالنهي عن األكل‬
‫من تلك الشجرة‪ ،‬فدَّل على أَّن تلك الجَّنة دار تكليٍف ال دار خلود‪.‬‬
‫فجوابه من وجهين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أَّنه إَّنما (‪ )2‬يمتنع أْن تكون داَر تكليٍف إذا دخلها المؤمنون يوم القيامة‪ ،‬فحينئٍذ ينقطع‬
‫التكليف‪ .‬وأما وقوع التكليف فيها في دار الدنيا‪ ،‬فال دليَل على امتناعه الَبَّتة‪ ،‬كيف وقد ثبت عن‬
‫الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬أَّنه قال‪" :‬دخلُت (‪ )3‬الجَّنة فرأيُت امرأًة َتَو َّضُأ إلى جانب (‪)4‬‬
‫قصٍر فقلُت لمن أنِت ‪ )5( " . .‬الحديث‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ج"‪" :‬أْن يكون فيها أبو الثقلين"‪ ،‬وفي "ظ"‪" :‬فيها أبوي الثقلين"‪.‬‬
‫(‪ )2‬سقط من "ج"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "أ‪ ،‬ج‪ ،‬د"‪" :‬دخلُت البارحة" وال توجد لفظة "البارحة" في الصحيحين‪ ،‬وال في "ب‪ ،‬هـ"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في نسخة على حاشية "أ" "جنب"‪.‬‬
‫(‪ )5‬هذا اللفظ ُمرَّك ٌب من حديثي جابر بن عبد الَّلِه وأبي هريرة رضي الَّله عنهم‪.‬‬
‫أخرجه البخاري رقم (‪ )4928‬من حديث جابر رضي الَّلُه عنهما‪ ،‬ورقم (‪ )6622‬من حديث أبي‬
‫هريرة‪ ،‬ومسلم في صحيحه رقم (‪ 2394‬و ‪.)2395‬‬

‫(‪)1/87‬‬

‫وغير ممتنع أن يكون فيها مْن يعمل بأمر الَّلِه ويعبد الَّله قبل يوم القيامة‪ ،‬بل هذا هو الواقع (‪، )1‬‬
‫فإَّن َمْن فيها اآلن ُمْؤ َتَمُر ون بأوامر ِم ْن ِقبل رَّبهم ال يتعُّدونها سواء ُس ِّم َي ذلك تكليًف ا أو لم ُيَس َّم‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أَّن التكليف فيها لم يكن باألعماِل التي يكَّلف بها الَّناس في الدنيا‪ :‬من الصيام‬
‫والصالة والجهاد ونحوها‪ ،‬وإَّنما كان َحْج ًر ا عليهما في شجرٍة واحدٍة من جملة أشجارها‪ ،‬إَّما‬
‫واحدة بالَعْين أو بالَّنوع‪ ،‬وهذا القدُر ال يمتنع وقوعه في دار الخلد‪ ،‬كما أَّن كَّل َأَح ٍد محجوٍر‬
‫عليه أْن َيْق َر َب أهل غيِر ِه فيها‪ ،‬فإْن أرْدُتم بكونها ليست دار تكليٍف امتناع وقوع مثل هذا فيها‬
‫في وقت من األوقات‪ ،‬فال دليَل عليه‪ ،‬وإْن أردتم أَّن تكاليف الدنيا منتفيٌة عنها‪ ،‬فهو حٌّق‪ ،‬ولكن‬
‫ال يدل على مطلوبكم‪.‬‬
‫وأَّم ا استداللكم بنوم آدم فيها‪ ،‬والجَّنة ال يناُم أهلها‪.‬‬
‫فهذا إْن ثبَت الَّنْق ُل بَنْو ِم آدم‪ ،‬فإَّنما ينفي النوم عن أهلها يوم دخول الخلود‪ ،‬حيث ال يموتون‪،‬‬
‫وأَّما قبل ذلك فال‪.‬‬
‫ِه ِم‬
‫وأَّما استداللكم بقصة وْس َو َس ة إبليس له بعد إهباطه‪ ،‬وإخراجه من الَّس ماء‪َ .‬فَلْع مُر الَّل إَّنه َل ْن‬
‫أْقَو ى األدلة‪ ،‬وأظهرها على صحة قولكم‪ ،‬وتلك الَّتعُّس فاِت كدخوله (‪ )2‬الجَّنة‪ ،‬وصعوده إلى‬
‫الَّس ماِء بعد إهباط الَّله له منها (‪ )3‬ال يرتضيها ُمْنِص ف؛ ولكن ال يمتنع أن يصعد إلى هناَك‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "أ‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬الواضح"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د"‪" :‬لدخوله"‪.‬‬
‫(‪ )3‬قوله‪" :‬بعد إهباط الَّلِه له منها" سقط من "أ"‪.‬‬

‫(‪)1/88‬‬

‫ُصُعوًدا عاِر ًض ا ِلَتمام االبتالِء واالمتحان اَّلذي قَّدره الَّلُه تعالى وقَّدر أسبابه‪ ،‬وإْن لم يكن ذلك‬
‫المكان َمْق َعًد ا له ُمْس َتِق ًّر ا كما كان‪ ،‬وقد أخبر الَّلُه سبحانه عن الشياطين أَّنهم كانوا قبل مبعث‬
‫رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬يقعدون من الَّس ماء مقاعد للسمع‪ ،‬فيستمعون الشيَء من‬
‫الوحي‪ ،‬وهذا صعوٌد إلى هناك‪ ،‬ولكَّنه (‪ )1‬صعوٌد عارٌض ال يستقرون في المكان اَّلذي يصعدون‬
‫إليه = مع قوله تعالى‪{ :‬اْه ِبُطوا َبْع ُضُك ْم ِلَبْع ٍض َعُد ٌّو } [البقرة‪[ ،]36 :‬األعراف‪ ]24 :‬فال تنافي‬
‫بين هذا الصعود وبين األمر بالهبوط‪ ،‬فهذا محتمٌل‪ ،‬والَّلُه أعلم‪.‬‬
‫وأَّم ا استداللكم بأَّن الَّلَه سبحانه أعلم آدم عليه السالم مقدار أجله‪ ،‬وما ذكرتم من الحديِث‬
‫وتقرير الَّداللة منه (‪. )2‬‬
‫فجوابه‪ :‬أَّن إعالمه بذلك ال ينافي إدخاله جَّنة الُخ ْلد‪ ،‬وإسكانه فيها ُمَّدة‪.‬‬
‫وأَّم ا إخباره سبحانه أَّن داخلها ال يموت‪ ،‬وأَّنه ال َيْخ ُر ج منها‪ ،‬فهذا يوُم القيامة‪.‬‬
‫ِل‬
‫وأَّم ا احتجاجكم بكونه ُخ َق من األرض‪ ،‬فال ريب في ذلك‪ ،‬ولكن من أين لكم أَّنه َكَّم َل َخ ْلَق ُه‬
‫ِر َّن َّل‬
‫فيها؟ وقد جاء في بعض اآلثا ‪" :‬أ ال َه سبحانه ألقاُه على باب الجَّنة أربعين صباًح ا‪ ،‬فجعل إبليُس‬
‫َيِط ْيُف به‪ ،‬ويقول‪ :‬ألمٍر ما ُخ ِلْق َت ‪ ،‬فلَّم ا رآُه أجوَف علم أَّنه خلق ال َيَتمالك‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "أ‪ ،‬ج"‪" :‬وإليه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬سقط من "ب"‪.‬‬

‫(‪)1/89‬‬

‫فقال‪ :‬لئن ُس َّلْطُت عليه ُألْه ِلَك َّنُه‪ ،‬وإْن (‪ُ )1‬س َّلَط علَّي َألْع ِص يَّنه" (‪ ، )2‬مع أَّن قوله سبحانه‪:‬‬
‫ِدِق‬ ‫ِء‬ ‫ِب ِن ِب ِء‬ ‫ِئ ِة‬
‫{َو َعَّلَم آَدَم اَأْلْس َم اَء ُك َّلَه ا ُثَّم َعَر َض ُه ْم َعَلى اْلَم اَل َك َفَق اَل َأْن ُئو ي َأْس َم ا َه ُؤ اَل ِإْن ُك ْنُتْم َص ا يَن‬
‫ِب‬ ‫ِك‬ ‫ِل‬ ‫ِع‬
‫(‪َ )31‬قاُلوا ُسْبَح اَنَك اَل ْلَم َلَنا ِإاَّل َم ا َعَّلْم َتَنا ِإَّنَك َأْنَت اْلَع يُم اْلَح يُم (‪َ )32‬قاَل َياآَدُم َأْن ْئُه ْم‬
‫ِبَأْس َم اِئِه ْم َفَلَّم ا َأْنَبَأُه ْم ِبَأْس َم اِئِه ْم َقاَل َأَلْم َأُقْل َلُك ْم ِإِّني َأْع َلُم َغْيَب الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْر ِض } [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]33 - 31‬يدُّل على أَّنه كان في الَّس ماء معهم بحيُث أنبأهم بتلك األسماء‪ ،‬وإال فهم لم ينزلوا‬
‫كلهم إلى األرِض ‪ ،‬حَّتى سمعوا منه ذلك‪ ،‬ولو كان خْلُقه قد كمل في األرِض لم يمتنع أْن يصعده‬
‫سبحانه إلى الَّس ماِء ألمٍر َدَّبرُه وقَّدرُه ثَّم يعيدُه إلى األرِض ‪ ،‬فقد أصعد المسيح صلوات الَّله‬
‫وسالمه عليه إلى الَّس ماِء ‪ ،‬ثَّم ينزله إلى األرِض قبل يوم القيامة‪ ،‬وقد أسرى ببدن رسول الَّله ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬وروحه إلى فوق السماوات‪.‬‬
‫فهذا جواب القائلين بأَّنها جَّنة الخلد لمنازعيهم‪ ،‬والَّلُه أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬د"‪" :‬ولئن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬لم أقف عليه بهذا اللفظ‪ ،‬لكن أخرجه مسلم في صحيحه برقم (‪ )2611‬عن أنس بن مالك‬
‫رضي الَّلُه عنه مرفوًعا بلفظ "لَّم ا صَّو ر الَّلُه آدم في الجَّنة‪ ،‬تركه ما شاء الَّلُه أن يتركه‪ ،‬فجعل‬
‫يطيف به‪ ،‬ينظر ما هو‪ ،‬فلَّم ا رآُه أجوف عرف أَّنُه ُخ ِلق خْلًق ا ال يتمالك"‪.‬‬

‫(‪)1/90‬‬

‫الباب الَّس ابع في ذكر ُش َبه من زعم أَّن الجَّنَة لم ُتخلق بعد‬
‫قالوا‪ :‬لو كانت مخلوقة اآلن لوجب اْض ِط راًر ا إلى أْن َتْف نى يوم القيامة‪ ،‬وأن َيْه ِلك كل ما فيها‬
‫ويموت‪ ،‬لقوله تعالى‪ُ{ :‬ك ُّل َش ْي ٍء َه اِلٌك ِإاَّل َو ْجَهُه} [القصص‪ ]88 :‬و {ُك ُّل َنْف ٍس َذاِئَقُة اْلَمْو ِت }‬
‫[آل عمران‪ ،]185 :‬فتموت الحور العين التي فيها والِو ْلدان‪ ،‬وقد أخبر الَّلُه سبحانه أَّن الَّدار‬
‫دار خلود‪ ،‬ومن فيها يخلدون (‪ )1‬ال يموتون فيها‪ ،‬وخبره سبحانه ال يجوز عليه ُخ ْلف وال نسخ‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وقد روى الترمذي في "جامعه" من حديث ابن مسعود رضي الَّلُه عنه قال‪ :‬قال رسول الَّله‬
‫‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬لقيُت إبراهيم ليلَة ُأسري بي فقال‪ :‬يا محمد أقرئ ُأَّمَتَك مَّني الَّس الم‪،‬‬
‫وأخبرهم أَّن الجَّنة طيبُة التربة عذبُة الماِء ‪ ،‬وأَّنها قيعان‪ ،‬وأَّن غراسها‪ :‬سبحاَن الَّله‪ ،‬والحمُد لَّله‪،‬‬
‫وال إله إاَّل الَّله‪ ،‬والَّلُه أكبر" (‪ .)2‬قال‪" :‬هذا حديث حسن غريب"‪.‬‬
‫وفيه أيًض ا‪ ،‬من حديث أبي الزبير عن جابر رضي الَّلُه عنه عن الَّنبي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "د‪ ،‬هـ"‪" :‬مخلدون"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الترمذي رقم (‪ ،)3462‬والطبراني في الصغير رقم (‪ ،)539‬وفي األوسط (‬
‫‪.)4170‬‬
‫وهو حديث معل باإلرسال أعَّله أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان كما في العلل (‪.)171 - 170 /1‬‬
‫* وورد عن أبي أيوب وابن عمر‪.‬‬
‫انظر‪" :‬جالء األفهام" ص (‪.)317 - 316‬‬

‫(‪)1/91‬‬

‫‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬أَّنه قال‪" :‬من قاَل سبحاَن الَّله وبحمدِه‪ُ ،‬غِر َس ت له َنخلٌة في الجَّنة" (‬
‫‪ . )1‬قال‪" :‬هذا حديٌث حسٌن صحيح"‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬فلو كانت الجَّنة مخلوقًة مفروًغا منها‪ ،‬لم تكن قيعاًنا‪ ،‬ولم يكن لهذا الغرس معنى‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وقد قال تعالى عن امرأِة فرعون أَّنها قالت‪َ{ :‬ر ِّب اْبِن ِلي ِع ْنَد َك َبْيًتا ِفي اْلَج َّنِة} [التحريم‪:‬‬
‫‪ ،]11‬ومحال أن يقول قائل لمن نسج له ثوًبا‪ ،‬أو بنى له بيًتا‪ :‬انسج لي ثوًبا‪ ،‬وابن لي بيًتا‪.‬‬
‫وأصرح من هذا قول الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬من بنى لَّله مسجًد ا بنى الَّلُه له به بيًتا في‬
‫الجَّنة" متفق عليه (‪. )2‬‬
‫وهذه ُجْم لة مرَّك بة من َش ْر ٍط وجزاٍء ‪ ،‬تقتضي وقوع الجزاء بعد الشرط بإجماع أهل العربية‪ ،‬وهذا‬
‫ثابٌت عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬من رواية عثمان ابن عفان‪ ،‬وعلي بن أبي طالب‪ ،‬وجابر‬
‫بن عبد الَّله‪ ،‬وأنس بن مالك‪ ،‬وعمرو بن عبسة (‪ )3‬رضي الَّله عنهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الترمذي برقم (‪ 3464‬و ‪ ،)3465‬وابن حبان في صحيحه (‪ /3‬رقم ‪ 826‬و‬
‫‪ ،)827‬والحاكم في المستدرك (‪ 680 /1‬و ‪ )693‬رقم (‪ 1847‬و ‪ )1888‬وغيرهم‪.‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬حسن غريب‪ ،‬ال نعرفه إاَّل من حديث أبي الزبير"‪ .‬انظر‪ :‬تحفة األشراف‪/2( :‬‬
‫‪.)294 ،292‬‬
‫والحديث صححه ابن حبان والحاكم والمنذري والهيثمي‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)439‬ومسلم رقم (‪ )533‬عن عثمان بن عفان‪.‬‬
‫(‪ )3‬أَّما حديث عثمان‪ :‬فقد تقَّدم آنًف ا‪= .‬‬

‫(‪)1/92‬‬

‫قالوا‪ :‬وقد جاءت آثار بأَّن المالئكة تغرس فيها‪ ،‬وتبني للعبد ما دام يعمل‪ ،‬فإذا َفَتَر فتر الملك‬
‫عن العمل‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وقد روى ابن حبان في "صحيحه" واإلمام أحمد بن حنبل في "مسنده" من حديث أبي‬
‫موسى األشعري قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إذا َقَبَض الَّلُه ولَد العبد‪ ،‬قاَل ‪ :‬يا‬
‫ملَك الموِت قبضَت ولَد عبدي‪ ،‬قبضت ُقَّر ة عينه وثمرة فؤاِدِه‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فما قال؟ قال‪:‬‬
‫َح مدَك واسترجَع ‪ ،‬قال‪ :‬ابنوا له بيًتا في الجَّنة‪ ،‬وسُّم وه بيَت الحمد" (‪. )1‬‬
‫__________‬
‫= * وأما حديث علي بن أبي طالب‪ :‬فأخرجه ابن ماجة برقم (‪.)737‬‬
‫قال البوصيري‪" :‬هذا إسناد ضعيف‪ ،‬الوليد مدَّلس وابن لهيعة ضعيف‪." . . .،‬‬
‫* وأَّما حديث جابر‪ :‬فأخرجه ابن ماجة رقم (‪ ،)738‬وابن خزيمة في صحيحه (‪ /2‬رقم ‪.)1292‬‬
‫والحديث صَّح حه ابن خزيمة والبوصيري‪.‬‬
‫* وأَّما حديث أنس‪ :‬فأخرجه الترمذي رقم (‪.)319‬‬
‫وفيه زياد النميري‪ :‬وهو ضعيف‪ ،‬انظر‪ :‬التقريب (‪.)2087‬‬
‫* وأَّما حديث عمرو بن عبسة‪ :‬فأخرجه النسائي (‪ ،)32 /2‬والترمذي (‪ )1635‬مختصًر ا‪،‬‬
‫وأحمد (‪ )386 /4‬مطَّو اًل وغيرهم‪.‬‬
‫وقال الترمذي‪" :‬حسن صحيح غريب"‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن حبان في صحيحه (‪ /7‬رقم ‪ ،)2948‬وأحمد (‪ ،)415 /4‬والترمذي رقم (‬
‫‪.)1021‬‬
‫من طريق أبي سنان عن أبي طلحة عن الضحاك بن عرزب عن أبي موسى فذكره‪.‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬هذا حديث حسن غريب"‪.‬‬
‫وفيه أبو سنان عيسى بن سنان القسملي‪ ،‬فيه ضعف‪ ،‬وأيًض ا فيه أبو طلحة =‬

‫(‪)1/93‬‬

‫وفي "المسند" من حديثه أي ا قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬من صَّلى في يوٍم‬
‫ًض‬
‫وليلٍة ثنتي عْش رة ركعًة سوى الفريضة ُبنَي له بيت في الجَّنة" (‪. )1‬‬
‫قالوا‪ :‬وليس هذا من أقوال أهل البدع واالعتزال كما زعمتم‪ ،‬فهذا ابن ُمزين قد (‪ )2‬ذكر في‬
‫"تفسيره" عن ابن نافع‪ ،‬وهو من أئمة السَّنة‪ ،‬أَّنُه ُس ِئَل عن الجَّنة أمخلوقة هي؟ فقال‪ :‬السكوت عن‬
‫هذا أفضل‪ .‬والَّلُه أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫= الخوالني الشامي‪ :‬فيه جهالة‪ .‬والضحاك لم يسمع من أبي موسى‪.‬‬
‫انظر‪ :‬إتحاف المهرة (‪ ،)32 /10‬والتقرب (‪.)8189 ،5295‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في المسند (‪ ،)413 /4‬والبزار كما في "كشف األستار" رقم (‪)702‬‬
‫والطبراني في األوسط (‪ /6‬رقم ‪.)9436‬‬
‫من طريق حماد بن زيد عن هارون أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى فذكره‪.‬‬
‫قال الطبراني‪" :‬لم يرو هذا الحديث عن أبي بردة إاَّل هارون أبا إسحاق‪ ،‬تفَّر د به حماد بن زيد‪،‬‬
‫وال ُيروى عن أبي موسى إاَّل بهذا اإلسناد"‪.‬‬
‫وقال البَّز ار‪" :‬تفرد به هارون‪ ،‬ولم يتابع عليه‪." . . .‬‬
‫قلت‪ :‬وقد اختلف عن حَّم اد بن زيد‪ ،‬فرفعه عنه سليمان بن حرب وأحمد الموصلي‪ ،‬وأرسله عنه‬
‫عارم ومسَّدد‪.‬‬
‫انظر‪" :‬التاريخ الكبير"‪ )255 /8( :‬للبخاري‪.‬‬
‫فلعَّل هذا االضطراب من هارون أبي إسحاق‪ ،‬فقد ذكر هذا االختالف البخاري في ترجمة هارون‬
‫هذا‪.‬‬
‫لكن المتن ثابت من حديث أم حبيبة عند مسلم في صحيحه رقم (‪.)728‬‬
‫(‪ )2‬من (ب‪ ،‬جـ‪ ،‬د‪ ،‬هـ) ونسخة على حاشية "أ"‪.‬‬

‫(‪)1/94‬‬

‫الباب الثامن في الجواب عَّم ا احتجت به هذه الطائفة‬


‫وقد تقَّدم في الباب األَّو ل من ذكر األدَّلة الَّدالة على وجود الجَّنة اآلن ما فيه كفاية‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬ما تعنون بقولكم‪ :‬إَّن الجَّنة (‪ )1‬لم ُتْخ َلق َبْع ُد ؟ أتريدون أَّنها اآلن عَد ٌم محٌض لم تدخل‬
‫إلى (‪ )2‬الوجود بعُد ‪ ،‬بل هي بمنزلة النفخ في الُّص ور‪ ،‬وقيام الَّناس من القبور؟ فهذا قوٌل باطٌل‬
‫َيُر ُّده المعلوم بالَّضرورة من األحاديث الصريحة الصحيحة التي تقَّدم بعضها‪ ،‬وسيأتي بعضها‪،‬‬
‫وهذا قول لم يقله أحد من السلف‪ ،‬وال أهل السَّنة‪ ،‬وهو باطل قطًعا‪ .‬أم تريدون أَّنها لم تخلق‬
‫بكمالها‪ ،‬وجميع ما أعَّد الَّلُه فيها ألهلها‪ ،‬وأَّنها ال يزال الَّلُه ُيْح ِد ُث فيها شيًئا بعد شيء‪ ،‬وإذا‬
‫دخلها المؤمنون َأْح دَث الَّلُه فيها عند دخولهم ُأُموًر ا ُأخر‪ ،‬فهذا حٌّق ال يمكن رُّده‪.‬‬
‫وأدلتكم هذه إَّنما دَّلت على هذا القدر‪ ،‬وحديث ابن مسعود رضي الَّلُه عنه اَّلذي ذكرتموه (‪،)3‬‬
‫وحديث أبي الزبير‪ ،‬عن جابر (‪ :)4‬صريحان في أَّن أرضها مخلوقة‪ ،‬وأَّن الِّذ ْك ر ُينشئ الَّلُه سبحانه‬
‫لقائله‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله‪" :‬إَّن الجَّنة" ليس في "ب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب"‪" :‬في"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تقدم ص (‪.)91‬‬
‫(‪ )4‬تقدم ص (‪.)93 - 92‬‬

‫(‪)1/95‬‬

‫منه غراًس ا في تلك األرِض ‪ ،‬وكذا بناُء البيوت فيها باألعمال المذكورة‪ ،‬والعبد كَّلما وَّس ع في‬
‫أعمال البر (‪ُ )1‬و ِّس َع له في الجَّنة‪ ،‬وكَّلما عمل خيًر ا ُغِر َس له به هناك ِغ راس‪ ،‬وُبِنَي له به بناء (‪)2‬‬
‫‪ ،‬وُأْنشئ له من عمله أنواع مَّم ا يتمتَّع به‪ ،‬فهذا القدُر ال يدُّل على أَّن الجَّنة لم تخلق بعد‪ ،‬وال‬
‫يسوغ إطالق ذلك‪.‬‬
‫وأَّم ا احتجاجكم بقوله تعالى‪ُ{ :‬ك ُّل َش ْي ٍء َه اِلٌك ِإاَّل َو ْجَهُه} [القصص‪ ]88 :‬فإَّنما ُأِتيُتم من َعَد م‬
‫فهمكم معنى اآلية‪ ،‬واحتجاجكم بها على عدم وجود الجَّنة والَّناِر اآلن نظير احتجاج إخوانكم بها‬
‫على فنائهما وخرابهما وموت أهلهما (‪ ، )3‬فال أنتم ُو ِّفْق ُتم ِلَف ْه ِم معناها وال إخوانكم‪ ،‬وإَّنما ُو َّفَق‬
‫لفهم معناها السلف‪ ،‬وأئمة اإلسالِم ‪ ،‬ونحن نذكر بعض كالمهم في اآلية‪.‬‬
‫قال البخاري في "صحيحه"‪" :‬يقال‪ُ{ :‬ك ُّل َش ْي ٍء َه اِلٌك ِإاَّل َو ْجَهُه}‪ :‬إاَّل ملكه‪ ،‬ويقال‪ :‬إاَّل ما ُأريد به‬
‫وجهه" (‪. )4‬‬
‫وقال اإلمام أحمد في رواية ابنه عبد الَّله‪" :‬فأَّما الَّس ماء واألرض فقد زالتا؛ ألَّن أهلها صاروا إلى‬
‫الجَّنة وإلى الَّنار‪ ،‬وأَّما العرش فال َيبيُد وال يذهُب ؛ ألَّنُه َس ْق ُف الجَّنة‪ ،‬والَّلُه سبحانه وتعالى َعَلْيِه‪،‬‬
‫فال َيهلك وال يبيد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ليس في "ب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب"‪" :‬وبنى له بيًتا"‪ ،‬ووقع في "ج‪ ،‬د"‪" :‬له بناء"‪.‬‬
‫(‪ )3‬وقع في "أ"‪" :‬فنائها‪ ،‬وخرابها وموت أهلها" باإلفراد‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬صحيح البخاري‪ )68( :‬التفسير (‪ ،)262‬باب‪ :‬تفسير سورة القصص‪.)1788 /4( :‬‬

‫(‪)1/96‬‬

‫وأَّما قوله تعالى‪ُ{ :‬ك ُّل َش ْي ٍء َه اِلٌك ِإاَّل َو ْجَهُه} وذلك أَّن الَّلَه سبحانه وتعالى أنزل‪ُ{ :‬ك ُّل َمْن َعَلْيَه ا‬
‫َفاٍن (‪[ } )26‬الرحمن‪ ،]26 :‬فقالت المالئكة‪ :‬هلك أهل األرض ‪ -‬وَطِم ُعوا في البقاِء ‪ -‬فأخبر‬
‫الَّله سبحانه وتعالى عن أهل السماواِت وأهل األرِض أَّنهم يموتون فقال‪ُ{ :‬ك ُّل َش ْي ٍء َه اِلٌك }‬
‫[القصص‪-]88 :‬يعني‪ :‬مِّيت‪ِ{ -‬إاَّل َو ْجَهُه}؛ ألَّنه حٌّي ال يموت‪ ،‬فَأْيَق َنِت المالئكة عند ذلك‬
‫بالموت" (‪ . )1‬انتهى كالمه‪.‬‬
‫وقال في رواية أبي العباِس أحمد بن جعفر بن يعقوب اإلْص َطْخ ِر ي‪ ،‬ذكره أبو الحسين في كتاب‬
‫"الطبقات" (‪ )2‬قال‪" :‬قال أبو عبد الَّلِه أحمد بن حنبل‪ :‬هذه مذاهب أهل العلِم ‪ ،‬وأصحاب األثِر ‪،‬‬
‫وأهل السَّنة المتمِّس كين بعروتها‪ ،‬المعروفين بها‪ ،‬المتقدى بهم فيها‪ ،‬من لدن أصحاب نبينا ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬إلى يومنا هذا‪ ،‬وأدركُت من أدركُت من (‪ )3‬علماء أهل الحجاز والَّش ام‬
‫وغيرهم عليها‪ ،‬فمن خالف شيًئا (‪ )4‬من هذه المذاهب‪ ،‬أو طعن فيها‪ ،‬أو عاب قائلها‪ ،‬فهو‬
‫مخالف مبتدع خارج عن الجماعة‪ ،‬زائٌل عن منهج السَّنة وسبيل الحِّق"‪.‬‬
‫وساق أقوالهم إلى أْن قال‪" :‬وقد خلقت الجَّنُة وما فيها‪ ،‬وخلقت الَّنار وما فيها‪ ،‬خلقهما الَّلُه عَّز‬
‫وجل‪ ،‬وخلق الخلق لهما (‪ ، )5‬وال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الرد على الجهمية والزنادقة لإلمام أحمد ص (‪.)148‬‬
‫(‪ )2‬من قوله‪" :‬أحمد بن جعفر" إلى "الطبقات" سقط من "ب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬ليس في "ب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ليس في "ب"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في "ب"‪" :‬وخلق كَّل شيٍء الخلق لهما" بدل "وخلق الخلق لهما"‪.‬‬

‫(‪)1/97‬‬

‫يفنيان‪ ،‬وال يفنى ما فيهما أبًد ا‪.‬‬


‫فإْن احتج مبتدٌع‪ ،‬أو زنديٌق بقول الَّلِه عَّز وجل‪ُ{ :‬ك ُّل َش ْي ٍء َه اِلٌك ِإاَّل َو ْجَهُه} [القصص‪]88 :‬‬
‫وبنحو هذا من متشابه القرآن‪ ،‬قيل له‪ :‬كُّل شيٍء مَّم ا كتب الَّلُه عليه الفناء والهالك هالك‪ ،‬والجَّنة‬
‫والَّنار خلقتا للبقاِء ال للفناِء وال للهالِك ‪ ،‬وهما من اآلخرة ال من الدنيا‪ ،‬والحور العين ال َيُم ْتَن عند‬
‫قيام الساعة‪ ،‬وال عند النفخة‪ ،‬وال أبًد ا؛ ألَّن الَّلَه عَّز وجَّل خلقهَّن للبقاِء ‪ ،‬ال للفناِء ‪ ،‬ولم يكتب‬
‫عليهَّن الموت‪ ،‬فمن قال خالف هذا فهو مبتدع‪ ،‬وقد ضَّل عن سواء السبيل‪.‬‬
‫وخلق سبع سماوات‪ ،‬بعضها فوق بعٍض ‪ ،‬وسبع أرضين‪ ،‬بعضها أسفل من بعض‪ ،‬وبين األرض‬
‫العليا والسماء الدنيا مسيرة خمس مائة عام‪ ،‬وبين كِّل سماٍء إلى سماٍء مسيرة خمس مائة عام‪،‬‬
‫والماء فوُق الَّس ماء العليا الَّس ابعة‪ ،‬وعرش الرحمن عَّز وجَّل فوق الماء‪ ،‬والَّلُه عَّز وجَّل على‬
‫العرِش ‪ ،‬والكرسي موضع قدميه‪ ،‬وهو يعلم ما في السماوات واألرضين السبع‪ ،‬وما بينهما‪ ،‬وما‬
‫تحَت الَّثرى‪ ،‬وما في َقْع ِر البحر‪ ،‬ومْنَبت كِّل شعرٍة وَش َج رة‪ ،‬وكل زرٍع وكل نباٍت ‪ ،‬ومسقط كِّل‬
‫ورقة‪ ،‬وعدد كل كلمة‪ ،‬وعدد الَّر مِل والحَص ى والتراب‪ ،‬ومثاقيِل الجباِل ‪ ،‬وأعماِل العباد‪،‬‬
‫وآثارهم وكالمهم وأنفاسهم‪ ،‬ويعلُم كَّل شيء ال يخفى عليه من ذلك شيء‪ ،‬وهو على العرش‬
‫فوق السماء السابعة‪ ،‬ودونه ُحُجٌب من ناٍر ونوٍر وُظلمٍة ‪ ،‬وما هو أعلم بها‪.‬‬
‫فإْن احتج مبتدٌع ومخالٌف بقول الَّلِه عَّز وجَّل‪َ{ :‬و َنْح ُن َأْقَر ُب ِإَلْيِه ِم ْن َحْبِل اْلَو ِر يِد (‪[ })16‬ق‪:‬‬
‫‪ ]16‬وقوله‪َ{ :‬و ُه َو َمَعُك م] [الحديد‪ ]4 :‬وقوله‪:‬‬

‫(‪)1/98‬‬

‫{ِإاَّل ُه َو َمَعُه ْم َأْيَن َم ا َك اُنوا} [المجادلة‪ ،]7 :‬وقوله‪َ{ :‬ما َيُك وُن ِم ْن َنْج َو ى َثاَل َثٍة ِإاَّل ُه َو َر اِبُعُه ْم }‬
‫[المجادلة‪ ]7 :‬ونحو هذا من متشابه القرآن فقل‪ :‬إَّنما يعني بذلك العلم؛ ألَّن الَّلَه عَّز وجَّل على‬
‫العرِش فوق الَّس ماء الَّس ابعة العليا‪ ،‬يعلم ذلك كله‪ ،‬وهو بائٌن من خلقه‪ ،‬ال يخلو من علمه مكان"‬
‫(‪. )1‬‬
‫وقال في رواية أبي جعفر الطائي محمد بن عوف بن سفيان الحمصي‪ ،‬قال الخالُل ‪" :‬حافٌظ إماٌم‬
‫في زمانِه‪ ،‬معروٌف بالَّتقُّدم في العلم والمعرفة‪ ،‬كان أحمد بن حنبل يعرف له ذلك ويقبل منه‪،‬‬
‫ويسأله عن الِّر جاِل من أهل بلده" (‪ )2‬قال‪" :‬أملى علَّي أحمد بن حنبل ‪-‬فذكر الِّر سالة في‬
‫"السنة" ثَّم قال في أثنائها‪" :-‬وأَّن الجَّنة والَّناَر مخلوقتاِن قد خلقتا كما جاء الخبر‪ ،‬قال الَّنبي ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬دخلُت الجَّنة فرأيُت فيها قصًر ا" (‪ ، )3‬و"رأيت الكوثر" (‪، )4‬‬
‫ِل‬
‫و"اَّطلعُت في الَّنار فرأيُت أكثَر أه ها كذا وكذا" (‪ )5‬فمن زعَم أَّنهما لم ُتخلقا؛ فهو مكِّذ ٌب‬
‫برسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪-‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪" :‬طبقات الحنابلة" البن أبي يعلى‪.)29 - 24 /1( :‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬المصدر الَّس ابق (‪.)310 /1‬‬
‫(‪ )3‬تقدم الحديث ص (‪.)44‬‬
‫(‪ )4‬ورد من حديث أنس رضي الَّلُه عنه قال‪ :‬لَّم ا ُعِرَج بالَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬إلى‬
‫الَّس ماِء ‪ ،‬قال‪ :‬أتيُت على نهر‪ ،‬حافتاه ِقباُب اللؤلؤ مجَّو ًفا‪ ،‬فقلُت ‪ :‬ما هذا يا جبريُل؟ قال‪ :‬هذا‬
‫الكوثر"‪.‬‬
‫أخرجه البخاري برقم (‪.)4680‬‬
‫(‪ )5‬ورد من حديث عمران بن حصين أَّن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬اَّطلعُت في الجَّنِة‬
‫فرأيُت أكثَر أهلها الفقراء‪ ،‬واَّطلعُت في الَّنار فرأيُت أكثر أهلها النساء"‪.‬‬
‫أخرجه البخاري رقم (‪ .)3069‬وراجع ص (‪ )258‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪)1/99‬‬

‫وبالقرآِن ‪ ،‬كافٌر بالجَّنة والَّنار‪ُ ،‬يْس َتَتاُب ‪ ،‬فإْن تاَب وإاَّل ُقِتَل" (‪. )1‬‬
‫وقال‪ :‬في رواية عبدوس بن مالك العَّطار‪ ،‬وذكر رسالته في "السَّنة" قال فيها‪" :‬والجَّنة والَّناُر‬
‫مخلوقتان‪ ،‬قد خلقتا كما جاء عن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬اطلعُت في (‪ )2‬الجَّنة‬
‫فرأيُت أكثر أهلها كذا وكذا‪ ،‬واَّطلعُت في الَّناِر فرأيُت أكثر أهلها كذا وكذا"‪ ،‬فمن زعَم أَّنهما‬
‫لم ُتْخ لقا فهو مكِّذ ٌب بالقرآِن ‪ ،‬وأحاديث رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬وال أحسبُه يؤمن‬
‫بالجَّنة والَّنار" (‪. )3‬‬
‫فتأَّم ل هذه األبواب وما تضمنته من النقوِل ‪ ،‬والمباحث‪ ،‬والُّنَك ت والفوائِد التي ال يظفر بها في‬
‫غير هذا الكتاب البَّتة‪.‬‬
‫ونحن اختصرنا الكالم في ذلك‪ ،‬ولو بسطناُه لقام منه سفٌر ضخٌم‪ ،‬والَّلُه المستعان‪ ،‬وعليه‬
‫التكالن‪ ،‬وهو الموِّفُق للَّصواِب ‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪" :‬طبقات الحنابلة"‪.)312 - 311 /1( :‬‬
‫(‪ )2‬في "أ"‪" :‬على"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬طبقات الحنابلة‪.)246 - 245 /1( :‬‬

‫(‪)1/100‬‬

‫الباب الَّتاسع في ذكر عدد أبواب الجَّنة‬


‫قال الَّلُه تعالى‪َ{ :‬و ِس يَق اَّلِذ يَن اَّتَق ْو ا َر َّبُه ْم ِإَلى اْلَج َّنِة ُز َم ًر ا َح َّتى ِإَذا َج اُءوَه ا َو ُفِتَح ْت َأْبَو اُبَه ا َو َقاَل‬
‫َلُه ْم [‪ /33‬ب] َخ َز َنُتَه ا َس اَل ٌم َعَلْيُك ْم ِط ْبُتْم َفاْدُخ ُلوَه ا َخ اِلِد يَن } [الزمر‪ ،]73 :‬وقال فى صفة‬
‫الَّنار‪َ{ :‬ح َّتى ِإَذا َج اُءوَه ا ُفِتَح ْت َأْبَو اُبَه ا} [الزمر‪ ]71 :‬بغير واو‪.‬‬
‫فقالت طائفة‪ :‬هذه واو الثمانية دخلت في أبواب الجَّنة‪ ،‬لكونها ثمانية‪ ،‬وأبواب الَّنار سبعة فلم‬
‫تدخل الواو‪.‬‬
‫وهذا قوٌل ضعيف ال دليل عليه‪ ،‬وال تعرفه العرب‪ ،‬وال أئمة العربية‪ ،‬وإَّنما هذا من استنباط بعض‬
‫المتأخرين (‪.)1‬‬
‫وقالت طائفة أخرى‪ :‬الواو زائدة‪ ،‬والجواب‪ :‬الفعل اَّلذي بعدها‪ ،‬كما هو في اآلية الثانية‪.‬‬
‫وهذا أيًض ا ضعيف‪ ،‬فإَّن زيادة الواو غير معروف في كالمهم‪ ،‬وال يليُق بأفصح الكالم أْن يكون‬
‫فيه حرٌف زائد بغير معنى وال فائدة‪.‬‬
‫وقالت طائفٌة ثالثة‪ :‬الجواب محذوف‪ ،‬وقوله‪َ{ :‬و ُفِتَح ْت َأْبَو اُبَه ا} [الزمر‪ ]73 :‬عطف على قوله‪:‬‬
‫{َج اُءوَه ا}‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ * )1‬كالثعلبي وابن خالويه والحريري األديب * وانظر‪" :‬بدائع الفوائد" للمؤلف‪- 663 /2( :‬‬
‫‪ )365‬و (‪ * ،)919 - 915 /3‬و"الفصول المفيدة" للعالئي ص (‪.* )245 - 142‬‬

‫(‪)1/101‬‬

‫هذا اختيار أبي ُعَبْيدة والُم َبِّر د والَّز َج اج وغيرهم (‪. )1‬‬
‫قال المبِّر د‪" :‬وحذُف الجواب أبلغ عند أهل العلم" (‪. )2‬‬
‫قال أبو الفتح بن ِج ِّني‪" :‬وأصحابنا َيدفعون زيادة الواِو وال ُيِج ْيزونه‪ ،‬ويرون أَّن الجواب محذوٌف‬
‫للعلم به" (‪. )3‬‬
‫َبِق َي أْن يقاَل ‪ :‬فما الِّسُّر في حذف الجواب في آية أهل الجَّنة‪ ،‬وِذ ْك ِر ِه في آية أهل الَّناِر ؟ فيقال‪:‬‬
‫هذا أبلُغ في الموضعين‪ ،‬فإَّن المالئكة تسوق أهل الَّناِر إليها‪ ،‬وأبواُبها ُمغلقة‪ ،‬حَّتى إذا وصلوا (‪)4‬‬
‫إليها فتحت في وجوههم ففجأهم (‪ )5‬العذاُب بغتًة‪ ،‬فحين انتهوا إليها {ُفِتَح ْت َأْبَو اُبَه ا} بال‬
‫ُمْه َلة‪ ،‬فإَّن هذا شأن الجزاء المترتب على الشرط أن يكون عقيبه‪ ،‬فإَّنها دار اإلهانة والِخ زي‪ ،‬فلم‬
‫ُيْس تأذن لهم في دخولها‪ ،‬وُيطلُب إلى خزنتها أْن يمكنوهم من الدخول‪.‬‬
‫وأَّما الجَّنة فإَّنها دار الَّلُه‪ ،‬ودار كرامته‪ ،‬ومحل خواّص ه وأوليائه‪ ،‬فإذا انتهوا إليها صادفوا أبوابها‬
‫مغلقة فيرغبون إلى صاحبها ومالكها أْن يفتحها لهم‪ ،‬ويستشفعون إليه بُأولي العزم من رسله‪،‬‬
‫فكلهم يتأَّخر عن ذلك‪ ،‬حَّتى تقع الَّداللة على خاتمهم وسيدهم وأفضلهم فيقول‪" :‬أنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪" :‬معاني القرآن" للزجاج (‪ ،)364 /4‬و"مجاز القرآن" (‪.)192 /2‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ * :‬المقتضب له‪.* )78 - 77 /2( :‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ِ" * :‬س ّر صناعة اإلعراب" له‪.* )646 /2( :‬‬
‫(‪ )4‬من قوله‪" :‬في الموضعين" إلى "وصلوا" سقط من "ج" ووقع في "أ‪ ،‬ب‪ ،‬د"‪" :‬دخلوا"‪ ،‬وفي‬
‫"هـ"‪" :‬دخلوها" بداًل من "وصلوا" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في "ج"‪" :‬فيفجئهم"‪ ،‬وفي نسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬فيجيئهم"‪.‬‬

‫(‪)1/102‬‬

‫لها" (‪ : )1‬فيأتي إلى تحِت العرش ويخُّر ساجًد ا لربه‪ ،‬فيدعه ما شاء أْن يدعه‪ ،‬ثَّم يأذُن له في رفع‬
‫رأسِه‪ ،‬وأْن يسأل حاجته‪ ،‬فيشفع إليه سبحانه في فتح أبوابها فيشفعه‪ ،‬ويفتحها تعظيًم ا لخطرها‪،‬‬
‫وإظهاًر ا لمنزلة رسوله وكرامته عليه‪.‬‬
‫وإَّن مثل هذه الَّدار التي هي دار ملك الملوك ورب العالمين‪ ،‬إَّنما ُدِخ إليها بعد تلك األهواِل‬
‫َل‬
‫ِك‬
‫العظيمة التي أولها من حين عقل العبد في هذه الَّدار إلى أْن انتهى إليها‪ ،‬وما َر َبُه من األطباق‬
‫طبًق ا بعد طبق‪ ،‬وقاساه من الشدائد شَّد ًة بعد شَّدة‪ ،‬حَّتى أذَن الَّلُه تعالى لخاتم أنبيائه ورسله‪،‬‬
‫وأحِّب خلقه إليه أْن يشفع إليه في فتحها لهم‪.‬‬
‫وهذا أبلُغ وأعظُم في تمام الِّنعمة وحصول الفرِح (‪ )2‬والُّس رور مَّم ا ُيَق َّد ُر بخالف ذلك‪ ،‬ولئال‬
‫يتوهُم الجاهل أَّنها بمنزلة الخان (‪ )3‬اَّلذي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري رقم‪ ،)6197( :‬ومسلم رقم (‪ )326( - )193‬واللفظ لمسلم من حديث‬
‫أنس بن مالك رضي الَّلُه عنه‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬ليس في حديث الشفاعة الطويل ما ذكره المؤلُف "من أَّن طلبهم للشفاعة كان بسبب‬
‫وجودهم أبواب الجَّنة مغلقة‪ ،‬بل اَّلذي جاء فيه ‪ -‬وهذا لفظه ‪" :-‬يجمُع الَّلُه الَّناس يوم القيامة‪،‬‬
‫فيهتُّم ون ‪-‬وفي لفٍظ ‪ :‬فيلهمون‪ -‬لذلك‪ ،‬فيقولون‪ :‬لو استشفعنا على ربنا حتى يريحنا من مكاننا‬
‫هذا‪ ،‬قال فيأتون آدم‪ ،. .‬وذكر الحديث بطوله واللفظ لمسلم‪.‬‬
‫َفَلَعَّله في حديٍث آخر فلينظر‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ج"‪" :‬الَف َر ج"‪.‬‬
‫(‪ )3‬الخان‪ :‬الذي للُّتجاِر ‪ .‬أي‪ :‬المتجر‪ ،‬ويحتمل‪ :‬الفندق‪ .‬انظر‪" :‬الصحاح"‪،)1551 /2( :‬‬
‫و"المعجم الوسيط" ص (‪.)286‬‬
‫(‪)1/103‬‬

‫يدخله من شاء‪ ،‬فجَّنة الَّلِه غاليٌة عاليٌة‪ ،‬بين الَّناس وبينها من العقبات (‪ )1‬والمفاوز واألخطار ما ال‬
‫تنال إال بِه‪ ،‬فما ِلَمْن أْتَبَع نفسه هواها وتمَّنى على الَّلِه األمانَّي ولهذه الَّدار؟ فلُيَعِّد عنها إلى ما هو‬
‫أولى به‪ ،‬وقد ُخ ِلَق لُه وُه ِّيَئ له‪.‬‬
‫وتأَّمل ما في َسْو ِق الفريقين إلى الَّدارين زمًر ا من فرحة هؤالء بإخوانهم‪ ،‬وَس ْيرهم معهم كل زمرة‬
‫على ِح َد ة‪ ،‬مشتركين في عمٍل متصاحبين فيه على زمرتهم وجماعتهم‪ ،‬مستبشرين أقوياء القلوب‪،‬‬
‫كما كانوا في الدنيا وقت اجتماعهم على الخير‪ ،‬كذلك يؤنس بعضهم بعًض ا‪ ،‬ويفرح بعضهم‬
‫ببعض‪.‬‬
‫وكذلك أصحاب الَّدار اُألخرى ُيَس اقون إليها زمًر ا‪ ،‬يلعن بعضهم بعًض ا‪ ،‬ويتأَّذى (‪ )2‬بعضهم‬
‫ببعض‪ ،‬وذلك أبلغ في الخزي والفضيحة والَه ِتْيَك ة‪ ،‬من أن يساقوا واحًد ا واحًد ا‪ ،‬فال ُتهِم ْل َتَد ُّبر‬
‫قوله‪ُ{ :‬ز َمًر ا}‪.‬‬
‫وقال خزنة أهل (‪ )3‬الجَّنة ألهلها‪َ{ :‬س اَل ٌم َعَلْيُك ْم } فبدؤوهم بالَّس الم المتضِّم ن للسالمة من كِّل‬
‫شٍّر ومكروٍه‪ ،‬أي‪َ :‬س ِلْم ُتْم ‪ ،‬فال يلحقكم بعد اليوِم ما تكرهون‪ ،‬ثَّم قالوا لهم‪ِ{ :‬ط ْبُتْم َفاْدُخ ُلوَه ا}‬
‫أي‪ :‬سالمتكم ودخولها بطيبكم‪ ،‬فإَّن الَّلَه حَّر مها إاَّل على الطيبين‪ ،‬فبَّش روهم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب"‪" :‬العقاب" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب"‪" :‬وينادي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬ليس في "ب"‪.‬‬

‫(‪)1/104‬‬

‫بالَّس المة وبالطيِب ‪ ،‬والدخول والخلود‪.‬‬


‫وأَّما أهُل الَّناِر ‪ ،‬فإَّنهم لما انتهوا إليها على تلك الحال من الهِّم والغِّم والُح زِن ‪ ،‬وفتحت لهم‬
‫ِت‬ ‫ِك‬
‫أبوابها‪ ،‬ووقفوا عليها وزيدوا إلى ما هم عليه توبيخ خزنتها‪ ،‬وتْب يتهم لهم بقولهم‪َ{ :‬أَلْم َيْأ ُك ْم‬
‫ُرُس ٌل ِم ْنُك ْم َيْتُلوَن َعَلْيُك ْم آَياِت َر ِّبُك ْم َو ُيْنِذ ُر وَنُك ْم ِلَق اَء َيْو ِم ُك ْم َه َذ ا} [الزمر‪ ]71 :‬فاعترفوا‬
‫وقالوا‪ :‬بلى‪ .‬فبشروهم بدخولها والخلود فيها‪ ،‬وأَّنها بئس المثوى لهم‪.‬‬
‫وتأَّم ل قول خزنة الجَّنة ألهلها‪{ :‬اْدُخ ُلوَه ا}‪ :‬وقول خزنة الَّناِر (‪ )1‬ألهلها‪{ :‬اْدُخ ُلوا َأْبَو اَب‬
‫َجَه َّنَم } َتِج ْد َتْح تُه سًّر ا لطيًف ا ومعًنى بديًعا ال يخفى على الُم تأِّم ِل ‪ ،‬وهو‪ :‬أَّنها لَّم ا كانت دار العقوبة‬
‫وأبوابها أفظع شيٍء ‪ ،‬وأشد (‪ )2‬حًّر ا‪ ،‬وأعظم غًّم ا‪ ،‬يستقبل فيها الداخُل من العذاب ما هو أشد‬
‫منها‪ ،‬ويدنو من الغّم والخزي والكرب بدخول األبواب = قيل (‪ : )3‬ادخلوا أبوابها َص َغاًر ا لهم‪،‬‬
‫وإْذالاًل وخزًيا‪ ،‬ثَّم قيل لهم‪ :‬ال يقتصر بكم (‪ )4‬على مجَّر د دخول األبواب الفظيعة‪ ،‬ولكن وراءها‬
‫الخلود في الَّنار‪.‬‬
‫وأَّما الجَّنة فهي دار الكرامة‪ ،‬والمنزل اَّلذي أعَّده الَّلُه ألوليائه‪ ،‬فُبشروا من أَّو ل ْه َلٍة بالدخوِل‬
‫َو‬
‫إلى المقاعد والمنازل والخلود فيها‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب"‪" :‬أهل الَّنار" بدل "الَّنار"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ج‪ ،‬د"‪" :‬وأشده"‪ ،‬وفي "ب"‪" :‬وأشده حًّر ا وأعظمه إثًم ا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في جميع النسخ "فقيل" ولعَّل الصواب ما أثبته‪ ،‬وهو جواب "لَّم ا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في "ب"‪" :‬منكم"‪.‬‬

‫(‪)1/105‬‬

‫وتأَّمل قوله سبحانه‪َّ { :‬ناِت َعْد ٍن َف َّت ًة َل اَأْل ا (‪َّ )50‬تِكِئي ِفي ا ْد ُعوَن ِفي ا ِبَف اِك ٍة‬
‫َه‬ ‫َه‬ ‫ُم َن َه َي‬ ‫ُم َح ُه ُم ْبَو ُب‬ ‫َج‬
‫َك ِثيَر ٍة َو َش َر اٍب (‪[ } )51‬ص‪ ]51 - 50 :‬كيف تجد تحته معنى بديًعا‪ ،‬وهو أَّنهم إذا دخلوا‬
‫الجَّنة لم تغلق أبواُبها عليهم بل تبقى مفتحة كما قال (‪. )1‬‬
‫وأَّما الَّناُر فإذا دخلها أهلها ُأغلقت عليهم أبوابها‪ ،‬كما قال تعالى‪ِ{ :‬إَّنَه ا َعَلْيِه ْم ُمْؤ َص َد ٌة} [الهمزة‪:‬‬
‫‪ ]8‬أي مطبقة مغلقة (‪ ، )2‬ومنه ُس ِّم َي الباب وِص يًد ا وهي‪ُ{ :‬مْؤ َص َد ٌة (‪ِ )8‬في َعَم ٍد ُمَم َّد َدٍة} قد‬
‫جعلت الُعُم د ُمْم سكة لألبواب من خلفها‪ ،‬كالحجر العظيم اَّلذي ُيْج عل خلف الباب‪.‬‬
‫قال ُمَق اِتل‪" :‬يعني أبوابها عليهم مطبقة‪ ،‬فال يفتح لها باب‪ ،‬وال يخرج منها َغم‪ ،‬وال يدخل فيها‬
‫َرْو ح آخَر األَبِد " (‪. )3‬‬
‫وأيًض ا‪ :‬فإَّن في تفتيح األبواب لهم إشارٌة إلى تصرفهم وذهابهم وإيابهم وَتبؤهم من الجَّنة حيث‬
‫شاؤوا‪ ،‬ودخول المالئكة عليهم كل وقت بالُّتحف واأللطاف من ربهم‪ ،‬ودخول ما َيُس ُّر هم عليهم‬
‫كل وقت‪.‬‬
‫وأيًض ا‪ :‬إشارة إلى أَّنها داُر أْم ٍن ال يحتاجون فيها إلى َغْلِق األبواِب ‪ ،‬كما كانوا يحتاجون إلى ذلك‬
‫في الدنيا‪.‬‬
‫وقد اختلف أهل العربية في الضمير العائد من الِّص فة على‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬د"‪" :‬هي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ليس في "ب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪" :‬تفسير مقاتل"‪.)519 /3( :‬‬

‫(‪)1/106‬‬

‫الموصوف في هذه الجملة (‪. )1‬‬


‫فقال الكوفيون‪ :‬الَّتْق دير مفَّتحة لهم أبوابها‪ .‬والعرُب تعاقب بين األلف واَّلالُم واإلضافة‪ ،‬فيقولون‪:‬‬
‫مررُت برجل حسن العين‪ :‬أي عينه‪ .‬ومنه (‪ )2‬قوله تعالى‪َ{ :‬فِإ َّن اْلَج ِح يَم ِه َي اْلَم ْأَو ى (‪} )39‬‬
‫[النازعات‪ ]39 :‬أي‪ :‬مأواه‪.‬‬
‫وقال بعض البصريين‪ :‬التقديُر ‪ :‬مفتحة لهم األبواب منها‪ .‬فحذف الضمير وما اتصل به‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وهذا التقديُر في العربية أجوُد من أْن تجعل األلف واَّلالم بداًل من الهاِء واأللِف ‪ ،‬أي (‪ )3‬معنى‬
‫األلف واَّلالم ليس من معنى الهاء واأللف في شيء؛ ألَّن الهاء واأللف اسم‪ ،‬واأللف واَّلالم دخلتا‬
‫للتعريف‪ ،‬وال ُيْبَد ل حرٌف من اسم‪ ،‬وال ينوب عنه‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وأيًض ا لو كانت األلف واَّلالُم بداًل من الَّضمير لوجب أْن يكون في {ُمَف َّتَح ًة} ضمير‬
‫الجَّنات‪ ،‬ويكون المعنى مفتحة هي‪ ،‬ثَّم ُأْبِد َل منها األبواب‪ ،‬ولو كان كذلك لوجب نصب‬
‫األبواب لكون {ُّمَف َّتَح ًة} قد رفع (‪ )4‬ضمير الفاعل‪ ،‬فال يجوز أن يرتفع به اسٌم آخر المتناع‬
‫ارتفاع فاِع َلْين بفعٍل واحٍد ‪ ،‬فلَّم ا ارتفع {اأْل َبَو اُب } دَّل على أَّن {ُّمَف َّتَح ًة} حاٌل من ضمير‪ ،‬و‬
‫{اَأْلَبَو اُب } مرتفعة به‪ .‬وإذا كان في الِّص فة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪" :‬معاني القرآن" للفراء‪ ،)409 - 408 /2( :‬وللزجاج‪ ،)337 /4( :‬و"البحر‬
‫المحيط"‪.)387 /7( :‬‬
‫(‪ )2‬في "أ‪ ،‬ج"‪" :‬ومعنى"‪ .‬والمثبت أصح‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ب"‪" :‬ألَّن "‪.‬‬
‫(‪ )4‬في "ب‪ ،‬ج"‪" :‬وقع"‪.‬‬

‫(‪)1/107‬‬

‫ضمير تَعَّيَن نْص ُب الثاني‪ ،‬كما تقول‪ :‬مررت برجل حسن الوجه‪ .‬ولو رفعت "الوجَه" وَنَّو ْنَت‬
‫"َح َس ًنا" لم يجز‪ ،‬فاأللف واَّلالُم إًذا للتعريف ليس إاَّل ‪ ،‬فال ُبَّد من ضمير يعوُد على الموصوف‬
‫اَّلذي هو جَّنات عدٍن ‪ ،‬وال ضمير في اللفظ‪ ،‬وهو محذوف‪ ،‬تقديره‪ :‬األبواب منها‪.‬‬
‫وعندي‪ :‬أَّن هذا غير مبطل لقول الكوفيين‪ ،‬فإَّنهم لم ُيِر ْيُد وا بالبَد ِل إاَّل أَّن األلف واَّلالم َخ َلٌف‬
‫وِع َو ٌض عن الضمير يغني (‪ )1‬عنه‪ ،‬وإجماع العرب على قولهم‪ :‬حسن الوجه‪ ،‬وحسن وجهه =‬
‫شاهٌد بذلك‪ ،‬وقد قالوا‪ :‬إَّن التنوين بدل من األلف واَّلالم‪ .‬بمعنى‪ :‬أَّنهما ال يجتمعان‪ ،‬وكذلك‬
‫المضاف إليه يكون بداًل من التنوين‪ ،‬والتنوين بدٌل من اإلضافة‪ ،‬بمعنى‪ :‬الَّتَعاقب والَّتوارد‪ ،‬وال‬
‫يريدون بقولهم‪ :‬هذا بدٌل من هذا‪ ،‬أَّن (‪ )2‬معنى البدِل معنى الُم ْبَد ل منه‪ ،‬بل قد يكون في كٍّل‬
‫منهما معنى ال يكون في اآلخر‪.‬‬
‫فالكوفيون أرادوا أَّن األلَف واَّلالم في {اَأْلْبَو اُب } أغنت عن الضمير؛ لو قيل‪ :‬أبوابها‪ ،‬وهذا‬
‫صحيح‪ ،‬فإَّن المقصود الربط بين الصفة والموصوف بأمٍر يجعلها له ال مستقلة‪ ،‬فلَّم ا كان الضميُر‬
‫عائًد ا على الموصوف تعَّين (‪ )3‬توهم االستقالل‪ ،‬وكذلك الم التعريف‪ ،‬فإَّن كاًّل من الَّضمير‬
‫واَّلالم ُيَعِّين صاحبه‪ :‬هذا يعِّين (‪ )4‬تفسيره‪ ،‬وهذا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ج"‪َ" :‬يْع ني"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ج"‪" :‬أي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ب"‪" :‬نفى"‪ ،‬في "هـ"‪" :‬تعَّين االستقالُل "‪.‬‬
‫(‪ )4‬في "أ‪ ،‬ب‪ ،‬ج‪ ،‬د"‪" :‬معنى"‪.‬‬

‫(‪)1/108‬‬
‫ُيَعِّين ما دخل عليه‪ ،‬وقد قالوا في "زيد نعم الرجل"‪ :‬إَّن األلف واَّلالم أغنت عن الضمير‪ ،‬والَّلُه‬
‫أعلم‪.‬‬
‫وقد أعرب الزمخشري هذه اآلية إعراًبا اْع ُتِر َض عليه فيه‪ ،‬فقال‪َ{ :‬ج َّناِت َعْد ٍن } معرفة‪ ،‬لقوله‪:‬‬
‫{َج َّناِت َعْد ٍن اَّلِتي َو َعَد الَّر ْح َمُن ِع َباَدُه ِباْلَغْيِب } [مريم‪ ،]61 :‬وانتصابها على أَّنها عطف بيان لـ‬
‫{َلُح ْسَن َمَئاٍب }‪ ،‬و {ُمَف َّتَح ًة} حال‪ ،‬والعامل فيها ما في {ِلْلُم َّتِق يَن } من معنى الفعل‪ ،‬وفي‬
‫{ُمَف َّتَح ًة}‪ :‬ضمير الجَّنات‪ ،‬و {اَألَبَو اُب }‪ :‬بدل من الضمير‪ ،‬تقديره‪ :‬مفتحة‪ ،‬هي األبواب‪،‬‬
‫كقولهم‪" :‬ضرب زيد اليد والرجل"‪ ،‬وهو من بدل االشتمال" (‪ . )1‬هذا إعرابه‪.‬‬
‫َّلِت‬ ‫ِت ٍن‬
‫فاعُتِر َض عليه بأَّن {َج َّنا َعْد } ليس فيها ما يقتضي تعريفها‪ .‬وأَّما قوله‪{ :‬ا ي َو َعَد الَّر ْح َمُن‬
‫ِت ٍن‬ ‫ِص‬ ‫ِع‬
‫َباَدُه} َفَبَد ل‪ ،‬ال َف ة‪ .‬وبأَّن ‪َ{ :‬ج َّنا َعْد } ال يسهل (‪ )2‬أن تكون عطف بيان لـ {َلُح ْسَن‬
‫َم َئاٍب } على قوله؛ ألَّن جريان المعرفة على النكرة عطف بيان = ال قائل به‪ ،‬فإَّن القائَل قائالن‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أَّنه ال يكون إاَّل في المعارف‪ ،‬كقول البصريين‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أَّنه يكوُن في المعارف والَّنِكَر اِت بشرط المطابقة‪ ،‬كقول الكوفيين وأبي علي الفارسي‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬إَّن في {ُمَف َّتَح ًة} ضمير الجَّنات‪ ،‬فالظاهر خالفه‪ ،‬وأَّن {اَأْلْبَو اُب }‪ :‬مرتفٌع به‪ ،‬وال ضمير‬
‫فيه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪" :‬الكشاف"‪.)100 /4( :‬‬
‫(‪ )2‬في "د‪ ،‬هـ" ونسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬تشتمل"‪.‬‬

‫(‪)1/109‬‬

‫وقوله‪ :‬إَّن {اَأْلْبَو اُب }‪ :‬بدُل اشتماٍل ‪ ،‬فبدل االشتمال (‪ )1‬قد صَّر َح هو وغيره أَّنه ال ُبَّد فيه من‬
‫الَّضمير‪ ،‬وإْن نازعهم فيه آخرون‪ ،‬ولكن يجوُز أْن يكون الضمير ملفوًظا به‪ ،‬وأْن يكون ُمَق َّد ًر ا‪،‬‬
‫وهنا لم يلفْظ به‪ ،‬فال ُبَّد من تقديرِه أي‪ :‬األبواب منها‪ ،‬فإذا كان التقدير‪ :‬مفتحة لهم هي األبواب‬
‫منها‪ ،‬كان فيه تكثيُر لإلضماِر ‪ ،‬وتقليله أولى‪.‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪ : )2‬من حديِث أبي حازم (‪ )3‬عن سهل بن سعد رضي الَّلُه عنه أَّن رسول‬
‫الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬في الجَّنِة ثمانيُة َأْبَو اٍب ‪ ،‬باٌب منها ُيَس َّم ى الَّر َّياُن ‪ ،‬اَل َيْد ُخ ُلُه إاَّل‬
‫الَّصائمون"‪.‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪ )4‬من حديث الزهري‪ ،‬عن ُحَم ْيد بن عبد الرحمن‪ ،‬عن أبي هريرة رضي الَّلُه‬
‫عنه قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪َ" :-‬مْن َأْنَف َق َز وجيِن من شيٍء من األشياء في‬
‫سبيل الَّلِه‪ُ ،‬دعي من أبواب الجَّنة‪ :‬يا عبَد الَّلِه هذا خيٌر ‪ ،‬فمن كان من أهل الَّصالِة ُدعي من باب‬
‫الَّصالة‪ ،‬ومن كان من أهل الجهاِد ُدِع َي من باب الجهاِد ‪ ،‬ومن كان من أهل الصدقة ُدعي من باب‬
‫الَّص دقة‪ ،‬ومن كان من أهل الصيام ُدعي من باب الرَّيان"‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬بأبي أنَت وُأِّم ي يا رسول‬
‫الَّلِه ‪ ،‬ما على من ُدعي من تلك األبواب من ضرورٍة‪ ،‬فهل ُيدعى أحٌد من تلك األبواب كِّلها‪،‬‬
‫فقال‪" :‬نعم‪ ،‬وأرجو أْن تكون منهم"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله‪" :‬فبدل االشتمال" ليس في "ب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬البخاري رقم (‪ ،)3084‬ومسلم (‪ ،)1152‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ب"‪" :‬حاتم" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)3466‬ومسلم رقم (‪ ،)1027‬واللفظ للبخاري‪.‬‬

‫(‪)1/110‬‬

‫وفي "صحيح مسلم" (‪ : )1‬عن عمر بن الخطاب رضى الَّلُه عنه عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫ِل‬
‫وسلم‪ -‬قال‪" :‬ما منكم من أحٍد يتوَّضأ َفُيب ُغ أو َفُيْس ِبُغ الوضوَء ثَّم يقول‪ :‬أشهُد أْن ال إله إاَّل الَّلُه‬
‫وحده ال شريَك له‪ ،‬وأشهُد (‪ )2‬أَّن محمًد ا عبُدُه ورسولُه‪ ،‬إاَّل ُفِتَح ْت لُه أبواُب الجَّنة الثمانية‬
‫يدخُل من أِّيها شاء"‪.‬‬
‫زاد الترمذي بعد التشهد‪" :‬اَّللهم اجعلني من الَّتوابين واجعلني من المتطهرين" (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رقم (‪.)234‬‬
‫(‪ )2‬قوله‪" :‬وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهُد " من رواية أخرى لحديث عمر عند مسلم رقم (‪.)234‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الترمذي برقم (‪.)5‬‬
‫عن جعفر بن عمران الكوفي عن زيد بن الُح باب عن معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد الدمشقي‬
‫عن أبي إدريس الخوالني وأبي عثمان عن عمر بن الخطاب فذكره‪.‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬حديث عمر قد ُخ وِلف زيد بن ُح باب في هذا الحديث‪ ،‬روى عبد الَّله بن صالح‬
‫وغيره عن معاوية بن صالح عن ربيعة عن أبي إدريس عن عقبة بن عامر عن عمر‪ ،‬وعن ربيعة بن‬
‫أبي عثمان عن ُجَبير بن ُنَف ْير عن عمر‪ .‬وهذا حديٌث في إسناده اضطراب‪ ،‬وال يصح عن الَّنبي ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬في هذا الباب كثير شيء"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذه الزيادة شاَّذٌة‪ ،‬وهي وهٌم من شيخ الترمذي جعفر بن عمران الكوفي "صدوق"‪ ،‬فقد‬
‫خالفه أبو بكر بن أبي شيبة‪ ،‬والعباس بن محمد الدوري ومحمد بن علي بن حرب‪ ،‬وأسد بن‬
‫موسى‪ ،‬وأبو بكر الجعفي‪ ،‬كلهم عن زيد بن الحباب به‪ ،‬ولم يذكروا هذه الزيادة‪" :‬اللهم اجعلني‬
‫من التوابين واجعلني من المتطهرين"‪.‬‬
‫أخرجه مسلم في صحيحه رقم (‪ ،)234‬والنسائي (‪ ،)92 /1‬وابن خزيمة =‬

‫(‪)1/111‬‬

‫زاد أبو داود واإلمام أحمد‪" :‬ثَّم رفع َنَظَر ُه إلى الَّس ماِء فقال‪. )1( " . . .‬‬
‫وعند اإلمام أحمد من رواية أنس يرفعه‪" :‬من توضأ فأحسَن الُو ُضوَء‪ ،‬ثَّم قال ثالث مرات‪ :‬أشهُد‬
‫أْن ال إلَه إاَّل الَّلُه وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهُد أَّن محمًد ا عبده ورسوله‪ُ ،‬فِتَح له ثمانيُة أبواب الجَّنة‬
‫من أِّيها شاَء دخل" (‪. )2‬‬
‫وعن ُعْتبة بن َعْبٍد (‪ )3‬الُّس َلِم ي رضي الَّلُه عنه قال‪ :‬سمعُت رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪-‬‬
‫يقول‪" :‬ما من مسلٍم ُيتوَّفى له ثالثٌة من الولد لم يبلغوا الِح ْنَث ‪ ،‬إاَّل تَلَّق وه من أبواب الجَّنة الثمانية‪،‬‬
‫من أِّيها شاء دخل"‪.‬‬
‫__________‬
‫= رقم (‪ ،)223‬وأبو عوانة في مستخرجه (‪ 605‬و ‪ )607‬وغيرهم‪.‬‬
‫ورواه الليث بن سعد وابن وهب وعبد الرحمن بن مهدي كلهم عن معاوية ابن صالح عن ربيعة‬
‫عن أبي إدريس عن عقبة بن عامر‪.‬‬
‫ووقع في هذا الحديِث اختالٌف آخر‪ ،‬انظر تفصيله في شرح الترمذي ألحمد شاكر (‪- 79 /1‬‬
‫‪.)83‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)170‬وأحمُد في مسنده (‪.)150 /4‬‬
‫من طريق أبي عقيل ُز هرة بن َمْع بد عن ابن عِّم ه عن عقبة بن عامر عن عمر فذكره‪.‬‬
‫وسنده ضعيف‪ ،‬لجهالة ابن عم زهرة بن معبد‪ ،‬انظر‪ :‬التقريب رقم (‪.)8510‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أحمد في المسند (‪ ،)265 /3‬وابن ماجه برقم (‪ )469‬وغيرهما‪.‬‬
‫من طريق زيد العِّم ِّي عن أنس بن مالك فذكره‪.‬‬
‫قال البوصيري‪" :‬هذا إسناٌد فيه زيد العِّم ي‪ ،‬وهو ضعيف" انظر‪" :‬مصباح الزجاجة"‪.)187 /1( :‬‬
‫(‪ )3‬وقع في "هـ"‪" :‬عبد الَّله" وهو خطأ‪.‬‬

‫(‪)1/112‬‬

‫رواه ابن ماجه‪ ،‬وعبد الَّلِه بن أحمد عن ابن ُنَم ير‪ ،‬حدثنا إسحاق بن سليمان‪ ،‬حدثنا َح ِر ْيز بن‬
‫عثمان‪ ،‬عن ُش َر حِبيل بن ُش ْف َعة‪ ،‬عن ُعْتبة (‪. )1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن ماجه رقم (‪ ،)1604‬وأحمد في المسند (‪ ،)183 /4‬والطبراني في الكبير‪( :‬‬
‫‪ )125 /17‬رقم (‪ )309‬وغيرهم‪.‬‬
‫قال البوصيري‪" :‬هذا إسناٌد فيه شرحبيل بن شفعة ذكره ابن حبان في الثقات‪ ،‬وقال أبو داود‪:‬‬
‫"شيوخ حريز كلهم ثقات" قلُت ‪ :‬وباقي رجال اإلسناد على شرط البخاري"‪ .‬انظر‪" :‬مصباح‬
‫الزجاجة"‪.)530 /1( :‬‬

‫(‪)1/113‬‬

‫الباب العاشر في ذكر َسَعِة أبوابها‬


‫عن أبي هريرة رضي الَّلُه عنه قال‪ُ" :‬و ِض عْت بين يدي رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪َ -‬قْص عٌة‬
‫من ثريد ولحم‪ ،‬فتناول الذراع ‪-‬وكان أحَّب الشاة إليه‪َ -‬فَنَه َس َنْه سة (‪ )1‬وقال‪ :‬أنا سِّيُد الَّناِس‬
‫يوم القيامة"‪ ،‬ثَّم نهس أخرى‪ ،‬وقال‪" :‬أنا سيُد الَّناس يوم القيامة"‪ ،‬فلَّم ا رأى أصحابه ال يسألونه‬
‫قال‪" :‬أال تقولون كيَف ؟ " قالوا‪ :‬كيف يا رسول الَّلِه ؟ قال‪" :‬يقوم الَّناُس لرِّب العالمين فُيْس معهم‬
‫الَّداعي وَيْنُفُذ هم البصُر " فذكر حديث الشفاعة بطوله‪ ،‬وقال في آخره‪" :‬فأنطلُق فآتي تحت (‪)2‬‬
‫العرِش ‪ ،‬فأقع ساجًد ا لربي‪ ،‬فيقيمني رُّب العالمين مقاًم ا لم يقمه أحًد ا قبلي‪ ،‬ولن يقيمه أحًد ا‬
‫بعدي‪ ،‬فأقول‪ :‬يا رِّب أمتي (‪ .)3‬فيقوُل ‪ :‬يا محمد أدخل من أمتك من ال حساَب عليهم من الباب‬
‫األيمن‪ ،‬وهم شركاُء الَّناس فيما سوى ذلك من األبواب‪ ،‬واَّلذي نفُس محمٍد بيده إَّن ما بين‬
‫المصراعين من مصاريع الجَّنة َلَك َم ا بين مكة وَه َج ر‪ ،‬أو َه َج ر ومكة" (‪.)4‬‬
‫وفي لفٍظ ‪َ" :‬لَك َم ا بين مكة وَه َج ر‪ ،‬أو كما بين مكة وُبْص رى"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من "أ‪ ،‬ب" ومصدري التخريج‪ ،‬وفي باقي النسخ "نهش نهشة"‪ ،‬و"نهش أخرى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬من "ج‪ ،‬د" ونسخٍة على حاشية "أ"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في صحيح مسلم "ُأَّمتي ُأَّمتي"‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)4435‬ومسلم رقم (‪ ،)328( - )194‬واللفظ له‪.‬‬

‫(‪)1/114‬‬

‫متفق على ِص َّح ته (‪. )1‬‬


‫وفي لفٍظ خارج الصحيح بإسناده‪" :‬إَّن ما بين ِع َض ادتي (‪ )2‬الباب َلَك ما بين مكة وهجر" (‪. )3‬‬
‫وعن خالد بن عمير العدوي قال‪ :‬خطبنا عتبة بن غزوان رضي الَّلُه عنه فحمَد الَّلَه وأثنى عليه‪ ،‬ثَّم‬
‫قال‪ :‬أَّما بعُد ‪ ،‬فإَّن الدنيا قد آذنت ِبُصرم‪ ،‬ووَّلْت َح َّذ اء‪ ،‬ولم يبق منا إاَّل صبابة كُصبابة اإلناء‪،‬‬
‫يصطُّبها صاحُبها‪ ،‬وإَّنكم منتقلون منها إلى دار ال زوال لها‪ ،‬فانتقلوا بخير ما بحضرتكم‪ ،‬ولقد‬
‫ذكر لنا‪ :‬أَّن مصراعين من مصاريع الجَّنة بينهما مسيرُة أربعين سنة‪ ،‬وليأتيَّن عليه يوٌم وهو كظيٌظ‬
‫من الزحام" (‪. )4‬‬
‫فهذا موقوٌف ‪ ،‬واَّلذي قبله مرفوع‪ ،‬فإْن كان رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬هو الَّذ اكر لهم‬
‫ذلك‪ ،‬كان هذا َسَعُة ما بين باٍب من أبوابها‪ ،‬ولعَّله الباب األعظم‪ ،‬وإْن كان الذاكر لهم ذلك غير‬
‫رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬لم ُيقَّدم على حديث أبي هريرة المتقِّدم‪ .‬ولكن قد روى‬
‫اإلماُم أحمد في "مسنده" من حديث حماد بن سلمة قال‪ :‬سمعت الُج َر يري يحدث عن حكيم بن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬عند مسلم (‪ ،)327( - )194‬وعند البخاري (‪" )4435‬كما بين مَّك ة وِح ْمَير‪ ،‬أو‪ :‬كما بين‬
‫مَّك ة وُبْص رى"‪.‬‬
‫(‪ِ )2‬ع َض ادتا الباب‪ :‬هما خشبتان من جانبيه‪ .‬انظر‪ :‬الصحاح‪.)432 /1( :‬‬
‫(‪ )3‬في صحيح مسلم برقم (‪ )328( - )194‬قريٌب من هذا اللفظ‪.‬‬
‫وفيه‪ . ." :‬واَّلذي نفس محمد بيده إَّن ما بين المصراعين من مصاريع الجَّنة إلى عضادتي الباب‬
‫كما بين مكة وهجر‪ ،‬أو هجر ومكة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم برقم (‪.)2967‬‬

‫(‪)1/115‬‬

‫معاوية عن أبيه أَّن رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬أنتم ُتَو َّفون سبعين (‪ُ )1‬أَّمة أنتم‬
‫أْخ يُر ها (‪ )2‬وأكرمها على الَّله‪ ،‬وما بين مصراعين من مصاريع الجَّنة مسيرُة أربعين عاًم ا‪ ،‬وليأتيَّن‬
‫عليه يوٌم وإَّنه (‪ )3‬لكظيظ" (‪. )4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من قوله "عن حكيم" إلى "سبعين" سقط من "ج"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "هـ"‪" :‬خيرها" وهي في بعض مصادر التخريج‪ ،‬وفي أكثر مصادر التخريج "آخرها"‪،‬‬
‫ولهذا عَّلق ناسخ (أ) عليها بقوله "كذا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬وقع في "أ" "وهو كظيظ"‪ ،‬وفي باقي النسخ "وله كظيظ"‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أحمد في مسنده (‪ )3 /5‬وعبد بن حميد رقم (‪" )411‬المنتخب"‪.‬‬
‫وقد خولف حماد بن سلمة‪.‬‬
‫فرواه خالد بن عبد الَّلِه الطحان ‪"-‬من رواية إسحاق بن شاهين ووهب بن بقية عنه‪ ،-‬وعلي بن‬
‫عاصم كالهما عن الجريري به لكَّنهما قاال "مسيرة سبع سنين"‪.‬‬
‫أخرجه ابن أبي داود في البعث رقم (‪ )60‬وابن أبي عاصم في اآلحاد والمثاني رقم (‪)1475‬‬
‫وابن حبان في صحيحه (‪ ،)8388 /16‬والروياني في مسنده (‪ ،)929‬والطبراني في "الكبير"‪( :‬‬
‫‪ )424 /19‬رقم (‪ )1032‬وأبو الشيخ في العظمة رقم (‪ )577‬وغيرهم‪.‬‬
‫وقد رواه وهيب عن خالد عن الجريري به بلفظ "مسيرة أربعين عاًما"‪.‬‬
‫أخرجه أبو نعيم في "الحلية"‪.)205 - 204 /6( :‬‬
‫وهذا الحديُث معدوٌد في غرائب سعيد الجريري‪ ،‬فقد قال أبو نعيم‪" :‬غريب عن الجريري‪ ،‬تفَّر د‬
‫به عن حكيم"‪.‬‬
‫وقال علي بن عاصم‪" :‬فحدثُت بهذين الحديثين ‪-‬وسيأتي الحديث اآلخر ص (‪ -.)384‬بهز بن‬
‫حكيم‪ ،‬فقال‪ :‬لم أسمعهما" "الكامل"‪.)67 /2( :‬‬
‫وأيًض ا فقد وقع اختالف عن حَّم اد بن سلمة في ذكر هذه الجملة "وما بين مصراعين‪ " . .‬وعدم‬
‫ذكرها‪.‬‬
‫وأيًض ا فقد روى هذا الحديث مطَّو اًل أبو قزعة وبهز بن حكيم عن حكيم به‪ ،‬فذكرا فيه الجملة‬
‫األولى "أنتم توفون‪ " . . .‬فقط‪ ،‬ولم يذكرا "وما بين مصراعين‪ ." . . .‬فالَّلُه أعلُم بثبوته‪.‬‬

‫(‪)1/116‬‬

‫وقد رواه ابن أبي داود‪ :‬أنبأنا إسحاق بن شاهين‪ ،‬أنبأنا خالد‪ ،‬عن الجريري‪ ،‬عن حكيم بن معاوية‪،‬‬
‫عن أبيه يرفعه‪" :‬ما بين كِّل مصراعين من مصاريع الجَّنة مسيرُة (‪ )1‬سبع سنين"‪.‬‬
‫وُر ِّو ْيَنا في "مسند عبد بن حميد"‪" :‬ثنا الحسن بن موسى‪ ،‬ثنا ابن لهيعة‪ ،‬ثنا دَّر اج أبو السمح‪ ،‬عن‬
‫أبي الهيثم‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري رضي الَّله عنه عن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪:‬‬
‫"إَّن ما بين مصراعين في الجَّنة لمسيرة أربعين سنة" (‪. )2‬‬
‫وحديث أبي هريرة أصح‪ ،‬وهذه النسخة ضعيفة‪ ،‬والَّلُه أعلُم‪.‬‬
‫وروى أبو الشيخ‪ :‬ثنا جعفر بن أحمد بن فارس‪ ،‬ثنا يعقوب بن ُح ميد‪ ،‬ثنا معن‪ ،‬حدثنا خالد بن أبي‬
‫بكر‪ ،‬عن سالم بن عبد الَّله‪ ،‬عن أبيه رضي الَّله عنه أَّن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪:‬‬
‫"الباُب اَّلذي يدخل منه أهل الجَّنة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ليس في "أ"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه عبد بن حميد في مسنده كما في المنتخب رقم (‪ ،)924‬وأحمد في المسند (‪/3‬‬
‫‪ ،)29‬وأبو يعلى في مسنده برقم (‪ ،)1275‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ )177‬وغيرهم‪.‬‬
‫قال اإلمام أحمد‪" :‬أحاديث دَّر اج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد فيها ضعف" "الكامل"‪/3( :‬‬
‫‪.)112‬‬
‫لكن قال ابن معين عن هذا اإلسناد‪" :‬ما كان هكذا بهذا اإلسناد فليس به بأس‪ ،‬دَّر اج ثقة‪ ،‬وأبو‬
‫الهيثم ثقة"‪.‬‬
‫لكن تعَّق به فضلك الَّر ازي ‪-‬فقد ُذكر له قول يحيى بن معين في دَّر اج أَّنه ثقة‪ -‬فقال فضلك‪" :‬ما‬
‫هو بثقة وال كرامة"‪ .‬انظر‪" :‬الكامل" البن عدي‪.)113 /3( :‬‬

‫(‪)1/117‬‬
‫مسيرة الراكب المجود (‪ )1‬ثالًثا‪ ،‬ثَّم إَّنهم ليْض َطِغُطوَن (‪ )2‬عليه‪ ،‬حتى تكاد مناكبهم تزول"‪.‬‬
‫رواُه أبو نعيم عنه (‪. )3‬‬
‫وهذا مطابق للحديث المتفق عليه‪" :‬إَّن ما بين الِم ْص راَعين كما بين مكة وُبْص َر ى" (‪ . )4‬فإَّن‬
‫الراكب المجِّو د (‪ )5‬غاية اإلجادة على أسرع مجرى ال َيْف تر لياًل وال نهاًر ا‪ ،‬يقطع هذه المسافة‬
‫في هذا الَق ْد ر أو قريب منه‪.‬‬
‫وأَّما حديث حكيم بن معاوية‪ :‬فقد اضطرب رواته‪ ،‬فحَّم اد بن سلمة َذَك ر عن الُج َر ْيري الَّتْق دير‬
‫بأربعين عاًم ا‪ ،‬وخالد ذكر عنه التقدير بسبع سنين‪ ،‬وحديث أبي سعيد المرفوع في التقدير بأربعين‬
‫عاًم ا‪ ،‬من طريق (‪ : )6‬دَّر اج عن أبي الَهْيَثم‪ .‬قال اإلمام أحمد‪" :‬أحاديث دَّر اج‪ :‬مناكير" (‪، )7‬‬
‫وقال أبو حاتم الَّر ازي‪" :‬ضعيف" (‪ ، )8‬وقال النسائي‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬د‪ ،‬هـ" "الُم ِج ّد "‪.‬‬
‫(‪ )2‬في مصدر التخريج‪" :‬ليضغطون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة‪ ،)179( :‬والترمذي رقم (‪ ،)2548‬والبيهقي في البعث‬
‫والنشور رقم (‪ )259‬وغيرهم‪.‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬هذا حديث غريب" سألت محمًد ا ‪-‬يعني البخاري‪ -‬عن هذا الحديث فلم يعرفه‪،‬‬
‫وقال‪ :‬لخالد بن أبي بكر مناكير عن سالم بن عبد الَّلِه"‪.‬‬
‫وقال البغوي‪" :‬ضعيف منكر"‪" ،‬مصابيح السَّنة"‪.)160 /2( :‬‬
‫(‪ )4‬تقدم في أول هذا الباب ص (‪.)115‬‬
‫(‪ )5‬عَّلق ناسخ "أ" على هذه الكلمة بقوله "كذا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في جميع النسخ "على طريقة" والصواب ما أثبُّت ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في الجرح والتعديل‪" :‬دَّر اج حديثه منكر"‪" .‬الجرح"‪.)442 /3( :‬‬
‫(‪ )8‬في الجرح والتعديل (‪" :)442 /3‬دراج في حديثه صنعة‪ ،‬قال أبو محمد‪ :‬وكان =‬

‫(‪)1/118‬‬
‫"ليس بالقوي" (‪. )1‬‬
‫فالصحيح المرفوع الَّس الم عن االضطراب والُّش ذوذ والعَّلة حديث أبي هريرة المتفق على صحته‪،‬‬
‫على أَّن حديث حكيم بن معاوية ليس التقدير فيه بظاهر الَّر فع‪ ،‬ويحتمل أَّنه مدرج في الحديث‬
‫موقوف‪ ،‬فيكون كحديث ُعتبة بن َغْز وان‪ ،‬والَّلُه أعلُم‪.‬‬
‫__________‬
‫= دَّر اًج ا قاًّص ا‪." . .‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪" :‬تهذيب الكمال" للمزي (‪.)480 - 477 /8‬‬

‫(‪)1/119‬‬

‫الباب الحادي عشر في صفة أبوابها وأَّنها ذاُت حَلق‬


‫روى الوليد بن مسلم‪ ،‬عن ُخ َليد‪ ،‬عن الحسن {ُمَف َّتَح ًة َلُه ُم اَأْلْبَو اُب (‪[ })50‬ص‪ ]50 :‬قال‪:‬‬
‫أبواٌب ُترى (‪.)1‬‬
‫وذكر أيًض ا عن ُخ ليد عن قتادة قال‪" :‬أبواٌب ُيَر ى ظاهرها من باطنها‪ ،‬وباطنها من ظاهرها‪ ،‬تتكَّلم‬
‫وُتَك َّلم‪ ،‬وَتْف هم ما ُيقال لها‪ :‬اْنفتحي انغلقي"‪.‬‬
‫وقال أبو الشيخ‪ :‬ثنا محمد بن عبد الَّله بن محمد القيسي‪ ،‬ثنا محمد ابن إسحاق‪ ،‬ثنا أحمد بن‬
‫أبي الحواري‪ ،‬ثنا عبد الَّله بن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن حبيب السلمي في وصف الفردوس رقم (‪ ،)18‬والطبري في تفسيره (‪/16‬‬
‫‪ ،)102‬وأبو نعيم في "صفة الجَّنة" رقم (‪.)172‬‬
‫من طريق داود بن رشيد وأسد بن موسى وعلي بن سهل عن الوليد بن مسلم به‪.‬‬
‫رواه داود باللفظ األَّو ل اَّلذي ساقه المؤلف‪ ،‬واآلخران باللفظ الثاني‪.‬‬
‫وخالفهم هشام بن عَّم ار‪.‬‬
‫فرواه عن الوليد عن خليد عن قتادة‪ ،‬كما ساقه المؤلف باللفظ الثاني‪.‬‬
‫أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪.)173‬‬
‫ولعَّل الصواب أَّنه عن الحسن البصري باللفظ الثاني‪.‬‬
‫بدليل ما رواُه ابن نفيل عن ُخ ليد بن دعلج عن الحسن بنحو اللفظ الثاني‪.‬‬
‫أخرجه الطبري‪.)174 /23( :‬‬
‫واألثر مداره على ُخ ليد وهو ضعيف‪ ،‬انظر‪" :‬تهذيب الكمال"‪.)309 - 307 /8( :‬‬

‫(‪)1/120‬‬

‫غياث (‪ ، )1‬عن الفزاري قال‪" :‬لكِّل مؤمن في الجَّنة أربعة أبواب‪ ،‬فباٌب يدخل عليه منه ُز َّو ارُه‬
‫من المالئكة‪ ،‬وباب يدخل عليه أزواجه من الحور العين‪ ،‬وباب مقفل فيما بينه وبين أهل الَّناِر ‪،‬‬
‫يفتحه إذا شاء ينظر إليهم لتعظم النعمة عليه‪ ،‬وباب فيما بينه وبين دار السالم‪ ،‬يدخل فيه على رِّبه‬
‫إذا شاء" (‪. )2‬‬
‫وقد روى ُس َه يل بن أبي صالح عن زياد الُّنميري (‪ ، )3‬عن أنس بن مالك رضي الَّلُه عنه قال‪ :‬قال‬
‫رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬أنا أَّو ُل من يأخذ بحلقة باب الجَّنة وال فخر" (‪. )4‬‬
‫وفي حديث الشفاعة الطويل‪ :‬من رواية ابن ُعَيْينة عن علِّي بن زيد عن أنس رضي الَّلُه عنه قال‪:‬‬
‫قال رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬فآخذ بحلقة باب الجَّنة فُأَقْع ِق ُعها" (‪. )5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬كذا في جميع النسخ وعند أبي نعيم "عتاب" ولم أقف على هذا الرجل‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو نعيم في "صفة الجَّنة" رقم (‪ ،)174‬وهو مقطوع‪.‬‬
‫واإلسناد لم أقف على تراجم رجاله سوى أبي الشيخ األصبهاني وأحمد بن أبي الحواري‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "أ‪ ،‬ج"‪" :‬المهدي"‪ ،‬وفي "ب‪ ،‬د‪ ،‬هـ" ونسخة على حاشية "أ" "البهري" وكالهما خطأ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو يعلى في "مسنده"‪ )281 /7( :‬رقم (‪ ،)4305‬وأبو نعيم في "صفة الجَّنة" رقم (‬
‫‪.)182‬‬
‫والحديث مداره على زياد النميري‪ ،‬ضعفه غير واحد‪.‬‬
‫انظر‪" :‬تهذيب الكمال"‪.)493 - 492 /9( :‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الحميدي في مسنده رقم (‪ )1204‬والترمذي برقم (‪= ،)3148‬‬

‫(‪)1/121‬‬
‫وهذا صريٌح في أَّنها حلقة ِح ِّس ية ُتَق ْع َق ُع وُتَح َّر ك‪.‬‬
‫وروى ُس َه يل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الَّله عنه عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬آخذ‬
‫حلقة باب الجَّنة فيؤذن لي" (‪. )1‬‬
‫وُيْذ َك ُر عن علي رضي الَّله عنه‪" :‬من قال ال إله إاَّل الَّله الملُك الحُّق المبين ‪-‬في كِّل يوم مئة‬
‫مَّر ة‪ -‬كان له أماٌن من الفقِر ‪ ،‬وَأِم َن (‪ )2‬من وحشة القبِر ‪ ،‬واسَتجلب به الِغَنى‪ ،‬واسَتْق رع به باب‬
‫الجَّنة" (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫= والدارمي في "سننه" رقم (‪.)51‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬هذا حديث حسن"‪.‬‬
‫وقد صح عن أنس من وجٍه آخر‪ :‬رواه ثابت البناني وعمرو بن أبي عمرو عن أنس في حديث‬
‫الشفاعة الطويل‪ ،‬وفيه‪" :‬فآتي باب الجَّنة‪ ،‬فآخذ بحلقة الباب‪ ،‬فاستفتح‪ " . . .‬لفظ ثابت‪.‬‬
‫أخرجه أحمد (‪ 144 /3‬و ‪ ،)247‬وأصله في مسلم رقم (‪ )197‬من رواية ثابت‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة برقم (‪.)184‬‬
‫وفيه عبد الَّله بن جعفر المدني ‪-‬والد علي بن المديني‪ -‬وهو ضعيف‪ ،‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‬
‫‪.)384 - 379 /14‬‬
‫ولعَّل هذا الحديث مما َو ِه َم فيه على ُس ِه يل بن أبي صالح‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "أ‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬وُأْو ِم ن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو نعيم في "صفة الجَّنة" رقم (‪ ،)185‬وفي "الحلية"‪ ،)280 /8( :‬والخطيب في‬
‫"تاريخ بغداد"‪ ،)453 /12( :‬وابن عساكر في "معجم شيوخه" رقم (‪.)266‬‬
‫وهو حديث باطل‪ ،‬تفَّر د به غانم بن الفضل عن اإلمام مالك‪ ،‬وغانم هذا قال فيه يحيى بن معين‪:‬‬
‫"ضعيف ليس بشيء"‪ ،‬نظر‪" :‬تاريخ بغداد"‪.)354 /12( :‬‬

‫(‪)1/122‬‬

‫فصل‬
‫ولَّم ا كانت الِج َناُن درجات بعضها فوق بعض‪ ،‬كانت أبوابها كذلك‪ ،‬وباب الجَّنَة العالية فوق‬
‫باب الجَّنة التي تحتها‪ ،‬وكَّلما َعَلت الجَّنة اَّتسعت‪ ،‬فعاليها أوسُع مَّم ا دونه‪ ،‬وَسَعة الباب بحسب‬
‫وسع الجَّنة‪ ،‬ولعَّل هذا وجه االختالف اَّلذي جاء في مسافة ما بين ِم ْص راعي الباب‪ ،‬فإَّن أبوابها‬
‫بعضها أعلى من بعض‪.‬‬
‫ولهذه األمة باٌب مختص يدخلون منه دون سائر األمم‪ ،‬كما في "المسند" من حديث ابن عمر‬
‫رضي الَّلُه عنهما عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬باُب ُأَّمتي اَّلذي يدخلون منه الجَّنة‬
‫عرضه مسيرة الراكب ثالًثا‪ ،‬ثَّم إَّنهم ليْنضِغُطون (‪ )1‬عليه حَّتى تكاد مناكبهم تزول" (‪.)2‬‬
‫وفيه‪ :‬من حديث أبي هريرة رضي الَّلُه عنه عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬أتاني جبريُل‪،‬‬
‫فأخذ بيدي‪ ،‬فأراني باب الجَّنة اَّلذي تدخُل منه أَّمتي" (‪)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "أ‪ ،‬ج‪ ،‬هـ"‪َ" :‬ليْنضِغُطون"‪ ،‬وفي "د"‪" :‬ليضطغطون"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تقدم تخريجه (ص‪ ،)118 - 117 /‬وهو ال يثبت‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود برقم (‪ ،)4652‬وعبد الَّله بن أحمد في زوائده على فضائل الصحابة رقم (‬
‫‪ 258‬و ‪ )593‬وابن شاهين في السَّنة رقم (‪ )96‬وأبو نعيم في "فضائل الخلفاء األربعة وغيرهم"‬
‫رقم (‪ )30‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق أبي خالد مولى جعدة عن أبي هريرة فذكره‪.‬‬
‫وسنده ضعيف فيه أبو خالد مولى جعدة‪ ،‬قال الذهبي‪" :‬ال ُيعرف"‪.‬‬
‫الميزان‪ )360 /6( :‬رقم (‪.)10148‬‬
‫تنبيه‪ :‬جعل بعضهم هذا الحديث‪ :‬عن أبي يحيى مولى آل جعدة عن أبي هريرة‪ ،‬وجعله بعضهم‬
‫عن أبي حازم سليمان األشجعي عن أبي هريرة =‬

‫(‪)1/123‬‬

‫الحديث‪.‬‬
‫وسيأتي بتمامه إن شاُء الَّلُه تعالى (‪. )1‬‬
‫وقال َخ َلَف بن هشام البزار‪ :‬حدثنا أبو شهاب عن عمرو بن قيس الُم الئي‪ ،‬عن أبي إسحاق‪ ،‬عن‬
‫عاصم بن َض ْم رة عن علي بن أبي طالب رضي الَّلُه عنه قال‪" :‬إَّن أبواب الجَّنة هكذا بعضها فوق‬
‫بعض‪ ،‬ثَّم قرأ‪َ{ :‬ح َّتى ِإَذا َج اُءوَه ا َو ُفِتَح ْت َأْبَو اُبَه ا} [الزمر‪ ]73 :‬إذا هم عندها بشجرة في أصلها‬
‫عينان تجريان‪ ،‬فيشربون من أَح َد يهما‪ ،‬فال تترك في بطونهم قًذ ى وال أًذى إاَّل رَم ْته‪ ،‬ويغتسلون‬
‫من اُألخرى‪ ،‬فتجري عليهم نضرة النعيم‪ ،‬فال تشعث رؤوسهم‪ ،‬وال تغيُر أبشارهم بعد هذا أبًد ا‪،‬‬
‫ثَّم قرأ‪ِ{ :‬ط ْبُتْم َفاْدُخ ُلوَه ا َخ اِلِد يَن (‪[ } )73‬الزمر‪ ]73 :‬فيدخل الرجل‪ ،‬وهو يعرف منزلته‪،‬‬
‫ويتلقاهم الولدان‪ ،‬فيستبشرون برؤيتهم‪ ،‬كما يستبشر األهُل بالحميم يقدُم من الغيبة‪ ،‬فينطلقون (‬
‫‪ )2‬إلى أزواجهم فيخبرونهم بمعاينتهم‪ ،‬فتقول‪ :‬أنت رأيَته؟ فتقوم إلى الباب‪ ،‬فيدخل إلى بيته‪،‬‬
‫فيتكئ على سريره‪ ،‬فينظر إلى أساس بيته‪ ،‬فإذا هو قد ُأِّس َس على اللؤلؤ‪ ،‬ثَّم ينظر في أخضر‬
‫وأحمر وأصفر‪ ،‬ثَّم يرفع رأسه إلى َسْم ِك (‪ )3‬بيته‪ ،‬ولوال أَّنه ُخ ِلَق له الْلَتمَع بصره‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫{اْلَحْم ُد ِلَّلِه اَّلِذ ي َه َد اَنا‬
‫__________‬
‫= وكالهما خطأ‪ ،‬اضطرب فيه عمران بن ميسرة وخالفه جماعة من الثقات فرووه بالوجه‬
‫المخَّر ج وهو المشهور‪.‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الباب (‪ )26‬ص (‪.)229‬‬
‫(‪ )2‬في "ب" "فيتطَّلعون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬كذا في جميع النسخ‪ ،‬وفي بعض مصادر التخريج "سقف"‪.‬‬

‫(‪)1/124‬‬

‫ِلَه َذ ا َو َما ُك َّنا ِلَنْهَتِد َي َلْو اَل َأْن َه َد اَنا الَّلُه} [األعراف‪ . )1( ]43 :‬والَّلُه أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه المروزي في زوائده على الزهد البن المبارك رقم (‪ ،)1450‬وابن حبيب في "وصف‬
‫الفردوس"‪ 122( :‬و ‪ ،)128‬وإسحاق بن راهويه في مسنده كما في المطالب العالية رقم (‬
‫‪ )4601‬والطبري في تفسيره (‪ ،)35 /24‬وأبو نعيم في "صفة الجَّنة" رقم (‪)281 ،280‬‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫وفيه عاصم بن ضمرة صدوق‪ ،‬وله مفاريد ومناكير عن علي‪ ،‬فإن كان حفظه هكذا‪ ،‬فهو ثابت‬
‫عن علي‪.‬‬
‫والحديث صححه الحافظ ابن حجر والبوصيري‪.‬‬

‫(‪)1/125‬‬
‫الباب الثاني عشر في ذكر مسافة ما بين الباِب والباب‬
‫رِّو ْيَنا في "معجم الطبراني"‪ :‬حدثنا مصعب بن إبراهيم بن حمزة الزبيري‪ ،‬وعبد الَّله بن الصقر‬
‫العسكري (‪ )1‬قاال‪ :‬حدثنا إبراهيم بن المنذر الِح َز امي‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد‬
‫الرحمن بن عبد الَّلِه بن خالد بن ِح َز ام‪ ،‬حدثني (‪ )2‬عبد الرحمن بن عَّياش األنصاري‪ ،‬حدثنا َدْلَه م‬
‫بن األسود بن عبد الَّلِه بن حاجب بن الُم ْنَتفق‪.‬‬
‫قال دلهم‪ :‬وحَّدثنيه أيًض ا أبو األسود عن عاصم بن َلِق يط‪ ،‬أَّن لقيط ابن عامر خرج وافًد ا إلى‬
‫رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪ :‬قلُت يا رسول الَّلِه فما الجَّنة والَّنار؟ قال‪ :‬لعمر إلهك‪،‬‬
‫إَّن للَّنار سبعة أبواب ما منهَّن بابان إاَّل يسير الَّر اكُب بينهما سبعين عاًم ا‪ ،‬وإَّن للجَّنة ثمانية أبواب‪،‬‬
‫ما منهن بابان إاَّل يسير الراكب بينهما سبعين عاًم ا" وذكر الحديث بطوله (‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "أ‪ ،‬ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬السكري"‪ ،‬وفي "ب‪ ،‬د"‪" :‬الصقير" بدل "الصقر"‪ .‬وكالهما خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬سقط من "ب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الطبراني في الكبير (‪ )214 - 211 /19‬رقم (‪ )477‬مطَّو اًل ‪ ،‬وعبد الَّله بن أحمد‬
‫في زوائده على المسند (‪ )14 - 13 /4‬مطَّو اًل ‪ ،‬وابن أبي عاصم في السَّنة رقم (‪ )524‬و (‬
‫‪ )636‬والبخاري في "تاريخه" (‪ )250 - 249 /3‬مختصًر ا (في ترجمة دلهم)‪.‬‬
‫وابن خزيمة في التوحيد رقم (‪ )271‬والدارقطني في الرؤية رقم (‪.)191‬‬
‫وفي سنده دلهم بن األسود وعبد الرحمن بن عياش واألسود بن عبد الَّله لم يوثقهم إاَّل ابن حبان‬
‫في الثقات (‪ )32 /4‬و (‪ )291 /6‬و (‪= .)71 /7‬‬

‫(‪)1/126‬‬

‫وهذا الظاهر (‪ )1‬منه أَّن هذه المسافة بين الباب والباب؛ ألَّن ما بين مكة وُبْص َر ى ال يحتمل‬
‫التقدير بـ "سبعين عاًم ا" وال يمكن حمله على باٍب معَّين‪ ،‬لقوله‪" :‬ما منهَّن بابان"‪ ،‬والَّلُه أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫= والحديث صححه الحاكم وابن القيم‪.‬‬
‫وذكر ابن منده أَّن هذا الحديث "لم ينكره أحد‪ ،‬ولم يتكلم في إسناده‪ ،‬بل رووه على سبيل‬
‫القبول والتسليم‪ " . .‬زاد المعاد (‪.)678 /3‬‬
‫وقال ابن كثير‪" :‬هذا حديث غريب جًّدا‪ ،‬وألفاظه في بعضها نكارة"‪.‬‬
‫وقال ابن حجر في ترجمة عاصم بن لقيط‪" :‬وهو حديث غريب جًّدا"‪.‬‬
‫تهذيب التهذيب (‪ )260 /2‬ط‪ :‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫وقال ابن الملقن في مختصر استدراك الذهبي (‪ . . ." :)3479 /7‬وال ينبغي أن يدخل هذا في‬
‫الصحاح لنكارته‪ ،‬وجهالة دلهم بن األسود المذكور فيه"‪.‬‬
‫(‪ )1‬سقط من "ب"‪ ،‬وجاء في "د"‪" :‬والظاهر أَّن هذه"‪.‬‬

‫(‪)1/127‬‬

‫الباب الثالث عشر في مكان الجَّنة وأين هي؟‬


‫قال الَّلُه تعالى‪َ{ :‬و َلَق ْد َر آُه َنْز َلًة ُأْخ َر ى (‪ِ )13‬ع ْنَد ِس ْد َر ِة اْلُم ْنَتَه ى (‪ِ )14‬ع ْنَد َه ا َج َّنُة اْلَم ْأَو ى (‬
‫‪[ })15‬النجم‪ .]15 - 13 :‬وقد ثبت أَّن ِس درة الُم نتهى فوق السماء‪ ،‬وسميت بذلك؛ ألَّنُه (‪)1‬‬
‫ينتهي إليها ما ينزل من عند الَّلِه فُيْق َبُض منها‪ ،‬وما َيْصَعُد إليه فيقبُض منها (‪.)2‬‬
‫وقال تعالى‪َ{ :‬و ِفي الَّس َم اِء ِر ْز ُقُك ْم َو َم ا ُتوَعُد وَن (‪[ })22‬الذاريات‪.]22 :‬‬
‫قال ابن أبي نجيح عن مجاهد‪" :‬هو الجَّنة" (‪.)3‬‬
‫وكذلك تلَّق اُه الَّناُس عنه‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن المنذر في "تفسيره" وغيره أيًض ا عن مجاهد قال‪" :‬هو الجَّنة والَّنار" (‪.)4‬‬
‫وهذا يحتاج إلى تفسير‪ ،‬فإَّن الَّناَر في أسفل السافلين ليست في السماء‪ ،‬ومعنى هذا ما قاله في‬
‫رواية ابن أبي نجيح عنه‪ ،‬وقاله أبو صالح عن ابن عباس‪" :‬الخيُر والشر كالهما يأتي من السماء"‬
‫(‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب"‪" :‬ألَّنها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬قوله‪" :‬وما يصعد إليه فيقبض منها" سقط من "ج"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬تفسير مجاهد ص (‪ ،)619‬والطبري (‪ ،)206 /16‬وابن المنذر في تفسيره كما في‬
‫الدر المنثور (‪.)137 /6‬‬
‫(‪ )4‬ذكره السمرقندي في تفسيره بحر العلوم (‪.)277 /3‬‬
‫(‪ )5‬ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (‪.)34 /8‬‬

‫(‪)1/128‬‬

‫وعلى هذا المعنى أسباب الجَّنة والَّنار ُمقَّد ٌر ثابٌت في السماء من عند الَّله‪.‬‬
‫وقال الحارث بن أبي أسامة‪ :‬حدثنا عبد العزيز بن أبان‪ ،‬حدثنا َم ْه ِد ي بن ميمون‪ ،‬حدثنا محمد بن‬
‫ِه‬
‫عبد الَّل بن أبي يعقوب‪ ،‬عن ِبْش ر بن َشَغاف قال‪ :‬سمعت عبد الَّله بن سالم يقول‪" :‬إَّن أكرَم‬
‫خليقة الَّله أبو القاسم ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬وإَّن الجَّنة في السماء" رواه أبو نعيم عنه (‪. )1‬‬
‫وقال‪ :‬ورواه معمر بن راشد‪ ،‬عن محمد بن أبي يعقوب مرفوًعا‪.‬‬
‫ثَّم ساقه من طريق ابن منيع‪ ،‬قال‪ :‬حَّدثنا عمرو الَّناِقد حدثنا عمرو ابن عثمان‪ ،‬حدثنا موسى بن‬
‫أعين‪ ،‬عن معمر به مرفوًعا (‪. )3( )2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)131‬والحارث ابن أبي أسامة في مسنده كما في المطالب العالية (‬
‫‪.)3851‬‬
‫في سنده عبد العزيز بن أبان هو األموي الكوفي‪ ،‬وهو متروك‪ ،‬وكَّذ به ابن معين وغيره‪ ،‬التقريب (‬
‫‪.)4083‬‬
‫وقد توبع عبد العزيز تابعه‪ :‬موسى بن إسماعيل التبوذكي وعفان ومحمد ابن كثير وخالد بن‬
‫خداش كلهم عن مهدي بن ميمون به نحوه‪.‬‬
‫أخرجه البخاري في تاريخه (‪ ،)76 /2‬والحاكم في المستدرك (‪ )612 /4‬رقم (‪.)8698‬‬
‫وقال الحاكم "هذا حديث صحيح اإلسناد‪ ،‬ولم يخرجاه‪." . . .،‬‬
‫(‪ )2‬من قوله‪" :‬ثَّم ساقه من طريق ابن منيع" إلى "مرفوًعا" سقط من "ج"‪ ،‬وسقط من "ب"‬
‫"مرفوًعا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪.)131‬‬
‫وفيه‪ :‬عمرو بن عثمان الكالبي قال النسائي واألزدي‪ :‬متروك‪ ،‬وقال =‬

‫(‪)1/129‬‬
‫ثَّم ساَق من طريق محمد بن ُفَض يل‪ ،‬حدثنا محمد بن عبيد الَّله عن عطية‪ ،‬عن ابن عباس رضي الَّله‬
‫عنهما أَّنه قال‪" :‬الجَّنة في السماء السابعة‪ ،‬ويجعلها الَّلُه حيث شاء يوم القيامة‪ ،‬وجهَّنم في األرض‬
‫السابعة" (‪. )1‬‬
‫وقال ابن منده‪ :‬حدثنا أحمد بن إسحاق حدثنا أبو أحمد الزبيري‪ ،‬حدثنا محمد بن عبد الَّله‪ ،‬عن‬
‫سلمة بن ُك هيل عن أبي الَّز ْع راء‪ ،‬عن عبد الَّلِه قال‪" :‬الجَّنة فوق الَّس ماء الَّر ابعة‪ ،‬فإذا كان يوم‬
‫القيامة جعلها الَّلُه حيث يشاء‪ ،‬والَّنار في األرض السابعة (‪ ، )2‬فإذا كان يوم القيامة جعلها الَّلُه‬
‫حيث يشاء" (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫= أبو حاتم‪" :‬يتكلمون فيه‪ ،‬كان شيًخ ا أعمى بالرقة يحدث الَّناس من حفظه بأحاديث منكرة ال‬
‫يصيبونه في كتابه"‪ .‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)149 - 148 /22‬‬
‫وأيًض ا فقد رواُه ابن المبارك في الزهد (‪ )398‬عن معمر عَّم ن سمع محمد ابن عبد الَّلِه بن أبي‬
‫يعقوب بنحوه‪ .‬والصحيح أنه موقوف‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪.)132‬‬
‫وسنده ضعيف جًّدا‪ ،‬فيه محمد بن عبيد الَّله بن أبي سليمان الَعْر َز مي‪ ،‬قال الحاكم في المدخل‪:‬‬
‫"متروك الحديث بال خالف أعرفه بين أئمة النقل فيه" تهذيب التهذيب (‪.)638 /3‬‬
‫(‪ )2‬في "هـ" وحاشية "أ" "السفلى"‪ ،‬وأيًض ا (الزبعرى) بدل (الزعراء)‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)134‬والبيهقي في البعث والنشور رقم (‪ ،)500‬وأبو‬
‫الشيخ في العظمة رقم (‪.)600‬‬
‫وفيه أبو الَّز ْع راء‪ ،‬واسمه عبد الَّلِه بن هانئ‪ ،‬قال البخاري‪" :‬وال يتابع في حديثه عن ابن مسعود‬
‫في الشفاعة"‪ .‬ووثقه ابن سعد والعجلي وابن حبان‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الضعفاء الكبير للعقيلي (‪ ،)314 /3‬وتهذيب التهذيب (‪.)448 /2‬‬

‫(‪)1/130‬‬

‫وقال مجاهد‪" :‬قلت البن عباس أين الجَّنة؟ قال‪ :‬فوق سبع سماوات‪ ،‬قلُت ‪ :‬فأين الَّنار؟ قال‪:‬‬
‫تحت سبعة أْبحٍر مطِبقة" (‪. )1‬‬
‫رواه ابن منده‪ ،‬عن أحمد بن إسحاق عن الزبيري عن إسرائيل عن أبي يحيى‪ ،‬عن مجاهد‪.‬‬
‫وأَّما األثُر اَّلذي رواه أبو بكر بن أبي شيبة‪ :‬حدثنا عيسى بن يونس‪ ،‬عن ثور بن يزيد‪ ،‬عن خالد بن‬
‫َمْع دان‪ ،‬عن عبد الَّلِه بن عمرو‪ ،‬قال‪" :‬الجَّنة مطوية معلقة بقرون الشمس تنشر في كِّل عاٍم مَّر ة‪،‬‬
‫وإَّن أرواح المؤمنين في طير كالزرازير (‪ )2‬يتعارفون يرزقون من ثمر الجَّنة" (‪. )3‬‬
‫فهذا قد يظهر منه التناقض بين أَّو ل كالمه وآخره‪ ،‬وال تناقض فيه؛ فإَّن الجَّنة المعلقة بقرون‬
‫الشمس ما يحدثه الَّلُه سبحانه بالشمس في كِّل سنة مَّر ة من أنواع الثمار والفواكه‪ ،‬والنبات (‪)4‬‬
‫جعله الَّلُه تعالى مذكًر ا بتلك الجَّنة‪ ،‬وآية داَّلة عليها‪ ،‬كما جعل هذه الَّنار مذكرة بتلك؛ وإاَّل‬
‫فالجَّنة التي عرضها السماوات واألرِض ليست معَّلقة بقرون الشمس‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪.)135‬‬
‫وفيه‪ :‬أبو يحيى القَّتات‪ :‬لِّين الحديث‪ ،‬انظر‪ :‬التقريب (‪.)8444‬‬
‫(‪ )2‬الزرازير‪ :‬جمع َز ْر زور‪ :‬وهو طائر‪ ،‬انظر‪ :‬الصحاح (‪.)548 /1‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (‪ )56 /7‬رقم (‪ ،)33967‬وأبو نعيم في "صفة الجَّنة" رقم‬
‫(‪ )133‬والبيهقي في "البعث والنشور" رقم (‪ )228‬وغيرهم‪.‬‬
‫قال الجورقاني في "األباطيل"‪" :)321 - 320 /1( :‬هذا حديٌث باطل‪ . .،‬وخالد بن معدان لم‬
‫يسمع من ابن عمرو شيًئا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في "ب"‪" :‬والثمار"‪.‬‬

‫(‪)1/131‬‬

‫وهي فوق الشمس وأكبر منها‪.‬‬


‫وقد ثبت في "الصحيحين" عنه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬أَّنه قال‪" :‬إَّن الجَّنة مئة درجة ما بين كِّل‬
‫درجتين كما بين السماء واألرِض " (‪. )1‬‬
‫وهذا يدُّل على أَّنها في غاية العلِّو واالرتفاع‪ ،‬والَّلُه أعلم‪.‬‬
‫والحديث له لْف ظان هذا أحدهما‪.‬‬
‫والثاني‪" :‬إَّن في الجَّنة مئة درجة ما بين كِّل درجتين كما بيَن السماء واألرِض أعَّدها الَّلُه‬
‫للمجاهدين في سبيله"‪.‬‬
‫وشيخنا يرجح هذا اللفظ (‪ ، )2‬وهو ال ينفي أْن يكون َدرَج الجَّنة أكثر‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬لم أقف عليه في الصحيح بهذا اللفظ‪.‬‬
‫وإَّنما ورد بهذا اللفظ من حديث عبادة بن الصامت عند الترمذي‪ )2531( :‬وأحمد (‪ 316 /5‬و‬
‫‪ ،)321‬والطبري في تفسيره (‪ )37 /16‬وعبد بن حميد المنتخب رقم (‪ )182‬وأبو نعيم في‬
‫"صفة الجَّنة" رقم (‪ )225‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبادة‪.‬‬
‫وهي رواية معلولة فقد وقع في الحديث اختالف في سنده ومتنه وسيأتي‪.‬‬
‫(‪ )2‬بيان ذلك على وجه االختصار‪:‬‬
‫أَّن الحديث يرويه عطاء بن يسار واختلف عليه‪:‬‬
‫‪ - 1‬فرواه زيد بن أسلم عن عطاء واختلف عليه‪:‬‬
‫‪ -‬فرواُه الدراوردي وهشام بن سعد وحفص بن ميسرة ومحمد بن جعفر ابن أبي كثير كلهم عن‬
‫زيد بن أسلم عن عطاء عن معاذ بن جبل فذكره‪.‬‬
‫ولفظه فيه‪ . . ." :‬فإَّن الجَّنة مائة درجة بين كل درجتين منها مثل ما بين السماء واألرض‪." . . .‬‬
‫أخرجه أحمُد (‪ )241 /5‬والطبراني (‪ /20‬رقم ‪ )329 - 327‬وابن ماجه (‪ )4331‬وغيرهم‪.‬‬
‫=‬

‫(‪)1/132‬‬

‫َّل‬
‫من ذلك‪ ،‬ونظير هذا قوله في الحديث الصحيح‪" :‬إَّن ل ه تسعًة وتسعين اسًم ا‪َ ،‬مْن َأْح صاها َدَخ َل‬
‫الجَّنة" (‪. )1‬‬
‫__________‬
‫= ‪ -‬وخالفهم همام بن يحيي الَعْو ذي‪.‬‬
‫فرواه عن زيد عن عطاء بن يسار عن عبادة بن الصامت فذكره باللفظ األَّو ل تقدم تخريجه‪.‬‬
‫ورَّج ح الترمذي رواية الجماعة فقال‪" :‬وهذا عندي أصح من حديث همام‪ ،. . .‬وعطاء لم يدرك‬
‫معاذ بن جبل‪." . .‬‬
‫‪ 2‬و ‪ - 3‬ورواه هالل بن علي المدني ومحمد بن ُج حادة‪:‬‬
‫فقاال‪ :‬عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة‪.‬‬
‫فذكره هالل باللفظ الثاني اَّلذي ذكره المؤلف‪ ،‬وذكره ابن ُج حادة باللفظ األَّو ل مختصًر ا‪.‬‬
‫ولفظ هالل‪ :‬هو الصواب؛ ألَّنه مدني‪ ،‬ولم يختلف عليه لفًظا وال معًنى‪ ،‬وإليه ذهب البخاري‬
‫وشيخ اإلسالم ابن تيمية‪.‬‬
‫فقد أخرجه البخاري في صحيحه (‪ )60‬الجهاد‪ ،)4( ،‬باب‪ :‬درجات المجاهدين في سبيل الَّلِه‪( .‬‬
‫‪ )1028 /3‬رقم (‪.)2637‬‬
‫وأحمد في المسند (‪ ،)292 /2‬والترمذي (‪ )2528‬وقال‪" :‬حسن غريب"‪.‬‬
‫وأيًض ا فقد جاء هذا اللفظ الثاني من حديث أبي الدرداء‪:‬‬
‫عند النسائي (‪ ،)20 /6‬والبخاري في تاريخه (‪ ،)203 /1‬وابن عساكر في تاريخ دمشق (‪/55‬‬
‫‪.)66‬‬
‫وفيه محمد بن عيسى الشامي‪ ،‬وَّثقه ابن شاهين‪ ،‬وقال ابن عدي‪" :‬ال بأس به‪ ،. .‬وهو حسن‬
‫الحديث‪ ." . . .‬وقال أبو أحمد الحاكم وابن حبان‪ :‬مستقيم الحديث‪ .‬وقال أبو حاتم الَّر ازي‪:‬‬
‫"ال يكتب حديثه وال يحتج به"‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)258 - 254 /26‬‬
‫فالسند ال بأس به‪ ،‬والَّلُه أعلم‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري برقم (‪ ،)6957‬ومسلم برقم (‪ )2677‬من حديث أبي هريرة =‬

‫(‪)1/133‬‬

‫أي من جملة أسمائه هذا الَعَد د‪ ،‬فيكون الكالم جملة واحدة في الموضعين‪.‬‬
‫ويدل على صحة هذا أَّن منزلة نبينا ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬فوق هذا كِّله‪ ،‬في درجٍة في الجَّنة‬
‫ليس فوقها درجة‪ ،‬وتلك المئة ينالها آحاد ُأَّمته بالجهاد‪ ،‬والجَّنة ُمَقَّببة أعالها أوسعها‪ ،‬ووسطها‪:‬‬
‫هو الفردوس‪ ،‬وسقفه العرش‪ ،‬كما قال ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬في الحديث الصحيح‪" :‬إذا‬
‫سألتُم الَّله فاسألوه الِف ْر َدوس‪ ،‬فإَّنه وَس ُط الجَّنة وأعلى الجَّنة (‪ ، )1‬وفوقه عرش الرحمن‪ ،‬ومنه‬
‫تفَّج ُر أنهار الجَّنة" (‪. )2‬‬
‫قال شيخنا أبو الحجاج المِّز ي‪" :‬والصواب رواية من رواه "وفوُقه" ِبَض ِّم القاف على أَّنه اسٌم ال‬
‫ظرف‪ ،‬أي‪ :‬وسقفه عرش الرحمن" (‪. )3‬‬
‫فإْن قيل‪ :‬فالجَّنة جميعها تحت (‪ )4‬العرِش ‪ ،‬والعرش سقفها‪ ،‬فإَّن الكرسي َو ِس َع السماوات‬
‫واألرِض ‪ ،‬والعرش أكبر منه‪.‬‬
‫قيل‪ :‬لما كان العرش أقرب إلى الفردوس مَّم ا دونه من الجنان‪،‬‬
‫__________‬
‫= رضي الَّلُه عنه‪.‬‬
‫(‪ )1‬قوله‪" :‬وأعلى الجَّنة" سقط من "أ"‪.‬‬
‫(‪ )2‬هو تتمة لحديث أبي هريرة المتقدم‪" :‬إَّن في الجَّنة مائة درجٍة‪." . .‬‬
‫وهذا اللفظ عند البخاري في صحيحه رقم (‪.)2987‬‬
‫(‪ )3‬راجع فتح الباري (‪.)414 /13‬‬
‫(‪ )4‬في "أ‪ ،‬ج‪ ،‬هـ"‪" :‬غير"‪.‬‬

‫(‪)1/134‬‬

‫بحيث ال جَّنة فوقه دون العرِش (‪ = )1‬كان سقًف ا له (‪ )2‬دون ما تحته من الجنان‪ ،‬ولعظم سعة‬
‫الجَّنة (‪ )3‬وغاية ارتفاعها يكون الصعود من أدناها إلى أعالها بالتدريج شيًئا فشيًئا‪ ،‬درجة فوق‬
‫درجة‪ ،‬كما يقال لقارئ القرآن‪" :‬اقرأ وارَق ‪ ،‬فإَّن منزلتك عند آخر آية َتْق رؤها" (‪. )4‬‬
‫وهذا يحتمل شيئين‪ :‬أن تكون منزلته عند آخر ِح ْف ظه‪ ،‬وأْن تكون عند آخر تالوته لمحفوظه‪،‬‬
‫والَّلُه أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من قوله‪" :‬أقرب إلى" إلى "عرش" سقط من "ج"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ليس في "أ" فقط‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "أ" "الجنان"‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الترمذي رقم (‪ ،)2914‬وأبو داود رقم (‪ ،)1464‬وأحمد (‪ ،)192 /2‬وابن حبان (‬
‫‪ ،)766 /3‬والحاكم (‪ )739 /1‬رقم (‪ ،)2030‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق عاصم بن أبي النجود عن زِّر بن ُحَبيش عن عبد الَّله بن عمرو فذكره‪.‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬حسن صحيح"‪.‬‬
‫والحديث صححه الترمذي وابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫وله شواهد‪ :‬عن أبي هريرة‪ ،‬وأبي سعيد وعائشة موقوًفا عليها بمعناه‪.‬‬
‫انظر‪ :‬فضائل القرآن ألبي عبيد (ص‪ ،)38 - 37 /‬وأخالق أهل القران لآلجري (ص‪- 48 /‬‬
‫‪.)51‬‬

‫(‪)1/135‬‬

‫الباب الرابع عشر في مفتاح الجَّنة‬


‫قال الحسن بن عرفة‪ :‬حدثنا إسماعيل بن عياش‪ ،‬عن عبد الَّله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن‬
‫شهر بن حوشب عن معاذ بن جبل رضي الَّلُه عنه قال‪ :‬قال لي رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪" :-‬مفتاح الجَّنة شهادُة أن ال إلَه إاَّل الَّلُه" (‪.)1‬‬
‫رواه اإلمام أحمد في "مسنده" ولفظه‪" :‬مفاتيح (‪ )2‬الجَّنة شهادُة أن ال إله إاَّل الَّله" (‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني في الدعاء (‪ ،)1479 /3‬وابن عدي في الكامل (‪.)39 - 38 /4‬‬
‫من طريق إبراهيم بن العالء الزبيدي ويحيى الحَّم اني كالهما عن إسماعيل بن عَّياش به مثله‪.‬‬
‫(‪ )2‬من "ب" وفي باقي النسخ "مفتاح"‪ ،‬والمثبت هو الصواب‪ ،‬كما في المسند‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أحمد في مسنده (‪ ،)242 /5‬والبزار في مسنده (‪ )104 /7‬رقم (‪ ،)2660‬وأبو‬
‫نعيم في صفة الجَّنة (‪.)189‬‬
‫من طريق إبراهيم بن مهدي ومحمد بن سالم البيكندي ومحمد بن إسماعيل بن عياش كلهم عن‬
‫إسماعيل بن عياش به مثله‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا االختالف في المتن "مفتاح" "مفاتيح" من اضطراب إسماعيل ابن عياش وهو يرجع‬
‫إلى ضعف روايته عن غير أهل الشام‪ ،‬وهذا منها‪ ،‬فإَّن عبد الَّله بن عبد الرحمن هذا مِّك ي‪.‬‬
‫قال البزار‪" :‬شهر بن حوشب لم يسمع من معاذ بن جبل رضي الَّلُه عنه"‪ .‬وكذا أعَّلُه باالنقطاع‬
‫الهيثمي وابن رجب‪.‬‬
‫انظر‪ :‬مجمع الزوائد (‪ ،)16 /1‬وكلمة اإلخالص البن رجب ص (‪.)16‬‬

‫(‪)1/136‬‬
‫وذكر البخاري في "صحيحه" عن وهب بن منبه أَّنه قيل له‪ :‬أليس مفتاح الجَّنة (‪ )1‬ال إله إاَّل الَّله؟‬
‫قال‪ :‬بلى‪ ،‬ولكن ليس من مفتاح إاَّل وله أسناٌن ‪ ،‬فإن أتيت بمفتاح له أسنان ُفِتَح لك‪ ،‬وإاَّل لم يفتح‬
‫(‪. )2‬‬
‫وروى أبو نعيم من حديث أبان عن أنس رضي الَّلُه عنه قال‪ :‬قال أعرابي يا رسول الَّلِه‪ ،‬ما مفاتيح‬
‫(‪ )3‬الجَّنة؟ قال‪" :‬ال إله إاَّل الَّله" (‪. )4‬‬
‫وذكر أبو الشيخ من حديث األعمش عن مجاهد عن يزيد بن شجرة (‪ )5‬قال‪" :‬إَّن السيوف‬
‫مفاتيح الجَّنة" (‪. )6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ج" بعد الجَّنة "شهادة أاَّل إله إاَّل الَّلُه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ذكره البخاري في "‪ "29‬الجنائز‪ )1( ،‬باب‪ :‬في الجنائز‪ ،‬ومن كان آخر كالمه‪ :‬ال إله إاَّل‬
‫الَّله (‪ ،)417 /1‬بلفظ‪ :‬وقيل لوهب بن منبه‪.‬‬
‫ووصله في تاريخه الكبير (‪ ،)95 /1‬وأبو نعيم في "صفة الجَّنة" رقم (‪ )191‬وغيرهما‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "هـ"‪" :‬مفتاح"‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو نعيم في "صفة الجَّنة" رقم (‪.)190‬‬
‫وفيه أبان بن أبي عياش البصري‪ :‬وهو متروك الحديث‪ ،‬انظر‪ :‬التقريب (‪.)142‬‬
‫(‪ )5‬من "هـ" ونسخة على حاشية "أ"‪ ،‬وفي باقي النسخ "سخبرة" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪.)192‬‬
‫وهو موقوف‪ ،‬ويزيد بن شجرة مختلف في صحبته‪ ،‬والصحيح ليست له صحبة كما قال أبو زرعة‬
‫وابن منده وغيرهما‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الجرح والتعديل (‪ ،)271 /9‬وتاريخ دمشق (‪.)226 /65‬‬
‫وقد ُر ِو َي هذا الحديث مرفوًعا عند أبي بكر الشافعي في الغيالنيات رقم (‪ ،)637‬وابن عساكر‬
‫في تاريخه (‪.)220 /65‬‬
‫وال يثبت‪ ،‬فيه محمد بن يونس الكديمي‪ ،‬وهو مَّتهم بالكذب‪ .‬انظر‪= :‬‬

‫(‪)1/137‬‬
‫وفي "المسند" من حديث معاذ بن جبل رضي الَّلُه عنه قال‪ :‬قال رسول الَّلِه‪" :‬أاَل أدُّلَك على باِب‬
‫من أبواب الجَّنة؟ قلُت ‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪" :‬اَل حوَل وال قَّو ة إاَّل بالَّلِه" (‪. )1‬‬
‫وقد جعل الَّلُه سبحانه لكِّل مطلوب مفتاًح ا يفتح به‪ ،‬فجعل مفتاح الصالة‪ :‬الطهور‪ ،‬كما قال ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬مفتاح الصالِة‪ :‬الُّطهور (‪، )3( " )2‬‬
‫__________‬
‫= تهذيب الكمال (‪.)66 /27‬‬
‫قال ابن حجر‪" :‬الُك ديمي ضعيف‪ ،‬والمحفوظ عن األعمش موقوًفا"‪ ،‬اإلصابة (‪.)343 /6‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في مسنده (‪ ،)228 /5‬والنسائي في عمل اليوم والليلة رقم (‪ ،)357‬وعبد بن‬
‫حميد في مسنده المنتخب رقم (‪ )128‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق أبي رزين مسعود بن مالك األسدي عن معاذ فذكره‪.‬‬
‫وأبو رزين لم يسمع من معاذ‪ ،‬فقد كان شعبة ينكر أن يكون سمع من ابن مسعود شيًئا‪ ،‬وابن‬
‫مسعود توفي سنة ‪ 32‬هـ‪ ،‬ومعاذ توفي سنة ‪ 18‬هـ‪.‬‬
‫وأيًض ا الحديث من رواية حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب‪ ،‬وقد قيَل سمع حماد من عطاء‬
‫قبل اختالطه وبعده‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪ ،)479 /27‬والكواكب النيرات ص (‪.)335 - 324‬‬
‫(‪ )2‬قوله‪" :‬مفتاح الصالة الطهور" سقط من "ب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الترمذي رقم (‪ ،)3‬وأبو داود رقم (‪ ،)61‬وابن ماجة رقم (‪ ،)275‬وأحمد (‪/1‬‬
‫‪ )129‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق عبد الَّلِه بن محمد بن عقيل عن محمد بن الحنفية عن علي فذكره مرفوًعا‪.‬‬
‫والحديث فيه ابن عقيل وفيه لين‪ ،‬والحديث عَّده ابن عدي في الكامل (‪ )129 /4‬من منكراته‪.‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬هذا الحديث أصح شيٍء في هذا الباب وأحسن"‪.‬‬
‫والحديث جاء عن غير واحٍد من الصحابة وال يثبت عنهم‪ ،‬والثابت عن =‬

‫(‪)1/138‬‬

‫ومفتاح الحج‪ :‬اإلحرام‪ ،‬ومفتاح الِبِّر ‪ :‬الصدق‪ ،‬ومفتاح الجَّنة‪ :‬التوحيد‪ ،‬ومفتاح (‪ )1‬العلم‪ :‬حسن‬
‫السؤال وحسن اإلصغاء‪ ،‬ومفتاح النصر والظفر‪ :‬الصبر‪ ،‬ومفتاح المزيد‪ :‬الشكر‪ ،‬ومفتاح الوالية‬
‫والمحبة‪ :‬الذكر (‪ ، )2‬ومفتاح الفالح‪ :‬التقوى‪ ،‬ومفتاح التوفيق‪ :‬الرغبة والرهبة‪ ،‬ومفتاح اإلجابة‪:‬‬
‫الدعاء‪ ،‬ومفتاح الرغبة في اآلخرة‪ :‬الزهد في الدنيا‪ ،‬ومفتاح اإليمان‪ :‬التفكر فيما دعا الَّله عباده‬
‫إلى التفكر فيه‪ ،‬ومفتاح الدخول على الَّلِه‪ :‬إسالم القلب وسالمته له واإلخالص له في الُح ِّب‬
‫والبغض والفعل والَّترك‪ ،‬ومفتاح حياة القلب‪ :‬تدبر القرآن‪ ،‬والتضرع باألسحاِر ‪ ،‬وترك الذنوب‪،‬‬
‫ومفتاح حصول الرحمة‪ :‬اإلحسان في عبادة الخالق‪ ،‬والَّس عي في نفع عبيده‪ ،‬ومفتاح الرزق‪:‬‬
‫ِق‬ ‫َّلِه‬ ‫ِع‬
‫السعي مع االستغفار والتقوى‪ ،‬ومفتاح ال ِّز ‪ :‬طاعة ال ورسوله‪ ،‬ومفتاح االستعداد لآلخرة‪َ :‬ص ُر‬
‫األمِل ‪ ،‬ومفتاح كِّل خيٍر ‪ :‬الرغبة في الَّلِه والدار اآلخرة‪ ،‬ومفتاح كِّل شٍّر ‪ُ :‬ح ب الدنيا‪ ،‬وطول‬
‫األمل‪.‬‬
‫وهذا باٌب عظيم من أنفع أبواب العلِم ‪ ،‬وهو معرفة مفاتيح الخير والشر‪ ،‬ال ُيَو َّفق لمعرفته‬
‫ومراعاته إاَّل من َعُظَم حظه وتوفيقه‪ ،‬فإَّن الَّلَه سبحانه وتعالى جعل لكِّل خير وشٍّر مفتاًح ا وباًبا‬
‫ُيْد َخ ل منه إليه‪ ،‬كما‬
‫__________‬
‫= ابن مسعود موقوًفا‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الصيام من شرح العمدة البن تيمية (‪.)635 - 633 /2‬‬
‫(‪ )1‬من قوله‪" :‬الطهور" إلى "التوحيد ومفتاح" سقط من "ج"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "د"‪" :‬المحَّبة للذكر" وقَّو مها الناسخ إلى "والمحبة"‪.‬‬

‫(‪)1/139‬‬

‫جعل الشرك والكبر واإلعراض عَّم ا بعث الَّلُه به رسوله‪ ،‬والغفلة عن ذكره والقيام بحقه = مفتاًح ا‬
‫للَّنار‪ ،‬وكما جعل الخمر‪ :‬مفتاح كِّل إثٍم ‪ ،‬وجعل الغناء‪ :‬مفتاح الزنا‪ ،‬وجعل إطالق النظر في‬
‫الُّصَو ِر ‪ :‬مفتاح الطَلب والِعْش ق‪ ،‬وجعل الكسل والراحة‪ :‬مفتاح الخيبة والحرمان‪ ،‬وجعل‬
‫المعاصي‪ :‬مفتاح الكفر‪ ،‬وجعل الكذب‪ :‬مفتاح الِّنفاق‪ ،‬وجعل الشح والحرص‪ :‬مفتاح البخل‬
‫وقطيعة الرحم‪ ،‬وأخذ المال من غير ِح ِّلِه‪ ،‬وجعل اإلعراض عَّم ا جاء به الرسول ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪ :-‬مفتاح كل بدعة وضاللة‪.‬‬
‫وهذه األمور ال يصِّدق بها إاَّل من له بصيرة صحيحة‪ ،‬وعقٌل يعرف به ما في نفسه‪ ،‬وما في‬
‫الوجود من الخير والشِّر ‪ ،‬فينبغي للعبد أن يعتني كل االعتناء بمعرفة المفاتيح‪ ،‬وما ُج ِعَلت مفاتيح‬
‫له‪ ،‬والَّلُه من وراء توفيقه وعدله‪ ،‬له الملك وله الحمُد ‪ ،‬وله النعمة والفضل (‪ ، )1‬ال ُيسأل عما‬
‫يفعل وهم ُيسألون‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في نسخٍة على حاشية "أ" "وله الفضل"‪.‬‬

‫(‪)1/140‬‬

‫الباب الخامس عشر في توقيع الجَّنة‪ ،‬ومنشورها اَّلذي ُيَو َّقُع به ألصحابها بعد الموت‪ ،‬وعند‬
‫دخولها‬
‫ِك‬ ‫ِع‬ ‫ِف ِع‬ ‫ِك‬
‫قال الَّلُه تعالى‪َ{ :‬ك اَّل ِإَّن َتاَب اَأْلْبَر اِر َل ي ِّلِّييَن (‪َ )18‬و َم ا َأْد َر اَك َما ِّلُّيوَن (‪َ )19‬تاٌب َمْر ُقوٌم‬
‫(‪َ )20‬يْش َهُدُه اْلُم َقَّر ُبوَن (‪[ })21‬المطففين‪.]21 - 18 :‬‬
‫فأخبر تعالى أَّن كتابهم كتاٌب مرقوم‪ ،‬تحقيًق ا لكونه مكتوًبا كتابة (‪َ )1‬ح ِق يقية‪ ،‬وخَّص تعالى كتاب‬
‫األبرار بأَّنه يكتب ويوقع لهم به بمشهد المقَّر بين من المالئكة والَّنبيين وسادات المؤمنين‪ ،‬ولم‬
‫يذكر شهادة هؤالء لكتاب (‪ )2‬الفجار = تنويًه ا بكتاب األبرار‪ ،‬وما وقع لهم به‪ ،‬وإشهاًر ا له (‬
‫‪ ،)3‬وإظهاًر ا بين خواِّص خلقه‪ ،‬كما تكتب الملوك تواقيع من تعظمه بين األمراء‪ ،‬وخواص أهل‬
‫المملكة تنويًه ا باسم المكتوب له (‪ ،)4‬وإشادًة بذكره‪ ،‬وهذا نوٌع من صالة الَّله سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫ومالئكته على عبده‪.‬‬
‫وروى اإلمام أحمد في "مسنده"‪ ،‬وابن حبان‪ ،‬وأبو عوانة اإلسفرايني في "صحيحيهما" من حديث‬
‫المنهال‪ ،‬عن زاذان عن البراء ابن عازب رضي الَّلُه عنه قال‪ :‬خرجنا مع رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله‬
‫عليه وسلم‪-‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ج"‪" :‬كأَّنه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ج"‪" :‬الكتاب" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ج"‪" :‬وإشهاًدا له"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ليس في "ب"‪.‬‬

‫(‪)1/141‬‬
‫إلى (‪ )1‬جنازٍة‪ ،‬فجلس رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬على القبِر وجلسنا حوله كأَّن على‬
‫رؤوسنا الطير‪ ،‬وهو ُيْلَح د له (‪ ، )2‬فقال‪" :‬أعوذ بالَّله من عذاب القبر ثالَث مَّر اٍت ‪ ،‬ثَّم قال‪ :‬إَّن‬
‫المؤمن إذا كان في إقباٍل من اآلخرة وانقطاع من الدنيا؛ تنزلت إليه المالئكة كأَّن على وجوههم‬
‫الشمس مع كِّل واحٍد منهم كفن وحنوط (‪ ، )3‬فجلسوا منه مَّد بصره‪ ،‬ثَّم يجيء ملك الموت‬
‫حَّتى يجلَس عند رأسه فيقول‪ :‬أيتها النفس الطيبة أخرجي إلى مغفرٍة من الَّلِه ورضوان‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فتخرج تسيُل كما تسيُل القطرة ِم ْن ِفِّي (‪ )4‬الِّس قاِء فيأخذها‪ ،‬فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة‬
‫عيٍن حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وذلك الحنوط‪ ،‬ويخرج منها كأطيب نفحة مسٍك‬
‫ُو جَد ت على وجه األرِض ‪ ،‬قال‪ :‬فيصعدون بها فال يمرون بها ‪-‬يعني (‪َ )5‬على مٍأل من المالئكة‪-‬‬
‫إاَّل قالوا‪ :‬ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون‪ :‬فالن بن فالن‪ .‬بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها‬
‫في الدنيا‪ ،‬حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا‪ ،‬فيستفتحون له ف فتح لهم‪ ،‬و َش ِّيعه من كِّل سماٍء‬
‫ُي‬ ‫ُي‬
‫مقربوها إلى السماء التي تليها؛ حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الَّلُه عَّز وجل (‪ ، )6‬فيقول‬
‫الَّلُه عَّز وجل‪ :‬اكتبوا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب"‪" :‬في"‪ ،‬وقد وردت في بعض الروايات‪.‬‬
‫(‪ )2‬ليس في "ب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬الحنوط‪ :‬هو ما ُيْخ لط من الطيب ألكفان الموتى وأجسامهم خاَّص ة‪ .‬النهاية (‪.)450 /1‬‬
‫(‪ )4‬ليس في "ب"‪.‬‬
‫(‪ )5‬ليس في "أ"‪.‬‬
‫(‪ )6‬قوله‪" :‬إلى السماء التي فيها الَّلُه" كذا في جميع الُّنَس خ‪ ،‬ولم أقف عليها‪.‬‬

‫(‪)1/142‬‬

‫كتاب عبدي في عِّليين‪ ،‬وأعيدوه إلى األرِض ‪ ،‬فإِّني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم‬
‫تارًة أخرى‪ ،‬قال‪ :‬فتعاُد روُح ه في جسده‪ ،‬فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقوالن له‪ :‬من رُّبَك ؟ فيقول‪:‬‬
‫رِّبي الَّله‪ ،‬فيقوالن له‪ :‬ما دينك؟ فيقول ديني اإلسالم‪ ،‬فيقوالن له‪ :‬ما هذا الرجل اَّلذي بعث‬
‫فيكم؟ فيقول‪ :‬هو رسول الَّلِه ‪ ،‬فيقوالن له‪ :‬وما علمك؟ فيقول‪ :‬قرأُت كتاَب الَّلِه فآمنت به‬
‫وصَّدقت‪ ،‬قال‪ :‬فينادي مناٍد من السَّم اء‪ :‬أْن َص دَق عبدي فأفرشوه من الجَّنة‪ ،‬وألبسوه من الجَّنة (‬
‫‪ ، )1‬وافتحوا له باًبا إلى الجَّنة‪ ،‬قال‪ :‬فيأتيه من روحها وطيبها‪ ،‬وُيفسُح له في قبره مَّد َبَص ِر ِه‪،‬‬
‫قال‪ :‬ويأتيه رجٌل حسُن الوجه حسن الثياب طيُب الريح‪ ،‬فيقوُل ‪ :‬أبشر باَّلذي يسُّر ك هذا يومك‬
‫اَّلذي كنَت ُتْو عد‪ ،‬فيقول له (‪ : )2‬من أنَت فوجهك الوجه اَّلذي (‪ )3‬يجيء بالخير؟ فيقول‪ :‬أنا‬
‫عملك الصالح‪ ،‬فيقوُل ‪ :‬رِّب أقم الَّس اعة‪ ،‬رِّب أقم الَّس اعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي‪.‬‬
‫قال‪ :‬وإَّن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من اآلخرة (‪َ ، )4‬نَز َل إليه من السماء‬
‫مالئكٌة سوُد الوجوه معهم الُمُس ْو ُح (‪)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله‪" :‬وألبسوه من الجَّنة" سقط من "ج"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ليس في "ب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬من المطبوعة‪.‬‬
‫(‪ )4‬في "ج"‪" :‬انقطاع من اآلخرة‪ ،‬وإقبال من الدنيا" وهو خطٌأ ظاهر‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسوح‪ :‬جمع كثرة‪ ،‬واحُدُه‪ِ :‬م ْس ح‪ ،‬وهو الكساُء من الشعر‪ ،‬وجمع الِق َّلة‪َ :‬أْم َس اح‪ .‬انظر‪:‬‬
‫لسان العرب (‪.)596 /2‬‬

‫(‪)1/143‬‬

‫فيجلسون منه مَّد البصِر (‪ ، )1‬ثَّم يجيُء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول‪ :‬أيتها النفس‬
‫الخبيثة‪ ،‬أخرجي إلى سخٍط من الَّلِه وغضب‪ ،‬قال‪ :‬فتفَّر ق في جسده فينتزعها كما ينتزُع الَّس ُّف ود‬
‫(‪ )2‬من الُّص وف المبلول‪ ،‬فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عيٍن حتى يجعلوها في‬
‫تلك المسوح‪ ،‬وتخرج منها كأنتن ريح جيفٍة وجدت على وجه األرِض ‪ ،‬فيصعدون بها فال َيمرون‬
‫بها على مٍأل من المالئكة إاَّل قالوا‪ :‬ما هذا الروح الخبيث (‪ ، )3‬فيقولون‪ :‬فالُن ابن فالن‪ .‬بأقبح‬
‫أسمائه التي كان ُيسَّم ى بها في الدنيا‪ ،‬حتى ينتهي بها إلى سماء الدنيا (‪ )4‬فيستفتح (‪ )5‬فال يفتح‬
‫له‪ ،‬ثَّم قرأ رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪{ :-‬اَل ُتَف َّتُح َلُه ْم َأْبَو اُب الَّس َم اِء َو اَل َيْد ُخ ُلوَن اْلَج َّنَة‬
‫َح َّتى َيِلَج اْلَجَم ُل ِفي َس ِّم اْلِخ َياِط } [األعراف‪ .]40 :‬فيقول الَّله عَّز وجل‪ :‬اكتبوا كتاب عبدي‬
‫في ِس ِّج يٍن في األرِض السفلى‪ .‬وُتطَر ح ُر وُح ُه َطرًح ا‪ ،‬ثَّم قرأ رسول الَّله‪َ{ :‬و َمْن ُيْش ِر ْك ِبالَّلِه َفَك َأَّنَم ا‬
‫َخ َّر ِم َن الَّس َم اِء َفَتْخ َطُفُه الَّطْيُر َأْو َتْه ِو ي ِبِه الِّر يُح ِفي َم َك اٍن َس ِح يٍق (‪[ } )31‬الحج‪ ،]31 :‬فتعاد‬
‫روُح ُه في جسده‪ ،‬ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقوالن له‪ :‬من رُّبك؟ فيقول‪ :‬هاه هاه! ال أدري‪،‬‬
‫فيقوالن له‪ :‬ما هذا الرجل اَّلذي ُبِعَث فيكم؟ فيقول‪ :‬هاه هاه‪ ،‬ال أدري‪ ،‬فينادي مناٍد من السماء‪،‬‬
‫أن كذب عبدي (‪ )6‬فَأفرشوه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬د"‪ ،‬ونسخٍة على حاشية "أ" (َبَص ِر ِه)‪.‬‬
‫(‪ )2‬الَّس ُّف ود‪ :‬الحديدة التي يشوي بها اللحم‪ .‬انظر‪ :‬الصحاح (‪.)417 /1‬‬
‫(‪ )3‬في "ب‪ ،‬هـ"‪" :‬الخبيثة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬قوله "حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا" سقط "ب"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في نسخة على حاشية "أ" "فيستفتح له"‪.‬‬
‫(‪ )6‬ليس في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د"‪.‬‬

‫(‪)1/144‬‬

‫من النار وافتحوا له باًبا إلى الَّنار‪ ،‬فيأتيه من حِّر ها وسمومها‪ ،‬وُيَض َّيُق عليه قبُر ُه حتى تختلف فيه‬
‫أضالعه‪ ،‬ويأتيه رجٌل قبيح الوجه‪ ،‬قبيُح الثياب منتن الريح‪ ،‬فيقول‪ :‬أبشر باَّلذي يسوؤك‪ ،‬هذا‬
‫يومك اَّلذي كنت توعد‪ ،‬فيقول‪ :‬من أنت فوجهك الوجه اَّلذي (‪ )1‬يجيء بالشر؟ فيقول أنا‬
‫عملك الخبيث‪ ،‬فيقول‪ :‬رِّب ال ُتِق ِم الَّس اعة" (‪.)2‬‬
‫ورواه أبو داود بطوله بنحوه‪ ،‬فهذا التوقيع‪ ،‬والمنشور األَّو ل‪.‬‬

‫فصل‬
‫وأَّما المنشور الثاني‪ :‬فقال الطبراني في "معجمه"‪ :‬حدثنا إسحاق ابن إبراهيم الَّدبري‪ ،‬عن عبد‬
‫الرزاق عن سفيان الثوري‪ ،‬عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عطاء بن يسار عن سلمان‬
‫الفارسي رضي الَّلُه عنه قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬ال يدخل الجَّنة أحٌد إاَّل‬
‫بجواٍز ‪ :‬بسم الَّلِه الرحمن الرحيم‪ ،‬هذا كتاٌب من الَّله لفالن بن فالٍن َأْد خلوُه جنة عاليًة قطوفها‬
‫دانية" (‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من المطبوعة‪.‬‬
‫(‪ )2‬تقدم الكالم عليه ص (‪.)34‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الطبراني في الكبير (‪ )272 /6‬رقم (‪ )6191‬وفي األوسط (‪ )192 /2‬رقم (‬
‫‪ ،)2987‬والبيهقي في البعث (‪ ،)273‬والخطيب في تاريخ بغداد (‪ )208 /5‬و (‪ )98 /7‬وابن‬
‫الجوزي في العلل المتناهية (‪ )928 /2‬رقم (‪.)1547‬‬
‫قال ابن الجوزي‪" :‬هذا حديث ال يصح عن رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬أَّما الطريُق‬
‫األَّو ل‪ :‬ففيه عبد الرحمن بن زياد‪ ،‬قال أحمد بن حنبل‪ :‬نحن ال نروي عن عبد الرحمن‪." . . .‬‬

‫(‪)1/145‬‬

‫وأخبرنا سليمان بن حمزة الحاكم‪ ،‬أنبأنا محمد بن عبد الواحد المقدسي‪ ،‬أنبأنا زاهر الثقفي أَّن‬
‫عبد السالم بن محمد بن عبد الَّلِه أخبرهم‪ ،‬أنبأنا المطهر بن عبد الواحد الُبزاني (‪ ، )1‬حدثنا‬
‫محمد بن إسحاق بن منده أنبأنا محمد بن علي البلخي‪ ،‬حدثنا محمد بن ُخَش ام (‪ ، )2‬حدثنا‬
‫العباس بن زياد ‪-‬ثقة‪ ،-‬حدثنا َس ْع دان بن سعد‪ ،‬حدثنا سليمان التيمي‪ ،‬عن أبي عثمان النهدي عن‬
‫سلمان الفارسي رضي الَّلُه عنه أَّن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪ُ" :‬يْع طى المؤمن جواًز ا على‬
‫الِّص راط‪ :‬بسم الَّله الرحمن الرحيم‪ ،‬هذا كتاب من الَّلِه العزيز الحكيم‪ ،‬لفالِن بن فالِن (‪، )3‬‬
‫أدخلوه جَّنًة عاليًة‪ُ ،‬قطوفها دانية" (‪. )4‬‬
‫قلُت ‪ :‬وقع المؤمن في قبضة أصحاب اليمين يوم القبضتين‪ ،‬ثَّم ُك ِتَب من أهل الجَّنة يوم نفخ‬
‫الروح فيه‪ ،‬ثَّم ُيكتب في ديوان أهل الجَّنة يوم موته (‪ ، )5‬ثَّم ُيْع طى هذا المنشور يوم القيامة‪،‬‬
‫فالَّلُه المستعان‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "أ‪ ،‬ب‪ ،‬ج‪ ،‬د"‪" :‬البزاقي"‪ ،‬وفي "هـ"‪" :‬البراقي" وكالهما خطأ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تكملة اإلكمال البن نقطة (‪ )489 /1‬رقم (‪.)849‬‬
‫(‪ )2‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د"‪" :‬خشنام" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬قوله‪" :‬ابن فالن" من "ج" فقط‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه (‪ ،)318 /11‬والَّدارقطني في األفراد كما في أطراف‬
‫الغرائب (‪ /3‬رقم ‪ ،)2232‬وابن الجوزي في العلل المتناهية (‪ )928 /2‬رقم (‪)1548‬‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫قال الدارقطني‪" :‬تفَّر د به سعدان عن التيمي"‪ ،‬قال ابن الجوزي‪" :‬سعدان مجهول‪ ،‬وكذلك محمد‬
‫بن خشام"‪.‬‬
‫(‪ )5‬قوله‪" :‬يوم موته" سقط من "ب"‪.‬‬

‫(‪)1/146‬‬

‫الباب السادس عشر في توُّح د طريق الجَّنة وأَّنه (‪ )1‬ليس لها إاَّل طريق واحد‬
‫هذا مَّم ا اتفقت عليه الرسل من أَّو لهم إلى خاتمهم صلوات الَّله وسالمه عليهم‪ .‬وأَّما طرق‬
‫الجحيم‪ :‬فأكثر من أن ُتْح صى‪ ،‬ولهذا ُيَو ِّح د الَّله سبحانه سبيله‪ ،‬ويجمع سبل الَّنار كقوله تعالى‪:‬‬
‫{َو َأَّن َه َذ ا ِص َر اِط ي ُمْس َتِق يًم ا َفاَّتِبُعوُه َو اَل َتَّتِبُعوا [‪ /46‬ب] الُّس ُبَل َفَتَفَّر َق ِبُك ْم َعْن َس ِبيِلِه} [األنعام‪:‬‬
‫‪ .]153‬وقال‪َ{ :‬و َعَلى الَّلِه َقْص ُد الَّس ِبيِل َو ِم ْنَه ا َج اِئٌر } [النحل‪ .]9 :‬أي‪ :‬ومن الُّس ُبل جائر (‪)2‬‬
‫عن القصد وهي‪ُ :‬سُبل (‪ )3‬الغي‪ ،‬وقال‪َ{ :‬ه َذ ا ِص َر اٌط َعَلَّي ُمْس َتِق يٌم} [الحجر‪.]41 :‬‬
‫وقال ابن مسعود‪َ :‬خ َّط لنا رسوُل الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬خًّطا‪ ،‬وقال‪" :‬هذا سبيل الَّلِه‪ ،‬ثَّم‬
‫خَّط خطوًطا عن يمينه وعن يساره‪ ،‬ثَّم قال‪ :‬هذه ُسُبٌل على كِّل سبيٍل منها شيطاٌن يدعو إليه" ثَّم‬
‫قرأ‪َ{ :‬و َأَّن َه َذ ا ِص َر اِط ي ُمْس َتِق يًم ا َفاَّتِبُعوُه َو اَل َتَّتِبُعوا الُّس ُبَل} اآلية [األنعام‪.)4( ]153 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب"‪" :‬وأنها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬قوله‪" :‬أي‪ :‬ومن السبل جائر" سقط من "ب‪ ،‬د"‪ ،‬ووقع في "ج"‪" :‬السبيل" بداًل من‬
‫"الُّس بل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ب‪ ،‬د" "سبيل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه اإلمام أحمد في "المسند" (‪ ،)435 /1‬والمروزي في "السنة" رقم (‪ ،)11‬وابن‬
‫حبان في صحيحه رقم (‪ )6‬و (‪ ،)7‬والحاكم في المستدرك (‪ )349 - 348 /2‬رقم (‪)3241‬‬
‫وقال‪" :‬صحيح اإلسناد ولم يخرجاه"‪.‬‬
‫من طريق عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن ابن مسعود‪ ،‬فذكره‪= .‬‬

‫(‪)1/147‬‬
‫ِد ِه‬ ‫ِك‬ ‫ِم ِه‬
‫فِإ ْن قيل‪ :‬فقد قال الَّله تعالى‪َ{ :‬قْد َج اَءُك ْم َن الَّل ُنوٌر َو َتاٌب ُمِبيٌن (‪َ )15‬يْه ي ِب الَّلُه َمِن اَّتَبَع‬
‫ِر ْض َو اَنُه ُسُبَل الَّساَل ِم } [المائدة‪ ]16 - 15 :‬قيل‪ :‬هي ُسُبل تجتمع في سبيٍل واحٍد ‪ ،‬وهي بمنزلة‬
‫الجواِّد (‪ )1‬والطرق في الطريق األعظم‪ ،‬فهذه هي شعب اإليمان يجمعها اإليمان‪ ،‬وهي شعبة‪،‬‬
‫كما يجمع ساق الشجرة أغصانها وشعبها‪ ،‬وهذه السبل هي إجابة داعي الَّلِه بتصديق خبره‪،‬‬
‫وطاعة أمره‪ ،‬فطريق الجَّنة هي إجابة الَّداعي إليها ليس إاَّل ‪.‬‬
‫وروى البخاري في "صحيحه" (‪ )2‬عن جابر ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪" :‬جاءت مالئكة إلى الَّنبي ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬فقال بعضهم‪ :‬إَّنه نائٌم‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬إَّن (‪ )3‬العين نائمٌة والقلُب يقظان‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬إَّن لصاحبكم هذا مثاًل ‪ ،‬فاضربوا له مثاًل فقالوا‪ :‬مثله مثل رجٍل بنى داًر ا وجعل فيها مأُدبًة‬
‫وبعث داعًيا‪ ،‬فمن أجاب الَّداعي دخل الَّدار وأكَل من المأدبة‪ ،‬ومن لم يجب‬
‫__________‬
‫= ورواه األعمُش ومنصور بن المعتمر عن أبي وائل به (رفعه‪ :‬اَألعمش‪ ،‬وأوقفه‪ :‬منصور)‪.‬‬
‫انظر‪ :‬مسند البزار (‪ 1677 /5‬و ‪.)1694‬‬
‫ورواه الربيع بن خثيم عن ابن مسعود بمعناه‪.‬‬
‫أخرجه البخاري في "صحيحه" في (‪ )84‬الرقاق (‪ )2359 /5‬رقم (‪ )6054‬وغيره‪.‬‬
‫(‪ )1‬الجواُّد‪ :‬جمع جاَّده وهو معظم الطريق‪ ،‬الصحاح (‪.)389 /1‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري رقم (‪ )6852‬من طريق سليم بن حَّيان عن سعيد بن ِم ْيَناء عن جابر بن عبد‬
‫الَّله فذكره‪.‬‬
‫(‪ )3‬من صحيح البخاري و"ب"‪.‬‬

‫(‪)1/148‬‬

‫الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة‪ ،‬فقالوا‪ :‬أَّو ُلوها له (‪ )1‬يْف قْه َه ا فقال بعضهم‪ :‬إَّن العين‬
‫نائمة والقلب يقظان‪ ،‬فالَّداُر ‪ :‬الجَّنة‪ ،‬والَّداعي‪ :‬محمٌد ‪ ،‬فمن أطاع محمًد ا ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪ -‬فقد أطاع الَّله‪ ،‬ومن عصى محمًد ا فقد عصى الَّله‪ ،‬ومحمد َفْر ٌق (‪ )2‬بين الَّناس"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي عنه ولفظه‪ :‬خرج علينا رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬يوًم ا فقال‪" :‬إِّني‬
‫رأيت في المنام‪ :‬كأَّن جبريل عند رأسي‪ ،‬وميكائيل عند رجلي يقول أحدهما لصاحبه‪ :‬اضرب له‬
‫مثاًل ‪ ،‬فقال‪ :‬اسَم ع سِم عْت أذنك‪ ،‬واعِق ْل َعَق َل قلُبك‪ ،‬إَّنما مثُلَك ومثُل أَّمتك كمثل ملٍك اتخذ‬
‫داًر ا‪ ،‬ثَّم بنى فيها بيًتا‪ ،‬ثَّم جعل مائدًة‪ ،‬ثَّم بعث رسواًل يدعو الَّناس إلى طعامه‪ ،‬فمنهم من أجاب‬
‫الرسول ومنهم من تركه‪ ،‬فالَّلُه هو الملُك ‪ ،‬والَّداُر اإلسالُم‪ ،‬والبيُت الجَّنة‪ ،‬وأنت يا محمد رسوٌل ‪،‬‬
‫فمن أجابك دخل اإلسالم‪ ،‬ومن دخل اإلسالم دخل الجَّنة‪ ،‬ومن دخل الجَّنة (‪ )3‬أكل ما فيها" (‬
‫‪. )4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من صحيح البخاري‪.‬‬
‫(‪ )2‬وفي رواية أبي ذٍّر الهروي "فَّر ق" قال الحافظ في الفتح (‪" :)256 /13‬وكالهما مَّتجه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬قوله‪" :‬من دخل الجَّنة" ليس في "ب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الترمذي برقم (‪.)2860‬‬
‫من طريق سعيد بن أبي هالل عن جابر فذكره‪.‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬هذا حديث مرسل‪ ،‬سعيد بن أبي هالل‪ ،‬لم يدرك جابر ابن عبد الَّله‪ ،‬وقد روي‬
‫هذا الحديث عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬من غير هذا الوجه‪ ،‬بإسناد أصح من هذا"‪.‬‬

‫(‪)1/149‬‬

‫وصَّح ح الترمذي من حديث عبد الَّله بن مسعود ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪" :‬صَّلى بنا رسول الَّله ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬العشاء ثَّم انصرف‪ ،‬فأخذ بيدي حتى خرج بي إلى بطحاء مكة‪ ،‬فأجلسني‬
‫ثَّم خَّط علَّي خًّطا‪ ،‬ثَّم قال‪ :‬ال تبرحَّن خَّطَك ‪ ،‬فإَّنه سينتهي إليك رجال فال تكلمهم؛ فإَّنهم ال‬
‫يكلمونك‪ ،‬ثَّم مضى رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬حيث أراد‪ ،‬فبينا أنا جالٌس في خِّطي‪ ،‬إذ‬
‫أتاني ِر جاٌل كأَّنهم الُّز ُّط (‪ ، )1‬أشعارهم وأجسامهم‪ ،‬ال أرى عورًة‪ ،‬وال أرى ِقْش ًر ا‪ ،‬وينتهون إلَّي‬
‫ال يجاوزون الخَّط ‪ ،‬ثَّم يصدرون إلى رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬حَّتى إذا كان من آخر‬
‫الليل‪ ،‬لكن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قد جاءني وأنا جالٌس فقال‪" :‬لقد ُأراني (‪ )2‬منُذ‬
‫الليلة"‪ ،‬ثَّم دخل علَّي في َخ ِّطي فتوَّس َد فخذي فرقد‪ ،‬وكان رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪-‬‬
‫إذا رقد نفخ‪ ،‬فبينا أنا قاعٌد ‪ ،‬ورسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬متوسٌد فخذي إذا أنا برجاٍل‬
‫عليهم ثياٌب بيٌض ‪ ،‬الَّله أعلُم ما بهم من الجمال‪ ،‬فانتهوا إلَّي فجلس طائفٌة منهم عند رأس رسول‬
‫الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬وطائفة منهم عند رجليه‪ ،‬ثَّم قالوا‪ :‬ما رأينا عبًد ا قُّط (‪ )3‬أوتي مثل‬
‫ما أوتي هذا الَّنبي‪ ،‬إَّن عينيه تنامان وقلُبُه يقظان‪ ،‬اضربوا له مثاًل ‪ ،‬مثَل سيٍد بنى قصًر ا ثَّم جعل‬
‫مأُدبًة فدعا الَّناس إلى طعامه وشرابه‪ ،‬فمن أجابه أكَل من طعامه وشرب من شرابه‪ ،‬ومن لم يجبه‬
‫عاقبه أو قال عذبه‪ ،‬ثَّم ارتفعوا واستيقظ رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬عند ذلك‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الُّز ّط‪ :‬جيل من الَّناس‪ .‬الواحد‪ُ :‬ز ِّطي‪ ،‬مثل‪ :‬الزنج وزنجي‪ ،‬والُّر وم ورومي‪ .‬الصحاح (‪/1‬‬
‫‪.)882‬‬
‫(‪ )2‬في "ب"‪" :‬رأى"‪ ،‬وفي باقي النسخ "رآني"‪ ،‬والمثبت من سنن الترمذي‪ ،‬ومعنى‪ُ" :‬أراني"‪ :‬أي‬
‫لم أنم‪.‬‬
‫(‪ )3‬من الترمذي‪.‬‬

‫(‪)1/150‬‬

‫فقال‪ :‬سمعت ما قال هؤالء؟ وهل تدري من هم؟ قلت‪ :‬الَّلُه ورسولُه أعلم‪ ،‬قال‪ :‬هم المالئكة‪،‬‬
‫فتدري ما المثل اَّلذي ضربوه؟ قلت‪ :‬الَّلُه ورسوله أعلم‪ ،‬قال (‪ : )1‬الرحمن بنى الجَّنة‪ ،‬ودعا‬
‫إليها عباَدُه فمن أجابه دخل الجَّنة‪ ،‬ومن لم يجبه (‪ )2‬عَّذ به" (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في الترمذي بعد "قال"‪" :‬المثل اَّلذي ضربوه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في الترمذي بعد "يجبه" "عاقبه أو"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الترمذي برقم (‪ )2861‬وقال‪" :‬حسن صحيح غريب من هذا الوجه"‪ ،‬والبخاري في‬
‫تاريخ الكبير (‪ )200 /2‬من طريق جعفر بن ميمون عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي عثمان‬
‫النهدي عن ابن مسعود فذكره بطوله‪.‬‬
‫وجعفر هذا ضعفه اإلمام أحمد والنسائي وغيرهما‪ ،‬وقال ابن عدي‪" :‬أرجو أَّنه ال بأس به‪ ،‬ويكتب‬
‫حديثه في الضعفاء"‪ .‬انظر‪ :‬الكامل‪.)139 - 138 /2( :‬‬
‫وقد خولف جعفر هذا‪ ،‬خالفه سليمان بن طرخان‪.‬‬
‫فرواه عن أبي تميمة عن عمرو البكالي عن ابن مسعود فذكره مطواًل "والبكالي‪ :‬مجهول"‪.‬‬
‫أخرجه أحمد في المسند (‪ ،)399 /1‬والبخاري في األوسط (‪ ،)234 /1‬والكبير (‪.)200 /2‬‬
‫قال البخاري‪" :‬وال ُيْع رف لعمرو سماًعا من ابن مسعود"‪.‬‬
‫وله طرق ُأخرى عن ابن مسعود‪ ،‬أعَّلها كلها البخاري في الكبير واألوسط‪ ،‬وأعلها أيًض ا أبو حاتم‬
‫وأبو زرعة الرازيان‪ ،‬وَبَّيُنوا أَّن الثابت عن ابن مسعود أَّنه له لم يكن مع الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪ -‬ليلة الجن‪ ،‬انظر‪ :‬صحيح مسلم رقم (‪.)450‬‬
‫بل قال أبو حاتم وأبو زرعة‪" :‬وال يصح في هذا الباب شيء"‪ .‬انظر علل ابن أبي حاتم (‪.)45 /1‬‬

‫(‪)1/151‬‬

‫الباب السابع عشر في درجات الجَّنة‬


‫قال تعالى‪{ :‬اَل َتِو ي اْلَق اِع ُد وَن ِم اْل ْؤ ِم ِني َغ ُأوِلي الَّض ِر اْل اِه ُد وَن ِفي ِبيِل الَّلِه‬
‫َس‬ ‫َر َو ُمَج‬ ‫َن ُم َن ْيُر‬ ‫َيْس‬
‫ِل‬ ‫ِل‬
‫ِبَأْم َو ا ِه ْم َو َأْنُفِس ِه ْم َفَّضَل الَّلُه اْلُمَج اِهِد يَن ِبَأْم َو ا ِه ْم َو َأْنُفِس ِه ْم َعَلى اْلَق اِعِد يَن َدَرَج ًة َو ُك اًّل َو َعَد الَّلُه‬
‫اْلُحْس َنى َو َفَّضَل الَّلُه اْلُمَج اِهِد يَن َعَلى اْلَق اِعِد يَن َأْج ًر ا َعِظ يًم ا (‪َ )95‬دَرَج اٍت ِم ْنُه َو َمْغِف َر ًة َو َر ْح َم ًة‬
‫َو َك اَن الَّلُه َغُفوًر ا َر ِح يًم ا (‪[ })96‬النساء‪.]96 - 95 :‬‬
‫ِط‬
‫ذكر ابن (‪ )1‬جرير‪ :‬عن هشام بن حسان‪ ،‬عن َجَبلة بن َع َّية (‪ ،)2‬عن ابن ُمَحْيِر ْيز قال‪َ{ :‬و َفَّض َل‬
‫الَّلُه اْلُمَج اِهِد يَن َعَلى اْلَق اِعِد يَن َأْج ًر ا َعِظ يًم ا (‪َ )95‬دَرَج اٍت ِم ْنُه} [النساء‪ .]96 ,95 :‬قال‪" :‬هي‬
‫سبعون درجة ما بين الدرجتين َعْد ُو الفرِس الجواد الُم َض َّم ر سبعين عاًما" (‪.)3‬‬
‫وقال ابن المبارك‪ :‬أنبأنا سلمة بن ُنَبْيط عن الَّضَّح اك في قوله تعالى‪َ{ :‬لُه ْم َدَرَج اٌت ِع ْنَد َر ِّبِه ْم }‬
‫[األنفال‪ ]4 :‬قال‪" :‬بعضهم أفضُل من بعض‪ ،‬فيرى اَّلذي قد فضل به فضله (‪ ،)4‬وال يرى اَّلذي‬
‫هو أسفل منه‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من "هـ"‪ ،‬وسقط من باقي النسخ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في الطبري "ُس حيم" بدل "عطية"‪ ،‬وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪.)232 /5‬‬
‫وسنده صحيح‪ ،‬إن كان شيخ الطبري ثقة‪ ،‬وابن محيريز هو عبد الَّله بن محيريز بن جنادة القرشي‬
‫ثَّم الشامي‪ ،‬تابعي ثقة جليل من العباد‪ُ ،‬يشَّبه بابن عمر في عبادته‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)111 - 106 /16‬‬
‫(‪ )4‬في الزهد البن المبارك "فضيلته"‪.‬‬

‫(‪)1/152‬‬
‫أَّنه ُفِّض َل عليه أحٌد من الَّناس" (‪.)1‬‬
‫وتأَّمل قوله‪ :‬كيف أوقع الَّتْف ضيل أَّواًل بدرجة‪ ،‬ثَّم أوقعه ثانًيا بدرجات‪ ،‬فقيل‪ :‬األَّو ل بين القاعد‬
‫والمعذور والمجاهد‪ ،‬والثاني بين القاعد بال عذر والمجاهد‪،‬‬
‫وقال تعالى‪َ{ :‬أَفَم ِن اَّتَبَع ِر ْض َو اَن الَّلِه َك َمْن َباَء ِبَس َخ ٍط ِم َن الَّلِه َو َمْأَو اُه َجَه َّنُم َو ِبْئَس اْلَم ِص يُر (‬
‫‪ُ )162‬ه ْم َدَرَج اٌت ِع ْنَد الَّلِه َو الَّلُه َبِص يٌر ِبَم ا َيْع َم ُلوَن (‪[ })163‬آل عمران‪.]163 - 162 :‬‬
‫ِل‬ ‫ِج‬ ‫ِك‬ ‫ِذ‬ ‫ِم‬
‫وقال تعالى‪ِ{ :‬إَّنَم ا اْلُم ْؤ ُنوَن اَّل يَن ِإَذا ُذ َر الَّلُه َو َلْت ُقُلوُبُه ْم َو ِإَذا ُت َيْت َعَلْيِه ْم آَياُتُه َز اَدْتُه ْم‬
‫ِئ‬ ‫ِف‬ ‫ِم‬ ‫َّلِذ ِق‬ ‫ِإ‬
‫يَم اًنا َو َعَلى َر ِّبِه ْم َيَتَو َّك ُلوَن (‪ )2‬ا يَن ُي يُم وَن الَّصاَل َة َو َّم ا َر َز ْقَناُه ْم ُيْن ُقوَن (‪ُ )3‬أوَل َك ُه ُم‬
‫اْلُم ْؤ ِم ُنوَن َح ًّق ا َلُه ْم َدَرَج اٌت ِع ْنَد َر ِّبِه ْم َو َمْغِف َر ٌة َو ِر ْز ٌق َك ِر يٌم (‪[ })4‬األنفال‪.]4 - 2 :‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪ )2‬من حديث مالك عن َص ْف وان بن ُس َليم‪ ،‬عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد‬
‫َّل‬ ‫َّل‬ ‫َّل‬
‫الخدري رضي ال ُه عنه أَّن رسول ال ه ‪-‬صلى ال ه عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إَّن أهل الجَّنة َليتراءون أهَل‬
‫الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الُّد ِّر ي الغابَر من اُألفق‪ :‬من المشرق أو المغرب؛‬
‫لتفاضل ما بينهم‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول الَّله‪ ،‬تلك منازل األنبياء ال يبلغها‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن المبارك في الزهد ‪-‬زوائد نعيم‪ -‬رقم (‪ ،)246‬وابن أبي حاتم في تفسيره (‪/5‬‬
‫رقم ‪.)8799‬‬
‫وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)3083‬ومسلم رقم (‪.)2831‬‬

‫(‪)1/153‬‬

‫غيرهم؟ قال‪" :‬بلى‪ ،‬واَّلذي نفسي بيده رجاٌل آمنوا بالَّلِه وصَّدقوا المرسلين"‪.‬‬
‫ولفظ البخاري "في األفق"‪ :‬وهو أْبَين (‪. )1‬‬
‫والغابر‪ :‬هو الَّذ اهب الماضي اَّلذي قد تدَّلى للغروب‪ .‬وفي التمثيل به دون الكوكب المسامت‬
‫للَّر أس‪ ،‬وهو أعلى = فائدتان‪:‬‬
‫أحدهما‪ُ :‬بْعُدُه عن العيون‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬أَّن الجَّنة درجات بعضها أعلى من بعض‪ ،‬وإْن لم ُتسامت العليا الُّس فلى‪ ،‬كالبساتين‬
‫الُمْم تدة من رأس الجبل إلى ذيله‪ ،‬والَّلُه أعلم‪.‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪ )2‬أيًض ا من حديث سهل بن سعد ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬أَّن رسول الَّله ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إَّن أهل الجَّنة ليتراءون الغرفة في الجَّنة‪ ،‬كما تراءون الكوكب في أفِق‬
‫السماء"‪.‬‬
‫وقال اإلمام أحمد‪ :‬حدثنا قراد (‪ ، )3‬أخبرني ُفَليح عن هالل يعني ابن علي‪ ،‬عن عطاء‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة رضي الَّلُه عنه أَّن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إَّن أهل الجَّنة ليتراءون في‬
‫الجنة كما تراءون ‪-‬أو ترون (‪- )4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في نسخٍة على حاشية "أ"‪َ" :‬بَّين"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)6188‬ومسلم رقم (‪.)2830‬‬
‫(‪ )3‬كذا في جميع النسخ‪ ،‬وفي المسند‪ ،‬وأطرافه البن حجر (‪" )417 /7‬فزارة" هو‪ :‬ابن عمرو‪،‬‬
‫وهو الصواب‪.‬‬
‫(‪ )4‬قوله‪" :‬أو ترون" ليس في "ب‪ ،‬د"‪.‬‬

‫(‪)1/154‬‬

‫الكوكب الدرِّي الغارَب في األفق الطالع في تفاضل الَّدرجات"‪ ،‬قالوا يا رسول الَّله أولئك‬
‫الَّنبُّيون؟ قال‪" :‬بلى‪ ،‬واَّلذي نفسي بيده وأقواٌم آمنوا بالَّلِه وصَّد ُقوا المرسلين" (‪. )1‬‬
‫ورجال هذا اإلسناد احتَّج بهم البخاري في "صحيحه"‪.‬‬
‫وفي هذا الحديث‪" :‬الغارب"‪ ،‬وفي حديث أبي سعيد‪" :‬الغابر"‪ .‬وقوله‪" :‬الطالع" ِص َف ة للكوكب‪،‬‬
‫وَص َف ُه بكونه غارًبا‪ ،‬وبكونه طالًعا‪.‬‬
‫وقد ُصِّر َح بهذا (‪ )2‬المعنى في الحديث اَّلذي رواُه ابن المبارك‪ :‬عن فليح بن سليمان عن هالل‬
‫بن علي عن عطاء عن أبي هريرة رضي الَّلُه عنه عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إَّن أهل‬
‫الجَّنة ليتراءون في الغرف كما ُيرى‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في مسنده (‪ ،)339 ،335 /2‬وابن خزيمة في "التوحيد"‪ )907 /2( :‬رقم (‬
‫‪ ،)620‬والترمذي (‪ ،)2556‬وابن منده في اإليمان (‪.)406‬‬
‫من طرق عن فليح عن هالل به‪ ،‬وقد خولف هالل‪:‬‬
‫خالفه صفوان بن ُس ليم‪ :‬فرواه عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد‪.‬‬
‫أخرجه البخاري ومسلم كما تقدم قريًبا ص (‪.)153‬‬
‫قال محمد بن يحيى الذهلي‪" :‬ال أبعد أْن يكون عطاء بن يسار قد سمعه من أبي سعيد وأبي هريرة‬
‫رضي الَّله عنهما"‪.‬‬
‫وقال الذهلي أيًض ا‪" :‬حديث مالك عن صفوان بن سليم صحيح‪ ،‬وال يدفع حديث هالل‪ ،‬ولعَّل‬
‫عطاء بن يسار حفظه عنهما"‪ .‬انظر‪ :‬علل الَّدارقطني (‪ .)101 /11‬قلت‪ :‬فليح في حفظه كالم‪،‬‬
‫فأخشى من وهمه هنا‪.‬‬
‫فقد رواه النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد بمثل لفظ سهل بن سعد وزاد "كما تراءون‬
‫الكوكب الغارب في األفق الشرقي والغربي"‪.‬‬
‫أخرجه البخاري برقم (‪ )6188‬ومسلم برقم (‪.)2831‬‬
‫(‪ )2‬في "ب"‪" :‬خِّر ج هذا" وفي "د"‪" :‬خرج بهذا" بداًل من "ُصِّر ح بهذا"‪.‬‬

‫(‪)1/155‬‬

‫الكوكب الشرقي‪ ،‬والكوكب الغربي في األفق في تفاضل الدرجاِت ‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول الَّله أولئك‬
‫الَّنبيون؟ قال‪ :‬بلى (‪ ، )1‬واَّلذي نفسي بيده وأقواٌم آمنوا بالَّله وصَّدقوا المرسلين" (‪. )2‬‬
‫وهذا على شرط البخاري أيًض ا‪.‬‬
‫وفي "المسند" من حديث أبي سعيد رضي الَّلُه عنه قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪" :-‬إَّن المتحابين لُترى غرُفهم في الجَّنة كالكوكب الطالع الشرقِّي أو الغربِّي ‪ ،‬فيقال‪ :‬من‬
‫هؤالء؟ فيقال‪ :‬هؤالء المتحاُّبون في الَّلِه عَّز وجَّل" (‪. )3‬‬
‫وفي "المسند" من حديث أبي سعيد رضي الَّلُه عنه أيًض ا عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪:‬‬
‫"إَّن في الجَّنة مئة درجٍة‪ ،‬ولو أَّن العالمين اجتمعوا في إحداهَّن لوسعتهم (‪. )5( " )4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في الزهد البن المبارك "ال بل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن المبارك في الزهد ‪ -‬زوائد نعيم‪ ،‬برقم (‪ ،)418‬والترمذي برقم (‪ ،)2556‬وابن‬
‫أبي الدنيا في التوكل على الَّلِه رقم (‪ )41‬وغيرهم‪.‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬حسن صحيح"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أحمد في "المسند"‪.)78 /3( :‬‬
‫وفيه انقطاع أبو حازم واسمه سلمة بن دينار لم يسمع من أحد من الصحابة سوى سهل بن سعد‬
‫الساعدي رضي الَّلُه عنه‪.‬‬
‫انظر‪ :‬جامع التحصيل ص (‪ )187‬رقم (‪.)255‬‬
‫(‪ )4‬وقع في "أ"‪" :‬اجتمعوا فيهَّن في إحداهَّن وسعتهن"‪ ،‬وكتب الناسخ على "فيهَّن "‪" :‬كذا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أحمد في المسند (‪ ،)29 /3‬والترمذي برقم (‪ ،)2531‬وأبو يعلى في =‬

‫(‪)1/156‬‬

‫وفي "المسند" عنه أيًض ا عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪ُ" :‬يقال لصاحب القرآن إذا دخل‬
‫الجَّنة‪ :‬اقرأ واصعْد ‪ ،‬فيقرأ ويصعد بكِّل آيٍة درجة‪ ،‬حَّتى يقرأ آخر شيٍء معُه" (‪. )1‬‬
‫وهذا صريٌح في أَّن درج الجَّنة تزيد على مائة درجة (‪. )2‬‬
‫وأَّما حديث أبي هريرة ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬اَّلذي رواه البخاري في صحيحه (‪ )3‬عن الَّنبي ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إَّن في الجَّنة مائة درجٍة أعَّدها الَّلُه للمجاهدين في سبيله بين كَّل درجتين‬
‫كما بين السماء واألرِض ‪ ،‬فإذا سألتم الَّلَه فاسألوه الفردوس‪ ،‬فإَّنه وسط الجَّنة‪ ،‬وأعلى الجَّنة‪،‬‬
‫وفوقه عرش الرحمن‪ ،‬ومنه تفَّج ُر أنهار الجَّنة"‪.‬‬
‫فإَّم ا أن تكون هذه المائة درجة من جملة الَد َر ج‪ ،‬وإَّما أْن تكون نهايتها هذه المائة‪ ،‬وفي ضمن‬
‫كل درجة درج (‪ )4‬دونها‪.‬‬
‫__________‬
‫= مسنده (‪ )530 /2‬رقم (‪.)1398‬‬
‫من طريق دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد‪.‬‬
‫وقد تقَّدم الكالم عن مثل هذا اإلسناد في ص (‪.)117‬‬
‫والحديث ضعفه الترمذي بقوله‪" :‬هذا حديث غريب"‪.‬‬
‫(‪ )1‬تقدم ص (‪.)135‬‬
‫(‪ )2‬ليس في "أ‪ ،‬ب‪ ،‬د"‪ .‬وجاء في نسخة على حاشية "أ" ما يلي‪" :‬وقد تقدم أَّن آيات القرآن‬
‫ستة آالف ومائتا آية وستة عشر آية‪ ،‬فعلى هذا درجات الجَّنة كذلك"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تقدم ص (‪.)134‬‬
‫(‪ )4‬ليس في "ب"‪.‬‬

‫(‪)1/157‬‬

‫ويدل على المعنى األَّو ل حديث زيد بن أسلم‪ ،‬عن عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل ‪-‬رضي الَّله‬
‫عنه‪ -‬قال‪ :‬سمعُت رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬يقول‪" :‬من صَّلى هؤالء الصلوات‬
‫الخمس‪ ،‬وصام شهر رمضان كان حًّق ا على الَّلِه أن يغفر له هاجر أو قعَد حيُث ولدته ُأُّمُه"‪ ،‬قلُت ‪:‬‬
‫يا رسول الَّله أال أخرُج فُأوذن الَّناس؟ قال‪" :‬ال‪ ،‬ذِر الَّناَس يعملون‪ ،‬فإَّن في الجَّنة مائة درجة بين‬
‫كِّل درجتين منها مثل ما بين السماء واألرِض ‪ ،‬وأعلى درجٍة منها الفردوس‪ ،‬وعليها يكون العرُش ‪،‬‬
‫وهي أوسط شيٍء في الجَّنة‪ ،‬ومنها تفجر أنهار الجَّنة‪ ،‬فإذا سألتم الَّلَه فسلوه الفردوس" (‪. )1‬‬
‫رواه الترمذي هكذا بلفظة "في" (‪. )2‬‬
‫وروى أيًض ا‪ :‬من حديث عطاء عن عبادة بن الصامت أَّن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪-‬‬
‫قال‪" :‬في الجَّنة مائة درجة" (‪ )3‬ثَّم ذكر نحو حديث معاذ‪.‬‬
‫وفيه أيًض ا‪ :‬من حديث عطاء عن أبي هريرة ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله‬
‫عليه وسلم‪" :-‬في الجَّنة مائة درجٍة (‪ )4‬ما بين كَّل درجتين مائة عاٍم " (‪ . )5‬قال‪" :‬هذا حديٌث‬
‫حسن غريب"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تقدم ص (‪ ،)133 - 132‬وهو منقطع‪.‬‬
‫(‪ )2‬سقط من "ب‪ ،‬د" قوله "في"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تقدم ص (‪.)133 - 132‬‬
‫(‪ )4‬من قوله‪" :‬ثَّم ذكر نحو" إلى "درجة" سقط من "ب‪ ،‬ج"‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الترمذي برقم (‪ ،)2529‬وأحمد (‪.)29 /3‬‬
‫من طريق شريك القاضي عن محمد بن جحادة عن عطاء عن أبي هريرة فذكره‪.‬‬
‫وخالفه مالك بن مغول‪ ،‬فرواه عن محمد بن ُج حادة عن عطاء بن أبي =‬

‫(‪)1/158‬‬
‫وفيه أيًض ا‪ :‬من حديث أبي سعيد يرفعه‪" :‬إَّن في الجَّنة مائة درجة لو أَّن العالمين اجتمعوا في‬
‫إحداهَّن لوسعتهم" (‪. )1‬‬
‫ورواه أحمُد بدون لفظة‪" :‬في" كما تقَّدم‪ .‬وقد رويت هذه األحاديث بلفظة‪" :‬في" وبدونها‪ ،‬فإن‬
‫كان المحفوظ ثبوتها فهي من جملة درجها‪ ،‬وإْن كان المحفوظ سقوطها‪ ،‬فهي الَّد َر ج الكبار‬
‫المتضمنة للَّدرج الِّص غار‪ ،‬والَّله أعلم‪.‬‬
‫وال تناقض بين تقدير ما بين الدرجتين بالمائة وتقديرها بالخمس مائة الختالف الَّس ير في السرعة‬
‫والُبْط ِء ‪ ،‬والَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬ذكر هذا تقريًبا لألفهام‪ ،‬ويدل عليه حديث زيد بن‬
‫ُح باب (‪ : )2‬حدثنا عبد الرحمن بن ُش َر يح‪ ،‬حَّدثني أبو هانئ الُّتِج يبي‪ ،‬سمعُت أبا علي الَج ْنبي (‪)3‬‬
‫سمعت أبا سعيد الخدري ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬يقول‪ :‬سمعت رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪-‬‬
‫يقول‪" :‬مائة درجة في الجَّنة ما بين الدرجتين ما بين السماء واألرض‪ ،‬وأبعد مَّم ا بين السماء‬
‫واألرض" قلُت ‪ :‬يا رسول الَّله لمن؟ قال‪" :‬للمجاهدين في سبيل الَّلِه" (‪. )4‬‬
‫__________‬
‫= رباح قوله‪.‬‬
‫قال الَّدارقطني في العلل (‪" :)103 /11‬وهو أصُّح "‪.‬‬
‫(‪ )1‬تقدم ص (‪.)158 - 157‬‬
‫(‪ )2‬في "ب"‪" :‬حبان"‪ ،‬وفي "ج"‪" :‬حيان"‪ ،‬وفي "هـ"‪" :‬خباب" وكلها خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ب‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬التجيبي" وهو خطأ‪ ،‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)209 /22‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه عبد بن حميد في مسنده "المنتخب" رقم (‪ ،)920‬وابن أبي الدنيا في "صفة الجنة"‬
‫رقم (‪.)192‬‬
‫وسنده حسن‪.‬‬

‫(‪)1/159‬‬

‫الباب الثامن عشر في ذكر أعلى درجاتها واسم تلك الدرجة‬


‫روى مسلم في "صحيحه" (‪ )1‬من حديث عبد الَّله بن (‪ )2‬عمرو بن العاص ‪-‬رضي الَّله عنهما‪-‬‬
‫أَّنه سمع الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬يقول‪" :‬إذا سمعُتم المؤذن فقولوا مثَل ما يقول‪ ،‬ثَّم صُّلوا‬
‫علَّي ‪ ،‬فإَّنه من صَّلى علَّي صالًة صَّلى الَّلُه عليه بها (‪ )3‬عشًر ا‪ ،‬ثَّم سُلوا الَّلَه (‪ )4‬لي الوسيلة‪ ،‬فإَّنها‬
‫منزلٌة في الجَّنة ال تنبغي إاَّل لعبٍد من عباد الَّلِه‪ ،‬وأرجو أْن أكون أنا هو‪ ،‬فمن سأل لَي الوسيلة‬
‫حَّلْت عليه الشفاعة"‪.‬‬
‫وقال أحمد‪ :‬ثنا عبد الرزاق‪ ،‬أنبأنا سفيان‪ ،‬عن ليث عن كعب‪ ،‬عن أبي هريرة ‪-‬رضي الَّله عنه‪-‬‬
‫أَّن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إذا صليتم علَّي فاسألوا الَّله لي الوسيلة‪ ،‬قيل‪ :‬يا‬
‫رسول الَّله‪ ،‬وما الوسيلة؟ قال‪ :‬أعلى درجٍة في الجَّنة ال ينالها إاَّل رجٌل واحٌد ‪ ،‬وأرجوا أْن أكوَن‬
‫أنا هو" (‪.)5‬‬
‫هكذا الرواية‪" :‬أْن أكون أنا هو"‪ ،‬وَو ْجُهَه ا‪ :‬أْن تكون الُج ملة َخ َبًر ا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رقم (‪.)384‬‬
‫(‪ )2‬قوله‪" :‬عبد الَّله بن" سقط من جميع النسخ‪ ،‬فأثبته من مسلم‪.‬‬
‫(‪ )3‬ليست في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د"‪.‬‬
‫(‪ )4‬من صحيح مسلم‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أحمد في المسند (‪ ،)265 /2‬والترمذي رقم (‪ )3612‬وإسماعيل القاضي في فضل‬
‫الصالة رقم (‪ ،)46‬وهَّناد في الزهد رقم (‪.)147‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬هذا حديث غريب‪ ،‬إسناده ليس بالقوي‪ ،‬وكعب ليس هو بمعروف‪ ،‬وال نعلم أحًد ا‬
‫روى عنه غير ليث بن أبي سليم"‪.‬‬

‫(‪)1/160‬‬

‫عن اسم كان الُمْس َتِتر فيها‪ ،‬وال تكون "أنا" فْص اًل ‪ ،‬وال توكيًد ا‪ ،‬بل مبتدأ‪.‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪ )1‬من حديث جابر ‪-‬رضي الَّله عنهما‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله‬
‫عليه وسلم‪" :-‬من قال حي يسمع الَّنداء‪ :‬اَّللهم َّب هِذِه الدعوة الَّتاَّمة‪ ،‬والَّصالة القائمة‪ ،‬آِت‬
‫َر‬ ‫َن‬
‫َّل‬
‫محمًد ا الوسيلَة والفضيلة‪ ،‬وابعثه مقاًما محموًد ا الذي وعدته‪ ،‬ح ت (‪ )2‬له شفاعتي (‪ )3‬يوم‬
‫القيامة"‪.‬‬
‫هكذا لفظ الحديث‪" :‬مقاًم ا" بالَّتنكير ليوافق لفظ اآلية؛ وألَّنُه لَّم ا تعين وانحصر نوعه في شخصه‬
‫جرى مجرى المعرفة‪َ ،‬فُو ِص َف بما توصف به المعارف‪ ،‬وهذا ألطف (‪ِ )4‬م ْن َج ْع ِل "اَّلذي وعدته"‬
‫بداًل ‪ ،‬فتأمله‪.‬‬
‫وفي "المسند" من حديث عمارة بن َغِز َّية‪ ،‬عن موسى بن َو ْر َد ان عن أبي سعيد الخدري ‪-‬رضي‬
‫الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬الوسيلة درجٌة عند الَّلِه عَّز وجَّل‪ ،‬ليس‬
‫فوقها درجٌة‪ ،‬فسلوا الَّله لي (‪ )5‬الوسيلة" (‪. )6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري رقم (‪ )589‬و (‪ ،)4442‬ولم يخرجه مسلم في صحيحه‪.‬‬
‫(‪ )2‬وقع في "أ‪ ،‬ج‪ ،‬هـ"‪" :‬إاَّل حَّلت"‪ ،‬والمثبت من البخاري و"ب‪ ،‬د"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في جميع النسخ‪" :‬الشفاعة"‪ ،‬والمثبت من البخاري‪ ،‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪.)96 /2‬‬
‫(‪ )4‬في "ج"‪" :‬لفظ" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في المسند‪" :‬أْن يؤتيني" بدل "لي"‪.‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه أحمد في مسنده‪= .)83 /3( :‬‬

‫(‪)1/161‬‬

‫وذكره ابن أبي الدنيا وقال فيه‪" :‬درجٌة في الجَّنة ليس في الجَّنة درجة أعلى منها‪ ،‬فسُلوا الَّلَه أْن‬
‫يؤتينيها على رؤوس الخالئِق " (‪. )1‬‬
‫وقال أبو نعيم‪ ،‬أنبأنا سليمان بن أحمد‪ :‬حدثنا أحمد بن عمرو بن مسلم (‪ )2‬الخاَّل ل‪ ،‬حدثنا عبد‬
‫الَّله بن عمران العابدي (‪ ، )3‬حدثنا ُفَض يل‬
‫__________‬
‫= من طريق ابن لهيعة عن موسى بن وردان عن أبي سعيد فذكره‪.‬‬
‫قال الهيثمي‪" :‬رواه أحمد والطبراني في األوسط‪ ،‬وفيه ابن لهيعة‪ ،‬وفيه ضعف"‪ .‬مجمع الزوائد‪( :‬‬
‫‪.)332 /1‬‬
‫تنبيهان‪:‬‬
‫‪ - 1‬الحديث لم يخرجه أحمد في مسنده من طريق عمارة بن غزية‪ ،‬وإَّنما هو عند الطبراني في‬
‫األوسط‪.‬‬
‫‪ - 2‬ليس في سند الطبراني في األوسط ابن لهيعة‪ ،‬كما سيأتي‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرج ابن أبي الدنيا في "صفة الجنة" رقم (‪.)201‬‬
‫من طريق إسماعيل بن عياش عن عمارة عن موسى عن أبي سعيد فذكره‪.‬‬
‫ورواه إسماعيل بن جعفر وسعيد بن أبي أيوب عن عمارة بن غزية عن موسى عن أبي سعيد‬
‫فذكره‪.‬‬
‫أخرجه الطبراني في األوسط رقم (‪ 263‬و ‪.)1466‬‬
‫ولفظ إسماعيل بن جعفر مثله وفيه‪ . . ." :‬فسلوا الَّلَه أْن يؤتيني الوسيلة على خلقه"‪.‬‬
‫وأَّما طريُق سعيد بن أبي أيوب فضعيٌف جًّدا‪.‬‬
‫والحديث مداره على موسى بن وردان وهو تابعٌي قاص صدوق يخطئ‪ ،‬له مفاريد‪ ،‬ولعَّل هذا‬
‫منها‪ .‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال‪.)166 - 163 /29( :‬‬
‫(‪ )2‬وقع في جميع النسخ "عمرو بن سليم"‪ ،‬وجاء في نسخة على حاشية "أ"‪" :‬عمر" بداًل من‬
‫"عمرو" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬جاء في "د"‪" :‬العبادي"‪ ،‬وفي "ب"‪" :‬العايدي"‪ .‬انظر‪ :‬األنساب للسمعاني =‬

‫(‪)1/162‬‬

‫ابن ِع َياض عن منصور عن إبراهيم عن األسود عن عائشة ‪-‬رضي الَّله عنها‪ -‬قالت‪ :‬جاء رجٌل إلى‬
‫الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬فقال‪ :‬يا رسول الَّله‪ ،‬والَّلِه إَّنك ألحٌّب إلَّي من نفسي‪ ،‬وإَّنك‬
‫ألحب إلَّي من أهلي‪ ،‬وأحُّب إلَّي من ولدي‪ ،‬وإِّني ألكون في البيت‪ ،‬فأذكرك فما أصبر حَّتى آتيك‬
‫فأنظَر إليك‪ ،‬وإذا ذكرُت موتي وموتك؛ عرفُت أَّنك إذا دخلت الجَّنة ُر فعَت مع النبيين‪ ،‬وإَّني إذا‬
‫دخلُت الجَّنة خشيُت أْن ال أراَك ‪ .‬فلم يرَّد عليه (‪ )1‬الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬حتى نزل‬
‫ِم ِب‬ ‫َّلِذ‬ ‫ِئ‬ ‫ِط‬
‫جبريل بهذه اآلية‪َ{ :‬و َمْن ُي ِع الَّلَه َو الَّر ُس وَل َفُأوَل َك َمَع ا يَن َأْنَعَم الَّلُه َعَلْيِه ْم َن الَّن ِّييَن‬
‫َو الِّص ِّديِق يَن َو الُّش َه َد اِء َو الَّصاِلِح يَن َو َح ُسَن ُأوَلِئَك َر ِفيًق ا (‪[ } )69‬النساء‪." )2( ]69 :‬‬
‫__________‬
‫= (‪.)107 /4‬‬
‫(‪ )1‬ليس في "ج"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبراني في األوسط رقم (‪ ،)477‬وفي الصغير رقم (‪ ،)52‬وأبو نعيم في "الحلية"‪:‬‬
‫(‪ )240 - 239 /4‬و (‪ )125 /8‬والواحدي في أسباب النزول ص (‪ ،)66‬وغيرهم‪.‬‬
‫قال الطبراني‪" :‬لم يروه عن منصور عن إبراهيم‪ ،. .‬إاَّل فضيل‪ ،‬تفَّر د به عبد الَّله بن عمران"‪.‬‬
‫وقال أبو نعيم‪" :‬غريب من حديث فضيل ومنصور مَّتصاًل ‪ ،‬تفَّر د به العابدي فيما قاله سليمان"‪.‬‬
‫وقال أيًض ا‪" :‬هذا حديث غريب من حديث منصور وإبراهيم‪ ،‬تفَّر د به فضيل وعنه العابدي"‪.‬‬
‫قلُت ‪ :‬العابدي صدوق‪ ،‬قاله أبو حاتم‪" ،‬الجرح"‪ ،)130 /5( :‬لكن يخشى من خطئه‪.‬‬
‫فقد رواه جرير وزائدة بن قدامة وعبيدة بن حميد كلهم عن منصور عن أبي الضحى مسلم بن‬
‫ُصبيح عن مسروق فذكره مرساًل بنحوه‪= .‬‬

‫(‪)1/163‬‬

‫قال الحافظ أبو عبد الَّله المقدسي‪" :‬ال أعلم بإسناد هذا الحديث بأًس ا"‪.‬‬
‫وُس ِّم يت درجة الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬الوسيلة؛ ألَّنها أقرب الدرجات إلى عرش الرب (‬
‫‪ )1‬تبارك وتعالى‪ ،‬وهي أقرب الدرجات إلى الَّلِه‪.‬‬
‫وأصل اشتقاق لفظ‪" :‬الوسيلة" من الُقْر ب‪ .‬وهي َفِعيَلة‪ِ :‬م ْن َو َس َل إليه‪ :‬إذا تقَّر ب إليه‪.‬‬
‫قال َلبْيد‪:‬‬
‫بلى كُّل ذي رأٍي إلى الَّلِه واسُل (‪)2‬‬
‫ومعنى الوسيلة‪ :‬من الُو ْص َلة‪ ،‬ولهذا كانت أفضل الجَّنة وأشرفها‪ ،‬وأعظمها نوًر ا‪.‬‬
‫قال صالح بن عبد الكريم‪ :‬قال لنا ُفَض يل بن ِع َياض‪ :‬تدرون ِلَم حسنت الجَّنة؟ ألَّن عرش رب‬
‫العالمين سقفها (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫= أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (‪ )997 /3‬رقم (‪ ،)577‬والواحدي في "أسباب النزول" ص‬
‫(‪ ،)165‬وابن أبي شيبة في "المصنف" (‪ )328 /6‬رقم (‪ )31765‬وغيرهم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ولعل المرسل أشبه بالصواب‪ ،‬وقد وردت عدة مراسيل بنحو ذلك‪ :‬عن سعيد بن جبير‬
‫وعكرمة وقتادة والربيع‪.‬‬
‫(‪ )1‬في "ب"‪" :‬الرحمن"‪.‬‬
‫(‪ * )2‬ديوان لبيد ص (‪.* )256‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الخطيب في تاريخه (‪.)312 /9‬‬

‫(‪)1/164‬‬
‫وقال الحكم بن أبان‪ :‬عن عكرمة عن ابن عباس ‪-‬رضي الَّله عنهما‪" :-‬نور سقف مساكنهم نوُر‬
‫عرشه" (‪. )1‬‬
‫وقال بكر (‪ )2‬عن أشعث عن الحسن‪" :‬إَّنما ُس ِّم يت َعْد ن؛ ألَّن فوقها العرش‪ ،‬ومنها (‪ )3‬تفَّج ر‬
‫أنهار الجَّنة‪ ،‬وللحور الَعْد ِنَّية الفضُل على سائر الحور (‪. )5( " )4‬‬
‫والُقْر َبى والُّز ْلَف ى‪ :‬واحد‪ ،‬وإْن كان في الوسيلة معنى التقرب إليه بأنواع الوسائل‪.‬‬
‫قال الكلبي‪" :‬واطلبوا إليه القربة باألعمال الصالحة" (‪. )6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي الدنيا في "صفة الجَّنة" رقم (‪ )22‬وأوله‪" :‬إذا سكن أهل الجَّنِة الجَّنة‪ :‬نَّو ر‪. .‬‬
‫‪." .‬‬
‫وسنده ضعيٌف ‪ ،‬فيه حفص بن عمر العدني والحكم بن أبان‪ ،‬وهما ضعيفان‪.‬‬
‫انظر‪" :‬تهذيب الكمال"‪ 44 - 41 /7( :‬و ‪.)88 - 86‬‬
‫(‪ )2‬في "أ"‪" :‬بكر بن أشعث"‪ ،‬وفي باقي النسخ "بكر عن أشعث"‪ ،‬وعند ابن أبي الدنيا "مروان‬
‫بن بكير"‪ ،‬ويحتمل أَّنه "بكر بن ُخَنيس"‪ ،‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)265 /3‬‬
‫(‪ )3‬في "هـ"‪" :‬وفيها"‪.‬‬
‫(‪ )4‬قوله‪" :‬على سائر الحور" ليس في "ج"‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه ابن أبي الدنيا في "صفة الجَّنة" رقم (‪.)23‬‬
‫وفيه أشعث بن سوار الكندي‪ ،‬وهو ضعيف‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)266 - 264 /3‬‬
‫(‪ )6‬انظر الوسيط للواحدي (‪.)183 /2‬‬

‫(‪)1/165‬‬

‫ِإ‬ ‫ِئ َّلِذ‬


‫وقد كشف سبحانه عن هذا المعنى كَّل الكشف بقوله‪ُ{ :‬أوَل َك ا يَن َيْد ُعوَن َيْبَتُغوَن َلى َر ِّبِه ُم‬
‫اْلَو ِس يَلَة َأُّيُه ْم َأْقَر ُب } [اإلسراء‪ ]57 :‬فقوله‪َ{ :‬أُّيُه ْم َأْقَر ُب }‪ ،‬هو تفسير للوسيلة (‪ )1‬التي (‪)2‬‬
‫يبتغيها هؤالء اَّلذين يدعونهم المشركون من دون الَّلِه‪َ ،‬فُيَناِفُس ون (‪ )3‬في القرب منه‪.‬‬
‫ولَّم ا كان رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬أعظم الخلق عبوديًة لربه‪ ،‬وأعلمهم به‪ ،‬وأشَّدهم له‬
‫َّلِه‬
‫خشية‪ ،‬وأعظمهم له محبة؛ كانت منزلته أقرب المنازل إلى ال ‪ ،‬وهي أعلى درجة في الجَّنة‪ ،‬وأمَر‬
‫‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ُ -‬أَّمَتُه أْن يسألوها له لينالوا بهذا الدعاء الزلفى من الَّلِه‪ ،‬وزيادة اإليمان‪.‬‬
‫وأيًض ا فإَّن الَّله سبحانه قَّدرها له بأسباب‪ ،‬منها‪ :‬دعاء أَّمته له بها (‪ )4‬بما نالوه على يده من‬
‫اإليمان والهدى‪ ،‬صلوات الَّلِه وسالمه عليه‪.‬‬
‫فقوله‪" :‬حلت عليه" (‪ُ )5‬يْر َو ى‪" :‬عليه" و"له"‪ ،‬فمن رواه باَّلالم فمعناُه‪ :‬حصلت له‪ .‬ومن رواه‬
‫ِبَعَلى فمعناُه‪ :‬وقعت عليه شفاعتي‪ ،‬والَّلُه أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬ج"‪" :‬الوسيلة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬الذي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ظ‪ ،‬م‪ ،‬ج"‪" :‬فيتنافسون"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د"‪" :‬لربها بما نالوه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تقدم ص (‪ 160‬و ‪.)161‬‬

‫(‪)1/166‬‬

‫الباب التاسع عشر في عرض الَّر ِّب تعالى سلعته (‪ )1‬الجَّنة على عباده وثمنها اَّلذي طلبه منهم‬
‫وعقد التبايع اَّلذي وقع بين المؤمنين وبين رِّبهم‬
‫َأ اَل ِبَأَّن َل اْل َّنَة َق اِتُلوَن ِفي ِبيِل الَّلِه‬ ‫ِم ِن‬ ‫ِم‬
‫َس‬ ‫ُه ُم َج ُي‬ ‫قال تعالى‪ِ{ :‬إَّن الَّلَه اْش َتَر ى َن اْلُم ْؤ يَن َأْنُفَس ُه ْم َو ْم َو ُه ْم‬
‫َأ َفى ِب ْه ِدِه ِم الَّلِه‬ ‫ِن‬ ‫ِة ِج‬ ‫ِه ِف‬
‫َن‬ ‫َفَيْق ُتُلوَن َو ُيْق َتُلوَن َو ْعًد ا َعَلْي َح ًّق ا ي الَّتْو َر ا َو اِإْل ْن يِل َو اْلُقْر آ َو َمْن ْو َع‬
‫َفاْس َتْبِش ُر وا ِبَبْيِعُك ُم اَّلِذ ي َباَيْعُتْم ِبِه َو َذِلَك ُه َو اْلَف ْو ُز اْلَعِظ يُم} [التوبة‪.]111 :‬‬
‫فجعل سبحانه الجَّنة ثمًنا لنفوس المؤمنين وأموالهم‪ ،‬بحيث إذا بذلوها فيه استحُّق وا الَّثمن‪ ،‬وَعَق َد‬
‫معهم هذا العقَد ‪ ،‬وأَّك دُه بأنواع التأكيد‪ :‬أحدها‪ :‬إخباُر ُه سبحانه بصيغة الخبر المؤَّك د بأداة إَّن ‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬اإلخباُر بذلك بصيغة الفعل الماضي‪ ،‬اَّلذي قد (‪ )2‬وقع وثبت واستقر‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬إضافة هذا العقد (‪ )3‬إلى نفسه سبحانه وأَّنه هو اَّلذي اشترى هذا المبيع‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "أ‪ ،‬ج‪ ،‬هـ"‪" :‬سلعة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ليس في "أ"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ب"‪" :‬الفعل"‪.‬‬

‫(‪)1/167‬‬

‫الَّر ابع‪ :‬أَّنه أخبر بأَّنه وعد بتسليم هذا الثمن َو ْعًد ا ال ُيْخ ِلُفُه وال يتركه‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬أَّنه أتى بصيغة "على" التي للوجوب‪ ،‬إعالًم ا لعباده‪ ،‬بأَّن ذلك حٌّق عليه‪ ،‬أَح َّق ه هو على‬
‫نفسه‪.‬‬
‫السادس‪ :‬أَّنه أَّك د ذلك بكونه حًّق ا عليه‪.‬‬
‫السابع‪ :‬أَّنه أخبر عن محل هذا الوعد‪ ،‬وأَّنه في (‪ )1‬أفضل كتبه المنزلة من السماء‪ ،‬وهي‪ :‬التوراة‬
‫واإلنجيل والقرآن‪.‬‬
‫الثامن‪ :‬إعالمه لعباده بصيغة استفهام اإلنكار‪ ،‬وأَّنه ال أحد أوفى بعهده منه سبحانه‪.‬‬
‫التاسع‪ :‬أَّنه سبحانه أمرهم أْن َيْبشروا بهذا العقد‪ ،‬وُيبِّش ر به بعضهم بعًض ا بشارة من قد تَّم له‬
‫العقد ولزم‪ ،‬بحيث ال يثبت فيه خيار‪ ،‬وال يعرض له ما يفسخه‪.‬‬
‫العاشر‪ :‬أَّنه أخبرهم إخباًر ا يؤِّك د (‪ )2‬بأَّن ذلك البيع اَّلذي بايعوا به هو الفوز العظيم‪ ،‬والبيع ها‬
‫هنا‪ :‬بمعنى الَم ِبيع اَّلذي أخذوه بهذا الثمن‪ ،‬وهو الجَّنة‪.‬‬
‫وقوله‪َ{ :‬باَيْعُتْم ِبِه } أي‪ :‬عاوضتم وثامنتم به‪.‬‬
‫ثَّم ذكر سبحانه أهل هذا العقد الذين وقع العقد وتَّم لهم دون‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ليس في "أ‪ ،‬ج"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب‪ ،‬د‪ ،‬هـ" ونسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬مؤَّك ًد ا"‪.‬‬

‫(‪)1/168‬‬

‫غيرهم‪ ،‬وهم‪:‬‬
‫‪{ -‬الَّتاِئُبوَن } مما يكره‪.‬‬
‫‪{ -‬اْلَعاِبُد وَن } له بما يحب‪.‬‬
‫‪{ -‬اْلَح اِم ُد وَن } له على ما يحبون وما يكرهون‪.‬‬
‫‪{ -‬الَّس اِئُح وَن } وُفِّس رت الِّس ياحة‪ :‬بالصيام‪ ،‬وُفِّس رت‪ :‬بالسفر في طلب العلم‪ ،‬وُفِّس رت‪:‬‬
‫بالجهاد‪ ،‬وُفِّس رت‪ :‬بدوام الطاعة‪.‬‬
‫والتحقيق فيها‪ :‬أَّنها سياحة القلب في ذكر الَّله ومحبته واإلنابة إليه والشوق إلى لقائه‪ ،‬ويترتب‬
‫عليها كل ما ذكر من األفعاِل ‪ ،‬وكذلك وصف نساء الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬اَّلالتي لو طلق‬
‫أزواجه بَّدله بهن‪ ،‬بأَّنهَّن {َس اِئَح اٍت } [التحريم‪ ]5 :‬وليست سياحتهن جهاًدا‪ ،‬وال سفًر ا في طلب‬
‫العلم‪ ،‬وال إدامة صيام‪ ،‬وإَّنما هي سياحة قلوبهَّن في محبة الَّله وخشيته واإلنابة إليه وذكره‪.‬‬
‫وتأَّمل كيف جعل سبحانه التوبة والعبادة قرينين‪ :‬هذه ترك ما يكره‪ ،‬وهذه فعل ما يحب‪ .‬والحمد‬
‫والسياحة قرينين‪ :‬هذا الثناء عليه بأوصاف كماله‪ ،‬وسياحة اللسان في أفضل ذكره‪ ،‬وهذا سياحة‬
‫القلب في ُح َّبه وذكره وإجالله‪.‬‬
‫كما جعل سبحانه العبادة والسياحة قرينين في صفة األزواج‪ :‬فهذه عبادة البدن‪ ،‬وهذه عبادة‬
‫القلب‪.‬‬
‫وجعل اإلسالم واإليمان قرينين‪ :‬فهذا عالنية‪ ،‬وهذا في القلب؛‬

‫(‪)1/169‬‬

‫كما في "المسند" عنه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬اإلسالم عالنية‪ ،‬واإليمان في القلِب " (‪. )1‬‬
‫وجعل القنوت والتوبة قرينين‪ :‬فهذا فعل ما يحب‪ ،‬وهذا ترُك ما يكره‪.‬‬
‫وجعل الُّثيوبة والَبَك ارة قرينين‪ ،‬فهذه قد وطئت وارتاضْت وُذِّللت صعوبتها‪ ،‬وهذه َرْو َض ة ُأُنٌف (‬
‫‪ )2‬لم ُيرتع فيها بعد‪.‬‬
‫وجعل الركوع والسجود قرينين‪ ،‬وجعل األمر بالمعروف والنهي عن المنكر قرينين‪ ،‬وأدخل‬
‫بينهما الواو دون ما تقدم إعالًم ا بأَّن أحدهما ال يكفي حتى يكون مع اآلخر‪ ،‬وجعل ذلك قريًنا‬
‫لحفظ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في المسند‪ ،)135 /3( :‬وابن أبي شيبة في "المصنف"‪ )159 /6( :‬رقم (‬
‫‪ ،)30310‬وفي اإليمان رقم (‪ ،)6‬وأبو يعلى في "مسنده"‪ ،)302 - 301 /5( :‬والعقيلي في‬
‫"الضعفاء الكبير"‪ )250 /3( :‬وابن عدي في "الكامل"‪ ،)207 /5( :‬وابن حبان في‬
‫"المجروحين"‪ )111 /2( :‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق علي بن مسعدة عن قتادة عن أنس فذكره‪.‬‬
‫والحديث منكر‪ ،‬تفَّر د به علي بن مسعدة عن قتادة‪ ،‬وعلي بن مسعدة فيه ضعف‪ ،‬والحديث عَّده‬
‫العقيلي وابن عدي وابن حبان من منكرات علي بن مسعدة‪ ،‬بل قال ابن عدي‪" :‬ولعلي بن مسعدة‬
‫غير ما ذكرت عن قتادة‪ ،‬وكلها غير محفوظة" قلت‪ :‬كحديث‪" :‬كل بني آدم خَّطاء‪ ،‬وخير‬
‫الخطائين التوابون" عند الترمذي برقم (‪ )2499‬وغيره‪.‬‬
‫وقال‪" :‬غريٌب ال نعرفه إاَّل من حديث علي بن مسعدة"‪ ،‬وجعله ابن عدي وابن حبان من منكراته‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال‪.)132 - 129 /21( :‬‬
‫(‪ )2‬قال الجوهري في "الصحاح"‪" :)1022 /2( :‬وروضة ُأُنف‪ ،‬بالضم‪ ،‬أي لم َيْر عَه ا أحد"‪.‬‬

‫(‪)1/170‬‬

‫حدوده‪ ،‬فهذا ِح ْفُظها في نفس اإلنسان‪ ،‬وذاك (‪ )1‬أمُر غيِر ِه بحفظها‪ .‬وأفهمت اآلية‪ :‬خطر النفس‬
‫اإلنسانية وشرفها‪ ،‬وعظم مقدارها‪ ،‬فإَّن السلعة إذا خفي عليك قدرها فانظر إلى المشتري لها من‬
‫هو‪ ،‬وانظر إلى الثمن المبذول فيها ما هو؟ وانظر إلى من جرى على يده عقد التبايع‪ ،‬فالِّس لعة‪:‬‬
‫النفس‪ ،‬والَّلُه سبحانه‪ :‬المشتري لها‪ ،‬والثمن‪ :‬جَّنات النعيم‪ ،‬والَّس ِف ْير في هذا العقد‪ :‬خير خلقه من‬
‫المالئكة وأكرمهم عليه‪ ،‬وخيرهم من البشِر وأكرمهم عليه‪.‬‬
‫قد هيؤوَك َألمٍر لو َفِط ْنَت له ‪ ...‬فاْر بْأ ِبنفِس َك َأْن َتْر َعى َمَع الَه َم ِل (‪)2‬‬
‫وفي "جامع الترمذي" من حديث أبي هريرة ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله‬
‫عليه وسلم‪" :-‬من خاَف أدلج‪ ،‬ومن أدَل بلَغ المنزَل ‪ ،‬أاَل إَّن سلعَة الَّلِه غاليٌة‪ ،‬أاَل إَّن سلعَة الَّلِه‬
‫َج‬
‫الجَّنة" (‪ . )3‬قال‪" :‬هذا حديٌث حسن غريب"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "أ"‪" :‬ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )2‬البيت للطغرائي في "المية العجم"‪.‬‬
‫انظر‪" :‬الغيث المسجم في شرح المية العجم" للصفدي‪ )438 /2( :‬وفيه "رَّش ُح وك" بدل‬
‫"هَّيؤوك"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الترمذي رقم (‪ ،)2450‬والبخاري في تاريخه (‪ )111 /2‬والعقيلي في "الضعفاء‬
‫الكبير"‪ )383 /4( :‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق يزيد بن سنان الرهاوي عن بكير بن فيروز عن أبي هريرة‪:‬‬
‫والحديث منكٌر بهذا اإلسناد‪ ،‬تفَّر د به يزيد بن سنان أبو فروة الرهاوي وهو ضعيف‪.‬‬
‫ولهذا قال الترمذي‪" :‬حسٌن غريب‪." . .‬‬
‫وقد جاء هذا المتن من حديث ُأبِّي بن كعب عند أبي نعيم في "الحلية"‪= :‬‬

‫(‪)1/171‬‬

‫وفي كتاب "صفة الجَّنة" ألبي نعيم من حديث أبان‪ ،‬عن أنس ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬جاء أعرابي‬
‫إلى رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬فقال‪ :‬ما ثمن الجَّنة؟ قال‪" :‬ال إله إاَّل الَّله" (‪. )1‬‬
‫وشواهد هذا الحديث كثيرٌة جًّدا‪.‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪ )2‬من حديث أبي هريرة ‪-‬رضي الَّله عنه‪" :-‬أَّن أعرابًّيا جاء إلى رسول الَّلِه‬
‫‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬فقال‪ :‬يا رسول الَّله‪ُ ،‬دَّلني على عمٍل إذا عملته دخلُت الجَّنة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫"تعبد الَّله ال تشرُك به شيًئا‪ ،‬وتقيُم الصالة المكتوبة‪ ،‬وتؤتي الزكاة المفروضة‪ ،‬وتصوُم رمضان"‬
‫قال‪" :‬واَّلذي‬
‫__________‬
‫= (‪ ،)377 /8‬والحاكم في المستدرك‪ )343 /4( :‬رقم (‪ ،)7852‬من طريق وكيع وعبد الَّله‬
‫بن الوليد العدني عن الثوري عن عبد الَّله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن ُأبي عن أبيه ُأبي بن‬
‫كعب فذكره‪ ،‬وفيه زيادة‪.‬‬
‫قال أبو نعيم‪" :‬غريب تفَّر د به وكيع عن الثوري بهذا اللفظ"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الراوي عن وكيع هو يحيى بن إسماعيل الواسطي‪ ،‬وقد خالفه اإلمام أحمد وأبو كريب‬
‫وعبد الَّله بن هاشم العبدي وغيرهم كلهم رووه عن وكيع به بدون زيادة هذا المتن "من خاف‬
‫أدلج‪ ،" . .‬وإنما بلفظ‪" :‬جاءت الراجفة تتبعها الَّر ادفة‪." . . .‬‬
‫وأَّم ا رواية العدني فلم يتابع عليه‪ ،‬فلم يروه من أصحاب الثوري إاَّل هو‪ ،‬ووكيع "في الرواية‬
‫المرجوحة عنه"‪ .‬والحديث صححه الترمذي‪ ،‬وليس فيه هذا المتن‪.‬‬
‫والحديث مدارُه على ابن عقيل‪ ،‬وفيه لين‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو نعيم في "صفة الجَّنة"‪ ،‬رقم (‪.)51‬‬
‫وإسناده واٍه جًّدا‪ ،‬فيه محمد بن مروان السدي‪ :‬متهٌم بالكذب‪ ،‬وأَّم ا أسيد بن زيد‪ ،‬وأبان‬
‫فمتروكان‪.‬‬
‫انظر‪ :‬ميزان االعتدال‪.)419 ،124 /1( :‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)1333‬ومسلم رقم (‪.)14‬‬

‫(‪)1/172‬‬

‫نفسي بيده ال أزيُد على هذا شيًئا أبًد ا وال أنقُص منه‪ ،‬فلَّم ا وَّلى قال‪" :‬من سَّر ُه أْن ينظَر إلى رجٍل‬
‫من أهل الجَّنة فلينظر إلى هذا"‪.‬‬
‫وفي "صحيح مسلم" (‪ )1‬عن جابر ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬أتى النعمان بن َقْو َقل إلى رسول الَّله‬
‫‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬فقال‪ :‬يا رسول الَّلِه أرأيت إذا صليت المكتوبة‪ ،‬وحَّر مت الحرام‪،‬‬
‫وأحللُت الحالل‪ ،‬أدخل الجَّنة؟ فقال الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬نعم"‪.‬‬
‫وفي "صحيح مسلم" (‪ )2‬عن عثمان بن عفان ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله‬
‫عليه وسلم‪" :-‬من ماَت وهو يعلُم أن ال إله إاَّل الَّله دخَل الجَّنة"‪.‬‬
‫وفي "المسند" و"سنن أبي داود" عن معاذ بن جبل ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬سمعت رسول الَّله ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬يقوُل ‪" :‬من كاَن آخُر كالمه‪ :‬ال إله إاَّل الَّله‪ ،‬دخل الجَّنة" (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رقم (‪.)15‬‬
‫(‪ )2‬رقم (‪.)26‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود رقم (‪ )3116‬وأحمد في المسند (‪ ،)234 /5‬والطبراني في الكبير (‪/3‬‬
‫‪ )271 - 270‬رقم (‪ ،)1373 - 1372‬والبزار في مسنده (‪ )77 /7‬رقم (‪،)2626 ،2625‬‬
‫والحاكم (‪ )503 /1‬رقم (‪ )1299‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق صالح بن أبي عريب عن كثير بن ُمَّر ة عن معاذ فذكره‪.‬‬
‫وفيه صالح بن أبي ُعريب‪ ،‬ذكره ابن حبان في الثقات‪ ،‬وروى عنه جماعة‪ ،‬وقال ابن القطان‪" :‬ال‬
‫تعرف حاله"‪.‬‬
‫انظر‪" :‬تهذيب الكمال"‪ ،)73 /13( :‬و"بيان الوهم واإليهام"‪.)206 /2( :‬‬
‫والحديث صحح إسناده الحاكم‪.‬‬
‫وللحديث شاهد عن أبي هريرة‪ :‬مرفوًعا‪ ،‬والصحيح موقوف‪ .‬وعن ابن =‬

‫(‪)1/173‬‬

‫وفي "الصحيحين" (‪ )1‬عن أبي ذٍّر ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪" :-‬أتاني آٍت من ربي فأخبرني ‪-‬أو قال‪ -‬فبشرني أَّنه من ماَت من أمتك ال يشرك بالَّلِه‬
‫شيًئا دخل الجَّنة‪ ،‬قلُت ‪ :‬وإن زنى وإْن سرق؟ قال‪ :‬وإْن زنى وإن سرق"‪.‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪ )2‬من حديث عبادة بن الصامت قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪" :-‬من قال‪ :‬أشهُد أْن ال إله إاَّل الَّله وحده ال شريك له‪ ،‬وأَّن محمًد ا عبُدُه ورسوله‪ ،‬وأَّن‬
‫عيسى عبُد الَّلِه ورسوله‪ ،‬وكلمته ألقاها إلى مريم وروٌح منه‪ ،‬وأَّن الجَّنة حٌّق‪ ،‬وأَّن الَّنار حٌّق‪،‬‬
‫أدخلُه الَّلُه من أِّي أبواب الجَّنة الثمانية شاء"‪.‬‬
‫وفي لفٍظ ‪" :‬أدخله الَّلُه الجَّنة على ما كان من عمل" (‪. )3‬‬
‫وفي "صحيح مسلم" (‪" : )4‬أَّن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬أعطى أبا هريرة نعليه فقال‪:‬‬
‫"اذهْب بنعلَّي هاتين‪ ،‬فمن لقيَت من وراء هذا الحائط يشهد أن ال إله إاَّل الَّله مستيقًنا بها قلُبُه‪،‬‬
‫فبِّش ره بالجَّنة"‪.‬‬
‫وقال روح بن عبادة عن حبيب بن الشهيد عن الحسن قال‪:‬‬
‫__________‬
‫= مسعود‪ :‬وسنده ضعيف‪ .‬وعن عبد الَّله بن جعفر‪ :‬موقوًفا وفيه رجل مبهم‪.‬‬
‫انظر‪ :‬علل الَّدارقطني (‪ ،)241 - 238 /11‬و"بيان الوهم واإليهام"‪ )205 /2( :‬مع الحاشية‪.‬‬
‫(‪ )1‬البخاري رقم (‪ ،)1180‬ومسلم رقم (‪.)94‬‬
‫(‪ )2‬البخاري رقم (‪ ،)3252‬ومسلم رقم (‪.)28‬‬
‫(‪ )3‬راجع المصدرين السابقين‪.‬‬
‫(‪ )4‬رقم (‪.)31‬‬

‫(‪)1/174‬‬
‫"ثمُن الجَّنة ال إله إاَّل الَّله" (‪)1‬‬
‫وروى أبو نعيم‪ :‬من حديث أبي الزبير‪ ،‬عن جابر ‪ -‬رضي الَّلُه عنه ‪ -‬سمعُت رسول الَّله ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪ -‬يقول‪" :‬ال ُيْد ِخ ُل أحًد ا منكم عمله الجَّنة‪ ،‬وال يجيره من الَّنار‪ ،‬وال أنا إاَّل بتوحيد‬
‫الَّله" (‪. )2‬‬
‫وإسناُده على شرط مسلم‪ ،‬وأصل الحديث في الصحيح‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (‪ ،)529 /13‬وأبو نعيم في "صفة الجنة" رقم (‪،)50‬‬
‫وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪.)52‬‬
‫من طريق زكريا الساجي عن سلمة بن شبيب عن الحسن بن أعين عن معقل بن عبيد الَّله عن أبي‬
‫الزبير عن جابر فذكره‪.‬‬
‫وأخرجه مسلم في صحيحه رقم (‪ )2817‬عن سلمة بن شبيب به بمثله إاَّل أَّنه قال‪" :‬برحمة من‬
‫الَّله" بداًل من "بتوحيد الَّله"‪.‬‬
‫‪ -‬ورواه ابن لهيعة عن أبي الزبير به بمثل لفظ مسلم‪.‬‬
‫أخرجه أحمد (‪.)394 /3‬‬
‫‪ -‬ورواه األعمش عن أبي سفيان عن جابر بلفظ‪" :‬قاربوا وسَّددوا‪ ،‬فإَّنه ليس أحٌد منكم ينجيه‬
‫عمله‪ ،‬قالوا‪ :‬وال إَّياك يا رسول الَّلِه؟ قال‪ :‬وال إَّياَي ‪ ،‬إاَّل أْن يتغمدني الَّلُه برحمته"‪.‬‬
‫أخرجه مسلم (‪ )2817‬وأحمد (‪ )337 /3‬وغيرها‪.‬‬
‫وعليه فلفظة "بتوحيد الَّله" شاذة والَّله أعلم‪.‬‬

‫(‪)1/175‬‬

‫فصل‬
‫وها هنا أمٌر يجب التنبيه عليه وهو‪ :‬أَّن الجَّنة إنما ُتْد َخ ُل برحمة الَّله‪ ،‬وليس عمل العبد مستقاًّل‬
‫بدخولها وإن كان سبًبا‪ ،‬ولهذا أثبت الَّله تعالى دخولها باألعمال في قوله‪ِ{ :‬بَم ا ُك ْنُتْم َتْع َم ُلوَن (‬
‫‪[ })8‬العنكبوت‪ ،]8 :‬ونفى رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬دخلوها باألعمال في قوله‪" :‬لْن‬
‫يدخل أحٌد منكم الجَّنة بعملِه" (‪.)1‬‬
‫وال تنافي بين األمرين لوجهين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬ما ذكره سفيان وغيره قال‪" :‬كانوا يقولون‪ :‬النجاة من النار بعفو الَّله‪ ،‬ودخول الجَّنة‬
‫برحمتِه ‪ ،‬واقتسام المنازل والدرجاِت باألعمال" (‪.)2‬‬
‫ويدل على هذا حديث أبي هريرة ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬اَّلذي سيأتي إْن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري في تاريخه الكبير (‪ ،)239 /4‬والطبراني في "الكبير"‪ 239 /7( :‬و ‪)370‬‬
‫وأبو نعيم في "المعرفة" رقم (‪ )3734‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق زياد بن عالقة عن شريك بن طارق فذكره‪.‬‬
‫والحديث إلى زياد بن عالقة ثابت‪ ،‬لكن شريك مختلٌف في صحبته‪.‬‬
‫انظر‪" :‬اإلنابة إلى معرفة المختلف فيهم من الصحابة"‪ ،)285 - 284 /1( :‬و"اإلصابة"‪/3( :‬‬
‫‪.)207 - 206‬‬
‫وأصح منه ما جاء عند مسلم رقم (‪ )2816‬من حديث أبي هريرة وفيه "‪ . . .‬واعلموا أنه لن‬
‫ينجَو أحٌد منكم بعمله‪." . . .‬‬
‫(‪ )2‬لم أقف عليه‪ ،‬وذكر ابن الجوزي في "كشف المشكل من حديث الصحيحين"‪/3( :‬‬
‫‪ . . ." :)110‬أَّنُه قد روي في بعض األحاديث أَّن نفَس دخول الجَّنة بالرحمة‪ ،‬واقتسام الدرجات‬
‫باألعمال‪." . .‬‬

‫(‪)1/176‬‬

‫شاء الَّلُه (‪" ، )1‬أَّن أهل الجَّنة إذا دخلوها‪ ،‬نزلوا فيها بفضل أعمالهم" (‪ , )2‬رواه الترمذي‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أَّن الباء التي َنَف ِت الدخول هي باء المعاوضة التي يكون‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في الباب (‪ )60‬ص (‪.)573 - 571‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الترمذي برقم (‪ ،)2549‬وابن ماجه برقم (‪ ،)4336‬والعقيلي في "الضعفاء الكبير"‪:‬‬
‫(‪ ،)41 /3‬وابن أبي عاصم في "السنة" رقم (‪ ،)585‬وابن حبان في صحيحه (‪)7438 /16‬‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق هشام بن عمار عن عبد الحميد بن أبي العشرين عن األوزاعي عن حسان بن عطية عن‬
‫سعيد بن المسيب عن أبي هريرة فذكره مطواًل ‪.‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬هذا حديث غريب ال نعرفه إاَّل من هذا الوجه"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وسبب ضعفه تفَّر د عبد الحميد بن أبي العشرين ‪-‬وهو صدوٌق يخطئ‪ -‬عن األوزاعي بهذا‬
‫اإلسناد‪ ،‬والمحفوُظ عن األوزاعي ما رواه أبو المغيرة عبد القدوس‪ ،‬والوليد بن مزيد‪ ،‬والهقل بن‬
‫زياد عن األوزاعي قال‪ :‬أنبئُت أَّن سعيد بن المسيب به فذكره‪.‬‬
‫أخرجه اإلمام أحمد كما في مسائل أبي داود ص (‪ ،)294‬وابن عساكر في تاريخه (‪- 52 /34‬‬
‫‪ ،)53‬وابن حبيب في "وصف الفردوس" رقم (‪ ،)171‬وابن أبي الدنيا في "صفة الجَّنة" رقم (‬
‫‪ ،)256‬وسيأتي في الباب رقم (‪.)60‬‬
‫وهذا هو الصحيح‪.‬‬
‫وهناك اختالفاٌت أخرى في هذا الحديث‪ .‬راجع‪ :‬تاريخ دمشق البن عساكر (‪.)55 - 51 /34‬‬
‫وعلل الدارقطني (‪ ،)276 - 275 /7‬وفوائد تمام (الروض البسام (‪)241 - 236 /5‬‬
‫والضعفاء الكبير للعقيلي (‪.)42 /3‬‬
‫وعليه فالحديث ضعيف اإلسناد لجهل الواسطة بين األوزاعي وسعيد بن المسيب‪.‬‬

‫(‪)1/177‬‬

‫فيها أحد الِعَو ضين مقاباًل لآلخر‪ ،‬والباء التي أثبتت الدخول هي باء الَّس ببية التي تقتضي َسَبِبَّية ما‬
‫دخلت عليه لغيره‪ ،‬وإْن لم يكن مستقاًّل بحصوله‪ ،‬وقد جمع الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬بين‬
‫األمرين في قوله‪" :‬سِّددوا وقاربوا وابشروا‪ ،‬واعلموا أَّن أحًد ا منكم لن ينجَو بعمله‪ .‬قالوا‪ :‬وال‬
‫أنَت يا رسوَل الَّلِه؟ قال‪ :‬وال أنا إاَّل أْن يتغمدني الَّله برحمته" (‪. )1‬‬
‫ومن عرف الَّله سبحانه‪ ،‬وَش ِه َد َمْش هد حِّق ه عليه‪ ،‬ومشهد (‪ )2‬تقصيره وذنوبه‪ ،‬وأبصَر هذين‬
‫المشهدين بقلبه عرف ذلك وجزم به (‪ ، )3‬والَّله سبحانه وتعالى المستعان‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم برقم (‪ )2816‬من حديث أبي هريرة رضي الَّله عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب‪ ،‬د"‪" :‬وشهد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬وقع في "ب"‪" :‬وخبره وجزم به"‪.‬‬

‫(‪)1/178‬‬
‫الباب العشرون في طلب أهل الجَّنة لها من رِّبهم‪ ،‬وطلبها لهم‪ ،‬وشفاعتها فيهم إلى ربها عَّز وجَّل‬
‫قال تعالى حكايًة عن أولي األلباب من عباده قولهم‪َ{ :‬ر َّبَنا ِإَّنَنا َس ِم ْعَنا ُمَناِد ًيا ُيَناِد ي ِلِإْل يَم اِن َأْن‬
‫آِم ُنوا ِبَر ِّبُك ْم َفآَم َّنا َر َّبَنا َفاْغِف ْر َلَنا ُذُنوَبَنا َو َك ِّف ْر َعَّنا َس ِّيَئاِتَنا َو َتَو َّفَنا َمَع اَأْلْبَر اِر (‪َ )193‬ر َّبَنا َو آِتَنا َما‬
‫َو َعْد َتَنا َعَلى ُرُس ِلَك َو اَل ُتْخ ِز َنا َيْو َم اْلِق َياَمِة ِإَّنَك اَل ُتْخ ِلُف اْلِم يَعاَد (‪[ })194‬آل عمران‪- 193 :‬‬
‫‪.]194‬‬
‫والمعنى‪ :‬وآتنا ما وعدتنا على ألسنِة ُرُس ِلَك من دخول الجَّنة‪.‬‬
‫وقالت طائفة‪ :‬معناه‪ ،‬وآتنا ما وعدتنا (‪ )1‬على اإليمان برسلك‪ .‬وليس يسهل حذف االسم‬
‫والحرف مًعا‪ ،‬إاَّل أْن ُيقَّدر على تصديق رسلك وطاعة رسلك‪ ،‬وحينئٍذ فيتكافأ التقديران‪ ،‬ويترَّج ح‬
‫األَّو ل بأَّنه قد تقَّدم (‪ )2‬قولهم‪َ{ :‬ر َّبَنا ِإَّنَنا َس ِم ْعَنا ُمَناِد ًيا ُيَناِد ي ِلِإْل يَم اِن َأْن آِم ُنوا ِبَر ِّبُك ْم َفآَم َّنا} [آل‬
‫عمران‪ .]193 :‬وهذا صريح في اإليمان بالرسول والُمْر ِس ل‪ ،‬ثَّم توسلوا إليه بإيمانهم أن يؤتيهم‬
‫ما وعدهم على ألُس ِن (‪ )3‬رسله‪ ،‬فإنهم إَّنما سمعوا وعده لهم (‪ )4‬بذلك من الرسل‪ ،‬وذلك أيًض ا‬
‫يتضمن التصديق بهم‪ ،‬وأَّنهم بَّلغوهم َو ْعَدُه فصَّدقوا به‪ ،‬وسألوه أن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من قوله‪" :‬وعدتنا على ألسنة" إلى قوله "ما وعدتنا" سقط من "ج"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب"‪" :‬بأَّنهم تقدم" بدال من "بأَّنه قد تقدم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "هـ"‪" :‬ألسنة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ليس في "ب"‪.‬‬

‫(‪)1/179‬‬

‫يؤتيهم إَّياُه‪ ،‬وهذا هو اَّلذي ذكره السلف والخلف في اآلية‪.‬‬


‫وقيل‪ :‬المعنى وآتنا ما وعدتنا من الَّنصر والَّظَف ر على ألسنة الرسل‪.‬‬
‫واألَّو ل أعُّم وأكمل‪.‬‬
‫وتأَّمل‪ :‬كيف تضَّم ن إيمانهم به اإليمان بأمره ونهيه ورسله ووعده ووعيده‪ ،‬وأسمائه وصفاته‬
‫وأفعاله‪ ،‬وِص دق َو ْع ِد ه‪ ،‬والخوف من وعيده واستجابتهم ألمره‪ ،‬فبمجموع ذلك صاروا مؤمنين‬
‫بربهم تعالى‪ ،‬فبذلك صَّح لهم التوسل إلى سؤال ما وعدهم به والنجاة من عذابه‪.‬‬
‫وقد أشكَل على بعض الَّناس سؤالهم أن ينجز لهم وعده‪ ،‬مع أَّنه فاعل لذلك وال ُبَّد‪.‬‬
‫وأجاب‪ :‬بأَّن هذا تعُّبٌد َمْحٌض ‪ ،‬كقوله‪َ{ :‬ر ِّب اْح ُك ْم ِباْلَح ِّق} [األنبياء‪ ،]112 :‬وقول المالئكة‪:‬‬
‫{َفاْغِف ْر ِلَّلِذ يَن َتاُبوا َو اَّتَبُعوا َس ِبيَلَك } [غافر‪ ،]7 :‬وخفَي على هؤالء أَّن الوعد معَّلٌق بشروٍط منها‪:‬‬
‫‪ -‬الرغبة إليه سبحانه وسؤاله أْن ينجزه لهم‪.‬‬
‫‪ -‬كما أَّنه ُمَعَّلٌق باإليمان وموافاتهم به‪.‬‬
‫‪ -‬وأْن ال يلحقه ما يحبطه‪.‬‬
‫فإذا سألوه سبحانه أْن ينجز لهم ما وعدهم تضمن ذلك توفيقهم وتثبيتهم وإعانتهم على األسباب‬
‫التي ينجز لهم بها وعده‪ ،‬وكان هذا‬

‫(‪)1/180‬‬

‫الدعاُء من أهِّم األدعية وأنفعها‪ ،‬وهم أحوُج إليه من كثير من األدعية‪.‬‬


‫وأَّم ا قوله تعالى‪َ{ :‬قاَل َر ِّب اْح ُك ْم ِباْلَح ِّق} [األنبياء‪ ،]112 :‬فهذا سؤال له سبحانه أن ينصرهم‬
‫على أعدائهم‪ ،‬فيحكم لهم عليهم بالَّنصر والغلبة‪.‬‬
‫وكذلك سؤال المالئكة ربهم أْن يغفر للَّتائبين‪ ،‬هو من األسباب التي توجب بها لهم المغفرة‪ ،‬فهو‬
‫سبحانه َنَص َب األسباب التي يفعل بها ما يريده بأوليائه (‪ )1‬وأعدائه‪ ،‬وجعلها أسباًبا إلرادته‪ ،‬كما‬
‫جعلها أسباًبا لوقوع مراده‪ ،‬فمنه الَّس َبُب والُمَس َّبُب ‪.‬‬
‫وإْن أشكل عليك ذلك‪ ،‬فانظر إلى خلقه األسباب التي توجب محبته وغضبه‪ ،‬فهو يحب ويرضى‪،‬‬
‫ويغضب ويسخط عن (‪ )2‬األسباب التي خلقها وشاءها‪ ،‬فالكل منه وبه‪ ،‬فهو مبتدٌئ من مشيئته‪،‬‬
‫وعائٌد إلى حكمته وحمده (‪. )3‬‬
‫وهذا باٌب عظيٌم من أبواب التوحيد ال َيِلُج ُه إاَّل العالمون بالَّلِه‪.‬‬
‫ونظيُر هذه اآلية في سؤاله ما وعد به (‪ )4‬قوله تعالى‪ُ{ :‬قْل َأَذِلَك َخ ْيٌر َأْم َج َّنُة اْلُخ ْلِد اَّلِتي ُو ِع َد‬
‫اْلُم َّتُقوَن َك اَنْت َلُه ْم َجَز اًء َو َمِص يًر ا (‪َ )15‬لُه ْم ِفيَه ا َم ا َيَش اُءوَن َخ اِلِد يَن َك اَن َعَلى َر ِّبَك َو ْعًد ا‬
‫َمْس ُئواًل } [الفرقان‪،]16 - 15 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ج"‪" :‬وأوليائه" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "أ‪ ،‬ج‪ ،‬هـ‪ ،‬د"‪" :‬غير"‪ ،‬ولعَّل المثبَت هو الصواب‪.‬‬
‫(‪ )3‬في المطبوعة "وحده"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬به في"‪.‬‬

‫(‪)1/181‬‬

‫يسألُه إَّياُه عباده المؤمنون‪ ،‬ويسأله إَّياُه مالئكته لهم‪ ،‬فالجَّنُة تسأل ربها أهلها‪ ،‬وأهلها يسألونه‬
‫إَّياها‪ ،‬والمالئكة تسألها لهم‪ ،‬والرسل يسألونه إَّياها لهم (‪ )1‬وألتباعهم‪ ،‬ويوم القيامة ُيِق يمهم‬
‫سبحانه بين يديه يشفعون فيها لعباده المؤمنين‪ ،‬وفي هذا من تمام ملكه وإظهار رحمته وإحسانه‬
‫وجوده وكرمه وإعطائه ما ُس ِئَل = ما هو من لوازم أسمائه وصفاته (‪ ، )2‬واقتضائها آلثارها‬
‫ومتعلقاتها‪ ،‬فال يجوز تعطيلها عن آثارها وأحكامها‪ ،‬فالرُّب تعالى جواٌد له الُجْو د كله‪ ،‬يحب أْن‬
‫ُيْس َأل وُيْطَلُب منه وُيْر غُب إليه‪َ ،‬فَخ َلَق َمْن يسأله وأْلَه مه سؤاله‪ ،‬وخلق له ما يسأله إَّياُه‪ ،‬فهو خالق‬
‫السائل وسؤاله وَمْس ؤوله‪ ،‬وذلك لمحبته لسؤال (‪ )3‬عباده له‪ ،‬ورغبتهم إليه‪ ،‬وطلبهم منه‪ ،‬وهو‬
‫يغضُب إذا لم ُيْس أل (‪. )4‬‬
‫وأحب خلقه إليه أكثرهم وأفضلهم له سؤااًل ‪ ،‬وهو ُيحب الُم ِلِّح ين (‪ )5‬في الدعاء‪ ،‬وكَّلما ألَّح‬
‫العبد عليه في السؤال أحَّبُه وأعطاُه‪.‬‬
‫وفي الحديث‪َ" :‬مْن لم يسأل الَّله يغضب عليه" (‪. )6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله "والرسل يسألونه إَّياها لهم" من "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "أ"‪" :‬وصفاتها"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ب"‪" :‬سؤال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬جاء في نسخة على حاشية "د" ما نصه‪:‬‬
‫َّلِذ‬
‫ال تسألَّن بنَّي آدم حاجًة ‪َ ...‬و َس ل ا ي أبوابه ال ُتْحَج ُب‬
‫الَّلُه يغضُب إْن َتَر كَت ُس ؤاله ‪ ...‬وبني آدم حين ُيْس َأُل يغضُب‬
‫وانظر‪" :‬المستطرف" لألبشيهي (‪.)301 /2‬‬
‫(‪ )5‬في نسخة على حاشية "أ‪ ،‬هـ"‪" :‬الملِّح ين له"‪.‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه الترمذي برقم (‪ )3373‬وابن ماجه (‪ ،)3827‬والبخاري في األدب =‬

‫(‪)1/182‬‬
‫فال إله إاَّل الَّلُه‪ ،‬أُّي جنايٍة َج َنْت القواعد الفاسدة على اإليمان‪ ،‬وحالْت بين القلوب وبين معرفة‬
‫رَّبها وأسمائه‪ ،‬وصفات كماله ونعوت جالله و {اْلَحْم ُد ِلَّلِه اَّلِذ ي َه َد اَنا ِلَه َذ ا َو َم ا ُك َّنا ِلَنْهَتِد َي َلْو اَل‬
‫َأْن َه َد اَنا الَّلُه} [األعراف‪.]43 :‬‬
‫قال أبو نعيم الفضل‪ :‬حدثنا يونس ‪-‬هو ابن أبي إسحاق‪ -‬حدثنا ُبَر يد ابن أبي مريم قال‪ :‬قال أنس‬
‫بن مالك‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬ما من مسلٍم يسأُل الَّلَه الجَّنة ثالًثا إاَّل قالت‬
‫الجَّنُة‪ :‬اَّللهم أدخلُه الجَّنة‪ ،‬ومن استجاَر بالَّلِه من الَّنار ثالًثا قالت الَّناُر ‪ :‬اللهم أِج ْر ُه من الَّنار" (‬
‫‪. )1‬‬
‫__________‬
‫= المفرد رقم (‪ ،)658‬وأحمد في المسند (‪ 442 /2‬و ‪ )477‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق أبي صالح الخوزي عن أبي هريرة فذكره‪.‬‬
‫وهو حديٌث منكٌر تفرد به أبو صالح الخوزي وهو متكلٌم فيه‪ ،‬وعَّده ابن عدي من مفاريده‪.‬‬
‫راجع "جالء األفهام" ص (‪.)419‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في المسند (‪ )155 ،141 ،262 /3‬وابن أبي شيبة رقم (‪ ،)29799‬وابن‬
‫حبان في صحيحه (‪ /3‬رقم ‪ ،)1014‬والطبراني في الدعاء رقم (‪ ،)1312‬والبيهقي في‬
‫الدعوات الكبير رقم (‪ )269‬وغيرهم‪.‬‬
‫كلهم من طريق يونس عن ُبريد به فذكره‪.‬‬
‫‪ -‬ورواه أبو األحوص وإسرائيل كلهم عن أبي إسحاق الَّس بيعي عن ُبريد عن أنس فذكره‪.‬‬
‫أخرجه الترمذي (‪ )2567‬وابن ماجه (‪ )4340‬والنسائي (‪ ،)5521‬وأحمد (‪،)117 /3‬‬
‫والطبراني في الدعاء (‪ ،)1311 ،1310‬وابن حبان (‪ /3‬رقم ‪ ،)1034‬والحاكم (‪)717 /1‬‬
‫رقم (‪ )1960‬وغيرهم‪.‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬وقد روي عن أبي إسحاق عن ُبريد عن أنس بن مالك قوله"‪= .‬‬

‫(‪)1/183‬‬

‫رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه عن هناد بن السري‪ ،‬عن أبي األحوص عن أبي إسحاق عن‬
‫ُبَر يد به (‪. )1‬‬
‫وقال الحسن بن سفيان‪ :‬حدثنا عثمان بن أبي شيبة‪ ،‬حدثنا جرير عن ليث عن يونس بن َخ َّباب عن‬
‫أبي حازم عن أبي هريرة ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬ما‬
‫سأل الَّله عبٌد الجَّنة في يوٍم سبع مَّر ات إاَّل قالت الجَّنة‪ :‬يا رِّب إَّن عبدَك فالًنا سألني فأدخلنيه" (‬
‫‪. )2‬‬
‫__________‬
‫= والحديث صححه ابن حبان والحاكم والضياء في المختاره (‪ /4‬رقم ‪.)1557‬‬
‫(‪ )1‬في جميع النسخ "يزيد" وهو خطأ‪ ،‬وسقط "به" من "أ‪ ،‬ج"‪.‬‬
‫(‪ )2‬هذا الحديث واَّللذان بعده يرويها أبو علقمة واختلف عليه‪:‬‬
‫‪ -‬فرواه شعبة عن يعلى بن عطاء عن أبي علقمة‪" ،‬قال شعبة ولم يرفعه يعلى إلى أبي هريرة" يعني‪:‬‬
‫مقطوًعا‪ ،‬ويحتمل أنه أراد موقوًفا‪.‬‬
‫أخرجه الطيالسي في مسنده (‪ /4‬رقم ‪.)2702‬‬
‫‪ -‬ورواه يونس بن خَّباب ‪-‬رافضي ضعيف‪ -‬واضطرب فيه‪.‬‬
‫‪ -‬فرواه جرير بن عبد الحميد وليث بن أبي سليم عن يونس عن أبي حازم عن أبي هريرة فذكره‪،‬‬
‫كما ساقه المؤلف‪.‬‬
‫أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده رقم (‪ ،)213‬وأبو نعيم في "صفة الجَّنة" رقم (‪،)68‬‬
‫والبيهقي في الدعوات رقم (‪.)270‬‬
‫وهذا خطٌأ‪ ،‬أخطأ فيه يونس بن خباب فقال‪ :‬عن أبي حازم‪ ،‬وهذا من اضطرابه‪ ،‬والصحيح عن أبي‬
‫علقمة‪.‬‬
‫هكذا رواه شعبة ومنصور بن المعتمر وشعيب بن صفوان وغيرهم كلهم عن يونس عن أبي علقمة‬
‫عن أبي هريرة فذكره‪.‬‬
‫رواه بعضهم موقوًفا‪ ،‬وبعضهم مرفوًعا‪.‬‬
‫أخرجه الطيالسي في مسنده رقم (‪ ،)2702‬وابن عدي في الكامل =‬

‫(‪)1/184‬‬

‫وقال أبو يعلى الموصلي‪ :‬حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب حدثنا جرير عن يونس عن أبي حازم‬
‫عن أبي هريرة ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬ما استجاَر عبٌد‬
‫من الَّنار َس ْبَع مَّر اٍت إاَّل قالت الَّناُر ‪ :‬يا رب إَّن عبدك فالًنا استجار مِّني فأِج ْر ُه‪ ،‬وال يسأل عبٌد‬
‫الجَّنة سبع مَّر اٍت إاَّل قالت الجَّنة‪ :‬يا رَّب إَّن عبَد ك فالًنا سألني فأدخله الجَّنة"‪ .‬وإسناده على‬
‫شرط الصحيحين‪.‬‬
‫وقال أبو داود في "مسنده"‪ :‬حدثنا شعبة‪ :‬حدثني يونس بن خباب‪ :‬سمع أبا علقمة عن أبي هريرة‬
‫‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬من قال‪ :‬أسأُل الَّلَه الجَّنة‬
‫سبًعا‪ ،‬قالِت الجَّنة‪ :‬اَّللهم أدخله الجَّنة"‪.‬‬
‫وقال الحسن بن سفيان‪ :‬حدثنا الُم َق َّدمي عمر بن علي‪ ،‬عن يحيى ابن عبيد الَّله عن أبيه عن أبي‬
‫هريرة ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬أكثروا مسألَة الَّلِه الجَّنة‬
‫واستعيذوا به من الَّناِر ؛ فإَّنهما شافعتاِن‬
‫__________‬
‫= (‪ )174 /7‬وغيرهما‪.‬‬
‫وهذا هو الصحيح عن يونس‪.‬‬
‫راجع تفصيل ذلك علل الدارقطني (‪.)190 - 189 /11‬‬
‫والصحيح في حديث أبي هريرة أَّنه موقوٌف عليه أو مقطوع من قول أبي علقمة على االختالف‬
‫في المراد بعبارة شعبة‪.‬‬
‫وذهب البوصيري إلى أَّنه موقوف أو مقطوع‪ ،‬فقال‪" :‬وإسناد الطيالسي األَّو ل‪ :‬على شرط مسلم‪،‬‬
‫والثاني فيه يونس بن خباب قال فيه البخاري‪ :‬منكر الحديث‪ ،‬واتفقوا على ضعفه"‪.‬‬
‫إتحاف الخيرة المهرة (‪.)506 /6‬‬

‫(‪)1/185‬‬

‫مشفعتان (‪ ، )1‬وإَّن العبَد إذا أكثر من مسألِة الَّلِه الجَّنة (‪ ، )2‬قالت الجَّنة‪ :‬يا رَّب عبُد ك هذا‬
‫اَّلذي سألنيك فأسكنه إياي‪ ،‬وتقول النار‪ :‬يا رِّب عبُد َك هذا اَّلذي استعاذ بك مِّني فأعْذ ُه" (‪. )3‬‬
‫وقد كان جماعٌة من السلِف ال يسألون الَّلَه الجَّنة ويقولون‪ :‬حسبنا أن ُيِج يرنا من الَّنار‪.‬‬
‫‪ -‬فمنهم أبو الَّصهباء ِص َلة بن َأْش َيم (‪ : )4‬صَّلى ليلًة إلى الَّس َح ِر ‪ ،‬ثَّم رفَع يديه وقال‪" :‬اَّللهَّم‬
‫أجرني من الَّنار‪َ :‬أَو ِم ْثِلي َيْجَتِر ُئ أْن يسألك الجَّنة؟ " (‪. )5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ليست في "ب‪ ،‬د"‪.‬‬
‫(‪ )2‬من قوله‪" :‬واستعيذوا به من النار" إلى "الَّله الجَّنة" سقط من "ج"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجنة رقم (‪ ،)70‬والديلمي في مسند الفردوس رقم (‪)213‬‬
‫مختصًر ا‪.‬‬
‫وسنده ضعيف‪ ،‬فيه يحيى بن عبيد الَّله ‪-‬لعَّلُه‪ -‬ابن موهب القرشي المدني فيه ضعف‪ ،‬وله عن‬
‫أبيه عن أبي هريرة مناكير‪.‬‬
‫قال الحاكم‪" :‬روى عن أبيه عن أبي هريرة بنسخة أكثرها مناكير"‪.‬‬
‫قلُت ‪ :‬ولعَّل هذا منها‪.‬‬
‫وفيه أيًض ا عمر بن علي المقدمي‪ :‬ثقة؛ لكَّنه يدلس تدليس السكوت‪ ،‬ولم ُيَبَّين هنا الَّس ماع‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)453 - 449 /31‬‬
‫(‪ )4‬هو البصري العابد الزاهد‪ ،‬زوج معاذة العدوية‪ُ ،‬قِتَل هو وابنه في إحدى المعارك سنة (‪162‬‬
‫هـ)‪ ،‬انظر‪ :‬السير (‪.)500 - 497 /3‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أبو نعيم في حلية األولياء (‪ ،)240 /2‬وفيه قصة‪.‬‬
‫وسنده ال بأس به‪.‬‬

‫(‪)1/186‬‬

‫‪ -‬ومنهم عطاء الُّس ليمي (‪ : )1‬كان ال يسأل الجَّنة‪ ،‬فقال له صالح الُم ِّر ي‪ :‬إَّن أباَن حدثني عن‬
‫أنس أَّن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬يقوُل الَّلُه عَّز وجَّل‪ :‬انظروا في ديواِن عبدي‪ ،‬فمن‬
‫رأيتموه سألني الجَّنة أعطيُتُه‪ ،‬ومن استعاذني من الَّناِر أعذته" (‪ . )2‬فقال عطاء‪ :‬كفاني أْن ُيجيرني‬
‫من الَّناِر ‪ .‬ذكرهما أبو نعيم‪.‬‬
‫وقد روى أبو داود في "سننه" من حديث جابر في قصة معاذ وتطويله بهم‪ ،‬أَّن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله‬
‫عليه وسلم‪ -‬قال لفتى ‪-‬يعني اَّلذي شكاه‪" -‬كيَف تصنُع يا ابن أخي إذا صليَت ؟ قال‪ :‬أقرُأ‬
‫بفاتحة الكتاب وأسأُل الَّلَه الجَّنة وأعوُذ به من الَّنار‪ ،‬وإِّني ال أدري ما دندنُتَك ودندنة (‪ )3‬معاذ؟‬
‫فقال الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ :-‬إِّني ومعاًذا حولها ندندن" (‪. )4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬د" ونسخِة على حاشية "أ"‪" :‬السلمي" وهو خطأ‪.‬‬
‫وعطاء السليمي هو البصري العابد‪ ،‬أدرك أنس بن مالك‪ ،‬وتوفي بعد سنة ‪ 140‬هـ‪ ،‬انظر‪ :‬السير (‬
‫‪.)88 - 86 /6‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو نعيم في "حلية األولياء"‪ 176 - 175 /6( :‬و ‪ ،)226‬وفي صفة الجَّنة رقم (‬
‫‪.)71‬‬
‫وسنده ضعيف جًّدا‪ ،‬فيه أبان بن أبي عياش وهو متروك الحديث‪ ،‬وفيه صالح بن بشير الُم ِّر ي‬
‫ضعيف الحفظ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬التقريب رقم (‪.)2845 ،142‬‬
‫(‪ )3‬الَّد ْندنة‪ :‬أن يتكلم الرجل بالكالم تسمع نغمته وال ُيْف َه ُم‪ ،‬وهو أرفع من الهْيَم َنة قلياًل ‪ .‬انظر‪:‬‬
‫النهاية (‪.)137 /2‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود برقم (‪ ،)793‬وابن خزيمة (‪ ،)1634‬والبيهقي في السنن (‪- 116 /3‬‬
‫‪ )117‬وغيرهم‪.‬‬
‫والحديث صححه ابن خزيمة‪= .‬‬

‫(‪)1/187‬‬

‫وفي "سنن أبي داود" من حديث محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الَّله ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪:‬‬
‫قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬ال ُيْس أُل بوجِه الَّلِه إاَّل الجَّنة" (‪. )1‬‬
‫رواُه أحمد بن عمرو الُعْص ُف ِر ي حدثنا يعقوب بن إسحاق حدثنا سليمان بن معاذ عن محمد‬
‫فذكره‪.‬‬
‫وقد تقَّدم في أَّو ل الكتاب (‪ )2‬حديث الليث عن معاوية بن صالح عن عبد الملك بن أبي بشير‬
‫يرفع الحديث‪" :‬ما من يوٍم إاَّل والجَّنة والَّنار تسأالِن ‪ ،‬تقول الجَّنة‪ :‬يا رِّب قد طابت ثماري‪،‬‬
‫واَّطردت أنهاري‪،‬‬
‫__________‬
‫= وللحديث شاهد عن بعض أصحاب الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬أخرجه أبو داود (‪،)792‬‬
‫وأحمد (‪ )473 /3‬بمثله‪.‬‬
‫وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود برقم (‪ )1671‬وابن مندة في الرد على الجهمية رقم (‪ ،)89‬وابن عدي في‬
‫الكامل (‪ ،)257 /3‬والبيهقي في األسماء والصفات برقم (‪ )661‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق سليمان بن قرم عن محمد بن المنكدر عن جابر فذكره‪.‬‬
‫وهذا الحديث تفَّر د به سليمان بن معاذ وهو ابن قرم‪ ،‬وهو لَّين الحديث‪ ،‬وجعل ابن عدي هذا‬
‫الحديث من منكراته‪.‬‬
‫وقال‪" :‬وهذا الحديث ال أعرفه عن محمد بن المنكدر إاَّل من رواية سليمان بن قرم‪." . . .‬‬
‫وقال أبو حفص بن شاهين‪ . ." :‬هو حديث غريب"‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪ ،)21 /34‬والمقاصد الحسنة للسخاوي رقم (‪.)1323‬‬
‫(‪ )2‬ص (‪.)43 - 42‬‬

‫(‪)1/188‬‬

‫واشتقت إلى أوليائي‪ ،‬فعِّج ل إلَّي بأهلي" الحديث‪.‬‬


‫فالجَّنة تطلب أهلها بالَّذ ات‪ ،‬وتجذبهم إليها جذًبا‪ ،‬والَّنار كذلك‪ ،‬وقد أمرنا رسول الَّله ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪ -‬أْن ال نزال نذكرهما وال ننساهما‪.‬‬
‫كما روى أبو يعلى الموصلي في "مسنده"‪ :‬حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل حدثنا أيوب بن شبيب‬
‫الصنعاني (‪ )1‬قال‪ :‬كان فيما عرضنا على رباح بن زيد حدثني عبد الَّله بن َبِح ْير (‪ )2‬سمعت عبد‬
‫الرحمن بن يزيد (‪ )3‬يقول‪ :‬سمعت عبد الَّله بن عمر يقول‪ :‬سمعُت رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪ -‬يقول‪" :‬ال تنُس وا العظيمتين" قلنا‪ :‬وما العظيمتان يا رسوَل الَّلِه؟ قال‪" :‬الجَّنة والَّنار" (‬
‫‪. )4‬‬
‫وذكر أبو بكر الشافعي من حديث ُك َليب بن َح ْز ن قال‪ :‬سمعت رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪ -‬يقول‪" :‬اطلُبوا الجَّنة ُج هدكم‪ ،‬واهربوا من الَّنار جهدكم‪ ،‬فإَّن الجَّنة ال يناُم طالُبها‪ ،‬وإَّن‬
‫الَّناَر ال يناُم هارُبها‪ ،‬وإَّن اآلخرة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في نسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬الصاغاني"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في جميع النسخ "ُنمير" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬وقع في جميع النسخ "زيد" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري في تاريخه الكبير (‪ ،)417 /1‬والدوالبي في الكنى واألسماء (‪،)164 /2‬‬
‫وأبو يعلى في مسنده كما في المطالب العالية رقم (‪ ،)3318‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‬
‫‪.)66‬‬
‫وفيه أيوب بن شبيب روى عنه رجالن‪ ،‬وذكره ابن حبان في الثقات (‪ )125 /8‬وقال‪" :‬يخطئ"‪.‬‬
‫وعليه فاإلسناد ضعيف‪.‬‬

‫(‪)1/189‬‬

‫اليوم محفوفٌة بالمكاره وإَّن الدنيا محفوفٌة باَّللذات تقَّر ب المسافة والشهوات‪ ،‬فال تلهيَّنكم عن‬
‫اآلخرة" (‪. )1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني في الكبير (‪ )200 /19‬رقم (‪ ،)449‬وفي األوسط رقم (‪ ،)3643‬وأبو‬
‫نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ )30‬وفي معرفة الصحابة (‪ /5‬رقم ‪ )5871‬وغيرهما‪.‬‬
‫قال الهيثمي‪" :‬وفيه يعلى األشدق‪ ،‬وهو ضعيٌف جًّدا"‪ .‬وقال الحافظ ابن حجر‪" :‬ويعلى متروك"‪.‬‬
‫انظر‪ :‬مجمع الزوائد (‪ ،)31 /10‬واإلصابة (‪.)313 /5‬‬

‫(‪)1/190‬‬

‫الباب الحادي والعشرون في أسماء الجَّنة ومعانيها واشتقاقها‬


‫ولها ِع َّد ُة أسماٍء باعتبار صفاتها‪ ،‬ومسماها واحد باعتبار الَّذ ات‪ ،‬فهي مترادفة من هذا الوجه‪،‬‬
‫وتختلف باعتبار الصفات فهي متباينة من هذا الوجه‪ ،‬وهكذا أسماء الرب تعالى وأسماء كتابه‪،‬‬
‫وأسماء رسوله‪ ،‬وأسماء اليوم اآلخر‪ ،‬وأسماء الَّنار‪.‬‬

‫االسم األَّو ل‪ :‬الجَّنة‪:‬‬


‫وهو االسم العام المتناول لتلك الدار‪ ،‬وما اشتملت عليه من أنواع الَّنعيم واَّللذة والبهجة‬
‫والسرور وقَّر ة األعين‪.‬‬
‫وأصل اشتقاق هذه اللفظة من الِّس تر والتغطية‪ .‬ومنه الجنين‪ :‬الستتاره في البطن‪ ،‬والجان‪:‬‬
‫الستتاره عن العيون‪ ،‬والِم َج ن‪ :‬لستره‪ ،‬ووقايته الوجه‪ ،‬والمجنون‪ :‬الستتار عقله وتواريه عنه‪،‬‬
‫والجاّن ‪ :‬وهي الحية الصغيرة الدقيقة‪ ،‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫َفَد َّقْت َو َج َّلْت واْسَبكَّرْت (‪ )1‬وأكملت ‪ ...‬فلوُج َّن إنساٌن من الُح سن (‪ُ )2‬ج َّنت (‪)3‬‬
‫أي لو ُغِّطي وُس ِتَر عن العيون لُفِعَل بها ذلك‪ ،‬ومنه سِّم ي البستان َج َّنة؛ ألَّنه يستر داخله باألشجار‬
‫ويغِّطيه‪ ،‬فال يستحق هذا االسم إاَّل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ج"‪" :‬واستكبرت"‪ ،‬وفي "هـ"‪" :‬واستكرت"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب"‪" :‬الَبْين"‪ ،‬وفي "أ‪ ،‬هـ"‪" :‬الِج ِّن "‪.‬‬
‫(‪ )3‬البيت للشاعر الجاهلي الَّش ْنَف َر ى األزدي‪ ،‬كما في المفضليات ص (‪.)109‬‬

‫(‪)1/191‬‬

‫موضع كثير الَّش َج ر مختلف األنواع‪ ،‬والُج َّنة ‪-‬بالَّضِّم ‪ -‬ما ُيْس َتَج ُّن به من ُتْر ٍس أو غيره‪.‬‬
‫ومنه قوله تعالى‪{ :‬اَّتَخ ُذ وا َأْيَم اَنُه ْم ُج َّنًة} [المجادلة‪ ]16 :‬أي‪َ :‬يَتتَّر ُس وَن (‪ )1‬بها من إنكار‬
‫المؤمنين عليهم‪.‬‬
‫ومنه الِج َّنة (‪- : )2‬بالكسر‪ -‬وهو الِج ُّن ‪ ،‬كما قال تعالى‪ِ{ :‬م َن اْلِج َّنِة َو الَّناِس (‪[ } )6‬الناس‪،]6 :‬‬
‫وذهبت طائفة من المفسرين إلى أَّن المالئكة يسمون ِج َّنة‪ ،‬واحتجوا بقوله تعالى‪َ{ :‬و َجَعُلوا َبْيَنُه‬
‫َو َبْيَن اْلِج َّنِة َنَس ًبا} [الصافات‪ ]158 :‬قالوا‪ :‬وهذا النسب قولهم‪ :‬المالئكة بناُت الَّلِه‪ ،‬ورجحوا‬
‫هذا القول بوجهين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أَّن الَّنسب اَّلذي جعلوه إَّنما زعموا أَّنه بين المالئكة وبينه‪ ،‬ال بين الِج ّن وبينه‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬قوله تعالى‪َ{ :‬و َلَق ْد َعِلَم ِت اْلِج َّنُة ِإَّنُه ْم َلُم ْح َض ُر وَن (‪[ } )158‬الصافات‪ .]158 :‬أي‪ :‬قد‬
‫علمت المالئكة أَّن اَّلذين قالوا هذا القول محضرون العذاب (‪. )3‬‬
‫والصحيح خالف ما ذهب إليه هؤالء‪ ،‬وأَّن الِج َّنة هم الجن أنفسهم كما قال تعالى‪ِ{ :‬م اْلِج َّنِة‬
‫َن‬
‫َو الَّناِس (‪[ } )6‬الناس‪.]6 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "هـ"‪" :‬يستترون"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ج"‪" :‬وصفة الجَّنة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "هـ‪ ،‬د"‪" :‬للعذاب"‪.‬‬
‫(‪)1/192‬‬

‫وعلى هذا ففي اآلية قوالن‪:‬‬


‫أحدهما‪ :‬قول مجاهد‪ ،‬قال‪" :‬قالت كفار قريش‪ :‬المالئكة بناُت الَّلِه‪ ،‬فقال لهم أبو بكر‪ :‬فمن‬
‫أمهاتهم؟ فقالوا‪َ :‬س َر وات الجن" (‪. )1‬‬
‫وقال الكلبي‪" :‬قالوا تزوج من الجن فخرج من بينهما المالئكة" (‪. )2‬‬
‫وقال قتادة‪" :‬قالوا‪ :‬صاهر الِج ن" (‪. )3‬‬
‫والقول الثاني‪ :‬قول الحسن قال‪" :‬أشركوا الشياطين في عبادة الَّلِه‪ ،‬فهو النسب اَّلذي جعلوه" (‬
‫‪. )4‬‬
‫والصحيح قول مجاهد وغيره‪ ،‬وما احتج به أصحاب القول األَّو ل ليس بمستلزم لصحة قولهم؛‬
‫فإَّنهم لَّم ا قالوا المالئكة بناُت الَّلِه‪ ،‬وهم من الِج ِّن عقدوا بينه وبين الجِّن نسًبا بهذا اإلْيالد‪ ،‬أو‬
‫ِل ِت ِج‬ ‫ِج‬
‫َجَعُلوا (‪ )5‬هذا الَّنَسَب متوِّلًد ا بينه وبين ال َّنة‪ .‬وأَّما قوله تعالى‪َ{ :‬و َلَق ْد َع َم اْل َّنُة ِإَّنُه ْم‬
‫َلُم ْح َض ُر وَن } فالضمير يرجَع إلى الِج َّنة‪ ،‬أي‪ :‬قد علمت الِج َّنة أَّنهم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ )108 /23‬وعنده (بنات سروات الجن)‪.‬‬
‫وسنده حسن إلى مجاهد‪ ،‬وفيه انقطاع بينه وبين أبي بكر الصديق‪.‬‬
‫"وسروات الِج ِّن "‪ :‬أي‪ :‬أشرافهم‪ .‬النهاية‪.)363 /2( :‬‬
‫(‪ )2‬ذكره الواحدي في تفسيره الوسيط (‪.)534 /3‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (‪ )128 /2‬رقم (‪ .)2560‬وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )4‬ذكره الماوردي في تفسيره النكت والعيون (‪.)70 /5‬‬
‫(‪ )5‬في "ب"‪" :‬وجعلوا"‪.‬‬

‫(‪)1/193‬‬

‫محضرون الحساب‪ ،‬قاله مجاهد (‪ .)1‬أي لو كان بينه وبينهم نَس ب لم يحضروا الحساب‪ ،‬كما‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬و َقاَلِت اْلَيُه وُد َو الَّنَص اَر ى َنْح ُن َأْبَناُء الَّلِه َو َأِح َّباُؤ ُه ُقْل َفِلَم ُيَعِّذ ُبُك ْم ِبُذ ُنوِبُك ْم }‬
‫[المائدة‪ ،]18 :‬فجعل سبحانه وتعالى عقوبتهم بذنوبهم وإحضارهم للعذاب مبطاًل لدعواهم‬
‫الكاذبة‪ ،‬وهذا التقدير في اآلية أبلغ في إبطال قولهم من التقدير األَّو ل‪ ،‬فتأمله‪ ،‬والمقصود ذكر‬
‫أسماء الجَّنة‪.‬‬
‫فصل‬

‫االسم الثاني‪ :‬داُر الَّس الم‪:‬‬


‫وقد سَّم اها الَّلُه تعالى بهذا االسم في قوله‪َ{ :‬لُه ْم َداُر الَّساَل ِم ِع ْنَد َر ِّبِه ْم } [األنعام‪ ،]127 :‬وقوله‬
‫{َو الَّلُه َيْد ُعو ِإَلى َداِر الَّساَل ِم } [يونس‪ ،]25 :‬وهي أحُّق بهذا االسم‪ ،‬فإَّنها دار السالمة من كِّل‬
‫بليٍة وآفٍة ومكروٍه‪ ،‬وهي دار الَّلِه ‪ ،‬واسمه سبحانه وتعالى الَّس الم اَّلذي سَّلمها (‪ ،)2‬وسَّلم أهلها‪:‬‬
‫ِم‬ ‫ِف‬ ‫ِح‬
‫{َو َت َّيُتُه ْم يَه ا َس اَل ٌم} [يونس‪َ{ ،]10 :‬و اْلَم اَل ِئَك ُة َيْد ُخ ُلوَن َعَلْيِه ْم ْن ُك ِّل َباٍب (‪َ )23‬س اَل ٌم‬
‫َعَلْيُك ْم } [الرعد‪ ،]24 ،23 :‬والرب تعالى يسلم عليهم من فوقهم‪ ،‬كما قال تعالى‪َ{ :‬لُه ْم ِفيَه ا‬
‫َفاِكَه ٌة َو َلُه ْم َم ا َيَّد ُعوَن (‪َ )57‬س اَل ٌم َقْو اًل ِم ْن َر ٍّب َر ِح يٍم (‪[ })58‬يس‪ ،]58 ,57 :‬وسيأتي حديث‬
‫جابر (‪ )3‬في سالم الرِّب تبارك وتعالى عليهم في الجَّنة‪ ،‬وكالمهم كُّله فيها سالم‪ ،‬أي‪ :‬ال لغو‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪.)108 /23‬‬
‫(‪ )2‬في نسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬سَّلمها الَّلُه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ص (‪ 663‬و ‪.)664‬‬

‫(‪)1/194‬‬

‫فيه وال فحش وال باطل‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬اَل َيْسَم ُعوَن ِفيَه ا َلْغًو ا ِإاَّل َس اَل ًم ا} [مريم‪.]62 :‬‬
‫وأَّم ا قوله تعالى‪َ{ :‬و َأَّما ِإْن َك اَن ِم ْن َأْص َح اِب اْلَيِم يِن (‪َ )90‬فَس اَل ٌم َلَك ِم ْن َأْص َح اِب اْلَيِم يِن }‬
‫[الواقعة‪ ]91 - 90 :‬فأكثر المفسرين حاُموا حوَل المعنى وما وَر ُدْو ُه‪ ،‬وقالوا أقوااًل ال يخفى‬
‫ُبْع دها عن المقصود؛ وإَّنما معنى اآلية والَّله أعلُم‪ :‬فسالم لك أُّيها الَّر اِح ُل عن الدنيا حاَل كونك‬
‫من أصحاب اليمين‪ ،‬أي‪ :‬فسالمه لك كائًنا من أصحاب اليمين اَّلذين َس ِلُم وا من الدنيا وأنكادها‪،‬‬
‫ومن الَّنار وعذابها‪َ ،‬فُبِّش ر بالَّس المة عند ارتحاله من الدنيا‪ ،‬وقدومه على الَّلِه تعالى‪ ،‬كما ُيَبشر‬
‫الملك ُرْو َح ه عند أخذها بقوله‪" :‬أبشري بَر ْو ٍح َو َرْيَح اِن ورٍّب غير غضبان" (‪ ، )1‬وهذا أَّو ل‬
‫الُبشرى التي للمؤمن في اآلخرة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن ماجه رقم (‪ ،)4262‬وأحمد (‪ .)365 - 364 /2‬وابن خزيمة في التوحيد (‪/1‬‬
‫‪ )277 - 276‬تحت رقم (‪ ،)176‬والطبري في تفسيره (‪ ،)177 /8‬وابن منده في اإليمان رقم‬
‫(‪.)1068‬‬
‫من طريق ابن أبي ذئب عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة فذكره‬
‫مطواًل ‪.‬‬
‫وسنده صحيح‪.‬‬
‫وللحديث طرٌق عن أبي هريرة‪:‬‬
‫عند مسلم (‪ ،)2872‬وابن منده في اإليمان رقم (‪ )1069‬وغيرهما‪.‬‬

‫(‪)1/195‬‬

‫فصل‬

‫االسم الثالث‪ :‬دار الخلد‪.‬‬


‫وُس ِّم يت بذلك؛ ألَّن أهلها ال يظعنون عنها أبًد ا‪ ،‬كما قال تعالى‪َ{ :‬عَطاًء َغْيَر َمْج ُذ وٍذ (‪})108‬‬
‫ِئ‬ ‫ٍد‬ ‫ِم‬
‫[هود‪ ]108 :‬وقال‪ِ{ :‬إَّن َه َذ ا َلِر ْز ُقَنا َما َلُه ْن َنَف ا (‪[ })54‬ص‪ ،]54 :‬وقال‪ُ{ :‬أُك ُلَه ا َدا ٌم‬
‫َو ِظ ُّلَه ا} [الرعد‪ ]35 :‬وقال‪َ{ :‬و َم ا ُه ْم ِم ْنَه ا ِبُم ْخ َر ِج يَن (‪[ })48‬الحجر‪.]48 :‬‬
‫وسيأتي إبطال قول من قال من الجهمية والمعتزلة بفنائها‪ ،‬أو فناء حركاِت أهلها إْن شاء الَّلُه‬
‫تعالى (‪.)1‬‬
‫فصل‬

‫االسم الَّر ابع‪ :‬دار الُم قامة‪.‬‬


‫قال تعالى‪ :‬حكاية عن أهلها‪َ{ :‬و َقاُلوا اْلَحْم ُد ِلَّلِه اَّلِذ ي َأْذَه َب َعَّنا اْلَحَز َن ِإَّن َر َّبَنا َلَغُفوٌر َش ُك وٌر (‬
‫‪ )34‬اَّلِذ ي َأَح َّلَنا َداَر اْلُم َق اَمِة ِم ْن َفْض ِلِه} [فاطر‪.]35 - 34 :‬‬
‫قال ُمَق اِتل‪" :‬أنزلنا دار الخلود‪ ،‬أقاموا فيها أبًد ا‪ ،‬ال يموتون‪ ،‬وال يتحولون منها أبًد ا" (‪.)2‬‬
‫قال الفَّر اء والَّز جاج‪" :‬المقامة مثل اإلقامة‪ ،‬يقال‪ :‬أقمُت بالمكان‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ص (‪.)728 - 723‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬تفسير مقاتل‪.)78 /3( :‬‬

‫(‪)1/196‬‬

‫إقامة‪ ،‬ومقامة‪ ،‬ومقاًم ا" (‪.)1‬‬


‫فصل‬

‫االسم الخامس‪ :‬جَّنة المأوى‪.‬‬


‫قال تعالى‪ِ{ :‬ع ْنَد َه ا َج َّنُة اْلَم ْأَو ى (‪[ })15‬النجم‪ ]15 :‬والمأوى‪َ :‬مْف َعل من أوى يأوي‪ ،‬إذا انضَّم‬
‫إلى المكان‪ ،‬وصار إليه واستقَّر به‪.‬‬
‫وقال عطاء عن ابن عباس‪" :‬هي الجَّنة التي يأوي إليها جبريل والمالئكة" (‪.)2‬‬
‫وقال مقاتل والكلبي‪" :‬هي جَّنة تأوي إليها أرواح الشهداء" (‪.)3‬‬
‫وقال كعب‪" :‬جَّنة المأوى‪ :‬جَّنٌة فيها طير خضر ترتعي فيها أرواح الشهداء" (‪.)4‬‬
‫وقالت عائشة رضي الَّلُه عنها‪ ،‬وِز ُّر بن ُح َبْيش‪" :‬هي جَّنة من الجنان" (‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬معاني القرآن للفراء‪ ،)370 /2( :‬ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج‪- 270 /4( :‬‬
‫‪.)271‬‬
‫(‪ )2‬ذكره الواحدي في تفسيره الوسيط (‪ ،)198 /4‬ومعالم التنزيل للبغوي (‪.)406 /7‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬تفسير مقاتل‪ ،)290 /3( :‬والوسيط للواحدي (‪ ،)198 /4‬ومعالم التنزيل للبغوي (‬
‫‪.)406 /7‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه‪ )71 /7( :‬رقم (‪ ،)34105‬وأبو نعيم في الحلية (‪/5‬‬
‫‪ ،)381‬وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )5‬لم أقف عليه‪.‬‬

‫(‪)1/197‬‬
‫والصحيح أَّنه اسٌم من أسماء الجَّنة كما قال تعالى‪َ{ :‬و َأَّما َمْن َخ اَف َمَق اَم َر ِّبِه َو َنَه ى الَّنْف َس َعِن‬
‫اْلَه َو ى (‪َ )40‬فِإ َّن اْلَج َّنَة ِه اْلَم ْأَو ى (‪[ })41‬النازعات‪ ،]41 - 40 :‬وقال في الَّنار‪َ{ :‬فِإ َّن‬
‫َي‬
‫اْلَج ِح يَم ِه َي اْلَم ْأَو ى (‪[ })39‬النازعات‪ ]39 :‬وقال‪َ{ :‬و َمْأَو اُك ُم الَّناُر } [العنكبوت‪.]25 :‬‬
‫فصل‬

‫االسم السادس‪ :‬جَّنات عدن‪.‬‬


‫فقيل‪ :‬هو اسم لجَّنٍة من جملة الجَّنات‪ ،‬والصحيح أَّنه اسٌم ِلُج ملة الجَّنات‪ ،‬فكلها جَّنات عدن‪،‬‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬ج َّناِت َعْد ٍن اَّلِتي َو َعَد الَّر ْح َمُن ِع َباَدُه ِباْلَغْيِب } [مريم‪ ،]61 :‬وقال تعالى‪َ{ :‬ج َّناُت‬
‫َعْد ٍن َيْد ُخ ُلوَنَه ا ُيَح َّلْو َن ِفيَه ا ِم ْن َأَس اِو َر ِم ْن َذَه ٍب َو ُلْؤ ُلًؤ ا (‪َ )1‬و ِلَباُس ُه ْم ِفيَه ا َح ِر يٌر } [فاطر‪،]33 :‬‬
‫وقال تعالى‪َ{ :‬و َمَس اِكَن َطِّيَبًة ِفي َج َّناِت َعْد ٍن } [الصف‪ .]12 :‬واالشتقاق يدُّل على أَّن جميعها‬
‫جَّناُت عدٍن ‪ ،‬فإَّنه من اإلقامة والَّدواِم ‪ .‬يقال‪َ :‬عَد ن بالمكان‪ :‬إذا أقام به‪َ ،‬و َعَد ْنُت البلد‪ :‬توَّطْنُتُه‪،‬‬
‫وَعَد نِت اإلبل بمكان كذا‪َ :‬لِز َم ْتُه فلم (‪ )2‬تبرح منه‪.‬‬
‫قال الجوهري‪" :‬ومنه جَّنات عدن أي جَّنات إقامة‪ ،‬ومنه سمي الَم ْع ِد ن (‪- )3‬بكسر الَّداِل ‪-‬؛ ألَّن‬
‫الَّناس يقيمون فيه الصيف والشتاء‪ ،‬ومركز كل شيٍء معدنه‪ .‬والعادن‪ :‬الَّناقة المقيمة في‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬هكذا بالخفض‪ ،‬وهي قراءة سبِعَّية‪ ،‬انظر‪ :‬النشر في القراءات العشر (‪.)244 /2‬‬
‫(‪ )2‬في "ب"‪" :‬فلن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬العدن"‪.‬‬

‫(‪)1/198‬‬

‫المرعى" (‪.)1‬‬
‫فصل‬

‫االسم الَّس ابع‪ :‬دار الحيوان‪.‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و ِإَّن الَّداَر اآْل ِخ َر َة َلِه َي اْلَح َيَو اُن } [العنكبوت‪ ]64 :‬والمراد‪ :‬الجَّنة عند أهل‬
‫التفسير‪ ،‬قالوا‪ :‬وإَّن اآلخرة يعني‪ :‬الجنة‪ .‬لهي (‪ )2‬الحيوان‪ :‬لهي دار الحياة التي ال موت فيها‪.‬‬
‫وقال الكلبي‪" :‬هي حياة ال موت فيها"‪ .‬وقال الزجاج‪" :‬هي دار الحياة الدائمة" (‪.)3‬‬
‫وأهل اللغة على أَّن الحيوان بمعنى‪ :‬الحياة‪.‬‬
‫قال أبو عبيدة وابن قتيبة‪" :‬الحياُة‪ :‬الحيوان" (‪ .)4‬قال أبو عبيدة‪" :‬الحياة والحيوان والِح ي ‪-‬‬
‫بكسر الحاء‪ -‬واحد" (‪ .)5‬قال أبو علي‪" :‬يعني (‪ )6‬أَّنها مصادر‪ ،‬فالحياة َفَعلة كالَح َلبة‪،‬‬
‫والحيوان‪ :‬كالَّنزوان والَغَليان‪ ،‬والِح ُّي ‪ :‬كالِعِّي ‪ ،‬قال الَعَّج اج‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الصحاح للجوهري مادة "عدن"‪.)1582 /2( :‬‬
‫(‪ )2‬في نسخة على حاشية "أ"‪" :‬وهي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬معاني القرآن وإعرابه‪.)173 /4( :‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬تفسير غريب القرآن البن قتيبة ص (‪ ،)339‬والوسيط للواحدي (‪.)425 /3‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬مجاز القرآن ألبي عبيدة‪.)1172( :‬‬
‫(‪ )6‬في "ج"‪" :‬بمعنى"‪.‬‬

‫(‪)1/199‬‬

‫كَّنا ِبَه ا إِذ الحياُة ِح ّي (‪)1‬‬


‫أي‪ :‬إِذ الحياة حياة" (‪. )2‬‬
‫وأَّم ا أبو زيد فخالفهما وقال‪" :‬الحيوان ما فيه روح‪ ،‬والموتان والموات ما ال روح فيه"‪.‬‬
‫والصواب‪ :‬أَّن الحيوان يقع على ضربين‪ :‬أحدهما‪ :‬مصدر‪ ،‬كما حكاه أبو عبيدة‪ .‬والثاني‪ :‬وصف‬
‫كما حكاه أبو زيد‪ ،‬وعلى قول أبي زيٍد الحيوان مثل‪ :‬الَح َّي خالف المِّيت‪ ،‬وُر ِّج َح القول األول؛‬
‫بأَّن الَف َعالن باُبُه المصادر؛ كالَّنزوان والَغَليان‪ ،‬بخالف الِّص فات‪ ،‬فإَّن بابها َفْع اَل ن َك َس ْكران‬
‫وغضبان‪.‬‬
‫وأجاب من َر َّج ح القول الثاني‪ ،‬بأَّن َفَعالن قد جاء في الِّص فات أيًض ا‪ ،‬قالوا‪ :‬رجل َصَمَيان‪:‬‬
‫للسريع الخفيف‪ ،‬وَز َفَيان‪ .‬قال في "الصحاح" (‪ : )3‬ناقة زفيان‪ :‬سريعة‪ .‬وقوس زفيان‪ :‬سريعة‬
‫اإلرسال للسهم"‪ .‬فيحتمل قوله تعالى‪َ{ :‬و ِإَّن الَّداَر اآْل ِخ َر َة َلِه َي اْلَح َيَو اُن } [العنكبوت‪]64 :‬‬
‫معنيين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أَّن حياة (‪ )4‬اآلخرة هي الحياة؛ ألَّنه ال تنغيص فيها وال نفاد لها‪ :‬أي ال يشوبها ما‬
‫يشوب الحياة في هذه الدار‪ ،‬فيكون‬
‫__________‬
‫(‪ * )1‬انظر‪ :‬ديوان العجاج ص (‪ ،)295‬والجمهرة البن دريد (‪ )232 /1‬و (‪.* )1053 /3‬‬
‫(‪ * )2‬جاء في حاشية نسخة ديوان العجاج ص (‪ )295‬تعليق‪ ،‬فليراجع *‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬الصحاح للجوهري (‪ )1049 /2‬بغير هذا اللفظ‪.‬‬
‫(‪ )4‬قوله‪" :‬أَّن الحياة"‪ :‬ليس في "ب"‪.‬‬

‫(‪)1/200‬‬

‫الحيوان مصدًر ا على هذا‪.‬‬


‫الثاني‪ :‬أْن يكون المعنى‪ :‬أَّنها الدار التي ال تفنى وال تنقطع‪ ،‬وال تبيد كما يفنى األحياء في هذه‬
‫الدنيا‪ ،‬فهي أحق بهذا االسم من الحيوان اَّلذي يفنى ويموت‪.‬‬
‫فصل‬

‫االسم الثامن‪ :‬الفردوس‪.‬‬


‫قال الَّلُه تعالى‪ُ{ :‬أوَلِئَك ُه ُم اْلَو اِر ُثوَن (‪ )10‬اَّلِذ يَن َيِر ُثوَن اْلِف ْر َدْو َس ُه ْم ِفيَه ا َخ اِلُد وَن (‪})11‬‬
‫[المؤمنون‪ ،]11 - 10 :‬وقال تعالى‪ِ{ :‬إَّن اَّلِذ يَن آَم ُنوا َو َعِم ُلوا الَّصاِلَح اِت َك اَنْت َلُه ْم َج َّناُت‬
‫اْلِف ْر َدْو ِس ُنُز اًل (‪[ })107‬الكهف‪.]107 :‬‬
‫والفردوس (‪ :)1‬اسم ُيقال على جميع الجنة‪ ،‬ويقال على أفضلها وأعالها‪ ،‬كأَّنه أحق بهذا االسم‬
‫من غيره من الجنات‪.‬‬
‫وأصل الفردوس‪ :‬البستان‪ ،‬والفراديس‪ :‬البساتين‪ .‬قال كعب‪" :‬هو البستان اَّلذي فيه األعناب" (‬
‫‪ .)2‬قال الليث‪" :‬الفردوس‪ :‬جنة ذات كروم‪ .‬يقال‪ :‬كرم ُمَف ْر َد س‪ :‬أي ُمَعَّر ش"‪ .‬وقال الضحاك‪:‬‬
‫"هي الجَّنة الملتفة باألشجار" (‪ ،)3‬وهو اختيار الُم َبَّر د‪ .‬وقال‪ :‬الفردوس فيما سمعت من كالم‬
‫العرب‪ :‬الشجر الُم ْلَتف‪ ،‬واألغلب عليه العنب (‪،)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله {ُنُز اًل }‪ .‬و"الفردوس" سقط من "ج"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ )36 /16‬وسنده ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )3‬ذكره البغوي في تفسيره معالم التنزيل‪.)211 /5( :‬‬
‫(‪ )4‬إلى هنا نقله عنه ابن الجوزي في تفسيره زاد المسير (‪.)200 - 199 /5‬‬

‫(‪)1/201‬‬

‫وجمعه‪ :‬الفراديس‪ :‬قال‪ :‬وبهذا سمي الفراديس بالشام‪ ،‬وأنشد لجرير‪:‬‬


‫فقلت للَّر كب إْذ جَّد المسيُر بنا ‪ ...‬يا ُبعد َيْبِر يَن من باب الفراديس" (‪)1‬‬
‫وقال مجاهد‪" :‬هو البستان بالرومية" (‪ .)2‬واختاره الزجاج‪ ،‬فقال‪ :‬هو بالرومية منقول إلى لفظ‬
‫العربية‪ .‬قال‪ :‬وحقيقته أَّنه البستان اَّلذي يجمع كل ما يكون في البساتين (‪ .)3‬قال حسان‪:‬‬
‫وإَّن ثواَب الَّلِه كل ُمخَّلٍد ‪ِ ...‬ج َناٌن من الفردوس فيها ُيخَّلُد (‪)4‬‬
‫فصل‬

‫االسم التاسع‪ :‬جنات النعيم‪.‬‬


‫قال تعالى‪ِ{ :‬إَّن اَّلِذ يَن آَم ُنوا َو َعِم ُلوا الَّصاِلَح اِت َلُه ْم َج َّناُت الَّنِعيِم (‪[ })8‬لقمان‪ ،]8 :‬وهذا أيًض ا‬
‫اسٌم جامٌع لجميع الجَّنات‪ ،‬لما تضمنته من األنواع التي يتنعم بها من المأكول والمشروب‬
‫والملبوس والُّص ور‪ ،‬والَّر ائحة الَّطِّيبة والمنظر البهيج‪ ،‬والمساكن الواسعة‪ ،‬وغير ذلك من الَّنعيم‬
‫الظاهر والباطن‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ديوان جرير ص (‪ ،)391‬وفيه "الرحيل" بداًل من "المسير"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ )36 /16‬وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬معاني القرآن وإعرابه (‪.)315 /3‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ديوان حسان بن ثابت رضي الَّلُه عنه ص (‪ )93‬وفيه "يَّتَّلد" بداًل من "يخَّلد"‪ ،‬وانظر‪:‬‬
‫البحر المحيط ألبي حيان (‪.)159 /6‬‬

‫(‪)1/202‬‬
‫فصل‬

‫االسم العاشر‪ :‬المقام األمين‪.‬‬


‫قال الَّله تعالى‪ِ{ :‬إَّن اْلُم َّتِق يَن ِفي َمَق اٍم َأِم يٍن (‪[ })51‬الدخان‪ ،]51 :‬فالمقام‪ :‬موضع اإلقامة‪،‬‬
‫واألمين‪ :‬اآلمن من كَّل سوٍء ومكروٍه‪ ،‬وهو اَّلذي قد جمع صفات األمن كلها‪ ،‬فهو آمن من‬
‫الَّز وال والخراب‪ ،‬وأنواع الُّنغص (‪ ،)1‬وأهله آمنون فيه من الخروج والَّنقص (‪ )2‬والَّنكد‪.‬‬
‫و {اْلَبَلِد اَأْلِم يِن (‪[ })3‬التين‪ :]3 :‬اَّلذي قد أمن أهله فيه مَّم ا يخاف منه سواهم‪.‬‬
‫وتأَّمل كيف ذكر سبحانه األمن في قوله تعالى‪ِ{ :‬إَّن اْلُم َّتِق يَن ِفي َمَق اٍم َأِم يٍن (‪ ،})51‬وفي قوله‬
‫تعالى‪َ{ :‬يْد ُعوَن ِفيَه ا ِبُك ِّل َفاِكَه ٍة آِم ِنيَن (‪[ })55‬الدخان‪ ]55 :‬فجمع لهم بين أمن المكان وأمن‬
‫الطعام‪ ،‬فال يخافون انقطاع الفاكهة وال سوء عاقبتها ومضَّر تها‪ ،‬وأمن الخروج منها‪ ،‬فال يخافون‬
‫ذلك‪ ،‬وأمن الموت فال يخافون فيها موًتا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د"‪" :‬النقص"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب‪ ،‬د"‪" :‬الُّنَغص"‪.‬‬

‫(‪)1/203‬‬

‫فصل‬

‫االسم الحادي عشر والثاني عشر‪َ :‬مْق َعُد الصدق‪ ،‬وَقَد ُم الصدق‪.‬‬
‫قال تعالى‪ِ{ :‬إَّن اْلُم َّتِق يَن ِفي َج َّناٍت َو َنَه ٍر (‪ِ )54‬في َمْق َعِد ِص ْد ٍق } [القمر‪ ،]55 - 54 :‬فسَّم ى‬
‫الجَّنة مقعد ِص ْد ٍق ‪ ،‬لحصول كل ما ُيراد من المقعد الحسن فيها‪ ،‬كما يقال‪ :‬موَّدة صادقة‪ :‬إذا‬
‫كانت ثابتة تاَّمة‪ ،‬وحالوة صادقة‪ ،‬وحملة صادقة‪ ،‬ومنه الكالم الَّصدق‪ ،‬لحصول (‪ )1‬مقصوده‬
‫منه‪.‬‬
‫وموضوع هذه اللفظة في كالمهم‪ :‬الِّص حة والكمال‪ ،‬ومنه الَّصدق في الحديث‪ ،‬والصدق في‬
‫العمل‪ ،‬والَّصديق اَّلذي يصَّدق قوله بالعمل‪ ،‬والَّص دق ‪-‬بالفتح‪ -‬الُّصلب من الِّر ماح‪ ،‬ويقال‬
‫للرجل الشجاع‪ :‬إَّنه لذو ِم ْص دق أي صادق الَحْم َلة‪.‬‬
‫وهذا ِم ْص داق هذا‪ :‬أي ما ُيصِّدقه‪ ،‬ومنه الَّصداقة؛ لصفاء الموَّدة والُم خاَّلة‪ ،‬ومنه َص َد َقِني القتال‪،‬‬
‫وَص َد َقِني الموَّدة‪ ،‬ومنه قدم الِّص ْد ق‪ ،‬ولسان الَّص دق‪ ،‬ومدخل الصدق‪ ،‬ومخرج الَّصدق‪ ،‬وذلك‬
‫كله للحَّق الثابت المقصود اَّلذي يرغب فيه‪ ،‬بخالف الكذب الباطل‪ ،‬اَّلذي ال شيَء تحته‪ ،‬وال‬
‫يتضمن أمًر ا ثابًتا‪ ،‬وُفِّس َر قدم الَّصدق‪ :‬بالجَّنة‪ ،‬وُفِّس ر باَألعمال التي تنال بها الجَّنة‪ ،‬وُفِّس ر بالَّس ابقة‬
‫التي سبقت لهم من الَّله‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ج"‪" :‬المحصول"‪ ،‬وفي "د"‪" :‬لمحصول"‪.‬‬

‫(‪)1/204‬‬

‫وُفِّس ر بالرسول اَّلذي على يده وهدايته نالوا ذلك‪.‬‬


‫والَّتحقيق أَّن الجميع حَّق؛ فإَّنهم سبقت لهم من الَّله بذلك السابقة باألسباب التي قَّدرها لهم على‬
‫يد رسوله‪ ،‬واَّدخر لهم جزاءها يوم لقائه (‪ ، )1‬ولسان الَّص دق هو لسان الثناء الصادق بمحاسن‬
‫األفعال‪ ،‬وجميل الطرائق‪ ،‬وفي كونه لسان ِص ْد ق إشارة إلى مطابقته للواقع‪ ،‬وأَّنه ثناء بحًّق ال‬
‫بباطل‪ ،‬ومدخل الصدق ومخرج الصدق هو المدخل والمخرج اَّلذي يكون صاحبه فيه ضامًنا‬
‫على الَّلِه ‪ ،‬وهو دخوله وخروجه بالَّله ولَّله‪ ،‬وهذه الدعوة من أنفع الدعاء للعبد‪ ،‬فإَّنه ال يزال‬
‫داخاًل في أمٍر وخارًج ا من أمٍر ‪ ،‬فمتى كان دخوله لَّله وبالَّله وخروجه كذلك‪ ،‬كان قد ُأْد ِخ ل‬
‫مدخل صدق وُأْخ ِرَج مخرج صدق‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬القيامة"‪.‬‬

‫(‪)1/205‬‬

‫الباب الثاني والعشرون‪ :‬في عدد الجَّنات‪ ،‬وأَّنها نوعان‪ :‬جنتان من ذهب‪ ،‬وجنتان من فضة‬
‫الجَّنة‪ :‬اسٌم (‪ )1‬شامل لجميع ما حوته من البساتين والمساكن والقصور وهي جنات كثيرة جًّدا‪،‬‬
‫كما روى البخاري في "صحيحه" (‪ )2‬عن أنس بن مالك ‪-‬رضي الَّله عنه‪ :-‬أَّن أم الربيع بنت‬
‫البراء ‪-‬وهي أم حارثة بن (‪ )3‬سراقة‪ -‬أتت رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬فقالت‪ :‬يا نبي‬
‫الَّله أال تحِّدثني عن حارثة؟ ‪-‬وكان ُقِتل يوم بدٍر أصابه سهُم َغْر ٍب (‪ ،- )4‬فإْن كان في الجَّنة‬
‫صبرُت ‪ ،‬وإْن كان غيَر ذلك اجتهدت عليه في البكاء‪ ،‬قال‪" :‬يا أَّم حارثة‪ ،‬إَّنها جنان في الجَّنة (‬
‫‪ ،)5‬وإَّن ابنك أصاب الفردوس األعلى"‪.‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪ )6‬من حديث أبي موسى األشعري رضي الَّلُه عنه عن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله‬
‫عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬جنتان من ذهٍب آنيتهما وحليتهما وما فيهما‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "أ"‪" :‬اسم الجَّنة شامل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رقم (‪.)2654‬‬
‫(‪ )3‬في "أ" "بنت" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪" )4‬سهم غرب"‪ :‬أي ال ُيْع رف راميه‪ .‬انظر‪ :‬النهاية البن األثير (‪.)350 /3‬‬
‫(‪ )5‬قوله "في الجَّنة" ليس في "ب"‪ ،‬ووقع في "هـ" ونسخٍة على حاشية "أ" "جَّنات" بداًل من‬
‫"ِج َنان"‪.‬‬
‫(‪ )6‬البخاري رقم (‪ ،)4597‬ومسلم رقم (‪.)180‬‬
‫تنبيه‪ :‬قوله "وحليتهما" ليس في الصحيحين‪.‬‬

‫(‪)1/206‬‬

‫وجنتان من فضة آنيتهما وحليتهما وما فيهما‪ ،‬وما بين القوم وبين أْن ينظروا إلى رِّبهم إاَّل رداء‬
‫الكبرياء على وجهه في جَّنة عدٍن "‪.‬‬
‫ِم‬ ‫ِه ِن‬ ‫ِل‬
‫وقد قال تعالى‪َ{ :‬و َمْن َخ اَف َمَق اَم َر ِّب َج َّنَتا (‪[ } )46‬الرحمن‪ ]46 :‬فذكرهما ثَّم قال‪َ{ :‬و ْن‬
‫ُدوِنِه َم ا َج َّنَتاِن (‪[ } )62‬الرحمن‪ ]62 :‬فهذه أربع‪ .‬وقد اختلف في قوله‪َ{ :‬و ِم ْن ُدوِنِه َم ا} هل‬
‫المراد به أَّنهما فوقهما‪ ،‬أو تحتهما على قولين‪:‬‬
‫فقالت طائفة‪ :‬من دونهما أي‪ :‬أقرب منهما إلى العرش‪ ،‬فيكونان فوقهما‪.‬‬
‫وقالت طائفة‪ :‬بل معنى من دونهما‪ :‬تحتهما‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وهذا المنقول في ُلغة العرب إذا قالوا‪ :‬هذا دون هذا‪ ،‬أي دونه في المنزلة‪ ،‬كما قال‬
‫بعضهم لمن بالغ في مدحه‪ :‬أنا دون ما تقول وفوق ما في نفسك‪.‬‬
‫وفي "الصحاح"‪" :‬دون‪ :‬نقيض (‪ )1‬فوق‪ ،‬وهو تقصيٌر عن الغاية‪ ،‬ثَّم قال‪ :‬ويقال‪ :‬هذا دون هذا (‬
‫‪ )2‬أي أقرب منه" (‪. )3‬‬
‫والِّس ياق يدُّل على تفضيل الجنتين األولتين من عشرة أوجه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬قوله‪َ{ :‬ذَو اَتا َأْفَناٍن (‪[ } )48‬الرحمن‪ ]48 :‬وفيه قوالن‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "د‪ ،‬هـ"‪" :‬يقتضي"‪ ،‬والمثبت من الصحاح وباقي النسخ‪.‬‬
‫(‪ )2‬سقط من "ج"‪ ،‬وفي الصحاح "ذاك" بداًل من "هذا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬الصحاح للجوهري (‪.)1554 /2‬‬

‫(‪)1/207‬‬

‫أحدهما‪ :‬أَّنه جمع َفَنن‪ ،‬وهو الغصن‪ .‬والثاني‪ :‬أَّنه جمع َفٍّن ‪ ،‬وهو الِّص ْنف‪ :‬أي ذواتا أصناٍف شَّتى‬
‫من الفواكه وغيرها‪ ،‬ولم يذكر ذلك في اَّللتين بعدهما‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬قوله‪ِ{ :‬فيِه ا َعْيَناِن َتْج ِر اِن (‪[ } )50‬الرحمن‪ ،]50 :‬وفي اُألْخ ْيِن ‪ِ{ :‬فيِه ا َعْيَناِن‬
‫َم‬ ‫َر َي‬ ‫َي‬ ‫َم‬
‫َنَّضاَخَتاِن (‪[ } )66‬الرحمن‪ ،]66 :‬والَّنضاخة‪ :‬هي الفَّو ارة‪ ،‬والجارية‪ :‬الَّس ارحة‪ ،‬وهي أحسن من‬
‫الفَّو ارة‪ ،‬فإَّنها تتضمن الفوران والجريان‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أَّنه قال‪ِ{ :‬فيِه َم ا ِم ْن ُك ِّل َفاِكَه ٍة َز ْو َج اِن (‪[ } )52‬الرحمن‪ ]52 :‬وفي األخريين‪ِ{ :‬فيِه َم ا‬
‫َفاِكَه ٌة َو َنْخ ٌل َو ُر َّماٌن (‪[ } )68‬الرحمن‪ ،]68 :‬وال ريب أَّن وصف األولتين أكمل‪.‬‬
‫واختلف في هذين الزوجين بعد االتفاق على أَّنهما ِص ْنفان‪.‬‬
‫فقالت طائفة‪ :‬الزوجان‪ :‬الَّر طب واليابس اَّلذي ال يقصر في فضله وجودته عن (‪ )1‬الَّر ْطب‪ ،‬وهو‬
‫ُمَتَم َّتع به كما ُيَتَم تع باليابس‪.‬‬
‫وفيه نظٌر ال َيْخ فى‪.‬‬
‫وقالت طائفة‪ :‬الزوجان صنٌف معروف‪ ،‬وصنف من شكله غريب‪.‬‬
‫وقالت طائفة‪ :‬نوعان‪ .‬ولم تزد‪.‬‬
‫والَّظاهر والَّله أعلم‪ :‬أَّنه الحلو والحامض‪ ،‬واألبيض واألحمر؛‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في نسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬على"‪.‬‬

‫(‪)1/208‬‬
‫وذلك ألَّن اختالف أصناف الفاكهة أعجب وأشهى‪ ،‬وألذ ِلْلَعْيِن والَف ِم ‪.‬‬
‫الَّر ابع‪ :‬أَّنه قال‪ُ{ :‬مَّتِكِئيَن َعَلى ُفُر ٍش َبَطاِئُنَه ا ِم ْن ِإْسَتْبَر ٍق } [الرحمن‪ ،]54 :‬وهذا تنبيٌه عن فضل‬
‫الَّظهائر وخطرها‪ ،‬وفي اآلخرتين قال‪ُ{ :‬مَّتِكِئيَن َعَلى َر ْفَر ٍف ُخ ْض ٍر َو َعْبَق ِر ٍّي ِح َس اٍن (‪} )76‬‬
‫[الرحمن‪ ،]76 :‬وُفِّس َر الَّر ْفَر ف‪ :‬بالمحابس والُبُس ط‪ ،‬وُفِّس ر‪ :‬بالُف ُر ش‪ ،‬وُفِّس ر‪ :‬بالمحابس فوقها‪.‬‬
‫وعلى كل قول فلم يصفه بما وصف به فرش الجنتين األَّو لتين‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬أَّنه قال‪َ{ :‬و َج َنى اْلَج َّنَتْيِن َداٍن (‪[ } )54‬الرحمن‪ ]54 :‬أي قريب سهل يتناولونه كيف‬
‫شاؤوا‪ ،‬ولم يذكر ذلك في اآلخرتين‪.‬‬
‫الَّس ادس‪ :‬أَّنه قال‪ِ{ :‬فيِه َّن َقاِص َر اُت الَّطْر ِف } [الرحمن‪ ]56 :‬أي قد َقَص ْر َن َطْر َفُه َّن على‬
‫أزواجهَّن ‪ ،‬فال ُيرْد َن غيرهم لرضاهَّن بهم (‪ ، )1‬وتحببهَّن (‪ )2‬لهم‪ ،‬وذلك يتضمن قصرهَّن لطرف‬
‫أزواجهَّن عليهَّن ‪ ،‬فال يدعهم حسنهَّن أن ينظروا إلى غيرهَّن ‪ ،‬وقال في اآلخرتين‪ُ{ :‬ح وٌر‬
‫َمْق ُصوَر اٌت ِفي اْلِخ َياِم (‪[ } )72‬الرحمن‪ ،]72 :‬ومن قصرت طرفها على زوجها باختيارها أكمل‬
‫مَّم ن قصرت بغيرها‪.‬‬
‫الَّس ابع‪ :‬أَّنُه َو َص َف ُه َّن بشبه الياقوت والمرجان في صفاء اللون‪ ،‬وإشراقه وحسنه‪ ،‬ولم يذكر ذلك‬
‫في التي بعدها‪.‬‬
‫الثامن‪ :‬أَّنه سبحانه قال في الجنتين اَألَّو لتين‪َ{ :‬ه ْل َجَز اُء اِإْل ْح َس اِن ِإاَّل اِإْل ْح َس اُن (‪} )60‬‬
‫[الرحمن‪ ]60 :‬وهذا يقتضي أَّن أصحابهما من أهل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سقط من "ج"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب‪ ،‬د"‪" :‬ومحبتهَّن "‪.‬‬

‫(‪)1/209‬‬

‫اإلحسان المطلق الكامل‪ ،‬فكان جزاؤهم بإحسان كامل‪.‬‬


‫التاسع‪ :‬أَّنه بدأ بوصف الجنتين (‪ )1‬األَّو لتين‪َ ،‬و َجَعَلُه َم ا جزاًء لمن خاف مقامه‪ ،‬وهذا يدل على‬
‫أَّنهما أعلى جزاء الخائف لمقامه‪ ،‬فرَّتب الجزاء المذكور على الخوف ترتيب المسَّبب على سببه‪،‬‬
‫ولما كان الخائفون نوعين‪ُ :‬مَقَّر بين وأصحاب يمين‪ ،‬ذكر َج َّنَتي المقربين‪ ،‬ثَّم ذكر جَّنتي أصحاب‬
‫اليمين‪.‬‬
‫العاشر‪ :‬أَّنُه قال‪َ{ :‬و ِم ْن ُدوِنِه َم ا َج َّنَتاِن (‪[ } )62‬الرحمن‪ ]62 :‬والِّس ياق يدل على أَّنه نقيض (‪)2‬‬
‫فوق‪ ،‬كما قال الجوهري‪.‬‬
‫فإْن قيل‪ :‬فكيف انقسمت هذه الِج َنان األربع على من خاف مقام ربه؟‬
‫قيل‪ :‬لَّم ا كان الخائفون نوعين كما ذكرنا‪ ،‬كان للمقربين منهم الجنتان العاليتان‪ ،‬وألصحاب‬
‫اليمين الجنتان اللتان دونهما‪.‬‬
‫فإْن قيل‪ :‬فهل الجنتان لمجموع الخائفين يشتركون فيهما‪ ،‬أم لكِّل واحد جنتان وهما البستانان؟‬
‫قيل (‪ : )3‬هذا فيه قوالن للمفسرين‪ ،‬وُر ِّج ح القول الثاني بوجهين‪ :‬أحدهما‪ :‬من جهة النقل‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬من جهة المعنى‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬يقتضي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬من قوله‪" :‬فهل الجنتان لمجموع" إلى "قيل" سقط من "ج"‪.‬‬

‫(‪)1/210‬‬

‫فأَّما اَّلذي من جهة النقل (‪ ، )1‬فإَّن أصحاب هذا القول َر ووا عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪-‬‬
‫أَّنه قال‪" :‬هما بستانان في رياض الجَّنة" (‪. )2‬‬
‫وأَّما اَّلذي من جهة المعنى فإَّن إحدى الجنتين جزاء أداء األوامر‪ ،‬والثانية جزاء اجتناب المحارم‪.‬‬
‫فإْن قيل‪ :‬فكيف قال في ذكر النساء {ِفيِه َّن } في الموضعين‪ ،‬ولَّم ا ذكر غيرهَّن قال {ِفْيِه َم ا}؟‬
‫قيل (‪ : )3‬لما ذكر الفرش قال بعدها‪ِ{ :‬فيِه َّن َخ ْيَر اٌت ِح َس اٌن } [الرحمن‪ ]70 :‬ثَّم أعاده في‬
‫الجنتين اآلخرتين بهذا اللفظ‪ ،‬ليتشاكل (‪ )4‬اَّللفظ والمعنى‪ .‬والَّلُه أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من قوله‪" :‬والثاني من جهة" إلى "النقل" سقط من "ج"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ذكره الثعلبي في تفسيره (‪ )189 /9‬بدون سند‪ ،‬وكذا ذكره الهروي كما في التذكرة‬
‫للقرطبي ص (‪ ،)382‬والجامع ألحكام القرآن (‪.)177 /17‬‬
‫وأخرج ابن مردويه (‪ - 203 /6‬الدر)‪ ،‬عن عياض بن تميم أنه سمع رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪ -‬تال {َو ِلَمْن َخ اَف َمَق اَم َر ِّبِه َج َّنَتاِن (‪[ })46‬الرحمن‪ ،]46 /‬قال‪" :‬بستانان عرض كل‬
‫واحد منهما مسيرة مائة عام‪." . . . .‬‬
‫(‪ )3‬من قوله‪" :‬فكيف قال في ذكر النساء" إلى قوله "قيل" سقط من "ج"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د"‪" :‬ليشاكل"‪.‬‬

‫(‪)1/211‬‬

‫الباب الثالث والعشرون في خلق الَّر ِّب تبارك وتعالى بعض الِج َنان بيده وغرسها بيده تفضياًل لها‬
‫على سائر الجَّنات (‪)1‬‬
‫وقد اتخذ الرب تعالى من الجَّنات (‪ )2‬داًر ا اصطفاها لنفسه‪ ،‬وخصها بالقرب من عرشه‪ ،‬وغرسها‬
‫بيده‪ ،‬فهي سيدة الجنان‪ ،‬والَّلُه سبحانه يختار من كِّل نوع أعاله وأفضله‪ ،‬كما اختار من المالئكة‪:‬‬
‫جبريل‪ ،‬ومن البشر‪ :‬محمًد ا ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬ومن السماوات‪ :‬الُعليا‪ ،‬ومن البالد‪ :‬مكة‪،‬‬
‫ومن األشهر‪ :‬الُح ُر م‪ ،‬ومن الليالي‪ :‬ليلة الَق ْد ر‪ ،‬ومن األيام‪ :‬يوم الجمعة‪ ،‬ومن الليل‪ :‬وسطه‪ ،‬ومن‬
‫األوقات‪ :‬أوقات الصلوات‪ ،‬إلى غير ذلك‪ ،‬فهو سبحانه {َيْخ ُلُق َما َيَش اُء َو َيْخ َتاُر } [القصص‪:‬‬
‫‪.]68‬‬
‫قال الطبراني في "معجمه"‪ :‬حدثنا ُمَّطلب بن شعيب األزدي حدثنا عبد الَّله بن صالح حدثني‬
‫الليث‪ .‬قال الطبراني‪ :‬وحدثنا أبو الِّز ْنباع َرْو ح ابن الَف َر ج حدثنا يحيى بن ُبَك ير‪ ،‬حدثنا الليث عن‬
‫زيادة (‪ )3‬بن محمد األنصاري عن محمد بن كعب الُقَر ظي عن َفَض الة بن ُعبيد عن أبي الدرداء‬
‫‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬ينزُل الَّلُه تعالى في آخر ثالث‬
‫ساعاٍت َيْبقْيَن من الليل‪ ،‬فينظُر الَّلُه في الساعة األولى منهَّن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "د‪ ،‬هـ"‪" :‬الجنان"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬الجنان"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ج"‪" :‬زياد" وهو خطأ‪.‬‬

‫(‪)1/212‬‬
‫في الكتاب اَّلذي ال ينظر فيه غيُر ُه‪ ،‬فيمحو ما يشاء ويثبت‪ ،‬ثَّم ينظر في الساعة الثانية في جَّنة‬
‫عدٍن وهي مسكُنُه (‪ )1‬اَّلذي يسكن‪ ،‬ال يكون معه فيها أحٌد إاَّل األنبياء والشهداء والصِّديقون‪،‬‬
‫وفيها ما لم يره أحد‪ ،‬وال خطَر على قلب بشر‪ ،‬ثَّم يهبُط آخر ساعة من الليل‪ ،‬فيقول‪ :‬أاَل مستغفر‬
‫يستغفرني فأغفر له؟ أال سائٌل يسألني فأعطيه؟ أال داع يدعوني فأستجيب له؟ حَّتى يطلَع الفجُر ‪،‬‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬و ُقْر آَن اْلَف ْج ِر ِإَّن ُقْر آَن اْلَف ْج ِر َك اَن َمْش ُه وًد ا} [اإلسراء‪ .]78 :‬فيشهده الَّلُه تعالى‬
‫ومالئكته" (‪. )2‬‬
‫وقال الحسن بن سفيان‪ :‬حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن الَّس ْر ح قال‪ :‬حدثني خالي (‪ )3‬عبد‬
‫الرحمن بن عبد الحميد بن سالم‪ ،‬حدثنا يحيى بن أيوب‪ ،‬عن داود بن أبي هند‪ ،‬عن أنس بن مالك‬
‫رضي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب"‪" :‬مستكَّنه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبراني في األوسط برقم (‪ ،)8635‬وفي الدعاء رقم (‪ ،)135‬وابن أبي شيبة في‬
‫العرش رقم (‪ ،)86‬وابن خزيمة في التوحيد رقم (‪ ،)199‬والطبري في تفسيره (‪،)139 /15‬‬
‫والعقيلي في الضعفاء الكبير (‪ )93 /2‬وغيرهم‪.‬‬
‫وهو حديث منكر‪ ،‬فيه زيادة بن محمد األنصاري وهو منكر الحديث كما قاله البخاري والنسائي‬
‫وأبو حاتم‪.‬‬
‫قال العقيلي‪" :‬والحديث في نزول الَّله عَّز وجل إلى السماء الدنيا ثابت‪ ،‬فيه أحاديث صحاح‪ ،‬إاَّل‬
‫أَّن زيادة هذا جاء في حديثه بألفاظ لم يأِت بها الَّناس‪ ،‬وال يتابعه عليها أحٌد منهم"‪.‬‬
‫وذكره الذهبي في الميزان (‪ ،)145 /3‬وقال‪" :‬فهذه ألفاظ منكرة لم يأِت بها غير زيادة‪." . . .‬‬
‫(‪ )3‬ليس في "أ‪ ،‬ج"‪.‬‬

‫(‪)1/213‬‬

‫الَّلُه عنه أَّن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إَّن الَّله َبَنى الفردوس بيده‪ ،‬وَح َظَر َه ا على‬
‫كِّل (‪ )1‬مشرٍك ‪ ،‬وكِّل مدمِن َخ ْم ٍر (‪ِ )2‬س ِّك يٍر " (‪. )3‬‬
‫وقد ذكر الدارمي والَّنجاد وغيرهما من حديث أبي معشر‪ :‬نجيح بن عبد الرحمن ‪ُ-‬مَتَك َّلٌم فيه‪-‬‬
‫عن عون بن عبد الَّله بن الحارث بن نوفل‪ ،‬عن أخيه عبد الَّله بن عبد الَّله عن أبيه عبد الَّله بن‬
‫الحارث رضي الَّلُه عنه قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬خلق الَّله تبارك وتعالى‬
‫ثالثة أشياء بيده‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ليس في "ج"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "أ‪ ،‬ج‪ ،‬هـ"‪" :‬الخمر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه تمام في فوائده رقم (‪ - 57 ،56‬الروض البَّس ام)‪ ،‬وابن منده في الرد على الجهمية‬
‫رقم (‪ ،)51‬وأبو نعيم في الحلية (‪ ،)95 - 94 /3‬وفي صفة الجَّنة رقم (‪ )61‬وغيرهم‪.‬‬
‫قال أبو نعيم‪" :‬غريب من حديث داود عن أنس‪ ،‬لم يروه عنه إاَّل يحيى ابن أيوب المعافري‬
‫المصري‪ ،‬تفَّر د به عنه أبو رجاء"‪.‬‬
‫قلُت ‪ :‬أبو رجاء هذا اَّلذي تفَّر د بهذا الحديث هو عبد الرحمن بن عبد الحميد بن سالم المهري‬
‫مع أَّنه وثقه أبو داود إاَّل أَّن ابن يونس ‪-‬في تاريخ مصر‪ -‬قال‪ . . ." :‬وكان قد عمي فكان‬
‫يحِّدث حفًظا‪ ،‬فأحاديثه مضطربه"‪.‬‬
‫وأيًض ا داود بن أبي هنٍد لم يسمع من أنس بن مالك قاله ابن حبان‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب التهذيب (‪ ،)528 /2‬والثقات البن حبان (‪.)278 /6‬‬
‫وقد خولف أبو رجاء‪ ،‬خالفه سعيد بن كثير بن عفير المصري‪.‬‬
‫فرواه سعيد عن يحيى بن أيوب عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هالل عن أنس بن مالك‬
‫بمثله‪.‬‬
‫أخرجه ابن منده في الَّر ِّد على الجهمية رقم (‪.)52‬‬
‫وهذا هو الصواب‪ ،‬وعليه فاإلسناد منقطع سعيد بن أبي هالل لم يسمع من أنس‪ .‬تهذيب الكمال‬
‫(‪.)95 /11‬‬

‫(‪)1/214‬‬

‫خلق آدم بيده‪ ،‬وكتب التوراة بيده‪ ،‬وغرس الفردوس بيده" ثَّم قال‪" :‬وعَّز تي وجاللي ال يدخلها‬
‫ُمدمُن خمٍر وال الُّديوُث "‪ .‬قالوا‪ :‬يا رسول الَّله‪ ،‬قد عرفنا مدمن الخمر‪ ،‬فما الَّد ُّيوث؟ قال‪" :‬اَّلذي‬
‫ُيِق ُّر الُّس وء في أهله" (‪. )1‬‬
‫قلُت ‪ :‬المحفوظ أَّنه موقوف‪.‬‬
‫قال الَّدارمي‪ :‬حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الواحد بن زياد‪ ،‬حدثنا عبيد بن مهران حدثنا‬
‫مجاهد قال‪ :‬قال عبد الَّله بن عمر‪َ" :‬خ َلَق الَّلُه أربعة أشياء بيدِه‪ :‬العرَش ‪ ،‬والقلَم ‪ ،‬وَعدن‪ ،‬وآدم‪ ،‬ثَّم‬
‫قال لساِئِر الخلِق ُك ْن فكان" (‪. )2‬‬
‫وحدثنا موسى بن إسماعيل‪ ،‬حدثنا أبو عوانة عن عطاء بن الَّس ائب عن َمْيسرة قال‪ :‬إَّن الَّلَه لم‬
‫يمَّس شيًئا من خلقه غير ثالٍث ‪" :‬خلق آدم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)41‬وأبو الشيخ األصبهاني في العظمة رقم (‬
‫‪ )1117‬مختصًر ا‪ ،‬والدارقطني في الصفات رقم (‪ ،)28‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪.)23‬‬
‫والحديث مرسل ضعيف اإلسناد‪ ،‬فإَّن عبد الَّله بن الحارث قال العالئي‪" :‬حديثه مرسل قطًعا"‪،‬‬
‫نجيح بن عبد الرحمن هو السندي ضعيف الحديث‪.‬‬
‫انظر‪ :‬جامع التحصيل للعالئي رقم (‪ ،)345‬والتقريب رقم (‪.)7100‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الدارمي في الرد على بشر المريسي رقم (‪ 44‬و ‪ ،)112‬واَّلاللكائي في شرح أصول‬
‫االعتقاد رقم (‪ 729‬و ‪ ،)730‬والحاكم (‪ )350 /2‬رقم (‪ ،)3244‬وأبو الشيخ في العظمة رقم‬
‫(‪ 213‬و ‪ ،)1018‬والطبري في تفسيره (‪.)185 /23‬‬
‫من طرق عن عبيد المكتب به‪.‬‬
‫قال الحاكُم‪" :‬هذا حديٌث صحيح اإلسناد ولم يخرجاه"‪ .‬وهو كما قال‪.‬‬

‫(‪)1/215‬‬

‫بيده‪ ،‬وكتب التوراة بيده‪ ،‬وغرس جَّنة عدٍن بيده" (‪. )1‬‬
‫وحدثنا محمد بن المنهال حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس عن‬
‫كعب قال‪" :‬لم يخلق الَّلُه بيده غير ثالث‪ :‬خلَق آدم بيده‪ ،‬وكتب التوراة بيده‪ ،‬وغرس جَّنة عْد ٍن‬
‫بيده‪ .‬ثَّم قال لها‪ :‬تكلمي‪ ،‬قالت‪َ{ :‬قْد َأْفَلَح اْلُم ْؤ ِم ُنوَن (‪. )2( }) 1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الَّدارمي في النقض على بشر المريسي رقم (‪ ،)45‬وهناد في الزهد رقم (‪،)44‬‬
‫والطبري في تفسيره (‪.)18 /1‬‬
‫من طريق أبي عوانة وأبي األحوص وجرير كلهم عن عطاء به‪.‬‬
‫ولفُظ أبي األحوص "خلق الَّلُه تبارك وتعالى بيده أربعة خلق‪ :‬آدم بيده‪ ،‬واللوح والقلم بيده‪،‬‬
‫وغرس جَّنة عدن بيده‪ ،‬ثَّم قال‪ :‬قد أفلح المؤمنون‪ .‬وقال ‪-‬يعني أبا األحوص‪ -‬والَّر ابعة أغفلها‪.‬‬
‫ولفظ جرير بنحوه‪.‬‬
‫ولعَّل لفظ أبي عوانة أصح‪ ،‬فقد ذكر بعض أهل العلم أَّنه سمع من عطاء قبل اختالطه وبعد ما‬
‫اختلط‪ ،‬وأَّما جرير فجزموا بأَّنه سمع منه بعد االختالط ورواية جرير توافق رواية أبي األحوص‬
‫ورواية أبي عوانة تخالفهما فلعَّل رواية أبي عوانة هذه من صحيح حديثه عن عطاء‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫الكواكب النيرات ص (‪ )323‬وص (‪.)328‬‬
‫وميسرة هو أبو صالح الكندي تابعي روى عن علي بن أبي طالب رضي الَّلُه عنه‪ .‬انظر‪ :‬تهذيب‬
‫الكمال (‪.)197 /29‬‬
‫وعليه فاألثر اَّلذي ساقه المؤلف حسن‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الدارمي في النقض على بشر المريسي رقم (‪ ،)46‬واآلجري في الشريعة رقم (‬
‫‪.)759‬‬
‫ورواه عبد الواهاب الثقفي عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال‪ :‬بلغنا أَّن كعًبا قال فذكر نحوه‪.‬‬
‫أخرجه المروزي في زياداته على الزهد البن المبارك رقم (‪= ،)1458‬‬

‫(‪)1/216‬‬

‫وقال أبو الشيخ‪ :‬حدثنا أبو يعلى‪ ،‬حدثنا أبو الربيع‪ ،‬حدثنا يعقوب الُقِّم ي حدثنا حفص بن حميد‬
‫عن ِش ْم ر بن عطية قال‪" :‬خلق الَّلُه جَّنة الفردوس بيده‪ ،‬فهو يفتحها كل يوم خميس‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫ازدادي طيًبا ألوليائي‪ ،‬ازدادي حسًنا ألوليائي" (‪. )1‬‬
‫وذكر الحاكم عن مجاهد قال‪" :‬إَّن الَّلَه تعالى غرس جنات عدن بيده‪ ،‬فلَّم ا تكاملت ُأغلقت فهي‬
‫تفتح في كِّل َسَح ٍر ‪ ،‬فينظر الَّلُه إليها فيقول‪َ{ :‬قْد َأْفَلَح اْلُم ْؤ ِم ُنوَن ( ‪. )2( })1‬‬
‫__________‬
‫= والبيهقي في البعث والنشور رقم (‪.)234‬‬
‫ورواه معمر وغيره عن قتادة أَّن كعًبا قال فذكره‪.‬‬
‫أخرجه الطبري في تفسيره (‪ ،)1 /18‬وابن حبيب في وصف الفردوس رقم (‪ )5‬وغيرهما‪.‬‬
‫وفي الحديث اختالٌف آخر سيأتي ص (‪ ،)219‬ولعَّل الطريق اَّلذي ساقه المؤلف أصحها‪،‬‬
‫فاإلسناد صحيح إلى كعب األحبار‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه حرب في مسائله ص (‪ ،)407‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة برقم (‪.)181‬‬
‫وسنده حسن إلى ِش ْم ر بن عطية الكوفي وهو من أتباع التابعين‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البيهقي في البعث والنشور رقم (‪ )237‬من طريق جابر الجعفي عن مجاهد فذكره‪.‬‬
‫وجابر متكلٌم فيه فوثقه بعضهم واتهمه آخرون‪ ،‬لكنه لم ينفرد به‪.‬‬
‫فرواه عبد العزيز بن رفيع والقاسم بن أبي بَّز ة عن مجاهد بنحوه‪.‬‬
‫أخرجه الطبري في تفسيره (‪ ،)1 /18‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪.)18‬‬
‫وفي إسناديهما مقال‪.‬‬

‫(‪)1/217‬‬

‫وذكر البيهقي من حديث البغوي حدثنا يونس بن عبيد الَّله (‪ )1‬البصري حدثنا عدي بن الفضل‬
‫عن الُج َر يري (‪ ، )2‬عن أبي َنْض َر ة عن أبي سعيد رضي الَّلُه عنه قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله‬
‫عليه وسلم‪" :-‬إَّن الَّلَه أحاط حائط الجَّنة لبنًة من ذهب ولبنًة من فضة‪ ،‬وغرس غْر سها بيده‪ ،‬ثَّم‬
‫قال لها‪ :‬تكلمي‪ ،‬فقالت‪َ{ :‬قْد َأْفَلَح اْلُم ْؤ ِم ُنوَن (‪[ } )1‬المؤمنون‪ ،]1 :‬فقال‪ :‬طوبى لك منزل‬
‫الملوك" (‪. )3‬‬
‫وقال ابن أبي الدنيا‪ :‬حدثنا محمد بن المثنى البزاز‪ ،‬حدثنا محمد ابن زياد الكلبي حدثنا بشر (‪)4‬‬
‫بن حسين عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس رضي الَّلُه عنه قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪َ" :-‬خ َلَق الَّلُه جَّنة عدٍن بيده‪َ ،‬لبَنًة من دَّر ٍة بيضاَء‪ ،‬ولبنًة من ياقوتٍة حمراء‪ ،‬ولبنًة‬
‫من َز برَج دٍة خضراَء‪ ،‬مالطها المسك‪ ،‬وحصباؤها اللؤلؤ‪ ،‬وحشيشها الزعفران‪ ،‬ثَّم قال لها‪:‬‬
‫انطقي‪ ،‬فقالت‪َ{ :‬قْد َأْفَلَح اْلُم ْؤ ِم ُنوَن (‪ ،} )1‬فقال الَّله عَّز وجل‪ :‬وعزتي وجاللي ال يجاورني فيك‬
‫بخيل‪ ،‬ثَّم تال رسول الَّله‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في نسخة على حاشية "أ" "عبد الَّله"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "هـ"‪" :‬الجوهري" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ )237 ،140‬وفي الحلية (‪ ،)204 /6‬والبيهقي في‬
‫البعث والنشور رقم (‪.)236‬‬
‫وعدي بن الفضل هو البصري متروك الحديث‪ ،‬وقد خولف‪:‬‬
‫خالفه وهيب‪ ،‬فرواه وهيب عن الجريري به موقوًفا‪.‬‬
‫أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)237‬والبزار كما سيأتي عند المؤلف‪.‬‬
‫ورجح المنذري والمؤلف في ص (‪ ،)592‬الموقوف‪ ،‬وهو كما قاال‪.‬‬
‫(‪ )4‬في جميع النسخ "بشير" وهو خطأ‪.‬‬

‫(‪)1/218‬‬

‫‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪َ{ :-‬و َمْن ُيوَق ُش َّح َنْف ِس ِه َفُأوَلِئَك ُه ُم اْلُم ْف ِلُح وَن (‪[ } )9‬الحشر‪( ]9 :‬‬
‫‪. )1‬‬
‫وتأَّم ل هذه العناية كيف جعل الجَّنة (‪ )2‬التي غرسها بيديه (‪ )3‬لمن خلقه بيديه وألفضل ذريته =‬
‫اعتناًء وتشريًف ا وإظهاًر ا لفضل ما خلقه بيديه (‪ )4‬وشرفه‪ ،‬وتمييزه (‪ )5‬بذلك عن غيره‪ ،‬وبالَّله‬
‫التوفيق‪ ،‬فهذه الجَّنة في الجنان؛ كآدم في نوع الحيوان‪.‬‬
‫وقد روى مسلم في "صحيحه" (‪ )6‬عن المغيرة بن شعبة عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪:‬‬
‫"سأَل موسى ربه‪ :‬ما (‪ )7‬أدنى أهل الجَّنة منزلًة؟ قال‪ :‬رجٌل يجيء بعدما دخل أهل الجَّنة الجَّنة‪،‬‬
‫فيقال له‪ :‬أدخِل الجنة‪ ،‬فيقول‪ :‬رِّب كيف وقد نزل الَّناس منازلهم‪ ،‬وأخذوا أخذاتهم؟! فيقال له‪:‬‬
‫أترضى أْن يكون لك مثل َم ِلٍك (‪ )8‬من ملوك الدنيا؟ فيقول‪ :‬رضيت رِّب ‪ ،‬فيقول له‪ :‬لك ذلك‬
‫وِم ْثُله وِم ْثله ومثله ومثله‪ ،‬فقال في الخامسة‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)20‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪)17‬‬
‫مختصًر ا‪.‬‬
‫وهو حديث باطل وخطأ‪ ،‬فإَّن محمد بن زياد الكلبي ضعيف جًّدا‪ ،‬وبشر ابن حسين متروك‪ ،‬وهو‬
‫خطأ على سعيد بن أبي عروبة‪.‬‬
‫وصوابه عن سعيد عن قتادة عن أنس عن كعب األحبار كما تقدم ص (‪.)217‬‬
‫(‪ )2‬في "ب‪ ،‬د" "وتأَّمل كيف هذه العناية كيف جعل الجنة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "د‪ ،‬هـ" ونسخٍة على حاشية "أ" "بيده" وكذا بعده‪.‬‬
‫(‪ )4‬في نسخٍة على حاشية "أ" "بيده"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في "هـ"‪" :‬وتميزه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬رقم (‪.)189‬‬
‫(‪ )7‬في نسخة على حاشية "أ" "من"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في مسلم‪" :‬مثل ُمْلِك َم ِلٍك "‪.‬‬

‫(‪)1/219‬‬

‫رضيت رب‪ .‬قال‪ :‬رب‪ ،‬فأعالهم منزلًة‪ ،‬قال‪ :‬أولئك اَّلذين أردت‪ ،‬غرست كرامتهم بيدَّي ‪،‬‬
‫وختمت عليها‪ ،‬فلم تَر عيٌن ولم تسمع أُذٌن ‪ ،‬ولم يخطر على قلب بشر"‪ ،‬ومصداقه من كتاب‬
‫الَّلِه‪َ{ :‬فاَل َتْع َلُم َنْف ٌس َم ا ُأْخ ِف َي َلُه ْم ِم ْن ُقَّر ِة َأْع ُيٍن } [السجدة‪.]17 :‬‬

‫(‪)1/220‬‬

‫الباب الَّر ابع والعشرون في ذكر بَّو اِبْي الجَّنة وخزنتها‪ ،‬واسم ُمقَّدمهم ورئيسهم‬
‫ِت‬ ‫ِة‬ ‫ِس ِذ‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬و يَق اَّل يَن اَّتَق ْو ا َر َّبُه ْم ِإَلى اْلَج َّن ُز َم ًر ا َح َّتى ِإَذا َج اُءوَه ا َو ُف َح ْت َأْبَو اُبَه ا َو َقاَل َلُه ْم‬
‫َخ َز َنُتَه ا َس اَل ٌم َعَلْيُك ْم ِط ْبُتْم َفاْدُخ ُلوَه ا َخ اِلِد يَن (‪[ })73‬الزمر‪.]73 :‬‬
‫والَخ َز َنة‪ :‬جمع خازن‪ ،‬مثل َح َف َظة وَح اِفظ‪ ،‬وهو الُم ْؤ َتَم ن على الشيء اَّلذي قد استحفظه‪.‬‬
‫وروى مسلٌم في "صحيحه" (‪ )1‬من حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس رضي الَّلُه عنه‬
‫قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬آتي باَب الجَّنة يوَم القيامة فأستفتح‪ ،‬فيقول‬
‫الخازُن ‪ :‬من أنَت ؟ فأقول محمٌد ‪ ،‬فيقول‪ :‬بك أمرُت أْن ال أفتح ألحٍد قبَلَك "‪.‬‬
‫وقد تقَّدم حديث أبي هريرة المتفق عليه (‪" :)2‬من أنفق زوجين في سبيل الَّله دعاُه خزنُة الجَّنة‬
‫كُّل خزنة باب‪ :‬أي ُفُل هُلَّم "‪ .‬قال أبو بكر‪ :‬يا رسول الَّله‪ ،‬ذاك الذي ال َتَو ى عليه‪ ،‬فقال الَّنبي ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إِّني ألرجو أْن تكون منهم"‪.‬‬
‫وفي لفٍظ ‪ :‬هل يدعى أحٌد من تلك األبواب كلها؟ قال‪" :‬نعم‪ ،‬وأرجو أْن تكون منهم"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬برقم (‪.)197‬‬
‫(‪ )2‬تقدم ص (‪.)110‬‬
‫(‪)1/221‬‬

‫لَّم ا َسَم ْت ِه َّمُة الِّص َّديق إلى تكميل مراتب اإليمان‪ ،‬وطمعت نفسه أْن ُيْد َعى من تلك األبواب‬
‫كَّلها‪ ،‬فسأل رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬هل يحصل ذلك ألحد من الَّناس‪ ،‬ليسعى في‬
‫العمل اَّلذي ينال به ذلك‪ ،‬فأخبره بحصوله وبَّش ره بأَّنه من أهله‪ ،‬فكأَّنُه قال‪ :‬هل يكمل أحد هذه‬
‫المراتب فُيدعى يوم القيامة من أبوابها كلها؟‬
‫فِلَّلِه ما أعلى هذه الهَّم ة‪ ،‬وأكبر هذه الَّنفس‪.‬‬
‫وقد سَّم ى الَّلُه سبحانه وتعالى كبير الخزنة ِر ْض وان (‪ . )1‬وهو اسٌم مشتٌّق من الِّر ضا‪ ،‬وسَّم ى‬
‫خازن الَّناِر مالًك ا (‪ ، )2‬وهو اسٌم مشتٌّق من الملك‪ ،‬وهو القَّو ة والِّش َّدة حيث َتَص َّر فت ُح ُر وُفه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬جاء ذلك في حديث أخرجه الواحدي في أسباب النزول ص (‪ )332‬والبيهقي في شعب‬
‫اإليمان (‪ )296 - 293 /7‬رقم (‪ :)3421‬من طريق الضحاك عن ابن عباس‪.‬‬
‫وسنده ضعيٌف جًّدا‪.‬‬
‫وفي حديث عن أنس عند الدارقطني في الرؤية رقم (‪ )64‬وغيره‪.‬‬
‫وهو حديٌث منكر‪ ،‬وسيأتي ص (‪.)393‬‬
‫وفي الباب أحاديث عن ُأبي بن كعب وعن أبي سعيد الخدري وعائشة‪ ،‬وال يصح في هذا الباب‬
‫شيء والَّله أعلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬في قوله تعالى‪َ{ :‬و َناَدْو ا َياَماِلُك ِلَيْق ِض َعَلْيَنا َر ُّبَك َقاَل ِإَّنُك ْم َماِكُثوَن } [الزخرف‪.]77 :‬‬

‫(‪)1/222‬‬

‫الباب الخامس والعشرون في ذكر أَّو ل من يقرع باب الجَّنة‬


‫قد تقدم في حديث أنس (‪ ،)1‬ورواه الطبراني بزيادة فيه قال‪" :‬فيقوُم الخازُن ‪ ،‬فيقوُل ‪ :‬ال أفتُح‬
‫ألحٍد قبَلك‪ ،‬وال أقوُم ألحٍد بعدك" (‪.)2‬‬
‫وذلك أَّن قيامه إليه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬خاصة إظهار لمِز َّيته ومرتبته‪ ،‬وال يقوم في خدمة‬
‫أحد بعده‪ ،‬بل خزنة الجَّنة يقومون في خدمته‪ ،‬وهو كالملك عليهم‪ ،‬وقد أقامه الَّلُه في خدمة‬
‫عبده ورسوله حتى مشى إليه وفتح له الباب‪.‬‬
‫وقد روى أبو هريرة رضي الَّلُه عنه‪ ،‬عنه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬أنا أَّو ُل من ُيْف َتُح له باب‬
‫الجَّنة‪ ،‬إاَّل أَّن امرأة تبادرني‪ ،‬فأقول لها ماَلِك أو ما أنِت ؟ فتقول‪ :‬أنا امرأٌة قعدُت على يتاماي (‪)3‬‬
‫" (‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ص (‪.)121‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)83‬والخليلي في مشيخته كما في كنز العَّم ال (‪/11‬‬
‫‪.)32047‬‬
‫وفيه عند أبي نعيم محمد بن يونس الكديمي وهو متهم بالكذب‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ب‪ ،‬هـ"‪" :‬يتامى"‪ ،‬وفي مسند أبي يعلى "أيتام لي"‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو يعلى في مسنده (‪ )7 /2‬رقم (‪ )6651‬واألصبهاني في الترغيب والترهيب (‪/3‬‬
‫‪.)2025‬‬
‫من طريق يعقوب بن إسحاق الحضرمي عن عبد السالم بن عجالن عن أبي عثمان النهدي عن أبي‬
‫هريرة فذكره‪.‬‬
‫خالفه سهل بن بَّك ار‪.‬‬
‫فرواه عن عبد السالم بن عجالن عن أبي يزيد المدني عن أبي هريرة رفعه =‬

‫(‪)1/223‬‬

‫وفي الترمذي من حديث ابن عباس رضي الَّلُه عنهما قال‪ :‬جلَس ناٌس من أصحاب الَّنبي ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪ -‬ينتظرونه‪ ،‬قال‪ :‬فخرج حَّتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون‪ ،‬فسمع حديثهم‪،‬‬
‫فقال بعضهم‪َ :‬عَجًبا إَّن الَّله من خلقه خلياًل ‪ ،‬اتخذ إبراهيم خلياًل ‪ ،‬وقال آخر‪ :‬ماذا بأعجب من‬
‫كالمه موسى (‪ )1‬كَّلمه تكليًم ا‪ ،‬وقال آخر‪ :‬فعيسى كلمة الَّلُه وروحه‪ ،‬وقال آخر‪ :‬آدم اصطفاُه‬
‫الَّلُه‪ ،‬فخرج عليهم‪ ،‬فسَّلم وقال‪ :‬سمعُت كالمكم وعجبكم‪ ،‬إَّن إبراهيم خليُل الَّله وهو كذلك‪،‬‬
‫وموسى نجُّي الَّلِه‪ ،‬وهو كذلك‪ ،‬وعيسى روحه وكلمته‪ ،‬وهو كذلك‪ ،‬وآدم اصطفاُه الَّلُه‪ ،‬وهو‬
‫كذلك‪ ،‬أال وأنا حبيب الَّله وال فخر‪ ،‬وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة وال فخر‪ ،‬وأنا أَّو ل شافٍع‬
‫وأَّو ل مشَّف ع يوم القيامة وال فخر (‪ ، )2‬وأنا أَّو ل‬
‫__________‬
‫= بلفظ "حَّر م الَّلُه على كِّل آدمي الجَّنة يدخلها قبلي غير أِّني انظر عن يميني فإذا بامرأة تبادرني‬
‫إلى باب الجَّنة‪ " . . .‬بنحوه‪.‬‬
‫أخرجه الخرائطي في مكارم األخالق رقم (‪.)691‬‬
‫قلُت ‪ :‬الحديث مداره على عبد السالم بن عجالن وقد اضطرب فيه ‪-‬وهو لين‪ -‬قال أبو حاتم‪:‬‬
‫"شيخ بصري يكتب حديثه"‪ .‬وذكره ابن حبان في الثقات (‪ )127 /7‬وقال‪" :‬يخطئ ويخالف"‪.‬‬
‫والحديث ضعفه البوصيري فقال‪" :‬رواه أبو يعلى بسنٍد ضعيف‪ ،‬لضعف عبد السالم بن عجالن"‪.‬‬
‫وحسنه المنذري وقال ابن حجر‪" :‬رواته ال بأس بهم"‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الترغيب والترهيب للمنذري (‪ ،)349 /3‬والفتح (‪ ،)436 /10‬وإتحاف الخيرة المهرة‬
‫للبوصيري رقم (‪.)5073‬‬
‫(‪ )1‬في نسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬لموسى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬قوله "وال فخر" سقط من "ب"‪.‬‬

‫(‪)1/224‬‬

‫من يحِّر ك َح َلَق الجَّنة فيفتح لي فأدخلها‪ ،‬ومعي فقراء المؤمنين وال فخر‪ ،‬وأنا أكرم األولين‬
‫واآلخرين وال فخر" (‪. )1‬‬
‫وعن أنس بن مالك رضي الَّلُه عنه قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬أنا أَّو ل الَّناِس‬
‫خروًج ا إذا بعثوا‪ ،‬وأنا خطيبهم إذا أنصتوا‪ ،‬وقائدهم إذا وفدوا‪ ،‬وشافعهم إذا ُح ِبسوا‪ ،‬وأنا‬
‫مبشرهم إذا أيسوا (‪ ، )2‬لواء الحمد بيدي‪ ،‬ومفاتيح الجَّنة يومئٍذ بيدي‪ ،‬وأنا أكرُم ولد آدم يومئذ‬
‫على ربي وال فخر‪ ،‬يطوف علَّي ألف خادم كأَّنهم اللؤلؤ المكنون" رواه الترمذي (‪ ، )3‬والبيهقي‬
‫واللفظ له (‪. )4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الترمذي برقم (‪ )3616‬والدارمي برقم (‪.)48‬‬
‫من طريق زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس فذكره‪.‬‬
‫والحديث ضعفه الترمذي وابن كثير وفيه زمعة وهو ضعيف‪ ،‬وسلمة فيه مقال‪.‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬هذا حديث غريب"‪.‬‬
‫وقال ابن كثير‪" :‬وهذا حديث غريب من هذا الوجه‪ ،‬ولبعضه شواهد في الصحاح وغيرها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "أ‪ ،‬هـ"‪" :‬يئسوا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الترمذي برقم (‪ ،)3610‬والبيهقي في دالئل النبوة (‪.)484 - 483 /5‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬حسن غريب"‪.‬‬
‫والحديث مداره على ليث بن أبي سليم وهو ضعيف لسوء حفظه‪ ،‬واختالطه في آخر عمره‪ ،‬وقد‬
‫اضطرب في هذا الحديث‪ .‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)288 - 279 /24‬‬
‫(‪ )4‬قوله‪" :‬واللفظ له" ليس في "ب"‪.‬‬

‫(‪)1/225‬‬

‫وفي "صحيح مسلم" (‪ )1‬من حديث المختار بن فلفل عن أنس ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬أنا أكثر الَّناس تبًعا يوم القيامة‪ ،‬وأنا أَّو ل من يقرع باَب‬
‫الجَّنة"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رقم (‪.)331( - )196‬‬

‫(‪)1/226‬‬

‫الباب السادس والعشرون في ذكر أَّو ل األمم دخواًل الجَّنة‬


‫وفي "الصحيحين" (‪ )1‬من حديث هَّم ام بن ُمَنِّبٍه‪ ،‬عن أبي هريرة ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬نحُن الَّس ابقون األَّو لون يوم القيامة‪َ ،‬بْيَد أَّنهم أوتوا الكتاَب‬
‫من قبلنا‪ ،‬وأوتيناه من بعدهم"‪.‬‬
‫أي‪ :‬لم يسبقونا إاَّل بهذا القدر‪ ،‬فمعنى‪َ" :‬بْيَد " معنى ِس َو ى وغير وإاَّل أَّن ‪ ،‬ونحوها‪.‬‬
‫وفي "صحيح مسلم" (‪ )2‬من حديث أبي صالح عن أبي هريرة رضي الَّلُه عنه قال‪ :‬قال رسول‬
‫الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬نحُن اآلخرون األَّو لون يوَم القيامة‪ ،‬ونحُن أَّو ل من يدخل الجَّنة‪،‬‬
‫بيَد أَّنهم أوتوا الكتاب من قبلنا‪ ،‬وأوتيناه من بعدهم‪ ،‬فاختلفوا فهدانا الَّلُه لما اختلفوا فيه من‬
‫الحق بإذنه (‪." )3‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪ )4‬من حديث طاووس عن أبي هريرة ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله‬
‫عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬نحُن اآلخرون األَّو لون يوَم القيامة‪ ،‬نحُن أَّو ُل الَّناِس دخواًل الجَّنة‪ ،‬بيَد أَّنهم‬
‫أوتوا الكتاَب من قبلنا‪ ،‬وأوتيناه من‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)6630‬ومسلم رقم (‪ )21( - )855‬وفيهما "اآلخرون السابقون"‬
‫بدل "السابقون األولون"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رقم (‪.)20( - )855‬‬
‫(‪ )3‬من "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪ ،‬وليست في مسلم وال "أ"‪.‬‬
‫(‪ )4‬البخاري رقم (‪ ،)856‬ومسلم رقم (‪ )849‬واللفظ للبخاري وعنده "السابقون" بدل‬
‫"األَّو لون"‪.‬‬

‫(‪)1/227‬‬

‫بعدهم"‪.‬‬
‫وروى الدارقطني من حديث زهير بن محمد عن عبد الَّله بن محمد ابن َعِق يل‪ ،‬عن الزهري عن‬
‫سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬عن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪ -‬قال‪" :‬إَّن الجَّنة ُح ِّر مت على األنبياء كَّلهم حتى أدخلها‪ ،‬وُح ِّر مت على األمم حتى تدخلها‬
‫أمتي" (‪. )1‬‬
‫قال الَّدارقطني‪" :‬غريب عن الزهري‪ ،‬وال أعلُم ُر وي عن عبد الَّله بن محمد بن عقيل عن الزهري‬
‫غير هذا الحديث‪ ،‬وال رواُه إاَّل عمرو بن أبي سلمة [الِّتِّنيسي عن صدقة الَّس مين] (‪ )2‬عن زهير"‪.‬‬
‫فهذه األمة أسبق األمم خروًج ا من األرِض وأسبقهم إلى أعلى مكان في الموقف‪ ،‬وأسبقهم إلى‬
‫ظل العرش‪ ،‬وأسبقهم إلى الفصل والقضاء بينهم‪ ،‬وأسبقهم إلى الجواز على الصراط‪ ،‬وأسبقهم‬
‫إلى دخول الجَّنة‪ ،‬فالجَّنة محرمة على األنبياء حتى يدخلها محمد ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪-‬‬
‫ومحرمة على األمم حتى تدخلها أمته‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الَّدارقطني في األفراد كما في أطراف الغرائب (‪ ،)103 /1‬وابن أبي حاتم في العلل‬
‫(‪ )227 /2‬رقم (‪ ،)2167‬والطبراني في األوسط رقم (‪ ،)942‬وابن عدي في الكامل (‪/4‬‬
‫‪.)129‬‬
‫قال الطبراني‪" :‬لم يرو هذا الحديث عن الزهري إاَّل عن ابن عقيل‪ ،‬وال عن ابن عقيل إاَّل زهير‪،‬‬
‫وال عن زهير إاَّل صدقة‪ ،‬تفَّر د به عمرو"‪.‬‬
‫قال أبو زرعة الَّر ازي‪" :‬ذا حديث منكر ال أدري كيف هو"‪.‬‬
‫والحديث جعله ابن عدي من منكرات عبد الَّله بن محمد بن عقيل‪.‬‬
‫(‪ )2‬ما بين المعقوفتين ليس في النسخ واستدركته من أطراف الغرائب‪.‬‬

‫(‪)1/228‬‬

‫وأَّما (‪ )1‬أَّو ل األمة دخواًل ‪ :‬فقال أبو داود في "سننه" حدثنا هَّناد بن الَّس رِّي ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن‬
‫محمد الُم حاربي عن عبد السالم بن حرب عن أبي خالد الَّداالني عن أبي خالد مولى آل َج ْع دة‬
‫عن أبي هريرة رضي الَّلُه عنه قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬أتاني جبريل فأخذ‬
‫بيدي‪ ،‬فأراني باب الجَّنة اَّلذي تدخُل منه أمتي"‪ .‬فقال أبو بكر‪ :‬يا رسول الَّله‪ ،‬وددُت لئن (‪)2‬‬
‫كنُت معك حتى أنظر إليه‪ ،‬فقال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬أما إَّنك يا أبا بكر أَّو ل‬
‫من يدخل الجَّنة من أمتي" (‪. )3‬‬
‫وقوله‪" :‬وددت لئن كنت معك (‪ ." )4‬حرًص ا منه على زيادة اليقين‪ ،‬وأن يصير الخبر عياًنا‪ ،‬كما‬
‫قال إبراهيم الخليل {َر ِّب َأِر ِني َك ْيَف ُتْح ِي اْلَمْو َتى َقاَل َأَو َلْم ُتْؤ ِم ْن َقاَل َبَلى َو َلِكْن ِلَيْطَم ِئَّن َقْلِبي}‬
‫[البقرة‪.]260 :‬‬
‫وأَّما الحديث اَّلذي رواُه ابن ماجه في "سننه"‪ :‬حدثنا إسماعيل بن عمر الطلحي‪ ،‬أنبأنا داود بن‬
‫عطاء المديني‪ ،‬عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب‪ ،‬عن ُأبِّي بن كعب ‪-‬‬
‫رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬أَّو ل من يصافحه الحق عمر‬
‫وأَّو ل من يسِّلم عليه‪ ،‬وأَّو ل من يأخذ بيده فيدخله الجَّنة" (‪. )5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬وأنا" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬كذا في جميع النسخ‪ ،‬وكذلك ما بعدها‪ ،‬وجاء في سنن أبي داود "أني" بدل "لئن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تقدم في الباب الحادي عشر ص (‪.)123‬‬
‫(‪ )4‬من قوله‪" :‬حتى أنظر إليه" إلى "معك" سقط من "ج"‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه ابن ماجه برقم (‪ )104‬وابن أبي عاصم في السنة برقم (‪= ،)1280‬‬

‫(‪)1/229‬‬

‫فهو حديٌث منكر جًّدا‪ ،‬قال اإلمام أحمد‪" :‬داود بن عطاء ليس بشيٍء "‪ ،‬وقال البخاري‪" :‬منكر‬
‫الحديث" (‪. )1‬‬
‫__________‬
‫= والقطيعي في زوائد فضائل الصحابة برقم (‪ ،)630‬والحاكم في المستدرك (‪ )90 /3‬رقم (‬
‫‪ )4489‬وغيرهم‪.‬‬
‫قال الذهبي‪" :‬موضوع في سنده كَّذ اب"‪.‬‬
‫وقال أيًض ا في الميزان (‪" :)20 /3‬هذا منكٌر جًّدا"‪.‬‬
‫وقال ابن كثير‪" :‬هذا الحديث منكر جًّدا‪ ،‬وما أبعد أْن يكون موضوًعا‪ ،‬واآلفة فيه من داود بن‬
‫عطاء هذا"‪.‬‬
‫انظر‪ :‬جامع المسانيد (‪ )72 /1‬رقم (‪.)40‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬أقوال أئمة الجرح والتعديل في داود هذا‪ ،‬في تهذيب الكمال (‪.)420 - 419 /8‬‬

‫(‪)1/230‬‬

‫الباب السابع والعشرون في ذكر الَّس ابقين من (‪ )1‬هذه األمة إلى الجَّنة وصفتهم‬
‫في "الصحيحين" (‪ )2‬من حديث هَّم ام بن ُمَنِّبه عن أبي هريرة ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول‬
‫الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬أَّو ل ُز مرة َتلُج الجَّنة ُصَو ُر هم على صورة القمِر ليلة الَبْد ِر ‪ ،‬ال‬
‫يبصقون فيها‪ ،‬وال يمتخطون فيها‪ ،‬وال يتغوطون فيها‪ ،‬آنيتهم وأمشاطهم الذهُب والفضة‪،‬‬
‫ومجامرهم اُألُلَّو ة (‪ ،)3‬ورشحهم المسك‪ ،‬ولكِّل واحٍد منهم زوجتان ُيرى ُمُّخ سوقهما من وراء‬
‫اللحم من الُح سن‪ ،‬ال اختالف بينهم وال تباغض‪ ،‬قلوُبهم على قلب واحد (‪ ،)4‬يسبحون الَّلَه‬
‫ُبْك َر ًة وَعشًّيا"‪.‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪ )5‬أيًض ا من حديث أبي ُز رعة‪ ،‬عن أبي هريرة رضي الَّلُه عنه قال‪ :‬قال رسول‬
‫الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬أَّو ل ُز مرٍة يدخلون الجَّنة على صورة القمر ليلَة البدِر ‪ ،‬واَّلذين‬
‫يلونهم على ضوِء أشِّد كوكٍب ُدرٍّي في السماء إضاءًة‪ ،‬ال يبولون وال يتغَّو طون‪ ،‬وال يتُف لون وال‬
‫َيْم تِخ طون‪ ،‬أمشاطهم الذهُب ورشحهم المسُك ‪ ،‬ومجامرهم اُألُلَّو ُة‪ ،‬وأزواجهم الحوُر العيُن ‪،‬‬
‫أخالُقهم على َخ ْلِق رجٍل واحٍد ‪ ،‬على صورة أبيهم آدم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬د"‪" :‬في"‪.‬‬
‫(‪ )2‬البخاري رقم (‪ ،)3073‬ومسلم رقم (‪.)17( - )2834‬‬
‫(‪ )3‬اُألُلَّو ة‪ :‬هو العود اَّلذي يتبخر به‪ ،‬وُتْف تح همزته وُتَض م‪ ،‬انظر‪ :‬النهاية (‪.)63 /1‬‬
‫(‪ )4‬عند البخاري "قلوبهم قلُب رجٍل واحٍد " وعند مسلم "قلوبهم قلٌب واحد"‪.‬‬
‫(‪ )5‬البخاري رقم (‪ ،)3149‬ومسلم رقم (‪.)15( - )2834‬‬

‫(‪)1/231‬‬

‫ستون ذراًعا في الَّس ماِء "‪.‬‬


‫وروى ُش ْع بة وقيس عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن ُج بير عن ابن عباس ‪-‬رضي الَّله عنهما‪-‬‬
‫قال‪ :‬قال رسول الَّله (‪- )1‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬أَّو ل من ُيدعى إلى الجَّنة يوَم القيامة‬
‫الحَّم ادون اَّلذين يحمدون الَّلَه في الَّسَّر اء والَّضراء" (‪. )2‬‬
‫وقال اإلمام أحمد‪ :‬حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا هشام الدْس توائي عن يحيى بن كثير عن عامر‬
‫الُعَق يلي عن أبيه عن أبي هريرة رضي الَّلُه عنه قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪:-‬‬
‫"ُعِر َض علَّي أَّو ل ثالثٍة من ُأَّمتي يدخلون الجَّنة وأَّو ل ثالثٍة يدخلون الَّنار‪ ،‬فأَّما أَّو ل ثالثة يدخلون‬
‫الجَّنة‪ :‬فالشهيُد ‪ ،‬وعبٌد مملوٌك لم (‪ )3‬يشغله ِر ّق الدنيا عن طاعة رِّبه‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله "رسول الَّله" من "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبراني في الكبير (‪ ،)19 /12‬والبزار في مسنده (‪ )247 /11‬رقم (‪،)5028‬‬
‫وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)82‬والبغوي في شرح السنة (‪ )50 - 49 /5‬رقم (‪)1270‬‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫من طرق عن شعبة وقيس بن الربيع والمسعودي كلهم عن حبيب عن سعيد عن ابن عباس‬
‫فذكره‪.‬‬
‫قلُت ‪ :‬طريق شعبة ال يصح عنه فقد رواُه عنه نصر بن حَّم اد وهو مَّتهٌم بالكذب‪ ،‬وقيس بن الربيع‬
‫فيه ضعف خاصة بعدما كبر‪.‬‬
‫والمسعودي كان قد اختلط‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه مسعر عن حبيب عن سعيد قوله مقطوًعا‪.‬‬
‫أخرجه ابن المبارك في الزهد رقم (‪ )206‬وهو الصحيح‪.‬‬
‫(‪ )3‬في نسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬ال"‪.‬‬

‫(‪)1/232‬‬

‫وفقير ُمَتَعِّف ف ذو ِع َيال‪ ،‬وأَّو ل ثالثة يدخلون الَّنار‪ :‬فأميٌر ُمَس َّلٌط‪ ،‬وذو ثروٍة من ماٍل ال يؤِّدي حَّق‬
‫الَّله في ماله‪ ،‬وفقيٌر فخور" (‪. )1‬‬
‫وروى اإلمام أحمد في "مسنده" والطبراني في "معجمه" واللفظ له من حديث أبي ُعَّش انة‬
‫المعافري أَّنه سمع عبد الَّله بن عمرو رضي الَّلُه عنه يقول‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪" :-‬هل تدرون أَّو ل من يدخل الجَّنة؟ قالوا‪ :‬الَّلُه ورسوله أعلُم‪ ،‬قال‪ :‬فقراء الُم هاجرين‬
‫اَّلذين ُتَّتقى بهم المكاره‪ ،‬ويموُت أحدهم وحاجته في َص ْد ِر ِه ال يستطيع لها قضاًء‪ ،‬تقول‬
‫المالئكة‪ :‬رَّبنا نحُن مالئكتك وخزنتك وُس َّك ان سماواتك ال تدخلهم‪ ،‬الجَّنة قبلنا‪ ،‬فيقول‪ :‬عبادي‬
‫ال ُيْش ركون بي شيًئا‪ُ ،‬تَّتقى بهم المكاره‪ ،‬يموت أحدهم وحاجته في صدره لم يستطع لها قضاًء‪،‬‬
‫فعند ذلك تدخل عليهم المالئكة من كِّل باٍب ‪ ،‬سالٌم عليكم بما صبرتم (‪ )2‬فنعَم ُعقبى الَّداُر " (‬
‫‪. )3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في المسند (‪ ،)425 /2‬والترمذي برقم (‪ )1641‬مختصًر ا‪ ،‬والطيالسي في‬
‫مسنده رقم (‪ ،)2690‬وابن خزيمة برقم (‪ )2249‬وابن حبان رقم (‪ ،)4312‬والحاكم (‪/1‬‬
‫‪ )545 - 544‬رقم (‪ )1429‬وغيرهم‪.‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬هذا حديث حسن"‪.‬‬
‫والحديث صححه ابن خزيمة وابن حبان‪.‬‬
‫قلُت ‪ :‬في السند عامر العقيلي وأبوه فيهما جهالة‪ .‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)70 /14‬‬
‫(‪ )2‬قوله‪" :‬بما صبرتم" سقط من "ب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أحمد في مسنده (‪ ،)168 /2‬والطبراني في المعجم الكبير "الجزء المفقود" رقم (‬
‫‪ )151‬وعبد بن حميد في مسنده "المنتخب رقم ‪ )352‬وابن حبان في صحيحه (‪ /16‬رقم‬
‫‪ ،)7421‬والحاكم (‪ )81 /2‬رقم (‪= )2393‬‬

‫(‪)1/233‬‬

‫ولَّم ا ذكر الَّلُه تعالى أصناف بني آدم َس عيدهم وشقيهم‪ ،‬قسم ُسَعداءهم إلى قسمين‪ :‬سابقين‬
‫وأصحاب يمين فقال‪َ{ :‬و الَّس اِبُقوَن الَّس اِبُقوَن (‪[ } )10‬الواقعة‪.]10 :‬‬
‫واختلف في تقديرها على ثالثة أقوال‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أَّنه من باب الَّتوكيد اَّللفظي‪ ،‬ويكون خبره قوله تعالى‪ُ{ :‬أوَلِئَك اْلُم َقَّر ُبوَن (‪} )11‬‬
‫[الواقعة‪.]11 :‬‬
‫والثاني‪ :‬أْن يكون الَّس ابقون األَّو ل مبتدأ‪ ،‬والثاني َخ َبًر ا له على حِّد قولك‪ :‬زيد زيد‪ ،‬أي زيد اَّلذي‬
‫سمعت به هو زيد كما قال‪:‬‬
‫أنا أبو الَّنجم َو ِش ْع ري ِش ْع ري (‪)1‬‬
‫وكقول اآلخر‪:‬‬
‫إذا الَّناُس ناٌس والَّنهاُر نهاُر (‪)2‬‬
‫__________‬
‫= وغيره‪.‬‬
‫من طريق عبد الَّله بن وهب وابن لهيعة ومعروف بن سويد كلهم عن أبي عشانة به فذكره‪.‬‬
‫ولفُظ ابن وهب‪" :‬إَّن أَّو ل ثَّلٌة تدخل الجَّنة الفقراء المهاجرون اَّلذي ُتَّتقى بهم المكاره‪ ،‬إذا ُأمروا‬
‫سمعوا وأطاعوا وإْن كانت لرجل منهم حاجة إلى السلطان لم تقض له حتى يموت وهي في‬
‫صدره‪." . . .‬‬
‫وقال الحاكم عن حديث ابن وهب‪" :‬صحيح اإلسناد‪ ،‬ولم يخرجاه"‪.‬‬
‫(‪ )1‬البيت ألبي النجم العجلي‪ ،‬انظر‪ :‬الكامل للمبرد (‪ ،)62 /1‬وخزانة األدب للبغدادي (‪/1‬‬
‫‪.)418‬‬
‫(‪ )2‬كذا في جميع النسخ‪ ،‬وفي مغني اللبيب ص (‪ )863‬رقم (‪" )1117‬والزمان =‬
‫(‪)1/234‬‬

‫قال ابن عطية‪ :‬وهذا قول سيبويه (‪. )1‬‬


‫والثالث‪ :‬أْن يكون الَّس بُق األَّو ل غيَر الثاني‪ ،‬ويكون المعنى‪ :‬السابقون في الدنيا إلى الخيرات هم‬
‫السابقون يوم القيامة إلى الجَّنات‪ ،‬والسابقون إلى اإليمان هم السابقون إلى الجنان (‪. )2‬‬
‫وهذا أظهر‪ ،‬والَّلُه أعلم‪.‬‬
‫فإْن قيل‪ :‬فما تقولون في الحديث اَّلذي رواه اإلمام أحمد والترمذي وصَّح حه من حديث بريدة‬
‫َّل‬ ‫َّل‬
‫بن الحصيب قال‪ :‬أصبح رسول ال ه ‪-‬صلى ال ه عليه وسلم‪ -‬فدعا بالاًل ‪ ،‬فقال‪" :‬يا بالُل ‪ ،‬بَم‬
‫سبقتني إلى الجَّنة‪ ،‬فما دخلُت الجَّنة قط إاَّل سمعت َخ ْش َخَش َتَك أَم امي‪ .‬دخلُت البارحة فسمعُت‬
‫َخ ْش َخَش َتَك َأمامي‪ ،‬فأتيت على قصر ُمَر َّبع مشرٍف من ذهب‪ ،‬فقلُت ‪ :‬لمن هذا القصر؟ قالوا‪:‬‬
‫لرجٍل عربٍّي ‪ ،‬قلُت ‪ :‬أنا عربي‪ ،‬لمن هذا القصر؟ قالوا‪ :‬لرجل من قريش‪ ،‬قلُت ‪ :‬أنا قرشي‪ ،‬لمن هذا‬
‫القصر؟ قالوا‪ :‬لرجٍل من ُأَّمة محمٍد ‪ ،‬قلت‪ :‬أنا محمد‪ ،‬لمن هذا الَق ْص ر؟ قالوا‪ :‬لعمَر بن الخطاب"‬
‫فقال بالل‪ :‬يا رسول الَّلِه ما َأَّذنُت قط إاَّل صليُت ركعتين‪ ،‬وما أصابني َح َد ٌث قُّط إاَّل توضأُت‬
‫عندها‪ ،‬ورأيُت أَّن لَّلِه علَّي ركعتين (‪ ، )3‬فقال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ :-‬بهما" (‪. )4‬‬
‫__________‬
‫= زمان" بدل "النهار نهار"‪.‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬المحرر الوجيز (‪.)359 /15‬‬
‫(‪ )2‬في نسخٍة على حاشية "أ" "الجنات"‪.‬‬
‫(‪ )3‬من قوله‪" :‬وما أصابني حدث" إلى "ركعتين" سقط "ج"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تقدم تخريجه ص (‪.)44‬‬

‫(‪)1/235‬‬

‫قيل‪ :‬نتلَّق اه بالقبول والتصديق‪ ،‬وال يدل على أَّن أحًد ا يسبق رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪-‬‬
‫إلى الجَّنة‪ ،‬وأَّما تقُّدم بالل بين يديه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬في الجَّنة؛ فألَّن بالاًل كان يدعو إلى‬
‫الَّلِه أَّواًل في األذان فيتقدم أذانه بين يدي رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬فيتقَّدم (‪)1‬‬
‫دخوله بين يديه كالحاجب والخادم‪.‬‬
‫وقد ُر ِو َي في حديٍث ‪" :‬أَّن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬يبعُث يوم القيامة وبالٌل بين يديه ينادي‬
‫باألذان" (‪. )2‬‬
‫فتقَّدمه بين يديه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬كرامًة لرسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬وإظهاًر ا‬
‫لشرفه وفضله‪ ،‬ال َس ْبًق ا من بالٍل له‪ ،‬بل هذا الَّس بق من جنس سبقه إلى الوضوء‪ ،‬ودخول المسجد‬
‫ونحوه‪ ،‬والَّلُه تعالى أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في نسخة على حاشية "أ" "فتقُّدم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبراني في الكبير رقم (‪ )2629‬وفي الصغير رقم (‪ ،)1122‬والخطيب في تاريخه‬
‫(‪.)357 /3‬‬
‫قال ابن الجوزي‪" :‬موضوع‪." . .‬‬
‫وقال الذهبي‪" :‬إسناده مظلٌم ‪ ،‬ما أدري من وضعه‪." . . .‬‬
‫وورد عن ُبريدة وعلي وأنس‪ ،‬وكلها أحاديث موضوعة‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الآللئ المصنوعة (‪.)447 - 446 /2‬‬
‫والسلسلة الضعيفة رقم (‪.)775 - 771‬‬
‫وزوائد تاريخ بغداد (‪.)423 - 420 /2‬‬

‫(‪)1/236‬‬

‫الباب الثامن والعشرون في سبق الفقراء لألغنياء (‪ )1‬إلى الجَّنة‬


‫قال اإلمام أحمُد ‪ :‬حَّدثنا عَّف ان‪ ،‬حَّدثنا حَّم اد بن سلمة‪ ،‬عن محمد ابن عمرو عن أبي سلمة عن أبي‬
‫هريرة رضي الَّلُه عنه أَّن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬يدخُل فقراء المسلمين الجَّنة‬
‫قبل أغنيائهم بنصف يوم‪ ،‬وهو خمُس مئة عام" (‪.)2‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬هذا حديٌث حسن صحيح"‪.‬‬
‫ورجال إسناده احتَّج بهم مسلم في "صحيحه"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬هـ"‪" :‬األغنياء"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أحمد في المسند (‪ 296 /2‬و ‪ ،)342‬والترمذي برقم (‪ ،)2353‬وابن ماجه برقم (‬
‫‪ ،)4122‬وابن حبان برقم (‪ )676‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طرق عن محمد بن عمرو به مثله‪.‬‬
‫والحديث تفَّر د به محمد بن عمرو ‪-‬وهو صدوق‪ -‬عن أبي سلمة به‪.‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬حسن صحيح"‪.‬‬
‫والحديث صَّح حه الترمذي وابن حبان والمؤلف‪.‬‬
‫ورواُه أبو صالح وأبو حازم وشتير بن نهار عن أبي هريرة نحوه؛ وفي ثبوتها نظر‪.‬‬
‫أخرجه أحمد (‪ 513 /2‬و ‪ ،)519‬وأبو نعيم في الحلية (‪ )307 /8‬و (‪.)99 /7‬‬
‫وقال أبو نعيم عن حديث "أبي حازم وأبي صالح"‪" :‬غريب‪." . . . .‬‬
‫ِة ِئٍذ‬
‫قلُت ‪ :‬وشتير مجهول‪ .‬وأخشى أن يعارض هذا المتن قوله تعالى‪َ{ :‬أْص َح اُب اْلَج َّن َيْو َم َخ ْيٌر‬
‫ُمْس َتَقًّر ا َو َأْح َسُن َمِق ياًل (‪[ })24‬الفرقان‪ ،]24 :‬وأيًض ا سيأتي سبقهم (بأربعين خريًف ا) وهو أصح‬
‫إسناًدا والَّله أعلم‪.‬‬

‫(‪)1/237‬‬

‫وروى الترمذي من حديث عَّباس الُّدوري‪ ،‬عن الُم ْق ِر يء (‪ )1‬عن سعيد بن أبي أيوب عن عمرو (‬
‫َّل‬ ‫َّل‬
‫‪ )2‬بن جابر الحضرمي عن جابر بن عبد ال ه عن الَّنبي ‪-‬صلى ال ه عليه وسلم‪ -‬أَّنه قال‪" :‬يدخُل‬
‫فقراُء ُأَّمتي (‪ )3‬الجَّنة قبَل األغنياء بأربعين خريًف ا" (‪. )4‬‬
‫وفي "صحيح مسلم" (‪ )5‬من حديث عبد الَّله (‪ )6‬بن عمرو رضي الَّلُه عنه قال‪ :‬سمعت رسول‬
‫الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬يقول‪" :‬إَّن فقراء المهاجرين يسبقون األغنياء يوَم القيامة (‪)7‬‬
‫بأربعين خريًف ا"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬هـ" ونسخٍة على حاشية "أ" "المقبري" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "أ‪ ،‬هـ" "عمر" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في الترمذي وغيره "المسلمين"‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الترمذي برقم (‪ ،)4355‬وأحمد في المسند (‪ )324 /3‬وعبد بن حميد رقم (‬
‫‪ ،)117‬والبيهقي في البعث رقم (‪.)454‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬هذا حديث حسن"‪.‬‬
‫قلُت ‪ :‬في سنده عمرو بن جابر الحضرمي‪ ،‬قال أبو حاتم‪" :‬صالح الحديث عنده نحو عشرين‬
‫حديًثا"‪ ،‬ووَّثقه العجلي‪ ،‬وقال النسائي والجوزجاني‪ :‬ليس بثقة‪ .‬وقال اإلمام أحمد‪" :‬بلغني أَّن‬
‫عمرو بن جابر كان يكذب‪ ،‬روى عن جابر أحاديث مناكير" وقال ابن حبان‪" :‬كان سحابًّيا‪ ،‬يزعم‬
‫أَّن علًّيا في السحاب‪ ،‬كأَّنه جالس الكوفيين فأخذ عنهم‪ ،‬ومع ذلك ينفرد عن جابر بأشياء ليست‬
‫من حديثه‪ ،‬ال يحل االحتجاج بخبره وال الرواية عنه‪." . . .‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)562 - 559 /21‬‬
‫(‪ )5‬رقم (‪.)2979‬‬
‫(‪ )6‬في "ج" "أبي عبد الَّله" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في مسلم زيادة "إلى الجَّنة"‪.‬‬

‫(‪)1/238‬‬

‫وقال اإلمام أحمد‪ :‬حدثنا حسين بن محمد حدثنا ُدَو ْيد عن سلم (‪ )1‬ابن بشير عن عكرمة عن‬
‫ابن عباس رضي الَّلُه عنهما قال‪ :‬قال الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬التقى مؤمنان على باب‬
‫الجَّنة‪ ،‬مؤمٌن غنٌي ‪ ،‬ومؤمٌن فقيٌر ‪ ،‬كانا في الدنيا‪ ،‬فُأْد ِخ َل الفقيُر الجَّنة‪ ،‬وُح بَس الغني ما شاء الَّلُه أْن‬
‫ُيْح بس‪ ،‬ثَّم ُأْد ِخ َل الجَّنة‪ ،‬فلقيه الفقيُر فيقول‪ :‬أي أخي وماذا حبسك؟ والَّله لقد اْح تَبسَت حتى‬
‫خفت (‪ )2‬عليك (‪ ، )3‬فيقول‪ :‬أي أخي إِّني حبسُت بعدك محبًس ا فظيًعا (‪ )4‬كريًه ا‪ ،‬وما وصلُت‬
‫إليك حتى سال مِّني الَعَر ق (‪ ، )5‬ما لو َو َر َدُه ألُف بعيٍر كلها آكلة حمٍض لصدرْت عنه رواء (‪)6‬‬
‫" (‪. )7‬‬
‫وقال الطبراني‪ :‬حدثنا محمد بن عبد الَّله الحضرمي‪ ،‬وعلي ابن سعيد الَّر ازي قاال‪ :‬حدثنا علي بن‬
‫بهرام (‪ )8‬العطار‪ ،‬حدثنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬د‪ ،‬هـ" ونسخٍة على حاشية "أ" "سليم"‪ ،‬والمثبت هو الصواب‪ ،‬وقيل في اسمه غير‬
‫ذلك‪ ،‬وهذا التنوع في االسم يرجع إلى اختالف الَّناقلين في اسم هذا الرجل‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تعجيل المنفعة البن حجر (‪.)606 ،564 /1‬‬
‫(‪ )2‬في "هـ"‪" :‬خشيت"‪.‬‬
‫(‪ )3‬من قوله "فيقول‪ :‬أي أخي" إلى "عليك" سقط من "ج"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في "ب‪ ،‬د" "قطيًعا"‪ ,‬وفي نسخٍة على حاشية "أ" "مضيًق ا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في "ب‪ ،‬ج" "مني من العرق"‪.‬‬
‫(‪ )6‬من المسند‪.‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه أحمد في المسند (‪.)304 /1‬‬
‫وسنده ضعيف‪ ،‬فيه ُدَو ْيد مجهول‪ ،‬قاله الحسيني‪.‬‬
‫وانظر‪ :‬تعجيل المنفعة (‪ )564 /1‬رقم (‪.)356‬‬
‫(‪ )8‬في جميع النسخ "مهران" وهو خطأ‪ ،‬انظر‪ :‬تاريخ بغداد (‪ )353 /11‬وغيره‪.‬‬

‫(‪)1/239‬‬

‫عبد الملك بن أبي كريمة‪ ،‬عن سفيان الثوري عن محمد بن زيد عن أبي حازم (‪ )1‬عن أبي هريرة‬
‫رضي الَّلُه عنه قال‪ :‬سمعُت رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬يقول‪" :‬إَّن فقراء المؤمنين‬
‫يدخلون الجَّنة قبل أغنيائهم بنصف يوٍم ‪ ،‬وذلك خمس مائة عام" وذكر الحديث بطوله (‪. )2‬‬
‫واَّلذي في الصحيح أَّن سبقهم لهم "بأربعين خريًف ا"‪.‬‬
‫فإَّما أْن يكون هو المحفوظ‪ ،‬وإَّما أْن يكون كالهما محفوظان‪ ،‬وتختلف ُمَّدة السبق بحسب‬
‫أحوال الفقراء واألغنياء‪ ،‬فمنهم من يسبق بأربعين‪ ،‬ومنهم من يسبق بخمس مئة كما يتأخر مكث‬
‫الُعصاة من الموحدين في الَّنار بحسب جرائمهم والَّلُه أعلم‪.‬‬
‫ولكن ها هنا أمٌر يجب التنبيه عليه‪ ،‬وهو أَّنه ال يلزم من سبقهم لهم في الدخول ارتفاع منازلهم‬
‫عليهم‪ ،‬بل قد يكون المتأخر أعلى منزلة؛ وإن َس َبَق ُه غيره في الدخول‪ ،‬والدليل على هذا أَّن من‬
‫األمة من يدخل الجَّنة بغير حساب‪ ،‬وهم الَّس بعون ألًف ا (‪ ، )3‬وقد يكون بعض من‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في نسخٍة على حاشية "أ" "حاتم" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو نعيم في حلية األولياء (‪ )100 - 99 /7‬عن الطبراني به‪.‬‬
‫قال أبو نعيم‪" :‬هذا حديث غريب من حديث الثوري عن محمد بن زيد‪ ،‬ويقال‪ :‬هو العبدي‪ ،‬تفَّر د‬
‫به عبد الملك"‪.‬‬
‫والحديث منكر‪ ،‬لم يروه أحٌد من أصحاب الثوري عن الثوري إاَّل هو‪ ،‬وعلي بن بهرام فيه جهالة‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تاريخ بغداد (‪ ،)353 /11‬وتاريخ مصر البن يونس (‪َ )150 /2‬جْم ع وتحقيق ودراسة‪ :‬د‪:‬‬
‫عبد الفتاح فتحي‪.‬‬
‫(‪ )3‬يشير المؤلف إلى حديث ابن عباس وفيه "‪ . . .‬فإذا سواد قد مأل األفق‪ ،‬قيل‪= :‬‬

‫(‪)1/240‬‬

‫ُيَح اسب أفضل من أكثرهم‪ ،‬والغني إذا حوسب على ِغ َناُه‪ ،‬فوجد قد شكر الَّله تعالى فيه‪ ،‬وتقَّر ب‬
‫إليه بأنواع الِبِّر والخير والَّص دقة والمعروف‪ ،‬كان أعلى درجة من الفقير اَّلذي سبقه في الدخول‪،‬‬
‫ولم تكن له تلك األعمال‪ ،‬وال سِّيما إذا شاركه الغني في أعماله هو (‪ )1‬وزاد عليه فيها‪ ،‬والَّلُه ال‬
‫يضيع أجَر من أحسن عماًل ‪.‬‬
‫فالمزَّية مزَّيتان؛ مزية سبق‪ ،‬ومزية ِر ْفعة‪ ،‬وقد يجتمعان وينفردان‪ ،‬فيحصل لواحد السبق والِّر فعة‪،‬‬
‫ويعدمهما آخر‪ ،‬ويحصل آلخر السبق دون الِّر فعة‪ ،‬وآلخر الرفعة دون السبق‪ ،‬وهذا بحسب‬
‫المتقضي لألمرين‪ ،‬أو ألحدهما وعدمه‪ ،‬وبالَّله التوفيق‪.‬‬
‫__________‬
‫= هذه ُأمتك‪ ،‬ويدخل الجَّنة من هؤالء سبعون ألًف ا بغير حساب‪." . . .‬‬
‫أخرجه البخاري رقم (‪ ،)5378‬ومسلم رقم (‪.)220‬‬
‫(‪ )1‬من "أ‪ ،‬ج‪ ،‬هـ"‪.‬‬

‫(‪)1/241‬‬

‫الباب التاسع والعشرون في ذكر أصناف أهل الجَّنة اَّلذين ضمنت لهم دون غيرهم‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬و َس اِر ُعوا ِإَلى َمْغِف َر ٍة ِم ْن َر ِّبُك ْم َو َج َّنٍة َعْر ُضَه ا الَّس َم اَو اُت َو اَأْلْرُض ُأِع َّد ْت ِلْلُم َّتِق يَن (‬
‫‪ )133‬اَّلِذ يَن ُيْنِف ُقوَن ِفي الَّسَّر اِء َو الَّضَّر اِء َو اْلَك اِظ ِم يَن اْلَغْيَظ َو اْلَعاِفيَن َعِن الَّناِس َو الَّلُه ُيِح ُّب‬
‫ِل ِب‬ ‫ِح‬ ‫ِذ‬ ‫ِس ِن‬
‫اْلُم ْح يَن (‪َ )134‬و اَّل يَن ِإَذا َفَعُلوا َفا َش ًة َأْو َظَلُم وا َأْنُفَس ُه ْم َذَك ُر وا الَّلَه َفاْس َتْغَف ُر وا ُذ ُنو ِه ْم‬
‫َو َمْن َيْغِف ُر الُّذ ُنوَب ِإاَّل الَّلُه َو َلْم ُيِص ُّر وا َعَلى َم ا َفَعُلوا َو ُه ْم َيْع َلُم وَن (‪ُ )135‬أوَلِئَك َجَز اُؤ ُه ْم َمْغِف َر ٌة‬
‫ِم ْن َر ِّبِه ْم َو َج َّناٌت َتْج ِر ي ِم ْن َتْح ِتَه ا اَأْلْنَه اُر َخ اِلِد يَن ِفيَه ا َو ِنْع َم َأْج ُر اْلَعاِمِليَن (‪[ })136‬آل عمران‪:‬‬
‫‪.]136 - 133‬‬
‫فأخبر أنه أعَّد الجَّنة للمتقين دون غيرهم‪ ،‬ثم ذكر أوصاف المتقين‪ ،‬فذكر بذلهم لإلحسان في‬
‫حالتي العسر واليسر‪ ،‬والشدة والرخاء‪ ،‬فإَّن من الَّناس من يبذل في حال اليسر والرخاء‪ ،‬وال‬
‫يبذل في حال العسر والشدة‪ ،‬ثم ذكر كف أذاهم للَّناس (‪ )1‬بحبس الغيظ بالكظم‪ ،‬وحبس‬
‫االنتقام بالعفو‪ ،‬ثَّم ذكر حالهم بينهم وبين ربهم في ذنوبهم‪ ،‬وأَّنها إذا صدرت منهم قابلوها بذكر‬
‫الَّله‪ ،‬والتوبة واالستغفار‪ ،‬وترك اإلصرار‪ ،‬فهذا حالهم مع الَّلِه ‪ ،‬وذاك حالهم مع خلقه‪.‬‬
‫ِم‬
‫وقال تعالى‪َ{ :‬و الَّس اِبُقوَن اَأْلَّو ُلوَن َن اْلُم َه اِج ِر يَن َو اَأْلْنَص اِر َو اَّلِذ يَن اَّتَبُعوُه ْم ِبِإ ْح َس اٍن َر ِض َي الَّلُه‬
‫َعْنُه ْم َو َر ُضوا َعْنُه َو َأَعَّد َلُه ْم َج َّناٍت َتْج ِر ي َتْح َتَه ا اَأْلْنَه اُر َخ اِلِد يَن ِفيَه ا َأَبًد ا َذِلَك اْلَف ْو ُز اْلَعِظ يُم (‬
‫‪[ })100‬التوبة‪.]100 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في المطبوعة‪" :‬عن الناس"‪.‬‬

‫(‪)1/242‬‬

‫فأخبر تعالى أَّنه أعَّدها للمهاجرين واألنصار‪ ،‬وأتباعهم بإحسان‪ ،‬فال مطمع لمن خرج عن طريقتهم‬
‫فيها‪.‬‬
‫ِل‬ ‫ِج‬ ‫ِك‬ ‫ِذ‬ ‫ِم‬
‫وقال تعالى‪ِ{ :‬إَّنَم ا اْلُم ْؤ ُنوَن اَّل يَن ِإَذا ُذ َر الَّلُه َو َلْت ُقُلوُبُه ْم َو ِإَذا ُت َيْت َعَلْيِه ْم آَياُتُه َز اَدْتُه ْم‬
‫ِئ‬ ‫ِف‬ ‫ِم‬ ‫َّلِذ ِق‬ ‫ِإ‬
‫يَم اًنا َو َعَلى َر ِّبِه ْم َيَتَو َّك ُلوَن (‪ )2‬ا يَن ُي يُم وَن الَّصاَل َة َو َّم ا َر َز ْقَناُه ْم ُيْن ُقوَن (‪ُ )3‬أوَل َك ُه ُم‬
‫اْلُم ْؤ ِم ُنوَن َح ًّق ا َلُه ْم َدَرَج اٌت ِع ْنَد َر ِّبِه ْم َو َمْغِف َر ٌة َو ِر ْز ٌق َك ِر يٌم (‪[ } )4‬األنفال‪.]4 - 2 :‬‬
‫فوصفهم بإقامة حقه باطًنا وظاهًر ا‪ ،‬وبأداء حق عباده‪.‬‬
‫وفي "صحيح مسلم" (‪ )1‬عن عمر بن الخطاب رضي الَّلُه عنه قال‪ :‬لما كان يوُم خيبر أقبل نفٌر‬
‫من صحابة الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬فقالوا‪ :‬فالٌن شهيد‪ ،‬وفالٌن شهيد‪ ،‬حتى مروا على َرُج ٍل‬
‫فقالوا‪ :‬فالٌن شهيد‪ ،‬فقال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬كاَّل إَّني رأيته في الَّنار في دٍة‬
‫ُبْر‬
‫َغَّلها أو عباءٍة‪ ،‬ثَّم قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬يا ابَن الخطاب‪ ،‬اذهب فناِد في‬
‫الَّناِس إَّنُه ال يدخل الجَّنة إاَّل المؤمنون‪ ،‬قال‪ :‬فخرجُت فناديُت ‪ :‬أال (‪ )2‬إَّنُه ال يدخل الجَّنة إاَّل‬
‫المؤمنون"‪ .‬وللبخاري معناه (‪. )3‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪ )4‬من حديث أبي هريرة رضي الَّلُه عنه أَّن رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪ -‬أمَر بالاًل أْن ينادَي في الَّناِس ‪" :‬إَّنه ال يدخُل الجَّنة إاَّل نفٌس‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رقم (‪.)114‬‬
‫(‪ )2‬من "صحيح مسلم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬رقم (‪ )3967‬من حديث أبي هريرة رضي الَّله عنه‪.‬‬
‫(‪ )4‬البخاري رقم (‪ ،)2897‬ومسلم رقم (‪.)111‬‬

‫(‪)1/243‬‬

‫مسلمٌة"‪ ،‬وفي بعض طرقه "مؤمنة" (‪ )1‬وفي الحديث قصة‪.‬‬


‫وفي "صحيح مسلم" (‪ )2‬من حديث ِع َياض بن ِح َم ار المجاشعي أَّن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪ -‬قال ذات يوٍم في خطبته‪" :‬أال إَّن ربي أمرني أْن ُأَعِّلَم كم ما جهلتم مَّم ا علمني يومي هذا‪،‬‬
‫كُّل ماٍل نحلته عبًد ا حالٌل ‪ ،‬وإِّني خلقُت عباِد ي حنفاء كَّلهم‪ ،‬وإَّنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم (‬
‫‪ )3‬عن دينهم‪ ،‬وحَّر مت عليهم ما أحللُت لهم‪ ،‬وأَم َر ْتهم أْن يشركوا بي ما لم ُأْنزل به ُس لطاًنا‪ ،‬وإَّن‬
‫الَّلَه نظر إلى أهل األرِض فمقتهم عربهم وعجمهم إاَّل بقايا من أهل الكتاب‪ .‬وقال‪ :‬إَّنما بعثُتك‬
‫ألبتليَك ‪ ،‬وأبتلي بَك ‪ ،‬وأنزلُت عليك كتاًبا ال يغسلُه الماُء‪ ،‬تقرأُه نائًم ا ويقظان‪ .‬وإَّن الَّلَه أمرني أن‬
‫ُأحَّر ق قريًش ا‪ ،‬فقلُت ‪ :‬رِّب إًذا يثغلوا رأسي‪ ،‬فيدعوه ُخ بزة‪ ،‬قال‪ :‬استخرجهم كما أخرجوك (‪)4‬‬
‫واغزهم ُنِعْنَك (‪ ، )5‬وأنفق فسننفق عليك‪ ،‬وابعث جيًش ا نبعْث خمسة مثله‪ ،‬وقاتل بمن أطاعك‬
‫َمْن عصاَك ‪ ،‬قال‪ :‬وأهل الجَّنة ثالثٌة‪ :‬ذو سلطان مقسٌط متصدٌق‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "هـ" "إاَّل مؤمنة"‪ ،‬وهو عند البخاري رقم (‪ 3967‬و ‪ )6232‬بلفظ "إاَّل مؤمن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رقم (‪.)2865‬‬
‫(‪ ) 3‬في حاشية "أ"‪" :‬فاجتالتهم أي استخفتهم‪ ،‬أي فجالوا معهم في الضالل‪ ،‬وروى بالحاء‬
‫المهملة‪ .‬أي‪ :‬نقلتهم من حال إلى حال"‪.‬‬
‫انظر‪ :‬النهاية (‪.)317 /1‬‬
‫(‪ )4‬في المطبوعة لصحيح مسلم "أستخرجوك"‪ ،‬والمثبت من جميع النسخ‪ ،‬ورواية العذري‬
‫لصحيح مسلم‪.‬‬
‫(‪ )5‬في "ج‪ ،‬هـ" "نعينك" وهو خطأ‪ ،‬وفي صحيح مسلم "نغِز ك"‪.‬‬
‫(‪)1/244‬‬

‫موفق (‪ )1‬ورجٌل رحيٌم رقيُق القلب لكِّل ذي قربى ومسلم‪ ،‬وعفيٌف متعفف ذو عيال‪ .‬وأهل الَّنار‬
‫خمسة‪ :‬الضعيف اَّلذي ال َز ْبر (‪ )2‬له اَّلذين هم فيكم تبًعا‪ ،‬ال يبغون (‪ )3‬أهاًل وال مااًل ‪ .‬والخائن‬
‫اَّلذي ال يخفى له طمٌع وإْن دَّق إاَّل خانه‪ .‬ورجٌل ال يصبح وال يمسي إاَّل وهو يخادعك عن أهلك‬
‫ومالك" وَذَك َر البخل والكذب (‪ ، )4‬والِّش نظير الفَّح اُش "وإَّن الَّلَه أوحى إلَّي أن تواضعوا حتى ال‬
‫يفخر أحٌد على أحٍد ‪ ،‬وال يبغي أحٌد على أحد"‪.‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪ )5‬من حديث حارثة بن وهب رضي الَّلُه عنه قال‪ :‬سمعت رسول الَّلِه ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪ -‬يقول‪" :‬أال أخبركم بأهل الجَّنة‪ ،‬كُّل ضعيف متضَّعٍف لو أقسم على الَّلِه ألبَّر ُه‪،‬‬
‫أال أخبركم بأهل الَّنار؟ كُّل ُعُتٍّل َج َّو اٍظ ُمتكبر (‪." )6‬‬
‫وقال اإلمام أحمد‪ :‬حدثنا علي بن إسحاق قال‪ :‬أنبأنا عبد الَّله أنبأنا موسى بن ُعَلي بن رباح قال‪:‬‬
‫سمعت أبي يحدث عن عبد الَّله بن عمرو‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب" "منفق"‪.‬‬
‫(‪ ) 2‬جاء في حاشية "أ" من النهاية‪" :‬ال زبر له‪ ،‬أي‪ :‬ال عقل له يزبره وينهاه عن اإلقدام على ما ال‬
‫ينبغي"‪ .‬انظر‪ :‬النهاية البن األثير (‪.)293 /2‬‬
‫(‪ )3‬كذا في جميع النسخ‪ ،‬وعند مسلم "ال َيْتبُعون"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في "ج"‪" :‬أو الكذب"‪.‬‬
‫(‪ )5‬البخاري رقم (‪ ،)4634‬ومسلم رقم (‪.)2853‬‬
‫(‪ )6‬في نسخة على حاشية "أ" "مستكبر"‪ ،‬وهي عند البخاري‪.‬‬

‫(‪)1/245‬‬

‫ابن العاص رضي الَّلُه عنهما عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إَّن أهل الَّنار كُّل َج ْع َظرٍّي (‬
‫‪ )1‬جَّو اظ (‪ُ )2‬مْس َتكبر‪ ،‬جَّم اٍع مَّناٍع ‪ ،‬وأهل الجَّنة الضعفاء المغلوبون" (‪. )3‬‬
‫وذكر خلف بن خليفة عن أبي هاشم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الَّلُه عنهما قال‪ :‬قال‬
‫رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬أال (‪ )4‬أخبركم برجالكم من أهل الجَّنة‪ :‬الَّنبي في الجَّنة‪،‬‬
‫والصديق في الجنة‪ ،‬والشهيد في الجنة‪ ،‬والرجل يزور أخاه ناحية الِم ْص ر ال يزوره إاَّل لَّله (‪= )5‬‬
‫في الجنة‪ ،‬ونساؤكم من أهل الجَّنة‪ :‬الودود الولود التي إذا َغِض َب أو غِض بْت جاءت حتى تضع‬
‫يدها في يد زوجها‪ ،‬ثَّم تقول‪ :‬ال أذوق‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الجعظري‪ :‬الفُّظ الغليظ المتكبر‪ ،‬وقيل هو‪ :‬اَّلذي ينتفخ بما ليس عنده‪ ،‬وفيه ِقَص ر‪ .‬انظر‪:‬‬
‫النهاية (‪.)276 /1‬‬
‫(‪ )2‬الجَّو اظ‪ :‬الَج موع الَم نوع‪ ،‬وقيل‪ :‬الكثير اللحم المختال في مشيته‪ ،‬وقيل‪ :‬القصيِر البطين‪.‬‬
‫انظر‪ :‬النهاية (‪.)316 /1‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أحمد في مسنده (‪ 499 /2‬و ‪ )169‬والحارث بن أبي أسامة في مسنده (كما في‬
‫بغية الباحث رقم ‪ ،)1105‬والحاكم في المستدرك (‪ )542 - 541 /2‬رقم (‪.)3844‬‬
‫قال الحاكم‪" :‬هذا حديث صحيح على شرط مسلم‪ ،‬ولم يخرجاه بهذه السياقه‪." . . .،‬‬
‫وقال البوصيري‪" :‬ورواته ثقات"‪ .‬انظر‪ :‬إتحاف الخيرة المهرة (‪ .)214 /8‬قلُت ‪ :‬والحديث‬
‫صححه الحاكم والمؤلف كما سيأتي‪.‬‬
‫(‪ )4‬سقط من "ب"‪.‬‬
‫(‪ )5‬وقع في "ج" "ال يزوره إاَّل يزوره إاَّل الَّله"‪.‬‬

‫(‪)1/246‬‬

‫ُغْم ًض ا (‪ )1‬حتى ترضى" (‪. )2‬‬


‫__________‬
‫(‪ُ )1‬غْم ًض ا‪ :‬أي نوًما‪ .‬انظر‪ :‬اللسان (‪.)199 /7‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي الدنيا في اإلخوان رقم (‪ )103‬والنسائي في الكبرى (‪ )361 /5‬رقم (‬
‫‪ ،)9139‬والطبراني في الكبير (‪ )59 /12‬رقم (‪ ،)12468‬وتمام في فوائده "الروض البسام‪،‬‬
‫رقم ‪ ،"747‬وأبو نعيم في الحلية (‪ ،)303 /4‬والشجري في أماليه (‪ )151 /2‬وابن عساكر في‬
‫تاريخه (‪.)361 /5‬‬
‫من طريق الفضل بن زياد الدقاق والعالء وأحمد بن إبراهيم الموصلي ويحيى بن أيوب المقابري‬
‫وشريح بن النعمان وابن يونس كلهم عن خلف بن خليفة به فذكره‪.‬‬
‫‪ -‬ورواه إسماعيل بن أبي مسعود ومحمد بن صالح وعيسى بن سلمان كلهم عن خلف بن خليفة‬
‫سمع أبان بن بشير المكتب عن أبي هاشم عن سعيد بن عباس فذكره‪ ،‬اختصره بعضهم‪.‬‬
‫أخرجه البخاري في تاريخه الكبير (‪ ،)453 /1‬والبيهقي في شعب اإليمان رقم (‪ 8612‬و‬
‫‪.)8358‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا االضطراب في ذكر الواسطة "أبان المكتب" من خلف بن خليفة؛ ألَّنه تغير جًّدا بعدما‬
‫كبر‪ ،‬وأبان هذا مجهول‪.‬‬
‫وأيًض ا قال البخاري‪" :‬ال أدري سمع منه أم ال" قال المعلمي‪" :‬يريد فيما يظهر "أسمع أبان من أبي‬
‫هاشم أم ال"‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو علي النيسابوري‪" :‬رواه غيره عن خلف بن خليفة ولم يذكر أبان المكتب‪ ،‬فإْن‬
‫كان حفظه فهو غريب جًّدا"‪.‬‬
‫وقال أبو نعيم‪" :‬غريب من حديث سعيد‪ ،‬تفَّر د به عنه أبو هاشم وهو يحيى بن دينار‬
‫الواسطي‪." . . .‬‬
‫وعليه فالحديث ضعيٌف جًّدا‪ ،‬وقد ورد عن علي وكعب بن عجرة وأنس وكلها واهية‪.‬‬

‫(‪)1/247‬‬

‫أخرج النسائي من هذا الحديث فضل النساء خاصة‪ ،‬وباقي الحديث على شرطه‪.‬‬
‫وروى اإلمام أحمد في "مسنده" بإسناٍد صحيح عن عبد الَّله بن عمرو بن العاص رضي الَّلُه عنهما‬
‫عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إَّن أهل الَّنار كُّل جْع َظِر ٍّي َج َّو اٍظ مستكبر جَّم اٍع مَّناٍع ‪،‬‬
‫وأهل الجَّنة الضعفاء المغلوبون" (‪. )1‬‬
‫وقال ابن ماجه في "سننه"‪ :‬حدثنا محمد بن يحيى وزيد بن أخزم قاال‪ :‬حدثنا مسلم (‪ )2‬بن‬
‫إبراهيم حدثنا هالل الَّر اسبي‪ ،‬حدثنا ُعْق بة بن أبي ُثَبْيت الراسبي عن أبي الجوزاء عن ابن عباس ‪-‬‬
‫رضي الَّله عنهما‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬أهل الجَّنة من مأل ُأذنيه من‬
‫ثناء الَّناس خيًر ا وهو يسمع‪ ،‬وأهل الَّنار من مأل أذنيه من ثناء الَّناس شًّر ا وهو يسمع" (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬هذا مكرٌر ‪ ،‬تقدم قبل الحديث السابق‪ ،‬ولهذا كتب ناسخ "أ" بما يلي‪" :‬مكرر وقع في أَّو ل‬
‫هذه الصفحة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "أ‪ ،‬ج‪ ،‬هـ"‪َ" :‬س ْلم" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن ماجه برقم (‪ )4224‬والطبراني في الكبير (‪ )170 /12‬وفي شعب اإليمان (‬
‫‪ /12‬رقم ‪ ،)6618‬وأبو نعيم في الحلية (‪.)80 /3‬‬
‫قال أبو نعيم‪" :‬غريب من حديث أبي الجوزاء لم يرفعه ولم يسنده إاَّل مسلم عن أبي هالل"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬في سنده أبو هالل الراسبي المكفوف واسمه محمد بن سليم البصري‪ ،‬وهو صدوق في‬
‫األصل‪ ،‬ووقعت له مناكير وغرائب بسبب أَّنه لم يكن له كتاب فكان يحدث من حفظه‪ ،‬وقد‬
‫ذكر أبو نعيم هذا الحديث واستغربه‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪= .)296 - 293 /25‬‬

‫(‪)1/248‬‬

‫وفي "الصحيحين" (‪ )1‬عن أنس بن مالك رضي الَّلُه عنه قال‪ُ" :‬مَّر بجنازة فُأثنَي عليها خيٌر (‪، )2‬‬
‫فقال نبي الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬وجبْت وجبْت وجبْت ‪ ،‬وُمَّر بجنازٍة فُأثني عليها شٌر (‪)3‬‬
‫فقال نبي الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ :-‬وجبت وجبْت وجبْت ‪ ،‬فقال عمر رضي الَّلُه عنه‪ :‬فداك‬
‫أبي وأمي‪ُ ،‬مَّر بجنازٍة فأُثني عليها خيٌر فقلَت ‪ :‬وجبت وجبت وجبت‪ :‬وُمَّر بجنازٍة فأثني عليها شٌّر ‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬وجبت وجبت وجبت؟ فقال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ :-‬من أثنيتم عليه خيًر ا‬
‫وجبْت له الجَّنة‪ ،‬ومن أثنيتم عليه شًّر ا وجبت له الَّناُر ‪ ،‬أنتم شهداء الَّلِه في األرِض ‪ ،‬أنتم شهداء‬
‫الَّلِه في األرِض (‪." )4‬‬
‫وفي الحديث اآلخر‪" :‬يوشُك أْن تعلموا أهل الجَّنة من أهل الَّناِر ‪ ،‬قالوا‪ :‬كيف يا رسول الَّلِه؟‬
‫قال‪ :‬بالثناء الحسن والثناء السيء" (‪. )5‬‬
‫__________‬
‫= وقد ورد عن أنس وفي ثبوته نظر‪.‬‬
‫(‪ )1‬البخاري رقم (‪ ،)1301‬ومسلم رقم (‪.)949‬‬
‫(‪ )2‬في نسخة على حاشية "أ" و"هـ" "خيًر ا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في نسخٍة على حاشية "أ" و"هـ" "شًّر ا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬قوله "أنتم شهداء الَّله في األرض" سقط من "ب"‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البزار في مسنده "البحر الزخار" (‪ )337 /3‬رقم (‪ )1134‬من حديث سعد بن أبي‬
‫وقاص‪.‬‬
‫قال البزار‪" :‬وهذا الحديث ال نعلمه يروى عن سعد إاَّل من هذا الوجه بهذا اإلسناد‪ ،‬وال نعلم‬
‫رواه عن سعد إاَّل عامر‪ ،‬وال عن عامر إاَّل هاشم بن هاشم‪ ،‬وال عن هاشم بن هاشم إاَّل شجاع‪،‬‬
‫ولم نسمعه إاَّل من الحسن بن عرفة"‪.‬‬
‫قال الهيثمي‪" :‬ورجاله رجال الصحيح غير الحسن بن عرفة وهو ثقة" مجمع الزوائد (‪/10‬‬
‫‪.)271‬‬
‫وقد ورد من حديث أبي زهير الثقفي‪= .‬‬

‫(‪)1/249‬‬

‫ِط‬
‫وبالجملة فأهل الجَّنة أربعة أصناف‪ ،‬ذكرهم الَّله سبحانه وتعالى في قوله‪َ{ :‬و َمْن ُي ِع الَّلَه‬
‫ِلِح‬ ‫ِء‬ ‫ِق‬ ‫ِم ِب‬ ‫َّلِذ‬ ‫ِئ‬
‫َو الَّر ُس وَل َفُأوَل َك َمَع ا يَن َأْنَعَم الَّلُه َعَلْيِه ْم َن الَّن ِّييَن َو الِّص ِّدي يَن َو الُّش َه َد ا َو الَّصا يَن َو َح ُسَن‬
‫ُأوَلِئَك َر ِفيًق ا (‪[ } )69‬النساء‪.]69 :‬‬
‫فنسأل الَّله أْن يجعلنا معهم بمِّنه وكرمه (‪. )1‬‬
‫__________‬
‫= أخرجه ابن ماجه رقم (‪ )4221‬وأحمد في المسند (‪ )416 /3‬وابن حبان رقم (‪،)7384‬‬
‫والدارقطني في األفراد كما في أطراف الغرائب (‪ )61 - 60 /4‬رقم (‪ )4674‬وغيرهم من‬
‫طريق نافع بن عمر عن أمية بن صفوان عن أبي بكير بن أبي زهير عن أبيه فذكر نحوه وزاد "أنتم‬
‫شهدا الَّله بعضكم على بعض"‪ .‬قال الدارقطني‪" :‬غريب من حديث أبي بكر بن أبي زهير عن أبيه‪،‬‬
‫تفَّر د به أمية بن صفوان عنه‪ ،‬وتفَّر د به نافع بن عمر عن أمية"‪.‬‬
‫وفي سنده أمية بن صفوان المكي األصغر وأبو بكر بن أبي زهير لم يوثقهما معتبر‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)333 /3‬‬
‫والحديث صححه ابن حبان والحاكم‪.‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر‪" :‬بسند حسن غريب" اإلصابة (‪.)75 /7‬‬
‫(‪ )1‬قوله "بمنه وكرمه" ليس في "د"‪.‬‬

‫(‪)1/250‬‬
‫الباب الثالثون في أَّن أكثر أهل الجَّنة هم ُأَّمة محمد ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪-‬‬
‫في "الصحيحين" من حديث عبد الَّله بن مسعود رضي الَّلُه عنه قال‪ :‬قال لنا رسول الَّله ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪" :-‬أما ترضون أْن تكونوا ُرُبَع أهِل الجَّنة؟ فكبرنا (‪ ،)1‬ثَّم قال‪ :‬أما ترضون أْن‬
‫تكونوا ثلَث أهل الجَّنة؟ فكبرنا‪ ،‬ثَّم قال‪ :‬إِّني ألرجو أْن تكونوا شطَر أهِل الجَّنة‪ ،‬وسأخبركم عن‬
‫ذلك‪ ،‬ما المسلمون في الكفار إاَّل كشعرِة بيضاِء في ثوٍر أسوَد‪ ،‬أو كشعرٍة سوداء في ثوٍر أبيض"‬
‫هذا لفظ مسلم (‪.)2‬‬
‫وعند البخاري (‪" :)3‬وكشعرٍة سوداء" (‪ )4‬بغير ألف‪.‬‬
‫وعن ُبَر يدة بن الحصيب قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬أهل الجَّنة عشرون‬
‫ومئة صٍف ‪ ،‬هذه األمة منها ثمانون صًّف ا" (‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬د"‪" :‬فكبر"‪ ،‬وكذا مثله ما بعده‪ ،‬والمثبت من بقية النسخ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في صحيحه رقم (‪.)221‬‬
‫(‪ )3‬رقم (‪ )6163‬وفيه "‪ . . .‬وما أنتم في أهل الشرك إاَّل كالشعرة البيضاء في جلد الثور‬
‫األسود‪ ،‬أو كالشعرة السوداء في جلد الثور األحمر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في "ج‪ ،‬د"‪" :‬كشعرة بيضاء في ثور أسود"‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الترمذي برقم (‪ ،)2546‬وأحمد (‪ ،)347 /5‬وابن أبي شيبة في المصنف (‪ /6‬رقم‬
‫‪ ،)31704‬وابن أبي الدنيا في حسن الظن بالَّله برقم (‪ ،)74‬وابن حبان في صحيحه برقم (‬
‫‪ ،)7459‬والحاكم في المستدرك (‪ )155 /1‬رقم (‪ )273‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق ضرار بن مرة عن محارب بن دثار عن ابن بريدة عن أبيه فذكره‪.‬‬
‫ورواُه الثوري عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬بنحوه‬
‫=‬

‫(‪)1/251‬‬

‫رواه اإلمام أحمد والترمذي‪ ،‬وإسناده على شرط الصحيح‪.‬‬


‫ورواه الطبراني في "معجمه" (‪ )1‬من حديث عبد الَّله بن عباس رضي الَّلُه عنهما‪ ،‬وفي إسناده‬
‫خالد بن يزيد البجلي‪ ،‬وقد ُتُك ِّلَم فيه‪.‬‬
‫ورواُه أيًض ا من حديث القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الَّله ابن مسعود رضي الَّلُه عنه‬
‫قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬كيف أنتم ورُبُع الجَّنة لكم‪ ،‬ولسائر الَّناِس ثالثُة‬
‫أرباعها؟ قالوا‪ :‬الَّله ورسوله أعلم‪ .‬قال‪ :‬كيف أنتم وثلثها؟ قالوا‪ :‬ذاك أكثر‪ ،‬قال‪ :‬كيف أنتم‬
‫والشطر لكم؟ قالوا‪ :‬ذاك أكثر‪ ،‬فقال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ :-‬أهل الجَّنة عشرون‬
‫ومئة صف‪ ،‬لكم منها ثمانون صًّف ا" (‪ ، )2‬قال الطبراني‪" :‬لم يرو هذا‬
‫__________‬
‫= مرساًل ‪ ،‬هكذا رواه عنه‪ :‬يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي ومؤمل‪.‬‬
‫وخالفهم معاوية بن هشام ‪-‬صدوٌق يخطئ‪ -‬والحسين األصبهاني وعمرو ابن محمد العنقزي‬
‫وغيرهم عن الثوري فوصلوه‪ ،‬والمرسل أصح‪.‬‬
‫والحديث حسنه الترمذي وصححه ابن حبان والحاكم والمؤلف‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬قال بعضهم‪ :‬ضرار بن عمرو ‪-‬وهو متروك‪ -‬بداًل من "ضرار بن ُمَّر ة "ثقة"‪ ،‬وابن ُمَّر ة أكثر‬
‫وأصح‪ .‬انظر‪ :‬الكامل البن عدي (‪ )100 /4‬ومسند البزار (‪ /10‬رقم ‪ )4362‬ولسان الميزان (‬
‫‪.)239 /3‬‬
‫(‪ )1‬الكبير (‪ /10‬رقم ‪ ،)10682‬وابن عدي في الكامل (‪.)13 /3‬‬
‫قال ابن عدي ‪-‬بعد أْن ذكر هذا الحديث وغيره‪" :-‬وخالد بن يزيد هذا له أحاديث غير ما‬
‫ذكرت‪ ،‬وأحاديثه كلها ال يتابع عليها‪ ،‬ال إسناًدا وال متًنا ‪ ...‬وهو عندي ضعيف‪ ،‬إاَّل أَّن أحاديثه‬
‫إفرادات‪ ،‬ومع ضعفه كان ُيْك َتُب حديثه"‪.‬‬
‫وانظر‪ :‬لسان الميزان (‪.)451 - 450 /2‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أحمد في المسند (‪ ،)453 /1‬وابن أبي شيبة في مصنفه (‪ /6‬رقم ‪ ،)31706‬وأبو‬
‫يعلي في مسنده (‪ /9‬رقم ‪ ،)5358‬والطبراني في األوسط =‬

‫(‪)1/252‬‬

‫الحديث (‪ )1‬عن القاسم بن عبد الرحمن إاَّل الحارث بن ُح صيرة‪ ،‬تفرد به عبد الواحد بن زياد"‪.‬‬
‫وقال عبد الَّله بن أحمد‪ :‬حدثنا موسى بن غيالن ثنا هاشم بن مخلد حدثنا عبد الَّله بن المبارك‬
‫عن سفيان عن أبي عمرو عن أبيه عن أبي هريرة رضي الَّلُه عنه قال‪" :‬لَّم ا نزلت {ُثَّلٌة ِم َن اَأْلَّو ِليَن (‬
‫‪َ )39‬و ُثَّلٌة ِم َن اآْل ِخ ِر يَن } [الواقعة‪ ،]40 - 39 :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬أنتم‬
‫ُرُبُع أهل الجَّنة‪ ،‬أنتم ثلث أهل الجَّنة‪ ،‬أنتم نصُف أهل الجَّنة‪ .‬أنتم ثلثا أهل الجَّنة" (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫= (‪ ،)539‬وفي الصغير رقم (‪ ،)76‬والبزار في مسنده البحر الزخار رقم (‪ )1999‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق عفان بن مسلم الَّصَّف ار وعبد الواحد بن زياد عن الحارث بن حصيرة عن القاسم به‪.‬‬
‫وخالفه يعقوب الحضرمي فأدخل زيد بن وهب مكان القاسم عن أبيه‪.‬‬
‫فرواه يعقوب عن عبد الواحد عن الحارث عن زيد بن وهب عن ابن مسعود فذكره‪.‬‬
‫أخرجه الطبراني في الكبير (‪ )227 /10‬رقم (‪.)10398‬‬
‫قلُت ‪ :‬هذا خطأ؛ إَّم ا من يعقوب الحضرمي أو الراوي عنه أحمد بن محمد بن َنْيَز ك وهو صدوٌق‬
‫يخطئ‪.‬‬
‫فالطريق األَّو ل هو المحفوظ‪ ،‬وهو ضعيف لالنقطاع‪ :‬عبد الرحمن لم يسمع من أبيه هذا‬
‫الحديث‪ ،‬وأيًض ا فيه الحارث بن حصيرة فيه ضعف‪ ،‬وقد تفَّر د بهذا الحديث عن القاسم‪ .‬انظر‪:‬‬
‫تهذيب الكمال (‪.)226 - 224 /5‬‬
‫(‪ )1‬قوله "هذا الحديث" ليس في "أ"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو نعيم في الحلية (‪.)101 /7‬‬
‫ورواُه شريك القاضي عن محمد بن عبد الرحمن بن خالد عن أبيه عبد الرحمن بن خالد بن‬
‫ميسرة عن أبي هريرة فذكره‪ ،‬وفيه "أنتم ثلث أهل =‬

‫(‪)1/253‬‬

‫قال الطبراني‪" :‬تفَّر د برفعه ابن المبارك عن الثوري"‪.‬‬


‫وقال خيثمة بن سليمان القرشي‪ :‬حدثنا أبو قالبة هو عبد الملك بن محمد حدثنا محمد (‪ )1‬بن‬
‫بكار الصيرفي حدثنا حَّم اد بن عيسى حدثنا سفيان الثوري عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن‬
‫الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬أهل الجَّنة عشرون ومئة صف‪ ،‬أنتم منها ثمانون صًّف ا" (‬
‫‪. )2‬‬
‫وهذه األحاديث قد تعددت طرقها‪ ،‬واختلفت مخارجها وصح سند بعضها‪ ،‬وال تنافي بينها وبين‬
‫حديث الشطر؛ ألَّنه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬رجا أَّواًل أْن يكونوا شطر أهل الجَّنة‪ ،‬فأعطاُه الَّلُه (‬
‫‪ )3‬سبحانه رجاءه‪ ،‬وزاده عليه شيًئا آخر‪.‬‬
‫__________‬
‫= الجَّنة‪ ،‬بل أنتم نصف أهل الجَّنة‪ ،‬وتقاسمونهم النصف الباقي"‪.‬‬
‫أخرجه أحمد (‪ ،)391 /2‬والبخاري في تاريخه الكبير (‪.)154 /1‬‬
‫والحديث ضعيف اإلسناد‪ ،‬مضطرب المتن‪ ،‬فيه عبد الرحمن بن خالد بن ميسرة مجهول‪ ،‬وكذا‬
‫ابنه محمد لم يوثقه إاَّل ابن حبان‪ ،‬وقد روى عنه جماعة‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)78 - 77 /17( ،)609 - 608 /25‬‬
‫(‪ )1‬قوله‪" :‬حدثنا محمد" سقط من "ب‪ ،‬ج"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه خيثمة بن سليمان األطرابلسي كما في المنتخب من الجزء األَّو ل من فوائده ص (‬
‫‪ ،)79 - 78‬والطبراني في معجمه الكبير (‪ )419 /19‬رقم (‪ ،)1012‬وابن عدي في الكامل (‬
‫‪.)286 /6‬‬
‫وهذا الحديث منكر؛ تفَّر د به حماد بن عيسى الجهني عن الثوري‪ ،‬وحماد ضعيف الحديث عنده‬
‫مناكير‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)283 - 281 /7‬‬
‫(‪ )3‬ليس في "ج"‪.‬‬

‫(‪)1/254‬‬

‫وقد روى أحمد في "مسنده" من حديث أبي الزبير أَّنه سمع جابًر ا يقول‪ :‬سمعت رسول الَّله ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬يقول‪" :‬أرجو أْن يكون من يتبعني من ُأَّم تي يوم القيامة ُرُبَع أهِل الجَّنة‪،‬‬
‫قال‪ :‬فكبرنا‪ ،‬قال‪ :‬فأرجو أْن تكونوا الَّش طَر " (‪. )1‬‬
‫وإسناده على شرط مسلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في المسند (‪ ،)346 /3‬والبزار في مسنده كما في كشف األستار برقم (‬
‫‪ .)3533‬والحديث كما قال المؤلف‪.‬‬

‫(‪)1/255‬‬
‫الباب الحادي والثالثون في أَّن النساء في الجَّنة أكثر من الرجال وكذلك هم في الَّنار‬
‫ثبت في "الصحيحين" (‪ )1‬من حديث أيوب عن محمد بن سيرين قال‪ :‬إَّما تفاخروا‪ ،‬وإَّما‬
‫تذاكروا‪ :‬الرجال أكثر في الجَّنة أم النساء؟ فقال أبو هريرة رضي الَّلُه عنه‪ :‬ألم يقل أبو القاسم ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إَّن أَّو ل ُز مرٍة تدخل الجَّنة على صورة القمر ليلة البدِر ‪ ،‬والتي تليها على‬
‫أضوِإ (‪ )2‬كوكٍب درٍّي في السماء‪ ،‬لكِّل امرٍئ منهم زوجتان اثنتان‪ُ ،‬يرى ُمُّخ ُس وِقِه ما من وراء‬
‫اللحم‪ ،‬وما في الجَّنة َعَزٌب "‪.‬‬
‫فإْن كن من نساء الدنيا فالنساء في الدنيا أكثر من الرجال‪ ،‬وإْن ُكَّن من الحور العين لم يلزم أْن‬
‫يُك َّن في الدنيا أكثر‪ ،‬والظاهر أَّنهَّن من الحور العين؛ لما رواه اإلمام أحمد حدثنا عفان حدثنا‬
‫حماد بن سلمة أخبرنا يونس عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الَّلُه عنه عن الَّنبي ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬للَّر جل من أهل الجَّنة زوجتان من الحور العين‪ ،‬على كِّل واحدٍة سبعون‬
‫ُح َّلة يرى مخ ساقها من وراء الثياب" (‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري رقم (‪ 3073‬و ‪ 3074‬و ‪ 3081‬و ‪ )3149‬من طريق همام بن منبه‬
‫واألعرج وعبد الرحمن بن أبي عمرة وأبي زرعة كلهم عن أبي هريرة‪.‬‬
‫ومسلم رقم (‪ ،)2834‬واللفظ لمسلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬من "هـ" و"صحيح مسلم"‪ ،‬وفي باقي النسخ "أضواء"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أحمد في مسنده (‪ 345 /2‬و ‪ 420‬و ‪.)422‬‬
‫هكذا رواه حماد بن سلمة‪ .‬ويظهر أَّنه مختصر‪ ،‬ولفظه بتمامه ما تقدم آنًف ا‪.‬‬
‫وجملة "على كل واحدٍة سبعون ُح َّلة" غريبة‪= .‬‬

‫(‪)1/256‬‬

‫فإْن قيل‪ :‬فكيف تجمعون بين هذا الحديث وبين حديث جابر رضي الَّلُه عنه المتفق عليه‪ :‬شهدُت‬
‫مع رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬العيد‪ ،‬فصلى قبل أْن يخطب بغير أذان وال إقامة‪ ،‬ثَّم‬
‫خطب بعدما صَّلى‪ ،‬فوعظ الَّناس وذكرهم‪ ،‬ثَّم أتى النساء فوعظهَّن ومعه بالل‪ ،‬فذكرهَّن وأمرهَّن‬
‫بالصدقة‪ ،‬قال‪ :‬فجعلت المرأة تلقي خاتمها وُخ ْر صها والشيء كذلك‪،‬‬
‫__________‬
‫= حيث لم يروها أيوب السختياني وال عوف وال معمر عن محمد بن سيرين‪.‬‬
‫لكن جاءت عن محمد بن المنهال عن يزيد بن زريع عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عند‬
‫الَّدارمي برقم (‪ )2874‬وفيه "‪ . .‬إَّنه ليرى مخ ساقها من وراء سبعين حَّلة‪." . .‬‬
‫لكَّنها رواية مختصرة ومروية بالمعنى‪ ،‬فقد خالف محمد بن المنهال اإلمام أحمد‪.‬‬
‫فرواه اإلمام أحمد في مسنده (‪ )507 /2‬عن يزيد بن زريع عن هشام به بمثل لفظ أيوب المتقدم‬
‫آنًف ا‪ ،‬وفيه "من وراء الحلل" بداًل من "اللحم"‪.‬‬
‫وأيًض ا فقد رواه عن أبي هريرة جماعة‪ :‬همام بن منبه وأبو زرعة واألعرج وعبد الرحمن بن أبي‬
‫عمرة وأبو صالح وأبو رافع وزياد المخزومي فلم يذكروا ما ذكره حماد بن سلمة "على كِّل‬
‫واحدٍة سبعون حَّلة"‪.‬‬
‫انظر‪ :‬المسند الجامع (‪ ،)489 - 484 /8‬وصفة الجَّنة ألبي نعيم من الرقم (‪.)244 - 240‬‬
‫وقد ورد هذا عن ابن مسعود موقوًفا قال‪" :‬إَّن المرأة من الحور العين لُيرى مخ ساقها من وراء‬
‫اللحم والعظم من تحت سبعين حلة كما يرى الشراب األحمر في الزجاجة البيضاء"‪.‬‬
‫أخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم (‪ )20867‬وغيره‪.‬‬
‫وقد جاء هذا مقطوًعا وهو أصح‪ ،‬وقد روي مرفوًعا وال يصح‪.‬‬
‫انظر‪ :‬علل الَّدارقطني (‪ )228 - 227 /5‬رقم (‪.)837‬‬

‫(‪)1/257‬‬

‫فأمر الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬بالاًل فجمع ما هناَك ‪ ،‬ثَّم قال‪" :‬إَّن منكَّن في الجَّنة ليسير"‪.‬‬
‫فقالت امرأٌة‪ :‬يا رسول الَّله ِلَم ؟ قال‪" :‬إَّنكَّن ُتكثرن اَّللعن‪ ،‬وتكفرن العشير" (‪. )1‬‬
‫وفي الحديث اآلخر‪" :‬إَّن أقَّل ساكني الجَّنة النساء" (‪. )2‬‬
‫قيل‪ :‬هذا يدُّل على أَّنهَّن إَّنما ُكَّن في الجَّنة أكثر بالحور العين اَّلالتي خلقن في الجَّنة‪ ،‬وأقل‬
‫ساكنيها نساء الدنيا‪ ،‬فنساء الدنيا أقل أهل الجَّنة‪ ،‬وأكثر أهل الَّنار‪.‬‬
‫وأَّما كونهَّن أكثر أهل الَّناِر ‪ ،‬فلما روى البخاري في "صحيحه" من حديث عمران بن حصين‬
‫رضي الَّلُه عنهما قال‪ :‬بلغني أَّن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬اَّطلعُت في الَّناِر‬
‫فرأيُت أكثر أهلها النساَء‪ ،‬واَّطلعُت في الجَّنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء" (‪. )3‬‬
‫وفي "صحيح مسلم" (‪ )4‬عن ابن عباس رضي الَّلُه عنهما قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪" :-‬اَّطلعُت في الجَّنة فرأيُت أكثر أهلها الفقراء‪ ،‬واَّطلعُت في الَّنار فرأيُت أكثر أهلها‬
‫النساء"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)935‬ومسلم رقم (‪ )885‬واللفظ لمسلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم في صحيحه في (‪ )48‬الرقاق‪ ،‬برقم (‪ )2738‬من حديث عمران بن حصين‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري في صحيحه في (‪ )63‬بدء الخلق‪ )8( ،‬باب ما جاء في صفة الجَّنة وأَّنها‬
‫مخلوقة (‪ )1184 /3‬رقم (‪.)3069‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم في صحيحه في (‪ )48‬الرقاق برقم (‪.)2737‬‬

‫(‪)1/258‬‬

‫وروى اإلمام أحمد بإسناٍد صحيح عن أبي هريرة رضي الَّلُه عنه قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله‬
‫عليه وسلم‪" :-‬اَّطلعُت في الَّنار فرأيُت أكثَر أهلها النساء‪ ،‬واَّطلعُت في الجَّنة فرأيُت أكثر أهلها‬
‫الفقراء" (‪. )1‬‬
‫وفي "المسند" أيًض ا من حديث عبد الَّلِه بن عمرو رضي الَّلُه عنهما قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪" :-‬اَّطلعُت في الجَّنة فرأيُت أكثر أهلها الفقراء‪ ،‬واَّطلعُت في الَّنار فرأيُت أكثر‬
‫أهلها األغنياء والنساء" (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في مسنده (‪.)297 /2‬‬
‫من طريق شهر بن حوشب عن أبي هريرة فذكره‪.‬‬
‫وسنده منقطع شهر لم يسمع من أبي هريرة‪ ،‬وإَّنما يدخل أحياًنا بينه وبين أبي هريرة واسطة هو‬
‫عبد الرحمن بن غنم‪ ،‬وقد ورد تصريحه بالسماع من أبي هريرة وفي ثبوته نظر‪.‬‬
‫والمتن محفوظ كما تقدم‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أحمد في مسنده (‪ ،)173 /2‬وكذا عبد الَّله في زوائد المسند مختصًر ا‪ ،‬وابن حبان‬
‫في صحيحه (‪ /16‬رقم ‪ )7489‬مطَّو اًل ‪.‬‬
‫من طريق شريك عن أبي إسحاق عن السائب بن مالك عن عبد الَّله بن عمرو فذكره في قصة‬
‫كسوف الشمس‪.‬‬
‫وهذه اللفظة غريبة من حديث أبي إسحاق‪.‬‬
‫فقد روى الحديث عطاء بن السائب عن أبيه السائب عن عبد الَّله بن عمرو مطَّو اًل ‪ ،‬وليس فيه‬
‫هذه اللفظة إَّنما فيه بداًل عنها "‪ . . .‬عرضت علَّي الجَّنة حتى لو مددت يدي تناولت من قطوفها‪،‬‬
‫وعرضت علَّي الَّنار فجعلت أنفخ خشية أْن يغشاكم حَّر ها‪ " . .‬هذا لفظ شعبة عن عطاء‪.‬‬
‫أخرجه أحمد (‪ )188 /2‬والنسائي (‪= .)149 /3‬‬

‫(‪)1/259‬‬

‫وفي الصحيح من حديث ابن عمر رضي الَّلُه عنهما عن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪:‬‬
‫"يا معشر النساء تصدقن‪ ،‬وأكثرن االستغفار (‪ ، )1‬فإِّني رأيُتكَّن أكثر أهل الَّنار‪ ،‬فقالت امرأٌة‬
‫منهَّن َج ْز َلة‪ :‬وما لنا يا رسول الَّله أكثر أهل الَّنار؟ قال‪ :‬تكثرن اللعن وتكفرن العشير‪ ،‬ما رأيُت من‬
‫(‪ )2‬ناقصات عقٍل وديٍن أغلَب لذي لٍّب منكَّن ‪ ،‬قالت‪ :‬يا رسول الَّلِه وما نقصان العقل والِّدين؟‬
‫قال‪ :‬أَّما نقصان العقل فشهادة امرأتين بشهادة رجٍل ‪ ،‬فهذا نقصان العقل‪ ،‬وتمكث األيام ال تصلي‬
‫وتفطر (‪ )3‬فهذا نقصان الِّدين" (‪. )4‬‬
‫وأَّما كونهَّن أقل أهل الجَّنة ففي "أفراد مسلم" عن مطرف بن عبد الَّله‪ :‬أَّنه كانت له امرأتان‪،‬‬
‫فجاء من عند إحداهما‪ ،‬فقالِت األخرى‪ :‬جئَت من عند فالنٍة ‪ ،‬فقال‪ :‬جئُت من عند عمران بن‬
‫حصين‪ ،‬فحدثنا رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إَّن أقَّل ساكني الجَّنة النساء" (‪. )5‬‬
‫فإْن قيل‪ :‬فما تصنعون بالحديث اَّلذي رواه أبو يعلى الموصلي‪ :‬حدثنا عمرو بن الضحاك بن‬
‫مخلد حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد‬
‫__________‬
‫= ورواه أيًض ا أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الَّله بن عمرو فذكره مختصًر ا‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين وأحمد (‪ )175 /2‬وغيرهم‪.‬‬
‫وفي الحديث اختالٌف في صفة صالة الكسوف ليس هذا موضعه‪.‬‬
‫(‪ )1‬في نسخٍة على حاشية "أ" "من االستغفار"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ليس في "ب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في صحيح مسلم "وتفطر في رمضان"‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم في صحيحه برقم (‪.)79‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم برقم (‪.)2738‬‬

‫(‪)1/260‬‬

‫حدثنا أبو رافع إسماعيل بن رافع عن محمد بن زياد (‪ )1‬عن محمد بن كعب القرظي عن رجٍل‬
‫من األنصار عن أبي هريرة رضي الَّلُه عنه قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬وهو في‬
‫طائفٍة من أصحابه فذكر حديًثا طوياًل وفيه‪" :‬فيدخُل الرُج ل منهم على ثنتين وسبعين زوجة مَّم ا‬
‫ينشئ الَّلُه تعالى وثنتين من ولد آدم‪ ،‬لهما فضٌل على من أنشأ الَّلُه‪ ،‬بعبادتهما الَّله في الدنيا" (‪)2‬‬
‫وذكر الحديث‪.‬‬
‫قيل‪ :‬هذا قطعة من حديث الصور الطويل‪ ،‬وال يعرف إاَّل من حديث إسماعيل بن رافع‪ ،‬وقد‬
‫ضعفه أحمد‪ ،‬ويحيى وجماعة وقال الَّدارقطني وغيره‪" :‬متروك الحديث"‪ ،‬وقال ابن عدي‪:‬‬
‫"أحاديثه كلها مَّم ا فيه نظر"‪.‬‬
‫وأَّم ا البخاري‪ ،‬فقال فيه‪ :‬ما حكاه الترمذي عنه قال‪" :‬سمعت محمًد ا يقول‪ :‬هو ثقة‪ ،‬مقارب‬
‫الحديث" (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬وفي بعض مصادر التخريج "يزيد بن أبي زياد" وفي بعضها "محمد بن يزيد بن أبي زياد"‬
‫وكلها ترجع إلى اضطراب إسماعيل بن رافع في هذا الحديث‪ ،‬وإسماعيل شبه المتروك‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده كما في المطالب رقم (‪ ،)3013‬والطبري في تفسيره‬
‫(‪ ،)110 /10‬والطبراني في األحاديث الِّطوال رقم (‪ ،)36‬وأبو الشيخ في العظمة رقم (‪،)386‬‬
‫والبيهقي في البعث والنشور رقم (‪ 668‬و ‪ ،)669‬وابن عدي في الكامل (‪.)267 /6‬‬
‫والحديث ضعيف جًّدا‪ ،‬تكلم فيه البخاري والبيهقي وعبد الحق والمؤلف وابن كثير والبوصيري‬
‫وابن حجر وغيرهم‪.‬‬
‫انظر‪ :‬فتح الباري (‪ )369 - 368 /11‬وغيره‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر أقوال العلماء فيه في تهذيب الكمال (‪.)90 - 85 /3‬‬

‫(‪)1/261‬‬
‫قلُت ‪ :‬ولكن إذا روى مثل هذا ما يخالف األحاديث الصحيحة لم يلتفت إلى روايته‪ ،‬وأيًض ا‬
‫فالرجل اَّلذي رواه عنه الُقَر ظي ال ُيْد َر ى مْن هو؟‬
‫وقد روى أحمد في "مسنده" من حديث ُعَم ارة بن خزيمة بن ثابت قال‪ُ :‬ك َّنا مع عمرو بن العاص‬
‫رضي الَّلُه عنهما في حج أو عمرة‪ ،‬حَّتى إذا كَّنا بمِّر الَّظهران‪ ،‬فإذا امرأة في هودجها‪ ،‬قال‪ :‬فمال‬
‫فدخل الِّش ْع َب فدخلنا معه فقال‪ :‬كنا مع رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬في هذ المكان‪،‬‬
‫فإذا نحن بغربان كثيرٍة فيها ُغَر اٌب أعصم أحمر المنقار والرجلين‪ ،‬فقال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله‬
‫عليه وسلم‪" :-‬ال يدخل الجَّنة من النساء إاَّل مثل هذا الغراب في هذه الغربان" (‪. )1‬‬
‫واألعصم من الِغربان‪ :‬اَّلذي في جناحه ريشة بيضاء‪.‬‬
‫قال الجوهري‪" :‬ويقال هذا كقوهم‪ :‬األبلق الَعُقوق‪ ،‬وَبْيض األُنوق‪ ،‬لكِّل شيء يعُّز وجوده" (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في مسنده (‪ 197 /4‬و ‪ )205‬وعبد بن حميد في مسنده "المنتخب رقم (‬
‫‪ ،)294‬والنسائي في الكبرى (‪ )400 /5‬رقم (‪ ،)9268‬وأبو يعلى في مسنده (‪ /13‬رقم‬
‫‪ ،)7343‬والحاكم في المستدرك (‪ )645 /4‬رقم (‪ 8781‬و ‪ ،)8782‬والبيهقي في شعب‬
‫اإليمان (‪ )7433 /13‬وغيرهم‪.‬‬
‫والحديث قال فيه الحاكم‪" :‬صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"‪.‬‬
‫وقال الهيثمي‪" :‬ورجاله ثقات" مجمع الزوائد (‪.)400 /10‬‬
‫(‪ )2‬الصحاح (‪.)1466 - 1465 /2‬‬

‫(‪)1/262‬‬

‫وفي "النهاية" (‪" : )1‬الغراب األعصم"‪ :‬هو األبيض الجناحين‪ ،‬وقيل األبيض الرجلين‪ ،‬أراد‪ :‬قَّلة‬
‫من يدخل الجَّنة من النساء؛ ألَّن هذا الوصف في الغربان قليل عزيز‪.‬‬
‫وفي حديث آخر‪" :‬المرأة الصالحُة مثل الغراب األعصم‪ ،‬قيل‪ :‬يا رسول الَّله وما الغراب‬
‫األعصم؟ قال‪" :‬اَّلذي إحدى رجليه بيضاء" (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البن األثير (‪.)249 /3‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي شيبة في "مسنده" كما في المطالب العالية (‪ )389 /8‬رقم (‪ )1686‬معلًق ا‪.‬‬
‫من طريق مطِّر ح بن يزيد عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي ُأمامة‪.‬‬
‫وهذا حديٌث ضعيٌف جًّدا‪ ،‬وقد ضعف يحيى بن معين وأبو حاتم الَّر ازي جميع أحاديث هذه‬
‫السلسلة‪.‬‬
‫وعلي بن يزيد هو األلهاني‪ :‬متروك عند عامة أهل الجرح والتعديل‪ ،‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪/21‬‬
‫‪.)182 - 178‬‬
‫وفيه أيًض ا مطَّر ح بن يزيد وهو متفق على ضعفه‪ .‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)62 - 60 /28‬‬
‫والحديث ضعفه الهيثمي والبوصيري‪ .‬انظر‪ :‬مجمع الزوائد (‪.)273 /4‬‬
‫* وورد من حديث عائشة وفيه قصة وفيه "‪ . . .‬إَّن مثل المرأة المؤمنة في النساء كمثل الغراب‬
‫األعصم في الغربان‪." . .‬‬
‫أخرجه عبد بن حميد في مسنده رقم (‪ - 1526‬المنتخب)‪ ،‬وأبو الشيخ في األمثال رقم (‬
‫‪ ،)137‬والطبراني في مسند الشاميين رقم (‪.)1171‬‬
‫من طريق‪ :‬كثير بن عبيد ومحمد بن عمرو بن حنان ومحمد بن الفضل عن بقية بن الوليد حدثني‬
‫بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة عن عائشة‪.‬‬
‫ولكَّنه حديث معلول باإلرسال كما أخرجه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (‪.)221 /65‬‬

‫(‪)1/263‬‬

‫وفي حديٍث آخر‪" :‬عائشة في النساء‪ ،‬كالغراب األعصم في الغربان" (‪. )1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر الفائق للزمخشري (‪ )369 /2‬والحديث لم أقف عليه‪.‬‬

‫(‪)1/264‬‬

‫الباب الثاني والثالثون فيمن يدخل الجَّنة من هذه األمة بغير حساب وذكر أوصافهم‬
‫ثبت في "الصحيحين" (‪ )1‬من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الَّلُه‬
‫عنه قال‪ :‬سمعت رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬يقول‪" :‬يدخل الجَّنة من أمتي زمرٌة‪ :‬هم‬
‫سبعون ألًف ا‪ ،‬تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر"‪ ،‬فقام ُعَّك اشة بن ِم ْحَص ٍن األسدي فرفع نمرة‬
‫عليه‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول الَّله‪ ،‬ادع الَّله أْن يجعلني منهم‪ ،‬فقال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪:-‬‬
‫"اللهم اجعله منهم"‪ ،‬ثَّم قام رجٌل من األنصار فقال‪ :‬يا رسول الَّله‪ ،‬ادُع الَّلُه أْن يجعلني منهم‪،‬‬
‫فقال‪" :‬سبقك بها ُعَّك اشة"‪.‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪ )2‬من حديث سهل بن سعد أَّن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪:‬‬
‫"ليدخلَّن الجَّنة من أمتي سبعون ألًف ا أو سبع مئة ألف (‪ )3‬آخٌذ بعضهم ببعض حتى يدخل أَّو ُلهم‬
‫وآخرهم الجَّنة‪ ،‬وجوههم على صورة القمر ليلة البدر"‪.‬‬
‫فهذه هي الُز مرة األولى‪ ،‬وهم يدخلونها بغير حساب‪ ،‬والَّدليل عليه ما ثبت في "الصحيحين" (‪)4‬‬
‫والِّس ياق لمسلم‪ ،‬حدثنا سعيد بن منصور حدثنا هشيم أخبرنا ُح صين بن عبد الرحمن قال‪ :‬كنت‬
‫عند‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري رقم (‪ ،)6176‬ومسلم رقم (‪.)216‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)6177‬ومسلم رقم (‪.)219‬‬
‫(‪ )3‬في الصحيحين زيادة "متماسكين"‪.‬‬
‫(‪ )4‬البخاري رقم (‪ ،)6175‬ومسلم رقم (‪.)220‬‬

‫(‪)1/265‬‬

‫سعيد بن جبير‪ ،‬فقال‪ :‬أيكم رأى الكوكب اَّلذي انقض البارحة‪ ،‬قلت‪ :‬أنا‪ ،‬ثَّم قلُت ‪ :‬أما إِّني لم‬
‫أكن في صالة‪ ،‬ولكِّني ُلدغت قال‪ :‬فما صنعت؟ قلُت ‪ :‬استرقيت قال‪ :‬فما حملك على ذلك؟‬
‫قلُت ‪ :‬حديث حدثناه الشعبي‪ ،‬قال‪ :‬وما حدثكم الشعبي؟ قلُت ‪ :‬حدثنا عن ُبَر يدة بن حصيب‬
‫األسلمي أَّنه قال‪ :‬ال ُر قية إاَّل من عيٍن أو ُحَم ة‪ ،‬فقال‪ :‬قد أحسن من انتهى إلى ما سمع‪ ،‬ولكن‬
‫حدثنا ابن عباس ‪-‬رضي الَّله عنهما‪ -‬عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬عرضت علَّي‬
‫األمم فرأيت الَّنبي ومعه الرهط‪ ،‬والَّنبي ومعه الرجل والرجالن‪ ،‬والَّنبي وليس معه أحد‪ ،‬إذ ُر ِفَع لي‬
‫سواٌد عظيم‪ ،‬فظننُت أَّنهم أمتي‪ ،‬فقيل لي‪ :‬هذا موسى وقومه؛ ولكن انظر إلى األفق‪ ،‬فنظرت‪ ،‬فإذا‬
‫سواد عظيم‪ ،‬فقيل لي‪ :‬انظر إلى األفق اآلخر فإذا سواٌد عظيم فقيل لي (‪ : )1‬هذه أمتك‪ ،‬ومعهم‬
‫سبعون ألًف ا يدخلون الجَّنة بغير حساٍب وال عذاب"‪ ،‬ثَّم نهض فدخل منزله‪ ،‬فخاض الَّناس في‬
‫أولئك اَّلذين يدخلون الَج َّنة بغير حساٍب وال عذاب‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬فلعلهم اَّلذين صحبوا رسول‬
‫الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬وقال بعضهم‪ :‬فلعلهم اَّلذين ُو ِلُد وا في اإلسالم ولم يشركوا بالَّله‪،‬‬
‫وذكروا أشياء‪ ،‬فخرج عليهم رسول الَّله فقال‪" :‬ما اَّلذي تخوضون فيه"؟ فأخبروه‪ ،‬فقال‪ :‬هم‬
‫اَّلذين ال يرقون وال يسترقون وال يتطيرون‪ ،‬وعلى ربهم يتوكلون‪ ،‬فقام ُعكاشة بن محصن فقال‪:‬‬
‫ادُع (‪ )2‬الَّله أْن يجعلني‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من قوله "انظر إلى األفق" إلى "لي" من صحيح مسلم‪ ،‬وليس في جميع النسخ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في نسخٍة على حاشية "أ" "يا رسول الَّله ادع" وليست في مسلم وال في جميع النسخ‪.‬‬

‫(‪)1/266‬‬

‫منهم‪ ،‬فقال‪" :‬أنت منهم"‪ ،‬ثَّم قام رجٌل آخر فقال‪ :‬ادُع الَّلَه أْن يجعلني منهم‪ ،‬فقال‪ :‬سبقك بها‬
‫عكاشة"‪.‬‬
‫وليس عند البخاري "وال َيْر ُقون"‪.‬‬
‫قال شيخنا (‪ : )1‬وهو الصواب‪ ،‬وهذه اللفظة وقعت مقحمة في الحديث‪ ،‬وهو غلٌط من بعض‬
‫الرواة (‪ ، )2‬فإَّن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬جعل الوصف‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬هو ابن تيمية‪ ،‬انظر‪ :‬مجموع الفتاوى (‪ ،)328 ،182 /1‬وراجع‪ :‬مفتاح دار السعادة (‪/2‬‬
‫‪ ،)234‬وزاد المعاد (‪.)496 - 495 /1‬‬
‫فائدة‪ :‬تعَّق ب الحافظ ابُن حجر ابَن تيمية في هذه الزيادة "وال يرقون" في الفتح (‪- 408 /11‬‬
‫‪ ،)409‬وأجاب عن هذه التعقبات الشيخ سليمان بن عبد الَّله آل الشيخ في تيسير العزيز الحميد‬
‫ص (‪.)85 - 84‬‬
‫(‪ )2‬لعله من سعيد بن منصور‪ ،‬فقد خالفه جماعة فلم يذكروا هذه اللفظة عن هشيم‪ ،‬منهم‪:‬‬
‫‪ -‬سريج بن النعمان عند أحمد (‪.)271 /1‬‬
‫‪ -‬وشجاع بن مخلد الفالس عند عبد الَّله في زوائده على المسند (‪.)271 /1‬‬
‫‪ -‬ومحمد بن الصباح عند أبي نعيم في مستخرجه برقم (‪.)526‬‬
‫‪ -‬وُأسيد بن زيد عند البخاري برقم (‪.)6175‬‬
‫‪ -‬وزكريا بن يحيى زحمويه عند البيهقي في شعب اإليمان رقم (‪.)1122‬‬
‫‪ -‬ومحمد بن عبيد القرشي عند ابن أبي الدنيا في التوكل رقم (‪.)39‬‬
‫ورواه شعبة وحصين بن نمير ومحمد بن فضيل وعبثر بن القاسم كلهم عن حصين بن عبد‬
‫الرحمن به ولم يذكروا هذه اللفظة‪.‬‬
‫وجاء الحديث بدون هذه الزيادة "وال يرقون" عن غير واحٍد منهم‪:‬‬
‫عمران بن حصين عند مسلم رقم (‪ 371‬و ‪ )372‬وغيره‪.‬‬
‫وابن مسعود وسيأتي قريًبا‪.‬‬
‫وهذا يؤيد كالم شيخ اإلسالم ابن تيمية بأَّنها غلط‪.‬‬

‫(‪)1/267‬‬

‫اَّلذي استحق به هؤالء دخول الجَّنة بغير حساب‪ ،‬هو تحقيق التوحيد وتجريده‪ ،‬فال يسألون‬
‫غيرهم أْن يرقيهم‪ ،‬وال يتطيرون ‪-‬والطيرة‪ :‬نوٌع من الشرك‪ -‬ويتوكلون على الَّلِه وحده ال على‬
‫غيره‪ ،‬وتركهم االسترقاء والتطير هو من تمام التوكل على الَّلِه كما في الحديث‪" :‬الطيرة شرك"‪،‬‬
‫قال ابن مسعود‪" :‬وما مَّنا إاَّل ‪ ،‬ولكن الَّله يذهبه بالتوكل" (‪. )1‬‬
‫فالتوكل ينافي التطير‪ ،‬وأَّم ا رقية الغير فهي إحسان من الَّر اقي‪ ،‬وقد رقى رسوَل الَّلِه جبريُل‪ ،‬وأذن‬
‫(‪ )2‬في الُّر قا (‪ ، )3‬وقال‪" :‬ال بأس بها ما لم يكن فيها شرك" (‪ ، )4‬واستأذنوه فيها فقال‪" :‬من‬
‫استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه" (‪ ، )5‬وهذا يدُّل على أَّنها نفع وإحسان‪ ،‬وذلك مستحب‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الترمذي برقم (‪ ،)1614‬وأبو داود برقم (‪ ،)3910‬وابن ماجه برقم (‪،)3538‬‬
‫وأحمد (‪ ،)389 /1‬وابن حبان (‪ ،)6122‬والحاكم (‪ )65 - 64 /1‬رقم (‪ 43‬و ‪.)44‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬هذا حديث حسن صحيح ال نعرفه إاَّل من حديث سلمة ابن كهيل‪." . . .‬‬
‫والحديث صححه الترمذي وابن حبان والحاكم والذهبي والعراقي وغيرهم‪.‬‬
‫وقوله "وما مَّنا إاَّل ‪ " . . .‬مدرٌج من قول عبد الَّله بن مسعود قاله سليمان بن حرب‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب‪ ،‬د" "بل وأذن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬يشير إلى حديث عائشة وأبي سعيد الخدري عند مسلم رقم (‪ 2185‬و ‪.)2186‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم برقم (‪ )2200‬من حديث عوف بن مالك األشجعي‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم برقم (‪ )2199‬من حديث جابر بن عبد الَّله رضي الَّلُه عنهما‪.‬‬

‫(‪)1/268‬‬

‫مطلوب لَّله ورسوله‪ ،‬فالَّر اقي محسٌن ‪ ،‬والمسترقي سائٌل راٍج نفع الغير‪ ،‬وتحقيق التوكل ينافي‬
‫ذلك‪.‬‬
‫فإْن قيل‪ :‬فعائشة قد رقت رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬وجبريل قد (‪ )1‬رقاُه‪.‬‬
‫قيل‪ :‬أجل‪ ،‬ولكن هو لم يسترِق ‪ ،‬وهو ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬لم يقل‪ :‬ال يرقيهم راٍق ‪ ،‬وإَّنما‬
‫قال‪ :‬ال يطلبون من أحٍد أْن يرقيهم‪ ،‬وفي امتناعه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬أْن يدعو للرجل الثاني‬
‫سٌّد لباب الطلب؛ فإَّنه لو دعا لكِّل من سأله ذلك‪ ،‬فربما طلبه من ليس من أهله‪ ،‬والَّلُه أعلم‪.‬‬
‫وفي "صحيح مسلم" (‪ )2‬من حديث محمد بن سيرين‪ ،‬عن عمران ابن حصين رضي الَّلُه عنه‬
‫قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬يدخل الجَّنة من ُأَّمتي سبعون ألًف ا بغير حساٍب‬
‫وال عذاب" قيل‪ :‬من هم؟ قال‪" :‬هم اَّلذين ال يكتوون‪ ،‬وال يسترقون‪ ،‬وال يتطيرون وعلى ربهم‬
‫يتوكلون"‪.‬‬
‫وفي "صحيحه" (‪ )3‬أيًض ا من حديث أبي الزبير أَّنه سمع جابر بن عبد الَّله رضي الَّلُه عنهما قال‪:‬‬
‫سمعُت الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬يذكر حديًثا وفيه "فتنجوا أَّو ل زمرٍة وجوههم كالقمر ليلة‬
‫البدِر ‪ ،‬سبعون ألًف ا ال يحاسبون‪ ،‬ثَّم اَّلذين يلونهم كأضوِإ نجٍم في السماء ثَّم كذلك" وذكر تمام‬
‫الحديث‪.‬‬
‫وقال أحمد بن منيع في "مسنده"‪ :‬حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز حدثنا حَّم اد عن عاصم عن ِز ًّر‬
‫عن ابن مسعود رضي الَّلُه عنه قال‪ :‬قال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ليس في "ب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رقم (‪.)218‬‬
‫(‪ )3‬رقم (‪.)191‬‬

‫(‪)1/269‬‬
‫رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ُ" :-‬عِر َضْت علَّي اُألمم بالموسم فراثْت (‪ )1‬علَّي أمتي ثَّم‬
‫رأيتهم فأعجبتني كثرتهم وهيئتهم‪ ،‬قد ملؤوا السهل والجبل‪ ،‬فقال‪ :‬أرضيَت يا محمد؟ فقلُت ‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬فقال‪ :‬فإَّن مع هؤالء سبعين ألًف ا يدخلون الجنة بغير حساب‪ ،‬وهم اَّلذين ال يسترقون‪ ،‬وال‬
‫يكتوون وعلى رِّبهم يتوكلون‪ ،‬فقام عكاشة بن محصن فقال‪ :‬يا رسول الَّله‪ ،‬ادُع الَّلَه أن يجعلني‬
‫منهم‪ ،‬فقال الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ :-‬أنت منهم‪ ،‬فقال رجٌل آخر‪ ،‬فقال‪" :‬سبقك بها‬
‫ُعكاشة" (‪. )2‬‬
‫وإسناده على شرط مسلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬جاء في حاشية "أ"‪" :‬راث علَّي الَخ َبر يريُث ‪ ،‬أي‪ :‬أبطأ‪ .‬النهاية‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أحمد في مسنده (‪ ،)403 /1‬والطيالسي في مسنده برقم (‪ ،)350‬وابن أبي شيبة‬
‫في مسنده رقم (‪ ،)352‬وأبو يعلي في مسنده (‪ /9‬رقم ‪ ،)5340‬والبخاري في األدب المفرد‬
‫رقم (‪.)911‬‬
‫من طرق عن حماد بن سلمة به مثله‪.‬‬
‫وزادوا "وال يتطيرون" سوى أبي يعلى وابن أبي شيبة‪.‬‬
‫وله طريٌق آخر عن ابن مسعود‪ :‬رواُه العالُء بن زياد والحسن البصري عن عمران عن ابن مسعود‬
‫مطَّو اًل وفيه "وال يتطيرون"‪.‬‬
‫أخرجه أحمد في المسند (‪ ،)401 /1‬والطيالسي في مسنده رقم (‪ ،)404‬وأبو يعلي في مسنده‬
‫(‪ /9‬رقم ‪ ،)5339‬وابن حبان (‪ /14‬رقم ‪ )6431‬والحاكم (‪ )621 /4‬رقم (‪ )8721‬وغيرهم‪.‬‬
‫والحديث صححه ابن حبان والحاكم والبوصيري والضياء المقدسي والمؤلف وغيرهم‪.‬‬
‫انظر‪ :‬إتحاف الخيرة المهرة (‪ ،)250 /8‬وصفة الجَّنة للمقدسي (‪.)176‬‬

‫(‪)1/270‬‬

‫الباب الثالث والثالثون في ِذ ْك ر َح ثَيات الَّر ب تبارك وتعالى اَّلذين يدخلهم الجَّنة‬
‫قال أبو بكر بن أبي شيبة‪ :‬حدثنا إسماعيل بن عياش عن محمد بن زياد قال‪ :‬سمعُت أبا ُأمامة‬
‫الباهلي يقول‪ :‬سمعت رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬يقول‪" :‬وعدني ربي أْن يدخل الجَّنة (‬
‫‪ )1‬من أمتي سبعين ألًف ا‪ ،‬مع كِّل ألٍف سبعون ألًف ا ال حساَب عليهم وال عذاب‪ ،‬وثالث حثيات من‬
‫حثيات ربي" (‪.)2‬‬
‫قلُت ‪ :‬وإسماعيل بن عياش (‪ )3‬إَّنما يخاف من تدليسه وضعفه‪.‬‬
‫فأَّم ا تدليسه‪ :‬فقد قال الطبراني‪ :‬حدثنا أحمُد بن المعلى الدمشقي‪ ،‬والحسين بن إسحاق التستري‬
‫قاال‪ :‬حدثنا هشام بن عَّم ار‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ليس في "ب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي شيبة (‪ )319 /6‬رقم (‪ ،)31705‬والترمذي برقم (‪ ،)2437‬وابن ماجه (‬
‫‪ ،)4286‬وأحمد في المسند (‪ ،)268 /5‬والطبراني في الكبير (‪ )130 - 129 /8‬رقم (‬
‫‪ )7520‬وفي مسند الشاميين (‪ )8 - 7 /2‬رقم (‪ )820‬وغيرهم‪.‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬حسٌن غريب"‪.‬‬
‫وقال ابن كثير‪" :‬هذا إسناٌد جِّيٌد "‪.‬‬
‫ورواُه بقية بن الوليد حدثني محمد بن زياد عن أبي ُأمامة أو عن رجٍل من أصحاب الَّنبي ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪.-‬‬
‫أخرجه الطبراني في الكبير (‪ )130 /8‬رقم (‪ ،)7521‬والدارقطني في الصفات رقم (‪.)53‬‬
‫(‪ )3‬قوله "بن عياش" ليس في "ب"‪.‬‬

‫(‪)1/271‬‬

‫قال‪ :‬حدثنا إسماعيل بن عياش قال‪ :‬أخبرني محمد بن زياد األلهاني قال‪ :‬سمعُت أبا ُأمامة يقول‪:‬‬
‫فذكره‪.‬‬
‫وأَّما ضعفه‪ :‬فإَّنما هو فى غير حديث الشاميين (‪ )1‬وهذا من روايته عن الشاميين‪.‬‬
‫وأيًض ا‪ ،‬فقد جاء من غير طريقه‪ ،‬قال أبو بكر بن أبي عاصم‪ :‬حدثنا دحيم حدثنا الوليد بن مسلم‬
‫حدثنا صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر وأبي (‪ )2‬اليمان الهوزني عن أبي ُأمامة رضي الَّلُه عنه‬
‫عن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إَّن الَّلَه وعدني أْن يدخل الجَّنة من ُأمتي سبعين‬
‫ألًف ا بغير حساب" قال يزيد بن األخنس‪ :‬والَّله ما أولئك يا رسول الَّله إاَّل مثل الذباب األصهب (‬
‫‪ )3‬في الِّذ باِن (‪ ، )4‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬فإَّن الَّلَه وعدني سبعين ألًف ا‪ ،‬مع‬
‫كِّل ألٍف سبعين ألًف ا‪ ،‬وزادني ثالَث حثياٍت " (‪. )5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬كما نَّص على ذلك علي ابن المديني ويحيى بن معين واإلمام أحمد بن حنبل وأبو حاتم‬
‫الَّر ازي ودحيم وعمرو بن علي الفاَّل س والبخاري ويعقوب بن شيبة وغيرهم‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)181 - 171 /3‬‬
‫(‪ )2‬في جميع النسخ "عن أبي اليمان" والمثبت عند ابن أبي عاصم وغيره‪.‬‬
‫(‪ )3‬األصهب‪ :‬هو اَّلذي يعلو لونه ُصْه بة‪ ،‬كالُّش ْق رة‪ ،‬وهو أْن يخالط لونه لوًنا آخر‪ .‬انظر‪:‬‬
‫الصحاح (‪ ،)180 /1‬والنهاية (‪.)62 /3‬‬
‫وقد جاء عند الطبراني وغيره "الذباب األزرق" بداًل من "األصهب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في "أ‪ ،‬ج‪ ،‬هـ" "الذباب"‪ ،‬وفي "د" "الذناب" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه ابن أبي عاصم في اآلحاد والمثاني (‪ )446 - 445 /2‬رقم (‪ ،)1247‬وأحمد في‬
‫المسند (‪ ،)250 /5‬والطبراني في الكبير (‪ )187 /8‬رقم =‬

‫(‪)1/272‬‬

‫قال أبو عبد الَّله المقدسي‪" :‬أبو اليمان اسمه‪ :‬عامر بن عبد الَّله بن لحي‪ ،‬ودحيم لقب‪ ،‬واسمه‪:‬‬
‫عبد الرحمن بن إبراهيم القاضي شيخ البخاري ومن فوقه إلى أبي أمامة من رجال الصحيح إاَّل‬
‫الهوزني وما علمُت فيه جرًح ا" (‪. )1‬‬
‫وقال الطبراني‪ :‬حدثنا أحمد بن خليٍد حدثنا أبو توبة حدثنا معاوية ابن ساَّل م عن زيد بن ساَّل م أَّنه‬
‫سمع أبا ساَّل م يقول‪ :‬حدثني عامر (‪ )2‬ابن يزيد بن البكالي أَّنه سمع عتبة بن عبٍد السلمي قال‪:‬‬
‫قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إَّن ربي عَّز وجل وعدني أْن يدخل الجَّنة من ُأمتي‬
‫سبعين ألًف ا بغير حساٍب ‪ ،‬ثَّم يشفع كُّل ألٍف لسبعين ألًف ا‪ُ ،‬ثَّم يحثي (‪ )3‬ربي تبارك وتعالى بكفيه‬
‫ثالث حثياٍت "‪ ،‬فكَّبر عمر وقال‪ :‬إَّن السبعين األول يشفعهم الَّلُه في آبائهم وأمهاتهم وأبنائهم‬
‫وعشائرهم وأرجو أْن يجعلني الَّله في أحد الحثيات األواخر" (‪. )4‬‬
‫__________‬
‫= (‪ ،)7672‬وابن حبان في صحيحه (‪ )230 /16‬رقم (‪.)7246‬‬
‫‪ -‬ورواه معاوية بن صالح عن سليم بن عامر عن أبي ُأمامة فذكره‪.‬‬
‫أخرجه الطبراني (‪ /8‬رقم ‪ ،)7665‬والبيهقي في البعث والنشور رقم (‪ .)147‬والحديث صححه‬
‫ابن حبان‪ ،‬وحسنه ابن كثير‪ ،‬وصحح سنده الحافظ ابن حجر‪ .‬انظر‪ :‬اإلصابة (‪.)336 /6‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬صفة الجَّنة لضياء الِّدين المقدسي ص (‪.)178‬‬
‫(‪ )2‬ليس في "ج"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في الطبراني "يحثي لي ربي"‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الطبراني في الكبير (‪ )127 - 126 /17‬رقم (‪ ،)312‬وفي األوسط رقم (‪،)402‬‬
‫والفسوي في المعرفة والتاريخ (‪ ،)342 - 341 /2‬والبيهقي في البعث والنشور رقم (‪،)300‬‬
‫وابن حبان في صحيحه (‪ /14‬رقم ‪ ،)6450‬والطبري =‬

‫(‪)1/273‬‬

‫قال الحافظ أبو عبد الَّله محمد بن عبد الواحد‪" :‬ال أعلم لهذا اإلسناد ِع َّلة" (‪. )1‬‬
‫قال الطبراني‪ :‬وحدثنا أحمد بن ُخ ليد حدثنا توبة حدثنا معاوية بن ساَّل م عن زيد بن ساَّل م (‪ )2‬أَّنه‬
‫سمع أبا ساَّل م يقول‪ :‬حدثني عبد الَّله بن عامر أَّن (‪ )3‬قيس الكندي حَّدثه أَّن أبا سعيد األنماري‬
‫رضي الَّلُه عنه حدثه أَّن رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إَّن ربي عَّز وجَّل وعدني أْن‬
‫يدخل الجَّنة من أمتي سبعين ألًف ا بغير حساٍب ‪ ،‬ويشفع كُّل ألٍف لسبعين (‪ )4‬ألًف ا‪ ،‬ثَّم يحثي ربي‬
‫ثالث حثيات بكفيه" قال قيس (‪ : )5‬فقلُت ألبي سعيد‪ :‬أنت سمعت هذا من رسول الَّله ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪-‬؟ قال‪ :‬نعم بأذني ووعاه قلبي‪ ،‬قال أبو سعيد‪ :‬فقال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪" :-‬وذلك إْن شاء الَّله يستوعب مهاجري‬
‫__________‬
‫= في تفسيره (‪ ،)149 /13‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ )346‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪ -‬ورواه معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عامر بن زيد البكالي أَّنه سمع عتبة بن عبد السلمي‬
‫فذكره مطَّو اًل ‪.‬‬
‫أخرجه أحمد في المسند (‪ ،)184 - 183 /4‬وابن أبي عاصم في السنة رقم (‪،)716‬‬
‫والطبراني في الكبير (‪ )127 /17‬رقم (‪.)313‬‬
‫والحديث مداره على عامر بن زيد البكالي وهو تابعي سمع من عتبة‪ ،‬وذكره ابن حبان في الثقات‬
‫(‪ ،)191 /5‬ولم يروه عنه غير أبي سالم ويحيى ابن أبي كثير‪ ،‬وسيأتي من طريق آخر ص (‬
‫‪.)343‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬صفة الجَّنة للمقدسي ص (‪.)179‬‬
‫(‪ )2‬قوله "عن زيد بن سالم" ليس في "ب‪ ،‬د"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في جميع النسخ "بن" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في جميع النسخ "ويشفع لكِّل ألٍف سبعين" هو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في جميع النسخ "ابن قيس"‪.‬‬

‫(‪)1/274‬‬

‫أمتي ويوفي الَّله عَّز وجَّل بقيته من أعرابنا" (‪. )1‬‬


‫قال الطبراني‪" :‬لم ُيرَو هذا الحديث عن أبي سعيد األنماري إاَّل بهذا اإلسناد‪ ،‬تفَّر د به معاوية بن‬
‫ساَّل م"‪.‬‬
‫وقد رواه محمد بن سهل بن عسكر عن أبي توبة الربيع بن نافع بإسناده وفيه‪ :‬قال أبو سعيد‪:‬‬
‫فُح ِس َب ذلك عند رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬فبلغ أربعة مئة ألِف ألِف وتسع مئة ألٍف ‪،‬‬
‫فقال رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إَّن ذلَك يستوعب إْن شاء الَّله مهاجري أمتي"‪.‬‬
‫قال الطبراني‪ :‬حدثنا محمد بن صالح بن الوليد الَّنرسي‪ ،‬ومحمد ابن يحيى بن منده األصبهاني‬
‫قاال‪ :‬أخبرنا أبو حفص عمرو بن علي‪ ،‬حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن أبي بكر بن‬
‫أنس عن أبي بكر بن عمير عن أبيه رضي الَّلُه عنه أَّن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إَّن الَّلَه‬
‫وعدني أْن يدخل من أمتي ثالث مئة ألف الجَّنة‪ ،‬فقال عمير‪ :‬يا رسول الَّله زدنا‪ ،‬فقال‪ :‬هكذا‬
‫بيده‪ ،‬فقال عميٌر ‪ :‬يا رسول الَّلِه زدنا‪ ،‬فقال عمر‪ :‬حسبَك‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني في األوسط رقم (‪ ،)404‬وفي الكبير (‪ /22‬رقم ‪ ،)771‬وفي مسند‬
‫الشاميين (‪ )106 /4‬رقم (‪ ،)2863‬وابن أبي عاصم في السنة رقم (‪ ،)814‬وأبو نعيم في معرفة‬
‫الصحابة (‪ )2907 /5‬رقم (‪ ،)6817‬وابن عساكر في تاريخ دمشق (‪،)372 - 371 /40‬‬
‫وابن األثير في ُأسد الغابة (‪ )138 - 137 /6‬وغيرهم‪.‬‬
‫وقد وقع في تلك األسانيد اختالف واضطراب مَّم ا جعل الحافظ ابن حجر يقول‪" :‬فمن هذا‬
‫االختالف يتوقف في الجزم بصحة هذا السند"‪.‬‬
‫راجع تفصيل ذلك‪ :‬اإلصابة (‪ ،)85 /7‬وحاشية السنة البن أبي عاصم لأللباني‪.‬‬

‫(‪)1/275‬‬

‫يا عميُر ‪ ،‬فقال‪ :‬ما لنا ولك يا ابَن الخطاب‪ ،‬وما عليَك أن يدخلنا الَّله الجَّنة‪ ،‬فقال عمر‪ :‬إَّن الَّله‬
‫عَّز وجَّل إْن شاَء أدخل الَّناس الجَّنة بحفنٍة أو بحثيٍة واحدٍة‪ ،‬فقال نبي الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪" :-‬صَد َق عمر" (‪. )1‬‬
‫قال محمد بن عبد الواحد‪" :‬ال أعرف لعمير حديًثا غيره" (‪. )2‬‬
‫وفي "الحلية" من حديث سليمان بن حرب حدثنا أبو هالل عن قتادة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني في الكبير (‪ )64 /17‬رقم (‪ ،)123‬وأبو نعيم في معرفة الصحابة (‪/4‬‬
‫‪ )2097 - 2096‬رقم (‪.)5272‬‬
‫‪ -‬ورواُه معمر عن قتادة عن النضر بن أنس عن أنس بن مالك فذكره كما سيأتي عند المؤلف‪.‬‬
‫أخرجه عبد الرزاق (‪ ،)286 /11‬وأحمد في المسند (‪ ،)165 /3‬وابن أبي داود في البعث رقم‬
‫(‪ )50‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه أبو هالل الراسبي عن قتادة عن أنس فذكره‪ ،‬كما سيأتي عند المؤلف‪.‬‬
‫أخرجه أحمد في المسند (‪ ،)193 /3‬والبزار كما في كشف األستار برقم (‪ ،)3548‬وأبو نعيم‬
‫في الحلية (‪.)334 /2‬‬
‫قال البزار‪" :‬ال نعلُم أحًد ا تابع أبا هالل على روايته‪ ،‬وإَّنما يرويه قتادة عن أنس"‪.‬‬
‫وقال أبو نعيم‪" :‬غريب من حديث قتادة عن أنس رضي الَّلُه عنه‪ ،‬تفَّر د به أبو هالل واسمه محمد‬
‫بن سليم الراسبي‪ ،‬ثقٌة بصري"‪.‬‬
‫واَّلذي يظهر أَّن الطريق األَّو ل من مسند عمير هو األصح‪ ،‬وفي سنده أبو بكر بن عمير فيه جهالة‪،‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر‪" :‬ال أعلُم أحًد ا وَّثقه"‪ .‬وقال الهيثمي‪ . ." :‬وأبو بكر بن عمير لم أعرفه‪. .‬‬
‫"‪.‬‬
‫انظر‪ :‬مجمع الزوائد (‪.)405 /10‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬صفة الجَّنة للمقدسي ص (‪.)182‬‬
‫(‪)1/276‬‬

‫عن أنس عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬وعدني ربي عَّز وجل أْن يدخل من أمتي الجَّنة‬
‫مئة ألٍف ‪ ،‬فقال أبو بكر رضي الَّلُه عنه‪ :‬يا رسول الَّله ِز ْد نا‪ ،‬فقال‪ :‬وهكذا ‪-‬وأشار سليمان بن‬
‫حرب بيده كذلك‪ -‬قال‪ :‬يا رسول الَّله زدنا‪ ،‬فقال عمر‪ :‬إَّن الَّله عَّز وجل قادٌر أْن يدخل الَّناس‬
‫الجَّنة بحفنٍة واحدٍة‪ ،‬فقال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬صدق عمر"‪.‬‬
‫رواُه عنه إبراهيم بن الهيثم البلوي‪ ،‬وفيه ضعٌف ‪ .‬تفَّر د به أبو هالل الَّر اسبي‪ :‬بصري واسمه محمد‬
‫بن ُس ليم‪.‬‬
‫وقال عبد الرزاق‪ :‬أنبأنا معمر عن قتادة عن النضر بن أنس عن أنس قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪" :-‬إَّن الَّله عَّز وجَّل وعدني أْن يدخل الجَّنة (‪ )1‬من أمتي أربَع مئِة ألف"‪ .‬قال أبو‬
‫بكر‪ :‬زْد نا يا رسول الَّله قال‪ :‬وهكذا وجمع بين يديه‪ ،‬قال‪ :‬زدنا يا رسول الَّله قال‪ :‬وهكذا‬
‫وجمع كفيه (‪ ، )2‬فقال عمُر ‪ :‬حسُبك يا أبا بكر‪ ،‬فقال أبو بكر‪َ :‬دْع ني وما عليك أْن يدخلنا الَّله‬
‫الجَّنة كَّلنا!! فقال عمر‪ :‬إَّن الَّله (‪ )3‬إْن شاء أدخل خلقه الجَّنة بكٍّف واحدٍة‪ ،‬فقال الَّنبي ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪" :-‬صدق عمر"‪.‬‬
‫تفَّر د به عبد الرزاق‪.‬‬
‫وقال أبو يعلى الموصلي في "مسنده"‪ :‬حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا عبد القاهر بن السري‬
‫السلمي حدثنا حميد عن أنس رضي الَّله عنه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ليس في "ب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬قوله "وجمع كفيه" من المصنف لعبد الرزاق‪.‬‬
‫(‪ )3‬قوله "إَّن الَّلَه" من المصنف لعبد الرزاق‪.‬‬

‫(‪)1/277‬‬

‫عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬يدخل الجَّنة من أمتي سبعون ألًف ا"‪ .‬قالوا‪ :‬زدنا يا رسول‬
‫الَّله قال‪ :‬لكِّل رجٍل سبعون ألًف ا"‪ .‬قالوا‪ :‬زْد نا يا رسول الَّله وكان على كثيب فحثا بيده‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫زدنا يا رسول الَّله (‪ )1‬فقال‪ :‬هكذا وحثا بيده‪ ،‬قالوا‪ :‬يا نبي الَّلِه‪ ،‬أبعَد الَّله من دخل الَّنار بعد‬
‫هذا" (‪. )2‬‬
‫قال محمد بن عبد الواحد‪" :‬ال أعلمه ُر وَي عن أنس إاَّل بهذا الطريق‪ ،‬وسئل يحيى بن معين عن‬
‫عبد القاهر فقال‪ :‬صالح"‪.‬‬
‫وأصحاب هذه الحثيات هم اَّلذين وقعوا في قبضته األولى سبحانه يوم القبضتين (‪. )3‬‬
‫فإْن قيل‪ :‬فكيف كانوا أَّو اًل قبضة واحدة‪ ،‬ثَّم صاروا ثالث حثيات‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من قوله "قال‪ :‬لكل رجل‪ " . . .‬إلى "الَّله" من مسند أبي يعلى‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو يعلى في مسنده (‪ )417 /6‬رقم (‪.)3783‬‬
‫وهذا الحديُث منكر‪ ،‬تفَّر د به عبد القاهر بن الَّس ري السلمي وكان ضريًر ا‪ ،‬قال فيه ابن معين‪:‬‬
‫صالح‪ ،‬وقال أيًض ا‪ :‬لم يكن به بأس‪ ،‬وقال يعقوب بن سفيان‪ :‬منكر الحديث‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)234 - 233 /18‬‬
‫(‪ )3‬لعَّله يشيُر إلى ما أخرجُه أحمد في المسند (‪ )177 - 176 /4‬من طريق أبي نضرة أَّن رجاًل‬
‫من أصحاب الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ُ -‬يقال له‪ :‬أبو عبد الَّلِه وذكر قصة احتضاره‪ ،‬وفيه‬
‫"ولكِّني سمعُت رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬يقول‪ :‬إَّن الَّلَه قبض بيمينه قبضة‪ ،‬وُأخرى‬
‫باليد اُألخرى‪ ،‬وقال‪ :‬هذه لهذه‪ ،‬وهذه لهذه‪ ،‬وال ُأبالي"‪.‬‬
‫وسنده صحيح‪.‬‬
‫قال الهيثمي‪" :‬ورجاله ثقات" مجمع الزوائد (‪.)185 /7‬‬
‫قال العقيلي‪" :‬وقد روي في القبضتين أحاديث بأسانيد صالحة"‪.‬‬

‫(‪)1/278‬‬

‫مع العدد المذكور؟‬


‫قيل‪ :‬الَّر ُّب سبحانه وتعالى أخرج يوم القبضتين صورهم وأشباحهم‪ ،‬وقد روي أَّنهم كانوا كالَّذ ر (‬
‫‪ ، )1‬وأَّما يوم الَح َثيات (‪ ، )2‬فيكونون أتَّم ما كانوا ِخ ْلقًة‪ ،‬وأكمل أجساًم ا‪ ،‬فناسَب أْن تتعدد‬
‫الحثيات بكلتا اليدين‪ ،‬والَّله أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬لعَّله يشيُر إلى حديث أبي الدرداء مرفوًعا‪" :‬خلق الَّلُه آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمنى‪،‬‬
‫فأخرج ذرية بيضاء‪ ،‬كأنهم الذر‪ ،‬وضرب كتفه اليسرى‪ ،‬فأخرج ذريًة سوداء كأَّنهم الُحَم م‪ ،‬فقال‬
‫لَّلذي في يمينه إلى الجَّنة وال ُأبالي‪ ،‬وقال لَّلذي في كفه اليسرى‪ :‬إلى الَّنار وال ُأبالي"‪.‬‬
‫أخرجه أحمد في المسند (‪ ،)441 /6‬وعبد الَّله في زوائده على المسند‪ ،‬والبزار في مسنده (‬
‫‪ )78 /10‬رقم (‪ ،)4133‬وعبد الَّله بن أحمد في السنة رقم (‪ )1059‬وغيرهم‪.‬‬
‫قال البزار‪" :‬وهذا الحديُث ال نعلمه يروى عن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬بهذا اللفظ‬
‫إاَّل من هذا الوجه بهذا اإلسناد‪ ،‬وإسناده حسن"‪.‬‬
‫والحديث تفَّر د به أبو الربيع سليمان بن عتبة الدمشقي‪ ،‬وهو مختلف فيه‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)39 - 37 /12‬‬
‫(‪ )2‬في "أ‪ ،‬ب"‪" :‬الحساب"‪.‬‬

‫(‪)1/279‬‬

‫الباب الَّر ابع والثالثون في ذكر تربة الجَّنة وطينها (‪ )1‬وحصبائها وبنائها‬
‫قال اإلمام أحمد‪ :‬حدثنا أبو النضر‪ ،‬وأبو كامل قاال‪ :‬ثنا زهير‪ ،‬حدثنا سعد الطائي‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫الُم ِد َّلة مولى أم المؤمنين سمع أبا هريرة رضي الَّلُه عنه يقول‪ :‬قلنا‪ :‬يا رسول الَّلِه‪ ،‬إذا رأيناك رَّقت‬
‫قلوبنا‪ ،‬وُك َّنا من أهِل اآلخرة‪ ،‬وإذا فارقناك أعجبتنا الدنيا‪ ،‬وَش َمْم نا الِّنساء واألوالد‪ ،‬قال‪" :‬لو‬
‫تكونون على كِّل حاٍل على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم المالئكة بأُك ِّف هم‪ ،‬ولزارتكم‬
‫في بيوتكم‪ ،‬ولو لم تذنبوا لجاء الَّلُه بقوٍم يذنبون كي يغفر لهم"‪ .‬قال‪ :‬قلنا‪ :‬يا رسول الَّلِه ‪ ،‬حدثنا‬
‫عن الجَّنة ما بناؤها؟ قال‪ :‬لبنُة ذهٍب ‪ ،‬ولبنُة فضة‪ ،‬وِم الُطها (‪ )2‬المسك‪ ،‬وحصباؤها اللؤلؤ‬
‫والياقوت‪ ،‬وترابها الزعفران‪ ،‬من يدخلها ينعم ال َيْبؤس‪ ،‬ويخلُد ال يموُت ‪ ،‬ال تبلى ثياُبه‪ ،‬وال يفنى‬
‫شبابه‪ ،‬ثالثٌة ال ُتَر ُّد دعوتهم‪ :‬اإلماُم العادُل ‪ ،‬والصائُم حتى يفطر‪ ،‬ودعوة المظلوم؛ ُتحمُل على‬
‫الغمام‪ ،‬وتفتح لها أبواب السماواِت ‪ ،‬ويقول الَّر ُّب ‪ :‬وِع َّز تي (‪ )3‬ألنصرنك ولو بعد حيٍن " (‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬هـ" "وطينتها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المالط‪ :‬الطين يكون بين اَّللبنتين‪ .‬يعني طينها مسك‪ .‬قاله عبد الملك بن حبيب في وصف‬
‫الفردوس ص (‪.)6‬‬
‫(‪ )3‬ليس في "ب"‪ ،‬وجاء في "د‪ ،‬هـ" "وعَّز تي وجاللي"‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أحمد في المسند (‪ ،)305 - 304 /2‬وعبد بن حميد في مسنده (المنتخب ‪ -‬رقم‬
‫‪ ،)1418‬وابن حبان في صحيحه (‪ /16‬رقم ‪= ،)7387‬‬

‫(‪)1/280‬‬

‫وروى أبو بكر بن مردويه من حديث الحسن عن ابن عمر ‪-‬رضي الَّله عنهما‪ -‬قال‪ُ :‬س ِئل رسول‬
‫الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬عن الجَّنة فقال‪" :‬من يدخل الجَّنة يحيا وال يموُت ‪ ،‬وينعم ال يبأس‬
‫ال تبلى ثيابه‪ ،‬وال يفنى شبابه" قيل‪ :‬يا رسول الَّله كيف بناؤها؟ قال‪ :‬لبنٌة من ذهٍب ولبنٌة من فضة‪،‬‬
‫ومالطها مسٌك أذفٌر (‪ ، )1‬وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت‪ ،‬وترابها الزعفران" (‪. )2‬‬
‫هكذا جاء في هذه األحاديث أَّن ترابها الزعفران‪.‬‬
‫__________‬
‫= وأبو نعيم في صفة الجَّنة (‪ )136 ،100‬وغيرهم‪.‬‬
‫والحديث وقع فيه اختالف‪ ،‬وهذا السند هو الصحيح‪.‬‬
‫والحديث مدارُه على أبي الُم ِد َّلة لم يوثقه إاَّل ابن حبان في الثقات (‪ ،)72 /5‬ولم يرو عنه غير‬
‫أبي مجاهد سعد الطائي‪ ،‬وقد قال فيه علي ابن المديني‪" :‬أبو مدلة مولى عائشة‪ ،‬ال يعرف اسمه‪،‬‬
‫مجهول‪ ،‬لم يرو عنه غير أبي مجاهد الطائي"‪.‬‬
‫(‪ )1‬في نسخٍة على حاشية "أ" "المسك األذفر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (‪ )53 /7‬رقم (‪ ،)33944‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة‬
‫رقم (‪ ،)12‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ )139 ،96‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق عمر بن ربيعة عن الحسن عن ابن عمر فذكره‪.‬‬
‫وعمر بن ربيعة اختلف فيه‪ :‬فوثقه ابن معين‪ ،‬وقال فيه أبو حاتم الَّر ازي‪ :‬منكر الحديث‪ ،‬الجرح (‬
‫‪ ،)109 /6‬وضعفه الدارقطني‪ ،‬واستغرب الترمذي أحاديثه التي أخرجها عنه‪.‬‬
‫ويظهر أَّنه كما قال أبو حاتم‪ :‬منكر الحديث‪ ،‬وأيًض ا في سماع الحسن من ابن عمر اختالف‪.‬‬
‫انظر‪ :‬المرسل الخفي (‪ ،)759 - 750 /2‬وجامع التحصيل للعالئي رقم (‪.)135‬‬

‫(‪)1/281‬‬
‫وكذلك روى يزيد بن زريع (‪ ، )1‬حدثنا سعيد عن قتادة عن العالء بن زياد‪ ،‬عن أبي هريرة رضي‬
‫الَّلُه عنه قال‪ :‬قال رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬الجَّنُة لبنٌة من ذهٍب ‪ ،‬ولبنٌة من فضة‪،‬‬
‫ترابها الزعفراُن وطينها المسُك " (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ج"‪" :‬ربيع" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)160‬وفي حلية األولياء (‪ ،)249 /2‬والبيهقي في‬
‫البعث والنشور رقم (‪.)283‬‬
‫‪ -‬ورواه معمر عن قتادة عن العالء عن أبي هريرة موقوًفا فذكره وفيه زيادة‪.‬‬
‫أخرجه عبد الرزاق (‪ )417 - 416 /11‬رقم (‪ ،)20875‬وابن المبارك في الزهد ‪-‬زيادات‬
‫نعيم‪ -‬رقم (‪ )252‬وغيرهما‪.‬‬
‫‪ -‬ورواه عمران القطان عن قتادة عن العالء عن أبي هريرة مرفوًعا‪.‬‬
‫أخرجه أحمد في المسند (‪ )362 /2‬وأبو نعيم في الحلية (‪ )248 /2‬وغيرهما‪.‬‬
‫‪ -‬ورواه مطر الوَّر اق عن العالء بن زياد عن أبي هريرة مرفوًعا فذكره‪.‬‬
‫أخرجه ابن طهمان في مشيخته رقم (‪ ،)34‬وأبو بكر الشافعي في الغيالنيات رقم (‪ ،)732‬وأبو‬
‫نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ )138‬وغيرهم‪.‬‬
‫قلُت ‪ :‬أَّم ا رواية سعيد بن أبي عروبة‪ ،‬فقد شك فيها محمد بن المنهال‪ ،‬فقد قال‪-" :‬حفظي‪ -‬قال‬
‫رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ ."-‬وليس في مطبوعة الحلية "عن أبي هريرة"‪ ،‬وابن المنهال‬
‫كان حافًظا لحديث يزيد بن زريع‪ ،‬إاَّل أَّنه كان ضريًر ا ولم يكن له كتاب‪ ،‬فلعل قوله ذلك دليٌل‬
‫على عدم ضبطه هذا الحديث بعينه‪ ،‬أو علم أَّن غيره يخالفه فيه فقال‪ :‬حفظي‪ . .‬والَّلُه أعلم‪.‬‬
‫‪ -‬وأَّم ا رواية عمران فهو يخطئ على قتادة كثيًر ا‪ ،‬وليس من حفاظ أصحابه‪.‬‬
‫‪ -‬ولعَّل الصواب قول معمر موقوًفا‪ ،‬فقد ُس ِئل الَّدارقطني عن حديث قتادة‪ ،‬ومطر ‪-‬وهو ضعيف‬
‫الحفظ‪ -‬فقال‪" :‬والموقوف أشبه" علل الَّدارقطني =‬

‫(‪)1/282‬‬
‫وفي "الصحيحين (‪ )1‬من حديث الزهري عن أنس بن مالك رضي الَّلُه عنه قال‪ :‬كان أبو ذٍّر‬
‫يحدث أَّن رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪ُ" :‬أْد ِخ ْلُت الجَّنة فإذا فيها جنابُذ اللؤلؤ‪ ،‬وإذا‬
‫ترابها المسُك " وهو قطعة من حديث المعراج‪.‬‬
‫وروى مسلٌم في "صحيحه" (‪ )2‬من حديث حَّم اد بن سلمة عن الُج ريري عن أبي نضرة عن أبي‬
‫سعيد الخدري رضي الَّلُه عنه أَّن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬سأل ابن صائد (‪ )3‬عن‬
‫تربة الجنة‪ ،‬فقال‪َ :‬درَمكٌة بيضاُء‪ ،‬مسٌك خالٌص ‪ ،‬فقال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪:-‬‬
‫"صدق"‪.‬‬
‫ثَّم رواُه عن أبي بكر بن أبي (‪ )4‬شيبة عن أبي ُأسامة عن الُج ريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد (‬
‫َّل‬
‫‪ )5‬أَّن ابن صياد (‪ )6‬سأل الَّنبي ‪-‬صلى ال ه عليه وسلم‪ -‬عن تربة الجَّنة فقال‪َ" :‬درمَكٌة بيضاُء‬
‫مسٌك خالٌص " (‪. )7‬‬
‫__________‬
‫= (‪.)139 /11‬‬
‫(‪ )1‬البخاري رقم (‪ ،)3164‬ومسلم رقم (‪.)163‬‬
‫(‪ )2‬ليس هذا الطريق في صحيح مسلم‪ ،‬وإَّنما هو عند أحمد (‪ )43 ،25 ،24 ،4 /3‬وغيره‪،‬‬
‫من هذا الطريق‪.‬‬
‫واَّلذي في مسلم رقم (‪ ،)2928‬من طريق بشر بن المفَّضل عن أبي مسلمة عن أبي نضرة به‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ب‪ ،‬هـ" "صَّياد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬سقط من "ب"‪.‬‬
‫(‪ )5‬قوله "عن أبي سعيد" ليس في جميع النسخ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في نسخٍة على حاشية "أ" "صايد"‪.‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه مسلم برقم (‪.)2928‬‬

‫(‪)1/283‬‬

‫وقال سفيان بن عيينة عن ُمَج الد عن الشعبي عن جابر بن عبد الَّله رضي الَّلُه عنهما قال‪ :‬جاء‬
‫رجٌل إلى رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬فقال‪ :‬يا محمد‪ ،‬قد ُغِلَب أصحابك اليوم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وبأي شيٍء ُغِلُبوا؟ قال‪ :‬سألهم اليهود‪ :‬كم عدد خزنة الَّنار فقالوا‪ :‬ال ندري حتى نسأل نبينا‪ ،‬فقال‬
‫رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪َ" :-‬أُيْغَلُب قوٌم ُس ِئلوا عَّم ا ال يعلمون؛ فقالوا‪ :‬حتى نسأل‬
‫نبينا؟! ولكن هم أعداُء الَّلِه سألوا نبيهم أْن يريهم الَّله جهرًة‪ ،‬علَّي بأعداِء الَّلِه‪ ،‬فإِّني سائلهم عن‬
‫تربة الجَّنة وأَّنها َدْرَم َكٌة"‪ .‬فلَّم ا أْن جاؤوُه قالوا‪ :‬يا أبا القاسم كم ِع َّدة خزنة أهل الَّنار؟ (‪ )1‬فقال‬
‫رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬بيديه كلتيهما‪ :‬هكذا وهكذا‪ ،‬وقبض واحدة‪ ،‬أي‪ :‬تسعة‬
‫عشر‪ ،‬فقال لهم رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬ما تربة الجَّنة؟ فنظر بعضهم إلى بعض‪،‬‬
‫وقالوا‪ :‬خبزة يا أبا القاسم‪ ،‬فقال الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬الخبزة من الدرمك" (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "د" "عدد خزنة الَّنار"‪ ،‬وليس في "ب‪ ،‬ج" "أهل"‪ ،‬وفي "هـ" "عدد خزنة أهل الَّنار"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الترمذي برقم (‪ ،)3327‬وأحمد في مسنده (‪ )361 /3‬مختصًر ا‪ ،‬وأبو نعيم في صفة‬
‫الجَّنة رقم (‪ )159‬وغيرهم‪.‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬هذا حديث غريب‪ ،‬إَّنما نعرفه من هذا الوجه من حديث مجالد"‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه الزبير بن موسى عن أبيه عن جابر قال ُس ِئَل الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬عن أرض‬
‫الجَّنة؟ قال‪" :‬خبزة بيضاء"‪.‬‬
‫أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪.)152‬‬
‫وفيه الزبير بن موسى لم يوثقه إاَّل ابن حبان‪ ،‬وفيه والُدُه‪ :‬موسى بن ميناء‪ ،‬لم أقف عليه‪.‬‬
‫انظر تهذيب الكمال (‪.)331 - 330 /9‬‬

‫(‪)1/284‬‬

‫فهذه ثالث صفات في تربتها‪ ،‬ال تعارض بينها‪.‬‬


‫فذهبت طائفة من السلف إلى أَّن تربتها متضمنٌة للنوعين‪ :‬الِم ْس ك والزعفران‪.‬‬
‫قال أبو بكر بن أبي شيبة‪ :‬حدثنا محمد بن أبي عبيدة عن أبيه عن األعمش عن مالك بن الحارث‬
‫قال‪ :‬قال ُمِغيث بن ُسَم ي‪" :‬الجَّنة ترابها المسك والزعفران" (‪. )1‬‬
‫ويحتمل معنيين آخرين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أْن يكون التراب من زعفران‪ ،‬فإذا عجن بالماء صار ِم ْس ًك ا‪ ،‬والطين يسَّم ى تراًبا‪ ،‬ويدل‬
‫على هذا قوله في اللفظ اآلخر‪" :‬مالطها المسك" (‪ ، )2‬والمالط‪ :‬الطين‪ ،‬ويدل عليه أَّن في‬
‫حديث العالء بن زياد‪" :‬تراُبها الزعفران‪ ،‬وطينها المسك" (‪ ، )3‬فلَّم ا كانت تربتها طيبة‪ ،‬وماؤها‬
‫طِّيًبا‪ ،‬فانضَّم أحدهما إلى اآلخر حدَث لهما طيب‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (‪ )62 /7‬رقم (‪ )34014‬بأطول مَّم ا ذكر المؤلف وفيه‬
‫"جبالها المسك‪ ،‬وترابها الزعفران"‪ .‬وأبو الشيخ في العظمة رقم (‪ ،)576‬وأبو نعيم في صفة‬
‫الجَّنة رقم (‪ )162‬واللفظ له‪.‬‬
‫وسنده صحيح‪.‬‬
‫ومغيث هو ابن ُس مي األوزاعي أبو أيوب الشامي‪ ،‬تابعٌي ثقة‪ ،‬كان صاحب كتب كأبي الَج ْلد‬
‫ووهب بن منبه‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)350 - 348 /28‬‬
‫(‪ )2‬تقدم ص (‪.)281‬‬
‫(‪ )3‬تقدم ص (‪.)282‬‬

‫(‪)1/285‬‬

‫آخر فصارا مسًك ا‪.‬‬


‫المعنى الثاني‪ :‬أْن يكون زعفراًنا‪ :‬باعتبار اللون‪ .‬مسًك ا‪ :‬باعتبار الَّر ائحة‪ .‬وهذا من أحسن شيٍء‬
‫تكون البهجة واإلشراق في لون الزعفران‪ ،‬والرائحة في رائحة المسك (‪ ، )1‬وكذلك تشبيهها‬
‫بالدرمك‪ ،‬وهو الخبز الصافي اَّلذي يضرب لونه إلى صفرة مع لينها ونعومتها‪ ،‬وهذا معنى ما‬
‫ذكره سفيان بن عيينة‪ ،‬عن ابن (‪ )2‬أبي نجيح‪ ،‬عن مجاهد‪" :‬أرض الجَّنة من فضة‪ ،‬وترابها‬
‫مسك" (‪ ، )3‬فاللون في البياض لون الفضة‪ ،‬والَّر ائحة رائحة المسك‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن أبي الدنيا من حديث أبي بكر بن أبي َس ْبرة‪ ،‬عن عمر ابن عطاء بن وراز (‪ ، )4‬عن‬
‫سالم أبي الغيث عن أبي هريرة رضي الَّلُه عنه عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬أرض‬
‫الجَّنة بيضاء‪ ،‬عرصتها صخوُر الكافور‪ ،‬وقد أحاط به المسُك مثل كثبان الرمل‪ ،‬فيها أنهاٌر‬
‫مطرَدٌة‪ ،‬فيجتمع فيها أهل الجَّنة أدناهم وآخرهم‪ ،‬فيتعارفون‪ ،‬فيبعث الَّلُه ريح الرحمة‪ ،‬فتهيج‬
‫عليهم ريح المسك‪ ،‬فيرجع الرجل إلى زوجته‪ ،‬وقد ازداَد حسًنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من وقوله "وهذا من أحسن‪ " . .‬إلى "رائحة" سقط من "ج"‪.‬‬
‫(‪ )2‬سقط من "ج"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (‪ )53 /7‬رقم (‪ )33943‬وفيه "من َو ِر ق‪ ،" . .‬وابن‬
‫المبارك في الزهد ‪-‬زوائد نعيم‪ -‬رقم (‪ ،)229‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة برقم (‪ )161‬واللفظ له‪،‬‬
‫وهو أثر ثابت‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬وقع في نسخة على حاشية "أ"‪" :‬المسك" بدل "مسك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في "د‪ ،‬هـ" ونسخة على حاشية "أ" "ورازة" وهو خطأ‪.‬‬

‫(‪)1/286‬‬

‫وطيًبا‪ ،‬فتقول‪ :‬لقد خرجَت من عندي‪ ،‬وأنا بك معجبة‪ ،‬وأنا بك اآلن أشُّد إعجاًبا" (‪. )1‬‬
‫وقال ابن أبي شيبة‪ :‬حدثنا معاوية بن هشام حدثنا علي بن صالح‪ ،‬عن عمر بن ربيعة عن الحسن‬
‫عن ابن عمر رضي الَّلُه عنهما قال‪ :‬قيل‪ :‬يا رسول الَّلِه كيف بناء الجَّنة؟ قال‪ :‬لبنٌة من فضة‪ ،‬ولبنٌة‬
‫من ذهب‪ ،‬مالطها مسٌك أذفر‪ ،‬وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت‪ ،‬وترابها الزعفران" (‪. )2‬‬
‫وقال أبو الشيخ‪ :‬حدثنا الوليد بن أبان حدثنا أسيد بن عاصم حدثنا الحوضي حدثنا عدي بن‬
‫الفضل حدثنا سعيد الُج رْيري عن أبي نضرة عن أبي سعيد رضي الَّلُه عنه قال‪ :‬قال رسول الَّلِه ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إَّن الَّلَه عَّز وجَّل بنى جَّنات عدٍن بيده‪ ،‬وبناها لبنة من ذهٍب ولبنة من‬
‫فضة‪ ،‬وجعل مالطها المسك األذفر‪ ،‬وترابها الزعفران‪ ،‬وحصباءها اللؤلؤ‪ ،‬ثَّم قال لها (‪: )3‬‬
‫تكلمي‪ ،‬فقالت‪ :‬قد أفلَح المؤمنون‪ ،‬فقالت المالئكة‪ُ :‬طوبى لك منزل الملوك" (‪. )4‬‬
‫وقال أبو الشيخ‪ :‬حدثنا عمرو بن الحصين (‪ )5‬حدثنا ابن عالثة حدثنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)28‬‬
‫وإسناده ضعيف جًّدا‪ ،‬فيه الواقدي‪ :‬متروك‪ ،‬وابن أبي سبرة‪ :‬مَّتهٌم بالوضع‪.‬‬
‫(‪ )2‬تقدم ص (‪.)281‬‬
‫(‪ )3‬ليس في "أ"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تقدم ص (‪.)218‬‬
‫(‪ )5‬في جميع النسخ "الحسين" وهو تصحيف قديم وقع في النسخة الخطية لصفة =‬

‫(‪)1/287‬‬
‫ابن ُج ريج عن عطاء عن ُعَبْيد بن ُعَم ْير عن ُأبِّي بن كعب قال‪ :‬قال رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪" :-‬قلت ليلة ُأسرَي بي‪ :‬يا جبريل إَّنهم سيسألوني عن الجَّنة قال‪ :‬فأخبرهم أَّنها من (‪)1‬‬
‫ُدَّر ٍة بيضاء‪ ،‬وأَّن أرضها ِع قيان" (‪. )2‬‬
‫والِعْق َياُن ‪ :‬الَّذ هُب ‪ ،‬فإْن كان ابن عالثة حفظه‪ ،‬فهي أرض الجنتين الذهبيتين‪ ،‬ويكون جبريل أخبره‬
‫بأعلى الجنتين وأفضلهما‪ ،‬والَّلُه أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫= الجَّنة ألبي نعيم‪.‬‬
‫(‪ )1‬ليس في "ب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة برقم (‪.)151‬‬
‫وهو حديٌث موضوع‪ ،‬فيه عمرو بن حصين‪ :‬متروك‪ ،‬واتهم بالوضع‪ ،‬وفيه ابن عالثة محمد بن‬
‫عبد الَّله العقيلي متروك الحديث‪ ،‬وقال الحاكم‪" :‬يروي أحاديث موضوعة"‪ ،‬ولعَّل الحمل على‬
‫الراوي عنه وهو عمرو بن حصين كما قال الخطيب‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪ )589 - 588 /21‬و (‪.)528 - 526 /25‬‬

‫(‪)1/288‬‬

‫الباب الخامس والثالثون في ذكر نورها وبياضها‬


‫قال أحمد بن منصور الَّر مادي‪ :‬حدثنا كثير بن هشام حدثنا هشام (‪ )1‬ابن زياد أبو المقدام عن‬
‫حبيب بن الشهيد عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي الَّلُه عنهما أَّن رسول الَّله ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬خلَق الَّلُه الجَّنة بيضاَء‪ ،‬وأحُّب الِّز ِّي إلى الَّله البياض‪ ،‬فليلبسُه أحياؤكم‪،‬‬
‫وكفنوا فيه موتاكم‪ ،‬ثَّم أمَر برعاء الشاِء فجمعْت ‪ ،‬فقال‪ :‬من كان ذا غنٍم سوٍد فليخلط بها ِبْيًض ا‪،‬‬
‫فجاءته امرأة فقالت‪ :‬يا رسول الَّله‪ ،‬إِّني اتخذت غنًم ا سوًدا فال َأراها تنموا‪ ،‬قال‪ :‬عِّف ري" (‪.)2‬‬
‫وقوله‪َ" :‬عِّفِر ي" أي‪َ :‬بِّيِض ي‪.‬‬
‫وذكر أبو ُنَعْيم من حديث عَّباد بن عَّباد حدثنا هشام بن زياد عن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله "ثنا هشام" سقط من "ب‪ ،‬د"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البزار في مسنده (‪ )86 - 85 /11‬رقم (‪ ،)4795‬وابن عدي في الكامل (‪/7‬‬
‫‪ ،)107‬واآلجري في الشريعة رقم (‪ ،)928‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ )129‬كما سيأتي‪،‬‬
‫هكذا رواه غير واحد عن هشام به‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه يزيد بن هارون عن هشام عن عبد الرحمن بن حبيب عن عطاء عن ابن عباس فذكره‪.‬‬
‫أخرجه أبو جعفر البختري في أماليه رقم (‪.)64‬‬
‫وهو حديٌث ضعيف جًّدا‪ ،‬مداره على هشام بن زياد أبي المقدام وهو متفق على ضعفه‪ ،‬بل قال‬
‫النسائي وغيره‪ :‬متروك الحديث‪ .‬وقال ابن عدي‪" :‬وأحاديثه يشبه بعضها بعًض ا‪ ،‬والَّضعف بِّين‬
‫على رواياته"‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)203 - 201 /30‬‬

‫(‪)1/289‬‬

‫يحيى بن عبد الرحمن عن عطاء عن ابن عباس رضي الَّلُه عنهما يرفعه‪" :‬إَّن الَّلَه خلق الجَّنة‬
‫بيضاء‪ ،‬وإَّن أحَّب اَّللون إلى الَّلِه البياض‪ ،‬فليلبسه أحياؤكم‪ ،‬وكِّف ُنوا فيِه موتاكم"‪.‬‬
‫وذكر من طريق عبد الحميد بن صالح حدثنا أبو شهاب عن حمزة عن عمرو بن دينار عن ابن‬
‫عباس رضي الَّلُه عنهما قال‪ :‬قال رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬عليكم بالبياض‪ ،‬فإَّن الَّلَه‬
‫خلق الجَّنة بيضاَء‪ ،‬فليلبسه أحياؤكم‪ ،‬وكفنوا فيه موتاكم" (‪. )1‬‬
‫وُر ِّو ينا من طريق الِّنجاد حدثنا عبد الَّله بن محمد حدثنا سويد بن سعيد حدثنا عبد ربه الحنفي عن‬
‫خاِلِه الزميل بن سماك سمع أباه يحدث أَّنه لقي عبد الَّله بن عباس بالمدينة بعدما ُك َّف َبَص ُر ه‬
‫فقال‪ :‬يا ابن عباس ما أرض الجَّنة؟ قال‪َ :‬مْر مرة بيضاء من فضة كأَّنها مرآة‪ ،‬قلُت ‪ :‬ما نورها؟ قال‪:‬‬
‫ما رأيت الساعة التي تكون فيها قبل طلوع الشمس‪ ،‬فذلك نورها إاَّل أَّنه ليس فيها شمٌس وال‬
‫زمهرير"‪ ،‬وذكر الحديث (‪)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)130‬وابن عدي في الكامل (‪.)378 - 377 /2‬‬
‫والحديث فيه حمزة بن أبي حمزة‪ ،‬قال البخاري وأبو حاتم‪ :‬منكر الحديث‪ ،‬وقال ابن عدي‪:‬‬
‫يضع الحديث‪ .‬وقال أيًض ا‪" :‬ولحمزة أحاديث صالحة‪ ،‬وكل ما يرويه أو عامته مناكير موضوعة‪،‬‬
‫والبالء منه‪." . . .‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ )147‬مطَّو اًل ‪ ،‬وأبو الشيخ في العظمة رقم (‬
‫‪ )599‬مطَّو اًل ‪ ،‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ 211‬و ‪.)317‬‬
‫في سنده عبد ربه بن بارق في حفظه لين‪ ،‬وزميل بن سماك فيه جهالة‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪ ،)474 - 472 /16‬والجرح (‪.)620 /3‬‬
‫واألثر قال عنه المنذري في الترغيب والترهيب (‪" :)518 /4‬رواُه ابن أبي =‬

‫(‪)1/290‬‬

‫وسيأتي إْن شاء الَّله (‪. )1‬‬


‫وفي حديث لقيط بن عامر الطويل اَّلذي رواه عبد الَّله بن أحمد في "مسند أبيه" عن الَّنبي ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪ -‬فذكر الحديث وقال‪" :‬وتحبس الشمس والقمر فال يرون منهما واحًد ا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قلُت يا رسول الَّلِه فِبَم نبصُر ؟ قال‪ :‬بمثل بصرك في ساعتك (‪ )2‬هذه‪ ،‬وذلك مع طلوع الشمس‬
‫في يوم أشرقته األرِض ‪ ،‬وواجهته الجبال" (‪. )3‬‬
‫وفي "سنن ابن ماجه" من حديث الوليد بن مسلم عن محمد بن مهاجر عن الضحاك المعافري عن‬
‫سليمان بن موسى حدثني كريب أَّنه سمع أسامة بن زيد يقول‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪" :-‬أاَل هل ُمشِّم ر للجَّنة‪ ،‬فإَّن الجَّنة (‪ )4‬ال خطر لها‪ ،‬هي ورِّب الكعبة نوٌر يتألأل‪ ،‬وريحانٌة‬
‫تهتُّز ‪ ،‬وقصٌر مشيٌد ‪ ،‬ونهٌر مطرٌد‪ ،‬وثمرٌة نضيجٌة‪ ،‬وزوجٌة حسناُء جميلة‪ ،‬وُح َلٌل كثيرٌة‪ ،‬ومقاٌم في‬
‫أبٍد في داٍر سليمٍة‪ ،‬وفاكهٍة وخضرٍة‪ ،‬وَح برة ونعمٍة‪ ،‬في محَّلٍة عالية بهيٍة " قالوا‪ :‬نعم يا رسول‬
‫الَّله‪ ،‬نحن المشمرون لها‪ ،‬قال‪" :‬قولوا‪ :‬إْن شاء الَّلِه"‪ ،‬قال القوم‪ :‬إْن شاء الَّلُه" (‪. )5‬‬
‫__________‬
‫= الدنيا موقوًفا بإسناٍد حسن"‪.‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪( :‬ص‪.)434 /‬‬
‫(‪ )2‬في "أ‪ ،‬ج‪ ،‬هـ" "عينك" والمثبت من المسند وباقي النسخ‪.‬‬
‫(‪ )3‬تقدم الكالم عليه ص (‪.)127 - 126‬‬
‫(‪ )4‬قوله "فإَّن الجَّنة" ليس في "ج"‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه ابن ماجه رقم (‪ ،)4332‬والبخاري في تاريخه الكبير (‪ )336 /4‬مختصًر ا‪ ،‬وابن أبي‬
‫داود في البعث رقم (‪ ،)71‬والبزار في مسنده =‬
‫(‪)1/291‬‬

‫الباب السادس والثالثون في ذكر غرفها وقصورها ومقاصيرها وخيامها‬


‫قال الَّله تعالى‪َ{ :‬لِكِن اَّلِذ يَن اَّتَق ْو ا َر َّبُه ْم َلُه ْم ُغَر ٌف ِم ْن َفْو ِقَه ا ُغَر ٌف َمْبِنَّيٌة} [الزمر‪.]20 :‬‬
‫فأخبر تعالى أَّنها غرٌف فوق غرف‪ ،‬وأَّنها مبنية بناء حقيقة‪ ،‬لئال تتوهم النفوس أَّن ذلك تمثيل‪،‬‬
‫وأَّنه ليس هناك بناء‪ ،‬بل تتصور النفوس غرًفا مبنية كالعاللي بعضها فوق بعض‪ ،‬حتى كأَّنها تنظر‬
‫إليها عياًنا‪ ،‬و"َمْبنَّية"‪ :‬صفٌة للغرف األولى والثانية‪ ،‬أي لهم منازل مرتفعة‪ ،‬وفوقها منازل أرفع‬
‫منها‪.‬‬
‫وقال تعالى‪ُ{ :‬أوَلِئَك ُيْجَزْو َن اْلُغْر َفَة ِبَم ا َص َبُر وا} [الفرقان‪.]75 :‬‬
‫والغرفة جْنس كالجَّنة‪ ،‬وتأَّمل كيف جعل جزاءهم على هذه األفعال المتضمنة للخضوع‪ ،‬والذِّل‬
‫واالستكانة لَّله = الغرفة؛‬
‫__________‬
‫= (‪ /6‬رقم ‪ ،)2591‬وابن حبان في صحيحه (‪ /16‬رقم ‪ )7381‬وغيرهم‪.‬‬
‫وقد أسقط الوليد بن مسلم في بعض الروايات "الضحاك" كما عند أبي نعيم في صفة الجَّنة رقم (‬
‫‪ )25 ,24‬وغيره‪.‬‬
‫والحديث مداره على الضحاك هذا وفيه جهالة‪.‬‬
‫قال البوصيري‪" :‬هذا إسناد فيه مقال‪ ،‬الضحاك المعافري ذكره ابن حبان في الثقات‪ ،‬وقال‬
‫الذهبي في طبقات التهذيب‪ :‬مجهول‪ ،‬وسليمان بن موسى األموي مختلٌف فيه‪ ،‬وباقي رجال‬
‫اإلسناد ثقات"‪.‬‬
‫انظر‪ :‬مصباح الزجاجة (‪.)325 /3‬‬

‫(‪)1/292‬‬

‫والتحية والسالم في مقابلة صبرهم على سوء خطاب الجاهلين لهم‪ ،‬فُبِّدُلوا بذلك سالم الَّله‬
‫ومالئكته عليهم‪.‬‬
‫وقال تعالى‪َ{ :‬و َم ا َأْم َو اُلُك ْم َو اَل َأْو اَل ُدُك ْم ِباَّلِتي ُتَق ِّر ُبُك ْم ِع ْنَدَنا ُز ْلَف ى ِإاَّل َمْن آَمَن َو َعِم َل َص اِلًح ا‬
‫ِف‬ ‫ِت ِم‬ ‫ِف‬ ‫ِف ِب ِم‬ ‫ِئ‬
‫َفُأوَل َك َلُه ْم َجَز اُء الِّض ْع َم ا َع ُلوا َو ُه ْم ي اْلُغُر َفا آ ُنوَن } [سبأ‪ ،]37 :‬وقال تعالى‪َ{ :‬يْغ ْر‬
‫َلُك ْم ُذُنوَبُك ْم َو ُيْد ِخ ْلُك ْم َج َّناٍت َتْج ِر ي ِم ْن َتْح ِتَه ا اَأْلْنَه اُر َو َمَس اِكَن َطِّيَبًة ِفي َج َّناِت َعْد ٍن } [الصف‪:‬‬
‫‪ ،]12‬وقال تعالى عن امرأة فرعون إَّنها قالت‪َ{ :‬ر ِّب اْبِن ِلي ِع ْنَد َك َبْيًتا ِفي اْلَج َّنِة} [التحريم‪:‬‬
‫‪.]11‬‬
‫وروى الترمذي في "جامعه" من حديث عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد عن علي‬
‫قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إَّن في الجَّنة لُغَر ًفا ُيرى ظهورها من بطونها‬
‫وبطونها من ظهورها‪ ،‬فقام أعرابي فقال‪ :‬يا رسول الَّله لمن هي؟ قال‪ :‬لمن طَّيَب الكالم‪ ،‬وأطعم‬
‫الطعام‪ ،‬وأدام الصيام‪ ،‬وصَّلى باَّلليل والَّناس نيام" (‪. )1‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬هذا حديٌث غريب‪ ،‬ال نعرفه إاَّل من حديث‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الترمذي برقم (‪ 1984‬و ‪ ،)2526‬وأحمد في المسند (‪ ،)156 /1‬وابن خزيمة في‬
‫صحيحه رقم (‪ ،)2136‬وأبو يعلي في مسنده رقم (‪ 428‬و ‪ ،)438‬والبزار في مسنده رقم (‬
‫‪ ،)702‬وابن عدي في الكامل (‪.)305 /4‬‬
‫والحديث مدارُه على عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي وهو ضعيف‪ .‬وله منكرات وهذا الحديث‬
‫منها‪.‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬غريب‪." . .‬‬
‫وقال ابن خزيمة‪" :‬إْن صَّح الخبر؛ فإن في القلب من عبد الرحمن بن إسحاق أبي شيبة الكوفي‪. .‬‬
‫‪ ." .‬والحديث ذكره ابن عدي في منكراته‪.‬‬

‫(‪)1/293‬‬

‫عبد الرحمن بن إسحاق"‪.‬‬


‫وقال الطبراني‪ :‬حدثنا عبدان بن أحمد حدثنا هشام بن عَّم ار حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا معاوية‬
‫بن سالم عن زيد بن سالم حدثني أبو سالم حدثني أبو معانق األشعري حدثني أبو مالك األشعري‬
‫رضي الَّلُه عنه أَّن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إَّن في الجَّنة ُغرًفا ُيرى ظاهرها من‬
‫باطنها‪ ،‬وباطنها من ظاهرها‪ ،‬أعَّدها الَّلُه لمن أطعم الطعام‪ ،‬وأدام الصيام‪ ،‬وصَّلى بالليل والَّناس‬
‫نيام" (‪. )1‬‬
‫وقال ابن وهب‪ :‬حدثني ُحَيٌّي عن أبي عبد الرحمن عن عبد الَّله بن عمرو رضي الَّلُه عنهما عن‬
‫الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إَّن في الجَّنة ُغرًفا ُيرى‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني في الكبير (‪ )342 /3‬رقم (‪ ،)3467‬وفي مسند الشاميين (‪ )115 /4‬رقم‬
‫(‪.)2873‬‬
‫‪ -‬ورواه معمر عن يحيى بن أبي كثير عن ابن معانق أو أبي معانق عن أبي مالك فذكره وفيه‬
‫"وأالن الكالم‪ ،‬وتابع الصيام"‪.‬‬
‫أخرجه عبد الرزاق في المصنف (‪ /11‬رقم ‪ )20883‬ومن طريقه‪ :‬أحمد (‪ ،)343 /5‬وابن‬
‫خزيمة (‪ /3‬رقم ‪ ،)2137‬وابن حبان في صحيحه رقم (‪ ،)509‬والطبراني في الكبير (‪)342 /3‬‬
‫رقم (‪ )3466‬وغيرهم‪.‬‬
‫والحديث مدارُه على أبي معانق األشعري واسمه عبد الَّله بن معانق الشامي‪ .‬قال ابن خزيمة‪:‬‬
‫"ولسُت أعرف ابن معانق وال أبا معانق‪ " . .‬وقال الَّدارقطني‪ . . ." :‬ال شيء مجهول"‪ .‬ووثقه‬
‫العجلي وابن خلفون وابن حبان (‪ ،)36 /5‬وذكره ابن حبان أيًض ا في أتباع التابعين (‪)52 /7‬‬
‫وقال‪ . ." :‬وهو اَّلذي يروي عن أبي مالك األشعري‪ ،‬وما أراُه شافهه"‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)161 - 160 /16‬‬
‫والحديث يظهر أَّن أصَلُه ثابت لما سيأتي‪.‬‬

‫(‪)1/294‬‬

‫ظاهرها من باطنها‪ ،‬وباطنها من ظاهرها‪ ،‬قال أبو مالك األشعري‪ :‬لمن هي يا رسول الَّله؟ قال‪:‬‬
‫"لمن أطاب الكالم‪ ،‬وأطعم الطعام‪ ،‬وبات قائًم ا والَّناس نيام" (‪. )1‬‬
‫قال محمد بن عبد الواحد‪" :‬وهذا عندي إسناد حسن‪ ،‬وذكر أبي مالك فيه مَّم ا يدل على صحته؛‬
‫ألَّن أبا مالك قد رواُه‪ ،‬وإسناده أيًض ا حسن" (‪. )2‬‬
‫وقد تقَّدم حديث أبي سعيد المتفق على صحته‪" :‬إَّن أهل الجَّنة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الحاكم في المستدرك (‪ )466 /1‬رقم (‪ ،)1200‬والبيهقي في البعث والنشور رقم‬
‫(‪.)277‬‬
‫‪ -‬ورواُه ابن لهيعة حدثني حيي بن عبد الَّله به لكن فيه "فقال أبو موسى األشعري‪ . .‬لمن أالن‬
‫الكالم‪ " . . .‬وقوله‪" :‬أبو موسى" خطأ‪.‬‬
‫أخرجه أحمد في المسند (‪.)173 /2‬‬
‫والحديث مداره على ُحَيِّي بن عبد الَّله المعافري المصري‪ ،‬صدوق في حفظه لين‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)490 - 488 /7‬‬
‫والحديث قال عنه الحاكم‪" :‬هذا حديث صحيح على شرط مسلم‪ ،‬ولم يخرجاه"‪.‬‬
‫وقال الهيثمي‪" :‬رواه أحمد والطبراني في الكبير واللفظ له‪ ،‬وإسناده حسن"‪.‬‬
‫وكذلك حَّس ن إسناده المنذري‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الترغيب والترهيب له (‪ ،)424 /1‬ومجمع الزوائد (‪.)254 /1‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬صفة الجَّنة له (‪.)85‬‬

‫(‪)1/295‬‬

‫ليتراءون أهل الغرِف فوقهم كما تراءون الكوكب الغابَر من األفق" (‪. )1‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪ )2‬من حديث أبي موسى األشعري عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪:‬‬
‫"إَّن للمؤمن في الجَّنة لخيمة من لؤلؤة واحدٍة مجوفٍة ‪ ،‬طولها ستون مياًل ‪ ،‬للمؤمن فيها أهلون‬
‫يطوف عليهم المؤمن‪ ،‬فال يرى بعضهم بعًض ا"‪.‬‬
‫وقد تقَّدم قوله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬في الحديث الصحيح‪" :‬من بنى لَّله مسجًد ا بنى الَّلُه له‬
‫بيًتا في الجَّنة" (‪. )3‬‬
‫وقوله في حديث أبو موسى‪ :‬يقول عَّز وجَّل لمن حمده واسترجع عند موت ولده‪" :‬ابنوا لعبدي‬
‫بيًتا في الجَّنة َو َس ُّم وه بيت الحمد" (‪. )4‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪ )5‬من حديث عبد الَّله بن أبي أوفى وأبي هريرة وعائشة رضي الَّلُه عنهم أَّن‬
‫جبريل قال للَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬هذه خديجة أقرئها‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تقدم في الباب (‪ )17‬ص (‪.)154 - 153‬‬
‫(‪ )2‬البخاري رقم (‪ ،)4598‬ومسلم رقم (‪.)2838‬‬
‫(‪ )3‬تقدم في الباب (‪ )7‬ص (‪.)92‬‬
‫(‪ )4‬تقدم في الباب (‪ )7‬ص (‪.)93‬‬
‫(‪ )5‬البخاري رقم (‪ ،)3608‬ومسلم رقم (‪ )2433‬من حديث ابن أبي أوفى رضي الَّلُه عنه‪.‬‬
‫* والبخاري رقم (‪ ،)3605‬ومسلم رقم (‪ )2435‬من حديث عائشة رضي الَّلُه عنها‪.‬‬
‫* والبخاري رقم (‪ ،)3609‬ومسلم رقم (‪ )2432‬من حديث أبي هريرة رضي الَّله عنه‪.‬‬

‫(‪)1/296‬‬

‫السالم من رِّبها‪ ،‬وأمره أْن ُيبِّش رها ببيٍت في الجَّنة‪ ،‬من قصب‪ ،‬ال صخَب فيه وال نصب"‪.‬‬
‫والَق َص ُب ها هنا‪َ :‬قَص ُب اللؤلؤ المجوف‪.‬‬
‫وقد روى ابن أبي الدنيا من حديث يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن عكرمة عن أبي هريرة‬
‫رضي الَّلُه عنه عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إَّن في الجَّنة لقصًر ا من لؤلؤ ليس فيه‬
‫صدٌع وال وهن‪ ،‬أعَّده الَّلُه عَّز وجَّل لخليله إبراهيم" (‪. )1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)174‬والطبراني في األوسط برقم (‪ 6543‬و‬
‫‪ ،)8114‬والبزار كما في كشف األستار (‪ )103 - 102 /3‬رقم (‪ 2346‬و ‪ ،)2347‬وابن‬
‫عساكر في تاريخ دمشق (‪.)247 /6‬‬
‫قال الطبراني‪" :‬لم يرو هذا الحديث عن سماك إاَّل حماد بن سلمة‪ ،‬وال رواُه عن حماد إاَّل النضر‬
‫بن شميل ويزيد بن هارون"‪.‬‬
‫وقال البزار‪" :‬ال نعلُم أسنده إاَّل يزيد بن هارون والنضر‪ ،‬ويرويه غيرهما موقوًفا"‪.‬‬
‫قلُت ‪ :‬ولعَّل هذا االختالف في رفعه ووقفه إَّما من حَّم اد بن سلمة أو من سماك بن حرب من أجل‬
‫روايته عن عكرمة وهو أشبه‪ ،‬فقد قال يعقوب الفسوي وغيره ‪-‬واَّللفظ ليعقوب‪" :-‬وروايته عن‬
‫عكرمة خاَّص ة مضطربة‪ ،‬وهو في غير عكرمة صالح‪ ،‬وليس من المتثبتين‪ " . . .‬انظر‪ :‬تهذيب‬
‫الكمال (‪.)120 /12‬‬
‫‪ -‬ورواُه أبو سلمة التبوذكي وسليمان بن حرب وحجاج بن منهال وسريج ابن النعمان عن حماد‬
‫عن سماك عن عكرمة عن أبي هريرة موقوًفا‪.‬‬
‫أخرجه ابن أبي حاتم في العلل (‪ ،)217 /2‬وذكره الدارقطني في العلل (‪= .)126 /11‬‬

‫(‪)1/297‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪ )1‬من حديث حميد عن أنس رضي الَّلُه عنه أَّن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪ -‬قال‪" :‬دخلُت الجَّنة فإذا أنا بقصٍر من ذهب‪ ،‬فقلُت ‪ :‬لمن هذا القصر؟ قالوا‪ :‬لشاب من‬
‫قريش‪ ،‬فظننُت أِّني أنا هو‪ ،‬فقلُت ‪ :‬ومن هو؟ قالوا‪ :‬لعمر بن الخطاب"‪.‬‬
‫وهو فيهما من حديث جابر ولفظه‪" :‬فأتيت على قصٍر َّبع مشرٍف‬
‫ُمَر‬
‫__________‬
‫= ‪ -‬ورواُه عمر ‪-‬لعله ابن عبيد الطنافسي‪ -‬عن عكرمة به موقوًفا‪.‬‬
‫قال أبو حاتم الَّر ازي والدارقطني‪" :‬والموقوف أصح"‪.‬‬
‫(‪ )1‬لم أقف عليه في الصحيحين من هذا الوجه‪.‬‬
‫وإَّنما أخرجه الترمذي برقم (‪ ،)3688‬وأحمد في المسند (‪ 107 /3‬و ‪ 179‬و ‪ 263‬و ‪،)191‬‬
‫وابن أبي شيبة برقم (‪ ،)31982‬وأبو يعلى في مسنده (‪ /6‬رقم ‪ ،)3860‬واآلجري في الشريعة‬
‫رقم (‪ )1380 - 1377‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طرق عن ابن أبي عدي ويحيى القطان وبكر بن عبد الَّله السهمي وأبي خالد األحمر‬
‫وإسماعيل بن جعفر المدني وحماد بن سلمة وغيرهم كلهم عن حميد به مثله‪.‬‬
‫‪ -‬وخالفهم عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون‪.‬‬
‫فرواُه عن حميد به وزاد فيه "أبيض" كما سيأتي قريًبا عند المؤلف‪.‬‬
‫أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)175‬‬
‫‪ -‬ورواُه قتادة وأبو عمران الجوني عن أنس مرفوًعا فذكره بمثله ولم يذكر "أبيض"‪.‬‬
‫أخرجه أحمد (‪ ،)191 /3‬وابن حبان رقم (‪ )54‬وغيرهما‪.‬‬
‫فالزيادة شاذة‪ ،‬والوهم إَّما من ابن الماجشون أو الَّر اوي عنه‪ :‬شجاع بن األشرس‪.‬‬
‫ولهذا قال المؤلف ‪-‬كما سيأتي‪" :-‬وهذا إْن كان محفوًظا فبياضه‪ :‬نوره وإشراقه وضياؤه والَّله‬
‫أعلم"‪.‬‬

‫(‪)1/298‬‬

‫من ذهٍب " وقد تقَّدم (‪. )1‬‬


‫وقال ابن أبي الدنيا‪ :‬حدثنا شجاع بن األشرس قال‪ :‬سمعت عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون‬
‫عن حميد عن أنس بن مالك رضي الَّلُه عنه عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬دخلُت‬
‫الجَّنة فإذا فيها قصٌر أبيض قال‪ :‬قلُت لجبريل‪ :‬لمن هذا القصر؟ قال‪ :‬لرجٍل من قريش‪ ،‬فرجوت‬
‫أْن أكون أنا‪ ،‬فقلُت ‪ :‬ألِّي قريش؟ قال‪ :‬لعمر بن الخطاب"‪.‬‬
‫وهذا إْن كان محفوًظا فبياضه‪ :‬نوره وإشراقه وضياؤه‪ ،‬والَّلُه أعلم‪.‬‬
‫وقال الحسن‪" :‬قصر من ذهب ال يدخله إاَّل نبي أو صديق أو شهيد أو حكم عدل‪ .‬يرفع بها‬
‫صوته" (‪. )2‬‬
‫وقال األعمش‪ :‬حدثنا مالك بن الحارث عن ُمِغيث بن ُسَم ٍّي قال‪" :‬إَّن في الجَّنة قصوًر ا من ذهٍب ‪،‬‬
‫وقصوًر ا من فضة‪ ،‬وقصوًر ا من لؤلؤ‪ ،‬وقصوًر ا من ياقوت‪ ،‬وقصوًر ا من زبرجد" (‪. )3‬‬
‫وقال األعمش‪ :‬عن مجاهد عن ُعَبيد بن ُعمير قال (‪" : )4‬إَّن أدنى‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في الباب األَّو ل ص (‪ ،)43‬وراجع (ص‪.)235 /‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه سعيد بن منصور في سننه "التفسير" (‪ )434 /5‬رقم (‪ )1168‬وابن أبي الدنيا في‬
‫صفة الجَّنة رقم (‪ ،)180‬والطبري في تفسيره (‪.)181 /10‬‬
‫وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)180‬‬
‫وسنده صحيح ومغيث بن سمي هو أبو أيوب األوزاعي تابعي ثقة‪ ،‬كان صاحب كتب كأبي الجلد‬
‫ووهب بن منبه‪.‬‬
‫(‪ )4‬كذا في جميع النسخ وجاء في مصادر التخريج زيادة "قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪."-‬‬

‫(‪)1/299‬‬

‫أهل الجَّنة منزلًة من له دار من لؤلؤة واحدٍة‪ ،‬منها غرفها وأبوابها" (‪. )1‬‬
‫وروى البيهقي من حديث حفص بن عمر حدثنا عمرو المالئي عن عطاء بن أبي رباح عن ابن‬
‫عباس رضي الَّلُه عنهما قال‪ :‬قال رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إَّن في الجَّنة لغرًفا‪ ،‬فإذا‬
‫كان ساكنها فيها لم َيْخَف عليه ما خلفها‪ ،‬وإذا كان خلفها لم يخف عليه ما فيها"‪ ،‬قيل‪ :‬لمن هي‬
‫يا رسول الَّله؟ قال‪" :‬لمن أطاب الكالم‪ ،‬وواصل الصيام‪ ،‬وأطعَم الطعام‪ ،‬وأفشى السالم‪ ،‬وصَّلى‬
‫والَّناس نيام"‪ ،‬قيل‪ :‬وما طيب الكالم؟ قال‪" :‬سبحان الَّلُه والحمُد لَّله‪ ،‬وال إله إاَّل الَّله‪ ،‬والَّلُه أكبر‬
‫(‪ ، )2‬فإَّنها تأتي يوم القيامة ولها مقدماٌت ومجنباٌت ومعقباٌت "‪ ،‬قيل‪ :‬وما وصال الصيام؟ قال‪:‬‬
‫"من صام شهر رمضان‪ ،‬ثَّم أدرك شهر رمضان فصامه"‪ ،‬قيل‪ :‬وما إطعام الطعام؟ قال‪" :‬من قات‬
‫عياله وأطعمهم" (‪ ، )3‬قيل‪ :‬فما إفشاء السالم؟ قال‪" :‬مصافحة أخيك وتحيته"‪ ،‬قيل‪ :‬وما الصالة‬
‫والَّناس نيام؟ قال‪" :‬صالة العشاء اآلخرة" (‪. )4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه هناد بن السري في الزهد رقم (‪ ،)126‬وابن أبي شيبة في مصنفه (‪ )58 /7‬رقم (‬
‫‪ ،)33986‬وأبو نعيم في الحلية (‪.)274 /3‬‬
‫ورجاله ثقات‪ ،‬لكَّنه مرسل كما في مصادر التخريج‪.‬‬
‫(‪ )2‬عند البيهقي إضافة‪" :‬وال أكبر إاَّل الَّله"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "أ‪ ،‬ب‪ ،‬ج" "وأطعمه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البيهقي في البعث النشور رقم (‪ ،)280‬وابن عدي في الكامل (‪،)388 /2‬‬
‫والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (‪ ،)401 /4‬وابن حبان في المجروحين (‪- 259 /1‬‬
‫‪.)260‬‬
‫قال ابن عدي‪" :‬وهذه األحاديث بهذا اإلسناد مناكير ال يرويها إاَّل حفص بن =‬

‫(‪)1/300‬‬

‫قال‪" :‬حفص بن عمر هذا مجهول‪ ،‬لم يروِه عنه غير علي بن حرب فيما أعلم"‪.‬‬
‫قلُت ‪ :‬هذا يلقب بالَكْف ر ‪-‬بفتح الكاف وسكون الفاء‪ -‬وقد روى عنه محمد بن غالب‪ :‬تمتام‬
‫وعلي بن حرب وهما ثقتان؛ ولكن ضعفه ابن عدي وابن حبان وحديثه هذا له شواهد‪ ،‬والَّلُه‬
‫أعلم‪.‬‬
‫وفي "فوائد ابن السماك"‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن منصور حدثنا أبي حدثنا عبد الرحمن‬
‫بن عبد المؤمن قال‪ :‬سمعت محمد بن واسع يذكر عن الحسن عن جابر بن عبد الَّله رضي الَّلُه‬
‫عنهما قال‪ :‬قال الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬أاَل أحدثكم بغرف الجَّنة؟ قال‪ :‬قلنا بلى يا‬
‫رسول الَّله بأبينا أنت وأِّم نا‪ ،‬قال‪" :‬إَّن في الجَّنة غرًفا من أصناف الجوهر كله‪ُ ،‬يَر ى ظاهرها من‬
‫باطنها‪ ،‬وباطنها من ظاهرها‪ ،‬فيها من النعيم واَّللذات ما ال عيٌن رأت‪ ،‬وال أذٌن سمعت"‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قلنا‪ :‬يا رسول الَّله‪ ،‬لمن هذه الغرف؟ قال‪" :‬لمن أفشى السالم‪ ،‬وأطعم الطعام‪ ،‬وأدام الصيام‪،‬‬
‫وصَّلى باَّلليل والَّناس نيام"‪ ،‬قال‪ :‬قلنا‪ :‬يا رسول الَّلِه ‪ ،‬ومن يطيق ذلك؟ قال‪ :‬أمتي تطيق ذلك‪،‬‬
‫وسأخبركم عن ذلك‪ :‬من لقي أخاه فسَّلم عليه‪ ،‬أو رَّد عليه فقد أفشى السالم‪ ،‬ومن أطعم أهله‬
‫وعياله من‬
‫__________‬
‫= عمر بن حكيم هذا‪ ،‬وهو مجهول‪ ،‬وال أعلُم أحًد ا روى عنه غير علي بن حرب‪." . . .‬‬
‫وقال ابن حبان‪" :‬يروي عن عمرو بن قيس المالئي المناكير الكثيرة‪ ،. . .‬وال يجوز االحتجاج‬
‫بخبره‪." . . .‬‬
‫فالحديث باطل بهذا اإلسناد‪.‬‬

‫(‪)1/301‬‬

‫الطعام حتى يشبعهم‪ ،‬فقد أطعم الطعام‪ ،‬ومن صام رمضان‪ ،‬ومن كل شهر ثالثة أيام‪ ،‬فقد أداَم (‪)1‬‬
‫الصياَم‪ ،‬ومن صَّلى صالة العشاء اآلخرة في جماعة‪ ،‬فقد صَّلى الليل والَّناس نياٌم‪ :‬اليهود‬
‫والَّنصارى والمجوس" (‪. )2‬‬
‫وهذا اإلسناد وإْن كان ال ُيْحَتُّج به وحده‪ ،‬فإذا انضَّم إليه ما تقَّدم استفاد ُقَّو ة مع أَّنه قد ُر ِو َي‬
‫بإسنادين آخرين‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب"‪" :‬أَّدى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البيهقي في البعث والنشور برقم (‪ ،)279‬وأبو نعيم في الحلية (‪.)356 /2‬‬
‫والحديث مداره على عبد الرحمن بن عبد المؤمن األزدي ولم أقف عليه‪.‬‬
‫قال البيهقي‪" :‬وهذا اإلسناد غير قوي‪ ،‬إاَّل أَّنه مع اإلسنادين األَّو لين يقَّو ي بعضه بعًض ا"‪.‬‬

‫(‪)1/302‬‬

‫الباب السابع والثالثون في ذكر معرفتهم بمنازلهم ومساكنهم إذا دخلوا الجَّنة وإْن لم يروها قبل‬
‫ذلك‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬و اَّلِذ يَن ُقِتُلوا ِفي َس ِبيِل الَّلِه َفَلْن ُيِض َّل َأْع َم اَلُه ْم (‪َ )4‬س َيْه ِد يِه ْم َو ُيْص ِلُح َباَلُه ْم (‪)5‬‬
‫َو ُيْد ِخ ُلُه ُم اْلَج َّنَة َعَّر َفَه ا َلُه ْم (‪[ })6‬محمد‪]6 - 4 :‬‬
‫قال مجاهد‪َ" :‬يْه تدي أهلها إلى بيوتهم ومساكنهم‪ ،‬ال يخطئون‪ ،‬كأَّنهم ساكنوها منذ خلقوا‪ ،‬ال‬
‫يستدلون عليها أحًد ا" (‪.)1‬‬
‫وقال ابن عباس في رواية أبي صالح‪" :‬لُه ْم َأْع رف بمنازلهم من أهل الجمعة إذا انصرفوا إلى‬
‫منازلهم" (‪.)2‬‬
‫وقال محمد بن كعب‪" :‬يعرفونها كما تعرفون بيوتكم في الدنيا‪ ،‬إذا انصرفتم من يوم الجمعة" (‬
‫‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ )44 /26‬وسنده حسن‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه عبد الملك بن حبيب السلمي في وصف الفردوس رقم (‪ )241‬ص (‪.)89 - 88‬‬
‫من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس‪.‬‬
‫وسنده ضعيف جًّدا‪.‬‬
‫وأخرجه أيًض ا برقم (‪ )131‬من طريق مجاهد لكن وقع في السند تحريف أو سقط لم أتبينه‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة (‪ )146 /2‬رقم (‪.)289‬‬
‫وفيه أحمد بن أبان األصبهاني روى عنه راويان‪ ،‬وترجم له أبو نعيم في أخبار أصبهان (‪،)98 /1‬‬
‫ولم يورد فيه جرًح ا وال تعدياًل ‪.‬‬
‫فاإلسناد ال بأس به‪.‬‬

‫(‪)1/303‬‬

‫هذا قول جمهور المفسرين‪ .‬وتلخيص أقوالهم ما قاله أبو عبيدة‪َ{ :‬عَّر َفَه ا َلُه ْم (‪[ } )6‬محمد‪:‬‬
‫‪ ]6‬أي‪ :‬بَّينها لهم‪ ،‬حتى عرفوها من غير استدالل (‪. )1‬‬
‫وقال ُمَق اتل بن حَّيان‪" :‬بلغنا أَّن الملك الموكل بحفظ عمل بني آدم يمشي في الجَّنة‪ ،‬ويتبعه ابن‬
‫آدم حتى يأتي أقصى منزل هو له‪ ،‬فيعرفه كل شيٍء أعطاُه الَّلُه في الجَّنة‪ ،‬فإذا دخَل إلى منزله‬
‫وأزواجه انصرف الملك عنه" (‪. )2‬‬
‫وقال سلمة بن ُك َهْيل‪َ" :‬طَّر قها لهم" (‪. )3‬‬
‫ومعنى هذا‪ :‬أَّنه طرقها لهم حَّتى يهتدوا إليها‪.‬‬
‫وقال الحسن‪" :‬وصف الَّله الجَّنة في الدنيا لهم‪ ،‬فإذا دخلوها عرفوها بصفتها" (‪. )4‬‬
‫وعلى هذا القول‪ ،‬فالتعريف وقع في الدنيا‪ ،‬ويكون المعنى‪ :‬يدخلهم الجَّنة التي عَّر فها لهم‪ ،‬وعلى‬
‫القول األَّو ل‪ :‬يكون التعريف‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬مجاز القرآن (‪ )214 /2‬وفيه (َبَّينها‪ ،‬وعَّر فهم منازلهم)‪ ،‬زاد المسير البن الجوزي (‬
‫‪ ،)398 /7‬وتفسير القرطبي (‪.)231 /16‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره كما في الدرر (‪.)23 /6‬‬
‫وقال القرطبي في تفسيره (‪" :)231 /16‬وحديث أبي سعيد الخدري يرُّده"‪ .‬قلُت ‪ :‬حديث أبي‬
‫سعيد سيورده ابن القيم قريًبا وهو نٌّص في ذلك‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الحربي في "غريب الحديث" (‪ :)189 /1‬بلفظ‪ُ" :‬يَعَّر فون ُطُر قها"‪.‬‬
‫وسنده حسن‪.‬‬
‫(‪ )4‬ذكره الماوردي في تفسيره (‪ )295 - 294 /5‬بنحوه‪.‬‬

‫(‪)1/304‬‬

‫واقًعا في اآلخرة‪ ،‬هذا كُّله إذا قيل‪ :‬إَّنه من التعريف‪.‬‬


‫وفيها قوٌل آخر‪ :‬إَّنها من الَعْر ِف ‪ ،‬وهو الَّر ائحة الطيبة‪ ،‬وهذا اختيار الزجاج‪ ،‬أي‪ :‬طَّيبها‪ ،‬ومنه‬
‫طعام ُمعَّر ف أي مطَّيب (‪. )1‬‬
‫وقيل‪ :‬هو من الُعرف‪ ،‬وهو الَّتتابع‪ :‬أي تابع لهم طيباتها ومالَّذها‪ .‬والقول هو األَّو ل‪ ،‬وأَّنه سبحانه‬
‫أعلمها وبَّينها بما يعلم به كل أحد منزله وداره‪ ،‬فال يتعَّداُه إلى غيره‪.‬‬
‫وفي "صحيح البخاري" (‪ )2‬من حديث قتادة عن أبي المتوكل الَّناجي عن أبي سعيد الخدري‬
‫رضي الَّلُه عنه أَّن نبي الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪ :‬إذا خلص المؤمنون من الَّناِر ُح ِبسوا‬
‫بقنطرٍة بين الجَّنة والَّنار‪ ،‬يتقاُّصون مظالم كانت بينهم في الدنيا‪ ،‬حتى إذا ُه َّذ بوا ونُّق وا ُأِذ َن لهم‬
‫بدخول الجَّنة‪ ،‬واَّلذي نفسي بيده إَّن أحدهم بمنزله في الجَّنة أدُّل منه بمسكنه كان في الدنيا"‪.‬‬
‫وفي "مسند إسحاق" من حديث أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪:-‬‬
‫"واَّلذي بعثني بالحِّق‪ ،‬ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجَّنة بأزواجهم‬
‫ومساكنهم إذا دخلوا الجَّنة" (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬زاد المسير البن الجوزي (‪ ،)398 /7‬وتفسير السمرقندي "بحر العلوم" (‪.)241 /3‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري رقم (‪ )2308‬وعنده "‪ . .‬فواَّلذي نفس محمد ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪-‬‬
‫بيده ألحدهم بمسكنه في الجَّنة أدَّل بمنزله كان في الدنيا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬هو قطعة من حديث الصور الطويل‪ ،‬وقد تقدم في الباب (‪ )31‬ص (‪.)261‬‬

‫(‪)1/305‬‬

‫الباب الثامن والثالثون في كيفية دخولهم الجَّنة وما ُيْس تقبلون (‪ )1‬عند دخولها‬
‫ِة‬ ‫ِس ِذ‬
‫وقد تقَّدم قوله تعالى‪َ{ :‬و يَق اَّل يَن اَّتَق ْو ا َر َّبُه ْم ِإَلى اْلَج َّن ُز َم ًر ا} [الزمر‪ ]73 :‬وقال تعالى‪َ{ :‬يْو َم‬
‫َنْح ُش ُر اْلُم َّتِق يَن ِإَلى الَّر ْح َم ِن َو ْفًد ا} [مريم‪.]85 :‬‬
‫قال ابن أبي الدنيا‪ :‬حدثني محمد بن عباد بن موسى الُعكلي حدثنا يحيى بن ُس َليم الطائفي حدثنا‬
‫إسماعيل بن عبد الَّله المكي حدثني أبو عبد الَّله أَّنه سمع الضحاك بن مزاحم يحدث عن الحارث‬
‫َّل‬ ‫َّل‬ ‫َّل‬
‫عن علي رضي ال ُه عنه أَّنه سأل رسول ال ه ‪-‬صلى ال ه عليه وسلم‪ -‬عن هذا اآلية‪َ{ :‬يْو َم َنْح ُش ُر‬
‫اْلُم َّتِق يَن ِإَلى الَّر ْح َم ِن َو ْفًد ا (‪[ })85‬مريم‪ ،]85 :‬قال‪ :‬قلُت يا رسول الَّله‪ ،‬ما الوفد إاَّل ركٌب ؟‬
‫قال الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬واَّلذي نفسي بيده إَّنهم إذا خرجوا من قبورهم اسُتقبلوا‬
‫بنوٍق بيٍض ‪ ،‬لها أجنحة عليها رحال الذهب‪ ،‬شرك نعالهم نوٌر يتألأل‪ ،‬كُّل خطوٍة منها مثُل مِّد‬
‫البصر‪ ،‬وينتهون إلى باب الجَّنة‪ ،‬فإذا حلقة من ياقوتٍة حمراء على صفائح الَّذ هِب ‪ ،‬وإذا شجرٌة‬
‫على باب الجَّنة ينبع من أصلها عينان‪ ،‬فإذا شربوا من إحداهما جرْت في وجوههم نضرة الَّنعيم‪،‬‬
‫وإذا توضؤوا من اُألخرى لم تشعث أشعارهم أبًد ا‪ ،‬فيضربون الحلقة بالَّص فيحة‪ ،‬فلو سمعت طنين‬
‫الحلقة‪ ،‬فيبل كل حْو َر اء‪ ،‬أَّن زوجها قد أقبل‪ ،‬فتستخفها الَعَج لة‪ ،‬فتبعُث قِّيمها فيفتح له الباب‪،‬‬
‫فلوال أَّن الَّلَه عَّز وجل عَّر فه نفسه لخَّر له ساجًد ا مَّم ا يرى من النور والبهاء‪ ،‬فيقول‪ :‬أنا قَّيُم ك‬
‫اَّلذي ُو ِّك ْلُت بأمِر ك‪ ،‬فيتبعه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "د"‪" :‬يستقبلون به"‪.‬‬

‫(‪)1/306‬‬
‫فيقفوا أثره‪ ،‬فيأتي زوجته‪ ،‬فتستخفها العجلة‪ ،‬فتخرج من الخيمة (‪ )1‬فتعانقه‪ ،‬وتقول‪ :‬أنت ِح ِّبي‬
‫وأنا ِح ُّبَك ‪ ،‬وأنا الَّر اضية فال أسخط أبًد ا‪ ،‬وأنا الَّناعمة فال أبأس أبًد ا‪ ،‬والخالدة فال أظعن أبًد ا‪،‬‬
‫فيدخل بيًتا من أساسه إلى سقفه مئة ألف ذراٍع مبنٌّي على َج ْندل اللؤلؤ والياقوت‪ ،‬طرائَق حمٍر ‪،‬‬
‫وطرائق ُخ ضر‪ ،‬وطرائَق صفٍر ‪ ،‬ما منها طريقٌة ُتشاكل صاحبتها‪ ،‬فيأتي األريكة‪ ،‬فإذا عليها سريٌر ‪،‬‬
‫على الَّس رير سبعوَن فراًش ا‪ ،‬عليها سبعون زوجًة‪ ،‬على كِّل زوجٍة سبعون ُح َّلًة ُيرى ُمُّخ ساقها من‬
‫باطن الجْلد‪ ،‬يقضي جَم اعهَّن في مقدار ليلة‪ ،‬تجري من تحتهم أنهاٌر ُمَّطردٌة‪ :‬أنهار من َماٍء غير‬
‫آسن صافي ليس فيه كدٌر ‪ ،‬وأَّنهاٌر من عسٍل مصَّف ى‪ ،‬لم يخرج من بطون النحل‪ ،‬وأنهاٌر من خمٍر‬
‫لَّذ ٍة للَّش اربين‪ ،‬لم تعصره الرجال بأقدامها‪ ،‬وأنهاٌر من لبٍن لم يتغير طعمُه‪ ،‬لم يخرج من بطون‬
‫الماشية‪ ،‬فإذا اشتهوا الطعاَم ‪ ،‬جاءتهم طيٌر بيض‪ ،‬فترفع أجنحتها‪ ،‬فيأكلون من جنوبها من أي‬
‫األلوان شاؤوا‪ ،‬ثَّم تطير فتذهُب ‪ ،‬فيها ثمار ُمتدلَّية‪ ،‬إذا اشتهوا انبعث الُغصُن إليهم‪ ،‬فيأكلون من‬
‫أِّي الثمار شاؤوا‪ ،‬إْن شاء قائًم ا‪ ،‬وإْن شاء متكًئا‪ ،‬وذلك قوله عَّز وجل‪َ{ :‬و َج َنى اْلَج َّنَتْيِن َداٍن (‬
‫‪[ } )54‬الرحمن‪ ،]54 :‬وبين أيديهم خدٌم كاللؤلؤ" (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "أ‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬الجَّنة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)7‬‬
‫والعقيلي في الضعفاء (‪ )86 /1‬من طريق عبيد الَّله بن سلمان عن الضحاك به‪ ،‬وذكر حديًثا‬
‫طوياًل ‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه أبو إسحاق السبيعي عن الحارث عن علي موقوًفا‪ ،‬وهو أصح‪= .‬‬

‫(‪)1/307‬‬

‫هذا حديٌث غريب‪ ،‬وفي إسناده ضعف‪ ،‬وفي رفعه نظر‪ ،‬والمعروف أَّنه موقوف على علٍّي ‪.‬‬
‫قال ابن أبي الدنيا‪ :‬حدثنا محمد بن عمرو بن سليمان حدثنا محمد ابن فضيل عن عبد الرحمن بن‬
‫إسحاق عن النعمان بن سعد (‪ )1‬في هذه اآلية‪َ{ :‬يْو َم َنْح ُش ُر اْلُم َّتِق يَن ِإَلى الَّر ْح َم ِن َو ْفًد ا (‪} )85‬‬
‫قال‪" :‬أما والَّلِه ما يحشر الوفد على أرجلهم‪ ،‬ولكن يؤتون بنوٍق لم تَر الخالئق مثلها‪ ،‬عليها‬
‫ِر حاُل الذهب‪ ،‬وأِز َّمُتها الزبرجد‪ ،‬فيركبون عليها يضربوا باب الجَّنة" (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫= أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة (‪ )132 /2‬رقم (‪.)281‬‬
‫وذكر العقيلي أَّن الحديث غير محفوظ‪ ،‬واألمر كما قال المؤلف‪" :‬حديث غريب‪ ،‬في إسناده‬
‫ضعف‪ ،‬وفي رفعه نظر‪." . . .‬‬
‫(‪ )1‬كذا في جميع النسخ‪ ،‬وفي مصادر التخريج زيادة "عن علي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ )126 /16‬عن زكريا بن يحيى بن أبي زائدة عن ابن فضيل عن‬
‫عبد الرحمن عن النعمان بن سعد عن علي فذكره بمثله‪.‬‬
‫وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (‪ )61 /7‬رقم (‪ ،)34003‬وعبد الَّله بن أحمد في زوائد‬
‫المسند (‪ ،)155 /1‬والحاكم (‪ )409 /2‬رقم (‪ )3425‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة (‪- 134 /2‬‬
‫‪ )135‬رقم (‪ )281‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق علي بن مسهر وأبي معاوية ويعلى بن عبيد كلهم عن عبد الرحمن بن إسحاق به موقوًفا‬
‫على علي‪.‬‬
‫والحديث مدارُه على عبد الرحمن بن إسحاق وهو ضعيف‪ ،‬وله منكرات كما تقدم ص (‪.)174‬‬
‫والحديث صححه الحاكم‪ ،‬فتعقبه الذهبي فقال‪" :‬بل عبد الرحمن هذا لم يرو له مسلم وال لخاله‬
‫النعمان‪ ،‬وضعفوه"‪.‬‬

‫(‪)1/308‬‬

‫وقال علي بن الجعد في "الجعديات"‪ :‬أخبرنا زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن عاصم بن‬
‫ضمرة عن علي رضي الَّلُه عنه قال‪ُ :‬يساق اَّلذين اتقوا ربهم إلى الجَّنة ُز َم ا حَّتى ينتهوا إلى باٍب‬
‫ًر‬
‫من أبوابها‪ ،‬وجدوا عنده شجرًة يخرج من تحت ساقها عينان تجريان‪ ،‬فعدوا إلى إحداهما كأَّنما‬
‫ُأِم ُر وا بها‪ ،‬فشربوا منها فأذهبت ما في بطونهم من أًذى أو قذًى أو بأس‪ ،‬ثَّم عمدوا إلى اُألخرى‬
‫فتطهروا منها فجرت عليهم نضرة النعيم‪ ،‬فلن تغَّير أبشارهم أو تغير بعدها أبًد ا‪ ،‬ولن تشعث‬
‫أشعارهم كأَّنما ُدِه ُنوا بالِّدهان‪ ،‬ثَّم انتهوا إلى خزنة الجَّنة فقالوا‪َ{ :‬س اَل ٌم َعَلْيُك ْم ِط ْبُتْم َفاْدُخ ُلوَه ا‬
‫َخ اِلِد يَن (‪[ } )73‬الزمر‪ ]73 :‬قال‪ :‬ثَّم تتلَّق اهم الولدان يطيفون (‪ )1‬بهم‪ ،‬كما يطيف ولدان أهل‬
‫الدنيا بالحميم يقدم من غيبته‪ ،‬فيقولون‪ :‬أبشْر بما أعَّد الَّلُه (‪ )2‬لك من الكرامة ‪-‬كذا قال‪ -‬ثَّم‬
‫ينطلُق غالٌم من أولئك الولدان إلى بعض أزواجه من الحور العين‪ ،‬فيقول‪ :‬قد جاء فالٌن باسمه‬
‫اَّلذي ُيدعى به في الدنيا‪ ،‬فتقول‪ :‬أنَت رأيته؟ فيقول‪ :‬أنا رأيته‪ ،‬وهو ذا بأثري‪ ،‬فيستخف إحداهَّن‬
‫الفرُح ‪ ،‬حتى تقوم على أسُك َّف ِة بابها‪ ،‬فإذا انتهى إلى منزله نظر إلى أساس بنيانه‪ ،‬فإذا جندل اللؤلؤ‬
‫فوقه صرٌح أخضُر وأصفُر وأحمُر ‪ ،‬ومن كِّل لوٍن ‪ ،‬ثَّم رفع رأسه‪ ،‬فنظر إلى سقه‪ ،‬فإذا مثل البرِق ‪،‬‬
‫فلوال أَّن الَّلَه قَّدره له أللَّم أْن يذهب ببصره‪ ،‬ثَّم طأطأ رأسه فنظَر إلى أزواجه وأكواٍب موضوعٍة‪،‬‬
‫ونمارق مصفوفة‪ ،‬وزرابي مبثوثة‪ ،‬فنظروا إلى تلك النعمة‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في نسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬يطوفون"‪.‬‬
‫(‪ )2‬من "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪.‬‬

‫(‪)1/309‬‬

‫ثَّم اتكئوا وقالوا‪{ :‬اْلَحْم ُد ِلَّلِه اَّلِذ ي َه َد اَنا ِلَه َذ ا َو َما ُك َّنا ِلَنْهَتِد َي َلْو اَل َأْن َه َد اَنا} [األعراف‪]43 :‬‬
‫ثَّم ينادي مناٍد ‪َ :‬تْح يوَن فال تموتون أبًد ا‪ ،‬وتقيمون فال تظعنون أبًد ا (‪ ، )1‬وتصحون فال تمرضون‬
‫أبًد ا" (‪. )2‬‬
‫وقال عبد الَّله بن المبارك‪ :‬أخبرنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هالل قال‪ُ" :‬ذِكَر لنا أَّن الَّر جل‬
‫إذا دخل الجَّنة ُصِّو ر صورة أهل الجَّنة‪ ،‬وُألبَس لباسهم‪ ،‬وحِّلَي حليتهم‪ ،‬وُأري أزواجه وخدمه‪،‬‬
‫ويأخذه َسَو اّر فرٍع لو كان ينبغي أْن يموت لمات من سوار فرحه‪ ،‬فيقاُل له‪ :‬أرأيَت فرحتك هذه‪،‬‬
‫فإَّنها قائمة لك أبًد ا" (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من "ج"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه علي بن الجعد في الجعديات (‪ ،)927 - 926 /2‬وعبد الرزاق في تفسيره (‪/2‬‬
‫‪ )144 - 143‬رقم (‪ 2646‬و ‪ ،)2647‬وابن أبي شيبة في مصنفه (‪ )59 /7‬رقم (‪،)33993‬‬
‫وعبد الملك بن حبيب في وصف الفردوس رقم (‪ )128‬مختصًر ا‪ ،‬والمروزي في زياداته على‬
‫الزهد البن المبارك (‪ )1450‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ )8‬وغيرهم‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر‪" :‬هذا حديث صحيح‪ ،‬وحكمه حكم الرفع‪ ،‬إذ ال مجال للَّر أي في مثل‬
‫هذه األمور"‪.‬‬
‫وقال البوصيري‪" :‬رواه إسحاق بن راهوية بسند صحيح‪ ،‬وحكمه حكم المرفوع‪ ،‬إذ ليس للَّر أي‬
‫فيه مجال"‪.‬‬
‫انظر‪ :‬المطالب العالية رقم (‪ ،)4601‬وإتحاف الخيرة المهرة رقم (‪.)7851‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن المبارك في الزهد ‪-‬رواية ُنعيم‪ -‬رقم (‪ ،)429‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة‬
‫رقم (‪ )24‬وغيرها‪.‬‬
‫وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (‪ )71 - 70 /7‬رقم (‪ ،)34103‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة‬
‫رقم (‪ )285‬من طرق عن سليمان بن المغيرة به =‬

‫(‪)1/310‬‬

‫قال ابن المبارك‪ :‬وأخبرنا رشدين بن سعد‪ :‬أنبأنا زهرة بن معبد القرشي‪ ،‬عن أبي عبد الرحمن‬
‫الحبلي قال‪" :‬إن العبد أَّو ل ما يدخل الجنة يتلقاه سبعون ألف خادم‪ ،‬كأَّنهم اللؤلؤ" (‪. )1‬‬
‫قال ابن المبارك‪ :‬وأنبأنا يحيى بن أيوب‪ ،‬حدثني عبيد الَّله بن زحر (‪ ، )2‬عن محمد بن أبي أيوب‬
‫المخزومي‪ ،‬عن أبي عبد الرحمن المعافري قال‪" :‬إنه َلُيَص ُّف للرجل من أهل الجنة ِس َم اطان‪ ،‬ال‬
‫يرى طرفاهما من غلمانه‪ ،‬حتى إذا مَّر مشوا وراءه" (‪. )3‬‬
‫وقال أبو نعيم‪ :‬حدثنا سلمة عن الضحاك قال‪" :‬إذا دخل المؤمن الجَّنة‪ ،‬دخل أمامه ملك فأخذ به‬
‫في ِس َك ِكَه ا‪ ،‬فيقول له‪ :‬انظر ما ترى؟ قال‪ :‬أرى أكثر قصور رأيتها من ذهٍب وفضٍة‪ ،‬وأكثر أنيس‪.‬‬
‫فيقول له الملُك ‪ :‬فإَّن هذا أجمع لك‪ ،‬حَّتى إذا ُر ِفَع إليهم استقبلوه من كَّل باٍب ‪ ،‬ومن كِّل مكاٍن ‪:‬‬
‫نحن لك‪ ،‬نحن لك‪ ،‬ثَّم يقول له‪ :‬امِش ‪ ،‬فيقول له‪ :‬ماذا ترى‪ ،‬فيقول‪ :‬أرى أكثر عساِكَر رأيتها من‬
‫خيام‪ ،‬وأكثر‬
‫__________‬
‫= مثله‪.‬‬
‫وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن المبارك في الزهد ‪-‬رواية نعيم‪ -‬رقم (‪ ،)427‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة‬
‫رقم (‪.)25‬‬
‫في سنده رشدين بن سعد ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب‪ ،‬د"‪" :‬نصر" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن المبارك في الزهد ‪-‬رواية ُنعيم‪ -‬رقم (‪ ،)415‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة‬
‫رقم (‪ )26‬وفي سنده َض ْع ف‪ ،‬ألَّن يحيى بن أيوب وعبيد الَّله بن زحر فيهما كالم‪.‬‬

‫(‪)1/311‬‬

‫أنيٍس ‪ ،‬قال‪ :‬فإَّن هذا أجمَع لك‪ ،‬قال‪ :‬فإذا ُر ِفَع إليهم استقبلوه يقولون‪ :‬نحن لك‪ ،‬ونحن لك" (‬
‫‪. )1‬‬
‫وفي "الصحيحين" من حديث سهل بن سعد رضي الَّلُه عنه أَّن رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪ -‬قال‪" :‬ليدخلَّن الجَّنة من أمتي سبعون ألًف ا‪ ،‬أو سبع مئة ألف متماسكون آخٌذ بعضهم‬
‫ببعض‪ ،‬ال يدخل أَّو لهم حتى يدخل آخرهم‪ ،‬وجوههم على صورة القمر ليلة البدِر " (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ )27‬وسنده صحيح‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه أسد بن موسى عن أخيه عن الضحاك فذكر معناه مرساًل ‪.‬‬
‫أخرجه ابن حبيب في وصف الفردوس رقم (‪.)32‬‬
‫(‪ )2‬تقدم في الباب الثاني والثالثين ص (‪.)265‬‬

‫(‪)1/312‬‬

‫الباب التاسع والثالثون في ذكر صفة أهل الجَّنة في َخ ْلِق ِه م وُخ ُلِق هم وطولهم وعرضهم ومقدار‬
‫أسنانهم‬
‫قال اإلمام أحمد‪ :‬حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الَّلُه عنه قال‪ :‬قال‬
‫رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬خلق الَّلُه عَّز وجَّل آَدَم على صورته‪ ،‬طوُله ستون ذراًعا‪،‬‬
‫فلما خلقه قال له‪ :‬اذهب فسِّلم على أولئك النفر ‪ -‬وهم نفٌر من المالئكة ُج لوٌس ‪ ،-‬فاستمع ما‬
‫يحيونك‪ ،‬فإَّنها تحيتك وتحية ذريتك‪ ،‬قال‪ :‬فذهَب فقال‪ :‬السالم عليكم‪ ،‬فقالوا‪ :‬السالم عليَك‬
‫ورحمُة الَّلِه ‪ ،‬فزادوه ورحمة الَّله قال‪ :‬فكُّل من يدخل الجَّنة على صورة آدَم‪ ،‬طوُلُه ستون ذراًعا‪،‬‬
‫فلم يزل ينقص الخلق بعدُه حَّتى اآلن" (‪ )1‬متفٌق على صحته‪.‬‬
‫وقال اإلمام أحمد‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون‪ ،‬وعفان بن مسلم‪ ،‬قاال‪ :‬حدثنا حماد بن سلمة‪ ،‬عن علي‬
‫بن زيد بن جدعان‪ ،‬عن سعيد ابن المسيب‪ ،‬عن أبي هريرة ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول‬
‫الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬يدخل أهل الجَّنِة الجَّنَة ُج رًدا ُمرًدا بيًض ا جعاًدا مكَّح لين‪ ،‬أبناء‬
‫ثالث وثالثين‪ ،‬وهم على خلق آدم ستون ذراًعا في عرض سبعة أذرع" (‪)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)3148‬ومسلم رقم (‪ ،)2841‬وأحمد في المسند (‪.)351 /2‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أحمد في مسنده (‪ ،)295 /2‬وابن أبي شيبة في مصنفه (‪ )59 /7‬رقم (‪،)33995‬‬
‫وابن أبي داود في البعث رقم (‪ ،)63‬وابن أبي الدنيا في صفة =‬

‫(‪)1/313‬‬

‫قيل‪ :‬تفرد به حماد‪ ،‬عن علي بن زيد‪.‬‬


‫وفي "جامع الترمذي" من حديث شهر بن حوشب عن عبد الرحمن ابن غْنم عن معاذ بن جبل‬
‫رضي الَّلُه عنه أَّن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬يدخل أهل الجَّنِة الجَّنَة جرًدا مرًدا‬
‫مكحلين بني (‪ )1‬ثالٍث وثالثين" (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫= الجَّنة رقم (‪.)15‬‬
‫‪ -‬ورواُه جماعة عن حَّم اد بن سلمة عن علي بن زيد به نحوه‪.‬‬
‫أخرجه الطبراني في معجمه الصغير رقم (‪ ،)808‬واألوسط رقم (‪ ،)5422‬وابن عدي في‬
‫الكامل (‪ ،)198 /5‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)255‬والبيهقي في البعث والنشور رقم (‬
‫‪.)464 ،463‬‬
‫قال الطبراني‪" :‬لم يرو هذا الحديث عن علي بن زيد إاَّل حماد بن سلمة‪ ،‬وال يروى عن أبي هريرة‬
‫إاَّل بهذا اإلسناد"‪.‬‬
‫والحديث مدارُه على علي بن زيد بن ُج ْد عان‪ ،‬وفيه لين‪ ،‬وفي المتن ألفاٌظ تفَّر د بها‪ ،‬لم يأِت بها‬
‫غيره كقوله "في عرض سبع أذرع"‪ .‬ولهذا ساق ابن عدي هذا الحديث في جملة ما ُأنكر عليه‪،‬‬
‫وقال في آخر ترجمته "‪ . . .‬وهو مع ضعفه يكتب حديثه"‪.‬‬
‫(‪ )1‬في الترمذي‪" :‬بني ثالثين أو"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الترمذي برقم (‪ ،)2545‬وأحمد (‪ ،)243 /5‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‬
‫‪ ،)21‬والبزار في مسنده برقم (‪ ،)2644‬والشاشي في مسنده رقم (‪ ،)1342‬والطبراني في‬
‫الكبير (‪ )64 /20‬رقم (‪ ،)118‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪.)257‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬هذا حديث حسن غريب‪ ،‬وبعض أصحاب قتادة رووا هذا الحديث عن قتادة‬
‫مرساًل ولم يسندوه"‪.‬‬
‫‪ -‬رواه معمر عن قتادة قال‪ :‬أهل الجَّنة أبناء ثالثين‪ ،‬جرد‪ ،‬مرد‪ ،‬مكَّح لون‪." . . .‬‬
‫أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (‪ )416 /11‬رقم (‪ ،)20872‬وابن المبارك =‬

‫(‪)1/314‬‬

‫قال‪" :‬هذا حديث حسن غريب"‪.‬‬


‫وقال أبو بكر بن أبي داود‪ :‬حدثنا محمود بن خالد وعباس بن الوليد قاال‪ :‬حدثنا عمر عن‬
‫األوزاعي عن هارون بن رئاب (‪ )1‬عن أنس بن مالك رضي الَّلُه عنه قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪ُ" :-‬يْبعُث أهل الجَّنِة على صورة آدم في ميالد ثالِث وثالثين سنة ُجْر ًدا ُمْر ًدا‬
‫مكحلين‪ ،‬ثَّم يذهُب بهم إلى شجرٍة في الجَّنة‪ ،‬فُيكسون منها ال تبلى ثيابهم‪ ،‬وال يفنى شبابهم" (‬
‫‪. )2‬‬
‫__________‬
‫= في الزهد ‪-‬رواية نعيم‪ -‬رقم (‪.)423‬‬
‫‪ -‬ورواُه سعيد بن أبي عروبة وشيبان عن قتادة عن شهر عن معاذ "ولم يذكرا‪ :‬عبد الرحمن بن‬
‫غنم"‪.‬‬
‫أخرجه أحمد (‪ 232 /5‬و ‪ )239‬وغيره‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه عامر األحول عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة مرفوًعا‪.‬‬
‫أخرجه الترمذي برقم (‪ )2539‬وغيره‪.‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬هذا حديث غريب"‪ .‬وهذه إشارة إلى خطأ هذه الرواية‪.‬‬
‫والصواب رواية سعيد بن أبي عروبة وشيبان عن قتادة‪.‬‬
‫وعليه فاإلسناد ضعيف لالنقطاع‪ ،‬شهر لم يسمع من معاذ‪.‬‬
‫(‪ )1‬في "ج"‪" :‬ريان"‪ ،‬وفي "هـ"‪" :‬رباب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي داود في البعث رقم (‪ ،)64‬وأبو الشيخ في العظمة رقم (‪ ،)582‬والطبراني‬
‫في الصغير رقم (‪ ،)1164‬وأبو نعيم في الحلية (‪ ،)56 /3‬وفي صفة الجَّنة رقم (‪)255‬‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه الوليد بن مسلم فقال‪ :‬حدثنا األوزاعي به‪.‬‬
‫أخرجه البخاري في تاريخه الكبير (‪ )219 /8‬تعليًق ا‪.‬‬
‫‪ -‬قال أبو نعيم‪ :‬ورواُه غيره عن األوزاعي عن هارون فقال‪ :‬حدثني من سمع أنًس ا‪= .‬‬

‫(‪)1/315‬‬

‫وقال الترمذي‪ :‬حدثنا سويد بن نصر حدثنا عبد الَّله بن المبارك عن ِر ْش ِد ين بن سعد عن عمرو بن‬
‫الحارث أَّن دَّر اًج ا أبا الَّس ْم ِح حَّدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الَّلُه عنه قال‪ :‬قال‬
‫رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬من ماَت من أهل الجَّنة من صغيٍر أو كبيٍر ُيرُّدوَن بني‬
‫ثالثين سنة في الجَّنة (‪ )1‬ال يزيدون عليها أبًد ا‪ ،‬وكذلك أهل الَّنار" (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫= ‪ -‬ورواُه رَّو اد بن الجَّر اح عن األوزاعي به وزاد في متنه شيًئا‪ ،‬وسيأتي عند المؤلف‪.‬‬
‫أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)220‬‬
‫وهذه الرواية منكرة‪ ،‬ورَّو اد بن الجَّر اح تغير واختلط‪ ،‬فجاء بمناكير‪ ،‬وهذا منها؛ لمخالفته عمر‬
‫والوليد بن مسلم‪ ،‬وعليه فالحديث إسناده ضعيف؛ لعدم معرفة الواسطة بين أنس وهارون‪ ،‬والَّلُه‬
‫أعلم‪.‬‬
‫وقال الهيثمي "إسناده جِّيد"‪ .‬انظر‪ :‬مجمع الزوائد (‪.)399 /10‬‬
‫(‪ )1‬قوله‪" :‬بني ثالثين سنة في الجَّنة"‪ ،‬في الترمذي "أبناء ثالثين في الجَّنة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الترمذي برقم (‪ ،)2562‬وابن المبارك في الزهد ‪-‬رواية نعيم‪ -‬وابن أبي الدنيا في‬
‫صفة الجَّنة رقم (‪ ،)17‬والبغوي في شرح السنة (‪ /15‬رقم ‪.)4381‬‬
‫‪ -‬ورواُه عبد الَّله بن وهب عن عمرو بن الحارث به مثله‪.‬‬
‫أخرجه ابن أبي داود في البعث رقم (‪ ،)78‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪.)259‬‬
‫‪ -‬ورواُه ابن لهيعة عن دَّر اج به فقال فيه "ستين" بداًل من "ثالثين" وهو من أوهامه‪.‬‬
‫أخرجه أبو يعلى في مسنده (‪ /2‬رقم ‪ ،)1405‬والحديث ضعيف اإلسناد‪ ،‬من أجل رواية دَّر اج‬
‫عن أبي الهيثم‪ ،‬كما تقَّدم في الباب (‪ )10‬ص (‪.)119‬‬
‫وقال الترمذي‪" :‬هذا حديث غريب‪ ،‬ال نعرفه إاَّل من حديث رشدين"‪.‬‬

‫(‪)1/316‬‬

‫فإن كان هذا محفوًظا لم يناقض ما قبله‪ ،‬فإَّن العرب إذا قَّدرت بعَد ٍد له نِّيف؛ فإَّن لهم طريقين‪:‬‬
‫تارًة يذكرون الَّنيف للتحرير‪ ،‬وتارًة يحذفونه‪ ،‬وهذا معروف في كالمهم‪ ،‬وخطاب غيرهم من‬
‫األمم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي الدنيا‪ :‬حدثنا القاسم بن هاشم (‪ )1‬حدثنا صفوان بن صالح حدثنا رَّو اد بن الجراح‬
‫العسقالني حدثنا األوزاعي عن هارون بن رئاب عن أنس بن مالك رضي الَّلُه عنه قال‪ :‬قال رسول‬
‫الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬يدخل أهُل الجَّنة الجَّنة على طول آدم ستين ذراًعا بذراع الملك‪،‬‬
‫على ُحْس ِن يوسف‪ ،‬وعلى ميالد عيسى ثالٍث وثالثين سنة‪ ،‬وعلى لسان محمد ُجْر د ُمْر د‬
‫ُمكَّح لون"‪.‬‬
‫وقال ابن وهب‪ :‬حدثني معاوية بن صالح عن عبد الوهاب بن ُبْخ ت عن أبي الِّز ناد عن األعرج‬
‫عن أبي هريرة رضي الَّلُه عنه أَّن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إَّن أهل الجَّنة‬
‫يدخلون الجَّنة على قدر آدم ستون ذراًعا‪ ،‬وعلى ذلك قطعْت ُس ررهم" (‪. )2‬‬
‫وقد تقَّدم (‪ )3‬أَّن أَّو ل زمرة صورهم على صورة القمر ليلة البدر‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬وقع في "د‪ ،‬هـ" ونسخة على حاشية "أ"‪" :‬هشام"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة (‪ )92 /2‬تحت رقم (‪.)248‬‬
‫‪ -‬ورواه أبو صالح وأبو زرعة وهمام بن منبه عن أبي هريرة مطواًل ‪ ،‬وليس فيه "وعلى ذلك‬
‫قطعت سررهم"‪.‬‬
‫أخرجه البخاري رقم (‪ 3148‬و ‪ ،)3149‬ومسلم رقم (‪ 2834‬و ‪ )2841‬وغيرهما‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ص (‪.)231‬‬

‫(‪)1/317‬‬
‫وأَّن الذين يلونهم على ضوء أشِّد كوكٍب في الَّس ماِء إضاءًة‪.‬‬
‫وأَّم ا األخالق فقد قال تعالى‪َ{ :‬و َنَز ْعَنا َم ا ِفي ُصُد وِر ِه ْم ِم ْن ِغ ٍّل ِإْخ َو اًنا َعَلى ُس ُر ٍر ُمَتَق اِبِليَن (‪} )47‬‬
‫[الحجر‪ ،]47 :‬فأخبر عن قلوبهم (‪ )1‬وتالقي وجوههم‪.‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪" : )2‬أخالقهم على َخ ْلق رجٍل واحد‪ ،‬على صورة أبيهم آدم ستون ذراًعا في‬
‫السماء"‪.‬‬
‫الرواية "على َخ ْلق" ‪-‬بفتح الخاء وسكون الالم‪ -‬واألخالق كما تكون جمًعا للُخ لق بالضم‪ ،‬فهي‬
‫جمع للَخ لق بالفتح‪ ،‬والمراد‪ :‬تساويهم في الطول والعرض والسن‪ ،‬وإن تفاوتوا في الحسن‬
‫والجمال‪ ،‬ولهذا فسره بقوله‪" :‬على صورة أبيهم آدم ستون ذراًعا في السماء"‪.‬‬
‫وأما أخالقهم وقلوبهم ففي "الصحيحين" (‪ )3‬من حديث أبي هريرة ‪-‬رضي الَّله عنه‪" :-‬أول‬
‫زمرة تلج الجنة" الحديث‪ .‬وقد تقدم وفيه‪" :‬ال اختالف بينهم وال تباغض‪ ،‬قلوبهم على قلب‬
‫واحد‪ ،‬يسبحون الَّله بكرة وعشًيا"‪.‬‬
‫وكذلك وصف الَّله سبحانه وتعالى نسائهم بأنهَّن أتراب‪ .‬أي‪ :‬في ِس ٍّن واحدة‪ ،‬ليس فيهن العجائز‬
‫والشواب‪ )4( ،‬وفي هذا الطول‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب"‪" :‬تالقي قلوبهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تقدم في الباب (‪ )27‬ص (‪.)232 - 231‬‬
‫(‪ )3‬تقدم في الباب (‪ )27‬ص (‪.)231‬‬
‫(‪ )4‬في نسخٍة على حاشية "د"‪" :‬والتَّو اب"‪.‬‬

‫(‪)1/318‬‬

‫والعرض والسن من الحكمة ما ال يخفى‪ ،‬فإنه أبلغ وأكمل في استيفاء اللذة؛ ألنة أكمل سن القوة‬
‫مع عظم آالت اَّللذة‪ ،‬وباجتماع األمرين يكون كمال اللذة وقوتها‪ ،‬بحيث يصل في اليوم الواحد‬
‫إلى مئة عذراء‪ ،‬كما سيأتي إن شاء الَّله تعالى (‪ ، )1‬وال يخفى التناسب الذي بين هذا الطول‬
‫والعرض‪ ،‬وأنه لو زاد أحدهما على اآلخر فات االعتدال وَتَناُس ب الِخ ْلقة‪ ،‬يصير طواًل مع ِد َّقٍة‪ ،‬أو‬
‫غلًظا مع قصر‪ ،‬وكالهما غير مناسب‪ ،‬والَّله أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سيأتي في (ص‪.)517 ،506 - 502 /‬‬

‫(‪)1/319‬‬

‫الباب األربعون في ذكر أعلى أهل الجَّنة منزلة وأدناهم‪ ،‬وأعالهم منزلة سِّيد ولِد آدم صلوات‬
‫الَّلِه وسالمه عليه‬
‫َك َّل الَّلُه َف ْع َض ُه َد اٍت‬ ‫ِم‬ ‫ِت‬
‫قال تعالى‪ْ { :‬لَك الُّر ُس ُل َفَّضْلَنا َبْع َض ُه ْم َعَلى َبْع ٍض ْنُه ْم َمْن َم َو َر َع َب ْم َرَج‬
‫َو آَتْيَنا ِع يَس ى اْبَن َمْر َيَم اْلَبِّيَناِت } [البقرة‪.]253 :‬‬
‫قال مجاهد وغيره‪ِ{ :‬م ْنُه ْم َمْن َك َّلَم الَّلُه}‪ :‬موسى {َو َر َفَع َبْع َض ُه ْم َدَرَج اٍت }‪ :‬هو محمد ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪.)1( -‬‬
‫وفي حديث اإلسراء المتفق على صحته‪ :‬أنه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬لما جاور موسى قال‪:‬‬
‫"رب لم أظن أن ُيرَفع عَلَّي أحد"‪ ،‬ثم عال فوق ذلك بما ال يعلمه إال الَّله‪ ،‬حتى جاوز سدرة‬
‫المنتهى" (‪.)2‬‬
‫وفي "صحيح مسلم" (‪ )3‬من حديث عمرو بن العاص ‪-‬رضي الَّله عنهما‪ ،-‬أنه سمع الَّنبي ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬يقول‪" :‬إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول‪ ،‬ثم صلوا علَّي ‪ ،‬فإنه من‬
‫صلى علَّي صالًة صَّلى الَّله عليه عشًر ا (‪ ،)4‬ثم سلوا لي الوسيلة‪ ،‬فإنها منزلٌة في الجنة ال تنبغي‬
‫إاَّل لعبٍد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (‪ )483 /2‬رقم (‪ ،)2553‬والطبري في تفسيره (‪.)1 /3‬‬
‫وسنده حسن‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)7079‬واللفظ له‪ ،‬ومسلم رقم (‪ )162‬من حديث أنس رضي الَّلُه‬
‫عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬رقم (‪.)384‬‬
‫(‪ )4‬في مسلم "بها عشًر ا"‪.‬‬

‫(‪)1/320‬‬
‫من عباد الَّله‪ ،‬وأرجو أن أكون أنا هو‪ ،‬فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة"‪.‬‬
‫وفي "صحيح مسلم" (‪ : )1‬من حديث المغيرة بن شعبة ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله‬
‫عليه وسلم‪" :-‬أَّن موسى سأَل رَّبُه‪ :‬ما أدنى أهل الجَّنة منزلًة؟ فقال‪ :‬رجٌل يجيء بعدما دخل أهل‬
‫الجَّنِة الجَّنَة‪ ،‬فيقال له‪ :‬ادخِل الجَّنة‪ ،‬فيقول‪ :‬رِّب كيف‪ ،‬وقد نزل الَّناُس منازلهم‪ ،‬وأخذوا‬
‫أخذاتهم؟ فيقال له‪ :‬أترضى أْن يكون لك مثل َم ِلٍك (‪ )2‬من ملوك الدنيا‪ ،‬فيقول‪ :‬رضيُت رِّب ‪،‬‬
‫فيقول له‪ :‬لك ذلك‪ ،‬ومثله‪ ،‬ومثله‪ ،‬ومثله‪ ،‬ومثله‪ ،‬فقال في الخامسة‪ :‬رضيت رِّب ‪ ،‬فيقول‪ :‬هذا‬
‫لك وعشرة أمثاله‪ ،‬ولك ما اشتهت نفسك ولَّذ ت عينك‪ ،‬فيقول (‪ : )3‬رضيُت رِّب ‪ .‬قال‪ :‬رِّب‬
‫فأعالهم منزلًة؟ قال‪ :‬أولئك اَّلذين أردت‪ ،‬غرسُت كرامتهم بيدَّي ‪ ،‬وختمُت عليها فلم تَر عيٌن ‪،‬‬
‫ولم تسمع أذٌن ‪ ،‬ولم يخطر على قلب بشر"‪.‬‬
‫وقال الترمذي‪ :‬حدثنا عبد بن حميد أخبرنا َش َباَبة عن إسرائيل عن ثوير قال‪ :‬سمعت ابن عمر‬
‫رضي الَّلُه عنهما يقول‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إَّن أدنى أهل الجَّنة منزلًة لمن‬
‫ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وُس رِر ِه مسيرة ألِف سنة‪ ،‬وأكرمهم على الَّلِه من ينظر إلى‬
‫وجهه ُغدوًة وعشيًة‪ ،‬ثَّم قرأ رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ُ{ :-‬وُج وٌه َيْو َمِئٍذ َناِض َر ٌة (‪)22‬‬
‫ِإَلى َر ِّبَه ا َناِظ َر ٌة (‪} )23‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رقم (‪.)189‬‬
‫(‪ )2‬في مسلم‪" :‬مثل ُمْلِك َم ِلٍك "‪.‬‬
‫(‪ )3‬من قوله "رضيت رب‪ ،‬فيقول‪ :‬هذا لك وعشرة" إلى "فيقول" من مسلم‪ ،‬وقد سقط من‬
‫جميع النسخ‪.‬‬

‫(‪)1/321‬‬

‫[القيامة‪. )1( " ]23 - 22 :‬‬


‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الترمذي برقم (‪ 2553‬و ‪ ،)3330‬وعبد بن حميد في مسنده "المنتخب رقم‬
‫‪ ،"817‬واآلجري في الشريعة (‪ 620‬و ‪ ،)621‬والَّدارقطني في الرؤية رقم (‪ 172 - 170‬و‬
‫‪ )174‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق إسرائيل عن ثوير به كما تقدم‪.‬‬
‫ورواُه عبد الملك بن أبجر‪ ،‬واختلف عليه‪.‬‬
‫‪ -‬فرواُه أبو معاوية عن عبد الملك بن أبجر عن ثوير عن ابن عمر فذكره مرفوًعا‪.‬‬
‫أخرجه أحمد (‪ ،)13 /2‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)97‬والَّدارقطني في الرؤية رقم (‬
‫‪ ،)173‬وأبو الشيخ في العظمة رقم (‪ ،)604‬والطبراني كما ذكره المؤِّلف‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫قلُت ‪ :‬وهذا خطأ‪ ،‬أخطأ فيه أبو معاوية‪ ،‬وهو كثير الخطأ عن غير األعمش‪ ،‬ويحتمل من اضطراب‬
‫ثوير وهو ضعيف‪.‬‬
‫خالفه حسين بن علي الجعفي فوقفه‪.‬‬
‫‪ -‬فرواُه حسين عن عبد الملك عن ثوير عن ابن عمر موقوًفا من قوله‪.‬‬
‫أخرجه ابن أبي شيبة (‪ )58 /7‬رقم (‪ ،)33989‬واَّلاللكائي في شرح أصول االعتقاد رقم (‬
‫‪.)866‬‬
‫‪ -‬ورواُه الثوري ‪ -‬في الرواية الَّر اجحة عنه ‪ -‬عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر موقوًفا‪.‬‬
‫أخرجه الترمذي بعد حديث رقم (‪ ،)2553‬والطبري في تفسيره (‪.)193 /29‬‬
‫‪ -‬ورواُه أبو مريم عن ثوير أَّن رجاًل حَّدثه كان عند ابن عمر فذكره مرفوًعا‪.‬‬
‫أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪.)451‬‬
‫‪ -‬ورواُه األعمش عن ثوير عن ابن عمر قوله بنحوه ولم يذكر الرؤية‪.‬‬
‫أخرجه ابن أبي شيبة (‪ )62 /7‬رقم (‪ ،)34013‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة (‪.)34‬‬
‫فهذا االضطراب فيما يظهر من ثوير بن أبي فاخته ‪-‬وهو ضعيف‪ -‬بل ضعفه بعضهم جًّدا واَّتهمه‬
‫بالكذب‪ ،‬وهو متجه هنا‪ ،‬خاصة والحديث مداره على ثوير =‬

‫(‪)1/322‬‬

‫قال‪" :‬وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن إسرائيل عن ثوير عن ابن عمر مرفوًعا (‪. )1‬‬
‫قال‪ :‬ورواُه عبد الملك بن أبجر‪ ،‬عن ُثوْير‪ ،‬عن ابن عمر‪ :‬موقوًفا‪ .‬ورواُه عبيد الَّله األشجعي عن‬
‫سفيان عن ُثوير عن مجاهد عن ابن عمر نحو‪ ،‬ولم يرفعه"‪.‬‬
‫قلُت ‪ :‬ورواه الطبراني في "معجمه" من حديث أبي معاوية عن عبد الملك بن أبجر عن ثوير عن‬
‫ابن عمر مرفوًعا‪" :‬إَّن أدنى أهل الجَّنة منزلًة لرجل ينظر في ملكه ألفي سنة‪ ،‬يرى أقصاه كما يرى‬
‫أدناُه‪ ،‬ينظر إلى أزواجه وسرره وخدمه" الحديث‪.‬‬
‫ورواُه أبو نعيم عن إسرائيل عن ثوير قال‪ :‬سمعُت ابن عمر‪.‬‬
‫قال إسرائيل‪ :‬ال أعلم ثويًر ا إاَّل رفعه إلى الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪.-‬‬
‫وقال اإلمام أحمد‪ :‬حدثنا حسن هو‪ :‬ابن موسى‪ ،‬حدثنا ُس َك ين بن عبد العزيز‪ ،‬حدثنا أبو األشعث‬
‫الضرير‪ ،‬عن شهر بن حوشب‪ ،‬عن أبي‬
‫__________‬
‫= هذا وهو رافضي متفٌق على ضعفه‪.‬‬
‫والحديث ضعفه الترمذي بقوله "غريب" والذهبي والهيثمي وغيرهم‪.‬‬
‫انظر مختصر استدراك الذهبي على مستدرك الحاكم البن الملقن (‪ ،)968 /2‬ومجمع الزوائد (‬
‫‪.)401 /10‬‬
‫والثابت عن ابن عمر‪ :‬ما رواه ابن عون عن محمد بن سيرين قال‪ :‬إَّن أدنى أهل الجَّنة منزلًة‪ ،‬لَم ن‬
‫يقال له تمَّن ‪ ،‬ويذِّك ره أصحابه‪ ،‬فيقال له‪ :‬هولك ومثله معه‪ ،‬قال محمد بن سيرين‪ :‬قال ابن عمر‪:‬‬
‫"هو لك وعشرة أمثاله‪ ،‬وعند الَّله المزيد"‪.‬‬
‫أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ )36‬وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )1‬في جميع النسخ "غير مرفوع" وهو خطأ‪ ،‬والتصويب من الترمذي‪.‬‬

‫(‪)1/323‬‬

‫هريرة ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إن أدنى أهل الجنة‬
‫منزلة من له سبع درج‪ ،‬وهو على السادسة‪ ،‬وفوقه السابعة‪ ،‬وإن له لثالث مئة خادم‪ ،‬وُيْغَد ى عليه‬
‫وُيراح كل يوم بثالث مئة صحفة ‪-‬وال أعلمه إال قال‪ -‬من ذهب‪ ،‬في كل صحفة لون ليس في‬
‫اُألخرى‪ ،‬وإنه ليَلّذ أوله كما يلذ آخره‪ ،‬ومن األشربة ثالث مئة إناء‪ ،‬في كل إناء لون ليس في‬
‫اآلخر‪ ،‬وإَّنه ليلذ أوله كما يلذ آخره‪ ،‬وإنه ليقول‪ :‬يا رب لو أذنت لي ألطعمت أهل الجنة‬
‫وسقيتهم لم ينقص مَّم ا عندي شيء‪ ،‬وإن له من الحور العين الثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه‬
‫من الدنيا‪ ،‬وإن الواحدة منهن ليأخذ مقعدها قدر ميل من األرض" (‪. )1‬‬
‫قلت‪ :‬سكين بن عبد العزيز‪ :‬ضعفه النسائي (‪ . )2‬وشهر بن حوشب‪ :‬ضعفه مشهور‪.‬‬
‫والحديث منكر‪ ،‬مخالف لألحاديث الصحيحة (‪: )3‬‬
‫‪ -‬فإن طول ستين ذراًعا ال يحتمل أن يكون مقعدة صاحبه بقدر ميل من األرض‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في مسنده (‪ ،)537 /2‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪.)229‬‬
‫والحديث كما قال المؤِّلف منكر‪.‬‬
‫قال ابن كثير‪" :‬تفَّر د به أحمد‪ ،‬وهو غريب‪ ،‬وفيه انقطاع"‪.‬‬
‫(‪ )2‬وضعفه أيًض ا أبو داود والَّدارقطني‪ ،‬ووَّثقه ابن معين والعجلي والطنافسي‪ ،‬وقال أبو حاتم‬
‫وابن عدي‪" :‬ال بأس به"‪.‬‬
‫انظر ترجمته في تهذيب الكمال (‪ ،)211 - 210 /11‬والكامل البن عدي (‪- 462 /3‬‬
‫‪.)463‬‬
‫(‪ )3‬في "هـ" "األحاديث الِّص حاح"‪.‬‬

‫(‪)1/324‬‬

‫‪ -‬والذي في "الصحيحين" (‪ ، )1‬في أول زمرة تلج الجنة‪" :‬لكل امرئ منهم زوجتان من الحور‬
‫العين"‪ ،‬فكيف يكون ألدناهم ثنتان وسبعون؟‬
‫‪ -‬وأقل ساكني الجنة نساء الدنيا (‪ ، )2‬فكيف يكون ألدنى أهل الجنة جماعة منهن؟‬
‫‪ -‬وأيًض ا فإن الجنتين الذهبيتين أعلى من الفضيتين (‪ )3‬؟ فكيف يكون أدناهم في الذهبيتين؟‪.‬‬
‫قال الدوالبي‪" :‬شهر بن حوشب ال يشبه حديثه حديث الَّناس"‪ .‬وقال ابن عون‪" :‬إَّن شهًر ا‬
‫نزكوه"‪ .‬وقال النسائي وابن عدي‪" :‬ليس بالقوي"‪ .‬وقال أبو حاتم‪" :‬ال يحتج به"‪ .‬وتركه شعبة‬
‫ويحيى بن سعيد‪ ،‬وهذان من أعلم الناس بالحديث‪ ،‬ورواته وعلله‪ ،‬وإن كان غير هؤالء‪ ،‬قد وثقه‬
‫وحَّس ن حديثه‪ ،‬فال ريب أنه إذا تفرد بما يخالف ما رواه الثقات لم يقبل (‪ . )4‬والَّله أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تقدم ص (‪.)256‬‬
‫(‪ )2‬تقدم ص (‪.)260 - 258‬‬
‫(‪ )3‬راجع الباب (‪ )22‬ص (‪.)211 - 206‬‬
‫(‪ )4‬انظر ترجمته وأقوال أئمة والتعديل فيه في تهذيب الكمال (‪.)589 - 578 /12‬‬
‫(‪)1/325‬‬

‫الباب الحادي واألربعون في تحفة أهل الجَّنة إذا دخلوها‬


‫روى مسلم في "صحيحه" (‪ )1‬من حديث ثوبان قال‪ :‬كنُت قائًم ا عند رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله‬
‫عليه وسلم‪ ،-‬فجاء َح ْبٌر من أحبار اليهود فقال‪ :‬السالم عليَك يا محمد‪ ،‬فدفعته دفعًة كاد يصرع‬
‫منها‪ ،‬فقال‪ :‬لم تدفعني؟ فقلُت ‪ :‬أال تقول يا رسول الَّله؟ فقال اليهودي‪ :‬إَّنما ندعوه باسمه اَّلذي‬
‫سَّم اه به أهله‪ ،‬فقال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إَّن اسمي محمد اَّلذي سماني به أهلي"‬
‫فقال اليهودي‪ :‬جئت أسألك‪ ،‬فقال له رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ :-‬أينفعك شيٌء إْن‬
‫حَّدثتَك ؟ فقال‪ :‬أسمُع بأذني‪ ،‬فنكَت رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬بعوٍد معه في األرض‪،‬‬
‫فقال‪ :‬سل؟ فقال اليهودي‪ :‬أين يكون الَّناُس يوَم تبدل األرُض غير األرض والسماوات؟ فقال‬
‫رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ :-‬هم في الظلمة دون الجسر‪ ،‬قال‪ :‬فمن أَّو ل الَّناس إجازًة‬
‫يوم القيامة؟ قال‪ :‬فقراء المهاجرين‪ ،‬قال اليهودي‪ :‬فما ُتْح فتهم حين يدخلون الجَّنة؟ قال‪ :‬زيادة‬
‫كبد النون‪ ،‬قال‪ :‬فما ِغ ذاؤهم على إثره (‪)2‬؟ قال‪ :‬ينحر لهم ثور الجَّنة اَّلذي كان يأكل من‬
‫أطرافها‪ ،‬قال‪ :‬فما شرابهم عليه؟ قال‪ :‬من عيٍن فيها ُتسَّم ى سلسبياًل ‪ ،‬قال‪ :‬صدقت‪ ،‬قال‪ :‬وجئُت‬
‫أسألك عن شيٍء ال يعلمه أحد من أهل األرض إاَّل نبي‪ ،‬أو رجل أو رجالن‪ ،‬قال‪ :‬ينفعك إْن‬
‫حدثتك؟ قال‪ :‬أسمع بُأُذنَّي ‪ ،‬قال‪ :‬جئت أسألك عن الولد؟‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رقم (‪.)315‬‬
‫(‪ )2‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬هـ"‪" :‬إثرها"‪.‬‬

‫(‪)1/327‬‬

‫قال‪ :‬ماء الرجل أبيُض ‪ ،‬وماُء المرأة أصفُر ‪ ،‬فإذا اجتمعا فعال منُّي (‪ )1‬الرجل منَّي المرأة أذكرا‬
‫بإذن الَّله تعالى‪ ،‬وإن عال مني المرأة منَّي الرجل آنثا بإذن الَّله تعالى‪ ،‬فقال اليهودي‪ :‬لقد صدقت‬
‫وإَّنك لنبي ثَّم انصرف‪ ،‬فقال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ :-‬لقد سألني هذا عن اَّلذي‬
‫سألني عنه ومالي علٌم بشيٍء منه‪ ،‬حَّتى أتاني الَّله عَّز وجل به"‪.‬‬
‫وفي "صحيح البخاري" (‪ )2‬عن أنس رضي الَّله عنه قال‪ :‬سمع عبُد الَّلِه بن سالم َمْق َد م الَّنبي ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬المدينة‪ ،‬وهو في أرٍض َيْخ َتِر ُف ‪ ،‬فأتى الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪-‬‬
‫فقال‪ :‬إِّني سائلَك عن ثالث ال يعلمهَّن إاَّل نبي‪ ،‬فما أَّو ل أشراط الَّس اعة؟ وما أَّو ل طعام أهل‬
‫الجَّنة؟ وما ينزع الولُد إلى أبيه أو ُأِّمِه؟ قال‪ :‬أخبرني بهَّن جبريل آنًف ا‪ ،‬قال جبريل؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‬
‫ذاك عدُّو اليهود من المالئكة‪ ،‬فقرأ هذه اآلية‪ُ{ :‬قْل َمْن َك اَن َعُد ًّو ا ِلِج ْبِر يَل َفِإ َّنُه َنَّزَلُه َعَلى َقْلِبَك‬
‫ِبِإ ْذِن الَّلِه} [البقرة‪ ،]97 :‬أَّما أَّو ل أشراط الَّس اعة‪ :‬فناٌر تحشر الَّناس من المشرق إلى المغرب‪،‬‬
‫وأَّما أَّو ل طعام يأكله أهل الجَّنة‪ :‬فزيادة كبِد الحوت‪ ،‬وإذا سبق ماُء الرجل ماَء المرأة نزع الولُد ‪،‬‬
‫وإذا سبق ماُء المرأة ماَء الرجل نزعت الولد (‪ ، )3‬قال‪ :‬أشهد أْن ال إله إاَّل الَّله وأشهد أَّنك‬
‫رسول الَّله‪ ،‬يا رسول الَّله‪ ،‬إَّن اليهود قوٌم بهٌت ‪ ،‬وإَّنهم إْن يعلموا بإسالمي قبل أْن تسألهم بهتوني‪،‬‬
‫فجاءِت اليهود‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "أ"‪" :‬فعال ماء مني" ولفظه "ماء" ليست في مسلم‪ ،‬وال باقي النسخ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رقم (‪.)3723‬‬
‫(‪ )3‬قوله "وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد" من البخاري‪ ،‬وفي جميع النسخ‪" ،‬وإذا‬
‫سبق ماء المرأة نزعت"‪.‬‬

‫(‪)1/328‬‬

‫فقال‪ :‬أُّى رجٍل عبُد الَّلِه فيكم؟ قالوا‪ :‬خيرنا وابن خيرنا‪ ،‬وسيدنا وابن سيدنا‪ ،‬قال‪ :‬أفرأيتم إن‬
‫أسلم عبُد الَّله؟ فقالوا‪ :‬أعاذه الَّله من ذلك‪ ،‬فخرج عبد الَّله فقال‪ :‬أشهد أْن ال إله إاَّل الَّله وأشهد‬
‫أَّن محمد رسول الَّله‪ ،‬فقالوا‪َ :‬ش ُّر نا وابُن شِّر نا وانتقصوه‪ ،‬فقال‪ :‬هذا اَّلذي كنُت أخاف يا رسول‬
‫الَّلِه"‪.‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪ )1‬من حديث عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الَّله عنه قال‪ :‬قال‬
‫رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬تكون األرض يوم القيامة ُخ بزًة واحدًة يتكَّف ؤها الجَّبا بيدِه‬
‫ُر‬
‫كما يتكَّف أ أحدكم ُخ بزته في الَّس فر ُنُز اًل ألهِل الجَّنة‪ ،‬فأتى رجٌل من اليهود فقال‪ :‬بارك الرحمن‬
‫عليك يا أبا القاسم‪ ،‬أال أخبرك بنزل أهل الجَّنة يوم القيامة؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬تكون األرض ُخ بزًة‬
‫واحدًة‪ ،‬كما قال الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬فنظر الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬إلينا ثَّم‬
‫ضحك حتى بدت نواجذه‪ ،‬ثَّم قال‪ :‬أال أخبرك بإدامهم؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬إدامهم باالٌم وُنوٌن ‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وما هذا؟ قال‪ :‬ثور ونون يأكل من زيادة كبدهما سبعون ألًف ا"‪.‬‬
‫قال عبد الَّله بن المبارك‪ :‬أخبرنا ابن لهيعة‪ ،‬حدثني يزيد بن أبي حبيب أَّن أبا الخير أخبره أَّن أبا‬
‫العوام أخبره أَّنه سمع كعًبا يقول‪" :‬إَّن الَّلَه عَّز وجَّل يقول ألهل الجَّنة إذا دخلوها‪ :‬إَّن لكِّل ضيٍف‬
‫َج زوًر ا‪ ،‬وإِّني أْج ِز َر كم اليوَم‪ ،‬فيؤتى بثوٍر وحوٍت ‪ ،‬فُيجَز ُر ألهل الجَّنة" (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري في صحيحه رقم (‪ ،)6155‬ومسلم رقم (‪.)2792‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن المبارك في الزهد ‪-‬رواية ُنعيم بن حماد‪ -‬رقم (‪ ،)432‬وأخرجه ابن أبي الدنيا‬
‫في صفة الجَّنة برقم (‪= .)111‬‬

‫(‪)1/329‬‬

‫الباب الثاني واألربعون في ذكر ريح الجَّنة‪ ،‬ومن مسيرة كم ُيْنَش ق‬


‫قال الطبراني‪ :‬حدثنا موسى بن خازم األصبهاني‪ ،‬حدثنا محمد بن ُبكير (‪ )1‬الحضرمي‪ ،‬حدثنا‬
‫مروان بن معاوية الفزاري عن الحسن بن عمرو عن مجاهد عن ُج َنادة بن أبي ُأمية عن عبد الَّله بن‬
‫عمرو رضي الَّله عنهما عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬من قتل قتياًل من أهل الذمة لم‬
‫َيَر ْح رائحة الجَّنة‪ ،‬وإَّن ريحها ليوجد من مسيرة مئة عام" (‪.)2‬‬
‫__________‬
‫= وسنده ال بأس به‪ ،‬وأبو العوام مؤَّذن إيليا تابعي‪ ،‬صاَح َب عمر بن الخطاب ومعاًذا روى عنه‬
‫جماعة‪ ،‬وذكره ابن حبان في الثقات‪ .‬وابن لهيعة ضعيف؛ لكن ال بأس به في غير األحاديث‬
‫المرفوعة؛ إذا صَّر ح بالتحديث‪ ،‬وكان من رواية أحد العبادلة‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬سقط من الزهد البن المبارك‪" :‬نا ابن المبارك"؛ ألَّن ُنَعيًم ا لم يسمع من ابن لهيعة‪.‬‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬د" "بن أبي بكر" بداًل من "بن بكير" وهو خطأ‪ ،‬وفي "هـ" "بن بكر" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبراني لعَّله في المعجم الكبير ‪-‬في القسم المفقود‪.-‬‬
‫وهذه الرواية خطأ‪:‬‬
‫فقد خولف محمد بن بكير الحضرمي في قوله "مائة عام"‪.‬‬
‫فرواُه‪:‬‬
‫‪ - 1‬عبد الرحمن بن إبراهيم "دحيم"‪ ،‬عند النسائي (‪ )25 /8‬وغيره‪.‬‬
‫‪ - 2‬وإسماعيل بن محمد المعَّق ب "ثقة"‪ ،‬عند أحمد (‪.)186 /2‬‬
‫‪ - 4 - 3‬وأيوب الوزان ويعقوب‪ ،‬عند ابن أبي عاصم في الِّديات ص (‪.)86‬‬
‫‪ - 5‬وعلي بن مسلم الطوسي‪ ،‬عند الحاكم في المستدرك (‪ )137 /2‬رقم =‬

‫(‪)1/330‬‬

‫ورواُه البخاري في "الصحيح" عن قيس بن حفص عن عبد الواحد ابن زياد عن الحسن بن عمرو‬
‫الُفَق يمي عن مجاهد عن عبد الَّله بن عمرو رضي الَّله عنهما ولم يذكر بينهما جنادة‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫"ليوجد من مسيرة أربعين عاًما"‪.‬‬
‫وقال الترمذي‪ :‬حدثنا محمد بن بشار حدثنا معدي بن سليمان هو البصري عن ابن عجالن عن‬
‫أبيه عن أبي هريرة رضي الَّله عنه عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬أال من قتل نفًس ا‬
‫معاهًد ا له ِذ َّمُة الَّلِه وذَّمُة رسوله‪ ،‬فقد أخفر بذَّمة الَّلِه‪ ،‬فال يرح رائحة الجَّنة‪ ،‬وإَّن ريحها ليوجد من‬
‫مسيرة سبعين خريًف ا" (‪. )1‬‬
‫__________‬
‫= (‪)2580‬‬
‫لكن فيه "‪ . . .‬ليوجد من كذا وكذا"‪.‬‬
‫‪ - 6‬وابن أبي عمر العدني‪ ،‬عند البيهقي في السنن (‪.)205 /9‬‬
‫كلهم عن مروان به مثله؛ لكَّنهم قالوا ‪-‬غير الطوسي‪" -‬أربعين عاًما"‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه عبد الواحد بن زياد وأبو معاوية كالهما عن الحسن بن عمرو عن مجاهد عن عبد الَّله‬
‫بن عمرو فقال‪" :‬أربعين عاًم ا"‪ ،‬كما ذكره المؤِّلف‪.‬‬
‫أخرجه البخاري في صحيحه رقم (‪ ،)2995‬وابن أبي شيبة (‪ )455 /5‬رقم (‪ ،)27938‬وابن‬
‫ماجه (‪ )2686‬وغيرهم‪.‬‬
‫وعليه فالصحيح رواية "أربعين عاًم ا"‪ ،‬وأَّم ا رواية "مائة عام" فوهم من محمد بن بكير الحضرمي‪،‬‬
‫قال أبو حاتم الَّر ازي‪" :‬صدوق عندي‪ ،‬يغلط أحياًنا"‪ ،‬وقال أبو نعيم األصبهان‪ . ." :‬وهو صاحب‬
‫غرائب"‪ ،‬ووَّثقه غير واحد‪ ،‬فلعَّل هذا مَّم ا غلط فيه والَّله أعلم‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪ )545 - 544 /24‬وفتح الباري (‪.)270 /6‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه الترمذي برقم (‪ ،)1403‬وابن ماجه (‪ ،)2687‬والحاكم (‪= )138 /2‬‬

‫(‪)1/331‬‬

‫قال‪" :‬وفي الباب عن أبي بكرة‪ ،‬وحديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" (‪. )1‬‬
‫قال محمد بن عبد الواحد‪" :‬وإسناده عندي على شرط الصحيح" (‪. )2‬‬
‫قلُت ‪ :‬وقد رواُه الطبراني من حديث عيسى بن يونس عن عوف األعرابي عن محمد بن سيرين‬
‫عن أبي هريرة يرفعه‪" :‬من قتل نفًس ا ُمعاهدة بغير حقها لم يرح رائحة الجَّنة‪ ،‬وإَّن ريح الجَّنة يوجد‬
‫من مسيرة مئة عام" (‪. )3‬‬
‫وقال الطبراني‪ :‬حدثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن الحسن أو غيره‬
‫عن أبي بكرة رضي الَّله عنه قال‪ :‬سمعُت رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬يقول‪" :‬ريُح الجَّنة‬
‫يوجُد من مسيرة مئة عام" (‪. )4‬‬
‫__________‬
‫= رقم (‪ .)2581‬قال الحاكم‪" :‬حديث أبي هريرة صحيح على شرط مسلم"‪.‬‬
‫والحديث صححه الترمذي والحاكم والضياء المقدسي كما نقله المؤِّلف‪.‬‬
‫(‪ )1‬وزاد "وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪."-‬‬
‫(‪ )2‬انظر صفة الجَّنة له ص (‪.)147‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الطبراني في األوسط (‪ )198 /1‬رقم (‪.)663‬‬
‫قال الطبراني‪" :‬لم يرو هذا الحديث عن عوف إاَّل عيسى"‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه محمد بن مهران الجمال عن عيسى بن يونس به نحوه‪.‬‬
‫أخرجه أبو بكر اإلسماعيلي في معجمه برقم (‪ ،)726 - 725 /2‬والسهمي في تاريخ جرجان‬
‫ص (‪ ،)323‬والطبراني في األوسط (‪ )65 - 64 /6‬رقم (‪.)8011‬‬
‫والحديث ظاهر سنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه عبد الرزاق في المصنف (‪ /10‬رقم "‪ ،)"19712‬وأحمد في المسند =‬

‫(‪)1/332‬‬
‫‪.........................‬‬
‫__________‬
‫= (‪ ،)46 /5‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ )193‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن أبي بكرة رفعه‪ ،‬وفيه‪" :‬خمس مئة عام"‪.‬‬
‫أخرجه الطبراني في األوسط رقم (‪ )2923‬وال يثبت‪.‬‬
‫‪ -‬ورواه جماعة عن الحسن عن أبي بكرة نحوه‪ ،‬وفيه "خمس مئة عام"‪.‬‬
‫أخرجه عبد الرزاق (‪ ،)18522‬وابن حبان (‪ ،)7383‬والطبراني في األوسط (‪ ،)431‬وال يثبت‬
‫عن الحسن منها شيء‪.‬‬
‫‪ -‬ورواه جماعة عن يونس عن الحسن عن أبي بكرة‪ ،‬واضطربوا في لفظه‪.‬‬
‫أخرجه النسائي (‪ ،)8744‬وابن حبان (‪ 4881‬و‪ ،)7382‬والحاكم (‪ )105 /1‬رقم (‪.)134‬‬
‫والصواب ‪-‬في حديث يونس‪ -‬ما رواه الحَّف اظ‪ :‬كالثوري وابن ُعلَّية ويزيد بن زريع وغيرهم‪،‬‬
‫كلهم عن يونس بن عبيد عن الحكم بن األعرج عن األشعث بن ُثْر ملة عن أبي بكرة نحوه‪ ،‬وفيه‪:‬‬
‫"‪ . .‬حَّر م الَّله عليه الجنة"‪.‬‬
‫أخرجه أحمد (‪ 36 /5‬و‪ ،)38‬وابن حبان (‪ /11‬رقم ‪ ،)4882‬وابن أبي شيبة في مصنفه (‬
‫‪ )27935‬والبخاري في تاريخه (‪ )428 /1‬وغيرهم‪.‬‬
‫قال البخاري عن هذا الطريق "أصح" يعني من طريق حماد بن سلمة‪.‬‬
‫وقال النسائي عن طريق حماد بن سلمة‪" :‬هذا خطأ‪ ،‬والصواب حديث ابن ُعلَّية‪ ." . . .‬وكذا‬
‫رَّج ح هذا الطريق الحافظ أبو علي النيسابوري‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه حميد أبو المغيرة العجلي عن األشعث بن ُثْر ُملة به نحوه‪ ،‬وفيه "حَّر م الَّله عليه ريح‬
‫الجَّنة"‪.‬‬
‫أخرجه الدوالبي في الكنى واألسماء (‪.)126 /2‬‬
‫‪ -‬ورواُه عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن عن أبيه عن أبي بكرة‪ ،‬بنحوه‪.‬‬
‫أخرجه أحمد (‪ 36 /5‬و‪ ،)38‬وأبو داود (‪ ،)2760‬والنسائي (‪.)24 /8‬‬
‫‪ -‬ورواُه عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه نحوه‪ ،‬وفيه "مائة عام" وفي رواية "خمس مئة عام"‪.‬‬

‫(‪)1/333‬‬
‫وهذه األلفاظ ال تعارض بينها بوجه‪.‬‬
‫وقد أخرجا في "الصحيحين" (‪ )1‬من حديث أنس قال‪ :‬لم يشهد َعِّم ي مع رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله‬
‫عليه وسلم‪ -‬بدًر ا‪ ،‬قال‪ :‬فشَّق عليه‪ ،‬قال‪ :‬أَّو ُل مشهٍد شهده رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪-‬‬
‫غبُت عنه‪ ،‬فإْن أراني الَّلُه مشهًد ا فيما بعُد مع رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬ليريَّن الَّله ما‬
‫أصنُع ‪ ،‬قال‪ :‬فهاَب أْن يقول غيرها‪ ،‬قال‪ :‬فشهد مع رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬يوَم‬
‫أحد‪ ،‬قال فاستقبل سعد بن معاذ فقال له‪ :‬أين؟ فقال‪ :‬واًه ا لريح الجَّنة أجده دون ُأحد‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فقاتلهم حتى ُقِتَل ‪ ،‬قال‪ :‬فوجد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية‪ ،‬فقالت أخته‬
‫عَّم ة الُّر َبِّيع بنُت النضر‪ :‬فما عرفُت أخي إاَّل بَبَنانه‪ ،‬ونزلت هذه اآلية‪ِ{ :‬م َن اْلُم ْؤ ِم ِنيَن ِر َج اٌل‬
‫َص َد ُقوا َما َعاَه ُد وا الَّلَه َعَلْيِه} [األحزاب‪ .]23 :‬قالوا‪ :‬فكانوا يرون أَّنها نزلت فيه وفي أصحابه‪.‬‬
‫وريح الجَّنة نوعان‪ :‬ريٌح يوجد في الدنيا تشُّم ه األرواح أحياًنا وال تدركه العبارة‪ ،‬وريح ُيدرك‬
‫بحاسة الشِّم لألبدان‪ ،‬كما تشم روائح األزهار وغيرها‪ ،‬وهذا يشترك أهل الجَّنة في إدراكه في‬
‫اآلخرة من قرب وُبعد‪ ،‬وأَّما في الدنيا فقد يدركه من شاء الَّلُه من أنبيائه ورسله‪ ،‬وهذا اَّلذي‬
‫وجدُه أنس بن النضر يجوز أْن يكون من هذا القسم‪ ،‬وأْن يكون‬
‫__________‬
‫= أخرجه أحمد (‪ 50 /5‬و ‪ ،)51‬وفي سنده ضعف‪.‬‬
‫والحديث ثابٌت عن أبي بكرة‪ ،‬لكن رواية "حَّر م الَّلُه عليه الجَّنة" أقوى وأصّح إسناًدا مَّم ن روى‬
‫"مئة عام" أو "خمس مئة عام" والَّله أعلم‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)2651‬ومسلم رقم (‪.)1903‬‬

‫(‪)1/334‬‬

‫من (‪ )1‬األَّو ل‪ ،‬والَّلُه أعلُم‪.‬‬


‫وقال أبو نعيم‪ :‬حدثنا محمد بن معمر حدثنا محمد بن أحمد المؤدب‪ ،‬حدثنا عبد الواحد بن‬
‫غياث أخبرنا الربيع بن بدر حدثنا هارون بن رئاب عن مجاهد عن أبي هريرة رضي الَّله عنه عن‬
‫رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬رائحة الجَّنة توجد (‪ )2‬من مسيرة خمس مئة عاٍم " (‪. )3‬‬
‫وقال الطبراني‪ :‬حدثنا محمد بن عبد الَّله الحضرمي حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن طريف‬
‫حدثنا أبي حدثنا محمد بن كثير حدثني جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي عن جابر‬
‫رضي الَّله عنه قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬ريح الجَّنة يوجد من مسيرة ألف‬
‫عام‪ ،‬والَّله ال يجدها عاٌّق ‪ ،‬وال قاطع رحم" (‪. )4‬‬
‫وقال أبو داود الطيالسي في "مسنده"‪ :‬حدثنا شعبة عن الحكم عن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪ ،‬ونسخٍة على حاشية "أ"‪.‬‬
‫(‪ )2‬كذا في جميع النسخ‪ ،‬ولفظه عند أبي نعيم "تراح رائحة الجَّنة‪." . . .‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)194‬وفي الحلية (‪ ،)307 /3‬والطبراني في الصغير‬
‫رقم (‪.)408‬‬
‫قال الهيثمي‪" :‬وفيه الربيع بن بدر وهو متروك"‪.‬‬
‫انظر مجمع الزوائد (‪ ،)148 /8‬والتقريب البن حجر رقم (‪.)1883‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الطبراني في األوسط رقم (‪ ،)5664‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة (‪ )43 /2‬رقم (‬
‫‪.)194‬‬
‫قال الهيثمي‪" :‬رواُه الطبراني في األوسط من طريق محمد بن كثير عن جابر الجعفي‪ ،‬وكالهما‬
‫ضعيف جًّدا"‪.‬‬
‫انظر مجمع الزوائد (‪.)149 - 148 /8‬‬

‫(‪)1/335‬‬

‫مجاهد عن عبد الَّله بن عمرو بن العاص رضي الَّله عنهما عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪:‬‬
‫"من اَّدعى إلى غير أبيه لم يرْح رائحة الجَّنة‪ ،‬وإَّن ريحها ليوجد من مسيرة خمسين (‪ )1‬عاًما" (‬
‫‪. )2‬‬
‫وقد أشهد الَّلُه سبحانه عباده في هذه الَّدار آثاًر ا من أثار الجَّنة‪ ،‬وأنموذًج ا منها من الرائحة‬
‫الطيبة‪ ،‬واَّللذات الُم ْش تهاة‪ ،‬والمناظر الَبهَّية‪ ،‬والفاكهة الحسنة‪ ،‬والنعيم والُّس رور‪ ،‬وُقَّر ة العين‪.‬‬
‫وقد روى أبو ُنعيم من حديث األعمش عن أبي سفيان عن جابر رضي الَّله عنه قال‪ :‬قال رسول‬
‫الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬يقول الَّلُه عَّز وجَّل للجَّنة‪ِ :‬ط ْيبي ألهلك فتزداد طيًبا‪ ،‬فذلك الَبْر د‬
‫اَّلذي يجده الَّناس بالَّس َح ِر من ذلك" (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "هـ" "خمسمائة"‪ ،‬وعند الطيالسي "سبعين" بدل "خمسين"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطيالسي في مسنده رقم (‪ ،)2388‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ )196‬وغيرهما‬
‫من هذا الطريق‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه غندر ووهب بن جرير عن شعبة به مثله‪.‬‬
‫أخرجه أحمد (‪ 171 /2‬و ‪ )194‬وغيره‪.‬‬
‫ورواُه مروان بن معاوية عن الحسن بن عمرو عن مجاهد عن جنادة بن أبي أمية عن عبد الَّله بن‬
‫عمرو فذكره وفيه "مائة عام"‪.‬‬
‫أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪.)198‬‬
‫والحديث سنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ 20‬و ‪ ،)199‬والطبراني في الصغير (‪)64 - 63 /1‬‬
‫رقم (‪.)75‬‬
‫وقال‪" :‬لم يروه عن األعمش إاَّل عمرو بن عبد الغفار‪ ،‬تفَّر د به يوسف بن =‬

‫(‪)1/336‬‬

‫كما جعل سبحانه نار الدنيا وآالمها وغمومها وأحزانها ُمذِّك رًة (‪ )1‬بنار اآلخرة‪ ،‬قال تعالى في‬
‫هذه الَّنار‪َ{ :‬نْح ُن َجَعْلَناَه ا َتْذ ِكَر ًة} [الواقعة‪.]73 :‬‬
‫وأخبر الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬أَّن شَّدة الحِّر والبرِد من أنفاس جهَّنم (‪ ، )2‬فال ُبَّد أْن‬
‫يشهد عباده أنفاس جنته‪ ،‬وما يذكرهم بها‪ ،‬والَّلُه المستعان‪.‬‬
‫__________‬
‫= موسى أبو غسان"‪.‬‬
‫قال الهيثمي‪" :‬وفيه عمرو بن عبد الغفار وهو متروك"‪.‬‬
‫انظر مجمع الزوائد (‪.)412 /10‬‬
‫(‪ )1‬في "د" "تذكرة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)512‬ومسلم رقم (‪ )617‬من حديث أبي هريرة رضي الَّلُه عنه‪.‬‬

‫(‪)1/337‬‬
‫الباب الثالث واألربعون في األذان اَّلذي يؤذن به مؤذن الجَّنة فيها‬
‫روى مسلٌم في "صحيحه" (‪ )1‬من حديث أبي سعيد الخدري رضي الَّله عنه وأبي هريرة رضي‬
‫الَّله عنه عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪ُ" :‬ينادي مناٍد ‪ :‬إَّن لكم أْن َتِص ُّح وا فال تسقموا‬
‫أبًد ا‪ ،‬وإَّن لكم أْن تحيوا فال تموتوا أبًد ا‪ ،‬وإَّن لكم أْن تشبوا فال تهرموا أبًد ا‪ ،‬وإَّن لكم أْن تنعموا‬
‫فال تبأسوا أبًد ا‪ ،‬وذلك قول الَّله عَّز وجَّل‪َ{ :‬و ُنوُدوا َأْن ِتْلُك ُم اْلَج َّنُة ُأوِر ْثُتُم وَه ا ِبَم ا ُك ْنُتْم َتْع َم ُلوَن (‬
‫‪[ })43‬األعراف‪.]43 :‬‬
‫وقال عثمان بن أبي شيبة‪ :‬حدثنا يحيى بن آدم حدثنا حمزة الَّزَّيات‪ ،‬عن أبي إسحاق عن األغر‬
‫ِت‬ ‫َّل‬ ‫َّل‬
‫عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي ال ه عنهما عن الَّنبي ‪-‬صلى ال ه عليه وسلم‪َ{ :-‬و ُنوُدوا َأْن ْلُك ُم‬
‫اْلَج َّنُة ُأوِر ْثُتُم وَه ا ِبَم ا ُك ْنُتْم َتْع َم ُلوَن (‪ })43‬قال‪ :‬نودوا أْن ِص ُّح وا فال تسقموا أبًد ا‪ ،‬واخلدوا فال‬
‫تموتوا أبًد ا‪ ،‬وأنعموا فال تبأسوا أبًد ا" (‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رقم (‪.)2837‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة (‪ )149 - 148 /2‬رقم (‪ )290‬من طريق عثمان بن أبي‬
‫شيبة به‪.‬‬
‫وأخرجه أحمد في المسند (‪ )38 /3‬وابن أبي حاتم في تفسيره (‪ )1480 /5‬رقم (‪)8477‬‬
‫والنسائي في تفسيره (‪ /1‬رقم ‪ )204‬من طريق عبيد ابن يعيش ثنا يحيى بن آدم به مثله‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه عبد الرزاق وأبو سفيان المعمري عن الثوري عن أبي إسحاق به مثله‪.‬‬
‫أخرجه أحمد في المسند (‪ ،)95 /3‬ومسلم رقم (‪ ،)2837‬وأبو نعيم في =‬

‫(‪)1/338‬‬

‫وفي "صحيح مسلم" (‪ )1‬من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن‬
‫صهيب رضي الَّله عنه أَّن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إذا دخل أهل الجَّنة الجَّنة‪ ،‬وأهل‬
‫الَّناِر الَّناَر ‪ ،‬نادى مناٍد ‪ ،‬يا أهل الجَّنة‪ ،‬إَّن لكم عند الَّلِه موعًد ا‪ ،‬فيقولون‪ :‬ما هو؟ ألم ُيَثِّق ل موازيننا‪،‬‬
‫وُيبِّيض وجوهنا‪ ،‬ويدخلنا الجَّنة‪ ،‬وينِّج ينا من الَّناِر ؟ فيكشف الحجاب فينظرون إلى الَّلِه‪ ،‬فوالَّلِه ما‬
‫أعطاهم الَّله شيًئا هو أحَّب إليهم من النظر إليه"‪.‬‬
‫وقال عبد الَّله بن المبارك‪ :‬حدثنا أبو بكر الهذلي (‪ ، )2‬أخبرني أبو تميمة الُهَج يمي‪ ،‬قال‪ :‬سمعُت‬
‫أبا موسى األشعري يخطب على منبر البصرة يقول‪ :‬إَّن الَّلَه عَّز وجَّل يبعث يوم القيامة ملًك ا إلى‬
‫أهل الجَّنة‪،‬‬
‫__________‬
‫= صفة الجَّنة (‪ )148 /2‬رقم (‪.)290‬‬
‫وقد خولف عبد الرزاق‪:‬‬
‫‪ -‬فرواُه ابن المبارك والفريابي وقبيصة عن الثوري عن أبي إسحاق بمثله موقوًفا‪.‬‬
‫أخرجه ابن المبارك في الزهد ‪-‬رواية نعيم‪ -‬رقم (‪ ،)428‬وهناد في الزهد رقم (‪ ،)175‬وأبو‬
‫نعيم في صفة الجَّنة (‪ )148 /2‬رقم (‪ )290‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه شعبة عن أبي بكر بن حفص عن األغر به‪.‬‬
‫انظر أطراف المسند (‪.)136 /7‬‬
‫والحديث ثابٌت رفعه‪ ،‬قال الَّدارقطني‪" :‬ورفعه صحيح"‪ .‬انظر علل الَّدارقطني (‪- 240 /11‬‬
‫‪.)241‬‬
‫(‪ )1‬رقم (‪.)181‬‬
‫(‪ )2‬في جميع النسخ "األلهاني" وهو خطأ‪.‬‬

‫(‪)1/339‬‬

‫فيقول‪ :‬يا أهل الجَّنة‪ ،‬هل أنجزكم الَّلُه ما وعدكم؟ فينظرون فيرون الُح لي والُح لل واألنهار‪،‬‬
‫واألزواج المطهرة‪ ،‬فيقولون‪ :‬نعم‪ ،‬قد أنجز ما وعدنا‪ ،‬قالوا ذلك ثالث مَّر اٍت ‪ ،‬فينظرون فال‬
‫ِل ِذ‬
‫يفتقدون شيًئا مَّم ا (‪ )1‬وعدوا‪ ،‬فيقولون‪ :‬نعم‪ ،‬فيقول‪ :‬قد بقي شيء‪ ،‬إَّن الَّلَه يقول‪َّ { :‬ل يَن‬
‫َأْح َس ُنوا اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة} [يونس‪ :]26 :‬أاَل إَّن الحسنى‪ :‬الجَّنة‪ ،‬والزيادة‪ :‬النظر إلى وجه الَّلِه" (‬
‫‪. )2‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪ )3‬من حديث أبي سعيد الخدري ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إن الَّله عز وجل يقول ألهل الجنة‪ :‬يا أهل الجنة‪ ،‬فيقولون‪ :‬لبيك ربنا‬
‫وسعديك‪ ،‬فيقول‪ :‬هل رضيتم؟‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "أ‪ ،‬ج" "كما"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن المبارك في الزهد ‪-‬رواية نعيم‪ -‬رقم (‪ ،)419‬والطبري في تفسيره (‪/11‬‬
‫‪ ،)105‬والَّدارقطني في الرؤية رقم (‪ ،)46‬والبيهقي في البعث رقم (‪.)492‬‬
‫ورواُه وكيع والنضر بن شميل وشبابه وغيرهم كلهم عن أبي بكر الهذلي به نحوه بعضهم‬
‫اختصره‪.‬‬
‫أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)351‬والَّدارقطني في الرؤية رقم (‪ ،)45 ،44‬وهناد‬
‫في الزهد رقم (‪ )169‬وغيرهم‪.‬‬
‫واألثر مداره على أبي بكر الهذلي وهو أخباري متروك الحديث‪ .‬انظر التقريب رقم (‪.)8002‬‬
‫‪ -‬ورواُه أبان بن أبي عياش عن أبي تميمة عن أبي موسى بنحوه‪.‬‬
‫أخرجه الطبري (‪ ،)105 /11‬والَّدارقطني في الرؤية رقم (‪.)43‬‬
‫وفيه أبان بن أبي عياش وهو متروك الحديث‪ ،‬انظر التقريب رقم (‪.)142‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)6183‬ومسلم رقم (‪.)2829‬‬

‫(‪)1/340‬‬

‫فيقولون‪ :‬وما لنا ال نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحًد ا من خلقك‪ ،‬فيقول‪ :‬أنا أعطيكم أفضل من‬
‫ذلك‪ ،‬قالوا‪ :‬ربنا وأي شيء أفضل من ذلك؟ قال‪ُ :‬أِح ُّل عليكم رضواني فال أسخط عليكم أبًد ا"‪.‬‬
‫ومن تراجم البخاري عليه‪ :‬باٌب ‪ :‬كالُم الرِّب مع أهل الجنة (‪. )1‬‬
‫وسيأتي في هذا أحاديث نذكرها في باب معقود لذلك إن شاء الَّله تعالى (‪. )2‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪ )3‬من حديث نافع عن ابن عمر ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬أَّن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله‬
‫عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬يدخل الَّله أهل الجنة الجنة‪ ،‬وأهل النار النار‪ ،‬ثم يقوم مؤذن بينهم فيقول‪ :‬يا‬
‫أهل الجنة ال موت‪ ،‬ويا أهل النار ال موت‪ ،‬كٌّل خالٌد فيما هو فيه"‪.‬‬
‫وهذا األذان وإن كان بين الجنة والنار فهو يبلغ جميع أهل الجنة والنار‪ ،‬ولهم نداء آخر يوم‬
‫زيارتهم ربهم تبارك وتعالى‪ ،‬يرسل إليهم ملًك ا‪ ،‬فيؤذن فيهم بذلك فيسارعون إلى الزيارة‪ ،‬كما‬
‫يؤذن مؤذن الجمعة إليها‪ ،‬وذلك في مقدار يوم الجمعة‪ ،‬كما سيأتي مبيًنا في باب‪ :‬زيارتهم الرب‬
‫عز وجل (‪ )4‬إن شاء الَّله تعالى‪ ،‬والَّله أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في كتاب التوحيد (‪ )2732 /6‬رقم (‪.)7080‬‬
‫(‪ )2‬انظر الباب (‪ )66‬ص (‪،)715‬‬
‫(‪ )3‬البخاري رقم (‪ ،)6178‬ومسلم رقم (‪.)2850‬‬
‫(‪ )4‬انظر الباب (‪ )61‬ص (‪.)576‬‬

‫(‪)1/341‬‬

‫الباب الَّر ابع واألربعون في أشجار الجَّنة‪ ،‬وبساتينها وظاللها‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و َأْص َح اُب اْلَيِم يِن َم ا َأْص َح اُب اْلَيِم يِن (‪ِ )27‬في ِس ْد ٍر َم ْخُضوٍد (‪َ )28‬و َطْلٍح َم ْنُضوٍد (‬
‫‪ /73[ )29‬أ] َو ِظ ٍّل َمْم ُد وٍد (‪َ )30‬و َماٍء َمْس ُك وٍب (‪َ )31‬و َفاِكَه ٍة َك ِثيَر ٍة (‪ )32‬اَل َمْقُطوَعٍة َو اَل‬
‫َمْم ُنوَعٍة (‪[ })33‬الواقعة‪ ،]33 - 27 :‬وقال تعالى‪َ{ :‬ذَو اَتا َأْفَناٍن (‪[ })48‬الرحمن‪ ،]48 :‬وهو‬
‫جمع َفَنٍن (‪ :)1‬وهو الغصن‪ ،‬وقال‪ِ{ :‬فيِه َم ا َفاِكَه ٌة َو َنْخ ٌل َو ُر َّماٌن (‪[ })68‬الرحمن‪.]68 :‬‬
‫والمخضود‪ :‬اَّلذي ُخ ِض د شوكه‪ :‬أي ُنِز َع وُقِط َع ‪ ،‬فال شوك فيه‪.‬‬
‫وهذا قول ابن عباس‪ ،‬ومجاهد‪ ،‬ومقاتل‪ ،‬وقتادة‪ ،‬وأبي األحوص‪ ،‬وقسامة بن زهير‪ ،‬وجماعة (‪.)2‬‬
‫واحتَّج هؤالء بحجتين‪:‬‬
‫إحداهما‪ :‬أَّن الخضد في اللغة‪ :‬القطُع‪ ،‬وكُّل رطب قضبته فقد خضدته‪ ،‬وخضدت الشجر‪ :‬إذا (‬
‫‪ )3‬قطعت شوكه‪ ،‬فهو خضيد ومخضود‪ ،‬ومنه الَخَضُد على مثال الَّثَم ر‪ ،‬وهو كل ما قطع من‬
‫عوٍد رطٍب ‪َ ،‬خَض د بمعنى َمْخ ضود كَق َبض وَس َلب‪ ،‬والخضاد‪ :‬شجر رخو ال شوَك له‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب"‪" :‬فن" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬تفسير عبد الرزاق (‪ )218 /2‬رقم (‪ )3125‬والطبري (‪،)180 - 179 /27‬‬
‫والزهد لهناد بن الَّس ري رقم (‪.)110 ,109‬‬
‫(‪ )3‬من المطبوعة‪.‬‬

‫(‪)1/342‬‬
‫الُح َّج ة الثانية‪ :‬قال ابن أبي داود‪ :‬حدثنا موسى بن مصَّف ى (‪ ، )1‬حدثنا محمد بن المبارك حدثنا‬
‫يحيى بن حمزة حدثني ثور بن يزيد حدثني حبيب بن ُعَبيد عن ُعْتبة بن عبٍد السلمي رضي الَّله‬
‫عنه قال‪ :‬كنُت جالًس ا مع رسول الَّله‪ ،‬فجاء أعرابي فقال‪ :‬يا رسول الَّله‪ ،‬أسمعك تذكر في الجَّنة‬
‫شجرة (‪ )2‬ال أعلُم شجرة أكثَر شوًك ا منها ‪-‬يعني الطلح‪ -‬فقال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪" :-‬إَّن الَّلَه يجعل مكان كَّل شوكٍة منها ثمرًة مثل َخ ْص وِة الَّتْيِس الملبود‪ ،‬فيها سبعون لوًنا‬
‫من الطعاِم ‪ ،‬ال ُيْش ِبُه لوٌن آَخ َر " (‪" . )3‬الملبود"‪ :‬اَّلذي قد اجتمع شعره بعضه على بعض‪.‬‬
‫وقال عبد الَّله بن المبارك‪ :‬أخبرنا صفوان بن عمرو عن ُس َليم بن عامر قال‪ :‬كان أصحاب رسول‬
‫الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬يقولون‪ :‬إَّن الَّلَه لينفعنا باألعراب ومسائلهم‪ ،‬أقبل أعرابي يوًما‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا رسول الَّله‪ ،‬ذكر الَّله في الجَّنة شجرًة مؤذيًة‪ ،‬وما كنُت أرى في الجَّنة شجرًة ُتوذي‬
‫صاحبها‪ ،‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ :-‬وما هي؟ قال‪ :‬الِّسْد ُر ‪ ،‬فإَّن له شوًك ا مؤذًيا‪،‬‬
‫قال‪ :‬أليس الَّله يقول‪ِ{ :‬في ِس ْد ٍر َمْخُضوٍد (‪[ } )28‬الواقعة‪]28 :‬؟! َخَضَد الَّلُه شوكه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "أ"‪" :‬معَّلى" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬من "هـ"‪ ،‬ونسخة على حاشية "أ"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي داود في البعث رقم (‪.)69‬‬
‫‪ -‬ورواُه أبو مسهر وابن المبارك كالهما عن يحيى بن حمزة به نحوه‪.‬‬
‫أخرجه الطبراني في الكبير (‪ )130 /17‬رقم (‪ ،)318‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪،)347‬‬
‫وفي الحلية (‪.)103 /6‬‬
‫والحديث صحيح اإلسناد‪ ،‬وقد تقدم من طريق آخر عن عتبة بن عبٍد السلمي (ص‪.)273 /‬‬

‫(‪)1/343‬‬

‫فجعل مكان كِّل شوكٍة ثمرًة" (‪. )1‬‬


‫وقالت طائفة‪ :‬المخضود هو‪ :‬الُمْو َقر َحْم اًل (‪. )2‬‬
‫وُأْنِك عليهم هذا القول‪ ،‬وقالوا‪ :‬ال ُف في اللغة الخضد بمعنى الحمل‪ .‬ولم ِص هؤالِء‬
‫ُي ْب‬ ‫ُيْع َر‬ ‫َر‬
‫اَّلذين أنكروا هذا القول‪ ،‬بل هو قوٌل صحيح‪ ،‬وأربابه ذهبوا إلى أَّن الَّلَه سبحانه وتعالى لَّم ا خضد‬
‫شوكه وأذهبه‪ ،‬وجعل مكان كِّل شوكٍة ثمرة أوقره بالحمل‪ ،‬والحديثان المذكوران يجمعان‬
‫القولين (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن المبارك في الزهد ‪-‬رواية ُنَعيم‪ -‬رقم (‪ ،)263‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة‬
‫رقم (‪.)109‬‬
‫‪ -‬ورواُه بشر بن بكر ومحمد بن حرب كالهما عن صفوان بن عمرو عن ُس ليم بن عامر عن أبي‬
‫ُأمامة الباهلي قال كان أصحاب رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬فذكر نحوه‪.‬‬
‫أخرجه ابن أبي الدنيا رقم (‪ ،)110‬والحاكم في المستدرك (‪ )518 /2‬رقم (‪ ،)3778‬والبيهقي‬
‫في البعث رقم (‪.)302‬‬
‫قال الحاكم‪" :‬صحيح اإلسناد‪ ،‬ولم يخرجاه"‪.‬‬
‫قلُت ‪ :‬والطريق المرسل أصح‪ ،‬فإْن طريق محمد بن حرب من رواية الواقدي وهو متروك‪ ،‬وطريق‬
‫بشر بن بكر الَّتَّنْيسي من رواية الربيع بن سليمان المرادي وهو صدوق‪ ،‬وابن المبارك أثبت‬
‫وأحفظ من بشر بن بكر‪ ،‬والَّلُه أعلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬قال به الحسن وقتادة وسعيد بن جبير وعكرمة‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تفسير الطبري (‪.)180 /27‬‬
‫(‪ )3‬ومَّم ن قال بالقولين جميًعا‪ :‬ابن عباس‪ ،‬وعكرمة‪ ،‬وقتادة‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تفسير عبد الرزاق (‪ )3125( )218 /2‬والطبري (‪.)180 - 179 /27‬‬

‫(‪)1/344‬‬

‫وكذلك قول من قال‪ :‬المخضود اَّلذي ال َيْع ِق ر اليد‪ ،‬وال يرد اليد منه شوك وال أذى فيه‪ ،‬فَّس ره‬
‫بالزم المعنى‪ ،‬وهكذا غالب المفسرين يذكرون الزم المعنى المقصود تارة‪ ،‬وفرًدا من أفراده‬
‫تارة‪ ،‬ومثااًل من أمثلته فيحكيها الجَّم اعون للغِّث والَّس مين أقوااًل مختلفة‪ ،‬وال اختالف بينها‪.‬‬

‫فصل‬
‫وأَّما الَّطلُح ‪ :‬فأكثر المفسرين قالوا‪ :‬إَّنه شجر الموز‪.‬‬
‫قال مجاهد‪" :‬أعجبهم طلح َو ٍّج وُحْس نه‪ ،‬فقيل لهم‪َ{ :‬و َطْلٍح َم ْنُضوٍد (‪.)1( " })29‬‬
‫وهذا قول علي بن أبي طالب‪ ،‬وابن عَّباس‪ ،‬وأبي هريرة‪ ،‬وأبي سعيد الخدري رضي الَّلُه عنهم (‬
‫‪.)2‬‬
‫وقالت طائفة أخرى‪" :‬بل هو شجٌر عظاٌم طواٌل ‪ ،‬وهو من شجر البوادي الكثير الشوك عند‬
‫العرب‪ .‬قال َح اديهم‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ 181 /27‬و ‪ ،)182‬والبيهقي في البعث والنشور رقم (‬
‫‪.)304‬‬
‫وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬تفسير عبد الرزاق (‪ )218 /2‬رقم (‪ 3126‬و ‪ ،)3128‬والزهد لهناد بن السري رقم‬
‫(‪ 111 /1‬و ‪ ،)112‬وصفة الجَّنة البن أبي الدنيا رقم (‪ ،)64‬وتفسير الطبري (‪،)181 /27‬‬
‫والبعث للبيهقي رقم (‪ ،)308 ،306 ،305‬وتفسير ابن كثير (‪.)309 /4‬‬

‫(‪)1/345‬‬

‫َبَّش َر َه ا َدِلْيُلَه ا وَقااَل ‪ ...‬غًد ا تريَن الَّطلَح والِج َباال (‪)1‬‬


‫ولهذا الشجر نوٌر ورائحة طيبة‪ ،‬وظٌّل ظليل‪ ،‬وقد نضد بالحمل والَّثمر مكان الشوك‪.‬‬
‫قال ابن قتيبة‪" :‬هو اَّلذي ُنِض َد بالحمل أو بالورق والحمل من أَّو له إلى آخره‪ ،‬فليس له ساق بارز"‬
‫(‪. )2‬‬
‫وقال مسروق‪" :‬ورق الجَّنة ُنِض َد (‪ )3‬من أسفلها إلى أعالها‪ ،‬وأنهارها تجري في غير أخدود" (‬
‫‪. )4‬‬
‫وقال الليث‪" :‬الطلح‪ :‬شجر أم غيالن له شوك أحجن‪ ،‬من أعظم العضاة شوًك ا‪ ،‬وأصلبه عوًدا‪،‬‬
‫وأجوده َصْم ًغا"‪.‬‬
‫قال أبو إسحاق‪" :‬يجوز أْن ُيْع نى به شجر أم غيالن؛ ألَّن له َنْو ًر ا طيَب الرائحة جًّدا‪َ ،‬فُو ِع ُد وا بما‬
‫يحبون مثله‪ ،‬إاَّل أَّن فضله على ما في الدنيا كفضل سائر ما في الجَّنة على سائر ما في الدنيا (‬
‫‪ ، )5‬فإَّنه ليس‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬مجاز القرآن (‪ ،)250 /2‬ونقله عنه الطبري في تفسيره (‪ ،)181 /27‬ونسبه القرطبي‬
‫(‪ )208 /17‬للجعدي‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬تفسير غريب القرآن البن قتيبة ص (‪ ،)448‬وفيه "‪ . . .‬له سوق بارزة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ج‪ ،‬هـ"‪" :‬نضيد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه هناد في الزهد رقم (‪ 95‬و ‪ 103‬و ‪ ،)104‬وابن أبي شيبة (‪ ،)54 - 53 /7‬رقم (‬
‫‪ ،)33948‬وابن صاعد في زوائده على الزهد البن المبارك رقم (‪ 1489‬و ‪.)1490‬‬
‫وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )5‬من قوله‪" :‬قال الليث‪ " . . .‬إلى "الدنيا" عند األزهري في تهذيب اللغة (‪.)2202 /3‬‬
‫وعنه ابن منظور في لسان العرب (‪ )533 - 532 /2‬ط ‪ -‬دار صادر‪.‬‬

‫(‪)1/346‬‬

‫ما في الجَّنة مَّم ا في الدنيا إاَّل األسامي‪.‬‬


‫والَّظاهر أَّن من فَّس ر الَّطلح المنضود‪ :‬بالموز‪ ،‬إَّنما أراد التمثيل به لحسن نضده‪ ،‬وإاَّل فالطلح في‬
‫اللغة‪ :‬هو الَّش جر العظام من شجر البوادي والَّله أعلم (‪. )1‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪ )2‬من حديث أبي الِّز ناد‪ ،‬عن األعرج‪ ،‬عن أبي هريرة رضي الَّله عنه قال‪:‬‬
‫قال رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إَّن في الجَّنة شجرًة يسير الَّر اكُب في ظلها مئة عاٍم ال‬
‫يقطعها فاقرؤوا إْن شئتم {َو ِظ ٍّل َمْم ُد وٍد (‪[ } )30‬الواقعة‪." ]30 :‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪ )3‬أيًض ا من حديث أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الَّله عنه عن رسول‬
‫الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إَّن في الجَّنة لشجرًة يسيُر الَّر اكُب في ظلها مئة عاٍم ال‬
‫يقطعها"‪.‬‬
‫قال أبو حازم‪ :‬فحدْثُت به النعمان بن أبي عَّياش الُّز رقي فقال‪ :‬حدثني أبو سعيد الخدري عن الَّنبي‬
‫‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إَّن في الجَّنة لشجرًة يسيُر الَّر اكُب الجواُد المضَّم ر السريُع (‪)4‬‬
‫مئة عاٍم ال يقطعها" (‪. )5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬لعلها لغة عند بعض أهل اليمن‪ ،‬قال ابن زيد في قوله "وطلٍح منضود"‪ ،‬قال‪" :‬الَّله أعلم‪ ،‬إاَّل‬
‫أَّن أهل اليمن ُيسُّم ون الموز‪ :‬الَّطلح"‪.‬‬
‫أخرجه الطبري في تفسيره (‪ )182 /27‬وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)4599 ،3080‬ومسلم رقم (‪.)2826‬‬
‫(‪ )3‬البخاري رقم (‪ ،)6186‬ومسلم رقم (‪.)2827‬‬
‫(‪ )4‬في البخاري زيادة "في ظلها" وهي ليست في جميع النسخ‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)6186‬ومسلم رقم (‪.)2828‬‬

‫(‪)1/347‬‬

‫وقال اإلمام أحمد‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا شعبة عن أبي الَّضَّح اك سمعُت أبا هريرة‬
‫رضي الَّله عنه يقول‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إَّن في الجَّنة شجرًة يسير‬
‫الَّر اكُب في ظِّلها سبعين أو مئة سنة‪ ،‬هي شجرة الخلد" (‪. )1‬‬
‫وقال وكيع‪ :‬حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن زياد مولى بني مخزوم عن أبي هريرة رضي الَّله‬
‫عنه‪" :‬إَّن في الجَّنة شجرًة يسيُر الَّر اكُب في ظلها مئة عام اقرؤوا إْن شئتم {َو ِظ ٍّل َمْم ُد وٍد (‪} )30‬‬
‫[الواقعة‪ ." ]30 :‬فبلغ ذلك كعًبا فقال‪ :‬صدق‪ ،‬واَّلذي أنزل التوراة على لسان موسى‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في المسند (‪ ،)462 /2‬والطبري في تفسيره (‪ ،)183 /27‬وأبو نعيم في‬
‫صفة الجَّنة (‪ )244 /2‬رقم (‪.)403‬‬
‫ورواُه غندر وحجاج والطيالسي وعبد الصمد وسعيد بن الربيع وغيرهم كلهم عن شعبة به نحوه‪.‬‬
‫أخرجه أحمد (‪ ،)455 /2‬والطيالسي في مسنده رقم (‪ ،)2670‬وعبد بن حميد في مسنده‬
‫"المنتخب" رقم (‪ )1445‬والدارمي رقم (‪ ،)2881‬وابن أبي الدنيا رقم (‪ 43‬و ‪ )63‬وغيرهم‪.‬‬
‫والحديث مداره على أبي الضحاك‪ ،‬قال أبو حاتم‪" :‬ال أعلم روى عنه غير شعبة"‪ .‬وقال الذهبي‪:‬‬
‫"ال ُيعرف‪." . . .‬‬
‫والحديث فيه نكارة‪ ،‬وهو لفظة "شجرة الخلد"‪:‬‬
‫فإَّن الحديث رواُه عن أبي هريرة جماعة‪ :‬كالمقبري واألعرج ومحمد بن زياد وعبد الرحمن بن‬
‫أبي عمرة وغيرهم كلهم عن أبي هريرة‪ ،‬ليس فيه "شجرة الخلد"‪.‬‬
‫وكذلك رواه أنس بن مالك وأبو سعيد الخدري وسهل بن سعد‪ ،‬وليس فيه "شجرة الخلد"‪.‬‬
‫وهذا يدل على ضعف حديث أبي الضحاك هذا‪ ،‬والَّلُه أعلم‪.‬‬

‫(‪)1/348‬‬
‫والفرقان على لسان محمد ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬لو أَّن رجاًل ركب جذعًة أو جذًعا‪ ،‬ثَّم دار‬
‫بأصل تلك الشجرة ما بلغها حتى يسقط هرًم ا‪ ،‬إَّن الَّله غرسها بيده‪ ،‬ونفخ فيها من روحه (‪، )1‬‬
‫وإَّن أفنانها من وراء سور الجَّنة‪ ،‬ما في الجَّنة نهٌر إاَّل وهو يخرج (‪ )2‬من أصل تلك الشجرة" (‬
‫‪. )3‬‬
‫وقال ابن أبي الدنيا‪ :‬حدثني إبراهيم بن سعيد الجوهري‪ ،‬حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا زمعة (‪)4‬‬
‫بن صالح عن سلمة بن َو ْه َر ام عن عكرمة عن ابن عباس رضي الَّله عنهما قال‪" :‬الِّظُّل الممدود‪:‬‬
‫شجرٌة في الجَّنة على ساٍق ‪ ،‬قدر ما يسير الَّر اكب الُم ِج ُّد في ظلها مئة عام في كَّل نواحيها‪،‬‬
‫فيخرج إليها أهل الجَّنة‪ :‬أهل الغرف وغيرهم فَيَتحَّدثون في ظلها‪ ،‬قال‪ :‬فيشتهي بعضهم ويذكر‬
‫لهو الدنيا‪ ،‬فيرسل الَّله ريًح ا من‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله "من روحه" لفظ ابن المبارك وعبدة كما سيأتي‪ ،‬وليست في الُّنَس خ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب" ونسخٍة على حاشية "أ" "يجري"‪ ،‬وهي ليست في مصادر التخريج‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)44‬‬
‫ورواُه ابن المبارك وجرير وعبدة وغيرهم‪ ،‬كلهم عن إسماعيل بن أبي خالد به نحوه‪.‬‬
‫أخرجه ابن أبي الدنيا رقم (‪ ،)44‬وابن المبارك في الزهد ‪-‬رواية ُنعيم‪ -‬رقم (‪ ،)267‬وهَّناد في‬
‫الزهد رقم (‪ )114‬وغيرهم‪.‬‬
‫والحديث مداره عن زياد مولى بني مخزوم قال ابن معين‪" :‬ال شيء" الجرح والتعديل (‪/3‬‬
‫‪.)549‬‬
‫‪ -‬ورواُه ابن إسحاق عن زياد مولى بني مخزوم عن كعب أَّنه قال‪" :‬غرسها الَّلُه بيده‪ . . .‬من‬
‫وراء سور الجَّنة"‪.‬‬
‫أخرجه عبد الملك بن حبيب في وصف الفردوس رقم (‪.)91‬‬
‫(‪ )4‬في "د"‪" :‬زعمة" وهو خطأ‪.‬‬

‫(‪)1/349‬‬
‫الجَّنة فتحِّر ك تلك الشجرة بكل لهٍو كان في الدنيا" (‪. )1‬‬
‫وفي "جامع الترمذي" من حديث أبي حازم عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪" :-‬ما في الجَّنة شجرة إاَّل وساقها من ذهب" (‪. )2‬‬
‫قال‪" :‬هذا حديث حسن" (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)45‬‬
‫ورواه الكديمي والحسن بن أبي الربيع كالهما عن أبي عامر العقدي به مثله‪.‬‬
‫أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره كما عند ابن كثير (‪ ،)310 /4‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‬
‫‪.)404‬‬
‫قال ابن كثير‪" :‬هذا أثٌر غريب‪ ،‬وإسناده جيد قوي حسن"‪.‬‬
‫قلُت ‪ :‬فيه زمعة بن صالح‪ :‬ضعيف‪ ،‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)389 - 386 /9‬‬
‫وأيًض ا رواية زمعة عن سلمة منكرة‪ ،‬ولهذا قال ابن حبان ‪-‬في سلمة بن وهرام‪" -‬يعتبر بحديثه‬
‫من غير رواية زمعة بن صالح عنه"‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)329 - 328 /11‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الترمذي برقم (‪ ،)2524‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)48‬وابن أبي داود‬
‫في البعث رقم (‪ ،)65‬وابن حبان في صحيحه (‪ /16‬رقم ‪ )7410‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق زياد بن الحسن بن الفرات عن أبيه عن جِّده عن أبي حازم عن أبي هريرة فذكره بمثله‪.‬‬
‫والحديث مداره على زياد بن الحسن هذا‪ ،‬قال فيه أبو حاتم الَّر ازي‪" :‬منكر الحديث"‪ ،‬وقال فيه‬
‫الدارقطني‪" :‬ال بأس به‪ ،‬وال يحتج به"‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪ ،)453 /9‬والجرح والتعديل (‪.)530 - 329 /3‬‬
‫(‪ )3‬كذا في جميع النسخ‪ ،‬وفي تحفة األشراف للمزي (‪ )87 /10‬وقال‪" :‬حسن =‬

‫(‪)1/350‬‬

‫وعن أبي هريرة رضي الَّله عنه قال‪ :‬قال رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬يقول الَّلُه‪:‬‬
‫أعددُت لعبادي الصالحين ما ال عيٌن رأْت ‪ ،‬وال أذٌن سمعت‪ ،‬وال خطر على قلب بشر‪ ،‬اقرؤوا إْن‬
‫شئتم‪َ{ :‬فاَل َتْع َلُم َنْف ٌس َم ا ُأْخ ِف َي َلُه ْم ِم ْن ُقَّر ِة َأْع ُيٍن َجَز اًء ِبَم ا َك اُنوا َيْع َم ُلوَن (‪[ } )17‬السجدة‪:‬‬
‫‪ ،]17‬وفي الجَّنة شجرة يسير الَّر اكُب في ظلها مئة عاٍم ال يقطعها‪ ،‬واقرؤوا إْن شئتم‪َ{ :‬و ِظ ٍّل‬
‫َمْم ُد وٍد (‪[ } )30‬الواقعة‪ ،]30 :‬وموضع سوط من الجَّنة خيٌر من الدنيا وما فيها‪ ،‬واقرؤوا إْن‬
‫شئتم‪َ{ :‬فَمْن ُز ْح ِز َح َعِن الَّناِر َو ُأْد ِخ َل اْلَج َّنَة َفَق ْد َفاَز } [آل عمران‪. )1( " ]185 :‬‬
‫رواُه بهذا اللفظ والِّس ياق الترمذي والنسائي وابن ماجه‪ ،‬وَص ْد ُر ُه‬
‫__________‬
‫= غريب"‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه الترمذي برقم (‪ )3292‬مطَّو اًل ‪ ،‬وبرقم (‪ )3013‬مختصًر ا‪ ،‬والنسائي في الكبرى (‬
‫‪ )318 - 317 /6‬رقم (‪ ،)11085‬وابن ماجه برقم (‪ ،)4335‬وأحمد في المسند (‪)438 /2‬‬
‫مطَّو اًل ‪ ،‬وابن حبان في صحيحه (‪ /16‬رقم ‪ ،)7417‬والحاكم (‪ )327 /2‬رقم (‪)3170‬‬
‫مختصًر ا على جملة "موضع السوط"‪ ،‬والبغوي في شرح السنة (‪ )210 - 209 /15‬رقم (‬
‫‪ )4372‬مطَّو اًل ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة فذكره مطَّو اًل ‪ ،‬واختصره بعضهم‪.‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬حسن صحيح"‪.‬‬
‫وقال الحاكم‪" :‬صحيح على شرط مسلم‪ ،‬ولم يخرجاه"‪.‬‬
‫وقال البغوي‪" :‬حديث صحيح"‪.‬‬
‫وأصل الجملتين األولتين في الصحيحين وغيرهما‪ ،‬والجملة الثالثة عند أحمد (‪.)315 /2‬‬

‫(‪)1/351‬‬

‫في الصحيحين (‪. )1‬‬


‫وفي "صحيح البخاري" (‪ )2‬من حديث أنس بن مالك رضي الَّله عنه قال‪ :‬قال رسول الَّلِه ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪" :-‬إَّن في الجَّنة لشجرًة يسير الَّر اكب في ظِّلها مئة عام ال يقطعها‪ ،‬وإْن شئتم‬
‫فاقرؤوا‪َ{ :‬و ِظ ٍّل َمْم ُد وٍد (‪َ )30‬و َماٍء َمْس ُك وٍب (‪[ } )31‬الواقعة‪.]31 - 30 :‬‬
‫وقال ابن وهب‪ :‬حدثنا عمرو بن الحارث أَّن دَّر اًج ا أبا الَّس ْم ِح حَّدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد‬
‫الخدري رضي الَّله عنه قال‪ :‬قال رجٌل‪ :‬يا رسول الَّلِه ‪ ،‬ما طوبى؟ قال‪ :‬شجرة في الجَّنة مسيرة‬
‫مئة سنة‪ ،‬ثياُب أهل الجَّنة تخرج من أكمامها" (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري رقم (‪ ،)3072‬ومسلم رقم (‪.)2724‬‬
‫(‪ )2‬رقم (‪.)3079‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي داود في البعث رقم (‪ ،)67‬والطبري في تفسيره (‪ ،)149 /13‬وابن حبان‬
‫في صحيحه (‪ /16‬رقم ‪ ،)7413‬واآلجري في الشريعة رقم (‪ )624‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق سليمان بن داود وابن سلم ويزيد بن خالد الَّر ملي عن ابن وهب به نحوه‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه حرملة عن ابن وهب به كما ذكره المؤلف‪.‬‬
‫أخرجه ابن حبان في صحيحه (‪ /16‬رقم ‪.)7230‬‬
‫‪ -‬ورواُه ابن لهيعة عن دَّر اج أبي السمح به نحوه‪.‬‬
‫أخرجه أحمد في المسند (‪ )71 /3‬وغيره‪.‬‬
‫والحديث مداره على رواية أبي السمح دَّر اج عن أبي الهيثم‪ ،‬وقد تقدم الكالم عليها في الباب (‬
‫‪.)10‬‬

‫(‪)1/352‬‬

‫وقد رواه عنه حْر َم َلة بزيادة (‪ ، )1‬فقال‪ :‬أخبرني ابن وهب‪ ،‬أخبرني عمرو أَّن دَّر اًج ا حدثه أَّن أبا‬
‫الهيثم حدثه‪ ،‬عن أبي سعيد رضي الَّله عنه أَّن رجاًل قال‪ :‬يا رسول الَّلِه‪ ،‬طوَبى لمن رآَك وآمن‬
‫بَك ؟ فقال‪ُ :‬طوبى لمن رآني وآمن بي‪ ،‬ثَّم طوبى‪ ،‬ثَّم طوبى‪ ،‬ثَّم طوبى لمن آمن بي ولم يرني‪،‬‬
‫فقال رجٌل‪ :‬يا رسول الَّلِه ‪ ،‬ما طوبى؟ قال‪ :‬شجرة في الجَّنة مسيرة مئة سنة‪ ،‬ثياب أهل الجَّنة‬
‫تخرج من أكمامها"‪.‬‬
‫قلُت ‪ :‬وأَّو ل هذا الحديث في "المسند" ولفظه‪" :‬طوبى لمن رآني وآمن بي‪ ،‬وُطوبى لمن آمن بي‬
‫ولم يرني سبع مَّر اٍت " (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في نسخٍة على حاشية "أ" "بن زيادة" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أحمد في المسند (‪ 248 /5‬و ‪ 257‬و ‪ ،)264‬والبخاري في تاريخه (‪،)27 /2‬‬
‫وابن حبان في صحيحه (‪ /16‬رقم ‪ ،)7233‬والطبراني في الكبير (‪ /7‬رقم ‪.)8009‬‬
‫عن عفان ويزيد بن هارون وعبد الصمد وموسى بن داود وعبيد الَّله بن موسى وموسى بن‬
‫إسماعيل وسهيل بن بَّك ار كلهم عن همام بن يحيى العوذي عن قتادة عن أيمن بن مالك األشعري‬
‫عن أبي ُأمامة الباهلي فذكره‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه أبو عامر العقدي عن همام عن قتادة عن أيمن عن أبي هريرة فذكره مثله‪.‬‬
‫أخرجه ابن حبان في صحيحه (‪ /16‬رقم ‪.)7232‬‬
‫وهذا خطأ ووهم‪ ،‬واَّدعى ابن حبان أَّن أيمن األشعري سمعه من أبي ُأمامة وأبي هريرة‪ ،‬وفيه نظر‪،‬‬
‫فقد قال البخاري‪" :‬ولم يذكر قتادة سماعه من أيمن‪ ،‬وال أيمن من أبي ُأمامة"‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه هدبة بن خالد عن همام وحماد بن الجعد عن قتادة عن أيمن عن أبي أمامة فذكره‪.‬‬
‫أخرجه أحمد (‪ )248 /5‬وغيره‪.‬‬
‫والحديث كما قال البخاري‪ ،‬وأيًض ا أيمن مجهول‪ ،‬لم يرو عنه إاَّل قتادة‪.‬‬

‫(‪)1/353‬‬

‫وقال ابن المبارك‪ :‬حدثنا سفيان عن حَّم اد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الَّله عنهما قال‪:‬‬
‫"نخُل الجَّنة جذوعها من ُز مرد أخضر‪ ،‬وكربها ذهٌب أحمر‪ ،‬وسعفها كسوة ألهل الجَّنة‪ ،‬منها‬
‫ُمقَّطعاتهم وحللهم (‪ ، )1‬وثمرها أمثال الِق الِل والِّدالِء ‪ ،‬أشُّد بياًض ا من اَّللبن‪ ،‬وأحلى من العسِل ‪،‬‬
‫وأليُن من الُّز ْبد‪ ،‬ليس فيه َعَجٌم" (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "أ‪ ،‬ج"‪" :‬وحالهم"‪ ،‬والمثبت من باقي النسخ‪ ،‬والزهد البن المبارك‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)51‬‬
‫ورواُه عبد الرحمن بن مهدي ووكيع وقبيصة والحسين بن حفص وغيرهم عن سفيان به نحوه‪.‬‬
‫أخرجه ابن الصاعد في زوائده على الزهد البن المبارك رقم (‪ ،)1488‬وهناد في الزهد رقم (‬
‫‪ 99‬و ‪ ،)102‬وابن أبي شيبة في المصنف (‪ /7‬رقم ‪ ،)33950‬والبيهقي في البعث رقم (‪)311‬‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫‪ -‬ورواه مسعر بن كدام عن حماد به بلفظ "نخل الجَّنة خشبها ذهٌب أحمر‪ ،‬وكربها زمرد‬
‫أخضر‪." . . .‬‬
‫أخرجه أبو الشيخ في العظمة رقم (‪ ،)574‬والسرقسطي في الدالئل كما في حاشية النسخة "د"‬
‫(‪ 104‬ق)‪.‬‬
‫‪ -‬وخالفهما محمد بن جابر بن سيار "وهو يخطئ على حماد" فرواُه عن حماد به فرفعه‪.‬‬
‫أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪.)406‬‬
‫أخطأ فيه ابن سيار فإَّن له مناكير عن حماد وهذا منها‪.‬‬
‫والصحيح موقوف‪ ،‬لكن مداره على حماد بن أبي سليمان‪ ،‬وفي حفظه مقال؛ لكنه هنا حفظه‪.‬‬
‫فقد توبع‪ :‬تابعه أشعث بن أبي الشعثاء عن حماد به مثله موقوًفا وفيه زيادة‪= .‬‬

‫(‪)1/354‬‬

‫وقال اإلمام أحمد‪ :‬حدثنا علي بن بحر‪ ،‬حدثنا هشام بن يوسف حدثنا معمر عن يحيى بن أبي‬
‫كثير عن عامر بن زيد البكالي أَّنه سمع عتبة بن عبد السلمي رضي الَّله عنه يقول‪ :‬جاء أعرابي‬
‫إلى الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬فسأله عن الحوض‪ ،‬وذكر الجَّنة‪ ،‬ثَّم قال األعرابي‪ :‬فيها‬
‫فاكهة‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬وفيها شجرٌة ُتْد َعى ُطوبى‪ ،‬فذكر شيًئا ال أدري ما هو؟ فقال‪ :‬إَّن (‪ )1‬شجر‬
‫أرضنا تشبهه‪ ،‬قال‪ :‬ليست تشبه شيًئا من شجر أرضك (‪ ، )2‬فقال الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪ :-‬أتيت الشام؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬تشبه شجرة بالشام ُتدعى الَجْو زة‪ ،‬تنبُت على ساق واحٍد ‪،‬‬
‫وينفرُش أعالها‪ ،‬قال‪ :‬ما ِع َظُم أصلها؟ قال‪ :‬لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك ما أحاطْت بأصلها‬
‫حتى تنكسر ترقوتها هرًم ا‪ ،‬قال‪ :‬فيها عنٌب ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فما ِع َظُم العنقود؟ قال‪ :‬مسيرة شهر‬
‫للغراب األبقع ال يفتر‪ ،‬قال‪ :‬فما ِع َظُم الَح َّبة؟ قال‪ :‬هل ذبح أبوك تيًس ا ‪-‬من غنمه قُّط ‪ -‬عظيًم ا؟‬
‫قال‪:‬‬
‫__________‬
‫= أخرجه السلمي في وصف الفردوس رقم (‪.)97‬‬
‫وعليه فاألثر ثابٌت ‪ ،‬وقد جَّو ده المنذري‪.‬‬
‫‪ -‬وقد ثبت عن الحسن البصري أَّنه قال‪" :‬نخل الجَّنة جذوعها ذهب‪ ،‬وكرمها زمرد وياقوت‪،‬‬
‫وسعفها ُح َلل‪ ،‬يخرج الرطب أمثال القالل‪ ،‬أحلى من العسل‪ ،‬وأبيض من اللبن"‪.‬‬
‫أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (‪ /7‬رقم ‪ )34101‬بسند صحيح عنه‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬قال ناسخ "د" في الحاشية‪" :‬هذا األثر رواُه قاسم بن ثابت في كتاب الدالئل على غير هذه‬
‫الصورة ‪-‬فذكره‪ -‬ثَّم قال‪ :‬كرب الجَّنة‪ :‬أصل منابت السعف‪ ،‬وذلك العريض‪ .‬والعجم‪ :‬النوى‪،‬‬
‫واحدها‪ :‬عجمة‪." . . .‬‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬هـ"‪" :‬أي" استفهامية‪.‬‬
‫(‪ )2‬في نسخٍة على حاشية "أ" "أرضكم"‪.‬‬

‫(‪)1/355‬‬

‫نعم‪ ،‬قال‪ :‬فسلخ أهابه فأعطاُه أَّمك‪ ،‬فقال‪ :‬اتخذي لنا منه دلًو ا؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال األعرابي‪ :‬فإَّن‬
‫تلك الحَّبة لتشبعني وأهل بيتي‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬وعامة عشيرتك" (‪. )1‬‬
‫وقال أبو يعلى الموصلي في "مسنده"‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن صالح حدثنا يونس بن ُبَك ير عن‬
‫محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الَّله ابن الزبير عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر رضي‬
‫َّل‬ ‫َّلِه‬ ‫َّل‬
‫ال ه عنهما قالت‪ :‬سمعت رسول ال ‪-‬صلى ال ه عليه وسلم‪ ،-‬وذكر سدرة المنتهى فقال‪" :‬يسيُر‬
‫في ظِّل الَف َنِن منها الَّر اكُب مئة سنة‪ ،‬أو قال‪ :‬يستظُل في الَف َنِن منها مئة راكب‪ ،‬فيها فراش الذهب‬
‫كأَّن ثمرها القالُل " (‪. )2‬‬
‫ورواُه الترمذي وقال‪" :‬شك يحيى‪ ،‬وهو حديث حسن غريب"‪.‬‬
‫وقال عبد الَّله بن المبارك‪ :‬أنبأنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في المسند (‪ ،)184 - 183 /4‬وقد تقدم الكالم عليه في باب (‪ )32‬و (‬
‫‪ )44‬ص (‪.)343 ,274 - 273‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو يعلى في مسنده الكبير وليس المطبوع‪ ،‬والترمذي برقم (‪ ،)2541‬وهناد في‬
‫الزهد رقم (‪ ،)115‬والطبري في تفسيره (‪ ،)55 - 54 /27‬والطبراني في الكبير (‪- 87 /24‬‬
‫‪ )88‬رقم (‪ ،)234‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)435‬والحاكم في المستدرك (‪)510 /2‬‬
‫رقم (‪.)3748‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬هذا حديث حسن غريب"‪.‬‬
‫وقال الحاكم‪" :‬هذا حديث صحيح على شرط مسلم"‪.‬‬
‫والحديث سنده حسن‪ ،‬وقد صَّر ح ابن إسحاق بالسماع من يحيى‪ ،‬كما عند هَّناد في الزهد‪.‬‬

‫(‪)1/356‬‬
‫مجاهد قال‪" :‬أرُض (‪ )1‬الجَّنة من ورق‪ ،‬وترابها مسك‪ ،‬وأصول أشجارها ذهٌب وَو رق‪ ،‬وأفنانها‬
‫لؤلؤ وزبرجد وياقوت‪ ،‬والورق والثمر تحَت ذلك‪ ،‬فمن أَك ل قائًم ا لم يؤذِه‪ ،‬ومن أكل جالًس ا لم‬
‫يؤذه‪ ،‬ومن أكل مضطجًعا لم يؤذه‪َ{ ،‬و ُذِّلَلْت ُقُطوُفَه ا َتْذ ِلياًل (‪[ } )14‬اإلنسان‪. )2( ]14 :‬‬
‫وقال أبو معاوية‪ :‬حدثنا األعمش عن أبي ظبيان عن جرير بن عبد الَّله رضي الَّله عنه قال‪ :‬نزلنا‬
‫الَّصفاح‪ ،‬فإذا رجٌل نائم تحَت شجرة قد كادِت الشمُس أْن تبلغه‪ ،‬قال‪ :‬فقلُت للغالم‪ :‬انطلق بهذا‬
‫الِّنطع فأظله‪ ،‬قال‪ :‬فانطلق فأظَّلُه‪ ،‬فلما استيقَظ إذا هو سلمان فأتيته ُأسِّلُم عليه (‪ ، )3‬فقال‪ :‬يا‬
‫جريُر ‪ ،‬تواضع لَّله‪ ،‬فإَّنُه من تواضع لَّله في الدنيا رفعه الَّلُه يوم القيامة‪ ،‬يا جرير‪ ،‬هل تدري ما‬
‫الظلماُت يوم القيامة؟ قلُت ‪ :‬ال أدري‪ ،‬قال‪ :‬ظلُم الَّناِس بينهم‪ ،‬ثَّم أخذ عويًد ا‪ ،‬ال أكاُد أراُه بين‬
‫َّلِه‬
‫أصبعيه‪ ،‬فقال‪ :‬يا جرير‪ ،‬لو طلبت في الجنة مثل هذا لم تجده‪ ،‬قلُت ‪ :‬يا أبا عبد ال ‪ ،‬فأيَن النخُل‬
‫والشجُر ؟ قال‪ :‬أصولها اللؤلؤ والذهُب وأعالها الثمر" (‪. )4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في الزهد البن المبارك "إَّن أرض"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تقدم الكالم عليه في الباب (‪ )34‬ص (‪.)286‬‬
‫(‪ )3‬قوله‪" :‬أسلم عليه" ليس في "ب‪ ،‬د"‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أحمد في الزهد رقم (‪ )810‬مختصًر ا‪ ،‬وهناد في الزهد رقم (‪ ،)98‬والبيهقي في‬
‫البعث رقم (‪ )316‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه وكيع وابن نمير عن األعمش به نحوه‪.‬‬
‫أخرجه وكيع في الزهد رقم (‪ ،)215‬والبيهقي في البعث رقم (‪ ،)317‬وأحمد في الزهد (‬
‫‪.)810‬‬
‫وسنده صحيح‪.‬‬

‫(‪)1/357‬‬

‫الباب الخامس واألربعون في ثمارها وتعُد د أنواعها وصفاتها وريحانها‬


‫ِم ِت‬ ‫ٍت‬ ‫ِل ِت‬ ‫ِم‬ ‫َّلِذ‬
‫قال الَّلُه تعالى‪َ{ :‬و َبِّش ِر ا يَن آَمُنوا َو َع ُلوا الَّصا َح ا َأَّن َلُه ْم َج َّنا َتْج ِر ي ْن َتْح َه ا اَأْلْنَه اُر‬
‫ُك َّلَم ا ُر ِز ُقوا ِم ْنَه ا ِم ْن َثَمَر ٍة ِر ْز ًقا َقاُلوا َه َذ ا اَّلِذ ي ُر ِز ْقَنا ِم ْن َقْبُل َو ُأُتوا ِبِه ُمَتَش اِبًه ا} [البقرة‪.]25 :‬‬
‫وقولهم‪َ{ :‬ه َذ ا اَّلِذ ي ُر ِز ْقَنا ِم ْن َقْبُل} [البقرة‪ :]25 :‬أي شبيهه ونظيره ال َعْيَنُه‪ ،‬وهل المراد أَّن‬
‫هذا اَّلذي ُر زقنا في الدنيا نظيره من الفواكه والثماِر ‪ ،‬أو هذا نظيُر اَّلذي رزقنا في الجنة قبُل؟‬
‫قيل‪ :‬فيه قوالن‪ :‬ففي "تفسير الُّس دي" عن أبي مالٍك ‪ ،‬وعن أبي صالح‪ :‬عن ابن عباس‪ ،‬وعن ُمَّر ة‬
‫عن ابن مسعود‪ :‬وعن ناس من أصحاب الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قالوا‪َ{ :‬ه َذ ا اَّلِذ ي ُر ِز ْقَنا‬
‫ِم ْن َقْبُل} أَّنهم ُأُتوا بالثمرة في الجَّنة‪ ،‬فلَّم ا نظروا إليها قالوا‪ :‬هذا اَّلذي رزقنا من قبل (‪ )1‬في‬
‫الدنيا" (‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله‪" :‬من قبل" سقط من "ب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ )386 - 385 /1‬رقم (‪( )512‬ط‪ :‬دار المعارف)‪.‬‬
‫وسنده ضعيف‪ .‬وهي سلسلة فيها غرابة؛ ألَّنها من رواية أسباط بن نصر‪ ،‬ولعَّله لهذا السبب‪ ،‬لم‬
‫يخرجها ابن أبي حاتم في تفسيره‪.‬‬
‫قال الخليلي‪ . . ." :‬لكن التفسير اَّلذي جمعه رواه أسباط بن نصر‪ ،‬وأسباط لم يتفقوا عليه‪ ،‬غير‬
‫أَّن أمثل التفاسير تفسير السدي‪ " . .‬اإلرشاد (‪.)398 /1‬‬

‫(‪)1/358‬‬

‫قال مجاهد‪" :‬ما أشبهه به" (‪. )1‬‬


‫وقال ابن زيد‪َ{ " :‬ه َذ ا اَّلِذ ي ُر ِز ْقَنا ِم ْن َقْبُل}‪ :‬في الدنيا‪َ{ ،‬و ُأُتوا ِبِه ُمَتَش اِبًه ا}‪ :‬يعرفونه" (‪. )2‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هذا اَّلذي ُر ِز ْقَنا من قبل من ثمار الجَّنة‪ ،‬من قبل هذا‪ ،‬لشدة مشابهة بعضه بعًض ا‬
‫في اَّللون والَّطعم (‪. )3‬‬
‫واحتَّج أصحاب هذا القول بُحَج ٍج ‪:‬‬
‫أَح ُد ها‪ :‬أَّن المشابهة التي (‪ )4‬بين ثمار الجَّنة بعضها لبعض أعظُم من المشابهة التي بينها وبين‬
‫ثمار الدنيا‪ ،‬ولشدة المشابهة قالوا‪ :‬هذا (‪ )5‬هو‪.‬‬
‫الحجة الثانية‪ :‬ما حكاه ابن جرير عنهم قال‪" :‬ومن ِع َّلة قائلي هذا القول أَّن ثمار الجَّنة كلَّم ا نزع‬
‫منها شيء عاد مكانه آخر مثله‪ ،‬كما حدثنا ابن بشار‪ ،‬حدثنا ابن َم ْه ِد ي‪ ،‬حدثنا سفيان سمعُت‬
‫عمرو بن ُمَّر ة يحِّدث عن أبي ُعَبْيدة‪ ،‬وذكر ثمر الجَّنة‪ ،‬قال‪ُ" :‬ك لما نزعت ثمرة عادت مكانها‬
‫أخرى" (‪. )6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ )386 /1‬رقم (‪ 514‬و ‪.)515‬‬
‫وسنده حسن‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ )386 /1‬رقم (‪ .)516‬وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬تفسير الطبري (‪.)386 /1‬‬
‫(‪ )4‬في "ب"‪" :‬اَّلذي"‪.‬‬
‫(‪ )5‬من "أ"‪.‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ )386 /1‬رقم (‪.)517‬‬
‫وسيأتي الكالم عليه وأَّنه من قول مسروق في ص (‪.)389 - 388‬‬

‫(‪)1/359‬‬

‫الحَّج ة الثالثة‪ :‬قوله‪َ{ :‬و ُأُتوا ِبِه ُمَتَش اِبًه ا} [البقرة‪ ]25 :‬وهذا كالتعليل والسبب (‪ )1‬الموجب‬
‫لقولهم‪َ{ :‬قاُلوا َه َذ ا اَّلِذ ي ُر ِز ْقَنا ِم ْن َقْبُل} [البقرة‪.]25 :‬‬
‫الحجة الرابعة‪ :‬أَّن من المعلوم أَّنه ليس كل ما في الجَّنة من الثمار قد رزقوه في الدنيا‪ ،‬وكثير من‬
‫أهلها ال يعرفون ثمار (‪ )2‬الدنيا وال رأوها‪.‬‬
‫ورجحت طائفة منهم‪ :‬ابن جرير وغيره القول اآلخر‪ ،‬واحتَّج ت بوجوه‪.‬‬
‫قال ابن جرير‪" :‬واَّلذي يحقق صحة قول القائلين‪ :‬إَّن معنى ذلك {َه َذ ا اَّلِذ ي ُر ِز ْقَنا ِم ْن َقْبُل}‬
‫[البقرة‪ ]25 :‬في الدنيا‪ ،‬أَّن الَّلَه جَّل ثناؤه قال‪ُ{ :‬ك َّلَم ا ُر ِز ُقوا ِم ْنَه ا ِم ْن َثَمَر ٍة ِر ْز ًقا} [البقرة‪]25 :‬‬
‫يقولون‪َ{ :‬ه َذ ا اَّلِذ ي ُر ِز ْقَنا ِم ْن َقْبُل} [البقرة‪ ]25 :‬ولم ُيَخ ِّص ص أَّن ذلك من ِقْيلهم في بعٍض دون‬
‫بعض (‪ ، )3‬فإْن كان قد أخبر جَّل ذكره عنهم أَّن ذلك من قيلهم كلما رزقوا ثمرة‪ ،‬فال شَّك أَّن‬
‫ذلك من قيلهم في أَّو ل رزٍق ُر ِز ُقْو ُه من ثمارها ُأُتوا به بعد دخولهم الجَّنة‪ ،‬واستقرارهم فيها‪،‬‬
‫اَّلذي لم يتقدمه عندهم من ثمارها ثمرة‪ ،‬فإذ (‪ )4‬كان ال شك أَّن ذلك من قيلهم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "أ‪ ،‬جـ‪ ،‬هـ"‪" :‬والمسَّبب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب"‪" :‬أثمار"‪.‬‬
‫(‪ )3‬قوله "دون بعض" سقط من "ج"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في "هـ"‪" :‬فإذا"‪.‬‬
‫(‪)1/360‬‬

‫في أَّو له‪ ،‬كما هو من قيلهم في أوسطه (‪ ، )1‬وما يتلوه؛ فمعلوم أَّنه محال أْن يقولوا ألَّو ل رزق‬
‫رزقوه من ثمار الجَّنة‪ :‬هذا اَّلذي رزقنا من قبل هذا من ثمار الجَّنة‪ ،‬وكيف يجوز أْن يقولوا ألَّو ل‬
‫رزق رزقوه (‪ )2‬من ثمارها ولَّم ا يتقدمه عندهم غيره منها‪ :‬هذا (‪ )3‬اَّلذي رزقناه قبل (‪ ، )4‬إاَّل‬
‫أْن ينسبهم ذو َغَّيٍة وضالٍل إلى قيل الكذب‪ ،‬اَّلذي قد طَّهرهم الَّلُه منه‪ ،‬أو يدفَع دافٌع أْن يكون‬
‫ذلك من ِقْيلهم ألَّو ل رزٍق يرزقونه من ثمارها‪ ،‬فيدفع صحة ما أوجب الَّلُه صحته من غير نصب‬
‫داللٍة على أَّن ذلك في حال من أحوالهم دون حال‪ ،‬فقد تبين أَّن معنى اآلية‪ :‬كلما رزقوا (‪ )5‬من‬
‫ثمرة من ثمار الجَّنة في الجَّنة رزًقا‪ ،‬قالوا‪ :‬هذا اَّلذي رزقنا من قبل هذا في الدنيا" (‪. )6‬‬
‫قلُت ‪ :‬أصحاب القول األول يخُّص ون هذا العام بما عدا الرزق األَّو ل‪ ،‬لداللة العقل والسياق عليه‪،‬‬
‫وليس هذا ببدع من طريقة القرآن‪ ،‬وأنت مضطر إلى تخصيصه وال بد بأنواع من التخصيصات‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أَّن كثيًر ا من ثمار الجَّنة وهي التي ال نظير لها في الدنيا‪ ،‬ال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من "ب"‪ :‬والطبري‪ ،‬وفي باقي النسخ "وسطه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬سقط من "ب‪ ،‬ج"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬هذا هو"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في الطبري "من قبل"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في "ب"‪" :‬رزقوا منها من ثمرة‪ ،" . . .‬وفي الطبري "كلما رزق اَّلذين آمنوا وعملوا‬
‫الصالحات من ثمرة من ثمار‪." . . .‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬تفسير الطبري (‪.)388 - 386 /1‬‬

‫(‪)1/361‬‬

‫ُيقال فيها ذلك‪.‬‬


‫الثاني‪ :‬أَّن كثيًر ا من أهلها لم ُيْر َز ُقوا جميع ثمرات الدنيا التي لها نظير في الجَّنة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أَّنُه من المعلوم أَّنهم ال يستمرون على هذا القول َأَبَد اآلباد‪ ،‬كَّلما أكلوا ثمرًة واحدة‬
‫قالوا‪ :‬هذا اَّلذي رزقناه في الدنيا‪ ،‬ويستمرون على هذا الكالم دائًم ا إلى غير نهاية‪ ،‬والقرآن‬
‫العزيز لم يقصد إلى هذا المعنى‪ ،‬وال هو مَّم ا ُيْع تنى به من نعيمهم ولذتهم‪ ،‬وإَّنما هو كالم مبين‬
‫خارٌج على (‪ )1‬المعتاد المفهوم من المخاطب‪.‬‬
‫ومعناه‪ :‬إَّنه يشبه (‪ )2‬بعضه بعًض ا‪ ،‬ليس أَّو له َخ ْيًر ا من آخره‪ ،‬وال هو مَّم ا َيْع رض له ما َيْع رض لثمر‬
‫الدنيا عند تقادم الشجر وكبرها من نقصان حملها‪ ،‬وصغر ثمرها وغير ذلك‪ ،‬بل أَّو له مثُل آخره‪،‬‬
‫وآخره مثل أَّو له‪ ،‬وهو خيار كله يشبه بعضه بعًض ا‪ ،‬فهذا وجه قولهم‪ .‬وال يلزم مخالفه ما نَّصه الَّلُه‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬وال ِنْسَبة أهل الجَّنة إلى الكذب بوجٍه‪ ،‬واَّلذي يلزمهم من الَّتخصيص يلزمك‬
‫نظيره وأكثر منه‪ ،‬والَّلُه أعلم‪.‬‬
‫وأَّما قوله عَّز وجَّل‪َ{ :‬و ُأُتوا ِبِه ُمَتَش اِبًه ا} [البقرة‪.]25 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬وقع في "أ‪ ،‬ب" "عن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في نسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬أَّن َش َبَه"‪.‬‬

‫(‪)1/362‬‬

‫فقال الحسن‪" :‬خياٌر كله ال َر ْذل فيه‪ ،‬ألم (‪ )1‬تروا إلى ثمر الدنيا كيف يسترذلون بعضه‪ ،‬وأَّن‬
‫ذلك ليس فيه رذل" (‪. )2‬‬
‫وقال قتادة‪" :‬خياٌر ال َر ْذَل فيه‪ ،‬وإَّن ثمار الدنيا ينفى (‪ )3‬منها‪ ،‬ويرذل منها" (‪." )4‬‬
‫وكذلك قال ابن جريج وجماعة (‪. )5‬‬
‫وعلى هذا‪ ،‬فالمراد بالُم َتَش ابه الُم َتواِفق والُم َتماِثل‪.‬‬
‫وقالت طائفة أخرى‪ :‬منهم ابن مسعود‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وناس من أصحاب رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله‬
‫عليه وسلم‪" :-‬متشابًه ا في اَّللون والمرأى‪ ،‬وليس ُيْش ِبُه الطعُم الطعَم " (‪. )6‬‬
‫قال مجاهد‪" :‬متشابًه ا لونه مختلًف ا طعمه" (‪ ، )7‬وكذلك قال الربيع ابن أنس (‪ ، )8‬وقال يحيى‬
‫بن أبي كثير‪" :‬عشب الجَّنة الزعفران‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب"‪" :‬أال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ )389 /1‬رقم (‪ ،)520‬وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )3‬عند الطبري‪" :‬ينقى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ )390 - 389 /1‬رقم (‪ )522‬وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ )390 /1‬رقم (‪ )523‬عن ابن جريج‪.‬‬
‫وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ )390 /1‬رقم (‪ )524‬وسنده ضعيف‪.‬‬
‫قال ابن كثير‪" :‬هذا اإلسناد يروى به الُّس ِّدي أشياء فيها غرابة"‪.‬‬
‫انظر‪ :‬اإلتقان للسيوطي (‪.)534 /2‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه الطبري (‪ )390 /1‬رقم (‪ )528 ،525‬وغيره‪ ،‬وهو صحيح عنه‪.‬‬
‫(‪ )8‬أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ص (‪ )9‬البقرة‪ ،‬والطبري في تفسيره =‬

‫(‪)1/363‬‬

‫وكثبانها المسك‪ ،‬ويطوف عليهم الولدان بالفاكهة‪ ،‬فيأكلونها‪ ،‬ثَّم يأتونهم بمثلها فيقولون‪ :‬هذا‬
‫اَّلذي جئتمونا به آنًف ا‪ ،‬فيقول لهم الخدم (‪ : )1‬كلوا فإَّن اللون واحد‪ ،‬والطعم (‪ )2‬مختلف‪ ،‬فهو‬
‫قوله عَّز وجل‪ُ{ :‬ك َّلَم ا ُر ِز ُقوا ِم ْنَه ا ِم ْن َثَمَر ٍة ِر ْز ًقا َقاُلوا َه َذ ا اَّلِذ ي ُر ِز ْقَنا ِم ْن َقْبُل َو ُأُتوا ِبِه ُمَتَش اِبًه ا}‬
‫[البقرة‪. )3( " ]25 :‬‬
‫وقال طائفة‪ :‬معنى اآلية‪ :‬أَّنه يشبه ثمر الدنيا‪ ،‬غيَر أَّن ثمر الجَّنة أفضل وأطيب‪ .‬قال ابن وهب‪:‬‬
‫قال عبد الرحمن بن زيد‪ :‬يعرفون أسماءه كما كانوا في الدنيا‪ :‬التفاح بالتفاح‪ ،‬والرمان بالرمان (‬
‫‪ ، )4‬قالوا في الجَّنة‪ :‬هذا اَّلذي رزقنا من قبل‪ ،‬وُأتوا به متشابًه ا‪ :‬يعرفونه‪ ،‬وليس هو مثله في‬
‫الطعم" (‪. )5‬‬
‫واختار ابن جرير هذا القول‪ ،‬قال‪" :‬وقد دَّللنا على فساد قول من قال‪ :‬إَّن معنى اآلية‪َ{ :‬ه َذ ا اَّلِذ ي‬
‫ُر ِز ْقَنا ِم ْن َقْبُل} [البقرة‪ ]25 :‬أي‪ :‬في‬
‫__________‬
‫= (‪ )39 /1‬رقم (‪.)527‬‬
‫وسنده حسن‪.‬‬
‫(‪ )1‬عند ابن أبي حاتم "الولدان"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ج"‪" :‬والمطعم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره رقم (‪ ،)262‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ .)353‬وسنده‬
‫صحيح‪ .‬وأخرجه الطبري (‪ )387 /1‬رقم (‪ )518‬بغير هذا اللفظ‪ ،‬وفيه ضعف‪.‬‬
‫(‪ )4‬في "ب"‪" :‬التفاح والرمان" بداًل من "التفاح بالتفاح‪ ،‬والرمان بالرمان"‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ )392 /1‬رقم (‪ ،)536‬وسنده صحيح‪.‬‬

‫(‪)1/364‬‬

‫الجَّنة‪ ،‬وتلك الداللة على فساد ذلك القول (‪ ، )1‬هي الداللة على فساد قول من خالف قولنا في‬
‫تأويل قوله‪َ{ :‬و ُأُتوا ِبِه ُمَتَش اِبًه ا} [البقرة‪ ]25 :‬ألَّن (‪ )2‬الَّلَه سبحانه وتعالى أخبر عن المعنى اَّلذي‬
‫من أجله قال القوم {َه َذ ا اَّلِذ ي ُر ِز ْقَنا ِم ْن َقْبُل} بقوله (‪َ{ )3‬و ُأُتوا ِبِه ُمَتَش اِبًه ا}‪.‬‬
‫قلُت ‪ :‬وهذا ال يدل على فساد قولهم لما تقدم‪.‬‬
‫وقال تعالى‪َّ { :‬ناِت َعْد ٍن َف َّت ًة َل اَأْل ا (‪َّ )50‬تِكِئي ِفي ا ْد ُعوَن ِفي ا ِبَف اِك ٍة َك ِثي ٍة‬
‫َه َر‬ ‫َه‬ ‫ُم َن َه َي‬ ‫ُم َح ُه ُم ْبَو ُب‬ ‫َج‬
‫َو َش َر اٍب (‪[ } )51‬ص‪ ،]51 - 50 :‬وقال تعالى‪َ{ :‬يْد ُعوَن ِفيَه ا ِبُك ِّل َفاِكَه ٍة آِم ِنيَن (‪} )55‬‬
‫[الدخان‪.]55 :‬‬
‫وهذا يدُّل على أمنهم (‪ )4‬من انقطاعها ومضرتها‪.‬‬
‫وقال تعالى‪َ{ :‬و ِتْلَك اْلَج َّنُة اَّلِتي ُأوِر ْثُتُم وَه ا ِبَم ا ُك ْنُتْم َتْع َم ُلوَن (‪َ )72‬لُك ْم ِفيَه ا َفاِكَه ٌة َك ِثيَر ٌة ِم ْنَه ا‬
‫َتْأُك ُلوَن (‪[ } )73‬الزخرف‪ .]73 - 72 :‬وقال تعالى‪َ{ :‬و َفاِكَه ٍة َك ِثيَر ٍة (‪ )32‬اَل َمْقُطوَعٍة َو اَل‬
‫َمْم ُنوَعٍة (‪[ } )33‬الواقعة‪.]33 - 32 :‬‬
‫أي ال تكون في وقٍت دون وقٍت ‪ ،‬وال ُتْم َنع ِم َّم ن أرادها‪.‬‬
‫وقال تعالى‪َ{ :‬فُه َو ِفي ِع يَش ٍة َر اِض َيٍة (‪ِ )21‬في َج َّنٍة َعاِلَيٍة (‪ُ )22‬قُطوُفَه ا َداِنَيٌة (‪[ } )23‬الحاقة‪:‬‬
‫‪.]23 - 21‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "د"‪" :‬وتلك الداللة فساد‪ ،‬وذلك القول"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في جميع النسخ "أن"‪ ،‬والمثبت من الطبري‪.‬‬
‫(‪ )3‬قوله "بقوله" من تفسير الطبري (‪.)393 - 392 /1‬‬
‫(‪ )4‬في "ب"‪" :‬أنهم" وهو خطأ‪.‬‬

‫(‪)1/365‬‬
‫والقطوف‪ :‬جمع ِقْطف‪ ،‬وهو ما ُيْق طف‪ .‬والَق ْطف ‪-‬بالفتح‪ -‬الِف ْع ل‪ ،‬أي ثمارها دانية‪ :‬قريبة مَّم ن‬
‫يتناولها‪ ،‬فيأخذها كيف يشاء‪ ،‬قال البراء بن عازب‪" :‬يتناول الثمرة وهو نائم" (‪. )1‬‬
‫وقال تعالى‪َ{ :‬و َداِنَيًة َعَلْيِه ْم ِظ اَل ُلَه ا َو ُذِّلَلْت ُقُطوُفَه ا َتْذ ِلياًل } [اإلنسان‪.]14 :‬‬
‫قال ابن عباس رضي الَّله عنهما‪" :‬إذا َه َّم أْن يتناول من ثمارها تدَّلْت (‪ )2‬إليه حَّتى يتناول ما‬
‫يريد" (‪. )3‬‬
‫وقال غيره‪ُ" :‬قِّر بت إليهم ُمذَّللة كيف شاؤوا‪ ،‬فهم يتناولوها قياًم ا وقعوًد ا ومضطجعين" (‪، )4‬‬
‫فيكون كقوله‪ُ{ :‬قُطوُفَه ا َداِنَيٌة} [الحاقة‪]23 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ ،)61 /29‬وابن صاعد في زوائده على الزهد البن المبارك رقم‬
‫(‪ ،)1454‬والواحدي في الوسيط (‪ )347 - 346 /4‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن البراء فذكره‪.‬‬
‫وله طرق عن أبي إسحاق ستأتي‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه أبو الُّضحى عن البراء‪ ،‬فذكره‪ ،‬وزاد "وهم جلوس‪ ،‬وعلى أي حال شاؤوا"‪.‬‬
‫أخرجه هناد في الزهد برقم (‪ )101‬وسنده حسن‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب"‪" :‬تذَّللت"‪ ،‬وفي "د" "تدَّللت"‪.‬‬
‫(‪ )3‬ذكره الواحدي في تفسيره الوسيط (‪ ،)403 /4‬وابن الجوزي في زاد المسير (‪.)436 /8‬‬
‫وأخرج الطبري (‪ )150 /27‬عن ابن عباس قال في قوله {َو َج َنى اْلَج َّنَتْيِن َداٍن (‪[ })54‬الرحمن‪:‬‬
‫‪ ،]54‬قال‪ :‬ثمارها دانية‪ .‬وسنده حسن‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬معاني القرآن وإعرابه للزجاج (‪ ،)360 /5‬وزاد المسير البن الجوزي (‪.)436 /8‬‬

‫(‪)1/366‬‬

‫ومعنى تذليل القطف‪ :‬تسهيل تناوله‪ .‬وأهل المدينة يقولون‪َ :‬ذِّلِل النخل‪ ،‬أي َس ِّو ى عذوقه‬
‫وأخرجها من الَّس عف‪ ،‬حَّتى يسهل تناولها‪.‬‬
‫وفي نصب {َداِنَيٌة (‪ } )23‬وجهان (‪: )1‬‬
‫أحدهما‪ :‬أَّنه على الحال عطًف ا على قوله {ُمَّتِكِئيَن }‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أَّنه صفة لـ {َج َّنٍة}‪.‬‬
‫وقال تعالى‪ِ{ :‬فيِه َم ا ِم ْن ُك ِّل َفاِكَه ٍة َز ْو َج اِن (‪[ } )52‬الرحمن‪ ،]52 :‬وفي الجنتين األخريين‪:‬‬
‫{ِفيِه َم ا َفاِكَه ٌة َو َنْخ ٌل َو ُر َّماٌن (‪[ } )68‬الرحمن‪.]68 :‬‬
‫وخَّص النخل والُّر َّمان من بين الفاكهة بالِّذ ْك ِر لفضلهما وشرفهما‪ ،‬كما نَّص على حدائق النخل‬
‫واألعناب في سورة النبأ‪ ،‬إذ هما من أفضل أنواع الفواكه‪ ،‬وأطيبها وأحالها‪.‬‬
‫وقال تعالى‪َ{ :‬و َلُه ْم ِفيَه ا ِم ْن ُك ِّل الَّثَمَر اِت َو َمْغِف َر ٌة ِم ْن َر ِّبِه ْم } [محمد‪.]15 :‬‬
‫وقال الطبراني‪ :‬حدثنا معاذ بن المثنى حدثنا علي بن المديني حدثنا ريحان بن سعيد عن عَّباد (‪)2‬‬
‫بن منصور‪ ،‬عن أيوب عن أبي قالبة عن أبي أسما عن ثوبان رضي الَّله عنه قال‪ :‬قال رسول الَّلِه‬
‫َء‬
‫‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إَّن الَّر جَل إذا نزَع ثمرًة من الجَّنة عادْت مكانها أخرى" (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬تفسير الطبري (‪.)214 /29‬‬
‫(‪ )2‬في "ج"‪" :‬عبادة" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الطبراني في الكبير (‪ )102 /2‬رقم (‪ ،)1449‬والبزار في مسنده (‪ )123 /10‬رقم‬
‫(‪ ،)4187‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪.)345‬‬
‫كلهم من طريق ريحان بن سعيد عن عَّباد بن منصور به مثله‪= .‬‬

‫(‪)1/367‬‬

‫وقال عبد الَّله بن اإلمام أحمد‪ :‬حدثني ُعقبة بن ُمكرم العمي‪ ،‬حدثنا ِر ْبِعي بن إبراهيم بن ُعلَّية‬
‫حدثنا عوف‪ ،‬عن قسامة بن ُزَه ير عن أبي موسى ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪" :-‬اهبط الَّلُه آدم من الجَّنة‪ ،‬وعَّلمه صنعَة كل شيٍء ‪ ،‬وزَّو ده من ثمار الجَّنة‪،‬‬
‫فثماركم هذه من ثمار الجَّنة‪ ،‬غير أَّنها تغَّير‪ ،‬وتلك ال تغَّير" (‪. )1‬‬
‫وقد تقَّدم‪ :‬أَّن سدرة المنتهى نبقها مثل القالل (‪. )2‬‬
‫وفي "صحيح مسلم" (‪ )3‬من حديث أبي الزبير‪ ،‬عن جابر رضي الَّله عنه عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله‬
‫عليه وسلم‪ -‬قال‪ُ" :‬عرضت علَّي الجَّنة حتى لو تناولت منها قطًف ا‬
‫__________‬
‫= وهو حديث منكر بهذا اإلسناد‪ ،‬لتفرد عباد بن منصور به عن أيوب‪ ،‬وفيه ضعف‪ ،‬وكان قد‬
‫تغَّير‪ .‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)161 - 56 /14‬‬
‫‪ -‬ورواُه إسحاق بن إدريس "كَّذ اب يضع الحديث" عن أبان عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قالبة‬
‫به بنحوه‪.‬‬
‫أخرجه البزار في مسنده (‪ )123 /10‬رقم (‪ ،)4188‬والحاكم في المستدرك (‪ )496 /4‬رقم (‬
‫‪ )8390‬مطَّو اًل جًّدا‪.‬‬
‫وقال الحاكم‪" :‬هذا الحديث عن ثوبان ال نعلمه يروى عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬من‬
‫وجٍه متصل عنه بأحسن من هذا اإلسناد‪ ،‬وال نعلم روى حديث أيوب إاَّل عَّباد بن منصور‪ ،‬وال‬
‫رواُه عن عباد إاَّل ريحان‪ ،‬وال نعلُم روى حديث يحيى ابن أبي كثير إاَّل إسحاق بن إدريس عن‬
‫أبان"‪.‬‬
‫قال البرديجي‪" :‬فأَّما حديث ريحان عن عباد عن أيوب عن أبي قالبة فهي مناكير"‪.‬‬
‫(‪ )1‬تقدم الكالم عليه في ص (‪ .)64‬والصواب فيه موقوف‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري رقم (‪ )3035‬من حديث أنس رضي الَّلُه عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬رقم (‪.)904‬‬

‫(‪)1/368‬‬

‫أخذته"‪.‬‬
‫وفي لفظ‪" :‬فتناولت منها قطًف ا فقصرت عنه يدي" (‪. )1‬‬
‫وقال أبو خيثمة‪ :‬حدثنا عبد الَّله بن جعفر‪ ،‬حدثنا عبيد الَّله‪ ،‬حدثنا ابن عقيل‪ ،‬عن جابر ‪-‬رضي‬
‫الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬بينما نحن في صالة الظهر إذ تقدم رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬فتقدمنا‪،‬‬
‫ثم تناول شيًئا ليأخذه ثم تأخر‪ ،‬فلَّم ا قضى الصالة قال له ُأبي بن كعب‪ :‬يا رسول الَّله‪ ،‬صنعت‬
‫اليوم في الصالة شيًئا‪ ،‬ما كنت تصنعه؟ قال‪" :‬إنه عرضت علَّي الجنة وما فيها من الزهرة‬
‫والنضرة‪ ،‬فتناولت منها قطًف ا من عنب آلتيكم به‪ ،‬فحيل بيني وبينه‪ ،‬ولو أتيتكم به ألكل منه من‬
‫بين السماء واألرض ال ينقصونه" (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬المصدر الَّس ابق‪ ،‬وهو من شك أحد الرواة‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أحمد (‪ )352 /3‬و (‪ ،)137 /5‬وعبد بن حميد برقم (‪.)1036‬‬
‫من طريق زكريا بن عدي والحسين المروزي وأحمد بن عبد الملك كلهم عن عبيد الَّله بن عمرو‬
‫عن ابن عقيل عن جابر فذكره‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه أحمد بن عبد الملك والعالء الرقي عن عبيد الَّله بن عمرو عن ابن عقيل عن الطفيل عن‬
‫أبيه ُأبي بن كعب فذكره‪.‬‬
‫أخرجه أحمد في المسند (‪ ،)138 /5‬والحاكم في المستدرك (‪ )647 /4‬رقم (‪ )8788‬مطَّو اًل ‪.‬‬
‫والحديث تفَّر د به ابن عقيل بهذا اللفظ‪ ،‬والِّس ياق فيه غرابة‪ ،‬وابن عقيل في حفظه ضعف‪.‬‬
‫‪ -‬فقد رواُه أبو الزبير ‪-‬كما تقَّدم‪ -‬وعطاء عن جابر ولم يذكر ما ذكره ابن عقيل‪.‬‬
‫أخرجه مسلم برقم (‪ ،)904‬وأحمد (‪ 317 /3‬و ‪ )335‬وغيرهما‪.‬‬

‫(‪)1/369‬‬

‫وقال ابن المبارك‪ :‬أنبأنا سفيان‪ ،‬عن حماد‪ ،‬عن (‪ )1‬سعيد بن جبير عن ابن عباس قال‪" :‬ثمُر‬
‫الجَّنة أمثال القالل والدالء‪ ،‬أشُّد بياًض ا من اللبن‪ ،‬وأحلى من العسل‪ ،‬وأليُن من الُّز ْبِد ‪ ،‬ليس فيه‬
‫َعَج م" (‪. )2‬‬
‫وقال سعيد بن منصور‪ :‬حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب رضي الَّله عنه قال‪:‬‬
‫"إَّن أهل الجَّنة يأكلون من ثمار الجَّنة قياًم ا وقعوًد ا‪ ،‬ومضطجعين على أِّي حاٍل شاؤوا" (‪. )3‬‬
‫وقال البزار في "مسنده"‪ :‬حدثنا أحمد بن الفرج الحمصي حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن‬
‫دينار الحمصي حدثنا محمد بن المهاجر عن الضحاك المعافري عن سليمان بن موسى قال‪:‬‬
‫حدثني كريب أَّنه سمع ُأسامة بن زيد رضي الَّله عنهما يقول‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪" :-‬أاَل ُمشمٌر للجَّنة‪ ،‬فإَّن الجَّنة ال خطر لها‪ ،‬هي ورِّب الكعبة نوٌر يتألأل‪ ،‬وريحانٌة تهتُّز ‪،‬‬
‫وقصٌر مشيٌد ‪ ،‬ونهٌر مطرٌد‪ ،‬وثمرة نضيجة‪ ،‬وزوجة حسناُء جميلة‪ ،‬وحَلٌل كثيرة في مقام أبٍد ‪ ،‬في‬
‫داٍر سليمة‪ ،‬وفاكهة وخضرٍة‪ ،‬وِح َبرٍة ونعمٍة في محَّلٍة عاليٍة بهَّية‪ ،‬قالوا‪ :‬نعم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب" "بن" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬تقدم في الباب (‪ )44‬ص (‪ ،)354‬بلفظ "نخل الجنة‪." . . .‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البيهقي رقم (‪ ،)313‬وابن المبارك في الزهد ‪-‬رواية ُنَعيم‪ -‬رقم (‪ )67‬وغيرهما‪.‬‬
‫وقد توبع شريك القاضي‪ :‬تابعه شعبة وإسرائيل والثوري وزكريا‪.‬‬
‫أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (‪ /7‬رقم ‪ ،)34074‬وهناد في الزهد رقم (‪ ،)100‬والطبري‬
‫في تفسيره (‪ )61 /29‬وغيرهم‪.‬‬
‫انظر‪ :‬فتح الباري (‪.)321 /6‬‬

‫(‪)1/370‬‬

‫يا رسول الَّله‪ ،‬نحن المشمرون لها‪ :‬قال‪ :‬قولوا‪ :‬إْن شاء الَّلُه‪ ،‬قال‪ :‬القوم‪ :‬إْن شاء الَّله" (‪. )1‬‬
‫قال البزار‪" :‬وهذا الحديث ال نعلُم من رواُه عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬إاَّل أسامة‪ ،‬وال‬
‫نعلم له طريًق ا عن أسامة إاَّل هذا الطريق‪ ،‬وال نعلم رواُه عن الضحاك المعافري إاَّل هذا الرجل‬
‫محمد بن مهاجر"‪.‬‬
‫وفي حديث َلِق ْيط بن َص ِبَر ة (‪ )2‬اَّلذي رواه عبد الَّله بن أحمد في "مسند أبيه" وغيره‪ :‬قلُت ‪ :‬يا‬
‫رسول الَّلِه على ما نَّطلع من (‪ )3‬الجَّنة؟ قال‪ :‬على أنهار من عسٍل مصَّف ى‪ ،‬وأنهار من كأس ما بها‬
‫ُصَد اع‪ ،‬وال َندامة‪ ،‬وأنهار من لبٍن لم يتغير طعمه‪ ،‬وماٍء (‪ )4‬غير آسن‪ ،‬وبفاكهة‪ ،‬لَعْم ر إلهك مَّم ا‬
‫تعلمون‪ ،‬وخير من (‪ )5‬مثله معه" (‪. )6‬‬
‫وأَّما الَّر ْيَح انة‪ :‬فهو كل نبت طِّيب الَّر ائحة‪.‬‬
‫قال الحسن وأبو العالية‪" :‬هو ريحاننا هذا‪ ،‬يؤتى ِبُغْص ٍن من (‪ )7‬ريحان الجَّنة فنشُّم ه" (‪. )8‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تقدم تخريجه في ص (‪.)291‬‬
‫(‪ )2‬في "ب"‪" :‬عامر" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬وقع في "هـ" ونسخٍة على حاشية "أ" "في"‪.‬‬
‫(‪ )4‬وقع في "ب‪ ،‬د"‪" :‬وأَّنهار من ماء"‪.‬‬
‫(‪ )5‬سقط من "ب"‪.‬‬
‫(‪ )6‬تقدم الكالم عليه في ص (‪.)127 - 126‬‬
‫(‪ )7‬سقط من "ج"‪.‬‬
‫(‪ )8‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ )212 /27‬وسنده إلى الحسن‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫وسنده إلى أبي العالية‪ :‬ضعيف‪.‬‬

‫(‪)1/371‬‬
‫الباب السادس واألربعون في زرع الجَّنة‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬و ِفيَه ا َما َتْش َتِه يِه (‪ )1‬اَأْلْنُف ُس َو َتَلُّذ اَأْلْع ُيُن } [الزخرف‪.]71 :‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي الَّلُه عنه أَّن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬كان يوًم ا يحدث ‪-‬وعنده رج‬
‫ٌل‬
‫من أهل البادية‪" :-‬أَّن رجاًل من أهل الجَّنة استأذَن رَّبُه عَّز وجَّل في الزرع فقال له‪ :‬أولسَت فيما‬
‫اشتهيت؟ فقال‪ :‬بلى‪ ،‬ولكن (‪ )2‬أحُّب أْن أزرع‪ ،‬فأسرع وبذَر فبادر الَّطْر ف نباته واستواُؤ ُه‬
‫واستحصاده وتكويره أمثال الجبال فيقول الَّلُه عَّز وجَّل‪ :‬دونك يا ابَن آدم‪ ،‬فإَّنه ال يشبعك شيٌء‪،‬‬
‫فقال األعرابي‪ :‬يا رسول الَّله ال نجُد هذا إاَّل ُقَر شًّيا أو أنصارًّيا‪ ،‬فإَّنهم أصحاب زرٍع ‪ ،‬فأَّما نحُن‬
‫فلسنا بأصحاب زرع فضحك رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪.)3( "-‬‬
‫رواُه البخاري في كتاب التوحيد في باب كالم الرِّب تعالى مع أهل الجَّنة‪ ،‬وخَّر جه في غيره أيًض ا‬
‫(‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬هي قراءة ابن كثير وغيره‪ ،‬راجع (ص‪.)11 /‬‬
‫(‪ )2‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬ولكِّني"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري في صحيحه في (‪ )100‬التوحيد‪ )38( ،‬باب‪ :‬كالم الرب تعالى مع أهل‬
‫الجَّنة (‪ )2733 /6‬رقم (‪.)7081‬‬
‫(‪ )4‬في (‪ )46‬الحرث والمزارعة (‪ ،)16‬باب‪ِ :‬كراء األرِض بالذهب والفضة (‪ )826 /2‬رقم (‬
‫‪.)2221‬‬

‫(‪)1/372‬‬

‫وهذا يدُّل على أَّن في الجَّنة زرًعا‪ ،‬وذلك الَبْذ ُر منه‪ ،‬وهذا أحسُن أْن تكون األرض معمورًة‬
‫بالَّش جر والزرع‪.‬‬
‫فإْن قيل‪ :‬فكيف استأذن هذا الرجل رَّبه في الزرع‪ ،‬فأخبره أَّنه (‪ )1‬في غْنيٍة عنه؟‬
‫قيل‪ :‬لعَّله استأذن في زرع يباشره ويبذره بيده‪ ،‬وقد كان في ُغنيٍة عن ذلك وقد ُك ِف ي مؤونته‪ ،‬وال‬
‫أعلم ذكر الزرع في الجَّنة إاَّل في هذا الحديث‪ ،‬والَّلُه أعلم‪.‬‬
‫وروى إبراهيم بن الحكم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عكرمة قال‪ :‬بينما رجل في الجَّنة‪ ،‬فقال في نفسه‪ :‬لو أَّن‬
‫الَّلَه يأذن لي لزرعُت ‪ ،‬فال يعلُم إاَّل والمالئكة على أبوابه فيقولون‪ :‬سالٌم عليك‪ ،‬يقول لك رُّبك‪:‬‬
‫َتَم َّنْيَت في نفسك شيًئا فقد علمته‪ ،‬وقد ُبِعَث معنا البذُر ‪ ،‬فيقول‪ :‬ابذروا فيخرج أمثال (‪)2‬‬
‫الجبال‪ ،‬فيقول له الرُّب من فوق عرشه‪ :‬كْل يا ابَن آدَم فإَّن ابن آدم ال يشبع" (‪ . )3‬والَّلُه أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سقط من "ج"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في نسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬مثل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو نعيم في حلية األولياء (‪ )334 /3‬مطَّو اًل ‪ ،‬وموفق الَّدين بن قدامة المقدسي في‬
‫إثبات صفة العلو رقم (‪ )69‬مطَّو اًل ‪.‬‬
‫وفيه‪ :‬إبراهيم بن الحكم العدني وهو في األصل لم يكن به بأس‪ ،‬ثَّم زاد في األحاديث المرسلة‬
‫ووصلها حتى اتفقوا على ضعفه‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)76 - 74 /2‬‬
‫قال الذهبي في العلو (‪" :)895 /1‬إسناده ليس بذاك"‪.‬‬

‫(‪)1/373‬‬

‫الباب السابع واألربعون في ذكر أنهار الجَّنة وعيونها وأصنافها ومجراها اَّلذي تجري عليه‬
‫وقد تكَّر ر في القرآن في عَّدة مواضع قوله تعالى‪َ{ :‬ج َّناٍت َتْج ِر ي ِم ْن َتْح ِتَه ا اَأْلْنَه اُر } [البقرة‪:‬‬
‫ِم ِت‬ ‫ٍت‬
‫‪ ،]25‬وفي موضع‪َ{ :‬ج َّنا َتْج ِر ي َتْح َتَه ا} [التوبة‪ ،]100 :‬وفي موضع‪َ{ :‬تْج ِر ي ْن َتْح ِه ُم‬
‫اَأْلْنَه اُر } [يونس‪.]9 :‬‬
‫وهذا يدُّل على أمور‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬وجود األنهار فيها حقيقة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أَّنها جارية ال واقفة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أَّنها تحت غرفهم وقصورهم وبساتينهم‪ ،‬كما هو المعهود في أنهار الدنيا‪.‬‬
‫وقد ظَّن بعض المفسرين أَّن معنى ذلك جريانها بأمرهم‪ ،‬وتصريفهم لها كيف شاؤوا‪ ،‬وكأَّن اَّلذي‬
‫حملهم على ذلك أَّنه لَّم ا سمعوا أَّن أنهارها تجري في غير أخدوٍد ‪ ،‬فهي جارية على وجه األرض‬
‫حملوا قوله‪َ{ :‬تْج ِر ي ِم ْن َتْح ِتِه ُم اَأْلْنَه اُر } على أَّنها تجري بأمرهم‪ ،‬إْذ ال يكون فوق المكان تحته‪.‬‬
‫وهؤالء ُأُتوا من ضعف الَف هم‪ ،‬فإَّن أنهار الجَّنة وإْن َج َر ْت في غير أخدود؛ فهي تحت القصور‬
‫والمنازل والغرف‪ ،‬وتحت األشجار‪ ،‬وهو سبحانه وتعالى لم يقل‪ :‬من تحِت أرضها‪ ،‬وقد أخبر‬
‫سبحانه عن‬

‫(‪)1/374‬‬

‫جريان األنهار تحت الَّناس في الدنيا‪ ،‬فقال‪َ{ :‬أَلْم َيَر ْو ا َك ْم َأْه َلْك َنا ِم ْن َقْبِلِه ْم ِم ْن َقْر ٍن َم َّك َّناُه ْم ِفي‬
‫اَأْلْر ِض َما َلْم ُنَم ِّك ْن َلُك ْم َو َأْرَس ْلَنا الَّس َم اَء َعَلْيِه ْم ِم ْد َر اًر ا َو َجَعْلَنا اَأْلْنَه اَر َتْج ِر ي ِم ْن َتْح ِتِه ْم }‬
‫ِذِه‬ ‫ِل‬
‫[األنعام‪ ،]6 :‬فهذا على المعهود المتعارف‪ ،‬وكذلك ما حكاُه من قو فرعون‪َ{ :‬و َه اَأْلْنَه اُر‬
‫َتْج ِري ِم ْن َتْح ِتي} [الزخرف‪.]51 :‬‬
‫وقال تعالى‪ِ{ :‬فيِه َم ا َعْيَناِن َنَّضاَخَتاِن (‪[ } )66‬الرحمن‪.]66 :‬‬
‫قال ابن أبي شيبة‪ :‬حدثنا يحيى بن يمان عن أشعث عن جعفر عن (‪ )1‬سعيد قال‪" :‬نَّضاختان‬
‫بالماِء والفواكه" (‪. )2‬‬
‫وحدثنا ابن ان عن أبي إسحاق عن أبان عن أنس رضي الَّله عنه قال‪" :‬نَّضاختان‪ :‬بالمسِك‬
‫َيَم‬
‫والعنبر‪ ،‬تنضخان على ُدْو ِر أهل الجَّنة‪ ،‬كما ينضخ المطر على دور أهل الدنيا" (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب"‪" :‬ابن" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (‪ )65 /7‬رقم (‪ )34044‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة‬
‫رقم (‪ ،)71‬والطبري في تفسيره (‪.)156 /27‬‬
‫وخولف أشعث‪:‬‬
‫فرواُه يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد قال‪" :‬نَّضاختان بألوان الفاكهة"‪.‬‬
‫أخرجه الطبري (‪ ،)156 /27‬وابن صاعد في زياداته على الزهد البن المبارك رقم (‪،)1535‬‬
‫وأبو نعيم في الحلية (‪.)287 /4‬‬
‫وهذا اللفظ أصح‪ ،‬ولعَّل يحيى بن اليمان لم يضبطه‪.‬‬
‫وعليه فاألثر سنده حسن‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)72‬وابن أبي حاتم في تفسيره‪= ،‬‬

‫(‪)1/375‬‬
‫وحدثنا عبد الَّله بن إدريس عن أبيه عن أبي إسحاق عن البراء رضي الَّله عنه قال‪" :‬اللتان تجريان‬
‫أفضل من الَّنَّضاختين" (‪. )1‬‬
‫ِم‬ ‫ِس‬ ‫ِم ٍء‬ ‫ِف‬ ‫ِة ِت ِع‬
‫وقال تعالى‪َ{ :‬م َثُل اْلَج َّن اَّل ي ُو َد اْلُم َّتُقوَن يَه ا َأْنَه اٌر ْن َما َغْيِر آ ٍن َو َأْنَه اٌر ْن َلَبٍن َلْم َيَتَغَّيْر‬
‫َطْع ُم ُه َو َأْنَه اٌر ِم ْن َخ ْم ٍر َلَّذ ٍة ِللَّش اِر ِبيَن َو َأْنَه اٌر ِم ْن َعَس ٍل ُمَص ًّف ى َو َلُه ْم ِفيَه ا ِم ْن ُك ِّل الَّثَمَر اِت َو َمْغِف َر ٌة‬
‫ِم ْن َر ِّبِه ْم } [محمد‪.]15 :‬‬
‫فذكر سبحانه هذه األجناس األربعة‪ ،‬ونفى عن كِّل واحٍد منها اآلفة التي تعرض له في الدنيا‪ ،‬فآفة‬
‫الماء أْن يأسن ويأجن من طول مكثه‪ ،‬وآفة اللبن أن يتغير طعمه إلى الحموضة‪ ،‬وأْن يصير قارًص ا‪،‬‬
‫وآفة الخمر كراهة مذاقها المنافي للَّذ ة شربها‪ ،‬وآفة العسِل عدم تصفيته‪.‬‬
‫وهذا من آيات الرب تعالى أْن ُيجري أنهاًر ا من أجناس لم تجر العادة في الدنيا بإجرائها‪ ،‬وُيْج ِر ْيها‬
‫في غير أخدود‪ ،‬وينفي عنها اآلفات التي تمنع كمال الَّلذة بها‪ ،‬كما نفى عن خمر الجَّنة جميع‬
‫آفات خمر الدنيا‪ ،‬من الصداع والَغْو ِل واَّللغِو واإلنزاِف وعدم اَّللذة‪.‬‬
‫__________‬
‫= كما في الدر المنثور (‪ .)209 /6‬وسنده ضعيف جًّدا‪ ،‬فيه أبان بن أبي عياش البصري‪ :‬متروك‬
‫الحديث‪ .‬التقريب رقم (‪.)142‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)73‬وابن المنذر وابن أبي حاتم في تفسيريهما‬
‫كما في الدر المنثور (‪.)209 /6‬‬
‫وسنده صحيح‪.‬‬
‫وأخرجه عبد بن حميد في تفسيره كما في الدر (‪ )209 /6‬بلفظ‪" :‬ما النضاختان بأفضل من‬
‫اَّللتين تجريان"‪.‬‬

‫(‪)1/376‬‬

‫فهذه خمس آفات من آفات خمر الدنيا‪ :‬تغتال العقل‪ ،‬وتكثر اَّللغو على شربها؛ بل ال يطيب‬
‫لشرابها ذلك إاَّل باَّللغو‪ ،‬وتنزف في نفسها‪ ،‬وتنزف المال‪ ،‬وتصِّدع الَّر أس‪ ،‬وهي كريهة المذاق‪.‬‬
‫وهي رجس من عمل الشيطان‪ ،‬توقع العداوة والبغضاِء بين الَّناِس ‪ ،‬وتُصد عن ذكر الَّلِه وعن‬
‫الصالة‪ ،‬وتدعو إلى الِّز نا‪ ،‬وربما دعْت إلى الوقوع على البنت واُألخت وذوات المحارم‪ ،‬وُتْذ ِه ب‬
‫الَغْيرة‪ ،‬وتورث الِخ ْز ي والَّندامة والفضيحة‪ ،‬وُتْلِح ق شاربها بأنقص نوع اإلنسان‪ :‬وهم المجانين‪،‬‬
‫وتسلبه أحسن األسماِء والسماِت ‪ ،‬وتكسوُه أقبح األسماء والصفاِت ‪ ،‬وتسِّه ل قتل الَّنفس‪ ،‬وإفشاء‬
‫السِّر اَّلذي في إفشائه مضَّر ته أو هالكه‪ ،‬ومؤاخاة الشياطين في تبذير الماِل ‪ ،‬اَّلذي جعله الَّلُه قياًما‬
‫له‪ ،‬ولمن (‪ )1‬تلزمه مؤنته‪ ،‬وتهتك األستار‪ ،‬وتظهر األسرار‪ ،‬وتدُّل على العورات‪ ،‬وتهِّو ن ارتكاب‬
‫القبائح والمآثم‪ ،‬وتخرج من القلب تعظيم المحارم‪ ،‬وُمْد ِم نها كعابِد وثٍن ‪ ،‬وكم أهاجت من حْر ٍب ‪،‬‬
‫وأفقرْت من غنٍّي ‪ ،‬وأذَّلْت من عزيز‪ ،‬ووضعْت من شريِف ‪ ،‬وسلبْت من نعمة‪ ،‬وجلبْت من نقمة‪،‬‬
‫ونسخْت موَّدة‪ ،‬ونسجْت عداوة‪ ،‬وكم فَّر قْت بين رجٍل وِح ِّبِه فذهبت بقلبه‪ ،‬وراحت بُلِّبِه‪ ،‬وكم‬
‫أورثْت من حسرٍة وأجرْت من َعْبرة‪ ،‬وكم أغلقْت في وجه َش اربها باًبا من الخير‪ ،‬وفتحت له باًبا‬
‫من الشِّر ‪ ،‬وكم أوقعت في بلَّيه‪ ،‬وعَّج لت من منية‪ ،‬وكم أورثت من خزية‪ ،‬وجَّر ت على صاحبها (‬
‫‪ )2‬من محنة‪ ،‬وجرأت عليه من َس َف لٍة‪ ،‬فهي جماع‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د"‪" :‬ولم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ" ونسخة على حاشية "أ"‪" :‬شاربها"‪.‬‬

‫(‪)1/377‬‬

‫اإلثم‪ ،‬ومفتاح الشِّر ‪ ،‬وساَّل بة الِّنعم‪ ،‬وجالبة النقم‪ ،‬ولو لم يكن من قبائحها (‪ )1‬إاَّل أَّنها ال تجتمع‬
‫هي وخمرة الجَّنة في جوف عبٍد ‪ ،‬كما ثبت عنه (‪- )2‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬أَّنه قال‪" :‬من شرب‬
‫الخمر في الدنيا لم يشربها في اآلخرة" (‪. )3‬‬
‫وآفات الخمر أضعاف أضعاف ما ذكرنا‪ ،‬وكلها منتفية عن خمر الجَّنة‪.‬‬
‫فإْن قيل‪ :‬فقد وصَف سبحانه األنهاَر بأَّنها جارية‪ ،‬ومعلوم أَّن الماء الجاري ال يأسن‪ ،‬فما فائدة‬
‫قوله‪َ{ :‬غْيِر آِس ٍن } [محمد‪]15 :‬؟‬
‫قيل‪ :‬الماء الجاري وإْن كان ال يأَس ن‪ ،‬فإَّنه إذا ُأِخ َذ منه شيء وطال مكثه أسن‪ ،‬وماء الجَّنة ال‬
‫َيْع رض له ذلك‪ ،‬ولو طال مكثه ما طال‪.‬‬
‫وتأَّم ل اجتماع هذه األنهار األربعة‪ ،‬التي هي أفضل أشربة الَّناس‪ ،‬فهذا لرِّيهم وطهورهم‪ ،‬وهذا‬
‫لقَّو تهم وغذائهم‪ ،‬وهذا للَّذ تهم وسرورهم‪ ،‬وهذا لشفائهم ومنفعتهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "أ‪ ،‬ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬فضائلها" وهو خطأ‪ ،‬والمثبت قاله ناسخ "هـ"‪ ،‬ووقع في المطبوع‬
‫"رذائلها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "هـ"‪ ،‬ونسخة على حاشية "أ" "عنه ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري برقم (‪ ،)5253‬ومسلم رقم (‪ )2003‬من حديث ابن عمر‪ ،‬واللفظ لمسلم‬
‫مختصًر ا وعند البخاري "حرمها" بدل "لم يشربها"‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬وقع في المطبوعة بعد الحديث زيادة‪" :‬لكفى"‪.‬‬

‫(‪)1/378‬‬

‫فصل (‪)1‬‬
‫وأنهار الجَّنة تتفَّج ر من أعالها‪ ،‬ثَّم تنحدر نازلًة إلى أقصى درجاتها‪ ،‬كما روى البخاري في‬
‫"صحيحه" (‪ )2‬من حديث أبي هريرة ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬أَّنه‬
‫قال‪" :‬إَّن في الجَّنة مئة درجة أعَّدها الَّلُه عَّز وجَّل للمجاهدين في سبيله بين كِّل درجتين كما بين‬
‫السماء واألرض‪ ،‬فإذا سألتم الَّلُه فاسألوُه الفردوس‪ ،‬فإَّنه وسُط الجَّنة‪ ،‬وأعلى الجَّنة‪ ،‬وفوقه عرُش‬
‫الرحمن‪ ،‬ومنه تفَّج ر أنهار الجَّنة"‪.‬‬
‫وروى الترمذي نحوه من حديث معاذ بن جبل وُعبادة بن الصامت‪ ،‬ولفظ حديث ُعَبادة‪" :‬الجَّنة‬
‫مئُة درجٍة ما بين كِّل درجتين مسيرة مئة عام‪ ،‬والفردوس أعالها درجة‪ ،‬ومنها األنهاُر األربعة‪،‬‬
‫والعرُش فوقها‪ ،‬فإذا سألتم الَّله فاسألوُه الفردوَس األعلى" (‪.)3‬‬
‫وفي "معجم الطبراني" (‪ )4‬من حديث الحسن عن سمرة رضي الَّله عنه قال‪ :‬قال رسول الَّلِه ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬الفردوس ربوُة الجَّنة‪ ،‬وأعالها وأوسطها‪ ،‬ومنها تفجُر أنهار الجَّنة" (‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سقط من "ب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تقدم في ص (‪.)134‬‬
‫(‪ )3‬تقدم في ص (‪.)133 - 132‬‬
‫(‪ )4‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬المعجم للطبراني"‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الطبراني في الكبير (‪ )258 /7‬رقم (‪ )6886 ،6885‬وفي مسند الشاميين (‪/4‬‬
‫رقم ‪ ،)2650‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)11‬والطبري في تفسيره (‪ ،)38 /16‬والبزار في‬
‫مسنده (‪ )430 /10‬رقم (‪= .)4582‬‬

‫(‪)1/379‬‬

‫وفي "صحيح البخاري" (‪ )1‬من حديث شعبة عن قتادة قال‪ :‬أخبرني أنس بن مالك رضي الَّله عنه‬
‫أَّن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬رفعت لي (‪ )2‬سدرة المنتهى في السماء السابعة‪،‬‬
‫نبقها مثُل قالل َه َج ر‪ ،‬وورقها مثل آذاِن الفيلة‪ ،‬ويخرج من أصلها نهران ظاهران‪ ،‬ونهران باطنان‪،‬‬
‫فقلُت ‪ :‬يا جبريل‪ ،‬ما هذا؟ قال‪ :‬أما النهران الباطنان ففي الجَّنة‪ ،‬وأَّما النهراِن الظاهران‪ ،‬فالنيل‬
‫والفرات"‪.‬‬
‫__________‬
‫= من طريق سعيد بن بشير والحكم بن عبد الملك ‪-‬ضعيف‪ -‬عن قتادة عن الحسن عن سمرة‬
‫فذكره‪.‬‬
‫ولفُظ الحكم‪" :‬الفردوس ربوة الجنة‪ ،‬فإذا سألتم الَّله تبارك وتعالى فاسألوُه الفردوس" لفظ البزار‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه إسماعيل بن مسلم ‪-‬ضعيف‪ -‬عن الحسن عن سمرة فذكره‪.‬‬
‫أخرجه الروياني في مسنده رقم (‪ ،)789‬والطبري في تفسيره (‪ ،)38 /16‬وابن أبي الدنيا في‬
‫صفة الجَّنة رقم (‪.)86‬‬
‫‪ -‬ورواُه خبيب بن سليمان بن سمرة "مجهول" عن أبيه "فيه جهالة" عن سمرة بن جندب أَّن‬
‫رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬كان يقول لنا‪" :‬إَّن الفردوس هي ربوة الجَّنة الوسطى التي‬
‫هي أرفعها وأحسنها"‪.‬‬
‫أخرجه الطبراني في الكبير (‪ ،)7088‬والبزار (‪.)4650‬‬
‫‪ -‬ورواُه روح بن عبادة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال‪" :‬الفردوس‪ :‬ربوة الجَّنة‪ ،‬وأوسطها‬
‫وأفضلها"‪.‬‬
‫أخرجه الطبري في "تفسيره" (‪.)38 /16‬‬
‫قلُت ‪ :‬ولعَّل هذا أصح الطرق وأرجحها‪ .‬والَّله أعلم‪.‬‬
‫(‪ )1‬معَّلًق ا برقم (‪ ،)5287‬وهو معلول سنًد ا ومتًنا‪ ،‬كما بَّين ذلك البخاري بعد ِذ ْك ره طريق‬
‫شعبة‪ ،‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪.)73 /10‬‬
‫(‪ )2‬في البخاري "إلَّي "‪.‬‬

‫(‪)1/380‬‬

‫وفي "صحيحه" (‪ )1‬أيًض ا من حديث همام عن قتادة عن أنس أَّن رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪ -‬قال‪" :‬بينا أنا أسيُر في الجَّنة‪ ،‬إذا أنا بنهٍر حافتاُه قَباُب اللؤلِؤ المجَّو ِف ‪ ،‬فقلُت ‪ :‬ما هذا يا‬
‫جبريُل؟ قال‪ :‬هذا الكوثر اَّلذي َأعطاك رُّبك‪ ،‬قال‪ :‬فضرب الملك بيده‪ ،‬فإذا طينه أذفر (‪." )2‬‬
‫وفي "صحيح مسلم" (‪ )3‬من حديث المختار بن فلفل عن أنس بن مالك رضي الَّله عنه عن الَّنبي‬
‫‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬الكوثُر نهٌر في الجَّنة َو َعَد ِنْيه ربي عَّز وجَّل" (‪. )4‬‬
‫وقال محمد بن عبد الَّله األنصاري‪ :‬حدثنا ُح ميد الَّطِو ْيل عن أنس ابن مالك رضي الَّله عنه قال‪:‬‬
‫قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬دخلت الجَّنة فإذا بنهر يجري حافتاه خيام اللؤلؤ‪،‬‬
‫فضربُت بيدي إلى ما يجري فيه من الماِء ‪ ،‬فإذا أنا بمسٍك أذفر‪ ،‬فقلُت ‪ :‬لمن هذا يا جبريل؟ قال‪:‬‬
‫هذا الكوثُر اَّلذي أعطاكه الَّلُه عَّز وجَّل"‪.‬‬
‫وقال الترمذي‪ :‬حدثنا َه َّناٌد حدثنا محمد بن ُفَض ْيل عن عطاء بن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رقم (‪.)6210‬‬
‫(‪ )2‬في نسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬المسك األذفر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬رقم (‪.)400‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪.)327‬‬
‫ورواُه عبد الوهاب الثقفي ويحيى القطان وابن أبي عدي وعبد الَّله بن بكر وغيرهم عن حميد عن‬
‫أنس فذكره‪.‬‬
‫أخرجه أحمد (‪ 103 /3‬و ‪ 115‬و ‪ ،)263‬وابن أبي شيبة (‪ /7‬رقم ‪ )34094‬وهَّناد في الزهد‬
‫رقم (‪ ،)134‬والطبري في تفسيره (‪.)324 - 323 /30‬‬
‫وهو حديث صحيح‪.‬‬

‫(‪)1/381‬‬
‫السائب عن محارب بن ِد ثار عن عبد الَّله بن عمر رضي الَّله عنهما قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪" :-‬الكوثر نهٌر في الجَّنة حافتاُه من ذهب‪ ،‬ومجراُه على الدر والياقوِت ‪ ،‬تربته‬
‫أطيُب من المسك‪ ،‬وماؤه أحلى من العسِل ‪ ،‬وأبيُض من الثلج" (‪ . )1‬قال‪" :‬هذا حديٌث حسن‬
‫صحيح"‪.‬‬
‫وقال أبو نعيم الفضل‪ :‬حدثنا أبو جعفر ‪-‬هو الَّر ازي‪ -‬حدثنا ابن أبي َنِج يح عن مجاهد‪ِ{ :‬إَّنا‬
‫َأْع َطْيَناَك اْلَك ْو َثَر (‪[ }) 1‬الكوثر‪ ]1 :‬قال‪" :‬الخير الكثير" (‪. )2‬‬
‫وقال أنس بن مالك‪" :‬نهٌر في الجَّنة" (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الترمذي برقم (‪ ،)3360‬وابن ماجه (‪.)4334‬‬
‫‪ -‬وهكذا رواُه ورقاء وأبو عوانة وحماد بن زيد وسعيد بن زيد وغيرهم كلهم عن عطاء به بنحوه‬
‫مرفوًعا‪.‬‬
‫أخرجه أحمد في المسند (‪ 67 /2‬و ‪ ،)112‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)326‬وابن حبيب‬
‫في وصف الفردوس رقم (‪ )65‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه أبو األحوص وجرير كالهما عن عطاء به موقوًفا‪.‬‬
‫أخرجه هَّناد في الزهد رقم (‪ ،)131‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)67‬‬
‫قلُت ‪ :‬عطاء اختلط؛ ولكن رفعه صحيح؛ ألَّن حماد بن زيد سمع من عطاء قبل اختالطه‪،‬‬
‫والحديث صححه الترمذي‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ ،)322 /30‬وابن مردويه في تفسيره كما في الدر (‪.)687 /6‬‬
‫من طريق عيسى بن ميمون وورقاء كالهما عن ابن أبي نجيح به مثله‪.‬‬
‫وسنده حسن‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ ،)321 /30‬وابن مردويه في تفسيره (كما في الدر =‬

‫(‪)1/382‬‬

‫وقالت عائشة رضي الَّله عنها‪" :‬هو نهٌر في الجَّنة ليس أحٌد يدخل إصبعيه في أذنيه إاَّل سمع خرير‬
‫ذلك النهر" (‪. )1‬‬
‫وهذا معناُه ‪-‬والَّلُه أعلم‪ -‬أَّن خرير ذلك الَّنهر يشبه الخرير اَّلذي يسمعه حين يدخل أصبعيه في‬
‫أذنيه‪.‬‬
‫وفي "جامع الترمذي" من حديث الُج َر يري عن حكيم بن معاوية عن أبيه عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله‬
‫عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إَّن في الجَّنة بحَر الماِء ‪ ،‬وبحر العسِل ‪،‬‬
‫__________‬
‫= (‪.)687 /6‬‬
‫من طريق ابن أبي نجيح عن أنس فذكره‪.‬‬
‫وسنده منقطع‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)68‬‬
‫من طريق محمد بن ربيعة عن أبي جعفر الَّر ازي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن عائشة فذكرته‬
‫بمثله‪.‬‬
‫وقد اضطرب فيه أبو جعفر الَّر ازي‪ ،‬وفيه ضعف‪ ،‬وعنده مناكير‪.‬‬
‫‪ -‬فرواُه وكيع عن أبي جعفر عن ابن أبي نجيح عن عائشة بمثله‪.‬‬
‫أخرجه هناد في الزهد رقم (‪ )141‬وغيره‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه أبو النضر وشبابه عن أبي جعفر الَّر ازي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن رجٍل عن‬
‫عائشة بمثله‪.‬‬
‫أخرجه الطبري في تفسيره (‪.)320 /30‬‬
‫‪ -‬ورواُه عيسى بن عبد الَّله عن ابن أبي نجيح قالت عائشة فذكره بمثله‪.‬‬
‫أخرجه البيهقي في البعث رقم (‪.)143‬‬
‫وهذا هو الصواب أَّنه منقطع‪.‬‬
‫قال ابن كثير‪" :‬وهذا منقطع بين ابن أبي نجيح وعائشة‪ ،‬وفي بعض الِّر وايات عن رجٍل عنها‪،‬‬
‫ومعنى هذا أَّنه يسمع نظير ذلك ال أَّنه يسمعه نفسه‪ ،‬والَّله أعلم" تفسير ابن كثير (‪.)596 /4‬‬

‫(‪)1/383‬‬

‫وبحَر اللبن‪ ،‬وبحر الخمر‪ ،‬ثَّم تشقق األنهار بعُد " (‪. )1‬‬
‫قال‪" :‬هذا حديث حسن صحيح"‪.‬‬
‫وقال الحاكُم ‪ :‬حدثنا األصم حدثنا الربيع بن سليمان حدثنا أسد بن موسى حدثنا ابن ثوبان عن‬
‫عطاء بن قَّر ة عن عبد الَّله بن ضمرة عن أبي هريرة رضي الَّله عنه قال‪ :‬قال رسول الَّلِه ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪" :-‬من سَّر ُه أْن يسقيه الَّلُه عَّز وجَّل من الخمر في اآلخرة فليتركها في الدنيا‪،‬‬
‫ومن سَّر ُه أْن يكسوُه الَّله الحرير في اآلخرة فليتركه في الدنيا‪ ،‬أنهار الجَّنة َتَف َّج ُر من تحت ِتاَل ِل ‪،‬‬
‫أو تحت جبال المسِك ‪ ،‬ولو كان أدنى أهل الجَّنة حليًة عدلْت بحلية أهل الدنيا جميًعا؛ لكان ما‬
‫يحليه الَّله به في اآلخرة أفضل من حلية أهل الدنيا جميًعا" (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الترمذي برقم (‪ ،)2566‬وأحمد في المسند (‪.)5 /5‬‬
‫ورواُه خالد الواسطي عن علي بن عاصم عن الجريري به مثله‪.‬‬
‫أخرجه عبد بن حميد في مسنده (المنتخب رقم ‪ ،)410‬وابن أبي داود في البعث رقم (‪،)70‬‬
‫وأبو نعيم في الحلية (‪ ،)205 - 204 /6‬وفي صفة الجَّنة رقم (‪ ،)307‬وابن حبان في صحيحه‬
‫(‪ /16‬رقم ‪ )7409‬وغيرهم‪.‬‬
‫والحديث صححه الترمذي وابن حبان‪.‬‬
‫والحديث معدود من غرائب حكيم بن معاوية‪.‬‬
‫فقد قال أبو نعيم‪" :‬غريب عن الجريري‪ ،‬تفَّر د به حكيم"‪.‬‬
‫قال علي بن عاصم‪" :‬فحَّد ْثُت بهذين الحديثين (انظر‪ :‬الحديث اآلخر ص (‪ )116‬بهز بن حكيم‪،‬‬
‫فقال‪ :‬لم أسمعها"‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الكامل البن عدي (‪ ،)67 /2‬وراجع ص (‪.)116‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (البقرة) رقم (‪ )243‬مختصًر ا‪ ،‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة‬
‫رقم (‪ )313‬مختصًر ا‪ ،‬والبيهقي في البعث رقم (‪= .)292‬‬

‫(‪)1/384‬‬

‫وذكر األعمش عن عبد الَّله بن مرة عن مسروق عن عبد الَّلِه قال‪" :‬إَّن أنهار الجَّنة ُتفجُر من جبل‬
‫مسٍك " (‪ . )1‬وهذا موقوٌف صحيح‪.‬‬
‫__________‬
‫= من طريق الربيع بن سليمان به بمثله‪.‬‬
‫ورواُه يوسف بن كامل القراطيسي ومقدام بن داود المصري وعبد الملك ابن حبيب كلهم عن‬
‫أسد بن موسى به مختصًر ا‪.‬‬
‫أخرجه ابن حبيب في وصف الفردوس رقم (‪ ،)62‬والعقيلي في الضعفاء (‪ ،)326 /2‬وابن حبان‬
‫في صحيحه (‪ ،)4708 /16‬والطبراني في األوسط رقم (‪ ،)8879‬وفي كتاب "َمْن اسمه عطاء"‬
‫(‪.)12‬‬
‫قال الطبراني‪" :‬لم يرو هذين الحديثين عن ابن ثوبان إاَّل أسد بن موسى"‪.‬‬
‫قال العقيلي في ترجمة "عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان" بعد أْن ذكر هذا الحديث وغيره فيما‬
‫ينكر عليه قال‪" :‬وال يتابعه إاَّل َمْن هو دونه أو مثله"‪.‬‬
‫وعليه فالحديث ضعيف اإلسناد لتفُّر د ابن ثوبان به وفيه ضعف‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه هناد في الزهد رقم (‪ ،)94‬وابن أبي شيبة في المصنف (‪ /7‬رقم ‪ ،)33947‬وابن‬
‫أبي حاتم في تفسيره البقرة رقم (‪ ،)255‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)306‬والبيهقي في‬
‫البعث رقم (‪.)293‬‬
‫من طريق وكيع وأبي معاوية عن األعمش عن عبد الَّله بن ُمَّر ة عن مسروق عن ابن مسعود‬
‫فذكره‪.‬‬
‫‪ -‬وخالفهما معمر‪ ،‬فرواُه عن األعمش عن عبد الَّله بن مرة عن مسروق فذكر مثله‪ ،‬ولم يذكر‬
‫"ابن مسعود"‪.‬‬
‫أخرجه عبد الرزاق (‪ )416 /11‬رقم (‪.)20873‬‬
‫والصواُب األَّو ل من قول ابن مسعود‪ ،‬قال البيهقي‪" :‬هذا موقوف صحيح"‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬وقع في جميع النسخ‪ ،‬وعند البيهقي "عمرو بن ُمَّر ة" وهو خطأ‪ ،‬والصواُب عبد الَّله بن مَّر ة‬
‫وهو الخارفي‪.‬‬
‫ولعَّل المؤِّلف نقل هذا من البعث للبيهقي بدليل قوله‪" :‬وهذا موقوف =‬

‫(‪)1/385‬‬

‫وذكر ابن مردويه في "مسنده" (‪ : )1‬حدثنا أحمد بن محمد بن عاصم حدثنا عبد الَّله بن محمد‬
‫بن النعمان حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا الحارث بن عبيد‪ ،‬حدثنا أبو عمران الجوني‪ ،‬عن أبي‬
‫بكر بن عبد الَّله بن قيس‪ ،‬عن أبيه رضي الَّله عنه قال‪ :‬قال رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪:-‬‬
‫"هذه األنهار َتْش ُخ ُب من جَّنة عدٍن في َجْو َبِة‪ ،‬ثَّم تصَّد ُع بعُد أنهاًر ا" (‪. )2‬‬
‫وقال ابن أبي الدنيا‪ :‬حدثنا يعقوب بن عبيد (‪ )3‬حدثنا يزيد بن‬
‫__________‬
‫= صحيح" وهو بعينه كالم البيهقي‪.‬‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬د‪ ،‬هـ" ونسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬تفسيره"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطيالسي في مسنده رقم (‪ ،)531‬وأحمد (‪ ،)416 /4‬وابن أبي شيبة في المصنف (‬
‫‪ /7‬رقم ‪ ،)34098‬وعبد بن حميد في مسنده كما في المنتخب رقم (‪ ،)545‬وابن أبي الدنيا‬
‫برقم (‪ )84‬وغيرهم‪.‬‬
‫كلهم من طريق الحارث بن عبيد اإليادي عن أبي عمران الجوني فذكره‪.‬‬
‫وخالفه عبد العزيز بن عبد الصمد الَعِّم ي في متنه‪.‬‬
‫‪ -‬فرواُه عبد العزيز عن أبي عمران الجوني به بلفظ‪" :‬جَّنتان من ذهٍب آنيتهما وما فيهما‪ ،‬وجنتان‬
‫من فضة آنيتهما وما فيهما‪. . .‬‬
‫أخرجه البخاري رقم (‪ ،)4597‬ومسلم برقم (‪ ،)180‬وأحمد (‪ )411 /4‬وغيرهم‪.‬‬
‫وهذا المتن هو الصحيح‪ ،‬ولفُظ الحارث اَّلذي ساقه المؤِّلف منكر‪ ،‬فإَّن الحارث ضعيف‪ ،‬وأَّما‬
‫عبد العزيز بن عبد الصمد العِّم ي فثقة حافظ‪.‬‬
‫راجع بتوسع صفة الجَّنة ألبي نعيم رقم (‪ ،)314 ،141‬والبعث ألبي داود رقم (‪.)58‬‬
‫(‪ )3‬في "هـ"‪" :‬عبيدة" وهو خطأ‪ ،‬وهو‪ :‬النهر تيري‪ ،‬قال ابن أبي حاتم‪ :‬صدوق‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الجرح (‪ ،)210 /9‬وتاريخ بغداد (‪.)282 /14‬‬

‫(‪)1/386‬‬

‫هارون حدثنا الجريري عن معاوية بن ُقَّر ة عن أنس بن مالك رضي الَّله عنه قال‪" :‬أظُّنُك م تظنون‬
‫أَّن أنهار الجَّنة أخدود في األرض؟ ال والَّله‪ ،‬إَّنها لسائحة على وجه األرض‪ ،‬إحدى حافتيها اللؤلؤ‪،‬‬
‫واألخرى الياقوت‪ ،‬وطينه المسك األذفر‪ ،‬قال قلُت ‪ :‬ما األذفر؟ قال‪ :‬اَّلذي ال خلط له" (‪. )1‬‬
‫ورواُه ابن مردويه في "تفسيره" عن محمد بن أحمد حدثنا محمد ابن أحمد (‪ )2‬بن أبي يحيى (‬
‫‪ )3‬حدثنا مهدي بن حكيم حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا الُج ريري عن معاوية بن ُقَّر ة عن أنس بن‬
‫مالك قال‪ :‬قال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)69‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة (‪- 167 /2‬‬
‫‪ )168‬رقم (‪.)316‬‬
‫من طريق يعقوب بن عبيد وبشر بن معاذ كالهما عن يزيد بن هارون به مثله موقوًفا‪.‬‬
‫وخالفهما مهدي بن حكيم بن مهدي‪.‬‬
‫‪ -‬فرواُه عن يزيد بن هارون به مثله مرفوًعا‪.‬‬
‫‪ -‬وأخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة (‪ ،)168 /2‬وابن مردويه في تفسيره كما ذكره المؤلف‪.‬‬
‫والصحيح موقوٌف ؛ فإَّن يعقوب وبشًر ا صدوقان‪ ،‬وأَّم ا مهدي بن حكيم فلم أقف ألحٍد تكَّلم فيه‬
‫أو َذَك ره إاَّل قول أبي الشيخ األصبهاني "شيخ بصري قدم أصبهان‪." . .‬‬
‫طبقات المحدثين (‪ ،)252 /3‬وأخبار أصبهان ألبي نعيم (‪.)321 /2‬‬
‫ولهذا قال المنذري في الترغيب والترهيب (‪" :)518 /4‬والموقوف أشبه بالصواب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬قوله "محمد بن أحمد" من "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ب"‪" :‬بن يحيى" بدل "بن أبي يحيى"‪.‬‬

‫(‪)1/387‬‬

‫رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬فذكرُه هكذا‪ ،‬رواُه مرفوًعا‪.‬‬
‫وقال أبو خيثمة‪ :‬حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أَّنه قرأ هذه اآلية‪ِ{ :‬إَّنا‬
‫َأْع َطْيَناَك اْلَك ْو َثَر ( ‪[ })1‬الكوثر‪ ]1 :‬فقال‪ :‬قال رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬أعطيت‬
‫الكوثر فإذا هو يجري‪ ،‬ولم ُيشَّق شًّق ا‪ ،‬وإذا حافتاُه قباُب اللؤلؤ‪ ،‬فضربُت بيدي إلى تربته‪ ،‬فإذا‬
‫مسٌك أذفر‪ ،‬وإذا حصباؤه اللؤلؤ" (‪. )1‬‬
‫وذكر سفيان الثوري‪ ،‬عن عمرو بن ُمَّر ة عن أبي عبيدة عن مسروق في قوله‪َ{ :‬و َماٍء َمْس ُك وٍب (‬
‫‪[ } )31‬الواقعة‪ ]31 :‬قال‪" :‬أنهار تجري في غير أخدود" قال‪َ{ :‬و َنْخ ٍل َطْلُعَه ا َه ِض يٌم (‪} )148‬‬
‫[الشعراء‪ ]148 :‬قال‪" :‬من أصلها إلى فرعها‪ ،‬أو كلمة نحوها" (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)75‬وأحمد (‪.)247 /3‬‬
‫من طريق عفان عن حماد به مثله‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه عبد الصمد وهدبة بن خالد وعبد الرحمن بن سالم الجمحي كالهما عن حماد بن سلمة‬
‫به مثله‪.‬‬
‫أخرجه ابن حبان في صحيحه (‪ /14‬رقم ‪ ،)6471‬وأبو يعلى في مسنده (‪ /6‬رقم ‪.)3290‬‬
‫‪ -‬ورواُه حميد الطويل وقتادة عن أنس مثله كما تقدم‪.‬‬
‫وهو حديث صحيح‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البيهقي في البعث والنشور رقم (‪ )320‬بتمامه‪.‬‬
‫من طريق أسود بن عامر عن الثوري به‪.‬‬
‫ورواُه عبد الرحمن بن مهدي ووكيع وغيرهما عن الثوري‪.‬‬
‫ورواُه المسعودي ومسعر بن كدام عن عمرو بن مرة به مقتصًر ا على الشطر األَّو ل‪ ،‬وفيه زيادة‬
‫تقدمت (ص‪= .)359 /‬‬

‫(‪)1/388‬‬

‫وفي "صحيح مسلم" (‪ )1‬من حديث أبي هريرة رضي الَّله عنه قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله‬
‫عليه وسلم‪" :-‬سيحان وجيحان والفراُت والنيل‪ :‬كٌّل من أنهار الجَّنة"‪.‬‬
‫وقال عثمان بن سعيد الَّدارمي‪ :‬حدثنا سعيد بن سابق حدثنا مسلمة (‪ )2‬بن علي‪ ،‬عن مقاتل بن‬
‫حيان عن عكرمة عن ابن عباس عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬أنزَل الَّلُه من الجَّنة‬
‫خمسة أنهاٍر ‪ :‬سيحون‪ :‬وهو نهُر الهنِد ‪ ،‬وجيحون‪ :‬وهو نهُر بْلٍخ ‪ ،‬ودجلة والفراَت ‪ :‬وهما نهرا‬
‫العراِق ‪ ،‬والنيل‪ :‬وهو نهُر مصَر ‪ ،‬أنزلها الَّلُه من عيِن واحدٍة من عيون الجَّنة من أسفل درجٍة من‬
‫درجاتها على جناحي جبريل عليه السالم‪ ،‬فاستودعها الجباَل ‪ ،‬وأجراها في األرض‪ ،‬وجعل فيها‬
‫منافع للَّناس في أصناف معايشهم‪ ،‬فذلك قوله‪َ{ :‬و َأْنَز ْلَنا ِم َن الَّس َم اِء َماًء ِبَق َد ٍر َفَأْس َك َّناُه ِفي اَأْلْر ِض‬
‫َو ِإَّنا َعَلى َذَه اٍب ِبِه َلَق اِد ُر وَن } [المؤمنون‪ ، )3( ]18 :‬فإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج‬
‫ُأرسل جبريل فرفع من األرض القرآن والعلم كله‪ ،‬والحجَر األسود من ركن البيت‪ ،‬ومقام‬
‫إبراهيم‪ ،‬وتابوت موسى بما فيه‪ ،‬وهذه األنهار الخمسة فرفع ذلك كله إلى السماء‪ ،‬فذلك قوله‬
‫__________‬
‫= أخرجه هناد في الزهد رقم (‪ ،)104 ,103 ,95‬وابن أبي شيبة في المصنف (‪ /7‬رقم‬
‫‪ ،)33948‬وابن صاعد في زوائده على الزهد البن المبارك رقم (‪ ،)1490‬والطبري في تفسيره‬
‫(‪ )170 /1‬وغيرهم‪.‬‬
‫وهو أثٌر صحيح‪.‬‬
‫(‪ )1‬رقم (‪.)2839‬‬
‫(‪ )2‬في "د‪ ،‬هـ"‪" :‬سلمة" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬قوله‪َ{ :‬و ِإَّنا َعَلى َذَه اٍب ِبِه َلَق اِد ُر وَن (‪ })18‬من "د" فقط‪.‬‬

‫(‪)1/389‬‬

‫تعالى‪َ{ :‬و ِإَّنا َعَلى َذَه اٍب ِبِه َلَق اِد ُر وَن (‪[ } )18‬المؤمنون‪ ،]18 :‬فإذا ُر ِفعت هذه األشياء من‬
‫األرِض ‪ ،‬فقد ُح ِر م أهلها خير الدنيا واآلخرة" (‪. )1‬‬
‫رواه أبو أحمد ابن عدي في ترجمة‪ :‬مسلمة هذا مع أحاديث غيره‪ ،‬وقال‪" :‬عامة أحاديثه (‪ )2‬غير‬
‫محفوظة‪ ،‬وبالجملة فهو من الضعفاء"‪ .‬قال البخاري‪ :‬منكر الحديث‪ ،‬وقال النسائي‪ :‬متروك‪،‬‬
‫وقال أبو حاتم‪" :‬ال ُيْش َتَغُل به" (‪. )3‬‬
‫وقال عبد الَّله بن وهب‪ :‬حدثنا سعيد بن أبي (‪ )4‬أيوب عن ُعَق يل بن خالد عن الزهري أَّن ابن‬
‫عباس رضي الَّله عنهما قال‪" :‬إَّن في الجَّنة نهًر ا ُيقال له‪ :‬الَبْيَذ ُخ ‪ ،‬عليه ِقَباٌب من ياقوٍت تحته‬
‫جواٍر ‪ ،‬يقول أهل الجَّنة‪ :‬انطلقوا بنا إلى الَبْيَذ خ‪ ،‬فيتصَّف حون تلك الجواري‪ ،‬فإذا أعجب رجاًل‬
‫منهم جاريٌة مَّس ِم عَص مها فتتبعه" (‪. )5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن عدي في الكامل في الضعفاء (‪ ،)315 /6‬وابن حبان في المجروحين (‪34 /3‬‬
‫‪ ،)35 -‬والخطيب في تاريخه (‪ )80 - 79 /1‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق سعيد بن سابق به نحوه‪.‬‬
‫قال ابن عدي‪" :‬وهذان الحديثان‪ :‬أحدهما‪ :‬رواُه مسلمة عن مقاتل‪ . .،‬جميًعا غير محفوظين‪ ،‬بل‬
‫هما منكرا المتن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬قوله‪" :‬غيره‪ ،‬وقال عامة حديثه" سقط من "ج"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ترجمته وأقوال العلماء فيه في تهذيب الكمال (‪.)571 - 567 /27‬‬
‫(‪ )4‬سقط من "ب‪ ،‬د"‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)70‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪.)324‬‬
‫وفي سنده انقطاع‪ ،‬فالزهري لم يسمع من ابن عباس‪ ،‬بل سمع من ابنه =‬

‫(‪)1/390‬‬

‫فصل‬
‫وأَّم ا العيون‪ :‬فقد قال تعالى‪ِ{ :‬إَّن اْلُم َّتِق يَن ِفي َج َّناٍت َو ُعُيوٍن (‪[ })15‬الذاريات‪ ،]15 :‬وقال‬
‫تعالى‪ِ{ :‬إَّن اَأْل ا ْش وَن ِم َك ْأٍس َك اَن ِم ا ا َك اُفو ا (‪َ )5‬ع ًنا ْش ِب ا ِع اُد الَّلِه‬
‫ْي َي َر ُب َه َب‬ ‫ًر‬ ‫َز ُجَه‬ ‫ْبَر َر َي َر ُب ْن‬
‫ُيَفِّج ُر وَنَه ا َتْف ِج يًر ا (‪[ })6‬اإلنسان‪.]6 - 5 :‬‬
‫قال بعض السلف‪" :‬معهم قضبان الذهب‪ ،‬حيثما مالوا مالت معهم" (‪.)1‬‬
‫وقد اختلف في قوله‪َ{ :‬يْش َر ُب ِبَه ا} [اإلنسان‪:]6 :‬‬
‫‪ -‬فقال الكوفيون‪ :‬الباء بمعنى ِم ْن ‪ .‬أي يشرب منها (‪.)2‬‬
‫‪ -‬وقال آخرون‪ :‬بل الفعل ُمَض َّم ن (‪ .)3‬ومعنى يشرب بها‪ :‬أي يروى بها‪ ،‬فلَّم ا ضَّم نه معناه عَّداه‬
‫تعديته‪ ،‬وهذا أصح وألطف وأبلغ‪.‬‬
‫‪ -‬وقالت طائفة‪ :‬الباء للَّظرفية‪ ،‬والعين اسم للمكان (‪ ،)4‬كما تقول‪ :‬كنا بمكان كذا وكذا‪.‬‬
‫ِف ِه ِب ٍد ِب‬
‫ونظير هذا الَّتضمين قوله‪َ{ :‬و َمْن ُيِر ْد ي ِإ ْلَح ا ُظْلٍم } [الحج‪ُ ]25 :‬ضِّم َن معنى َيُه ُّم (‪َ )5‬فُعِّد َي‬
‫َتْع ِد يته‪.‬‬
‫__________‬
‫= علي بن عبد الَّله بن عباس‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)424 /26‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬تفسير الطبري (‪ ،)208 /29‬والدر المنثور (‪.)483 /6‬‬
‫(‪ )2‬في "هـ"‪" :‬أي‪ :‬من شرب منها"‪.‬‬
‫(‪ )3‬من "أ"‪ ،‬وفي باقي النسخ "ُمْض َم ر"‪ ،‬والمثبت هو الصواب‪.‬‬
‫(‪ )4‬في "ب‪ ،‬ج"‪" :‬مكان"‪ ،‬وفي "هـ"‪" :‬المكان"‪.‬‬
‫(‪ )5‬من "أ"‪ ،‬وفي باقي النسخ "بهم" وهو خطأ‪.‬‬

‫(‪)1/391‬‬
‫وقال تعالى‪َ{ :‬و ُيْس َق ْو َن ِفيَه ا َك ْأًس ا َك اَن ِم َز اُجَه ا َز ْنَج ِبياًل (‪َ )17‬عْيًنا ِفيَه ا ُتَس َّم ى َس ْلَس ِبياًل (‪} )18‬‬
‫[اإلنسان‪ ،]18 ،17 :‬فأخبر سبحانه عن العين التي يشرب بها المقربون ِص ْر ًفا؛ أَّن شراب‬
‫األبرار يمزج منها؛ ألَّن أولئك أخلصوا اَألعمال كلها لَّله‪ ،‬فأخلص شرابهم‪ ،‬وهؤالء مزجوا‪،‬‬
‫فمزج شرابهم‪.‬‬
‫ونظير هذا قوله تعالى‪ِ{ :‬إَّن اَأْلْبَر اَر َلِف ي َنِعيٍم (‪َ )22‬عَلى اَأْلَر اِئِك َيْنُظُر وَن (‪َ )23‬تْع ِر ُف ِفي‬
‫ُوُج وِه ِه ْم َنْض َر َة الَّنِعيِم (‪ُ )24‬يْس َق ْو َن ِم ْن َر ِح يٍق َمْخ ُتوٍم (‪ِ )25‬خ َتاُمُه ِم ْس ٌك َو ِفي َذِلَك َفْلَيَتَناَفِس‬
‫اْلُم َتَناِفُس وَن (‪َ )26‬و ِم َز اُج ُه ِم ْن َتْس ِنيٍم (‪َ )27‬عْيًنا َيْش َر ُب ِبَه ا اْلُم َقَّر ُبوَن (‪[ } )28‬المطففين‪22 :‬‬
‫‪.]28 -‬‬
‫فأخبر سبحانه عن مزاج شرابهم بشيئين؟ بالكافور في أَّو ل الُّس ورة‪ ،‬والزنجبيل في آخرها‪ ،‬فإَّن‬
‫في الكافور من البرد وطيب الَّر ائحة‪ ،‬وفي الزنجبيل من الحرارة وطيب الَّر ائحة‪ ،‬وما يحدث لهم‬
‫باجتماع الَّش رابين ‪-‬ومجيء أحدهما على إثر اآلخر‪ -‬حالًة أخرى أكمل وأطيب وألذ من كٍّل‬
‫منهما بانفراده‪ ،‬وتعتدل (‪ )1‬كيفية كل منهما بكيفية اآلخر‪ ،‬وما ألطف موقع ذكر الكافور في‬
‫أَّو ل السورة‪ ،‬والزنجبيل [‪ /108‬ب] في آخرها‪ ،‬فإَّن شرابهم ُمِزج أَّواًل بالكافور‪ ،‬وفيه من البرد‬
‫ما يجيء الزنجبيل بعده فيعدله‪.‬‬
‫والَّظاهُر أَّن الكأس الثانية (‪ )2‬غير األولى‪ ،‬وأَّنهما نوعان لذيذان من الشراب‪ ،‬أحدهما‪ُ :‬مِز َج‬
‫بكافور‪ ،‬والثاني‪ُ :‬مِزَج بزنجبيل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬د"‪" :‬يعدل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب‪ ،‬د"‪" :‬الثاني"‪.‬‬

‫(‪)1/392‬‬

‫وأيًض ا؛ فإَّنه سبحانه أخبر عن َم ْز ِج شرابهم بالكافور وَبْر ِدِه في مقابلة ما وصفهم به من حرارة‬
‫الخوف‪ ،‬واإليثار‪ ،‬والصبر‪ ،‬والوفاِء بجميع الواجبات التي نَّبَه بوفائهم بأضعفها‪ ،‬وهو ما أوجبوه‬
‫على أنفسهم بالَّنْذ ِر على الوفاِء بأعالها‪ ،‬وهو ما أوجبه الَّلُه عليهم‪ ،‬ولهذا قال‪َ{ :‬و َجَز اُه ْم ِبَم ا‬
‫َص َبُر وا َج َّنًة َو َح ِر يًر ا (‪[ } )12‬اإلنسان‪ ،]12 :‬فإَّن في الَّص بر من الخشونة وحبس الَّنفس عن‬
‫شهواتها؛ ما اقتضى أْن يكون في جزائهم من سعة الجَّنة‪ ،‬ونعومة الحريِر ما يقابل ذلك الحبس‬
‫والخشونة‪ ،‬وجمع لهم بين النضرة والسرور‪ ،‬هذا جمال ظواهرهم‪ ،‬وهذا جمال بواطنهم‪َ ،‬ك َم ا‬
‫جَّم ُلوا في الدنيا ظواهرهم بشرائع اإلسالم‪ ،‬وبواطنهم بحقائق اإليمان‪.‬‬
‫ِم‬ ‫ِل ِث‬
‫ونظيره قوله تعالى في آخر السورة‪َ{ :‬عا َيُه ْم َياُب ُس ْنُد ٍس ُخ ْض ٌر َو ِإْسَتْبَر ٌق َو ُح ُّلوا َأَس اِو َر ْن‬
‫ِفَّضٍة} [اإلنسان‪ ،]21 :‬فهذه زينة الظاهر‪ ،‬ثَّم قال‪َ{ :‬و َس َق اُه ْم َر ُّبُه ْم َش َر اًبا َطُه وًر ا (‪} )21‬‬
‫[اإلنسان‪.]21 :‬‬
‫فهذه زينة الباطن الُم َطِّه ر له (‪ )1‬من كِّل أذى ونقص‪.‬‬
‫ونظيرُه قوله تعالى ألبيهم آدم عليه السالم‪ِ{ :‬إَّن َلَك َأاَّل َتُج وَع ِفيَه ا َو اَل َتْع َر ى (‪َ )118‬و َأَّنَك اَل‬
‫َتْظَم ُأ ِفيَه ا َو اَل َتْض َح ى (‪[ } )119‬طه‪.]119 ,118 :‬‬
‫فَض ِم َن لُه أْن ال يصيبه ذل الباطن بالجوع‪ ،‬وال ذُّل الظاهر بالُعرِّي ‪ ،‬وأْن ال يناله حّر الباطن بالظمأ‪،‬‬
‫وال حُّر الظاهر بالضحى‪.‬‬
‫ونظيُر هذا ما عَّددُه على عباده من نعمه أَّنه أنزل عليهم لباًس ا يواري‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬كذا في جميع النسخ‪.‬‬

‫(‪)1/393‬‬

‫سوآتهم‪ ،‬ويزين ظواهرهم‪ ،‬ولباًس ا آخر يزين بواطنهم وقلوبهم‪ ،‬وهو لباس التقوى‪ ،‬وأخبر أَّنه خير‬
‫اللباسين (‪. )1‬‬
‫وقريٌب من هذا إخباره أَّنه زَّيَن الَّس ماَء الدنيا بزينة الكواكب‪ ،‬وحفظها من كِّل شيطاٍن مارٍد ‪ ،‬فزَّين‬
‫ظاهرها بالُّنجوم‪ ،‬وباطنها بالحراسة (‪. )2‬‬
‫وقريٌب منه أمره من أراد الحج بالَّز اد الَّظاهر‪ ،‬ثَّم أخبر أَّن خير الَّز اِد الزاُد الباطن‪ ،‬وهو التقوى (‬
‫‪. )3‬‬
‫وقريٌب منه قول امرأة العزيز عن يوسف‪َ{ :‬فَذ ِلُك َّن اَّلِذ ي ُلْمُتَّنِني ِفيِه} [يوسف‪ ،]32 :‬فأرتهَّن‬
‫ُحْس َنُه وجماله‪ ،‬ثَّم قالت‪َ{ :‬و َلَق ْد َر اَو ْد ُتُه َعْن َنْف ِس ِه َفاْس َتْعَص َم } [يوسف‪ .]32 :‬فأخبرتهَّن بجمال‬
‫باطنه‪ ،‬وزينته بالِعَّف ِة‪.‬‬
‫وهذا كثيٌر في القرآن لمن تأمله‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ُ )1‬يشير إلى آية (‪ )26‬من سورة األعراف‪.‬‬
‫(‪ )2‬يشير إلى آيتي (‪ 6‬و ‪ )7‬من سورة الصافات‪.‬‬
‫(‪ )3‬يشير إلى آية (‪ )197‬من سورة البقرة‪.‬‬

‫(‪)1/394‬‬

‫الباب الثامن واألربعون في ذكر طعام أهل الجَّنة‪ ،‬وشرابهم ومصرفه‬


‫قال الَّلُه تعالى‪ِ{ :‬إَّن اْلُم َّتِق يَن ِفي ِظ اَل ٍل َو ُعُيوٍن (‪َ )41‬و َفَو اِكَه ِم َّم ا َيْش َتُه وَن (‪ُ )42‬ك ُلوا َو اْش َر ُبوا‬
‫ُلوَن (‪[ })43‬المرسالت‪ ،]43 - 41 :‬وقال‪َ{ :‬فَأَّما ُأوِت ِكَتا ُه ِب ِم يِنِه‬ ‫ِن ِب‬
‫َمْن َي َب َي‬ ‫َه يًئا َم ا ُك ْنُتْم َتْع َم‬
‫َفَيُقوُل َه اُؤ ُم اْقَرُءوا ِكَتاِبَيْه (‪ِ )19‬إِّني َظَنْنُت َأِّني ُماَل ٍق ِح َس اِبَيْه (‪َ )20‬فُه َو ِفي ِع يَش ٍة َر اِض َيٍة (‪)21‬‬
‫ِفي َج َّنٍة َعاِلَيٍة (‪ُ )22‬قُطوُفَه ا َداِنَيٌة (‪ُ )23‬ك ُلوا َو اْش َر ُبوا َه ِنيًئا ِبَم ا َأْس َلْف ُتْم ِفي اَأْلَّياِم اْلَخ اِلَيِة (‪})24‬‬
‫ِب‬ ‫ِت‬ ‫ِت‬
‫[الحاقة‪ ،]24 - 19 :‬وقال تعالى‪َ{ :‬و ْلَك اْلَج َّنُة اَّل ي ُأوِر ْثُتُم وَه ا َم ا ُك ْنُتْم َتْع َم ُلوَن (‪َ )72‬لُك ْم‬
‫ِفيَه ا َفاِكَه ٌة َك ِثيَر ٌة ِم ْنَه ا َتْأُك ُلوَن (‪[ })73‬الزخرف‪ ،]73 - 72 :‬وقال تعالى‪َ{ :‬م َثُل اْلَج َّنِة اَّلِتي‬
‫ُو ِع َد اْلُم َّتُقوَن َتْج ِر ي ِم ْن َتْح ِتَه ا اَأْلْنَه اُر ُأُك ُلَه ا َداِئٌم َو ِظ ُّلَه ا} [الرعد‪ ،]35 :‬وقال تعالى‪:‬‬
‫{َو َأْم َدْدَناُه ْم ِبَف اِكَه ٍة َو َلْح ٍم ِم َّم ا َيْش َتُه وَن (‪َ )22‬يَتَناَزُعوَن ِفيَه ا َك ْأًس ا اَل َلْغٌو ِفيَه ا َو اَل َتْأِثيٌم (‪})23‬‬
‫ٍم‬
‫[الطور‪ ،]23 - 22 :‬وقال تعالى‪ُ{ :‬يْس َق ْو َن ِم ْن َر ِح يٍق َمْخ ُتو (‪ِ )25‬خ َتاُمُه ِم ْس ٌك َو ِفي َذِلَك‬
‫َفْلَيَتَناَفِس اْلُم َتَناِفُس وَن (‪[ })26‬المطففين‪.]26 - 25 :‬‬
‫وفي "صحيح مسلم" (‪ )1‬من حديث أبي الزبير‪ ،‬عن جابر رضي الَّله عنه قال‪ :‬قال رسول الَّلِه ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬يأكل أهل الجَّنة ويشربون‪ ،‬وال يمتخطون وال يتغوطون وال يبولون‪،‬‬
‫طعامهم ذلك ُج شاٌء كريِح المسِك ‪ُ ،‬يْلَه ُم ون التسبيح والتكبير كما ُتلهمون الَّنَف َس "‪.‬‬
‫ورواُه أيًض ا من رواية طلحة بن نافع‪ ،‬عن جابر وفيه‪ :‬قالوا‪ :‬فما بال الطعام؟ قال‪ُ" :‬ج شاٌء ورشٌح‬
‫كرشح المسك‪ُ ،‬يْلَه مون التسبيح‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رقم (‪.)19( - )2835‬‬

‫(‪)1/395‬‬
‫والحمد" (‪. )1‬‬
‫وفي "المسند" و"سنن النسائي" بإسناد صحيح على شرط الصحيح من حديث األعمش‪ ،‬عن‬
‫ثمامة بن عقبة‪ ،‬عن زيد بن أرقم قال‪" :‬جاء رجٌل من أهل الكتاب إلى الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪ -‬فقال‪ :‬يا أبا القاسم‪ ،‬تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون؟ قال‪" :‬نعم‪ ،‬والذي نفس‬
‫محمد بيده‪ ،‬إن أحدهم لُيْع َطى قوة مئة رجل في األكل والشرب والجماع والشهوة"‪ ،‬قال‪ :‬فإن‬
‫الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة وليس في الجنة أذى‪ ،‬قال‪" :‬تكون حاجة أحدهم رشًح ا‬
‫يفيض من جلودهم كرشح المسك َفيْض ُم ر بطنه" (‪. )2‬‬
‫ورواه الحاكم في "صحيحه" (‪ )3‬ولفظه‪" :‬أتى الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬رجل من اليهود‬
‫فقال‪ :‬يا أبا القاسم‪ ،‬ألست تزعم أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون؟ ‪-‬ويقول ألصحابه‪ :‬إن أقَّر‬
‫لي بهذا خصمته‪ -‬فقال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬بلى والذي نفس محمٍد بيده‪ ،‬إن‬
‫أحدهم لُيْع َطى قوة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رقم (‪.)18( - )2835‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أحمد في المسند (‪ 367 /4‬و ‪ ،)371‬وعبد بن حميد في مسنده (المنتخب رقم‬
‫‪ ،)263‬والنسائي في الكبرى (‪ /6‬رقم ‪ ،)11478‬وهناد في الزهد رقم (‪ ،)90 ،63‬واللفظ له‪،‬‬
‫وابن حبان في صحيحه (‪ ،)7424 /16‬وأبو نعيم في الحلية (‪ ،)116 /8( ،)366 /7‬وابن‬
‫حبيب في وصف الفردوس رقم (‪ 83‬و ‪ )84‬وغيرهم‪.‬‬
‫والحديث صححه ابن حبان وأبو نعيم والضياء المقدسي والمؤِّلف‪.‬‬
‫(‪ )3‬لم أقف عليه في المطبوع‪ ،‬وال في إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة البن حجر (‪ 570 /4‬و‬
‫‪ )571‬رقم (‪ .)4673 ،4671‬لكن أخرجه البيهقي في البعث والنشور رقم (‪ )352‬عن الحاكم‬
‫ومحمد بن موسى به‪.‬‬

‫(‪)1/396‬‬

‫رجل في الَم ْطعم والَم ْش رب والشهوة والجماع"‪ ،‬فقال له اليهودي‪ :‬فإن الذي يأكل ويشرب‬
‫تكون له الحاجة‪ ،‬فقال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬حاجتهم َعَر ق يفيض من جلودهم‬
‫مثل المسك‪ ،‬فإذا البطن قد ضمر"‪.‬‬
‫وقال الحسن بن عرفة‪ :‬حدثنا خلف بن خليفة‪ ،‬عن حميد األعرج‪ ،‬عن عبد الَّله بن الحارث‪ ،‬عن‬
‫عبد الَّله بن مسعود‪ ،‬قال‪ :‬قال لي رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إنك لتنظر إلى الطير في‬
‫الجنة فتشتهيه‪َ ،‬فَيِخ ّر بين يديك مشوًّيا" (‪. )1‬‬
‫وقد تقدم حديث أنس في قصة عبد الَّله بن سالم في أول طعام يأكله أهل الجنة‪ ،‬وشرابهم على‬
‫أثره (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الحسن بن عرفة في جزئه رقم (‪ ،)22‬والبزار في مسنده (‪ )401 /5‬رقم (‪،)2032‬‬
‫والبيهقي في البعث رقم (‪.)353‬‬
‫‪ -‬ورواُه جماعٌة عن خلف بن خليفة به‪.‬‬
‫أخرجه الشاشي في مسنده رقم (‪ ،)858‬والعقيلي في الضعفاء (‪ ،)268 /1‬وابن عدي في‬
‫الكامل (‪ ،)273 /2‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)104‬والبيهقي في البعث رقم (‬
‫‪ )353‬وغيرهم‪.‬‬
‫والحديُث مدارُه على حميد األعرج الكوفي‪ :‬ضعيف جًّدا‪ ،‬بل قال ابن حبان‪" :‬يروي عن ابن‬
‫الحارث عن ابن مسعود نسخة كأَّنها كلها موضوعة"‪.‬‬
‫وقال ابن عدي‪" :‬وهذه األحاديث عن ابن الحارث عن ابن مسعود‪ ،‬أحاديث ليست بمستقيمة وال‬
‫يتابع عليها‪." . .‬‬
‫والحديُث باطل‪ ،‬وقد ضعفه العقيلي وابن عدي والبوصيري والذهبي وغيرهم‪.‬‬
‫(‪ )2‬عند البخاري رقم (‪.)3723‬‬

‫(‪)1/397‬‬

‫وحديث أبي سعيد الخدري‪" :‬تكون األرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكَّف ؤها الجبار بيده ُنُز اًل‬
‫ألهل الجنة" (‪. )1‬‬
‫وقال الحاكم‪ :‬أنبأنا األصم‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن منقذ‪ ،‬حدثنا إدريس ابن يحيى‪ ،‬حدثني الفضل بن‬
‫المختار‪ ،‬عن عبيد الَّله بن موهب‪ ،‬عن عصمة بن مالك الخطمي‪ ،‬عن حذيفة ‪-‬رضي الَّله عنه‪-‬‬
‫قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إن في الجنة طيًر ا أمثال البخاتي‪ ،‬فقال أبو بكر‪:‬‬
‫إنها لناعمة يا رسول الَّله‪ ،‬قال‪ :‬أنعم منها من يأكلها‪ ،‬وأنت ممن يأكلها يا أبا بكر" (‪. )2‬‬
‫قال الحاكم‪ :‬وأنبانا األصم‪ ،‬حدثنا يحيى بن أبي طالب‪ ،‬أنبأنا عبد الوهاب بن عطاء‪ ،‬أنبأنا سعيد‪،‬‬
‫عن قتادة في قوله تعالى‪َ{ :‬و َلْح ِم َطْيٍر ِم َّم ا َيْش َتُه وَن (‪[ } )21‬الواقعة‪ ]21 :‬قال‪ :‬ذكر لنا أن أبا‬
‫بكر قال‪ :‬يا رسول الَّله‪ ،‬إني ألرى طير الجنة ناعمة كما أهلها ناعمون‪ ،‬قال‪" :‬من يأكلها أنعم‬
‫منها‪ ،‬وإنها أمثال البخاتي‪ ،‬وإني ألحتسب على الَّله أن تأكل منها يا أبا بكر" (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬عند البخاري رقم (‪ ،)6155‬ومسلم رقم (‪.)2792‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البيهقي في البعث والنشور رقم (‪.)354‬‬
‫قال العراقي‪ :‬غريب‪ .‬قلت‪ :‬فيه الفضل بن المختار البصري قال أبو حاتم‪" :‬هو مجهول‪ ،‬وأحاديثه‬
‫منكرة يحدث باألباطيل"‪ ،‬وقال ابن حجر‪" :‬مدارها على الفضِل بن المختار‪ ،‬وهو ضعيف جًّدا"‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الجرح والتعديل (‪ ،)69 /7‬واإلصابة (‪.)243 /6‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البيهقي في البعث والنشور رقم (‪.)355‬‬
‫وسنده حسن إلى قتادة‪ ،‬والحديث مرسل‪.‬‬

‫(‪)1/398‬‬

‫وبهذا اإلسناد عن قتادة‪ ،‬عن أبي أيوب رجٌل من أهل البصرة‪ ،‬عن عبد الَّله بن عمرو ‪-‬رضي الَّله‬
‫عنهما‪ -‬في قوله تعالى‪ُ{ :‬يَطاُف َعَلْيِه ْم ِبِص َح اٍف ِم ْن َذَه ٍب } [الزخرف‪ ،]71 :‬قال‪" :‬يطاف عليهم‬
‫بسبعين صحفة من َذَه ٍب ‪ ،‬كُّل صفحٍة فيها لون ليس في اُألخرى" (‪. )1‬‬
‫وقال الدراوردي‪ :‬حدثني ابن أخي ابن شهاب‪ ،‬عن أبيه (‪ )2‬عبد الَّله ابن مسلم أنه سمع أنس بن‬
‫مالك ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬يقول في الكوثر‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬هو نهٌر‬
‫أعطانيه ربي أشد بياًض ا من اللبن‪ ،‬وأحلى من العسل‪ ،‬فيه طيور أعناقها كأعناق الُجُز ِر "‪ ،‬فقال عمر‬
‫بن الخطاب‪ :‬إنها يا رسول الَّله لناعمة‪ ،‬فقال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬آِكُلها أنعم‬
‫منها" (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه البيهقي في البعث والنشور رقم (‪ ،)356‬والطبري في تفسيره (‪ )96 /25‬مختصًر ا‪.‬‬
‫وسنده صحيح‪ ،‬أبو أيوب هذا هو يحيى‪- ،‬ويقال حبيب‪ -‬ابن مالك األزدي العتكي‪ .‬انظر‪:‬‬
‫تهذيب الكمال (‪.)62 - 60 /33‬‬
‫(‪ )2‬في "ب‪ ،‬د"‪" :‬عن" بين "أبيه" و"عبد الَّله" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البيهقي في البعث والنشور رقم (‪.)291‬‬
‫‪ -‬ورواُه إبراهيم بن سعد ومعن بن عيسى القَّز از وعبد الَّله بن مسلمة القعنبي وأبو ُأويس "لكنه‬
‫اضطرب فيه"‪ ،‬كلهم عن محمد بن عبد الَّله بن مسلم عن أبيه عن أنس فذكره نحوه؛ لكن قال‬
‫إبراهيم بن سعد "أبو بكر" بدل "عمر"‪.‬‬
‫أخرجه أحمد (‪ ،)237 ،236 /3‬وبقي بن مخلد فيما روي في الحوض والكوثر رقم (‪،)31‬‬
‫واآلجري في الشريعة رقم (‪ ،)1087‬والترمذي برقم (‪ ،)2542‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة (‬
‫‪ )79‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه جعفر بن عمرو عن عبد الَّله بن مسلم عن أنس فذكره‪= .‬‬

‫(‪)1/399‬‬

‫تابعه إبراهيم بن سعد عن ابن أخي ابن شهاب‪ ،‬وقال‪ :‬فقال "أبو بكر" بدل "عمر"‪.‬‬
‫وقال عثمان بن سعيد الدارمي‪ :‬حدثنا عبد الَّله بن صالح‪ ،‬عن معاوية بن صالح‪ ،‬عن علي بن أبي‬
‫طلحة‪ ،‬عن ابن عباس في قوله تعالى‪َ{ :‬و َك ْأٍس ِم ْن َم ِعيٍن (‪[ } )18‬الواقعة‪ ،]18 :‬يقول‪" :‬الخمر"‪،‬‬
‫{اَل ِفيَه ا َغْو ٌل } [الصافات‪ ]47 :‬يقول (‪" : )1‬ليس فيها صداع"‪ ،‬وفي قوله تعالى‪َ{ :‬و اَل‬
‫ُيْنِز ُفوَن } [الواقعة‪ ]19 :‬يقول‪" :‬ال تذهب عقولهم"‪ ،‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫__________‬
‫= أخرجه بقي بن مخلد في الحوض والكوثر رقم (‪ )30‬وغيره‪.‬‬
‫‪ -‬ورواه عبد الوهاب بن أبي بكر ويزيد بن الهاد (إن كان محفوًظا) عن عبد الَّله بن مسلم عن‬
‫ابن شهاب الزهري عن أنس فذكره نحوه‪.‬‬
‫أخرجه أحمد (‪ ،)220 /3‬وبقي بن مخلد "فيما روي في الحوض والكوثر" رقم (‪،)33 /32‬‬
‫والطبري في تفسيره (‪ )324 /30‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪ -‬ورواه الليث بن سعد إن كان محفوًظا ‪-‬عن الزهري عن أنس مرفوًعا‪ -‬قاله ألبي بكر‪.‬‬
‫أخرجه ابن حبيب في وصف الفردوس رقم (‪.)88‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬حسن"‪ ،‬وفي بعض النسخ "حسن غريب"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬طريق عبد الوهاب أصح‪ ،‬فإن محمد بن عبد الَّله بن مسلم في حفظه مقال‪ ،‬وجعفر بن‬
‫عمرو هو ابن جعفر بن أميه فيه جهالة‪ ،‬والراوي عنه ابن إسحاق ولم يصرح بالتحديث‪،‬‬
‫والحديث غريب عن الزهري‪.‬‬
‫‪ -‬ورواه سيار عن جعفر بن سليمان الُّض َبعي عن ثابت عن أنس رفعه‪" :‬إن طير الجنة كأمثال‬
‫البخت ترعى في شجر الجنة فقال أبو بكر‪ " . . .‬نحوه‪.‬‬
‫أخرجه أحمد (‪ ،)221 /3‬وصَّح ح العراقي إسناده‪ ،‬وفيه نظر‪ ،‬والصواب أَّنه ضعيف اإلسناد‪.‬‬
‫(‪ )1‬سقط من "ج"‪.‬‬

‫(‪)1/400‬‬

‫{َو َك ْأًس ا ِد َه اًقا (‪[ } )34‬النبأ‪ ،]34 :‬يقول‪" :‬ممتلئة"‪ ،‬وقوله‪َ{ :‬ر ِح يٍق َمْخ ُتوٍم } [المطففين‪]25 :‬‬
‫يقول‪" :‬الخمر ختم بالمسك" (‪. )1‬‬
‫وقال علقمة‪ ،‬عن ابن مسعود‪ِ{ :‬خ َتاُمُه ِم ْس ٌك } [المطففين‪ .]26 :‬قال‪" :‬خلطه‪ ،‬وليس بخاتم‬
‫يختم" (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه البيهقي في البعث والنشور رقم (‪.)357‬‬
‫وسنده حسن‪ ،‬وعلي بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس‪ ،‬وإنما لقي مجاهًد ا فسمع منه‬
‫التفسير‪.‬‬
‫انظر تهذيب الكمال (‪.)490 /20‬‬
‫وأخرجه الطبري مفَّر ًقا ببعضه‪ ،‬عن علي عن عبد الَّله بن صالح به في (‪ )175 /27‬و (‪19 /30‬‬
‫و ‪ 105‬و ‪.)106‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن المبارك في الزهد ‪-‬رواية نعيم‪ -‬رقم (‪ ،)277‬وابن وهب في التفسير ‪ -‬من‬
‫الجامع (‪ )143 /1‬رقم (‪ ،)334‬وابن أبي الدنيا في صفة الجنة رقم (‪ ،)131‬والطبري في‬
‫تفسيره (‪ ،)106 /30‬والبيهقي في البعث رقم (‪ )359‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق سفيان الثوري عن أشعث بن سليم عن زيد بن معاوية عن علقمة عن ابن مسعود‬
‫فذكره‪.‬‬
‫‪ -‬وقد خولف الثوري‪:‬‬
‫خالفه أبو األحوص وزائدة وأيوب وشريك وإسرائيل كلهم عن أشعث به (من قول علقمة)‪.‬‬
‫وسئل يحيى القطان عن ذلك فقال‪" :‬لو كانوا أربعة آالف مثل هؤالء لكان سفيان أثبت منهم"‪.‬‬
‫وسئل عبد الرحمن بن مهدي عن ذلك فقال‪" :‬هؤالء قد اجتمعوا‪ ،‬وسفيان أثبت منهم‪،‬‬
‫واالنصاف ال بأس به"‪.‬‬
‫انظر المجروحين البن حبان (‪.)51 /1‬‬
‫واألثر فيه زيد بن معاوية ذكره ابن حبان في الثقات (‪ )317 /6‬وسكت =‬

‫(‪)1/401‬‬

‫قلت‪ :‬يريد ‪-‬والَّله أعلم‪ -‬أن آخره مسك يخالطه فهو من الخاتمة‪ ،‬ليس من الخاتم‪.‬‬
‫وقال زيد بن معاوية‪ :‬سألت علقمة عن قوله تعالى‪ِ{ :‬خ َتاُمُه ِم ْس ٌك } [المطففين‪ ]26 :‬فقرأ‬
‫{خاتمه مسك}‪ ،‬فقال لي علقمة‪" :‬ليست خاتمه‪ ،‬ولكن اقرأها {ِخ َتاُمُه ِم ْس ٌك } قال علقمة‪:‬‬
‫ختامه‪ :‬خلطه‪ ،‬ألم تر إلى (‪ )1‬المرأة من نسائكم تقول للطيب‪ :‬إَّن َخ ْلطُه من مسك‪ ،‬لكذا وكذا"‬
‫(‪. )2‬‬
‫وذكر سعيد بن منصور (‪ : )3‬حدثنا أبو معاوية‪ ،‬عن األعمش‪ ،‬عن عبد الَّله بن مرة‪ ،‬عن مسروق‪:‬‬
‫"الرحيق‪ :‬الخمر‪ ،‬والمختوم‪ :‬يجدون‬
‫__________‬
‫= عنه البخاري‪ ،‬وروى عنه راويان‪.‬‬
‫وعليه فاإلسناد ال بأس به‪.‬‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ" "أَّن "‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه هناد في الزهد رقم (‪ ،)67‬والطبري في تفسيره (‪ ،)106 /30‬والبيهقي في البعث‬
‫رقم (‪.)360‬‬
‫وفيه زيد بن معاوية العبسي ‪-‬تقدم الكالم فيه‪ -‬وهو هنا يسأل علقمة فهو أقرب إلى الضبط في‬
‫الُجْم لة‪.‬‬
‫وعليه فاإلسناد ثابت‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البيهقي في البعث رقم (‪ )361‬من طريق سعيد بن منصور به مثله‪.‬‬
‫لكن رواه هناد في الزهد رقم (‪ ،)64‬وابن أبي الدنيا في صفة الجنة رقم (‪.)137‬‬
‫عن داود بن عمرو الَّضبي كالهما "هناد وداود" عن أبي معاوية به‪.‬‬
‫وزاد "عن ابن مسعود" وهذا هو الصحيح‪.‬‬
‫ورواُه وكيع عن األعمش به ‪-‬وذكر ابن مسعود‪ -‬مقتصًر ا على أَّو له‪.‬‬
‫أخرجه هناد رقم (‪ )66‬وغيره‪.‬‬

‫(‪)1/402‬‬

‫عاقبتها طعم المسك"‪.‬‬


‫وبهذا اإلسناد عن مسروق‪ ،‬عن عبد الَّله في قوله تعالى‪َ{ :‬و ِم َز اُج ُه ِم ْن َتْس ِنيٍم (‪[ } )27‬المطففين‪:‬‬
‫‪ ]27‬قال‪" :‬يمزج ألصحاب اليمين‪ ،‬ويشرُبها المقربون صرًفا" (‪. )1‬‬
‫وكذلك قال ابن عباس‪" :‬يشرب منها المقربون صرًفا‪ ،‬ويمزج لمن دونهم" (‪. )2‬‬
‫وقال مجاهٌد ‪ِ{ :‬خ َتاُمُه ِم ْس ٌك } [المطففين‪ ]26 :‬يقول‪" :‬طينه مسك" (‪. )3‬‬
‫وهذا التفسير يحتاج إلى تفسير‪ .‬ولفظ اآلية أوضح منه‪ ،‬وكأنه ‪-‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه البيهقي في البعث رقم (‪ )362‬من طريق سعيد بن منصور به مثله‪.‬‬
‫وأخرجه هناد في الزهد رقم (‪ ،)65‬والمروزي في زوائده على الزهد البن المبارك رقم (‬
‫‪ ،)1522‬والطبري (‪.)108 /30‬‬
‫‪ -‬ورواُه جريُر عن األعمش عن عبد الَّله عن مسروق قوله "ولم يذكر ابن مسعود"‪.‬‬
‫أخرجه الواحدي في تفسيره الوسيط (‪.)449 /4‬‬
‫واألثر ثابت صحيح عن ابن مسعود‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (‪ )290 /2‬رقم (‪ ،)3545‬والطبري في تفسيره (‪/30‬‬
‫‪ ،)109‬والبيهقي في البعث رقم (‪ )363‬وغيرهم‪.‬‬
‫وسنده صحيح‪ ،‬انظر تغليق التعليق (‪.)500 /3‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ ،)107 /30‬والبيهقي في البعث رقم (‪ )364‬وغيرهما‪.‬‬
‫وسنده حسن‪ .‬انظر تغليق التعليق (‪.)500 /3‬‬

‫(‪)1/403‬‬
‫والَّله أعلم‪ -‬يريد ما يبقى في أسفل اإلناء من الُّد ْر ِد ِّي (‪. )1‬‬
‫وذكر الحاكم‪ :‬من حديث آدم‪ ،‬حدثنا شيبان‪ ،‬عن جابر‪ ،‬عن ابن سابط‪ ،‬عن أبي الدرداء في قوله‪:‬‬
‫{ِخ َتاُمُه ِم ْس ٌك } [المطففين‪ ،]26 :‬قال‪" :‬هو شراٌب أبيض مثل الفضة يختمون به آخر شرابهم‪،‬‬
‫لو أَّن رجاًل من أهل الدنيا أدخل يده فيه ثم أخرجها؛ لم يبق ذو روح إال وجد ريح طيبها" (‪. )2‬‬
‫قال آدم‪ :‬وحدثنا أبو شيبة‪ ،‬عن عطاء قال‪" :‬الَّتْس ِنيم‪ :‬اسم العين التي يمزج به الخمر" (‪. )3‬‬
‫وقال اإلمام أحمد‪ :‬حدثنا هشيم‪ ،‬أنبأنا حصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي الَّلُه عنهما في‬
‫قوله‪َ{ :‬و َك ْأًس ا ِد َه اًقا} [النبأ‪]34 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ُ )1‬دردُّي الشيء‪ :‬ما يبقى في أسفله‪ ،‬الصحاح (‪.)403 /1‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البيهقي في البعث رقم (‪ )365‬عن الحاكم به مثله‪.‬‬
‫وأخرجه ابن المبارك في الزهِد ‪-‬رواية ُنعيم‪ -‬رقم (‪ ،)276‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‬
‫‪ ،)130‬والطبري في تفسيره (‪.)107 /30‬‬
‫من طريق أبي حمزة ورجل عن جابر به مثله‪.‬‬
‫واألثُر ضعيُف اإلسناد فيه جابر الجعفي متكَّلٌم فيه‪ ،‬وعبد الرحمن بن سابط لم يسمع من أبي‬
‫الدرداء‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)125 /17‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البيهقي في البعث رقم (‪ )366‬عن الحاكم به مثله‪.‬‬
‫وسنده حسن‪ ،‬وأبو شيبة هو‪ :‬شعيب بن رزيق الشامي أبو شيبة المقدسي‪ ،‬وعطاء هو ابن أبي‬
‫مسلم الخراساني‪ .‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)524 /12‬‬

‫(‪)1/404‬‬

‫قال‪" :‬هي المتتابعة الممتلئة"‪ ،‬قال‪ :‬وُر َّبما سمعت العباس يقول‪ :‬اسقنا واْد َه ق لنا" (‪. )1‬‬
‫وقد تقَّدم الكالم على قوله تعالى‪ِ{ :‬إَّن اَأْلْبَر اَر َيْش َر ُبوَن ِم ْن َك ْأٍس َك اَن ِم َز اُجَه ا َك اُفوًر ا (‪َ )5‬عْيًنا‬
‫َيْش َر ُب ِبَه ا ِع َباُد الَّلِه ُيَفِّج ُر وَنَه ا َتْف ِج يًر ا} [اإلنسان‪ ]6 - 5 :‬وعلى قوله‪َ{ :‬و ُيْس َق ْو َن ِفيَه ا َك ْأًس ا‬
‫َك اَن ِم َز اُجَه ا َز ْنَج ِبياًل (‪َ )17‬عْيًنا ِفيَه ا ُتَس َّم ى َس ْلَس ِبياًل (‪[ } )18‬اإلنسان‪. )2( ]18 - 17 :‬‬
‫فقالت فرقة‪" :‬سلسبياًل " جملة مركبة من فعل وفاعل‪ ،‬و"سبياًل " منصوب على المفعول‪ ،‬أي سل‬
‫سبياًل إليها (‪. )3‬‬
‫وليس هذا بشيء‪ ،‬وإنما السلسبيل كلمة مفردة‪ ،‬وهي اسم للعين نفسها باعتبار صفتها‪ ،‬وقد شفى‬
‫(‪ )4‬قتادة ومجاهد في اشتقاق اللفظة‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه البيهقي في البعث رقم (‪ )358‬من طريق اإلمام أحمد به مثله‪.‬‬
‫وأخرجه عبد بن حميد في تفسيره كما في تغليق التعليق (‪ )501 /3‬عن هشيم به نحوه مختصًر ا‪.‬‬
‫‪ -‬رواُه يحيى بن المهلب عن حصين به نحوه وفيه (‪ . . .‬اسقنا كأًس ا دهاًقا)‪.‬‬
‫أخرجه البخاري في صحيحه (‪ )66‬فضائل الصحابة (‪ )56‬باب‪ :‬أيام الجاهلية (‪ )1395 /3‬رقم‬
‫(‪.)3627‬‬
‫(‪ )2‬انظر ص (‪.)392 - 391‬‬
‫(‪ )3‬ذكره الماوردي في تفسيره (‪ )171 /6‬عن علي رضي الَّله عنه‪.‬‬
‫قال ابن الجوزي‪" :‬وال يصح" أي‪ :‬عن علي رضي الَّله عنه‪ .‬وقال السمعاني‪" :‬ومن قال ذلك فقد‬
‫أبعد‪ ،‬وهو تأويل باطل‪ ،‬وليس من قول أهل العلم"‪ .‬انظر زاد المسير (‪ ،)438 /8‬وتفسير القرآن‬
‫للسمعاني (‪.)119 /6‬‬
‫(‪ )4‬في "أ‪ ،‬ب‪ ،‬هـ" "سعى" وهو خطأ‪.‬‬

‫(‪)1/405‬‬

‫فقال قتادة‪َ" :‬س ِلَس ة لهم يصرفونها حيث شاؤوا" (‪ . )1‬وهذا من االشتقاق األكبر (‪ . )2‬وقال‬
‫مجاهد‪َ" :‬س ِلَس ُة السبيل حديدة الجرية" (‪ ، )3‬وقال أبو العالية والمقاتالن (‪" : )4‬تسيل عليهم في‬
‫الطرق‪ ،‬وفي منازلهم"‪ .‬وهذا من سالستها وِح َّدة جريتها‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معناها طيبة الطعم والمذاق (‪. )5‬‬
‫وقال أبو إسحاق‪" :‬سلسبيل‪ :‬صفة ِلَم ا كان في غاية السالسة‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (‪ )271 /2‬رقم (‪ ،)3437‬والطبري (‪.)218 /29‬‬
‫عن معمر عن قتادة فذكره‪.‬‬
‫‪ -‬ورواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال‪َ( :‬س ِلَس ة مستقيًد ا "أي‪ :‬منقاد" ماؤها)‪.‬‬
‫أخرجه الطبري (‪ .)218 /29‬وهو أثر صحيح عن قتادة‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ج" "األكثر" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (‪ )271 /2‬رقم (‪ )3436‬وهناد في الزهد رقم (‪)96‬‬
‫والطبري (‪ 218 /29‬و ‪.)219‬‬
‫من طريق الثوري وشبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد‪. .‬‬
‫ولفظ الثوري‪ :‬حديدة ‪-‬وفي رواية‪ :‬شديدة‪ -‬الجرية‪ .‬ولفظ شبل‪ :‬سلسة الجرية‪ .‬وهو أثر صحيح‬
‫عن مجاهد‪.‬‬
‫(‪ )4‬المقاتالن هما‪ :‬مقاتل بن حيان‪ ،‬ومقاتل بن سليمان‪.‬‬
‫وانظر هذا النقل عنهما في تفسير السمرقندي "بحر العلوم" (‪ ،)432 /3‬وتفسير القرطبي الجامع‬
‫ألحكام القرآن (‪ ،)143 /19‬وتفسير الماوردي (‪ ،)171 /6‬ومعالم التنزيل للبغوي (‪/8‬‬
‫‪.)297‬‬
‫(‪ )5‬انظر الجامع ألحكام القرآن للقرطبي (‪.)142 /19‬‬

‫(‪)1/406‬‬

‫فسميت العين بذلك‪.‬‬


‫وقال ابن األنباري‪" :‬الصواب في سلسبيل‪ :‬أنه صفة للماء‪ ،‬وليس باسم للعين"‪ .‬واحتج على ذلك‬
‫بحجتين‪:‬‬
‫إحداهما‪ :‬بأَّن سلسبيَل مْص ُر وف‪ ،‬ولو كان اسًم ا للعين لم ُيْص َر ف للتأنيث والعلمية‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن ابن عباس قال‪ :‬معناه "أنها تنسل في حلوقهم انسالاًل " (‪. )1‬‬
‫قلت‪ :‬وال حجة له في واحدة منهما‪ ،‬أما الصرف‪ :‬فالْقِتَض اء رؤوس اآلي له كنظائره‪ .‬وأما قول‬
‫ابن عباس‪ :‬فإنما يدل على أن العين سميت بذلك باعتبار صفة السالسة والسهولة (‪. )2‬‬
‫فقد تضمنت هذه النصوص أَّن لهم فيها الخبز واَّللحم والفاكهَة والحلوى‪ ،‬وأنواع األشربة من‬
‫الماء واللبن والخمر‪ ،‬وليس في الدنيا مَّم ا في اآلخرة إاَّل األسماء‪ ،‬وأَّما المسميات فبينها من‬
‫التفاوت ما ال يعلمه البشر‪.‬‬
‫فإْن قيل‪ :‬فأين ُيْش وى اللحم وليس في الجنة نار؟‪.‬‬
‫فقد أجاب عن هذا بعضهم بأنه ُيْش وى بـ {ُك ن}‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ذكره الماوردي في تفسيره (‪.)171 /6‬‬
‫(‪ )2‬راجع معاني القرآن للزجاج (‪ ،)261 /5‬وتفسير السمعاني (‪ ،)119 /6‬وزاد المسير البن‬
‫الجوزي (‪.)438 /8‬‬

‫(‪)1/407‬‬

‫وأجاب آخرون‪ :‬بأَّنه يشوى خارج الجنة‪ ،‬ثم يؤتى به إليهم‪.‬‬


‫والصواب‪ :‬أنه يشوى في الجنة بأسباب قدرها العزيز العليم (‪ )1‬إلنضاجه وإصالحه‪ ،‬كما َقَّد َر‬
‫هناك أسباًبا إلنضاج الثمر والطعام‪ ،‬على أَّنه ال يمتنع أن يكون فيها نار تصلح وال تفسد شيًئا‪.‬‬
‫وقد صح عنه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬أنه قال‪" :‬مجامرهم اَألُلَّو ُة" (‪ ، )2‬و"المجامر"‪ :‬جمِع‬
‫َمْج َم ر‪ ،‬وهو البخور الذي يتبخر بإحراقه‪ .‬و"األلوة"‪ :‬العود الُم طَّر ى‪ .‬فأخبر أنهم يتجمرون به‪،‬‬
‫أي‪ :‬يتبخرون بإحراقه‪ ،‬لتسطع لهم رائحته‪.‬‬
‫وقد أخبر سبحانه أَّن في الجَّنة ظالاًل ‪ ،‬والظالل ال ُبَّد أْن تفيء مَّم ا يقابلها فقال‪ُ{ :‬ه ْم َو َأْز َو اُجُه ْم‬
‫ِفي ِظ اَل ٍل َعَلى اَأْلَر اِئِك ُمَّتِكُئوَن (‪[ } )56‬يس‪.]56 :‬‬
‫وقال تعالى‪ِ{ :‬إَّن اْلُم َّتِق يَن ِفي ِظ اَل ٍل َو ُعُيوٍن (‪[ } )41‬المرسالت‪.]41 :‬‬
‫وقال تعالى‪َ{ :‬و ُنْد ِخ ُلُه ْم ِظ اًّل َظِلياًل (‪[ } )57‬النساء‪.]57 :‬‬
‫فاألطعمة والحلوى والَّتجمر تستدعي أسباًبا تتم بها‪ ،‬والَّله سبحانه خالق الَّس بب والُمَس َّبب‪ ،‬وهو‬
‫رب كل شيء ومليكه ال إله إال هو‪ ،‬وكذلك جعل لهم سبحانه أسباًبا ُتَص ِّر ف الطعام من الجشاء‬
‫والعرق الذي يفيض من جلودهم‪ ،‬فهذا سبب إخراجه‪ ،‬وذاك سبب إنضاجه‪ ،‬وكذلك يجعل في‬
‫أجوافهم من الحرارة ما يطبخ ذلك الطعام وُيلِّطفه‪ ،‬ويهيئه لخروجه رشًح ا وجشاًء‪ ،‬وكذلك ما‬
‫هناك من الثمار‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "هـ"‪" :‬الحكيم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تقدم في (ص‪.)231 /‬‬

‫(‪)1/408‬‬
‫والفواكه يخلق لها من الحرارة ما ُيْنِض جها‪ ،‬ويجعل سبحانه أوراق الشجر ظالاًل ‪ ،‬فرُّب الدنيا‬
‫واآلخرة واحد‪ ،‬وهو الخالق باألسباب والِح َك م ما يجعله (‪ )1‬في الدنيا واآلخرة‪ ،‬واألسباب مظهر‬
‫أفعاله وحكمته؛ ولكَّنها تختلف‪ ،‬ولهذا يقع التعجب من العبد لورود أفعاله سبحانه على أسباب‬
‫غير األسباب المعهودة المألوفة‪ ،‬وربما حمله ذلك على اإلنكار والكفر‪ ،‬وذلك محض الجهل‬
‫والظلم؛ وإاَّل فليست قدرته سبحانه وتعالى مقّصرة عن أسباب ُأَخ ر؛ َو ُمَس ِّبَبات ينشئها منها؛ كما‬
‫لم يقصر في هذا العالم المشهود عن أسبابه ومسبباته‪ ،‬وليس هذا بأهون عليه من ذلك‪.‬‬
‫ولعل النشأة األولى التي أنشأها الرب سبحانه وتعالى فيها بالعيان والمشاهدة = أعجب من النشأة‬
‫الثانية التي وعدنا بها إذا تأملها اللبيب‪ .‬ولعل إخراج هذه الفواكه والثمار من بين هذه التربة‬
‫الغليظة‪ ،‬والماء والخشب والنوى (‪ )2‬المناسب لها = أعجب عند العقل من إخراجها من بين‬
‫تربة الجنة ومائها وهوائها‪.‬‬
‫ولعل إخراج هذه األشربة التي هي غذاء ودواء وشراب ولَّذ ة من بين فرث ودم‪ ،‬ومن ِفِّي (‪)3‬‬
‫ُذَباٍب = أعجب من إجرائها أنهاًر ا في الجنة بأسباب ُأخر‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬د"‪" :‬يخلقه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬الهواء"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "أ‪ ،‬ب‪ ،‬ج"‪ِ" :‬قِّي "‪ ،‬ويعني بالذباب‪ :‬النحل‪.‬‬

‫(‪)1/409‬‬

‫ولعل أخراج جوَه َر ي الذهب والفضة في (‪ )1‬عروق الحجارة من الجبال وغيرها = أعجب من‬
‫إنشائها هناك من أسباب أخر‪ .‬ولعل إخراج الحرير من لعاب ُدْو ِد الَق ِّز ‪ ،‬وبنائها على أنفسها‬
‫القباب الِبْيض والُح مر والصفر أحكم بناء = أعجب من إخراجه من أكمام تتفَّتق عنه شجر هناك‪،‬‬
‫قد أودع فيها‪ ،‬وأنشئ منها‪.‬‬
‫ولعَّل جريان بحار الماء بين السماء واألرض على ظهور السحاب = أعجب من جريانها في الجنة‬
‫في غير أخدود‪.‬‬
‫وبالجملة‪ ،‬فتأمل آيات الَّله التي دعا عباده إلى التفُّك ر فيها‪ ،‬وجعلها آياٍت دالًة على كمال قدرته‪،‬‬
‫وِع َّلًة في مشيئته (‪ )2‬وحكمته وملكه‪ ،‬وعلى توُّح ده بالربوبية واإللهية‪ ،‬ثم وازن بينها وبين ما‬
‫أخبر به من أمر اآلخرة والجنة والنار = تجد هذه أدَّل شيٍء على تلك‪ ،‬شاهدة لها‪ ،‬وتجدهما من‬
‫مشكاٍة واحدة‪ ،‬ورٍّب واحد‪ ،‬وخالٍق واحد (‪ ، )3‬وملٍك واحد‪ ،‬فُبعًد ا لقوٍم ال يؤمنون‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "هـ"‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب‪ ،‬د"‪" :‬وعلمه ومشيئته"‪ ،‬وفي "هـ" ونسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬وعلمه في مشيئته"‪.‬‬
‫(‪ )3‬قوله "وخالق واحد" من "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪.‬‬

‫(‪)1/410‬‬

‫الباب التاسع واألربعون في ذكر آنيتهم التي يأكلون فيها ويشربون‪ ،‬وأجناسها وصفاتها‬
‫ِص ٍف ِم‬
‫قال الَّلُه تعالى‪ُ{ :‬يَطاُف َعَلْيِه ْم ِب َح ا ْن َذَه ٍب َو َأْك َو اٍب } [الزخرف‪ ،]71 :‬فالصحاف‪ :‬جمُع‬
‫َصْح َف ة‪ ،‬قال الكلبي‪" :‬بقصاٍع من ذهٍب "‪ .‬وقال الليث‪" :‬الصحفة‪ :‬قطعٌة ُمْس َلْنِط َح ة عريضة‪،‬‬
‫الجمُع‪ِ :‬ص َح اف‪ ،‬قال األعشى‪:‬‬
‫والَم َك اِكْيَك والِّص َح اَف مَن الِف َّضـ ‪ ...‬ــة والَّضاِم َز اِت تحَت الِّر َح اِل (‪)1‬‬
‫وأَّما األكواب فجمع كوٍب ‪ ،‬قال الفَّر اء‪" :‬الكوب‪ :‬المستدير الَّر أس اَّلذي ال ُأَذَن له‪ ،‬وأنشد‬
‫ِلَعِد ي‪:‬‬
‫ُمتكًئا تصفُق أبواُبه ‪ ...‬يسعى عليه الغيد بالكوب (‪)2‬‬
‫وقال أبو عبيدة‪" :‬األكواب‪ :‬األباريق التي ال خراطيم لها" (‪ ،)3‬قال أبو إسحاق‪" :‬واحدها كوٌب ‪،‬‬
‫وهو إناء مستدير ال ُعروة له" (‪ .)4‬وقال ابن عباس‪" :‬هي األباريق التي ليست لها آذان" (‪.)5‬‬
‫وقال مقاتل‪" :‬هي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬تهذيب اَّللغة لألزهري (‪ ،)1981 /2‬وانظر البيت في ديوان األعشى ص (‪.)167‬‬
‫(‪ )2‬انظر معاني القرآن للفَّر اء (‪.)37 /3‬‬
‫(‪ )3‬انظر مجاز القرآن (‪ ،)206 /2‬وفيه "األبارق" بدل "األباريق"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج (‪.)419 /4‬‬
‫(‪ )5‬لم أقف عليه‪.‬‬
‫(‪)1/411‬‬

‫أواني مستديرة الَّر أس ليس لها ُعًر ى" (‪. )1‬‬


‫وقال البخاري في "صحيحه" (‪ : )2‬األكواب‪ :‬األباريق التي ال خراطيم لها"‪.‬‬
‫وقال تعالى‪َ{ :‬يُطوُف َعَلْيِه ْم ِو ْلَد اٌن ُمَخ َّلُد وَن (‪ِ )17‬بَأْك َو اٍب َو َأَباِر يَق َو َك ْأٍس ِم ْن َم ِعيٍن (‪} )18‬‬
‫[الواقعة‪.]18 - 17 :‬‬
‫األباريق‪ :‬هي األكواب التي لها خراطيم‪ ،‬فإْن لم (‪ )3‬يكن لها خراطيم وال ُعًر ى فهي أكواب‪.‬‬
‫وإبريق‪ :‬إفعيل من الَبِر يق‪ ،‬وهو الصفاء اَّلذي يبرق لونه من صفائه‪ ،‬ثَّم ُس ِّم َي ما كان على شكله‬
‫إبريق؛ وإْن لم يكن صافًيا‪ ،‬وأباريق الجَّنة من الفضة في صفاء القوارير‪ُ ،‬يَر ى من ظاهرها ما في‬
‫باطنها‪ ،‬والعرُب تسمى السيف إبريًق ا‪َ ،‬لبريق لونه‪ ،‬ومنه قول ابن أحمر‪:‬‬
‫تعَّلقَت إبريًق ا وعَّلْق َت َج ْع َبة ‪ ...‬لُتهِلَك حًّيا َذا ُزَه اًء َو َج امل (‪)4‬‬
‫وفي "نوادر اِّللحياني"‪" :‬امرأة إبريق إذا كانت بَّر اقة" (‪. )5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر تفسير مقاتل المنسوب إليه (‪.)312 /3‬‬
‫(‪ )2‬اَّلذي في صحيح البخاري في "‪ "63‬بدء الخلق (‪ ،)8‬باب‪ :‬ما جاء في صفة الجَّنة وأَّنها‬
‫مخلوقة (‪ )1184 /3‬بهذا اللفظ "والكوب‪ :‬ما ال أذن له وال عروة‪ ،‬واألباريق‪ :‬ذات اآلذان‬
‫والُعرى"‪ .‬وانظر (‪ )117 /4‬ط‪ :‬بوالق‪.‬‬
‫(‪ )3‬سقط من "أ"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر البيت في تهذيب اللغة لألزهري (‪.)316 /1‬‬
‫(‪ )5‬انظر تهذيب اللغة لألزهري (‪.)316 /1‬‬

‫(‪)1/412‬‬

‫وقال تعالى‪َ { :‬طاُف َعَل ِه ِبآِن ٍة ِم ِفَّضٍة َأْك اٍب َك اَنْت اِر ي ا (‪ )15‬اِر ي ِم ِفَّضٍة‬
‫َقَو َر ْن‬ ‫َقَو َر‬ ‫َو َو‬ ‫ْي ْم َي ْن‬ ‫َو ُي‬
‫َقَّد ُر وَه ا َتْق ِد يًر ا (‪[ } )16‬اإلنسان‪.]16 - 15 :‬‬
‫فالقوارير‪ :‬هي الزجاج‪ ،‬فأخبر سبحانه وتعالى عن مادة تلك اآلنية أَّنها من الفضة‪ ،‬وأَّنها بصفاء‬
‫الزجاج وشفافته‪ ،‬وهذا من أحسن األشياء وأعجبها‪ ،‬وقطع سبحانه توُّهم كون تلك القوارير من‬
‫زجاج فقال‪َ{ :‬قَو اِر يَر ِم ْن ِفَّضٍة }‪ ،‬قال مجاهد وقتادة وُمقاتل والكلبي والشعبي‪" :‬قوارير الجَّنة من‬
‫الفضة" (‪ ، )1‬فاجتمع لها بياض الفضة وصفاء القوارير‪.‬‬
‫قال ابن قتيبة‪" :‬كل ما في الجَّنة من األنهار وسررها وفرشها وأكوابها مخالٌف لما في الدنيا من‬
‫صنعة العباد‪ ،‬كما قال ابن عباس‪" :‬ليس في الدنيا شيٌء مَّم ا في الجَّنة إاَّل األسماء" (‪، )2‬‬
‫واألكواب في الدنيا‪ ،‬قد تكون من فضة‪ ،‬وتكون من قوارير‪ ،‬فأعلمنا الَّلُه تعالى أَّن هناك أكواًبا‬
‫لها بياض الفضة‪ ،‬وصفاء القوارير‪ ،‬قال‪ :‬وهذا على التشبيه‪ ،‬أراد قوارير كأَّنها من فضة‪ ،‬وهذا‬
‫كقوله تعالى‪َ{ :‬ك َأَّنُه َّن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬تفسير الطبري (‪ ،)217 - 215 /29‬ومعالم التنزيل للبغوي (‪ ،)296 /8‬وتفسير‬
‫مقاتل (‪.)313 - 312 /3‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه هناد في الزهد رقم (‪ ،)8 ,3‬ووكيع في نسخته عن األعمش رقم (‪ ،)1‬وابن أبي‬
‫حاتم في تفسيره البقرة رقم (‪ ،)261‬والطبري (‪ ،)174 /1‬ومسدد في مسنده كما في المطالب‬
‫العالية (‪ ،)4617‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ )124‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طرق عن األعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال‪ :‬ال يشبه شيٌء مَّم ا في الجَّنة ما في الدنيا‬
‫إاَّل األسماء"‪ .‬هذا لفظ األشجعي عن الثوري‪.‬‬
‫وهو أثٌر صحيح ثابت‪.‬‬

‫(‪)1/413‬‬

‫اْلَياُقوُت َو اْلَمْر َج اُن (‪[ } )58‬الرحمن‪ ،]58 :‬أي لهَّن ألوان المرجان في صفاء الياقوت" (‪. )1‬‬
‫وهذا مردوٌد عليه‪ ،‬فإَّن اآلية صريحٌة أَّنها من فضة‪ ،‬و"من" ها هنا لبيان الجنس كما تقول‪ :‬خاتم‬
‫من فضة‪ ،‬وال يراد بذلك أنه يشبه الفضة‪ ،‬بل جنسه ومادته الفضة‪ ،‬ولعله أشكل عليه كونها من‬
‫فضة وهي قوارير‪ ،‬وهو الزجاج‪ ،‬وليس في ذلك إشكال لما ذكرناه‪.‬‬
‫وقوله‪َ{ :‬قَّد ُر وَه ا َتْق ِد يًر ا} التقدير‪ :‬جعل الشيء بقدر مخصوص‪ ،‬فقدرت الُّص ناع هذه اآلنية على‬
‫قدر ِر ِّيِه م (‪ ، )2‬ال يزيد عليه وال ينقص منه‪ ،‬وهذا أبلغ في لذة الشارب‪ ،‬فلو نقص عن ِر ِّيِه لنقص‬
‫التذاذه‪ ،‬ولو زاد حتى ُيْس ئر (‪ )3‬منه حصل له ماللة وسآمة من الباقي‪.‬‬
‫هذا قول جماعة المفسرين (‪. )4‬‬
‫قال الفراء‪" :‬قدروا الكأس على ِر ِّي أحدهم‪ ،‬ال فضل فيه‪ ،‬وال عجز عن ِر ِّيه‪ ،‬وهو الُّذ الشراب" (‬
‫‪. )5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر تأويل مشكل القرآن البن قتيبة الدينوري ص (‪.)81 - 80‬‬
‫(‪ )2‬في "ج‪ ،‬هـ"‪ِ" :‬ز ِّيهم" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬يسئر‪ :‬أي يْف ضل‪ ،‬قال الليث‪ُ :‬يقال أسأر فالن من طعامه وشرابه ُس ْؤ ًر ا‪ :‬وذلك إذا أبقى منه‬
‫بقَّية‪ ،‬قال‪ :‬وبقية كل شيء ُس ْؤ ره‪ ،‬انظر‪ :‬تهذيب اللغة لألزهري (‪.)1592 /2‬‬
‫(‪ )4‬في "هـ"‪ ،‬ونسخة على حاشية "أ"‪" :‬من المفسرين"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬معاني القرآن له (‪.)217 /3‬‬

‫(‪)1/414‬‬

‫وقال الزجاج‪" :‬جعلوا اإلناء على قدر ما يحتاجون إليه ويريدونه" (‪. )1‬‬
‫وقال أبو عبيد‪" :‬يكون التقدير للذين يسقون يقدرونها‪ ،‬ثم يسقون"‪ .‬يعني أن الضمير في "قدروا"‬
‫للمالئكة والخدم‪ ،‬قدروا الكأس على قدر الِّرِّي ‪ ،‬فال يزيد عليه َفُيثِق ل الكف‪ ،‬وال ينقص منه (‪)2‬‬
‫فتطلب النفس الزيادة كما تقدم‪.‬‬
‫وقالت طائفة‪ :‬الضمير يعود على الشاربين‪ ،‬أي قدروا في أنفسهم شيًئا‪ ،‬فجاءهم األمر (‪)3‬‬
‫بحسب ما قدروه وأرادوه‪.‬‬
‫وقول الجمهور أحسن وأبلغ‪ ،‬فهو مستلزم لهذا القول‪ .‬والَّله أعلم‪.‬‬
‫وأما الكأس‪ ،‬فقال أبو عبيدة‪" :‬هو اإلناء بما فيه" (‪ . )4‬وقال أبو إسحاق‪" :‬الكأس‪ :‬اإلناء إذا كان‬
‫فيه خمر‪ ،‬ويقع الكأس لكِّل إناٍء مع شرابه" (‪. )5‬‬
‫والمفسرون فَّس روا الكأس بالخمر‪ ،‬وهو قول عطاء والكلبي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر معاني القرآن وإعرابه له (‪.)260 /5‬‬
‫(‪ )2‬من "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪.‬‬
‫(‪ )3‬ليس في "د"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر مجاز القرآن (‪.)169 /2‬‬
‫(‪ )5‬انظر المخصص البن سيده (‪ ،)197 - 196 /3‬والمحرر الوجيز البن عطية (‪.)363 /15‬‬

‫(‪)1/415‬‬

‫ومقاتل (‪ ، )1‬حتى قال الضحاك‪" :‬كل كأس في القرآن‪ ،‬فإنما عنى به‪ :‬الخمر" (‪. )2‬‬
‫وهذا نظر منهم إلى المعنى والمقصود‪ :‬فإن المقصود ما في الكأس ال اإلناء معه‪ .‬وأيًض ا‪ ،‬فإن من‬
‫األسماء ما يكون اسًم ا للحال والمحل مجتمعين ومنفردين‪ :‬كالنهر‪ ،‬والكأس‪ .‬فإن النهر اسم‬
‫للماء ولمحله مًعا‪ ،‬ولكل منهما على انفراده‪ ،‬وكذلك الكأس‪ ،‬والقرية‪ .‬ولهذا يجيء لفظ القرية‬
‫مراًدا (‪ )3‬به الساكن فقط‪ ،‬والمسكن فقط‪ ،‬واألمران مًعا‪.‬‬
‫وقد أخرجا في "الصحيحين" (‪ )4‬من حديث أبي موسى األشعري ‪-‬رضي الَّله عنه‪ :-‬أن رسول‬
‫الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما‪ ،‬وجنتان من فضة آنيتهما‬
‫وما فيهما‪" :‬وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إال رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن"‪.‬‬
‫وفيهما أيًض ا من حديث أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إن أول زمرة‬
‫يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر‪ ،‬والذين يلونهم على أشد كوكب ُدِّرٍّي في السماء‬
‫إضاءًة‪ ،‬ال يبولون وال يتغوطون وال يمتخطون وال يتفلون‪ ،‬أمشاطهم الذهب‪ ،‬ورشحهم المسك‪،‬‬
‫ومجامرهم األلوة‪ ،‬وأزواجهم الحور العين‪ ،‬أخالقهم على خلق‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬تفسير مقاتل (‪.)313 /3‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه هَّناد في الزهد رقم (‪ ،)72‬والطبري في تفسيره (‪.)34 /23‬‬
‫وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "د"‪ُ" :‬يراد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تقدم في ص (‪.)207 - 206‬‬

‫(‪)1/416‬‬
‫رجل واحد‪ ،‬على صورة أبيهم آدم‪ ،‬عليه السالم ستون ذراًعا في السماء" (‪. )1‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪ )2‬من حديث حذيفة بن اليمان أَّن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬ال‬
‫تشربوا في آنية الذهب والفضة‪ ،‬وال تأكلوا في صحافها (‪ ، )3‬فإنها لهم في الدنيا ولكم في‬
‫اآلخرة"‪.‬‬
‫وقال أبو يعلى الموصلي في "مسنده"‪ :‬حدثنا شيبان‪ ،‬حدثنا سليمان بن المغيرة‪ ،‬حدثنا ثابت قال‪:‬‬
‫قال أنس ‪-‬رضي الَّله عنه‪ :-‬كان رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬تعجبه الرؤيا (‪ ، )4‬فربما‬
‫رأى الرجل الرؤيا فيسأل عنه إذا لم يكن يعرفه‪ ،‬فإذا أثنى (‪ )5‬عليه معروف كان أعجب لرؤياه‬
‫إليه‪ .‬فأتته امرأة فقالت‪ :‬يا رسول الَّله رأيت كأِّني ُأتيت فأخرجت من المدينة فُأدخلت الجنة‪،‬‬
‫فسمعت وجبة انتحت (‪ )6‬لها الجنة‪ ،‬فنظرت فإذا فالن ابن فالن‪ ،‬وفالن ابن فالن‪َ ،‬فَس َّم ْت اثني‬
‫عشر رجاًل ‪ ،‬كان رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قد بعث سرية قبل (‪ )7‬ذلك‪ ،‬فجيء بهم‪،‬‬
‫عليهم ثياب ُطْلس َتْش َخ ب‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تقدم ص (‪.)232 - 231‬‬
‫(‪ )2‬البخاري رقم (‪ ،)5110‬ومسلم رقم (‪.)2067‬‬
‫(‪ )3‬في "ب"‪" :‬صحافهما"‪.‬‬
‫(‪ )4‬عند أحمد من رواية عفان وبهز عن سليمان به "الرؤيا الحسنة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في "أ‪ ،‬ج"‪" :‬أتى"‪ ،‬والمثبت من مصدر التخريج‪ ،‬وباقي النسخ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في "هـ" والمسند "اْر َتَّج ْت " وفي نسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬أيتجت"‪ ،‬والمثبت من باقي النسخ‪،‬‬
‫وأبي يعلى‪.‬‬
‫الوْجَبة‪ :‬الَّس ْق طة‪ .‬وانتحت يعني‪ :‬مالت وتحركت‪ .‬انظر‪ :‬لسان العرب (‪.)311 - 310 /15‬‬
‫(‪ )7‬في مسند أبي يعلى "بمثل"‪.‬‬

‫(‪)1/417‬‬

‫أوداجهم‪ ،‬فقيل‪ :‬اذهبوا بهم إلى نهِر البيذخ أو البنذخ (‪ )1‬فغمسوا فيه فخرجوا‪ ،‬ووجوهم‬
‫كالقمر ليلة البدِر ‪ ،‬فأتوا بصحفة من ذهٍب فيها ُبْس ر‪ ،‬فأكلوا من بسره ما شاؤوا‪ ،‬فما يقلبونها من‬
‫وجه إاَّل أكلوا من الفاكهة ما أرادوا‪ ،‬وأكلُت معهم‪ ،‬فجاء البشير من تلك السرية فقال (‪: )2‬‬
‫أصيَب فالٌن وفالٌن ‪ ،‬حَّتى عَّد (‪ )3‬اثني عشَر رجاًل ‪ ،‬فدعا رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪-‬‬
‫المرأة‪ ،‬فقال‪ُ" :‬قِّص ي رؤياِك فقصتها‪ ،‬وجعلت تقول‪ :‬جيء بفالن‪ ،‬وفالن‪ ،‬كما قال" (‪. )4‬‬
‫رواُه اإلمام أحمد في "مسنده" بنحوه‪ ،‬وإسناده على شرط مسلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬اضطربت النسخ في ضبط هاتين الكلمتين‪ ،‬والمثبت من "أ"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في مسند أبي يعلى "كان من أمرنا كذا وكذا فأصيب‪." . . .‬‬
‫(‪ )3‬قوله "حَّتى عَّد"‪ ،‬وقع في "أ" "فعَّد"‪ ،‬والمثبت من مسند أبي يعلى‪ ،‬وباقي النسخ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو يعلى في مسنده (‪ )45 - 44 /6‬رقم (‪ ،)3289‬وابن حبان في صحيحه (‪/13‬‬
‫رقم ‪ ،)6054‬والبيهقي في دالئل النبوة (‪ )26 /7‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه عَّف ان الصفار وبهز بن أسد وهاشم بن القاسم وموسى بن إسماعيل التبوذكي وأبو هاشم‬
‫كلهم عن سليمان بن المغيرة به نحوه‪.‬‬
‫أخرجه أحمد في المسند (‪ 135 /3‬و ‪ )257‬والنسائي في الكبرى (‪ /4‬رقم ‪ ،)7622‬والبيهقي‬
‫في دالئل النبوة (‪ ،)26 /7‬وأبو عوانة في صحيحه كما في إتحاف المهرة (‪.)531 /1‬‬
‫والحديث صححه أبو عوانة وابن حبان والمؤلف‪.‬‬

‫(‪)1/418‬‬

‫الباب الخمسون في ذكر لباسهم وحليتهم ومناديلهم وفرشهم وبسطهم ووسائدهم ونمارقهم‬
‫وزراِبِّيهم‬
‫قال الَّلُه تعالى‪ِ{ :‬إَّن اْلُم َّتِق يَن ِفي َمَق اٍم َأِم يٍن (‪ِ )51‬في َج َّناٍت َو ُعُيوٍن (‪َ )52‬يْلَبُس وَن ِم ْن ُس ْنُد ٍس‬
‫َو ِإْسَتْبَر ٍق ُمَتَق اِبِليَن (‪[ })53‬الدخان‪.]53 - 51 :‬‬
‫وقال تعالى‪ِ{ :‬إَّن اَّلِذ يَن آَم ُنوا َو َعِم ُلوا الَّصاِلَح اِت ِإَّنا اَل ُنِض يُع َأْج َر َمْن َأْح َسَن َعَم اًل (‪ُ )30‬أوَلِئَك‬
‫َلُه ْم َج َّناُت َعْد ٍن َتْج ِر ي ِم ْن َتْح ِتِه ُم اَأْلْنَه اُر ُيَح َّلْو َن ِفيَه ا ِم ْن َأَس اِو َر ِم ْن َذَه ٍب َو َيْلَبُس وَن ِثَياًبا ُخ ْض ًر ا‬
‫ِم ْن ُس ْنُد ٍس َو ِإْسَتْبَر ٍق ُمَّتِكِئيَن ِفيَه ا َعَلى اَأْلَر اِئِك } [الكهف‪.]31 - 30 :‬‬
‫قال جماعٌة من المفسرين‪ :‬السندس‪ :‬ما رَّق من الديباج‪ ،‬واالستبرق‪ :‬ما غلَظ منه (‪.)1‬‬
‫وقال طائفة‪ :‬ليس المراد به الغليظ‪ ،‬ولكن المراد به‪ :‬الَّصفيق‪.‬‬
‫وقال الزجاج‪" :‬هما نوعان من الحرير" (‪.)2‬‬
‫وأحسن األلوان األخضر‪ ،‬وألين المالبس الحرير‪ ،‬فجمع لهم بين‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬تفسير الطبري (‪ ،)243 /15‬وتفسير الماوردي (‪ ،)304 /3‬والوسيط للواحدي (‪/3‬‬
‫‪ ،)147‬ومعالم التنزيل للبغوي (‪ ،)169 /5‬والمحرر الوجيز البن عطية (‪ ،)398 /10‬وزاد‬
‫المسير البن الجوزي (‪ ،)137 /5‬ومعاني القرآن للنحاس (‪ )233 /4‬وغيره‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر معاني القرآن وإعرابه له (‪.)284 /3‬‬

‫(‪)1/419‬‬

‫حسن منظر اللباس‪ ،‬والتذاذ العين به‪ ،‬وبين نعومته والتذاذ الجسم به‪.‬‬
‫وقال تعالى‪َ{ :‬و ِلَباُس ُه ْم ِفيَه ا َح ِر يٌر (‪[ } )23‬الحج‪.]23 :‬‬
‫وها هنا مسألة هذا موضع ذكرها‪ ،‬وهي أَّن الَّلَه سبحانه وتعالى أخبر أَّن لباس أهل الجَّنة حرير‪،‬‬
‫وصَّح عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬أَّنه قال‪" :‬من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في‬
‫اآلخرة" (‪. )1‬‬
‫متفق على صحته‪ ،‬من حديث عمر بن الخطاب وأنس بن مالك رضي الَّلُه عنهما‪.‬‬
‫وقد اْخ ُتِلَف في المراد بهذا الحديث‪:‬‬
‫‪ -‬فقالت طائفة من السلف والخلف‪ :‬إَّنه ال يلبس الحرير في الجَّنة‪ ،‬ويلبس غيره من المالبس‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬وأَّم ا قوله تعالى‪َ{ :‬و ِلَباُس ُه ْم ِفيَه ا َح ِر يٌر (‪ } )23‬فمن العام المخَّصص (‪. )2‬‬
‫وقال الجمهور‪ :‬هذا من الوعيد اَّلذي له حكم أمثاله من نصوص الوعيد التي تدل على أَّن هذا‬
‫الفعل مقتٍض لهذا الحكم‪ ،‬وقد يتخَّلف (‪ )3‬عنه لمانع‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)5496‬ومسلم رقم (‪ )2069‬من حديث عمر رضي الَّلُه عنه‪،‬‬
‫والبخاري رقم (‪ ،)5494‬ومسلم رقم (‪ )2073‬من حديث أنس رضي الَّلُه عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ" ونسخة على حاشية "أ"‪" :‬المخصوص"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ج"‪" :‬يختلف" وهو خطأ‪.‬‬

‫(‪)1/420‬‬
‫وقد دَّل النص واإلجماع على أَّن التوبة مانعٌة من لحوق الوعيد‪ ،‬ويمنع من لحوقه أيًض ا الحسنات‬
‫الماحية‪ ،‬والمصائب المكفرة‪ ،‬ودعاء المسلمين‪ ،‬وشفاعة من أذن الَّلُه له في الشفاعة فيه‪ ،‬وشفاعة‬
‫أرحم الراحمين إلى نفسه‪ ،‬فهذا الحديث نظير الحديث اآلخر "من شرب الخمر في الدنيا لم‬
‫يشربها في اآلخرة" (‪. )1‬‬
‫ِل ِث‬
‫وقال تعالى‪َ{ :‬و َجَز اُه ْم ِبَم ا َص َبُر وا َج َّنًة َو َح ِر يًر ا (‪[ } )12‬اإلنسان‪ ،]12 :‬وقال‪َ{ :‬عا َيُه ْم َياُب‬
‫ُس ْنُد ٍس ُخ ْض ٌر َو ِإْسَتْبَر ٌق } [اإلنسان‪ .]21 :‬وتأَّمل ما دَّلت عليه لفظة {َعاِلَيُه ْم } من كون اللباس‬
‫ظاهًر ا بارًز ا ُيَج ِّم ل ظواهرهم‪ ،‬ليس بمنزلة الشعار الباطن‪ ،‬بل اَّلذي يلبس فوق الثياب للزينة‬
‫والجمال‪.‬‬
‫وقد اختلف الُقَّر اء السبعة في نصب {َعاِلَيُه ْم } ورفعه على قراءتين‪.‬‬
‫واختلف النحاة في وجه َنْص ِبِه‪ ،‬هل هو على الظرف‪ ،‬أو على الحال = على قولين‪.‬‬
‫واختلف المفسرون (‪ : )2‬هل ذلك للولدان اَّلذين يطوفون عليهم‪ ،‬فيطوفون وعليهم ثياب‬
‫السندس واإلستبرق‪ ،‬أو السادات الذين يطوف عليهم الولدان‪ ،‬فيطوفون على ساداتهم‪ ،‬وعلى‬
‫السادات هذه الثياب؟‪.‬‬
‫وليس الحال ها ُه نا بالبِّين‪ ،‬وال تحته ذلك المعنى البديع الَّر ائع‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تقدم ص (‪.)378‬‬
‫(‪ )2‬انظر لذلك معاني القرآن للفراء (‪ ،)219 - 218 /3‬وتفسير الطبري (‪.)220 /29‬‬

‫(‪)1/421‬‬

‫فالصواب فيه‪ :‬أَّنه منصوب على الظرف‪ ،‬فإَّن "عالًيا" لَّم ا كان بمعنى فوق ُأْج رَي مجراُه‪ ،‬قال أبو‬
‫ِع‬
‫علي‪ :‬وهذا الوجه أبين (‪ ، )1‬وهو أَّن "عالًيا" صفة‪ ،‬فُج َل ظرًفا كما كان قوله‪َ{ :‬و الَّر ْك ُب َأْس َف َل‬
‫ِم ْنُك ْم } [األنفال‪ ]42 :‬كذلك‪ ،‬وكما قالوا‪ :‬هو ناحية من الدار‪.‬‬
‫وأَّما من رفع {َعاِلَيُه ْم } فعلى االبتداء‪ ،‬و {ِثَياُب ُس ْنُد ٍس }‪ :‬خبره‪ ،‬وال يمنع من هذا إفراد عاٍل ‪،‬‬
‫وجمع الثياب؛ فإَّن فاعاًل قد ُيراد به الكثرة‪ ،‬كما قال‪:‬‬
‫أال إَّن جيراني الَعشَّية َر ائٌح ‪ ...‬دعتهم دواع ِم ن هًو ى وُمَنادُح (‪)2‬‬
‫وقال تعالى‪ُ{ :‬مْس َتْك ِبِر يَن ِبِه َس اِم ًر ا َتْه ُج ُر وَن (‪[ } )67‬المؤمنون‪.]67 :‬‬
‫ومن رفع {ُخ ْض ًر ا}‪ :‬أجراه صفة للثياب‪ ،‬وهو األقيس من وجوه‪ :‬أحدها‪ :‬المطابقة بينهما في‬
‫الجمع‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬موافقته لقوله تعالى‪َ{ :‬و َيْلَبُس وَن ِثَياًبا ُخ ْض ًر ا} [الكهف‪.]31 :‬‬
‫الثالث‪ :‬تخلصه من وصف (‪ )3‬المفرد بالجمع‪.‬‬
‫وَمْن جَّر أجراه (‪ )4‬صفًة للسندس على إرادة الجنس‪ ،‬كما يقال‪ :‬أهلك الَّناس الدينار الُّصْف ر‪،‬‬
‫والدرهم (‪ )5‬البيض‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "أ"‪" :‬بِّين"‪.‬‬
‫(‪ )2‬نقله الفراء عن المفَّضل الَّضِّبي كما في رسالة "الصاهل والشاحج" ألبي العالء المعري ص (‬
‫‪.)440‬‬
‫(‪ )3‬في "أ"‪" :‬صفة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬قوله "ومن جر‪ :‬أجراه" في "أ" "ومن جَّر اه"‪ ،‬وفي "ج‪ ،‬هـ"‪" :‬ومن َج َر ى مجراه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في "ج‪ ،‬هـ"‪" :‬الدراهم"‪ ،‬وتلك المقولة لم أقف عليها‪.‬‬

‫(‪)1/422‬‬

‫وتترَّج ح القراءة األولى بوجٍه رابٍع أيًض ا‪ :‬وهو‪ :‬أَّن العرب تجيء بالجمع اَّلذي هو (‪ )1‬في لفظ‬
‫الواحد‪ ،‬فيجرونه مجرى الواحد‪ ،‬كقوله تعالى‪{ :‬اَّلِذ ي َجَعَل َلُك ْم ِم َن الَّش َج ِر اَأْلْخَض ِر َناًر ا} [يس‪:‬‬
‫‪ ،]80‬وكقوله‪َ{ :‬ك َأَّنُه ْم َأْع َج اُز َنْخ ٍل ُمْنَق ِعٍر (‪[ } )20‬القمر‪ ،]20 :‬فإذا كانوا قد أفردوا صفات‬
‫هذا النوع من الجمع‪ ،‬فإفراد صفة الواحد‪ ،‬وإْن كان في معنى الجمع أولى‪.‬‬
‫وفي {َو ِإْسَتْبَر ٌق } قراءتان‪ :‬الرفع‪ :‬عطًف ا على ثياب‪ .‬والجُّر ‪ :‬عطًف ا على سندس‪.‬‬
‫وتأَّمل كيف جمع لهم بين نوعي الزينة الظاهرة من اللباس والحلي‪ ،‬كما جمع لهم بين الظاهرة‬
‫والباطنة‪ ،‬كما تقدم قريًبا‪ ،‬فجَّم ل البواطن بالشراب الطهور‪ ،‬والسواعد باألساور‪ ،‬واألبدان بثياب‬
‫الحرير‪.‬‬
‫ِم ِت‬ ‫ٍت‬ ‫وقال تعالى‪ِ{ :‬إَّن الَّلَه ْد ِخ اَّلِذ ي آ ُنوا َعِم ُلوا الَّصاِل اِت‬
‫َج َّنا َتْج ِر ي ْن َتْح َه ا اَأْلْنَه اُر‬ ‫َح‬ ‫ُي ُل َن َم َو‬
‫ِف‬ ‫ِل‬ ‫ِم‬ ‫ِف ِم‬
‫(‪[ } )23‬الحج‪.]23 :‬‬ ‫ُيَح َّلْو َن يَه ا ْن َأَس اِو َر ْن َذَه ٍب َو ُلْؤ ُلًؤ ا َو َباُس ُه ْم يَه ا َح ِر يٌر‬
‫واختلفوا في جِّر "لؤلؤ" ونصبه (‪ ، )2‬فمن نصبه ففيه وجهان‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سقط من "ج"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬معاني القرآن للفَّر اء (‪ ،)230 /2‬ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج (‪- 419 /3‬‬
‫‪ ،)420‬وتفسير الطبري (‪ ،)136 /17‬والكشاف للزمخشري (‪ )151 - 150 /3‬وغيرها‪.‬‬

‫(‪)1/423‬‬

‫أحدهما‪ :‬أَّنه عطف على موضع قوله‪ِ{ :‬م ْن َأَس اِو َر }‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أَّنه منصوب بفعٍل محذوٍف دَّل عليه األَّو ل‪ ،‬أي‪ :‬وُيَح َّلون لؤلًؤ ا‪.‬‬
‫ومن جَّر ه فهو عطٌف على الذهب‪ ،‬ثَّم يحتمل أمرين‪:‬‬
‫أحدهما (‪ : )1‬أْن يكون لهم أساور من ذهٍب وأساور من لؤلؤ‪.‬‬
‫ويحتمل أْن تكون األساور مركبة من األمرين مًعا‪ :‬الذهُب المرَّص ُع باللؤلؤ‪ ،‬والَّلُه أعلم بما أراد‪.‬‬
‫قال ابن أبي الدنيا‪ :‬حدثني محمد بن رزق الَّله‪ ،‬حدثنا زيد بن الحباب‪ ،‬قال حدثني عتبة بن سعد‬
‫قاضي الَّر ي عن جعفر بن أبي المغيرة عن شمر بن عطية عن كعب قال‪" :‬إَّن لَّله عَّز وجَّل ملًك ا‬
‫منُذ يوم ُخ ِلَق (‪ = )2‬يصوُغ ُح لَّي أهِل الجَّنة إلى أْن تقوم الساعة‪ ،‬لو أَّن ُقْلًبا (‪ )3‬من حلي أهل‬
‫الجَّنة ُأْخ ِر َج لذهب بضوء ُش َعاع الشمس‪ ،‬فال تسألوا بعد هذا (‪ )4‬عن ُح لي أهل الجَّنة" (‪. )5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ليس في "أ"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في نسخة على "أ" "إن الَّله عز وجل خلق ملًك ا منذ يوم خلق الجنة يصوغ‪" . . .‬‬
‫(‪ )3‬في "ب" "كل" وهو خطأ‪ ،‬ووقَع "ُح لًّيا" في المصنف والعظمة كما سيأتي‪.‬‬
‫والُقْلب‪ :‬الُّس وار‪ ،‬ويقال‪ :‬الخلخال‪ .‬انظر غريب الحديث للخَّطابي (‪.)89 /2‬‬
‫(‪ )4‬قوله "بعد هذا" سقط من "ب"‪ ،‬ووقع في "هـ"‪" :‬بعدها"‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)223‬وابن أبي شيبة في مصنفه (‪ )60 /7‬رقم (‬
‫‪ ،)3398‬وأبو الشيخ األصبهاني في العظمة رقم (‪ )335‬وغيرهم‪.‬‬
‫وفي سنده انقطاع‪ ،‬شمر بن عطية لم يدرك كعب األحبار‪= .‬‬

‫(‪)1/424‬‬
‫حدثنا الحسن بن يحيى بن كثير العنبري حدثنا أبي عن أشعث عن الحسن قال‪" :‬الُح لي في الجَّنة‬
‫على الِّر جاِل أحسُن منه على النساء" (‪. )1‬‬
‫حدثنا أحمد بن منيع حدثنا الحسن بن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا يزيد بن أبي حبيب عن داود‬
‫بن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬لو أَّن‬
‫ِس‬
‫رجاًل من أهِل الجَّنة اَّطلَع فبدا (‪َ )2‬و اُر ه لَطَم َس ضوَء الشمس‪ ،‬كما تطمُس الشمس ضوَء‬
‫النجوم" (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫= انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)561 - 560 /12‬‬
‫ِف ِم‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ )224‬وزاد "وكان يقرُأ‪ُ{ :‬يَح َّلْو َن يَه ا ْن َأَس اِو َر‬
‫ِم ْن َذَه ٍب َو ُلْؤ ُلًؤ ا} [الحج‪.]23 :‬‬
‫وأشعث لم أستطع تحديده أهو الكندي "الضعيف" أو الحَّداني "الصدوق" أو الحمراني "الثقة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "د"‪" :‬قيد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)225‬وأحمد (‪ ،)169 /1‬وأبو نعيم في صفة‬
‫الجَّنة رقم (‪.)266‬‬
‫من طريق الحسن بن موسى األشيب عن ابن لهيعة به مثله‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه ابن المبارك عن ابن لهيعة به مثله وأَّو لُه‪" :‬لو أَّن ما يقل ظفر مَّم ا في الجَّنة َبَد ْا لتزخرف‬
‫له ما بين خوافق السماوات واألرِض "‪.‬‬
‫أخرجه أحمد (‪ ،)171 /1‬وابن المبارك في الزهِد ‪-‬رواية نعيم‪ -‬رقم (‪ ،)416‬والترمذي رقم (‬
‫‪ )2538‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه الليث بن سعد عن يزيد به‪ ،‬ذكره الدارقطني في علله (‪ ،)335 /4‬ولم أعثر عليه‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن عمر عن سعد بن أبي وَّقاص‪ ،‬فذكره بمثل‬
‫لفظ ابن المبارك‪.‬‬
‫أخرجه البخاري في تاريخه الكبير (‪ )208 /6‬تعليًق ا‪ ،‬والبزار في مسنده =‬

‫(‪)1/425‬‬
‫وقال ابن وهب‪ :‬حدثني ابن لهيعة عن ُعَق ْيل بن خالد عن الحسن عن أبي هريرة أَّن أبا ُأمامة‬
‫حدث أَّن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬حدثهم ‪-‬وذكر ُح ِلَّي الجَّنة‪ -‬فقال‪" :‬مسَّو رون‬
‫بالَّذ هب والفضة‪ُ ،‬مكَّللون بالُّد ِّر ‪ ،‬عليهم أكاليُل من ُدٍّر وياقوٍت متواصلة‪ ،‬وعليهم تاٌج كتاج‬
‫الملوك‪ ،‬شباٌب جرٌد ُمْر د (‪ )1‬مكحلون" (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫= (‪ )1109 /3‬و (‪.)1226 /4‬‬
‫‪ -‬ورواُه عمرو بن الحارث عن سليمان بن حميد أَّن عامًر ا حَّدثه‪ ،‬قال سليمان‪" :‬وال أعلمه إاَّل أَّنه‬
‫حدثني عن أبيه عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬لو أَّن أقَّل ظفر من الجَّنة برز في الدنيا‬
‫لتزخرف له ما بين السماء واألرِض "‪.‬‬
‫أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪.)57‬‬
‫والحديث ضعفه الترمذي بقوله‪" :‬هذا حديث غريب ال نعرفه بهذا اإلسناِد إاَّل من حديث ابن‬
‫لهيعة‪ ،‬وقد روى يحيى بن أيوب هذا الحديث عن يزيد بن أبي حبيب وقال‪ :‬عن عمر بن سعد بن‬
‫أبي وقاص عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪."-‬‬
‫بينما رَّج ح الَّدارقطني طريق الليث بن سعد ‪-‬اَّلذي رواُه ابن لهيعة‪ -‬على طريق يحيى بن أيوب‬
‫فقال‪" :‬واألَّو ل أصُّح "‪.‬‬
‫قلُت ‪ :‬إْن كان طريق الليث محفوًظا‪ ،‬فاألمُر كما قال الدارقطني‪ ،‬ويصبح اإلسناد صحيًح ا؛ إْن‬
‫َس ِلَم من تدليس ابن لهيعة؛ وإاَّل فاألمُر كما قال الترمذي‪ ،‬وهو أشبه بالصواب‪ ،‬والَّله أعلم‪.‬‬
‫(‪ )1‬من "أ" فقط‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)267‬وابن أبي حاتم في تفسيره (كما عند ابن كثير (‬
‫‪ )145 /4‬وليس فيه هذا اللفظ‪.‬‬
‫وفي سنده ابن لهيعة فيه ضعف‪ ،‬ولم ُيصِّر ح بالسماع‪ ،‬وفي سماع الحسن من أبي هريرة‬
‫اختالف‪.‬‬
‫انظر جامع التحصيل للعالئي ص (‪.)164‬‬

‫(‪)1/426‬‬
‫وقد أخرجا في "الصحيحين" (‪ )1‬والسياق لمسلم‪ :‬عن أبي حازم قال‪ :‬كنت خلف أبي هريرة‬
‫وهو يتوضأ للصالة‪ ،‬فكان يمد يدُه حتى تبلغ إبطه‪ ،‬فقلُت له‪ :‬يا أبا هريرة ما هذا الوضوء؟ فقال‬
‫يا بني َفُّر وخ أنتم ها هنا؟ لو علمُت أَّنكم ها هنا ما توضأُت هذا الوضوء‪ ،‬سمعُت خليلي ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪ -‬يقول‪" :‬تبلُغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء"‪.‬‬
‫وقد احتَّج بهذا من يرى استحباب غسل الَعُضد وإطالته‪.‬‬
‫والصحيح أَّنه ال يستحب‪ ،‬وهو قول أهل المدينة‪ ،‬وعن أحمد روايتان (‪. )2‬‬
‫والحديث ال يدُّل على اإلطالة (‪ ، )3‬فإَّن الحلية إَّنما تكون ِز يًنا في الساعد والِم عصم ال في‬
‫العضد والكتف‪.‬‬
‫وأَّم ا قوله‪" :‬فمن استطاع منكم أْن يطيل غَّر تُه فليفعل" (‪. )4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)136‬من طريق‪ :‬نعيم المجمر‪ ،‬ومسلم (‪.)250‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الكافي فقه أهل المدينة البن عبد البر ص (‪ ،)22 - 21‬والمعونة للقاضي عبد‬
‫الوهاب (‪.)123 /1‬‬
‫وشرح العمدة البن تيمية (الطهارة) (‪.)214‬‬
‫(‪ )3‬في نسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬إطالته"‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)136‬ومسلم في صحيحه (‪ ،)246‬وأحمد (‪ )523 /2‬كما سيأتي‪.‬‬
‫من طريق ُنَعيم بن عبد الَّله الُم ْج ِم ر عن أبي هريرة بلفظ "إَّن أمتي يأتون يوم القيامة ُغًّر ا محَّج لين‬
‫من أثر الوضوء‪ ،‬فمن استطاع منكم‪." . . .‬‬

‫(‪)1/427‬‬

‫فهذه الزيادة مدرجة في الحديث من كالم أبي هريرة ال من كالم الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪-‬‬
‫بَّين ذلك غير واحٍد من الحَّف اظ (‪. )1‬‬
‫وفي "مسند اإلمام أحمد" في هذا الحديث قال ُنَعْيٌم ‪ :‬فال أدري قوله‪" :‬من استطاع منكم أْن‬
‫يطيل غرته فليفعل" من تمام كالم الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬أو شيء قاله أبو هريرة من‬
‫عنده‪.‬‬
‫وكان شيخنا يقول‪" :‬هذه اللفظة ال يمكن أْن تكون من كالم رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪ ،-‬فإَّن الغرة ال تكون في اليد‪ ،‬ال تكون إاَّل في الوجه‪ ،‬وإطالتها غير ممكنة‪ ،‬إذ تدخل في‬
‫الرأس وال يسَّم ى ذلك ُغَّر ة"‪.‬‬
‫وفي "صحيح مسلم" (‪ )2‬عن أبي هريرة عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬من يدخل‬
‫الجَّنة ينعُم ال يبأس‪ ،‬ال تبلى ثيابه وال يفنى شبابه‪ ،‬في الجَّنة ما ال عيٌن رأت‪ ،‬وُأُذٌن سمعت‪ ،‬وال‬
‫خطر على قلب بشر"‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬ال تبلى ثيابه"‪ :‬الظاهر أَّن المراد به الِّثياب الُم َعَّينة ال يلحقها الِبَلى‪ ،‬ويحتمل‪ :‬أْن يراد به‬
‫الجنس‪ ،‬بل ال تزال عليه الثياب الُج دد‪ ،‬كما أَّنها ال ينقطع أكلها في جنسه‪ ،‬بل كُّل مأكوٍل يخلفه‬
‫مأكوٌل آخر‪ ،‬والَّلُه أعلم‪.‬‬
‫وقال اإلمام أحمد بن حنبل‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬راجع‪ :‬الترغيب والترهيب للمنذري (‪ ،)149 /1‬وزاد المعاد (‪ ،)196 /1‬وفتح الباري (‪/1‬‬
‫‪ ،)236‬وإرواء الغليل (‪.)133 /1‬‬
‫(‪ )2‬رقم (‪ ،)2836‬وأخرجه أحمد (‪ 369 /2‬و ‪ )416‬واَّللفظ له‪ ،‬ولفظ مسلم إلى قوله‬
‫"شبابه"‪.‬‬

‫(‪)1/428‬‬

‫محمد بن أبي الوضاح‪ ،‬حدثنا العالء بن عبد الَّله بن رافع‪ ،‬حدثنا حنان (‪ )1‬بن خارجة عن عبد‬
‫الَّله بن عمرو رضي الَّله عنهما قال‪ :‬جاء أعرابي جرمي (‪ )2‬فقال‪ :‬يا رسول الَّلِه أخبرنا عن‬
‫الهجرة‪ :‬أإليك (‪ )3‬أينما كنت‪ ،‬أم لقوٍم خاصة‪ ،‬أم إلى أرٍض معلومة‪ ،‬أم إذا ِم َّت انقطعت؟ فسأل‬
‫ثالث مَّر ات‪ ،‬ثَّم جلس‪ ،‬فسكت رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬يسيًر ا (‪ )4‬ثَّم قال‪ :‬أين‬
‫السائل؟ فقال‪ :‬ها هو ذا يا رسول الَّله‪ ،‬قال‪ :‬الهجرة‪ :‬أْن تهجر الفواحش ما ظهر منها وما بطن‪،‬‬
‫وتقيَم الصالة‪ ،‬وتؤتي الزكاة‪ ،‬ثَّم أنَت مهاجٌر وإْن مَّت بالَح َض ر‪ .‬فقام آخر‪ :‬فقال‪ :‬يا رسول الَّله‬
‫أخبرني عن ثياب أهل الجَّنة أُتخلق خلًق ا أم تنسج نسًج ا؟ قال‪ :‬فضحك بعض القوم‪ ،‬فقال رسول‬
‫الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ :-‬تضحكون من جاهٍل يسأل عالًم ا! فسكَت الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪ -‬ساعة (‪ ، )5‬ثَّم قال‪ :‬أيَن الَّس ائُل (‪ )6‬؟ فقال‪ :‬ها هو ذا يا رسول الَّله‪ ،‬قال‪ :‬ال (‪ ، )7‬بل‬
‫ُتشَّق ُق عنها ثمر الجَّنة" (‪ )8‬ثالث‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "أ‪ ،‬ب‪ ،‬ج‪ ،‬د" "حَّبان"‪ ،‬وفي "هـ" "حَّيان" وكالهما خطأ‪ ،‬انظر المؤتلف والمختلف‬
‫للَّدارقطني (‪ ،)428 /1‬والجرح والتعديل البن أبي حاتم (‪ ،)299 - 298 /3‬والتاريخ الكبير‬
‫للبخاري (‪ )112 /3‬وغيرها‪.‬‬
‫(‪ )2‬كذا في جميع النسخ "جرمي"‪ ،‬ووقع في المسند "جريء"‪.‬‬
‫(‪ )3‬من "أ"‪ ،‬وفي باقي النسخ والمسند بدون همزة االستفهام‪.‬‬
‫(‪ )4‬في المسند "عنه يسيًر ا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في المسند "ثَّم أكَّب رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ "-‬بدل "فسكت الَّنبي ‪-‬صلى الَّله‬
‫عليه وسلم‪ -‬ساعًة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في "هـ" زيادة "عن ثياب أهل الجَّنة"‪.‬‬
‫(‪ )7‬ليس في "ب"‪.‬‬
‫(‪ )8‬أخرجه أحمد في المسند (‪ ،)225 - 244 /2‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)171‬‬
‫=‬

‫(‪)1/429‬‬

‫ِم رار (‪. )1‬‬


‫وقال الطبراني في "معجمه" حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني والحسن بن علي الَف َس وي قاال‪:‬‬
‫حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا فضيل ابن مرزوق عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد‬
‫الَّله عن الَّنبي‬
‫__________‬
‫= ‪ -‬ورواُه الطيالسي ومحمد بن سنان العوقي عن محمد بن أبي الوَّضاح به نحوه‪.‬‬
‫أخرجه الطيالسي في مسنده رقم (‪ )2391‬مطَّو اًل ‪ ،‬والبخاري في تاريخه (‪ ،)112 /3‬والبزار في‬
‫مسنده رقم (‪ ،)2434‬والدارقطني في المؤتلف والمختلف (‪ )428 /1‬مختصًر ا وغيرهم‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه محمد بن عبد الَّله بن عالثه عن العالء بن عبد الَّله به نحوه‪.‬‬
‫أخرجه أحمد (‪ ،)203 /2‬والبخاري فى تاريخه (‪ )112 /3‬تعليًق ا‪ ،‬وأبو داود (‪ )2519‬ولم‬
‫يسقه‪ ،‬وذكر لفًظا آخر‪.‬‬
‫قال البزار‪" :‬وهذا الحديث ال نعلمه يروى بهذا اَّللفظ إاَّل عن عبد الَّله بن عمرو‪ ،‬وال نعلُم له‬
‫طريًق ا إاَّل هذا الطريق"‪.‬‬
‫وفيه العالُء بن عبد الَّله بن رافع‪ :‬قال أبو حاتم‪" :‬يكتب حديثه"‪ ،‬وذكره ابن حبان في الثقات‪،‬‬
‫وقال ابن القطان‪" :‬مجهول الحال"‪ ،‬وقال ابن حجر‪" :‬مقبول"‪ ،‬وفيه أيًض ا حنان‪ :‬ذكره ابن حبان‬
‫في الثقات‪ ،‬وقال ابن حجر‪" :‬مقبول"‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪ ،)516 /22‬و (‪.)427 - 425 /7‬‬
‫والحديث قال عنه ابن القطان في بيان الوهم واإليهام (‪" :)35 /4‬وهو ضعيف‪ . . .‬حنان بن‬
‫خارجة مجهول‪ ،‬ال ُيعرف له حال‪ ،‬وال يعرف روى عنه غير العالء بن عبد الَّله‪ . . .‬وهو أيًض ا ال‬
‫تعرف حاله‪ . . .‬وعَّلة الخبر على كَّل مذهب الجهل بحال حنان بن خارجة المذكور"‪.‬‬
‫(‪ )1‬في نسخٍة على حاشية "أ"‪ ،‬والمسند "مَّر ات"‪ ،‬وسقط من "هـ" "ثالث مَّر ات"‪.‬‬

‫(‪)1/430‬‬

‫‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬أَّو ل ُز ْم رٍة يدخلون الجَّنة‪ ،‬كأَّن وجوههم ضوُء القمر ليلة البدر‪،‬‬
‫والزمرة الثانية على لون أحسن كوكب ُدِّرٍّي في السماء‪ ،‬لكَّل واحٍد منهم زوجتان من الحوِر‬
‫العيِن ‪ ،‬على كِّل زوجٍة سبعون ُح َّلة ُيرى ُمُّخ سوقهما من وراء لحومهما وحللهما‪ ،‬كما ُيرى‬
‫الشراب األحمر في الزجاجة البيضاء" (‪ . )1‬وهذا اإلسناد على شرط الصحيح‪.‬‬
‫وقال اإلمام أحمد‪ :‬حدثنا يونس بن محمد حدثنا الخزرج بن (‪ )2‬عثمان السعدي‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫أيوب موًلى لعثمان بن عفان عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ِ" :-‬قْيُد‬
‫سوط أحِد كم من الجَّنة خيٌر من الدنيا ومثلها معها‪ ،‬ولقاُب قوِس أحدكم من الجَّنة خيٌر من الدنيا‬
‫ومثلها معها‪ ،‬ولنصيف امرأٍة من الجَّنة خيٌر من الدنيا ومثلها معها" قال‪ :‬قلُت يا أبا هريرة ما‬
‫الَّنصيف؟ قال‪ :‬الِخ ماُر (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني في الكبير (‪ )199 - 198 /10‬رقم (‪ ،)10321‬والبزار في مسنده (‪/5‬‬
‫‪ )243‬رقم (‪ ،)1855‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة (‪.)100 /2‬‬
‫‪ -‬ورواه الثوري ويونس عن أبي إسحاق عن عمرو قوله مختصًر ا‪.‬‬
‫بلفظ إَّن المرأة من الحور العين لتلبس سبعين حَّلة‪ . . .‬بيضاء"‪.‬‬
‫أخرجه هناد في الزهد رقم (‪ ،)12‬والطبري في تفسيره (‪.)152 /27‬‬
‫‪ -‬ورواه معمر عن أبي إسحاق به موقوًفا‪.‬‬
‫‪ -‬ورواه عطاء بن السائب عن عمرو به موقوًفا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬المقطوع أصح من الموقوف والمرفوع‪ ،‬راجع ص (‪)257‬؛ ألن الثوري ويونس أحفظ‬
‫وأثبت من معمر‪ .‬وألن أبا إسحاق أحفظ وأثبت من عطاء بن السائب‪ .‬والَّله أعلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ج"‪" :‬عن" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أحمد (‪ ،)483 /2‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة (‪ ،)183‬وأبو نعيم =‬

‫(‪)1/431‬‬

‫وقال ابن وهب‪ :‬أخبرنا عمرو أَّن دَّر اًج ا أبا الَّس مح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الُخ ْد ري‬
‫رضي الَّله عنه قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إَّن الرجل في الجَّنة ليَّتكئ سبعين‬
‫سنة قبل أْن يتحول‪ ،‬ثَّم تأتيه امرأٌة فتضرب على منكبه‪ ،‬فينظر وْجَهُه في خِّدها أصفى من المرآة‪،‬‬
‫وإَّن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب‪ ،‬فتسلم عليه فيرد السالَم‪ ،‬ويسألها من‬
‫أنِت ؟ فتقول‪ :‬أنا المزيد‪ ،‬وإَّنه ليكون عليها سبعون ثوًبا أدناها مثل النعمان من طوى (‪، )1‬‬
‫فينفذها بصره‪ ،‬حتى يرى ُمَّخ ساقها من وراء ذلك‪ ،‬وإَّن عليهم الِّتيجان‪ ،‬وإَّن أدنى لؤلؤة عليها‬
‫__________‬
‫= في صفة الجَّنة رقم (‪ :)59‬من طريق الخزرج به نحوه‪.‬‬
‫وقد خولف الخزرج في لفظه‪.‬‬
‫‪ -‬فرواُه سكن بن المغيرة أنبأنا سليمان أبو أيوب قال‪ :‬سمعت أبا هريرة يقول‪ :‬سمعُت رسول‬
‫الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬يقول‪" :‬موضع سوط في الجَّنة خيٌر من الدنيا وما فيها"‪.‬‬
‫أخرجه الدوالبي فى "الكنى واألسماء" (‪.)103 /1‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا أصح‪.‬‬
‫‪ -‬فقد رواُه أبو سلمة وهمام بن منبه واألعرج وعبد الرحمن بن أبي عمرة كلهم عن أبي هريرة‬
‫بنحوه أو معناُه‪ ،‬وليس فيه زيادة "ومثلها معها‪ ،‬ولنصيُف امرأة من الجَّنة‪ . . .‬الخمار"‪.‬‬
‫أخرجه أحمد (‪ 482 /2‬و ‪ 315‬و ‪ ،)438‬والترمذي (‪ ،)3013‬والدوالبي (‪)167 /1‬‬
‫وغيرهم‪ .‬والخزرج متكَّلم فيه‪.‬‬
‫وجاَء من حديث أنس وفيه "‪ . . .‬ولنصيفها على رأسها خيٌر من الدنيا وما فيها"‪ .‬عند البخاري‬
‫في صحيحه رقم (‪ 2643‬و ‪.)6199‬‬
‫والحديث صححه الترمذي وابن حبان‪.‬‬
‫(‪ )1‬في "هـ" وبعض نسخ المسند "طوبى"‪.‬‬

‫(‪)1/432‬‬

‫لتضيُء ما بين المشرق والمغرب" (‪. )1‬‬


‫وروى الترمذي منه ذكر التيجان‪" :‬وإَّن أدنى لؤلؤة" عن سويد بن نصر‪ ،‬عن ِر ْش دين بن سعد عن‬
‫عمرو به‪.‬‬
‫وقال ابن أبي الدنيا‪ :‬حدثنا محمد بن إدريس الحنظلي‪ ،‬حدثنا أبو عتبة حدثنا إسماعيل بن عياش‬
‫عن سعيد بن يوسف عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سالم األسود قال‪ :‬سمعت أبا ُأمامة عن‬
‫رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬ما منكم من أحٍد يدخل الجَّنة إاَّل انطلَق به إلى ُطوبى‪،‬‬
‫فُتفتح له أكمامها فيأخُذ من أِّي ذلك شاء‪[ :‬إْن شاء] (‪ )2‬أبيض‪ ،‬وإْن شاء أحمر‪ ،‬وإْن شاء‬
‫أخضر‪ ،‬وإْن شاء أصفر‪ ،‬وإْن شاء أسود‪ ،‬مثل شقائق‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي داود في البعث رقم (‪ ،)81‬وابن حبان في صحيحه (‪ /16‬رقم ‪)7397‬‬
‫وغيرهما‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه رشدين بن سعد عن عمرو بن الحارث به نحوه‪.‬‬
‫أخرجه الترمذي رقم (‪ ،)2562‬وابن المبارك في مسنده رقم (‪ )119‬وغيرهما‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه ابن لهيعة عن دَّر اج به نحوه‪.‬‬
‫أخرجه أحمد (‪ ،)75 /3‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)284‬‬
‫والحديث صححه ابن حبان والحاكم وحسنه الهيثمي‪.‬‬
‫وضعفه الترمذي فقال‪" :‬هذا حديث غريب ال نعرفه إاَّل من حديث رشدين ابن سعد"‪.‬‬
‫وقال الذهبي معِّق ًبا على الحاكم‪" :‬دَّر اج صاحب عجائب"‪ .‬قلُت ‪ :‬تقَّدم الكالُم على هذه الرواية‬
‫"دَّر اج عن أبي الهيثم" في الباب "‪ "10‬ص (‪.)119 - 117‬‬
‫(‪ )2‬ما بين المعكوفتين من مصدر التخريج‪.‬‬
‫(‪)1/433‬‬

‫النعمان‪ ،‬وأرق وأحسن" (‪. )1‬‬


‫وقال ابن أبي الدنيا‪ :‬وحدثنا سويد عن سعيد حدثنا عبد ربه بن بارق الحنفي (‪ )2‬عن خاله (‪)3‬‬
‫الُّز ميل أَّنه سمع أباُه قال‪ :‬قلُت البن عباس‪ :‬ما ُح لُل الجَّنة؟ قال‪" :‬فيها شجر فيها ثمٌر كأَّنه‬
‫الُّر مان‪ ،‬فإذا أراد ولُّي الَّله كسوًة انحدرت إليه من ُغصنها‪ ،‬فانفلقت عن سبعين حلًة ألواًنا بعد‬
‫ألواٍن ‪ ،‬ثَّم تنطبق فترجُع (‪ )4‬كما كانْت " (‪. )5‬‬
‫قال‪ :‬وحدثنا عبد الَّله حدثنا أبو خيثمة حدثنا الحسن بن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثني دَّر اج أبو‬
‫الَّس مح أَّن أبا الهيثم حدثه‪ ،‬عن أبي سعيد عن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬أَّن رجاًل قال‬
‫له‪ :‬يا رسول الَّله ُطوَبى لمن رآك وآمن بَك ‪ ،‬قال‪" :‬طوبى لمن رآني وآمن بي‪ ،‬وطوبى‪ ،‬ثَّم طوبى‪،‬‬
‫ثَّم طوبى‪ ،‬لمن آمن بي ولم يرني‪ ،‬فقال له رجل‪ :‬وما طوبى؟ قال‪ :‬شجرٌة في الجَّنة مسيرة مئة‬
‫سنة‪ ،‬ثياُب أهل الجَّنة تخرج من‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)149‬وابن أبي حاتم في تفسيره كما في البدور‬
‫السافرة رقم (‪.)1957‬‬
‫وفيه سعيد بن يوسف الرحبي فيه ضعف‪ ،‬وحديثه منكر بهذا اإلسناد‪ ،‬لتفرده عن يحيى بن أبي‬
‫كثير بهذا‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)126 - 124 /11‬‬
‫(‪ )2‬في "أ‪ ،‬ج‪ ،‬هـ"‪" :‬الخثعمي" هو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "أ‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬خالد" وهو خطأ‪ ،‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)473 /16‬‬
‫(‪ )4‬في "ب‪ ،‬د"‪" :‬ثَّم تسطبق ترجع" بدل "ثَّم تنطبق فترجع"‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ )147‬مطَّو اًل ‪.‬‬
‫وقد تقَّدم ص (‪.)290‬‬

‫(‪)1/434‬‬
‫أكمامها" (‪. )1‬‬
‫قال‪ :‬وحدثني يعقوب بن عبيد حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا حماد بن سلمة عن أبي الُم َه ِّز م قال‪:‬‬
‫قال أبو هريرة‪" :‬داُر المؤمن في الجَّنة لؤلؤة فيها شجرة تنبُت الحلل‪ ،‬فيأخذ الرجُل بأصبعيه ‪-‬‬
‫وأشاَر بالَّس بابة واإلبهام‪ -‬سبعين حَّلة ُمَتَم ْنِط قًة باللؤلؤ والمرجان" (‪. )2‬‬
‫قال‪ :‬وحدثنا حمزة بن العباس حدثنا عبد الَّله بن عثمان أنبأنا ابن المبارك أنبأنا صفوان بن عمرو‬
‫عن شريح بن عبيد قال‪ :‬قال كعٌب ‪" :‬لو أَّن ثوًبا من ثياب أهل الجَّنة ُلِبَس اليوَم في الدنيا لصعق‬
‫من ينظر إليه‪ ،‬وما حملته أبصارهم" (‪. )3‬‬
‫وقال عبد الَّله بن المبارك‪ :‬أنبأنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هالل عن ُبَش ير بن كعب أو‬
‫غيره قال‪" :‬ذكر لنا أَّن الزوجة من أزواج‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تقدم ص (‪.)353‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)151‬‬
‫ورواُه ابن المبارك وعفان كالهما عن حماد بن سلمة به نحوه‪.‬‬
‫أخرجه ابن المبارك في الزهِد ‪-‬رواية ُنعيم‪ -‬رقم (‪ ،)262‬وابن أبي شيبة في المصنف (‪)64 /7‬‬
‫رقم (‪.)34029‬‬
‫ومداره على أبي المهِّز م التميمي البصري‪ ،‬وهو متروك الحديث‪.‬‬
‫انظر التقريب رقم (‪.)8397‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)152‬وابن المبارك في الزهد ‪-‬رواية نعيم‪-‬‬
‫رقم (‪.)417‬‬
‫وفيه انقطاع بين شريح بن عبيد وكعب األحبار‪ ،‬قال الحافظ المزي‪" :‬ولم يدركه"‪ .‬انظر‪ :‬تهذيب‬
‫الكمال (‪.)446 /12‬‬

‫(‪)1/435‬‬

‫الجَّنة لها سبعون حَّلة هي أرُّق من ُش َق ْيقكم (‪ )1‬هذا‪ُ ،‬يرى مُّخ ساِقها من وراء اللحم" (‪. )2‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪ )3‬عن أنس بن مالك رضي الَّله عنه قال‪ :‬أهَد ى ُأَك ْيَد ُر دوَم ة إلى الَّنبي ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪ُ -‬ج َّبًة من ُس ندس‪ ،‬فتعَّج ب الَّناُس من ُحْس ِنها‪ ،‬فقال‪" :‬لمناديُل سعٍد في الجَّنة‬
‫أحسُن من هذا"‪.‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪ )4‬من حديث البراء قال‪ُ :‬أهدَي لرسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬ثوب‬
‫حرير‪ ،‬فجعلوا يعجبون من لينه‪ ،‬فقال رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬تعجبون من هذا؟‬
‫لمناديل سعد بن معاذ في الجَّنة أحسُن من هذا"‪.‬‬
‫وال يخفى ما في ذكر سعد بن معاذ بخصوصه ها هنا‪ ،‬فإَّنه كان في األنصار بمنزلة الِّص ِّديق في‬
‫المهاجرين‪ ،‬واهتَّز لموته العرش (‪ ، )5‬وكان ال تأخذه في الَّله لومة الئم‪ ،‬وختم الَّلُه له بالشهادة‪،‬‬
‫وآثر رضا الَّلِه ورسوله‪ ،‬على رضا قومه وعشيرته وحلفائه‪ ،‬ووافق حكمه اَّلذي حكم به ُح كم الَّله‬
‫فوق سبع سماواته (‪ ، )6‬ونعاُه جبريل عليه السالم إلى الَّنبي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬د"‪" :‬شفقكم"‪ ،‬وفي "هـ" "شققكم" وعند ابن أبي الدنيا "شفكم"‪ ،‬والمثبت هو‬
‫الصواب‪ ،‬وُش قيقكم تصغير ُش َّق ة وهو َض ْر ٌب من الثياب‪ ،‬وقيل نصف ثوب‪ .‬انظر‪ :‬معجم تهذيب‬
‫اللغة لألزهري (‪ ،)1906 /2‬والمعجم العربي ألسماء المالبس ص (‪.)270‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ )154‬وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )3‬البخاري رقم (‪ 2473‬و ‪ ،)3076‬ومسلم رقم (‪.)2469‬‬
‫(‪ )4‬البخاري رقم (‪ ،)3077‬ومسلم رقم (‪.)2468‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)3592‬ومسلم رقم (‪.)2466‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)2593( )2878‬ومسلم رقم (‪= ،)1768‬‬

‫(‪)1/436‬‬

‫‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬يوم موته (‪ , )1‬فُح َّق له أْن تكون مناديله التي يمسح بها يديه في الجَّنة‬
‫أحسن من ُح َلل الملوك‪.‬‬
‫__________‬
‫= ولفظه "‪ . . .‬لقد حكمت فيهم بحكم الملك" وفي لفظ "حكمت بحكم الَّله"‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في فضائل الصحابة رقم (‪ )1489‬وهو مرسل‪.‬‬

‫(‪)1/437‬‬
‫فصل ومن مالبسهم الِّتيجان على رؤوسهم‬
‫ذكر البيهقي من حديث يعقوب بن ُحَم ْيد بن كاسب‪ ،‬حدثنا هشام ابن سليمان عن عكرمة عن‬
‫إسماعيل بن رافع عن سعيد الُم ْق ُبِر ي وزيد ابن أسلم عن أبي هريرة عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪ -‬قال‪ :‬من قرأ القرآن فقام به آناء الليل والنهار‪ ،‬وُيحل حالَله ويحِّر م حرامه‪ ،‬خلطه الَّلُه‬
‫بلحمه ودمه‪ ،‬وجعله رفيق السفرِة الكرام البَر َر ِة‪ ،‬وإذا كان يوم القيامة كان القرآن له حجيًج ا‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا رب كُّل عامٍل يعمل في الدنيا يأخذ بعمله من الدنيا؛ إاَّل فالًنا كان يقوم بي (‪ )1‬آناَء‬
‫الليل والنهار‪ ،‬فيحل حاللي‪ ،‬ويحِّر م حرامي يقول‪ :‬يا رِّب ‪ ،‬فأعطه‪ ،‬فيتِّو ُه الَّله تا الملِك‬
‫َج‬ ‫ُج‬
‫ويكسوُه من ُح َّلة (‪ )2‬الكرامة‪ ،‬ثَّم يقول له (‪ :)3‬رضيت؟ فيقول‪ :‬يا رِّب أرغُب له في أفضل من‬
‫هذا‪ ،‬فيعطيه الَّله الملَك بيمينه‪ ،‬والخلَد بشماله‪ ،‬ثَّم يقول له‪ :‬هل رضيَت ؟ فيقول‪ :‬نعم يا رِّب " (‬
‫‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬عند البيهقي "في"‪.‬‬
‫(‪ )2‬عند البيهقي "ُح َلل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ" ونسخة على حاشية "أ"‪" :‬هل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البيهقي في شعب اإليمان (‪ )556 - 554 /4‬رقم (‪.)1836‬‬
‫‪ -‬ورواُه محمد بن عبيد المحاربي عن أبي رافع عن المقبري عن أبي هريرة نحوه‪.‬‬
‫أخرجه الجورقاني في األباطيل (‪ )283 /2‬رقم (‪.)686‬‬
‫وقال‪" :‬هذا حديٌث باطل‪ ،‬ومحمد بن عبيد المحاربي لم يسمع من أبي =‬

‫(‪)1/438‬‬

‫وذكر اإلمام أحمد في "المسند" من حديث ابن (‪ُ )1‬بَر ْيدة عن أبيه يرفعه‪" :‬تعلموا سورة البقرة‬
‫فإَّن أخذها بركة‪ ،‬وتركها حسرة‪ ،‬وال تستطيعها الَبَطَلُة‪ ،‬ثَّم سكت ساعة‪ ،‬ثَّم قال‪ :‬تعلموا سورة‬
‫البقرة وآل عمران فإَّنهما الزهراوان‪ ،‬وإَّنهما يظالن صاحبهما يوم القيامة كأَّنهما َغَم اَم َتان أو‬
‫َغَيايتان أو فرقان من طيٍر صواَّف ‪ ،‬والقرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالَّر جل‬
‫الَّش احب‪ ،‬فيقول له‪ :‬هل تعرفني؟ فيقول له (‪ : )2‬ما أعرفك‪ ،‬فيقول‪ :‬أنا (‪ )3‬القرآن‪ ،‬أنا اَّلذي‬
‫أظمأُتك في الهواجر‪ ،‬وأسهرت ليلك‪ ،‬وإَّن كَّل تاجٍر من وراء تجارته‪ ،‬وإَّنك اليوَم من وراء كِّل‬
‫تجارة‪ ،‬فيعطى الملَك بيمينه‪ ،‬والخلَد بشماله‪ ،‬ويوضع على رأسه تاُج الوقار‪ ،‬ويكسى والداُه‬
‫حلتين ال تقوُم لهما الدنيا‪ ،‬فيقوالن‪ِ :‬بَم ُك سينا (‪ )4‬هذا؟ فيقال‪ :‬بأخِذ ولدكما القرآن‪ ،‬ثَّم يقال‬
‫له‪ :‬اقرأ واصعد في درج الجَّنة وغرفها‪ ،‬فهو في صعوٍد ما دام يقرأ‪ :‬هًّذ ا كان‪ ،‬أو ترتياًل " (‪. )5‬‬
‫__________‬
‫= رافع المدني شيًئا‪ ،‬ولم يره"‪.‬‬
‫والحديث مداره على أبي رافع إسماعيل بن رافع المدني وهو ضعيف‪ ،‬وقال ابن عدي في الكامل‬
‫(‪" :)281 /1‬وأحاديثه كلها مَّم ا فيه نظر؛ إاَّل أَّنه يكتب حديثه في جملة الضعفاء"‪.‬‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬د"‪" :‬أبي" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬ليس في "هـ" وال المسند‪.‬‬
‫(‪ )3‬وقع في "ج‪ ،‬د" ونسخة على حاشية "أ"‪" :‬له"‪ ،‬وفي "ب‪ ،‬هـ" "له أنا"‪ ،‬وفي المسند "فيقول‪:‬‬
‫أنا صاحبك القرآن اَّلذي أظمأتك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في "د‪ ،‬ج‪ ،‬هـ" ونسخٍة على حاشية "أ" "كَس ْيَتَنا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أحمد في المسند (‪ ،)348 /5‬وابن الضريس في فضائل القرآن رقم =‬

‫(‪)1/439‬‬

‫الَبَطلة‪ :‬الَّس َح رة‪ .‬والَغَياية‪ :‬ما أظل اإلنسان فوقه‪.‬‬


‫وقال عبد الَّله بن وهب‪ :‬أخبرني عمرو بن الحارث عن أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد‬
‫الخدري أَّن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬تال قوله عَّز وجَّل‪َ{ :‬ج َّناُت َعْد ٍن َيْد ُخ ُلوَنَه ا ُيَح َّلْو َن‬
‫ِفيَه ا ِم ْن َأَس اِو َر ِم ْن َذَه ٍب } [فاطر‪ ]33 :‬فقال‪" :‬إَّن عليهم التيجان‪ ،‬إَّن أدنى لؤلؤٍة منها لتضيُء ما‬
‫بين المشرق والمغرِب " (‪.)1‬‬

‫فصل‬
‫وأَّم ا الفرش‪ :‬فقد قال تعالى‪ُ{ :‬مَّتِكِئيَن َعَلى ُفُر ٍش َبَطاِئُنَه ا ِم ْن ِإْسَتْبَر ٍق } [الرحمن‪ ،]54 :‬وقال‬
‫تعالى‪َ{ :‬و ُفُر ٍش َمْر ُفوَعٍة (‪[ })34‬الواقعة‪.]34 :‬‬
‫__________‬
‫= (‪ ،)99‬وابن عدي في الكامل (‪ )21 /2‬وغيرهم من طريق الفضل بن دكين عن بشير بن‬
‫المهاجر عن ابن بريدة عن أبيه رفعه بنحوه‪.‬‬
‫ورواه جماعه عن بشير بن المهاجر به نحوه‪.‬‬
‫أخرجه العقيلي في الضعفاء (‪ )144 /1‬والبزار في مسنده (‪ ،)4421 /10‬واآلجري في أخالق‬
‫أهل القرآن رقم (‪ )24‬وابن عدي في الكامل (‪ )21 /2‬والحاكم (‪ 742 /1‬و ‪)757 - 756‬‬
‫رقم (‪ 2043‬و ‪ )2086‬وغيرهم‪.‬‬
‫والحديث صححه الحاكم والبوصيري وحسنه البغوي وابن كثير‪.‬‬
‫والحديث عده العقيلي وابن عدي من منكرات بشير بن المهاجر بل قال العقيلي‪" :‬وال يصح في‬
‫هذا الباب عن النبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬حديث‪ ،‬أسانيدها كلها متقاربة"‪.‬‬
‫قال اإلمام أحمد ‪-‬وذكر بشير بن المهاجر‪ -‬فقال‪ :‬منكر الحديث‪ ،‬قال‪ :‬اعتبرت أحاديثه فإذا هو‬
‫يجيء بالعجب‪.‬‬
‫(‪ )1‬تقدم ص (‪.)433 - 432‬‬

‫(‪)1/440‬‬

‫َفَو َص َف الُف ُر ش بكونها مبطنة باإلستبرق‪ ،‬وهذا يدُّل على أمرين‪:‬‬


‫أحدهما‪ :‬أَّن ظهائرها أعلى وأحسن من بطائنها؛ ألَّن بطائنها لألرض‪ ،‬وظهائرها للجمال والزينة‬
‫والمباشرة‪.‬‬
‫قال سفيان الثوري‪ :‬عن أبي إسحاق عن ُه بيرة بن يريم‪ ،‬عن عبد الَّله رضي الَّلُه عنه في قوله‬
‫تعالى‪َ{ :‬بَطاِئُنَه ا ِم ْن ِإْسَتْبَر ٍق } [الرحمن‪ ،]54 :‬قال‪" :‬هذه البطائن قد ُخ ِّبرتم بها‪ ،‬فكيَف بالَّظهائر‬
‫(‪ )1‬؟ " (‪. )2‬‬
‫الثاني‪ :‬يدُّل على أَّنها فرش عالية لها َسْم ك وَح ْش و بين البطانة والظهارة‪.‬‬
‫وقد ُر ِو َي في سمكها وارتفاعها آثار؛ إْن كانت محفوظة‪ ،‬فالمراد‪ :‬ارتفاع محِّلها؛ كما رواُه‬
‫الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬في‬
‫قوله تعالى‪َ{ :‬و ُفُر ٍش َمْر ُفوَعٍة} [الواقعة‪ ]34 :‬قال‪ :‬ارتفاعها كما بين السماء واألرض‪ ،‬ومسيرة‬
‫ما بينهما خمس مئة عام" (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "د"‪" :‬تكون الظهائر" بدل "بالظهائر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنة رقم (‪ ،)158‬والطبري في تفسيره (‪)149 /27‬‬
‫والبيهقي في البعث والنشور رقم (‪ )330‬وغيرهم‪.‬‬
‫وسندة ال بأس به لحال هبيرة بن يريم‪.‬‬
‫انظر تهذيب الكمال (‪.)152 - 150 /30‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الترمذي رقم (‪ ،)3294 ،2540‬والطبري في تفسيره (‪ ،)185 /27‬وأبو الشيخ‬
‫في العظمة رقم (‪ )593‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق رشدين بن سعد عن عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم =‬

‫(‪)1/441‬‬

‫قال الترمذي‪" :‬حديث غريب‪ ،‬ال نعرفه إاَّل من حديث رشدين بن سعد‪ .‬قيل (‪ : )1‬ومعناُه أن‬
‫االرتفاع المذكور للدرجات‪ ،‬والفرش عليها" (‪. )2‬‬
‫قلُت ‪ :‬رشدين بن سعد عنده مناكير‪ :‬قال الدارقطني‪" :‬ليس بالقوي"‪ ،‬وقال اإلمام أحمد‪" :‬ال يبالي‬
‫عَّم ن روى‪ ،‬وليس به بأس في الرقاق"‪ ،‬وقال‪" :‬أرجو أَّنه صالح الحديث"‪ ،‬وقال يحيى بن معين‪:‬‬
‫"ليس بشيء"‪ ،‬وقال أبو زرعة‪" :‬ضعيف"‪ ،‬وقال الجوزجاني‪" :‬عنده مناكير" (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫= عن أبي سعيد فذكره‪.‬‬
‫‪ -‬وقد توبع رشدين‪ :‬تابعه عبد الَّله بن وهب عن عمرو بن الحارث به‪.‬‬
‫أخرجه الطبري (‪ ،)185 /27‬وأبو الشيخ في العظمة رقم (‪ ،)272‬وابن حبان في صحيحه رقم‬
‫(‪ )7405‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪ -‬ورواه ابن لهيعة عن دراج به نحوه‪.‬‬
‫أخرجه أحمد (‪ ،)11719( )75 /3‬وابن أبي الدنيا في صفة الجنة رقم (‪ ،)157‬وأبو يعلى في‬
‫مسنده رقم (‪ )1395‬وغيرهم‪.‬‬
‫والحديث ضعفه الترمذي كما نقل المؤلف‪ ،‬وقال الترمذي في الموضع اآلخر‪" :‬حسن غريب ال‬
‫نعرفه إال من حديث رشدين"‪.‬‬
‫وصححه ابن حبان والضياء في المختارة‪ .‬وانظر الآللئ المصنوعة للسيوطي (‪.)453 /2‬‬
‫(‪ )1‬ليس في "ب‪ ،‬د"‪.‬‬
‫(‪ )2‬لفظه عند الترمذي ما يلي‪" :‬وقال بعض أهل العلم في تفسير هذا الحديث‪ :‬معناه‪ :‬الفرش في‬
‫الدرجات‪ ،‬وبين الدرجات كما بين السماء واألرض"‪.‬‬
‫وقال في الموضع اآلخر‪ . ." :‬ارتفاع الفرش المرفوعة في الدرجات‪ ،‬والدرجات‪ :‬ما بين كل‬
‫درجتين كما بين السماء واألرض"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر أقوال العلماء فيه‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)195 - 191 /9‬‬

‫(‪)1/442‬‬

‫وال ريَب أَّنه كان سيء الحفظ‪ ،‬فال يعتمد على ما ينفرد به (‪. )1‬‬
‫وقد قال عبد الَّله بن وهب‪ :‬حدثنا عمرو بن الحارث عن دَّر اج أبي الَّس مح عن أبي الهيثم عن‬
‫أبي سعيد الخدري رضي الَّله عنه قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬في قوله تعالى‪:‬‬
‫{َو ُفُر ٍش َمْر ُفوَعٍة (‪[ } )34‬الواقعة‪ ]34 :‬قال‪" :‬ما بين الفراشين كما بين السماء واألرض" (‪. )2‬‬
‫وهذا أشبه أْن يكون هو المحفوظ‪ ،‬والَّلُه أعلم‪.‬‬
‫وقال الطبراني‪ :‬حدثنا المقدام بن داود حدثنا أسد بن موسى حدثنا حَّم اد بن سلمة عن علي بن‬
‫زيد عن مطِّر ف بن عبد الَّله بن الِّشِّخ ْير عن كعب في قوله عَّز وجل‪َ{ :‬و ُفُر ٍش َمْر ُفوَعٍة} [الواقعة‪:‬‬
‫‪ ]34‬قال‪" :‬مسيرة أربعين سنة" (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "د"‪" :‬يتفَّر د به"‪.‬‬
‫(‪ )2‬هذا لفُظ الشاذكوني عن ابن وهب عند البيهقي في البعِث رقم (‪ )342‬وفيه "الفرشتين" بدل‬
‫"الفراشين"‪.‬‬
‫لكن الشاذكوني‪ :‬متروك الحديث‪ ،‬ومتهٌم بوضع الحديث‪ ،‬وقد ُخ ولف في لفظه‪.‬‬
‫خالفُه يونس بن عبد األعلى وحرملة بن يحيى وُنعيم بن حماد ‪-‬ولم أقف على لفظه‪ -‬وأحمد بن‬
‫عبد الرحمن بن وهب ‪-‬بْح شل‪ -‬كلهم عن ابن وهب به بلفظ‪" :‬واَّلذي نفسي بيده إَّن ارتفاعها‬
‫لكما بين السماء واألرِض لمسيرة خمسمائة سنة"‪.‬‬
‫ونقل هذا الترجيح ابن كثير في النهاية في الفتن والمالحم ص (‪.)376‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (‪ )206 /7‬رقم (‪ )35322‬عن عفان عن =‬
‫(‪)1/443‬‬

‫قال الطبراني‪ :‬وحدثنا إبراهيم (‪ )1‬بن نائلة‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن عمرو البجلي حدثنا إسرائيل عن‬
‫جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي ُأمامة قال‪ُ :‬س ِئَل رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬عن‬
‫الفرش المرفوعة قال‪" :‬لو ُطِر َح فراٌش من أعالها لهوى إلى قرارها مئة خريف" (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫= حماد بن سلمة به مثله‪.‬‬
‫واألثُر مدارُه على علي بن زيد بن جدعان وفي حفظه كالم‪.‬‬
‫(‪ )1‬ليس في "أ"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبراني في الكبير (‪ )289 /8‬رقم (‪.)7947‬‬
‫‪ -‬ورواُه وكيع عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة قال‪" :‬لو خَّر من أعالها فراش لهوى‬
‫إلى قرارها كذا وكذا خريًف ا"‪.‬‬
‫أخرجه هَّناد في الزهد رقم (‪ ،)79‬وابن أبي شيبة في المصنف رقم (‪.)34071‬‬
‫وهذا هو المحفوظ‪ ،‬ورواية الطبراني خطأ‪ ،‬والحمُل فيه على إسماعيل ابن عمرو البجلي‪ :‬فإنه‬
‫ضعيف الحديث‪ ،‬الجرح والتعديل (‪ ،)190 /2‬وجعفر بن الزبير‪ :‬متروك الحديث‪ ،‬وقد اتهم‬
‫بوضع الحديث‪ .‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)37 - 32 /5‬‬
‫وقد توبع عليه‪ ،‬تابعه هشام الدستوائي كما سيأتي عند المؤِّلف‪.‬‬
‫أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)161‬‬
‫لكن يظهر لي أَّن هشاًم ا لم يسمعه من القاسم‪ ،‬وإَّنما عَّلقه عن القاسم‪ ،‬بدليل أَّنُه لم يذكر السماع‬
‫في أصله بل قال "عن القاسم‪" . .‬‬
‫وأيًض ا ال ُيعرف لهشام رواية عن القاسم بن عبد الرحمن الشامي‪ ،‬وإَّنما ُج ّل روايته عن العراقيين‪،‬‬
‫وخاَّصة البصريين والمكيين‪ .‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪ ،)216 /30‬وعليه فيحتمل أْن يرجع‬
‫الحديث إلى جعفر بن الزبير والَّله أعلم‪.‬‬

‫(‪)1/444‬‬
‫وفي رفع هذا الحديث نظر‪ ،‬فقد قال ابن أبي الدنيا‪ :‬حدثنا إسحاق ابن إسماعيل حدثنا معاذ بن‬
‫هشام قال‪ :‬وجدت في كتاب أبي عن القاسم عن أبي ُأمامة في قوله عَّز وجل‪َ{ :‬و ُفُر ٍش َمْر ُفوَعٍة (‬
‫‪ })34‬قال‪" :‬لو أَّن أعالها َس َق َط ما بلَغ أسفلها أربعين خريًف ا"‪.‬‬

‫فصل‬
‫وأَّما الُبُس ط والَّز رابي‪ :‬فقد قال تعالى‪ُ{ :‬مَّتِكِئيَن َعَلى َر ْفَر ٍف ُخ ْض ٍر َو َعْبَق ِر ٍّي ِح َس اٍن (‪})76‬‬
‫[الرحمن‪ ،]76 :‬وقال تعالى‪ِ{ :‬فيَه ا ُس ُر ٌر َمْر ُفوَعٌة (‪َ )13‬و َأْك َو اٌب َمْو ُضوَعٌة (‪َ )14‬و َنَم اِر ُق‬
‫َمْص ُف وَفٌة (‪َ )15‬و َز َر اِبُّي َمْبُثوَثٌة (‪[ })16‬الغاشية‪.]16 - 13 :‬‬
‫ذكر هشيم (‪ )1‬عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال‪" :‬الَّر ْفرف‪ :‬رياض الجَّنة‪ ،‬والَعْبَق ِر ي‪ :‬عتاق‬
‫الزرابي" (‪.)2‬‬
‫وذكر إسماعيل بن ُعلَّية عن أبي رجاء عن الحسن في قوله تعالى‪ُ{ :‬مَّتِكِئيَن َعَلى َر ْفَر ٍف ُخ ْض ٍر‬
‫َو َعْبَق ِر ٍّي ِح َس اٍن (‪ })76‬قال‪" :‬هي الُبسط"‪ ،‬قال‪ :‬وأهل المدينة يقولون‪ :‬هي الُبسط" (‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في نسخة على "أ" "هشام" وهو خطأ‪ ،‬وهشيم هو ابن بشير الواسطي‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن المبارك في الزهد ‪-‬رواية نعيم‪ -‬رقم (‪ ،)270‬وابن أبي الدنيا صفة الجَّنة رقم (‬
‫‪ ،)162‬والطبري (‪ )164 /27‬وغيرهم‪.‬‬
‫ورواُه شعبة عن أبي بشر به مثله‪.‬‬
‫أخرجه الطبري (‪ )163 /27‬وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)163‬والطبري في تفسيره (‪.)163 /27‬‬
‫وسنده صحيح‪.‬‬

‫(‪)1/445‬‬

‫وأَّم ا النمارق‪ :‬فقال الواحدي‪" :‬هي الوسائد؛ في قول الجميع‪ ،‬واحدها‪ُ :‬نْم ُر قة‪ ،‬بضِّم الُّنون‪،‬‬
‫وحكى الفَّر اء‪ِ :‬نْم ِر َقة بكسرها" (‪ ،)1‬وأنشد أبو عبيدة‪:‬‬
‫إذا ما ِبساُط اَّللهو ُمَّد َو ُقِّر َبْت ‪ ...‬لَلَّذ اِتِه أنماُطُه ونمارُقه (‪)2‬‬
‫قال الكلبي‪" :‬وسائد مصفوفة بعضها إلى بعض" (‪.)3‬‬
‫وقال مقاتل‪" :‬هي الوسائد مصفوفة على الطنافس" (‪.)4‬‬
‫{َو َز َر اِبُّي } يعني‪ :‬البسط‪ ،‬والَّطنافس‪ .‬واحدها ِز ْر ِبَّية‪ :‬في قول جميع أهل اللغة والتفسير‪ .‬و‬
‫{َمْبُثوَثٌة}‪ :‬مبسوطة منشورة (‪.)5‬‬

‫فصل‬
‫وأَّما الَّر ْفرف‪ :‬فقال الليث‪" :‬هو ضرٌب من الثياب خضر تبسط‪ .‬الواحد‪َ :‬ر ْفَر فة" (‪ .)6‬وقال أبو‬
‫عبيدة‪" :‬الَّر فاِر ف‪ :‬البسط‪ ،‬وأنشد البن ُمقبل‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الوسيط للواحدي (‪ ،)475 /4‬ومعاني القرآن للفَّر اء (‪.)258 /3‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬لسان العرب (‪ ،)361 /10‬ونسبه لمحمد بن عبد الَّله بن ُنمير الثقفي‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬الوسيط (‪.)475 /4‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬تفسير مقاتل (‪.)479 /3‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬الوسيط (‪ ،)475 /4‬وتفسير الطبري (‪.)164 /30‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬العين المنسوب للخليل بن أحمد ص (‪ ،)359‬دار إحياء التراث‪ )7( ،‬والجامع‬
‫ألحكام القرآن للقرطبي (‪.)190 /17‬‬

‫(‪)1/446‬‬

‫َو إَّنا لنَّز الون تْغشى ِنَعالَنا ‪َ ...‬س واِقُط من أصناِف رْيٍط َو َر ْفَر ُف " (‪)1‬‬
‫وقال أبو إسحاق‪" :‬قالوا الرفرف ها هنا‪ :‬رياض الجَّنة‪ ،‬وقالوا‪ :‬الرفرف‪ :‬الوسائد‪ ،‬وقالوا‪:‬‬
‫الرفرف‪ :‬المحابس‪ ،‬وقالوا‪ :‬فضول المحابس للفرش"‪ .‬وقال المبرد‪" :‬هو فضول الثياب التي‬
‫تتخذ الملوك (‪ )2‬في الفرش وغيره"‪ .‬قال الواحدي‪" :‬وكأَّن األقرب هذا؛ ألَّن العرب تسِّم ي‬
‫ِكَسَر الِخ َباِء ‪ ،‬والِخ ْر قة التي تخاط في أسفل الخباء‪ :‬رفرًفا‪ ،‬ومنه الحديث في وفاة الَّنبي ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪ :-‬فرفع الرفرف فرأينا وجهه كأَّنه ورقة (‪ . )4( " )3‬قال ابن األعرابِّي ‪:‬‬
‫"الَّر ْفَر ف‪ :‬ها هنا طرف البساط‪ ،‬فشبه ما فضل من المحابس (‪ ، )5‬عَّم ا تحته بطرف الفسطاط‪،‬‬
‫فسمي رفرًفا"‪.‬‬
‫قلُت ‪ :‬أصل هذه الكلمة من الَّطَر ف والجانب‪ ،‬فمنه‪ :‬الَّر ُّف في الحائط‪ .‬ومنه‪ :‬الرفرف‪ ،‬وهو‬
‫كسر (‪ )6‬الخباء‪ ،‬وجوانب الدرع‪ ،‬وما تدَّلى منها‪ ،‬الواحدة رفرفة‪ .‬ومنه‪ :‬رفرف الطير (‪ : )7‬إذا‬
‫حَّر ك‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬مجاز القرآن (‪ ،)246 /2‬وتفسير غريب القرآن البن قتيبة ص (‪ ،)44‬والجامع‬
‫ألحكام القرآن للقرطبي (‪.)190 /17‬‬
‫(‪ )2‬في "ج" "ُتَّتخذ للملوك"‪ ،‬وفي نسخة على حاشية "أ" "الملك" بدل "الملوك"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "الصحيحين" "ورقة مصحف"‪. .‬‬
‫(‪ )4‬لم أقف على الرواية التي فيها "الرفرف"‪.‬‬
‫والحديث أصله عند البخاري رقم (‪ ،)648‬ومسلم رقم (‪ ،)419‬وفيه "‪ . .‬فكشف النبي ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪ -‬ستر الحجرة‪ ،‬ينظر إلينا وهو قائم كأَّن وجهه ورقة مصحف‪." . .‬‬
‫(‪ )5‬في "أ‪ ،‬ج‪ ،‬هـ"‪" :‬المجلس"‪ ،‬وفي "ب‪ ،‬د"‪" :‬المحبس"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في "ج"‪" :‬كسره"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في "ج"‪" :‬الطائر"‪.‬‬

‫(‪)1/447‬‬

‫جناحيه حول الَّش يء‪ ،‬يريد أْن يقع عليه‪ .‬والرفرف‪ :‬ثياب خضر ُتَّتَخ ُذ منها المحابس‪ ،‬الواحدة‬
‫رفرفة‪ .‬وكل ما فضل من شيء فُثِنَي وُعِط َف فهو رفرف‪ ،‬وفي حديث ابن مسعود في قوله عَّز‬
‫وجَّل‪َ{ :‬لَق ْد َر َأى ِم ْن آَياِت َر ِّبِه اْلُك ْبَر ى (‪[ })18‬النجم‪ ]18 :‬قال‪" :‬رأى رفرًفا أخضر سَّد اُألفق"‬
‫(‪ .)1‬وهو في "الصحيحين"‪.‬‬

‫فصل‬
‫وأَّما الَعْبَق رُّي ‪ :‬فقال أبو عبيدة‪" :‬كل شيء من الُبُس ط عبقري‪ .‬قال‪ :‬ويرون أَّنها أرض ُيَو َّش ى (‪)2‬‬
‫فيها" (‪ .)3‬وقال الليث‪" :‬عبقر‪ :‬موضع بالبادية كثير الجن‪ ،‬يقال‪ :‬كأَّنهم جُّن عبقر" (‪ .)4‬وقال‬
‫أبو عبيد في حديث الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬حين ذكر عمر‪" :‬فَلْم أَر عبقرًّيا يفِر ي َفِر َّيه" (‬
‫‪ )5‬وإَّنما أصُل هذا فيما يقال‪ :‬إَّنه ُنِس َب إلى عبقر‪ ،‬وهي أرٌض يسكنها الجُّن ‪ ،‬فصاَر مثاًل منسوًبا‬
‫إلى شيء رفيٍع ‪ ،‬وأنشد لزهير‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري برقم (‪ ،)4577 ،3061‬ولم يخرجه مسلم في صحيحه‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "أ‪ ،‬ب‪ ،‬هـ"‪" :‬موشى"‪ ،‬وفي "ج"‪ُ" :‬و ِش ي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬مجاز القرآن (‪ ،)246 /2‬وتفسير غريب القرآن البن قتيبة ص (‪ ،)444‬وفتح القدير‬
‫للشوكاني (‪.)174 /5‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬تهذيب اللغة لألزهري (‪.)2309 /3‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)3434‬ومسلم برقم (‪ )2393‬من حديث عبد الَّله بن عمر رضي‬
‫الَّله عنهما‪.‬‬

‫(‪)1/448‬‬

‫ِبَخ ْيٍل (‪ )1‬عليها ِج َّنٌة عبقريٌة ‪َ ...‬ج ِد يرون يوًما أْن ينالوا فيستعلوا (‪)2‬‬
‫قال أبو الحسن الواحدي‪" :‬وهذا القول هو الصحيح في العبقري‪ ،‬وذلك أَّن العرَب إذا بالغْت في‬
‫وصف شيٍء َنَس بْتُه إلى الجِّن ‪ ،‬أو َش َّبهته بهم‪ ،‬ومنه قول َلِبْيٍد ‪:‬‬
‫ِج ُّن الَبدِّي رواسًيا أقداُمها (‪)3‬‬
‫وقال آخر َيِص ُف امرأًة‪:‬‬
‫جِّنيٌة ولها ِج ٌّن ُيعِّلُم ها ‪َ ...‬ر ْم َي الُقلوِب ِبَق ْو ٍس ما لها َو َتر (‪)4‬‬
‫وذلك أَّنهم يعتقدون في الجن كل صفة عجيبة‪ ،‬وأَّنهم يأتون بكِّل أمٍر عجيٍب ‪ ،‬ولَّم ا كان عبقر‬
‫معروًفا بسكناهم نسبوا كِّل شيٍء مبالٍغ فيه إليها‪ ،‬يريدون بذلك أَّنه من عملهم وصنعهم‪ .‬هذا هو‬
‫األصل‪ ،‬ثَّم صار العبقري اسًم ا ونعًتا لكِّل ما ُبوِلَغ في صفته‪ ،‬ويشهد لما ذكرنا بيت زهير‪ ،‬فإَّنه‬
‫نسب الجن إلى عبقر‪ ،‬ثَّم رأينا أشياء كثيرة ُنِس َبت إلى عبقٍر غير البسط والثياب‪ :‬كقوله في صفة‬
‫عمر "َعْبَق ِر ًّيا" (‪ ، )5‬وروى سلمة عن الفَّر اء قال‪ :‬العبقري‪ :‬الَّس ِّيد من الرجال‪ ،‬وهو الفاخر من‬
‫الحيوان‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "أ‪ ،‬ب‪ ،‬ج‪ ،‬د"‪" :‬نخيل"‪ ،‬والمثبت من "هـ"‪ ،‬وديوان زهير وغيره‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬غريب الحديث ألبي عبيد (‪ ،)88 - 87 /1‬والبيت في ديوان زهير ص (‪.)52‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ديوانه ص (‪ ،)177‬وصدر البيت‪ :‬غلب تشَّذ ر بالُّدخول كأَّنها‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪" :‬الحماسة البصرية" للبصري ص (‪ )879‬وهو منسوب لمحمد بن بشير الخارجي‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬ألبي دهبل الجمحي‪.‬‬
‫(‪ )5‬تقدم ص (‪.)448‬‬

‫(‪)1/449‬‬

‫والجوهر"‪ .‬فلو كانت عبقر مخصوصة بالوشي‪ ،‬لما ُنِس َب إليها غير الموَّش ى‪ ،‬وإَّنما ينسب إليها‬
‫البسط الُمَو ِّش ية العجيبة الصنعة‪ ،‬لما (‪ )1‬ذكرنا‪ ،‬كما نسب إليها كل ما بولغ في وصفه‪.‬‬
‫قال ابن عباس‪" :‬وعبقري‪ :‬يريد البسط والطنافس" (‪ ، )2‬وقال الكلبي‪" :‬هي الطنافس الُم ْخ َم لة" (‬
‫‪ ، )3‬وقال قتادة‪" :‬هي عتاق الَّز رابي" (‪ ، )4‬وقال مجاهد‪" :‬الديباج الغليظ" (‪ ، )5‬وعبقرٌّي ‪:‬‬
‫جمع‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب"‪" :‬كما"‪.‬‬
‫(‪ )2‬لم أقف عليه‪.‬‬
‫وجاء عن ابن عباس قال‪" :‬عبقري‪ :‬الزرابي"‪ .‬أخرجه الطبري (‪ )164 /27‬وسنده حسن‪ .‬وجاء‬
‫عن ابن عباس أيًض ا‪" :‬يعني الوسائد"‪.‬‬
‫ذكره ابن أبي زمنين في تفسيره (‪.)335 /4‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬النكت والعيون للماوردي (‪.)261 /6‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" (‪ )216 /2‬رقم (‪ ،)3112‬والطبري في "تفسيره" (‪/27‬‬
‫‪.)164‬‬
‫من طرق عن قتادة بلفظ "العبقري‪ :‬الزرابي"‪.‬‬
‫وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (‪ )67 /7‬رقم (‪ )34075‬واَّللفظ له‪ ،‬وهناد في الزهد‬
‫رقم (‪ ،)83‬عن وكيع عن الثوري عن رجل عن مجاهد فذكره‪.‬‬
‫ورواُه قبيصة عن الثوري عن رباح بن أبي معروف عن مجاهد قال‪" :‬الديباج"‪.‬‬
‫أخرجه ابن أبي شيبة (‪ )66 /7‬رقم (‪.)34061‬‬
‫فالرجل المبهم هو رباح‪ ،‬وقد كان وكيع إذا استضعف رجاًل لم ُيسِّم ه كما نَّص عليه اإلمام‬
‫أحمد‪ ،‬وقد ضَّعف جماعٌة رباَح المكي‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬صالح‪ ،‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪- 48 /9‬‬
‫‪.)49‬‬
‫فاإلسناد ال بأس به‪.‬‬

‫(‪)1/450‬‬

‫واِح ُدُه عبقرية‪ ،‬ولهذا ُو ِص َف (‪ )1‬بالجمع"‪.‬‬


‫وتأَّمل كيف وَص َف سبحانه وتعالى الُف رش بأَّنها مرفوعة‪ ،‬والزرابي بأَّنها مبثوثة‪ ،‬والنمارق بأَّنها‬
‫مصفوفة‪ ،‬فرْفُع الفرش داٌل على ُسْم ِكَه ا ولينها‪ ،‬وبُّث الزرابي داٌّل على كثرتها‪ ،‬وأَّنها في كل‬
‫موضع ال يختُّص بها صدر المجلس دون مؤخره وجوانبه‪ ،‬وصُّف (‪ )2‬المساند‪ ،‬يدُّل على أَّنها‬
‫مهيأة لالستناد إليها دائًم ا‪ ،‬ليست ُمَخ َّبأة ُتَص ُّف في وقٍت دون وقٍت ‪ ،‬والَّلُه أعلُم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "د"‪ُ" :‬يْو َص ف"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "هـ"‪" :‬ووصف"‪.‬‬

‫(‪)1/451‬‬

‫الباب الحادي والخمسون في ذكر خيامهم وسررهم وأرائكهم وبشخاناتهم (‪)1‬‬


‫قال الَّلُه تعالى‪ُ{ :‬ح وٌر َمْق ُصوَر اٌت ِفي اْلِخ َياِم (‪[ })72‬الرحمن‪ ،]72 :‬وفي "الصحيحين" (‪ )2‬من‬
‫حديث أبي موسى األشعري رضي الَّله عنه عن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬جمع بشخانة‪ :‬وهي كلمة فارسية معَّر بة‪ ،‬مرَّك بة من بشه‪ :‬أي البعوض‪ ،‬ومن خانه‪ :‬أي البيت‪،‬‬
‫والمعنى بيت البعوض‪ ،‬وهي الِكَّلة التي تسِّم يها العامة "ناموسية"‪" :‬وهي غثاء رقيق يخاط كالبيت‪،‬‬
‫يتوَّقى به من البعوض‪ .‬انظر‪ :‬المعجم العربي ألسماء المالبس ص (‪ ،)66‬ومعجم عطَّية في العامي‬
‫والدخيل ص (‪.)171‬‬
‫(‪ )2‬هذا الحديث وقع فيه اختالف في لفظة "ستون مياًل "‪ ،‬وبيانه مختصًر ا‪:‬‬
‫يرويه أبو عمران الجوني عن أبي بكر بن عبد الَّله بن قيس عن أبيه‪.‬‬
‫‪ -‬فرواُه الحارث بن عبيد عن أبي عمران به‪.‬‬
‫باللفظ األَّو ل اَّلذي ساقه المؤلف عند مسلم (‪.)23( - )2838‬‬
‫‪ -‬ورواُه عبد العزيز بن عبد الصمد عن أبي عمران به‪.‬‬
‫باللفظ الثاني عند البخاري (‪ ،)4598‬ومسلم (‪ )24( - )2838‬واَّللفظ له‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه همام بن يحيى العوذي عن أبي عمران واختلف عنه‪:‬‬
‫* فرواُه محمد بن المنهال عن همام به باللفظ الَّر ابع "ثالثون مياًل "‪.‬‬
‫أخرجه البخاري (‪ )3071‬وأشار إلى هذا االختالف‪.‬‬
‫* ورواُه يزيد بن هارون وعفان بن مسلم وعبد الصمد وعاصم بن علي ومحمد بن كثير كلهم‬
‫عن همام به بلفظ "ستون مياًل "‪.‬‬
‫أخرجه مسلم (‪ ،)25( - )2838‬وأحمد (‪ ،)419 /4‬وأبو عوانة كما في اإلتحاف (‪/10‬‬
‫‪ ،)114‬وأبو الشيخ في العظمة رقم (‪ )606‬وغيرهم‪.‬‬
‫وهذا الصحيح "ستون مياًل "‪ ،‬ولعَّل االضطراب من همام بن يحيى فقد كان يحدث حفًظا‪ ،‬حَّتى‬
‫إذا كان في آخر عمره صار يرجع إلى كتابه ومَّم ن =‬

‫(‪)1/453‬‬

‫الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إَّن للمؤمن في الجَّنة لخيمة من لؤلؤٍة واحدٍة مجَّو فة طولها‬
‫ستون مياًل ‪ ،‬للمؤمن (‪ )1‬فيها أهلون يطوف عليهم المؤمُن فال يرى بعضهم بعًض ا"‪.‬‬
‫وفي لفٍظ لهما‪" :‬في الجَّنة خيمٌة من لؤلؤٍة مجوفة‪ ،‬عرضها ستون مياًل في كِّل زاوية منها أهٌل‪ ،‬ما‬
‫يرون اآلخرين‪ ،‬يطوف عليهم المؤمن"‪.‬‬
‫وفي لفٍظ آخر لهما أيًض ا‪" :‬الخيمة ُدَّر ة ُطولها في السماء ستون مياًل ‪ ،‬في كَّل زاوية منها أهل (‪)2‬‬
‫‪ ،‬ال يراهم اآلخرون"‪.‬‬
‫وللبخاري وحده في لفظ‪ُ" :‬طوُلها ثالثون مياًل "‪.‬‬
‫وهذه الخيام غير الُغَر ِف والقصور‪ ،‬بل هي خيام في البساتين‪ ،‬وعلى شواطئ األنهاِر ‪.‬‬
‫وقال ابن أبي الدنيا‪ :‬حدثنى الحسين بن عبد الرحمن عن أحمد بن أبي الحواري قال‪ :‬سمعُت أبا‬
‫سليمان قال‪ :‬ينشأ خلق الحور العين إنشاًء‪ ،‬فإذا تكامل خلقهَّن ضربت عليهَّن (‪ )3‬المالئكة‬
‫الخيام (‪. )4‬‬
‫__________‬
‫= روى عنه أخيًر ا عفان بن مسلم وبهز بن أسد وحَّبان بن هالل‪.‬‬
‫ومَّم ا يدُّل على عدم ضبط هَّم ام له‪ ،‬ما رواُه عبد الصمد عن همام عن قتادة نحوه‪ ،‬فذكر "قتادة"‬
‫بدل "أبي عمران"‪ ،‬والَّله أعلم‪.‬‬
‫(‪ )1‬من مسلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب‪ ،‬ج"‪" :‬أهُل المؤمن"‪ ،‬وفي "د"‪" :‬أهٌل للمؤمن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ب‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬عليهم" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه ابن أبي الدنيا برقم (‪.)318‬‬

‫(‪)1/454‬‬

‫وقال بعضهم‪ :‬لَّم ا ُكَّن أبكاًر ا‪ ،‬وعادة (‪ )1‬البكر أْن تكون مقصورة في خدرها‪ ،‬حَّتى يأخذها‬
‫بعلها‪ ،‬أنشأ الَّلُه سبحانه وتعالى الحور وقصرهَّن في خدور الخيام‪ ،‬حتى يجمع بينهَّن وبين أوليائه‬
‫في الجَّنة‪.‬‬
‫وقال ابن أبي الدنيا‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ،‬حدثنا سفيان‪ ،‬عن جابر عن القاسم بن أبي َبَّز ة عن أبي (‪)2‬‬
‫عبيدة عن مسروق عن عبد الَّله رضي الَّله عنه قال‪" :‬لكِّل مسلٍم خيرٌة‪ ،‬ولكِّل خيرٍة خيمٌة‪ ،‬ولكِّل‬
‫خيمٍة أربعة أبواب‪ ،‬يدخل عليها كَّل يوٍم من كِّل باٍب تحفٌة وهديٌة وكرامٌة لم تكن قبل ذلك‪ ،‬ال‬
‫َم ِرحاٍت (‪ )3‬وال ذفرات‪ ،‬وال بخرات وال َطَّم احات‪ ،‬حوٌر عيٌن كأَّنهَّن بيٌض مكنون" (‪. )4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من قوله "ضربت" إلى "وعادة" سقط من "ج"‪.‬‬
‫(‪ )2‬قوله "بَّز ة عن أبي" سقط من "ج"‪ ،‬ووقع في "د" "بردة" بدل "بَّز ة" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "هـ" "مرجات"‪ ،‬وفي "ب‪ ،‬د" "مزجات" وُصِّح حت في حاشية "ب" إلى "سخرات"‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه ابن أبي الدنيا برقم (‪ ،)320‬وابن أبي شيبة في مصنفه (‪ )65 /7‬رقم (‪)34045‬‬
‫مختصًر ا‪ ،‬والطبري في تفسيره (‪ )158 /27‬مختصًر ا‪.‬‬
‫ورواه ابن المبارك في الزهد (‪ )238‬عن سفيان الثوري به نحوه‪.‬‬
‫وفيه جابر بن يزيد الجعفي ضعيف‪ ،‬وقد اُّتهم بالكذِب ‪.‬‬
‫المِر حات من الَمَر ح‪ ،‬وهو الَّتبختر واالختيال‪ .‬والَّذ ِفرات‪ ،‬من الَّذ َفر‪ ،‬وهو الُّصَنان وُخ ْبث الريح‪.‬‬
‫والَبِخ رات‪ ،‬من الَبَخ ر‪ ،‬وهو الرائحة والَّنَتن يكون في الفم وغيره‪ .‬والَّطَّم احات‪ ،‬يقال‪ :‬امراة‬
‫طَّم احة‪ :‬هي التي ُتِكُّر بنظرها يميًنا وشمااًل إلى غير زوجها‪ .‬انظر لسان العرب (‪ 534 /2‬و‬
‫‪ )591‬و (‪ 47 /4‬و ‪.)307‬‬

‫(‪)1/455‬‬

‫حدثنا علي بن الجعد حدثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة قال‪ :‬سمعُت أبا األحوص ُيحِّد ُث عن‬
‫عبد الَّله بن مسعود رضي الَّله عنه في قوله تعالى‪ُ{ :‬ح وٌر َمْق ُصوَر اٌت ِفي اْلِخ َياِم } قال‪ُ" :‬دٌّر‬
‫ُمجَّو ف" (‪. )1‬‬
‫وقال ابن المبارك‪ :‬أنبأنا سليمان التيمي عن قتادة عن ُخ َليد الَعَص ِر ي عن أبي الدرداء (‪ )2‬رضي‬
‫الَّلُه عنه قال‪" :‬الخيمة لؤلؤٌة واحدٌة لها سبعون باًبا كُّلها من ُدَّر ٍة" (‪. )3‬‬
‫قال ابن المبارك‪ :‬وأخبرنا همام عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الَّله عنهما قال‪:‬‬
‫"الخيمة درٌة مجوفٌة فرسٌخ في فرسٍخ ‪ ،‬لها أربعة آالف مصراٍع من ذهٍب " (‪. )4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)326‬وابن وهب في التفسير ‪-‬من جامعه‪/1( -‬‬
‫‪ )140‬رقم (‪ ،)325‬وابن أبي شيبة في المصنف (‪ )66 /7‬رقم (‪ ،)34050‬والطبري (‪/27‬‬
‫‪ :)161‬من طريق شعبة به مثله‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه مسعر عن عبد الملك عن أبي األحوص قوله مثله‪( ،‬ولم يذكر ابن مسعود)‪.‬‬
‫أخرجه ابن المبارك في الزهِد ‪-‬رواية ُنعيم‪ -‬رقم (‪ ،)247‬وهناد في الزهد رقم (‪.)53‬‬
‫(‪ )2‬عند ابن المبارك زاد "ولم يجاوز به خليًد ا"‪ ،‬وعند ابن أبي الدنيا نحوه‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن المبارك في الزهد ‪-‬رواية ُنعيم‪ -‬رقم (‪ ،)250‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة‬
‫رقم (‪.)327‬‬
‫‪ -‬ورواه معتمر بن سليمان عن أبيه سليمان التيمي عن قتادة عن خليد قال‪ :‬لقد ذكر لي أَّن‬
‫الخيمة لؤلؤ‪." . .‬‬
‫أخرجه الطبري (‪ )161 /27‬وسنده صحيح إلى خليد‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه ابن المبارك في الزهد رواية نعيم رقم (‪ ،)249‬وابن أبي شيبة (‪ )65 /7‬رقم (‬
‫‪ ،)34047‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪= ،)328‬‬
‫(‪)1/456‬‬

‫وقال ابن أبي الدنيا‪ :‬حدثنا فضيل (‪ )1‬بن عبد الوهاب حدثنا شريك عن منصور عن مجاهد‪:‬‬
‫{ُح وٌر َمْق ُصوَر اٌت ِفي اْلِخ َياِم (‪[ } )72‬الرحمن‪ ]72 :‬قال‪" :‬في خيام اللؤلؤ‪ ،‬والخيمة لؤلؤة‬
‫واحدة" (‪. )2‬‬
‫حدثني محمد بن جعفر حدثنا منصور حدثنا يوسف بن الَّصَّباح عن أبي صالح عن ابن عباس رضي‬
‫الَّله عنهما‪ُ{ :‬ح وٌر َمْق ُصوَر اٌت [‪ /124‬ب] ِفي اْلِخ َياِم (‪ } )72‬قال‪" :‬الخيمة من ُدَّر ٍة مجَّو فة‬
‫طولها فرسخ‪ ،‬وعرضها فرسخ‪ ،‬ولها ألُف باٍب من ذهٍب ‪ ،‬حولها ُس َر اِد ق َدْو ُر ه خمسون فرسًخ ا‪،‬‬
‫يدخل عليه من كَّل باٍب منها َم َلك بهدية من عند الَّله عَّز وجَّل وذلك قوله‪َ{ :‬و اْلَم اَل ِئَك ُة َيْد ُخ ُلوَن‬
‫ِم‬
‫َعَلْيِه ْم ْن ُك ِّل َباٍب } [الرعد‪ )3( " ]23 :‬والَّلُه‬
‫__________‬
‫= والبيهقي في البعِث رقم (‪ )333‬من طرق عن همام به‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه سعيد بن أبي عروبة وأبو العَّو ام ومعمر كلهم عن قتادة قال‪ُ :‬ذكر لنا أَّن ابن عباس كان‬
‫يقول فذكره‪ ،‬هذا لفظ سعيد‪.‬‬
‫أخرجه الطبري (‪ ،)162 /27‬وعبد الرزاق في تفسيره (‪ ،)215 /2‬وابن أبي شيبة (‪)66 /7‬‬
‫رقم (‪ )34051‬وغيرهم‪.‬‬
‫قلُت ‪ :‬طريق ابن أبي عروبة ومن تابعه أصح‪ ،‬وعليه فاإلسناد ضعيف لجهل الواسطة بين قتادة‬
‫وابن عباس‪.‬‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬هـ"‪" :‬فضل" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)329‬‬
‫‪ -‬ورواُه جرير وعمرو بن أبي قيس كالهما عن منصور به بلفظ "خيام اللؤلؤ"‪.‬‬
‫أخرجه الطبري (‪ )162 /27‬لكن شيخ الطبري ابن حميد مَّتهم‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه الثوري عن منصور عن مجاهد قال‪" :‬الخيمة در مجوفة"‪.‬‬
‫أخرجه ابن أبي شيبة (‪ ،)66 /7‬وهناد في الزهد (‪ ،)17‬وهو ثابت عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪= .)332‬‬

‫(‪)1/457‬‬
‫أعلم‪.‬‬
‫وأَّما الُّس َر ر‪ :‬فقال تعالى‪ُ{ :‬مَّتِكِئيَن َعَلى ُس ُر ٍر َمْص ُف وَفٍة َو َز َّو ْجَناُه ْم ِبُح وٍر ِع يٍن (‪[ } )20‬الطور‪:‬‬
‫‪ ،]20‬وقال تعالى‪ُ{ :‬ثَّلٌة ِم َن اَأْلَّو ِليَن (‪َ )13‬و َقِليٌل ِم َن اآْل ِخ ِر يَن (‪َ )14‬عَلى ُس ُر ٍر َمْو ُضوَنٍة (‪)15‬‬
‫ُمَّتِكِئيَن َعَلْيَه ا ُمَتَق اِبِليَن } [الواقعة‪ ]16 - 13 :‬وقال تعالى‪ِ{ :‬فيَه ا ُس ُر ٌر َمْر ُفوَعٌة (‪} )13‬‬
‫[الغاشية‪.]13 :‬‬
‫فأخبر تعالى عن ُس ُر ِر هم بأَّنها مصفوفة بعضها إلى جانب بعض‪ ،‬ليس بعضها خلف بعض‪ ،‬وال بعيًد ا‬
‫من بعض‪ ،‬وأخبر أَّنها موضونة‪ ،‬والَو ْض ن في لغتهم‪ :‬النضد والنسج المضاعف‪ ،‬يقال‪َ :‬و َض َن فالن‬
‫الحجر واآلُج َّر بعضه فوق بعض‪ ،‬فهو موضون‪.‬‬
‫وقال الليث‪" :‬الَو ْض ُن ‪ :‬نسج السرير وأشباهه (‪ ، )1‬ويقال‪ :‬درع موضونة مقاربة في النسج‪ .‬وقال‬
‫رجل من العرب المرأته‪ِ :‬ض ني متاع البيت‪ :‬أي قاربي بعضه ِم ن بعض‪.‬‬
‫وقال أبو عبيدة والفراء والمبرد وابن قتيبة‪ :‬موضونة‪ :‬منسوجة مضاعفة متداخلة‪ ،‬بعضها على‬
‫بعض‪ ،‬كما ُتوضن حلق الدرع‪ ،‬ومنه‬
‫__________‬
‫= وفيه محمد بن جعفر وهو المدائني‪ :‬قال أحمد وأبو داود‪ :‬ال بأس به‪ ،‬وقال أحمد مَّر ة‪" :‬ال‬
‫أحدث عنه بشيٍء أبًد ا"‪ ،‬وقال أبو حاتم‪" :‬يكتب حديثه‪ ،‬وال ُيحتج به"‪ ،‬وقال ابن حجر‪" :‬صدوٌق‬
‫فيه لين"‪ ،‬انظر تهذيب الكمال (‪.)12 - 10 /25‬‬
‫ويوسف بن الصباح الفزاري‪ :‬لم أقف عليه‪.‬‬
‫(‪ )1‬وتتمته "بالجوهر والثياب‪ ،‬وهو موضون"‪ ،‬انظر‪ :‬معجم تهذيب اللغة لألزهري (‪.)3908 /4‬‬

‫(‪)1/458‬‬

‫ُس ِّم ي الَو ضين‪ ،‬وهو نطاق من سيور (‪ )1‬ينسج‪ ،‬فيدخل بعضه (‪ )2‬على بعض‪ ،‬وأنشدوا لألعشى‪:‬‬
‫ومن نسج داوَد موضونة ‪ ...‬تساُق مع الحِّي ِع ْيًر ا َفِعيًر ا (‪)3‬‬
‫قالوا موضونة‪ :‬منسوجة بقضبان الذهب مشَّبكة (‪ )4‬بالدِّر والياقوت والزبرجد‪.‬‬
‫قال هشيم‪ :‬حدثنا حصين‪ ،‬عن مجاهد عن ابن عباس رضي الَّله عنهما قال‪" :‬مْر مولة (‪)5‬‬
‫بالذهب" (‪. )6‬‬
‫وقال مجاهد‪" :‬موصولة (‪ )7‬بالذهب" (‪ ، )8‬وقال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬هـ"‪" :‬ستور"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ج"‪" :‬بعضها"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ديوان األعشى ص (‪ ،)71‬وانظر مجاز القرآن ألبي عبيدة (‪.)248 /2‬‬
‫(‪ )4‬في "أ"‪" :‬مسبكة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في "ب‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬مزمولة"‪ ،‬والمرمولة‪ :‬المضفورة المنسوجة‪ . . .‬انظر وصف الفردوس البن‬
‫حبيب ص (‪.)90‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة (‪ ،)166‬والبيهقي في البعث (‪.)337‬‬
‫ورواه الثوري وأبو يوسف القاضي وأشهل كلهم عن حصين به مثله‪.‬‬
‫أخرجه هناد في الزهد رقم (‪ ،)77‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)412‬وابن وهب في التفسير‬
‫من جامعه رقم (‪ )313‬وغيرهم‪.‬‬
‫وهو صحيح عن ابن عباس‪.‬‬
‫(‪ )7‬كذا في جميع النسخ‪ ،‬وفي مصادر التخريج وكتب التفسير "مرمولة"‪ ،‬وذكر الماوردي في‬
‫تفسيره "موصولة بالذهب" لكن نسبه البن عباس‪ .‬انظر‪ :‬النكت والعيون (‪.)450 /5‬‬
‫(‪ )8‬أخرجه هناد في الزهد رقم (‪ 74‬و ‪ ،)76‬وابن أبي شيبة (‪ )67 /7‬رقم =‬

‫(‪)1/459‬‬

‫علي (‪ )1‬بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الَّله عنهما‪" :‬موضونة‪ :‬مصفوفة" (‪.)2‬‬
‫وأخبر سبحانه وتعالى أَّنها مرفوعة قال عطاء عن ابن عباس رضي الَّله عنهما قال‪" :‬سرر من‬
‫ذهب‪ ،‬مكَّللة بالزبرجد والُّد ِّر والياقوت‪ ،‬والسرير مثل ما بين مكة وأيلة" (‪.)3‬‬
‫وقال الكلبي‪" :‬طول السرير في السماء مئة عام (‪ ،)4‬فإذا أراد الرجل أْن يجلس عليه تواضع له‬
‫حتى يجلس عليه‪ ،‬فإذا جلس عليه ارتفع إلى مكانه"‪.‬‬

‫فصل‬
‫وأَّما األرائك‪ :‬فهي أجمع أريكة‪ .‬قال مجاهد عن ابن عباس رضي الَّله عنهما‪ُ{ :‬مَّتِكِئيَن ِفيَه ا َعَلى‬
‫اَأْلَر اِئِك } [الكهف‪ ،]31 :‬قال‪" :‬ال يكون أريكة (‪)5‬‬
‫__________‬
‫= (‪ ،)34069‬والطبري (‪ )172 /27‬وغيرهم‪.‬‬
‫وله طريق آخر عن مجاهد‪ :‬عند الطبري (‪ ،)173 /27‬وهو صحيح عنه‪.‬‬
‫(‪ )1‬وقع في نسخة على حاشية "أ" "عطاء" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ ،)173 /27‬والبيهقي في البعث رقم (‪ 338‬و ‪ .)347‬وسنده‬
‫حسن‪.‬‬
‫(‪ )3‬ذكره الواحدي في الوسيط (‪ ،)147 /3‬والقرطبي في الجامع ألحكام القرآن (‪)398 /10‬‬
‫وفيه "األريكة ما بين صنعاء إلى أيله‪ ،‬وما بين عدن إلى الجابية"‪.‬‬
‫(‪ )4‬كذا في جميع النسخ‪ ،‬وفي المطبوعة "ذراع"‪ ،‬وجاء عند القرطبي "ثالث مائة ذراع" (‪/17‬‬
‫‪ .)202‬قلت‪" :‬ذراع" أشبه بالصواب فيما يظهر‪ .‬والَّله أعلم‪.‬‬
‫(‪ )5‬في "د"‪" :‬األرائك"‪.‬‬

‫(‪)1/460‬‬

‫حتى يكون السرير في الَحَج لة‪ ،‬فإْن كان سريًر ا بغير َحَج لة ال يكون أريكة‪ ،‬وإن كانت َحَج لة‬
‫بغير سرير لم تكن أريكة‪ ،‬و (‪ )1‬ال تكون أريكة إاَّل والسرير في الحجلة‪ ،‬فماذا اجتمعا كانت‬
‫أريكة" (‪. )2‬‬
‫وقال مجاهد‪" :‬هي األِس َّر ة في الِح َج ال" (‪ . )3‬وقال الليث‪" :‬األريكة‪ :‬سرير حجلة‪ ،‬فالحجلة‬
‫والسرير أريكة‪ ،‬وجمعها أرائك"‪ .‬وقال أبو إسحاق‪" :‬األرائك‪ :‬الفرش في الحجال"‪.‬‬
‫قلُت ‪ :‬ها هنا ثالثة أشياء‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬السرير‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬الحجلة‪ ،‬وهي البشخانة التي تعلق فوقه‪.‬‬
‫الثالث (‪ : )4‬الفراش اَّلذي على السرير‪ ،‬وال يسَّم ى السرير أريكة‪ ،‬حتى يجمع ذلك كله‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في نسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البيهقي في البعث رقم (‪ )334‬من طريق علي بن عاصم عن حصين عن مجاهد عن‬
‫ابن عباس‪.‬‬
‫وفيه علي بن عاصم الواسطي‪ :‬في حفظه لين‪ ،‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)520 - 504 /20‬‬
‫وأخرجه ابن وهب في التفسير من جامعه رقم (‪ )313‬عن أشهل بن حاتم في ‪-‬حفظه لين‪ -‬عن‬
‫حصين به بلفظ "على السرر في الحجال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه هناد في الزهِد رقم (‪ 74‬و ‪ ،)75‬وابن أبي شيبة (‪ )68 /7‬رقم (‪،)34077‬‬
‫والبيهقي في البعث رقم (‪ ،)335‬واَّللفظ له‪ .‬وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )4‬في "ب‪ ،‬د"‪" :‬الثالثة"‪.‬‬

‫(‪)1/461‬‬

‫وفي "الصحاح"‪" :‬األريكة‪ :‬سريٌر ُمَنَّج ٌد (‪ُ )1‬مَز َّين في ُقَّبٍة أو بيٍت ‪ ،‬فإذا لم يكن فيه سرير‪ ،‬فهو‬
‫حجلة‪ ،‬والجمع األرائك" (‪. )2‬‬
‫وفي الحديث‪" :‬أَّن خاتم الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬كان مثل زِّر الَحَج لة" (‪ . )3‬وهو الِّز ُّر‬
‫اَّلذي ُيجمع به بين طرفيها من جملة أزرارها‪ ،‬والَّلُه أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬مَّتخذ"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الصحاح (‪.)1189 /2‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)187‬ومسلم رقم (‪ )2345‬من حديث السائب بن يزيد رضي الَّله‬
‫عنه‪.‬‬

‫(‪)1/462‬‬

‫الباب الثاني والخمسون في ذكر خدمهم وغلمانهم‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و َيُطوُف َعَلْيِه ْم ِو ْلَد اٌن ُمَخ َّلُد وَن ِإَذا َر َأْيَتُه ْم َح ِس ْبَتُه ْم ُلْؤ ُلًؤ ا َم ْنُثوًر ا (‪[ })19‬اإلنسان‪:‬‬
‫‪ ،]19‬وقال تعالى‪َ{ :‬يُطوُف َعَلْيِه ْم ِو ْلَد اٌن ُمَخ َّلُد وَن (‪ِ )17‬بَأْك َو اٍب َو َأَباِر يَق َو َك ْأٍس ِم ْن َم ِعيٍن }‬
‫[الواقعة‪.]18 - 17 :‬‬
‫َّل‬
‫قال أبو عبيدة والفَّر اء‪" :‬مخ دون ال يهرمون‪ ،‬وال يتغيرون‪ ،‬قال‪ :‬والعرُب تقول للرجل إذا َك ُبَر‬
‫ولم يشمط‪ :‬إَّنُه لمخَّلد‪ ،‬وإذا لم تذهب أسنانه من الِكَبر‪ ،‬قيل‪ :‬هو مخَّلد" (‪.)1‬‬
‫وقال آخرون‪ُ :‬مخَّلدون‪ُ :‬مَقَّر ُطون ُمَس َّو ُر ون‪ ،‬أي في آذانهم الِق َر َطة‪ ،‬وفي أيديهم األساور‪.‬‬
‫وهذا اختيار ابن األعرابي‪ ،‬قال‪ :‬مخَّلدون‪ُ :‬مَقَّر طون بالَخ َلدة‪ ،‬وجمعها َخ َلٌد ‪ ،‬وهي‪ :‬الِق َر َطة (‪.)2‬‬
‫وروى عمرو (‪ )3‬عن أبيه‪" :‬خَّلد جاريته‪ ،‬إذا حاَّل ها بالَخ َلِد ‪ ،‬وهي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬مجاز القرآن (‪ ،)249 /2‬ومعاني القرآن للفراء (‪ ،)123 - 122 /3‬وتفسير غريب‬
‫القرآن البن قتيبة (‪.)446‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬العين للخليل ص (‪ ،)261‬ومعجم تهذيب اللغة لألزهري (‪ ،)108 /1‬ومعاني القرآن‬
‫للفَّر اء (‪ ،)123 /3‬وتفسير غريب القرآن البن قتيبة ص (‪.)447 - 446‬‬
‫(‪ )3‬في "هـ"‪" :‬عمر"‪.‬‬

‫(‪)1/463‬‬

‫الِق َر َطة‪ ،‬وَخ َلَد إذا أسَّن ولم َيِش ْب " (‪ ، )1‬وكذلك قال سعيد بن جبير‪" :‬مقَّر طون" (‪. )2‬‬
‫واحتَّج هؤالء بحجتين‪:‬‬
‫إحداهما‪ :‬أَّن الخلود عاٌّم لكَّل من في الجَّنة‪ ،‬فال ُبَّد أْن يكون الِو لدان موصوفين بتخليٍد يختُّص‬
‫بهم‪ ،‬وذلك هو الِق َر طة‪.‬‬
‫الحجة الثانية‪ :‬قول الشاعر‪:‬‬
‫وُمخَّلداٍت باُّللجين كأَّنما ‪ ...‬أعجازهَّن َر واِكُد الُك ثباِن (‪)3‬‬
‫وقال األَّو لون‪ :‬الُخ ْلد هو البقاء‪ .‬قال ابن عباس‪" :‬غلمان ال يموتون" (‪. )4‬‬
‫وقول ترجمان القرآن في هذا كاٍف ‪ ،‬وهذا قول مجاهد والكلبي ومقاتل‪ ،‬قالوا‪ :‬ال يكبرون وال‬
‫يهرمون وال يتغيرون (‪. )5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬معجم تهذيب اللغة لألزهري (‪.)1081 /1‬‬
‫(‪ )2‬ذكره البغوي في تفسيره معالم التنزيل (‪ ،)108 /8‬والقرطبي في الجامع ألحكام القرآن (‬
‫‪.)202 /17‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬تفسير غريب القرآن البن قتيبة ص (‪ ،)447‬ومعجم تهذيب اللغة لألزهري (‪/1‬‬
‫‪ ،)1080‬ولم ينسباه ألحٍد ‪ ،‬وعندهما "أقاِو ز" بدل "رواكد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ذكره الواحدي في تفسيره "الوسيط" (‪.)233 /4‬‬
‫وقاله أيًض ا مجاهد والحسن البصري‪ ،‬انظر‪ :‬تفسير الطبري (‪.)173 /27‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬تفسير مقاتل (‪ ،)312 /3‬والقرطبي (‪ ،)202 /17‬والوسيط (‪ ،)233 /4‬والبيهقي‬
‫في البعث رقم (‪.)411‬‬

‫(‪)1/464‬‬

‫وجمعْت طائفة بين القولين‪ ،‬وقالوا‪ :‬هم ولدان ال يعرض لهم الِكَبر وال الهرم‪ ،‬وفي آذانهم‬
‫الِق َر طة‪ ،‬فمن قال‪ :‬مقَّر طون‪ .‬أراد هذا المعنى‪ ،‬أَّن كونهم ولداًنا أمٌر الزٌم لهم‪.‬‬
‫وشَّبههم سبحانه باللؤلؤ المنثور‪ ،‬لما فيه من البياض وحسن الخلق‪ ،‬وفي كونه منثوًر ا فائدتان‪:‬‬
‫إحداهما‪ :‬الداللة على أَّنهم غير معَّطلين‪ ،‬بل َمْبثوثون في خدمتهم وحوائجهم‪.‬‬
‫والثاني (‪ : )1‬أَّن اللؤلؤ إذا كان منثوًر ا‪ ،‬وال سيما على بساط من ذهٍب أو حرير؛ كان أحسن‬
‫لمنظره وأبهى من كونه مجموًعا في مكان واحد‪.‬‬
‫وقد اختلف في هؤالء الِو ْلدان‪ :‬هل هم ِم ْن ِو ْلدان الدنيا‪ ،‬أم أنشأهم الَّلُه في الجَّنة إنشاء؟ على‬
‫قولين‪:‬‬
‫فقال علي بن أبي طالب والحسن البصري‪ :‬هم أوالد المسلمين اَّلذين يموتون‪ ،‬وال حسنَة لهم‬
‫وال سيئة‪ ،‬يكونون خدم أهل الجَّنة وولدانهم (‪ِ ، )2‬إِذ الجَّنة ال ِو الدة فيها (‪. )3‬‬
‫قال الحاكم‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن الحسن حدثنا إبراهيم بن الحسين حدثنا آدم حدثنا المبارك‬
‫بن َفَض الة عن الحسن في قوله تعالى‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬كذا في جميع النسخ‪ ،‬ولعل صوابه‪" :‬الثانية"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ج"‪" :‬وولدانهم في الجَّنة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬تفسير القرطبي الجامع ألحكام القرآن (‪.)203 /17‬‬

‫(‪)1/465‬‬
‫{ِو ْلَد اٌن ُمَخ َّلُد وَن (‪[ } )17‬الواقعة‪ ]17 :‬قال‪" :‬لم يكن لهم حسنات َفُيْجَزْو ن بها (‪ ، )1‬وال‬
‫سيئات فيعاقبون عليها‪ ،‬فوضعوا بهذا الموضع" (‪. )2‬‬
‫ومن أصحاب هذا القول من قال‪ :‬هم أطفال المشركين‪ ،‬يجعلهم الَّلُه َخَد ًم ا ألهل الجَّنة‪.‬‬
‫واحتَّج هؤالء بما رواُه يعقوب بن عبد الرحمن القاري عن أبي حازٍم المديني‪ ،‬عن يزيد الَّر قاشي‬
‫عن أنس عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬سألُت ربي اَّلالهين من ذرية البشر أْن ال‬
‫يعذبهم‪ ،‬فأعطانيهم فهم خدم أهل الجَّنة" (‪ . )3‬يعني‪ :‬األطفال‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب"‪" :‬فيخرجون بها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البيهقي في البعِث رقم (‪ ،)410‬وعبد بن حميد في تفسيره كما في الدر (‪/6‬‬
‫‪ ،)219‬وسنده حسن‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية (‪ )926 /2‬رقم (‪.)1544‬‬
‫‪ -‬ورواُه األعمش والربيع بن صبيح وحكيم بن جرير وغيرهم كلهم عن يزيد الرقاشي عن أنس‪،‬‬
‫وفي ألفاظهم اختالف‪.‬‬
‫أخرجه أبو يعلى (‪ ،)4090‬والطيالسي (‪ ،)2225‬وأبو نعيم في أخبار أصبهان (‪.)344 /1‬‬
‫ورواُه محمد بن المنكدر واختلف عليه‪.‬‬
‫‪ -‬فرواُه عبد الرحمن بن المتوكل عن فضيل بن سليمان عن عبد الرحمن بن إسحاق المدني عن‬
‫الزهري عن أنس فذكره إلى "فأعطانيهم"‪.‬‬
‫أخرجه أبو يعلى رقم (‪ ،)3570‬وابن عدي في الكامل (‪.)302 /4‬‬
‫وهذا خطأ‪ ،‬صوابه (ابن المنكدر) بدل (الزهري)‪.‬‬
‫هكذا رواُه عمرو بن مالك البصري عن فضيل عن عبد الرحمن بن إسحاق عن محمد بن‬
‫المنكدر عن أنس فذكره إلى "فوهبهم" بدل "فأعطانيهم"‪.‬‬
‫أخرجه أبو يعلى (‪= .)3636‬‬

‫(‪)1/466‬‬

‫قال الَّدارقطني‪ :‬ورواُه عبد العزيز بن الماجشون عن ابن المنكدر عن يزيد الرقاشي عن أنس عن‬
‫الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ .-‬انتهى‪.‬‬
‫ورواُه فضيل (‪ )1‬بن سليمان عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن أنس‪ .‬وهذه الطرق‬
‫ضعيفة؛ فيزيد واٍه (‪ ، )2‬وفضيل بن سليمان ُمَتَك َّلٌم فيه (‪ ، )3‬وعبد الرحمن بن إسحاق ضعيف (‬
‫‪. )4‬‬
‫قال ابن قتيبة‪ :‬واَّلالهون‪ِ ،‬م ن "لهيَت " عن الشيء إذا غفلت عنه (‪ ، )5‬وليس هو ِم ن "لهوت" (‪)6‬‬
‫‪.‬‬
‫وأصحاب القول األَّو ل ال يقولون‪ :‬إَّن هؤالء أوالٌد ُو ِلُد وا ألهل‬
‫__________‬
‫= ‪ -‬ورواُه عبد العزيز بن الماجشون عن محمد بن المنكدر عن يزيد الرقاشي عن أنس فذكره‪.‬‬
‫أخرجه ابن الجعد في مسنده رقم (‪ )3013‬وابن أبي شيبة في مسنده كما في المطالب رقم (‬
‫‪ ،)4180‬وأبو يعلى (‪ 4101‬و ‪.)4102‬‬
‫وهذا هو الصحيح‪ ،‬والحديث له طرٌق أخرى ال تثبت‪.‬‬
‫وعليه فمداُر الحديث على يزيد الرقاشي‪ ،‬وهو ضعيف‪.‬‬
‫قال ابن الجوزي‪" :‬هذا حديث ال يثبت‪ ،‬ويزيد ال ُيعَّو ل عليه"‪ .‬وضعفه البوصيري‪.‬‬
‫(‪ )1‬في "ب"‪" :‬فضل"‪ ،‬وهو خطأ‪ ،‬وكذلك ما بعده‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)77 /32‬‬
‫(‪ )3‬هو الُّنميري‪ .‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)271 /23‬‬
‫(‪ )4‬هو المدني‪ .‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)525 - 519 /16‬‬
‫(‪ )5‬سقط من "أ‪ ،‬ج‪ ،‬هـ"‪.‬‬
‫(‪ )6‬ذكره ابن الجوزي في العلل المتناهية (‪.)927 - 926 /2‬‬

‫(‪)1/467‬‬

‫الجَّنة فيها‪ ،‬وإَّنما يقولون‪ :‬هم غلمان أنشأهم الَّلُه في الجَّنة إنشاًء (‪ ، )1‬كما أنشأ الحور العين‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وأَّما ِو ْلدان أهل الدنيا فيكونون يوم القيامة أبناء ثالث وثالثين سنة؛ لما رواُه ابن وهب‬
‫حدثنا عمرو بن الحارث أَّن دَّر اًج ا أبا الَّس مح حَّدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد رضي الَّله عنه‬
‫قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬من مات من أهل الجَّنة من صغيٍر أو كبيٍر ُيرُّدون‬
‫بني ثالٍث و (‪ )2‬ثالثين سنة في الجَّنة‪ ،‬ال يزيدون عليها أبًد ا‪ ،‬وكذلك أهل الَّنار" (‪ . )3‬رواُه‬
‫الترمذي‪.‬‬
‫واألشبه أَّن هؤالِء الولدان مخلوقون من الجَّنة ‪-‬كالحور العين‪َ -‬خَد ًم ا لهم وِغ ْلَم اًنا‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى‪َ{ :‬و َيُطوُف َعَلْيِه ْم ِغ ْلَم اٌن َلُه ْم َك َأَّنُه ْم ُلْؤ ُلٌؤ َمْك ُنوٌن (‪[ } )24‬الطور‪ ]24 :‬وهؤالء غير‬
‫أوالدهم‪ ،‬فإَّن من تمام كرامة الَّلُه تعالى لهم أْن يجعل أبناءهم مخدومين معهم‪ ،‬ال يجعلهم غلماًنا‬
‫لهم‪.‬‬
‫وقد تقَّدم في حديث أنس عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬أنا أَّو ل الَّناُس خروًج ا إذا ُبِعُثوا‪،‬‬
‫‪-‬وفيه‪ -‬يطوف علَّي ألُف خادٍم كأَّنهم لؤلؤ مكنون" (‪. )4‬‬
‫والمكنون‪ :‬المستور المصون اَّلذي لم تبتذله األيدي‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪.‬‬
‫(‪ )2‬قوله "ثالٍث و" من "أ" فقط‪ ،‬وليس عند الترمذي‪ ،‬وال في باقي النسخ‪ ،‬ولم َتِر د أيًض ا في‬
‫(ص‪)316 /‬؛ لكن كالم المؤلف يقتضيه‪ ،‬فلعَّله في بعض نسخ الترمذي‪.‬‬
‫(‪ )3‬تقدم في ص (‪.)316‬‬
‫(‪ )4‬تقدم في ص (‪.)225‬‬

‫(‪)1/468‬‬

‫وإذا تأملَت لفظة الـ {ِو ْلَد اٌن }‪ ،‬ولفظة {َو َيُطوُف َعَلْيِه ْم } واعتبرتها بقوله‪َ{ :‬و َيُطوُف َعَلْيِه ْم ِغ ْلَم اٌن‬
‫َلُه ْم } [الطور‪ ]24 :‬وَض ممت ذلك إلى حديث أبي سعيد المذكور آنًف ا = علمَت أَّن الولدان‬
‫غلماٌن أنشأهم الَّر ُّب تعالى في الجَّنة خدًم ا ألهلها‪ ،‬والَّلُه أعلم‪.‬‬

‫(‪)1/469‬‬

‫الباب الثالث والخمسون في ذكر نسائهم وسرارِّيهم‪ ،‬وأصنافهَّن وحسنهَّن وأوصافهَّن (‪)1‬‬
‫وجمالهَّن الظاهر والباطن اَّلذي وصفهَّن الَّلُه تعالى به في كتابه‬
‫ِم ِت‬ ‫ٍت‬ ‫ِل ِت‬ ‫ِم‬ ‫َّلِذ‬
‫قال الَّله تعالى‪َ{ :‬و َبِّش ِر ا يَن آَمُنوا َو َع ُلوا الَّصا َح ا َأَّن َلُه ْم َج َّنا َتْج ِر ي ْن َتْح َه ا اَأْلْنَه اُر‬
‫ِف‬ ‫ِه‬ ‫ِم‬ ‫ِذ‬ ‫ٍة‬ ‫ِم ِم‬
‫ُك َّلَم ا ُر ِز ُقوا ْنَه ا ْن َثَمَر ِر ْز ًقا َقاُلوا َه َذ ا اَّل ي ُر ِز ْقَنا ْن َقْبُل َو ُأُتوا ِب ُمَتَش اِبًه ا َو َلُه ْم يَه ا َأْز َو اٌج‬
‫ُمَطَّه َر ٌة َو ُه ْم ِفيَه ا َخ اِلُد وَن (‪[ })25‬البقرة‪.]25 :‬‬
‫فتأَّم ل جاللة المبشر ومنزلته وصدقه وعظمة من أرسله إليك بهذه البشارة‪ ،‬وقدر ما بَّش رك به‪،‬‬
‫وضمنه لك على أسهل شيٍء عليك وأيسره‪ ،‬وجمع سبحانه في هذه البشارة بين نعيم ال َد ِن‬
‫َب‬
‫بالجنان‪ ،‬وما فيها من األنهاِر والثماِر ‪ ،‬ونعيم النفس باألزواج المطهرة‪ ،‬ونعيم القلِب وُقَّر ة العين‬
‫بمعرفة دوام هذا العيش أبد اآلباد‪ ،‬وعدم انقطاعه‪.‬‬
‫واألزواج‪ :‬جمع زوج‪ ،‬والمرأة‪ :‬زوُج الرجل‪ ،‬وهو زوجها‪ ،‬هذا هو األفصُح ‪ ،‬وهو لغة قريش‪،‬‬
‫وبها نزل القرآن كقوله تعالى‪{ :‬اْس ُك ْن َأْنَت َو َز ْو ُج َك اْلَج َّنَة} [البقرة‪ ]35 :‬ومن العرِب من‬
‫يقول‪ :‬زوجة‪ ،‬وهو نادٌر ‪ ،‬ال يكادون يقولونه‪.‬‬
‫وأَّما المطهرة‪ :‬وإْن جرْت صفًة على الواحد‪ ،‬فتجري صفة على‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في المطبوعة‪َ" :‬و َص َف اِئِه َّن "‪.‬‬

‫(‪)1/470‬‬

‫جمع التكسير إجراًء له مجرى جماعة‪ ،‬كقوله تعالى‪َ{ :‬و َمَس اِكَن َطِّيَبًة} [الصف‪ ،]12 :‬و {ُقًر ى‬
‫َظاِه َر ًة} [سبأ‪ .]18 :‬ونظائره‪ ،‬والمطهرة‪ :‬التي ُطِّه رت من الحيِض والبول والنفاس‪ ،‬والغائط‬
‫والمخاط والُبصاق‪ ،‬وكل َقَذ ر‪ ،‬وكِّل أًذى يكون من نساء الدنيا‪ ،‬وُطِّه َر (‪ )1‬مع ذلك باطنها من‬
‫األخالق السيئة والصفات المذمومة‪ ،‬وطهر لسانها من الفحش والبذاء‪ ،‬وطهر طرفها من أن‬
‫تطمح به إلى غير زوجها‪ ،‬وطهرت أثوابها من أْن يعرض لها دنٌس أو وسٌخ ‪.‬‬
‫قال عبد الَّله بن المبارك‪ :‬حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي َنْض رة عن أبي سعيد رضي الَّله عنه عن‬
‫الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪َ{ -‬و َلُه ْم ِفيَه ا َأْز َو اٌج ُمَطَّه َر ٌة} [البقرة‪ ]25 :‬قال‪" :‬من الحيض‬
‫والغائط والنخامة والبصاق" (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ج"‪" :‬فطهر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن حبان في المجروحين (‪ )160 /2‬معلًق ا‪ ،‬والحاكم في المستدرك كما عند ابن‬
‫كثير (‪ ،)67 /1‬ولم أقف عليه في المطبوع وال في إتحاف المهرة البن حجر‪ ،‬وابن مردويه في‬
‫تفسيره كما في تفسير ابن كثير (‪ ،)67 - 66 /1‬وقال‪" :‬هذا حديٌث غريب"‪.‬‬
‫من طريق عبد الرزاق بن عمر البزيعي عن عبد الَّله بن المبارك به فذكره‪.‬‬
‫قال الحاكُم‪" :‬صحيح على شرط الشيخين"‪.‬‬
‫وتعقبه ابن كثير فقال‪" :‬هذا اَّلذي اَّدعاُه فيه نظر‪ ،‬فإَّن عبد الرزاق بن عمر البزيعي هذا قال فيه‬
‫أبو حاتم الُبستي‪" :‬ال يجوُز االحتجاج به"‪ ،‬قلُت ‪-‬ابن كثير‪ :-‬واألظهُر أَّن هذا من كالم قتادة‬
‫كما تقدم والَّله أعلم"‪.‬‬
‫وقال ابن حبان في ترجمة عبد الرزاق هذا‪ . . ." :‬يقلب األخبار ويسند المراسيل‪ ،‬ال يجوز‬
‫االحتجاج به إذا انفرد" ثَّم ساق له هذا الحديث ثَّم قال‪" :‬وهذا قول قتادة رفعه‪ ،‬ال أصل له من‬
‫كالم الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪= ."-‬‬

‫(‪)1/471‬‬

‫وقال عبد الَّله بن مسعود رضي الَّله عنه وعبد الَّله بن عباس رضي الَّله عنهما‪" :‬مطهرة‪ :‬ال يحضن‬
‫وال ُيْح ِد ْثَن (‪ )1‬وال يتنَّخمن" (‪. )2‬‬
‫وقال ابن عباس رضي الَّله عنهما أيًض ا‪" :‬مطهرة من الَقَذ ِر واألذى" (‪. )3‬‬
‫وقال مجاهد‪" :‬ال يبلَن وال يتغوطن‪ ،‬وال يمذين (‪ )4‬وال يمنين‪ ،‬وال يحضَن ‪ ،‬وال يبصقن وال‬
‫يتنخمن‪ ،‬وال يلدن" (‪. )5‬‬
‫وقال قتادة‪" :‬مطهرة من اإلثم واألذى‪ ،‬طهرهَّن الَّلُه من كِّل بوٍل وغائٍط وقذٍر ومأثم" (‪. )6‬‬
‫__________‬
‫= قلُت ‪ :‬وهو كما قال‪ .‬بنحوه رواُه سعيد بن أبي عروبة وأبان العطار ومعمر وخليد كلهم عن‬
‫قتادة قوله‪ ،‬وسيأتي‪.‬‬
‫(‪ )1‬في "أ‪ ،‬ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ" "يمذين" وهو تصحيف‪ ،‬والمثبت مصدر التخريج‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪.)175 /1‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ‪-‬البقرة‪ -‬رقم (‪ ،)265‬والطبري في تفسيره (‪،)175 /1‬‬
‫وسنده حسن‪.‬‬
‫(‪ )4‬كذا في جميع النسخ‪ ،‬وقد جاءت من رواية الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عند‬
‫الطبري‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه هَّناد في الزهد رقم (‪ ،)29 ،27‬وابن المبارك في الزهد ‪-‬رواية نعيم‪ -‬رقم (‪،)242‬‬
‫وابن أبي حاتم في تفسيره‪ /‬البقرة رقم (‪ ،)266‬والطبري (‪ 175 /1‬و ‪ )176‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريقين عن مجاهد‪ ،‬وهو ثابت عنه‪.‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (‪ ،)64 /1‬وابن أبي حاتم في تفسيره‪ /‬البقرة رقم (‪ 267‬و‬
‫‪ )268‬والطبري في تفسيره (‪.)176 /1‬‬
‫وهو صحيٌح عنه‪.‬‬

‫(‪)1/472‬‬

‫وقال عبد الرحمن بن زيد‪" :‬المطهرة‪ :‬التي ال تحيض‪ ،‬وأزواج الدنيا لسن بمطهراٍت ‪ ،‬أاَل تراهَّن‬
‫يدمين‪ ،‬ويتركن الصالة والصيام؟‪ .‬قال‪ :‬وكذلك ُخ ِلَق ْت حَّو اء حتى َعَص ت‪ ،‬فلَّم ا عصت قال الَّلُه‪:‬‬
‫إَّني خلقتك مطهرًة‪ ،‬وسُأْد ميك كما دميت هذه الشجرة" (‪. )1‬‬
‫وقال تعالى‪ِ{ :‬إَّن اْلُم َّتِق يَن ِفي َم َق اٍم َأِم يٍن (‪ِ )51‬في َج َّناٍت َو ُعُيوٍن (‪َ )52‬يْلَبُس وَن ِم ْن ُس ْنُد ٍس‬
‫َو ِإْسَتْبَر ٍق ُمَتَق اِبِليَن (‪َ )53‬كَذ ِلَك َو َز َّو ْجَناُه ْم ِبُح وٍر ِع يٍن (‪َ )54‬يْد ُعوَن ِفيَه ا ِبُك ِّل َفاِكَه ٍة آِم ِنيَن (‬
‫‪ )55‬اَل َيُذ وُقوَن ِفيَه ا اْلَمْو َت ِإاَّل اْلَمْو َتَة اُأْلوَلى َو َو َقاُه ْم َعَذ اَب اْلَج ِح يِم (‪[ } )56‬الدخان‪- 51 :‬‬
‫‪.]56‬‬
‫فجمَع لهم بين ُحْس ن المنزل‪ ،‬وحصول األمن فيه من كِّل مكروٍه‪ ،‬واشتماله على الثمار واألنهار‪،‬‬
‫وحسن اللباس وكمال الِعْش رة بمقابلة بعضهم بعًض ا‪ ،‬وتمام اَّللذة بالحور العين‪ ،‬ودعائهم بجميع‬
‫أنواع الفاكهة‪ ،‬مع أمنهم من انقطاعها‪ ،‬ومضرتها وغائلتها‪ ،‬وختاُم ذلك أعلمهم بأَّنهم ال يذوقون‬
‫هناك موًتا‪.‬‬
‫والُحْو ُر ‪ :‬جمع َحْو راء‪ ،‬وهي المرأة الشابة الحسناء الجميلة البيضاء‪ ،‬شديدة سواد العين‪.‬‬
‫وقال زيد بن أسلم‪" :‬الَحْو َر اء‪ :‬التي يحار فيها الطرف‪ ،‬وِع ْين‪ :‬حسان األعين" (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ ،)176 /1‬وسنده صحيح إلى عبد الرحمن بن زيد‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ )304‬وفيه الواقدي‪ :‬وهو متروك‪.‬‬

‫(‪)1/473‬‬
‫وقال مجاهد‪" :‬الحوراء التي يحار فيها الطرف من ِر َّقة الجلد‪ ،‬وصفاء اللون" (‪. )1‬‬
‫وقال الحسن‪" :‬الحوراء‪ :‬شديدة بياض العين‪ ،‬شديدة سواد العين" (‪. )2‬‬
‫واختلف في اشتقاق هذه اللفظة‪:‬‬
‫فقال ابن عباس ‪-‬رضي الَّله عنهما‪" :-‬الحور في كالم العرب‪ :‬البيض" (‪ . )3‬وكذلك قال قتادة‬
‫"الحور‪ :‬البيض" (‪ )4‬وقال مقاتل‪" :‬الحور‪ :‬البيض الوجوه" (‪ . )5‬وقال مجاهد‪" :‬الحور العين‪،‬‬
‫التي يحار‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ )305‬واَّللفظ له‪ ،‬وابن أبي شيبة (‪ )218 /7‬رقم‬
‫(‪ ،)35446‬والطبري (‪.)178 /27‬‬
‫من طريق سفيان وفضيل حدثنا أصحابنا عن مجاهد فذكره‪.‬‬
‫فيه إبهام من رواُه عن مجاهد‪ .‬ووقع عند الطبري "عن رجل" بدل "أصحابنا" وعند ابن أبي شيبة‬
‫"عن بعض أصحابه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)306‬واللفظ له‪ ،‬والطبري (‪.)177 /27‬‬
‫من طريق سفيان عن رجٍل عن الحسن فذكره‪.‬‬
‫وفيه إبهام الرجل الَّر اوي عن الحسن‪ ،‬ووقع عند الطبري مصَّر ًح ا به‪ ،‬واسمه "عمرو"‪ ،‬وهو عمرو‬
‫بن ُعبيد المعتزلي‪ ،‬وهو متروك‪ ،‬قد اَّتهمه بعضهم‪ .‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)123 /22‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه عبد الملك بن حبيب في وصف الفردوس رقم (‪.)241‬‬
‫من طريق الكلبي عن أبي صالح عنه‪ .‬وسنده ضعيف جًّدا‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (‪ )172 - 171 /2‬رقم (‪ ،)2825‬والطبري (‪.)136 /25‬‬
‫وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬تفسيره (‪.)208 /3‬‬

‫(‪)1/474‬‬

‫فيهن الطرف بادًيا مُّخ سوقهن من وراء ثيابهن‪ ،‬ويرى الناظر وجهه في كبد إحداهن‪ ،‬كالمرآة من‬
‫رقة الجلد‪ ،‬وصفاء اللون" (‪. )1‬‬
‫وهذا من االتفاق‪ ،‬وليست اللفظة مشتقة من الحيرة‪ .‬وأصل الحور‪ :‬البياض‪ .‬والتحوير‪ :‬التبييض‪.‬‬
‫والصحيح‪ :‬أن الحور مأخوذ من الَح َو ِر في العين‪ ،‬وهو شدة بياضها مع قوة سوادها‪ ،‬فهو يتضمن‬
‫األمرين‪.‬‬
‫وفي "الصحاح"‪" :‬الَح َو ُر ‪ :‬شدة بياض العين في شدة سوادها‪ .‬امرأة َحْو َر اء‪َ :‬بِّينة الَح َو ر‪ .‬وقال أبو‬
‫عمرو‪ :‬الَح َو ر‪ :‬أن تْس وَّد العين كلها مثل أعين الِّظباء والبقر‪ ،‬وليس فى بني آدم حور‪ ،‬وإنما قيل‪:‬‬
‫للنساء‪ :‬حور العيون (‪ )2‬؛ ألنهَّن ُش ِّبهَن بالظباء والبقر" (‪. )3‬‬
‫وقال األصمعي‪" :‬ما أدري ما الَح َو ُر في العين؟ " (‪. )4‬‬
‫قلت‪ :‬خالف أبو عمرو أهل اللغة‪ ،‬و (‪ )5‬اشتقاق اللفظة‪ ،‬ورَّد الَح َو ر إلى السواد‪ ،‬والناس غيره‬
‫إنما رُّدوه إلى البياض‪ ،‬أو إلى بياٍض في سواد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ ،)136 /25‬والبيهقي في البعث رقم (‪ ،)396‬وسنده حسن‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب"‪" :‬العين"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬الِّص حاح (‪.)526 /1‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪" :‬الغريب المصِّنف ألبي عبيد (‪." )28 /1‬‬
‫(‪ )5‬كذا جميع النسخ ولعَّلها‪" :‬في"‪ ،‬وهي في مطبوعة‪ ،‬دار الكتاب العربي‪.‬‬

‫(‪)1/475‬‬

‫والَح َو ُر في العين‪ :‬معنى يلتئم من حسن البياض والسواد وتناسبهما‪ ،‬واكتساب كل واحد منهما‬
‫الحسن من اآلخر‪.‬‬
‫وعيٌن حوراء‪ :‬إذا اشتَّد بياُض أبيِض ها وسواد أسودها‪ ،‬وال تسمى المرأة حوراء حتى تكون مع‬
‫حور عينها بيضاء لون الجسد‪.‬‬
‫والِعْيُن ‪ :‬جمع عيناء‪ ،‬وهي العظيمة العين من النساء‪ .‬ورجٌل أعين‪ :‬إذا كان ضخم العين‪ .‬وامرأة‬
‫عيناء‪ ،‬والجمع ِع ْيٌن ‪.‬‬
‫والصحيح‪ :‬أَّن الِعْيَن الالتي َجَم َعْت أعينهن صفات الحسن والمالحة‪ ،‬قال مقاتل‪" :‬العين‪ :‬حسان‬
‫األعين" (‪. )1‬‬
‫ومن محاسن المرأة اتساع عينها في طول‪ ،‬وضيق العين في المرأة من العيوب‪ ،‬وإنما يستحب‬
‫الضيق منها في أربعة مواضع‪ :‬فمها‪ ،‬وخرق أذنها‪ ،‬وأنفها‪ ،‬وما هنالك‪.‬‬
‫ويستحب الَّس َعة منها في أربعة مواضع‪ :‬وجهها‪ ،‬وصدرها‪ ،‬وكاهلها‪ :‬وهو ما بين كتفيها‪،‬‬
‫وجبهتها‪.‬‬
‫ويستحب البياض منها في أربعة مواضع (‪ : )2‬لونها‪ ،‬وفرقها‪ ،‬وثغرها‪ ،‬وبياض عينها‪.‬‬
‫ويستحب السواد منها في أربعة مواضع (‪ : )3‬عينها‪ ،‬وحاجبها‪ ،‬وهدبها‪ ،‬وشعرها‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر تفسير مقاتل (‪.)208 /3‬‬
‫(‪ )2‬ليس في (أ‪ ،‬ج‪ ،‬هـ)‪.‬‬
‫(‪ )3‬ليس في (أ‪ ،‬ب‪ ،‬ج‪ ،‬هـ)‪.‬‬

‫(‪)1/476‬‬

‫ويستحب الطول منها في أربعة‪ :‬قوامها‪ ،‬وعنقها‪ ،‬وشعرها‪ ،‬وبنانها (‪.)1‬‬


‫ويستحب الِق َص ر منها في أربعة ‪-‬وهي معنوية‪ :-‬لسانها‪ ،‬ويدها‪ ،‬ورجلها‪ ،‬وعينها‪ ،‬فتكون قاصرة‬
‫الطرف‪ ،‬قصيرة الَّر ْج ِل واللسان عن الخروج وكثرة الكالم‪ ،‬قصيرة اليد عن تناول ما يكره‬
‫الزوج‪ ،‬وعن بذله‪.‬‬
‫ويستحب الدقة منها في أربعة‪ :‬خصرها‪ ،‬وفرقها‪ ،‬وحاجباها (‪ ،)2‬وأنفها‪.‬‬

‫فصل‬
‫وقوله تعالى‪َ{ :‬و َز َّو ْجَناُه ْم ِبُح وٍر ِع يٍن (‪[ })20‬الطور‪.]20 :‬‬
‫قال أبو عبيدة‪" :‬جعلناهم أزواًج ا كما يزوج النعل بالنعل‪ ،‬جعلناهم اثنين اثنين" (‪ .)3‬قال يونس‪:‬‬
‫"قرَّناهم بهن‪ ،‬وليس من عقد التزوج‪ ،‬قال‪ :‬والعرب ال تقول‪ :‬تزوجت بها‪ ،‬وإنما تقول تزوجتها"‬
‫(‪.)4‬‬
‫قال من نصر هذا‪ :‬التنزيل (‪ )5‬يدل على ما قاله يونس‪ ،‬وذلك قوله‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في (د‪ ،‬ج) (وثيابها)‪.‬‬
‫(‪ )2‬في (ب‪ ،‬هـ) ونسخة على حاشية "أ"‪( :‬وحاجبها)‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر مجاز القرآن (‪.)209 /2‬‬
‫(‪ )4‬انظر "المخَّصص" البن سيده (‪.)358 /1‬‬
‫ويونس‪ :‬هو ابن حبيب إمام في اللغة‪.‬‬
‫(‪ )5‬في (أ) (التأويل)‪.‬‬

‫(‪)1/477‬‬

‫تعالى‪َ{ :‬فَلَّم ا َقَض ى َز ْيٌد ِم ْنَه ا َو َطًر ا َز َّو ْجَناَك َه ا} [األحزاب‪ ،]37 :‬ولو كان على تزوجت بها‬
‫لقال‪ :‬زوجناك بها‪ .‬وقال ابن ساَّل م‪" :‬تميم تقول‪ :‬تزوجت امرأًة‪ ،‬وتزوجت بها" وحكاه الكسائي‬
‫أيًض ا‪ .‬وقال األزهري‪" :‬تقول العرب‪ :‬زوجته امرأًة‪ ،‬وتزوجت امراًة‪ ،‬وليس من كالمهم‪ :‬تزوجت‬
‫بامرأة‪ ،‬قال‪ :‬وقوله تعالى‪َ{ :‬و َز َّو ْجَناُه ْم ِبُح وٍر ِع يٍن } [الطور‪ ]20 :‬أي‪ :‬قرَّناهم‪ ،‬وقال الفَّر اُء‪" :‬هي‬
‫لغة في أزِد َش ُنْو ءة" (‪ ، )1‬قال الواحدي‪" :‬وقول أبي عبيدة في هذا حسن (‪ )2‬؛ ألنه جعله من‬
‫التزوج الذي هو بمعنى جعل الشيء زوًج ا ال بمعنى عقد النكاح‪ ،‬ومن هذا يجوز أن يقال‪ :‬كان‬
‫فرًد ا فزوجته بآخر‪ ،‬كما يقال‪ :‬شفعته بآخر‪ ،‬وإنما تمتنع الباء عند من يمنعها‪ ،‬إذا كان بمعنى عقد‬
‫التزويج"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وال يمتنع أن يراد األمران مًعا‪ ،‬فلفظ التزويج‪ :‬يدل على النكاح‪ ،‬كما قال مجاهد‪:‬‬
‫"أنكحناهم الحور" (‪ ، )3‬ولفظ الباء‪ :‬يدل على االقتران والضم‪ ،‬وهذا أبلغ من حذفها‪ ،‬والَّله‬
‫أعلم‪.‬‬
‫وقال تعالى‪ِ{ :‬فيِه َّن َقاِص َر اُت الَّطْر ِف َلْم َيْطِم ْثُه َّن ِإْنٌس َقْبَلُه ْم َو اَل َج اٌّن (‪َ )56‬فِبَأِّي آاَل ِء َر ِّبُك َم ا‬
‫ُتَك ِّذ َباِن (‪َ )57‬ك َأَّنُه َّن اْلَياُقوُت َو اْلَمْر َج اُن (‪[ .} )58‬الرحمن‪.]58 - 56 :‬‬
‫وصفهَّن سبحانه ِبِق َص ِر الطرف في ثالثة مواضع‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬هذا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر معجم تهذيب اللغة لألزهري (‪.)1574 /2‬‬
‫(‪ )2‬في (هـ)‪ ،‬ونسخة على حاشية "أ"‪( :‬أحسن)‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ )136 /25‬وسنده حسن‪.‬‬

‫(‪)1/478‬‬
‫والثاني‪ :‬قوله تعالى في الصافات‪َ{ :‬و ِع ْنَد ُه ْم َقاِص َر اُت الَّطْر ِف ِع يٌن (‪[ } )48‬آية‪.]48 :‬‬
‫والثالث‪ :‬قوله تعالى في ص‪َ{ :‬و ِع ْنَد ُه ْم َقاِص َر اُت الَّطْر ِف َأْتَر اٌب (‪[ } )52‬آية‪.]52 :‬‬
‫والمفسرون كلهم على أَّن المعنى‪َ :‬قَص ْر َن طرفهَّن على أزواجهَّن ‪ ،‬فال يطمحن إلى غيرهم‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫قصرن طرف أزواجهَّن عليهَّن ‪ ،‬فال يدعهم حسنهَّن وجمالهَّن أْن ينظروا إلى غيرهَّن ‪.‬‬
‫وهذا صحيح من جهة المعنى‪ ،‬وأَّما من جهة اللفِظ ‪ :‬فقاصرات‪ :‬صفة مضافة إلى الفاعل‪ ،‬كحسان‬
‫الوجوه (‪ ، )1‬وأصله‪ :‬قاصٌر طرفهَّن ‪ ،‬أي‪ :‬ليس بطامٍح متعٍّد‪.‬‬
‫قال آدم‪ :‬حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى‪َ{ :‬قاِص َر اُت الَّطْر ِف }‬
‫[الرحمن‪ ]56 :‬قال‪" :‬يقول‪ :‬قاصرات الطرف على أزواجهَّن ‪ ،‬فال يبغين غير أزواجهَّن " (‪. )2‬‬
‫قال آدم‪ :‬وحدثنا المبارك بن فضالة عن الحسن قال‪" :‬قصرن طرفهَّن على أزواجهَّن ‪ ،‬فال ُيِر ْد َن (‬
‫‪ )3‬غيرهم‪ ،‬والَّله ما هَّن متبِّر جات‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله "كحسان الوجوه" جاء في "أ‪ ،‬ج" "كحسان الوجه" وفي "ب‪ ،‬د" "لحسان الوجه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البيهقي في البعث رقم (‪ )385‬وسنده حسن‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "هـ"‪" :‬يرون"‪.‬‬

‫(‪)1/479‬‬

‫وال متطلعات" (‪. )1‬‬


‫وقال منصور عن مجاهد‪" :‬قصرن أبصارهَّن وقلوبهَّن وأنفسهَّن على أزواجهَّن ‪ ،‬فال يردن غيرهم"‬
‫(‪. )2‬‬
‫وفي "تفسير سعيد" عن قتادة قال‪" :‬قصرن طرفهَّن على أزواجهَّن ‪ ،‬فال يردن غيرهم" (‪. )3‬‬
‫وأَّما األتراب‪ :‬فجمع ِتْر ب (‪ : )4‬وهو ِلَد ة (‪ )5‬اإلنسان‪.‬‬
‫قال أبو عبيدة وأبو إسحاق‪" :‬أقران‪ ،‬أسنانهَّن واحدة" (‪ . )6‬قال ابن عباس رضي الَّله عنهما‬
‫وسائر المفسرين‪" :‬مستويات على سٍّن واحدٍة وميالٍد واحد‪ ،‬بنات ثالث وثالثين سنة" (‪. )7‬‬
‫وقال مجاهد‪" :‬أتراب‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه البيهقي في البعث رقم (‪ .)387‬وسنده حسن‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البيهقي في البعث رقم (‪ ،)388‬والطبري في تفسيره (‪ )159 /27‬وغيرهما‪ ،‬وسنده‬
‫صحيح‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ ،)150 /27‬والبيهقي في البعث رقم (‪.)392‬‬
‫وسنده صحيح‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬سقط هذا األثر من "أ"‪.‬‬
‫(‪ )4‬الِّتْر ُب ‪ :‬المماثل في السِّن ‪ ،‬المعجم الوسيط ص (‪.)103‬‬
‫(‪ )5‬الَّلَد ة‪َ :‬مْن ولد معك في وقٍت واحد‪ .‬المعجم الوسيط ص (‪.)858‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬مجاز القرآن (‪.)185 /2‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪.)388‬‬
‫عن ابن عباس‪ ،‬وبلفظ‪" :‬األتراب‪ :‬المستويات"‪ .‬وسنده ضعيف‪.‬‬
‫وانظر‪ :‬تفسير الطبري (‪ ،)175 /23‬ومعالم التنزيل للبغوي (‪ ،)98 /7‬وتفسير مقاتل (‪/3‬‬
‫‪.)122‬‬

‫(‪)1/480‬‬

‫أمثال" (‪ . )1‬قال أبو إسحاق‪" :‬أي‪ :‬هَّن في غاية الشباب والُح سن‪ ،‬وَس َّم ي سَّن اإلنسان وقرنه‬
‫ِتْر به؛ ألَّنه مَّس (‪ )2‬تراب األرض معه في وقٍت واحٍد (‪ ، )3‬والمعنى من اإلخبار باستواء‬
‫أسنانهَّن ‪ ،‬أَّنهَّن ليس فيهَّن عجائز قد فات حسنهَّن ‪ ،‬وال والئد ال ُيِط ْق َن الوَط ء بخالف الذكور‪،‬‬
‫فإَّن فيهم (‪ )4‬الولدان‪ :‬وهم الخدم‪.‬‬
‫وقد اختلف في تفسير (‪ )5‬الضمير في قوله‪ِ{ :‬فيِه َّن }‪:‬‬
‫فقالت طائفة‪ :‬تفسيره (‪ )6‬الجنتان‪ ،‬وما حوتاه من القصور والغرف والخيام‪.‬‬
‫وقالت طائفة‪ :‬تفسيره (‪ )7‬الفرش المذكورة في قوله‪ُ{ :‬مَّتِكِئيَن َعَلى ُفُر ٍش َبَطاِئُنَه ا ِم ْن ِإْسَتْبَر ٍق }‬
‫[الرحمن‪ ،]54 :‬و (في) بمعنى‪ :‬على‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪ِ{ :‬فيِه َّن َقاِص َر اُت الَّطْر ِف َلْم َيْطِم ْثُه َّن ِإْنٌس َقْبَلُه ْم َو اَل َج اٌّن (‪[ } )56‬الرحمن‪.]56 :‬‬
‫قال أبو عبيدة‪ :‬لم يمسهَّن ‪ .‬يقال‪ :‬ما طمث هذا البعير َحْبٌل قط‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ ،)175 /23‬والبيهقي في البعِث رقم (‪ ،)384‬وسنده حسن‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "أ‪ ،‬ج"‪" :‬سَّن "‪ ،‬وفي "د"‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )3‬سقط من "أ‪ ،‬ج"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في جميع النسخ "فيهَّن "‪.‬‬
‫(‪ )5‬في "ب‪ ،‬د"‪" :‬مفِّس ر"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في "ب‪ ،‬د"‪" :‬مفِّس ُر ُه"‪ ،‬وجاء في "هـ"‪" :‬تفسيره‪ :‬الجَّنات"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في "ب‪ ،‬د"‪" :‬مفِّس ُر ُه"‪.‬‬

‫(‪)1/481‬‬

‫أي ما مَّس ه (‪ ، )1‬وقال يونس‪ :‬تقول العرب (‪ : )2‬هذا جمل ما طمثه حبل قط‪ :‬أي ما مَّس ه (‪)3‬‬
‫"‪ ،‬وقال الفَّر اء‪" :‬الطمث‪ :‬االفتضاض‪ ،‬وهو النكاح بالَّتدمية‪ .‬والَّطمث‪ :‬هو الدم‪ .‬وفيه لغتان‪:‬‬
‫َطِم َث َيْطُم ُث وَيْطَم ُث " (‪ . )4‬قال الليث‪" :‬طمثت الجارية‪ :‬إذا افترعتها (‪ ، )5‬والطامث في‬
‫لغتهم‪ :‬هي الحائض" (‪ . )6‬قال أبو الهيثم‪" :‬يقال للمرأة‪ُ :‬طِم َثت ُتْطَم ث‪ ،‬إذا ُأْد ِم َيت باالفتضاض‪،‬‬
‫وَطِم َثت على َفِعَلْت َتْطَم ث إذا حاضت أَّو ل ما تحيض‪ ،‬فهي طامث‪ ،‬وقال في قول الفرزدق‪:‬‬
‫خرجن إلَّي لم ُيطمْثَن قبلي ‪ ...‬وهن أَص ُّح من َبْيِض الَّنعام (‪)7‬‬
‫أي‪ :‬لم ُيْم َسْسَن ‪.‬‬
‫قال المفسرون‪ :‬لم يطأهَّن ‪ ،‬ولم يغشهَّن ‪ ،‬ولم يجامعهَّن ‪ .‬هذه ألفاظهم‪ ،‬وهم مختلفون في هؤالء‪:‬‬
‫فبعضهم يقول‪ :‬هَّن اللواتي ُأنِش ْئن في الجَّنة من حورها‪ ،‬وبعضهم يقول‪ :‬يعني نساء (‪ )8‬الدنيا‪،‬‬
‫ُأْنِش ئَن خلًق ا آخر أبكاًر ا كما وصفهَّن ‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬مجاز القرآن (‪ ،)246 - 245 /2‬وفيه‪" :‬ما مَّس ُه َحَبٌل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬من "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬لسان العرب (‪.)166 /2‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬معاني القرآن للفَّر اء (‪ )119 /3‬بمعناه‪ ،‬وتفسير غريب القرآن البن قتيبة ص (‪،)442‬‬
‫ولسان العرب (‪.)166 /2‬‬
‫(‪ )5‬في "ج"‪" :‬أفزعتها" وهو خطأ‪ ،‬ووقع في "هـ" "طمث الجارية‪ :‬إذا افترعها"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬العين للخليل ص (‪.)576‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬لسان العرب (‪ ،)166 /2‬وفيه‪" :‬وقْع َن " بدل "خرجَن "‪.‬‬
‫(‪ )8‬في نسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬نساًء من نساِء "‪.‬‬

‫(‪)1/482‬‬

‫قال الشعبي‪" :‬نساء من نساء الدنيا‪ ،‬لم ُيْمَسْس ن منذ أنشئن خلًق ا" (‪ . )1‬وقال مقاتل‪" :‬ألنهَّن‬
‫خلقن في الجَّنة" (‪ . )2‬قال عطاء عن ابن عباس‪" :‬هَّن اآلدميات اَّلالتي ُمْتَن أبكاًر ا" (‪ . )3‬وقال‬
‫الكلبي‪" :‬لم يجامعهَّن في هذا الخلق الذي ُأْنِش ْئَن فيه إنٌس وال جاٌّن" (‪. )4‬‬
‫قلُت ‪ :‬ظاهر القرآن أَّن هؤالء الِّنسوة لسن من نساء الدنيا‪ ،‬وإَّنما هَّن من الُحْو ر العين‪ ،‬أَّما نساء‬
‫الدنيا فقد َطِم َثهَّن اإلنس‪ ،‬ونساء الجن قد َطِم ثهَّن الجن‪ ،‬واآلية تدل على ذلك‪.‬‬
‫قال أبو إسحاق‪" :‬وفي هذه اآلية دليٌل على أَّن الِج ِّنَّي َيْغَش ى‪ ،‬كما أَّن اإلْنِس َّي َيْغَش ى" (‪. )5‬‬
‫ويدل على أَّنهَّن الحور اَّلالتي خلقَن في الجَّنة‪:‬‬
‫‪ -‬أَّنه سبحانه جعلهَّن مَّم ا أعَّد ُه الَّلُه في الجَّنة ألهلها من الفواكه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ذكره البغوي في تفسيره معالم التنزيل (‪ ،)454 /7‬والواحدي في الوسيط (‪.)227 /4‬‬
‫وأخرجه البيهقي في البعث رقم (‪ )378‬بلفظ "ُه َّن من نساء أهل الدنيا خلقهَّن الَّلُه في الخلق‬
‫اآلخر"‪ .‬وسنده صحيح‪.‬‬
‫* وأخرجه هناد في الزهد رقم (‪ ،)22‬قال‪" :‬منذ ُأنشئن"‪ .‬وفيه رجل لم يسَّم ‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر تفسيره (‪.)309 /3‬‬
‫(‪ )3‬لم أقف عليه‪.‬‬
‫(‪ )4‬ذكره الواحدي في الوسيط (‪.)227 /4‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬زاد المسير البن الجوزي (‪.)122 /8‬‬

‫(‪)1/483‬‬
‫والثمار واألنهار والمالبس وغيرها‪.‬‬
‫‪ -‬ويدُّل عليه أيًض ا اآلية التي بعدها‪ ،‬وهي قوله تعالى‪ُ{ :‬ح وٌر َمْق ُصوَر اٌت ِفي اْلِخ َياِم (‪} )72‬‬
‫[الرحمن‪ ]72 :‬ثَّم قال‪َ{ :‬لْم َيْطِم ْثُه َّن ِإْنٌس َقْبَلُه ْم َو اَل َج اٌّن} [الرحمن‪.]56 :‬‬
‫قال اإلمام أحمد‪" :‬والحور العين ال يمْتن عند النفخة في الصور؛ ألَّنهَّن خلقن للبقاء" (‪. )1‬‬
‫وفي اآلية دليل لما ذهب إليه الجمهور‪ ،‬أَّن مؤمني الجِّن في الجَّنة‪ ،‬كما أَّن كافرهم في الَّناِر ‪.‬‬
‫وبَّو ب عليه البخاري في "صحيحه" فقال‪" :‬باُب ثواِب الجن وعقابهم" (‪. )2‬‬
‫ونَّص عليه غير واحٍد من الَّس لف‪:‬‬
‫قال َض ْم رة بن حبيب‪ ،‬وقد سئل‪ :‬هل للجن ثواب؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬وقرأ هذه اآلية ثَّم قال‪" :‬اإلنسيات‬
‫لإلنس‪ ،‬والجِّنيات للجَّن " (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ذكره حرب الكرماني في مسائله ص (‪ )358‬بنحوه‪ ،‬وسيأتي بتمامه في آخر الكتاب ص (‬
‫‪.)834‬‬
‫(‪ )2‬في (‪ )64‬كتاب بدء الخلق‪ ،‬باب‪ )1200 /3( ،12 :‬ط بغا‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ ،)151 /27‬وأبو الشيخ في العظمة رقم (‪ ،)1151‬وابن أبي‬
‫حاتم‪ ،‬وابن المنذر‪ ،‬والمنذر بن سعيد البلوطي في تفاسيرهم كما في آكام المرجان للشبلي ص (‬
‫‪ ،)58‬والدر المنثور (‪.)205 /6‬‬
‫من طريِق مبِّش ر بن إسماعيل وشريح بن يزيد الحضرمي كالهما عن أرطأه ابن المنذر عن ضمرة‬
‫بن حبيب فذكره‪.‬‬
‫وسنده صحيح‪.‬‬

‫(‪)1/484‬‬

‫وقال مجاهد في هذه اآلية‪" :‬إذا جامع الرجل‪ ،‬ولم يسِّم انطوى الجاُّن على إحليله فجامع معه" (‬
‫‪. )1‬‬
‫والضميُر في قوله {َقْبَلُه ْم } للمعِنَّيين بقوله‪ُ{ :‬مَّتِكِئيَن }‪ ،‬وهم‪ :‬أزواج هؤالء النسوة‪.‬‬
‫وقوله‪َ{ :‬ك َأَّنُه َّن اْلَياُقوُت َو اْلَمْر َج اُن (‪[ } )58‬الرحمن‪.]58 :‬‬
‫قال الحسُن وعاَّم ة المفسرين‪ :‬أراد صفاء الياقوت في بياض المرجان‪ ،‬شَّبههن في صفاء اَّللون‬
‫وبياضه بالياقوت والمرجان" (‪. )2‬‬
‫يدُّل عليه ما قالُه عبد الَّله‪" :‬إَّن المرأة من نساء أهل الجَّنة لتلبس عليها سبعين ُح َّلة من حرير‪،‬‬
‫فُيَر ى بياُض ساقيها من ورائهَّن ‪ ،‬ذلك بأَّنه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ )151 /27‬والحكيم الترمذي في نوادر األصول (‪ 104‬ق‪/‬‬
‫ب)‪.‬‬
‫من طريق سهل بن عامر البجلي عن يحيى بن يعلى األسلمي عن عثمان ابن األسود عن مجاهد‬
‫فذكره‪.‬‬
‫وسنده ضعيف جًّدا‪ ،‬فيه سهل بن عامر قال أبو حاتم‪" :‬ضعيف الحديث روى أحاديث بواطيل‪. .‬‬
‫وكان يفتعل الحديث"‪ .‬وقال البخاري‪" :‬منكر الحديث"‪ ،‬ويحيى األسلمي أيًض ا‪ :‬ضعيف‬
‫الحديث‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الجرح والتعديل (‪ ،)202 /4‬وتهذيب الكمال (‪ ،)252 /32‬ولسان الميزان (‪.)137 /3‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)322‬والطبري في تفسيره (‪ )152 /27‬عن‬
‫الحسِن قال‪" :‬صفاء الياقوت في بياض المرجان"‪.‬‬
‫وسنده صحيح‪.‬‬

‫(‪)1/485‬‬

‫تعالى (‪ )1‬يقول‪َ{ :‬ك َأَّنُه َّن اْلَياُقوُت َو اْلَمْر َج اُن (‪ })58‬أال وإَّن الياقوت حجر‪ ،‬لو جعلت فيه‬
‫ِس ْلًك ا‪ ،‬ثَّم استصفيته نظرَت إلى الِّس ْلك من وراء الحجر" (‪.)2‬‬

‫فصل‬
‫وقال تعالى في وصفهَّن ‪ُ{ :‬ح وٌر َمْق ُصوَر اٌت ِفي اْلِخ َياِم } [الرحمن‪ .]72 :‬المقصورات‪:‬‬
‫المحبوسات‪ .‬قال أبو عبيدة‪ُ" :‬خ ِّد ْر َن في الخيام" (‪ ،)3‬وكذلك قال مقاتل‪" :‬محبوسات في‬
‫الخيام" (‪.)4‬‬
‫وفيه معنى آخر‪ :‬وهو أن يكون المراد‪ :‬أنهن محبوسات على أزواجهن‪ ،‬ال يردن غيرهم‪ ،‬وهم في‬
‫الخيام‪.‬‬
‫وهذا معنى قول من قال‪ُ :‬قِص ْر ن على أزواجهن فال يردن غيرهم‪ ،‬وال يطمحن إلى من سواهم‪،‬‬
‫ذكره الفراء (‪.)5‬‬
‫قلُت ‪ :‬وهذا معنى {َقاِص َر اُت الَّطْر ِف } [الصافات‪ ]48 :‬لكن أولئك قاصرات بأنفسهن‪ ،‬وهؤالء‬
‫مقصورات‪ ،‬وقوله تعالى‪ِ{ :‬في اْلِخ َياِم (‪ })72‬على هذا القول‪ :‬صفة لحور‪ ،‬أي‪ :‬هن في الخيام‪،‬‬
‫وليس معمواًل لمقصروات‪ ،‬وكأَّن أرباب هذا القول فُّر وا من أن يُك َّن (‪)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬بأَّن الَّلَه" بدل "بأَّنه تعالى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تقدم الكالم عليه ص (‪.)431‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬مجاز القرآن (‪ ،)246 /2‬والوسيط للواحدي (‪.)229 /4‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬تفسير مقاتل (‪.)310 /3‬‬
‫(‪ )5‬في معاني القرآن (‪.)120 /3‬‬
‫(‪ )6‬قوله "فُّر وا من أن يكن" وقع في "ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ" "فَّس روا من أْن يكون" وفي "ب" =‬

‫(‪)1/486‬‬

‫محبوسات في الخيام‪ ،‬ال ُتفاِر ْقنها إلى الغرف والبساتين‪.‬‬


‫وأصحاب القول األَّو ل يجيبون عن هذا‪ :‬بأَّن الَّله سبحانه وصفهَّن بصفات النساء المخَّدرات‬
‫المصونات‪ ،‬وذلك أكمُل في الوصف‪ ،‬وال يلزُم من ذلك أَّنهَّن ال يفارقن الخيام إلى الغرف‬
‫والبساتين‪ ،‬كما أَّن نساء الملوك وذويهم من النساء المخَّدرات المصونات‪ ،‬ال يمتنع أْن يخرجن‬
‫في َس َف ٍر وغيره إلى ُمَتَنَّز ٍه (‪ )1‬وبستاٍن ونحوه‪ ،‬فَو ْص ُفهَّن اَّلالزم لهَّن ‪ :‬القصُر في البيت‪ ،‬ويعرض‬
‫لهَّن مع الخدم الخروج إلى البساتين ونحوها‪ .‬وأَّما مجاهد فقال‪" :‬مقصورات قلوبهَّن على‬
‫أزواجهَّن في خيام اللؤلؤ" (‪ . )2‬وقد تقدم وصف النسوة اُألَو ل (‪ ، )3‬بكونهَّن قاصرات (‪)4‬‬
‫الطرف‪ ،‬وهؤالء بكونهَّن مقصورات‪ ،‬والوصفان لكال (‪ )5‬النوعين‪ ،‬فإَّنهما صفتا كماٍل ‪ ،‬فتلك‬
‫الصفة‪َ :‬قْص ُر الطرف عن طموحه إلى غير األزواج‪ ،‬وهذا الصفة قصر الِّر ْج ل عن التبرج والبروز‬
‫والظهور للرجال‪.‬‬
‫__________‬
‫= "فروا من أْن يكون"‪.‬‬
‫(‪ )1‬في (ج‪ ،‬هـ)‪ُ" :‬مْنَتَز ٍه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه هَّناد في الزهِد رقم (‪ )16‬وسنده حسن‪.‬‬
‫وانظر ما تقدم ص (‪.)479‬‬
‫(‪ )3‬في "أ‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬اُألولى"‪ ،‬وراجع (ص‪.)480 - 479 /‬‬
‫(‪ )4‬في "د"‪" :‬مقصرات"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في "د" "لكل"‪.‬‬

‫(‪)1/487‬‬

‫فصل‬
‫قال تعالى‪ِ{ :‬فيِه َّن َخ ْيَر اٌت ِح َس اٌن (‪[ })70‬الرحمن‪.]70 :‬‬
‫فالخيرات جمع َخ ْيَر ٍة‪ ،‬وهي ُمَخ َّف فة من خِّيرة‪َ ،‬ك َس ِّيدة وَلِّينة‪ .‬وحسان‪ :‬جمع حسنة‪ ،‬فهن خيرات‬
‫الصفات واألخالق والشيم‪ ،‬حسان الوجوه‪.‬‬
‫قال وكيع‪ :‬حدثنا سفيان عن جابر‪ ،‬عن القاسم بن أبي َبَّز ة‪ ،‬عن أبي عبيدة‪ ،‬عن مسروق‪ ،‬عن عبد‬
‫الَّله قال‪" :‬لكل مسلم خيرة‪ ،‬ولكل خيرة خيمة‪ ،‬ولكل خيمة أربعة أبوب‪ ،‬يدخل عليها كل يوم‬
‫من كل باب تحفة وهدية وكرامة لم تكن قبل ذلك‪ ،‬ال َمِر حات (‪ )1‬وال ذفرات وال َبِخ َر ات (‪)2‬‬
‫وال طماحات" (‪.)3‬‬
‫فصل‬
‫وقال تعالى‪ِ{ :‬إَّنا َأْنَش ْأَناُه َّن ِإْنَش اًء (‪َ )35‬فَجَعْلَناُه َّن َأْبَك اًر ا (‪ُ )36‬ع ًبا َأْت اًبا (‪َ )37‬أِلْص َح اِب‬
‫ُر َر‬
‫اْلَيِم يِن (‪[ })38‬الواقعة‪ /102[ .]38 - 35 :‬أ]‬
‫أعاد الضمير إلى النساء‪ ،‬ولم َيْج ِر لهَّن ذكر؛ ألن الفرش دلت عليهن‪ ،‬إذ هي محلهن‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬الفرش‪ ،‬في قوله‪َ{ :‬و ُفُر ٍش َمْر ُفوَعٍة (‪[ })34‬الواقعة‪ :]34 :‬كناية‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ج"‪َ" :‬تِرَح ات" وفي "د"‪" :‬مرجات"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ج"‪" :‬بخرات"‪ ،‬وفي "هـ"‪" :‬سخرات وال لماحات"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تقَّدم الكالم عليه باب "‪ "51‬ص (‪.)455‬‬

‫(‪)1/488‬‬
‫عن النساء‪ ،‬كما يكنى عنهن بالقوارير واألزر وغيرها‪.‬‬
‫ولكن قوله‪َ{ :‬مْر ُفوَعٍة (‪ :} )34‬يأبى هذا إال أن يقال‪ :‬المراد ِر ْفعة القدر‪ .‬وقد تقدم تفسير الَّنبي‬
‫‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬للفرش وارتفاعها (‪. )1‬‬
‫فالصواب أنها الفرش نفسها‪ ،‬ودلت على النساء‪ :‬ألنها محَّلهَّن غالًبا‪.‬‬
‫قال قتادة وسعيد بن جبير‪" :‬خلقناهن خلًق ا جديًد ا" (‪ ، )2‬وقال ابن عباس ‪-‬رضي الَّله عنهما‪:-‬‬
‫"يريد نساء اآلدميات" (‪ )3‬وقال الكلبي ومقاتل‪" :‬يعني نساء أهل الدنيا العجز الشمط" يقول‬
‫تعالى‪ :‬خلقناهن بعد الكبر والهرم‪ ،‬بعد الخلق األَّو ل (‪ )4‬في الدنيا" (‪. )5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ص (‪.)442 - 441‬‬
‫(‪ )2‬أثر قتادة أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (‪ )219 /2‬رقم (‪ ،)3132‬والطبري في تفسيره (‬
‫‪ .)185 /27‬بلفظ "خلقناهن خلًق ا"‪ .‬وسنده صحيح‪.‬‬
‫ولم أقف على أثر سعيد بن جبير‪.‬‬
‫(‪ )3‬ذكره البغوي في معالم التنزيل (‪.)3 /8‬‬
‫وقد ورَد بلفٍظ آخر‪ :‬أخرجه الطبري (‪ )186 /27‬عن ابن عباس‪ُ" :‬ه َّن من بني آدم‪ ،‬نساء كَّن‬
‫في الدنيا ينشئهَّن الَّله أبكاًر ا عذارى عرًبا"‪.‬‬
‫وسنده ضعيف‪ ،‬فيه محمد بن حفص الوصابي الحمصي‪ :‬قال ابن منده‪" :‬ضعيف"‪ ،‬وقال أبو حاتم‬
‫الَّر ازي‪ . . ." :‬قال لي بعض أهل حمص ليس بصدوق‪ ،‬ولم يدرك محمد بن حمير فتركته‪." . . .‬‬
‫وهذا الحديث من رواية محمد بن حفص عن محمد بن حمير‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الجرح والتعديل (‪ ،)237 /7‬ولسان الميزان (‪.)150 /5‬‬
‫(‪ )4‬سقط من "هـ"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬تفسير مقاتل (‪.)314 /3‬‬

‫(‪)1/489‬‬

‫ويؤيد هذا التفسير حديث أنس المرفوع‪" :‬هن عجائزكم الُعْم ش الرمص" (‪ )1‬رواه الثوري‪ ،‬عن‬
‫موسى بن عبيدة‪ ،‬عن يزيد الرقاشي عنه‪.‬‬
‫ويؤيده ما رواه يحيى الحماني‪ ،‬حدثنا ابن إدريس‪ ،‬عن ليث‪ ،‬عن مجاهد‪ ،‬عن عائشة رضي الَّله‬
‫عنها‪" :‬أن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬دخل عليها وعندها عجوز‪ ،‬فقال من هذه؟‬
‫فقالت‪ :‬إحدى خاالتي‪ ،‬قال‪ :‬أما إنه ال يدخل الجنة العجز‪ ،‬فدخل العجوز من ذلك ما شاء الَّله‪،‬‬
‫فقال الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ِ{ :-‬إَّنا َأْنَش ْأَناُه َّن ِإْنَش اًء (‪[ } )35‬الواقعة‪" ]35 :‬خلًق ا آخر‪،‬‬
‫يحشرون يوم القيامة ُح فاًة ُعراًة ُغْر اًل ‪ ،‬وأول من ُيْك َس ى إبراهيم خليل الرحمن"‪ ،‬ثم قرأ الَّنبي ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪ِ{ :-‬إَّنا َأْنَش ْأَناُه َّن ِإْنَش اًء (‪[ } )35‬الواقعة‪. )2( ]35 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الترمذي رقم (‪ ،)3296‬وابن أبي الدنيا رقم (‪ ،)287‬وهناد في الزهد (‪،)21‬‬
‫والطبري في تفسيره (‪ ،)186 - 185 /27‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)390‬والبغوي في‬
‫تفسيره (‪ )14 /8‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق الثوري ووكيع ومروان بن معاوية ومحمد بن ربيعة وغيرهم كلهم عن موسى بن عبيدة‬
‫به نحوه‪.‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬هذا حديث غريب ال نعرفه مرفوًعا إاَّل من حديث موسى بن عبيدة‪ ،‬وموسى بن‬
‫عبيدة ويزيد بن أبان الَّر قاشي‪ُ :‬يَض َّعفان في الحديث"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البيهقي في البعِث رقم (‪ )379‬من طريق يحيى الحماني به‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه معتمر بن سليمان عن ليث بن أبي سليم به نحوه‪.‬‬
‫وفيه "إَّن الَّلَه ينبت بهَّن خلًق ا غير خلقهَّن "‪.‬‬
‫أخرجه أبو نعيم في أخبار أصبهان (‪.)142 /2‬‬
‫‪ -‬ورواُه الحسن بن صالح بن حي عن ليث عن مجاهد قال‪" :‬دخَل الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪ -‬فذكره مرساًل نحو لفظ معتمر"‪.‬‬
‫أخرجه أبو الشيخ في أخالق الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬رقم (‪.)186‬‬
‫وهذا االضطراب من ليث بن أبي ُس ليم‪ ،‬فإَّنه اختلط‪ ،‬وكان يرفع أشياء =‬

‫(‪)1/490‬‬

‫قال آدم بن أبي إياس‪ :‬حدثنا شيبان‪ ،‬عن جابر الجعفي‪ ،‬عن يزيد ابن مرة‪ ،‬عن سلمة بن يزيد قال‪:‬‬
‫سمعت رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬يقول في قوله‪ِ{ :‬إَّنا َأْنَش ْأَناُه َّن ِإْنَش اًء (‪} )35‬‬
‫[الواقعة‪ ]35 :‬قال‪" :‬يعني الَّثيب واألبكار اَّلالتي ُكَّن في الدنيا" (‪. )1‬‬
‫قال آدم‪ :‬وحدثنا المبارك بن فضالة‪ ،‬عن الحسن قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪:-‬‬
‫"ال يدخل الجنة العجز"‪ .‬فبكت عجوز‪ ،‬فقال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬أخبروها أنها‬
‫ليست يومئذ بعجوز‪ ،‬إنها يومئذ شاَّبة‪ ،‬إَّن الَّلَه عَّز وجل يقول‪ِ{ :‬إَّنا َأْنَش ْأَناُه َّن ِإْنَش اًء (‪} )35‬‬
‫[الواقعة‪. )2( ]35 :‬‬
‫وقال ابن أبي شيبة‪ :‬حدثنا أحمد بن طارق‪ ،‬حدثنا مسعدة بن اليسع‪ ،‬حدثنا سعيد بن أبي عروبة‪،‬‬
‫عن قتادة‪ ،‬عن سعيد بن المسيب‪،‬‬
‫__________‬
‫= ال يرفعها غيره‪ ،‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪ ،)287 /24‬ولعَّل هذا الحديث منها‪ ،‬فإَّن الحديث‬
‫المعروف فيه اإلرسال كما سيأتي بيانه‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني في الكبير رقم (‪ ،)6322‬وابن أبي حاتم في تفسيره كما عند ابن كثير في‬
‫تفسيره (‪ ،)312 /4‬وابن قانع في معجمه رقم (‪.)566‬‬
‫ورواُه الطيالسي ومعاوية بن هشام كالهما عن شيبان به نحوه‪.‬‬
‫أخرجه الطيالسي في مسنده رقم (‪ )1403‬والطبري في تفسيره (‪ )185 /27‬وغيرهما‪.‬‬
‫والحديث مدارُه على جابر بن يزيد الجعفي‪ ،‬وهو ضعيف‪ ،‬وقد اتهم‪.‬‬
‫والحديث ضعفه الهيثمي والبوصيري‪ .‬انظر‪ :‬مجمع الزوائد (‪.)119 /7‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البيهقي في البعث رقم (‪ )382‬من طريق آدم به‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه مصعب بن المقدام عن المبارك به نحوه‪.‬‬
‫أخرجه الترمذي في الشمائل رقم (‪ )241‬وغيره‪.‬‬
‫والحديث مرسل‪.‬‬

‫(‪)1/491‬‬

‫عن عائشة رضي الَّله عنها‪" :‬أن نبي الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬أتته عجوز من األنصار فقالت‪:‬‬
‫يا رسول الَّله ادع الَّله أن يدخلني الجنة‪ ،‬فقال نبي الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إن الجنة ال‬
‫يدخلها عجوز" فذهب نبي الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬فصلى ثم رجع إلى عائشة فقالت‬
‫عائشة‪ :‬لقد َلِق َيْت من كلمتك مشقة وِش َّدة‪ ،‬فقال نبي الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إن ذاك‬
‫كذاك‪ ،‬إن الَّله تعالى إذا أدخلهن الجنة حولهن أبكاًر ا" (‪. )1‬‬
‫وذكر مقاتل قواًل آخر ‪-‬وهو اختيار الزجاج‪ -‬أنهن الحور العين التي ذكرهن‪.‬‬
‫"قيل‪ :‬أنشأهن الَّله عز وجل ألوليائه لم يقع عليهن والدة (‪. )2‬‬
‫والظاهر أن المراد به أنشأهن الَّله تعالى في الجنة إنشاء‪ ،‬ويدل عليه وجوه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أنه قد قال في حِّق الَّس ابقين‪َ{ :‬يُطوُف َعَلْيِه ْم ِو ْلَد اٌن ُمَخ َّلُد وَن (‪ِ )17‬بَأْك َو اٍب َو َأَباِر يَق‬
‫َو َك ْأٍس ِم ْن َمِعيٍن (‪ )18‬اَل ُيَص َّد ُعوَن َعْنَه ا َو اَل ُيْنِز ُفوَن (‪َ )19‬و َفاِكَه ٍة ِم َّم ا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني في األوسط (‪ )154 /4‬رقم (‪ ،)5545‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة (‪.)391‬‬
‫‪ -‬وقد ُخ ولف مسعدة بن اليسع‪ ،‬خالفه َعْبَد ة‪.‬‬
‫فرواُه عبدة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب‪ ،‬قال‪ :‬قلُت له‪ :‬أكان رسول‬
‫الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬يمازح؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬أتته عجوز من األنصار فذكر مثله‪.‬‬
‫أخرجه هَّناد في الزهِد رقم (‪.)24‬‬
‫وهذا هو الصواب مرسل‪ ،‬وحديث مسعدة ضعيف جًّدا‪ ،‬ولعَّل هذا المرسل مع مرسل الحسن‬
‫يشُّد بعضهما بعًض ا‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬تفسير مقاتل (‪ ،)314 /3‬ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج (‪.)112 /5‬‬

‫(‪)1/492‬‬

‫َيَتَخ َّيُر وَن (‪َ )20‬و َلْح ِم َطْيٍر ِم َّم ا َيْش َتُه وَن (‪َ )21‬و ُح وٌر ِع يٌن (‪َ )22‬ك َأْم َثاِل الُّلْؤ ُلِؤ اْلَم ْك ُنوِن (‪} )23‬‬
‫[الواقعة‪.]23 - 17 :‬‬
‫فذكر ُسُرَر هم وآنيتهم وشرابهم وفاكهتهم وطعامهم وأزواجهم من الحور العين‪ ،‬ثَّم ذكر أصحاب‬
‫الميمنة وطعامهم وشرابهم وفرشهم ونساءهم‪ ،‬فالظاهر‪ :‬أَّنهَّن مثُل نساِء َمْن قبلهم ُخ ِلقَن في‬
‫الجَّنة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أَّنه سبحانه قال‪ِ{ :‬إَّنا َأْنَش ْأَناُه َّن ِإْنَش اًء (‪[ } )35‬الواقعة‪.]35 :‬‬
‫وهذا ظاهٌر أَّنه إنشاء أَّو ل ال ثاٍن ؛ ألَّنه سبحانه حيث يريد اإلنشاء الثاني ُيقِّيده بذلك‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫{َو َأَّن َعَلْيِه الَّنْش َأَة اُأْلْخ َر ى (‪[ } )47‬النجم‪ ،]47 :‬وقوله‪َ{ :‬و َلَق ْد َعِلْم ُتُم الَّنْش َأَة اُأْلوَلى}‬
‫[الواقعة‪.]62 :‬‬
‫الثالث‪ :‬أَّن الخطاب بقوله تعالى‪َ{ :‬و ُك ْنُتْم َأْز َو اًج ا َثاَل َثًة (‪[ } )7‬الواقعة‪ ،]7 :‬إلى آخره للذكور‬
‫واإلناث‪ ،‬والنشأة الثانية عاَّمة أيًض ا للنوعين‪ ،‬وقوله تعالى‪ِ{ :‬إَّنا َأْنَش ْأَناُه َّن ِإْنَش اًء (‪[ } )35‬الواقعة‪:‬‬
‫‪ ،]35‬ظاهره اختصاصهَّن بهذا اإلنشاء‪ ،‬وتأَّمل تأكيده بالمصدر‪ ،‬والحديث ال يدُّل على اختصاص‬
‫العجائز المذكورات بهذا الوصف‪ ،‬بل يدُّل على مشاركتهَّن للحور العين في هذه الصفات‬
‫المذكورة‪ ،‬فال يتوهم انفراد الحور العين عنهَّن مَّم ا (‪ُ )1‬ذِكَر من الصفات‪ ،‬بل ُه َّن أحُّق بها منهَّن ‪،‬‬
‫فاإلنشاُء واقٌع على الِّص نفين‪ ،‬والَّلُه أعلُم‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪ُ{ :‬عُر ًبا} جمع َعُر وب‪ :‬وهَّن المتحِّببات إلى‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬د"‪" :‬بما"‪ ،‬وفي "هـ"‪" :‬ما"‪.‬‬

‫(‪)1/493‬‬

‫أزواجهَّن ‪.‬‬
‫قال ابن األعرابي‪" :‬الَعُر وب من النساء‪ :‬المطيعة لزوجها المتحِّبَبة إليه" (‪ . )1‬وقال أبو عبيدة‬
‫"العروب‪ :‬الحسنة التبُّعل" (‪. )2‬‬
‫قلُت ‪ :‬يريد حسن مواقعتها‪ ،‬ومالطفتها لزوجها عند الجماع‪.‬‬
‫وقال المبِّر د‪" :‬هي العاشقة لزوجها" (‪ )3‬وأنشد ِلَلبْيد‪:‬‬
‫وفي الُح دوِج َعُر وب غير فاحشٍة ‪ ...‬رّيا الَّر واِدِف َيْع شى ُدوَنها الَبَص ُر (‪)4‬‬
‫وذكر المفسرون في تفسير ال ب‪ :‬أَّنهن العواشق المتحببات الَغِن ات الَّش ِكالت المتعشقاِت‬
‫َج‬ ‫ُعُر‬
‫الَغِلَم اُت الَم ْغُنوجاُت ‪ ،‬كُّل ذلك من ألفاظهم (‪. )5‬‬
‫وقال البخاري في "صحيحه"‪ُ" :‬عرًبا‪ :‬مثَّق لة واحدها َعُر وب‪ ،‬مثل َصُبور وُصُبر‪ ،‬يسِّم يها أهل مكة‪:‬‬
‫الَعِر َبة‪ ،‬وأهل المدينة‪[ :‬الَغِنَج ة‪ ،‬وأهل العراق] (‪ : )6‬الَّش ِكلة‪ ،‬والُعُر ب‪ :‬المتحِّببات إلى‬
‫أزواجهَّن "‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬معجم تهذيب اللغة لألزهري (‪ ،)2380 /3‬ولسان العرب (‪.)591 /1‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬مجاز القرآن (‪.)251 /2‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬الكامل للمبرد (‪ ،)868 /2‬وزاد المسير (‪ ،)143 - 142 /8‬والزهد لهَّناد رقم (‬
‫‪.)34 - 30‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ديوانه ص (‪.)61‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬تفسير الطبري (‪ ،)188 - 186 /27‬وتفسير القرطبي (‪ ،)211 /17‬وتفسير البغوي‬
‫(‪ ،)15 /8‬وزاد المسير (‪ ،)143 - 142 /8‬والزهُد لهَّناد رقم (‪.)34 - 30‬‬
‫(‪ )6‬ما بين المعكوفتين من "هـ" والبخاري‪.‬‬

‫(‪)1/494‬‬

‫هكذا ذكره في كتاب‪" :‬بدء الخلق" (‪ ،)1‬وقال في كتاب "التفسير" في سورة الواقعة (‪:)2‬‬
‫"ُعُر ًبا مثقلة واحدها َعروب مثل َص بور وُصُبر تسميها أهل مكة‪ :‬الَعِر َبة‪ ،‬وأهل المدينة‪ :‬الَغِنجة‪،‬‬
‫وأهل العراق‪ :‬الَّش ِكَلة"‪.‬‬
‫قلُت ‪ :‬فجمع سبحانه وتعالى بين ُحْس ن صورتها وحسن عشرتها‪ ،‬وهذا غاية ما يطلب من النساء‪،‬‬
‫وبه تكمل لَّذ ة الَّر جِل ِبِه َّن ‪ ،‬وفي قوله تعالى‪َ{ :‬لْم َيْطِم ْثُه َّن ِإْنٌس َقْبَلُه ْم َو اَل َج اٌّن (‪[ })56‬الرحمن‪:‬‬
‫‪ ]56‬إعالم بكمال اَّللذة بهَّن ‪ ،‬فإَّن لَّذ ة الرجِل بالمرأِة التي لم يطأها سواُه‪ ،‬لها فضل على لَّذ ته‬
‫بغيرها‪ ،‬وكذلك هي أيًض ا‪.‬‬

‫فصل‬
‫وقال تعالى‪ِ{ :‬إَّن ِلْلُم َّتِق يَن َمَف اًز ا (‪َ )31‬ح َد اِئَق َو َأْعَناًبا (‪َ )32‬و َك َو اِع َب َأْتَر اًبا (‪[ })33‬النبأ‪- 31 :‬‬
‫‪.]33‬‬
‫فالكواعب‪ :‬جمع كاعب‪ ،‬وهي‪ :‬الَّناهد‪ .‬قاله‪ :‬قتادة ومجاهد والمفسرون (‪ .)3‬قال الكلبي‪" :‬هَّن‬
‫الُم فَّلكات اللواتي تكعبت ثديهَّن وتفَّلكت" (‪ .)4‬وأصل اللفظة من االستدارة‪ ،‬والمراد أَّن ثديهَّن‬
‫نواهد‬
‫__________‬
‫(‪ )8( ،)63( )1‬باب‪ :‬ما جاء في صفة الجَّنة وأَّنها مخلوقة (‪.)1184 /3‬‬
‫(‪.)1850 /4( )2‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الطبري (‪ )18 /30‬عن قتادة‪.‬‬
‫وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (‪ )3 /2‬رقم (‪ )5788‬عن مجاهد‪.‬‬
‫وانظر‪ :‬تفسير الطبري (‪ ،)18 /30‬والوسيط للواحدي (‪ ،)415 /4‬وتفسير البغوي (‪،)316 /8‬‬
‫والقرطبي (‪.)183 /19‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬تفسير السمرقندي (‪ ،)440 /3‬ولسان العرب (‪.)719 /1‬‬

‫(‪)1/495‬‬

‫كالَّر مان ليست متدلَّية إلى أسفل‪ ،‬وُيَس َّم ْين نواهد وكواعب (‪.)1‬‬

‫فصل‬
‫روى البخاري في "صحيحه" (‪ )2‬عن أنس بن مالك ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬أَّن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله‬
‫عليه وسلم‪ -‬قال‪َ" :‬لَغْد وٌة في سبيل الَّلِه أو َر وحٌة خيٌر من الدنيا وما فيها‪ ،‬وَلَق اُب قوِس أحدكم‬
‫أو موضع ِقْيِدِه ‪-‬يعني‪ :‬سوطِه‪ -‬من الجَّنة خيٌر من الدنيا وما فيها‪ ،‬ولو اَّطلعت امرأٌة من نساء أهل‬
‫الجَّنة إلى األرِض لمألت ما بينهما ريًح ا‪ ،‬وألضاءْت ما بينها‪ ،‬ولنصيفها على رأسها خيٌر من الدنيا‬
‫وما فيها"‪.‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪ )3‬من حديث أبي هريرة رضي الَّله عنه عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪:-‬‬
‫"إَّن أَّو ل ُز مرٍة تدخل الجَّنة على صورة القمر ليلة البدِر ‪ ،‬والتي تليها على أضوِإ كوكٍب ُدِّرٍّي في‬
‫الَّس ماِء ‪ ،‬ولكَّل امرٍئ منهم زوجتان اثنتان‪ُ ،‬يرى ُمُّخ ُس وِقِه َم ا من وراء اللحم‪ ،‬وما في الجَّنة‬
‫أعزب"‪.‬‬
‫وقال اإلمام أحمد‪ :‬حدثنا عفان‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة حدثنا يونس عن محمد بن سيرين عن أبي‬
‫هريرة ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬للرجل من أهل الجَّنة زوجتان من‬
‫حور العيِن ‪ ،‬على كَّل واحدٍة سبعون ُح َّلة ُيرى ُمُّخ ساقها من وراء الثياب" (‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من "ب‪ ،‬د"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رقم (‪.)2643‬‬
‫(‪ )3‬تقدم في ص (‪.)256‬‬
‫(‪ )4‬تقدم في ص (‪.)256‬‬

‫(‪)1/496‬‬
‫وقال الطبراني‪ :‬حدثنا بكر بن سهل الدمياطي‪ ،‬حدثنا عمرو بن هاشم (‪ )1‬البيروتي‪ ،‬حدثنا‬
‫سليمان بن أبي كريمة عن هشام بن حَّس ان عن الحسن عن ُأِّمه عن أِّم سلمة قالت‪ :‬قلُت يا رسول‬
‫الَّله أخبرني عن قول الَّله عَّز وجَّل {َو ُح وٌر ِع يٌن (‪[ } )22‬الواقعة‪ ]22 :‬قال‪َ{ :‬و ُح وٌر } بيٌض ‪.‬‬
‫{ِع يٌن }‪ :‬ضخام العيون‪ ،‬شفر (‪ )2‬الحوراء بمنزلة جناح النسر‪ .‬قلُت ‪ :‬أخبرني عن قوله عَّز وجَّل‪:‬‬
‫{َك َأَّنُه ْم ُلْؤ ُلٌؤ َم ْك ُنوٌن (‪[ } )24‬الطور‪ .]24 :‬قال‪ :‬صفاؤهَّن صفاء الدر اَّلذي في األصداف اَّلذي‬
‫لم تمسه األيدي‪ .‬قلُت ‪ :‬يا رسول الَّله أخبرني عن قوله عَّز وجل‪ِ{ :‬فيِه َّن َخ ْيَر اٌت ِح َس اٌن (‪} )70‬‬
‫[الرحمن‪ ]70 :‬قال‪َ" :‬خ ْيَر اُت األخالق‪ ،‬حسان الوجوه"‪ .‬قلُت ‪ :‬يا رسول الَّله أخبرني عن قوله‬
‫عَّز وجل‪َ{ :‬ك َأَّنُه َّن َبْيٌض َم ْك ُنوٌن (‪[ } )49‬الصافات‪ ،]49 :‬قال‪ِ :‬ر َّقتهَّن كرقة الجلِد اَّلذي رأيته‬
‫في داخِل البيضة مَّم ا يلي القْش ر‪ ،‬وهو الِغْر ِقُئ قلُت ‪ :‬يا رسول الَّلِه أخبرني عن قوله عَّز وجَّل‪:‬‬
‫{ُعُر ًبا َأْتَر اًبا (‪[ } )37‬الواقعة‪ ،]37 :‬قال‪ :‬هَّن اَّللواتي ُقبْض َن في دار الدنيا عجائز ُر ْمًص ا ُش ْم ًطا‬
‫خلقهَّن الَّله بعد الِكَبر‪ ،‬فجعلهَّن عذارى‪ُ ،‬عُر ًبا‪ :‬متعِّش قاٍت محَّبباٍت ‪ ،‬أتراًبا‪ :‬على ميالٍد واحد‪.‬‬
‫قلُت ‪ :‬يا رسول الَّلِه نساء الدنيا أفضل أم الحور العين؟ قال‪ :‬بل نساء الدنيا أفضل من الحور‬
‫العين كفضل الظهارة على البطانة‪ .‬قلُت ‪ :‬يا رسول الَّلِه وِبَم ذاك‪ ،‬قال‪ :‬بصالتهَّن وصيامهَّن ‪،‬‬
‫وعبادتهَّن الَّله تعالى‪ ،‬ألبس الَّله وجوههَّن النور‪ ،‬وأجسادهَّن الحرير‪ ،‬بيُض األلوان‪ ،‬خضر الثياب‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬د" والطبراني "هشام" وهو خطأ‪ .‬انظر الجرح والتعديل (‪.)268 /6‬‬
‫(‪ )2‬في "أ‪ ،‬د‪ ،‬ج‪ ،‬هـ"‪َ" :‬ش َعر"‪.‬‬

‫(‪)1/497‬‬

‫صفر الحلي‪ ،‬مجامرهَّن الُّدر‪ ،‬وأمشاطهَّن الذهُب ‪ ،‬يقْلن نحن الخالدات فال نموُت ‪ ،‬ونحن‬
‫الَّناعمات فال نبؤس أبًد ا‪ ،‬ونحن المقيمات فال نظعن أبًد ا‪ ،‬ونحن الَّر اضيات فال نسخط أبًد ا‪،‬‬
‫طوبى لمن ُك َّنا له وكان لنا‪ .‬قلُت ‪ :‬يا رسول الَّله المرأة مَّنا تتزوج زوجين والثالثة واألربعة ثَّم‬
‫تموُت فتدخل الجَّنة‪ ،‬ويدخلون معها‪َ ،‬مْن يكون زوجها؟ قال‪ :‬يا أم سلمة إَّنها ُتَخ َّير فتختار‬
‫أحسنهم ُخ لًق ا‪ ،‬فتقول‪ :‬أي رِّب ‪ ،‬إَّن هذا كان أحسنهم معي خلًق ا في دار الدنيا فزَّو ْج ِنيه‪ ،‬يا أم‬
‫سلمة ذهب حسن الخلق بخير الدنيا واآلخرة" (‪. )1‬‬
‫تفَّر د به سليمان بن أبي كريمة‪ :‬ضَّعفه أبو حاتم‪ ،‬وقال ابن عدي‪" :‬عاَّمة أحاديثه مناكير‪ ،‬ولَم أَر‬
‫للمتقدمين فيه كالًما ثَّم ساق هذا الحديث من طريقه‪ ،‬وقال‪ :‬ال يعرف إاَّل بهذا السند"‪.‬‬
‫وقال أبو يعلى الموصلي‪ :‬حدثنا عمرو بن الضحاك بن مخلد حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد‬
‫حدثنا أبو رافع إسماعيل بن رافع‪ ،‬عن محمد بن زياد عن محمد بن كعب الُقَر ِظ ي عن رجل من‬
‫األنصاِر ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬حدثنا رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬وهو‬
‫في طائفٍة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني في الكبير (‪ ،)257 /23‬والعقيلي في الضعفاء الكبير (‪.)138 /2‬‬
‫والحديُث منكر ال يثبت‪ ،‬عَّلته سليمان بن أبي كريمة الشامي‪.‬‬
‫قال العقيلي‪" :‬يحدث بمناكير ‪ ....‬منها‪ ،‬ثَّم ذكر هذا الحديث ثَّم قال‪ :‬وال يتابع عليه‪ ،‬وال يعرف‬
‫إاَّل به"‪.‬‬
‫قال ابن عدي‪" :‬هذا منكر‪." . . .‬‬

‫(‪)1/498‬‬

‫من أصحابه‪ ،‬فذكر حديث الصور وفيه‪" :‬فأقوُل يا رِّب وعدتني الشفاعة فشَّف عني في أهل الجَّنة‬
‫يدخلون الجَّنة‪ ،‬فيقول الَّله تعالى‪ :‬قد شَّف عتك وأِذ ْنت لهم في دخول الجَّنة‪ ،‬فكان رسول الَّله ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬يقول‪ :‬واَّلذي بعثني بالحِّق‪ ،‬ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم‬
‫ومساكنكم من أهِل الجَّنة بأزواجهم ومساكنهم‪ ،‬فيدخل رجٍل منهم على ثنتين وسبعين زوجًة مَّم ا‬
‫ينشئ الَّلُه‪ ،‬وثنتين من ولِد آدم لهما فضل على من أنشأ الَّلُه‪ ،‬بعبادتهما الَّله عَّز وجَّل في الدنيا‪،‬‬
‫يدخُل على األولى منهما في غرفة من ياقوتٍة على سرير من ذهب مكَّلل باللؤلؤ عليه سبعون زوًج ا‬
‫من ُس ندس وإستبرق‪ ،‬وإَّنه ليضع يده بين كتفيها‪ ،‬ثَّم ينظر إلى يده من صدرها من وراء ثيابها‬
‫وجلدها ولحمها‪ ،‬وإَّنه لينظر إلى مَّخ ساقها‪ ،‬كما ينظر أحدكم إلى السلك في َقَصَبِة الياقوت‪،‬‬
‫َك ِبُدُه لها مرآة‪ ،‬وكبدها له مرآة‪ ،‬فبينا هو عندها ال يملها وال تمله‪ ،‬وال يأتيها من مَّر ة إاَّل وجدها‬
‫عذراء‪ ،‬ما يفتر َذَك ُر ُه‪ ،‬وال يشتكي ُقُبُلَه ا‪ ،‬فبينا هو كذلك إذ نودي إَّنا قد عرفنا أَّنك ال َتَم ُّل وال‬
‫ُتَم ُّل‪ ،‬إاَّل أَّنه ال منَّي وال منَّية‪ ،‬إاَّل أْن تكون له أزواج غيرها فيخرج فيأتيهَّن واحدًة واحدًة كلما‬
‫جاء واحدة (‪ )1‬قالت‪ :‬والَّلِه ما في الجَّنة شيٌء أحسن منك‪ ،‬وما في الجَّنة شيٌء أحّب إلَّي منَك "‬
‫(‪. )2‬‬
‫هذا قطعٌة من حديث الصور اَّلذي تفَّر د به إسماعيل بن رافع‪ ،‬وقد روى له الترمذي وابن ماجه‬
‫وضَّعفه أحمد ويحيى وجماعة‪ .‬وقال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله‪" :‬جاء واحدة" في "ب"‪" :‬جاءت" وسقط "واحدة" من "أ"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تقدم الكالم عليه ص (‪.)262 - 261‬‬

‫(‪)1/499‬‬

‫الدارقطني وغيره‪" :‬متروك الحديث"‪ .‬وقال ابن عدي‪" :‬عامة أحاديثه فيها نظر"‪ .‬وقال الترمذي‪:‬‬
‫"ضعفه بعض أهل العلم‪ .‬وسمعت محمًد ا‪ ،‬يعني البخاري ‪ -‬يقول‪ :‬هو ثقة مقارب الحديث"‪.‬‬
‫وقال لي شيخنا أبو الحجاج الحافظ‪" :‬هذا الحديث مجموع من عدة أحاديث ساقه إسماعيل أو‬
‫غيره هذه السياقة‪ ،‬وشرحه الوليد بن مسلم في كتاب مفرد‪ ،‬وما تضمنه معروف في األحاديث"‪.‬‬
‫والَّله أعلم‪.‬‬
‫وقال عبد الَّله بن وهب‪ :‬حدثنا عمرو أن دراًج ا حدثه‪ ،‬عن أبي الهيثم‪ ،‬عن أبي سعيد ‪-‬رضي الَّله‬
‫عنه‪ ،-‬عن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إن أدنى أهل الجنة منزلة‪ ،‬الذي له ثمانون‬
‫ألف خادم‪ ،‬واثنتان وسبعون زوجة‪ ،‬وينصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بين الجابية‬
‫وصنعاء" (‪. )1‬‬
‫رواه الترمذي (‪ )2‬؛ ولكَّن دراًج ا أبا السمح بالطريق‪ ،‬قال أحمد‪" :‬أحاديثه مناكير"‪ ،‬وقال‬
‫النسائي‪" :‬منكر الحديث"‪ ،‬وقال أبو حاتم‪" :‬ضعيف"‪ ،‬وقال النسائي أيًض ا‪" :‬ليس بالقوي"‪ ،‬وساق‬
‫له ابن عدي أحاديث وقال‪" :‬عامتها ال يتابع عليها"‪ ،‬وقال الدارقطني‪" :‬ضعيف"‪ ،‬وقال مرة‪:‬‬
‫"متروك"‪ .‬وأما يحيى بن معين‪ :‬فقد وثقه‪ ،‬وأخرج عنه أبو حاتم بن حبان في "صحيحه"‪ ،‬وقال‬
‫عثمان بن سعيد الدارمي‪ ،‬عن علي بن المديني‪" :‬هو ثقة"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي داود في البعث (‪ ،)78‬وابن حبان (‪.)7401‬‬
‫(‪ )2‬برقم (‪ )2562‬من طريق‪ :‬رشدين بن سعد عن عمرو بن الحارث به‪.‬‬

‫(‪)1/500‬‬
‫وقال ابن وهب‪ ،‬أخبرني عمرو بن الحارث‪ ،‬عن أبي السمح‪ ،‬عن أبي الهيثم‪ ،‬عن أبي سعيد‬
‫الخدري ‪-‬رضي الَّله عنه‪ ،-‬عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬في قوله تعالى‪َ{ :‬ك َأَّنُه َّن اْلَياُقوُت‬
‫َو اْلَمْر َج اُن (‪[ } )58‬الرحمن‪ ]58 :‬قال‪" :‬ينظُر إلى وجهه في خَّدها أصفى من المرآة‪ ،‬واْن أدنى‬
‫لؤلؤٍة عليها لتضيُء ما بين المشرق والمغرِب ‪ ،‬وإَّنُه ليكون عليها سبعون ثوًبا ينفذها َبَص ُر ُه حَّتى‬
‫ُيرى ُمُّخ ساِقِه ا من وراء ذلك" (‪. )1‬‬
‫وقال الِف ْر يابي‪ :‬أنبأنا أبو أيوب سليمان بن عبد الرحمن حدثنا خالد ابن يزيد بن (‪ )2‬أبي مالك‬
‫عن أبيه عن خالد بن معدان عن أبي ُأمامة رضي الَّله عنه عن رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪-‬‬
‫قال‪" :‬ما من عبٍد يدخل الجَّنة إاَّل ويزوج ثنتين وسبعين زوجة‪ :‬ثنتان من الحور العين‪ ،‬وسبعون من‬
‫أهل ميراثه من أهل الدنيا‪ ،‬ليس منهَّن امرأة إاَّل ولها ُقُبٌل شهٌّي ‪ ،‬وله ذَك ٌر ال يْنثني" (‪. )3‬‬
‫قلُت ‪ :‬خالد هذا هو ابن (‪ )4‬يزيد بن عبد الرحمن الدمشقي‪ :‬وَّهاُه ابن معين‪ ،‬وقال أحمد‪" :‬ليس‬
‫بشيٍء "‪ ،‬وقال النسائي‪" :‬غير ثقة" وقال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تقدم الكالم عليه في ص (‪.)433 - 432‬‬
‫(‪ )2‬في "ب‪ ،‬د"‪" :‬عن" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ :)370‬من طريق الفريابي به مثله‪.‬‬
‫وأخرجه ابن ماجه (‪ ،)4337‬وابن عدي في الكامل (‪ ،)11 /3‬والبيهقي فى البعث (‪ .)406‬من‬
‫طريق خالد بن يزيد بن أبي مالك به مثله‪.‬‬
‫والحديث من مناكيره‪ ،‬كما ذكر المؤلف رحمه الَّله‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)199 - 196 /8‬‬
‫(‪ )4‬في "أ"‪" :‬بن أبي" وهو خطأ‪.‬‬

‫(‪)1/501‬‬

‫الَّدارقطني‪" :‬ضعيف"‪ ،‬وذكر ابن عدي له هذا الحديث مَّم ا أنكره عليه‪.‬‬
‫وقال أبو نعيم‪ :‬حدثنا إبراهيم بن عبد الَّله حدثنا (‪ )1‬محمد بن حمويه حدثنا أحمد بن حفص‬
‫حدثني أبي (‪ )2‬حدثني إبراهيم بن طهمان عن الحجاج عن قتادة عن أنس رضي الَّله عنه قال‪:‬‬
‫قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ِ" :-‬للُم ؤمن في الجَّنة ثالٌث وسبعون زوجة"‪ ،‬فقلنا يا‬
‫رسول الَّلِه َأَو له ُقَّو ة ذلك؟ قال‪" :‬إَّنه لُيْع َطى قَّو ة مئة" (‪. )3‬‬
‫قلُت ‪ :‬أحمد بن حفص هذا هو الَّس عدي‪ ،‬له مناكير‪ ،‬والحَّج اُج هو ابن أرطاة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "هـ"‪" :‬بن" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬قوله "حدثني أبي" سقط من "أ"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة (‪ )213 /2‬رقم (‪.)372‬‬
‫وأخرجه إبراهيم بن طهمان في مشيخته رقم (‪ )58‬عن الحجاج عن قتادة به‪.‬‬
‫إاَّل أَّنه قاَل "ثالثون زوجة" بدل "ثالث وسبعون زوجة"‪.‬‬
‫وهذا هو الصواب‪ ،‬فإَّن راوي النسخة عن ابن طهمان‪ :‬هو أبو القاسم الفضل بن جعفر بن المؤذن‬
‫عن أبي بكر محمد بن عبدوس النيسابوري عن أحمد بن حفص بن عبد الَّله بن راشد النيسابوري‬
‫عن أبيه حفص عنه‪.‬‬
‫وأحمد بن حفص وأبوُه صدوقان‪ ،‬والحجاج هو ابن الحجاج الباهلي البصري ثقة‪.‬‬
‫وقد توبع الحجاج‪ ،‬تابعه عمران القطان كما سيأتي قريًبا ص (‪)505‬؛ لكن خالفه في المتن‪،‬‬
‫فقال‪ُ" :‬يعطى المؤمن في الجَّنة قَّو ة كذا وكذا من الجماع"‪.‬‬
‫قلُت ‪ :‬وهذا يدُّل على غرابة هذا الحديث عن قتادة فالَّلُه أعلُم بثبوته‪.‬‬

‫(‪)1/502‬‬

‫وقال الطبراني‪ :‬حدثنا أحمد بن علي األَّبار‪ ،‬حدثنا أبو هَّم ام الوليد ابن ُش جاع‪ .‬وأنبأنا محمد بن‬
‫أحمد بن هشام السجزي (‪ )1‬ببغداد‪ ،‬حدثنا عبد الَّله بن عمر بن أبان قاال‪ :‬حدثنا حسين بن علي‬
‫الجعفي عن زائدة عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الَّله عنه قال‪:‬‬
‫قيل يا رسول الَّله‪ ،‬هل َنِص ُل إلى نسائنا في الجَّنة؟ فقال‪ :‬إَّن الَّر جل َليِص ُل في اليوِم إلى مئة‬
‫عذراء" (‪. )2‬‬
‫قال الطبراني‪" :‬لم يروِه عن هشام إاَّل زائدة تفَّر د به الجعفي"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "أ"‪" :‬الشجري"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبراني في األوسط (‪ )210 /1‬رقم (‪ )718‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة (‬
‫‪ ،)273‬والبزار في مسنده (‪ ،)3525‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة (‪ )373‬وغيرهم‪ .‬من طريق‬
‫حسين الجعفي به‪.‬‬
‫وهذا الحديث مَّم ا ُأنكر على حسين الجعفي ‪ -‬وهو ثقة ‪ -‬وأَّنه وهم فيه‪.‬‬
‫فرواُه أبو ُأسامة عن هشام عن زيد العمي عن ابن عباس‪.‬‬
‫كما سيأتي عند المؤلف‪.‬‬
‫أخرجه هناد في الزهد (‪ ،)88‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة (‪ ،)272‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة (‬
‫‪ ،)374‬والبيهقي في البعث (‪ )404‬وغيرهم‪.‬‬
‫وهذا هو الصحيح‪ ،‬وطريق حسين الجعفي معلول‪ ،‬قال أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان‪ :‬هذا خطأ‪،‬‬
‫إَّنما هو هشام بن حسان عن زيد العمي عن ابن عباس‪ ،‬قال ابن أبي حاتم‪ :‬قلُت ألبي مَّم ن الوهم؟‬
‫قال من حسين"‪.‬‬
‫انظر‪ :‬العلل البن أبي حاتم (‪.)213 /2‬‬
‫وعليه‪ :‬فإسناد حديث ابن عباس ضعيف؛ لالنقطاع بين زيد العمي وابن عباس‪ ،‬وأيًض ا لضعف زيد‬
‫العمي‪.‬‬
‫والحديث ضعفه الخطيب البغدادي في الموضح (‪ ،)95 /2‬والهيثمي والبوصيري‪ .‬المجمع (‬
‫‪.)416 /10‬‬

‫(‪)1/503‬‬

‫قال محمد بن عبد الواحد المقدسي‪" :‬ورجال هذا الحديث عندي على شرط الصحيح" (‪.)1‬‬
‫وقال أبو الشيخ‪ :‬حدثنا أبو يحيى بن سلم الَّر ازي حدثنا هناد بن الَّس ري حدثنا أبو ُأسامة عن‬
‫هشاِم بن حسان عن زيد بن أبي الحواري ‪ -‬وهو زيد العَّم ي ‪ -‬عن ابن عباس ‪-‬رضي الَّله‬
‫عنهما‪ -‬قال‪ :‬قيل يا رسول الَّلِه أنفضي إلى نسائنا في الجَّنة‪ ،‬كما ُنفضي إليهَّن في الدنيا؟ قال‪:‬‬
‫واَّلذي نفس محمد بيده إَّن الرجل ليفضي في الغداة الواحدة إلى مئة عذراء"‪.‬‬
‫وزيد هذا قال فيه ابن معين‪" :‬صالح"‪ ،‬وقال مَّر ة‪" :‬ال شيء"‪ ،‬وقال‪" :‬ضعيف‪ ،‬يكتب حديثه"‪،‬‬
‫وكذلك قال أبو حاتم‪ ،‬وقال الَّدارقطني‪" :‬صالح"‪ ،‬وضعفه النسائي‪ ،‬وقال السعدي‪" :‬متماسك" (‬
‫‪.)2‬‬
‫قلُت ‪ :‬وحسبه رواية شعبة عنه‪.‬‬

‫فصل‬
‫واألحاديث الصحيحة إَّنما فيها "أَّن لكِّل منهم زوجتين" (‪ ،)3‬وليس في "الصحيح" زيادة على‬
‫ذلك‪ ،‬فإْن كانت هذه األحاديث محفوظة‪:‬‬
‫فإَّما أْن ُيراد بها ما لكِّل واحٍد من السراري زيادة على الزوجتين‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صفة الجَّنة ص (‪.)129‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ترجمته وأقوال العلماء فيه‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)60 - 56 /10‬‬
‫(‪ )3‬كما تقَّدم في ص (‪.)256‬‬

‫(‪)1/504‬‬

‫ويكونون في ذلك على حسب منازلهم في الِق َّلة والكثرة كالخدِم والولدان‪.‬‬
‫وإَّما أْن ُيراَد أَّنه يعطى قَّو ة من ُيجامع هذا العدد‪ ،‬ويكون هذا هو المحفوظ‪ ،‬فرواُه بعض هؤالء‬
‫بالمعنى فقال‪ :‬له كذا وكذا زوجة‪.‬‬
‫وقد روى الترمذي في "جامعه" من حديث قتادة عن أنس رضي الَّله عنه عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله‬
‫ِه‬
‫عليه وسلم‪ -‬قال‪ُ" :‬يعطى المؤمُن في الجَّنة قَّو ة كذا وكذا من الجماع‪ ،‬قيل‪ :‬يا رسول الَّل أَو‬
‫يطيُق ذلك؟ قال‪ :‬يعطى قَّو ة مئة" (‪ )1‬هذا حديث صحيح‪ ،‬فلعَّل من رواُه "يفضي إلى مئة عذراء"‬
‫(‪ )2‬رواُه بالمعنى أو يكون تفاوتهم في عدد النساء بحسب تفاوتهم في الدرجات‪ ،‬والَّله أعلم‪.‬‬
‫وال ريَب أَّن للمؤمن في الجَّنة أكثر من اثنتين‪ِ ،‬لَم ا في "الصحيحين" (‪ ، )3‬من حديث أبي عمران‬
‫الجوني عن أبي بكر بن عبد الَّله‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الترمذي (‪ ،)2536‬والطيالسي في مسنده (‪ ،)2125‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة‬
‫(‪ ،)275‬وابن حبان (‪ ،)7400‬والبزار في مسنده (‪ )198 /4‬رقم (‪ ،)3526‬والبيهقي في‬
‫البعِث رقم (‪.)402‬‬
‫من طريِق عمران القطان عن قتادة عن أنس فذكره‪.‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬هذا حديث صحيح غريب ال نعرفه من حديث قتادة عن أنس إاَّل من حديث‬
‫عمران القطان"‪.‬‬
‫وقد تقَّدم في ص (‪ )396‬في حديث زيد بن أرقم "‪ . . .‬إَّن أحدهم لُيْع طى قَّو ة مائة رجٍل في‬
‫األكِل والشرب والجماع والشهوة‪" . .‬‬
‫(‪ )2‬كما تقدم في ص (‪ ،)503‬من حديث ابن عباس‪.‬‬
‫(‪ )3‬تقدم في الباب (‪ )51‬في ص (‪.)454 - 453‬‬

‫(‪)1/505‬‬

‫ابن قيس عن أبيه قال‪ :‬قال رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إَّن للعبِد المؤمِن في الجَّنة‬
‫لخيمًة من لؤلؤٍة مجَّو فٍة طولها ستون مياًل للعبد المؤمن فيها أهلون فيطوف عليهم ال يرى بعضهم‬
‫بعًض ا"‪.‬‬

‫(‪)1/506‬‬

‫الباب الَّر ابع والخمسون في ذكر الماَّدة التي خلق منها الحور العين وما ذِكر فيها من اآلثار‬
‫وذكر صفاتهَّن ومعرفتهَّن اليوم بأزواجهَّن‬
‫فأَّما الماَّدة التي خلق منها الحور العين‪:‬‬
‫فقد روى البيهقى من حديث الحارث بن خليفة‪ ،‬قال حدثنا شعبة‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن ُعلَّية عن‬
‫عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك رضي الَّله عنه عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪:‬‬
‫"الحوُر العيِن ُخ ِلْق َن من الزعفران" (‪.)1‬‬
‫قال البيهقي‪" :‬وهذا منكٌر بهذا اإلسناد‪ ،‬ال يصح عن ابن علية"‪ .‬قلُت ‪ :‬ولكَّنه حديث فيه شعبة‪.‬‬
‫وقال الطبراني‪ :‬حدثنا أحمد بن رشدين حدثنا علي بن الحسن بن هارون األنصاري حدثني الليث‬
‫بن ابنة (‪ )2‬الليث بن أبي سليم قال‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه البيهقي في البعِث والنشور رقم (‪ ،)391‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة (‪،)384‬‬
‫والخطيب في تاريخ بغداد (‪.)102 - 101 /7‬‬
‫لكن ليَس في سند البيهقي "شعبة"‪ ،‬وإَّنما هو عند الخطيب وأبي نعيم‪ ،‬والطريق اَّلذي أخرجه‬
‫البيهقي ذكره الخطيب وقال‪" :‬لم يذكر بينهما شعبة‪ ،‬وهو أشبه بالصواب" ثَّم ذكره من طريقين‬
‫عن الحارث بن خليفة بدون ذكر شعبة‪.‬‬
‫قلُت ‪ :‬الحارث بن خليفة قال أبو حاتم‪" :‬مجهول"‪ .‬الجرح والتعديل (‪.)74 /3‬‬
‫(‪ )2‬سقط من "أ"‪ ،‬ووقع في "ب"‪ ،‬ونسخة على حاشية "أ" "أبيه" بدل "ابنة"‪.‬‬

‫(‪)1/507‬‬

‫حدثتني عائشة بنت يونس امرأة الليث بن أبي ُس ليم عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن أبي‬
‫ُأمامة رضي الَّلُه عنه عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪ُ" :‬خ ِلَق الحوُر العين من الزعفران" (‬
‫‪. )1‬‬
‫قال الطبراني‪" :‬ال يروى إاَّل بهذا اإلسناد‪ ،‬تفَّر د به علي بن الحسن ابن هارون"‪.‬‬
‫قلُت ‪ :‬وقد رواُه إسحاق بن راهويه‪ ،‬عن عائشة بنت يونس قالت‪ :‬سمعُت زوجي ليث بن أبي‬
‫ُس ليم يحِّدث عن مجاهد فذكره موقوًفا عليه‪ ،‬وهو أشبه بالصواب‪.‬‬
‫ورواُه ُعقبة بن ُمْك َر م عن عبد الَّله بن زياد عن ليث عن مجاهد عن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني في األوسط (‪ )95 /1‬رقم (‪ ،)288‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة (‪.)385‬‬
‫والحديث منكر مرفوًعا‪ ،‬صوابه كما ذهب إليه المؤِّلف أَّنُه من قول مجاهد كما سيأتي‪،‬‬
‫والحديث مدارُه على ليث بن أبي سليم وهو مخَّلط‪.‬‬
‫قال ابن كثير‪" :‬وهو حديث غريب جًّدا"‪.‬‬
‫‪ -‬فرواُه عقبة عن عبد الَّله بن زياد عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس قوله‪ .‬أخرجه البيهقي في‬
‫البعث (‪.)390‬‬
‫‪ -‬ورواُه عمرو بن سعد وعائشة امرأة ليث وعطاء بن جبلة كلهم عن ليث عن مجاهد قوله‪.‬‬
‫أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة (‪ ،)366 ،302‬والطبري (‪ ،)178 /27‬والبيهقي في البعث‬
‫(‪ ،)389‬وحرب في مسائله (‪.)407‬‬
‫‪ -‬ورواُه إبراهيم بن محمد األسلمي عن ليث قال‪ :‬بلغني أَّن الحور العين فذكره‪ .‬أخرجه الطبري‬
‫(‪.)178 /27‬‬
‫(‪)1/508‬‬

‫ابن عباس قوله‪.‬‬


‫وال يصح رفع الحديث‪ ،‬وحسبه أن يصل إلى ابن عباس‪.‬‬
‫وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن‪" :‬إَّن لولِّي الَّله في الجَّنة عروًس ا لم َيِلْد ها آدم وال حواء‪ ،‬ولكن‬
‫ُخ لقت من زعفران" (‪. )1‬‬
‫وهذا مروي عن صحابيين وهما‪ :‬ابن عباس وأنس‪ ،‬وعن تابعيين‪ :‬وهما أبو سلمة ومجاهد‪ ،‬وبكِّل‬
‫حاٍل فهَّن من المنشآت في الجَّنة لْسَن مولودات بين اآلباء واألمهات‪ ،‬والَّلُه أعلم‪.‬‬
‫وقد رواُه الطبراني من حديث عبيد الَّله بن زحر عن علي بن زيد عن القاسم عن أبي ُأمامة رضي‬
‫الَّله عنه عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪. )2( -‬‬
‫وهذا اإلسناُد ال ُيْحَتُّج به‪.‬‬
‫ورواُه أبو نعيم‪ :‬حدثنا علي بن محمد الطوسي‪ ،‬حدثنا علي بن سعيد حدثنا محمد بن إسماعيل‬
‫الحساني حدثنا منصور بن المهاجر حدثنا أبو النضر األبار‪ ،‬عن أنس رضي الَّله عنه يرفعه‪" :‬لو أَّن‬
‫حوراء‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة (‪.)303‬‬
‫وسنده ضعيف جًّدا‪ ،‬فيه منصور بن عمار الواعظ‪ ،‬والُعمري‪.‬‬
‫انظر‪ :‬لسان الميزان (‪.)131 /6‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبراني في الكبير (‪ )237 /8‬رقم (‪ ،)7813‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‬
‫‪.)383‬‬
‫والحديث كما قال المؤِّلف‪ :‬ال يحتُّج به‪ .‬وقد ضَّعفه أيًض ا الهيثمي في المجمع (‪.)419 /10‬‬

‫(‪)1/509‬‬

‫بصقت في سبعة أبحر لعذب البحار من عذوبة فمها‪ ،‬وخلق الحور العين من الزعفران" (‪. )1‬‬
‫وإذا كانت هذه الِخ ْلقة اآلدمية التي هي من أحسن الصور وأجملها‪ ،‬ماَّدتها من تراب وجاءت‬
‫الصورة من أحسن الصور‪ ،‬فما الظُّن بصورٍة مخلوقٍة من مادة الزعفران اَّلذي هناك! فالَّله‬
‫المستعان‪.‬‬
‫وقد روى أبو نعيم‪ :‬من حديث عيسى بن يوسف بن الطباع حدثنا حلبس بن محمد الكالبي‪،‬‬
‫حدثنا سفيان الثوري‪ ،‬حدثنا المغيرة‪ ،‬حدثنا إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الَّله بن مسعود‬
‫ِه‬
‫قال‪ :‬قال رسول الَّل ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬سطع نوٌر في الجَّنة‪ ،‬فرفعوا رؤوسهم‪ ،‬فإذا هَو‬
‫من ثغر حوراء ضحكت في وجه زوجها" (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪.)386‬‬
‫وسنده ضعيف‪ ،‬منصور بن المهاجر لم يوثقه أحد‪ ،‬وقال ابن حجر‪" :‬مستور"‪ .‬انظر‪ :‬تهذيب‬
‫الكمال (‪.)555 /28‬‬
‫وله إسناد آخر‪ :‬يرويه نصر بن مزاحم عن عمرو بن سعد عن شيخ من أهل البصرة عن الَّنبي ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪ .-‬أخرجه ابن أبي الدنيا رقم (‪.)364‬‬
‫وإسنادُه ضعيف جًّدا‪ ،‬نصر بن مزاحم متروك الحديث‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة (‪ ،)381‬وابن عدي في الكامل (‪ ،)457 /2‬والخطيب في‬
‫تاريخه (‪ ،)247 /8‬و (‪.)163 /11‬‬
‫وفيه حلبس هذا‪ :‬وهو متروك الحديث‪ ،‬وقال ابن عدي‪" :‬منكر الحديث عن الثقات"‪.‬‬
‫والحديث ال يصح‪ ،‬قال ابن عدي‪" :‬وهذا حديث منكر عن سفيان"‪ ،‬وقال الذهبي‪" :‬هذا باطل"‪.‬‬
‫واألقرُب أَّنه من قول سفيان الثوري‪ ،‬كما سيأتي عند المؤِّلف في =‬

‫(‪)1/510‬‬

‫ِح‬
‫وروى بقية بن الوليد حدثنا َب ْير بن سعد عن خالد بن معدان عن كثير بن مَّر ة قال‪" :‬إَّن مَن‬
‫المزيد أن تمَّر السحابُة بأهل الجَّنة فتقول‪ :‬فما تريدون أن أمطركم؟ فال يتمنون شيًئا إاَّل مطروا‪:‬‬
‫قال‪ :‬يقول كثير‪ :‬لئن أشهدني الَّله ذلك ألقولَّن ‪ :‬أمطرينا جواري ُمَز َّينات" (‪. )1‬‬
‫وقد ُر وَي في مادة خلقهن صفة أخرى‪:‬‬
‫قال ابن أبي الدنيا‪ :‬حدثنا خالد بن خداش‪ ،‬حدثنا عبد الَّله بن وهب‪ ،‬حدثنا سعيد بن أيوب‪ ،‬عن‬
‫ُعَق يل بن خالد‪ ،‬عن الزهري أَّن ابن عباس قال‪" :‬إَّن في الجَّنة نهًر ا يقال له البيذخ‪ ،‬عليه قباب من‬
‫ياقوت‪ ،‬تحته جواِر ناشئاٍت يقول أهل الجَّنة‪ :‬انطلقوا بنا إلى البيذخ‪ ،‬فيجيئون فيتصَّف حون تلك‬
‫الجواري فإذا أعجب رجاًل منهم جارية مَّس ِم ْعَص َم َه ا فتتبعه" (‪. )2‬‬
‫وقال الليث بن سعد‪ :‬عن يزيد بن أبي حبيب عن الوليد بن عبدة (‪ )3‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬لجبريل‪" :‬يا جبريل قْف بي على الحور العين‪ ،‬فأوقفه عليهَّن ‪ ،‬فقال‪ :‬من‬
‫أنتَّن ؟ فقلن‪ :‬نحن جواري قوٍم كراٍم َح ُّلوا فلم‬
‫__________‬
‫= ص (‪.)516 - 515‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن المبارك في الزهد‪ ،‬ونعيم في زوائده على الزهد رقم (‪ ،)240‬وابن أبي الدنيا في‬
‫صفة الجَّنة (‪ ،)309‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪.)382‬‬
‫وسنده صحيح إلى كثير بن ُمَّر ة‪.‬‬
‫(‪ )2‬تقدم ص (‪.)390‬‬
‫(‪ )3‬كذا في "أ‪ ،‬ب‪ ،‬ج‪ ،‬د" وفي "هـ"‪" :‬عبيدة"‪ ،‬وعند ابن أبي الدنيا "عمرو بن الوليد"‪.‬‬

‫(‪)1/511‬‬

‫يظعنوا‪ ،‬وشُّبوا فلم يهرموا‪ ،‬وَنُقوا فلم َيْد َر ُنوا" (‪. )1‬‬
‫وقال ابن المبارك‪ :‬أنبأنا يحيى بن أيوب عن عبيد الَّله بن َز ْح ر عن خالد بن أبي عمران عن أبي‬
‫عياش (‪ )2‬قال‪ُ :‬ك َّنا جلوًس ا مع كعب يوًم ا فقال‪" :‬لو أَّن يًد ا من الحور ُدَّليت من السماء ألضاءْت‬
‫لها األرض؛ كما تضيء الشمس ألهل الدنيا‪ ،‬ثَّم قال‪ :‬إَّنما قلُت ‪ :‬يدها‪ ،‬فكيف بالوجه في بياضه‬
‫وحسنه وجماله! " (‪. )3‬‬
‫وفي "مسند اإلمام أحمد" من حديث كثير بن مَّر ة عن معاذ بن جبل رضي الَّله عنه عن الَّنبي ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬ال تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إاَّل قالت زوجته من الحور العين‪:‬‬
‫ال تؤذيه قاتلِك الَّلُه‪ ،‬فإَّنما هو عندك دخيل يوشك أْن يفارقك إلينا" (‪. )4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)301‬‬
‫وهو مرسل‪ ،‬وليس في الصحابة من اسمه عمرو بن الوليد‪.‬‬
‫(‪ )2‬في جميع النسخ "ابن عباس"‪ ،‬والتصويب من مصدري التخريج‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن المبارك في الزهِد ‪-‬رواية نعيم‪ -‬رقم (‪ ،)256‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة‬
‫رقم (‪ )308‬وفيه زيادة وسنده ضعيف‪ ،‬فيه عبيد الَّله بن زحر وهو ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أحمد في المسند (‪ ،)242 /5‬والترمذي (‪ ،)1174‬وابن ماجه (‪ ،)2014‬وابن أبي‬
‫الدنيا في صفة الجنة (‪ ،)310‬والطبراني في مسند الشاميين رقم (‪ ،)1166‬وأبو نعيم في الحلية‬
‫(‪ )220 /5‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق إسماعيل بن عياش عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن كثير بن مَّر ة به فذكره‪.‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬هذا حديث غريب‪ ،‬ال نعرفه إاَّل من هذا الوجه‪ ،‬ورواية إسماعيل بن عياش عن‬
‫الشاميين أصلح‪ ،‬وله عن أهل الحجاز وأهل العراق =‬

‫(‪)1/512‬‬

‫وفي مراسيل عكرمة عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إَّن الحور العين ألكثر عدًدا منُك َّن ‪،‬‬
‫يدعون ألزواجهَّن َيُقْلَن ‪ :‬اَّللهم َأِع ْنُه على دينك‪ ،‬وأْقِبل بقلبه على طاعتك‪ ،‬وبَّلغه بعزتك يا أرحم‬
‫الَّر احمين" (‪. )1‬‬
‫ذكرُه ابن أبي الدنيا من حديث ُأسامة بن زيد عن عطاء عنه‪.‬‬
‫وذكر األوزاعي عن حَّس ان بن عطية عن ابن مسعود رضي الَّله عنه قال‪" :‬إَّن في الجَّنة حوراء‬
‫ُيقال لها‪ :‬الُّلعبة‪ ،‬كل حور الجنان يعجبن بها‪ ،‬يضربن بأيديهَّن على كتفها ويقلَن ‪ :‬طوبى لك يا‬
‫لعبُة‪ ،‬لو يعلم الطالبون لك َلَج ُّدوا‪ ،‬مكتوٌب بين عينيها‪ :‬من كان يبتغي أْن يكون له (‪ )2‬مثلي‬
‫فليعمل برضى ربي" (‪. )3‬‬
‫وقال عطاء السليمي لمالك بن دينار‪ :‬يا أبا يحيى شَّو قنا‪ ،‬قال‪" :‬يا عطاء إَّن في الجَّنة حوراء‬
‫يتباهى أهل الجَّنة بحسنها‪ ،‬لوال أَّن الَّلَه تعالى كتب على أهل الجَّنة أال يموتوا لماتوا من ُحْس نها‪،‬‬
‫فلم يزل عطاء‬
‫__________‬
‫= مناكير"‪.‬‬
‫وقال أبو نعيم‪" :‬غريب من حديث خالد عن كثير‪ ،‬تفَّر د به بحير"‪.‬‬
‫قال الذهبي في السير (‪ . . ." :)47 /4‬وإسناده صحيح متصل"‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)311‬‬
‫وهو مرسل ضعيف جًّدا‪ ،‬فيه الواقدي‪ :‬متروك الحديث‪ ،‬وأسامة بن زيد‪ :‬فيه لين‪ ،‬وإرسال عكرمة‬
‫للحديث‪.‬‬
‫(‪ )2‬سقط من "أ"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ .)312‬وسنده منقطع‪ ،‬حسان بن عطية لم ُيدرك‬
‫ابن مسعود‪.‬‬

‫(‪)1/513‬‬

‫َج ِه ًد ا (‪ )1‬من قول مالك [أربعين عاًما] (‪. )3( " )2‬‬
‫وقال أحمد بن أبي الحواري‪ :‬حدثني جعفر بن محمد قال‪ :‬لقي حكيم حكيًم ا‪ ،‬فقال‪" :‬أتشتاق‬
‫َي‬ ‫إلى الحور العين؟ فقال‪ :‬ال‪ ،‬فقال‪ :‬فاشتق إليهَّن ‪ ،‬فإَّن نور وجوِه ِه َّن من نور الَّلِه عَّز وجَّل‪ ،‬فغش‬
‫عليه‪ ،‬فحمل إلى منزله فجعلنا نعوده شهًر ا" (‪. )4‬‬
‫وقال ربيعة بن كلثوم‪" :‬نظر إلينا الحسن ونحن حوله شباب فقال‪ :‬يا معشر الشباب‪ ،‬أما تشتاقون‬
‫إلى الحور العين؟ " (‪. )5‬‬
‫وقال ابن أبي الحواري حدثني الحضرمي قال‪" :‬نمُت أنا وأبو حمزة على سطٍح ‪ ،‬فجعلُت أنظُر‬
‫إليِه يتقَّلُب على فراشه إلى الصباح‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أبا حمزة ما رقدَت الليلة؟ فقال‪ :‬إَّني لَّم ا اضطجعُت‬
‫تمَّثلت لي حوراء حَّتى كأِّني أحَسْس ت بجلدها قد مَّس جلدي‪ ،‬فحَّدثُت به أبا سليمان فقال‪ :‬هذا‬
‫رجٌل كان مشتاًقا" (‪. )6‬‬
‫وقال ابن أبي الحواري‪ :‬سمعُت أبا سليمان يقول‪ُ" :‬ينشأ خلق الحور العين إنشاًء‪ ،‬فإذا تكامَل‬
‫خلقهَّن ضربت عليهَّن المالئكة الخيام" (‪. )7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬وقع في "ب" "َك َم ًد ا"‪ ،‬وفي "د" "كًّدا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ما بين المعكوفتين من المطبوعة وابن أبي الدنيا‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)313‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة (‪.)314‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ )315‬وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه ابن ابي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)317‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)318‬‬

‫(‪)1/514‬‬

‫وذكر ابن أبي الدنيا عن صالح المِّر ي عن يزيد الرقاشي قال‪" :‬بلغني أَّن نوًر ا َس َطَع في الجَّنة لم‬
‫يبَق موضع من (‪ )1‬الجَّنة إاَّل دخَل من ذلك النور فيه‪ ،‬فقيل‪ :‬ما هذا؟ قيل‪ :‬حوراء ضحكت في‬
‫وجه زوجها‪ ،‬قال صالح‪ :‬فشهق رجٌل من ناحية المجلس‪ ،‬فلم يزل يشهق حَّتى مات" (‪. )2‬‬
‫وقال ابن أبي الدنيا‪ :‬حدثنا بشر بن الوليد حدثنا سعيد بن َز ْر بي عن عبد الملك الُجْو ِني عن سعيد‬
‫ِء‬
‫بن جبير قال‪ :‬سمعُت ابن عباس يقول‪" :‬لو أَّن حوراء أخرجْت كَّف ها بين الَّس ما واألرِض الفتتَن‬
‫الخالئُق بحسنها‪ ،‬ولو أخرجت َنِص ْيَف ها لكانت الشمس عند حسنه مثل الفتيلة في الشمس ال‬
‫ضوء لها‪ ،‬ولو أخرجت وجهها ألضاء حسنها ما بين السماء واألرِض " (‪. )3‬‬
‫وقال ابن أبي الدنيا‪ :‬حدثني الحسن بن يحيى وكثير العنبري‪ ،‬حدثنا خزيمة أبو محمد عن سفيان‬
‫الثوري قال‪" :‬سطع نوٌر في الجَّنة لم (‪ )4‬يبَق موضٌع في (‪ )5‬الجَّنة إاَّل دخل فيه من ذلك النور‪،‬‬
‫فنظروا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬وقع في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬هـ"‪" :‬في"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)363‬‬
‫وفي سنده صالح المري‪ :‬فيه ضعف‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي الدنيا كما في الترغيب والترهيب (‪.)535 /4‬‬
‫وفيه سعيد بن زربي وهو منكر الحديث‪.‬‬
‫(‪ )4‬هكذا في جميع النسخ‪ ،‬ويحتمل "فلم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في "ب‪ ،‬د"‪" :‬من"‪.‬‬

‫(‪)1/515‬‬
‫فوجدوا ذلك من حوراء ضحكت في وجه زوجها" (‪. )1‬‬
‫ورواه الخطيُب في "تاريخه" من حديث عبيد الَّله (‪ )2‬بن محمد الكرخي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عيسى بن‬
‫يوسف بن الطباع‪ ،‬حدثنا حلبس بن محمد حدثنا سفيان الثوري عن مغيرة عن إبراهيم عن علقمة‬
‫عن عبد الَّله عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪َ" :‬س َطَع نوٌر في الجَّنة فرفعوا رؤوسهم فإذا‬
‫هو من َثْغِر حوراء ضحكت في وجه زوجها" (‪. )3‬‬
‫وقال األوزاعي عن يحيى بن أبي كثير‪" :‬إذا َس َّبحت المرأة من الحوِر العيِن لم يبَق شجرٌة في‬
‫الجَّنة إاَّل ورَّدت عليها (‪. )5( " )4‬‬
‫وقال ابن المبارك‪ :‬حدثنا األوزاعي عن يحيى بن أبي كثير‪" :‬أَّن الحوَر العين يتلقين أزواجهَّن عند‬
‫أبواب الجَّنة فيقلن‪ :‬طالما انتظرناكم فنحن الراضيات فال نسخط‪ ،‬والمقيمات فال نظعن‪،‬‬
‫والخالداُت فال نموُت ‪ ،‬بأحسن أصوات ُس ِم عت وتقول‪ :‬أنت ِح ِّبي وأنا ِح بك‪ ،‬ليس دونك تقصير‬
‫(‪ )6‬وال وراءك معدل" (‪. )7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬لم أقف عليه‪ ،‬وقد تقدم ذكر المرفوع ص (‪.)509‬‬
‫(‪ )2‬في "ج"‪" :‬عبد الَّله"‪.‬‬
‫(‪" )3‬تاريخ بغداد" (‪ ،)163 /11‬وتقدم في ص (‪ ،)509‬الكالم عليه‪.‬‬
‫(‪ )4‬من "أ"‪ ،‬ووقع في نسخة على حاشية "أ" "لها"‪ ،‬وليس في باقي النسخ‪.‬‬
‫(‪ )5‬لم أقف عليه‪.‬‬
‫(‪ )6‬كذا في جميع النسخ‪ ،‬وعند المبارك "مقصر"‪.‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه ابن المبارك في الزهد ‪-‬رواية نعيم‪ -‬رقم (‪ ،)435‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة‬
‫رقم (‪ .)268‬وسنده صحيح‪.‬‬

‫(‪)1/516‬‬

‫الباب الخامس والخمسون‪ :‬في ذكر نكاح أهل الجَّنة ووطئهم والتذاذهم بذلك أكمل لَّذ ٍة‪،‬‬
‫ونزاهة ذلك عن المذي والمني والضعف‪ ،‬وأَّنه ال ُيوجُب ُغساًل‬
‫قد تقدم حديث أبي هريرة‪ :‬قيل يا رسول الَّله‪ ،‬أنفضي إلى نسائنا في الجنة؟ فقال‪" :‬إن الرجل‬
‫لَيِص ُل في اليوم إلى مئة عذراء" (‪ ،)1‬وأَّن إسناده صحيح‪.‬‬
‫وتقدم حديث أبي موسى المتفق على صحته‪" :‬إن للمؤمن في الجنة خيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة‬
‫طولها ستون مياًل ‪ ،‬لُه فيها أهلون يطوف عليهم" (‪.)2‬‬
‫وحديث أنس‪" :‬يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا من الجماع (‪ )4( " )3‬وصححه الترمذي‪.‬‬
‫وروى الطبراني‪ ،‬وعبد الَّله بن أحمد‪ ،‬وغيرهم من حديث لقيط بن عامر أنه قال‪ :‬يا رسول الَّله‬
‫على ما نطلع من الجنة؟ قال‪" :‬على أنهار من عسل ُمصَّف ى‪ ،‬وأنهار من كأس ما بها صداع وال‬
‫ندامة‪ ،‬وأنهار من‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تقدم ص (‪.)503‬‬
‫(‪ )2‬تقدم ص (‪.)296‬‬
‫(‪ )3‬وقع جميع النسخ‪" :‬النساء" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )4‬تقدم ص (‪.)505‬‬

‫(‪)1/517‬‬

‫لبن لم يتغير طعمه‪ ،‬وماء غير آسن‪ ،‬وفاكهة‪َ ،‬لَعْم ُر إلهك مَّم ا تعلمون‪ ،‬وخير من مثله‪ ،‬وأزواج‬
‫مطَّهرة"‪ .‬قلُت ‪ :‬يا رسول الَّلِه َأَو َلَنا فيها أزواج مصلحاٌت ؟ قال‪" :‬الصالحات للصالحين‪ ،‬تلذذوا‬
‫بهَّن (‪ )1‬مثل لَّذ اتكم (‪ )2‬في الدنيا وَيْلَذْذَن بكم (‪ ، )3‬غير أن ال توالد" (‪. )4‬‬
‫وقال ابن وهٍب ‪ :‬أخبرني عمرو بن الحارث عن دَّر اٍج عن ابن ُح جيرة عن أبي هريرة رضي الَّله‬
‫عنه عن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬أَّنه قال‪ :‬يا رسول الَّله أنطأ في الجَّنة؟ قال‪ :‬نعم‬
‫واَّلذي نفسي بيده َدْح ًم ا َدْح ًم ا (‪ ، )5‬فإذا قام عنها رجعت مطَّهرًة بكًر ا" (‪. )6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله‪" :‬تلُّذ ون بهَّن " في "د"‪" :‬تلذونهن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "هـ"‪" :‬لذاذتكم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د"‪" :‬وَيْلَذْذ نكم"‪ ،‬وفي "هـ"‪" :‬ويلذون بكم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تقدم ص (‪ ،)371‬وراجع الكالم عليه ص (‪.)127‬‬
‫(‪َ )5‬دْح ًم ا‪ :‬هو النكاح والوطء بدفع وإزعاج‪ ،‬والتكرار للتأكيد‪.‬‬
‫انظر النهاية (‪.)106 /2‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه ابن حبان في صحيحه (‪ 415 /16‬و ‪ )416‬رقم (‪ ،)7402‬وأبو نعيم في صفة‬
‫الجَّنة (‪.)393‬‬
‫قال الضياء المقدسي في صفة الجَّنة ص (‪" :)132 - 131‬ابن حجيرة‪ :‬اسمه عبد الرحمن‪،‬‬
‫ودَّر اج اسمه عبد الرحمن بن سمعان البصري‪ ،‬وَّثقه يحيى ابن معين‪ ،‬وأخرجه عنه أبو حاتم بن‬
‫حبان في صحيحه‪ ،‬وكان بعض األئمة ينكر بعض حديثه"‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه أسد بن موسى عن ابن لهيعة عن ابن حجيرة به بمثله‪.‬‬
‫ورواُه محمد بن حازم عن راشد بن سعد عن أبي هريرة بمثله‪.‬‬
‫أخرجهما ابن حبيب في وصف الفردوس رقم (‪.)197 ,196‬‬

‫(‪)1/518‬‬

‫وقال الطبراني‪ :‬حدثنا إبراهيُم بن جابر الفقيه‪ ،‬حدثنا محمد بن عبد الملك الدقيقي الواسطي‪،‬‬
‫حدثنا معَّلى (‪ )1‬بن عبد الرحمن الواسطي حدثنا شريك عن عاصم األحول عن أبي المتوكل عن‬
‫أبي سعيد الخدري رضي الَّله عنه قال‪ :‬قال رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إَّن أهل الجَّنة‬
‫إذا جامعوا نساءهم ُعْدَن أبكاًر ا" (‪. )2‬‬
‫قال الطبراني‪" :‬لم يروه عن عاصٍم إاَّل شريك تفَّر د به معَّلى" (‪. )3‬‬
‫قال الطبراني‪ :‬وحدثنا عبداُن بن أحمد حدثنا محمد بن عبد الرحيم (‪ )4‬البرقي‪ ،‬حدثنا عمرو بن‬
‫أبي سلمة حدثنا صدقة عن هاشم بن زيد عن سليم أبي (‪ )5‬يحيى أَّنه سمع أبا ُأمامة رضي الَّله عنه‬
‫يحدث أَّنه سمع رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬وسئل‪ :‬هل يتناكح أهُل الجَّنة؟ قال‪ِ :‬بَذ َك ٍر‬
‫ال َيَم ُّل‪ ،‬وشهوٍة ال تنقطع‪َ ،‬دْح ًم ا َدْح ًم ا" (‪. )6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬يعلى"‪ ،‬وفي "ج" "محمد" وكالهما خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبراني في الصغير (‪ )160 /1‬رقم (‪ ،)249‬وأبو الشيخ في العظمة رقم (‪،)583‬‬
‫وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ 365‬و ‪ ،)392‬وابن الجوزي في العلل المتناهية (‪ )930 /2‬رقم‬
‫(‪ )1551‬وغيرهم‪.‬‬
‫والحديث موضوع‪ ،‬تفَّر د به معَّلى بن عبد الرحمن وهو كَّذ اب‪ ،‬ومَّتهٌم بالوضع‪ ،‬انظر‪ :‬تهذيب‬
‫الكمال (‪.)291 - 289 /28‬‬
‫(‪ )3‬وقع في جميع النسخ "يْع لى" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في نسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬عبد الرحمن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في "د"‪" :‬سليم بن أبي" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه الطبراني في الكبير (‪ )202 /8‬رقم (‪ ،)7721‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة (‪.)368‬‬
‫وسنده ضعيف؛ فيه‪ :‬هاشم بن زيد وصدقه بن عبد الَّله الَّس مين ضعيفان‪= .‬‬

‫(‪)1/519‬‬

‫قال الطبراني‪ :‬وحدثنا أحمد بن يحيى الحلواني حدثنا سويد بن سعيد حدثنا خالد بن يزيد بن أبي‬
‫مالك عن أبيه عن خالد بن معدان عن أبي ُأمامة أَّن رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ُ -‬س ِئَل‪:‬‬
‫أيجامُع أهُل الجَّنة؟ قال‪َ :‬دْح ًم ا َدْح ًم ا‪ ،‬ولكن ال َمِنَّي وال َم ِنَّية" (‪. )1‬‬
‫وهاشم وخالد‪ ،‬وإْن ُتكَّلَم فيهما فليس االعتماد عليهما‪ ،‬وقوله‪" :‬ال َم ِنَّي وال َم ِنَّية" أي‪ :‬ال إنزال‬
‫وال موت‪.‬‬
‫وقال أبو نعيم‪ :‬حدثنا أبو علي محمد بن أحمد حدثنا بشر بن موسى‪ ،‬حدثنا أبو عبد الرحمن‬
‫المقرئ حدثنا عبد الرحمن بن زياد حدثنا عمارة بن راشد عن أبي هريرة رضي الَّله عنه عن‬
‫رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬أَّنه ُس ِئَل‪ :‬هل َيَم ُّس أهل الجَّنة أزواجهم؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬بَذ َك ٍر ال‬
‫َيَم ُّل‪ ،‬وفْر ٍج ال يْح َف ى‪ ،‬وشهوٍة ال تنقطع" (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫= انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪ ،)135 /13‬والجرح والتعديل (‪.)103 /9‬‬
‫وله طريق آخر عن سليم بن عامر أبي يحيى عن أبي ُأمامة‪.‬‬
‫عند الطبراني (‪ )7674‬وغيره وسنده ضعيف جًّدا‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني في الكبير (‪ )113 /8‬رقم (‪ ،)7479‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‬
‫‪ 271‬و ‪ ،)367‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)367‬والبيهقي في البعث رقم (‪)407‬‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫والحديث ضعيف جًّدا‪ ،‬مدارُه على خالد بن يزيد‪ ،‬وهو متروك‪ ،‬وكَّذ به ابن معين‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)366‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪،)270‬‬
‫والبزار كما في كشف األستار رقم (‪ )3524‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق عبد الَّله بن يزيد المقرئ عن عبد الرحمن بن زياد به مثله‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه عبدة بن سليمان وجعفر بن عون كالهما عن عبد الرحمن بن زياد =‬

‫(‪)1/520‬‬

‫وقال الحسُن بن سفيان في "مسنده"‪ :‬حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عثمان‬
‫بن أبي العاتكة عن علي بن يزيد (‪ )1‬عن القاسم عن أبي ُأمامة رضى الَّلُه عنه قال‪ُ :‬س ِئَل رسول‬
‫الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ :-‬هل ينكح أهل الجَّنة؟ قال‪" :‬إي واَّلذي بعثني بالحِّق َدْح ًم ا دْح ًم ا ‪-‬‬
‫وأشار بيده ‪ -‬ولكن ال َم ِنَّي وال َم ِنَّية" (‪. )2‬‬
‫وقال سعيد بن منصور‪ :‬حدثنا سفياُن عن أبي (‪ )3‬عمرو عن عكرمة في قوله تعالى‪ِ{ :‬إَّن َأْص َح اَب‬
‫اْلَج َّنِة اْلَيْو َم ِفي ُشُغٍل َفاِكُه وَن (‪[ } )55‬يس‪ ]55 :‬قال‪" :‬في افتضاض األبكار" (‪. )4‬‬
‫__________‬
‫= عن عمارة عن أبي هريرة قوله‪.‬‬
‫وهذا االضطراب من عبد الرحمن بن زياد األفريقي ‪-‬وهو ضعيف‪ ،-‬وأيًض ا عمارة بن راشد‬
‫الكناني‪ :‬قال فيه أبو حاتم‪ :‬مجهول‪ ،‬وأيًض ا روايته عن أبي هريرة مرسلة‪ .‬انظر‪ :‬الجرح والتعديل‬
‫(‪.)365 /6‬‬
‫فالحديث مع وقفه‪ ،‬ضعيف اإلسناد‪ ،‬والَّله أعلم‪.‬‬
‫(‪ )1‬في جميع النسخ "زيد" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ )369‬من طريق الحسن بن سفيان به مثله‪.‬‬
‫وسنده ضعيف جًّدا‪ ،‬فيه علي بن يزيد األلهاني ضعيف‪ ،‬وعثمان بن أبي العاتكة ضعيف في روايته‬
‫عن علي بن يزيد‪ ،‬وقد ضَّعف أبو حاتم هذه السلسلة‪ :‬علي عن القاسم عن أبي ُأمامة فقال‪:‬‬
‫"ليست بالقوَّية هي ضعاف"‪ .‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)182 - 180 /21‬‬
‫(‪ )3‬سقط من جميع النسخ‪ ،‬انظر‪ :‬الموضح للخطيب (‪.)343 - 341 /2‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البيهقي في البعث (‪ )401‬والخطيب في الموضح (‪ )342 /2‬من طريق سعيد بن‬
‫منصور به مثله‪.‬‬
‫‪ -‬ورواه علي بن حرب عن سفيان بن عيينة به مثله‪.‬‬
‫أخرجه الخطيب في الموضح (‪= .)342 - 341 /2‬‬
‫(‪)1/521‬‬

‫وقال عبد الَّله بن أحمد‪ :‬حدثنا أبو الربيع الزهراني ومحمد بن حميد‪ :‬قاال‪ :‬حدثنا يعقوُب بن عبد‬
‫الَّله (‪ )1‬حدثنا حفُص بن ُح ميد عن ِش ْم ر بن عطية عن شقيق بن سلمة عن عبد الَّله بن مسعود في‬
‫قوله تعالى‪ِ{ :‬إَّن َأْص َح اَب اْلَج َّنِة اْلَيْو َم ِفي ُشُغٍل َفاِكُه وَن (‪ } )55‬قال‪ُ" :‬شْغُلهم افتضاض الَعَذ اَر ى"‬
‫(‪. )2‬‬
‫__________‬
‫= ‪ -‬وقد اضطرب فيه أبو عمرو القاص واسمه محمد بن عبد الرحمن بن خالد ابن ميسرة‬
‫القاص‪:‬‬
‫‪ -‬فرواُه أسباط بن محمد من رواية ابنه عبيد‪ ،‬والحسن الطهوي وأسد بن موسى عنه‪ ،‬وسليمان‬
‫التيمي ‪ -‬في الرواية الَّر اجحة عنه ‪ -‬عن أبي عمرو القاص عن عكرمة عن ابن عباس فذكرُه‪.‬‬
‫أخرجه الطبري (‪ ،)18 /23‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)277‬وابن حبيب في وصف‬
‫الفردوس رقم (‪.)201‬‬
‫ورواُه هناد بن السري في الزهد (‪ )89‬عن أسباط بن محمد عن أبي عمرو عن عكرمة قوله‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه الثوري عن أبي عمرو عن عكرمة قوله‪.‬‬
‫أخرجه ابن المبارك في الزهد رقم (‪.)1586‬‬
‫وعليه فاألثُر مضطرب اإلسناد‪ ،‬وأبو عمرو هذا لم يوثقه إاَّل ابن حبان‪ ،‬وأيًض ا لم يتابع أبو عمرو‬
‫عليه فحْسُبُه إن صَّح أْن يكون من قول عكرمة كما رواُه الثوري وابن عيينة وهو أشبه‪ ،‬والَّله‬
‫أعلم‪.‬‬
‫وقد جاء عن ابن عباس من وجوه وال تثبت‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تفسير ابن وهب (‪ ،)22 /1‬وابن حبيب فى وصف الفردوس ص (‪ ،)90‬والقرطبي (‪/15‬‬
‫‪.)43‬‬
‫(‪ )1‬وقع في "أ‪ ،‬ج"‪" :‬عبيد الَّله" وهو خطأ‪ ،‬انظر‪ :‬الجرح والتعديل (‪.)210 - 209 /9‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجنة (‪ ،)375‬وابن أبي الدنيا رقم (‪ ،)276‬والطبري =‬

‫(‪)1/522‬‬
‫وقال الحاكم‪ :‬أنبأنا األصُّم أنبأنا العباس بن الوليد‪ ،‬أخبرني شعيب‪ ،‬عن األوزاعي في قول الَّلِه‬
‫تعالى‪ِ{ :‬إَّن َأْص َح اَب اْلَج َّنِة اْلَيْو َم ِفي ُشُغٍل َفاِكُه وَن (‪ } )55‬قال‪" :‬شغلهم افتضاض األبكار" (‬
‫‪. )1‬‬
‫وقال مقاتل‪ُ" :‬ش ِغُلوا بافتضاض العذارى عن أهل الَّناِر فال يذكرونهم وال يْه تُّم ون لهم" (‪. )2‬‬
‫وقال أبو األحوص‪ُ" :‬ش ِغلوا بافتضاض األبكاِر على الُّس رر في الِح َج اِل " (‪. )3‬‬
‫ِة‬ ‫ِه‬ ‫ِم‬
‫وقال سليمان التيمي عن أبي ْج َلٍز ‪ :‬قلُت البن عباس‪ :‬قوُل الَّل تعالى‪ِ{ :‬إَّن َأْص َح اَب اْلَج َّن اْلَيْو َم‬
‫ِفي ُشُغٍل َفاِكُه وَن (‪ } )55‬ما شغلهم؟ قال‪" :‬افتضاض األبكاِر " (‪. )4‬‬
‫__________‬
‫= في تفسيره (‪ )18 - 17 /23‬والحكيم الترمذي في مشكل القرآن كما في تفسير القرطبي (‬
‫‪ ،)43 /15‬وسند حسن‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه البيهقي في البعث رقم (‪ )400‬وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر تفسير مقاتل (‪.)89 /3‬‬
‫(‪ )3‬لم أقف عليه‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجنة رقم (‪.)376‬‬
‫من طريق سهل بن زياد الطحان عن سليمان التيمي به فذكره‪.‬‬
‫وسهل هذا‪ :‬قال األزدي "منكر الحديث"‪ .‬اللسان (‪.)135 /3‬‬
‫وقد خولف سهل في سنده‪:‬‬
‫فرواه يزيد بن زريع ‪-‬كما سيأتي قريًبا‪ -‬ومعتمر بن سليمان كالهما عن سليمان التيمي عن أبي‬
‫عمرو عن عكرمة عن ابن عباس فذكره‪.‬‬
‫أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنة رقم (‪ )277‬والطبري (‪= .)18 /23‬‬

‫(‪)1/523‬‬

‫وقال ابن أبي الدنيا‪ :‬حدثنا ُفضيل بن عبد الوهاب حدثنا يزيد بن ُز ريع عن سليمان التيمي عن أبي‬
‫عمرو عن عكرمة عن ابن عباس {ِفي ُشُغٍل َفاِكُه وَن (‪ } )55‬قال‪" :‬في افتضاض العذارى"‪.‬‬
‫حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا يحيى بن يمان‪ ،‬عن أشعث عن جعفر عن سعيد بن ُج بير [قال]‪:‬‬
‫"إَّن شهوته لتجري فى جسدها سبعين عاًم ا تجُد اَّللذة" (‪. )1‬‬
‫ٍة‬ ‫ِح‬
‫وال يلحقهم بذلك َج َنابة‪ ،‬فيحتاجون إلى الَّتطهير‪ ،‬وال ضعف وال ان الل قَّو ‪ ،‬بل وطؤهم وطُء‬
‫التذاٍذ ونعيم‪ ،‬ال آفة فيه بوجٍه من الوجوه"‪ .‬وأكمُل الَّناِس فيه أصونهم لنفسه في هذه الَّداِر عن‬
‫الحراِم ‪ ،‬فكما أَّن من شرَب الخمر في الدنيا لم يشربها في اآلخرة‪ ،‬ومن لبَس الحرير في الدنيا لم‬
‫َيْلبْس ُه في اآلخرة‪ ،‬وَمْن أكل في صحاف الذهب والفضة في الدنيا لم يأكل فيها في اآلخرة‪ ،‬كما‬
‫قال الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إَّنها لهم في الدنيا‪ ،‬ولكم في اآلخرة" (‪. )2‬‬
‫فمن استوفى طيباته ولذاته وأذهبها في هذه الدار (‪ُ )3‬ح ِرَم ها هناك‪ ،‬كما نعى (‪ )4‬سبحانه وتعالى‬
‫على من أْذَه َب طيباته في الدنيا واستمتع بها‪ ،‬ولهذا كان الصحابة ‪ -‬ومن تبعهم ‪ -‬يخافون من‬
‫ذلك أشد الخوف‪،‬‬
‫__________‬
‫= وهذا هو الصحيح عن سليمان التيمي‪ ،‬وقد تقدم قريًبا ذكر االختالف فيه‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنة رقم (‪ )278‬مختصًر ا‪.‬‬
‫(‪ )2‬تقدم ص (‪.)417‬‬
‫(‪ )3‬في "ب" "الدنيا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في "أ‪ ،‬ج‪ ،‬هـ"‪" :‬نفى"‪.‬‬

‫(‪)1/524‬‬

‫وذكر اإلمام أحمد‪ ،‬عن جابر بن عبد الَّله‪" :‬أنه رآه عمر ومعه لحم قد اشتراه ألهله بدرهم‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ما هذا؟ قال‪ :‬لحم اشتريته ألهلي بدرهم‪ ،‬فقال‪ :‬أوكلما اشتهى أحدكم شيًئا اشتراه! أما‬
‫سمعت الَّله تعالى يقول‪َ{ :‬أْذَهْبُتْم َطِّيَباِتُك ْم ِفي َحَياِتُك ُم الُّد ْنَيا َو اْسَتْم َتْعُتْم ِبَه ا} [األحقاف‪( ]20 :‬‬
‫‪. )1‬‬
‫وقال اإلمام أحمد‪ :‬حدثنا عفان‪ ،‬حدثنا جرير بن حازم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الحسن قال‪ :‬قدم وفد أهل‬
‫البصرة مع أبي موسى على عمر‪ ،‬فكنا ندخل عليه كل يوم وله خبز ُيَلُّت (‪ ، )2‬ربما وافقناها‬
‫مأدومة بالسمن‪ ،‬وربما وافقناها مأدومة بالزيت‪ ،‬وربما وافقناها مأدومة باللبن‪ ،‬وربما وافقنا‬
‫القدائد (‪ )3‬اليابسة‪ ،‬قد دقت ثم أغلي بها‪ ،‬وربما وافقنا اللحم الغريض وهو قليل‪ ،‬فقال ذات‬
‫يوم‪ :‬إني والَّله قد أرى تعذيركم (‪ )4‬وكراهيتكم لطعامي‪ ،‬إني والَّله لو شئت لكنت من ألينكم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في الزهد رقم (‪.)651‬‬
‫من طريق األعمش عن بعض أصحابه قال‪ :‬مَّر جابر بن عبد الَّله فذكره‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه عبد الَّله بن عمر العمري ‪-‬ضعيف‪ -‬عن وهب بن كيسان عن جابر فذكر نحوه‪.‬‬
‫أخرجه أبو داود في الزهِد رقم (‪.)64‬‬
‫وهذا يدُّل على أَّن للحديث أصاًل ثابًتا‪.‬‬
‫(‪ )2‬اضطربت النسخ في هذه اَّللفظة‪ ،‬ففي "أ‪ ،‬هـ" "ثالثة"‪ ،‬وفي "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د" "ثلثة"‪ .‬ولعَّل‬
‫الصواُب ما أثبته كما جاء عند ابن المبارك وغيره‪.‬‬
‫والَّلُّت ‪ :‬الخلُط ‪.‬‬
‫(‪ )3‬وقع في "ج"‪" :‬القرائد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في "د"‪" :‬تقديركم"‪ ،‬وفي نسخٍة على حاشية "أ" "تعزيركم"‪ .‬والتعذير‪ :‬التقصير في األكِل ‪.‬‬

‫(‪)1/525‬‬

‫طعاًم ا‪ ،‬وأرَّقكم عيًش ا‪ ،‬ولكني سمعت الَّله تعالى عَّيَر قوًم ا بأمر فعلوه‪ ،‬فقال‪َ{ :‬أْذَهْبُتْم َطِّيَباِتُك ْم ِفي‬
‫َحَياِتُك ُم الُّد ْنَيا َو اْسَتْم َتْعُتْم ِبَه ا} [األحقاف‪. )1( ]20 :‬‬
‫فمن ترك اللذة المحرمة لَّله استوفاها يوم القيامة أكمل ما تكون‪ ،‬ومن استوفاها ها هنا ُح ِر َم ها‬
‫هناك‪ ،‬أو نقص كمالها‪ ،‬فال يجعل الَّله لذة من أوضع في معاصيه ومحارمه‪ ،‬كلذة من ترك شهوته‬
‫لَّله أبًد ا (‪ ، )2‬والَّله أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو نعيم في الحلية (‪ ،)49 /1‬وابن سعد في الطبقات (‪ ،)279 /3‬والبالذري في‬
‫األنساب في ترجمة الشيخين ص (‪.)184‬‬
‫‪ -‬ورواُه ابن المبارك وحماد بن ُأسامة ومحمد بن أبان الواسطي كلهم عن جرير بن حازم به‬
‫نحوه‪.‬‬
‫أخرجه ابن المبارك في الزهد (‪ ،)579‬وابن سعد في الطبقات (‪ ،)279 /3‬والبالذري في‬
‫األنساب ص (‪.)184‬‬
‫وأخرجه عبد الَّله بن أحمد في زوائد الزهد رقم (‪ )593‬من طريق سليم بن أخضر عن جعفر‬
‫"لعَّله العطاردي" عن الحسن قال‪ :‬أنبأنا األحنُف بن قيس قال ُك َّنا نشهد طعام عمر رضي الَّلُه عنه‬
‫فيوًما لحًم ا غريًض ا‪ ،‬ويوًم ا قديًد ا‪ ،‬ويوًما زيًتا‪.‬‬
‫وسندُه صحيح‪ ،‬وهذا يدُّل أَّن لتلك القَّصة أصاًل صحيًح ا‪.‬‬
‫ورواها عبد الرحمن بن أبي ليلى وقتادة نحوه‪.‬‬
‫عند أبي نعيم في الحلية (‪ ،)49 /1‬والبالذري ص (‪.)187‬‬
‫(‪ )2‬في "هـ"‪" :‬لَّله تعالى" بدل "لَّله أبًد ا"‪.‬‬

‫(‪)1/526‬‬

‫الباب السادس والخمسون‪ :‬في اختالف الناس هل في الجنة َحْم ٌل َو ِو الدة أم ال؟‬
‫قال الترمذي في "جامعه"‪ :‬حدثنا بندار‪ ،‬حدثنا معاذ بن هشام‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬عن عامر‬
‫األحول‪ ،‬عن أبي الصديق الناجي‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري ‪-‬رضي الَّله عنه‪ ،-‬قال رسول الَّله ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسُّنه في ساعٍة‪،‬‬
‫كما يشتهي" (‪.)1‬‬
‫قال‪" :‬هذا حديٌث حسٌن غريب"‪ .‬وقد اختلَف أهل العلم في هذا‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الترمذي برقم (‪ ،)2563‬وابن ماجه (‪ ،)4338‬وأحمد (‪ 9 /3‬و ‪ ،)80‬وابن أبي‬
‫الدنيا في صفة الجَّنة (‪ ،)280‬وابن حبان في صحيحه رقم (‪ ،)7404‬وأبو الشيخ في العظمة‬
‫رقم (‪ )585‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق‪ :‬محمد بن بشار بندار والقواريري عبيد الَّله بن عمر وأبو هاشم محمد بن يزيد الرفاعي‬
‫وعلي بن المديني كلهم عن معاذ به مثله‪.‬‬
‫ورواُه عمرو بن علي الفالس عن معاذ عن أبيه عن عاصم األحول به بلفظ‪" :‬إذا أراد المؤمن‬
‫الولد‪ ،‬فإَّن حمله ووضعه وشبابه في ساعٍة‪ ،‬كما يشتهي"‪.‬‬
‫أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة (‪ )124 /2‬رقم (‪.)275‬‬
‫ورواية الجماعة أصُّح وأثبت‪.‬‬
‫والحديث صححه ابن حبان وحسنه الترمذي مع قوله‪ :‬غريب‪ ،‬لوروده من وجٍه آخر‪.‬‬
‫وأشار البخاري إلى تفرده‪ ،‬وإلى المخالفة في متنه لحديث أبي رزين العقيلي‪.‬‬
‫وعامر األحول في حفظه مقال‪.‬‬
‫(‪)1/527‬‬

‫فقال بعضهم‪ :‬في الجَّنة جماع‪ ،‬وال يكون ولد‪ ،‬هكذا روي عن طاووس ومجاهد وإبراهيم‬
‫النخعي (‪. )1‬‬
‫وقال محمد ‪-‬يعني البخاري‪ :-‬قال إسحاق بن إبراهيم في حديث الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪" :-‬إذا اشتهى المؤمن الولَد في الجَّنة كان في ساعة كما َيشتهي" ولكن ال يشتهي‪ .‬قال‬
‫محمد‪ :‬وقد روي عن أبي َر ِز ين الُعَق يلي عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إَّن أهل الجَّنة ال‬
‫يكون لهم فيها ولد"‪ .‬وأبو الصديق الناجي‪ :‬اسمه بكر بن عمرو‪ ،‬ويقال‪ :‬بكر بن قيس" انتهى‬
‫كالم الترمذي‪.‬‬
‫قلُت ‪ :‬إسناد حديث أبي سعيد على شرط الصحيح‪ ،‬فرجاله محتج بهم فيه؛ ولكَّنه غريب جًّدا‪،‬‬
‫وتأويل إسحاق فيه نظر‪ ،‬فإَّنه قال‪" :‬إذا اشتهى المؤمُن الولد‪ .‬فـ "إذا" للُم َتَح َّق ِق (‪ )2‬الوقوع‪ ،‬ولو‬
‫ُأرِيد ما ذكره من المعنى لقال‪ :‬لو اشتهى المؤمن الولد لكان حمله في ساعة‪ ،‬فإَّن ما ال يكون‬
‫أحَّق بأداة "لو" كما أَّن المحَّق َق الوقوع أحُّق بأداِة "إذا"‪.‬‬
‫وقد قال أبو نعيم‪ :‬حدثنا عبدان بن أحمد حدثنا أحمد (‪ )3‬بن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ويضاف إليهم‪ :‬عطاء بن أبي رباح‪ ،‬وعطاء الخراساني‪ ،‬وقتادة وهو ثابٌت عنهم كلهم‪.‬‬
‫انظر‪ :‬مصنف عبد الرزاق (‪ 420 /11‬و ‪ ،)421‬والزهد لهناد رقم (‪ ،)92 ،91‬وصفة الجَّنة‬
‫البن أبي الدنيا رقم (‪ 282‬و ‪ ،)293‬وتفسير الطبري (‪.)176 - 175 /1‬‬
‫(‪ )2‬في "ب‪ ،‬د"‪" :‬للمحَّق ق"‪ ،‬وفي "هـ"‪" :‬لتحقيق"‪.‬‬
‫(‪ )3‬قوله‪" :‬حدثنا أحمد" سقط من "هـ"‪.‬‬

‫(‪)1/528‬‬

‫إسحاق حدثنا أبو أحمد الزبيري‪ ،‬حدثنا سفيان الثوري‪ ،‬عن أبان‪ ،‬عن أبي الصديق الناجي‪ ،‬عن‬
‫أبي سعيد الخدري رضي الَّله عنه قال‪ :‬قيل يا رسول الَّله‪ ،‬أيوَلُد ألهِل الجَّنة‪ ،‬فإَّن الولَد من تمام‬
‫السرور؟ فقال‪" :‬نعم واَّلذي نفسي بيده‪ ،‬وما هو إاَّل كقدر ما يتمَّنى أحدكم فيكون حمله ورضاعه‬
‫وشباُبه" (‪. )1‬‬
‫حدثنا أبو الحسن علي بن إبراهيم بن أحمد الَّر ازي بمكة حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن إدريس‬
‫حدثنا سليمان بن داود القَّز از‪ ،‬حدثنا يحيى بن حفص األسدي‪ ،‬قال‪ :‬سمعُت أبا عمرو بن العالء‪،‬‬
‫ُيَح ِّد ُث عن جعفر بن زيد (‪ )2‬العبدي عن أبي الصديق الَّناجي عن أبي سعيد الخدري رضي الَّله‬
‫عنه قال‪ :‬قال رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إَّن الرجَل من أهل الجَّنة ليولد له كما‬
‫يشتهي‪ ،‬فيكون حمله وفصاله وشبابه في ساعٍة واحدٍة" (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)275‬وهناد في الزهد رقم (‪ ،)93‬وعبد بن حميد‬
‫في مسنده "المنتخب رقم ‪."937‬‬
‫وسنده ضعيف جًّدا‪ ،‬فيه أبان ابن أبي عياش‪ :‬متروك الحديث‪ .‬انظر‪ :‬التقريب رقم (‪.)142‬‬
‫(‪ )2‬في "هـ"‪" :‬ثوبان"‪ ،‬وفي باقي النسخ "ثور"‪ ،‬والتصويب من الجرح والتعديل (‪،)480 /2‬‬
‫والبعث للبيهقي‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة (‪ )124 /2‬رقم (‪ ،)275‬وفي أخبار أصبهان (‪،)296 /2‬‬
‫والبيهقي في البعث رقم (‪.)442‬‬
‫وفيه‪ :‬يحيى بن حفص األسدي‪ :‬لم أقف عليه‪ ،‬فإْن كان هو الكرخي فهو ال يعرف‪ .‬انظر‪ :‬اللسان‬
‫(‪.)328 /6‬‬

‫(‪)1/529‬‬

‫وحديث معاُذ بن هشام‪ ،‬قال فيه ُبْنَد ار‪ :‬عامر األحول‪ ،‬وقال عمرو ابن علي‪ :‬عاصم األحول‪.‬‬
‫وقال الحاكُم ‪ :‬أنبأنا األصم‪ ،‬حدثنا محمد بن عيسى حدثنا ساَّل م ابن سليمان‪ ،‬حدثتا ساَّل م الطويل‬
‫عن زيد العِّم ي عن أبي الصديق الَّناجي عن أبي سعيد الخدري يرفعه‪" :‬إَّن الرجل من أهل الجَّنة‬
‫ليشتهي الولَد في الجَّنة‪ ،‬فيكون حمله وفصاله وشبابه في ساعٍة واحدٍة" (‪. )1‬‬
‫قال البيهقي‪" :‬هذا إسناد ضعيف بمَّر ة"‪.‬‬
‫وأَّما حديث أبي َر ِز ين اَّلذي أشاَر إليه البخاري فهو حديثه الطويل‪ ،‬ونحن نسوقه بطوله نجِّم ل به‬
‫الكتاب فعليه من الجاللة والمهابة ونوِر النبوة ما ينادي على ِص َّح ته‪.‬‬
‫قال عبد الَّله بن اإلمام أحمد في "مسند أبيه"‪ :‬كتب إلَّي (‪ )2‬إبراهيم ابن حمزة بن محمد بن‬
‫حمزة (‪ )3‬بن مصعب بن الزبير الزبيري (‪ : )4‬كتبت إليك بهذا الحديث وقد عرضته وسمعتُه‬
‫على ما كتبُت به إليك‪ ،‬فحِّدث بذلك عَّني‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد الرحمن بن المغيرة الخزامي قال‪:‬‬
‫حدثني عبد الرحمن بن عَّياش الَّس َم ِعي (‪ )5‬األنصاري ‪-‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه البيهقي في البعث رقم (‪.)440‬‬
‫وهو ضعيف جًّدا‪ ،‬فيه ساَّل م الطويل‪ :‬متروك الحديث‪.‬‬
‫(‪ )2‬سقط من "هـ"‪.‬‬
‫(‪ )3‬قوله "بن حمزة" من "هـ"‪.‬‬
‫(‪ )4‬من "أ‪ ،‬ب‪ ،‬هـ"‪.‬‬
‫(‪ )5‬قوله‪" :‬عياش الَّس َم ِعي" في جميع النسخ "عابس المسمعي" وهو خطأ‪ ،‬ووقع =‬

‫(‪)1/530‬‬

‫من بني عمرو بن عوف ‪ -‬عن َدْلهم بن األسود بن عبد الَّله بن حاجب بن عامر بن الُم ْنَتِف ق‬
‫الُعَق يلي عن أبيه عن عِّم ه لقيط بن عامر قال َدْلهم‪ :‬وحَّدثنيه أيًض ا (‪ )1‬أبي األسوُد عن عاصم بن‬
‫َلِق ْيط‪ :‬أَّن لقيًطا خرج وافًد ا إلى رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬ومعه صاحٌب له ُيقال له‬
‫َنِه ْيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق‪ .‬قال لقيط‪ :‬فخرجُت أنا وصاحبي حتى قدمنا على رسول‬
‫الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬حين انصرف من صالة الغداة‪ ،‬فقام في الَّناِس خطيًبا فقال‪" :‬أيها‬
‫الَّناُس أاَل إِّني قد خبأُت لكم صوتي منذ أربعة أَّياٍم أال ُألْس ِم عَّنُك م (‪ ، )2‬أاَل َفَه ْل من اْم رٍئ بعثه‬
‫قومه؟ فقالوا‪ :‬اعلم لنا ما يقول رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪-‬؟ أال ُثَّم لعله أْن يلهيه حديُث‬
‫نفسه‪ ،‬أو حديث صاحبه أو يلهيه الَّضالل‪ ،‬أاَل وإِّني مسؤول هل بَّلْغُت ‪ ،‬أال اسمعوا تعيشوا‪ ،‬أال‬
‫اجلسوا‪ ،‬أال اجلسوا‪ ،‬قال‪ :‬فجلس الَّناُس ‪ ،‬وقمُت أنا وصاحبي‪ ،‬حَّتى إذا فَّر غ لنا فؤاده وبصره‪،‬‬
‫قلُت ‪ :‬يا رسول الَّلِه ما عندك من علم الغيب؟ فضحك لَعْم ُر الَّلِه وهَّز رأسُه‪ ،‬وعلم أِّني أبتغي‬
‫َس ْقَطًة (‪ ، )3‬فقال‪َ :‬ض َّن رُّبَك عَّز وجَّل بمفاتيح خمس من الغيب ال يعلمها إاَّل الَّلُه‪ ،‬وأشار بيده‪،‬‬
‫قلُت ‪ :‬وما هي؟ قال‪ :‬علم الَم ِنَّية‪ ،‬قد َعِلَم متى منية أحدكم وال تعلمونه‪ ،‬وِع ْلم المنِّي حين يكون‬
‫في الَّر حم قد علمه وال تعلمون (‪ ، )4‬وعلم ما في غٍد ما أنت طاعٌم غًد ا‪ ،‬وال تعلمه‪ ،‬وعلم يوم‬
‫الغيث يشرف‬
‫__________‬
‫= في "هـ" "عباس" بدل "عياش" وقد قيل به‪.‬‬
‫(‪ )1‬من "د"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب"‪" :‬ألسمعكم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬جاء في "المسند" "لسقطه"‪ ،‬وفي نسخٍة على "د" "مظرة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬من قوله "وعلم المني" إلى "تعلمون" من "د"‪.‬‬

‫(‪)1/531‬‬

‫عليكم أزلين مشفقين‪ ،‬فيظل يضحك‪ ،‬قد علم أَّن ِغ َيَر ُك م إلى قرب" (‪ ، )1‬قال لقيط‪ :‬قلُت ‪ :‬لن‬
‫نعدم من رٍّب يضحك خيًر ا‪ ،‬وعلَم يوم الَّس اعة‪ ،‬قلُت ‪ :‬يا رسول الَّله‪ ،‬علمنا مما ُتَعَّلُم الَّناَس ‪ ،‬وما‬
‫َتْع َلُم‪ ،‬فإَّنا من َقبيٍل ال يصدقون تصديقنا أحد‪ :‬من َمْذ ِح ج التي َتْر ُبوا علينا‪ ،‬وخثعم التي توالينا‪،‬‬
‫وعشيرتنا التي نحن منها‪ .‬قال‪ :‬تلبثون ما لبثتم‪ ،‬ثَّم ُيَتوَّفى نبيكم‪ ،‬ثَّم تلبثون ما لبثتم‪ ،‬ثَّم ُتْبَعُث‬
‫الصائحة‪ ،‬لَعْم ُر إلِه َك ما تَدُع على ظهرها شيًئا إاَّل ماَت ‪ ،‬والمالئكة اَّلذين مع رِّبك عَّز وجَّل‪،‬‬
‫فأصبَح رُّبَك عَّز وجَّل يطوُف في األرِض وخَلْت عليه البالد‪ ،‬فأرسل رُّبك عَّز وجَّل السماء‬
‫بَه ْض ٍب (‪ )2‬من عند العرِش ‪ ،‬فلعمُر إلهك ما تدُع على ظهرها من مصرع (‪ )3‬قتيل‪ ،‬وال مدفن‬
‫ميت إاَّل شَّق ت القبر عنه‪ ،‬حَّتى تخلقه (‪ )4‬من عند رأسِه‪ ،‬فيستوي جالًس ا‪ ،‬فيقول ربك‪َ :‬م ْه َيْم (‪)5‬‬
‫‪ ،‬لما كان فيه‪ .‬يقول‪ :‬يا رب أِم ْتني اليوم‪ ،‬ولعهده بالحياِة يحسبه حديًثا بأهله‪ ،‬فقلُت ‪ :‬يا رسول‬
‫الَّله‪ ،‬كيف يجمعنا بعدما ُتمزقنا الِّر ياح والِبَلى والِّس باع؟ قال‪ُ :‬أْنِبُئك بمثل ذلك في آالِء الَّله‪:‬‬
‫األرض‪ ،‬أشرفت عليَه ا وهي مدرة بالية‪ ،‬فَق لت‪ :‬ال تحيا أبًد ا‪ ،‬ثَّم أرسل ربك عَّز وجل عليها‬
‫السماء فلم تلبث عليك إاَّل أَّياًم ا حتى أْش رْفَت عليها‪ ،‬وهي َش َر َّبة واحدة‪ ،‬وَلَعْم ُر إلهك لهو أقدُر‬
‫على أْن يجمعهم من الماِء على أْن يجمع نبات األرِض ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬إلَّي قريب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "د"‪" :‬تهِض ب"‪ .‬والمراد‪ :‬المطر‬
‫(‪ )3‬في نسخٍة على "د"‪" :‬مفزع"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في "هـ" ونسخٍة على "أ"‪" :‬تجعله" وفي "أ‪ ،‬ج"‪" :‬تخلفه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬كلمة استفهام‪ ،‬أي‪ :‬ما حالك؟ وما شأنك‪ ،‬أو‪ :‬ما وراءك‪ .‬الوسيط‪ ،‬ص (‪.)929‬‬

‫(‪)1/532‬‬

‫فيخرجون من األصواء (‪ ، )1‬ومن مصارعهم‪ ،‬فتنظرون إليه وينظر إليكم (‪ ، )2‬قال‪ :‬قلُت ‪ :‬يا‬
‫رسول الَّله‪ ،‬فكيف ونحن ملء األرض‪ ،‬وهو شخص واحد ينظر إلينا وننظُر إليه‪ ،‬قال‪ُ :‬أْنِبُئك بمثل‬
‫ذلك في آالِء الَّله عَّز وجَّل‪ :‬الشمس والقمر آية منه صغيرة ترونهما ويريانكم ساعًة واحدًة‪ ،‬ال‬
‫تضارون في رؤيتهما‪ ،‬ولعمُر إلهك‪ ،‬لهو أقدُر على أْن يراكم وترونه منهما (‪ ، )3‬قلُت ‪ :‬يا رسول‬
‫الَّلِه ‪ ،‬فما يفعل ربنا عَّز وجَّل‪ ،‬إذا لقيناه؟ قال‪ :‬تعرضون عليه باديًة له َص َف حاتكم ال يخفى عليه‬
‫منكم خافية‪ ،‬فيأخذ ربك عَّز وجَّل بيده ُغْر َفًة من الماِء فينضح ِقَبلكم (‪ )4‬بها‪ ،‬فلعمُر إلهك ما‬
‫تخطئ وجه أحدكم منها قطرة‪ ،‬فأَّم ا المسلم فتدع وجهه مثل الَّر يطة (‪ )5‬البيضاء‪ ،‬وأَّما الكافُر‬
‫فتخطمه بمثل ال مم األسود‪ ،‬أال ُثَّم ينصرف نبيكم ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬ويفترُق على أثرِه‬
‫ُح‬
‫الَّص الحون‪ ،‬فيسلكون جْسًر ا من الَّناِر ‪ ،‬فيطأ أحدكم الجمرة فيقول‪َ :‬ح ِّس (‪ ، )6‬فيقول ربك‪:‬‬
‫َأَو اُنُه‪ ،‬فتَّطِلُعون على حوِض الرسول ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬على ظمإ ‪-‬والَّله‪ -‬ناهلة قط رأيتها‪،‬‬
‫فلعمُر إلهك ما يبسط واحد منكم يدُه إاَّل وقَع عليها قدح مطهرة من‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬األصواء‪ :‬القبور‪ .‬من حاشية (د)‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "أ"‪" :‬إليهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬كتب ناسخ "أ" عليها "كذا"‪ ،‬وفي المسند "من أْن ترونهما ويريانكم‪ ،‬ال تضارون في‬
‫رؤيتهما"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في بعض نسخ المسند "فيبُّلكم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬الَّر يطة‪ :‬كل مالءة ليست ِبِلْفَق ين‪ ،‬وقيل‪ :‬كل ثوب رقيق لِّين‪.‬‬
‫الِّنهاية (‪.)289 /2‬‬
‫(‪ )6‬كلمة ُتقال عند األلم المفاجئ‪ .‬الوسيط ص (‪.)194‬‬

‫(‪)1/533‬‬
‫الَّطْو ف (‪ )1‬والبول واألذى‪ ،‬وُتْح بس الشمس والقمِر ‪ ،‬فال ترون منهما واحًد ا‪ ،‬قال‪ :‬قلُت ‪ :‬يا‬
‫رسول الَّلِه َفِبَم ا ُنْبِص ُر ؟ قال‪ :‬بمثل بصرك ساعتك هذه‪ ،‬وذلك مع طلوع الشمس في يوم أشرقته‬
‫األرض‪ ،‬ثَّم واجهته الجبال‪ .‬قال‪ :‬قلُت ‪ :‬يا رسول الَّلِه َفبَم ا ُنْجَز ى من حسناتنا وسيئاتنا؟ قال‪:‬‬
‫الحسنة بعشر أمثالها‪ ،‬والسيئة بمثلها إاَّل أْن يعفو‪ ،‬قال‪ :‬قلُت ‪ :‬يا رسول الَّلِه ما الجَّنة‪ ،‬ما الَّنار؟‬
‫قال‪ :‬لعمُر إلهك إَّن للَّناِر سبعة أبواٍب ما منهَّن بابان إاَّل يسير الَّر اكُب بينهما سبعين عاًما‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قلُت ‪ :‬يا رسول الَّلِه فعلى ما نَّطِلُع من الجَّنة؟ قال‪ :‬على أنهار من َعَس ٍل مصَّف ى‪ ،‬وأَّنهاٍر من كأس‬
‫ما بها من صداع وال ندامة‪ ،‬وأنهار من لبن لم يتغير طعمه‪ ،‬وماٍء غير آسٍن ‪ ،‬وبفاكهٍة َلَعْم ُر إلهك ما‬
‫تعلمون وخير من مثله معه‪ ،‬وأزواج مطهرة‪ ،‬قلُت ‪ :‬يا رسول الَّله‪ ،‬ولنا فيها أزواج أو منهَّن‬
‫ُمْص لحات؟ قال‪ :‬الصالحات للصالحين‪ ،‬تلذوا بهَّن (‪ )2‬مثل لَّذ اتكم في الدنيا‪ ،‬ويلذذن (‪ )3‬بكم‬
‫غير أْن ال توالد‪ ،‬قال لقيط‪ :‬فقلُت ‪ :‬أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه‪ ،‬فلم يجبه الَّنبي ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪ .-‬فقلُت ‪ :‬يا رسول الَّله على ما أبايعك؟ قال فبسط الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪ -‬يده‪ ،‬وقال‪ :‬على إقام الصالة وإيتاء الزكاة‪َ ،‬و ِز َيال الشرك‪ ،‬وأْن ال تشرك بالَّله إلًه ا غيره‪.‬‬
‫قال‪ :‬قلُت ‪ :‬وإَّن لنا ما بين المشرق والمغرب؟ فقبض الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬يده وظن‬
‫أِّني مشترٌط شيًئا ال يعطينيه‪ .‬قال‪ :‬قلُت ‪َ :‬نُح ُّل منها حيث شئنا‪ ،‬وال يجني‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬جاء في حاشية "د"‪" :‬الطوف‪ :‬الغائط"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "د‪ ،‬ظ"‪" :‬تلذونهَّن "‪ ،‬وفي "تلذون بهَّن " وفي "هـ"‪" :‬تلُّذ بهَّن "‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "أ‪ ،‬هـ"‪" :‬يلذوا بكم"‪ ،‬وفي "ب‪ ،‬د" "يلُذْذ نكم"‪ ،‬وفي "ج"‪" :‬يلذونكم"‪.‬‬

‫(‪)1/534‬‬

‫على امرٍؤ إاَّل نفسه‪ ،‬فبسط يده‪ ،‬وقال‪ :‬ذلك لك َتُح ُّل حيث شئت‪ ،‬وال يجني عليك إاَّل نفسك‪،‬‬
‫قال‪ :‬فانصرفنا عنه‪ ،‬ثَّم قال‪ :‬إَّن هذين (‪ )1‬لعمر إلهك من أتقى (‪ )2‬الَّناِس في األولى واآلخرة‪،‬‬
‫َّل‬
‫فقال له كعب بن الُخ دارَّية أخو بني بكر بن كالب‪َ :‬مْن هم يا رسول ال ه؟ قال‪ :‬بنو المنتفق أهُل‬
‫ذلك‪ ،‬قال‪ :‬فانصرفنا وأقبْلُت عليه فقلُت ‪ :‬يا رسول الَّله‪ ،‬هل ألحٍد ممن (‪ )3‬مضى من خيٍر في‬
‫جاهليتهم؟ قال‪ :‬قال رجل من ُعْر ِض ُقريش‪ :‬والَّله إَّن أباك المنتفق لفي الَّناِر ‪ ،‬قال َفَلكأَّنه (‪)4‬‬
‫وقع َح ٌّر بين ِج ْلدي ووجهي ولحمي مما قال ألبي على رؤوس (‪ )5‬الناس‪ :‬فهممت أن أقول‪:‬‬
‫وأبوك يا رسول الَّله‪ ،‬ثم إذا األخرى أجمل‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول الَّله وأهلك؟ فقال‪" :‬وأهلي لعمر‬
‫الَّله ما أتيت عليه من قبِر عامرًّي أو قرشًّي من مشرك فقل‪ :‬أرسلني إليك محمد ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪ ،-‬فأبشرك بما يسوءك‪ُ ،‬تَج ُّر على وجهك وبطنك في النار"‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول الَّله ما‬
‫فعل بهم ذلك‪ ،‬وقد كانوا على عمل ال ُيحسنون (‪ )6‬إاَّل إَّياُه‪ ،‬وكانوا يحسبونهم مصلحين؟ قال‪:‬‬
‫ذلك ألَّن (‪ )7‬الَّله عَّز وجَّل بعث في‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله "إَّن هذين" من المسند‪ ،‬ووقع في جميع النسخ "ها إن ذين‪ ،‬ها إن ذين‪ . . .‬إن حدثت‬
‫إاَّل أنهما" وفي بعض النسخ "‪ . .‬إَّن حديث إاَّل أَّنها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "د"‪" :‬أبقى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "أ‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬مما"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في نسخة على حاشية "أ"‪" :‬فكأَّنُه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في نسخٍة على حاشية "أ" "رسوس"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في "أ"‪" :‬يحسبون"‪ ،‬وفي "ج"‪" :‬يحُّبون"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في "أ‪ ،‬ب‪ ،‬هـ"‪" :‬بأَّن "‪.‬‬

‫(‪)1/535‬‬

‫آخر كِّل سبع ُأمم ‪-‬يعني نبًيا ‪ -‬فمن عصى نبَّيه كان من الَّضالين‪ ،‬ومن أطاَع نبيه كان من‬
‫المهتدين" (‪. )1‬‬
‫هذا حديٌث كبيٌر مشهوٌر ال يعرف إاَّل من حديث أبي القاسم عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد‬
‫الرحمن المدني (‪ ، )2‬ثَّم من رواية إبراهيم ابن حمزة الزبيري المدني عنه‪ ،‬وهما من كبار علماء‬
‫المدينة المحتج بهما في الصحيح‪ ،‬احتج بهما إمام المحدثين محمد بن إسماعيل البخاري‪ ،‬وروى‬
‫عنهما في مواضع من كتابه‪ .‬رواُه أئمة الحديث في كتبهم‪ ،‬منهم‪ :‬أبو عبد الرحمن عبد الَّله بن‬
‫اإلمام أحمد‪ ،‬وأبو بكر أحمد ابن عمرو بن أبي عاصم‪ ،‬وأبو القاسم الطبراني‪ ،‬وأبو الشيخ‬
‫الحافظ‪ ،‬وأبو عبد الَّله بن منده‪ ،‬والحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه‪ ،‬والحافظ أبو نعيم‬
‫األصبهاني وغيرهم على سبيل القبول والتسليم‪.‬‬
‫قال الحافُظ أبو عبد الَّله بن منده‪ :‬روى هذا الحديث محمد بن إسحاق الَّص غاني‪ ،‬وعبد الَّله بن‬
‫أحمد بن حنبل وغيرهما‪ ،‬وقرؤوه بالعراق بمجمع (‪ )3‬العلماء وأهل الَّدين‪ ،‬فلم ينكره أحٌد منهم‪،‬‬
‫ولم ُيَتكلم في إسناده‪ ،‬وكذلك أبو زرعة وأبو حاتم على سبيل القبول‪.‬‬
‫وقال أبو الخير بن حمدان‪" :‬هذا حديث كبير ثابٌت حسن مشهور"‪.‬‬
‫وسألُت شيخنا أبا الحجاج الِم َّز ي عنه فقال‪" :‬عليه جاللة النبوة"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تقدم الكالم عليه ص (‪.)127 - 126‬‬
‫(‪ )2‬في "أ"‪" :‬المديني"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ج‪ ،‬هـ"‪" :‬بجمع"‪.‬‬

‫(‪)1/536‬‬

‫قال ُنَف اُة اإليالد‪ :‬فهذا حديث صريٌح في انتفاء الولد‪ ،‬وقوله‪" :‬إذا اشتهى" معلق بالشرط‪ ،‬وال‬
‫يلزم من التعليق وقوع الُم َعَّلق وال المعلق به‪ ،‬و"إذا" وإْن كانت ظاهرًة في المحَّق ق‪ ،‬فقد استعمل‬
‫لمجرد التعليق األعم من المحَّق ق وغيره‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وفي هذا الموضع يتعَّين ذلك لوجوٍه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬حديث أبي َر ِز ين هذا‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬قوله تعالى‪َ{ :‬و َلُه ْم ِفيَه ا َأْز َو اٌج ُمَطَّه َر ٌة} [البقرة‪ ،]25 :‬وُه َّن اَّلالتي ُطَّهرَن من الحيض‬
‫والنفاس واألذى‪.‬‬
‫قال سفيان‪ :‬أنبأنا ابن أبي نجيح عن مجاهد‪" :‬مطهرة من الحيض والغائط والبول والنخام‬
‫والبصاق والمني والولد" (‪. )1‬‬
‫وقال أبو معاوية‪ :‬حدثنا ابن جريج عن عطاء‪" :‬أزواج مطهرة" قال‪" :‬من الولد والحيض‪ ،‬والغائط‬
‫والبوِل " (‪. )2‬‬
‫الثالث‪ :‬قوله‪" :‬غيَر أَّنُه ال َمِني وال َمِنَّية" وقد تقدم (‪ ، )3‬والولد إَّنما يخلق من ماء الرجل‪ ،‬فإذا لم‬
‫يكن هناك مني وال مذي وال نفخ في الفرج لم يكن هناك إيالد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (‪ )64 /1‬رقم (‪ ،)26‬والطبري في تفسيره (‪،)176 /1‬‬
‫وسنده حسن‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ )176 /1‬وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )3‬ص (‪.)521 ,520‬‬

‫(‪)1/537‬‬

‫الَّر ابع‪ :‬أَّنه قد ثبَت في "الصحيح" (‪ )1‬عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬أَّنه قال‪" :‬يبقى في‬
‫الجَّنة فضٌل فينشُئ الَّله لها خلًق ا فيسكنهم إَّياها"‪ ،‬ولو كان في الجَّنة إيالد لكان الفضل‬
‫ألوالدهم‪ ،‬وكانوا أحَّق به من غيرهم‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬أَّن الَّلَه سبحانه وتعالى جعل الحمل والوالدة مع الحيض والمني‪ ،‬فلو ُكَّن النساء يْح َبْلَن‬
‫في الجَّنة لم يقطع عنهَّن الحيض واإلنزال‪.‬‬
‫السادس‪ :‬أَّن الَّلَه سبحانه قدر التناسل في الدنيا؛ ألَّنه قدر الموت‪ ،‬وأخرجهم إلى هذه الَّداِر قرًنا‬
‫بعد قرٍن ‪ ،‬وجعل لهم أَمًد ا ينتهون إليه‪ ،‬فلوال التناسل لبطل النوع اإلنساني‪ ،‬ولهذا المالئكة ال‬
‫تتناسل‪ ،‬فإَّنهم ال يموتون كما تموت اإلنس والجَّن ‪ ،‬فإذا كان يوم القيامة أخرج الَّلُه سبحانه‬
‫الَّناَس كلهم من األرِض ‪ ،‬وأنشأهم للبقاِء ال للموِت فال يحتاجون إلى تناسل يحفظ النوع‬
‫اإلنساني‪ ،‬إذ هو منشأ للبقاء والدوام‪ ،‬فال أهل الجَّنة يتناسلون‪ ،‬وال أهل الَّنار (‪. )2‬‬
‫ِب‬ ‫ِب ٍن‬ ‫ِذ‬
‫السابع‪ :‬أَّنه سبحانه وتعالى قال‪َ{ :‬و اَّل يَن آَم ُنوا َو اَّتَبَعْتُه ْم ُذِّر َّيُتُه ْم (‪ِ )3‬إ يَم ا َأْلَح ْق َنا ِه ْم ُذِّر َّيَتُه ْم‬
‫(‪[ } )4‬الطور‪ .]21 :‬فأخبر سبحانه أَّنه يكرمهم بإلحاق ُذِّر ياتهم اَّلذين كانوا لهم في الدنيا‪ ،‬ولو‬
‫كان ينشئ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪ )2848‬من حديث أنس رضي الَّله عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬وقع في "د" إضافة "يتناسلون" لكَّنه ضرب عليها‪.‬‬
‫(‪ )3‬هكذا قرأ أبو عمرو بن العالء‪ ،‬وقرأ الجمهور باإلفراد {َو اَّتَبَعْتُه ْم ُذِّر َّيُتُه ْم } انظر النشر في‬
‫القراءات العشر البن الجزري (‪.)282 /2‬‬
‫(‪ )4‬هكذا قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وأبو جعفر ويعقوب‪ ،‬انظر المصدر السابق‪.‬‬

‫(‪)1/538‬‬
‫لهم في الجَّنة ُذِّر ية أخرى‪ ،‬لذكرهم كما ذكر ذريتهم اَّلذين كانوا في الدنيا؛ ألَّن ُقَّر ة عيونهم‬
‫كانت تكون بهم‪ ،‬كما كانت (‪ )1‬بذرياتهم من أهل الدنيا‪.‬‬
‫الثامن‪ :‬أَّنه (‪ )2‬إَّما أْن يقال باستمرار التناسل فيها ال إلى غاية‪ ،‬أو إلى غاية ثَّم ينقطع‪ ،‬وكالهما‬
‫مَّم ا ال سبيل إلى القول به‪ ،‬الستلزام األَّو ل‪ :‬اجتماع أشخاص ال تتناهى‪ .‬واستلزام الثاني‪ :‬انقطاع‬
‫نوع من لَّذ ة أهل الجَّنة وسرورهم‪ ،‬وهو محاٌل ‪ ،‬وال يمكن أْن ُيقال‪ :‬بتناسل يموت معه نسل‬
‫ويخلفه نسل‪ ،‬إذ ال موت هناك‪.‬‬
‫التاسع‪ :‬أَّن الجَّنة ال ينمو فيها اإلنسان كما ينمو في الدنيا‪ ،‬فال ولدان أهلها ينمون ويكبرون (‪)3‬‬
‫وال الرجال ينمون (‪ )4‬كما تقدم‪ ،‬بل هؤالء ولدان صغار ال يتغيرون‪ ،‬وهؤالء أبناء ثالث وثالثين‬
‫ال يتغيرون‪ ،‬ولو كان في الجَّنة والدة لكان المولود ينمو (‪ )5‬ضرورة حتى يصير رجاًل ‪ ،‬ومعلوم‬
‫أَّن من ماَت من األطفال يردون أبناء ثالث وثالثين من غير نمًّو ‪ .‬يوضحه‪:‬‬
‫الوجه العاشر‪ :‬أَّن الَّلَه سبحانه وتعالى ينشئ أهل الجَّنة نشَأة المالئكة‪ ،‬أو أكمل من نشأتهم‪،‬‬
‫بحيث ال يبولون وال يتغوطون وال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ" "هي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ليس في "أ"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "أ‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬ويكثرون"‪ ،‬والمثبت أولى‪.‬‬
‫(‪ )4‬في "هـ" "وال الرجل ينمو"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في جميع النسخ "ينمي" وكتب عليها ناسخ "أ" "كذا"‪.‬‬

‫(‪)1/539‬‬

‫ينامون‪ ،‬ويلهمون التسبيح وال يهرمون على تطاول األحقاب‪ ،‬وال تنمو أبدانهم‪ ،‬بل القدر اَّلذي‬
‫جعلوا عليه الزٌم لهم أبًد ا‪ ،‬والَّله تعالى أعلُم‪.‬‬
‫فهذا ما في هذه المسألة‪.‬‬
‫فأَّما قوُل بعضهم‪ :‬إَّن الُقْد رة صالحة‪ ،‬والكَّل ممكن‪ .‬وقول آخرين (‪ : )1‬إَّن الجَّنة دار المكلفين‬
‫التي يستحقونها بالعمِل ‪ .‬وأمثال هذه المباحث فرخيصة‪ ،‬وهي في كتب الَّناِس ‪ ،‬وباِهلل التوفيِق ‪.‬‬
‫وقال الحاكُم‪" :‬قال األستاُذ أبو سهل‪ :‬أهل الزيغ ينكرون هذا الحديث ‪-‬يعني‪ :‬حديث الوالدة‬
‫في الجَّنة ‪ -‬وقد ُر ِو َي فيه غير إسناد‪ ،‬وُس ِئَل الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬عن ذلك فقال‪:‬‬
‫يكون ذلك على نحٍو مَّم ا روينا‪ ،‬والَّله سبحانه وتعالى يقول‪َ{ :‬و ِفيَه ا َم ا َتْش َتِه يِه اَأْلْنُف َو َتَلُّذ‬
‫ُس‬
‫اَأْلْع ُيُن } [الزخرف‪ ،]71 :‬وليس بالمستحيل أْن يشتهي المؤمُن ‪ -‬الممكن من شهواته‪ ،‬المصَّف ى‬
‫المقَّر ب المسَّلط على لَّذ اته ‪ُ -‬قَّر ة عين‪ ،‬وثمرة فؤاد من اَّلذين أنعم الَّلُه عليهم بأزواٍج مطهرة‪.‬‬
‫فإْن قيل‪ :‬ففي الحديث أَّنهَّن ال يحضن وال َيْنَف ْسَن فأَّنى يكون الولد؟‬
‫قلُت ‪ :‬الحيُض سبُب الوالدة الُمْم تّد أَمُدُه بالحمِل على الكره والوضع عليه‪ ،‬كما أَّن جميع مالَّذ‬
‫الدنيا من المشارب والمطاعم والمالبس على ما ُعِر َف من التعب والنصِب ‪ ،‬وما َيْع قبُه كُّل منها (‬
‫‪، )2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬ج"‪" :‬اآلخرين"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬منهما"‪.‬‬

‫(‪)1/540‬‬

‫مَّم ا ُيْح ذُر منه وُيخاف من عواقبه‪ ،‬وهذه خمرُة الدنيا المحرمة المستولية على كِّل َبِلَّيِة قد أعَّدها‬
‫الَّلُه تعالى ألهل الجَّنة منزوعة البلية‪ُ ،‬مَو َّفرة (‪ )1‬اَّللذة‪ ،‬فلَم ال يجوُز أْن يكون على مثله الولُد ؟‬
‫انتهى كالمه" (‪. )2‬‬
‫قلُت ‪ :‬الَّنافون للوالدة في الجَّنة لم ينفوها لزيغ في قلوبهم‪ ،‬ولكن لحديث أبي رزين "غيَر أْن ال‬
‫توالد" وقد حكينا قول (‪ )3‬عطاء وغيره "أَّنهَّن مطهرات من الحيض والولد" (‪. )4‬‬
‫وقد حكى الترمذي عن أهل العلم من السلف والخلف في ذلك قولين‪ ،‬وحكينا قول إسحاق‬
‫بإنكاره‪ ،‬وقال أبو ُأمامة رضي الَّلُه عنه في حديثه‪" :‬غيَر أْن ال َم نَّي وال منَّية"‪ ،‬والجَّنة ليست دار‬
‫تناسل‪ ،‬بل دار بقاء وخلد‪ ،‬ال يموت من فيها فيقوم نسله مقامه‪.‬‬
‫وحديث أبي سعيد الخدري هذا أجوُد أسانيده إسناُد الترمذي‪ ،‬وقد حكم بغرابته‪ ،‬وأَّنه ال ُيْع رف‬
‫إاَّل من حديث أبي الِّص ديق الَّناجي‪ ،‬وقد اضطرب لفظه‪ :‬فتارًة يروى عنه‪" :‬إذا اشتهى الولد"‪،‬‬
‫وتارة‪" :‬إَّنه ليشتهي الولد"‪ ،‬وتارًة‪" :‬إَّن الرجل من أهل الجَّنة ليولد له" فالَّله أعلُم‪ ،‬فإْن كان رسول‬
‫الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قد قاله‪ ،‬فهو الحُّق اَّلذي ال شَّك فيه‪ ،‬وهذه األلفاظ ال تنافي بينها‪،‬‬
‫وال ُتناِقُض حديث أبي رزين "غيَر أْن ال توالد"‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب"‪" :‬مغفورة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ذكره البيهقي في البعث والنشور ص (‪ )221 - 220‬رقم (‪.)442‬‬
‫(‪ )3‬في "هـ"‪" :‬من قول"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تقدم ص (‪.)537‬‬

‫(‪)1/541‬‬

‫إذ ذلك نفٌي للتوالد المعهود في الدنيا‪ ،‬وال ينفي والدًة‪ ،‬حمل الولد فيها ووضعه وسنه وشبابه في‬
‫ساعٍة واحدة‪.‬‬
‫فهذا ما انتهى إليه ِع ْلمنا القاصر في هذه المسألة‪ ،‬ولقد أتينا فيها بما لعَّلك ال تجده في غير هذا‬
‫الكتاب‪ ،‬والَّلُه أعلُم بالصواب‪.‬‬

‫(‪)1/542‬‬

‫الباب السابع والخمسون‪ :‬في ذكر سماع الجَّنة وغناء الحور العين وما فيه من الَّطَر ِب واَّللذة‬
‫ِل ِت‬ ‫ِم‬ ‫ِذ‬ ‫ِئٍذ‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬و َيْو َم َتُقوُم الَّس اَعُة َيْو َم َيَتَفَّر ُقوَن (‪َ )14‬فَأَّما اَّل يَن آَم ُنوا َو َع ُلوا الَّصا َح ا َفُه ْم‬
‫ِفي َرْو َض ٍة ُيْح َبُر وَن (‪[ })15‬الروم‪.]15 - 14 :‬‬
‫قال محمد بن جرير‪ :‬حدثني محمد بن موسى الَح َر شي‪ ،‬حدثنا عامر بن يساف قال‪ :‬سألُت يحيى‬
‫بن أبي كثير عن قوله عَّز وجَّل‪َ{ :‬فُه ْم ِفي َرْو َض ٍة ُيْح َبُر وَن (‪[ })15‬الروم‪ ]15 :‬قال‪" :‬الَحْبرُة‪:‬‬
‫الَّلذة والسماع" (‪.)1‬‬
‫حدثنا عبد الَّله بن محمد الفريابي‪ ،‬حدثنا ضمرة بن ربيعة‪ ،‬عن األوزاعي‪ ،‬عن يحيى بن أبي كثير‬
‫في قوله‪ُ{ :‬يْح َبُر وَن (‪ })15‬قال‪" :‬السماع في الجنة" (‪.)2‬‬
‫وال يخالف هذا قول ابن عباس‪ُ" :‬يْك َر ُمون" (‪ .)3‬وقول مجاهد‪ ،‬وقتادة‪" :‬ينعمون" (‪ )4‬فلذة‬
‫األذن بالسماع من الحبرة والنعيم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ ،)28 /21‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ .)263‬وسنده‬
‫ال بأس به‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبري (‪ ،)28 /21‬وابن أبي شيبة في المصنف (‪ ،)34010( )62 /7‬وهناد في‬
‫الزهد رقم (‪ ،)4‬والبيهقي في البعث (‪ )419‬وغيرهم‪.‬‬
‫وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الطبري (‪ )28 /21‬وسنده حسن‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪.)28 /21‬‬
‫عن مجاهد بسند حسن‪ .‬وعن قتادة بسنٍد صحيح‪.‬‬

‫(‪)1/543‬‬

‫وقال الترمذي‪ :‬حدثنا هَّناد وأحمد بن منيع قاال‪ :‬حدثنا [أبو معاوية عن] (‪ )1‬عبد الرحمن بن‬
‫إسحاق‪ ،‬عن النعمان بن سعد‪ ،‬عن علًّي قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إن في‬
‫الجنة لمجتمًع ا للحور العين يرفعن بأصوات لم تسمع الخالئق بمثلها‪ ،‬يقلن‪ :‬نحن الخالدات فال‬
‫نبيد‪ ،‬ونحن الناعمات (‪ )2‬فال نبأس‪ ،‬ونحن الراضيات فال نسخط‪ ،‬طوبى لمن كان لنا وكنا له" (‬
‫‪. )3‬‬
‫"وفي الباب عن أبي هريرة‪ ،‬وأبي سعيد‪ ،‬وأنس‪ ،‬وحديث علي‪ :‬حديث غريب"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وفي الباب عن ابن أبي أوفى‪ ،‬وأبي أمامة‪ ،‬وعبد الَّله بن عمر أيًض ا‪.‬‬
‫فأما حديث أبي هريرة‪ :‬فقال جعفر الفريابي‪ :‬حدثنا سعيد بن حفص‪ ،‬حدثنا محمد بن سلمة (‪، )4‬‬
‫عن أبي عبد الرحيم‪ ،‬عن زيد بن أبي ُأَنْيَس ة‪ ،‬عن المنهال بن عمرو‪ ،‬عن أبي صالح‪ ،‬عن أبي هريرة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ما بين المعكوفتين سقط من النسخ‪ ،‬واستدركته من مصادر التخريج‪.‬‬
‫(‪ )2‬في نسخٍة على "أ"‪" :‬الَّنِعَم ات"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الترمذي رقم (‪ )2564‬و (‪ ،)2550‬وهناد في الزهد (‪ ،)9‬وعبد الَّله بن أحمد في‬
‫زوائده على المسند (‪ ،)156 /1‬وابن أبي شيبة في مصنفه (‪ )55 /7‬رقم (‪ )33960‬وغيرهم‪.‬‬
‫وسنده ضعيف‪ :‬فيه عبد الرحمن بن إسحاق أبو شيبة‪ :‬ضعيف‪ ،‬والنعمان ابن سعد‪ :‬فيه جهالة‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪ ،)517 - 515 /16‬و (‪.)450 /29‬‬
‫(‪ )4‬في "ج"‪" :‬مسلمة" وهو خطأ‪ ،‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)390 /10‬‬

‫(‪)1/544‬‬

‫‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪" :‬إن في الجنة نهًر ا طول الجنة‪ ،‬حافتاه العذارى قيام متقابالت‪ ،‬ويغنين‬
‫بأصوات حتى يسمعها الخالئق‪ ،‬ما يرون في الجنة لذة مثلها‪ ،‬قلنا‪ :‬يا أبا هريرة وما ذاك الغناء؟‬
‫قال‪ :‬إن شاء الَّله التسبيح والتحميد والتقديس وثناء على الرب عز وجل" (‪. )1‬‬
‫هكذا رواه موقوًفا‪.‬‬
‫وروى أبو نعيم في "صفة الجنة" من حديث مسلمة (‪ )2‬بن علي‪ ،‬عن زيد بن واقد‪ ،‬عن رجل‪،‬‬
‫عن أبي هريرة ‪-‬رضي الَّله عنه‪ ،-‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إن في الجنة‬
‫شجرة جذوعها من ذهب‪ ،‬وفروعها من زبرجد ولؤلؤ‪ ،‬فتهُّب لها ريح فَيْص َطِف ْق ن (‪ ، )3‬فما سمع‬
‫السامعون بصوت شيء قط ألذ منه" (‪. )4‬‬
‫وأما حديث أنس‪ :‬فقال أبو نعيم‪ :‬أنبأنا عبد الَّله بن جعفر‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن عبد الَّله‪ ،‬حدثنا عبد‬
‫الرحمن بن إبراهيم‪ ،‬حدثنا ابن أبي فديك‪ ،‬عن ابن أبي ذئب‪ ،‬عن عون بن الخطاب بن عبد الَّله‬
‫بن رافع‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه البيهقي في البعِث رقم (‪.)425‬‬
‫وفيه سعيد بن حفص النفيلي أبو عمرو الحَّر اني لم يوثقه إاَّل ابن حبان ومسلمة األندلسي‪ ،‬وكان‬
‫قد كبر وتغَّير في آخر عمره‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)391 /10‬‬
‫(‪ )2‬في نسخٍة على "أ"‪" :‬سلمة" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ب‪ ،‬هـ"‪ ،‬ونسخة على حاشية "أ"‪" :‬فتصفق"‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪.)433‬‬
‫وفيه مسلمة بن علي الخشني‪ :‬متروك الحديث‪ ،‬وأيًض ا إبهام الرجل الراوي عن أبي هريرة‪.‬‬

‫(‪)1/545‬‬
‫عن ابٍن ألنس؛ عن أنس ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إن‬
‫الحور يغنين في الجنة‪ :‬نحن الحور الحسان‪ ،‬خلقنا ألزواج كرام" (‪. )1‬‬
‫ورواه ابن أبي الدنيا‪ :‬حدثنا أبو خيثمة‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن عمر‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪.)432‬‬
‫ورواُه كثير بن عبيد ومحمد بن عبد الَّله بن عبد الحكم والحسن بن داود المنكدري وعبد‬
‫الرحمن بن شيبة كلهم عن ابن أبي فديك به نحوه "على اختالف في بعض األسانيد"‪.‬‬
‫أخرجه البخاري في تاريخه الكبير (‪ ،)16 /7‬وابن أبي داود في البعث رقم (‪ ،)75‬والطبراني في‬
‫األوسط (‪ )34 /5‬رقم (‪ ،)6497‬والبيهقي في البعث رقم (‪.)420‬‬
‫‪ -‬ورواُه إسماعيل بن عمر "ثقة" عن ابن أبي ذئب به "رفعه أبو يعلى‪ ،‬وأرسله ابن أبي الدنيا"‪.‬‬
‫أخرجه أبو يعلى في مسنده كما في المطالب رقم (‪ ،)4609‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم‬
‫(‪.)260‬‬
‫‪ -‬ورواُه إسماعيل "لعله ابن أبي ُأويس‪ ،‬في حفظه ضعف"‪ ،‬عن أخيه "عبد الحميد" عن ابن أبي‬
‫ذئب عن عبد الَّله بن رافع عن أنس فذكرُه مرفوًعا‪.‬‬
‫أخرجه البخاري في تاريخه (‪.)16 /7‬‬
‫قلُت ‪ :‬أخطأ إسماعيل في قوله‪" :‬عبد الَّله بن رافع"‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه آدم وشبابة بن سوار عن ابن أبي ذئب عَّم ن سمَع أنس بن مالك قوله موقوًفا‪.‬‬
‫أخرجه البخاري في تاريخه (‪ ،)16 /7‬وابن أبي شيبة في مصنفه (‪ )57 /7‬رقم (‪.)33977‬‬
‫وهذا االضطراب لعَّله من عون بن الخطاب بن عبد الَّله بن رافع‪ ،‬فإَّنُه لم يرو عنه إاَّل ابن أبي‬
‫ذئب‪ ،‬فهو شبه المجهول‪ ،‬وأيًض ا فيه بعض ولد أنس ال ُيدرى َمْن هو‪ ،‬وعليه فالسند ضعيف‪.‬‬

‫(‪)1/546‬‬

‫حدثنا ابن أبي ذئب‪ ،‬عن أبي عبد الَّله بن رافع‪ ،‬عن بعض ولد أنس فذكره‪.‬‬
‫وأما حديث ابن أبي أوفى‪ :‬فقال أبو نعيم‪ :‬حدثنا عبد الَّله بن (‪ )1‬محمد بن جعفر من أصله‪،‬‬
‫حدثنا موسى بن هارون‪ ،‬حدثنا حامد بن يحيى البلخي‪ ،‬حدثنا يونس بن محمد المؤدب‪ ،‬حدثنا‬
‫الوليد بن أبي ثور‪ ،‬حدثني سعد الطائي‪ ،‬عن عبد الرحمن بن سابط‪ ،‬عن ابن أبي أوفى رضي الَّله‬
‫عنه قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬يزوج إلى كل واحد من أهل الجنة أربعة‬
‫آالف بكر‪ ،‬وثمانية آالف أِّيم‪ ،‬ومئة حوراء‪ ،‬فيجتمعن في كل سبعة أيام‪ ،‬فيقلن بأصوات حسان‪،‬‬
‫لم تسمع الخالئق بمثلهَّن ‪ :‬نحن الخالداُت فال نبيد‪ ،‬ونحن الَّناعمات فال نبأس‪ ،‬ونحن الَّر اضياُت‬
‫فال نسخط‪ ،‬ونحن المقيمات فال نظعن‪ ،‬طوبى لمن كان لنا وُك َّنا له" (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله "عبد الَّله بن" سقط من جميع النسخ‪ ،‬وهو‪ :‬أبو الشيخ األصبهاني‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)431 ،378‬وأبو الشيخ األصبهاني في العظمة رقم‬
‫(‪.)603‬‬
‫والحديث فيه نكارة‪ ،‬ومدارُه على الوليد بن أبي ثور‪ ،‬وقد ضعفه النسائي والدارقطني‪ ،‬وقال أبو‬
‫حاتم‪" :‬شيخ يكتب حديثه‪ ،‬وال يحتج به"‪ ،‬وقال ابن معين‪" :‬ليس بشيء"‪ ،‬وقال ابن نمير‪:‬‬
‫"كَّذ اب"‪ ،‬وقال أبو زرعة وابن حبان‪ :‬منكر الحديث‪ ،‬زاد األَّو ل‪ :‬يهم كثيًر ا‪ ،‬واآلخر‪ :‬جًّدا‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)35 - 32 /31‬‬
‫والحديث معروف من قول عبد الرحمن بن سابط‪ ،‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‬
‫‪ ،)279‬وأبو الشيخ في العظمة رقم (‪ ،)589‬والبيهقي في البعث رقم (‪ )413‬من طريق ليث بن‬
‫أبي سليم عن ابن سابط نحوه بأَّو له‪ ،‬وزاد =‬

‫(‪)1/547‬‬

‫وأَّما حديث أبي ُأمامة‪ :‬فقال جعفر الفريابي‪ :‬حدثنا سليمان بن عبد الرحمن حدثنا خالد بن يزيد‬
‫بن أبي مالك عن أبيه عن خالد بن معدان عن أبي ُأمامة رضي الَّله عنه عن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله‬
‫عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬ما ِم ْن َعْبٍد يدخُل الجَّنة‪ ،‬إاَّل ويجل عنَد رأِس ِه وعند رجليِه ثنتان من الُح وِر‬
‫ُس‬
‫العيِن ‪ُ ،‬تغِّنيانه بأحسن صوٍت َس معُه اإلنس والجُّن ‪ ،‬وليس بمزامير الَّش يطا " (‪. )1‬‬
‫ِن‬
‫وأَّما حديث ابن عمر‪ :‬فقال الطبراني‪ :‬حدثنا أبو رفاعة عمارة بن َو ِثيَم ة بن موسى بن الُف َر ات‬
‫المصري‪ ،‬حدثنا سعيد بن أبي مريم‪ ،‬حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير عن زيد بن أسلم عن ابن‬
‫عمر رضي الَّله عنهما قال‪ :‬قال رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إَّن أزواج أهل الجَّنة‬
‫لُيغِّنين أزواجهَّن بأحسِن أصواٍت سمعها أحٌد قُّط ‪ ،‬وإَّن مَّم ا يغنين به‪ :‬نحُن الخيراُت الِح َس اُن ‪،‬‬
‫ٍم‬
‫أزواُج قو كراٍم ‪ ،‬ينظرن بُقَّر ِة أعيان‪ ،‬إَّن مما يغنين به‪ :‬نحن الخالدات فال ُنمْتَنه‪ ،‬نحُن اآلمناُت‬
‫فال نخفنه‪ ،‬نحن المقيمات فال نظعَّنه" (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫= ألفاًظا أخرى‪.‬‬
‫قال البيهقي‪" :‬هذا هو الصحيح من قول ابن سابط"‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه البيهقي في البعث رقم (‪ ،)421‬والطبراني في الكبير (‪ )113 /8‬رقم (‪)7478‬‬
‫بأَّو له وزاد لفًظا آخر‪.‬‬
‫والحديث ضعيف جًّدا مدارُه على خالد بن يزيد بن أبي مالك‪ ،‬وهو متروك‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبراني في الصغير (‪ )35 /2‬رقم (‪ ،)734‬وفي األوسط (‪ )391 /3‬رقم (‬
‫‪ ،)3917‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة (‪.)430 ،322‬‬
‫فيه عمارة بن وثيمة‪ ،‬ذكره ابن يونس في تاريخه ولم يذكر فيه جرًح ا وال =‬

‫(‪)1/548‬‬

‫قال الطبراني‪" :‬لم يروه عن زيد بن أسلم إاَّل محمد‪ ،‬تفَّر د به ابن أبي مريم"‪.‬‬
‫وقال ابن وهب‪ :‬حدثني سعيد بن أبي أيوب قال‪ :‬قال رجٌل من قريش البن شهاب‪ :‬هل في الجَّنة‬
‫سماٌع؛ فإَّنه ُح ِّبَب إلَّي السماُع؟ فقال‪" :‬إي واَّلذي نفس ابن شهاب بيده‪ ،‬إَّن في الجَّنة لشجًر ا‬
‫حمله اللؤلؤ والزبرجد‪ ،‬تحته جواٍر ناهداٍت يتغنين بالقرآن يُقْلَن ‪ :‬نحُن الَّناعمات فال نبأس‪ ،‬ونحن‬
‫الخالداُت فال نموت‪ ،‬فإذا سمع ذلك الشجر َص َف َق بعضه بعًض ا‪ ،‬فأَجْبَن الجواري‪ ،‬فال ُيدرى‬
‫أصواُت الجواري أحسُن ‪ ،‬أم أصواُت الشجر" (‪. )1‬‬
‫قال ابن وهب‪ :‬وحدثنا الليث بن سعد عن خالد بن يزيد‪" :‬أَّن الحوَر العين يغنين أزواجهَّن فيقلن‪:‬‬
‫نحُن الخيراُت الِح َس ان‪ ،‬أزواُج شباب (‪ )2‬كرام‪ ،‬ونحن الخالدات فال نموت‪ ،‬ونحن الناعمات‬
‫فال نبأس‪ ،‬ونحن الَّر اضيات فال نسخط‪ ،‬ونحن المقيمات فال نظعن‪ ،‬في صدر إحداهَّن مكتوٌب ‪:‬‬
‫أنت ِح ِّبي‪ ،‬وأنا ِح ُّبك‪ ،‬انتهت نفسي عندك‪ ،‬لم َتَر عيناي مثلك" (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫= تعدياًل ‪ .‬وهو حديث غريب‪ ،‬وزيد بن أسلم لم يسمع من ابن عمر إاَّل حديثين قاله سفيان بن‬
‫عيينة‪ ،‬وهما في البخاري‪ ،‬فالحديث منقطع اإلسناد‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)261‬‬
‫وفيه انقطاع‪ ،‬ألَّن سعيد بن أبي أيوب المصري‪ ،‬لم يسمع من الزهري‪ ،‬وإَّنما سمع من تالميذ‬
‫الزهري‪ .‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)342 /10‬‬
‫(‪ )2‬في "ج"‪" :‬شَّبان"‪ ،‬والمثبت من مصدر النص وباقي النسخ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ )262‬وسنده ال بأس به‪.‬‬

‫(‪)1/549‬‬

‫وقال ابن المبارك‪ :‬حدثنا األوزاعي‪ ،‬حدثنا يحيى بن أبي كثير‪" :‬إَّن الحوَر العيِن يتلقين أزواجهَّن‬
‫عنَد أبواب الجَّنة فيقلن‪ :‬طالما انتظرناكم‪ ،‬فنحُن الَّر اضيات فال نسخط‪ ،‬والمقيمات فال نظعن‪،‬‬
‫والخالداُت فال نموت‪ ،‬بأحسن أصوات ُس ِم َعْت تقول‪ :‬أنَت ِح ِّبي وأنا حُّبك ليس دونك مقصد (‬
‫‪ ، )1‬وال وراءك َمْع دل" (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "د" "مفضي"‪ ،‬وفي "ب" ونسخٍة على "د" "مقضي"‪ ،‬ووقع عند ابن المبارك وفي "أ‪ ،‬ج‪،‬‬
‫هـ"‪" :‬مقصر"‪ ،‬والمثبت من ابن أبي الدنيا‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن المبارك في الزهِد ‪-‬رواية نعيم‪ -‬رقم (‪ ،)435‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة‬
‫رقم (‪.)268‬‬
‫وسنده صحيح‪.‬‬

‫(‪)1/550‬‬

‫فصل ولهم سماع أعلى من هذا‬


‫قال ابن أبي الدنيا‪ :‬حدثني َدْهَثم بن الفضل القرشي‪ ،‬حدثنا رَّو اد ابن الجَّر اح‪ ،‬عن األوزاعي قال‪:‬‬
‫"بلغني أَّنه ليس من خلق الَّله أحسن صوًتا من إسرافيل‪ ،‬فيأمرُه الَّلُه تبارك وتعالى فيأخذ في‬
‫السماع‪ ،‬فما يبقى ملٌك في السماوات إاَّل قطع عليه صالته‪ ،‬فيمكث بذلك ما شاء الَّلُه أْن‬
‫يمكث‪ ،‬فيقول الَّله عَّز وجَّل‪ :‬وعَّز تي وجاللي (‪ )1‬لو يعلُم العباُد قدَر عظمتي (‪ )2‬ما عبدوا‬
‫غيري" (‪.)3‬‬
‫وحدثني داود بن عمرو (‪ )4‬الضبي‪ ،‬حدثنا عبد الَّله بن المبارك عن مالك بن أنس عن محمد بن‬
‫المنكدر قال‪" :‬إذا كان يوم القيامة نادى مناٍد ‪ :‬أيَن اَّلذين كانوا ينَّز هون أسماعهم وأنفسهم عن‬
‫مجالس اَّللهو ومزامير الشيطان‪ ،‬أسكنوهم رياَض المسِك ‪ ،‬ثَّم يقول للمالئكة‪ :‬أسمعوهم تمجيدي‬
‫وتحميدي" (‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من نسخٍة على حاشية "أ"‪ ،‬وهو في إحدى نسخ صفة الجَّنة البن أبي الدنيا‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "د"‪َ" :‬عِط َّيتي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)264‬‬
‫وفيه‪ :‬دهثم بن الفضل ال ُيعرف فيه جرح وال تعديل‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تاريخ بغداد (‪.)382 /8‬‬
‫(‪ )4‬في جميع النسخ "عمر" وهو خطأ‪ ،‬انظر‪ :‬الجرح والتعديل (‪.)420 /3‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ )269‬واَّللفظ له‪ ،‬وابن المبارك في الزهد ‪-‬رواية‬
‫نعيم‪ -‬رقم (‪ ،)43‬وأبو نعيم في الحلية (‪ )151 /3‬نحوه‪.‬‬
‫وسنده صحيح‪.‬‬

‫(‪)1/551‬‬

‫وقال ابن أبي الدنيا‪ :‬حدثني محمد بن الحسين حدثني عبد الَّله بن أبي بكر‪ ،‬حدثنا جعفر بن‬
‫سليمان‪ ،‬عن مالك بن دينار في قوله عَّز وجَّل‪َ{ :‬و ِإَّن َلُه ِع ْنَدَنا َلُز ْلَف ى َو ُح ْسَن َم آٍب (‪[ } )25‬ص‪:‬‬
‫‪ ]25‬قال‪" :‬إذا كان يوم القيامة أمَر بمنبر رفيٍع فوِض ع في الجَّنة‪ ،‬ثَم نودي‪ :‬يا داود مِّج ْد ني بذلك‬
‫الصوت الَح َس ِن الرخيم اَّلذي كنَت تمجدني به في دار الدنيا‪ ،‬قال‪ :‬فيستفرغ صوت داود نعيم‬
‫أهل الجنان‪ ،‬فذلك قوله تعالى‪َ{ :‬و ِإَّن َلُه ِع ْنَدَنا َلُز ْلَف ى َو ُح ْسَن َم آٍب (‪. )1( " } )25‬‬
‫وذكر حماد بن سلمة عن ثابت الُبناني‪ ،‬وحجاج األسود عن شهر ابن حوشب قال‪" :‬إَّن الَّلَه جَّل‬
‫ثناؤه يقول للمالئكة‪ :‬إَّن عبادي كانوا يحبون الَّص وت الحسن في الدنيا‪ ،‬فيدعونه من أجلي‬
‫فاْس ِم ُعوا عبادي‪ ،‬فيأخذوا بأصواٍت من تهليٍل وتسبيٍح وتكبيٍر لم يسمعوا بمثله َقُّط " (‪. )2‬‬
‫قال عبد الَّله بن اإلمام أحمد في كتاب "الزهد" ألبيه‪" :‬حدثني علي بن ُمْس لم الُّطوسي حدثنا سيار‬
‫حدثنا جعفر حدثنا مالك ابن دينار في قوله عَّز وجَّل‪َ{ :‬و ِإَّن َلُه ِع ْنَدَنا َلُز ْلَف ى َو ُح ْسَن َم آٍب (‪} )25‬‬
‫قال‪" :‬يقيم الَّلُه سبحانه داود عند ساق العرش‪ ،‬فيقول‪ :‬يا داود مِّج دني اليوَم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)343‬‬
‫ورواُه شيبان وسيار عن جعفر به‪.‬‬
‫أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره‪ ،‬كما عند ابن كثير (‪ ،)32 /4‬والبيهقي في البعث رقم (‪.)424‬‬
‫واألثر صحيح عن مالك بن دينار‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)344‬‬

‫(‪)1/552‬‬

‫بذلك الصوت الحسِن الَّر خيم‪ ،‬فيقول‪ :‬إلهي كيف أمجدك وقد َس لْبتنيه في دار الدنيا؟ قال‪:‬‬
‫فيقول الَّله عَّز وجَّل‪ :‬فإِّني أرده عليك‪ ،‬قال‪ :‬فيرده عليه‪ ،‬فيزداد صوته‪ ،‬قال‪ :‬فيستفرغ صوت‬
‫داود نعيم أهل الجَّنة" (‪. )1‬‬
‫وقال ابن أبي الدنيا (‪ : )2‬حدثنا مسلم بن إبراهيم الحراني (‪ ، )3‬حدثنا مسكين بن بكير عن‬
‫األوزاعي‪ ،‬عن عبدة بن أبي ُلَبابة قال‪" :‬إَّن في الجَّنة شجرة ثمرها زبرجد وياقوت ولؤلؤ‪ ،‬فيبعث‬
‫الَّله ريًح ا فتصفق‪ ،‬فُيسمع لها أصواٌت لم يسمع ألُّذ منها" (‪. )4‬‬
‫حدثنا أبو بكر بن يزيد وإبراهيم بن سعيد قاال‪ :‬حدثنا أبو عامر الَعَق ِد ي‪ ،‬حدثنا زمعة بن صالح عن‬
‫سلمة بن وهرام (‪ )5‬عن عكرمة عن ابن عباس قال‪" :‬في الجَّنة شجرة على ساق قدر ما يسير‬
‫الَّر اكُب في "ظَّلها مئة عام‪ ،‬فيتحدثون في ظلها فيشتهي بعضهم‪ ،‬فيذكر لهو الدنيا‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (‪ )3240 /10‬رقم (‪ ،)18348‬وأحمد في الزهد‪،‬‬
‫والحكيم الترمذي‪ ،‬وابن المنذر كما في الدرر (‪ ،)573 /5‬والبيهقي في البعث والنشور رقم (‬
‫‪.)424‬‬
‫وفي سنده سَّيار فيه ضعف‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "أ‪ ،‬ج"‪" :‬داود" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "أ"‪" :‬الحوراني" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)265‬‬
‫‪ -‬ورواُه علي بن معبد عن األوزاعي به مثله‪.‬‬
‫أخرجه ابن حبيب في وصف الفردوس رقم (‪.)187‬‬
‫وعليه فاإلسناد حسن‪.‬‬
‫(‪ )5‬في "د"‪" :‬وهران" وهو خطأ‪.‬‬

‫(‪)1/553‬‬

‫فيرسل الَّله ريًح ا من الجَّنة‪ ،‬فتحرك تلك الشجرة بكل لهٍو كان في الدنيا" (‪.)1‬‬
‫حدثني إبراهيم بن سعيد حدثنا علي بن عاصم حدثنا سعيد بِن أبي سعيد الحارثي قال‪ُ" :‬ح َّد ْثُت أَّن‬
‫في الجَّنة آجاًم ا من َقَص ٍب من َذَه ٍب حملها اللؤلؤ‪ ،‬فإذا اشتهى أهل الجَّنة أْن يسمعوا صوًتا‬
‫حسًنا؛ بعث الَّله على تلك اآلجام ريًح ا فتأتيهم بكل صوت يشتهونه" (‪.)2‬‬

‫فصل‬
‫ولهم سماع أعلى من هذا يضمحل دونه كُّل سماع‪ ،‬وذلك حين يسمعون كالم الرب جَّل جالله‪،‬‬
‫وِخ َطابه وسالمه عليهم‪ ،‬ومحاضرته لهم‪ ،‬ويقرأ عليهم كالمه‪ ،‬فإذا سمعوه منه‪ ،‬فكأَّنهم لم‬
‫يسمعوه قبل ذلك‪ ،‬وسيمُّر بك ‪ -‬أيها الُّس َّنُّي ‪ -‬من األحاديث الِّص حاح والحسان في ذلك ما هو‬
‫من (‪ )3‬أحب سماع لك في الدنيا وألذه ألذنك‪ ،‬وأقِّر ِه لعينك‪ ،‬إذ ليس في الجَّنة لَّذ ٌة أعظُم من‬
‫النظر إلى وجه الَّر ِّب تعالى‪ ،‬وسماِع كالمه منه‪ ،‬وال ُيْع َطى أهل الجَّنة شيًئا أحَّب إليهم من ذلك‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)266‬وابن أبي حاتم في تفسيره كما في تفسير‬
‫ابن كثير (‪ ،)310 /4‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ )404‬وغيرهم‪.‬‬
‫قال ابن كثير‪" :‬هذا أثٌر غريب‪ ،‬وإسنادُه جيد قوي"‪.‬‬
‫لكن في سنده‪ ،‬زمعة بن صالح فيه ضعف‪ ،‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)389 - 386 /9‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)267‬‬
‫(‪ )3‬ليس في "ب‪ ،‬هـ"‪.‬‬

‫(‪)1/554‬‬
‫وقد ذكر أبو الشيخ عن صالح بن حَّيان عن عبد الَّله بن ُبَر ْيدة قال‪" :‬إَّن أهَل الجَّنة يدخلون كَّل‬
‫يوٍم مَّر تين على الجَّباِر جَّل جالله فيقرأ عليهم القرآن‪ ،‬وقد جلَس كُّل امرٍئ منهم مجلسه اَّلذي‬
‫هو مجلسه على منابر الدِّر والياقوت‪ ،‬والزبرجد والذهب والزُمُّر د‪ ،‬فلم َتَقَّر أعينهم بشيٍء ‪ ،‬ولم‬
‫يسمعوا شيًئا قُّط أعظم وال أحسَن منه‪ ،‬ثَّم ينصرفون إلى رحالهم ناعمين قِر يرة أعينهم‪ ،‬إلى مثلها‬
‫من الَغِد " (‪. )1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)270‬والحكيم الترمذي في نوادر األصول (‪6 /2‬‬
‫ق‪ /‬ب)‪.‬‬
‫وسنده ضعيف جًّدا‪ :‬فيه صالح بن حيان القرشي ضعيف‪ ،‬وفيه المسيب ابن شريك متروك‪ .‬انظر‪:‬‬
‫لسان الميزان (‪.)48 - 47 /6‬‬

‫(‪)1/555‬‬

‫الباب الثامن والخمسون‪ :‬في ذكر مطايا أهل الجَّنة وخيولهم ومراكبهم‬
‫قال الترمذي‪ :‬حدثنا عبد الَّله بن عبد الرحمن حدثنا عاصم بن علي حدثنا المسعودي عن علقمة‬
‫بن مرثد عن سليمان بن ُبريدة عن أبيه‪ :‬أَّن رجاًل سأل الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬فقال‪ :‬يا‬
‫رسول الَّله‪ :‬هل في الجَّنة من خيل؟ قال‪ :‬إن الَّلُه أدخلك الجَّنة فال تشاُء أن ُتحمل فيها على فرس‬
‫من ياقوتة حمراء يطير بك في الجَّنة حيث شئت إاَّل فعلت (‪ ،)1‬قال‪ :‬وسأله رجل‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫رسول الَّله! هل في الجَّنة من إبل؟ قال‪ :‬فلم يقل ما قال لصاحبه‪ ،‬قال‪ :‬إن يدخلك الَّلُه الجَّنة يكن‬
‫لك فيها ما اشتهت نفُس ك ولَّذ ت عيُنك" (‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله‪" :‬إال فعلت" من الترمذي‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الترمذي رقم (‪ ،)2543‬وأحمد (‪ ،)352 /5‬وابن أبي شيبة (‪ )57 /7‬رقم (‬
‫‪ ،)33980‬والطيالسي في مسنده رقم (‪ )843‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طرق عن المسعودي به نحوه‪.‬‬
‫لكن رواُه عنه َمْن سمعوا منه بعد اختالطه‪.‬‬
‫وأشاَر المؤِّلف إلى اضطراب علقمة فيه‪:‬‬
‫‪ -‬فرواُه حنش بن الحارث عن علقمة عن عبد الرحمن بن ساعدة مرفوًعا "هكذا رواُه األشعث‬
‫بن شعبة ‪-‬فيه جهالة‪ -‬عن حنش‪.‬‬
‫أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة (‪ ،)424‬والبيهقي في البعث (‪ )439‬وغيرهما‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه سالم بن قتيبة "لم أقف عليه" عن علقمة عن رجل من األنصاِر يقال له‪ :‬عمير بن ساعد‬
‫فذكره‪.‬‬
‫أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة (‪ )273 /2‬رقم (‪= .)424‬‬

‫(‪)1/556‬‬

‫حدثنا سويد بن نصر‪ ،‬أنبأنا عبد الَّله بن المبارك عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن عبد الرحمن‬
‫بن سابط عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬نحوه بمعناه وهذا أصُّح من حديث المسعودي‪.‬‬
‫حدثنا محمد بن إسماعيل بن َسُم رة األْح مِس ي حدثنا أبو معاوية عن واصل بن السائب عن أبي‬
‫َسْو رة عن أبي أيوب قال‪ :‬أتى الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬أعرابٌّي فقال‪ :‬يا رسول الَّلِه إَّني‬
‫أحُّب الخيل أفي الجنة َخ ْيٌل؟ قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إن أدخلت الجَّنة ُأتيَت‬
‫بفرٍس من ياقوتٍة له جناحان فحملت‬
‫__________‬
‫= ‪ -‬ورواُه أبو طيبة عن علقمة عن أبي صالح عن أبي هريرة فذكره‪.‬‬
‫أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة (‪ )426‬لكن السند إليه ضعيف‪ ،‬وأبو طيبة‪ :‬عيسى بن سليمان‬
‫ضَّعفه ابن معين‪ ،‬وقال ابن حبان في الثقات‪ :‬يخطئ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬لسان الميزان (‪.)462 - 461 /4‬‬
‫‪ -‬ورواُه ميكائيل عن علقمة عن يحيى بن إسحاق عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة‪ .‬أخرجه أبو‬
‫نعيم (‪ )276 /2‬رقم (‪.)427‬‬
‫وميكائيل فيه جهالة‪ ،‬وحديثه يدل على ضعفه‪ .‬انظر‪ :‬لسان الميزان (‪.)181 /6‬‬
‫‪ -‬ورواُه الثوري عن علقمة عن عبد الرحمن بن سابط فذكره مرساًل ‪.‬‬
‫أخرجه ابن المبارك في الزهد ‪-‬رواية نعيم‪ -‬رقم (‪ ،)271‬وعبد الرزاق في المصنف (‪)564 /3‬‬
‫رقم (‪ )6700‬وغيرهما‪.‬‬
‫واَّلذي يظهر أَّن االضطراب ليس من علقمة بن مرثد "ثقة" بل من الرواة عنه‪.‬‬
‫والصحيح رواية الثوري إلمامته وحفظه وإتقانه كما رجحه أبو حاتم الَّر ازي والترمذي‪ ،‬فالحديث‬
‫مرسل‪.‬‬
‫انظر‪ :‬علل ابن أبي حاتم (‪ )215 /2‬رقم (‪ ،)2132‬واإلصابة البن حجر (‪.)151 - 150 /5‬‬

‫(‪)1/557‬‬

‫عليه‪ ،‬ثَّم طار بك حيث شئت" (‪. )1‬‬


‫قال الترمذي‪" :‬هذا حديث ليس إسناده بالقوي‪ ،‬وال نعرفه من حديث أبي أيوب إاَّل من هذا‬
‫الوجه‪ ،‬وأبو سورة‪ :‬هو ابن أخي أبي أيوب‪ ،‬يضَّعف في الحديث‪ ،‬ضعفه ابن معين جًّدا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وسمعُت محمد بن إسماعيل يقول‪ :‬أبو سورة هذا منكر الحديث‪ ،‬يروي مناكير عن أبي أيوب ال‬
‫يتابع عليه (‪." )2‬‬
‫قلُت ‪ :‬أَّما حديث علقمة بن مرثد فقد اضطرب فيه علقمة‪:‬‬
‫فمَّر ة يقول‪ :‬عن سليمان بن بريدة عن أبيه‪.‬‬
‫ومَّر ة يقول‪ :‬عن عبد الرحمن بن سابط (‪ )3‬عن عبد الرحمن (‪ )4‬بن ساعدة قال‪ :‬كنُت أحُّب‬
‫الخيل‪ ،‬فقلُت ‪ :‬هل في الجَّنة خيٌل يا رسول الَّلِه؟‬
‫ومَّر ة يقول‪ :‬قال رجٌل من األنصاِر ُيقال له عمير بن ساعدة‪ :‬يا رسول الَّله‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الترمذي رقم (‪ ،)544‬والطبراني في الكبير (‪ )180 /4‬رقم (‪ ،)4075‬وأبو نعيم‬
‫في صفة الجَّنة (‪.)423‬‬
‫وهو ضعيف جًّدا‪ ،‬واصل بن السائب‪ :‬متروك الحديث‪ ،‬وأبو سورة ذكر الكالم فيه الترمذي‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "د"‪" :‬عليها"‪.‬‬
‫(‪ )3‬قوله‪" :‬عبد الرحمن بن سابط" سقط من "هـ"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في "أ‪ ،‬ج"‪" :‬عمير"‪.‬‬

‫(‪)1/558‬‬
‫ومَّر ة يقول‪ :‬عن عبد الرحمن بن سابط عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪.-‬‬
‫والترمذي جعل هذا أصَّح من حديث المسعودي؛ ألَّن سفيان أحفظ منه‪ ،‬وأثبت‪.‬‬
‫وقد رواُه أبو نعيم من حديث علقمة هذا‪ ،‬فقال‪ :‬عن أبي صالح‪ ،‬عن أبي هريرة رضي الَّله عنه‪ :‬أَّن‬
‫أعرابًّيا قال‪ :‬يا رسول الَّله! أفي الجَّنة إبٌل؟ قال‪ :‬يا أعرابي إْن ُيدخلك الَّله الجَّنة رأيَت فيها ما‬
‫تشتهي نفسك وتلُّذ عيُنك"‪.‬‬
‫ورواه أيًض ا من حديث علقمة عن يحيى بن إسحاق عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال‪ :‬قال‬
‫رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬في ذكر الجَّنة فقال‪" :‬والفردوس أعالها ُسُم ًّو ا‪ ،‬وأوسعها‬
‫َمَح َّلًة‪ ،‬ومنها تفجر أنهار الجَّنة‪ ،‬وعليها يوضُع العرش يوَم القيامة‪ ،‬فقام إليه رجٌل‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول‬
‫الَّلِه إِّني رجٌل ُح ِّبَب إلَّي الخيل (‪ ، )1‬فهل في الجَّنة خيل؟ قال‪ :‬إي واَّلذي نفسي بيده‪ ،‬إَّن في‬
‫الجَّنة لخياًل وإباًل َه َّف افًة ترّف بين خالل ورق الجَّنة‪ ،‬يتزاورون عليها حيث شاؤوا‪ ،‬فقام إليه رجل‬
‫فقال‪ :‬يا رسول الَّله! إِّني ُح ِّبَب إلَّي اإلبل ‪ ...‬وذكر الحديث‪.‬‬
‫وأَّما حديث أبي َسْو َر ة فال يعرف إاَّل من حديث واصل بن السائب عنه‪ ،‬ولم يروه عنه غيره‪ ،‬وغير‬
‫يحيى بن جابر الطائي‪.‬‬
‫وقد أخرج له أبو داود حديث‪" :‬سُتفتح عليكم األمصاُر ‪ ،‬وتجندون أجناًدا" (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬وقع في "هـ"‪" :‬الخيل واإلبل وذكر الحديث"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2525‬وأحمد (‪ )413 /5‬وغيرهما من حديث أبي أيوب =‬

‫(‪)1/559‬‬

‫وأخرج له ابن ماجه عن أبي أيوب‪" :‬رأيُت الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬توضأ فخَّلل لحيته" (‬
‫‪. )1‬‬
‫وحديًثا آخر في تفسير قوله تعالى‪َ{ :‬ح َّتى َتْس َتْأِنُس وا} [النور‪. )2( " ]27 :‬‬
‫وأخرج له الترمذي حديث‪" :‬خيل الجَّنة" (‪ )3‬فقط‪.‬‬
‫ورواُه أبو نعيم‪ :‬من حديث جابر بن نوح عن واصل به وقال‪" :‬إَّن أهل الجَّنة ليتزاورون على‬
‫نجائب بيٍض ‪ ،‬كأَّنها الياقوت‪ ،‬وليس في الجَّنة من البهائم إاَّل الخيُل واإلبل" (‪. )4‬‬
‫وقال أبو الشيخ‪ :‬حدثنا القاسُم بن زكريا حدثنا سويد بن سعيد حدثنا مروان بن معاوية عن‬
‫الحكم بن أبي خالد عن الحسن البصري عن جابر بن عبد الَّله رضي الَّله عنهما‪ ،‬عن الَّنبي ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إذا دخل أهل‬
‫__________‬
‫= رضي الَّله عنه‪.‬‬
‫وهو من منكراته عن أبي أيوب كما ذكر البخاري (ص‪.)558 /‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن ماجه (‪.)433‬‬
‫وسنده ضعيف جًّدا‪ ،‬واصل‪ :‬متروك‪ ،‬وأبو سورة كما تقدم‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (‪ )244 - 243 /5‬رقم (‪ ،)25665‬والطبراني في الكبير‬
‫(‪ )178 /4‬رقم (‪ )4065‬وغيرهما من حديث أبي أيوب رضي الَّله عنه‪.‬‬
‫وهو حديث منكر‪ِ ،‬ع َّلته ما سبق في الحديث قبله‪.‬‬
‫(‪ )3‬كما تقدم قريًبا‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجنة رقم (‪ ،)428‬والطبراني في الكبير (‪ )179 /4‬رقم (‬
‫‪.)4069‬‬
‫وهو ضعيف جًّدا‪ ،‬فيه واصل‪ :‬متروك‪ ،‬وأبو سورة تقدم حاله‪.‬‬

‫(‪)1/560‬‬

‫الجَّنة الجَّنة جاءتهم خيوٌل من ياقوت أحمر‪ ،‬لها أجنحٌة‪ ،‬ال تروث وال تبول فقعدوا عليها‪ ،‬ثَّم‬
‫طارت بهم في الجَّنة‪ ،‬فيتجلى لهم الجبار‪ ،‬فإذا رأوه خُّر وا سجًد ا فيقول لهم الجبار تبارك وتعالى‪:‬‬
‫ارفعوا رؤوسكم فإَّن هذا ليس بيوم عمل‪ ،‬إَّنما هو يوم نعيم وكرامة‪ ،‬قال‪ :‬فيرفعون رؤوسهم‪،‬‬
‫فُيمطر الَّله تعالى عليهم طيًبا‪ ،‬فيمُّر ون بكثبان المسك‪ ،‬فيبعث الَّله على تلك الكثبان ريًح ا‪،‬‬
‫فتهِّيجها عليهم حتى إَّنهم ليرجعون إلى أهليهم وإَّنهم لشعث ُغْبر" (‪. )1‬‬
‫وقال عبد الَّله بن المبارك‪ :‬حدثنا همام عن قتادة عن عبد الَّله بن عمرو قال‪" :‬في الجَّنة ِع َتاق‬
‫الخيل‪ ،‬وكرائم النجائب يركبها أهلها" (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)429‬واآلجري في الشريعة رقم (‪.)617 ,616‬‬
‫ومدارُه على الحكم بن أبي خالد‪ :‬هو ابن ظهير الفزاري‪ :‬متروك‪ ،‬واتهم بالكذب‪ ،‬وسيأتي موقوًفا‬
‫ص (‪.)690‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)252‬‬
‫وهذا فيه انقطاع‪ ،‬قتادة لم يسمع من عبد الَّله بن عمرو‪.‬‬

‫(‪)1/561‬‬

‫الباب التاسع والخمسون‪ :‬في زيارة أهل الجَّنة بعضهم بعًض ا‪ ،‬وتذاكرهم ما كان بينهم في الدنيا‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬فَأْقَبَل َبْع ُضُه ْم َعَلى َبْع ٍض َيَتَس اَءُلوَن (‪َ )50‬قاَل َقاِئٌل ِم ْنُه ْم ِإِّني َك اَن ِلي َقِر يٌن (‪)51‬‬
‫ِد‬ ‫ِع‬ ‫ِم‬ ‫ِق‬ ‫ِم‬
‫َيُقوُل َأِإَّنَك َل َن اْلُم َص ِّد يَن (‪َ )52‬أِإَذا ْتَنا َو ُك َّنا ُتَر اًبا َو َظاًما َأِإَّنا َلَم يُنوَن (‪َ )53‬قاَل َه ْل َأْنُتْم‬
‫ُمَّطِلُعوَن (‪َ )54‬فاَّطَلَع َفَر آُه ِفي َسَو اِء اْلَج ِح يِم (‪َ )55‬قاَل َتالَّلِه ِإْن ِكْد َت َلُتْر ِد يِن (‪َ )56‬و َلْو اَل ِنْع َم ُة‬
‫َر ِّبي َلُك ْنُت ِم َن اْلُم ْح َض ِر يَن (‪[ })57‬الصافات‪.]57 - 50 :‬‬
‫أخبر سبحانه وتعالى أَّن أهل الجَّنة أقبل بعضهم على بعض يتحدثون‪ ،‬ويسأل بعضهم بعًض ا عن‬
‫أحوال كانت في الدنيا‪ ،‬فأفضت بهم المحادثة والمذاكرة إلى أْن قال قائٌل منهم‪ :‬كان لي قريٌن‬
‫في الدنيا ينكر البعث والَّدار اآلخرة‪ ،‬ويقول ما حكاُه الَّلُه عنه‪ ،‬يقول‪َ{ :‬أِإَّنَك َلِم َن اْلُم َص ِّد ِقيَن (‬
‫‪ })52‬بأَّنا ُنبعث وُنجازى بأعمالنا‪ ،‬وُنحاسُب بها بعد أْن َم َّز َقَنا الِبَلى‪ ،‬وُك َّنا ُتراًبا وعظاًم ا‪ ،‬ثَّم يقول‬
‫المؤمُن إلخوانه في الجَّنة‪ :‬هل أنتم مطلعون في الَّناِر لننظر منزلة قريني هذا وما صار إليه‪.‬‬
‫هذا أظهُر األقواِل ‪ ،‬وفيها قوالن آخران‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أَّن المالئكة تقول لهؤالء المتذاكرين اَّلذين يحدث بعضهم بعًض ا‪َ{ :‬قاَل َه ْل َأْنُتْم‬
‫ُمَّطِلُعوَن (‪[ })54‬الصافات‪.]54 :‬‬
‫رواُه عطاء عن ابن عباس (‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬لم أقف عليه‪ .‬وذكر هذا القول القرطبي في الجامع (‪ ،)82 /15‬وابن الجوزي =‬

‫(‪)1/562‬‬

‫والثاني‪ :‬أَّنه من قول الَّله عَّز وجَّل ألهل الجَّنة يقول لهم‪َ{ :‬ه ْل َأْنُتْم ُمَّطِلُعوَن (‪.} )54‬‬
‫والصحيح القول األَّو ل (‪ ، )1‬وأَّن هذا قول المؤمن ألصحابه ومحادثيه‪ ،‬والسياق كله واإلخبار‬
‫عنه وعن حال قرينه‪.‬‬
‫قال كعب‪" :‬بين الجَّنة والَّناِر ُك ًو ى‪ ،‬فإذا أراد المؤمُن أْن ينظر إلى عدٍّو كان له في الدنيا اَّطلَع من‬
‫بعض تلك الُك وى" (‪. )2‬‬
‫وقوله تعالى‪َ{ :‬فاَّطَلَع } أي‪ :‬أشرف‪ .‬قال مقاتل‪" :‬لما قال ألهل الجَّنة‪َ{ :‬ه ْل َأْنُتْم ُمَّطِلُعوَن }؟ قالوا‬
‫له‪ :‬إَّنك أعرف به مَّنا‪ ،‬فاَّطِلْع أنت‪َ ،‬فَأْش َر َف فرأى قرينه في وسط الجحيم‪ ،‬ولوال أَّن الَّله عَّر فه‬
‫إَّياُه لما عَر فه‪ ،‬لقد تغَّير وجُهُه ولوُنُه وغَّيرُه العذاب أشَّد تغيير‪ ،‬فعندها قال‪َ{ :‬تالَّلِه ِإْن ِكْد َت‬
‫َلُتْر ِد يِن (‪َ )56‬و َلْو اَل ِنْع َم ُة َر ِّبي َلُك ْنُت ِم َن اْلُم ْح َض ِر يَن (‪[ } )57‬الصافات‪ ]57 - 56 :‬أي‪ :‬إْن‬
‫كدَت لتهلكني‪ ،‬ولوال أْن (‪ )3‬أنعَم الَّلُه علَّي بنعمه لكنُت من المحضرين مَعك في العذاب" (‪. )4‬‬
‫__________‬
‫= في زاد المسير (‪.)50 /7‬‬
‫(‪ )1‬وإليه ذهب عاَّمة المفسرين‪ :‬الطبري (‪ ،)58 /23‬والماوردي (‪ ،)49 /5‬والقرطبي (‪/15‬‬
‫‪ ،)82 - 81‬وابن الجوزي (‪ ،)49 /7‬والبغوي (‪ )41 /7‬وغيرهم‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره "كما في الدر المنثور (‪ )52 /5‬بنحوه"‪ ،‬وذكره ابن‬
‫المبارك "كما عند القرطبي (‪ )83 /15‬بمثله"‪ .‬من طريق قتادة قال‪ :‬ذكر لنا أَّن كعب فذكره‪.‬‬
‫وسنده منقطع‪ ،‬قتادة لم يدرك كعب األحبار‪.‬‬
‫(‪ )3‬ليس في "ج"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬تفسير مقاتل (‪ )99 /3‬بمعناه‪.‬‬

‫(‪)1/563‬‬

‫وقال تعالى‪َ{ :‬و َأْقَبَل َبْع ُضُه ْم َعَلى َبْع ٍض َيَتَس اَءُلوَن (‪َ )25‬قاُلوا ِإَّنا ُك َّنا َقْبُل ِفي َأْه ِلَنا ُمْش ِفِق يَن (‬
‫‪َ )26‬فَم َّن الَّلُه َعَلْيَنا َو َو َقاَنا َعَذ اَب الَّس ُم وِم (‪ِ )27‬إَّنا ُك َّنا ِم ْن َقْبُل َنْد ُعوُه ِإَّنُه ُه َو اْلَبُّر الَّر ِح يُم (‪)28‬‬
‫} [الطور‪.]28 - 25 :‬‬
‫وقال الطبراني‪ :‬حدثنا الحسين بن إسحاق حدثنا سهل بن عثمان حدثنا المسيب بن َش ِر يك عن‬
‫بشر بن ُنمير (‪ )1‬عن القاسم عن أبي ُأمامة قال‪ُ :‬س ِئَل رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪:-‬‬
‫أيتزاوُر أهل الجَّنة؟ قال‪ :‬يزور األعلى األسفل‪ ،‬وال يزور األسفل األعلى‪ ،‬إاَّل اَّلذين يتحابون في‬
‫الَّله يأتون منها حيث شاؤوا على الُّنوق محتقبين الحشايا" (‪. )2‬‬
‫وقال الدورقي‪ :‬حدثنا أبو سلمة التبوذكي‪ ،‬حدثنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هالل قال‪:‬‬
‫بلغنا أَّن أهل الجَّنة يزوُر األعلى األسفل‪ ،‬وال يزور األسفل األعلى" (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬د"‪" :‬نمر" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبراني في الكبير (‪ )286 /8‬رقم (‪ ،)7936‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‬
‫‪.)421‬‬
‫قال الهيثمي في المجمع (‪" :)279 /10‬وفيه بشر بن نمير‪ ،‬وهو متروك"‪.‬‬
‫وقد اُّتهم بالكذِب ووضع الحديث‪ .‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)157 - 156 /4‬‬
‫‪ -‬ورواُه جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة‪.‬‬
‫عند الطبراني (‪ )292 /8‬رقم (‪ ،)7959‬وجعفر اُّتهم بوضع الحديث‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪.)422‬‬
‫ورواُه سليمان بن المغيرة وابن المعتمر عن حميد‪ ،‬نحوه‪.‬‬
‫أخرجه ابن المبارك في الزهد ‪-‬رواية نعيم‪ -‬رقم (‪ ،)235‬وابن حبيب في =‬

‫(‪)1/564‬‬

‫وقد تقدم حديث علقمة بن مرثد عن يحيى بن إسحاق عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي‬
‫الَّله عنه (‪. )1‬‬
‫وقال الطبراني‪ :‬حدثنا محمد بن عبدوس حدثنا الحسن بن حماد حدثنا جابر بن نوح عن واصل‬
‫بن السائب عن أبي سورة عن أبي أيوب يرفعه‪" :‬إَّن أهل الجَّنة يتزاورون على النجائب" وقد تقدم‬
‫(‪. )2‬‬
‫فأهُل الجَّنة يتزاورون فيها‪ ،‬ويستزيُر بعضهم بعًض ا‪ ،‬وبذلك َتِتُّم لَّذ ُتهم وسرورهم‪ ،‬ولهذا قال‬
‫حارثة للَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬وقد سألُه‪" :‬كيف أصبحَت يا حارثة؟ " قال‪ :‬أصبحُت مِؤ مًنا‬
‫حًّق ا‪ ،‬قال‪" :‬إَّن لكِّل حًّق حقيقة‪ ،‬فما حقيقة إيمانك؟ " قال‪ :‬عَز فْت نفسي عن الدنيا‪ ،‬فأسهرُت‬
‫ليلي‪ ،‬وأظمأُت نهاري‪ ،‬وكأِّني أنظُر إلى عرش ربي بارًز ا‪ ،‬وإلى أهل الجَّنة يتزاورون فيها‪ ،‬وإلى‬
‫أهل الَّناِر ُيَعَّذ بون فيها‪ ،‬فقال‪" :‬عبٌد نَّو ر الَّلُه قلَبه" (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫= وصف الفردوس رقم (‪ .)179‬وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )1‬ص (‪.)579‬‬
‫(‪ )2‬ص (‪.)560‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البزار "كشف األستار" رقم (‪ ،)32‬والبيهقي في شعب اإليمان رقم (‪،)10590‬‬
‫والحكيم الترمذي في الصالة ومقاصدها (ص‪.)73 /‬‬
‫من طريق يوسف بن عطية عن ثابت وقتادة عن أنس بن مالك‪.‬‬
‫قال البزار‪" :‬تفَّر د به يوسف بن عطية‪ ،‬وهو لين الحديث"‪.‬‬
‫قلُت ‪ :‬يوسف بن عطية الصَّف ار متروك الحديث‪.‬‬
‫والحديث وقع فيه اختالف كثير‪ ،‬وال يصح مرفوًعا‪ ،‬وإَّنما هو من قول بعض أتباع الَّتابعين ومن‬
‫دونهم‪ :‬كمالك بن مغول وصالح بن مسمار‪ ،‬وقد =‬

‫(‪)1/565‬‬

‫قال ابن أبي الدنيا‪ :‬حدثنا عبد الَّله (‪ )1‬حدثني سلمة بن شبيب حدثنا سعيد بن دينار عن الربيع بن‬
‫صبيح عن الحسن عن أنس رضي الَّله عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إذا‬
‫دخل أهل الجَّنِة الجَّنَة‪ ،‬قال‪ :‬فيشتاُق اإلخوان بعضهم إلى بعض‪ ،‬فيسير سريُر هذا إلى سرير هذا‪،‬‬
‫وسرير هذا إلى سرير هذا‪ ،‬حَّتى يجتمعا جميًعا‪ ،‬فيقول أحدهما لصاحبه‪ :‬تعلُم متى غفر الَّلُه لنا؟‬
‫فيقول صاحبه‪ :‬يوم ُك َّنا في موضع كذا وكذا‪ ،‬فدعونا الَّله فغفر لنا" (‪. )2‬‬
‫قال‪ :‬وحدثنا حمزة بن العباس‪ ،‬أنبأنا عبد الَّله بن عثمان أنبأنا ابن المبارك‪ ،‬أنبأنا إسماعيل بن‬
‫عياش قال‪ :‬حدثني ثعلبة بن مسلم (‪ ، )3‬عن أيوب بن بشير العجلي‪ ،‬عن ُش َف ِّي بن ماِتٍع (‪ )4‬أَّن‬
‫رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إَّن من نعيم أهل الجَّنة أَّنهم يتزاورون على المطايا‬
‫__________‬
‫= قال ابن صاعد‪ . . ." :‬وهذا الحديث ال يثبت مرفوًعا"‪.‬‬
‫انظر‪ :‬المعرفة ألبي نعيم (‪ ،)778 /2‬واإلصابة البن حجر (‪.)303 /1‬‬
‫(‪ )1‬قوله‪" :‬حدثنا عبد الَّله" ليس في المطبوع من كتاب ابن أبي الدنيا‪ ،‬وهو مثبت في جميع‬
‫النسخ‪ ،‬ولعَّل عبد الَّله هذا‪ :‬هو ابن أحمد بن حنبل‪ ،‬والَّله أعلم‪ ،‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪/11‬‬
‫‪.)285‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)245‬‬
‫وأخرجه العقيلي في الضعفاء (‪ ،)103 /2‬والبزار "كما في كشف األستار رقم (‪.)3553‬‬
‫قال أبو حاتم الَّر ازي‪" :‬هذا حديث منكر‪ ،‬وسعيد "يعني‪ :‬ابن دينار" مجهول"‪ .‬انظر‪ :‬تفسير ابن‬
‫كثير (‪.)260 /4‬‬
‫(‪ )3‬في "أ‪ ،‬ج"‪" :‬سلم" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في "هـ"‪" :‬نافع" وهو خطأ‪ ،‬وفي "ج"‪" :‬مانع" وهو خطأ‪.‬‬

‫(‪)1/566‬‬

‫والنجب‪ ،‬وأَّنهم يؤتون في الجَّنة بخيٍل ُمسرجٍة ُمْلجمٍة ‪ ،‬ال تروث وال تبول‪ ،‬فيركبونها حَّتى ينتهوا‬
‫حيث شاء الَّلُه عَّز وجَّل‪ ،‬فيأتيهم مثل السحابة‪ ،‬فيها ما ال عيٌن رأت‪ ،‬وال أذٌن سمعت‪ ،‬فيقولون‪:‬‬
‫أمطري علينا‪ ،‬فما يزال المطُر عليهم حَّتى ينتهي ذلك فوق أمانيهم‪ ،‬ثَّم يبعث الَّله ريًح ا غير‬
‫مؤذية‪ ،‬فتنسف كثباًنا من مسك عن أيمانهم وعن شمائلهم‪ ،‬فيأخذ ذلك المسك في نواصي‬
‫خيولهم‪ ،‬وفي مفارقهم (‪ )1‬وفي رؤوسهم‪ ،‬ولكِّل رجٍل منهم ُج َّم ة على ما اشتهت نفسه‪ ،‬فيتعَّلق‬
‫ذلك المسك في تلك الجمام وفي الخيل‪ ،‬وفيما سوى ذلك من الثياب‪ ،‬ثَّم يقبلون حتى ينتهوا‬
‫إلى ما شاء الَّلُه تعالى‪ ،‬فإذا المرأة تنادي بعض أولئك‪ :‬يا عبد الَّله أمالك فينا حاجة؟ فيقول‪ :‬ما‬
‫أنِت ومن أنِت ؟ فتقول‪ :‬أنا زوجك وِح ُّبَك ‪ ،‬فيقول‪ :‬ما كنُت علمُت بمكاِنك‪ ،‬فتقول المرأة‪ :‬أوما‬
‫تعلم اَّن الَّله قال‪َ{ :‬فاَل َتْع َلُم َنْف ٌس َما ُأْخ ِف َي َلُه ْم ِم ْن ُقَّر ِة َأْع ُيٍن َجَز اًء ِبَم ا َك اُنوا َيْع َم ُلوَن (‪} )17‬‬
‫[السجدة‪ ]17 :‬فيقول‪ :‬بلى ورِّبي‪ ،‬فلعَّله ُيْش َغُل (‪ )2‬عنها بعد ذلك الموقف أربعين خريًف ا‪ ،‬ال‬
‫يلتفُت وال يعوُد؛ ما يشغلُه عنها إاَّل ما هو فيه من النعيم والكرامة" (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬مفارقها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب"‪" :‬ليشغل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي الدنيا في "صفة الجنة" رقم (‪ ،)246‬وابن المبارك في الزهد ‪-‬رواية ُنعيم‪-‬‬
‫رقم (‪.)239‬‬
‫وهو حديث مرسل ضعيف اإلسناد؛ ألن ُش في بن ماتع تابعي على الصحيح‪ ،‬وثعلبة بن مسلم فيه‬
‫جهالة‪ .‬انظر‪ :‬جامع التحصيل للعالئي رقم (‪.)288‬‬
‫(‪)1/567‬‬

‫حدثني حمزة أنبأنا عبد الَّله بن عثمان أنبأنا ابن المبارك أنبأنا رشدين ابن سعد قال‪ :‬حدثني ابُن‬
‫أنعم أَّن أبا هريرة رضي الَّله عنه قال‪" :‬إَّن أهل الجَّنة ليتزاورون على الِعْيس الُجْو ِن ‪ ،‬عليها رحال‬
‫الَم ْيس‪ ،‬تثير مناسمها غبار المسك‪ِ ،‬خ طام أو زمام أحدها خيٌر من الدنيا وما فيها" (‪. )1‬‬
‫وذكر ابن أبي الدنيا‪ :‬من حديث أبي اليمان‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن عَّياش عن عمر بن محمد عن زيد‬
‫بن أسلم عن أبيه عن أبي هريرة رضي الَّله عنه عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬أَّنه سأل جبريل‬
‫عن هذه اآلية‪َ{ :‬و ُنِف َخ ِفي الُّصوِر َفَص ِعَق َمْن ِفي الَّس َم اَو اِت َو َمْن ِفي اَأْلْر ِض ِإاَّل َمْن َش اَء الَّلُه}‬
‫[الزمر‪ ]68 :‬قال‪" :‬هم الشهداء يبعثهم الَّله متقلدين أسيافهم حول عرشه‪ ،‬فأتاهم مالئكة من‬
‫المحشر بنجائب من ياقوت‪ ،‬أِز َّمتها الُّد ُّر األبيض‪ ،‬برحال الذهب‪ ،‬أِع َّنتها السندس واإلستبرق‪،‬‬
‫ونمارقها َأْلَيُن من الحرير‪ ،‬مُّد ُخ َطاها مُّد أبصار الرجال‪ ،‬يسيرون في الجَّنة على خيول‪ ،‬يقولون‬
‫عند طول النزهة‪ :‬انطلقوا بنا ننظر كيف يقضي الَّله (‪ )2‬بين خلقه‪ ،‬يضحك الَّلُه إليهم‪ ،‬وإذا‬
‫ضحك الَّله إلى عبٍد في موطن فال حساب عليه" (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)247‬‬
‫وسنده ضعيف‪ ،‬رشدين وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم اإلفريقي ضعيفان‪.‬‬
‫(‪ )2‬ليس في "أ‪ ،‬ج"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)248‬‬
‫‪ -‬وأخرجه الحاكم في المستدرك (‪ )277 /2‬رقم (‪ )3000‬وقال‪" :‬صحيح اإلسناد ولم‬
‫يخرجاه"‪ ،‬والَّدارقطني في اإلفراد "كما في األطراف (‪ )155 /5‬رقم (‪ )4984‬وغيرهما‪= .‬‬

‫(‪)1/568‬‬

‫قال ابن أبي الدنيا‪ :‬وحدثنا الفضل بن جعفر ثنا جعفر بن حسن (‪ ، )1‬حدثنا أبي‪ ،‬عن الحسن بن‬
‫علي عن علي (‪ )2‬رضي الَّله عنه قال‪ :‬سمعت رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬يقول‪" :‬إَّن‬
‫في الجَّنة لشجرًة يخرُج من أعالها حلٌل‪ ،‬ومن أسفلها خيٌل من ذهب مسرجٍة ملجمٍة من دٍّر‬
‫وياقوت‪ ،‬ال تروث وال تبول‪ ،‬لها أجنحة خطوها مُّد بصرها‪ ،‬فيركبها أهل الجَّنة فتطيُر بهم حيث‬
‫شاؤوا‪ ،‬فيقول اَّلذين أسفَل منهم درجة (‪ : )3‬يا رب ِبَم بلغ عباُدك هذه الكرامة كلها؟ قال‪:‬‬
‫فيقال لهم‪ :‬كانوا يصلون بالليل وكنتم تنامون‪ ،‬وكانوا يصومون وكنتم تأكلون‪ ،‬وكانوا ينفقون‬
‫وكنتم تبخلون‪ ،‬وكانوا يقاتلون وكنتم تجبنون" (‪. )4‬‬
‫__________‬
‫= من طريِق بقية بن الوليد وحماد بن ُأسامة كالهما عن عمر بن محمد به نحوه‪.‬‬
‫قال الَّدارقطني‪" :‬غريب من حديثه "يعني زيد" عن أبيه‪ ،‬تفَّر د به عمر بن محمد عنه‪." . . .‬‬
‫والحديُث مدارُه على عمر بن محمد وهو ابن صهبان األسلمي‪ :‬وهو متروك الحديث‪ ،‬وهذا‬
‫الحديث من مناكيره‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)401 - 400 /21‬‬
‫(‪ )1‬كذا في جميع النسخ‪ ،‬وفي مصدر التخريج‪ ،‬ولعَّل صوابه "جسر"‪ ،‬وهو‪ :‬ابن فْر َقد أبو جعفر‬
‫القَّص اب‪ ،‬انظر‪ :‬لسان الميزان (‪.)133 - 132 /2‬‬
‫(‪ )2‬قوله "عن علي" سقط من "هـ"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "أ‪ ،‬جـ"‪" :‬فرحة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)249‬‬
‫وهو حديٌث منكر‪ ،‬فيه جعفر بن جسر بن فرقد‪ ،‬وأبوُه جسر وكالهما ضعيف‪ ،‬لكن جسر أضعف‬
‫وله منكرات‪ ،‬وقال بعضهم فيه‪ :‬متروك‪.‬‬
‫انظر‪ :‬لسان الميزان (‪.)141 - 140 /2‬‬

‫(‪)1/569‬‬

‫فصل‬
‫ولهم زيارٌة أخرى أعلى من هذه وأجُّل ‪ ،‬وذلك حين يزورون ربهم تبارك وتعالى‪ ،‬فيريهم وجَه ه‪،‬‬
‫وُيْس معهم كالَم ه‪ ،‬ويحُّل عليهم رضوانه‪.‬‬
‫وسيمُّر بك ذكر هذه الزيارة عن قريٍب ‪ ،‬إْن شاء الَّلُه تعالى (‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في الباب (‪.)61‬‬
‫(‪)1/570‬‬

‫الباب الستون‪ :‬في ذكر سوق الجَّنة وما أعَّد الَّلُه تعالى فيه (‪ )1‬ألهلها‬
‫قال مسلم في "صحيحه" (‪ :)2‬حدثنا سعيد بن عبد الجبار الَّص يرفي‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة عن‬
‫ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الَّله عنه أَّن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إَّن في‬
‫الجَّنة لُس وًقا يأتونها كَّل جمعة‪ ،‬فتهُّب ريُح الشمال‪ ،‬فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون ُح سًنا‬
‫وجمااًل ‪ ،‬فيرجعون إلى أهليهم‪ ،‬وقد ازدادوا ُح سًنا وجمااًل ‪ ،‬فيقول لهم أهلوهم‪ :‬والَّلُه لقد ازددتم‬
‫بعدنا حسًنا وجمااًل ‪ ،‬فيقولون‪ :‬وأنتم والَّلِه لقد ازددتم بعدنا ُح سًنا وجمااًل "‪.‬‬
‫ورواُه اإلمام أحمد في "مسنده" عن عَّف ان‪ ،‬عن حماد بن سلمة به (‪ .)3‬وقال‪" :‬فيها كثبان‬
‫المسِك فإذا خرجوا إليها هَّبت الِّر يح" (‪.)4‬‬
‫وقال ابن أبي عاصم في كتاب "السنة"‪ :‬حدثنا هشام بن عَّم ار حدثنا عبد الحميد بن حبيب بن أبي‬
‫العشرين عن األوزاعي عن حسان بن عطية عن سعيد بن المسيب أَّنه لقَي أبا هريرة‪ ،‬فقال أبو‬
‫هريرة‪ :‬أسأل الَّله أْن يجمع بيني وبينك في سوِق الجَّنة‪ ،‬فقال سعيد‪ :‬أَو فيها سوق؟ قال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫أخبرني رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬أَّن أهَل الجَّنة إذا دخلوها نزلوها بفضل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ليس في "هـ"‪ ،‬ووقع في "أ" "وما ُأِع َّد فيه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬برقم (‪.)2833‬‬
‫(‪ )3‬من "أ‪ ،‬ج‪ ،‬هـ"‪.‬‬
‫(‪" )4‬المسند" (‪.)285 - 284 /3‬‬

‫(‪)1/571‬‬

‫أعمالهم‪ ،‬فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا‪ ،‬فيزورون الَّله تبارك وتعالى‪ ،‬فيبرز لهم‬
‫عرشه‪ ،‬ويتبَّدى لهم في روضة من رياض الجَّنة‪ ،‬فيوضع لهم منابر من نور‪ ،‬ومنابر من لؤلؤ‪ ،‬ومنابر‬
‫من زبرجد‪ ،‬ومنابر من ياقوت‪ ،‬ومنابر من ذهب‪ ،‬ومنابر من فضة‪ ،‬ويجلس أدناهم ‪ -‬وما فيها دنٌّي‬
‫‪ -‬على كثبان المسك والكافور‪ ،‬وما يرون أَّن أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلًس ا‪ ،‬قال أبو‬
‫هريرة‪ :‬فقلُت ‪ :‬هل (‪ )1‬نرى ربنا عَّز وجَّل ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬هل تمارون في رؤية الشمس والقمر‬
‫ليلة البدِر ؟ قلنا‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فكذلك ال تمارون في رؤية ربكم تبارك وتعالى‪ ،‬وال يبقى في ذلك‬
‫المجلس أحٌد إاَّل حاضره الَّله محاضرة‪ ،‬حَّتى يقول‪ :‬يا فالن بن فالن‪ ،‬أتذكر يوم فعلت كذا‬
‫وكذا؟ فُيَذ ِّك ره ببعض غدراته في الدنيا‪ ،‬فيقول‪ :‬بلى‪ ،‬فيقول‪ :‬يا رب أفلم تغفر لي؟ فيقول‪ :‬بلى‪،‬‬
‫فبمغفرتي بلغَت منزلتك هذه‪ ،‬قال‪ :‬فبينما هم على ذلك‪ ،‬غشيتهم سحابة من فوقهم‪ ،‬فأمطرت‬
‫عليهم طيًبا لم يجدوا مثل ريحه شيًئا قُّط ‪ ،‬ثَّم يقول ربنا تبارك وتعالى‪ُ :‬قوموا إلى ما أعددُت لكم‬
‫من الكرامة فخذوا ما اشتهيتم‪ ،‬قال‪ :‬فيأتون سوًقا قد حَّف ْت به (‪ )2‬بها المالئكة‪ ،‬فيه ما لم تنظِر‬
‫العيون إلى مثله‪ ،‬ولم تسمع اآلذاُن ‪ ،‬ولم يخطر على القلوب‪ ،‬قال‪ :‬فُيحمل لنا ما اشتهينا ليس‬
‫يباع فيه شيٌء وال ُيْش َترى‪ ،‬وفي ذلك الُّس وق يلقى أهل الجَّنة بعضهم بعًض ا‪ ،‬قال‪ :‬فيقبل ذو الِبَّز ة‬
‫المرتفعة فيلقى من هو دونه ‪ -‬وما فيهم دنٌّي ‪ -‬فيروعه ما يرى‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في السنة‪( :‬يا رسول الَّله‪ ،‬هل‪ ،). . .‬وفي جميع النسخ "أبو هريرة‪ :‬وهل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ليس في "أ"‪ ،‬وفي باقي النسخ‪" :‬بها"‪ ،‬والمثبت من نسخة على حاشية "أ"‪.‬‬

‫(‪)1/572‬‬

‫عليه من اللباس والهيئة‪ ،‬فما ينقضي آخر حديثه حَّتى يتمثل عليه أحسَن منه‪ ،‬وذلك أَّنه ال ينبغي‬
‫ألحد أْن يحزن فيها‪ ،‬قال‪ :‬ثَّم ننصرف إلى منازلنا فيلقانا أزواجنا‪ ،‬فيقلن‪ :‬مرحًبا وأهاًل بُم ِح ِّبَنا (‪)1‬‬
‫‪ ،‬لقد جئَت وإَّن بك من الجماِل والَّطيب أفضل مَّم ا فارقتنا عليه‪ ،‬فيقول‪ :‬إَّنا جالسنا اليوَم ربنا‬
‫الجَّبار تبارك وتعالى‪ ،‬وبحقنا أْن ننقلَب بمثل ما انقلبنا" (‪. )2‬‬
‫ورواه الترمذي في "صفة الجَّنة"‪ :‬عن محمد بن إسماعيل عن هشام بن عمار‪ .‬وليس في هذا‬
‫اإلسناد من ينظر فيه إاَّل عبد الحميد بن حبيب وهو كاتب األوزاعي‪ ،‬فال ُنْنِكُر عليه تفرده عن‬
‫األوزاعي بما لم يروِه غيره‪ ،‬وقد قال اإلمام أحمد وأبو حاتم الَّر ازي‪ :‬هو ثقة‪ ،‬وأَّما ُدَح يم‬
‫والنسائي‪ :‬فضَّعفاه‪ ،‬وال يعرف أَّنه حدث عن غير األوزاعي‪ .‬والترمذي قال‪" :‬هذا الحديث‬
‫غريب‪ ،‬ال نعرفه إاَّل من هذا الوجه"‪.‬‬
‫قلُت ‪ :‬وقد رواُه ابن أبي الدنيا‪ ،‬عن الحكم بن موسى حدثنا هقل (‪ )3‬بن زياد عن األوزاعي قال‪:‬‬
‫ُنِّبئُت أَّن سعيد بن المسيب لقَي أبا هريرة فذكره‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬بُح بنا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تقدم الكالُم عليه في ص (‪.)177‬‬
‫(‪ )3‬من نسخٍة على حاشية "د"‪ ،‬وابن أبي الدنيا في "صفة الجَّنة" رقم (‪ ،)256‬ووقع في "ج"‪:‬‬
‫"يعلى"‪ ،‬وفي "أ‪ ،‬ب‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬معَّلى"‪ ،‬وكالهما خطأ‪.‬‬

‫(‪)1/573‬‬

‫وقال الترمذي‪ :‬حدثنا أحمُد بن منيع وهَّناد قاال‪ :‬حدثنا أبو معاوية أنبأنا عبد الرحمن بن إسحاق‬
‫عن النعمان بن سعد (‪ )1‬عن علي بن أبي طالب رضي الَّلُه عنه قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله‬
‫عليه وسلم‪" :-‬إَّن في الجَّنة لسوًقا ما فيها شراء وال بيع إاَّل الُّصور من الِّر جال والنساء‪ ،‬فإذا‬
‫اشتهى الرجل صورًة دخَل فيها" (‪ . )2‬قال‪" :‬هذا حديٌث غريب"‪.‬‬
‫َّل‬ ‫َّل‬
‫وقال عبد ال ه بن المبارك‪ :‬أنبأنا سليمان التيمي عن أنس بن مالك رضي ال ه عنه قال‪" :‬يقول أهُل‬
‫الجَّنة‪ :‬انطلقوا إلى السوق‪ ،‬فينطلقون إلى كثبان المسك (‪ ، )3‬فإذا رجعوا إلى أزواجهم‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫إَّنا لنجُد لُك َّن ريًح ا ما كانت لُك َّن إذ خرجنا من عندكَّن (‪ )4‬قال‪ :‬فيُقلْن لقد رجعتم بريٍح ما‬
‫كانت َلُك ْم إذ خرجتم من عندنا (‪. )6( " )5‬‬
‫قال ابن المبارك‪ :‬وأنبأنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال‪" :‬إَّن في الجَّنة لسوًقا على كثبان (‬
‫‪ )7‬مسك يخرجون إليها‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "هـ"‪" :‬سعيد" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2550( )2‬وهو ال يثبت‪ ،‬راجع الكالم على هذا السند ص (‪.)293‬‬
‫(‪ )3‬قوله "كثبان المسك" من جميع النسخ‪ ،‬ووقع عند ابن المبارك "الكثبان‪ ،‬أو قال‪ :‬الجبال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬قوله‪" :‬إذ خرجنا من عندكن" سقط من "هـ"‪.‬‬
‫(‪ )5‬من قوله‪" :‬قال‪ :‬فيقلن لقد" إلى "عندنا" سقط من "ج"‪.‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه ابن المبارك في الزهد ‪-‬رواية نعيم‪ -‬رقم (‪ ،)241‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة‬
‫رقم (‪.)257‬‬
‫وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )7‬قوله "لسوقا على كثبان" وقع في "أ‪ ،‬ب‪ ،‬د‪ ،‬هـ" "سوًقا كثبان"‪ ،‬والمثبت من =‬

‫(‪)1/574‬‬

‫ويجتمعون إليها‪ ،‬فيبعث الَّلُه تعالى ريًح ا فتدخلها (‪ )1‬بيوتهم فيقول لهم أهلوهم إذا رجعوا إليهم‪:‬‬
‫قد ازددتم بعدنا ُح سًنا‪ ،‬ويقولون ألهليهم‪ :‬قد ازددتم أيًض ا عندنا حسًنا" (‪. )2‬‬
‫وقال الحافظ محمد بن عبد الَّله الحضرمي المعروف بمطَّين‪ :‬حدثنا أحمُد بن محمد بن طريف‬
‫البجلي حدثنا أبي حدثنا محمد بن كثير حدثني جابر الُج عفي عن أبي جعفر عن (‪ )3‬علي بن‬
‫الحسين عن جابر بن عبد الَّله قال‪" :‬خرج علينا رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬ونحن‬
‫مجتمعون‪ ،‬فقال‪ :‬يا معشر المسلمين إَّن في الجَّنة لسوًقا ما ُيباع فيها وال ُيشترى إاَّل الُّص ور‪ ،‬من‬
‫أحَب صورًة من رجل أو امرأٍة دخل فيها" (‪. )4‬‬
‫__________‬
‫= "ج" والزهد البن المبارك‪.‬‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬د"‪" :‬فتدخلهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)258‬‬
‫‪ -‬ورواُه ابن أبي عدي عن حميد به بمثله‪.‬‬
‫أخرجه المروزي في زياداته على الزهد البن المبارك رقم (‪.)4191‬‬
‫وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )3‬سقط من "أ"‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الطبراني في األوسط (‪ )187 /4‬رقم (‪ ،)5664‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‬
‫‪.)419‬‬
‫قال الهيثمي‪" :‬رواُه الطبراني في األوسط من طريق محمد بن كثير عن جابر الجعفي‪ ،‬وكالهما‬
‫ضعيف جًّدا"‪.‬‬
‫انظر‪ :‬مجمع الزوائد (‪.)125 /5( ،)149 /8‬‬
‫تنبيه‪ :‬وقع عند أبي نعيم‪ :‬عن أبي جعفر عن علي بن الحسين‪ ،‬ومثله في النسخ‪ ،‬ولعَّله خطأ‪.‬‬

‫(‪)1/575‬‬
‫الباب الحادي والستون‪ :‬في ذكر زيارة أهل الجَّنة رَّبهم تبارك وتعالى‬
‫قال الشافعي في "مسنده"‪ :‬حدثنا إبراهيم بن محمد قال‪ :‬حدثني موسى بن عبيدة قال‪ :‬حدثني أبو‬
‫األزهر معاوية بن إسحاق بن طلحة عن عبد الَّله بن ُعبيد بن ُعَم ير أَّنُه سمع أنس بن مالك رضي‬
‫الَّله عنه يقول‪ :‬أتى جبريل بمرآة بيضاء فيها َو ْك َتٌة (‪ )1‬إلى الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬فقال‬
‫الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ :-‬ما هذه؟ قال‪ :‬الجمعة‪ُ ،‬فِّضلَت بها أنَت وأمتك‪ ،‬فالَّناس لكم فيها‬
‫تبٌع‪ :‬اليهوُد والنصارى‪ ،‬ولكم فيها خير‪ ،‬وفيها ساعة ال يوافقها مؤمن يدعو الَّله بخيٍر إاَّل استجيَب‬
‫له‪ ،‬وهو عندنا يوم المزيد‪ ،‬قال الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ :-‬يا جبريل وما يوُم المزيد؟ قال‪:‬‬
‫إَّن ربك اتخَذ في الفردوس وادًيا أفيَح فيه كثُب مسٍك ‪ ،‬فإذا كان يوم الجمعة أنزل الَّلُه تبارك‬
‫وتعالى ما شاء من مالئكته‪ ،‬وحوله منابر من نور عليها مقاعد الَّنبيين‪ ،‬وَح َّف تلك المنابر بمنابر‬
‫من ذهب مكللٍة بالياقوِت والزبرجد‪ ،‬عليها الشهداء والِّص ِّديقون‪ ،‬فجلسوا من ورائهم على تلك‬
‫الُك ُثب فيقول الَّله تعالى‪ :‬أنا رُّبكم قد َص َد ْقتكم (‪ )2‬وْع ِد ي‪ ،‬فسلوني أعطكم‪ ،‬فيقولون‪ :‬ربنا‬
‫نسألك رضوانك‪ ،‬فيقول‪ :‬قد رضيت عنكم‪ ،‬ولكم علَّي ما تمنيتم‪ ،‬ولدَّي مزيد‪ ،‬فهم يحبون يوم‬
‫الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من الخير‪ ،‬وهو اليوم اَّلذي استوى فيه ربكم على العرِش ‪ ،‬وفيه خلق‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬والوكتة‪ :‬األثر في الشيء كالنقطة من غير لونه‪ .‬والجمع‪َ :‬و ْك ت‪.‬‬
‫النهاية (‪.)218 /5‬‬
‫(‪ )2‬في "أ‪ ،‬ب‪ ،‬د"‪" :‬صَّدقتم"‪ ،‬والمثبت من مسند الشافعي وباقي النسخ‪.‬‬

‫(‪)1/576‬‬

‫آدم‪ ،‬وفيه تقوم الساعة" (‪. )1‬‬


‫ولهذا الحديث طرق سنشير إليها في باب المزيد إْن شاء الَّلُه تعالى (‪. )2‬‬
‫وروى أبو نعيم من حديث شيبان بن ُج بير عن َفْر َقد (‪ )3‬عن الحسن عن أبي َبْر َز ة األسلمي عن‬
‫الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ )4( -‬قال‪" :‬إَّن أهل الجَّنة ليغدون في ُح َّلٍة ويروحون في أخرى؛‬
‫كغدِّو أحدكم ورواحه إلى ملك من ملوك الدنيا‪ ،‬كذلك يغدون ويروحون إلى زيارة رِّبهم عَّز‬
‫وجَّل ‪ ،‬وذلك لهم بمقادير ومعالم يعلمون تلك الَّس اعة التي يأتون فيها ربهم عَّز وجل" (‪. )5‬‬
‫وقد رواُه جعفر بن َجْس ر بن (‪ )6‬فرقد‪ ،‬عن أبيه مثله‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسند الشافعي رقم (‪ .)374‬وسنده ضعيف جًّدا‪ ،‬فيه إبراهيم بن محمد األسلمي‪ :‬متروك‪،‬‬
‫وموسى بن عبيدة الربذي‪ :‬ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )2‬في الباب (‪ ،)65‬ص (‪.)657 - 648‬‬
‫(‪ )3‬قوله "شيبان بن جبير عن فرقد" وقع عند أبي نعيم "شيبان بن جسر بن فرقد حدثني أبي"‪،‬‬
‫ووقع في "د"‪" :‬جويبر" بدل "جبير"‪ .‬وفي "د"‪ . . ." :‬جبير بن فرقد" بدل "عن فرقد" ولعَّل‬
‫صوابه‪" :‬شيبان عن جسر بن فرقد حدثني أبي"‪.‬‬
‫(‪ )4‬قوله "عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ "-‬سقط من "أ‪ ،‬ج" وُضِرَب عليها في "د"‪ ،‬وهي عند‬
‫أبي نعيم وباقي النسخ‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪.)394‬‬
‫وسنده ضعيف جًّدا‪ ،‬وقد تقدم الكالُم على َجْس ر بن فرقد ص (‪ )569‬وهو شبه المتروك‪.‬‬
‫(‪ )6‬قوله "جسر بن" وقع في "د‪ ،‬هـ" (حسن) بدل (جسر) وهو خطأ‪ .‬ووقع في "هـ" "عن" بدل‬
‫"بن"‪.‬‬

‫(‪)1/577‬‬

‫وذكر أبو نعيم أيًض ا‪ :‬من حديث أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال‪ :‬إذا سكن أهل الجَّنة‬
‫الجَّنة‪ ،‬أتاهم َم َلٌك يقول‪ :‬إَّن الَّله تبارك وتعالى يأمركم أْن تزوروه‪ ،‬فيجتمعون فيأمر الَّلُه تبارك‬
‫وتعالى داود عليه الصالة والسالم‪ ،‬فيرفع صوته بالتسبيح والتهليل‪ ،‬ثَّم توضع مائدة الُخ ْلد‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫يا رسول الَّله وما مائدة الخلد؟ قال زاوية من زواياها أوسع مما بين المشرق والمغرب‪،‬‬
‫فيطمعون‪ ،‬ثَّم يسقون‪ ،‬ثَّم يكسون فيقولون‪ :‬لم يبَق إاَّل النظر في (‪ )1‬وجه ربنا عَّز وجَّل‪ ،‬فيتجَّلى‬
‫لهم فيخرون ُس َّج ًد ا‪ ،‬فيقال لهم‪ :‬لستم في دار عمٍل ‪ ،‬إَّنما أنتم في دار جزاء" (‪. )2‬‬
‫وقال ابن أبي الدنيا‪ :‬حدثنا أبو موسى إسحاق بن إبراهيم الَه َر ِو ي حدثنا القاسم بن يزيد الَم وِص لي‬
‫حدثنا أبو إلياس قال‪ :‬حدثني محمد ابن علي بن الحسين قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪. )3( -‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "هـ"‪" :‬إلى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪.)397‬‬
‫وفيه الحارُث األعور ضعيٌف ‪ ،‬واُّتِه م بالكذب‪ ،‬وخالد بن يزيد هو أمير العراق ضعيف وأحاديثه‬
‫تدل على وهائه‪.‬‬
‫انظر‪ :‬لسان الميزان (‪.)451 - 450 /2‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)54‬واآلجري في الشريعة رقم (‪ ،)626‬وأبو‬
‫نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)411‬كما في الحديث اآلتي‪.‬‬
‫قال المنذري‪" :‬رواه‪ . . . .‬هكذا معضاًل ‪ ،‬ورفعه منكر"‪.‬‬
‫وقال ابن كثير‪" :‬وهذا مرسل ضعيف غريب‪ ،‬وأحسن أحواله أْن يكون من كالم بعض السلِف‬
‫َفَو ِه َم بعُض رواته فجعله مرفوًعا‪ ،‬وليس كذلك والَّله أعلم" النهاية (‪.)406 /2‬‬

‫(‪)1/578‬‬

‫وقال أبو نعيم‪ :‬حدثني محمد بن علي بن حبيش حدثنا إبراهيم بن شريك حدثنا أحمد بن يونس‬
‫حدثنا الُم َعاَفى بن عمران ‪ -‬وكان من خيار الَّناس ‪ -‬قال‪ :‬حدثني إدريس بن ِس َنان‪ ،‬عن وهب بن‬
‫ُمَنبه‪ ،‬عن محمد بن علي‪ ،‬قال إدريس‪ :‬ثَّم لقيت محمد بن علي بن الحسين بن فاطمة فحدثني‬
‫َّل‬ ‫َّل‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال ه ‪-‬صلى ال ه عليه وسلم‪" :-‬إَّن في الجَّنة شجرًة ُيقال لها ُطوَبى‪ ،‬لو ُس ِّخ َر‬
‫الجواد الَّر اكب أْن يسير في ظِّلها لسار فيها مئة عام‪ ،‬ورقها بروٌد خضٌر ‪ ،‬وزهرها رياط صْف ر‪،‬‬
‫وأقناؤها سندس وإستبرق‪ ،‬وثمرها ُح لٌل‪ ،‬وصمغها زنجبيل وعسل‪ ،‬وبطحاؤها ياقوت أحمر‪،‬‬
‫وزمرد أخضر‪ ،‬وأترابها مسٌك ‪ ،‬وحشيشها زعفران‪ ،‬منبع األلنجوج (‪ )1‬يؤَّج جان من غير وقود‪،‬‬
‫يتفَّج ر من أصلها أنهار السلسبيل والمعين والَّر حيق‪ ،‬وظلها مجلس من مجالس أهل الجَّنة يألفونه‪،‬‬
‫ومتحدث يجمعهم‪ ،‬فبينا هم يتحدثون في ظلها إذ جاءتهم المالئكة يقودون ُنُجًبا ُج ِبلت من‬
‫الياقوت‪ ،‬ثَّم ُنِف َخ فيها الروح مزمومة بسالسل من ذهٍب ‪ ،‬كأَّن وجوهها المصابيح نضارًة وحسًنا‪،‬‬
‫َو َبُر َه ا حرير (‪ )2‬أحمر‪ ،‬وِم ْر ِع ِّز ي أبيض مختلطان‪ ،‬لم ينظر الناظرون إلى مثلها‪ ،‬عليها رحائل (‪)3‬‬
‫ألواحها من الدِّر والياقوت‪ُ ،‬مفَّضضة باللؤلؤ والمرجان‪ ،‬صفافها من الذهب األحمر‪ ،‬ملبسة‬
‫بالعبقري واألرجوان‪ ،‬فأناُخ وا إليهم تلك النجائب‪ ،‬ثم قالوا لهم‪ :‬إن ربكم تبارك وتعالى يقرئكم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬األلنجوج‪ :‬العود الذي ُيتبَّخر به‪ .‬النهاية (‪.)62 /1‬‬
‫(‪ )2‬في "هـ"‪" :‬جزا" وعند ابن أبي نعيم "َخ ٌّز "‪.‬‬
‫(‪ )3‬كذا في جميع النسخ وابن أبي الدنيا‪ ،‬وعند أبي نعيم "رحال"‪.‬‬

‫(‪)1/579‬‬

‫السالم‪ ،‬ويستزيركم لتنظروا إليه‪ ،‬وينظر اليكم‪ ،‬وتحيونه ويحييكم‪ ،‬ويكلمكم وتكلمونه‪،‬‬
‫ويزيدكم من سعته وفضله‪ ،‬إنه ذو رحمة واسعة‪ ،‬وفضل عظيم‪ .‬فيتحول كل رجل منهم على‬
‫راحلته‪ ،‬ثم انطلقوا صًّف ا واحًد ا معتداًل ‪ ،‬ال يفوت منه شيء شيًئا‪ ،‬وال يفوت أذن الناقة أذن‬
‫صاحبتها‪ ،‬وال ِبْر َك ة (‪ )1‬ناقة بركة صاحبتها‪ ،‬وال يمرون بشجرة من أشجار الجنة إال أتحفتهم‬
‫بثمرتها‪َ ،‬و َرَح َلْت لهم عن طريقهم كراهية أن ينثلم صفهم‪ ،‬أو يفرق بين الرجل ورفيقه‪ ،‬فلما‬
‫رفعوا إلى الجبار تبارك وتعالى أسفر لهم عن وجهه الكريم‪ ،‬وتجلى لهم في عظمته العظيمة‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬ربنا أنت السالم ومنك السالم‪ ،‬ولك حق الجالل واإلكرام‪ ،‬فقال لهم رُّبهم تبارك وتعالى‪:‬‬
‫إِّني السالم‪ ،‬ومِّني السالم‪ ،‬ولي حق الجالل واإلكرام‪ ،‬مرحًبا بعبادي الذين حفظوا وصيتي‪،‬‬
‫ورعوا عهدي‪ ،‬وخافوني بالغيب‪ ،‬وكانوا مني على كل حال مشفقين‪ .‬قالوا‪ :‬وعزتك وجاللك‬
‫وعلو مكانك‪ ،‬ما قدرناك حق قدرك‪ ،‬وما أدينا إليك كل حقك‪ ،‬فائذن لنا بالسجود‪ ،‬فقال لهم‬
‫ربهم تبارك وتعالى‪ :‬إني قد وضعت عنكم مؤنة العبادة‪ ،‬وأرحُت لكم أبدانكم‪ ،‬فطالما أنصبتم لي‬
‫األبدان‪ ،‬وأعنيتم لي الوجوه‪ ،‬فاآلن أفضيتم إلى َر وحي ورحمتي وكرامتي‪ ،‬فسلوني ما شئتم‪،‬‬
‫وتمُّنوا علَّي ُأعِط ُك م أمانيكم‪ ،‬فإِّني لن أجِز َيُك م اليوم بقدر أعمالكم‪ ،‬ولكن بقدر رحمتي وكرامتي‪،‬‬
‫َو َطْو لي وجاللي‪ ،‬وعلو مكاني وعظمة شأني‪ .‬فما يزالون في األماني والعطايا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬بركة‪ :‬ما ولي األرض من جلد بطن البعير وما يليه من الصدر‪ ،‬واشتقاقه من مبرك البعير‪.‬‬
‫معجم تهذيب اللغة لألزهري (‪.)318 /1‬‬

‫(‪)1/580‬‬
‫والمواهب‪ ،‬حَّتى إَّن المقتصر من ُأ ِنَّيِتِه ليتمَّنى مث جميع الدنيا‪ ،‬منذ خلقها الَّله عَّز وج إلى يوِم‬
‫َّل‬ ‫َل‬ ‫ْم‬
‫أفناها‪ ،‬فقال لهم رُّبهم تبارك وتعالى‪ :‬لقد قَّص رتم في أماِنِّيكم‪ ،‬ورضيتم بدون ما يحُّق لكم‪ ،‬فقد‬
‫أوجبُت لكم ما سألتم وتمنيتم‪ ،‬وألحقت بكم ذريتكم وزدتكم ما قصرت عنه أَماِنُّيكم"‪.‬‬
‫وال يصُّح رفعه إلى الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬وحسبه أْن يكون من كالم محمد بن علي‪،‬‬
‫فغلط فيه بعض هؤالء الضعفاء‪ ،‬فجعله من كالم الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪.-‬‬
‫وإدريس بن سنان‪ :‬هذا هو ِس ْبط وهب بن منبه َض َّعفه ابن عدي‪ ،‬وقال الَّدارقطني‪ :‬متروك‪ ،‬وأَّما‬
‫أبو إلياس الُم تاِبُع له‪ ،‬فال ُيدرى من هو (‪ ، )1‬وأَّم ا القاسم بن يزيد الموصلي الَّر اوي عنه فمجهول‬
‫أيًض ا‪ ،‬ومثل هذا ال يصح رفعه‪ ،‬والَّلُه أعلم‪.‬‬
‫وقال الضحاك في قوله عَّز وجَّل‪َ{ :‬يْو َم َنْح ُش ُر اْلُم َّتِق يَن ِإَلى الَّر ْح َم ِن َو ْفًد ا (‪[ } )85‬مريم‪]85 :‬‬
‫قال‪" :‬على النجائب عليها الِّر حال" (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تقَّدم أَّنه‪ :‬إدريس بن سنان‪ ،‬فهو إذن ليس بمتابع‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ )253‬من طريق جويبر عنه‪ .‬وجويبر ضعيف جًّدا‪.‬‬

‫(‪)1/581‬‬

‫الباب الثاني والستون‪ :‬في ذكر السحاب والمطر اَّلذي يصيبهم في الجَّنة (‪)1‬‬
‫قد تقَّدم في حديث سوق الجَّنة أَّنه يغشاهم يوم الزيارة سحابٌة من فوقهم‪ ،‬فتمطر عليهم طيًبا لم‬
‫يجدوا مثَل ريحه قُّط (‪.)2‬‬
‫وقال بقية بن الوليد‪ :‬حدثنا َبِح ْير بن سعد عن خالد بن َمْع َد ان عن كثير بن ُمَّر ة قال‪" :‬إَّن من‬
‫المزيد أْن تمَّر السحابة بأهل الجَّنة‪ ،‬فتقول‪ :‬ماذا تريدون أْن أمطركم؟ فال يتمنون شيًئا إاَّل ُمِط ُر وا"‬
‫(‪.)3‬‬
‫وقال ابن أبي الدنيا‪ :‬حدثني أزهر بن مروان‪ ،‬حدثنا عبد الَّله بن عبد الَّله (‪ )4‬الشيباني عن عبد‬
‫الرحمن بن يزيد عن أبيه عن َصْيِف ي اليماني (‪ ،)5‬قال‪ :‬سأله عبد العزيز بن مروان عن وفد أهل‬
‫الجَّنة قال‪ :‬إَّنهم يفدون إلى الَّلِه سبحانه كَّل خميس فيوضع لهم أسَّر ة‪ ،‬كُّل إنساٍن منهم أعرف‬
‫بسريره منك بسريرك هذا اَّلذي أنت عليه‪ ،‬فإذا قعدوا عليه وأخذ القوُم مجالسهم قال تبارك‬
‫وتعالى‪ :‬أطعموا عبادي وخلقي وجيراني ووفدي‪ ،‬فيطعموا‪ ،‬ثَّم يقول‪ :‬أسقوهم‪ ،‬قال‪ :‬فيأتون بآنية‬
‫من ألواٍن شَّتى مختمة (‪ )6‬فيشربون منها‪ ،‬ثَّم يقول‪ :‬عبادي وخلقي وجيراني‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله‪" :‬في الجَّنة" سقط من "ج"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ص (‪.)572‬‬
‫(‪ )3‬تقدم ص (‪.)511‬‬
‫(‪ )4‬كذا في جميع النسخ‪ .‬وجاء عند ابن أبي الدنيا "عرادة"‪ .‬ولعله هو الصواُب ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في "ب‪ ،‬د"‪ ،‬وابن أبي الدنيا‪" :‬اليمامي"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في "أ‪ ،‬ب‪ ،‬ج"‪" :‬مجتمعة"‪ ،‬والمثبت من "هـ" وابن أبي الدنيا‪.‬‬

‫(‪)1/582‬‬

‫ووفدي قد طعموا وشربوا‪ ،‬فِّك ُه ْو ُه م‪ ،‬فتجيء ثمرات شجر مدالة‪ ،‬فيأكلون منها ما شاؤوا‪ ،‬ثَّم‬
‫يقول‪ :‬عبادي وخلقي وجيراني ووفدي قد طعموا وشربوا وفكهوا‪ ،‬أكسوهم‪ ،‬فتجيء ثمرات‬
‫شجر أخضر وأصفر وأحمر‪ ،‬وكل لوٍن لم تنبت إاَّل الحلل‪ ،‬فينشر عليهم حلاًل وُقمًص ا‪ ،‬ثَّم يقول‪:‬‬
‫عبادي وخلقي وجيراني ووفدي قد طعموا وشربوا وفكهوا وُك سوا‪ ،‬طِّيبوهم‪ ،‬فيتناثر عليهم‬
‫المسلك مثل ُر ذاِذ المطِر ‪ ،‬ثَّم يقول‪ :‬عبادي وجيراني وخلقي ووفدي قد طعموا وشربوا وَفكهوا‬
‫وكسوا وطِّيبوا ألتجليَّن لهم حَّتى ينظروا إلَّي ‪ ،‬فإذا تجَّلى لهم فنظروا إليه؛ نضرت وجوههم‪ ،‬ثَّم‬
‫يقال لهم‪ :‬ارجعوا إلى منازلكم‪ ،‬فتقول لهم أزواجهم‪ :‬خرجتم من عندنا على صورة‪ ،‬ورجعتم على‬
‫غيرها؟ فيقولون‪ :‬ذلك أَّن الَّله جَّل ثناؤه تجَّلى لنا فنظرنا إليه‪ ،‬فنضرْت وجوهنا" (‪. )1‬‬
‫وقال عبد الَّله بن المبارك‪ :‬أنبأنا إسماعيل بن عَّياش‪ ،‬قال‪ :‬حدثني ثعلبة بن مسلم عن أيوب بن‬
‫بشير العجلي عن ُش في بن ماتع (‪ )2‬أَّن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إَّن من نعيم‬
‫أهل الجَّنة أَّنهم يتزاورون على المطايا والنجب‪ ،‬وأَّنهم ُيْؤ َتون في الجَّنة بخيٍل ُملجمة مسرجة ال‬
‫تروث وال تبول‪ ،‬يركبونها حَّتى ينتهوا حيث شاء الَّله‪ ،‬فيأتيهم مثُل السحابة فيها‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)339‬‬
‫وسنده ضعيف جًد ا‪ ،‬فيه عبد الَّله بن َعَر ادة‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)295 /15‬‬
‫(‪ )2‬في "ج"‪ :‬زيادة "األصبحي"‪.‬‬

‫(‪)1/583‬‬

‫ما ال عيٌن رأت‪ ،‬وال أذٌن سمعت‪ ،‬فيقولون‪ :‬أمطري علينا فما يزال المطر عليهم حَّتى ينتهَي ذلك‬
‫فوق أمانيهم‪ ،‬ثَّم يبعث الَّله تعالى ريًح ا غير مؤذية فتنسُف كثباًنا من مسك عن أيمانهم وعن‬
‫شمائلهم‪ ،‬فيأخذون ذلك المسك في نواصي خيولهم وفي مفارقها وفي رؤوسهم‪ ،‬ولكِّل رجٍل‬
‫منهم ُج َّم ة على ما اشتهْت نفسه‪ ،‬فيتعلق ذلك المسك في تلك الجمام‪ ،‬وفي الخيِل وفيما سوى‬
‫ذلك من الثياب‪ ،‬ثَّم يقبلون حَّتى ينتهوا إلى ما شاء الَّله‪ ،‬فإذا المرأة تنادي بعض أولئك‪ :‬يا عبد‬
‫الَّله َأَم ا َلك فينا حاجة؟ فيقول (‪ :)1‬ما أنت‪ ،‬ومن أنت؟ فتقول‪ :‬أنا زوجتك وِح بك‪ ،‬فيقول‪ :‬ما‬
‫ِف‬
‫كنت علمت بمكانك‪ ،‬فتقول المرأة‪ :‬وما تعلم أَّن الَّله تعالى قال‪َ{ :‬فاَل َتْع َلُم َنْف ٌس َما ُأْخ َي َلُه ْم‬
‫ِم ْن ُقَّر ِة َأْع ُيٍن َجَز اًء ِبَم ا َك اُنوا َيْع َم ُلوَن (‪[ })17‬السجدة‪ ،]17 :‬فيقول‪ :‬بلى ورِّبي‪ .‬فلعَّله يشتغل‬
‫عنها بعد ذلك الموقف أربعيَن خريًف ا‪ ،‬ما يشغله عنها إاَّل ما هو فيه من النعيم" (‪.)2‬‬

‫فصل‬
‫وقد جعل الَّلُه سبحانه السحاب وما يمطره سبًبا للرحمة والحياة‪ ،‬في هذه الَّدار‪ ،‬ويجعله سبًبا‬
‫لحياِة الخلِق في قبورهم‪ ،‬حيث يمطر على األرِض أربعين صباًح ا (‪ )3‬مطًر ا متدارًك ا من تحت‬
‫العرِش ‪ ،‬فينبتون‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في نسخة على حاشية "أ"‪" :‬فيقول‪ :‬ما كنت علمُت "‪.‬‬
‫(‪ )2‬تقدَّم الكالُم عليه في ص (‪.)567 - 566‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه المروزي في زياداته على الزهد البن المبارك رقم (‪.)1607‬‬
‫من حديث سلمان الفارسي موقوًفا‪= .‬‬

‫(‪)1/584‬‬
‫ِط‬
‫تحت األرض كنبات الزرع (‪ ، )1‬ويبعثون يوم القيامة والسماء َت ُّش عليهم (‪ ، )2‬وكأَّنه ‪-‬والَّلُه‬
‫أعلُم ‪ -‬أثر ذلك المطر العظيم كما يكون في الدنيا‪ ،‬ويثير لهم سحاًبا في الجَّنة يمطرهم ما شاؤوا‬
‫من طيٍب وغيره‪ ،‬وكذلك أهل الَّناِر ينشُئ لهم سحاًبا يمطُر عليهم عذاًبا إلى عذابهم؛ كما أنشأ‬
‫لقوِم هوٍد وقوم شعيٍب سحاًبا أمطرهم عذاًبا أهلكهم‪ ،‬فهو سبحانه ينشئه للرحمة والعذاِب ‪.‬‬
‫__________‬
‫= وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )1‬ورد معناُه في البخاري رقم (‪ ،)4651‬ومسلم رقم (‪ )2955‬عن أبي هريرة وفيه‪" :‬ثَّم ينزل‬
‫الَّلُه من السماء ماًء فينبتون كما ينبُت البقل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ورد من حديث أنس موقوًفا عند أبي يعلى رقم (‪ )4041‬وغيره‪.‬‬
‫وسنده ال بأس به‪ ،‬وروي مرفوًعا عند أحمد (‪ ،)267 /2‬والموقوف أشبه‪.‬‬
‫والَّطُّش ‪ :‬المطر الضعيف‪ .‬وراجع البدور السافرة للسيوطي ص (‪.)39 - 36‬‬

‫(‪)1/585‬‬

‫الباب الثالث والستون‪ :‬في ذكر ُملِك الجَّنة وأَّن أهلها كلهم (‪ )1‬ملوك فيها‬
‫قال الَّلُه تعالى‪َ{ :‬و ِإَذا َر َأْيَت َثَّم َر َأْيَت َنِعيًم ا َو ُمْلًك ا َك ِبيًر ا (‪[ })20‬اإلنسان‪.]20 :‬‬
‫قال ابن أبي نجيح عن مجاهد‪َ{ :‬و ُمْلًك ا َك ِبيًر ا (‪ })20‬قال‪" :‬عظيًم ا"‪ .‬وقال‪" :‬استئذان المالئكة‬
‫عليهم ال تدخل عليهم المالئكة إاَّل بإذن" (‪.)2‬‬
‫وقال كعب في قوله تعالى‪َ{ :‬و ِإَذا َر َأْيَت َثَّم َر َأْيَت َنِعيًم ا َو ُمْلًك ا َك ِبيًر ا (‪ })20‬قال‪ُ" :‬يرِس ُل إليهم‬
‫رُّبهم المالئكة‪ ،‬فتأتي المالئكة فتستأذن عليهم" (‪.)3‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬الخدم‪ ،‬وال تدخل المالئكة عليهم إاَّل بإذن‪.‬‬
‫وقال الحكم (‪ )4‬بن أبان‪ :‬عن عكرمة عن ابن عباس ‪-‬رضي الَّله عنهما‪" -‬أَّنه ذكر مراكب أهل‬
‫الجَّنة ثَّم تال‪َ{ :‬و ِإَذا َر َأْيَت َثَّم َر َأْيَت َنِعيًم ا َو ُمْلًك ا َك ِبيًر ا (‪.)5( " })20‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ج"‪" :‬كلها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)202‬والبيهقي في البعِث رقم (‪)446‬‬
‫وغيرهما‪.‬‬
‫وفي سنده ضعف‪ ،‬فيه مسلم بن خالد الزنجي في حفظه ِلْين‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)206‬‬
‫وفيه الواقدي‪ :‬متروك الحديث‪.‬‬
‫(‪ )4‬في "د"‪" :‬الحاكم" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)205‬والحاكم في المستدرك =‬

‫(‪)1/586‬‬

‫وقال ابن أبي الحواري‪ :‬سمعُت أبا سليمان يقول في قول الَّله عَّز وجَّل‪َ{ :‬و ِإَذا َر َأْيَت َثَّم َر َأْيَت‬
‫َنِعيًم ا َو ُمْلًك ا َك ِبيًر ا (‪ } )20‬قال‪" :‬الملك الكبير‪ :‬أَّن رسول رِّب الِعَّز ة يأتيه بالتحفة واللطف (‪، )1‬‬
‫فال يصل إليه حَّتى يستأذن عليه فيقول للحاجب‪ :‬استأذن على ولِّي الَّلِه‪ ،‬فإِّني لسُت أصُل إليه‪،‬‬
‫َفُيْع ِلُم ذلك الحاجب حاجًبا آخر‪ ،‬وحاجًبا بعد حاجب‪ ،‬ومن داره إلى دار السالم باب يدخل منه‬
‫على رِّبه إذا شاَء بال إذٍن ‪ ،‬فالملك الكبير‪ :‬أَّن رسول رِّب العَّز ة ال يدخل عليه إاَّل بإذن‪ ،‬وهو‬
‫يدخل على رِّبه بال إذٍن " (‪. )2‬‬
‫وقال ابن أبي الدنيا‪ :‬حدثنا صالح بن مالك‪ ،‬حدثنا صالح المري‪ ،‬حدثنا يزيد الرقاشي‪ ،‬عن أنس‬
‫بن مالك رضي الَّله عنه يرفعه‪" :‬إَّن أسَف َل أهِل الجَّنة أجمعين درجًة َمْن يقوم على رأسه عشرة‬
‫آالف خادم" (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫= (‪ )555 /2‬رقم (‪ ،)3885‬والبيهقي في البعث رقم (‪ )445‬وغيرهم‪.‬‬
‫قال الحاكم‪" :‬هذا حديث صحيح اإلسناد ولم يخرجاه"‪.‬‬
‫وتعقبه الذهبي بقوله‪" :‬حفص [يعني ابن عمر العدني] واٍه"‪.‬‬
‫فاإلسناد ضعيف‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬وقَع عند ابن المبارك "‪ - 232‬نعيم" وابن أبي الدنيا "عن رجل" وقد جاء مصرًح ا باسمه‬
‫حفص بن عمر عند الحاكم والبيهقي‪.‬‬
‫(‪ )1‬في "د"‪" :‬اللطائف"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البيهقي في البعث رقم (‪.)447‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)210‬والمروزي في زياداته على الزهد البن‬
‫المبارك رقم (‪ )1530‬مطَّو اًل من طريق صالح المري به‪ .‬وسنده ضعيف جًّدا‪ ،‬يزيد الرقاشي‬
‫وصالح المري ضعيفان‪ ،‬والرقاشي أضعف‪.‬‬
‫وله طريق آخر عن أنس عند الطبراني في األوسط رقم (‪ )7674‬مطَّو اًل ‪ ،‬وهو =‬

‫(‪)1/587‬‬

‫حدثني محمد بن عباد بن موسى‪ ،‬أنبأنا زيد بن الُحَباب‪ ،‬عن أبي هالل الراسبي‪ ،‬أخبرنا الحجاج‬
‫بن عتاب العبدي‪ ،‬عن عبد الَّله بن معبد (‪ )1‬الزَّماني‪ ،‬عن أبي هريرة قال‪" :‬إن أدنى أهل الجنة‬
‫منزلة وليس فيهم دني‪ ،‬من يغدو عليه كل يوم ويروح خمسة عشر ألف خادم‪ ،‬ليس منهم خادم‬
‫إال ومعه طرفة ليست مع صاحبه" (‪. )2‬‬
‫حدثني محمد بن عباد‪ ،‬حدثنا زيد بن الحباب‪ ،‬عن أبي هالل‪ ،‬حدثنا حميد بن هالل قال‪" :‬ما من‬
‫رجل من أهل الجنة إال وله ألف خازن‪ ،‬ليس منهم خازن إال على عمل ليس عليه صاحبه" (‪. )3‬‬
‫حدثني هارون بن سفيان‪ ،‬أخبرنا محمد بن عمر‪ ،‬حدثنا الُم َف َّضل ابن فضالة‪ ،‬عن زهرة بن معبد‪،‬‬
‫عن أبي عبد الرحمن الحبلي قال‪" :‬إن العبد أول ما يدخل الجنة يتلقاه سبعون ألف خادم كأنهم‬
‫__________‬
‫= حديث منكر‪.‬‬
‫(‪ )1‬في "أ"‪" :‬محمد" وهو خطأ‪ ،‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)168 /16‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)211‬والبخاري في تاريخه الكبير (‪- 377 /2‬‬
‫‪.)378‬‬
‫‪ -‬ورواُه موسى وشيبان بن فُّر وخ عن أبي هالل محمد بن سليم به مختصًر ا وفيه "عشرة آالف"‪.‬‬
‫أخرجه البخاري في تاريخه الكبير (‪ ،)378 - 377 /2‬والدوالبي في الكنى واألسماء (‪/1‬‬
‫‪.)165‬‬
‫والحديث مداره على أبي هالل الراسبي‪ ،‬وفيه ضعف‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)296 - 292 /25‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)212‬‬
‫وفي سنده ضعف‪ ،‬فيه أبو هالل الراسبي‪.‬‬

‫(‪)1/588‬‬
‫اللؤلؤ" (‪. )1‬‬
‫حدثني هارون بن سفيان‪ ،‬حدثنا محمد بن عمر‪ ،‬أخبرنا محمد بن هالل عن أبيه‪ ،‬عن أبي هريرة‬
‫قال‪" :‬إن أدنى أهل الجنة منزلة ‪ -‬وما فيهم دني ‪َ -‬لَم ن يغدو عليه عشرة آالف خادم‪ ،‬مع كل‬
‫خادم طرفة ليست مع صاحبه" (‪. )2‬‬
‫وقال عبد الَّله بن المبارك‪ :‬حدثنا يحيى بن أيوب‪ ،‬حدثني عبيد الَّله ابن َز َح ر‪ ،‬عن محمد بن أبي‬
‫أيوب المخزومي‪ ،‬عن أبي عبد الرحمن المعافري قال‪" :‬إنه َلُيَص ُّف للرجل من أهل الجنة ِس َم اطان‬
‫ال يرى طرفاهما من غلمانه‪ ،‬حتى إذا مَّر َمَش ْو ا وراءه" (‪. )3‬‬
‫وقال أبو خيثمة‪ :‬حدثنا الحسن بن موسى‪ ،‬حدثنا ابن لهيعة‪ ،‬حدثنا دراج‪ ،‬عن أبي الهيثم‪ ،‬عن أبي‬
‫سعيد قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إن أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون‬
‫ألف خادم‪ ،‬واثنتان وسبعون زوجة‪ ،‬وينصب له قبة من لؤلؤ وياقوت وزبرجد‪ ،‬كما بين الجابية‬
‫وصنعاء" (‪. )4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)213‬‬
‫وفيه الواقدي‪ :‬محمد بن عمر‪ ،‬وهو متروك الحديث‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)214‬‬
‫وفيه الواقدي محمد بن عمر‪ ،‬وهو متروك الحديث‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)215 ،26‬وابن المبارك في الزهِد ‪-‬رواية‬
‫نعيم‪ -‬رقم (‪.)415‬‬
‫وسنده ضعيف‪ ،‬فيه عبيد الَّله بن زحر ويحيى بن أيوب فيهما لين‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه ابن أبي الدنيا في "صفة الجنة" (‪.)222‬‬
‫وأخرجه أحمد في المسند (‪ ،)76 /3‬وأبو يعلى في مسنده (‪= )532 /2‬‬

‫(‪)1/589‬‬

‫وقال عبد الَّله بن المبارك‪ :‬أخبرنا بقية بن الوليد‪ ،‬حدثني أرطاة بن المنذر قال‪ :‬سمعت رجاًل ‪-‬‬
‫من مشيخة الَج َند (‪ - )1‬يقال له‪ :‬أبو الحجاج قال‪ :‬جلست إلى أبي أمامة فقال‪ :‬إن المؤمن‬
‫يكون متكًئا على أريكته إذا دخل الجنة‪ ،‬وعنده سماطان من الخدم‪ ،‬وعند طرف السماطين باب‬
‫ُمَبَّو ب فيقبل الملك من مالئكة الَّله عز وجل ليستأذن‪ ،‬فيقوم أدنى الخدم إلى الباب‪ ،‬فإذا هو‬
‫بالملك يستأذن‪ ،‬فيقول للذي يليه هذا ملك يستأذن‪ ،‬ويقول للذي يليه‪ :‬ملك يستأذن‪ ،‬حتى يبلغ‬
‫المؤمن فيقول‪ :‬ائذنوا له‪ ،‬فيقول أقربهم إلى المؤمن‪ :‬ائذنوا له‪ ،‬ويقول الذي يليه للذي يليه‪:‬‬
‫ائذنوا له كذلك‪ ،‬حتى يبلغ أقصاهم الذي عند الباب‪ ،‬فيفتح له‪ ،‬فيدخل فيسلم ثم ينصرف" (‬
‫‪. )2‬‬
‫وقال ابن أبي الدنيا‪ :‬حدثنا محمد بن الحسن‪ ،‬حدثنا َقِبيصة حدثنا سليمان العنبري‪ ،‬عن الضحاك‬
‫بن مزاحم قال‪ :‬بينا ولي الَّله في منزله إذ أتاه رسول من الَّله عز وجل فقال لآلذن‪ :‬استاذن‬
‫لرسول الَّله على ولي الَّله‪ ،‬فيدخل اآلذن فيقول‪ :‬يا ولي الَّله‪ ،‬هذا رسول الَّله يستأذن عليك‪،‬‬
‫قال‪ :‬ائذن له فيأذن له فيدخل (‪ )3‬على ولي الَّله‪ ،‬فيضع ما بين يديه‬
‫__________‬
‫= (‪ ،)1404‬وغيرهم‪.‬‬
‫وتقدم كالم المؤلف عليه ص (‪.)500‬‬
‫(‪ )1‬قوله‪" :‬من مشيخة الجند" في "ب‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪ ،‬والزهد البن المبارك‪" ،‬الجنيد" بدل "الجند"‪،‬‬
‫ووقع في "مسند أحمد" في حديث النهي عن ضرب وجه الدواب‪" :‬أشياخ الجند"‪ ،‬ووقع عند‬
‫ابن أبي الدنيا "من مسجد الخيف"! وهو تحريف‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)203‬وفيه جهالة الرجل‪.‬‬
‫(‪ )3‬من قوله "اآلذن فيقول" إلى "فيدخل" سقط من "أ"‪ ،‬ووقع في نسخٍة على =‬

‫(‪)1/590‬‬

‫تحفة‪ ،‬فيقول‪ :‬يا ولي الَّله‪ :‬إن ربك يقرأ عليك السالم‪ ،‬ويأمرك أن تأكل من هذه‪ ،‬قال‪ُ :‬فيشِّبُهُه‬
‫بطعام أكله أيًض ا‪ ،‬فيقول‪ :‬إنما أكلت هذا اآلن‪ ،‬فيقول‪ :‬إن ربك يأمرك أن تأكل منها‪ ،‬فيأكل منها‬
‫فيجد منها طعم كل ثمرة في الجنة‪ ،‬قال‪ :‬فذلك قوله عز وجل‪َ{ :‬و ُأُتوا ِبِه ُمَتَش اِبًه ا} [البقرة‪:‬‬
‫‪. )1( " ]25‬‬
‫وفي "صحيح مسلم" (‪ )2‬من حديث المغيرة بن شعبة‪ ،‬عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪:‬‬
‫"سأل موسى ربه ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال‪ :‬هو الرجل يجيء بعدما ُأدِخ ل أهل الجنِة الجنَة‪،‬‬
‫فيقال له‪ :‬ادخل الجنة‪ ،‬فيقول‪ :‬أي رِّب ‪ ،‬كيف وقد نزل الناس منازلهم‪ ،‬وأخذوا أخذاتهم؟! فيقال‬
‫له‪ :‬أترضى أن يكون لك مثل َم ِلك من ملوك الدنيا؟ فيقول‪ :‬رضيت ربي‪ ،‬فيقول له‪ :‬لك ذلك‬
‫ومثله ومثله ومثله ومثله‪ ،‬فقال في الخامسة‪ :‬رضيت رب‪ ،‬فيقول‪ :‬هذا لك وعشرة أمثاله‪ ،‬ولك‬
‫ما اشتهت نفسك‪ ،‬ولَّذ ت عينك‪ ،‬فيقول‪" :‬رضيت رب" وذكر الحديث‪ ،‬وقد تقدم ذكره بتمامه (‬
‫‪. )3‬‬
‫وقال البزار في "مسنده"‪ :‬حدثنا محمد بن المثنى‪ ،‬حدثنا المغيرة ابن سلمة‪ ،‬حدثنا وهيب عن‬
‫الجريري‪ ،‬عن أبي نضرة‪ ،‬عن أبي سعيد‬
‫__________‬
‫= حاشية "أ" مكان هذه الجملة "اآلذن"‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)204‬‬
‫وسنده ال بأس به‪.‬‬
‫(‪ )2‬رقم (‪.)189‬‬
‫(‪ )3‬ص (‪.)220 - 219‬‬

‫(‪)1/591‬‬

‫قال‪" :‬خلق الَّله تبارك وتعالى الجنة‪ :‬لبنة من ذهب‪ ،‬ولبنة من فضة‪ ،‬وغرسها بيده‪ ،‬وقال لها‪:‬‬
‫تكلمي‪ ،‬فقالت‪َ{ :‬قْد َأْفَلَح اْلُم ْؤ ِم ُنوَن ( ‪[ })1‬المؤمنون‪ ]1 :‬فدخلها (‪ )1‬المالئكة‪ ،‬فقال‪ :‬طوبى‬
‫لك منزل الملوك" (‪. )2‬‬
‫هكذا رواه وهيب عن الجريري موقوًفا‪ ،‬ورواه عدي بن الفضل‪ ،‬عن الجريري فرفعه‪ ،‬قال البزار‪:‬‬
‫"وال نعلم أحًد ا رفعه إال عدي بن الفضل بهذا اإلسناد‪ ،‬وعدي بن الفضل ليس بالحافظ‪ ،‬وهو‬
‫شيخ بصري"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬عدي بن الفضل هذا تفرد به ابن ماجه‪ ،‬وقد ضعفه يحيى بن معين‪ ،‬وأبو حاتم‪ .‬والحديث‪:‬‬
‫صحيح موقوف‪ .‬والَّله أعلم‪.‬‬
‫وقد تقدم ذكر التيجان على رؤوسهم (‪ ، )3‬وإنما (‪ )4‬يلبسها الملوك‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في نسخة على حاشية "أ" "فيدخلها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تقدم في ص (‪.)218‬‬
‫(‪ )3‬ص (‪.)440 - 438‬‬
‫(‪ )4‬في نسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬وأَّنها"‪.‬‬

‫(‪)1/592‬‬

‫آثار اإلمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (‪)10‬‬


‫حادي األرواح إلى بالد األفراح‬
‫تأليف اإلمام أبي عبد الَّله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (‪ 691‬هـ ‪ 751 -‬هـ)‬
‫تحقيق زائد بن أحمد النشيري‬
‫إشراف بكر بن عبد الَّله أبو زيد‬
‫[المجلد الثاني]‬

‫(‪)/2‬‬

‫الباب الَّر ابع والستون‪ :‬في أَّن (‪ )1‬الجَّنة فوق ما يخطر بالبال أو يدوُر في الخلد‪ ،‬وأَّن موضع‬
‫سوٍط منها خيٌر من الدنيا وما فيها‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬تَتَج اَفى ُج ُنوُبُه ْم َعِن اْلَم َض اِج ِع َيْد ُعوَن َر َّبُه ْم َخ ْو ًفا َو َطَم ًعا َو ِم َّم ا َر َز ْقَناُه ْم ُيْنِف ُقوَن (‬
‫‪َ )16‬فاَل َتْع َلُم َنْف ٌس َم ا ُأْخ ِف َي َلُه ْم ِم ْن ُقَّر ِة َأْع ُيٍن َجَز اًء ِبَم ا َك اُنوا َيْع َم ُلوَن (‪[ })17‬السجدة‪،16 :‬‬
‫‪.]17‬‬
‫وتأَّمل كيَف قابل ما أخفوه من قيام الليل بالجزاء اَّلذي أخفاُه لهم مَّم ا ال تعلمه نفس‪ ،‬وكيف قابل‬
‫قلقهم وخوفهم واضطرابهم على مضاجعهم حتى يقوموا إلى صالة الليل = بُقَّر ة األعين في الجَّنة‪.‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪ )2‬من حديث أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪:-‬‬
‫"قال الَّلُه عَّز وجل‪ :‬أعددُت لعبادي الصالحين‪ ،‬ما ال عيٌن رأْت ‪ ،‬وال ُأُذٌن سمعْت ‪ ،‬وال خطَر على‬
‫ِم ِة‬ ‫ِف‬ ‫َّل‬ ‫ِم‬
‫قلَب بشٍر ‪ْ ،‬ص داُق ذلك في كتاب ال ه تعالى‪َ{ :‬فاَل َتْع َلُم َنْف ٌس َم ا ُأْخ َي َلُه ْم ْن ُقَّر َأْع ُيٍن َجَز اًء‬
‫ِبَم ا َك اُنوا َيْع َم ُلوَن (‪." })17‬‬
‫وفي لفٍظ آخر فيهما‪" :‬يقول الَّلُه عَّز وجَّل‪ :‬أعددُت لعبادي الصالحين ما ال عيٌن رأت‪ ،‬وال ُأذٌن‬
‫ِف‬
‫سمعْت ‪ ،‬وال خطَر على قلب بشر‪ُ ،‬ذْخ ًر ا َبْلَه ما أطلعكم عليه‪ ،‬ثَّم قرأ‪َ{ :‬فاَل َتْع َلُم َنْف ٌس َم ا ُأْخ َي‬
‫َل ِم َّر ِة‬
‫ُه ْم ْن ُق‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ج"‪ِ" :‬ذ ْك ِر "‪.‬‬
‫(‪ )2‬البخاري رقم (‪ ،)4501‬ومسلم رقم (‪ )2( - )2824‬واللفظ لمسلم‪.‬‬

‫(‪)2/593‬‬

‫َأْع ُيٍن َجَز اًء ِبَم ا َك اُنوا َيْع َم ُلوَن (‪ } )17‬اآلية" (‪. )1‬‬
‫وفي بعض ُط ق البخاري‪ :‬قال أبو هريرة‪ :‬اقرؤوا إْن ِش ئتم‪َ{ :‬فاَل َل ْف ا ُأْخ ِف َل ِم َّر ِة‬
‫َتْع ُم َن ٌس َم َي ُه ْم ْن ُق‬ ‫ُر‬
‫َأْع ُيٍن } " (‪. )2‬‬
‫وفي "صحيح مسلم" (‪ )3‬من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الَّله عنه قال‪ :‬شهدت من‬
‫رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬مجلًس ا وصف فيه الجَّنة حَّتى انتهى‪ ،‬ثَّم قال في آخر حديثه‪:‬‬
‫"فيها ما ال عيٌن رأْت ‪ ،‬وال ُأذٌن سمعْت ‪ ،‬وال خطَر على قلب بشر‪ ،‬ثَّم اقترأ هذه اآلية‪َ{ :‬تَتَج اَفى‬
‫ُج ُنوُبُه ْم َعِن اْلَم َض اِج ِع َيْد ُعوَن َر َّبُه ْم َخ ْو ًفا َو َطَم ًعا َو ِم َّم ا َر َز ْقَناُه ْم ُيْنِف ُقوَن (‪َ )16‬فاَل َتْع َلُم َنْف ٌس َما‬
‫ُأْخ ِف َي َلُه ْم ِم ْن ُقَّر ِة َأْع ُيٍن َجَز اًء ِبَم ا َك اُنوا َيْع َم ُلوَن (‪[ } )17‬السجدة‪." ]17 - 16 :‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪ )4‬من حديث أبي هريرة رضي الَّله عنه قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله‬
‫عليه وسلم‪" :-‬لقاُب قوس أحدكم في الجَّنة خيٌر مَّم ا طلعْت عليه الشمس أو تغرب"‪.‬‬
‫وقد تقَّدم حديث أبي ُأمامة (‪ )5‬عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪َ" :-‬أاَل ُمَش ِّم ٌر للجَّنة‪ ،‬فإَّن الجَّنة‬
‫ال َخ َطَر لها‪ ،‬هي ورِّب الكعبة نوٌر يتألأل‪ ،‬وريحانٌة تهتُّز ‪ ،‬وقصٌر مشيٌد ‪ ،‬ونهٌر ُمَّطِر ٌد‪ ،‬وثمرٌة‬
‫نضيجٌة‪ ،‬وزوجٌة حسناُء جميلٌة‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري رقم (‪ ،)4502‬ومسلم رقم (‪.)4( - )2824‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري رقم (‪ )3072‬و (‪.)4501‬‬
‫(‪ )3‬رقم (‪.)2825‬‬
‫(‪ )4‬البخاري رقم (‪ ،)2640‬ومسلم رقم (‪.)1882‬‬
‫(‪ )5‬قوله (أبي أمامة) كذا في األصول‪ ،‬وصوابه (ُأسامة)‪.‬‬
‫(‪)2/594‬‬

‫وُح لٌل كثيرة‪ ،‬ومقام في أبٍد في داٍر سليمة‪ ،‬وفاكهٍة وخضرٍة وحبرٍة ونعمٍة‪ ،‬في محلٍة عاليٍة بهيٍة (‬
‫‪. )2( " )1‬‬
‫ولو لم يكن من خطر الجَّنة وشرفها ِإاَّل أَّنه ال ُيسأل بوجه الَّله غيرها = لكفاها شرًفا وفضاًل ‪ ،‬كما‬
‫في "سنن أبي داود" من حديث سليمان بن معاٍذ عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الَّله‬
‫األنصاري (‪- )3‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬ال يسأل بوجه‬
‫الَّلِه ِإاَّل الجَّنة" (‪. )4‬‬
‫وفي "معجم الطبراني" من حديث َبِق َّية‪ ،‬عن ابن ُج َر ْيج عن عطاء عن ابن عباس رضي الَّله عنهما‬
‫ٍن‬
‫قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬لما خلَق الَّلُه جَّنَة َعْد ‪َ ،‬خ َلَق فيها ما ال عيٌن‬
‫رأْت ‪ ،‬وال ُأُذٌن سمعْت ‪ ،‬وال َخ َطَر على قلب بشٍر ‪ ،‬ثَّم قال لها‪ :‬تكَّلمي‪ .‬فقالت‪َ{ :‬قْد َأْفَلَح‬
‫اْلُم ْؤ ِم ُنوَن (‪. )5( " } )1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "أ"‪" :‬رفيعة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تقدم في الباب (‪ )45‬ص (‪.)292 - 291‬‬
‫(‪ )3‬قوله "بن عبد الَّله األنصاري" ليس في "ب‪ ،‬د"‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود رقم (‪ ،)1671‬وابن عدي في الكامل (‪ ،)257 /3‬والخطيب في الموضح‬
‫(‪.)253 /1‬‬
‫وسنده ضعيف؛ ألَّن مدارُه على سليمان بن معاذ‪ ،‬وهو شيعي في حفظه ضعف‪ .‬انظر‪ :‬تهذيب‬
‫الكمال (‪.)54 - 52 /12‬‬
‫تنبيه‪ :‬اختلف العلماُء هل سليمان بن معاذ وسليمان بن قرم‪ ،‬واحد أم اثنان؟ انظر‪ :‬الموضح‬
‫للخطيب (‪.)354 - 351 /1‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الطبراني في الكبير (‪ )184 /11‬رقم (‪ ،)11439‬وفي األوسط =‬

‫(‪)2/595‬‬
‫وفي "صحيح البخاري" (‪ )1‬من حديث سهل بن سعد رضي الَّله عنه قال‪ :‬سمعُت رسول الَّله ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬يقول‪" :‬موضع سوط في الجَّنة خيٌر من الدنيا وما فيها"‪.‬‬
‫وقال اإلمام أحمد‪ :‬حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول الَّله‬
‫‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪َ" :-‬لِق ْيُد سوِط أحدكم من اْلجَّنة خيٌر مَّم ا بين السماء واألرِض " (‪. )2‬‬
‫وهذا اإلسناد على شرط الصحيحين‪.‬‬
‫وقال الترمذي‪ :‬حدثنا ُسَو يد بن نصر حدثنا ابن المبارك أنبأنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن‬
‫داود بن عامر بن سعد بن أبي وَّقاص عن أبيه عن جده عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪:‬‬
‫"لو أَّن ما يِق ُّل ُظُف ر (‪ )3‬مَّم ا في الجَّنة‬
‫__________‬
‫= (‪ )215 /1‬رقم (‪.)738‬‬
‫من طريق هشام بن خالد عن بقية به‪.‬‬
‫قال الطبراني‪" :‬لم يرو هذين الحديثين عن ابن جريج ِإاَّل بقية‪ ،‬تفَّر د بهما‪ :‬هشام بن خالد"‪.‬‬
‫والحديث غريب جًّدا‪ ،‬يخشى من تدليس بقية فيه‪ ،‬ويخشى فيه من وهم هشام بن خالد أبي‬
‫مروان الدمشقي‪ ،‬والَّلُه أعلم‪.‬‬
‫والحديث جَّو د إسناده الهيثمي والسيوطي‪.‬‬
‫انظر‪ :‬مجمع الزوائد (‪ ،)397 /10‬والبدور السافرة رقم (‪.)1663‬‬
‫(‪ )1‬رقم (‪ ،)2735‬ومسلم رقم (‪ ،)1881‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أحمد في مسنده (‪ ،)315 /2‬وعبد الرزاق في المصنف (‪ )420 /11‬رقم (‬
‫‪ ،)20885‬وابن حبان في صحيحه رقم (‪ )6158‬وغيرهم‪.‬‬
‫وسنده كما قال المؤلف‪ ،‬وله طرق عن أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما نحوه‪.‬‬
‫(‪ )3‬في نسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬طرف"‪ ،‬وكذا في "هـ" لكن ضرب عليه وصحح =‬

‫(‪)2/596‬‬

‫بدا لتزخرفت له ما بين خوافق السماوات واألرِض ‪ ،‬ولو أَّن رجاًل من أهل الجَّنة اَّطلَع فبدا‬
‫أساوره لطمَس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوَء الكواكب" (‪. )1‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬هذا حديث غريب‪ ،‬ال نعرفه بهذا اإلسناد ِإاَّل من حديث ابن لهيعة‪ ،‬وقد روى‬
‫يحيى بن أيوب هذا الحديث عن يزيد بن أبي حبيب‪ ،‬وقال‪ :‬عن عمر بن سعد بن أبي وقاص عن‬
‫الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪."-‬‬
‫قلُت ‪ :‬وقد رواُه ابن وهب أنبأنا عمرو يعني‪ :‬ابن الحارث أَّن سليمان بن حميد حَّدثه أَّن عامر بن‬
‫سعد بن أبي وقاص (‪ ، )2‬قال سليمان‪ :‬ال أعلُم ِإاَّل أَّنه حدثني عن أبيه عن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله‬
‫عليه وسلم‪ -‬أَّنه قال‪" :‬لو أَّن ما أقَّل ظفر من الجَّنة برَز للدنيا لتزخرف له ما بين السماء‬
‫واألرِض "‪.‬‬
‫وفي الباب‪ :‬عن َأنس بن مالك وأبي سعيد الخدري وعبد الَّله بن عمرو بن العاص رضي الَّله‬
‫عنهم‪.‬‬
‫وكيَف ُيقَّدر قْد ر داٍر غرسها الَّله بيده‪ ،‬وجعلها مقًّر ا ألحبابه‪ ،‬ومألها من كرامته ورحمته‬
‫ورضوانه‪ ،‬ووصف نعيمها بالفوز العظيم‪ ،‬وملكها بالملك الكبير‪ ،‬وأودعها جميع الخير بحذافيره‪،‬‬
‫وطهرها من كل عيب وآفة ونقص‪.‬‬
‫فإن سألت عن أرضها وتربتها فهي المسك والزعفران‪.‬‬
‫__________‬
‫= إلى "ظفر"‪.‬‬
‫(‪ )1‬تقدم الكالم عليه ص (‪.)426 - 425‬‬
‫(‪ )2‬في "هـ"‪" :‬سعد" وهو خطأ‪.‬‬

‫(‪)2/597‬‬

‫وإن سألت عن سقفها فهو عرش الرحمن‪.‬‬


‫وإن سألت عن ِم الطها فهو المسك األذفر‪.‬‬
‫وإن سألت عن حصبائها فهي اللؤلؤ والجوهر‪.‬‬
‫وإن سألت عن بنائها َفَلِبَنة من فضة ولبنة من ذهب‪.‬‬
‫وإن سألت عن أشجارها فما فيها شجرة إال ساقها من ذهب (‪ )1‬أو فضة‪ ،‬ال من الحطب‬
‫والخشب‪.‬‬
‫وإن سألت عن ثمرها فأمثال الِق الل‪ ،‬أْلين من الزبد‪ ،‬وأحلى من العسل‪.‬‬
‫وإن سألت عن ورقها فأحسن ما يكون من رقائق الحلل‪.‬‬
‫وإن سألت عن أنهارها فأنهار من لبن لم يتغير طعمه‪ ،‬وأنهار من خمر لذة للشاربين‪ ،‬وأنهار من‬
‫عسل مصفى (‪. )2‬‬
‫وإن سألت عن طعامهم ففاكهة مما يتخيرون‪ ،‬ولحم طير مما يشتهون‪.‬‬
‫وإن سألت عن شرابهم فالتسنيم والزنجبيل والكافور‪.‬‬
‫وإْن سألت عن آنيتهم فآنية الذهب والفضة في صفاء القوارير‪.‬‬
‫وإْن سألْت عن سعة أبوابها فبين المصراعين مسيرة أربعين‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من قوله "فضة ولبنة" إلى "ذهب" سقط من "ج"‪.‬‬
‫(‪ )2‬من "د‪ ،‬هـ"‪.‬‬

‫(‪)2/598‬‬

‫من األعوام‪ ،‬وليأتيَّن عليه يوٌم وهو كظيظ من الزحام‬


‫وإْن سألت عن تصفيق الرياح ألشجارها فإَّنها تستفز بالطرب لمن يسمعها‪.‬‬
‫وإْن سألت عن ِظ ِّلها ففيها شجرة واحدة يسير الَّر اكُب المجُّد السريع في ظلها مئة عام ال‬
‫يقطعها‪.‬‬
‫وإْن سألت عن سعتها فأدنى أهلها يسير في ملكه وسرره وقصوره وبساتينه مسيرة ألفي عام‪.‬‬
‫وإْن سألت عن خيامها وقبابها فالخيمة الواحدة من ُدَّر ٍة مجَّو فة طولها ستون مياًل من جملة الخيام‬
‫وإْن سألت عن عالليها وجواسقها (‪ )1‬فهي غرف من فوقها غرف َمْبِنية‪ ،‬تجري من تحتها‬
‫األنهار‪.‬‬
‫وإْن سألت عن ارتفاعها فانظر إلى الكوكب الطالع‪ ،‬أو الغارب في األفق اَّلذي ال تكاد تناله‬
‫األبصار‪.‬‬
‫وإْن سألت عن لباس أهلها فهو الحرير والذهب‪.‬‬
‫وإْن سألت عن فرشهم فبطائنها من إستبرق مفروشة في أعلى الُّر َتب‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الجواسق‪ :‬جمع َجْو َس ق‪ :‬فارسي معَّر ب‪ ،‬وهو تصغير قصر "كوشك" أي‪ :‬صغير‪ .‬انظر‪:‬‬
‫المعَّر ب للجواليقي ص (‪.)53‬‬
‫(‪)2/599‬‬

‫وإْن سألت عن أرائكها فهي األسرة عليها البشخانات‪ ،‬وهي‪ :‬الِح َج ال ُمَز َّر َر ة بإزرار الذهب‪ ،‬فما‬
‫لها من ُفروج وال خالل‪.‬‬
‫وإْن سألت عن وجوه أهلها وحسنهم‪ ،‬فعلى صورة القمر‪.‬‬
‫وإْن سألت عن أسنانهم فأبناُء ثالثة وثالثين على صورة آدم أبي البشر‪.‬‬
‫وإْن سألت عن سماعهم فغناء أزواجهم من الحور العين‪ ،‬وأعلى منه سماع أصوات المالئكة‬
‫والَّنبيين‪ ،‬وأعلى منهما سماع خطاب رِّب العالمين‪.‬‬
‫وإْن سألت عن مطاياهم التي يتزاورون عليها‪ ،‬فنجائب أنشأها الَّله تعالى مَّم ا شاَء تسير بهم حيث‬
‫شاؤوا من الجنان‪.‬‬
‫وإْن سألت عن ُح ليهم وشارتهم‪ ،‬فأَس اِو ر الذهب واللؤلؤ‪ ،‬على الرؤوس مالبس الِّتيجان‪.‬‬
‫وإْن سألت عن غلمانهم فولداٌن مخلدون كأَّنهم لؤلٌؤ مكنون‪.‬‬
‫ِن‬ ‫َّل‬
‫وإْن سألَت عن عرائسهم وأزواجهم فُه َّن الكواعب األتراُب ‪ ،‬ا التي جرى في أغصا هَّن ماُء‬
‫الشباب‪ ،‬فللورِد والتفاح‪ :‬ما لبسته الخدود‪ ،‬وللُّر مان‪ :‬ما تضمنته النهود‪ ،‬وِلُّلؤلؤ المنظوم‪ :‬ما‬
‫حوته الثغور‪ ،‬وللدقة واَّللطافة‪ :‬ما دارْت عليه الخصور‪ ،‬تجري الشمُس في محاسن وجهها إذا‬
‫برزت‪ ،‬ويضيء البرق من بين ثناياها إذا ابتسمت‪ ،‬إذا قابلت ِح َّبها َفُقْل ما شئت في تقابل‬
‫الَّنِّيَر ين‪ ،‬وإذا حادثته فما ظُّنك بمحادثة الحبيبين‪ ،‬وإْن ضمها إليه فما ظنك بتعانق الغصنين‪ ،‬يرى‬
‫وجهه في‬

‫(‪)2/600‬‬

‫صحن خِّدها‪ ،‬كما يرى في المرآة التي جاَّل ها صيقلها‪ ،‬ويرى مَّخ ساقها من وراء اللحم‪ ،‬وال‬
‫يستره جلدها وال عظمها وال ُح َلُلها‪ ،‬لو اطلعت على الدنيا لمألت ما بين السماء واألرض ريًح ا‪،‬‬
‫وال استنطقت أفواَه الخالئِق تهلياًل وتكبيًر ا وتسبيًح ا‪ ،‬ولتزخرف لها ما بين الخافقين‪ ،‬وألغمضت‬
‫عن غيرها كَّل عيٍن ‪ ،‬ولطمسْت ضوَء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم‪ ،‬وآلمن من على‬
‫ظهرها بالَّله الحَّي القيوم‪ ،‬نصيفها على رأسها خيٌر من الدنيا وما فيها‪ ،‬ووصالها أشهى إليه من‬
‫جميع أمانيها‪ ،‬ال تزداد على تطاول األحقاب ِإاَّل حسًنا وجمااًل ‪ ،‬وال يزداُد لها على طول المدى‬
‫ِإاَّل محبة َو ِو صااًل ‪ُ ،‬مَبَّر أة من الحبِل والوالدة والحيِض والنفاس‪ ،‬مطَّهرة من المخاِط والبصاق‬
‫والبوِل والغائط وسائِر اَألدناس‪ ،‬ال يفنى شباُبَه ا‪ ،‬وال تبلى ثيابها‪ ،‬وال يخلُق ثوب جمالها‪ ،‬وال يمُّل‬
‫طيُب وصالها‪ ،‬قد قصرْت طرفها على زوجها‪ ،‬فال تطمُح ألحٍد سواُه‪ ،‬وَقَص َر طرفه عليها فهي‬
‫غايه ُأمنيته وهواه‪ ،‬إْن نظَر إليها سَّر ته‪ ،‬وإْن أمرها أطاعته‪ ،‬وإْن غاَب عنها حفظته‪ ،‬فهو معها في‬
‫غاية األماني واألمان‪ ،‬هذا‪ ،‬ولم يطمثها قبله إنٌس وال جاٌّن‪ ،‬كلما نظر إليها مألت قلبه سروًر ا‪،‬‬
‫وكَّلما حدثته مألت ُأُذنه لؤلًؤ ا منظوًم ا ومنثوًر ا‪ ،‬وإذا برزت مألت القصَر والغرفة نوًر ا‪.‬‬
‫وإْن سألت عن الِس ِّن فأتراٌب في أعدِل سِّن الشباب‪.‬‬
‫وإْن سألت عن الُح سن فهل رأيت الشمس والقمر؟!‬
‫وإْن سألَت عن الحَد ق فأحسن سواد في أصفى بياض‪ ،‬في أحسن َح َو ر‪.‬‬

‫(‪)2/601‬‬

‫وإْن سألَت عن القدود فهل رأيَت أحسن األغصان؟‬


‫وإْن سألت عن النهود فهَّن الكواعب‪ ،‬نهودهن كألطف الرمان‪.‬‬
‫وإْن سألت عن اللون فكأَّنهن الياقوت والمرجان‪.‬‬
‫وإْن سألت عن حسن الخلق فهَّن الَخ ْيرات الحسان‪ ،‬اَّلالتي ُج ِم َع لهَّن بين الحسن واإلحسان‪،‬‬
‫فأعطين جماَل الباطن والظاهر‪ ،‬فهَّن أفراح النفوس‪ ،‬وُقَّر ة النواظر‪.‬‬
‫وإْن سألت عن ُحْس ن الِعْش رة‪ ،‬ولذة ما هنالك فهَّن الُعُر ب المتحببات إلى األزواج بلطافة التبعل‬
‫التي تمتزج بالروح أَّي امتزاج‪.‬‬
‫فما ظنك بامرأة إذا ضحكت في وجه زوجها أضاءت الجَّنة من ضحكها‪ ،‬وإذا انتقلت من قصر‬
‫إلى قصر‪ ،‬قلَت ‪ :‬هذه الشمس ُمْنتقلة (‪ )1‬في بروج َفَلِكَه ا‪ ،‬وإذا حاضرت زوجها فيا حسن تلك‬
‫المحاضرة‪ ،‬وإْن خاصرته فيا لَّذ ة تلك المعانقة والمخاصرة‪:‬‬
‫وحديُثها السحر الحالُل لو (‪ )2‬اَّنه ‪ ...‬لم َيْج ِن قتَل المسلم المتحِّر ز‬
‫إْن طال لم ُيْم َلْل وإْن هي حَّدثت ‪ ...‬وَّد المحَّد ُث أَّنها لم توِج ِز (‪)3‬‬
‫إْن غَّنت فيا لَّذ ة األبصاِر واألسماع‪ ،‬وإْن آنست وأمتعت فيا حَّبذا تلك المؤانسة واإلمتاع‪ ،‬وإْن‬
‫َقَّبلت فال شيء أشهى (‪ )4‬إليه من ذلك‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬متنقلة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬من "هـ"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ديوان ابن الرومي (‪.)1164 /3‬‬
‫(‪ )4‬في "ج"‪" :‬انتهى"‪.‬‬

‫(‪)2/602‬‬

‫التقبيل‪ ،‬وإْن نَّو لْت فال ألَّذ وال أطيَب من ذلك الَّتنويل‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وإْن سألت عن يوم المزيد‪ ،‬وزيارة العزيز الحميد‪ ،‬ورؤية وجهه المنَّز ه عن التمثيل والتشبيه‪،‬‬
‫كما ُتَر ى الشمس في الظهيرة والقمر ليلة البدِر ‪ ،‬كما تواتر عن الصادق المصدوق النقل فيه‪،‬‬
‫وذلك موجود في الِّص حاح‪ ،‬والسنن‪ ،‬والمسانيد‪ ،‬من رواية‪ :‬جرير‪ ،‬وصهيب‪ ،‬وأنس‪ ،‬وأبي‬
‫هريرة‪ ،‬وأبي موسى‪ ،‬وأبي سعيد = فاستمع يوم ينادي المنادي‪ :‬يا أهل الجَّنة‪ ،‬إَّن رَّبكم تبارك‬
‫وتعالى يستزيركم فحَّي على زيارته‪ ،‬فيقولون‪ :‬سمًعا وطاعة‪ ،‬وينهضون إلى الزيارة مبادرين‪ ،‬فإذا‬
‫بالَّنجائب قد ُأعدْت لهم‪ ،‬فيستوون على ظهورها مسرعين‪ ،‬حَّتى إذا انتهوا إلى الوادي األفيح‬
‫اَّلذي ُج عل لهم موعًد ا‪ ،‬وُج ِم ُعوا هناك‪ ،‬فلم يغادر الَّداعي منهم أحًد ا = أمَر تبارك وتعالى بكرسِّيه‬
‫فنصَب هناك‪ ،‬ثَّم نصبت لهم منابر من نور‪ ،‬ومنابر من لؤلؤ‪ ،‬ومنابر من زبرجد‪ ،‬ومنابُر من ذهب‪،‬‬
‫ومنابر من فضة‪ ،‬وجلس أدناهم ‪-‬وحاشاهم من الدنايا‪ )1( -‬على كثبان المسك‪ ،‬ما يرون أَّن‬
‫أصحاب الكراسي فوقهم في العطايا‪ ،‬حَّتى إذا استقرت بهم مجالسهم‪ ،‬واطمأنت بهم أماكنهم‬
‫نادى المنادي‪ :‬يا أهل الجَّنة إَّن لكم عنَد الَّلِه موعًد ا يريُد أْن ينجَز كموه‪ ،‬فيقولون‪ :‬ما هو؟ ألم‬
‫ُيبيض وجوهنا ويثِّق ل موازيننا‪ ،‬ويدخلنا الجَّنة‪ ،‬ويزحزحنا عن الَّناِر ‪ ،‬فبينا هم كذلك إذ سطع لهم‬
‫نوٌر أشرقت له الجَّنة‪ ،‬فرفعوا رؤوسهم‪ ،‬فإذا الجَّبار جَّل جالله‪ ،‬وتقَّدسْت أسماؤه‪ ،‬قد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬هـ"‪" :‬الدنا"‪ ،‬وفي "أ"‪" :‬الدنيا"‪ ،‬ووقع في المطبوعة بعد "الدنايا" "أْن يكون فيهم‬
‫دنيء"‪.‬‬

‫(‪)2/603‬‬
‫أشرف عليهم من فوقهم وقال‪ :‬يا أهل الجَّنة‪ :‬سالٌم عليكم‪ ،‬فال ترُّد هذه التحية بأحسَن من‬
‫قولهم‪ :‬اللهم أنت السالم‪ ،‬ومنَك السالم‪ ،‬تباركَت ياذا الجالل واإلكرام‪ ،‬فيتجلى لهم الرب‬
‫تبارك وتعالى يضحك إليهم‪ ،‬ويقول‪ :‬يا أهل الجنة‪ ،‬فيكون أول ما يسمعون منه تعالى‪ :‬أين عبادي‬
‫الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني‪ ،‬فهذا يوم المزيد‪ ،‬فيجتمعون على كلمة واحدة أن قد رضينا‬
‫فارض عنا‪ ،‬فيقول‪ :‬يا أهل الجنة‪ ،‬إني لو لم أرض عنكم لم ُأْس ِكْنكم جنتي‪ ،‬هذا يوم المزيد‬
‫فسلوني‪ .‬فيجتمعون على كلمٍة واحدة‪ :‬أرنا وجهك ننظر إليه‪ ،‬فيكشف الرب جل جالله‬
‫الُحُج ب‪ ،‬ويتجلى لهم‪ ،‬فيغشاهم من نوره ما لوال أن الَّله سبحانه وقضى أن ال يحترقوا الحترقوا‪،‬‬
‫وال يبقى في ذلك المجلس أحد إال حاضره الرُّب تعالى محاضرة‪ ،‬حتى إنه ليقول‪ :‬يا فالن أتذكر‬
‫يوم فعلت كذا وكذا‪ ،‬يذكره ببعض غدراته في الدنيا‪ ،‬فيقول‪ :‬يا رب ألم تغفر لي؟ فيقول‪ :‬بلى‬
‫بمغفرتي بلغت منزلتك هذه‪.‬‬
‫فيا لذة األسماع بتلك المحاضرة‪ ،‬ويا ُقَّر ة عيون األبرار بالنظر إلى وجهه الكريم في الدار‬
‫اآلخرة‪ ،‬ويا ِذ َّلة الراجعين بالصفقة الخاسرة‪ُ{ .‬وُج وٌه َيْو َم ِئٍذ َناِض َر ٌة (‪ِ )22‬إَلى َر ِّبَه ا َناِظ َر ٌة (‪)23‬‬
‫َو ُوُج وٌه َيْو َم ِئٍذ َباِس َر ٌة (‪َ )24‬تُظُّن َأْن ُيْف َعَل ِبَه ا َفاِقَر ٌة (‪[ } )25‬القيامة‪.]25 - 22 :‬‬
‫ِت ٍن‬
‫فحَّي على جَّنا عْد فإَّنها ‪ ...‬منازُلَك اُألولى وفيها الُم َخ َّيُم‬
‫ولكَّننا سْبي العدِّو فهل ترى ‪ ...‬نُعوُد ِإلى أوطاننا ونسِّلُم (‪)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيتان للمؤَّلف ضمن قصيدته في وصف الجَّنة‪ ،‬تقدمت في َأَّو ل الكتاب ص (‪.)14‬‬

‫(‪)2/604‬‬

‫الباب الخامس والستون‪ :‬في رؤيتهم رَّبهم تبارك وتعالى وتجِّليه لهم ضاحًك ا إليهم‬
‫هذا الباُب أشرُف أبواب الكتاب‪ ،‬وأجُّلها قدًر ا‪ ،‬وأعالها خطًر ا‪ ،‬وأقُّر ها لعيون أهل السَّنة‬
‫والجماعة‪ ،‬وأشُّدها على أهل البدعة والُف رقة‪ ،‬وهي الغاية التي شَّم ر إليها المشمرون‪ ،‬وتنافس فيها‬
‫المتنافسون‪ ،‬وتسابَق إليها المتسابقون‪ ،‬ولمثلها فليعمل العاملون‪ .‬إذا ناله أهل الجَّنة َنُس وا ما هم‬
‫فيه من النعيم‪ ،‬وِح ْر مانه والحجاب عنه ألهل الجحيم أشَّد عليهم من عذاب الجحيم‪ ،‬اتفق عليها‬
‫األنبياء والمرسلوَن ‪ ،‬وجميُع الصحابة والتابعون‪ ،‬وأئمة اإلسالم على تتابع القرون‪ ،‬وأنكرها أهل‬
‫البدع المارقون‪ ،‬والجهمية المتهِّو كون‪ ،‬والفرعونية المبطلون (‪ ،)1‬والباطنية اَّلذين هم من جميع‬
‫األديان منسلخون‪ ،‬والَّر افضة اَّلذين هم بحبائل الشيطان ُمتمِّس كون (‪ ،)2‬ومن حبل الَّله منقطعون‪،‬‬
‫وعلى مسَّبة أصحاب رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬عاكفون‪ ،‬وللُّس َّنة وأهلها محاربون‪،‬‬
‫ولكِّل عدِّو لَّله ورسوله ودينه مسالموَن ‪ ،‬وكل هؤالء عن ربهم محجوبون‪ ،‬وعن بابه مطرودون‪،‬‬
‫أولئك أحزاب الضالل‪ ،‬وشيعة اَّللعين‪ ،‬وأعداء الرسول وحزبه‪.‬‬
‫وقد أخبر سبحانه عن أعلم الخلق به في زمانه‪ ،‬وهو كليمه ونجُّيُه وصفُّيُه من أهل األرِض ‪َ ،‬أَّنه‬
‫سأل ربه تعالى النظر إليه‪ ،‬فقال له رُّبه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ج‪ ،‬هـ" ونسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬المعطلون"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ج‪ ،‬هـ"‪" :‬مستمسكون"‪.‬‬

‫(‪)2/605‬‬

‫تبارك وتعالى‪َ{ :‬لْن َتَر اِني َو َلِكِن اْنُظْر ِإَلى اْلَجَبِل َفِإ ِن اْس َتَقَّر َم َك اَنُه َفَس ْو َف َتَر اِني َفَلَّم ا َتَج َّلى َر ُّبُه‬
‫ِلْلَجَبِل َجَعَلُه َدًّك ا} [األعراف‪.]143 :‬‬
‫وبيان الداللة من هذه اآلية من وجوٍه عديدٍة‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أْن ال ُيَظَّن بكليم الرحمن ورسوله الكريم عليه أَّنه يسأل رَّبُه ما ال يجوز عليه‪ ،‬بل هو من‬
‫أبطِل الباطل‪ ،‬وأعظم المحال‪ ،‬وعند فروخ اليونان‪ ،‬والصائبة‪ ،‬والِف رعونية بمنزلة أْن يسأله أْن‬
‫يأكل ويشرب وينام‪ ،‬ونحو ذلك مَّم ا يتعالى الَّله عنه‪ ،‬فياهلل العجب! كيف صاَر أتباُع الصابئة‬
‫والمجوس والمشركين ُعَّباِد األصنام وفروخ الجهمية والِف ْر عونية أعلَم بالَّله تعالى من موسى بن‬
‫ِع ْم ران‪ ،‬وبما يستحيل عليه‪ ،‬ويجب له‪ ،‬وأشَّد تنزيًه ا له منه؟!‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أَّن الَّله سبحانه لم ينكر عليه سؤاله‪ ،‬ولو كان محااًل ألنكره عليه‪ ،‬ولهذا لَّم ا سأل‬
‫إبراهيم الخليل ربه تعالى أْن يريه كيف يحيى الموتى‪ ،‬لم ينكر عليه‪ ،‬ولَّم ا سأَل عيسى ابن مريم‬
‫رَّبه إنزاَل المائدة من السماء لم ينكر سؤاله‪ ،‬ولَّم ا سأل نوٌح رَّبُه نجاَة ابنِه أنكر عليه سؤاله وقال‪:‬‬
‫{ِإِّني َأِع ُظَك َأْن َتُك وَن ِم َن اْلَج اِهِليَن (‪َ )46‬قاَل َر ِّب ِإِّني َأُعوُذ ِبَك َأْن َأْس َأَلَك َما َلْيَس ِلي ِبِه ِع ْلٌم}‬
‫[هود‪.]47 - 46 :‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬أَّنه أجابه بقوله تعالى‪َ{ :‬لْن َتَر اِني} [األعراف‪ ]143 :‬ولم يقل‪ :‬إِّني ال ُأَر ى‪ ،‬وال‬
‫إِّني لسُت بمرئّي ؛ وال تجوز رؤيتي‪ .‬والفرُق بين الجوابين ظاهٌر لمن تأَّمَلُه‪.‬‬
‫وهذا يدُّل على أَّنه سبحانه مرئٌّي ‪ ،‬ولكَّن موسى ال تحتمل قواُه‬

‫(‪)2/606‬‬

‫رؤيته في هذه الدار ِلَض ْع ِف قوى البشِر فيها عن رؤيته تعالى‪ ،‬يوِّضحه‪:‬‬
‫الوجه الَّر ابع‪ :‬وهو قوله تعالى‪َ{ :‬و َلِكِن اْنُظْر ِإَلى اْلَجَبِل َفِإ ِن اْس َتَقَّر َم َك اَنُه َفَس ْو َف َتَر اِني}‬
‫[األعراف‪ ]143 :‬فأْع َلَم ه أَن الجبل مع قَّو ته وصالبته ال يثبُت لتجليه له في هذه الَّدار‪ ،‬فكيف‬
‫بالبشر الضعيف اَّلذي ُخ ِلق من ضْع ٍف ؟‪.‬‬
‫الوجه الخامس‪ :‬أَّن الَّلَه سبحانه قادٌر على أْن يجعل الجبل مستقًّر ا مكاَنه‪ ،‬وليس هذا بممتنع في‬
‫مقدوره‪ ،‬بل هو ممكن‪ ،‬وقد علق به الرؤية‪ ،‬ولو كانت محااًل في ذاتها لم يعلقها بالممكن في‬
‫ذاته‪ ،‬ولو كانت الرؤية محااًل ‪ ،‬لكان ذلك نظير أْن يقول‪ :‬إن استقَّر الجبل فسوَف آكُل وأشرُب‬
‫وأناُم‪ ،‬فاألمراِن عندكم سواء‪.‬‬
‫الوجه السادس‪ :‬قوله تعالى‪َ{ :‬فَلَّم ا َتَج َّلى َر ُّبُه ِلْلَجَبِل َجَعَلُه َدًّك ا} وهذا من أبين األدلة على جواِز‬
‫رؤيته تبارك وتعالى‪ ،‬فإَّنه إذا جاَز أن يتجَّلى للجبِل اَّلذي هو جماد ال ثواب له وال عقاب‪ ،‬فكيف‬
‫يمتنع أن يتجَّلى ألنبيائه ورسله وأوليائه في دار كرامته ويريهم نفسه؟ وأعلم سبحانه موسى أَّن‬
‫الجبل إذا لم يثبت لرؤيته في هذه الَّداِر ‪ ،‬فالَبَش ر أضعف‪.‬‬
‫َّل‬
‫الوجه السابع‪ :‬أَّن ربه سبحانه قد ك مه منه إليه‪ ،‬وخاطبه وناداُه وناجاُه‪ ،‬ومن جاَز عليه الَّتكلُم‬
‫والتكليم‪ ،‬وأْن يسمع مخاطبه كالمه معه بغير واسطة‪ ،‬فرؤيته أولى بالجواز‪ ،‬ولهذا ال يتم إنكار‬
‫الرؤية ِإاَّل بإنكار التكليم‪ ،‬وقد جمعت هذه الطوائف بين إنكار األمرين‪ ،‬فأنكروا أْن يكِّلم أحًد ا‪،‬‬
‫أو يراُه أحٌد ‪ ،‬ولهذا سأله موسى النظر إليه لَّم ا‬

‫(‪)2/607‬‬

‫أسمعه كالمه‪ ،‬وعلم من (‪ )1‬الَّلِه جواَز رؤيته من وقوع خطابه وتكليمه‪ ،‬فلم يخبره باستحالة‬
‫ذلك عليه‪ ،‬ولكْن أراُه أن ما سأله ال يقدر على احتماله‪ ،‬كما لم يثبت الجبل لتجليه‪.‬‬
‫وأَّم ا قوله تعالى‪َ{ :‬لْن َت اِني} [األعراف‪ ]143 :‬فإَّنما يدُّل على الَّنفي في المستقبل‪ ،‬وال يدُّل‬
‫َر‬
‫على دوام الَّنفي؛ ولو ُقِّيدت بالتأبيد‪ ،‬فكيف إذا ُأطلقت‪ ،‬قال تعالى‪َ{ :‬و َلْن َيَتَم َّنْو ُه َأَبًد ا} [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]95‬مع قوله‪َ{ :‬و َناَدْو ا َياَماِلُك ِلَيْق ِض َعَلْيَنا َر ُّبَك } [الزخرف‪.]77 :‬‬

‫فصل‬
‫الدليُل الثاني‪ :‬قوله تعالى‪َ{ :‬و اَّتُقوا الَّلَه َو اْع َلُم وا َأَّنُك ْم ُماَل ُقوُه} [البقرة‪ ،]223 :‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫{َتِح َّيُتُه ْم َيْو َم َيْلَق ْو َنُه َس اَل ٌم} [األحزاب‪ ]44 :‬وقوله تعالى‪َ{ :‬فَمْن َك اَن َيْر ُج و ِلَق اَء َر ِّبِه} [الكهف‪:‬‬
‫‪ ،]110‬وقوله تعالى‪َ{ :‬قاَل اَّلِذ يَن َيُظُّنوَن َأَّنُه ْم ُماَل ُقو الَّلِه} [البقرة‪.]249 :‬‬
‫وأجمع أهل اللسان على أَّن اللقاء متى ُنِس َب إلى الحي السليم من الَعَم ى والمانع؛ اقتضى المعاينة‬
‫والرؤية‪ ،‬وال ينتقض هذا بقوله تعالى‪َ{ :‬فَأْع َق َبُه ْم ِنَف اًقا ِفي ُقُلوِبِه ْم ِإَلى َيْو ِم َيْلَق ْو َنُه} [التوبة‪:]77 :‬‬
‫فقد دَّلت األحاديث الصحيحة الصريحة على أَّن المنافقين يرونه تعالى في َعَر َص ات القيامة‪ ،‬بل‬
‫والكفار أيًض ا كما في "الصحيحين" في حديث التجلي يوم القيامة‪ ،‬وسيمُّر ِبَك عن قريٍب إن شاء‬
‫الَّله (‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "هـ"‪" :‬نبي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪( :‬ص‪.)661 ،660 ،645 ،632 ،629 /‬‬

‫(‪)2/608‬‬

‫وفي هذه المسألة ثالثة أقواٍل ألهل السنة‪:‬‬


‫أحدها‪ :‬أَّنه ال يراُه ِإاَّل المؤمنون‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬يراُه جميع أهل الموقف‪ :‬مؤمنهم وكافرهم‪ ،‬ثَّم يحتجب عن الكفار فال يرونه بعد ذلك‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬يراُه المنافقون دون الكفار‪.‬‬
‫واألقوال الثالثة في مذهب أحمد‪ ،‬وهي ألصحابه‪ ،‬وكذلك األقوال الثالثة بعينها في تكليمه لهم‪،‬‬
‫ولشيخنا (‪ )1‬في ذلك ُمصَّنف ُمْف رد‪ ،‬حكى فيه األقوال الثالثة وُح جج أصحابها‪.‬‬
‫وكذا قوله سبحانه‪َ{ :‬ياَأُّيَه ا اِإْل ْنَس اُن ِإَّنَك َك اِد ٌح ِإَلى َر ِّبَك َك ْد ًح ا َفُم اَل ِقيِه (‪[ })6‬االنشقاق‪ ]6 :‬إْن‬
‫عاَد الضميُر على العمل‪ :‬فهو رؤيته في الكتاب المسطور ُمَبيًنا‪ ،‬وإْن عاَد على الَّر ُّب تبارك وتعالى؛‬
‫فهو لقاؤه اَّلذي َو َعَد به‪.‬‬
‫فصل‬
‫الدليل الثالث‪ :‬قوله تعالى‪َ{ :‬و الَّلُه َيْد ُعو ِإَلى َداِر الَّساَل ِم َو َيْه ِد ي َمْن َيَش اُء ِإَلى ِص َر اٍط ُمْس َتِق يٍم (‬
‫ِة‬ ‫ِئ‬ ‫ِذ‬ ‫ِل ِذ‬
‫‪َّ )25‬ل يَن َأْح َس ُنوا اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة َو اَل َيْر َهُق ُوُج وَهُه ْم َقَتٌر َو اَل َّلٌة ُأوَل َك َأْص َح اُب اْلَج َّن ُه ْم‬
‫ِفيَه ا َخ اِلُد وَن (‪[ })26‬يونس‪.]26 - 25 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬هو شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬وقد كتب رسالة إلى أهل البحرين‪ ،‬ذكر فيها هذه المسألة‬
‫واألقوال الثالثة وأدلتها‪ .‬مجموع الفتاوى (‪ .)502 - 485 /6‬وله‪ :‬قاعدة في إثبات الرؤية‪،‬‬
‫والرِّد على ُنفاتها‪ .‬العقود الدرية (ص‪.)66 /‬‬

‫(‪)2/609‬‬

‫فالحسنى‪ :‬الجَّنة‪ ،‬والزيادة‪ :‬النظر إلى وْج ِه ِه الكريم‪ ،‬كذلك فَّس رها رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪ -‬اَّلذي ُأنِزَل عليه القرآن‪ ،‬والصحابة من بعده‪ ،‬كما روى مسلم في "صحيحه" (‪ )1‬من‬
‫حديث حَّم اد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب رضي الَّله عنه قال‪ :‬قرأ‬
‫رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ِ{ :-‬لَّلِذ يَن َأْح َس ُنوا اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة} قال‪ :‬إذا دخل أهُل الجَّنة‬
‫الجَّنَة‪ ،‬وأهل الَّناِر الَّناَر ‪ ،‬نادى مناٍد ‪ :‬يا أهل الجَّنة إَّن لكم عنَد الَّلِه موعًد ا يريُد أْن ينجزكموُه‪،‬‬
‫فيقولون‪ :‬ما هو؟ ألم يثِّق ل موازيننا‪َ ،‬و ُيَبِّيْض وجوهنا‪ ،‬ويدخلنا الجَّنة ويجرنا من الَّناِر ؟! فيكشف‬
‫الحجاَب فينظرون إليه فما أعطاهم شيًئا أحَّب إليهم من النظر إليه‪ ،‬وهي الزيادة"‪.‬‬
‫وقال الحسن بن عرفة‪ :‬حدثنا سلم بن سالم البلخي عن نوح بن أبي مريم عن ثابت عن أنس ‪-‬‬
‫رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ُ" :‬س ِئَل رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬عن هذه اآلية‪ِ{ :‬لَّلِذ يَن َأْح َس ُنوا‬
‫اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة} قال للذين أحسنوا العمل في الدنيا الحسنى‪ :‬وهي الجَّنة‪ ،‬والزيادة‪ :‬النظر إلى‬
‫وجه الَّله تعالى" (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رقم (‪ )181‬من طريق حماد بن سلمة عن ثابت به فذكره‪.‬‬
‫وقد وقع في الحديث اختالف على ثابت‪ ،‬وسيأتي بيانه ص (‪.)693‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الحسن بن عرفة في جزئه رقم (‪ ،)85‬وابن أبي حاتم في تفسيره (‪ / 6‬رقم‬
‫‪ ،)10340‬والدارقطني في الرؤية رقم (‪ ،)57‬والاللكائي في أصول االعتقاد رقم (‪)779‬‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق نوح بن أبي مريم عن ثابت به فذكره‪.‬‬
‫وهو حديث باطل ال يصح‪ ،‬فإَّن نوًح ا هذا متروك الحديث‪ ،‬وقد اتهمه بعضهم‪.‬‬

‫(‪)2/610‬‬

‫وقال محمد بن جرير‪ :‬حدثنا ابن ُحَم يد حدثنا إبراهيم بن المختار عن ابن ُج َر يج عن عطاء عن‬
‫ِل ِذ‬
‫كعب بن ُعْج َر ة ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬في قوله تعالى‪َّ { :‬ل يَن‬
‫َأْح َس ُنوا اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة} قال‪" :‬الزيادة‪ :‬النظُر إلى وجه الرحمن َج َّل جالُلُه" (‪. )1‬‬
‫قلُت ‪ :‬عطاء هذا هو الخراساني‪ ،‬وليس بعطاء بن أبي رباح‪.‬‬
‫قال ابن جرير‪ :‬وحدثنا ابن عبد الرحيم (‪ )2‬حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال‪ :‬سمعُت زهيًر ا‪.‬‬
‫وقال يعقوب بن سفيان‪ :‬حدثنا صفوان بن صالح حدثنا الوليُد بن مسلم حدثنا زهير بن محمد‬
‫قال‪ :‬حدثني من سمَع أبا العالية الرياحي ُيحَّدث عن ُأبي بن كعب ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬سألت‬
‫ِل ِذ‬ ‫ِه‬
‫رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬عن الزيادة في كتاب الَّل عَّز وجَّل قوله تعالى‪َّ { :‬ل يَن‬
‫َأْح َس ُنوا اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة} [يونس‪ ]25 :‬قال الحسنى‪ :‬الجَّنة‪ ،‬والزيادة‪ :‬النظر إلى وجه الَّله عَّز‬
‫وجَّل" (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ ،)107 /11‬والاللكائي في أصول االعتقاد رقم (‪.)781‬‬
‫وسنده ضعيف جًّدا‪ ،‬فيه محمد بن حميد الَّر ازي؛ وهو متهم‪ .‬وإبراهيم ابن المختار الَّر ازي‪:‬‬
‫ضعيف؛ وخاَّص ة إذا روى محمد بن حميد عنه‪ ،‬وعطاء لم يسمع من كعب‪.‬‬
‫(‪ )2‬عند الطبري "ابن البرقي" بدل "ابن عبد الرحيم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (‪ )1944 /6‬رقم (‪ ،)10336‬والطبري في تفسيره (‪/11‬‬
‫‪ ،)107‬واَّلاللكائي في أصول االعتقاد رقم (‪.)780‬‬
‫وسنده ضعيف إلبهام من سمع من أبي العالية‪= .‬‬

‫(‪)2/611‬‬
‫وقال َأَس ُد الُّس َّنة‪ :‬حدثنا قيس بن الربيع عن أبان عن أبي تميمة الُهَجْيمي أَّنه سمع أبا موسى ‪-‬‬
‫رضي الَّله عنه‪ -‬يحَّدث أَّنه سمع رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬يقول‪" :‬يبعُث الَّلُه عَّز وجَّل‬
‫يوَم القيامة منادًيا ينادي أهَل اْلجَّنة‪ ،‬بصوٍت ُيْس مُع َأَّو لهم وآخرهم‪ ،‬إَّن الَّله وعَد كم الحسنى‪،‬‬
‫والحسنى‪ :‬اْلجَّنة‪ ،‬والزيادة‪ :‬النظر إلى وجه الَّله عَّز وجَّل" (‪. )1‬‬
‫وقال ابن وهب (‪ ، )2‬أخبرني َش ِبْيب‪ ،‬عن أبان‪ ،‬عن أبي تميمة الهجيمي‪ ،‬أَّنه سمع أبا موسى‬
‫األشعري ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬يحدث عن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إَّن الَّلَه عَّز وجَّل‬
‫يبعث يوم القيامة منادًيا ينادي‪ :‬يا أهل الجَّنة‪ ،‬بصوٍت ُيْس ِم ُع أَّو لهم وآخرهم‪ :‬إَّن الَّلَه وعدكم‬
‫الحسنى وزيادة‪ .‬الُح سنى‪ :‬الجَّنة‪ ،‬والِّز يادة‪ :‬الَّنظُر إلى وجه الَّر حمن"‪.‬‬
‫وأَّما الَّص حابة‪ :‬فقال ابن جرير‪ :‬حدثنا بَّش اُر ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن هو ابن َمْه ِد ي‪ ،‬حدثنا إسرائيل‪،‬‬
‫عن أبي إسحاق‪ ،‬عن عامر بن سعد‬
‫__________‬
‫= وله طريق آخر‪ :‬عند اَّلاللكائي رقم (‪ ،)849‬والَّدارقطني في الرؤية رقم (‪.)183‬‬
‫وفيه من لم أقف على حاله‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن وهب في التفسير من الجامع (‪ )76 /1‬رقم (‪ ،)171‬والطبري (‪،)105 /11‬‬
‫والدارقطني في الرؤية رقم (‪.)43‬‬
‫من طريق‪ :‬شبيب وإبراهيم بن أبي بكرة كالهما عن أبان به مثله‪ .‬كما سيأتي في الحديث اآلتي‪.‬‬
‫وسنده ضعيف جًّدا‪ ،‬فيه أبان وهو ابن أبي عياش متروك الحديث‪.‬‬
‫انظر التقريب (‪.)142‬‬
‫(‪ )2‬في "هـ"‪" :‬قيس"‪ ،‬وضرب عليه الناسخ‪ ،‬وصَّو ب "وهب"‪.‬‬

‫(‪)2/612‬‬

‫عن أبي بكر الصديق ‪-‬رضي الَّله تعالى عنه‪ِ{ -‬لَّلِذ يَن َأْح َس ُنوا اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة} قال‪ :‬الَّنظُر إلى‬
‫وجه الَّله" (‪. )1‬‬
‫وبهذا اإلسناد‪ :‬عن أبي إسحاق عن مسلم بن يزيد عن حذيفة رضي الَّلُه عنه‪ِ{ :‬لَّلِذ يَن َأْح َس ُنوا‬
‫اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة} قال‪ :‬الَّنظُر إلى وجه ربهم تبارك وتعالى (‪. )2‬‬
‫وحدثنا علي بن عيسى‪ ،‬حدثني َش َباَبة‪ ،‬حدثنا أبو بكر الهذلي قال‪ :‬سمعُت أبا تميمة الُهَج يمي‬
‫يحدث عن أبي موسى األشعري رضي الَّله‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبري (‪ )105 - 104 /11‬وعبد الَّله بن أحمد في السنة (‪.)471‬‬
‫‪ -‬ورواه يونس بن أبي إسحاق وزكريا وغيرهم عن أبي إسحاق عن عامر ابن سعد عن أبي بكر‬
‫فذكره‪.‬‬
‫أخرجه الدارقطني في الرؤية رقم (‪ )198 ،196 ،194 ،195‬وغيره‬
‫‪ -‬وخالفهم شعبة والثوري وشريك‪ ،‬فرووه عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد قوله (لم يذكر أبا‬
‫بكر)‪.‬‬
‫أخرجه ابن المبارك في الزهد ‪-‬رواية نعيم‪ -‬رقم (‪ ،)420‬والطبري (‪)106 ،105 /11‬‬
‫وغيرهما‪.‬‬
‫ورواية شعبة والثوري أصح‪.‬‬
‫بينما رجح الدارقطني قول إسرائيل ومن تابعه‪ ،‬وهو محتمل‪.‬‬
‫انظر‪ :‬علل الدارقطني (‪.)283 /1‬‬
‫وعلى قول الدارقطني إسناده منقطع‪ ,‬ألن عامر بن سعد البجلي لم يدرك أبا بكر الصديق‪ .‬تهذيب‬
‫الكمال (‪.)23 /14‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبري (‪ ،)105 /11‬وابن أبي شيبة في المصنف (‪ )153 /7‬رقم (‪،)34795‬‬
‫وهناد في الزهد رقم (‪ )170‬وغيرهم‪.‬‬
‫وسنده ال بأس به‪ ،‬من أجل حال مسلم بن يزيد أبي عياض الكوفي‪.‬‬

‫(‪)2/613‬‬

‫عنه قال‪ :‬إذا كان يوم القيامة يبعث الَّلُه عَّز وجَّل إلى أهل الجَّنة منادًيا ينادي‪ :‬هل أنجز (‪ )1‬الَّلُه‬
‫لكم ما وعدكم؟ فينظرون إلى ما أعد لهم من الكرامة فيقولون‪ :‬نعم‪ ،‬فيقول‪ِ{ :‬لَّلِذ يَن َأْح َس ُنوا‬
‫اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة} النظُر إلى وجه الرحمن عَّز وجَّل" (‪. )2‬‬
‫وقال عبد الَّله بن المبارك‪ :‬عن أبي بكر الهذلي أنبأنا أبو تميمة قال‪ :‬سمعُت أبا موسى األشعري‬
‫رضي الَّله عنه يخطب الَّناُس في جامع البصرة ويقول‪" :‬إَّن الَّلَه عَّز وجَّل يبعث يوم القيامة ملًك ا‬
‫إلى أهل الجَّنة‪ ،‬فيقول‪ :‬يا أهل الجَّنة‪ ،‬هل أنجز الَّله لكم ما وعدكم؟ فينظرون فيرون الحلَّي‬
‫والحلل واألنهار واألزواج المطهرة‪ ،‬فيقولون‪ :‬نعم‪ ،‬قد أنجز الَّله ما وعدنا‪ ،‬ثَّم يقول الملك‪ :‬هل‬
‫أنجزكم الَّله (‪ )3‬ما وعدكم ثالث مَّر ات‪ ،‬فال يفقدون شيًئا مَّم ا ُو ِع ُد وا فيقولون‪ :‬نعم‪ ،‬فيقول‪ :‬قد‬
‫بقَي لكم شيء‪ ،‬إَّن الَّلَه عَّز وجَّل يقول‪ِ{ :‬لَّلِذ يَن َأْح َس ُنوا اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة} أال إَّن الحسنى‪ :‬الجَّنة‪،‬‬
‫والزيادة‪ :‬النظر إلى وجه الَّله عَّز وجَّل"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في (هـ)‪ ،‬وعند الطبري (أنجركم)‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبري (‪ ،)105 /11‬والاللكائي في شرح أصول االعتقاد رقم (‪،)786‬‬
‫والدارقطني في الرؤية رقم (‪.)44‬‬
‫ورواه‪ :‬ابن المبارك (وسيأتي عند المؤلف)‪ ،‬ووكيع والمعَّلى بن الفضل عن أبي بكر الهذلي به‬
‫نحوه‪.‬‬
‫أخرجه ابن المبارك في الزهد ‪-‬رواية نعيم‪ -‬رقم (‪ ،)419‬وهناد في الزهد رقم (‪،)169‬‬
‫والطبري (‪ ،)107 /11‬والدارقطني في الرؤية رقم (‪.)46 ،45‬‬
‫واألثر مداره على أبي بكر الهذلي‪ :‬وهو متروك الحديث‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ج‪ ،‬هـ" "هل أنجز الَّله لكم ما وعدكم"‪.‬‬

‫(‪)2/614‬‬

‫وفي "تفسير أسباط بن نصر" عن إسماعيل الُّس دي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس‪ ،‬وعن‬
‫ُمَّر ة الهمداني عن ابن مسعود {ِلَّلِذ يَن َأْح َس ُنوا اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة َو اَل َيْر َهُق ُوُج وَهُه ْم َقَتٌر َو اَل ِذ َّلٌة}‬
‫فقال‪" :‬أَّما الحسنى‪ :‬فالجَّنة‪ ،‬وأَّما الزيادة‪ :‬فالنظر إلى وجه الَّله‪ ،‬وأَّما القتُر ‪ :‬فالَّس واد" (‪. )1‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى وعامر بن سعد وإسماعيل بن عبد الرحمن الُّس دي‪ ،‬والضحاك بن‬
‫ُم زاحم وعبد الرحمن بن سابط وأبو إسحاق الَّس بيعي وقتادة وسعيد بن المسيب والحسن البصري‬
‫وعكرمة مولى ابن عباس ومجاهد بن جبر‪ :‬الُحْس َنى‪ :‬الجَّنة‪ ،‬والزيادة‪ :‬النظر إلى وجه الَّله (‪. )2‬‬
‫وقال غير واحٍد من الَّس لِف في اآلية‪َ{ :‬و اَل َيْر َهُق ُوُج وَهُه ْم َقَتٌر َو اَل ِذ َّلٌة} [يونس‪ :]26 :‬بعد‬
‫النظر إليه‪ ،‬واألسانيد بذلك صحيحة‪.‬‬
‫ولَّم ا عطَف سبحانه الزيادة على الحسنى التي هي الجَّنة؛ دَّل على أَّنها أمٌر آخر وراء الجَّنة‪ ،‬وقدٌر‬
‫زائٌد عليها‪ ،‬ومن فَّس َر الزيادة بالمغفرة والرضوان (‪ ، )3‬فهو من لوازم رؤية الَّر َّب تبارك وتعالى‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ذكره الاللكائي في شرح أصول االعتقاد رقم (‪ )787‬عن ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫وسنده ضعيف‪ ,‬كما تقدم الكالم عن هذه السلسلة ص (‪ 359‬و ‪.)364‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الرؤية للدارقطني رقم (‪ ،)224 ،223 ،221 ،217 ,216 ،214 ،208‬والطبري‬
‫(‪ )107 - 105 /11‬والمصنف البن أبي شيبة (‪ ،)169 /7‬وشرح أصول االعتقاد (‪- 789‬‬
‫‪.)798‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (‪ )1945 /6‬رقم (‪ ،)10343‬والطبري =‬

‫(‪)2/615‬‬

‫فصل‬
‫ِس‬ ‫ِب‬
‫الدليل الَّر ابع‪ :‬قوله تعالى‪َ{ :‬ك اَّل َبْل َر اَن َعَلى ُقُلو ِه ْم َما َك اُنوا َيْك ُبوَن (‪َ )14‬ك اَّل ِإَّنُه ْم َعْن َر ِّبِه ْم‬
‫َيْو َم ِئٍذ َلَمْحُج وُبوَن (‪[ })15‬المطففين‪.]15 ,14 :‬‬
‫ووجه االستدالل بها‪ :‬أَّنه سبحانه جعل من أعظم عقوبة الكفار كونهم محجوبين عن رؤيته‪،‬‬
‫وسماع كالمه‪ ،‬فلو لم يرُه المؤمنون‪ ،‬ولم يسمعوا كالَمُه كانوا أيًض ا محجوبين عنه‪ ،‬وقد احتج‬
‫بهذه الُح َّج ة الشافعي نفسه وغيره من األئمة‪ ،‬فذكره الطبري وغيره عن المزني قال‪ :‬سمعُت‬
‫الشافعي يقول في قوله عَّز وجَّل‪َ{ :‬ك اَّل ِإَّنُه ْم َعْن َر ِّبِه ْم َيْو َم ِئٍذ َلَمْحُج وُبوَن (‪ })15‬قال‪" :‬فيها‬
‫داللة على أَّن أولياء الَّله يرون رَّبهم يوم القيامة" (‪.)1‬‬
‫وقال الحاكم‪ :‬حدثنا األصم حدثنا الربيع بن سليمان قال‪ :‬حضرت محمد بن إدريس الشافعي‪،‬‬
‫ِئٍذ‬
‫وقد جاءته رقعة من الصعيد فيها‪ :‬ما تقوُل في قول الَّله تبارك وتعالى‪َ{ :‬ك اَّل ِإَّنُه ْم َعْن َر ِّبِه ْم َيْو َم‬
‫َلَمْحُج وُبوَن (‪ })15‬فقال الشافعي‪ :‬لَّم ا أْن َحَج َب هؤالِء في السخط كان في هذا دليٌل على أَّن‬
‫أولياءه يرونه في الِّر ضى‪ .‬قال الربيع‪ :‬فقلت‪ :‬يا أبا عبد الَّله‪ ،‬وبه تقول؟ قال‪ :‬نعِم ‪ ،‬وبه أدين الَّله‪،‬‬
‫لو لم ُيوقن محمد بن إدريس أَّنه يرى الَّله = َلَم ا َعَبَد الَّلَه عَّز وجَّل"‪.‬‬
‫__________‬
‫= (‪ )108 /11‬عن مجاهد‪ .‬وسنده حسن‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه الاللكائي الطبري في شرح أصول االعتقاد برقم (‪.)809‬‬
‫(‪)2/616‬‬

‫ورواه الطبري في "شرح السنة" (‪ )1‬من طريق األصم أيًض ا‪.‬‬


‫وقال أبو زرعة الَّر ازي‪ :‬سمعُت أحمد بن محمد بن الحسين يقول‪ُ :‬س ِئَل محمد بن عبد الَّله بن‬
‫عبد الحكم‪ ،‬هل يرى الخلق كلهم [‪ /131‬أ] ربهم يوم القيامة‪ :‬المؤمنون والكفار؟ فقال محمد‪:‬‬
‫ليس يراُه ِإاَّل المؤمنون‪ .‬قال محمد‪ :‬وسئل الشافعي عن الرؤية فقال‪ :‬يقول الَّله عَّز وجَّل‪َ{ :‬ك اَّل‬
‫ِإَّنُه ْم َعْن َر ِّبِه ْم َيْو َمِئٍذ َلَمْحُج وُبوَن (‪ })15‬ففي هذا دليٌل على أَّن المؤمنين ال ُيْحَج بون عن الَّله عَّز‬
‫وجَّل" (‪.)2‬‬

‫فصل‬
‫والدليل الخامس‪ :‬قوله عَّز وجَّل‪َ{ :‬لُه ْم َم ا َيَش اُءوَن ِفيَه ا َو َلَد ْيَنا َم ِز يٌد (‪[ })35‬ق‪.]35 :‬‬
‫قال الطبرُّي (‪ :)3‬قال علي بن أبي طالب وأنس بن مالك‪ :‬هو النظر إلى وجه الَّله عَّز وجَّل‪ ،‬وقاله‬
‫من التابعين‪ :‬زيد بن وهب وغيره (‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رقم (‪ ،)883‬وأخرجه الواحدي في تفسيره الوسيط (‪.)464 /4‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الاللكائي في شرح أصول االعتقاد رقم (‪.)810‬‬
‫(‪ )3‬سقط من "ج"‪ ،‬ووقع في "أ‪ ،‬د"‪" :‬الطبراني"‪ ،‬وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر شرح أصول االعتقاد (‪ )469 /3‬رقم (‪.)813 ،812 ،811‬‬

‫(‪)2/617‬‬

‫فصل‬
‫الدليل السادس‪ :‬قوله عَّز وجَّل‪{ :‬اَل ُتْد ِر ُك ُه اَأْلْبَص اُر َو ُه َو ُيْد ِر ُك اَأْلْبَص اَر } [األنعام‪.]103 :‬‬
‫واالستدالل بهذا عجب (‪ ،)1‬فإَّنه من أدلة النفاة‪ ،‬وقد قَّر ر شيخنا وجه االستدالل به أحسن تقرير‬
‫وألطفه‪ ،‬وقال لي‪ :‬أنا ألتزُم أَّنُه ال يحتج مبطٌل بآية أو حديٍث صحيح على باطله؛ ِإاَّل وفي ذلك‬
‫الدليِل ما يدُّل على نقض قوله‪ ،‬فمنها هذه اآلية وهي على جواز الرؤية أدَّل منها على امتناعها‪،‬‬
‫فإَّن الَّلَه سبحانه إَّنما ذكرها في سياق التمُّدح‪ ،‬ومعلوٌم أَّن المدَح إَّنما يكوُن باألوصاف الثبوتية‪،‬‬
‫وأَّما العدُم المحض فليس بكمال‪ ،‬فال يمدح به‪ ،‬وإَّنما ُيْم دح الرُّب تعالى بالَعَد ِم إذا تضمن أمًر ا‬
‫وجودًّيا‪:‬‬
‫كمدحه بنفي الِّس َنة والنوم المتضمن كمال الَقُّيومية‪.‬‬
‫ونفي الموت المتضمن كمال الحياة‪.‬‬
‫ونفي اُّللغوب واإلعياء المتضمن كمال القدرة‪.‬‬
‫ونفي الشريك والصاحبة والولِد والظهير المتضمن كمال ربوبيته وإلهيته وقهره‪.‬‬
‫ونفي األكِل والشرِب المتضمن لكمال َص َم ِد َّيِتِه وِغ َناُه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "هـ"‪" :‬أعجب"‪.‬‬

‫(‪)2/618‬‬

‫ونفي الشفاعة عنده بدون إذنه المتضمن كمال توحيده وغناُه عن خلقه‪.‬‬
‫ونفي الظلِم المتضمن كمال عدلِه وعلمه وغناه‪.‬‬
‫ونفي النسيان وعزوب شيٍء عن علمه المتضمن كمال علمه وإحاطته‪.‬‬
‫ونفي المثل المتضمن لكمال ذاته وصفاته‪.‬‬
‫ولهذا لم يتمَّدح بَعَد ٍم مْح ٍض ال يتضمن أمًر ا ثبوتًّيا‪ ،‬فإَّن المعدوم يشارك الموصوف في ذلك‬
‫العدٍم ‪ ،‬وال يوصف الكامل بأمٍر يشترك هو والمعدوم فيه؛ فلو كان المراد بقوله‪{ :‬اَل ُتْد ِر ُك ُه‬
‫اَألْبَص اُر } [األنعام‪ ]103 :‬أَّنُه ال ُيَر ى بحاٍل ‪ ،‬لم يكن في ذلك َمْد ٌح وال كمال‪ ،‬لمشاركة‬
‫المعدوم له في ذلك‪ ،‬فإَّن الَعَد َم الِّص ْر ف ال ُيَر ى وال تدركه األبصاُر ‪ ،‬والَّر ُّب جَّل جالله يتعالى أْن‬
‫ُيْم َد َح بما يشاركه فيه العدُم المحض‪.‬‬
‫ِم‬
‫فإًذا‪ ،‬المعنى أَّنه يرى وال ُيدرك‪ ،‬وال يحاُط به كما كان المعنى في قوله‪َ{ :‬و َما َيْع ُزُب َعْن َر ِّبَك ْن‬
‫ِم ْثَق اِل َذَّر ٍة} [يونس‪ ،]61 :‬أَّنه يعلُم كَّل شيء‪.‬‬
‫وفي قوله‪َ{ :‬و َم ا َمَّس َنا ِم ْن ُلُغوٍب } [ق‪ ،]38 :‬أَّنه كامل القدرة‪.‬‬
‫وفي قوله‪َ{ :‬و اَل َيْظِلُم َر ُّبَك َأَح ًد ا} [الكهف‪ ،]49 :‬أَّنه كامل العدل‪.‬‬
‫وفي قوله‪{ :‬اَل َتْأُخ ُذ ه ِس َنٌة َو اَل َنْو ٌم} [البقرة‪ ،]255 :‬أَّنُه كامل القيوِم َّية‪.‬‬
‫(‪)2/619‬‬

‫فقوله تعالى‪{ :‬اَل ُتْد ِر ُك ُه اَأْلْبَص اُر } يدُّل على غايِة عظمته‪ ،‬وَأَّنه أكبُر من كِّل شيٍء ‪ ،‬وأَّنه لعظمته ال‬
‫ُيْد َر ك بحيث ُيَح اُط به‪ ،‬فإَّن اإلدراك هو‪ :‬اإلحاطة بالشيء‪ ،‬وهو قدٌر زائٌد على الرؤية‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى‪َ{ :‬فَلَّم ا َتَر اَءى اْلَجْمَعاِن َقاَل َأْص َح اُب ُموَس ى ِإَّنا َلُم ْد َر ُك وَن (‪َ )61‬قاَل َك اَّل } [الشعراء‪،61 :‬‬
‫‪ ]62‬فلم ينِف موسى الرؤية‪ ،‬ولم يريدوا بقولهم‪ِ{ :‬إَّنا َلُم ْد َر ُك وَن } إَّنا لمْر ِئُّيون؛ فإَّن موسى ‪-‬‬
‫صلوات الَّله وسالمه عليه ‪ -‬نفى إدراكهم إَّياهم بقوله‪َ{ :‬ك اَّل } وأخبر الَّله سبحانه أَّنه ال يخاف‬
‫دركهم بقوله‪َ{ :‬و َلَق ْد َأْو َح ْيَنا ِإَلى ُموَس ى َأْن َأْس ِر ِبِعَباِد ي َفاْض ِرْب َلُه ْم َطِر يًق ا ِفي اْلَبْح ِر َيَبًس ا اَل‬
‫َتَخ اُف َدَر ًك ا َو اَل َتْخَش ى (‪[ } )77‬طه‪ .]77 :‬فالرؤية واإلدراك كٌّل منهما يوجد مع اآلخر‬
‫وبدونه‪ ،‬فالرُّب تعالى ُيرى وال ُيْد َر ُك ‪ ،‬كما يعلُم وال يحاط به‪ ،‬وهذا هو اَّلذي فهمته الصحابة‬
‫واألئمة من اآلية‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪-‬رضي الَّله عنهما‪{ :-‬اَل ُتْد ِر ُك ُه اَألْبَص اُر } [األنعام‪ ]103 :‬ال ُتِح يُط به األبصار" (‬
‫‪. )1‬‬
‫وقال قتادة‪" :‬هو أعظُم من أْن تدركه األبصار" (‪. )2‬‬
‫وقال عطية‪" :‬ينظرون إلى الَّلِه وال تحيط أبصارهم به من عظمته‪ ،‬وبصره يحيط بهم‪ ،‬فذلك قوله‬
‫تعالى‪{ :‬اَل ُتْد ِر ُك ُه اَأْلْبَص اُر َو ُه َو ُيْد ِر ُك اَأْلْبَص اَر } " (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ )299 /7‬بلفظ‪" :‬ال يحيط بصر أحد بالملك"‪.‬‬
‫وسنده ضعيف جًد ا‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبري (‪ )299 /7‬وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ .)192 /29‬وعطية هو العوفي‪.‬‬

‫(‪)2/620‬‬

‫فالمؤمنون يرون ربهم ‪-‬تبارك وتعالى‪ -‬بأبصارهم عياًنا‪ ،‬وال تدركه أبصارهم‪ ،‬بمعنى أنها ال تحيط‬
‫به‪ ،‬إذ كان غير جائز أن يوصف الَّله عز وجل بأن شيًئا يحيط به‪ ،‬وهو بكل شيء محيط‪ ،‬وهكذا‬
‫ُيْس ِم ُع كالمه من شاء من خلقه‪ ،‬وال يحيطون بكالمه‪ ،‬وهكذا ُيعَّلم الخلق ما علمهم‪ ،‬وال يحيطون‬
‫بعلمه‪.‬‬
‫ونظير هذا استداللهم على نفي الصفات بقوله تعالى‪َ{ :‬لْيَس َك ِم ْثِلِه َش ْي ٌء} [الشورى‪ ،]11 :‬وهذا‬
‫من أعظم األدلة على كثرة صفات كماله ونعوت جالله‪ ،‬وأنها لكثرتها وعظمتها وسعتها لم يكن‬
‫له ِم ْثٌل فيها‪ ،‬وإال فلو أريد بها نفي الصفات لكان العدم المحض أولى بهذا المدح منه‪ ،‬مع أن‬
‫جميع العقالء إنما يفهمون من قول القائل‪ :‬فالن ال ِم ْثَل له وليس له نظير‪ ،‬وال شبيه وال مثل = أَّنه‬
‫قد َتَم َّيز عن الناس بأوصاٍف ونعوت ال يشاركونه فيها‪ ،‬وكلما كثرت أوصافه ونعوته فات أمثاله‪،‬‬
‫وبعد عن مشابهة أضرابه‪ ،‬فقوله تعالى‪َ{ :‬لْيَس َك ِم ْثِلِه َش ْي ٌء} من أدِّل شيٍء على كثرة نعوته‬
‫وصفاته‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬اَل ُتْد ِر ُك ُه اَألْبَص اُر } [األنعام‪ ]103 :‬من أدِّل شيٍء على َأَّنُه ُيرى وال ُيدرك‪.‬‬
‫ِل‬ ‫ِف ِس ِة‬ ‫ِت‬ ‫ِذ‬
‫وقوله تعالى‪ُ{ :‬ه َو اَّل ي َخ َلَق الَّس َم اَو ا َو اَأْلْرَض ي َّت َأَّياٍم ُثَّم اْس َتَو ى َعَلى اْلَعْر ِش َيْع َلُم َما َي ُج‬
‫ِفي اَأْلْر ِض َو َما َيْخ ُرُج ِم ْنَه ا َو َما َيْنِز ُل ِم َن الَّس َم اِء َو َما َيْع ُرُج ِفيَه ا َو ُه َو َمَعُك ْم َأْيَن َما ُك ْنُتْم َو الَّلُه ِبَم ا‬
‫َتْع َم ُلوَن َبِص يٌر (‪[ })4‬الحديد‪ ،]4 :‬من أدِّل شيٍء على مباينة الَّر ِّب لخلقه؛ فإنه لم يخلقهم في‬
‫ذاته بل‬

‫(‪)2/621‬‬

‫خلقهم (‪ )1‬خارًج ا عن ذاته‪ ،‬ثم بان عنهم باستوائه على عرشه‪ ،‬وهو يعلم ما هم عليه‪ ،‬ويراهم‬
‫وينفذهم بصره‪ ،‬ويحيط بهم ِع ْلًم ا وقدرة وإرادة وسمًعا وبصًر ا‪ ،‬فهذا معنى كونه سبحانه معهم‬
‫أينما كانوا‪.‬‬
‫وتأَّمل ُح سن هذه المقابلة لفًظا ومعًنى بين قوله‪{ :‬اَل ُتْد ِر ُك ُه اَأْلْبَص اُر َو ُه َو ُيْد ِر ُك اَأْلْبَص اَر } [األنعام‪:‬‬
‫‪ .]103‬فإنه سبحانه لعظمته يتعالى أن تدركه األبصار وتحيط به‪ ،‬وِلُلْطِف ه وخبرته ُيْد رك األبصار‬
‫فال تخفى عليه‪ ،‬فهو العظيم في ُلْطِف ه‪ ،‬اللطيف في عظمته‪ ،‬العالي في قربه‪ ،‬القريب في علِّو ه‪،‬‬
‫اَّلذي {َلْيَس َك ِم ْثِلِه َش ْي ٌء َو ُه َو الَّس ِم يُع اْلَبِص يُر } [الشورى‪{ ،]11 :‬اَل ُتْد ِر ُك ُه اَأْلْبَص اُر َو ُه َو ُيْد ِر ُك‬
‫اَأْلْبَص اَر َو ُه َو الَّلِط يُف اْلَخ ِبيُر (‪[ })103‬األنعام‪.]103 :‬‬

‫فصل‬
‫الدليل السابع‪ :‬قوله عز وجل‪ُ{ :‬وُج وٌه َيْو َم ِئٍذ َناِض َر ٌة (‪ِ )22‬إَلى َر ِّبَه ا َناِظ َر ٌة (‪[ })23‬القيامة‪22 :‬‬
‫‪ ،]23 -‬وأنت إذا َأَجْر َت هذه اآلية من تحريفها عن مواضعها والكذب على المتكلم بها سبحانه‬
‫فيما أراد منها = وجدتها منادية نداء صريًح ا‪ :‬أَّن الَّله سبحانه ُيرى عياًنا باألبصار يوم القيامة‪ ،‬وإن‬
‫أبيت إال تحريفها الذي يسميه الُم حِّر ُفون تأوياًل ‪ ،‬فتأويل نصوص المعاد والجنة والنار والميزان‬
‫والحساب أسهل على أربابه من تأويلها‪ ،‬وتأويل كل نًّص تضمنه القرآن والسنة كذلك‪ ،‬وال يشاء‬
‫ُمْبِط ٌل على وجه األرض أن يتأول النصوص ويحرفها عن مواضعها إال وَج َد إلى ذلك من السبيل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من "أ" فقط‪.‬‬

‫(‪)2/622‬‬

‫ما وجده متأول مثل هذه النصوص‪ ،‬وهذا الذي أفسد الدين والدنيا‪.‬‬
‫وإضافة النظر إلى الوجه الذي هو محّله في هذه اآلية‪ ،‬وَتْع ِد يته بأداة "إلى" الصريحة في نظر‬
‫العين‪ ،‬وإخالء الكالم من قرينة تدل على أن المراد بالنظر المضاف إلى الوجه الُم َعَّدى بـ "إلى"‬
‫خالف حقيقته‪ ،‬وموضوعه = صريح في أن الَّله سبحانه أراد بذلك نظر العين التي في الوجه إلى‬
‫نفس الرب جل جالله‪ ،‬فإن النظر له ِع َّدة استعماالت بحسب ِص الته وَتَعِّديه بنفسه‪:‬‬
‫فإن ُعِّد َي بنفسه فمعناه‪ :‬التوقف واالنتظار‪ ،‬كقوله تعالى‪{ :‬اْنُظُر وَنا َنْق َتِبْس ِم ْن ُنوِر ُك ْم } [الحديد‪:‬‬
‫‪.]13‬‬
‫وإن ُعَّد بـ "في" فمعناه‪ :‬التفكر واالعتبار‪ ،‬كقوله تعالى‪َ{ :‬أ َل ْنُظ وا ِفي َلُك وِت الَّس ا اِت‬
‫َم َو‬ ‫َم‬ ‫َو ْم َي ُر‬ ‫َي‬
‫َو اَأْلْر ِض } [األعراف‪.]185 :‬‬
‫وإن ُعِّد َي بـ "إلى" فمعناه‪ :‬المعاينة باألبصار كقوله تعالى‪{ :‬اْنُظُر وا ِإَلى َثَم ِر ِه ِإَذا َأْثَمَر } [األنعام‪:‬‬
‫‪ ،]99‬فكيف إذا ُأضيف إلى الوجه الذي هو محل البصر؟‬
‫قال يزيد بن هارون‪ :‬أنبأنا مبارك‪ ،‬عن الحسن‪" :‬نظرت إلى ربها تبارك وتعالى فَنِض رت بنوره" (‪)1‬‬
‫‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه عبد الَّله بن أحمد في السنة رقم (‪ ،)479‬والطبري في تفسيره (‪)192 /29‬‬
‫واآلجري في الشريعة رقم (‪ )585‬والدارقطني في الرؤية رقم (‪ ،)217‬وغيرهم‪.‬‬
‫وسنده حسن‪.‬‬

‫(‪)2/623‬‬

‫فاسمع اآلن أيها الُّس ِّني تفسير الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬وأصحابه والتابعين وأئمة اإلسالم‬
‫لهذه اآلية‪.‬‬
‫قال ابن مردويه في "تفسيره"‪ :‬حدثنا إبراهيم بن محمد‪ ،‬حدثنا صالح بن أحمد‪ ،‬حدثنا يزيد بن‬
‫الهيثم‪ ،‬حدثنا محمد بن الصباح‪ ،‬حدثنا مصعب بن المقدام‪ ،‬حدثنا سفيان‪ ،‬عن ثوير بن أبي فاختة‪،‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن عبد الَّله بن عمر ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪-‬‬
‫في قوله تعالى‪ُ{ :‬وُج وٌه َيْو َم ِئٍذ َناِض َر ٌة (‪ } )22‬قال‪" :‬من البهاء والحسن {ِإَلى َر ِّبَه ا َناِظ َر ٌة (‪} )23‬‬
‫[القيامة‪ .]23 :‬قال‪ :‬في وجه الَّله عز وجل" (‪. )1‬‬
‫وقال أبو صالح‪ :‬عن ابن عباس {ِإَلى َر ِّبَه ا َناِظ َر ٌة (‪ } )23‬قال‪" :‬تنظر إلى وجه ربها" (‪. )2‬‬
‫وقال عكرمة‪ُ{ :‬وُج وٌه َيْو َم ِئٍذ َناِض َر ٌة (‪ } )22‬قال‪" :‬من النعيم"‪ِ{ ،‬إَلى َر ِّبَه ا َناِظ َر ٌة (‪)3( } )23‬‬
‫قال‪" :‬تنظر إلى ربها نظًر ا"‪ ،‬ثم حكى عن ابن عباس مثله" (‪. )4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنده ضعيف‪ .‬وعلته ضعف ثوير‪.‬‬
‫وتقدم أصل هذا الحديث في ص (‪ .)324 - 323‬وهو ال يثبت مرفوًعا‪.‬‬
‫(‪ )2‬لم أقف عليه من طريق أبي صالح‪.‬‬
‫وقد توبع أبو صالح‪ ،‬فرواه عبد الصمد عن أبيه‪ ،‬وعكرمة كالهما عن ابن عباس نحوه‪.‬‬
‫أخرجه اآلجري في الشريعة رقم (‪ ،)588‬والاللكائي رقم (‪.)799‬‬
‫(‪ )3‬من قوله "قال عكرمة" إلى "ناظرة" سقط من "ج"‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه اآلجري في الشريعة رقم (‪ ،)588‬والاللكائي رقم (‪ :)804‬عن ابن =‬

‫(‪)2/624‬‬
‫وهذا قول كل مفسر من أهل السنة والحديث‪.‬‬

‫فصل‬
‫وأما األحاديث عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬وأصحابه الدالة على الرؤية فمتواترة‪ ،‬رواها‬
‫عنه أبو بكر الصديق وأبو هريرة (‪ ،)1‬وأبو سعيد الخدري‪ ،‬وجرير ابن عبد الَّله البجلي‪ ،‬وصهيب‬
‫بن سنان الرومي‪ ،‬وعبد الَّله بن مسعود الهذلي‪ ،‬وعلي بن أبي طالب‪ ،‬وأبو موسى األشعري‪،‬‬
‫وعدي بن حاتم الطائي‪ ،‬وأنس بن مالك األنصاري‪ ،‬وبريدة بن الحصيب األسلمي‪ ،‬وأبو رزين‬
‫العقيلي‪ ،‬وجابر بن عبد الَّله األنصاري‪ ،‬وأبو أمامة الباهلي‪ ،‬وزيد بن ثابت‪ ،‬وعمار بن ياسر‪،‬‬
‫وعائشة أم المؤمنين‪ ،‬وعبد الَّله بن عمر‪ ،‬وُعَم ارة بن ُرَو ْيبة‪ ،‬وسلمان الفارسي‪ ،‬وحذيفة بن اليمان‪،‬‬
‫وعبد الَّله بن عباس‪ ،‬وعبد الَّله بن عمرو بن العاص ‪-‬وحديثه موقوف‪ -‬وُأبي بن كعب‪ ،‬وكعب‬
‫بن ُعْج رة‪ ،‬وَفَض الة بن ُعبيد ‪-‬وحديثه موقوف‪ ،-‬ورجل من أصحاب الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪ -‬غير ُمسَّم ى‪.‬‬
‫فهاك سياق أحاديثهم من الصحاح والمسانيد والسنن‪ ،‬وَتَلَّق ها بالقبول والتسليم وانشراح الصدر‪،‬‬
‫ال بالتحريف والتبديل وضيق العطن‪ ،‬وال ُتكِّذ ب بها؛ فمن َك َّذ َب بها لم يكن إلى وجه ربه من‬
‫__________‬
‫= عباس‪ ،‬وسنده ضعيف‪ ,‬فيه إبراهيم بن الحكم بن أبان العدني ضعيف‪ .‬لكنه ثابت عن عكرمة‬
‫بالشطر األول‪.‬‬
‫أخرجه عبد الَّله بن أحمد في السنة رقم (‪ ،)481‬واآلجري (‪ )587 ،586‬والاللكائي (‪)803‬‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫(‪ )1‬ليس في "أ‪ ،‬هـ"‪" :‬وأبو هريرة"‪.‬‬

‫(‪)2/625‬‬

‫الناظرين‪ ،‬وكان عنه يوم القيامة من المحجوبين‪.‬‬

‫فصل‬
‫فأما حديث أبي بكر الصديق‪ :‬فقال اإلمام أحمد‪ :‬حدثنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثني النضر بن ُش َم يل المازني قال‪ :‬حدثني أبو َنَعامة قال‪ :‬حدثني أبو ُهَنيدة البراء بن نوفل عن‬
‫واالن العدوي عن حذيفة عن أبي بكر الصديق ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪" :‬أصبح رسول الَّله ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪ -‬ذات يوم فصلى الغداة ثم جلس‪ ،‬حتى إذا كان من الضحى ضحك رسول الَّله‬
‫‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬ثم جلس مكانه حَّتى صَّلى اُألولى والعصر والمغرب‪ ،‬كل ذلك ال‬
‫يتكلم حتى صلى العشاء اآلخرة‪ ،‬ثم قام إلى أهله‪ ،‬فقال الناس ألبي بكر‪ :‬أال تسأل رسول الَّله ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬ما شأنه؟ صنع اليوم شيًئا لم يصنعه قط‪ ،‬قال‪ :‬فسأله‪ ،‬فقال‪" :‬نعم‪ ،‬عرض‬
‫علَّي ما هو كائٌن من أمر الدنيا وأمر اآلخرة‪ ،‬فجمع األولون واآلخرون في صعيد واحد‪َ ،‬فَف ِظ ع (‬
‫‪ )1‬الناس بذلك حتى انطلقوا إلى آدم ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬والعرق يكاد يلجمهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا‬
‫آدم أنت أبو البشر‪ ،‬وأنت اصطفاك الَّله عز وجل‪ ،‬اشفع لنا إلى ربك‪ ،‬قال‪ :‬لقد لقيت مثل الذي‬
‫لقيتم‪ ،‬انطلقوا إلى أبيكم بعد أبيكم؛ إلى نوح‪ِ{ :‬إَّن الَّلَه اْص َطَف ى آَدَم َو ُنوًح ا َو آَل ِإْبَر اِه يَم َو آَل‬
‫ِع ْم َر اَن َعَلى اْلَعاَلِم يَن (‪[ })33‬آل عمران‪ ]33 :‬قال‪ :‬فينطلقون إلى نوح ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪ ،-‬فيقولون‪ :‬اشفع لنا إلى ربك‪ ،‬فأنت اصطفاك الَّله واستجاب لك في دعائك‪ ،‬ولم َيَدْع‬
‫على األرض من الكافرين دياًر ا‪ ،‬فيقول‪ :‬ليس ذلكم عندي‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬فقطع"‪.‬‬

‫(‪)2/626‬‬

‫انطلقوا إلى إبراهيم ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬فإن الَّله اتخذه خلياًل ‪ ،‬فينطلقون إلى إبراهيم‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬ليس ذاكم عندي‪ ،‬انطلقوا إلى موسى ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪-‬؛ فإن الَّله عز وجل كلمه‬
‫تكليًم ا‪ ،‬فيقول موسى ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ :-‬ليس ذلك عندي‪ ،‬ولكن انطلقوا إلى عيسى بن‬
‫مريم ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬فإَّنه كان ُيْبرُئ األكمه واألبرص ويحيى الموتى‪ ،‬فيقول عيسى‪:‬‬
‫ليس ذاكم عندي‪ ،‬انطلقوا إلى سيد ولِد آدم (‪ ، )1‬إلى محمد ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬فليشفع‬
‫لكم إلى رَّبُك م عَّز وجَّل‪ ،‬قال‪ :‬فينطلُق فيأتي جبريل ربه تبارك وتعالى فيقول الَّله عَّز وجَّل‪ :‬ائذن‬
‫له وبِّش رُه بالجَّنة‪ ،‬فينطلُق به جبريل ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬فيخر ساجًد ا قدَر ُجُم عة‪ ،‬ويقوُل الَّله‬
‫عَّز وجَّل‪ :‬ارفع رأَس ك‪ ،‬وُقْل ُيسمع‪ ،‬واْش فع ُتَش َّف ع‪ ،‬قال‪ :‬فيرفع رأسه فإذ انظر إلى وجه رِّبه خَّر‬
‫ساجًد ا قْد ر ُجُم عٍة أخرى‪ ،‬فيقول الَّله عَّز وجَّل‪ :‬ارفع رأسك وقل ُيسمع‪ ،‬واشفع ُتشَّف ع‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فيذهب ليقع ساجًد ا فيأخذ جبريل ِبَض ْبَعيه فيفتح الَّله َعَّز َو َج َّل عليه من الدعاء شيًئا لم يفتحه على‬
‫بشٍر قط‪ ،‬فيقول‪ :‬أي رب خلقتني سيد ولد آدم وال فخر‪ ،‬وأول من تنشق األرض (‪ )2‬عنه يوم‬
‫القيامة وال فخر‪ ،‬حَّتى إَّنه ليرد على الحوض أكثر مما بين صنعاء وأيلة‪ ،‬ثم يقال‪ :‬ادعوا الصديقين‬
‫فيشفعون‪ ،‬ثم يقال‪ :‬ادعوا األنبياء‪ ،‬قال‪ :‬فيجيء الَّنبي ومعُه الِعَص ابة‪ ،‬والَّنبي ومعه الخمسة‬
‫والستة‪ ،‬والَّنبي وليس معه أحد‪ ،‬ثَّم يقال‪ :‬ادعوا الشهداء فيشفعون لمن أرادوا‪ ،‬قال‪ :‬فإذا فعلِت‬
‫الشهداء ذلك‪ ،‬قال‪ :‬يقول الَّله عَّز وجَّل‪ :‬أنا أرحُم الَّر احمين اْد ِخ لوا جَّنتي من كان ال يشرك بي‬
‫شيًئا‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬جاء في المسند بعد "آدم" "فإنه أول من تنشق األرض عنه يوم القيامة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬من المسند و"ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪.‬‬

‫(‪)2/627‬‬

‫قال‪ :‬فيدخلون الجَّنة‪ ،‬قال‪ :‬ثَّم يقول الَّلُه عَّز وجَّل‪ :‬انظروا في الَّناِر هل تلقوَن من أحٍد عمل خيًر ا‬
‫قُّط ؟ قال‪ :‬فيجدون في الَّناِر رجاًل ‪ ،‬فيقول له‪ :‬هل عملت خيًر ا قُّط ؟ فيقول‪ :‬ال‪ ،‬غير أِّني ُك ْنُت‬
‫أسامح الناس في البيع‪ ،‬فيقول الَّلُه عَّز وجَّل‪ :‬اْس مُح وا لعبدي كإسماحه إلى عبيدي‪ ،‬ثَّم ُيْخ ِر ُج ون‬
‫من الَّناِر رجاًل ُيقول له‪ :‬هل عملت خيًر ا قط؟ فيقول‪ :‬ال‪ ،‬غير أِّني قد أمرت ولدي إذا مُّت ‪،‬‬
‫فأحرقوني بالَّناِر ثَّم اطحنوني حَّتى إذا ُك ْنُت مثل الُك حل فاذهبوا بي إلى البحِر فأِذ ُّر وني في الِّر يح‪،‬‬
‫فوالَّلِه ال يقدُر علَّي رُّب العالمين أبًد ا‪ ،‬فقال الَّلُه عَّز وجَّل له‪ِ :‬لَم فعلَت ذلك؟ قال‪ :‬من مخافتك‪،‬‬
‫قال‪ :‬فيقوُل الَّلُه عَّز وجَّل‪ :‬انظر إلى ُمْلِك أعظِم َم ِلٍك ‪ ،‬فإَّن لك مثَلُه وعشرَة أمثالِه‪ ،‬قال‪ :‬فيقول‪:‬‬
‫أتسخر بي وأنت الملك‪ ،‬قال‪ :‬وذلك اَّلذي ضحكُت منه من الُّضحى" (‪. )1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في مسنده (‪ ،)5 - 4 /1‬وابن حبان في صحيحه (‪ /14‬رقم ‪ ،)6476‬وأبو‬
‫عوانه في صحيحه رقم (‪ )443‬وابن أبي عاصم في السنة (‪ )815‬والبزار في مسنده رقم (‪)76‬‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫‪ -‬ورواه الجريري عن أبي هنيدة عن حذيفة مرفوًعا (لم يذكر واالن وأبا بكر)‪.‬‬
‫ذكره الدارقطني في علله (‪.)190 /1‬‬
‫قال الدارقطني‪" :‬والحديث غير ثابت"‪.‬‬
‫وقال ابن خزيمة‪" :‬إن صح الحديث"‪ ،‬كما في التوحيد (‪.)734 /2‬‬
‫وقال ابن حبان‪" :‬أخبرنا عبد الَّله بن محمد األزدي بخبر غريب‪ " . . .‬ثم ساقه‪ ،‬قلت‪ :‬ولعل‬
‫مراده التفرد‪.‬‬
‫والحديث صححه ابن حبان وأبو عوانة وغيرهما‪.‬‬
‫وقال البزار‪ . . ." :‬رواه جماعة من جَّلة أهل العلم بالنقل واحتملوه"‪.‬‬

‫(‪)2/628‬‬

‫فصل‬
‫وأَّما حديُث أبي هريرة وأبي سعيد‪ :‬ففي "الصحيحين" (‪ )1‬عن أبي هريرة أَّن ُأناًس ا قالوا‪ :‬يا رسول‬
‫الَّلِه هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬هل تضاُّر ون في رؤية‬
‫القمِر ليلَة البدِر ؟ قالوا‪ :‬ال يا رسول الَّله‪ ،‬قال‪ :‬هل تضاُّر ون في رؤية (‪ )2‬الشمس ليس دونها‬
‫سحاب؟ قالوا‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فإَّنكم ترونه كذلك‪ ،‬يجمُع الَّلُه الَّناس يوم القيامة فيقول‪ :‬من كان يعبد‬
‫شيًئا فليتبعه‪ ،‬فيَّتبع من كان يعبد الشمَس الشمَس ‪ ،‬ويتبع من كان يعبد القمَر الَق َمَر ‪ ،‬ويتبع من كان‬
‫يعبد الطواغيت الطواغيت‪ ،‬وتبقى هذه األمة فيها منافقوها‪ ،‬فيأتيهم الَّل تبارك وتعالى في صورٍة‬
‫ُه‬
‫غير صورته التي يعرفون‪ ،‬فيقول‪ :‬أنا ربكم‪ ،‬فيقولون‪ :‬نعوذ بالَّله منك‪ ،‬هذا مكاننا حَّتى يأتينا ربنا‪،‬‬
‫فإذا جاء ربنا عرفناه‪ ،‬فيأتيهم الَّله عَّز وجَّل في صورته التي يعرفون‪ ،‬فيقول‪ :‬أنا ربكم‪ ،‬فيقولون‪:‬‬
‫أنت ربنا فيتبعونه‪ ،‬ويضرب الصراط بين َظْه َر اَني جهَّنم‪ ،‬فأكون أنا وأمتي َأَّو َل من ُيِج ْيُز ‪ ،‬وال‬
‫يتكَّلم يومئٍذ إاَّل الرسل‪ ،‬ودعوى الُّر سل يومئٍذ ‪ :‬اللهم سِّلم ِّلم‪ ،‬وفي جهَّنم كاللي مثل شوِك‬
‫ُب‬ ‫َس‬
‫الَّس ْع دان‪ ،‬هل رأيتم السعدان؟ قالوا‪ :‬نعم يا رسول الَّله‪ ،‬قال‪ :‬فإَّنها مثل شوك السعدان غير أَّنه ال‬
‫يعلُم قدر ِع َظمها ِإاَّل الَّلُه عَّز وجَّل‪ ،‬تخطف الَّناس بأعمالهم‪ ،‬فمنهم الُمْو َبق بعمله‪ ،‬ومنهم الُم جازى‬
‫حتى ينجو‪ ،‬حَّتى إذا فرغ الَّله من القضاء بين العباد‪ ،‬وأراد أْن ُيخرَج برحمته من أراد من أهل‬
‫الَّناِر ‪ ،‬أمَر المالئكة أن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري رقم (‪ 773‬و ‪ 6204‬و ‪ ،)700‬ومسلم رقم (‪.)182‬‬
‫(‪ )2‬من "ب‪ ،‬هـ"‪.‬‬
‫(‪)2/629‬‬

‫يخرجوا من الَّناِر من كان ال يشرك بالَّله شيًئا مَّم ن أراد الَّله أْن يرحمه مَّم ن يقول‪ :‬ال إله ِإاَّل الَّلُه‪،‬‬
‫فيعرفونهم بأثر السجود‪ ،‬تأكل الَّناُر من ابن آدم ِإاَّل أثَر السجود‪ ،‬حَّر م الَّلُه على الَّناِر أْن تأكل أثر‬
‫السجود‪ ،‬فيخرجون من الَّناِر قد اْمُتِح ُش وا فيصب عليهم ماء الحياة‪ ،‬فينبتون منه كما تنبت الحَّبة‬
‫في َح ميل السيل‪ ،‬ثَّم يفرغ الَّلُه من القضاء بين العباد‪ ،‬ويبقى رجٌل مقبل بوجهه على الَّناِر ‪ -‬وهو‬
‫آخر أهل الجَّنة دخواًل الجَّنة ‪ -‬فيقول‪ :‬أي رِّب أصرف وجهي عن الَّناِر ‪ ،‬فإَّنه قد َقَش بني ريُح ها‬
‫وأحرقني ذكاؤها‪ ،‬فيدعو الَّله ما شاء أْن يدعوُه‪ ،‬ثَّم يقول الَّله تبارك وتعالى‪ :‬هل عسيت إْن فعلت‬
‫ذلك أن تسأل غيره؟ فيقول‪ :‬ال أسألك غيره‪ ،‬فُيعِط ي ربه من عهود ومواثيق ما شاء‪ ،‬فيصرف الَّله‬
‫وجهه عن الَّنار‪ ،‬فإذا أقبَل على الجَّنة‪ ،‬ورآها سكت ما شاء الَّله أن يسكت‪ ،‬ثَّم يقول‪َ :‬أي رِّب‬
‫قِّدمني إلى باب الجَّنة‪ ،‬فيقول الَّلُه‪ :‬أليس قد أعطيَت عهودك ومواثيقك ال تسألني غير اَّلذي‬
‫أعطيتك؟ ويلك يا ابن آدم ما أغدرك! فيقول أي رب فيدعو الَّله حَّتى يقول له‪ :‬فهل عسيت إْن‬
‫أعطيتك ذلك أْن تسأل غيره؟ فيقول‪ :‬ال وِع َّز تك‪ ،‬فُيعطي رَّبه ما شاء الَّله من عهوٍد ومواثيق‬
‫فيقدمه إلى باب الجَّنة‪ ،‬فإذا قاَم على باب الجَّنة انفهقت له الجَّنة فرأى ما فيها من الخيِر‬
‫والسرور‪ ،‬فسكَت ما شاء الَّلُه أْن يسكت‪ ،‬ثَّم يقول أي رِّب أدخلني الجَّنة‪ ،‬فيقول الَّله تبارك‬
‫وتعالى له‪ :‬أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك أْن ال تسأل غير ما ُأعِط يت؟ ويلك يا ابن آدم ما‬
‫أغدرك! فيقول‪ :‬أي رِّب ‪ ،‬ال أكون أشقى خلقك‪ ،‬فال يزال يدعو حَّتى يضحك الَّله منه‪ ،‬فإذا‬
‫ضحك الَّله منه قال‪ :‬أدخل الجَّنة‪ ،‬فإذا دخلها قال الَّله له‪َ :‬تَم َّنْه‪ ،‬فيسأل ربه ويتمَّنى حَّتى أَّن الَّلَه‬
‫َلُيَذ َّك ره فيقول‪:‬‬

‫(‪)2/630‬‬

‫من كذا وكذا‪ ،‬حَّتى إذا انقطعت به األمانُّي ‪ ،‬قال الَّلُه عَّز وجَّل‪ :‬لك ذلك ومثله معه"‪.‬‬
‫قال عطاء بن يزيد‪ :‬وأبو سعيد الخدري مع أبي هريرة ال يرد عليه من حديثه شيًئا حَّتى إذا حَّدث‬
‫أبو هريرة‪ :‬إَّن الَّله عَّز وجَّل قال لذلك الرجل "ومثله معه" قال أبو سعيد‪ :‬وعشرة أمثاله معه يا أبا‬
‫هريرة‪ ،‬قال أبو هريرة‪ :‬ما حفظت ِإاَّل قوله‪" :‬ذلك لك ومثله معه" قال أبو سعيد‪ :‬أشهُد أِّني‬
‫حفظت من رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قوله‪" :‬ذلك لك وعشرة أمثاله" قال أبو هريرة‪:‬‬
‫وذلك الرجل آخر أهل الجَّنة دخواًل الجَّنة‪.‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪ )1‬أيًض ا َعن أبي سعيد الخدري ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬أَّن ناًس ا في زمن رسول‬
‫الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قالوا‪ :‬يا رسول الَّله‪ ،‬هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الَّله ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪ :-‬نعم‪ ،‬هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحًو ا ليس معها سحاب؟‬
‫وهل تضارون في رؤية القمِر ليلة البدِر صحًو ا ليس فيها سحاب؟ قالوا‪ :‬ال يا رسول الَّله؟ قال‪ :‬ما‬
‫تضارون في رؤية الَّله تبارك وتعالى يوم القيامة؛ ِإاَّل كما تضارون في رؤية أحدهما‪ ،‬إذا كان يوم‬
‫القيامة أَّذَن مؤَّذٌن ‪ ،‬لتتبع كُّل ُأَّمٍة ما كانت تعبد‪ ،‬فال يبقى أحٌد مَّم ن كان يعبد غير الَّله من األصنام‬
‫واألنصاب ِإاَّل يتساقطون في الَّناِر ‪ ،‬حَّتى إذا لم يبَق ِإاَّل من كان يعبد الَّله من بٍّر وفاجر‪ ،‬وغير أهل‬
‫الكتاب‪ ،‬فيدعى اليهود فيقال لهم‪ :‬ما كنتم تعبدون؟ قالوا‪ُ :‬ك َّنا نعبد عزيَر ابَن الَّله‪ ،‬فيقال‪ :‬كذبتم‬
‫ما اتخَذ الَّله من صاحبة وال ولد‪ ،‬فماذا تبغون؟ قالوا‪ :‬عطشنا يا رب فاسقنا‪ ،‬فيشار إليهم أال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري رقم (‪ ،)7001‬ومسلم رقم (‪.)183‬‬

‫(‪)2/631‬‬

‫تردون؟ فيحشرون إلى الَّناِر كأَّنها سراب َيْح ِط ُم بعضها بعًض ا‪ ،‬فيتساقطون (‪ )1‬في الَّناِر ‪ ،‬ثَّم يدعى‬
‫النصارى‪ ،‬فيقال لهم‪ :‬ما كنتم تعبدون؟ قالوا‪ُ :‬ك َّنا نعبد المسيح ابَن الَّله‪ ،‬فيقال لهم‪ :‬كذبتم ما‬
‫اتخذ الَّلُه من صاحبة وال ولد‪ ،‬فيقال‪ :‬ماذا تبغون؟ فيقولون‪ :‬عطشنا يا ربنا فاسقنا‪ ،‬قال‪ :‬فيشار‬
‫إليهم أال تردون؟ فُيْح َش رون إلى جهَّنْم كَأَّنها سراب يحطم بعضها بعًض ا‪ ،‬فيتساقطون في النار‪،‬‬
‫حَّتى إذا لم يبق إال من كان يعبد الَّله من بر وفاجر‪ ،‬أتاهم رب العالمين سبحانه وتعالى في أدنى‬
‫صورة من التي رأوه فيها‪ .‬قال‪ :‬فما تنتظرون؟ ِلَتَّتبع كل أمة ما كانت تعبد‪ ،‬قالوا‪ :‬يا ربنا فارقنا‬
‫الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم‪ ،‬فيقول‪ :‬أنا ربكم‪ ،‬فيقولون‪ :‬نعوذ بالَّله منك ال‬
‫نشرك بالَّله شيًئا ‪-‬مرتين أو ثالًثا‪ -‬حتى إَّن بعضهم ليكاد أن ينقلب فيقول‪ :‬هل بينكم وبينه آية‬
‫تعرفونه بها؟ فيقولون‪ :‬نعم‪ ،‬فُيْك َش ف عن ساٍق فال يبقى من كان يسجد لَّله من تلقاء نفسه إال أذن‬
‫الَّله له بالسجود‪ ،‬وال يبقى من كان يسجد اَّتقاًء ورياء إال جعل الَّله َظْه ره طبقًة واحدًة‪ ،‬كلَّم ا أراد‬
‫أْن يسجد خَّر على قفاُه‪ ،‬ثَّم يرفعون رؤوسهم‪ ،‬وقد تحَّو ل في صورته التي رأوُه فيها َأَّو ل مَّر ة‪،‬‬
‫فيقوُل ‪ :‬أنا رُّبكم‪ ،‬فيقولون‪ :‬أنت ربنا‪ ،‬ثَّم ُيْض َر ب الجسر على جهَّنم وتحُّل الشفاعة‪ ،‬قيل‪ :‬يا‬
‫رسول الَّله وما الجسر؟ قال‪ :‬دحض مزَّلة فيه خطاطيف وكالليب‪ ،‬وَح َس ك ‪-‬تكون بنجٍد فيها‬
‫شويكة يقال لها الَّس ْع َد ان‪ -‬فيمُّر المؤمنون كطرف العين‪ ،‬وكالبرق‪ ،‬وكالِّر يح‪ ،‬وكالطير‪،‬‬
‫وكأجاويد الخيل والِّر كاِب ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في نسخة على حاشية "أ"‪" :‬فيتسابقون"‪ ،‬وكذلك مثله ما بعده‪.‬‬

‫(‪)2/632‬‬

‫فناٍج مسَّلم‪ ،‬ومخدوٌش ُمْر َس ٌل‪ ،‬ومكدوٌش في نار جهَّنم‪ ،‬حَّتى إذا خلص المؤمنون من الَّنار‪،‬‬
‫فواَّلذي نفسي بيده ما منكم من أحٍد بأشَّد مناشدًة لَّله في استيفاء الحِّق من المؤمنين لَّله يوم‬
‫القيامة إلخوانهم اَّلذين في الَّناِر ‪ ،‬يقولون‪ :‬ربنا كانوا يصومون مَعَنا ويصلون ويحُّج ون‪ ،‬فيقال لهم‪:‬‬
‫أخرجوا من عرفتم‪ ،‬فتحرم صورهم على الَّناِر فُيخرجون خلًق ا كثيًر ا‪ ،‬قد أخذِت الَّنار إلى أنصاف‬
‫ساقيه وإلى ركبتيه‪ ،‬فيقولون‪ :‬رَّبَنا ما بقَي فيها أحد ممن أمرتنا‪ ،‬فيقول‪ :‬ارجعوا فمن وجدتم في‬
‫قلبه مثقال ديناٍر من خير فأخرجوه‪ ،‬فيخرجون خلًق ا كثيًر ا‪ ،‬ثَّم يقولون‪ :‬ربنا لم َنَذ ْر فيها أحًد ا‬
‫ممن أمرتنا‪ ،‬ثَّم يقول‪ :‬ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف ديناٍر من خير فأخرجوه‪،‬‬
‫فُيْخ ِر جون خلًق ا كثيًر ا‪ ،‬ثم يقولون‪ :‬ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحًد ا‪ ،‬ثم يقول‪ :‬اْر ِج عوا فمن‬
‫وجدتم في قلبه مثال ذَّر ٍة من خير فأخرجوه‪ ،‬فيخرجون خلًق ا كثيًر ا‪ ،‬ثَّم يقولون‪ :‬ربنا لم نذر فيها‬
‫خيًر ا ‪-‬وكان أبو سعيد الخدري يقول‪ :‬إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرؤوا إْن شئتم‪ِ{ :‬إَّن الَّلَه‬
‫اَل َيْظِلُم ِم ْثَق اَل َذَّر ٍة َو ِإْن َتُك َح َس َنًة ُيَض اِع ْف َه ا َو ُيْؤ ِت ِم ْن َلُد ْنُه َأْج ًر ا َعِظ يًم ا} [النساء‪- ]40 :‬‬
‫ِإ‬ ‫ِت‬ ‫َّل‬
‫فيقول ال ه عَّز وجَّل‪ :‬شفع المالئكة‪ ،‬وشفع الَّنبيون‪ ،‬وشفع المؤمنون‪ ،‬ولم يبَق اَّل أرحُم‬
‫الَّر احمين‪ ،‬فيقبض قبضة من الَّنار فُيْخ رج منها قوًم ا لم يعملوا خيًر ا قُّط ‪ ،‬قد عادوا ُحَمًم ا فيلقيهم‬
‫في نهٍر في أفواِه الجَّنة يقال له‪ :‬نهر الحياة‪ ،‬فيخرجون كما تخرُج الِح َّبة في َح ميل السيل‪ ،‬أال‬
‫ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر‪ ،‬ما يكون إلى الشمس أصيفر وُأخيضر‪ ،‬وما يكون منها‬
‫إلى الظل يكون أبيض‪ ،‬فقالوا يا رسول الَّله كأَّنَك كنَت ترعى بالبادية‪ ،‬قال‪ :‬فيخرجون كاللؤلؤ‬
‫في‬

‫(‪)2/633‬‬
‫رقابهم الخواتيم يعرفهم أهل الجَّنة‪ :‬هؤالء عتقاء الَّله اَّلذين أدخلهم الَّله اْلجَّنة بغير عمٍل عملوه‬
‫وال خيٍر قَّدموه‪ ،‬ثَّم يقول‪ :‬ادخلوا الجَّنة فما رأيتموه فهو لكم‪ ،‬فيقولون‪ :‬ربنا أعطيتنا ما لم ِط‬
‫ُتْع‬
‫أحًد ا من العالمين‪ ،‬فيقول‪ :‬لكم عندي أفضل من هذا‪ ،‬فيقولون‪ :‬يا ربنا وأُّي شيٍء أفضل من هذا؟‬
‫فيقول‪ :‬رضائي فال أسخط عليكم بعده أبًد ا"‪.‬‬

‫فصل‬
‫وأما حديث جرير بن عبد الَّله‪ :‬ففي "الصحيحين" (‪ )1‬من حديث إسماعيل بن أبي خالد‪ ،‬عن‬
‫قيس بن أبي حازم‪ ،‬عنه قال‪ :‬كنا جلوًس ا مع الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬فنظر إلى القمر ليلة‬
‫أربع عشرة فقال‪" :‬إنكم سترون ربكم عياًنا كما ترون هذا‪ ،‬ال تضامون في رؤيته‪ ،‬فإن استطعتم‬
‫أن ال ُتغَلبوا على صالة قبل طلوع الشمس وقبل الغروب فافعلوا‪ ،‬ثم قرأ‪َ{ :‬و َس ِّبْح ِبَحْم ِد َر ِّبَك‬
‫َقْبَل ُطُلوِع الَّش ْم ِس َو َقْبَل اْلُغُر وِب (‪[ })39‬ق‪.]39 :‬‬
‫رواه عن إسماعيل بن أبي خالد‪ :‬عبد الَّله بن إدريس األودي‪ ،‬ويحيى بن سعيد القطان‪ ،‬وعبد‬
‫الرحمن بن محمد المحاربي‪ ،‬وجرير ابن عبد الحميد‪ ،‬وعبيدة بن ُحَم يد‪ ،‬وهشيم بن بشير‪ ،‬وعلي‬
‫بن عاصم‪ ،‬وسفيان بن عيينة‪ ،‬ومروان بن معاوية‪ ،‬وأبو أسامة‪ ،‬وعبد الَّله بن ُنَم ير‪ ،‬ومحمد بن‬
‫عبيد‪ ،‬وأخوه يعلى بن عبيد‪ ،‬ووكيع بن الجراح‪ ،‬ومحمد ابن فضيل‪ ،‬والُّطَف اوي‪ ،‬ويزيد بن‬
‫هارون‪ ،‬وإسماعيل بن [مجالد] (‪،)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري رقم (‪ 529‬و ‪ 547‬و ‪ 4570‬و ‪ ،)6997‬ومسلم رقم (‪.)633‬‬
‫(‪ )2‬وقع في جميع النسخ (إسماعيل بن أبي خالد) وهو خطأ‪ ،‬لذا كتب ناسخ (أ) على هذا االسم‬
‫(كذا)‪ ،‬وهو إشارة إلى استغراب هذا االسم‪= .‬‬

‫(‪)2/634‬‬

‫وعنبسة بن سعيد‪ ،‬والحسن بن صالح بن َح ٍّي ‪ ،‬وورقاء بن عمر‪ ،‬وعمار بن رزيق‪ ،‬وأبو األغر‬
‫سعيد بن عبد الَّله‪ ،‬ونصر بن طريف‪ ،‬وعمار بن محمد‪ ،‬والحسن بن عياش أخو أبي بكر‪ ،‬ويزيد‬
‫بن عطاء‪ ،‬وعيسى بن يونس‪ ،‬وشعبة بن الحجاج‪ ،‬وعبد الَّله بن المبارك‪ ،‬وأبو حمزة السكري‪،‬‬
‫وحسين بن واقد‪ ،‬ومعتمر بن سليمان‪ ،‬وجعفر ابن زياد‪ ،‬وخداش بن المهاجر‪ ،‬وُه َر ْيم بن سفيان‪،‬‬
‫ومندل بن علي‪ ،‬وأخوه‪ :‬حبان بن علي‪ ،‬وعمرو بن َمْر ثد‪ ،‬وعبد الغفار بن القاسم‪ ،‬ومحمد بن‬
‫بشر الجريري‪ ،‬ومالك بن ِم غول‪ ،‬وعصام بن النعمان‪ ،‬وعلي بن القاسم الِكْنِد ي‪ ،‬وُعبيدة بن‬
‫األسود الهْم داني‪ ،‬وعبد الجبار ابن العباس‪ ،‬والُم عَّلى بن هالل‪ ،‬ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة‪،‬‬
‫والصَّباح ابن ُمَح ارب‪ ،‬ومحمد بن عيسى‪ ،‬وسعيد بن حازم‪ ،‬وأبان بن أرقم‪ ،‬وعمرو بن النعمان‪،‬‬
‫ومسعود بن سعد الُج عفي‪ ،‬وعَّثام بن علي‪،‬‬
‫__________‬
‫= وهو كما قال؛ وإن كان هناك رجل بهذا االسم‪ :‬إسماعيل بن أبي خالد الفدكي إال أَّنه يروي‬
‫عن أبي هريرة‪ ،‬فهو أعلى طبقة منه‪.‬‬
‫والصواب ما أثبته‪ ،‬بدليل أن المؤلف َس َر َد هذه األسماء على هذا النسق من كتاب الرؤية‬
‫للدارقطني بمثل ترتيب الدارقطني‪ ،‬وأيًض ا أخرجه الدارقطني في الرؤية برقم (‪ )85‬و (‪ )145‬ثنا‬
‫أبو حامد محمد بن هارون الحضرمي حدثنا عمر بن إسماعيل بن مجالد ثنا أبي ثنا إسماعيل بن‬
‫أبي خالد وبيان ومجالد عن قيس بن أبي حازم به‪.‬‬
‫وأخرجه الطبراني في الكبير (‪ )310 /2‬رقم (‪ ،)2292‬والشحامي في حديث السراج رقم (‬
‫‪.)1402‬‬
‫من طرق عن عمر بن إسماعيل بن مجالد عن أبيه به‪.‬‬
‫وعمر بن إسماعيل هو الهمداني الكوفي‪ :‬متروك الحديث‪.‬‬

‫(‪)2/635‬‬

‫وحسن بن حبيب‪ ،‬وسنان بن هارون البرجمي‪ ،‬ومحمد بن يزيد الواسطي‪ ،‬وعمرو بن هاشم (‬
‫‪ ، )1‬ومحمد بن مروان‪ ،‬ويعلى بن الحارث المحاربي‪ ،‬وشعيب بن راشد‪ ،‬والحسن بن دينار‪،‬‬
‫وساَّل م بن أبي مطيع‪ ،‬وداود بن الِّز ْبرقان‪ ،‬وحماد بن أبي حنيفة‪ ،‬ويعقوب بن حبيب‪ ،‬وحَّك ام بن‬
‫سلم‪ ،‬وأبو مقاتل ابن حفص‪ ،‬ومسيب بن شريك‪ ،‬وأبو حنيفة النعمان بن ثابت‪ ،‬وعمرو بن شمر‬
‫الجعفي‪ ،‬وعمرو بن عبد الغفار الُفَق يمي‪ ،‬وسيف بن هارون الُبْر ُج مي أخو سنان‪ ،‬وعائذ بن حبيب‪،‬‬
‫ومالك بن ُس َعْير بن الِخ مس‪ ،‬ويزيد بن عطاء مولى أبي عوانة‪ ،‬وخالد بن يزيد الَعْص ري‪ ،‬وعبيد‬
‫الَّله بن موسى‪ ،‬وخالد بن عبد الَّله الطَّح ان‪ ،‬وأبو ُك َد ْيَنة يحيى بن الُم َه َّلب‪ ،‬وَر َقَبة بن َمْص َق لة‪،‬‬
‫ومعمر بن سليمان الَّر قي‪ ،‬وُمَر َّج ى بن رجاء‪ ،‬وعمرو بن جرير‪ ،‬ويحيى بن هاشم (‪ )2‬السمسار‪،‬‬
‫وإبراهيم بن َطْه َم ان‪ ،‬وخارجة بن مصعب‪ ،‬وعبد الَّله بن عثمان ‪-‬شريك شعبة‪ ،-‬وعبد الَّله بن‬
‫فروخ‪ ،‬وزيد ابن أبي ُأنيسة‪ ،‬وجَّو ده فقال‪" :‬سُتعاَيُنون رَّبُك م عَّز وجَّل كما ُتعاينون هذا الَق َمَر " (‬
‫‪ . )3‬وأبو شهاب الحَّناط وقال‪َ" :‬س َتَر ْو َن رَّبُك م‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب"‪" :‬هشام"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "هـ"‪ ،‬ونسخة على حاشية "أ" "هشام" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن مندة في اإليمان رقم (‪ ،)799‬والاللكائي في شرح أصول االعتقاد رقم (‪،)826‬‬
‫والدارقطني في الرؤية رقم (‪.)130‬‬
‫وسنده صحيح‪.‬‬
‫قال الدارقطني‪" :‬جَّو ده زيد بن أبي أنيسة عن إسماعيل بقوله (ستعاينون ربكم ‪.) ....‬‬

‫(‪)2/636‬‬

‫ِع َياًنا" (‪ . )1‬وجارية بن هرم‪ ،‬وعاصم بن حكيم ومقاتل بن سليمان وأبو جعفر الرازي‪ ،‬والحسن‬
‫بن أبي جعفر‪ ،‬والوليد بن عمرو‪ ،‬وأخوه‪ :‬عثمان بن عمرو‪ ،‬وعبد السالم بن عبد الَّله بن قرة‬
‫العنبري‪ ،‬ويزيد بن عبد العزيز‪ ،‬وعلي بن صالح بن َح ّي ‪ ،‬وُز َفر بن الُه َذ يل‪ ،‬والقاسم بن معن‪.‬‬
‫وتابع إسماعيل بن أبي خالد عن قيس جماعة منهم‪:‬‬
‫بَيان بن ِبْش ر‪ ،‬وُمَج الد بن سعيد‪ ،‬وطارق بن عبد الرحمن‪ ،‬وجرير ابن يزيد بن جرير البجلي‪،‬‬
‫وعيسى بن المسيب‪ ،‬كُّلهم عن قيس بن أبي حازم‪ ،‬عن جرير (‪. )2‬‬
‫فكُّل هؤالء شهدوا على إسماعيل بن أبي خالد‪ ،‬وشهد إسماعيل ابن أبي خالد على قيس بن أبي‬
‫حازم‪ ،‬وشهد قيس بن أبي حازم على جرير بن عبد الَّله‪ ،‬وشهد جرير على رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله‬
‫عليه وسلم‪ -‬فكأَّنك تسمع رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬وهو يقوله ويبِّلغه ُألَّمته‪ ،‬وال‬
‫شيَء أقَّر ألعينهم منه‪ ،‬وشهدت الجهمية والفرعونية والَّر افضة والقرامطة والباطنية وفروخ‬
‫الصابئة والمجوس واليونان بكفر من اعتقد ذلك‪ ،‬وأَّنه من أهل التشبيه والتجسيم‪ ،‬وتابعهم على‬
‫ذلك كُّل عدًّو للسنة وأهلها‪ ،‬والَّله ناصٌر كتابه وُس َّنة رسوله ولو كره الكافرون‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري في صحيحه رقم (‪.)6998‬‬
‫(‪ )2‬انظر عامة هذه الطرق عند الدارقطني في الرؤية من رقم (‪ )69‬إلى (‪.)148‬‬

‫(‪)2/637‬‬

‫فصل‬
‫وأَّما حديث صهيب‪ :‬فرواُه مسلم في "صحيحه" (‪ )1‬من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن‬
‫عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إذا دخل‬
‫أهل الجَّنة الجَّنَة قال‪ :‬يقول الَّله عَّز وجَّل‪ :‬تريدون شيًئا أزيدكم؟ فيقولون‪ :‬ألم ُتبِّيض وجوهنا‪،‬‬
‫ألم تدخلنا الجَّنة وتنِّج نا من الَّناِر ؟ قال‪ :‬فيكشُف الحجاَب ‪ ،‬فما ُأعطوا شيًئا أحَّب إليهم من النظِر‬
‫إلى رِّبهم عَّز وجَّل‪ ،‬ثَّم تال هذه اآلية‪ِ{ :‬لَّلِذ يَن َأْح َس ُنوا اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة} [يونس‪." ]26 :‬‬
‫وهذا حديٌث رواه األئمة عن حَّم اد وتلقوه عن نبِّيهم بالقبول والتصديق‪.‬‬
‫فصل‬
‫وأَّما حديث عبد الَّله بن مسعود‪ :‬فقال الطبراني‪ :‬حدثنا محمد بن النضر األزدي وعبد الَّله بن‬
‫أحمد بن حنبل‪ ،‬والحضرمي قالوا‪ :‬حدثنا إسماعيل بن ُعبيد بن أبي كريمة الحَّر اني‪ ،‬حدثنا محمد‬
‫بن سلمة الحَّر اني عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة عن الِم ْنَه ال بن عمرو عن أبي عبيدة‬
‫عن عبد الَّله عن مسروق بن األجدع‪ ،‬حدثنا عبد الَّله بن مسعود قال‪" :‬يجمع الَّله األَّو لين‬
‫واآلخرين لميقات يوٍم معلوم‪ ،‬قياًم ا أربعين سنة شاخصة أبصارهم إلى السماِء ينتظرون فصل‬
‫القضاء‪ ،‬قال‪ :‬وينزل الَّله عَّز وجَّل في ُظَلٍل من الغمام من العرش إلى الكرسي‪ ،‬ثَّم ينادي مناٍد ‪:‬‬
‫أيها الَّناُس ألم ترضوا من ربكم اَّلذي خلقكم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رقم (‪ ،)181‬وسيأتي بيان االختالف فيه ص (‪.)693‬‬

‫(‪)2/638‬‬

‫ورزقكم‪ ،‬وأمركم أْن تعبدوه وال تشركوا به شيًئا أن يولي كَّل أناٍس منكم ما كانوا يتولون‬
‫ويعبدون في الدنيا‪ ،‬أليس ذلك عداًل من ربكم؟ قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬فينطلق كُّل قوٍم إلى ما كانوا‬
‫يعبدون ويتولون في الدنيا‪ ،‬قال‪ :‬فينطلقون‪ ،‬ويمَّثل لهم أشباه ما كانوا يعبدون‪ ،‬فمنهم من ينطلق‬
‫إلى الشمس‪ ،‬ومنهم من ينطلق إلى القمر‪ ،‬وإلى األوثان من الحجارة وأشباه ما كانوا يعبدون‪،‬‬
‫قال‪ :‬ويمَّثل لمن كان يعبد عيسى شيطان عيسى‪ ،‬ويمَّثل لمن كان يعبد ُعَز يًر ا شيطان عزير‪ ،‬ويبقى‬
‫محمد ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬وأمته‪ ،‬فيأتيهم الرُّب عَّز وجَّل فيقول‪ :‬ما لكم ال تنطلقون كما‬
‫انطلق الَّناُس ؟ قال‪ :‬فيقولون‪ :‬إَّن لنا إلًه ا ما رأيناُه َبْع ُد ‪ ،‬فيقول‪ :‬هل تعرفونه إْن رأيتموه؟ فيقولون‪:‬‬
‫إَّن بيننا وبينه عالمة إذا رأيناه عرفناها‪ ،‬قال‪ :‬فيقول ما هي؟ فيقولون‪ :‬يكشف عن ساقه‪ ،‬فعند‬
‫ذلك يكشف عن ساٍق فيخُّر ون له ُس َّج ًد ا‪ ،‬ويبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر يريدون السجود‬
‫فال يستطيعون‪ ،‬وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون‪ ،‬ثَّم يقول‪ :‬ارفعوا رؤوسكم فيرفعون‬
‫رؤوسهم فيعطيهم نورهم على قدر أعمالهم‪ ،‬فمنهم من ُيْع طى نوره مثل الجبل العظيم يسعى بين‬
‫يديه‪ ،‬ومنهم من ُيعطى نوًر ا أصغر من ذلك‪ ،‬ومنهم من ُيْع طى نوًر ا مثل النخلة بيمينه‪ ،‬ومنهم من‬
‫يعطى نوًر ا أصغر من ذلك حَّتى يكون آخرهم رجاًل يعطى نوره على إبهام قدمه يضيء مَّر ة‪ ،‬ويطفأ‬
‫مَّر ة‪ ،‬فإذا أضاء قَّدم َقَد مه فمشى‪ ،‬وإذا طفيء قام‪ ،‬والرُّب تبارك وتعالى أمامهم حَّتى يمر في الَّناِر‬
‫فيبقى أثره كحِّد السيف دحض مزلة‪ ،‬قال‪ :‬ويقول‪ :‬مُّر وا فيمرون على قدر نورهم‪ ،‬منهم من يمر‬
‫كطرف العين‪ ،‬ومنهم من يمر كالبرق‪ ،‬ومنهم من يمر كالسحاب‪ ،‬ومنهم من يمر كانقضاض‬
‫الكوكب‪ ،‬ومنهم‬

‫(‪)2/639‬‬

‫من يمر كالريح‪ ،‬ومنهم من يمُّر كشد الفرس‪ ،‬ومنهم من َيُم ُّر كشِّد الرجل‪ ،‬حَّتى يمر اَّلذي ُأعطي‬
‫نوره على إبهام قدمه‪ ،‬يحبو على وجهه ويديه ورجليه تِخ ُّر يٌّد‪ ،‬وتعلق يٌد ‪ ،‬وتِخ ُّر رجٌل‪ ،‬وتعلق‬
‫رجٌل‪ ،‬وتصيب جوانبه النار‪ ،‬فال يزال كذلك حتى يخلص‪ ،‬فإذا خلص وقف عليها‪ ،‬ثَّم قال‪:‬‬
‫الحمد لَّله لقد أعطاني الَّله ما لم ُيْع ِط أحًد ا‪ ،‬إذ نجاني منها بعد إذ رأيتها‪ ،‬قال‪ :‬فينطلق به إلى‬
‫غدير عند باب الجَّنة فيغتسل فيعود إليه ريح أهل الجَّنة وألوانهم‪ ،‬فيرى ما في الجَّنة من خالل‬
‫الباِب ‪ ،‬فيقول‪ :‬رِّب أدخلني الجَّنة‪ ،‬فيقول الَّله تبارك وتعالى له‪ :‬أتسأل الجَّنَة وقد نجيتك من‬
‫النار؟! فيقول‪ :‬رب اجعل بيني وبينها حجاًبا‪ ،‬ال أسمع حسيسها‪ .‬قال‪ :‬فيدخل الجَّنة‪ ،‬قال‪ :‬ويرى‬
‫أو يرفع له منزٌل أمام ذلك‪ ،‬كأَّنما اَّلذي هو فيه إليه حلم‪ ،‬فيقول‪ :‬رب أعطني ذلك المنزل‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬فلعلك إْن أعطيتكه تسأل غيره؟ فيقول‪ :‬ال وعَّز تك‪ ،‬ال أسألك غيره‪ ،‬وأي منزٍل يكون‬
‫أحسن منه؟ قال‪ :‬فيعطاُه فينزله‪ ،‬ويرى أمام ذلك منزاًل (‪ ، )1‬كأَّنما اَّلذي هو فيه إليه حلم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أي رب أعطني ذلك المنزل‪ ،‬فيقول الَّله عَّز وجَّل‪ ،‬فلعلك إْن أعطيتكه تسأل غيره‪ ،‬فيقول‪ :‬ال‬
‫وعزتك ال أسأل غيره‪ ،‬وأي منزل يكون أحسن منه‪ ،‬قال‪ :‬فيعطى فينزله‪ ،‬قال‪ :‬ويرى أو يرفع أمام‬
‫ذلك منزل آخر‪ ،‬كأَّنما هو إليه حلم‪ ،‬فيقول‪ :‬أعطني ذلك المنزل‪ ،‬فيقول الَّله جَّل جالله‪ :‬فلعلك‬
‫إْن أعطيتكه تسأل غيره؟ فيقول‪ :‬ال وعَّز تك ال أسأل غيره‪ ،‬وأي منزٍل ‪ -‬يكون أحسن منه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فيعطاه فينزله‪ ،‬ثَّم يسكت‪ ،‬فيقول الَّله‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله "ذلك منزاًل "‪ :‬في نسخة على حاشية "أ"‪" :‬ذلك المنزل منزاًل "‪.‬‬

‫(‪)2/640‬‬

‫عَّز وجَّل‪ :‬مالك ال تسأل؟ فيقول له‪ :‬رِّب لقد سألتك حَّتى استحييتك‪ ،‬وأقسمت لك حَّتى‬
‫استحييتك‪ ،‬فيقول الَّله عَّز وجَّل‪ :‬أال ترضى أن أعطيك مثل الدنيا منذ يوم خلقتها إلى يوم أفنيتها‬
‫وعشرة أضعافها؟ فيقول‪ :‬أتستهزُئ بي وأنت رب العَّز ة‪ ،‬فيضحك الرب عَّز وجَّل من قوله ‪-‬‬
‫قال‪ :‬فرأيُت عبد الَّله بن مسعود إذا بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك‪ ،‬فقال له رجل‪ :‬يا‬
‫أبا عبد الرحمن‪ ،‬قد سمعتك تحدث هذا الحديث مراًر ا‪ ،‬كَّلما بلغَت هذا المكان ضحكت‪،‬‬
‫فقال‪ :‬إِّني سمعت رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬يحدث هذا الحديث مراًر ا؛ كَّلما بلغ هذا‬
‫المكان من هذا الحديث ضحك‪ ،‬حَّتى تبدو أضراسه ‪ .-‬قال‪ :‬فيقول الَّله عَّز وجَّل‪ :‬ال ولكِّني‬
‫على ذلك قادٌر ‪ ،‬سل‪ .‬فيقول‪ :‬ألحقني بالَّناِس ‪ ،‬فيقول‪ :‬الحق بالَّناس‪ ،‬قال‪ :‬فينطلق يرمل في الجَّنة‪،‬‬
‫حَّتى إذا دنى من الَّناِس ُر ِفَع له قصٌر من دَّر ٍة‪ ,‬فيخر ساجًد ا‪ ،‬فيقال له‪ :‬ارفع رأسك مالك؟ فيقول‪:‬‬
‫رأيُت رِّبي أو تراءى لي رِّبي‪ ،‬فيقال له‪ :‬إَّنما هو منزٌل من منازلك‪ ،‬قال‪ :‬ثَّم يلقى رجاًل ‪ ،‬فيتهيأ‬
‫للسجود‪ ،‬فيقال له‪ :‬مه‪ ،‬مالك؟ فيقول‪ :‬رأيُت أَّنك ملٌك من المالئكة‪ ،‬فيقول‪ :‬إَّنما أنا خازٌن من‬
‫ُخ َّز انك‪ ،‬عبٌد من عبيدك‪ ،‬تحت يدَّي ألف قهرمان‪ ،‬على مثل ما أنا عليه‪ ،‬قال‪ :‬فينطلق أمامه حَّتى‬
‫يفتح له القصر‪ ،‬قال‪ :‬وهو في ُدَّر ٍة مجَّو فة‪ ،‬شقائقها (‪ ، )1‬وأبوابها وأغالقها ومفاتيحها منها‪،‬‬
‫يستقبله جوهرة خضراء مبطنة بحمراء كل جوهرة تفضي إلى جوهرة فيها سبعون باًبا‪ ،‬كُّل باٍب‬
‫يفضي إلى جوهرة خضراء مبطنة بحمراء‪ ،‬كل جوهرة تفضي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬سقائفها"‪.‬‬

‫(‪)2/641‬‬

‫إلى جوهرة (‪ )1‬على غير لون اآلخرى‪ ،‬في كُّل جوهرة سرٌر وأزواج‪ ،‬ووصائف أدناهَّن حوراء‬
‫عيناء‪ ،‬عليها سبعون حَّلة‪ُ ،‬يرى ُمخ ساقها من وراء حللها‪ ،‬كبدها مرآته وكبده مرآتها‪ ،‬إذا أعرض‬
‫عنها إعراضًة ازدادت في عينه سبعون ضعًف ا‪ ،‬عَّم ا كانت قبل ذلك‪ ،‬فيقول لها‪ :‬والَّله لقد ازددت‬
‫في عيني سبعين [‪ /182‬ب] ضعًف ا‪ ،‬وتقول له‪ :‬والَّله وأنت لقد ازددت في عيني سبعين ضعًف ا‪،‬‬
‫فيقال له‪َ :‬أْش ِر ف‪ ،‬قال‪ :‬فيشرف فيقال له‪ :‬ملكك مسيرة مئة عام ينفذه بصره‪ ،‬قال فقال‪ :‬عمر‪:‬‬
‫أال تسمع ما يحدثنا ابن ُأِّم عبٍد يا كعب‪ ،‬عن أدنى أهل الجَّنة منزاًل ‪ ،‬فكيف أعالهم؟‬
‫قال كعب‪ :‬يا أمير المؤمنين ما ال عيٌن رأت وال أذٌن سمعت‪ ،‬إَّن الَّله عَّز وجَّل جعل داًر ا فيها ما‬
‫شاء من األزواج والثمرات واألشربة‪ ،‬ثَّم أطبقها فلم يرها أحٌد من خلقه ال جبريل وال غيره من‬
‫المالئكة‪ ،‬ثَّم قرأ كعب‪َ{ :‬فاَل َتْع َلُم َنْف ٌس َما ُأْخ ِف َي َلُه ْم ِم ْن ُقَّر ِة َأْع ُيٍن َجَز اًء ِبَم ا َك اُنوا َيْع َم ُلوَن (‬
‫‪[ } )17‬السجدة‪ ،]17 :‬قال‪ :‬وخلق دون ذلك جنتين‪ ،‬وزينهما بما شاء وأراهما من شاء من‬
‫خلقه‪ ،‬ثَّم قال‪ :‬من كان كتابه في ِع ِّليين نزل تلك الَّدار التي لم يرها أحد حَّتى إَّن الرجل من أهل‬
‫عليين ليخرج فيسير في ملكه فما تبقى خيمٌة من خيم الجَّنة إاَّل دخلها من ضوء وجهه‬
‫فيستبشرون بريحه فيقولون‪ :‬واًه ا لهذه الِّر يح‪ ،‬هذا رجٌل من أهل ِع ِّلَّيين قد خرج ليسير في ملكه‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ويحك يا كعب‪ ،‬هذه القلوب قد استرسلت فاقبضها‪ ،‬فقال كعب‪ :‬واَّلذي نفسي بيده إَّن‬
‫لجهَّنم يوم القيامة لزفرة ما يبقى من ملٍك مقَّر ب‪ ،‬وال نبي مرسل ِإاَّل خَّر لركبتيه حَّتى إَّن إبراهيم‬
‫خليل الَّله‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من قوله "فيها سبعون باًبا" إلى "جوهرة" من "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪.‬‬

‫(‪)2/642‬‬
‫يقول‪ :‬رِّب (‪ )1‬نفسي نفسي‪ ،‬حَّتى لو كان لك عمل سبعين نبًّيا إلى عملك لظننَت أَّنك ال تنجو"‬
‫(‪. )2‬‬
‫هذا حديٌث كبيٌر حسن‪ ،‬رواه المصنفون في السَّنة كعبد الَّله بن أحمد والطبراني والَّدارقطني في‬
‫كتاب "الرؤية" (‪ ، )3‬رواه عن ابن صاعد‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في نسخة على حاشية "أ" "يا رب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه عبد الَّله في السنة رقم (‪ )1203‬وابن أبي الدنيا في صفة الجنة رقم (‪،)31‬‬
‫والشاشي في مسنده رقم (‪ ،)410‬والطبراني في الكبير رقم (‪ ،)9763‬واآلجري في الشريعة‬
‫رقم (‪ ،)160‬والدارقطني في الرؤية رقم (‪ )162‬والحاكم في المستدرك (‪ )408 /2‬رقم (‬
‫‪ )3424‬وقال‪" :‬صحيح على شرط الشيخين‪ ،‬ولم يخرجاه" والبيهقي في البعث رقم (‪.)479‬‬
‫من طريق أبي خالد الداالني وزيد بن أبي أنيسة كالهما عن المنهال بن عمرو به‪.‬‬
‫قال الذهبي‪" :‬ما أنكره حديًثا على جودة إسناده‪ ،‬وأبو خالد شيعي منحرف"‪.‬‬
‫‪ -‬ورواه األعمش وإدريس األودي كالهما عن المنهال عن قيس بن السكن عن عبد الَّله بن‬
‫مسعود موقوًفا‪.‬‬
‫بلفظ (إن الرجل من أهل الجنة ليؤتى بالكأس وهو جالس مع زوجته فيشربها‪ ،‬يلتفت إلى زوجته‬
‫فيقول‪ :‬قد ازددت في عيني سبعين ضعًف ا حسًنا)‪.‬‬
‫أخرجه ابن أبي شيبة (‪ )57 /7‬رقم (‪ ،)33982‬وذكره الدارقطني في العلل (‪ ،)244 /5‬وفي‬
‫الرؤية رقم (‪ )164‬وابن منده في اإليمان (‪.)820 /2‬‬
‫قال الدارقطني في العلل‪" :‬والصحيح حديث أبي خالد الداالني وزيد بن أبي أنيسة عن المنهال ‪..‬‬
‫‪." . .‬‬
‫وقال ابن منده في اإليمان (‪ :)820 /2‬في حديث زيد بن أبي أنيسة ‪ -‬وهذا إسناد صحيح‪،‬‬
‫أخرجه النسائي ا‪ .‬هـ‬
‫قلت‪ :‬الموقوف أصح إسناًدا والَّله أعلم‪.‬‬
‫(‪ )3‬برقم (‪.)160‬‬
‫وفيه كرز بن وبرة عابد زاهد‪ ،‬وكان ابن شبرمة كثير المدح له‪ ،‬وذكره ابن =‬

‫(‪)2/643‬‬
‫حدثنا محمد بن أبي عبد الرحمن المقرئ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ،‬حدثنا ورقاء بن عمر‪ ،‬حدثنا أبو طيبة‪،‬‬
‫عن كرز بن وبرة‪ ،‬عن نعيم بن أبي هند‪ ،‬عن أبي عبيدة عن عبد الَّله‪.‬‬
‫ورواُه من طريق عبد السالم بن حرب‪ ،‬حدثنا الداالني‪ ،‬حدثنا المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة به‪.‬‬
‫ورواُه من طريق زيد بن أبي أنيسة‪ ،‬عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة به‪.‬‬
‫ومن طريق أحمد بن أبي طيبة‪ ،‬عن كرز بن وبرة عن نعيم بن أبي هند عن أبي عبيدة‪.‬‬

‫فصل‬
‫وأَّما حديث علي بن أبي طالب‪ :‬فقال يعقوب بن سفيان‪ :‬حدثنا محمد بن المصَّف ى حدثنا سويد بن‬
‫عبد العزيز‪ ،‬حدثنا عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن أبيه عن جِّده علي (‪ )1‬بن أبي طالب ‪-‬‬
‫رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪َ" :-‬يُزْو ُر أهُل الجَّنة الرَّب تبارك‬
‫وتعالى في كِّل جمعة‪ ،‬وذكر ما ُيعطون قال‪ :‬ثَّم يقول الَّله تبارك وتعالى‪ :‬اكشفوا حجاًبا‪ ،‬فيكشف‬
‫حجاب‪ ،‬ثَّم حجاب (‪ ،)2‬ثَّم يتجَّلى لهم تبارك‬
‫__________‬
‫= حبان في الثقات (‪ )27 /9‬وسكت عنه البخاري وابن أبي حاتم‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الجرح والتعديل (‪ ،)170 /7‬والتاريخ الكبير (‪.)238 /7‬‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ" "عن جِّده عن علي"‪ ،‬وهو غير موجود عند الاللكائي‪.‬‬
‫(‪ )2‬قوله "ثم حجاب" ليس في "أ"‪.‬‬

‫(‪)2/644‬‬

‫وتعالى عن وجهه‪ ،‬فكأَّنهم لم يرو نعمًة قبل ذلك‪ ،‬وهو قوله تبارك وتعالى‪َ{ :‬و َلَد ْيَنا َم ِز يٌد (‪})35‬‬
‫[ق‪.)1( " ]35 :‬‬

‫فصل‬
‫وأَّما حديث أبي موسى‪ :‬ففي "الصحيحين" (‪ )2‬عنه ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪ -‬قال‪" :‬جَّنتان من فضة آنيتهما وما فيهما‪ ،‬وجَّنتاِن من ذهٍب آنيتهما وما فيهما‪ ،‬وما بين‬
‫الَق ْو ِم وبيَن أْن ينظروا إلى رِّبهم تبارك وتعالى إاَّل رداء الكبرياء على وجهه في جَّنِة عدن"‪.‬‬
‫وقال اإلمام أحمد‪ :‬حدثنا حسن بن موسى وعفان قاال‪ :‬حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن‬
‫عمارة عن أبي ُبْر َدة عن أبي موسى قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬يجمع الَّلُه‬
‫عَّز وجَّل اُألَمَم في صعيٍد واحٍد يوم القيامة‪ ،‬فإذا بدا لَّله أْن يصدع بين خلقه‪ُ ،‬مِّثَل لكَّل قوٍم ما‬
‫كانوا يعبدون فيتبعونهم حَّتى يقحموا بهم (‪ )3‬الَّنار‪ ،‬ثَّم يأتينا رُّبنا عَّز وجَّل ونحن على مكان‬
‫رفيع‪ ،‬فيقول‪ :‬من أنتم؟ فنقول‪ :‬نحن المسلمون‪ ،‬فيقول‪ :‬ما تنتظرون؟ فيقولون‪ :‬ننتظُر ربنا عَّز‬
‫وجَّل‪ ،‬قال‪ :‬فيقول‪ :‬وهل تعرفونه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الاللكائي في شرح أصول االعتقاد رقم (‪ )852‬من طريق يعقوب بن سفيان به مثله‪.‬‬
‫وهو حديث موضوع فيه عمرو بن خالد القرشي قال اإلمام أحمد‪ :‬كذاب‪ ،‬يروي عن زيد بن‬
‫علي عن آبائه أحاديث موضوعة‪ ،‬يكذب‪.‬‬
‫انظر تهذيب الكمال (‪.)605 /21‬‬
‫(‪ )2‬البخاري رقم (‪ ،)4597‬ومسلم رقم (‪.)180‬‬
‫(‪ )3‬في "ب‪ ،‬هـ‪ ،‬د" والمسند "يقحمونهم"‪.‬‬

‫(‪)2/645‬‬

‫إْن رأيتموه؟ فيقولون‪ :‬نعم (‪ ، )1‬إَّنه ال ِع ْد ل له‪ ،‬فيتجَّلى لنا ضاحًك ا فيقول‪ :‬أبشروا يا معشر‬
‫المسلمين‪ ،‬فإنه ليس منكم أحد إال جعلت في النار يهودًّيا أو نصرانًّيا مكانه" (‪. )2‬‬
‫وقال حماد بن سلمة‪ :‬عن علي بن زيد‪ ،‬عن عمارة القرشي‪ ،‬عن أبي بردة‪ ،‬عن أبي موسى‪ ،‬عن‬
‫الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬يتجلى لنا ربنا تبارك وتعالى ضاحًك ا يوم القيامة" (‪. )3‬‬
‫وذكر الدارقطني من حديث أبان بن أبي عياش‪ ،‬عن أبي تميمة الهجيمي‪ ،‬عن أبي موسى‪ ،‬عن‬
‫الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬يبعث الَّله يوم القيامة منادًيا بصوت يسمعه أولهم وآخرهم‪:‬‬
‫إَّن الَّله عز وجل وعدكم الحسنى وزيادة‪ ،‬فالحسنى‪ :‬الجنة‪ ،‬والزيادة‪ :‬النظر إلى وجه الَّله عز‬
‫وجل" (‪. )4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في المسند "فيقول‪ :‬كيف تعرفونه ولم تروه؟ فيقولون‪ :‬نعم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أحمد في المسند (‪ .)408 - 407 /4‬وأخرجه عبد بن حميد رقم (‪،)539‬‬
‫واآلجري في الشريعة رقم (‪ ،)608‬وابن خزيمة في التوحيد رقم (‪ 339‬و ‪ )340‬وعبد الَّله في‬
‫السنة رقم (‪ )180‬مختصًر ا‪.‬‬
‫وسنده ضعيف جًّدا فيه عمارة القرشي قال األزدي‪ :‬ضعيف جًّدا‪.‬‬
‫انظر لسان الميزان (‪.)322 /4‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الدارقطني في الصفات رقم (‪.)34‬‬
‫وفيه عمارة القرشي‪ :‬ضعيف جًد ا‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الدارقطني في الرؤية رقم (‪.)43‬‬
‫وفيه أبو بكر الهذلي‪ :‬وهو متروك الحديث‪.‬‬

‫(‪)2/646‬‬

‫فصل‬
‫وأَّما حديث عدي بن حاتم‪ :‬ففي "صحيح البخاري" (‪ )1‬قال‪" :‬بينا أنا عند الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪ -‬إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة‪ ،‬ثم أتى إليه آخر فشكا إليه قطع السبيل‪ ،‬فقال‪" :‬يا عدي‪،‬‬
‫هل رأيت الِح ْيرة"؟ قلت‪ :‬لم أرها‪ ،‬وقد أنبئت عنها‪ .‬قال‪" :‬فإن طالت بك حياة لترين الَظِعينة‬
‫ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة ال تخاف أحًد ا إال الَّله"‪ .‬قلت فيما بيني وبين نفسي‪ :‬فأين‬
‫ُدَّعاُر طيء الذين سعروا البالد؟ "وإن طالت بك حياة لتفتحَّن كنوز كسرى"‪ ،‬قلت‪ :‬كسرى بن‬
‫هرمز؟ قال‪ :‬كسرى بن هرمز‪ ،‬وإن طالت بك حياٌة َلتريَّن الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو‬
‫فضة يطلب من يقبله منه فال يجد أحًد ا يقبله منه‪ ،‬وليلقين الَّله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه‬
‫حجاب وال ترجمان يترجم له‪ ،‬فليقولن‪ :‬ألم أبعث إليك رسواًل فيبلغك؟ فيقول‪ :‬بلى يا رب‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬ألم أعطك مااًل وأفضل عليك؟ فيقول‪ :‬بلى‪ ،‬فينظر عن يمينه فال يرى إال جهنم‪ ،‬وينظر‬
‫عن يساره فال يرى إال جهنم"‪ .‬قال عدي‪ :‬سمعُت الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬يقول‪" :‬اتقوا‬
‫النار ولو بشق تمرة‪ ،‬فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة"‪ .‬قال عدي‪ :‬فرأيت الظعينة ترتحل من‬
‫الحيرة حتى تطوف بالكعبة ال تخاف إال الَّله‪ ،‬وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز‪ ،‬ولئن‬
‫طالت بكم حياة لترون ما قال الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪."-‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رقم (‪.)3400‬‬
‫(‪)2/647‬‬

‫فصل‬
‫وأما حديث أنس بن مالك‪ :‬ففي "الصحيحين" (‪ )1‬من حديث سعيد بن أبي عروبة‪ ،‬عن قتادة‪،‬‬
‫عن أنس بن مالك ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬يجمع الَّله‬
‫الناس يوم القيامة فيهتُّم ون لذلك ‪ -‬وفي لفظ‪ :‬فُيْلهمون لذلك ‪ -‬فيقولون‪ :‬لو استشفعنا إلى ربنا‬
‫حتى يريحنا من مكاننا هذا؟ فيأتون آدم‪ ،‬فيقولون‪ :‬أنت آدم أبو الخلق‪ ،‬خلقك الَّله بيده‪ ،‬ونفخ‬
‫فيك من روحه‪ ،‬وأمر المالئكة فسجدوا لك‪ ،‬اشفع لنا عند ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬لست هناكم‪ ،‬فيذكر خطيئته التي أصاب فيستحيي ربه منها‪ ،‬ولكن ائتوا نوًح ا أَّو ل رسول‬
‫بعثه الَّله عز وجل‪ ،‬قال‪ :‬فيأتون نوًح ا فيقول‪ :‬لست هناكم‪ ،‬فيذكر خطيئته التي أصاب فيستحيي‬
‫ربه منها‪ ،‬ولكن ائتوا إبراهيم الذي اتخذه الَّله خلياًل ‪ ،‬فيأتون إبراهيم فيقول‪ :‬لست هناكم‪ ،‬ويذكر‬
‫خطيئته التي أصاب فيستحيي ربه منها‪ ،‬ولكن ائتوا موسى الذي كلمه الَّله وأعطاه التوراة‪ ،‬فيأتون‬
‫موسى فيقول‪ :‬لست هناكم‪ ،‬ويذكر خطيئته التي أصاب‪ ،‬فيستحيي ربه منها‪ ،‬ولكن ائتوا عيسى‬
‫روح الَّله وكلمته‪ ،‬فيأتون عيسى روح الَّله وكلمته فيقول‪ :‬لست هناكم‪ ،‬ولكن ائتوا محمًد ا ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬عبًد ا قد غفر الَّله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪ :-‬فيأتوني فأستأذن على ربي فيؤَذُن لي‪ ،‬فإذا أنا رأيته فأقع ساجًد ا َفَيَدَعني‬
‫ما شاء الَّله أن يدعني‪ ،‬فيقال‪ :‬يا محمد‪ ،‬ارفع رأسك‪ ،‬وقل ُيسمع‪ ،‬وسل تعط‪ ،‬واشفع تشَّف ع‪.‬‬
‫فأرفع رأسي‪ ،‬فأحمد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري رقم (‪ 6975‬و ‪ ،)7002‬ومسلم رقم (‪.)193‬‬

‫(‪)2/648‬‬

‫ربي بتحميد يعِّلمنيه ربي‪ ،‬فأشفع فيحد لي حًّدا‪ ،‬فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة‪ ،‬ثم أعود‪،‬‬
‫فأقع ساجًد ا‪ ،‬فيدعني ما شاء الَّله أن يدعني‪ ،‬ثم يقال‪ :‬ارفع رأسك يا محمد‪ ،‬قل يسمع‪ ،‬وسل‬
‫تعط‪ ،‬واشفع تشَّف ع‪ ،‬فأرفع رأسي‪ ،‬فأحمد ربي بتحميد يعلمنيه ربي‪ ،‬ثم أشفع‪ :‬فيحد لي حًّدا‬
‫فأخرجهم من النار‪ ،‬وأدخلهم الجنة‪ .‬قال‪ :‬فال أدري في الثالثة أو في الرابعة‪ ،‬قال‪ :‬فأقول‪ :‬يا‬
‫رب‪ ،‬ما بقي في النار إال من حبسه القرآن"‪ .‬أي‪ :‬وجب عليه الخلود‪.‬‬
‫وذكر ابن خزيمة‪ :‬عن ابن عبد الحكم‪ ،‬عن أبيه وشعيب بن الليث‪ ،‬عن الليث (‪ ، )1‬حدثنا معتمر‬
‫بن سليمان‪ ،‬عن حميد‪ ،‬عن أنس قال‪" :‬يلقى الناس في القيامة ما شاء الَّله أن يلقوه من الحبس‪،‬‬
‫فيقولون‪ :‬انطلقوا بنا إلى آدم فيشفع لنا إلى ربنا ‪-‬فذكر الحديث إلى أن قال‪ -:‬فينطلقون إلى‬
‫محمد ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬فأقول‪ :‬أنا لها‪ ،‬فانطلق حتى أستفتح باب الجنة فيفتح في فأدخل‬
‫وربي على عرشه فأخر ساجًد ا" وذكر الحديث (‪. )2‬‬
‫وقال أبو عوانة‪ ،‬وابن أبي عروبة‪ ،‬وهمام‪ ،‬وغيرهم‪ :‬عن أنس (‪ )3‬في هذا الحديث‪" :‬فأستأذن‬
‫على ربي فإذا رأيته وقعت ساجًد ا"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬كذا في النسخ وفيه سقط‪ ،‬ولعَّل تتَّم ته (عن ابن الهاد عن عمرو ‪ -‬وهو ابن أبي عمرو ‪ -‬عن‬
‫أنس‪ .‬وحدثنا الحسين بن الحسن حدثنا المعتمر بن سليمان)‪.‬‬
‫انظر التوحيد البن خزيمة (‪ 710 /2‬و ‪.)716‬‬
‫(‪ )2‬التوحيد البن خزيمة رقم (‪.)358‬‬
‫(‪ )3‬كذا في النسخ‪ ،‬وصوابه "وغيرهم عن قتادة عن أنس"‪.‬‬
‫انظر التوحيد البن خزيمة رقم (‪.)354‬‬

‫(‪)2/649‬‬

‫وقال عفان‪ ،‬عن حماد بن سلمة‪ ،‬عن ثابت‪ ،‬عن أنس‪" :‬فآتي ربي وهو على سريره‪ ،‬أو كرسيه‬
‫فأخر له ساجًد ا"‪.‬‬
‫وساقه ابن خزيمة بسياق طويل‪ ،‬وقال فيه‪" :‬فأستفتح فإذا نظرت إلى الرحمن وقعت له ساجًد ا" (‬
‫‪. )1‬‬
‫ورؤية الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬لربه في هذا المقام ثابته عنه ثبوًتا يقطع به أهل العلم‬
‫بالحديث والسنة‪ ،‬وفي حديث أبي هريرة‪" :‬أنا أول من تنشق عنه األرض يوم القيامة وال فخر‪،‬‬
‫وأنا سيد ولد آدم وال فخر‪ ،‬وأنا صاحب لواء الحمد وال فخر‪ ،‬وأنا أول من يدخل الجنة وال‬
‫فخر‪ ،‬آخذ بحلقة باب الجنة‪ ،‬فيؤذن لي‪ ،‬فيستقبلني وجه الجبار جل جالله‪ ،‬فأخر له ساجًد ا" (‪)2‬‬
‫‪.‬‬
‫وقال الدارقطني‪ :‬حدثنا محمد بن إبراهيم النسائي المعدل بمصر‪ ،‬حدثنا عبد الَّله بن محمد بن‬
‫جعفر القاضي‪ ،‬حدثنا أبو بكر إبراهيم بن محمد‪ ،‬حدثنا الخليل بن عمر حدثنا [عمر بن سعيد‬
‫األبح] (‪ ، )3‬عن سعيد بن أبي عروبة‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن أنس ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬عن الَّنبي ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪ -‬في قوله عز وجل‪ِ{ :‬لَّلِذ يَن َأْح َس ُنوا اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة}‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬التوحيد البن خزيمة رقم (‪.)358‬‬
‫(‪ )2‬تقدم في ص (‪.)122‬‬
‫(‪ )3‬ما بين المعكوفتين من مصدر التخريج‪ ،‬ووقع في جميع النسخ بدله‪" :‬األشج" وهو خطأ‪.‬‬

‫(‪)2/650‬‬

‫[يونس‪ ]26 :‬قال‪" :‬النظر إلى وجه الَّله عز وجل" (‪. )1‬‬
‫حدثنا أبو صالح عبد الرحمن بن سعيد بن هارون األصبهاني‪ ،‬ومحمد بن جعفر بن أحمد الَم ِط ْيري‬
‫(‪ ، )2‬ومحمد بن علي ابن إسماعيل األيلي‪ ،‬قالوا‪ :‬حدثنا عبد الَّله بن روح المدائني‪ ،‬حدثنا سالم‬
‫بن سليمان‪ ،‬حدثنا ورقاء‪ ،‬وإسرائيل‪ ،‬وشعبة‪ ،‬وجرير بن عبد الحميد كلهم قالوا‪ :‬حدثنا ليث عن‬
‫عثمان بن أبي حميد‪ ،‬عن أنس ابن مالك‪ ،‬قال‪ :‬سمعت رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪-‬‬
‫يقول‪" :‬أتاني جبريل وفي كفه كالمرآة البيضاء يحملها‪ ،‬فيها كالنكتة السوداء‪ ،‬فقلت‪ :‬ما هذه‬
‫التي في يدك يا جبريل؟ فقال‪ :‬هذه الجمعة‪ ،‬قلت‪ :‬وما الجمعة‪ ،‬قال‪ :‬لكم فيها خير كثير‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫وما يكون لنا فيها؟ قال‪ :‬يكون عيًد ا لك ولقومك من بعدك‪ ،‬وتكون اليهود والنصارى تبًعا لكم‪،‬‬
‫ِق‬
‫قلت‪ :‬وما لنا فيها؟ قال‪ :‬لكم فيها ساعة ال يسأل الَّله عبٌد فيها شيًئا هو له ْسٌم إال أعطاه إياه‪ ،‬أْو‬
‫ليس له بقسم إال ُذخر له في آخرته ما هو أعظم منه‪ ،‬قلت‪ :‬ما هذه النكتة التي هي فيها؟ قال‪ :‬هي‬
‫الساعة ونحن ندعوه يوم المزيد‪ ،‬قلت‪ :‬وما ذاك يا جبريل؟ قال إن ربك اتخذ في الجنة وادًيا‪،‬‬
‫فيه كثبان من مسك أبيض‪ ،‬فإذا كان يوم الجمعة هبط من ِع َّليين على كرسيه‪ ،‬فيحف‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الدارقطني في الرؤية رقم (‪.)48‬‬
‫وفيه عمر بن سعيد األبح‪ :‬قال البخاري‪ :‬منكر الحديث‪ ،‬وقال أبو حاتم الرازي‪ :‬ليس بقوي‪.‬‬
‫انظر الجرح والتعديل (‪ ،)111 /6‬ولسان الميزان (‪.)352 /4‬‬
‫(‪ )2‬في جميع النسخ‪" :‬الطبري" وهو خطأ‪ .‬تاريخ بغداد (‪.)143 /2‬‬

‫(‪)2/651‬‬

‫الكرسَّي ‪ ،‬بكراسي من نور‪ ،‬فيجئ الَّنبيون حتى يجلسوا على تلك الكراسي‪ ،‬وتحف الكراسي‬
‫بمنابر من نور‪ ،‬ومن ذهب مكللة بالجوهر‪ ،‬ثم يجيء الصديقون والشهداء حتى يجلسوا على تلك‬
‫المنابر‪ ،‬ثم ينزل أهل الغرف من غرفهم‪ ،‬حتى يجلسوا على تلك الكثبان‪ ،‬ثم يتجلى لهم عز وجل‬
‫فيقول‪ :‬أنا الذي صدقتكم وعدي‪ ،‬وأتممت عليكم نعمتي‪ ،‬وهذا محل كرامتي فسلوني‪ ،‬فيسألونه‬
‫حتى تنتهي رغبتهم‪ ،‬فيفتح لهم في ذلك ما ال عين رأت‪ ،‬وال أذن سمعت‪ ،‬وال خطر على قلب‬
‫بشر‪ ،‬وذلك بمقدار منصرفكم من الجمعة‪ ،‬ثم يرتفع على ُك ْر ِس ِّيِه عز وجل‪ ،‬ويرتفع معه الَّنبيون‬
‫والصديقون‪ ،‬ويرجع أهل الغرف إلى غرفهم وهي‪ :‬لؤلؤة بيضاء‪ ،‬أو زبرجدة خضراء‪ ،‬أو ياقوتة‬
‫حمراء‪ ،‬غرفها وأبوابها فيها‪ ،‬أنهارها مطردة فيها‪ ،‬وأزواجها وخدامها‪ ،‬وثمارها متدلية فيها‪،‬‬
‫فليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى يوم الجمعة‪ ،‬ليزدادوا نظًر ا إلى ربهم ويزدادوا منه كرامة" (‬
‫‪. )1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الدارقطني في الرؤية (‪ )59‬بسنده ومتنه‪ .‬وعنه الخطيب في الموضح (‪.)264 /2‬‬
‫وأخرجه محمد بن عثمان بن أبي شيبة في العرش رقم (‪.)88‬‬
‫‪ -‬وقال ليث مرة‪ :‬عن عثمان بن عمير عن أنس‪.‬‬
‫أخرجه ابن منده في الرد على الجهمية رقم (‪.)92‬‬
‫‪ -‬ورواه أبو طيبة وعنبسة ومحمد بن إسحاق كلهم عن ليث عن عثمان بن عمير عن أنس‪.‬‬
‫أخرجه اآلجري في الشريعة رقم (‪ ،)612‬وابن منده (‪ ،)92‬والدارقطني في الرؤية (‪،)60 ،62‬‬
‫والخطيب في الموضح (‪.)266 /2‬‬
‫والحديث مداره على عثمان بن أبي حميد ‪-‬وهو ابن عمير أبو اليقظان =‬

‫(‪)2/652‬‬
‫هذا حديث كبير عظيم الشأن‪ ،‬رواه أئمة السنة وتلقوه بالقبول‪ ،‬وَج َّم ل به الشافعي "مسنده"‪،‬‬
‫فرواه عن إبراهيم بن محمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني موسى بن عبيدة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو األزهر‪ ،‬عن عبد الَّله‬
‫بن عبيد بن عمير أنه سمع أنس بن مالك‪ ،‬فذكره بنحوه‪ ،‬وقد تقدم لفظه (‪. )1‬‬
‫ثم قال الشافعي‪ :‬أنبأنا إبراهيم قال‪ :‬حدثني أبو عمران إبراهيم بن الجعد‪ ،‬عن أنٍس شبيًه ا به وزاد‬
‫فيه أشياء (‪. )2‬‬
‫ورواه محمد بن إسحاق‪ ،‬قال‪ :‬حدثني ليث بن أبي سليم‪ ،‬عن عثمان بن عمير‪ ،‬عن أنس به‪ ،‬وقال‬
‫فيه‪" :‬ثم يتجلى لهم ربهم عز وجل‪ ،‬حتى ينظروا إلى وجهه الكريم‪ " . . .‬وذكر باقي الحديث‪.‬‬
‫ورواه عمرو بن أبي قيس‪ ،‬عن أبي ظبية (‪ ، )3‬عن عاصم‪ ،‬عن عثمان بن عمير أبي اليقظان‪ ،‬عن‬
‫أنس وجَّو دُه‪ ،‬وفيه‪" :‬فإذا كان يوم الجمعة نزل على كرسيه‪ ،‬ثم حف الكرسي بمنابر من نور‪،‬‬
‫فيجيء الَّنبيون حتى يجلسوا عليها‪ ،‬ويجيء أهل الغرف حتى يجلسوا على الُك ُثب‪ ،‬قال‪ :‬ثم‬
‫يتجلى لهم ربهم تبارك وتعالى‪ ،‬فينظرون إليه‬
‫__________‬
‫= الكوفي ‪ -‬ضعفه بعضهم‪ ،‬وقال فيه بعضهم‪ :‬منكر الحديث‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬متروك‪ ،‬وهو لم‬
‫يسمع من أنس‪ ،‬وفيه أيًض ا ليث بن أبي سليم‪.‬‬
‫فالحديث ضعيف جًّدا‪.‬‬
‫(‪ )1‬في الباب (‪ )61‬ص (‪.)576‬‬
‫(‪ )2‬مسند الشافعي رقم (‪.)375‬‬
‫وفيه إبراهيم بن أبي يحيى األسلمي‪ :‬متروك الحديث‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "أ"‪" :‬طيبة"‪ ،‬والمثبت هو الصواب‪.‬‬

‫(‪)2/653‬‬

‫فيقول‪ :‬أنا الذي َص َد ْقتكم وعدي‪ ،‬وأتممت عليكم نعمتي‪ ،‬وهذا محل كرامتي = سلوني‪،‬‬
‫فيسألونه الرضى‪ ،‬قال‪ :‬رضاي أنزلكم داري‪ ،‬وأنا لكم كرامتي سلوني‪ ،‬فيسألونه الرضى‪،‬‬
‫فيشهدهم بالرضى‪ ،‬ثم يسألونه حتى تنتهي رغبتهم" (‪ . )1‬وذكر الحديث‪.‬‬
‫ورواُه علي بن حرب‪ ،‬حدثنا إسحاق بن سليمان حدثنا عنبسة بن سعيد عن عثمان بن عمير‪.‬‬
‫ورواُه الحسن بن َعَر فة حدثنا عَّم ار بن محمد‪ :‬ابن أخت سفيان الثوري‪ ،‬عن ليث بن أبي سليم‪،‬‬
‫عن عثمان وقال فيه‪ُ" :‬ثَّم يرتفع على كرسِّيه‪ ،‬ويرتفع معه الَّنبُّيون والِّص ديقون والشهداء‪ ،‬ويرجُع‬
‫أهل الغرِف إلى غرفهم" (‪. )2‬‬
‫ورواه الَّدارقطني من طريٍق ُأخرى من حديث قتادة عن أنس قال‪ :‬سمعته يقول‪" :‬بينا نحُن حوَل‬
‫رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬إذ قال‪" :‬أتاني جبريُل في يده كالمرآة البيضاء في وسطها‬
‫كالنكتة السوداء‪ ،‬قلُت ‪ :‬يا جبريُل ‪ ،‬ما هذا؟ قال‪ :‬هذا يوم الجمعة‪ ،‬يعرضه عليك ربك ليكون لك‬
‫عيًد ا وألمتك من بعدك‪ ،‬قال‪ :‬قلُت ‪ :‬يا جبريل‪ ،‬ما هذا النكتة السوداء؟ قال‪ :‬هذه الساعة وهي‬
‫تقوم يوم الجمعة‪ ،‬وهو سِّيد أيام الدنيا‪ ،‬ونحن ندعوه في الجَّنة يوم المزيد‪ ،‬قال‪ :‬قلُت ‪ :‬يا جبريل‬
‫ولَم تدعونه يوم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الدارقطني في الرؤية رقم (‪ ،)61‬والخطيب في الموضح (‪ )268 /2‬وغيرهما‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الدارقطني في الرؤية رقم (‪.)63‬‬
‫ومداره كما تقدم على عثمان بن عمير أو ابن أبي حميد‪.‬‬

‫(‪)2/654‬‬

‫المزيد؟ قال‪ :‬إَّن الَّله اَّتخَذ في الجَّنة وادًيا أفيح من مسٍك أبيض‪ ،‬فإذا كان يوم الجمعة نزل ربنا‬
‫عَّز وجَّل على كرسِّيه إلى ذلك الوادي‪ ،‬وقد ُح َّف العرُش بمنابر من ذهٍب مكَّللٍة بالجوهِر ‪ ،‬وقد‬
‫ُح َّف ت تلك المنابر بكراسي من نوٍر ‪ ،‬ثَّم يؤذن ألهل الغرف فيقبلون يخوضون كثبان المسك إلى‬
‫الُّر َك ب‪ ،‬عليهم أسورة الذهب والفضة وثياب السندس والحرير‪ ،‬حَّتى ينتهوا إلى ذلك الوادي‪،‬‬
‫فإذا اطمأُّنوا فيه جلوًس ا بعث الَّله عليهم ريًح ا ُيقال لها‪ :‬المثيرة‪ ،‬فثارت عليهم ينابيع المسك‬
‫األبيض في وجوههم وثيابهم‪ ،‬وهم يومئٍذ ُجْر ٌد مرٌد مكحلون أبناء ثالث وثالثين على صورة آدم‬
‫يوم خلقه الَّله عز وجل‪ ،‬فينادي رب العزة تبارك وتعالى رضوان وهو خازن الجنة‪ ،‬فيقول‪ :‬يا‬
‫رضوان‪ ،‬ارفع الحجب بيني وبين عبادي وُز َّو اِر ي‪ ،‬فإذا رفع الحجب بينه وبينهم فرأوا بهاءه‬
‫ونوره َه ُّبوا له بالسجود‪ ،‬فيناديهم تبارك وتعالى بصوته‪ :‬ارفعوا رؤوسكم فإنما كانت العبادة في‬
‫الدنيا‪ ،‬وأنتم اليوم في دار الجزاء‪ ،‬سلوني ما شئتم فأنا ربكم الذي صدقتكم وعدي‪ ،‬وأتممت‬
‫عليكم نعمتي‪ ،‬فهذا محل كرامتي فسلوني ما شئتم‪ ،‬فيقولون‪ :‬ربنا وأي خير لم تفعله بنا‪ ،‬ألسَت‬
‫الذي أعنتنا على سكرات الموت‪ ،‬وآنست منا الوحشة في ظلمة القبور‪ ،‬وآمنت روعتنا عند‬
‫النفخة في الصور؟ ألسَت أقلتنا عثراتنا‪ ،‬وسترت علينا القبيح من فعلنا‪ ،‬وَثَّبَّت على جسر جهَّنم‬
‫أقدامنا؟ ألسَت اَّلذي أدنيتنا من جوارك وأسمعتنا لذاذة منطقك‪ ،‬وتجليت لنا بنورك فأُّي خيٍر لم‬
‫تفعله بنا؟ فيعوُد الَّلُه عَّز وجَّل‪ ،‬فيناديهم بصوته فيقول‪ :‬أنا رُّبكم اَّلذي صدقتكم وعدي‪ ،‬وأتممُت‬
‫عليكم نعمتي فسلوني‪ ،‬فيقولون‪ :‬نسألك رضاك‪ ،‬فيقول‪ :‬برضائي عنكم‬

‫(‪)2/655‬‬

‫أقْلُتُك م عثراتكم‪ ،‬وسترُت عليكم القبيح من أموركم‪ ،‬وأدنيُت مِّني جواركم‪ ،‬وأسمعتكم لذاذة‬
‫َم ْنطقي‪ ،‬وتجليت لكم بنوري‪ ،‬فهذا محل كرامتي فسلوني‪ ،‬فيسألونه حتى تنتهي مسألتهم‪ ،‬ثَّم‬
‫يقول الَّله عَّز وجَّل‪ :‬سلوني فيسألونه حَّتى تنتهي رغبتهم‪ ،‬ثَّم يقول الَّله عَّز وجَّل‪ :‬سلوني‪،‬‬
‫فيقولون‪ :‬رضينا ربنا وسلمنا‪ ،‬فيريهم من مشهد فضله وكرامته‪ ،‬ما ال عيٌن رأت وال أذن سمعت‪،‬‬
‫وال خطر على قلب بشر‪ ،‬ويكون ذلك بمقدار تفرقهم من الجمعة‪ ،‬قال أنس‪ :‬فقلُت ‪ :‬بأبي أنت‬
‫وُأِّم ي يا رسول الَّله وما مقدار تفرقهم؟ قال‪ :‬كقدر الجمعة إلى الجمعة‪ ،‬قال‪ :‬ثَّم يحمل عرش ربنا‬
‫تبارك وتعالى معهم المالئكة والَّنبيون ثَّم يؤذن ألهل الغرفات فيعودون إلى غرفهم وهما‪ :‬غرفتان‬
‫من زمردتين خضراوين‪ ،‬وليسوا إلى شيٍء أشوق منهم إلى الجمعة لينظروا إلى رِّبهم عَّز وجَّل‪،‬‬
‫وليزيدهم من مزيد فضله وكرامته"‪ .‬قال أنس‪ :‬سمعته من رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪،-‬‬
‫وليس بيني وبينه أحد (‪. )1‬‬
‫ورواُه الَّدارقطني أيًض ا‪ :‬عن أبي بكر النيسابوري‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني العباس بن الوليد بن مزيد قال‪:‬‬
‫أخبرني محمد بن شعيب قال‪ :‬أخبرني‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الدارقطني في الرؤية رقم (‪ ،)64‬والعقيلي في الضعفاء الكبير (‪.)293 - 292 /1‬‬
‫قال العقيلي في ترجمة حمزة بن واصل المنقري عن قتادة‪" :‬مجهول في الرواية‪ ،‬وحديثه غير‬
‫محفوظ"‪.‬‬
‫ثم ساق العقيلي هذا الحديث بطوله ثم قال‪" :‬ليس له من حديث قتادة أصل‪ ،‬هذا حديث عثمان‬
‫بن عمير أبو اليقظان عن أنس‪." . . . .‬‬
‫وعليه فالحديث منكر من هذا الطريق غير محفوظ‪.‬‬

‫(‪)2/656‬‬
‫عمر مولى ُغْف رة عن أنس (‪. )1‬‬
‫ورواُه محمد بن خالد بن ُخ َلي‪ ،‬حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع‪ ،‬حدثنا صفوان قال‪ :‬قال أنس‪:‬‬
‫قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪.-‬‬
‫ورواُه أبو بكر بن أبي شيبة‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن محمد‪ ،‬عن ليث‪ ،‬عن أبي عثمان‪ ،‬عن أنس (‬
‫‪. )2‬‬
‫ورواُه إمام األئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة‪ ،‬عن زهير بن حرب‪ ،‬حدثنا جرير‪ ،‬عن ليث‪ ،‬عن‬
‫عثمان بن أبي حميد‪ ،‬عن أنس‪.‬‬
‫ورواُه عن األسود بن عامر قال‪ُ :‬ذِكر لي عن شريك‪ ،‬عن أبي اليقظان‪ ،‬عن أنس (‪. )3‬‬
‫ورواُه ابن بَّطة في "اإلبانة" (‪ )4‬من حديث األعمش عن أبي وائل عن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الدارقطني في الرؤية رقم (‪ ،)65‬والدارمي في الرد على الجهمية رقم (‪.)144‬‬
‫وسنده ضعيف فيه عمر مولى غفرة لم يلق أنس بن مالك‪ ،‬كما قال ابن معين وأبو حاتم الرازي‪.‬‬
‫انظر المراسيل رقم (‪.)496‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (‪ )478 - 477 /1‬رقم (‪ ،)5516‬وابن بطة في اإلبانة‬
‫(المختار) ‪-‬الرد على الجهمية‪ )29 - 24 /3( -‬رقم (‪.)24‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية رقم (‪ )198‬عن شيخ من أهل بغداد عن شريك به‪.‬‬
‫وكذا رواه يحيى بن يمان عن شريك به موقوًفا كما سيأتي عند المصنف ص (‪.)412‬‬
‫واألثر مداره على أبي اليقظان وقد تقدم الكالم عليه‪.‬‬
‫(‪ )4‬كما في (المختار) ‪ -‬الرد على الجهمية (‪ )36 - 32 /3‬رقم (‪ ،)26‬وسيأتي =‬

‫(‪)2/657‬‬

‫حذيفة‪ ،‬وسيأتي سياقه‪ ،‬وقد جمع ابن أبي داود طرقه‪.‬‬

‫فصل‬
‫وأَّما حديث بريدة بن الحصيب‪ :‬فقال إمام األئمة محمد بن إسحاق ابن خزيمة‪ :‬حدثنا أبو خالد‬
‫عبد العزيز بن أبان القرشي‪ ،‬حدثنا بشير بن المهاجر عن عبد الَّله بن ُبريدة عن أبيه قال‪ :‬قال‬
‫رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬ما منكم من أحٍد إاَّل سيخلوا الَّله به يوم القيامة‪ ،‬ليس بينه‬
‫وبينه حجاب وال ترجمان" (‪.)1‬‬
‫__________‬
‫= الكالم عليه في حاشية ص (‪.)679‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه عبد الَّله بن أحمد في السنة رقم (‪ )469‬والاللكائي في شرح أصول االعتقاد رقم (‬
‫‪ :)853‬عن محمد بن إسحاق الصاغاني نا أبو خالد القرشي نا بشير بن المهاجر به مثله‪.‬‬
‫* ورواه الحسن بن ناصح عن عبد العزيز بن أبان به نحوه‪.‬‬
‫أخرجه الدارقطني في الرؤية (‪.)184‬‬
‫ولعل هذا الطريق هو مراد المؤلف‪ ،‬فلعله لما رأى محمد بن إسحاق عند عبد الَّله في السنة‪،‬‬
‫ورأى الحديث عند ابن خزيمة في التوحيد انتقل ذهنه من الصاغاني إلى ابن خزيمة والَّله أعلم‪.‬‬
‫والحديث فيه عبد العزيز بن أبان وهو متروك الحديث‪ .‬انظر تهذيب الكمال (‪.)110 /18‬‬
‫لكن يغني عنه ما عند ابن خزيمة في التوحيد (‪ )363 /1‬رقم (‪.)216‬‬
‫من طريق زيد بن الحباب عن حسين بن واقد عن عبد الَّله بن بريدة به (ما منكم من أحد إال‬
‫وسيكلمه ربه‪ ،‬ليس بينه وبينه حاجب وال ترجمان)‪.‬‬

‫(‪)2/658‬‬

‫فصل‬
‫وأَّما حديث أبي َر ِز ين الُعقيلي‪ :‬فرواُه اإلمام أحمد من حديث شعبة وحماد بن سلمة‪ ،‬عن يعلى بن‬
‫عطاء‪ ،‬عن وكيع بن ُح دس‪ ،‬عن أبي رزين قال‪ :‬قلنا‪ :‬يا رسول الَّله‪ ،‬أُك ُّلنا يرى رَّبه عَّز وجَّل يوم‬
‫القيامة؟ قال‪" :‬نعم"‪ ،‬قال‪ :‬قلُت ‪ :‬وما آية ذلك في خلقه؟ قال‪" :‬أليس كُّلكم ينظر إلى القمر ليلة‬
‫البدر"؟ قلنا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪" :‬الَّله أكبر وأعظم" (‪.)1‬‬
‫قال عبد الَّله قال أبي‪ :‬والصواُب ُح دس (‪.)2‬‬
‫وقال أبو داود سليمان بن األشعث‪ :‬حدثنا موسى بن إسماعيل‪ ،‬حدثنا حَّم اد بن سلمة به‪.‬‬
‫فقد اتفق شعبة‪ ،‬وحماد بن سلمة ‪-‬وحسبك بهما‪ -‬على روايته عن يعلى بن عطاء‪ ،‬ورواُه الَّناُس‬
‫عنهما‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في المسند (‪ 11 /4‬و ‪ )12‬وابن ماجه رقم (‪ ،)180‬وأبو داود (‪،)4731‬‬
‫وابن حبان في صحيحه (‪ ،)6141‬والحاكم في المستدرك (‪ )605 /4‬رقم (‪)8682‬‬
‫والدارقطني في الرؤية (‪ )190 - 186‬وغيرهم‪.‬‬
‫قال الحاكم‪" :‬هذا حديث صحيح اإلسناد‪ ،‬ولم يخرجاه"‪.‬‬
‫والحديث مداره على وكيع بن حدس ‪-‬فيه جهالة‪ -‬تفرد بالرواية عنه يعلي بن عطاء‪ .‬وقد جَّهله‬
‫جماعة‪.‬‬
‫والحديث صححه ابن حبان والحاكم‪.‬‬
‫(‪ )2‬يعني‪ :‬أَّن شعبة أخطأ في قوله "ُعدس" بدل "ُح دس"‪ ،‬والصواب ما رواُه حماد ابن سلمة‬
‫وغيره كما ساقه المؤِّلف‪ .‬انظر العلل ومعرفة الرجال (‪ )189 /2‬رقم (‪.)1959‬‬

‫(‪)2/659‬‬

‫وعن أبي رزين فيه إسناد آخر قد تقَّدم ِذ ْك ره في حديثه الطويل (‪.)1‬‬
‫وأبو رزين الُعَق يلي له صحبة وِع َد اده من أهل الطائف‪ ،‬وهو لقيط بن عامر‪ ،‬ويقال‪ :‬لقيط بن‬
‫َص ِبَر ة‪ ،‬هكذا قال البخاري وابن أبي حاتم وغيرهما‪ ،‬وقيل‪ :‬هما اثنان‪ ،‬ولقيط بن عامر غير لقيط‬
‫بن صبرة‪ ،‬والصحيح األَّو ل‪ .‬وقال ابن عبد البر‪ :‬من قال‪ :‬لقيط بن َص ِبَر ة َنَس َبُه إلى جِّد ِه‪ ،‬وهو‬
‫لقيط بن عامر بن َص ِبَر ة (‪.)2‬‬

‫فصل‬
‫وأَّما حديث جابر بن عبد الَّله‪ :‬فقال اإلمام أحمد‪ :‬حدثنا روح بن عبادة حدثنا ابن جريج قال‪:‬‬
‫أخبرني أبو الزبير أَّنه سمع جابًر ا ُيْس أل عن الورود فقال‪" :‬نجيء (‪ )3‬يوم القيامة على كذا وكذا‪،‬‬
‫أي فوق الَّناِس ‪ ،‬فتدعى اُألمم بأوثانها وما كانت تعبد‪ ،‬األَّو ل فاألَّو ل‪ ،‬ثَّم يأتينا ربنا بعد ذلك‬
‫فيقول‪ :‬من تنتظرون؟ فيقولون‪ :‬ننتظر ربنا‪ ،‬فيقول‪ :‬أنا ربكم فيقولون‪ :‬حَّتى ننظر إليك‪ ،‬فيتجَّلى‬
‫لهم تبارك وتعالى يضَح ُك قال‪ :‬فينطلق بهم ويتبعونه‪ ،‬وُيْع َطى كُّل إنساٍن منهم‪ :‬منافق أو مؤمن‬
‫نوًر ا‪ ،‬ثَّم يتبعونه على جسر جهنم‪ ،‬وعليه كالليب وحسك‪ ،‬تأخذ من شاء الَّله‪ ،‬ثَّم ُيْطَف أ نور‬
‫المنافق‪ ،‬ثَّم ينجو المؤمنون‪ ،‬فتنجو أَّو ل زمرة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ص (‪.)126‬‬
‫(‪ )2‬انظر ِلترجمِتِه واالختالف فيه‪ :‬تهذيب الكمال (‪ ،)249 - 248 /24‬وتهذيب التهذيب (‬
‫‪.)480 - 479 /3‬‬
‫(‪ )3‬في "ب‪ ,‬هـ‪ ،‬د" ونسخة على حاشية "أ"‪" :‬نحن"‪ ،‬وهو الموافق لما في المسند المطبوع‪.‬‬

‫(‪)2/660‬‬

‫وجوههم كالقمر ليلة البدر‪ ،‬وسبعون ألًف ا ال يحاسبون‪ ،‬ثَّم اَّلذين يلونهم كأضوإ نجٍم في الَّس ماء‪،‬‬
‫ثَّم كذلك‪ ،‬ثَّم تحُّل الشفاعة حَّتى يخرج من الَّناِر من قال‪ :‬ال إله إاَّل الَّله‪ ،‬وكان في قلبه من الخيِر‬
‫ما يزُن شعيرًة‪ ،‬فُيْجَعلون بفناء أهل الجَّنة ويجعل أهل الجَّنة يرشون عليهم الماء‪ ،‬حتى ينبتون‬
‫نبات الشيء في السيل‪ ،‬ويذهب حراقه ثَّم يسأل حَّتى يجعَل الَّله له الدنيا وعشرة أمثالها َمَعها" (‬
‫‪. )1‬‬
‫رواُه مسلم في "صحيحه" (‪ )2‬وهذا اَّلذي وقع في الحديث من قوله‪" :‬على كذا وكذا" قد جاء‬
‫مفَّس ًر ا في رواية صحيحة ذكرها عبد الحق في "الجمع بين الصحيحين" (‪" )3‬نجيء يوم القيامة‬
‫على تٍّل مشرفين على الخالئق"‪.‬‬
‫وقال عبد الرزاق‪ :‬أنبأنا رباح بن زيد‪ ،‬قال‪ :‬حَّدثني ابن جريج قال‪ :‬أخبرني زياد بن سعد أَّن أبا‬
‫الزبير أخبره عن جابر بن عبد الَّله ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪" :-‬يتجَّلى لنا الرُّب تبارك وتعالى ينظرون إلى وجهه‪ ،‬فيِخ ُّر ون له ُس َّج ًد ا‪ ،‬فيقول‪ :‬ارفعوا‬
‫رؤوسكم فليس هذا بيوم عبادة" (‪. )4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)384 - 383 /3‬‬
‫(‪ )2‬رقم (‪.)191‬‬
‫(‪.)159 - 158 /1( )3‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الدارقطني في الرؤية رقم (‪ .)52‬من طريق أحمد بن محمد بن عمر ابن يونس‬
‫اليمامي عن عبد الرزاق به مثله‪.‬‬
‫وسنده ضعيف جًّدا‪ ،‬فيه أحمد بن محمد اليمامي أبو سهل الحنفي متروك =‬
‫(‪)2/661‬‬

‫قال الَّدارقطني‪ :‬أنبأنا أحمد بن عيسى بن السكن (‪ ، )1‬حدثنا أحمد ابن محمد بن عمر بن‬
‫يونس‪ ،‬حدثنا محمد بن ُش َر ْح بيل الصنعاني‪ ،‬قال‪ :‬حدثني ابن ُج َر يج‪ ،‬عن أبي الزبير عن جابر بن‬
‫عبد الَّله ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬يتجَّلى لنا رُّبنا عَّز‬
‫وجَّل يوم القيامة ضاحًك ا" (‪. )2‬‬
‫وروى أبو ُقَّر ة عن مالك بن أنس عن زياد بن سعد‪ ،‬حدثنا أبو الزبير‪ ،‬عن جابر أَّنه سمع الَّنبي ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬يقول‪" :‬إذا كان يوم القيامة ُج معت اُألَم م"‪ ،‬فذكر الحديث وفيه‪" :‬فيقول‪:‬‬
‫أتعرفون الَّله عَّز وجَّل إْن رأيتموه؟ فيقولون‪ :‬نعم‪ ،‬فيقول‪ :‬وكيف تعرفونه ولم َتَر ْو ُه؟ فيقولون‪:‬‬
‫نعلُم أَّنه ال ِع ْد َل له‪ ،‬قال‪ :‬فيتجَّلى لهم تبارك وتعالى‪ ،‬فيخُّر ون له ُس َّج ًد ا" (‪. )3‬‬
‫وقال ابن ماجه في "سننه" (‪ : )4‬حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي‬
‫__________‬
‫= الحديث‪ ،‬وكان يكذب‪ .‬تاريخ بغداد (‪.)270 - 269 /5‬‬
‫(‪ )1‬وقع في "د" ونسخة على حاشية "أ"‪" :‬السكين"‪ ،‬وهو كذلك عند الدارقطني في الرؤية‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الدارقطني في الرؤية رقم (‪.)53‬‬
‫وسنده ضعيف جًّدا‪ ،‬فيه أحمد بن محمد اليمامي وهو متروك كما تقدم‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الَّدارقطني في الرؤية رقم (‪.)54‬‬
‫وهو حديٌث غريب من حديث مالك‪ ،‬وفي سنده محمد بن يوسف الزبيدي أبو ُحَم ة‪ ،‬ذكره ابن‬
‫حبان في الثقات (‪ )104 /9‬وقال‪" :‬ربما أخطأ وأغرب‪ ،‬كنيته أبو يوسف‪ ،‬وأبو ُحَم ة‪ :‬لقب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬رقم (‪ .)184‬وأخرجه العقيلي في الضعفاء (‪ ،)275 - 274 /2‬واآلُج ِّر ي في الشريعة رقم‬
‫(‪ ،)615‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)98‬وأبو نعيم =‬

‫(‪)2/662‬‬

‫الشواِر ب‪ ،‬حدثنا أبو عاصم العَّباداني عن الفضل بن عيسى الرقاشي عن محمد بن المنكدر عن‬
‫جابر بن عبد الَّله ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬بينا أهل‬
‫الجَّنة في نعيمهم إذ سطَع لهم نوٌر فرفعوا رؤوسهم‪ ،‬فإذا الرُّب جَّل جالله قد أشرَف عليهم من‬
‫فوقهم فقال‪ :‬السالُم عليكم يا أهل الجَّنة‪ ،‬وهو قول الَّله عَّز وجَّل‪َ{ :‬س اَل ٌم َقْو اًل ِم ْن َر ٍّب َر ِح يٍم (‬
‫‪[ } )58‬يس‪ )1( ]58 :‬فال يلتفتون إلى شيٍء مَّم ا هم فيه من النعيم ما داموا ينظرون إليه حَّتى‬
‫يحتجب عنهم وتبقى فيهم بركته ونوره" (‪. )2‬‬
‫وقال حرب في "مسائله" (‪ : )3‬حدثنا يحيى بن أبي حزم‪ ،‬حدثنا يحيى بن محمد أبو عاصم‬
‫العباداني فذكره‪.‬‬
‫وعند البيهقي في هذا الحديث سياق آخر رواُه أيًض ا من طريق العباداني‪ ،‬عن الفضل بن عيسى‬
‫عن ابن المنكدر عن جابر بن عبد الَّله ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪" :-‬بينا أهل الجَّنة في مجلس لهم إْذ سطَع لهم نوٌر على باب الجَّنة‪ ،‬فرفعوا رؤوسهم فإذا‬
‫الرُّب تبارك‬
‫__________‬
‫= في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)91‬والَّدارقطني في الرؤية (‪ )51‬وغيرهم‪.‬‬
‫والحديث ضعيٌف جًّدا‪ ،‬مدارُه على الفضل بن عيسى الَّر قاشي‪ :‬متروك الحديث عن ابن المنكدر‪.‬‬
‫والحديث تكلم فيه العقيلي وابن عدي وابن الجوزي وابن كثير والبوصيري‪.‬‬
‫(‪ )1‬عند ابن ماجه "قال‪ :‬فينظر إليهم‪ ،‬وينظرون إليه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زاد ابن ماجه "عليهم في ديارهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬لم أجده في القطعة المطبوعة عام ‪ 1425‬هـ‪.‬‬

‫(‪)2/663‬‬

‫وتعالى قد أشرف‪ ،‬فقال‪ :‬يا أهل الجَّنة سلوني‪ ،‬قالوا‪ :‬نسألك الِّر ضى عَّنا قال‪ِ :‬ر َض اَي أحّلكم‬
‫داري‪ ،‬وأنالكم كرامتي‪ ،‬هذا أوانها فسلوني‪ ،‬قالوا‪ :‬نسألك الزيادة‪ ،‬قال‪ :‬فيؤتون بنجائب من‬
‫ياقوت أحمر‪َ ،‬أِز َّمتها زمُّر د أخضر وياقوت أحمر‪ ،‬فجاؤوا عليها تضع حوافرها عند منتهى طرفها‪،‬‬
‫فيأمر الَّله عَّز وجَّل بأشجار عليها الثمار فتجيء جواري الحور العين وهَّن يقلَن ‪ :‬نحن الناعمات‬
‫فال نبأس‪ ،‬ونحُن الخالدات فال نموُت ‪ ،‬أزواُج قوٍم مؤمنين كرام‪ ،‬ويأمر الَّلُه عَّز وجَّل بكثبان من‬
‫مسٍك أبيض أذفر فيثير عليهم ريًح ا يقال لها‪ :‬المثيرة‪ ،‬حَّتى تنتهي بهم إلى جَّنة عدٍن وهي َقَصَبة‬
‫الجَّنة‪ ،‬فتقول المالئكة‪ :‬يا ربنا قد جاء القوُم‪ ،‬فيقول‪ :‬مرحًبا بالصادقين‪ ،‬مرحًبا بالَّطائعين‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فيكشُف لهم الحجاب فينظرون إلى الَّله تبارك وتعالى فيتمتعون بنور الرحمن حَّتى ال يبصر‬
‫بعضهم بعًض ا‪ ،‬ثَّم يقول‪ :‬أرجعوهم إلى القصور بالتحف فيرجعون‪ ،‬وقد أبصَر بعضهم بعًض ا‪ ،‬فقال‬
‫رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ :-‬فذلك قوله تعالى‪ُ{ :‬نُز اًل ِم ْن َغُفوٍر َر ِح يٍم (‪[ } )32‬فصلت‪:‬‬
‫‪.]32‬‬
‫رواُه في كتاب "البعث والنشور" (‪ ، )1‬وفي كتاب "الرؤية" (‪ )2‬قال‪ :‬وقد مضى في هذا‬
‫الكتاب‪ ،‬وفي كتاب "الرؤية" ما يؤِّك د هذا الخبر‪.‬‬
‫وقال الَّدارقطني‪ :‬أنبأنا الحسن بن إسماعيل أنبأنا أبو الحسن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رقم (‪.)493‬‬
‫(‪ )2‬أي للبيهقي‪ ،‬وهذا الكتاب ذكره الذهبي في السير (‪ ،)166 /18‬وحاجي خليفة في كشف‬
‫الظنون ص (‪ ،)1421‬وراجع تاريخ األدب العربي لبروكلمان (‪.)231 /6‬‬

‫(‪)2/664‬‬

‫علي بن عبدة‪ ،‬حدثنا يحيى بن سعيد القطان‪ ،‬عن ابن أبي ذئب‪ ،‬عن محمد ابن المنكدر‪ ،‬عن جابر‬
‫قال‪ :‬قال الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إَّن الَّلَه عَّز وجَّل يتجَّلى للَّناس عاَّمة ويتجَّلى ألبي بكر‬
‫خاَّصة" (‪.)1‬‬

‫فصل‬
‫وأَّما حديث أبي أمامة‪ :‬فقال ابن وهب‪ :‬أخبرني يونس بن يزيد عن عطاء الخرساني عن يحيى بن‬
‫أبي عمرو السيباني‪ ،‬عن عمرو بن عبد الَّله الحضرمي (‪ )2‬عن أبي ُأمامة قال‪ :‬خطبنا رسول الَّله‬
‫‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬يوًما فكان أكثر خطبته ذكر الدجال يحذرناه‪ ،‬ويحدثنا عنه حتى فرغ‬
‫من خطبته‪ ،‬فكان فيما قال لنا يومئذ‪" :‬إن الَّله عز وجل لم يبعث نبًّيا إال حَّذ ره ُأَّمته‪ ،‬وإني آخر‬
‫األنبياء‪ ،‬وأنتم آخر األمم‪ ،‬وهو خارج فيكم ال محالة‪ ،‬فإن يخرج وأنا بين أظهركم فأنا حجيج‬
‫كل مسلم‪ ،‬وإن يخرج فيكم بعدي فكل امرئ حجيج نفسه‪ ،‬والَّله خليفتي على كل مسلم‪ ،‬إنه‬
‫يخرج من َخ َّلة بين العراق والشام عاث يميًنا‪ ،‬وعاث شمااًل ‪ ،‬يا عباد الَّله اثبتوا وأنه يبدأ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الَّدارقطني في الرؤية رقم (‪ ،)48‬وابن عدي في الكامل (‪ ،)216 /5‬وابن حبان في‬
‫المجروحين (‪ )115 /2‬وغيرهم‪.‬‬
‫وهو حديٌث موضوع‪ ،‬فيه علي بن عبدة المكتب‪ :‬كان وَّضاًعا‪.‬‬
‫قال ابن عدي‪" :‬وهذا حديٌث باطل بهذا اإلسناد ‪." . . ..‬‬
‫(‪ )2‬قوله‪" :‬عمرو بن عبد الَّله الحضرمي" كذا في جميع النسخ‪ ،‬وصوابه "حريث ابن عمرو‬
‫الحضرمي" كما في مصادر التخريج‪ ،‬وقد تصَّح ف "حريث" عند الحاكم والَّدارقطني وابن خزيمة‬
‫إلى "حديث"‪.‬‬
‫وحريث بن عمرو يروي عن معاذ‪ ،‬فيه جهالة‪.‬‬
‫راجع الجرح والتعديل (‪ ،)263 /3‬والثقات البن حبان (‪.)174 /4‬‬

‫(‪)2/665‬‬

‫فيقول‪ :‬أنا نبٌّي ‪-‬وال نبَّي بعدي‪ -‬ثم يثني فيقول‪ :‬أنا ربكم ‪ -‬ولن تروا ربكم حتى تموتوا ‪ -‬وأنه‬
‫مكتوب بين عينيه "كافر" يقرؤه كل مؤمن‪ .‬فمن لقيه منكم فليتفل في وجهه‪ ،‬وليقرأ بفواتح سورة‬
‫أصحاب الكهف‪ ،‬وأنه ُيسَّلط على نفٍس من بني آدم فيقتلها‪ ،‬ثم يحييها‪ ،‬وأنه ال يعدو ذلك وال‬
‫سَّلط على نفس غيرها‪ ،‬وإن من فتنته أَّن معه جَّنًة ونا ا‪ ،‬فنارُه جَّنة‪ ،‬وجنته نار‪ ،‬فمن ابتلي بناِر ِه‬
‫ًر‬ ‫ُي‬
‫فليغمض عينيه‪ ،‬وليستغث بالَّله تكون برًدا وسالًم ا كما كانت الَّناُر برًدا وسالًم ا على إبراهيم‪ ،‬وإَّن‬
‫أيامه أربعون يوًم ا‪ :‬يوًم ا كسنة‪ ،‬ويوًما كشهر‪ ،‬ويوًما كجمعة‪ ،‬ويوًما كاأليام‪ ،‬وآخر أيامه‬
‫كالسراب‪ ،‬يصبح الرجل عند باب المدينة فيمسي قبل أْن يبلغ بابها اآلخر‪ ،‬قالوا‪ :‬كيف ُنَص ِّلي يا‬
‫رسول الَّله في تلك األيام؟ قال‪ :‬تقدرون فيها كما تقدرون في األيام الِّطوال" (‪. )1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني في الكبير (‪ )172 - 171 /8‬رقم (‪ ،)7644‬وابن خزيمة في التوحيد‬
‫رقم (‪ ،)270‬والحاكم في المستدرك (‪ )580 /4‬رقم (‪ ،)8620‬والَّدارقطني في الرؤية رقم (‬
‫‪.)68‬‬
‫قال الحاكم‪" :‬صحيح على شرط مسلم‪ ،‬ولم يخرجاُه بهذه السياقة"‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه إسماعيل بن رافع عن السيباني عن عمرو بن عبد الَّله الحضرمي عن أبي ُأمامة فذكره‪.‬‬
‫أخرجه ابن ماجه (‪ )4077‬وغيره‪ ،‬وانظر لزاًم ا النكت الظراف (‪.)175 /4‬‬
‫‪ -‬ورواُه ضمرة بن ربيعة عن الَّس يباني عن عمرو بن عبد الَّله الحضرمي عن أبي ُأمامة فذكره‪.‬‬
‫أخرجه أبو داود (‪ ،)4322‬والطبراني في الكبير (‪ )172 /8‬رقم (‪ ،)7645‬والَّدارقطني في‬
‫الرؤية (‪ )67‬وغيرهم‪= .‬‬

‫(‪)2/666‬‬

‫ورواه الَّدارقطني عن ابن صاعد عن أحمد بن الفرج عن ضمرة بن ربيعة عن يحيى بن أبي عمرو‪:‬‬
‫به مختصًر ا‪.‬‬

‫فصل‬
‫وأَّما حديث زيد بن ثابت‪ :‬فقال اإلمام أحمد‪ :‬حدثنا أبو المغيرة قال‪ :‬حدثني أبو بكر قال‪ :‬حدثني‬
‫ضمرة بن حبيب عن [أبي الدرداء] (‪ )1‬عن زيد بن ثابت أَّن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪-‬‬
‫عَّلمه دعاًء‪ ،‬وأمرُه أْن يتعاهد به أهله كَّل يوٍم ‪ ،‬قال‪ :‬قل حين تصبح‪ :‬لبيَك اللهم لبيك‪ ،‬لبيك‬
‫وسعديك‪ ،‬والخير في يديك‪ ،‬ومنك وإليك‪ ،‬اللهم وما قلُت من قوٍل أو نذرُت من نذٍر ‪ ،‬أو حلفُت‬
‫من حلف‪ ،‬فمشيئتك بين يديه‪ ،‬ما شئت كان‪ ،‬وما لم تشأ لم يكن‪ ،‬وال حوَل وال قَّو ة إاَّل بَك‬
‫وأنت (‪ )2‬على كَّل شيٍء قديٍر ‪ ،‬اَّللهم وما صليُت من صالٍة فعلى صَّليت‪ ،‬وما لعنُت من لعنٍة‬
‫َمْن‬
‫فعلى من لعنَت ؛ أنت ولِّيي في الدنيا واآلخرة‪ ،‬توفني مسلًم ا‪ ،‬وألحقني بالَّصالحين‪ ،‬أسأُلك اَّللهم‬
‫الِّر ضى بعد القضاء‪ ،‬وبْر َد العيِش بعد الموِت ‪ ،‬ولَّذ َة الَّنَظِر إلى وجهك‪ ،‬والشوِق إلى لقائك‪ ،‬من‬
‫غير ضَّر اَء‬
‫__________‬
‫= وحديث ضمرة وإسماعيل أصح من حديث عطاء الخراساني‪ ،‬وفي سنده عمرو بن عبد الَّله‬
‫الحضرمي لم يرو عنه غير السيباني‪ ،‬وقد وَّثقه العجلي والفسوي وابن حبان‪ ،‬لكن ال يعرف له‬
‫سماع من أبي ُأمامة‪.‬‬
‫وفي الحديث ألفاظ غريبة كقوله "فإَّنُه يبتدئ فيقول‪ :‬أنا نبٌي ‪." . . .‬‬
‫وهذا لم يأت في حديث صحيح‪.‬‬
‫(‪ )1‬ما بين المعكوفتين من المسند‪ ،‬وليس في جميع النسخ‪ ،‬وليس في رواية الحاكم "عن أبي‬
‫الدرداء"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬هـ"‪" :‬إَّنك"‪.‬‬

‫(‪)2/667‬‬

‫ِل‬ ‫َّل‬ ‫ٍة‬ ‫ِض ٍة‬


‫ُم َّر ‪ ،‬وال فتن مضَّللة‪ ،‬أعوذ بك ا لهم أْن َأْظ م أو ُأظَلم‪ ،‬أو أعتدي أو ُيْعَتَد ى علَّي ‪ ،‬أو َك ْسَب‬
‫خطيئة محبطه أو ذنًبا ال يغفر‪ ،‬اَّللهم فاط السموات واألرِض عال الغيب والشهادة ذا الجالِل‬
‫َم‬ ‫َر‬
‫واإلكرام‪ ،‬فإِّني أعهُد إليك في هذه الحياة الدنيا‪ ،‬وُأشهدك وكفى بك شهيًد ا‪ .‬إِّني أشهُد أْن ال إله‬
‫أنَت وحدك ال شريك لك‪ ،‬لك الملك‪ ،‬ولك الحمد‪ ،‬وأنت على كل شيء قدير‪ ،‬وأشهد أن‬
‫محمًد ا عبدك ورسولك‪ ،‬وأشهد أن وعدك حق‪ ،‬ولقاءك حق‪ ،‬والجنة حق‪ ،‬والنار حق‪ ،‬والساعة‬
‫آتية ال ريب فيها‪ ،‬وأنت تبعث من في القبور‪ ،‬وأشهد أنك إن َتِكْلني إلى نفسي تكْلني إلى ضيعة‬
‫وعورة وذنب وخطيئة‪ ،‬وإني ال أثق إال برحمتك‪ ،‬فأغفر لي ذنبي‪ ،‬إنه ال يغفر الذنوب إال أنت‪،‬‬
‫وُتْب علَّي إنك أنت التواب الرحيم" (‪. )1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في المسند (‪ ،)191 /5‬وابن خزيمة في التوحيد رقم (‪ ،)7‬والطبراني في‬
‫الكبير (‪ )120 - 119 /5‬رقم (‪ ،)4803‬وفي الدعاء رقم (‪ )321‬والبيهقي في الدعوات‬
‫الكبير رقم (‪ )43‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه عيسى بن يونس عن أبي بكر بن أبي مريم عن ضمرة عن زيد بن ثابت‪.‬‬
‫أخرجه الحاكم (‪ )698 - 697 /1‬رقم (‪ ،)1900‬والبيهقي في الدعوات رقم (‪.)42‬‬
‫‪ -‬ورواُه معاوية بن صالح عن ضمرة بن حبيب عن زيد بن ثابت‪.‬‬
‫أخرجه الطبراني في الكبير (‪ )157 /5‬رقم (‪.)4932‬‬
‫قال الحاكُم‪" :‬صحيح اإلسناد ولم يخرجاه"‪.‬‬
‫واإلسناد ضعيف‪ ،‬لالنقطاع بين ضمرة وزيد بن ثابت‪ ،‬وأبو بكر هو ابن أبي مريم ضعيف‪ .‬وقال‬
‫الذهبي معِّق ًبا على الحاكم‪" :‬قلت أبو بكر ضعيف‪ ،‬فأين الصحة؟! "‪ ،‬وضعفه أيًض ا الهيثمي في‬
‫المجمع (‪.)113 /10‬‬

‫(‪)2/668‬‬
‫رواُه الحاكُم في "صحيحه"‪.‬‬

‫فصل‬
‫وأَّما حديث عَّم ار بن ياسر‪ :‬فقال اإلمام أحمد‪ :‬حدثا إسحاق األزرق عن َش ِر يك عن أبي هاشم عن‬
‫ِم‬
‫أبي ْج َلز قال‪ :‬صَّلى بنا عَّم ار صالًة فأوجَز فيها‪ ،‬فأنكروا ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬ألم ُأِتُّم الركوَع‬
‫والسجوَد ؟ قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬أما إِّني قد دعوُت فيها بدعاء‪ ،‬كان رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪ -‬يدعو به‪" :‬اَّللهم بعلمك الغيَب ‪ ،‬وبقدرتك على الخلِق ‪ ،‬أحيني ما علمت الحياة خيًر ا لي‪،‬‬
‫وتوفني إذا كانت الوفاة خيًر ا لي‪ ،‬وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة‪ ،‬وكلمة الحِّق في‬
‫الغضب والِّر ضى‪ ،‬والقصَد في الفقر والغنى‪ ،‬ولَّذ ة النظر إلى وجهك‪ ،‬والشوَق إلى لقائك في غيِر‬
‫ضَّر اَء مضَّر ٍة‪ ،‬وال فتنٍة مضَّلٍة‪ ،‬اَّللهم زِّينا بزينة اإليمان‪ ،‬واجعلنا ُه داًة مهتدين" (‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد (‪.)264 /4‬‬
‫من طريق إسحاق األزرق وأسود بن عامر كالهما عن شريك به‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه جماعة عن شريك عن أبي هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عباد عن عَّم ار فذكره‪.‬‬
‫أخرجه النسائي رقم (‪ ،)1306‬وعبد الَّله في السنة رقم (‪ ،)280‬والبزار في مسنده رقم (‬
‫‪ )1392‬وغيرهم‪.‬‬
‫وله طريق آخر عن عمار‪.‬‬
‫رواُه حماد بن زيد وحماد بن سلمة ومحمد بن فضيل كلهم عن عطاء بن السائب عن أبيه عن‬
‫عمار فذكره‪.‬‬
‫أخرجه النسائي (‪ ،)1305‬وابن خزيمة في التوحيد رقم (‪ ،)13‬وابن =‬

‫(‪)2/669‬‬

‫وأخرجه ابن حبان والحاكُم في "صحيحيهما"‪.‬‬

‫فصل (‪)1‬‬
‫وأَّما حديُث عائشة رضي الَّلُه عنها‪ :‬ففي "صحيح الحاكم" من حديث الزهري عن عروة عنها‬
‫قالت‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬لجابر‪" :‬يا جابر‪ ،‬أال أبِّش رك؟ قال‪ :‬بلى بَّش رَك الَّلُه‬
‫بخيٍر ‪ ،‬قال‪ :‬شعرت أَّن الَّله أحيا أباك‪ ،‬فأقعده بين يديه‪ ،‬فقال‪ :‬تمَّن علَّي عبدي ما شئت ُأْع ِط كه‪،‬‬
‫قال‪ :‬يا رِّب ‪ ،‬ما عبدتك حَّق عبادتك‪ ،‬أتمَّنى عليك أْن تردني إلى الدنيا‪ ،‬فأقاتل مع نبيك‪ ،‬فأقتل‬
‫فيك مَّرًة أخرى‪ ،‬قال‪ :‬إَّنه قد سلَف مَّني أَّنك إليها ال ترجع" (‪.)2‬‬
‫وهو في "المسند" (‪ )3‬من حديث جابر‪ ،‬وفي مسنده أدخله‪.‬‬
‫وللترمذي فيه سياق أتم من هذا عن جابر قال‪" :‬لَّم ا ُقِتَل عبد الَّله بن‬
‫__________‬
‫= حبان رقم (‪ ،)1971‬والحاكم (‪ )706 - 705 /1‬رقم (‪ ،)1923‬وأبو يعلى رقم (‪،)1624‬‬
‫والبيهقي في الدعوات (‪ )220‬وغيرهم‪.‬‬
‫والحديث صححه ابن حبان‪.‬‬
‫(‪ )1‬من "ب‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪ ،‬ونسخة على حاشية (أ)‪.‬‬
‫(‪ )2‬المستدرك (‪ )224 - 223 /3‬رقم (‪ ،)4911‬وقال‪" :‬صحيح اإلسناد ولم يخرجاُه"‪.‬‬
‫وتعَّق به الذهبي بقوله‪" :‬فيض‪ :‬كَّذ اب"‪.‬‬
‫(‪ )361 /3( )3‬من طريق عبد الَّله بن محمد بن عقيل عن جابر فذكر نحوه‪.‬‬
‫وأخرجه الحميدي في مسنده رقم (‪ )1265‬وأبو يعلى في مسنده (‪ )6 /4‬رقم (‪)2002‬‬
‫وغيرهما‪.‬‬
‫وفيه ابن عقيل في حفظه مقال‪.‬‬

‫(‪)2/670‬‬

‫عمرو بن حرام يوم ُأُح ٍد قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬يا جابر أال أخبرك ما قال الَّله‬
‫عَّز وجَّل ألبيك؟ " قال بلى‪ ،‬قال‪" :‬ما كَّلم الَّله عَّز وجَّل أحًد ا إاَّل من وراء حجاب‪ ،‬وكَّلم أباك‬
‫كفاًح ا‪ ،‬فقال‪ :‬يا عبدي‪ ،‬تمَّن علَّي ُأْع ِط َك "‪ ،‬قال‪ :‬يا رِّب ُتْح ِيْيني‪َ ،‬فُأْقَتل فيك ثانية‪ ،‬قال‪" :‬إَّنه سبق‬
‫مِّني أَّنهم إليها ال ُيرجعون‪ ،‬قال‪ :‬يا رِّب ‪ ،‬فأبلغ من ورائي‪ ،‬فأنزل الَّله عَّز وجَّل هذه اآلية {َو اَل‬
‫َتْح َس َبَّن اَّلِذ يَن ُقِتُلوا ِفي َس ِبيِل الَّلِه َأْم َو اًتا} اآلية [آل عمران‪ ،)1( " ]169 :‬قال الترمذي‪" :‬هذا‬
‫حديث حسن غريب"‪.‬‬
‫قلُت ‪ :‬وإسناُدُه صحيح‪ ،‬ورواُه الحاكُم في "صحيحه"‪.‬‬

‫فصل‬
‫وأَّما حديث عبد الَّله بن عمر‪ :‬فقال الترمذي‪ :‬حدثنا َعْبد بن ُحَم ْيد (‪ )2‬عن َش َبابة عن إسرائيل عن‬
‫ثوير بن أبي فاِخ َتة‪.‬‬
‫وقال الطبراني‪ :‬حدثنا أسد بن موسى‪ ،‬حدثنا أبو معاوية محمد بن خازم‪ ،‬عن عبد الملك بن أبجر‪،‬‬
‫عن ثوير بن أبي فاختة‪ ،‬عن ابن عمر رضي الَّله عنهما قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪" :-‬إن أدنى أهل الجنة منزلة لرجل ينظر في ملكه ألفي سنة‪ ،‬يرى أقصاه كما يرى أدناه‪،‬‬
‫ينظر إلى‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الترمذي برقم (‪ ،)3010‬وابن ماجه (‪ ،)2800‬وابن خزيمة في التوحيد رقم (‪)599‬‬
‫وابن حبان في صحيحه رقم (‪ ،)7022‬والحاكم في المستدرك (‪ )225 - 224 /3‬وقال‪:‬‬
‫"صحيح اإلسناد ولم يخرجاه"‪ .‬وغيرهم‪.‬‬
‫والحديث حسنه الترمذي‪ ،‬وصححه ابن خزيمة والحاكم والمؤلف‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ج"‪" :‬جميل" وهو خطأ‪.‬‬

‫(‪)2/671‬‬

‫أزواجه وسرره وخدمه‪ ،‬وإن أفضلهم منزلة من ينظر في وجه الَّله تبارك وتعالى كل يوم مرتين" (‬
‫‪. )1‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬وُر ِو ي هذا الحديث من غير وجٍه ‪ :‬عن إسرائيل‪ ،‬عن ثوير‪ ،‬عن ابن عمر مرفوًعا‪.‬‬
‫ورواه عبد الملك بن أبجر‪ ،‬عن ثوير‪ ،‬عن مجاهد‪ ،‬عن ابن عمر موقوًفا‪ .‬وروى األشجعي عبيد‬
‫الَّله‪ ،‬عن الثوري‪ ،‬عن ثوير‪ ،‬عن مجاهد‪ ،‬عن ابن عمر قوله‪ ،‬ولم يرفعه‪ .‬حدثنا بذلك أبو كريب‪،‬‬
‫حدثنا األشجعي‪ ،‬عن سفيان‪ ،‬عن ثوير‪ ،‬عن مجاهد‪ ،‬عن ابن عمر نحوه‪ ،‬ولم يرفعه"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ورواه الحسن بن عرفة‪ ،‬عن شبابة‪ ،‬عن إسرائيل‪ ،‬عن ثوير‪ ،‬عن ابن عمر مرفوًعا‪ ،‬وزاد فيه‪:‬‬
‫ثم قرأ رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ُ{ :-‬وُج وٌه َيْو َم ِئٍذ َناِض َر ٌة (‪ِ )22‬إَلى َر ِّبَه ا َناِظ َر ٌة (‪} )23‬‬
‫[القيامة‪)2( ]23 - 22 :‬‬
‫وقال سعيد بن هشيم بن بشير عن أبيه‪ ،‬عن كوثر (‪ )3‬بن حكيم‪ ،‬عن نافع‪ ،‬عن ابن عمر‪-‬رضي‬
‫الَّله عنهما‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬يوم القيامة أول يوم نظرت فيه عين‬
‫إلى الَّله تبارك وتعالى" (‪. )4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تقدم الكالم عليه في ص (‪.)324 - 323‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الَّدارقطني في الرؤية رقم (‪.)171‬‬
‫وسنده ضعيف مداره على ثوير وهو ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "أ‪ ،‬ب‪ ،‬ج‪ ،‬هـ"‪ُ" :‬ك ريز"‪ ،‬وفي "د"‪" :‬كدز"‪ ،‬وهو تحريف‪ ،‬والتصويب من الَّدارقطني‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الَّدارقطني في الرؤية رقم (‪.)175‬‬
‫وهو حديٌث باطل فيه‪ :‬كوثر بن حكيم ضَّعفه بعضهم‪ ،‬وتركه بعضهم‪ ،‬وقال اإلمام أحمد‪ :‬ليس‬
‫بشيء‪ ،‬وهذا الحديث معدوٌد من منكراته‪= .‬‬

‫(‪)2/672‬‬

‫ورواه الدارقطني عن جماعة‪ ،‬عن أحمد بن يحيى بن حيان الرقي‪ ،‬عن إبراهيم بن ُخ َّر زاد عنه‪.‬‬
‫وقال الدارقطني‪ :‬حدثنا أحمد بن سليمان‪ ،‬أخبرنا محمد بن يونس‪ ،‬حدثنا عبد الحميد بن صالح‪،‬‬
‫ثنا أبو شهاب الحَّناط‪ ،‬عن خالد ابن دينار‪ ،‬عن حماد بن جعفر‪ ،‬عن عبد الَّله بن عمر ‪-‬رضي الَّله‬
‫عنهما‪ -‬قال‪ :‬سمعت رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬يقول‪" :‬أال أخبركم بأسفل أهل الجنة‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬بلى يا رسول الَّله ‪-‬فذكر الحديث إلى أن قال‪ :-‬حتى إذا بلغ النعيم منهم كل مبلغ وظُّنوا‬
‫أن ال نعيم أفضل منه أشرف الرب تبارك وتعالى عليهم‪ ،‬فينظرون إلى وجه الَّله عز وجل‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫يا أهل الجنة هِّلُلوني وكِّبروني وسَّبحوني بما كنتم تهللوني وتكِّبروني وتسِّبحوني في دار الدنيا‪،‬‬
‫فيتجاوبون بتهليل الرحمن‪ ،‬فيقول تبارك وتعالى لداود‪ :‬يا داود قم فمِّج ْد ني‪ ،‬فيقوم داود فيمجد‬
‫ربه عز وجل" (‪. )1‬‬
‫__________‬
‫= انظر‪ :‬الميزان للذهبي (‪ ،)505 /5‬واللسان (‪.)590 /4‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه الَّدارقطني في الرؤية (‪.)176‬‬
‫وفيه محمد بن يونس الكديمي‪ :‬وهو متروك‪ ،‬وقد توبع عليه‪.‬‬
‫تابعه محمد بن عبد الَّله "أو عبيد الَّله" بن موسى القرشي ثنا عبد الحميد بن صالح به مطَّو اًل ‪.‬‬
‫أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)343‬‬
‫ومحمد القرشي هذا لم أقف عليه‪.‬‬
‫وفي اإلسناد حماد بن جعفر يحتمل أَّنه العبدي البصري‪ :‬وثقة ابن معين‪ ،‬وقال ابن عدي‪" :‬منكر‬
‫الحديث"‪.‬‬
‫وضعفه األزدي‪ ،‬وقال ابن حجر‪ :‬لين‪ .‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)230 /7‬‬
‫ويحتمل أَّنه آخر‪ :‬لم أقف عليه‪ ،‬وأيًض ا في الحديث انقطاع بين حماد =‬

‫(‪)2/673‬‬

‫وقال عثمان بن سعيد الدارمي في "رده على بشر المريسي" (‪ :)1‬حدثنا أحمد بن يونس‪ ،‬عن أبي‬
‫شهاب الحناط (‪ ،)2‬عن خالد بن دينار‪ ،‬عن حماد بن جعفر‪ ،‬عن ابن عمر رفعه إلى الَّنبي ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪" :-‬إن أهل الجنة إذا بلغ النعيُم منهم كَّل َمْبَلغ وظنوا أن ال نعيم أفضل منه تجَّلى‬
‫لهم الرب تبارك وتعالى فنظروا إلى وجه الَّر حمن‪ ،‬فنسوا كَّل نعيم عاينوُه حين نظروا إلى وجه‬
‫الَّر حمن" (‪.)3‬‬

‫فصل‬
‫وأَّما حديث ُعَم ارة بن ُرَو ْيبة‪ :‬فقال ابن بطة في "اإلبانة" (‪ :)4‬حدثنا عبد الغافر (‪ )5‬بن سالمة‬
‫الحمصي‪ ،‬حدثنا محمد بن عوف بن سفيان الطائي‪ ،‬حدثنا أبو اليمان‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن عياش‪،‬‬
‫عن عبد الرحمن بن عبد الَّله‪ ،‬عن إسماعيل بن أبي خالٍد عن أبي بكر بن عمارة بن رويبة عن أبيه‬
‫قال‪ :‬نظر رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬إلى القمر ليلَة البدِر‬
‫__________‬
‫= بن جعفر وابن عمر والَّله أعلم‪.‬‬
‫(‪ )1‬رقم (‪.)229‬‬
‫(‪ )2‬في "ب‪ ،‬د"‪" :‬الخياط"‪ ،‬وفي "هـ"‪" :‬الخباط"‪ ،‬وكالهما تصحيف‪.‬‬
‫(‪ )3‬وأخرجه أيًض ا الَّدارمي في الرِّد على الجهمية رقم (‪ ،)189‬وعبد بن حميد فى مسنده (‬
‫‪ )849‬المنتخب‪.‬‬
‫وسنده ضعيف فيه العلل المتقدمة االنقطاع وغيره‪.‬‬
‫(‪ )4‬هو ضمن القطعة المفقودة من اإلبانة الجزء الخامس عشر‪ ،‬وقد نشر ُمخَتَص ره‪" :‬المختار من‬
‫اإلبانة" وليس فيه هذا الحديث‪.‬‬
‫(‪ )5‬في "هـ"‪ ،‬ونسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬عبد الغفار" هو خطأ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تاريخ بغداد للخطيب (‪.)139 - 137 /11‬‬

‫(‪)2/674‬‬

‫فقال‪" :‬إَّنكم ستروَن ربكم كما ترون هذا القمر‪ ،‬ال تضاُّر ون في رؤيته‪ ،‬فإْن استطعتم أاَّل تغلبوا‬
‫على صالٍة قبل طلوع الشمس‪ ،‬وقبل (‪ )1‬غروبها فافعلوا" (‪. )2‬‬
‫قال ابن بطة‪ :‬وأخبرني أبو القاسم عمر بن أحمد عن أبي بكر (‪ )3‬أحمد بن هارون‪ ،‬حدثنا عبد‬
‫الرزاق بن منصور‪ ،‬حدثنا المغيرة حدثنا المسعودي عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي بكر بن‬
‫عمارة بن رويبة عن أبيه قال‪ :‬نظر رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬إلى القمِر ليلة البدِر فقال‪:‬‬
‫"إَّنكم سترون الَّله ربكم تبارك وتعالى‪ ،‬كما ترون هذا القمر ال تضامون في رؤيته‪ ،‬فإن استطعتم‬
‫أْن ال ُتْغَلبوا على ركعتين قبل طلوع الشمس‪ ،‬وال ركعتين بعد غروبها‪ ،‬فافعلوا"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬هـ‪ ،‬د" ونسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬وصالة قبل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬إسناده ضعيف‪ .‬إسماعيل بن عَّياش ضعيف في روايته عن غير أهل بلدته‪ ،‬وعبد الرحمن بن‬
‫عبد الَّله هو المسعودي وكان قد اختلط‪ ،‬وقد توبع إسماعيل‪.‬‬
‫‪ -‬تابعه‪ :‬المغيرة بن عبد الَّله الجرجرائي عن المسعودي به باَّللفظ اآلخر اَّلذي نكره المؤِّلف‪.‬‬
‫أخرجه الَّدارقطني في الرؤية رقم (‪ ،)152‬وابن بطة كما ذكر المؤِّلف‪.‬‬
‫والمغيرة هذا لم أقف عليه‪ .‬فال ُيدرى هل سمع من المسعودي هو وابن عياش قبل اختالط‬
‫المسعودي أم بعده؟‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الكواكب النِّيرات البن الكيال ص (‪.)298 - 282‬‬
‫تنبيه‪ :‬ليس عند الَّدارقطني "عن أبيه"‪ ،‬فال أدري أسقطت من الطابع أم عنده الرواية مرسلة‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "هـ"‪ ،‬ونسخٍة على حاشية "أ" "بكر بن"‪.‬‬

‫(‪)2/675‬‬
‫فصل‬
‫وأَّما حديث سلمان الفارسي‪ :‬فقال أبو معاوية‪ :‬حدثنا عاصم األحول‪ ،‬عن أبي عثمان عن سلمان‬
‫الفارسي قال‪ :‬يأتون الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬فيقولون‪ :‬يا نبَّي الَّله إَّن الَّلَه فتح بك‪ ،‬وختم‬
‫بك‪ ،‬وغفر لك‪ُ ،‬قْم فاشفع لنا إلى ربك‪ ،‬فيقول‪ :‬نعم صاحبكم فيخرج يجوُس الَّناس حَّتى ينتهي‬
‫إلى باب الجَّنة‪ ،‬فيأخذ بحلقة الباب فيقرع فيقال‪ :‬من هذا؟ فيقال‪ :‬محمد قال‪ :‬فيفتح له‪ ،‬فيجيء‬
‫حَّتى يقوم بين يدي الَّله فيستأذُن في السجود فيؤذن له" (‪ )1‬الحديث‪.‬‬
‫فصل‬
‫وأَّما حديث ُح ذيفة بن اليمان‪ :‬فقال ابن بطة‪ :‬أخبرني أبو القاسم عمر بن أحمد عن أبي بكر أحمد‬
‫بن هارون‪ ،‬حدثنا يزيد بن جمهور‪ ،‬حدثنا الحسُن بن يحيى بن كثير العنبري‪ ،‬حدثنا أبي‪ ،‬عن‬
‫إبراهيم بن المبارك‪ ،‬عن القاسم بن مطَّيب عن األعمش‪ ،‬عن أبي وائل‪ ،‬عن حذيفة بن اليمان‪.‬‬
‫وقال البزار‪ :‬حدثنا محمد بن معمر وأحمد بن عمرو بن عبيدة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (‪ )312 /6‬رقم (‪ )31666‬مطَّو اًل ‪ ،‬وابن خزيمة في التوحيد‬
‫رقم (‪ ،)450‬وابن أبي عاصم في السنة رقم (‪ ،)813‬والطبراني في الكبير (‪)248 - 247 /6‬‬
‫رقم (‪ )6117‬وغيرهم‪.‬‬
‫وسنده صحيح‪.‬‬

‫(‪)2/676‬‬

‫العصفري‪ ،‬قاال‪ :‬حدثنا يحيى بن كثير العنبري (‪ ، )1‬حدثنا إبراهيم بن المبارك‪ ،‬عن القاسم بن‬
‫مطيب عن األعمش عن أبي وائل عن حذيفة قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪:-‬‬
‫"أتاني جبريُل فإذا في كِّف ِه مرآة كأصفى ما يكون المرايا وأحسنها‪ ،‬وإذا في وسطها نكته سوداء‪،‬‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬يا جبريل‪ ،‬ما هذا؟ قال هذه الدنيا‪ ،‬صفاؤها وحسنها‪ ،‬قال قلت‪ :‬وما هذه اللمعة في‬
‫وسطها؟ قال هذه الجمعة‪ ،‬قال قلت‪ :‬وما الجمعة؟ قال‪ :‬يوم من أيام ربك عظيم‪ ،‬وسأخبرك‬
‫بشرفه وفضله واسمه في اآلخرة‪ .‬أما شرفه وفضله في الدنيا‪ :‬فإَّن الَّله تبارك وتعالى جمع فيه أمر‬
‫الخلق‪ ،‬وأما ما يرجى فيه‪ :‬فإَّن فيه ساعة ال يوافقها عبٌد مسلم أو أمة مسلمة يسأالِن الَّله فيها‬
‫خيًر ا إال أعطاهما إياه‪ .‬وأما شرفه وفضله واسمه في اآلخرة‪ :‬فإن الَّله تبارك وتعالى إذا َص َّير أهل‬
‫الجنة إلى الجنة‪ ،‬وأهل النار إلى النار‪ ،‬وجرت عليهم أيامها وساعاتها ليس بها ليل وال نهار إال قد‬
‫علم الَّله مقدار ذلك وساعاته‪ ،‬فإذا كان يوم الجمعة في الحين الذي يبرز أو يخرج فيه أهل الجنة‬
‫إلى جمعتهم نادى مناد‪ :‬يا أهل الجنة‪ ،‬اخرجوا إلى دار المزيد‪ ،‬ال يعلم سعته وعرضه وطوله إال‬
‫الَّله عز وجل‪ ،‬في كثبان من المسك‪ ،‬قال‪ :‬فتخرج غلمان األنبياء بمنابر من نور‪ ،‬ويخرج غلمان‬
‫المؤمنين بكراسي من ياقوت‪ ،‬قال‪ :‬فإذا وضعت لهم‪ ،‬وأخذ القوم مجالسهم بعث الَّله تبارك‬
‫وتعالى عليهم ريًح ا تدعى المثيرة‪ ،‬تثير عليهم أثابير المسك األبيض فتدخل من تحت ثيابهم‪،‬‬
‫وتخرجه في وجوههم وأشعارهم‪ ،‬فتلك الريح أعلم كيف تصنع بذلك‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ليس في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪.‬‬

‫(‪)2/677‬‬

‫المسك من امرأة أحدكم لو ُدِفَع إليها كل طيب على وجه األرض لكانت تلك الريح أْع َلَم كيف‬
‫تصنع بذلك المسك من تلك المرأة لو ُدِفَع إليها ذلك الطيب بإذن الَّله‪ ،‬قال‪ :‬ثم يوحي الَّله‬
‫سبحانه إلى حملة العرش‪ ،‬فيوضع بين ظهراني الجنة وبينه وبينهم الحجب‪ ،‬فيكون أول ما‬
‫يسمعون منه أن يقول‪ :‬أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب‪ ،‬ولم يروني‪ ،‬وصدقوا رسلي‪ ،‬واتبعوا‬
‫أمري‪ ،‬فسلوني فهذا يوم المزيد‪ ،‬قال‪ :‬فيجتمعون على كلمه واحدة‪ :‬رب رضينا عنك فارض عنا‪،‬‬
‫قال‪ :‬فيرجع الَّله تعالى في قولهم (‪ )1‬أن يا أهل الجنة إني لو لم أرض عنكم ما أسكنتكم جنتي‪،‬‬
‫فسلوني فهذا يوم المزيد‪ ،‬قال‪ :‬فيجتمعون على كلمة واحدة‪ :‬رضينا عنك فارض عنا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فيرجع الَّله عز وجل في قولهم أن يا أهل الجنة‪ ،‬إني لو لم أرض عنكم لما أسكنتكم جنتي‪ ،‬فهذا‬
‫يوم المزيد فسلوني‪ ،‬قال‪ :‬فيجتمعون على كلمة واحدة‪ :‬رب وجهك‪ ،‬رب وجهك أرنا ننظر إليه‪،‬‬
‫قال‪ :‬فيكشف الَّله تبارك وتعالى تلك الحجب‪ ،‬ويتجلى لهم‪ ،‬فيغشاهم من نورِه شيء لوال أنه‬
‫قضى عليهم أن ال يحترقوا الحترقوا مما غشيهم من نوره‪ ،‬قال‪ :‬ثم يقال‪ :‬ارجعوا إلى منازلكم‪،‬‬
‫قال‪ :‬فيرجعون إلى منازلهم وقد َخ ُف وا على أزواجهم‪ ،‬وَخ ِف ْيَن عليهم‪ ،‬مما غشيهم من نوره تبارك‬
‫وتعالى‪ ،‬فإذا صاروا إلى منازلهم تراّد النور وأمكن‪ ،‬وتراد وأمكن حتى يرجعوا إلى صورهم التي‬
‫كانوا عليها‪ ،‬قال‪ :‬فيقول لهم أزواجهم‪ :‬لقد خرجتم من عندنا على صورة ورجعتم على غيرها؟‬
‫قال فيقولون‪ :‬ذلك بأن الَّله‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬يعني‪ :‬في قوله لهم‪.‬‬

‫(‪)2/678‬‬

‫تبارك وتعالى تجَّلى لنا‪ ،‬فنظرنا منه إلى ما خفينا به عليكم‪ ،‬قال‪َ :‬فَلُه م في كل سبعة أيام الِّضعف‬
‫ِم ِة‬ ‫ِف‬
‫على ما كانوا فيه‪ ،‬قال‪ :‬وذلك قوله عز وجل‪َ{ :‬فاَل َتْع َلُم َنْف ٌس َم ا ُأْخ َي َلُه ْم ْن ُقَّر َأْع ُيٍن َجَز اًء‬
‫ِبَم ا َك اُنوا َيْع َم ُلوَن (‪[ } )17‬السجدة‪. )1( ]17 :‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن مهدي‪ :‬حدثنا إسرائيل‪ ،‬عن أبي إسحاق‪ ،‬عن مسلم بن يزيد السعدي‪ ،‬عن‬
‫حذيفة في قوله عز وجل‪ِ{ :‬لَّلِذ يَن َأْح َس ُنوا اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة} [يونس‪ ]26 :‬قال‪" :‬النظر إلى وجه‬
‫الَّله عز وجل" (‪. )2‬‬
‫قال الحاكم‪" :‬وتفسير الصحابي عندنا في ُح كِم المرفوع" (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن بطة في اإلبانة "المختار" (‪ )36 - 32 /3‬رقم (‪ ،)26‬والبزار في مسنده (‪/7‬‬
‫‪ )290 - 288‬رقم (‪ ،)2881‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)338‬‬
‫قال علي بن المديني‪" :‬هذا حديث غريب"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬تفَّر د القاسم بن مطَّيب به عن األعمش يدل على نكارته‪.‬‬
‫والقاسم بن مطَّيب وَّثقه الَّدارقطني‪ ،‬لكن قال ابن حبان‪" :‬يخطئ عَّم ن يروي على قَّلة روايته‬
‫فاستحَّق الترك‪ ،‬لَّم ا َك ُثَر ذلك منه"‪.‬‬
‫المجروحين (‪ ،)213 /2‬والميزان (‪.)461 /5‬‬
‫(‪ )2‬تقدم ص (‪.)613‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬المستدرك (‪ )375 /2‬تحت رقم (‪ ،)3317‬ومعرفة علوم الحديث ص (‪.)20‬‬
‫ولفظه في المستدرك "‪ . . .‬فإَّن الصحابي إذا فَّس ر التالوة‪ ،‬فهو مسند عند الشيخين"‪.‬‬
‫وراجع تعليق الحافظ ابن حجر على كالم الحاكم وابن الصالح في النكت على ابن الصالح" (‬
‫‪.)533 - 530 /2‬‬

‫(‪)2/679‬‬
‫فصل‬
‫وأما حديث ابن عباس‪ :‬فروى ابن خزيمة من حديث حماد بن سلمة‪ ،‬عن ابن جدعان‪ ،‬عن أبي‬
‫نضرة قال‪ :‬خطبنا ابن عباس فقال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬ما من نبي إال له‬
‫دعوة تعجلها في الدنيا‪ ،‬وإِّني اختبأت دعوتي شفاعًة ألمتي يوم القيامة‪ ،‬فآتي باب الجنة فآخذ‬
‫بحلقة الباب‪ ،‬فأقرع الباب فيقال‪ :‬من أنت؟ فأقول‪ :‬أنا محمد‪ ،‬فآتي ربي وهو على كرسيه‪ ،‬أو‬
‫قال‪ :‬على سريره‪ ،‬فيتجلى لي ربي‪ ،‬فأِخ ُّر ساجًد ا" (‪.)1‬‬
‫ورواه ابن عيينة‪ ،‬عن ابن جدعان فقال‪ :‬عن أبي سعيد بدل ابن عباس‪.‬‬
‫وقال أبو بكر بن أبي داود‪ :‬حدثنا عِّم ي محمد بن األشعث‪ ،‬حدثنا ابن [جسر] (‪ ،)2‬قال حدثني‬
‫أبي عن الحسن عن ابن عباس رضي الَّله‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في المسند (‪ )282 - 281 /1‬مطَّو اًل ‪ ،‬والطيالسي في مسنده (‪)2834‬‬
‫مطَّو اًل ‪ ،‬وعبد بن حميد في مسنده (‪ - 694‬المنتخب) والطبراني (‪ )12777‬وغيرهم‪ .‬من طريق‬
‫حماد بن سلمة به‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه سفيان بن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري‬
‫فذكره‪.‬‬
‫أخرجه الترمذي برقم (‪ ،)3148‬وقال‪" :‬هذا حديث حسن"‪.‬‬
‫ومداره على ابن جدعان وفي حفظه كالم‪ ،‬وقد ذكر في متنه زيادة غريبة‪ ،‬وهي قول عيسى في‬
‫حديث الشفاعة‪" :‬إِّني اُّتِخ ْذ ت إلًه ا من دون الَّله ‪ ،" . . ..‬واَّلذي في الصحيح لم يذكر عيسى بن‬
‫مريم ذنًبا‪.‬‬
‫(‪ )2‬ما بين المعكوفتين من "اإلبانة"‪ ،‬ووقع في النسخ‪" :‬جبير"‪ ،‬وكذا ما بعده‪.‬‬

‫(‪)2/680‬‬

‫عنهما عن النبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬قال‪" :‬إن أهل الجنة يرون ربهم تعالى في كل جمعة‬
‫في رمال الكافور‪ ،‬وأقربهم منه مجلًس ا أسرعهم إليه يوم الجمعة وأبكرهم غدًّو ا" (‪.)1‬‬
‫فصل‬
‫وأما حديث عبد الَّله بن عمرو بن العاص‪ :‬فقال الصغاني‪ :‬حدثنا صدقة أبو عمرو المقعد قال‪:‬‬
‫قرأت على محمد بن إسحاق (‪ ،)2‬حدثني ُأمَّية بن عبد الَّله بن عمرو بن عثمان‪ ،‬عن أبيه عبد الَّله‬
‫بن عمرو قال‪ :‬سمعت عبد الَّله بن عمرو بن العاص يحدث مروان بن الحكم ‪-‬وهو أمير‬
‫المدينة‪ -‬قال‪ :‬خلق الَّله المالئكة لعبادته أصناًفا‪ :‬فإن منهم المالئكة قياًم ا صاِّفْين من يوم خلقهم‬
‫إلى يوم القيامة‪ ،‬ومالئكة ركوًعا خشوًعا من يوم خلقهم إلى يوم القيامة‪ ،‬ومالئكة سجوًد ا منذ‬
‫خلقهم (‪ )3‬إلى يوم القيامة‪ ،‬فإذا كان يوم القيامة وتجلى لهم تعالى‪ ،‬ونظروا إلى وجهه الكريم‬
‫قالوا‪ :‬سبحانك ما عبدناك حق عبادتك" (‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه اآلجري في الشريعة رقم (‪ ،)611‬وابن بطة في اإلبانة "المختار" رقم (‪.)30‬‬
‫والحديث سنده ضعيف جًّدا‪ ،‬لحال ابن جسر وهو جعفر‪ ،‬وأبيه جسر بن فرقد‪ ،‬وقد تقَّدم حالهما‬
‫ص (‪.)569‬‬
‫ومحمد بن األشعث فيه جهالة‪ ،‬والحسن لم يسمع من ابن عباس‪.‬‬
‫(‪ )2‬وقع في "أ‪ ،‬ج"‪" :‬الحسن" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬من قوله "إلى يوم القيامة" إلى "خلقهم" ليس في "هـ" وجاء بدل هذه الجملة "الَّله"‪ ،‬ووقع‬
‫في نسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬منذ يوم خلقهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه ابن بطة في اإلبانة "المختار" رقم (‪ )133‬من طريق الصغاني به‪= .‬‬

‫(‪)2/681‬‬

‫فصل‬
‫وأَّما حديث ُأبِّي بن كعب‪ :‬فقال الدارقطني‪ :‬حدثنا عبد الصمد بن علي‪ ،‬حدثنا محمد بن زكريا‬
‫بن دينار‪ ،‬قال‪ :‬حدثني قحطبة بن عالقة حدثنا أبو خلدة عن أبي العالية عن ُأبي بن كعب عن الَّنبي‬
‫‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬في قوله تبارك وتعالى‪ِ{ :‬لَّلِذ يَن َأْح َس ُنوا اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة} [يونس‪]26 :‬‬
‫قال‪" :‬النظُر إلى وجِه الَّلِه عَّز وجَّل" (‪.)1‬‬
‫فصل‬
‫وأَّما حديُث كعب بن ُعْج رة‪ :‬فقال محمد بن حميد‪ :‬حدثنا إبراهيم ابن المختار عن ابن جريج عن‬
‫ِل ِذ‬
‫عطاء الخراساني عن كعب بن عجرة عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬في قوله تعالى‪َّ { :‬ل يَن‬
‫َأْح َس ُنوا اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة} قال‪:‬‬
‫__________‬
‫= ‪ -‬ورواُه هارون بن أبي عيسى الشامي "كاتب محمد بن إسحاق" حدثني محمد بن إسحاق به‬
‫مختصًر ا‪.‬‬
‫أخرجه البخاري في تاريخه الكبير (‪ .)8 /2‬وسنده ال بأس به‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه الَّدارقطني في الرؤية رقم (‪.)183‬‬
‫‪ -‬ورواُه العباس بن الفضل الهاشمي عن قحطبة بن غدانة به مثله‪.‬‬
‫أخرجه الاللكائي في شرح أصول االعتقاد رقم (‪.)849‬‬
‫‪ -‬ورواُه زهير عَّم ن سمع أبا العالية به مثله‪.‬‬
‫أخرجه الطبري في تفسيره (‪ ،)107 /11‬والاللكائي برقم (‪.)780‬‬
‫وفي ثبوت اإلسناد إلى قحطبة نظر‪ ،‬فإَّن العباس بن الفضل لم أقف عليه‪ ،‬ومحمد بن زكريا‪ :‬قال‬
‫الدارقطني‪ :‬يضع الحديث‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الضعفاء والمتروكين رقم (‪.)483‬‬
‫وأَّم ا اإلسناد اآلخر‪ :‬ففيه إبهاُم َمْن سمع أبا العالية‪ .‬والَّله أعلم‪.‬‬

‫(‪)2/682‬‬

‫"الزيادُة؛ النظُر إلى وجه رِّبهم تبارك وتعالى" (‪.)1‬‬

‫فصل‬
‫وأَّما حديث َفَض الة بن ُعبيد‪ :‬فقال عثمان بن سعيد الدارمي‪ :‬حدثنا محمد بن المهاجر‪ ،‬عن ابن‬
‫حلبس‪ ،‬عن ُأِّم (‪ )2‬الدرداء أَّن فضالة يعني ابن عبيد كان يقول‪ :‬اَّللهم إِّني أسألك الِّر ضا بعد‬
‫ِئ‬ ‫ِت‬
‫القضاء‪ ،‬وَبْر َد العيِش بعد المو ‪ ،‬ولَّذ ة الَّنظِر إلى وجهك‪ ،‬والشوَق إلى لقا َك ‪ ،‬في غير ضَّر اَء‬
‫ُمضَّر ة‪ ،‬وال فتنٍة مضَّلة (‪.)3‬‬
‫فصل‬
‫وأَّما حديُث ُعَبادة بن الصامت‪ :‬ففي "مسند أحمد" (‪ )4‬من حديث َبِق َّية‪ ،‬حدثنا َبْح ير بن سعد عن‬
‫خالد بن َمْع دان‪ ،‬عن عمرو بن األسود عن ُج َنادة بن أبي ُأَمَّية عن عبادة بن الصامت ‪-‬رضي الَّله‬
‫عنه‪ -‬عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬أَّنه قال‪" :‬قد حدثتكم عن الَّد َّج ال حَّتى خشيُت أْن ال‬
‫تعقلوا‪ ،‬إَّن َمِس يَح الَّدجال َرُج ٌل قصيٌر أْفَح ج َج ْع ٌد أعوُر مطموُس العين ليست بناتئٍة وال جْح راء‪،‬‬
‫فإن ُأْلِبَس عليكم فاعلموا أَّن رَّبكم ليس‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تقدم ص (‪.)611‬‬
‫(‪ )2‬في جميع النسخ "أبي"‪ ،‬والتصويب من مصادر التخريج‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الَّدارقطني في الرؤية رقم (‪ ،)207‬وابن أبي عاصم في السنة رقم (‪،)427‬‬
‫والطبراني في الكبير (‪ )319 /18‬رقم (‪ ،)825‬واَّلاللكائي في شرح أصول االعتقاد رقم (‬
‫‪ )847‬وغيرهم‪.‬‬
‫وسنده حسن‪.‬‬
‫(‪.)324 /5( )4‬‬

‫(‪)2/683‬‬

‫بأعور‪ ،‬وأَّنكم لن تروا ربكم حَّتى تموتوا" (‪.)1‬‬

‫فصل‬
‫وأَّما حديث الرجل من أصحاب الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ :-‬فقال الَّص غاني‪ :‬حدثنا روح بن‬
‫عبادة حدثنا عباد بن منصور قال‪ :‬سمعُت عدي بن أرطاة يخطب على المنبر بالمدائن‪ ،‬فجعل‬
‫َيِعُظ حَّتى بكى وأبكانا‪ ،‬ثَّم قال‪ :‬كونوا كرجٍل قال البنه وهو َيِعُظُه‪ :‬يا ُبني أوصيك أْن ال تصلي‬
‫صالة إاَّل ظننت أَّنَك ال تصلي بعدها غيرها حَّتى تموت‪ ،‬وتعاَل َبِنَّي نعمُل َعَم ل رجلين كأَّنهما قد‬
‫وقفا على الَّناِر ‪ ،‬ثَّم سأال الَك َّر ة‪ ،‬ولقد سمعت فالًنا ‪-‬نسي َعَّباٌد اسَم ه‪ -‬ما بيني وبين رسول الَّله ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬غيُر ه فقال‪ :‬إَّن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إَّن لَّله مالئكًة‬
‫ترُعُد فرائُص هم من مخافته‪ ،‬ما منهم َم لٌك تقطُر دمعته من عينه إاَّل وقعت َم َلًك ا (‪ )2‬يسبح الَّله‪،‬‬
‫قال‪ :‬ومالئكة سجوٌد منذ خلق الَّله السموات واألرض لم يرفعوا رؤوسهم‪ ،‬وال يرفعونها إلى يوم‬
‫القيامة‪ ،‬وصفوٌف لم ينصرفوا عن مصاِّفهم‪ ،‬وال ينصرفون إلى يوم القيامة‪ ،‬فإذا كان يوم القيامة‬
‫وتجَّلى لهم رُّبهم‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬وأخرجه أبو داود (‪ ،)4320‬وعبد الَّله بن أحمد في السنة (‪ ،)1007‬وابن أبي عاصم في‬
‫السنة (‪ ،)428‬والدارمي في الرد على الجهمية (‪ ،)182‬واَّلاللكائي في شرح أصول االعتقاد (‬
‫‪ ،)848‬والبزار في مسنده (‪.)2681‬‬
‫وظاهر سنده جيد‪ ،‬وفيه ِع َّلة ذكرها البزار‪.‬‬
‫قال البزار‪" :‬وهذا الحديث ال نعلمه يروى عن عبادة إاَّل من حديث بحير ابن سعد‪ ،‬وقد رواُه غير‬
‫واحٍد عن جنادة بن أبي ُأمية عن بعض أصحاب الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪."-‬‬
‫(‪ )2‬كذا في النسخ‪ ،‬والَّنْص ُب على نزع الخافض‪ ،‬والتقدير‪" :‬على َم َلٍك "‪.‬‬

‫(‪)2/684‬‬

‫فنظروا إليه قالوا‪ :‬سبحانك ما عبدناك كما ينبغي لك" (‪.)1‬‬

‫فصل‬
‫وَه اَك بعض ما قاله أصحاب رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬والتابعون وأئمة اإلسالم بعدهم‪.‬‬
‫قول أبي بكر الصديق رضي الَّله عنه‪:‬‬
‫قال أبو إسحاق‪ :‬عن عامٍر بن سعد َبْع َد هم‪" .‬قرأ أبو بكر الصديق‪ِ{ :‬لَّلِذ يَن َأْح َس ُنوا اْلُحْس َنى‬
‫َو ِز َياَدٌة} [يونس‪ ]26 :‬فقالوا‪ :‬ما الِّز يادة يا خليفة رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪-‬؟ قال‪:‬‬
‫الَّنظُر إلى وجه الَّر ِّب تبارك وتعالى" (‪.)2‬‬
‫قول علي بن أبي طالب رضي الَّله عنه‪:‬‬
‫قال عبد الرحمن بن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبي‪ ،‬حدثنا علي بن ميسرة الهْم داني‪ ،‬حدثنا صالح بن أبي‬
‫خالد العنبري‪ ،‬عن أبي األحوص‪ ،‬عن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن بطة في اإلبانة "المختار" رقم (‪ ،)34‬والخطيب في تاريخه (‪ ،)303 /12‬وابن‬
‫عساكر في تاريخ دمشق (‪ 60 /40‬و ‪.)61‬‬
‫‪ -‬ورواُه محمد بن الحسين البرجالني عن روح بن عبادة به نحوه‪.‬‬
‫أخرجه ابن أبي الدنيا في الرقة والبكاء رقم (‪.)105‬‬
‫‪ -‬ورواُه النضر بن شميل عن عباد بن منصور به نحوه‪.‬‬
‫أخرجه المروزي في تعظيم قدر الصالة رقم (‪ ،)260‬وأبو الشيخ في العظمة رقم (‪.)515‬‬
‫والحديث مداره على عَّباد بن منصور الناجي وهو لِّين الحديث‪ ،‬وعنده منكرات‪ .‬تهذيب الكمال‬
‫(‪ ،)158 /14‬وعليه فاإلسناد لِّين‪.‬‬
‫(‪ )2‬تقدم الكالم عليه ص (‪.)613‬‬

‫(‪)2/685‬‬

‫أبي إسحاق الهْم داني‪ ،‬عن ُعَم ارة بن عبٍد (‪ ، )1‬قال‪ :‬سمعُت علًّيا يقول‪" :‬من تماِم الِّنعمة دخول‬
‫الجَّنة‪ ،‬والنظُر إلى وجه الَّله تبارك وتعالى في جنته" (‪. )2‬‬
‫قول حذيفة بن اليمان‪:‬‬
‫وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسلم بن يزيد عن حذيفة‪" :‬الزيادة‪ :‬النظ إلى وجه الَّلِه‬
‫ُر‬
‫تبارك وتعالى" (‪. )3‬‬
‫قوُل عبد الَّله بن مسعود وعبد الَّله بن عباس‪:‬‬
‫ذكر أبو عوانة عن هالل عن عبد الَّله بن ُعَك يم قال‪ :‬سمعُت عبد الَّله ابن مسعود يقول‪ :‬في هذا‬
‫المسجد ‪ -‬مسجد الكوفة ‪ -‬يبدأ باليمين قبل أْن ُيحِّدثنا فقال‪" :‬والَّله ما منكم من إنساٍن إاَّل إَّن‬
‫ربه سيخلو به يوم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬وقع في "أ‪ ،‬ب‪ ،‬هـ"‪" :‬عبيد" وفي "د" ونسخٍة على حاشية "أ" "عبيدة" والتصويب من التاريخ‬
‫الكبير (‪ ،)501 /6‬وتهذيب الكمال (‪.)253 - 252 /21‬‬
‫(‪ )2‬ذكره اَّلاللكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة رقم (‪ )859‬عن ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫وفي سنده عمارة بن عبٍد الكوفي سمع من علي بن أبي طالب‪ ،‬تفَّر د بالرواية عنه أبو إسحاق‬
‫السبيعي‪.‬‬
‫قال أبو حاتم الَّر ازي‪" :‬شيخ مجهول‪ ،‬ال يحتج بحديثه"‪ ،‬وقال اإلمام أحمد‪" :‬مستقيم الحديث‪،‬‬
‫ال يروي عنه غير أبي إسحاق"‪ .‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)253 /21‬‬
‫قلُت ‪ :‬صالح بن أبي خالد‪ :‬لم أقف عليه‪.‬‬
‫(‪ )3‬تقدم الكالم عليه ص (‪.)613‬‬

‫(‪)2/686‬‬

‫القيامة كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدِر ‪ .‬قال فيقول‪ :‬ما غَّر ك بي يا ابن آدم ثالَث مَّر اٍت ‪ ،‬ماذا‬
‫أجبَت المرسليَن ثالًثا‪ ،‬كيف عملَت فيما َعِلْم َت " (‪. )1‬‬
‫وقال ابن أبي داود‪ :‬أخبرنا أحمد بن األزهر حدثنا إبراهيم بن الحكم حدثنا أبي عن عكرمة قال‪:‬‬
‫قيل البن عباس‪ :‬كل من دخل الجَّنة يرى الَّلَه عَّز وجَّل؟ قال‪ :‬نعم" (‪. )2‬‬
‫وقال أسباط بن نصر‪ :‬عن إسماعيل الُّس دي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس رضي الَّله‬
‫عنهما‪ ،‬وعن ُمَّر ة الهمداني عن ابن مسعود رضي الَّله عنه‪" :‬الزيادة‪ :‬النظُر إلى وجه الَّله" (‪. )3‬‬
‫قوُل معاذ بن جبل‪:‬‬
‫قال عبد الرحمن بن أبي حاتم‪ ،‬أخبرنا إسحاق بن أحمد الخراز حدثنا إسحاق بن سليمان الَّر ازي‬
‫عن المغيرة بن مسلم عن ميمون أبي (‪ )4‬حمزة قال‪ :‬كنُت جالًس ا عند أبي وائل‪ ،‬فدخل علينا‬
‫رجل يقال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني في الكبير (‪ )204 /9‬رقم (‪ ،)8899‬واَّلاللكائي في شرح أصول االعتقاد‬
‫رقم (‪ ،)860‬وأبو نعيم في الحلية (‪.)131 /1‬‬
‫‪ -‬ورواُه شريك القاضي عن هالل الوزان به نحوه‪.‬‬
‫أخرجه ابن المبارك في الزهد رقم (‪ ،)38‬وعبد الَّله في السنة رقم (‪ ،)485 ،474‬وابن خزيمة‬
‫في التوحيد رقم (‪ )217‬وغيرهم‪.‬‬
‫وهو أثٌر ثابت صحيح‪.‬‬
‫(‪ )2‬تقدم ص (‪.)624‬‬
‫(‪ )3‬تقدم ص (‪.)615‬‬
‫(‪ )4‬في "ب‪ ،‬د" "بن أبي" هو خطأ‪ ،‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)238 - 237 /29‬‬

‫(‪)2/687‬‬
‫له أبو عفيٍف ‪ ،‬فقال له شقيق بن َس َلَم ة‪ :‬يا أبا عفيف‪ ،‬أال تحدثنا عن معاذ ابن جبل؟ قال‪ :‬بلى‬
‫سمعته يقول‪ُ" :‬يحشُر الَّناُس يوم القيامة في صعيٍد واحٍد ‪ ،‬فينادى أين الُم َّتُقون‪ ،‬فيقومون في َك َنف‬
‫من الَّر حمن ال يحتجب الَّله منهم‪ ،‬وال يستتر‪ ،‬قلُت ‪ :‬من المتقون؟ قال‪ :‬قوم اتَّق وا الشرَك ‪ ،‬وعبادة‬
‫األوثان‪ ،‬وأخلصوا لَّله بالعبادة فيُم ُّر ون إلى الجَّنة" (‪. )1‬‬
‫قول أبي هريرة‪:‬‬
‫قال ابن وهب‪ :‬أخبرنا ابن لهيعة عن أبي النضر أَّن أبا هريرة ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬كان يقول‪" :‬لن‬
‫تروا ربكم حَّتى تذوقوا الموت" (‪. )2‬‬
‫قول عبد الَّله بن عمر‪:‬‬
‫قال حسين الجعفي‪ ،‬عن عبد الملك بن أبجر عن ثوير عن ابن عمر رضي الَّلُه عنهما قال‪" :‬إَّن‬
‫أدنى أهِل الجَّنة منزلًة من ينظُر إلى‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ذكره اَّلاللكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السَّنة والجماعة رقم (‪.)864‬‬
‫وسنده ضعيف‪ ،‬فيه ميمون أبو حمزة األعور القَّص اب الكوفي‪ :‬ضعيف الحديث‪ ،‬وبعضهم‪ :‬تركه‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)240 - 238 /29‬‬
‫وأيًض ا‪ :‬أبو عفيف لم أقف عليه‪.‬‬
‫(‪ )2‬ذكره اَّلاللكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السَّنة والجماعة رقم (‪.)865‬‬
‫وسنده ضعيف‪ ،‬لضعف ابن لهيعة‪ ،‬ولالنقطاع بين أبي النضر سالم مولى عمر بن عبيد الَّله بن‬
‫معمر القرشي وبين أبي هريرة‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)129 - 127 /10‬‬

‫(‪)2/688‬‬

‫ملكه ألفي عام يرى أدنا كما يرى أقصا ‪ ،‬وإَّن أفضلهم منزل لمن ينظ إلى وجه الَّلِه في ك يوٍم‬
‫َّل‬ ‫ُر‬ ‫ًة‬ ‫ُه‬ ‫ُه‬
‫مَّر تين" (‪. )1‬‬
‫قول فضالة بن عبيد‪:‬‬
‫ذكر الدارمي عن محمد بن مهاجر عن ابن َح ْلَبس عن ُأِّم الدرداء أَّن فضالة بن عبيد كان يقول‪:‬‬
‫"اَّللهم إِّني أسألك الِّر ضا بعد القضاء‪ ،‬وبرَد العيش بعد الموِت ‪ ،‬ولَّذ َة الَّنظِر إلى وجهك" وقد تقَّدم‬
‫(‪. )2‬‬
‫قوُل أبي موسى األشعري‪:‬‬
‫قال وكيع‪ :‬عن أبي بكر الهذلي عن أبي تميمة عن أبي موسى ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪" :‬الزيادُة‪:‬‬
‫النظُر إلى وجه الَّله" (‪. )3‬‬
‫وروى يزيد بن هارون وابن أبي عدي وابن ُعلَّية (‪ ، )4‬عن التيمي عن أسلم العجلي عن أبي ُمراية‬
‫عن أبي موسى األشعري رضي الَّله عنه أَّنه كان يحدث الَّناس فشخصوا بأبصارهم (‪ )5‬فقال‪ :‬ما‬
‫صرَف أبصاركم عِّني؟ قالوا‪ :‬الهالل‪ ،‬قال‪ :‬فكيف بكم إذا رأيتم الَّله جهرة؟ " (‪. )6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تقدم ص (‪ ،)323 - 322‬وراجع ص (‪.)671‬‬
‫(‪ )2‬تقدم ص (‪.)683‬‬
‫(‪ )3‬تقدم ص (‪.)614‬‬
‫(‪ )4‬قوله "وابن ُعَلَّية" من "ب‪ ،‬د" ونسخٍة على حاشية "أ"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في "د‪ ،‬هـ" ونسخٍة على حاشية "أ" "بأبصارهم عنه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه الدارمي في الرِّد على الجهمية رقم (‪ ،)196‬وعبد الَّله في السنة (‪ ،)465‬واآلجري‬
‫في الشريعة رقم (‪ ،)609‬وابن خزيمة في التوحيد رقم =‬

‫(‪)2/689‬‬

‫قول أنس بن مالك‪:‬‬


‫قال ابن أبي شيبة‪ :‬حدثنا يحيى بن يمان حدثنا شريك عن أبي اليقظان عن أنس بن مالك رضي‬
‫الَّله عنه في قوله عَّز وجَّل‪َ{ :‬و َلَد ْيَنا َم ِز يٌد (‪[ } )35‬ق‪ ]35 :‬قال‪" :‬يظهر لهم الرُّب تبارك وتعالى‬
‫يوم القيامة" (‪. )1‬‬
‫قول جابر بن عبد الَّله‪:‬‬
‫قال مروان بن معاوية عن الحكم بن أبي خالد عن الحسن عن جابر ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬إذا‬
‫دخل أهل الجَّنة الجَّنة‪ ،‬وُأِد ْيم عليهم بالكرامة جاءتهم خيوٌل من ياقوٍت أحمر ال تبول وال تروث‪،‬‬
‫لها أجنحة‪ ،‬فيقعدون عليها‪ ،‬ثَّم يأتون الجبار عَّز وجَّل فإذا تجَّلى لهم خُّر وا ُس َّج ًد ا‪ ،‬فيقول‪ :‬يا أهل‬
‫الجَّنة ارفعوا رؤوسكم فقد رضيُت عنكم رًض ا (‪ )2‬ال سخَط بعده" (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫= (‪ ،)257‬واَّلاللكائي في شرح أصول االعتقاد رقم (‪.)862‬‬
‫من طريق يزيد بن زريع ومعتمر بن سليمان التيمي به مرفوًعا‪.‬‬
‫أخرجه ابن خزيمة في التوحيد (‪.)256‬‬
‫ورفعه خطأ وَو ْه م كما قال ابن خزيمة‪.‬‬
‫واألثر فيه أبو ُمراية تابعي روى عنه قتادة وأسلم العجلي‪ ،‬وذكره ابن حبان في الثقات (‪،)31 /5‬‬
‫وانظر‪ :‬تعجيل المنفعة (‪.)540 /2‬‬
‫وعليه فاإلسناد ال بأس به‪.‬‬
‫(‪ )1‬تقدم الكالم عليه‪ ،‬واالختالف فيه على أبي اليقظان ص (‪.)654 - 651‬‬
‫(‪ )2‬من "هـ" ونسخٍة على حاشية "أ"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تقدم الكالم عليه ص (‪.)561‬‬

‫(‪)2/690‬‬

‫قال الطبري‪" :‬فتحَّصل في الباب مَّم ن روى عن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬من الصحابة‬
‫حديث الرؤية ثالثٌة وعشرون نفًس ا‪ :‬منهم علي‪ ،‬وأبو هريرة‪ ،‬وأبو سعيد‪ ،‬وجرير‪ ،‬وأبو موسى‪،‬‬
‫وصهيب‪ ،‬وجابر‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وأنس‪ ،‬وعمار ابن ياسر‪ ،‬وُأبي بن كعب‪ ،‬وابن مسعود‪ ،‬وزيد بن‬
‫ثابت‪ ،‬وحذيفة بن اليمان‪ ،‬وعبادة بن الصامت (‪ ، )1‬وعدي بن حاتم‪ ،‬وأبو رزين العقيلي‪ ،‬وكعب‬
‫بن عجرة‪ ،‬وفضالة بن ُعبيد‪ ،‬وبريدة بن الحصيب‪ ،‬ورجٌل من أصحاب الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪. )2( "-‬‬
‫وقال الَّدارقطني‪" :‬أخبرنا محمد بن عبد الَّله حدثنا جعفر بن محمد ابن األزهر حدثنا مفضل بن‬
‫غَّس ان‪ ،‬قال‪ :‬سمعُت يحيى بن معين يقول‪ :‬عندي سبعة عشر حديًثا في الرؤية‪ ،‬كلها صحاح" (‪)3‬‬
‫‪.‬‬
‫وقال البيهقي‪" :‬روينا في "إثبات الرؤية" عن أبي بكر الصديق وحذيفة بن اليمان وعبد الَّله بن‬
‫مسعود وعبد الَّله بن عباس وأبي موسى وغيرهم‪ ،‬ولم ُيرو عن أحٍد منهم نفيها‪ ،‬ولو كانوا فيها‬
‫مختلفين‪ ،‬لُنِق َل اختالفهم في ذلك (‪ )4‬إلينا‪ ،‬كما أَّنهم لما اختلفوا في الحالل والحرام والشرائع‬
‫واألحكام ُنِق َل اختالفهم في ذلك إلينا‪ ،‬وكما أَّنهم لما اختلفوا في رؤية الَّله سبحانه باألبصار في‬
‫الدنيا نقل اختالفهم في ذلك إلينا‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬عند اَّلاللكائي ُه نا إضافة "وأبو ُأمامة"‪ ،‬وال يوجد في جميع النسخ‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬شرح أصول اعتقاد أهل السَّنة والجماعة (‪ ،)495 /2‬ويالحظ ‪-‬في المطبوعة‪ -‬لم‬
‫ُيذكر "ابن عمر" بعد "ابن عباس"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬شرح أصول االعتقاد لاللكائي رقم (‪.)857‬‬
‫(‪ )4‬قوله "في ذلك" من "أ"‪.‬‬

‫(‪)2/691‬‬

‫فلما ُنِق لت (‪ )1‬رؤية الَّله سبحانه باألبصار في اآلخرة عنهم‪ ،‬ولم ينقل عنهم في ذلك اختالف‪،‬‬
‫كما نقل عنهم فيها اختالف في الدنيا = علمنا أَّنهم كانوا على (‪ )2‬القول برؤية الَّلِه تعالى‬
‫باألبصاِر في اآلخرة ُمَّتفقين مجتمعين" (‪.)3‬‬

‫فصل‬
‫وأَّما التابعون وَيَز ك (‪ )4‬اإلسالم‪ ،‬وعصابة اإليمان‪ :‬من أئمة الحديث والفقه والتفسير وأئمة‬
‫التصوف‪ ،‬فأقوالهم أكثر من أْن يحيط بها إاَّل الَّلُه عَّز وجَّل‪.‬‬
‫* قال سعيد بن المسيب‪" :‬الزيادة‪ :‬النظُر إلى وجه الَّلِه" (‪.)5‬‬
‫رواه مالك‪ ،‬عن يحيى عنه‪.‬‬
‫* وقال الحسن‪" :‬الزيادة‪ :‬النظُر إلى وجه الَّله" (‪.)6‬‬
‫رواُه ابن أبي حاتم عنه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في نسخة على حاشية "أ" "ُنقلت في"‪.‬‬
‫(‪ )2‬جاء في نسخٍة على حاشية "أ" "محل"‪ ،‬وفي "ج"‪" :‬على محل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر االعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد للبيهقي ص (‪.)144 - 142‬‬
‫(‪ )4‬الَيَز ك‪ :‬كلمة فارسية‪ ،‬معناها‪ :‬طالئع الجيش‪.‬‬
‫انظر‪ :‬المعجم الذهبي (‪ )619‬للتونجي‪ ،‬والمجموع اللفيف (‪ )91‬للسامرائي‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الاللكائي رقم (‪.)789‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ ،)106 /11‬والبيهقي في االعتقاد ص (‪ ،)132‬والاللكائي رقم‬
‫(‪ .)790‬من طريق عوف األعرابي وأبي بشر الحلبي عن الحسن فذكره‪ .‬وسنده حسن‪.‬‬

‫(‪)2/692‬‬

‫* وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى‪" :‬الزيادة‪ :‬النظر إلى وجه الَّلِه تعالى" (‪ . )1‬رواُه حماد بن زيد‬
‫عن ثابت عنه‪.‬‬
‫* وقاله عامر بن سعد البجلي‪ ،‬ذكره سفيان عن أبي إسحاق عنه (‪. )2‬‬
‫* وقاله عبد الرحمن بن سابط‪ .‬رواه جرير عن ليث عنه (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الدارمي في الرِّد على الجهمية رقم (‪ ،)192‬وعبد الَّله في السنة رقم (‪،)445‬‬
‫والطبري في تفسيره (‪ ،)106 /11‬وابن خزيمة في التوحيد رقم (‪ )261( )260‬وغيرهم‪.‬‬
‫وسنده صحيح‪.‬‬
‫هكذا رواُه حماد بن زيد وسليمان بن المغيرة ومعمر وحماد بن واقد كلهم عن ثابت عن ابن أبي‬
‫ليلى قوله‪.‬‬
‫وخالفهم حماد بن سلمة‪.‬‬
‫فرواُه عن ثابت عن ابن أبي ليلى عن صهيب مرفوًعا‪.‬‬
‫أخرجه مسلم في صحيحه رقم (‪ )181‬وغيره‪.‬‬
‫وقد أشار الَّدارقطني وأبو مسعود إلى هذه العَّلة‪ ،‬لكن حماد بن سلمة من أعلم الَّناس بثابت كما‬
‫نَّص عليه جماعة ولهذا صحيح هذا الحديث‪ :‬مسلم والَّدارقطني وابن حبان وأبو عوانة والبزار‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تحفة األشراف (‪.)198 /4‬‬
‫(‪ )2‬تقدم في حاشية ص (‪.)613‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الدارمي في الرِّد على بشر المريسي رقم (‪ ،)233‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة (‬
‫‪ ،)347‬والطبري (‪ ،)107 /11‬والدارقطني في الرؤية (‪ ،)222 ،221‬واَّلاللكائي رقم (‪.)795‬‬
‫من طريق ليث عن ابن سابط فذكره‪.‬‬
‫وخالفه فطر بن خليفة‪= .‬‬

‫(‪)2/693‬‬

‫وقاله عكرمة (‪ ، )1‬ومجاهد (‪ ، )2‬وقتادة (‪ ، )3‬والُّس دي (‪ ، )4‬والضحاك (‪ )5‬وكعب (‪. )6‬‬


‫* وكتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عَّم اله‪" :‬أَّما بعُد ‪ :‬فإِّني أوصيك بتقوى الَّلِه ‪ ،‬ولزوم طاعته‪،‬‬
‫والتمسك بأمرِه‪ ،‬والمعاهدة على‬
‫__________‬
‫= فرواُه عن ابن سابط في قوله {ِإَلى َر ِّبَه ا َناِظ َر ٌة (‪[ })23‬القيامة‪ ]23 :‬قال‪ :‬إلى وجه ربها‬
‫ناظرة"‪.‬‬
‫أخرجه عبد الَّله في السنة (‪.)478‬‬
‫وهذا أصح‪ ،‬وليث اختلط‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه الدارمي في الرِّد على الجهمية (‪ ،)200‬والطبري (‪ ،)192 /29‬واَّلاللكائي (‪)803‬‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫وسنده حسن‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الاللكائي (‪.)802( )801‬‬
‫وجاء عنه ما يخالف ذلك‪ ،‬انظر‪ :‬تفسير الطبري (‪ ،)192 /29‬وهو بحاجة إلى تحقيق ذلك‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الطبري (‪ 106 /11‬و ‪ ،)107‬وابن خزيمة في التوحيد رقم (‪،)269 ،268‬‬
‫واَّلاللكائي (‪ )298‬وغيرهم‪.‬‬
‫وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الَّدارقطني في الرؤية رقم (‪ ،)216‬وفيه الحكم بن ُظهير‪ :‬متروك الحديث‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الَّدارمي في الرِّد على الجهمية رقم (‪ ،)193‬وفي الرَّد على بشر المريسي رقم (‬
‫‪ ،)232‬والَّدارقطني في الرؤية (‪.)220 ،219‬‬
‫وفيه جويبر بن سعيد‪ :‬وهو متروك‪.‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه عبد الَّله في السَّنة (‪ ،)523‬و (‪ ،)496 /1‬والَّدارقطني في الرؤية (‪،)225‬‬
‫واَّلاللكائي (‪ )867‬وغيرهم‪.‬‬
‫وسنده صحيح‪.‬‬

‫(‪)2/694‬‬

‫ما حملك الَّلُه من دينه‪ ،‬واْسَتْح َف َظك من كتابه‪ ،‬فإَّن بتقوى الَّله نجا أولياء الَّلِه من سخطه‪ ،‬وبها‬
‫رافقوا أنبياءه‪ ،‬وبها نضرت وجوههم‪ ،‬ونظروا إلى خالقهم‪ ،‬وهي عصمة في الدنيا من الفتن‪ ،‬ومن‬
‫كبت (‪ )1‬يوم القيامة" (‪. )2‬‬
‫* وقال الحسُن ‪" :‬لو علم العابدون في الدنيا أَّنهم ال يرون ربهم في اآلخرة لذابت أنفسهم في‬
‫الدنيا" (‪. )3‬‬
‫* وقال األعمش وسعيد بن جبير‪" :‬إَّن أشرَف أهل الجَّنة لمن ينظر إلى الَّلِه تبارك وتعالى غدوًة‬
‫وعشية" (‪. )4‬‬
‫* وقال كعب‪" :‬ما نظر الَّله سبحانه إلى الجَّنة قط (‪ )5‬إاَّل قال‪ِ :‬ط يبي ألهلك‪ ،‬فزادت ضعًف ا على‬
‫ما كانت‪ ،‬حَّتى يأتيها أهلها‪ ،‬وما من يوٍم كان لهم عيد في الدنيا إاَّل يخرجون في مقداره في‬
‫رياض الجَّنة‪ ،‬فيبرز‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬د‪ ،‬هـ" ونسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬كرب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الَّدارمي في الرِّد على الجهمية رقم (‪ ،)202‬وأبو نعيم في الحلية (‪)278 /5‬‬
‫وغيرهما‪.‬‬
‫وفي سنده إبراهيم بن أبي حبيبة وهو ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه عبد الَّله في السَّنة (‪ ،)486‬والاللكائي (‪ ،)869‬وأبو نعيم في الحلية (‪)159 /2‬‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫وفيه عبد الواحد بن زيد‪ :‬قال البخاري‪ :‬تركوه‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه عبد الَّله في السنة (‪ )487‬عن سعيد فقط‪ ،‬وابن بطة في اإلبانة "المختار" رقم (‪)39‬‬
‫"عن سعيد واألعمش"‪.‬‬
‫وسنده ال بأس به‪.‬‬
‫(‪ )5‬من "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ" ونسخٍة على حاشية "أ"‪.‬‬
‫(‪)2/695‬‬

‫لهم الرب تبارك وتعالى‪ ،‬فينظرون إليه‪ ،‬وَتْس ِف ي عليهم الريُح المسَك ‪ ،‬وال يسألون الَّر َّب تبارك‬
‫وتعالى شيًئا إاَّل أعطاهم حَّتى يرجعوا‪ ،‬وقد ازدادوا على ما كانوا من الحسن والجمال سبعين‬
‫ضعًف ا‪ ،‬ثَّم يرجعون إلى أزواجهم‪ ،‬وقد اْزَدْد َن مثل ذلك" (‪. )1‬‬
‫* وقال هشام بن حسان‪" :‬إَّن الَّلَه سبحانه وتعالى يتجَّلى ألهل الجَّنة‪ ،‬فإذا رآه أهل الجَّنة َنُس وا‬
‫نعيم الجَّنة" (‪. )2‬‬
‫* وقال طاووس‪" :‬أصحاب المراء والمقاييس ال يزاُل بهم المراء والمقاييس حَّتى يجحدوا‬
‫الرؤية‪ ،‬ويخالفوا السنة" (‪. )3‬‬
‫* وقال شريك عن أبي إسحاق السبيعي‪" :‬الزيادة‪ :‬النظُر إلى وجه الرحمن تبارك وتعالى" (‪. )4‬‬
‫* وقال حماد بن زيد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أَّنه َتَلى هذه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ )37‬مختصًر ا‪ ،‬والَّدارمي في الَّر ِّد على الجهمية (‬
‫‪ ،)201‬واآلجري في الشريعة رقم (‪ )573‬بمثله‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫ومداره على يزيد بن أبي زياد‪ ،‬وهو ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن بطة في اإلبانة "المختار" رقم (‪ )40‬وهو بدون سند‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه مكي بن إبراهيم عن هشام بن حسان عن الحسن بمثله‪.‬‬
‫أخرجه اآلجري في الشريعة (‪.)572‬‬
‫وفي سنده عمر بن مدرك‪ :‬ضعيف‪ ،‬وقيل‪ :‬كَّذ اب‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه اَّلاللكائي (‪ .)868‬وفيه إبراهيم بن يزيد الخوزي‪ :‬وهو متروك‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الطبري (‪ ،)105 /11‬والَّدارقطني في الرؤية (‪ ،)223‬واَّلاللكائي (‪.)794‬‬
‫وسنده حسن‪.‬‬

‫(‪)2/696‬‬
‫اآلية‪ِ{ :‬لَّلِذ يَن َأْح َس ُنوا اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة} [يونس‪ ،]26 :‬قال‪" :‬إذا دخل أهل الجَّنة الجَّنَة أعطوا‬
‫فيها ما سألوا (‪ )1‬وما شاؤوا‪ ،‬فيقول الَّله عَّز وجَّل لهم‪ :‬إَّنه قد بقَي من حِّق كم شيٌء لم تعطوه‪،‬‬
‫فيتجَّلى لهم رُّبهم‪ ،‬فال يكوُن ما أعطوا عند ذلك بشيء‪ ،‬فالحسنى‪ :‬الجَّنة‪ ،‬والزيادة‪ :‬النظُر إلى‬
‫ربهم عَّز وجَّل‪َ{ :‬و اَل َيْر َهُق ُوُج وَهُه ْم َقَتٌر َو اَل ِذ َّلٌة} [يونس‪ ]26 :‬بعد نظرهم إلى ربهم تبارك‬
‫وتعالى" (‪. )2‬‬
‫ِل‬ ‫َّل‬
‫* وقال علي بن المديني (‪ : )3‬سألُت عبد ال ه بن المبارك عن قوله تعالى‪َ{ :‬فَمْن َك اَن َيْر ُج و َق اَء‬
‫َر ِّبِه َفْلَيْع َمْل َعَم اًل َص اِلًح ا} [الكهف‪ ]110 :‬قال عبد الَّله‪" :‬من أراد النظر إلى وجه خالقه‪،‬‬
‫فليعمل عماًل صالًح ا‪ ،‬وال ُيْخ ِبْر به أحًد ا" (‪. )4‬‬
‫* وقال ُنَعْيم بن حَّم اد‪ :‬سمعُت ابن المبارك يقول‪" :‬ما حجَب الَّلُه عَّز وجَّل أحًد ا عنه إاَّل عَّذ به‪ ،‬ثَّم‬
‫قرأ‪َ{ :‬ك اَّل ِإَّنُه ْم َعْن َر ِّبِه ْم َيْو َم ِئٍذ َلَمْحُج وُبوَن (‪)15‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله "ما سألوا و" من "ب‪ ،‬د"‪ ،‬ونسخٍة على حاشية "أ"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الَّدارقطني في الرؤية رقم (‪.)210‬‬
‫من طريق محمد بن عبيد بن حساب عن حماد بن زيد مثله‪.‬‬
‫وقد تقَّدم ذكر االختالف فيه ص (‪.)693‬‬
‫(‪ )3‬كذا في النسخ‪ ،‬وعند اَّلاللكائي "المديني الغاساني" ولعَّله "الفاشاني"‪ ،‬وعند البيهقي "علي‬
‫الباشاني" وهو محتمل؛ ألَّن "باشان"‪ :‬قرية من قرى هراة‪ ،‬و"فاشان"‪ :‬قرية من قرى مرو‪ .‬انظر‪:‬‬
‫األنساب للسمعاني (‪ )258 /1‬و (‪ ،)340 - 338 /4‬ولعَّل الصواب "الفاشاني"؛ ألَّن الحديث‬
‫ُح ِّدث بمرو كما عند اَّلاللكائي‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه اَّلاللكائي (‪ ،)895‬والبيهقي في االعتقاد ص (‪.)135‬‬

‫(‪)2/697‬‬

‫ُثَّم ِإَّنُه ْم َلَص اُلو اْلَج ِح يِم (‪ُ )16‬ثَّم ُيَق اُل َه َذ ا اَّلِذ ي ُك ْنُتْم ِبِه ُتَك ِّذ ُبوَن } [المطففين‪]17 - 15 :‬‬
‫قال‪ :‬بالرؤية"‪ .‬ذكره ابن أبي الدنيا (‪ ، )1‬عن يعقوب بن إسحاق عن ُنعيم‪.‬‬
‫وقال عَّباد بن العَّو ام‪َ" :‬قِد َم علينا شريك بن عبد الَّله منذ خمسين سنة‪ ،‬فقلت له‪ :‬يا أبا عبد الَّله‪،‬‬
‫إن عندنا قوًم ا من المعتزلة ينكرون هذه األحاديث‪" :‬إَّن الَّلَه ينزُل إلى سماء الدنيا"‪" ،‬وإَّن أهل‬
‫الجَّنة يرون ربهم"‪ .‬فحَّدثني بنحو عشرة أحاديث في هذا وقال‪ :‬أما نحُن ‪ ،‬فقد أخذنا ديننا هذا‬
‫عن التابعين عن أصحاب رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬فهم عَّم ن أخذوا؟ " (‪. )2‬‬
‫وقال عقبة بن َقِبْيصة (‪" : )3‬أتينا أبا ُنَعيم يوًم ا‪ ،‬فنزل إلينا من الدرجة التي في َدارِه فجلَس في‬
‫وسطها كأَّنه مغضب‪ ،‬فقال‪ :‬حَّدثنا سفيان بن سعيد ومنذر الثوري وزهير بن معاوية‪ ،‬وحدثنا حسن‬
‫بن صالح بن حي‪ ،‬وحدثنا شريك بن عبد الَّله النخعي‪ ،‬هؤالء أبناء المهاجرين ُيَح ِّدثوننا عن رسول‬
‫الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬أَّن الَّله تبارك وتعالى ُيرى في اآلخرة‪ ،‬حَّتى جاَء ابن يهودٍّي صَّباٍغ‬
‫يزعم أَّن الَّلَه تعالى ال ُيرى ‪-‬يعني بشر المِّر يسّي (‪.- )4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)348‬والاللكائي رقم (‪.)894‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه عبد الَّله في السنة رقم (‪ ،)509‬والاللكائي (‪ ،)879‬والَّدارقطني في الصفات (‪)65‬‬
‫وغيرهم‪ .‬وهو ثابٌت عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬وقع في "أ‪ ،‬ج‪ ،‬هـ"‪" :‬قبيصة بن عقبة"‪ ،‬وهو خطأ‪ ،‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)218 /20‬‬
‫(‪ )4‬ذكره اَّلاللكائي (‪ )887‬عن ابن أبي حاتم بسنده‪.‬‬
‫وأخرجه الَّدارقطني في الصفات رقم (‪.)66‬‬

‫(‪)2/698‬‬

‫فصل‪ :‬في المنقول عن األئمة األربعة‪ ،‬ونظرائهم وشيوخهم وأتباعهم على طريقتهم ومنهاجهم‬
‫ذكُر قول إمام دار الهجرة مالك بن أنس‪:‬‬
‫قال أحمد بن صالح المصري‪ :‬حدثنا عبد الَّله بن وهب قال‪ :‬قال مالك بن أنس‪" :‬الَّناُس ينظرون‬
‫إلى الَّلَه عَّز وجَّل يوم القيامة بأعينهم" (‪.)1‬‬
‫وقال الحارث بن مسكين‪ :‬حدثنا أشهب قال‪ِ :‬ئ مالك عن قوله عَّز وجَّل‪ { :‬وٌه ِئٍذ‬
‫ُوُج َيْو َم‬ ‫ُس َل‬
‫َناِض َر ٌة (‪ِ )22‬إَلى َر ِّبَه ا َناِظ َر ٌة (‪[ })23‬القيامة‪ ]23 - 22 :‬أتنظُر إلى الَّل عَّز وجَّل؟ قال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫ِه‬
‫فقلُت إَّن أقواًم ا يقولون‪ :‬تنتظُر ما عنده‪ ،‬قال‪ :‬بل تنظر إليه نظًر ا‪ ،‬وقد قال‪ :‬موسى‪َ{ :‬ر ِّب َأِر ِني‬
‫ِئٍذ‬
‫َأْنُظْر ِإَلْيَك َقاَل َلْن } [األعراف‪ ،]143 :‬وقال الَّله عَّز وجَّل‪َ{ :‬ك اَّل ِإَّنُه ْم َعْن َر ِّبِه ْم َيْو َم‬
‫َلَمْحُج وُبوَن (‪[ })15‬المطففين‪.)2( " ]15 :‬‬
‫وذكر الطبري وغيره أَّنُه قيل لمالك‪" :‬إَّنهم يزعمون أَّن الَّلَه ال ُيرى‪ ،‬فقال مالك‪ :‬السيف السيف"‬
‫(‪.)3‬‬

‫ذكر قول ابن الماجشون‪:‬‬


‫قال أبو حاتم الَّر ازي‪ :‬قال أبو صالح كاتب الليث‪ :‬أملى علَّي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه اآلجري في الشريعة (‪ ،)574‬واَّلاللكائي رقم (‪ ،)870‬وأبو نعيم في الحلية (‪/6‬‬
‫‪ )326‬وغيرهم‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه اَّلاللكائي (‪.)871‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه اَّلاللكائي (‪ 808‬و ‪.)872‬‬

‫(‪)2/699‬‬

‫عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون‪ ،‬وسألته عَّم ا جحدت الَج ْه ِم َّية فقال‪" :‬لم يزْل يملي لهم‬
‫الشيطان حَّتى جحدوا قوله تعالى‪ُ{ :‬وُج وٌه َيْو َم ِئٍذ َناِض َر ٌة (‪ِ )22‬إَلى َر ِّبَه ا َناِظ َر ٌة (‪[ })23‬القيامة‪:‬‬
‫‪ ،]23 ،22‬فقالوا‪ :‬ال يراه أحٌد يوم القيامة‪ ،‬فجحدوا ‪-‬والَّله‪ -‬أفضل كرامِة الَّله التي أكرم بها‬
‫أولياءه يوم القيامة من النظِر إلى وجهه‪ ،‬ونضرته إَّياهم {ِفي َمْق َعِد ِص ْد ٍق ِع ْنَد َم ِليٍك ُمْق َتِد ٍر }‬
‫[القمر‪ ،]55 :‬فورِّب السماء واألرِض ليجعلَّن رؤيته يوم القيامة للمخلصين له ثواًبا لينِّضر بها‬
‫وجوههم دون المجرمين‪ ،‬وتفلج بها ُح َّج تهم على الجاحدين‪ ،‬وهم عن رِّبهم يومئٍذ لمحجوبون‪،‬‬
‫ال يرونه كما زعموا أَّنُه ال يرى‪ ،‬وال يكلمهم وال ينظر إليهم‪ ،‬ولهم عذاب أليم" (‪.)1‬‬

‫ذكر قول األوزاعي‪:‬‬


‫ذكر ابن أبي حاتم عنه قال‪" :‬إِّني ألرجو أْن يحجب الَّله عَّز وجَّل َج ْه ًم ا وأصحابه عن أفضل ثوابه‬
‫اَّلذي وعده أولياَءه حين يقول‪ُ{ :‬وُج وٌه َيْو َم ِئٍذ َناِض َر ٌة (‪ِ )22‬إَلى َر ِّبَه ا َناِظ َر ٌة (‪[ })23‬القيامة‪،22 :‬‬
‫‪ ]23‬فجحَد جْه م وأصحابه أفضل ثوابه اَّلذي وعد أولياَءه" (‪.)2‬‬

‫ذكر قول الليث بن سعد‪:‬‬


‫قال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا إسماعيل بن أبي (‪ )3‬الحارث‪ ،‬حدثنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن بطة في اإلبانة "المختار" رقم (‪ ،)59‬واَّلاللكائي (‪.)873‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية في الفتاوى (‪" :)42 /5‬روى األثرم في السنة‪ ،‬وأبو عبد الَّله بن بطة‬
‫في اإلبانة‪ ،‬وأبو عمرو الطلمنكي وغيرهم بإسناٍد صحيح عن عبد العزيز بن عبد الَّله بن أبي سلمة‬
‫الماجشون‪ " . . .‬ثَّم ذكره‪.‬‬
‫(‪ )2‬ذكره اَّلاللكائي (‪ )874‬عن ابن أبي حاتم بسنده‪.‬‬
‫(‪ُ )3‬ضِرَب عليها في "هـ"‪.‬‬

‫(‪)2/700‬‬

‫الهيثم بن خارجة‪ ،‬قال‪ :‬سمعت الوليد بن مسلم يقول‪" :‬سألت األوزاعي‪ ،‬وسفيان الثوري‪ ،‬ومالك‬
‫بن أنس‪ ،‬والليث بن سعد‪ ،‬عن هذه األحاديث التي فيها الرؤية‪ ،‬فقالوا‪ُ :‬تَم ُّر بال كيف" (‪.)1‬‬

‫قول سفيان بن عيينة‪:‬‬


‫ذكر الطبري وغيره عنه أَّنه قال‪" :‬من لم يقل‪ :‬إَّن القرآن كالم الَّله‪ ،‬وإَّن الَّلَه يرى في الجَّنة فهو‬
‫جهمي" (‪.)2‬‬
‫وذكر عنه ابن أبي حاتم أَّنه قال‪" :‬ال ُيَص َّلى خلَف الجهمي‪ ،‬والجهمُّي اَّلذي يقول‪ :‬ال يرى ربه يوم‬
‫القيامة" (‪.)3‬‬

‫قول جرير بن عبد الحميد‪:‬‬


‫ذكر ابن أبي حاتم عنه أَّنه ُذِكَر له حديث ابن سابط في الزيادة‪ :‬أَّنها النظر إلى وجه الَّلِه فأنكره‬
‫رجٌل فصاح به‪ ،‬فأخرجه من مجلسه" (‪.)4‬‬

‫قول عبد الَّله بن المبارك‪:‬‬


‫ذكر عبد الرحمن بن أبي حاتم عنه‪ ،‬أَّن رجاًل من الجهمية قال له‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه اَّلاللكائي (‪ )875‬من طريق ابن أبي حاتم به‪.‬‬
‫والبيهقي في االعتقاد ص (‪ ،)123‬والَّدارقطني في الصفات رقم (‪.)67‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه اَّلاللكائي (‪.)876‬‬
‫(‪ )3‬ذكره اَّلاللكائي (‪ )878‬عن ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫(‪ )4‬ذكره اَّلاللكائي (‪ )880‬عن ابن أبي حاتم بسنده‪.‬‬

‫(‪)2/701‬‬

‫"يا أبا عبد الرحمن خدارا بآن جهان جون ِبْيَنْند (‪ ،)1‬ومعناُه‪ :‬كيَف ُيرى الَّله يوم القيامة؟ فقال‪:‬‬
‫بالعين" (‪.)2‬‬
‫وقال ابن أبي الدنيا‪ :‬حدثني يعقوب بن إسحاق قال‪ :‬سمعت‪ُ :‬نَعيم ابن حماد يقول‪ :‬سعت ابن‬
‫ِئٍذ‬
‫المبارك يقول‪" :‬ما حجب الَّله عَّز وجل عنه أحًد ا إاَّل عَّذ به ثَّم قرأ‪َ{ :‬ك اَّل ِإَّنُه ْم َعْن َر ِّبِه ْم َيْو َم‬
‫َلَمْحُج وُبوَن (‪ُ )15‬ثَّم ِإَّنُه ْم َلَص اُلو اْلَج ِح يِم (‪ُ )16‬ثَّم ُيَق اُل َه َذ ا اَّلِذ ي ُك ْنُتْم ِبِه ُتَك ِّذ ُبوَن (‪})17‬‬
‫[المطففين‪ ]17 - 15 :‬قال ابن المبارك‪ :‬بالرؤية" (‪.)3‬‬

‫قول وكيع بن الجراح‪:‬‬


‫ذكر ابن أبي حاتم عنه‪ ،‬أَّنه قال‪" :‬يراُه تبارك وتعالى المؤمنون في الجَّنة‪ ،‬وال يراُه إال المؤمنون" (‬
‫‪.)4‬‬

‫قول قتيبة بن سعيد‪:‬‬


‫ذكر ابن أبي حاتم عنه‪ ،‬قال‪" :‬قول األئمة المأخوذ به (‪ )5‬في اإلسالم والسَّنة‪ :‬اإليمان بالرؤية‬
‫والتصديق باألحاديث التي جاءت عن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬اضطربت النسخ في كتابة هذه الجملة الفارسية‪ ،‬وأقربها إلى الصواب ما جاء في نسخٍة على‬
‫حاشية "د"‪ ،‬كما أفادُه الشيخ محمد عزير شمس‪.‬‬
‫(‪ )2‬ذكره اَّلاللكائي (‪ )881‬عن ابن أبي حاتم بسنده‪.‬‬
‫(‪ )3‬تقدم ص (‪.)698‬‬
‫(‪ )4‬ذكره اَّلاللكائي (‪ ،)882‬وقَّو ام السنة في الحجة في بيان المحَّج ة (‪ )247 - 246 /2‬عن‬
‫ابن أبي حاتم بسنده‪.‬‬
‫(‪ )5‬في "هـ"‪" :‬عنهم به"‪.‬‬

‫(‪)2/702‬‬

‫رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬في الرؤية" (‪.)1‬‬

‫قول أبي عبيد القاسم بن ساَّل م‪:‬‬


‫ذكر ابن بَّطة وغيره عنه أَّنه ُذِكَر ت عنده هذه األحاديث التي في الرؤية فقال‪" :‬هي عندنا حق‪،‬‬
‫رواها الثقات عن الثقات إلى أْن صارت إلينا‪ ،‬إاَّل أنا إذا قيل لنا‪ :‬فِّس روها لنا‪ ،‬قلنا‪ :‬ال نفِّس ر منها‬
‫شيًئا‪ ،‬ولكن ُنْم ضيها كما جاءت" (‪.)2‬‬

‫قول أسود بن سالم شيخ اإلمام أحمد‪:‬‬


‫قال الَم ُّر وذي‪ :‬حدثنا عبد الوَّهاب الوَّر اق قال‪ :‬سألت أسود بن سالم عن أحاديث الرؤية‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫"أحلف عليها بالطالق وبالمشي أَّنها حق" (‪.)3‬‬

‫قول محمد بن إدريس الشافعي‪:‬‬


‫قد تقَّدم رواية الربيع عنه أَّنه قال‪" :‬في قوله تعالى‪َ{ :‬ك اَّل ِإَّنُه ْم َعْن َر ِّبِه ْم َيْو َم ِئٍذ َلَمْحُج وُبوَن (‬
‫‪[ })15‬المطففين‪ :]15 :‬لَّم ا حجَب هؤالء في الَّس َخ ط‪ ،‬كان في هذا دليل على (‪ :)4‬أَّن أولياءه‬
‫يرونه في الِّر ضى‪ ،‬قال الربيع‪ :‬فقلُت ‪ :‬يا أبا عبد الَّله‪ ،‬وتقول به؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬وبه أديُن الَّله‪ ،‬لو لم‬
‫يوقن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ذكره اَّلاللكائي (‪ )886‬عن ابن أبي حاتم بسنده عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه اآلجري في الشريعة (‪ )581‬نحوه‪ ،‬وابن بطة في اإلبانة "المختار" رقم (‪،)56‬‬
‫والَّدارقطني في الصفات رقم (‪.)57‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه اآلجري في الشريعة رقم (‪ )575‬وغيره‪.‬‬
‫(‪ )4‬من نسخٍة على حاشية "أ"‪.‬‬
‫(‪)2/703‬‬

‫محمد بن إدريس أَّنه يرى الَّله عَّز وجَّل َلَم ا َعَبَدُه" (‪.)1‬‬
‫وقال ابن بَّطة‪ :‬حدثنا ابن األنباري‪ ،‬حدثنا أبو القاسم األنماطي صاحب الُم َز ني قال‪ :‬قال الشافعي‪:‬‬
‫{َك اَّل ِإَّنُه ْم َعْن َر ِّبِه ْم َيْو َمِئٍذ َلَمْحُج وُبوَن (‪[ })15‬المطففين‪ ]15 :‬داللة على أَّن أولياءه يرونه يوم‬
‫القيامة بأبصار وجوههم" (‪.)2‬‬

‫قول إمام السَّنة أحمد بن حنبل‪:‬‬


‫قال إسحاق بن منصور‪ :‬قلُت ألحمد‪" :‬أليس ربنا تبارك وتعالى يراُه أهل الجَّنة؟ أليَس تقول بهذه‬
‫األحاديث؟ قال أحمد‪ :‬صحيح‪ ،‬قال ابن منصور‪ :‬وقال إسحاق بن راهويه‪ :‬صحيح وال يدعه إاَّل‬
‫مبتدع‪ ،‬أو ضعيف الَّر أي" (‪.)3‬‬
‫وقال الفضل بن زياد‪" :‬سمعُت أبا عبد الَّله‪ ،‬وقيل له‪ :‬تقول بالرؤية؟ فقال‪ :‬من لم يقل بالرؤية فهو‬
‫جهمي" (‪.)4‬‬
‫قال‪" :‬وسمعُت أبا عبد الَّله (‪ ،)5‬وبلغه عن رجل أَّنه قال‪ :‬إَّن الَّله ال ُيرى في اآلخرة‪ :‬فغضب‬
‫غضًبا شديًد ا‪ ،‬ثَّم قال‪ :‬من قال‪ :‬إَّن الَّله ال يرى في اآلخرة فقد كفر‪ ،‬عليه لعنة الَّله وغضبه‪َ ،‬مْن‬
‫َك اَن ِم َن الَّناس‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه اَّلاللكائي (‪ ،)883‬والبيهقي في مناقب الشافعي (‪.)419 /1‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن بطة في اإلبانة "المختار" رقم (‪.)55‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬مسائل الكوسج (‪ )535 /2‬رقم (‪.)3290‬‬
‫(‪ )4‬لم أقف عليها‪ ،‬وقد رواها عن أحمد ابُن هانئ في مسائله (‪.)152 /2‬‬
‫(‪ )5‬في نسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬يقول وبلغه"‪.‬‬

‫(‪)2/704‬‬
‫أليَس يقول الَّله عَّز وجَّل‪ُ{ :‬وُج وٌه َيْو َم ِئٍذ َناِض َر ٌة (‪ِ )22‬إَلى َر ِّبَه ا َناِظ َر ٌة (‪[ } )23‬القيامة‪,22 :‬‬
‫‪ ،]23‬وقال تعالى‪َ{ :‬ك اَّل ِإَّنُه ْم َعْن َر ِّبِه ْم َيْو َم ِئٍذ َلَمْحُج وُبوَن (‪. )1( } )15‬‬
‫وقال أبو داود‪" :‬وسمعُت أحمد‪ ،‬وُذِكَر له عن رجٍل في شيٍء في الرؤية فغضب وقال‪ :‬من قال‪:‬‬
‫إَّن الَّلَه ال يرى فهو كافر" (‪. )2‬‬
‫قال أبو داود‪" :‬وسمعُت أحمد وقيل له‪ :‬في رجل ُيحِّدث بحديث عن رجل عن أبي العطوف‪ :‬إَّن‬
‫الَّلَه ال ُيرى في اآلخرة‪ ،‬فقال‪ :‬لَعَن الَّلُه من ُيحِّد ُث بهذا الحديِث اليوم‪ ،‬ثَّم قال‪ :‬أخزى الَّلُه (‪)3‬‬
‫هذا" (‪. )4‬‬
‫وقال أبو بكر المُّر وذي‪" :‬قيل ألبي عبد الَّله‪ :‬تعرُف عن يزيد بن هارون‪ ،‬عن أبي العطوف‪ ،‬عن‬
‫أبي الزبير‪ ،‬عن جابر‪" :‬إِن استقَّر الجبل فسوف تراني‪ ،‬وإْن لم يستقر فال تراني في الدنيا‪ ،‬وال في‬
‫اآلخرة" (‪ ، )5‬فغضَب أبو عبد الَّله غضًبا شديًد ا حَّتى تبَّين في وجهه‪ ،‬وكان قاعًد ا والَّناُس حوله‪،‬‬
‫فأخَذ نعله وانتعل‪ ،‬وقال‪ :‬أخزى الَّله هذا‪ ،‬ال ينبغي أْن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه اآلجري في الشريعة رقم (‪ ،)577‬وابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (‪.)253 /1‬‬
‫(‪ )2‬مسائل أبي داود ص (‪.)263‬‬
‫(‪ )3‬سقط من "هـ"‪.‬‬
‫(‪ )4‬مسائل أبي داود ص (‪.)263‬‬
‫(‪ )5‬هذا حديث موضوع‪ .‬آفته أبو العطوف واسمه الجَّر اح بن المنهال الحَّر اني قال ابن حبان‪:‬‬
‫"وكان رجل سوء يشرب الخمر‪ ،‬ويكذب في الحديث"‪ ،‬وقال أبو حاتم الَّر ازي‪" :‬هو متروك‬
‫الحديث‪ ،‬ذاهب الحديث‪ ،‬ال يكتب حديثه"‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الجرح والتعديل (‪ ،)523 /2‬والكامل البن عدي (‪ ،)161 - 160 /2‬والمجروحين البن‬
‫حبان (‪.)219 - 218 /1‬‬

‫(‪)2/705‬‬

‫ُيْك َتب‪ ،‬ودفع أْن يكون يزيد بن هارون رواُه أو حَّدث به‪ ،‬وقال‪ :‬هذا َج ْه مي كافٌر خالف قول الَّلُه‬
‫(‪ )1‬عَّز وجَّل‪ُ{ :‬وُج وٌه َيْو َم ِئٍذ َناِض َر ٌة (‪ِ )22‬إَلى َر ِّبَه ا َناِظ َر ٌة (‪[ } )23‬القيامة‪.]23 - 22 :‬‬
‫وقال‪َ{ :‬ك اَّل ِإَّنُه ْم َعْن َر ِّبِه ْم َيْو َمِئٍذ َلَمْحُج وُبوَن (‪[ } )15‬المطففين‪َ ]15 :‬خ َز ى الَّلُه هذا‬
‫الخبيث"‪.‬‬
‫قال أبو عبد الَّله‪" :‬ومن زعَم أَّن الَّلَه ال ُيرى في اآلخرة فقد كفر" (‪. )2‬‬
‫وقال أبو طالب‪" :‬قال أبو عبد الَّله‪ :‬قول الَّلُه عَّز وجَّل‪َ{ :‬ه ْل َيْنُظُر وَن ِإاَّل َأْن َيْأِتَيُه ُم الَّلُه ِفي ُظَلٍل‬
‫ِم َن اْلَغَم اِم َو اْلَم اَل ِئَك ُة} [البقرة‪َ{ ،]210 :‬و َج اَء َر ُّبَك َو اْلَم َلُك َص ًّف ا َص ًّف ا (‪[ } )22‬الفجر‪]22 :‬‬
‫فمن قال‪ :‬إَّن الَّله ال ُيرى فقد كفر" (‪. )3‬‬
‫وقال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ‪" :‬سمعُت أبا عبد الَّله يقول‪ :‬من لم يؤمن بالرؤية فهو جْه مي‪،‬‬
‫والجهمي‪ :‬كافر" (‪. )4‬‬
‫وقال يوسف بن موسى القطان‪" :‬قيل ألبي عبد الَّله‪ :‬أهُل الجَّنة ينظرون إلى رِّبهم تبارك وتعالى‬
‫وُيكَّلمونه ويكِّلمهم؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬ينظُر إليهم‪ ،‬وينظرون إليه‪ ،‬ويكلمهم ويكلمونه كيف شاء وإذا‬
‫شاء" (‪. )5‬‬
‫وقال حنبل بن إسحاق‪" :‬سمعُت أبا عبد الَّله يقول‪ :‬القوُم يرجعون‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله "خالف قول الَّله"‪ ،‬في "د‪ ،‬هـ"‪" :‬خالف ما قال الَّله"‪ ،‬ووقع في نسخٍة على حاشية "د"‬
‫"خالف قول الَّله"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬طبقات الحنابلة (‪.)59 /1‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن بطة في اإلبانة "المختار" رقم (‪.)49‬‬
‫(‪ )4‬مسائل ابن هانئ (‪.)152 /2‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه ابن بطة في اإلبانة "المختار" رقم (‪.)48‬‬

‫(‪)2/706‬‬

‫إلى التعطيل في أقوالهم‪ ،‬ينكرون الرؤية واآلثار كلها‪ ،‬وما ظننتهم على هذا حَّتى سمعت‬
‫مقاالتهم"‪.‬‬
‫قال حنبل‪" :‬وسمعُت أبا عبد الَّله يقول‪ :‬من زعم أَّن الَّلَه ال رى في اآلخرة (‪ )1‬فقد رَّد على الَّلِه‬
‫ُي‬
‫وعلى الرسول‪ ،‬ومن زعَم أَّن الَّلَه لم يتخذ إبراهيم خلياًل فقد كفر‪ ،‬ورَّد على الَّله قوله‪ ،‬قال أبو‬
‫عبد الَّله‪ :‬فنحُن نؤمُن بهذه األحاديث‪ ،‬وُنِق ُّر بها ونمُّر ها كما جاءْت " (‪. )2‬‬
‫وقال األثرم‪" :‬سمعُت أبا عبد الَّله يقول‪ :‬فأما من قاَل ‪ :‬إَّنُه ال يرى الَّله في اآلخرة فهو جهمي‪،‬‬
‫قال أبو عبد الَّله‪ :‬وإَّنما تكَّلم من تكَّلم في رؤية الدنيا (‪." )3‬‬
‫وقال إبراهيم بن زياد الصائغ‪" :‬سمعُت أحمد بن حنبل يقول‪ :‬الرؤية من كَّذ ب بها فهو زْنِد ْيق"‪.‬‬
‫وقال حنبل‪" :‬سمعُت أبا عبد الَّله يقول‪ :‬أدركنا الَّناُس وما ينكرون من هذه األحاديث شيًئا ‪-‬‬
‫أحاديث الرؤية‪ -‬وكانوا يحدثون بها على الجملة‪ُ ،‬يِم ُّر ونها على حالها غير منكرين لذلك وال‬
‫مرتابين" (‪. )4‬‬
‫وقال أبو عبد الَّله‪" :‬قال الَّلُه تعالى‪َ{ :‬و َما َك اَن ِلَبَش ٍر َأْن ُيَك ِّلَم ُه الَّلُه ِإاَّل َو ْحًيا َأْو ِم ْن َو َر اِء ِح َج اٍب‬
‫َأْو ُيْر ِس َل َرُس واًل } [الشورى‪ .]51 :‬فكَّلم الَّله موسى‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله "في اآلخرة" من المطبوعة‪.‬‬
‫(‪ )2‬لم أقف عليه‪ ،‬وجاء نحوه عن حنبل كما في طبقات الحنابلة (‪.)145 /1‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن بطة في اإلبانة "المختار" رقم (‪.)51‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه ابن بطة في اإلبانة "المختار" رقم (‪.)52‬‬

‫(‪)2/707‬‬

‫من وراء حجاب‪ ،‬فقال‪َ{ :‬ر ِّب َأِر ِني َأْنُظْر ِإَلْيَك َقاَل َلْن َتَر اِني َو َلِكِن اْنُظْر ِإَلى اْلَجَبِل َفِإ ِن اْس َتَقَّر‬
‫َم َك اَنُه َفَس ْو َف َتَر اِني} [األعراف‪ ،]143 :‬فأخبر الَّله عَّز وجَّل أَّن موسى يراُه في اآلخرة‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫{َك اَّل ِإَّنُه ْم َعْن َر ِّبِه ْم َيْو َمِئٍذ َلَمْحُج وُبوَن (‪[ } )15‬المطففين‪ ،]15 :‬وال يكون حجاب إاَّل لرؤية‬
‫أخبر الَّله سبحانه أَّن من شاء الَّله ومن أراد يراُه‪ ،‬والكفار ال يرونه" (‪. )1‬‬
‫قال حنبل‪" :‬وسمعُت أبا عبد الَّله يقول‪ :‬قال الَّله تعالى‪ُ{ :‬وُج وٌه َيْو َمِئٍذ َناِض َر ٌة (‪ِ )22‬إَلى َر ِّبَه ا‬
‫َناِظ َر ٌة (‪[ } )23‬القيامة‪ .]23 - 22 :‬واألحاديث التي ُتْر وى في النظر إلى الَّله تعالى ‪-‬حديث‬
‫جرير بن عبد الَّله وغيره‪" -‬وتنظرون إلى رِّبكم"‪ ،‬أحاديث ِص َح اح‪ ،‬وقال‪ِ{ :‬لَّلِذ يَن َأْح َس ُنوا‬
‫اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة} [يونس‪ :]26 :‬النظُر إلى الَّله تعالى‪ ،‬قال أبو عبد الَّله‪ :‬نؤمن بها‪ ،‬ونعلُم أَّنها‬
‫حٌّق‪ :‬أحاديث الرؤية‪ ،‬ونؤمن بأَّن الَّلَه ُيَر ى‪َ ،‬نَر ى ربنا يوم القيامة‪ ،‬ال نشُّك فيه وال نرتاب" (‪. )2‬‬
‫قال‪" :‬وسمعُت أبا عبد الَّله يقول‪ :‬من زعَم أَّن الَّلَه ال يرى في اآلخرة فقد كفر بالَّلِه وكَّذ ب‬
‫بالقرآن‪ ،‬ورَّد على الَّله أمره‪ُ ،‬يستتاب؛ فإْن تاَب وإاَّل ُقِتَل" (‪. )3‬‬
‫قال حنبل‪" :‬قلُت ألبي عبد الَّله‪ :‬في أحاديث الرؤية فقال‪ :‬هذه صحاح نؤمن بها‪ ،‬ونقُّر بها‪ ،‬وكل‬
‫ما روي عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬إسنادُه جِّيد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬لم أقف عليه‪ ،‬وجاء بمعناه عن حنبل عند اآلجري في الشريعة (‪.)578‬‬
‫(‪ )2‬لم أقف عليه‪ ،‬وانظر معناه عند اآلجري في الشريعة (‪.)578‬‬
‫(‪ )3‬لم أقف عليه‪ ،‬وانظر معناُه في طبقات الحنابلة (‪.)145 /1‬‬

‫(‪)2/708‬‬

‫أقرْر نا به" (‪.)1‬‬


‫قال أبو عبد الَّله‪" :‬إذا لم نقر بما جاء عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬ودفعناُه رددنا على الَّلِه‬
‫أمره‪ .‬قال الَّلُه عَّز وجَّل‪َ{ :‬و َم ا آَتاُك ُم الَّر ُس وُل َفُخ ُذ وُه َو َما َنَه اُك ْم َعْنُه َفاْنَتُه وا} [الحشر‪( " ]7 :‬‬
‫‪.)2‬‬

‫قول إسحاق بن راهويه‪:‬‬


‫ذكر الحاكم وشيخ اإلسالم وغيرهما عنه‪ ،‬أَّن عبد الَّله بن طاهر أمير خراسان سأله‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا‬
‫يعقوب‪ ،‬هذه األحاديث التي َتْر ُوْو نها في النزول والرؤية ما ُه َّن ؟ فقال رواها من روى الطهارة‪،‬‬
‫والُغسل والصالة واألحكام‪ ،‬وذكر أشياء‪ ،‬فإْن يكونوا في هذه عدواًل ‪ ،‬وإاَّل فقد ارتفعت األحكام‪،‬‬
‫وبطل الشرع‪ ،‬فقال‪ :‬شفاك الَّله كما شفيتني‪ ،‬أو كما قال" (‪.)3‬‬

‫قول جميع أهل اإليمان‪:‬‬


‫قال إمام األئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة في كتابه (‪" :)4‬إَّن المؤمنين لم يختلفوا أَّن جميع‬
‫المؤمنين يرون خالقهم يوم المعاد‪ ،‬ومن أنكر ذلك فليس بمؤمن عند المؤمنين"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الاللكائي (‪.)889‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن بطة في اإلبانة "المختار" رقم (‪.)53‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن بطة في اإلبانة كما في شرح حديث النزول البن تيمية ص (‪ )152‬بنحوه‪.‬‬
‫(‪ )4‬لم أقف عليه في التوحيد‪ ،‬وال في غيره‪.‬‬
‫(‪)2/709‬‬

‫قول المزني‪:‬‬
‫ذكر الطبري في "السنة" عن إبراهيم بن أبي داود المصري‪ ،‬قال‪ُ :‬ك َّنا عند ُنَعيم بن حَّم اد جلوًس ا‪،‬‬
‫فقال نعيم للُم َز ني‪ :‬ما تقول في القرآن؟ فقال‪ :‬أقول‪ ،‬إَّنُه كالُم الَّلُه‪ ،‬فقال‪ :‬غير مخلوق؟ فقال‪:‬‬
‫غير مخلوق‪ ،‬قال‪ :‬وتقول‪ :‬إَّن الَّلَه يرى يوم القيامة؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فلما افترق الَّناس قام إليه المزني‬
‫فقال‪ :‬يا أبا عبد الَّله‪ ،‬شهرتني على رؤوس الَّناس‪ ،‬فقال‪ :‬إَّن الَّناس قد أكثروا فيك‪ ،‬فأردت أن‬
‫ُأَبِّر ئك" (‪.)1‬‬

‫قول جميع أهل اللغة‪:‬‬


‫قال أبو عبد الَّله بن بَّطة‪ :‬سمعت أبا عمر محمد بن عبد الواحد‪ ،‬صاحب اللغة يقول‪ :‬سمعت ‪-‬‬
‫ِح‬ ‫ِب ِم ِن ِح‬
‫أبا العباس أحمد بن يحيى ‪ -‬ثعلًبا يقول في قوله تعالى‪َ{ :‬و َك اَن اْلُم ْؤ يَن َر يًم ا (‪َ )43‬ت َّيُتُه ْم‬
‫َيْو َم َيْلَق ْو َنُه َس اَل ٌم} [األحزاب‪ .]44 - 43 :‬أجمع أهل اللغة على (‪ )2‬أَّن اللقاء ها هنا ال يكوُن‬
‫إاَّل معاينة ونظًر ا باألبصاِر " (‪.)3‬‬
‫وحسبك بهذا اإلسناد ِص َّح ًة‪ ،‬واِّللقاء ثابٌت بنِّص القرآن كما تقدم (‪ .)4‬وبالتواتر عن الَّنبي ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬وكُّل أحاديث اللقاء صحيحة‪:‬‬
‫ِض‬
‫فحديث أنس في قصة بئر معونة‪" :‬إَّنا قد لقينا رَّبَنا َفَر َي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الاللكائي في شرح أصول االعتقاد رقم (‪.)891‬‬
‫(‪ )2‬من "ب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن بطة في اإلبانة "المختار" رقم (‪.)58‬‬
‫(‪ )4‬في ص (‪.)609 - 608‬‬

‫(‪)2/710‬‬
‫َعَّنا وَأْر ضاَنا" (‪. )1‬‬
‫وحديث عبادة وعائشة وأبي هريرة وابن مسعود‪" :‬من أحَّب لقاَء الَّلِه أحَّب الَّلُه لقاءُه" (‪. )2‬‬
‫وحديُث أنس‪" :‬إَّنُك م ستلقون بعدي َأثَر ًة فاْص بُر وا حَّتى َتْلَق وا الَّله ورسوَلُه" (‪. )3‬‬
‫وحديث أبي ذٍّر ‪" :‬لو لقيتني ِبُقَر اِب األرِض خَطاَيا‪ُ ،‬ثَّم لقيتني ال تشرُك بي شيًئا لقيُتَك بُقرابها‬
‫مغفرة" (‪. )4‬‬
‫وحديُث أبي موسى‪" :‬من لقَي الَّلَه ال يشرُك به شيًئا َدَخ َل الجَّنة" (‪. )5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)3864‬‬
‫(‪ )2‬البخاري (‪ 6142‬و ‪ ،)6143‬ومسلم (‪ )2686 ،2684 ،2683‬عن عبادة وعائشة وأبي‬
‫موسى رضي الَّله عنهم‪.‬‬
‫‪ -‬ومسلم (‪ )2685‬عن أبي هريرة رضي الَّله عنه‪.‬‬
‫‪ -‬والطبراني في الكبير (‪ )198 /9‬رقم (‪ )8882‬عن ابن مسعود موقوًفا عليه‪ .‬وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)2978‬ومسلم برقم (‪.)1845‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم برقم (‪ )2687‬بلفظ "‪ . . .‬ومن لقيني بقراب األرِض خطيئة ال يشرك بي‬
‫شيًئا‪ ،‬لقيته بمثلها مغفرة"‪.‬‬
‫‪ -‬وورد نحوه عند الترمذي رقم (‪ )3540‬من حديث أنس‪.‬‬
‫وقال الترمذي‪" :‬حسن غريب ال نعرفه إاَّل من هذا الوجه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬لم أقف عليه من حديث أبي موسى بهذا اللفظ‪.‬‬
‫وقد جاء هذا المتن عن جماعة من الصحابة‪ :‬كسلمة بن نعيم وعبد الَّله بن عمر وعبد الَّله بن‬
‫عمرو ومعاذ وعقبة بن عامر وعمارة بن رويبة وأبي هريرة =‬

‫(‪)2/711‬‬

‫وغير ذلك من أحاديث اِّللقاءه التي أطردت (‪ )1‬كلها بلفٍظ واحٍد ‪.‬‬

‫فصل‪ :‬في وعيد منكر (‪ )2‬الرؤية‬


‫قد تقدم قوله تعالى‪َ{ :‬ك اَّل ِإَّنُه ْم َعْن َر ِّبِه ْم َيْو َم ِئٍذ َلَمْحُج وُبوَن (‪[ })15‬المطففين‪ ،]15 :‬وقول‬
‫عبد الَّله بن المبارك‪ :‬ما حجب الَّلُه عنه أحًد ا إاَّل عَّذ به‪ ،‬ثَّم قرأ قوله تعالى‪ُ{ :‬ثَّم ِإَّنُه ْم َلَص اُلو‬
‫اْلَج ِح يِم (‪ُ )16‬ثَّم ُيَق اُل َه َذ ا اَّلِذ ي ُك ْنُتْم ِبِه ُتَك ِّذ ُبوَن (‪[ })17‬المطففين‪ ،]17 - 16 :‬قال‪:‬‬
‫بالرؤية" (‪.)3‬‬
‫وروى مسلم في "صحيحه" (‪ )4‬من حديث أبي هريرة قال‪ :‬قالوا‪ :‬يا رسول الَّله هل نرى ربنا يوَم‬
‫القيامة؟ قال‪ :‬هل تضارون في رؤية الشمِس في الظهيرة ليست في سحابة؟ قالوا‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬هل‬
‫تضارون في رؤية القمِر ليلَة البدِر ليس في سحابة؟ قالوا‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فواَّلذي نفسي بيده ال تضارون‬
‫فى رؤية رِّبكم إاَّل كما ُتضاُّر ون فى رؤية أحدهما‪َ ،‬فَيْلَق ى العبد‪ ،‬فيقول‪ :‬أْي ُفل‪ :‬ألْم ُأْك ِر ْم َك‬
‫وأَس ِّو ْد ك وُأزِّو ْج َك ‪ ،‬وُأسِّخ ْر لَك الخيل واإلبل‪ ،‬وأَذْر َك َترأُس وتربُع؟ فيقول‪:‬‬
‫__________‬
‫= وفي أكثرها كالم‪.‬‬
‫وأصحها حديث أنس عند البخاري رقم (‪ ،)129‬وجابر بن عبد الَّله عند مسلم رقم (‪.)93‬‬
‫(‪ )1‬قوله "التي اطردت" وقع في "ج"‪" :‬المطردة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب‪ ،‬د"‪" :‬منكري"‪.‬‬
‫(‪ )3‬راجع ص (‪.)702 ،696‬‬
‫(‪ )4‬رقم (‪.)2968‬‬

‫(‪)2/712‬‬

‫بلى‪ ،‬فيقوُل ‪ :‬أفظننَت أَّنَك ُمالقَّي ؟ فيقول‪ :‬ال‪ ،‬فيقول‪ :‬فإِّني أنساَك كما نسيتني‪ ،‬ثَّم يلقى الثاني‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬أي ُفل‪ ،‬ألْم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيَل واإلبل‪ ،‬وأَذْر َك ترأس وترَبُع‬
‫فيقول‪ :‬بلى‪ ،‬أي رِّب ‪ ،‬فيقول‪ :‬أفظننَت أَّنَك ُمالقَّي فيقول‪ :‬ال‪ ،‬فيقول إِّني أنساَك كما نسيتني‪ ،‬ثَّم‬
‫يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك‪ ،‬فيقول‪ :‬يا رِّب آمنت بك‪ ،‬وبكتابك وبرسلك‪ ،‬وصليت وصْم ُت‬
‫وتصدقُت ‪ ،‬ويثني بخيٍر ما استطاع‪ ،‬فيقول‪ :‬ها هنا إًذا‪ ،‬ثَّم ُيقال‪ :‬اآلن نبعث شاهدنا عليك‪،‬‬
‫فيتفكر في نفسه من اَّلذي يشهُد علَّي ؟ فُيختُم على فيه‪ ،‬ويقال لفخذه‪ :‬انطقي‪ ،‬فتنطق فخُذ ه‬
‫ولحمه وعظامه بعمله‪ ،‬وذلك ليعذر من نفسه‪ ،‬وذلك المنافق‪ ،‬وذلك اَّلذي يسخط الَّلُه عليه"‪.‬‬
‫فاْج َم ْع بين قوله‪" :‬إَّنكم سترون رَّبكم"‪ ،‬وقوله لمن ظَّن أَّنه غيَر مالقيه‪" :‬فإِّني أنساَك كما‬
‫نسيتني"‪ ،‬وإجماع أهل اللغة أَّن اللقاء‪ :‬المعاينة باألبصاِر = يحصْل لك العلُم بأَّن منكر الرؤية‬
‫أحُّق بهذا الوعيد‪.‬‬
‫ومن تراجم أهل السَّنة على هذا الحديث‪ :‬باٌب ‪ :‬في الوعيد لمنكر (‪ )1‬الرؤية‪ ،‬كما فعل شيخ‬
‫اإلسالم وغيره‪ ،‬وبالَّله التوفيق‪.‬‬

‫فصل‬
‫قد دَّل القرآن والسَّنة المتواترة وإجماُع الصحابة وأئمة اإلسالم وأهل الحديث عصابة اإلسالم‪،‬‬
‫وَيَز ك اإليمان‪ ،‬وخاَّصة رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ = -‬على‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬د"‪ِ" :‬لُم نكري"‪.‬‬

‫(‪)2/713‬‬

‫أَّن الَّله سبحانه وتعالى ُيرى في القيامة باألبصاِر ِع َياًنا‪ ،‬كما ُيرى القمُر ليلَة البدِر َصْح ًو ا‪ ،‬وكما‬
‫ُترى الشمس في الظهيرة‪ ،‬فإْن كان لما أخبر به الَّله ورسوله عنه من ذلك حقيقة ‪-‬وإَّن له والَّله‬
‫حَّق الحقيقة‪ -‬فال يمكن أْن يروُه إاَّل من فوقهم‪ ،‬الستحالة أن يروُه أسفل منهم‪ ،‬أو خلفهم‪ ،‬أو‬
‫أمامهم‪ ،‬أو عن يمينهم وشمالهم‪ ،‬وإْن لم يكن ِلَم ا أخبر به حقيقة ‪ -‬كما يقوله‪ :‬أفراخ الصابئة‪،‬‬
‫والفالسفة والمجوس‪ ،‬والِف رعونية ‪ -‬بطل الشرع والقرآن‪ ،‬فإَّن اَّلذي جاء بهذه األحاديث‪ ،‬هو‬
‫اَّلذي جاء بالقرآن والشريعة‪ ،‬واَّلذي بَّلغها هو اَّلذي بَّلغ الِّدين‪ ،‬فال يجوُز أْن جعل كالم الَّلِه‬
‫ُي‬
‫ورسوله ِع ِض ين‪ ،‬بحيث (‪ )1‬يؤمن ببعض معانيه‪ ،‬وُيْكفر ببعضها‪ ،‬فال يجتمع في قلب العب بعد‬
‫ِد‬
‫االطالع على هذه األحاديث‪ ،‬وفهم معناها إنكارها‪ ،‬والشهادة بأَّن محمًد ا رسول الَّله أبًد ا‪ :‬و‬
‫{اْلَحْم ُد ِلَّلِه اَّلِذ ي َه َد اَنا ِلَه َذ ا َو َم ا ُك َّنا ِلَنْهَتِد َي َلْو اَل َأْن َه َد اَنا الَّلُه َلَق ْد َج اَءْت ُرُس ُل َر ِّبَنا ِباْلَح ِّق}‬
‫[األعراف‪.]43 :‬‬
‫والمنحرفون في باب رؤية الرِّب تبارك وتعالى نوعان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬من يزعم أَّنه ُيرى في الدنيا‪ ،‬ويحاضر وُيَس امر‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬من يزعم أَّنه ال ُيرى في اآلخرة ألبَّتة‪ ،‬وال ُيكِّلم عباده‪.‬‬
‫وما أخبر الَّلُه به رسوله وأجمع عليه الصحابة واألئمة ُيكِّذ ُب الفريقين‪ ،‬وبالَّله التوفيق‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ" ونسخة على حاشية "أ"‪.‬‬

‫(‪)2/714‬‬

‫الباب السادس والستون‪ :‬في تكليمه سبحانه ألهل الجَّنة‪ ،‬وخطابه لهم ومحاضرته إَّياهم‪ ،‬وسالمه‬
‫عليهم‬
‫قال تعالى‪ِ{ :‬إَّن اَّلِذ يَن َيْش َتُر وَن ِبَعْه ِد الَّلِه َو َأْيَم اِنِه ْم َثَم ًنا َقِلياًل ُأوَلِئَك اَل َخ اَل َق َلُه ْم ِفي اآْل ِخ َر ِة َو اَل‬
‫ُيَك ِّلُم ُه ُم الَّلُه َو اَل َيْنُظُر ِإَلْيِه ْم َيْو َم اْلِق َياَمِة َو اَل ُيَز ِّك يِه ْم } [آل عمران‪.]77 :‬‬
‫وقال في حِّق اَّلذين يكتمون ما أنزَل الَّلُه من الُه َد ى والبِّينات‪َ{ :‬و اَل ُيَك ِّلُم ُه ُم الَّلُه َيْو َم اْلِق َياَم ِة}‬
‫[البقرة‪.]174 :‬‬
‫فلو كان ال يكِّلم عباده المؤمنين‪ ،‬لكانوا في ذلك هم وأعداء الَّله (‪ )1‬سواء‪ ،‬ولم يكن في‬
‫تخصيص أعدائه بأَّنه ال يكلمهم فائدًة أصاًل ‪ ،‬إْذ تكليمه لعباده عند الفرعونية والمعِّطلة مثل أْن‬
‫ُيقال‪ :‬يؤاكلهم ويشاربهم‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬تعالى الَّلُه عَّم ا يقولون‪.‬‬
‫وقد أخبر سبحانه أَّنه يسِّلُم على أهل الجَّنة‪ ،‬وأَّن ذلك السالم حقيقة‪ ،‬وهو قوٌل من رٍّب رحيم (‬
‫‪ ،)2‬وتقَّدم تفسيُر الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬لهذه اآلية في حديث جابر في الرؤية‪ ،‬وأَّنه‬
‫يشرف عليهم من فوقهم‪ ،‬ويقول‪َ" :‬س اَل ٌم عليكم يا أهل الجَّنة" (‪ )3‬فيرونه عياًنا‪ ،‬وفي هذا إثبات‬
‫الرؤية‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله "وأعداء الَّله" في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬وأعداؤه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬وقع في نسخٍة على حاشية "أ"‪َ{ :‬س اَل ٌم َقْو اًل ِم ْن َر ٍّب َر ِح يٍم (‪[ })58‬يس‪ ]58 :‬بدل ُج ملة‬
‫"قول من رب رحيم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬ص (‪.)663‬‬

‫(‪)2/715‬‬
‫والتكليم والُعلو‪ ،‬والمعطلة تنكر هذه األمور الثالثة وتكِّف ر القائل بها‪.‬‬
‫وتقدم حديث أبي هريرة رضي الَّله عنه في سوق الجَّنة وقول الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪:-‬‬
‫"وال يبقى أحٌد في ذلك المجلس إاَّل حاضره الَّله محاضرة‪ ،‬فيقول‪ :‬يا فالن أتذكر يوَم فعلت كذا‬
‫وكذا" الحديث (‪. )1‬‬
‫وتقدم حديث عدي بن حاتم‪" :‬ما منكم إاَّل َمْن سُيكِّلمه رُّبُه يوَم القيامة" (‪. )2‬‬
‫وحديث أبي هريرة في الرؤية وفيه "فيقول تبارك وتعالى للعبِد ‪" :‬ألم أكرمك وأسودك" (‪)3‬‬
‫الحديث‪.‬‬
‫وحديث بريدة‪" :‬ما منكم من أحٍد إاَّل سيخلو به رُّبه ليس بينه وبينه َترُج ماٌن وال ِح جاٌب " (‪)4‬‬
‫الحديث‪.‬‬
‫وحديث أنس في يوم المزيد‪ ،‬ومخاطبته فيه ألهل الجَّنة مراًر ا (‪. )5‬‬
‫وبالجملة فتأَّمل أحاديث الرؤية تجد في أكثرها ِذ ْك ُر الَّتْك ِليم‪.‬‬
‫قال البخاري في "صحيحه" (‪" : )6‬باُب كالِم الرب تبارك وتعالى مع أهل الجَّنة"‪ .‬وساق فيه عَّدة‬
‫أحاديث‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ص (‪.)572‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ص (‪ ،)246‬وليس فيه هذا اللفظ‪ ،‬ولعله يريد المعنى‪.‬‬
‫(‪ )3‬ص (‪.)713‬‬
‫(‪ )4‬ص (‪.)658‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ص (‪.)656 - 652‬‬
‫(‪ )6‬في كتاب التوحيد (‪.)2732 /6‬‬

‫(‪)2/716‬‬

‫فأفضل نعيم أهل الجَّنة رؤية وجهه تبارك وتعالى‪ ،‬وتكليمه لهم‪ ،‬فإنكار ذلك إنكار لروح الجَّنة‪،‬‬
‫وأعلى نعيمها وأفضله‪ ،‬اَّلذي ما طابت ألهلها إاَّل به‪ ،‬والَّله المستعان‪.‬‬

‫(‪)2/717‬‬
‫الباب السابع والستون‪ :‬في أبدية الجنة وأنها ال تفنى وال تبيد‬
‫َّلِذ‬
‫هذا مما ُيْع َلم باالضطرار أن الرسول ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬أخبر به‪ ،‬قال تعالى‪َ{ :‬و َأَّما ا يَن‬
‫ُس ِعُد وا َفِف ي اْلَج َّنِة َخ اِلِد يَن ِفيَه ا َم ا َداَمِت الَّس َم اَو اُت َو اَأْلْرُض ِإاَّل َم ا َش اَء َر ُّبَك َعَطاًء َغْيَر َمْج ُذ وٍذ (‬
‫‪[ })108‬هود‪ ]108 :‬أي‪ :‬غير مقطوع‪.‬‬
‫وال تنافي بين هذا وبين قوله‪ِ{ :‬إاَّل َم ا َش اَء َر ُّبَك } [هود‪ ،]108 :‬واختلف السلف في هذا‬
‫االستثناء‪:‬‬
‫* فقال معمر عن الضحاك‪" :‬هو في الذين يخرجون من النار‪ ،‬فيدخلون الجنة‪ ،‬يقول سبحانه‪:‬‬
‫إنهم خالدون في الجنة ما دامت السماوات واألرض‪ ،‬إال ُمَّدة مكثهم في النار" (‪.)1‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا يحتمل أمرين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن يكون اإلخبار عن الذين ُس ِعُد وا وقع عن قوم مخصوصين‪ ،‬وهم هؤالء‪.‬‬
‫والثاني‪ - :‬وهو األظهر ‪ -‬أن يكون وقع عن جملة السعداء‪ ،‬والتخصيص بالمذكورين هو في‬
‫االستثناء‪ ،‬وما دل عليه‪.‬‬
‫وأحسن من هذين التقديرين‪ :‬أن ُترَّد المشيئة إلى الجميع‪ ،‬حيث‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (‪ )2088 /7‬رقم (‪ ،)1244‬والطبري في تفسيره (‪/12‬‬
‫‪ .)120‬وسنده صحيح‪.‬‬

‫(‪)2/718‬‬

‫لم يكونوا في الجنة في الموقف‪ .‬وعلى هذا فال يبقى في اآلية تخصيص‪.‬‬
‫* وقالت فرقة أخرى‪ :‬هو استثناٌء استثناُه الرب تعالى وال يفعله‪ ،‬كما تقول‪ :‬والَّله ألضربنك إال أن‬
‫أرى غير ذلك‪ .‬وأنت ال تراه؛ بل تجزم بضربه‪.‬‬
‫* وقالت فرقة ُأخرى‪ :‬العرب إذا استثنت شيًئا كثيًر ا مع مثله‪ ،‬ومع ما هو أكثر منه‪ ،‬كان معنى‬
‫"إاَّل " في ذلك ومعنى الواو سواء‪.‬‬
‫والمعنى على هذا‪ :‬سوى ما شاء الَّله من الزيادة على مدة دوام السماوات واألرض‪ .‬هذا قول‬
‫الفَّر اء (‪ ، )1‬وسيبويه (‪ : )2‬يجعل "إاَّل " بمعنى لكن‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ونظير ذلك أن يقول‪ :‬لي عليك ألف إال األلفين الذين قبلها‪ :‬أي سوى األلفين‪ .‬قال ابن‬
‫جرير‪" :‬وهذا أحب الوجهين إلَّي ؛ ألن الَّله تعالى ال ُخ ْلف لوعده‪ ،‬وقد وصل االستثناء بقوله‪:‬‬
‫{َعَطاًء َغْيَر َمْج ُذ وٍذ (‪[ } )108‬هود‪. )3( ]108 :‬‬
‫قالوا‪ :‬ونظيره أن يقول‪ :‬أسكنتك داري حواًل إال ما شئت‪ ،‬أي‪ :‬سوى ما شئت‪ ،‬أو لكن ما شئت‬
‫من الزيادة عليه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في معاني القرآن (‪.)28 /2‬‬
‫(‪ )2‬في الكتاب (‪ 325 /2‬و ‪ 328‬و ‪.)342‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬تفسير الطبري (‪ 119 /12‬و ‪ )121‬بمعناه‪.‬‬

‫(‪)2/719‬‬

‫* وقالت فرقة أخرى‪ :‬هذا االستثناء إنما هو ُمَّدة احتباسهم عن الجَّنة‪ ،‬ما بين الموت والبعث‪،‬‬
‫وهو البرزخ إلى أْن يصيروا إلى الجَّنة‪ ،‬ثَّم هو خلوُد األبد‪ ،‬فلم يغيبوا عن الجَّنة إاَّل بقدر إقامتهم‬
‫في البرزخ‪.‬‬
‫* وقالت فرقة أخرى‪ :‬العزيمة قد وقعت لهم من الَّله بالخلود الَّدائم‪ ،‬إاَّل أْن يشاء الَّله (‪ )1‬خالف‬
‫ذلك = إعالٌم لهم بأنهم مع خلودهم في مشيئته‪ ،‬وهذا كما قال لنبيه‪َ{ :‬و َلِئْن ِش ْئَنا َلَنْذ َه َبَّن ِباَّلِذ ي‬
‫َأْو َح ْيَنا ِإَلْيَك } [اإلسراء‪ ،]86 :‬وقوله‪َ{ :‬فِإ ْن َيَش ِإ الَّلُه َيْخ ِتْم َعَلى َقْلِبَك } [الشورى‪،]24 :‬‬
‫وقوله‪ُ{ :‬قْل َلْو َش اَء الَّلُه َم ا َتَلْو ُتُه َعَلْيُك ْم } [يونس‪ ،]16 :‬ونظائره‪ .‬يخبر عباده سبحانه أَّن األمور‬
‫كَّلها بمشيئته‪ ،‬ما شاء كان‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن‪.‬‬
‫* وقالت فرقة أخرى‪ :‬المراد بُم َّدة دوام السموات واألرِض في هذا العالم‪ .‬فأخبر سبحانه أَّنهم‬
‫خالدون في الجَّنة ُمَّدة دوام السموات واألرِض إاَّل ما شاء الَّلُه أْن يزيدهم عليه‪.‬‬
‫ولعَّل هذا قول من قال‪ :‬إَّن "إاَّل " بمعنى "ِس وى"‪ ،‬ولكن اختلفت عبارته‪ ،‬وهذا اختيار ابن قتيبة (‬
‫‪ . )2‬قال‪" :‬المعنى‪ :‬خالدين فيها ُمَّدة العالم سوى ما شاء أْن يزيدهم من الخلود على مَّدة العالم"‪.‬‬
‫* وقالت فرقة أخرى (‪" : )3‬ما" بمعنى‪َ" :‬مْن "‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من "د"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في تأويل مشكل القرآن ص (‪.)77 - 76‬‬
‫(‪ )3‬من "د‪ ،‬هـ"‪.‬‬

‫(‪)2/720‬‬

‫كقوله‪َ{ :‬فاْنِكُح وا َما َطاَب َلُك ْم ِم َن الِّنَس اِء } [النساء‪ ]3 :‬والمعنى‪ :‬إاَّل من شاء ربك أن يدخله‬
‫الَّنار بذنوبه من السعداء‪.‬‬
‫والفرُق بين هذا القول‪ ،‬وبين أَّو ل األقوال‪ :‬أَّن االستثناء على ذلك القول من الُم َّدة‪ ،‬وعلى هذا‬
‫القول من األعيان‪.‬‬
‫* وقالت فرقة أخرى‪ :‬المراد بالسماوات واألرض‪ :‬سماُء الجَّنة وأرضها‪ ،‬وهما باقيتان ابًد ا‪،‬‬
‫وقوله‪ِ{ :‬إاَّل َم ا َش اَء َر ُّبَك } [هود‪ ]107 :‬إْن كانت "ما"‪ :‬بمعنى‪َ" :‬مْن " فهم اَّلذين يدخلون الَّنار‪،‬‬
‫ثَّم يخرجون منها‪ ،‬وإْن كانت بمعنى‪" :‬الوقت" فهو ُمَّدة احتباسهم في البرزخ والموقف‪.‬‬
‫قال الُج ْع ِف ي‪" :‬سألُت عبد الَّله بن وهب عن هذا االستثناء؟‪ ،‬فقال‪ :‬سمعُت فيه أَّنه َقْد َر وقوفهم في‬
‫الموقف يوم القيامة إلى أْن يقضى بين الَّناس"‪.‬‬
‫* وقالت فرقة أخرى‪ :‬االستثناء راجٌع إلى مَّدة لبثهم في الدنيا‪.‬‬
‫وهذه األقوال متقاربة‪ ،‬ويمكن الجمع بينها بأْن ُيقاَل ‪ :‬أخبر سبحانه عن خلودهم في الجَّنة كَّل‬
‫وقٍت ‪ ،‬إاَّل وقًتا يشاُء أاَّل يكونوا فيها‪ ،‬وذلك يتناول وقَت كونهم في الدنيا وفي البرزخ‪ ،‬وفي‬
‫موقف القيامة‪ ،‬وعلى الصراط‪ ،‬وكون بعضهم في الَّنار مَّدة‪ ،‬وعلى كِّل تقدير فهذه اآلية من‬
‫ِم‬ ‫ٍذ‬
‫المتشابه‪ ،‬وقوله تعالى فيها‪َ{ :‬عَطاًء َغْيَر َمْج ُذ و } ُمْح كم‪ ،‬وكذلك قوله‪ِ{ :‬إَّن َه َذ ا َلِر ْز ُقَنا َما َلُه ْن‬
‫َنَف اٍد (‪[ })54‬ص‪ ،]54 :‬وقوله‪ُ{ :‬أُك ُلَه ا َداِئٌم َو ِظ ُّلَه ا} [الرعد‪ ،]35 :‬وقوله‪َ{ :‬و َما ُه ْم ِم ْنَه ا‬
‫ِبُم ْخ َر ِج يَن } [الحجر‪.]48 :‬‬
‫وقد أَّك َد الَّله سبحانه خلود أهل الجَّنة بالتأبيد في عَّدة مواضع من‬

‫(‪)2/721‬‬

‫القرآن‪ ،‬وأخبر أَّنهم‪{ :‬اَل َيُذ وُقوَن ِفيَه ا اْلَمْو َت ِإاَّل اْلَمْو َتَة اُأْلوَلى} [الدخان‪ ،]56 :‬وهذا االستثناء‬
‫منقطع‪ ،‬وإذا َض َمْم َته إلى االستثناء في قوله‪ِ{ :‬إاَّل َم ا َش اَء َر ُّبَك } [هود‪ ]107 :‬تبَّين لك المراد من‬
‫اآليتين‪ ،‬واستثناء الوقت اَّلذي لم يكونوا فيه في الجَّنة من مَّدة الخلود‪ ،‬كاستثناء الموتة األولى‬
‫من جملة الموت‪ ،‬فهذه موتٌة تقدمت على حياتهم األبدية‪ ،‬وذاك مفارقة للجَّنة تقَّدم على خلودهم‬
‫فيها‪ .‬وبالَّله التوفيق‪.‬‬
‫وقد تقَّدم قول الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬من يدخل الجَّنة ينعم ال يبؤس‪ ،‬ويخلد ال يموت"‬
‫(‪. )1‬‬
‫وقوله‪" :‬ينادي مناٍد يا أهل الجَّنة‪ ،‬إَّن لكم أْن َتِص ُّح وا فال تسقموا أبًد ا‪ ،‬وأْن تشبوا فال تهرموا‬
‫أبًد ا‪ ،‬وأْن تحيوا فال تموتوا أبًد ا" (‪. )2‬‬
‫وثبت في "الصحيحين" (‪ )3‬من حديث أبي سعيد الخدري عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪-‬‬
‫قال‪ُ" :‬يجاُء بالموِت في صورة كبٍش أملح‪ ،‬فيوقُف بين الجَّنة والَّناِر ‪ ،‬ثَّم ُيقال‪ :‬يا أهل الجَّنة‪،‬‬
‫فيَّطلعون مشفقين‪ ،‬وُيقال‪ :‬يا أهل الَّنار‪ ،‬فيطلعون فرحين‪ ،‬فيقال (‪ : )4‬هل تعرفون هذا‪ ،‬فيقولون‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬هذا الموُت ‪ ،‬فيذبح بين الجَّنة والَّنار‪ ،‬وُيقال‪ :‬يا أهل الجَّنة‪ ،‬خلوٌد فال موت‪ ،‬ويا أهل الَّنار‬
‫خلوٌد فال موت"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ص (‪.)428‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم برقم (‪.)2837‬‬
‫(‪ )3‬البخاري برقم (‪ ،)4453‬ومسلم رقم (‪ ،)2849‬واللفظ لمسلم‪.‬‬
‫(‪ )4‬في نسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬فيقال لهم"‪.‬‬

‫(‪)2/722‬‬

‫فصل‬
‫وهذا موضع اختلف فيه المتأخرون على ثالثة أقوال‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أَّن الجَّنة والَّنار فاِنيَتاِن غير أبدَّيتين‪ ،‬بل كما هما َح اِد َثَتان‪ ،‬فهما فانيتان‪.‬‬
‫والقول الثاني‪ :‬إَّنهما باقيتان‪ ،‬دائمتان ال يفنيان أبًد ا‪.‬‬
‫والقول الثالث‪ :‬إَّن الجَّنة باقية أبدَّية‪ ،‬والنار فانية‪.‬‬
‫ونحن نذكر هذه األقوال‪ ،‬ومن قالها‪ ،‬وما احتَّج به أرباب كِّل قول‪ ،‬ونرُّد ما خالف كتاب الَّله‬
‫وسَّنة رسوله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪.-‬‬
‫* فأَّما القوُل بفنائهما فهو قول قاله‪ :‬جهم بن صفوان‪ ،‬إمام المعطلة الجهمية‪ ،‬وليس له فيه سلف‬
‫قُّط من الصحابة وال من التابعين‪ ،‬وال أحٌد من أئمة اإلسالم‪ ،‬وال قال به أحٌد من أهل السَّنة‪ ،‬وهذا‬
‫القول مَّم ا أنكرُه عليه وعلى أتباعه أئمة اإلسالم وكَّف روهم به‪ ،‬وصاحوا بهم من أقطار األرِض ‪،‬‬
‫كما ذكر عبد الَّله بن اإلمام أحمد في كتاب "السنة" (‪ )1‬عن خارجة بن مصعب أَّنه قال‪ :‬كفرت‬
‫الجهمية بثالث آيات من كتاب الَّله عَّز وجَّل‪ :‬يقول الَّلُه سبحانه‪ُ{ :‬أُك ُلَه ا َداِئٌم} [الرعد‪]35 :‬‬
‫وهم يقولون‪ :‬ال يدوم‪ ،‬ويقول الَّله تعالى‪ِ{ :‬إَّن َه َذ ا َلِر ْز ُقَنا َم ا َلُه ِم ْن َنَف اٍد (‪[ })54‬ص‪ ]54 :‬وهم‬
‫يقولون‪َ :‬يْنَف ُد ‪ ،‬ويقول الَّلُه عَّز وجَّل‪َ{ :‬ما‬
‫__________‬
‫(‪ )131 /1( )1‬رقم (‪ )77‬وفيه بدل آية النحل آيتي هود (‪ ،)108‬والواقعة (‪ ،)33‬بأطول مما‬
‫ساقه المؤلف‪.‬‬

‫(‪)2/723‬‬

‫ِع ْنَد ُك ْم َيْنَف ُد َو َم ا ِع ْنَد الَّلِه َباٍق } [النحل‪.]96 :‬‬


‫قال شيخ اإلسالم‪" :‬وهذا قاله جهم ألصله اَّلذي اعتقده‪ :‬وهو امتناع وجود ما ال يتناهى من‬
‫الحوادث‪ ،‬وهو عمدة أهل (‪ )1‬الكالم التي استدُّلوا بها على حدوث األجسام‪ ،‬وحدوث ما لم‬
‫يحل من الحوادث‪ ،‬وجعلوا ذلك عمدتهم في حدوث العالم‪ ،‬فرأي الجهم‪ :‬أن ما يمنع من‬
‫حوادث ال أول لها في الماضي يمنعه في المستقبل‪ .‬فدوام الفعل ممتنع عنده على الرب تعالى‬
‫في المستقبل‪ ،‬كما هو ممتنع عليه في الماضي‪.‬‬
‫وأبو الُه َذ يل العاَّل ف ‪-‬شيخ المعتزلة‪ -‬وافقه على هذا األصل؛ لكن قال‪ :‬إن هذا يقتضي فناء‬
‫الحركات‪ ،‬لكونها متعاقبة شيًئا بعد شيء‪ .‬فقال بفناء حركات أهل الجنة والنار‪ ،‬حتى يصيروا في‬
‫سكون دائم ال يقدر أحد منهم على حركة‪.‬‬
‫وزعمت فرقة ممن وافقتهم على امتناع حوادث ال نهاية لها‪ :‬أن هذا القول مقتضى العقل‪ ،‬لكن‬
‫لما جاء السمع ببقاء الجنة والنار قلنا بذلك‪.‬‬
‫وكأَّن هؤالء لم يعلموا أن ما كان ممتنًع ا في العقل ال يجيء الشرع بوقوعه‪ ،‬إذ يستحيل عليه أن‬
‫يخبر بوجود ما هو ممتنٌع في العقل‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في جميع النسخ "أصل"‪ ،‬والمثبت من نسخٍة على حاشية "د"‪ ،‬وكتاب شيخ اإلسالم في هذه‬
‫المسألة ص (‪.)44‬‬

‫(‪)2/724‬‬

‫وكأنهم لم يفرقوا بين ُمحاالت العقول وَم حاراتها (‪ ، )1‬فالسمع يجيء بالثاني ال باألول‪ ،‬فالسمع‬
‫يجيء بما تعجز العقول (‪ )2‬عن إدراكه‪ ،‬وال يستقل به‪ ،‬وال يجيء بما يعلم العقل إحالته‪.‬‬
‫واألكثرون اَّلذين وافقوا جهًم ا وأبا الهذيل على هذا األصل‪ ،‬فَّر قوا بين الماضي والمستقبل‪،‬‬
‫وقالوا‪ :‬الماضي قد دخَل في الوجود بخالف المستقبل‪ ،‬والممتنع إَّنما هو دخول ما ال يتناهى في‬
‫الوجود‪ ،‬ال تقدير دخوله شيًئا بعد شيء‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وهذا نظير أن يقول القائل‪ :‬ال أعطيَك درهًم ا إاَّل وأعطيك بعده درهًم ا آخر‪ ،‬فهذا ممكن‪،‬‬
‫واألَّو ل نظير أْن يقول‪ :‬ال أعطيك درهًم ا إاَّل وأعطيك قبله درهًم ا‪ ،‬فهذا محال‪ ،‬وهؤالء عندهم‬
‫وجود ما ال يتناهى في الماضي محال‪ ،‬ووجوده في المستقبل واجب‪.‬‬
‫ونازعهم في ذلك آخرون وقالوا‪ :‬بل األمر في الماضي كهو في المستقبل‪ ،‬وال فرق بينهما‪ ،‬بل‬
‫الماضي واالستقبال أمٌر ِنْس بٌّي ‪ ،‬فكُّل ما يكون مستقباًل يصيُر ماضًيا‪ ،‬وكُّل ماٍض فقد كان‬
‫مستقباًل ‪ ،‬فال ُيْع َق ل إمكان الَّدوام في أحد الطرفين‪ ،‬وإحالته في الطرف اآلخر‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬هذه مسألة دوام فاعلية الرب تبارك وتعالى‪ ،‬وهو لم يزل رًّبا قادًر ا فَّعااًل ‪ ،‬فإَّنه لم يزل حًّيا‬
‫عليًم ا (‪ )3‬قديًر ا‪ ،‬ومن المحال أْن يكون‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬هـ"‪" :‬ومجازاتها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪" :‬يعجز العقل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ج"‪" :‬عالًم ا"‪.‬‬

‫(‪)2/725‬‬

‫الفعل ممتنًعا عليه لذاته‪ ،‬ثَّم ينقلب فيصير ُممكًنا (‪ )1‬لَّذ اته من غير تجُّدد شيء‪ ،‬وليس لألَّو ل حٌّد‬
‫محدود حَّتى يصير الفعل ممكًنا له عند ذلك الحِّد‪ ،‬ويكون قبله ممتنًعا عليه‪.‬‬
‫فهذا القوُل تصوره كاٍف في الجزِم بفساده‪ ،‬ويكفي في فساده أَّن الوقَت اَّلذي انقلب فيه الفعل‬
‫من اإلحالة الَّذ اتية إلى اإلمكان الَّذ اتي‪ ،‬إَّما أْن يصَّح أْن ُيْف َر َض قبَلُه وقٌت يمكن فيه الفعل أو ال‬
‫يصح‪.‬‬
‫فإْن قلتم‪ :‬ال يصُّح ‪ ،‬كان هذا تحُّك ًم ا غير معقول‪ ،‬وهو من جنس الَه َو س‪.‬‬
‫وإن قلتم‪ :‬يصح‪ ،‬قيل‪ :‬وكذلك ما يفرض قبله ال إلى غاية‪ ،‬فما من زمن محَّق ٍق أو مقَّد ٍر إال والفعل‬
‫ممكن فيه‪ ،‬وهو صفة كمال وإحسان ومتعَّلق حمد الرب تعالى وربوبيته وملكه‪ ،‬وهو لم يزل رًّبا‬
‫حميًد ا (‪ )2‬ملًك ا قادًر ا‪ ،‬لم تتجدد له هذه األوصاف‪ ،‬كما أنه لم يزل حًّيا مريًد ا عليًم ا‪ .‬والحياة‬
‫والعلم واإلرادة والقدرة تقتضي آثارها ومتعلقاتها‪ ،‬فكيف يعقل حي قدير عليم مريد ليس له مانع‬
‫وال قاهر يقهره يستحيل عليه أن يفعل شيًئا البتة؟‬
‫فكيف يجعل هذا أصل أصول (‪ )3‬الدين‪ ،‬وُيْجَعل معياًر ا على ما أخبر الَّله سبحانه به ورسوله‪،‬‬
‫ويفَّر ق به بين جائزات العقول ومحاالتها؟‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من هنا سقط من "ج" إلى ص (‪.)733‬‬
‫(‪ )2‬في نسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬جمياًل "‪.‬‬
‫(‪ )3‬ليس في "ب"‪.‬‬

‫(‪)2/726‬‬

‫فإذا كان هذا شأن الميزان‪ ،‬فكيف يستقيم الموزون به؟‬


‫وأما قول من فَّر ق‪ :‬بأَّن الماضي قد دخل في الوجود دون المستقبل‪ ،‬فكالم ال تحقيق وراءه (‪)1‬‬
‫‪ ،‬فإن الذي يْح ُضره (‪ )2‬الوجود من الحركات هو المتناهي‪ ،‬ثم يعدم فيصير ماضًيا‪ ،‬كما كان‬
‫معدوًم ا لما كان مستقباًل ‪ ،‬فوجوده بين عدمين‪ ،‬وكلما انقضت جملة حدثت بعدها جملة أخرى‪،‬‬
‫فالذي صار ماضًيا هو بعينه الذي كان مستقباًل ‪ ،‬فإْن دَّل الدليل على امتناع ما ال يتناهى شيًئا قبل‬
‫شيء‪ ،‬فهو بعينه‪ ،‬دال على امتناعه شيًئا بعد شيء‪.‬‬
‫وأما تفريقكم بقولكم‪ :‬المستقبل نظير قوله‪ :‬ما أعطيك درهًم ا إال وأعطيك بعده درهًم ا‪ ،‬فهذا‬
‫ممكن‪ .‬والماضي نظير قوله‪ :‬ما أعطيك درهًم ا إال وأعطيك قبله درهًم ا‪ .‬فهذا الفرق فيه تلبيس ال‬
‫يخفى‪ ،‬وليس بنظير ما نحن فيه‪ ،‬بل نظيره أن يقول‪ :‬ما أعطيك درهًم ا إال وقد تقدم مني إعطاء‬
‫درهم قبله‪ .‬فهذا ممكن الدوام في الماضي على حِّد إمكانه في المستقبل‪ ،‬وال فرق في العقل‬
‫الصحيح بينهما البَّتة‪ ،‬ولَّم ا لم يجِد الجهُم (‪ )3‬وأبو الهذيل وأتباعهما بين األمرين فرًقا قالوا‪:‬‬
‫بوجوب (‪ )4‬تناهي الحركات في المستقبل كما يجُب ابتداؤها عندهم في الماضي‪.‬‬
‫وقال أهل الحديث‪ :‬بل هما سواء في اإلمكان والوقوع‪ ،‬ولم يزل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "د"‪" :‬له" بدل "وراءه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ج‪ ،‬د"‪" :‬يحصره"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "د"‪" :‬جهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في "أ"‪" :‬يوجب"‪.‬‬

‫(‪)2/727‬‬

‫الرب سبحانه فَّعااًل ِلَم ا ُيريد‪ ،‬ولم يزل وال يزال موصوًفا بصفات الكمال منعوًتا بنعوت الجالل‪،‬‬
‫وليس المتمِّك ن من الفعل كَّل وقٍت كاَّلذي ال يمكنه الفعل إاَّل في وقٍت معيٍن ‪ ،‬وليس من َيْخ ُلق‬
‫كمن ال َيْخ ُلق‪ ،‬ومن ُيْح ِس ن كمن ال يحِس ن‪ ،‬ومن يدبر األمر كمن ال يدبر‪ ،‬وأُّي كماٍل في أْن‬
‫يكون رب العالمين معطاًل عن الفعل مَد ٍد مقدرة‪ ،‬أو محَّق قٍة ال تتناهى‪ ،‬يستحيل منه الفعل‪،‬‬
‫وحقيقة ذلك أَّنه ال يقدر عليه‪.‬‬
‫وإْن أبيتم هذا اإلطالق وقلتم‪ :‬إَّن المحال ال يوصف بكونه غير مقدور عليه‪ ،‬فجمعتم بين‬
‫محالين‪ :‬الحكم بإحالة الفعل من غير موجٍب إلحالته‪ ،‬وانقالبه من اإلحالة الذاتية إلى اإلمكان‬
‫الَّذ اتي من غير تجُّدد سبٍب ‪ ،‬وزعمتم أَّن هذا هو األصل اَّلذي تثبتون به وجود الصانع‪ ،‬وحدوث‬
‫العالم‪ ،‬وقيامة األبدان‪ ،‬فجنيتم على العقل والشرِع ‪ ،‬والرُّب تعالى لم يزل قادًر ا على الفعِل‬
‫والكالم بمشيئته‪ ،‬ولم يزل فَّعااًل ِلَم ا ُيريد‪ ،‬ولم يزل رًّبا ُمْح سًنا" (‪. )1‬‬
‫"والمقصوُد‪ :‬أَّن القوَل بفناء الجَّنة والَّناِر قوٌل مبتدع ليقله أحٌد من الصحابة وال التابعين‪ ،‬وال أحٌد‬
‫من أئمة المسلمين‪ ،‬واَّلذين قالوه إَّنما تلَّق وُه عن قياٍس فاسٍد اشتبه أصله على كثيٍر من الَّناِس‬
‫فاعتقدوه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬رسالة الرد على من قال‪ :‬بفناء الجَّنة والَّناِر البن تيمية ص (‪ )49 - 44‬بتصرف‬
‫وزيادة من ابن القيم على ما جاء في هذه الرسالة‪.‬‬
‫وانظر درء تعارض العقل والنقل (‪ ،)347 - 345 /8‬ومجموع الفتاوى (‪،)154 - 153 /8‬‬
‫ومنهاج السنة النبوية (‪.)446 - 432 /1‬‬

‫(‪)2/728‬‬

‫حًّق ا‪ ،‬وبنوا عليه القول بخلق القرآن‪ ،‬ونفي الصفات‪ ،‬وقد دَّل القرآن والسَّنة والعقل الصريح‬
‫على أَّن كلمات الَّله وأفعاله ال تتناهى‪ ،‬وال تنقطع بآخٍر ‪ ،‬وال ُتحُّد بأَّو ل‪ ،‬قال الَّلُه تعالى‪ُ{ :‬قْل َلْو‬
‫َك اَن اْلَبْح ُر ِم َد اًدا ِلَك ِلَم اِت َر ِّبي َلَنِف َد اْلَبْح ُر َقْبَل َأْن َتْنَف َد َك ِلَم اُت َر ِّبي َو َلْو ِج ْئَنا ِبِم ْثِلِه َمَدًدا}‬
‫[الكهف‪.]109 :‬‬
‫وقال تعالى‪َ{ :‬و َلْو َأَّنَم ا ِفي اَأْلْر ِض ِم ْن َش َج َر ٍة َأْقاَل ٌم َو اْلَبْح ُر َيُم ُّد ُه ِم ْن َبْع ِدِه َس ْبَعُة َأْبُح ٍر َم ا َنِف َدْت‬
‫َك ِلَم اُت الَّلِه ِإَّن الَّلَه َعِز يٌز َح ِكيٌم} [لقمان‪ ]27 :‬فأخبر عن عدم نفاٍد لكلماته ِلِعَّز ته وحكمته‪،‬‬
‫وهذان وصفان ذاتيان له سبحانه وتعالى ال يكون إال كذلك‪.‬‬
‫وذكر ابن أبي حاتم في "تفسيره" (‪ )1‬عن سليمان بن عامر قال‪ :‬سمعت الربيع بن أنس يقول‪:‬‬
‫"إن مثل علم العباد كلهم في علم الَّله عز وجل كقطرة من هذه البحور كلها‪ ،‬وقد أنزل سبحانه‬
‫في ذلك {َو َلْو َأَّنَم ا ِفي اَأْلْر ِض ِم ْن َش َج َر ٍة َأْقاَل ٌم} اآلية"‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪ُ{ :‬قْل َلْو َك اَن اْلَبْح ُر ِم َد اًدا ِلَك ِلَم اِت َر ِّبي} اآلية؛ يقول سبحانه لو كان البحر مداًدا‬
‫لكلمات الَّله‪ ،‬والشجر كلها أقالم النكسرت األقالم‪ ،‬وفني ماء البحر‪ ،‬وكلمات الَّله تعالى باقية‬
‫ال يفنيها شيء؛ ألن أحًد ا ال يستطيع أن يقدر قدره وال يثني عليه كما ينبغي‪ ،‬بل هو كما أثنى على‬
‫نفسه‪ ،‬إن ربنا كما يقول وفوق ما يقول‪ ،‬ثم إن مثل نعيم الدنيا أَّو له وآخره في نعيم اآلخرة كحبة‬
‫من (‪ )2‬خردل في خالل األرض كلها" (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ليس في المطبوع‪ ،‬وهو ناقص‪ .‬انظر‪ :‬تفسير ابن كثير (‪.)460 /3‬‬
‫(‪ )2‬ليس في "د"‪ ،‬ووقع في "أ" "في" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬رسالة الرد على من قال‪ :‬بفناء الجَّنة والَّنار ص (‪.)49‬‬

‫(‪)2/729‬‬
‫فصل‬
‫وأما أبدَّية النار ودوامها‪ :‬فقال شيخ اإلسالم‪" :‬فيها قوالن معروفان عن السلف والخلف‪ ،‬والنزاع‬
‫في ذلك معروف عن التابعين" (‪.)1‬‬
‫قلت‪ :‬ها هنا أقوال سبعة‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن من دخلها ال يخرج منها أبًد ا‪ ،‬بل كل من دخلها مخلد فيها أبد اآلباد‪ ،‬وهذا قول‬
‫الخوارج والمعتزلة‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أن أهلها يعذبون فيها ُمَّد ًة‪ ،‬ثم تنقلب عليهم‪ ،‬وتبقى طبيعٌة نارية لهم‪ ،‬يتلَّذ ذون بها‬
‫لموافقتها لطبيعتهم‪ .‬وهذا قول إمام اإلتحادية ابن عربي الطائي‪.‬‬
‫قال في "فصوصه" (‪" :)2‬الثناء بصدق الوعد ال بصدق الوعيد‪ ،‬والحضرة اإللهية تطلب الثناء‬
‫المحمود بالذات‪ ،‬فيثنى عليها بصدق الوعد‪ ،‬ال بصدق الوعيد‪ ،‬بل بالتجاوز {َفاَل َتْح َس َبَّن الَّلَه‬
‫ُمْخ ِلَف َو ْع ِدِه ُرُس َلُه} [إبراهيم‪ ]47 :‬لم يقل‪ :‬وعيده‪ ،‬بل قال‪َ{ :‬و َنَتَج اَو ُز َعْن َس ِّيَئاِتِه ْم }‬
‫[األحقاف‪ ]16 :‬مع أنه توَّعَد على ذلك‪ ،‬وأثنى على إسماعيل بأنه كان صادق الوعد‪ ،‬وقد زال‬
‫اإلمكان في حق الحق‪ ،‬لما فيه من طلب المرِّج ح‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر المصدر السابق ص (‪ ،)52‬وفيه زيادة "ومن بعدهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ص (‪.)94 - 93‬‬

‫(‪)2/730‬‬

‫فلم يبق إال صادق الوعد وحده ‪ ...‬وما لوعيد الحِق عيٌن ُتَعاين‬
‫وإن دخلوا دار الشقاء فإنهم ‪ ...‬على لذة فيها نعيم مباين‬
‫نعيم جنان الخلد واألمر واحد ‪ ...‬وبينهما عند التجِّلي تباين‬
‫ُيَس َّم ى عذاًبا من عذوبة طعمه ‪ ...‬وذاك له كالقشر والقشُر صاين"‬
‫وهذا في طرف‪ ،‬والمعتزلة الذين يقولون‪ :‬ال يجوز على الَّله أن ُيْخ ِلَف وعيده‪ ،‬بل يجب عليه‬
‫تعذيب من توعده بالعذاب= في طرف‪ ،‬فأولئك عندهم ال ينجو من النار من دخلها أصاًل ‪ ،‬وهذا‬
‫عنده ال يعذب بها أحد أصاًل ‪ .‬والفريقان مخالفان لما ُعِلَم باالضطرار أن الرسول جاء به‪ ،‬وأخبر‬
‫به عن الَّله عز وجل‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬قول من يقول‪ :‬إن أهلها يعذبون فيها إلى وقت محدود‪ ،‬ثم يخرجون منها‪ ،‬ويخلفهم فيها‬
‫قوم آخرون‪ .‬وهذا القول حكاه اليهود للنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬فأكذبهم فيه (‪ ، )1‬وقد‬
‫أكذبهم الَّله تعالى في القرآن فيه‪:‬‬
‫ِل‬ ‫ِع‬
‫فقال تعالى‪َ{ :‬و َقاُلوا َلْن َتَم َّس َنا الَّناُر ِإاَّل َأَّياًم ا َمْع ُد وَدًة ُقْل َأَّتَخ ْذ ُتْم ْنَد الَّلِه َعْهًد ا َفَلْن ُيْخ َف الَّلُه‬
‫َعْهَدُه َأْم َتُقوُلوَن َعَلى الَّلِه َما اَل َتْع َلُم وَن (‪َ )80‬بَلى َمْن َك َسَب َس ِّيَئًة َو َأَح اَطْت ِبِه َخ ِط يَئُتُه َفُأوَلِئَك‬
‫َأْص َح اُب الَّناِر ُه ْم ِفيَه ا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ ،)382 /1‬وابن أبي حاتم في تفسيره (‪ )155 /1‬رقم (‪،)813‬‬
‫والحاكم في المستدرك (‪ )654 /2‬رقم (‪ ،)4171‬والواحدي في أسباب النزول ص (‪- 26‬‬
‫‪ )27‬وغيرهم‪.‬‬
‫وفيه محمد بن أبي محمد األنصاري مولى زيد بن ثابت‪ ،‬تفَّر د بالرواية عنه ابن إسحاق‪ .‬قال‬
‫الذهبي‪ :‬وقد ورد معناُه عن غير واحٍد من التابعين‪.‬‬

‫(‪)2/731‬‬

‫َخ اِلُد وَن (‪[ } )81‬البقرة‪.]81 ,80 :‬‬


‫وقال تعالى‪َ{ :‬أَلْم َتَر ِإَلى اَّلِذ يَن ُأوُتوا َنِص يًبا ِم َن اْلِكَتاِب ُيْد َعْو َن ِإَلى ِكَتاِب الَّلِه ِلَيْح ُك َم َبْيَنُه ْم ُثَّم‬
‫ٍت‬ ‫ِل ِب‬ ‫ِم‬
‫َيَتَو َّلى َفِر يٌق ْنُه ْم َو ُه ْم ُمْع ِرُضوَن (‪َ )23‬ذ َك َأَّنُه ْم َقاُلوا َلْن َتَم َّس َنا الَّناُر ِإاَّل َأَّياًما َمْع ُد وَدا َو َغَّر ُه ْم‬
‫ِفي ِد يِنِه ْم َما َك اُنوا َيْف َتُر وَن } [آل عمران‪.]24 - 23 :‬‬
‫فهذا القول إنما هو قول أعداء الَّله اليهود‪ ،‬فهم شيوخ أربابه والقائلين به‪.‬‬
‫وقد دل القرآن والسنة وإجماع الصحابة والتابعين‪ ،‬وأئمة اإلسالم على فساده‪ ،‬قال تعالى‪َ{ :‬و َما‬
‫ُه ْم ِبَخ اِر ِج يَن ِم َن الَّناِر } [البقرة‪ ،]167 :‬وقال‪َ{ :‬و َم ا ُه ْم ِم ْنَه ا ِبُم ْخ َر ِج يَن } [الحجر‪،]48 :‬‬
‫وقال‪ُ{ :‬ك َّلَم ا َأَر اُدوا َأْن َيْخ ُر ُج وا ِم ْنَه ا ِم ْن َغٍّم ُأِع يُد وا ِفيَه ا} [الحج‪ ،]22 :‬وقال‪ُ{ :‬ك َّلَم ا َأَر اُدوا‬
‫َأْن َيْخ ُر ُج وا ِم ْنَه ا ُأِع يُد وا ِفيَه ا} [السجدة‪ ]20 :‬وقال تعالى‪{ :‬اَل ُيْق َض ى َعَلْيِه ْم َفَيُم وُتوا َو اَل‬
‫ُيَخ َّف ُف َعْنُه ْم ِم ْن َعَذ اِبَه ا} [فاطر‪ ،]36 :‬وقال تعالى‪َ{ :‬و اَل َيْد ُخ ُلوَن اْلَج َّنَة َح َّتى َيِلَج اْلَجَم ُل ِفي‬
‫َس ِّم اْلِخ َياِط } [األعراف‪.]40 :‬‬
‫وهذا أبلغ ما يكون في اإلخبار عن استحالة دخولهم الجنة‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬قول من يقول‪ :‬يخرجون منها وتبقى ناًر ا على حالها ليس فيها أحٌد ُيَعَّذ ُب ‪ ،‬حكاه شيخ‬
‫اإلسالم (‪. )1‬‬
‫والقرآن والسنة أيًض ا يردان هذا القول كما تقدم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في رسالة الرد على من قال بفناء الجَّنة والَّنار ص (‪.)53‬‬

‫(‪)2/732‬‬

‫الخامس‪ :‬قول من يقول‪ :‬بل (‪ )1‬تفنى بنفسها؛ ألنها حادثة بعد أن لم تكن‪ ،‬وما ثبت حدوثه‬
‫استحال بقاؤه وأبديته‪.‬‬
‫وهذا قول جهم بن صفوان وشيعته‪ ،‬وال فرق عنده في ذلك بين الجنة والنار‪.‬‬
‫السادس‪ :‬قول من يقول‪ :‬تفنى حياتهم وحركاتهم ويصيرون جماًد ا‪ ،‬ال يتحركون وال يحُّس ون‬
‫بألم‪.‬‬
‫وهذا قول أبي الُه َذ يل العاَّل ف إمام المعتزلة‪َ ،‬طْر ًد ا المتناع حوادث ال نهاية لها‪ .‬والجنة والنار‬
‫عنده سواء في هذا الحكم‪.‬‬
‫السابع‪ :‬قول من يقول‪ :‬بل يفنيها ربها وخالقها تبارك وتعالى‪ ،‬فإنه جعل لها أَمًد ا تنتهي إليه ثم‬
‫تفنى ويزول عذابها‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم‪" :‬وقد ُنِق َل هذا القول عن عمر‪ ،‬وابن مسعود‪ ،‬وأبي هريرة‪ ،‬وأبي سعيد‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫وقد روى َعْبد بن ُحَم يد ‪-‬وهو من أجل علماء الحديث‪ -‬في "تفسيره" المشهور‪ :‬حدثنا سليمان‬
‫(‪ )2‬بن حرب‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة‪ ،‬عن ثابت‪ ،‬عن الحسن قال‪ :‬قال عمر‪" :‬لو لبث أهل النار‬
‫في النار كقدر رمل عالج (‪ ، )3‬لكان لهم على‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من "ب‪ ,‬هـ"‪ ،‬ونسخٍة على حاشية "أ"‪.‬‬
‫(‪ )2‬إلى هنا انتهى السقط من "ج"‪.‬‬
‫(‪ )3‬هو َم َثٌل ُيضرب للمبالغة في الَك ْثرة‪ ،‬وعاِلج‪ :‬رمال بين فيد والقريات ينزلها ُبْح تر من طيء‪،‬‬
‫وهي متصلة بالثعلبية على طريق مكة‪ ،‬ال ماء بها‪= . . . .‬‬

‫(‪)2/733‬‬

‫ذلك (‪ )1‬يوم يخرجون فيه" (‪. )2‬‬


‫وقال‪ :‬حدثنا حجاج بن منهال‪ ،‬عن حماد بن سلمة‪ ،‬عن حميد‪ ،‬عن الحسن أن عمر بن الخطاب‬
‫‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون فيه" (‬
‫‪. )3‬‬
‫ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى‪{ :‬اَل ِبِثيَن ِفيَه ا َأْح َق اًبا (‪[ } )23‬النبأ‪ ،]23 :‬فقد رواه َعْبٌد ‪-‬وهو‬
‫من األئمة الحفاظ وعلماء السنة‪ -‬عن هذين الجليلين‪ :‬سليمان بن حرب‪ ،‬وحجاج بن منهال‬
‫كالهما‪ ،‬عن حماد بن سلمة ‪-‬وَحْسُبك به‪ -‬وحماد يرويه عن ثابت وحميد‪ ،‬وكالهما يرويه عن‬
‫الحسن‪ .‬وحسبك بهذا اإلسناد جاللة‪.‬‬
‫والحسن وإن لم يسمع من عمر‪ ،‬فإنما رواه عن بعض التابعين‪ ،‬ولو لم يصح عنده ذلك عن عمر‬
‫َلَم ا جزم به وقال‪ :‬قال عمر بن الخطاب‪ ،‬ولو ُقِّد َر أنه لم ُيْح َف ظ عن عمر‪ ،‬فتداول هؤالء األئمة له‬
‫غير مقابلين له باإلنكار والرد‪ ،‬مع أنهم ينكرون على من خالف السنة بدون هذا‪ ،‬فلو كان هذا‬
‫القول عند هؤالء األئمة من البدع المخالفة لكتاب الَّله وسنة رسوله وإجماع األئمة‪ ،‬لكانوا أول‬
‫منكر له‪.‬‬
‫__________‬
‫= وقيل‪ :‬رمل عالج يحيط بأكثر أرض العرِب ‪ .‬انظر‪ :‬المعجم للبكري (‪ ،)913 /2‬ومعجم‬
‫البلدان (‪.)78 /4‬‬
‫(‪ )1‬قوله "على ذلك" ليس في "أ"‪.‬‬
‫(‪ )2‬قال ابن القيم‪" :‬ورواُة هذا األثِر أئمة ثقات كلهم‪ " . . . .‬شفاء العليل (‪.)707 /2‬‬
‫(‪ )3‬سقط هذا األثر كاماًل من "ج"‪.‬‬

‫(‪)2/734‬‬
‫قال‪ :‬وال ريب أَّن َمْن قال هذا القول عن عمر‪ ،‬ونقله عنه إنما أراد بذلك جنس أهل النار الذين‬
‫هم أهلها‪ ،‬فأما قوم أصيبوا بذنوبهم‪ ،‬فقد علم هؤالء وغيرهم أنهم يخرجون منها‪ ،‬وأنهم ال يلبثون‬
‫قدر رمل عالج‪ ،‬وال قريًبا منه‪.‬‬
‫ولفظ "أهل النار" ال يختص بالموِّح دين‪ ،‬بل هو مختص بمن عداهم‪ ،‬كما قال ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪" :-‬أما أهل النار الذين هم أهلها‪ ،‬فإنهم ال يموتون فيها وال يحيون" (‪ ، )1‬وال يناقض هذا‬
‫قوله تعالى‪َ{ :‬خ اِلِد يَن ِفيَه ا}‪ ،‬وقوله‪َ{ :‬و َم ا ُه ْم ِم ْنَه ا ِبُم ْخ َر ِج يَن } [الحجر‪ ]48 :‬بل ما أخبر الَّله به‬
‫هو الحق والصدق الذي ال يقع خالفه‪ ،‬لكن إذا انقضى أجلها وفنيت كما تفنى الدنيا لم يبق ناًر ا‬
‫ولم يبق فيها عذاب‪.‬‬
‫قال أرباب هذا القول‪ :‬في "تفسير علي بن أبي (‪ )2‬طلحة الوالبي"‪ :‬عن ابن عباس في قوله تعالى‪:‬‬
‫{َقاَل الَّناُر َم ْثَو اُك ْم َخ اِلِد يَن ِفيَه ا ِإاَّل َم ا َش اَء الَّلُه ِإَّن َر َّبَك َح ِكيٌم َعِليٌم (‪[ } )128‬األنعام‪.]128 :‬‬
‫قال‪" :‬ال ينبغي ألحد أن يحكم على الَّله في خلقه‪ ،‬وال ينزلهم جنة وال ناًر ا" (‪. )3‬‬
‫قالوا‪ :‬وهذا الوعيد في هذه اآلية ليس مختًّص ا بأهل القبلة‪ ،‬فإنه سبحانه قال‪َ{ :‬و َيْو َم َيْح ُش ُر ُه ْم‬
‫َج ِم يًعا َياَمْع َش َر اْلِج ِّن َقِد اْسَتْك َثْر ُتْم ِم َن اِإْل ْنِس‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم رقم (‪ )185‬مطَّو اًل من حديث أبي سعيد الخدري رضي الَّله عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬سقط من "أ‪ ،‬هـ"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (‪ )1388 /4‬رقم (‪ ،)7897‬والطبري (‪ .)34 /8‬وسنده‬
‫حسن‪.‬‬

‫(‪)2/735‬‬

‫ِذ‬ ‫ِب‬ ‫ِم‬ ‫ِل‬


‫َو َقاَل َأْو َياُؤ ُه ْم َن اِإْل ْنِس َر َّبَنا اْسَتْم َتَع َبْعُضَنا َبْع ٍض َو َبَلْغَنا َأَج َلَنا اَّل ي َأَّج ْلَت َلَنا َقاَل الَّناُر َم ْثَو اُك ْم‬
‫َخ اِلِد يَن ِفيَه ا ِإاَّل َما َش اَء الَّلُه ِإَّن َر َّبَك َح ِكيٌم َعِليٌم (‪َ )128‬و َكَذ ِلَك ُنَو ِّلي َبْعَض الَّظاِلِم يَن َبْع ًض ا ِبَم ا‬
‫َك اُنوا َيْك ِس ُبوَن (‪[ })129‬األنعام‪.]129 - 128 :‬‬
‫وأولياء الجن من اإلنس يدخل فيه الكفار قطًعا‪ ،‬فإنهم أحق بمواالتهم من عصاة المسلمين‪ ،‬كما‬
‫قال تعالى‪ِ{ :‬إَّنا َجَعْلَنا الَّش َياِط يَن َأْو ِلَياَء ِلَّلِذ يَن اَل ُيْؤ ِم ُنوَن (‪[ })27‬األعراف‪.]27 :‬‬
‫وقال تعالى‪ِ{ :‬إَّنُه َلْيَس َلُه ُس ْلَطاٌن َعَلى اَّلِذ يَن آَم ُنوا َو َعَلى َر ِّبِه ْم َيَتَو َّك ُلوَن (‪ِ )99‬إَّنَم ا ُس ْلَطاُنُه َعَلى‬
‫اَّلِذ يَن َيَتَو َّلْو َنُه َو اَّلِذ يَن ُه ْم ِبِه ُمْش ِر ُك وَن (‪[ })100‬النحل‪.]100 ,99 :‬‬
‫وقال تعالى‪ِ{ :‬إَّن اَّلِذ يَن اَّتَق ْو ا ِإَذا َمَّس ُه ْم َطاِئٌف ِم َن الَّش ْيَطاِن َتَذ َّك ُر وا َفِإ َذا ُه ْم ُمْبِص ُر وَن (‪)201‬‬
‫َو ِإْخ َو اُنُه ْم َيُم ُّدوَنُه ْم ِفي اْلَغِّي ُثَّم اَل ُيْق ِص ُر وَن (‪[ })202‬األعراف‪.]202 - 201 :‬‬
‫وقال تعالى‪َ{ :‬أَفَتَّتِخ ُذ وَنُه َو ُذِّر َّيَتُه َأْو ِلَياَء ِم ْن ُدوِني} [الكهف‪.]50 :‬‬
‫وقال تعالى‪َ{ :‬فَق اِتُلوا َأْو ِلَياَء الَّش ْيَطاِن } [النساء‪.]76 :‬‬
‫وقال تعالى‪ُ{ :‬أوَلِئَك ِح ْز ُب الَّش ْيَطاِن َأاَل ِإَّن ِح ْز َب الَّش ْيَطاِن ُه ُم اْلَخ اِس ُر وَن (‪[ })19‬المجادلة‪:‬‬
‫‪.]19‬‬
‫وقال تعالى‪َ{ :‬و ِإَّن الَّش َياِط يَن َلُيوُح وَن ِإَلى َأْو ِلَياِئِه ْم ِلُيَج اِد ُلوُك ْم َو ِإْن َأَطْعُتُم وُه ْم ِإَّنُك ْم َلُم ْش ِر ُك وَن (‬
‫‪[ })121‬األنعام‪.]121 :‬‬

‫(‪)2/736‬‬

‫فاالستثناء وقع في اآلية التي أخبرت عن دخول أولياء الشيطان (‪ )1‬النار‪َ .‬فِم ْن ها هنا قال ابن‬
‫عباس‪" :‬إنه ال ينبغي ألحد أن يحكم على الَّله في خلقه"‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وقول من قال إن "إال" بمعنى "سوى"‪ ،‬أي‪ :‬سوى ما شاء الَّله أن يزيدهم من أنواع العذاب‬
‫وزمنه = ال تخفى منافرته للمستثنى والمستثنى منه‪ ،‬وإن الذي يفهمه المخاطب‪ :‬مخالفة ما بعد‬
‫"إال" لما قبلها‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وقول من قال‪ :‬إنه إلخراج ما قبل دخولهم إليها من الزمان؛ كزمان البرزخ والموقف‪،‬‬
‫ومَّدة الدنيا أيًض ا = ال يساعد عليه وجه الكالم‪ ،‬فإَّنه استثناء من جملة خبرَّية مضمونها‪ :‬أَّنهم إذا‬
‫دخلوا الَّناَر لبثوا فيها مَّدة دوام السماوات واألرِض إاَّل ما شاء الَّلُه (‪ ، )2‬وليس المراد االستثناء‬
‫قبل الدخول‪ ،‬هذا ما ال يفهمه المخاطب‪ ،‬أاَل ترى أَّنه سبحانه يخاطبهم بهذا في الَّنار حين‬
‫يقولون‪َ{ :‬ر َّبَنا اْسَتْم َتَع َبْعُضَنا ِبَبْع ٍض َو َبَلْغَنا َأَج َلَنا اَّلِذ ي َأَّج ْلَت َلَنا} [األنعام‪ ،]128 :‬فيقول لهم‬
‫ِلِد ِف‬ ‫ٍذ‬
‫حينئ ‪{ :‬الَّناُر َم ْثَو اُك ْم َخ ا يَن يَه ا ِإاَّل َما َش اَء الَّلُه} [األنعام‪ ،]128 :‬وفي قولهم‪َ{ :‬ر َّبَنا اْسَتْم َتَع‬
‫َبْعُضَنا ِبَبْع ٍض َو َبَلْغَنا َأَج َلَنا اَّلِذ ي َأَّج ْلَت َلَنا} نوُع اعتراٍف واستسالم وتحُّس ر‪ ،‬أي‪ :‬استمتع الجن‬
‫بنا‪ ،‬واستمتعنا بهم‪ ،‬فاشتركنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب"‪" :‬الشياطين"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬رسالة الرد على من قال بفناء الجَّنة والَّنار البن تيمية ص (‪ )60 - 53‬بتصرف مع‬
‫زيادة أحياًنا‪.‬‬

‫(‪)2/737‬‬

‫في الشرك ودواعيه وأسبابه‪ ،‬وآثرنا االستمتاع على طاعتك وطاعة رسلك‪ ،‬وانقضت آجالنا‪،‬‬
‫وذهبت أعمارنا في ذلك‪ ،‬ولم نكتسب فيها رضاك‪ ،‬وإَّنما كان غاية أمرنا في ُمَّدة آجالنا استمتاع‬
‫بعضنا ببعض‪.‬‬
‫فتأمل ما في هذا من االعتراف بحقيقة ما هم عليه‪ ،‬وكيف بدت لهم تلك الحقيقة ذلك اليوم‪،‬‬
‫وعلموا أن الذي كانوا فيه في مدة آجالهم‪ ،‬هو حظهم من استمتاع بعضهم ببعض‪ ،‬ولم يستمتعوا‬
‫بعبادة ربهم‪ ،‬ومعرفته وتوحيده‪ ،‬ومحبته وإيثار مرضاته‪.‬‬
‫وهذا من نمط قولهم‪َ{ :‬لْو ُك َّنا َنْسَمُع َأْو َنْع ِق ُل َم ا ُك َّنا ِفي َأْص َح اِب الَّس ِعيِر (‪.})10‬‬
‫وقوله تعالى‪َ{ :‬فاْع َتَر ُفوا ِبَذ ْنِبِه ْم } [الملك‪.]11 ,10 :‬‬
‫وقوله‪َ{ :‬فَعِلُم وا َأَّن اْلَح َّق ِلَّلِه} [القصص‪ ،]75 :‬ونظائره‪.‬‬
‫والمقصود أَّن قوله {ِإاَّل َما َش اَء الَّلُه} عائد إلى هؤالء المذكورين مختًّص ا بهم‪ ،‬أو شاماًل لهم‬
‫ولعصاة الموِّح دين‪ ،‬وأما اختصاصه بعصاة المسلمين دون هؤالء فال وجه له‪.‬‬
‫ولَّم ا رأت طائفة ضعف هذا القول‪ ،‬قالوا‪ :‬االستثناء يرجع إلى ُمَّدة البرزخ والموقف‪ .‬وقد تبَّين‬
‫ضعف هذا القول‪.‬‬
‫ورأت طائفة أخرى‪ :‬أَّن االستثناء يرجع إلى نوع آخر من العذاب غير النار‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬والمعنى‪ :‬أنكم في النار أبًد ا إال ما شاء الَّله أن يعذبكم‬

‫(‪)2/738‬‬

‫بغيرها‪ ،‬وهو الزمهرير‪.‬‬


‫وقد قال تعالى‪ِ{ :‬إَّن َجَه َّنَم َك اَنْت ِم ْر َص اًدا (‪ِ )21‬للَّطاِغ يَن َم آًبا (‪ )22‬اَل ِبِثيَن ِفيَه ا َأْح َق اًبا (‪} )23‬‬
‫[النبأ‪.]23 - 21 :‬‬
‫قالوا‪ :‬واألبد‪ :‬ال ُيقَّدر باألحقاب‪.‬‬
‫وقد قال ابن مسعود في هذه اآلية‪َ" :‬ليأتيَّن على جهنم زمان ليس فيها أحد‪ ،‬وذلك بعدما يلبثون‬
‫فيها أحقاًبا" (‪ . )1‬وعن أبي هريرة مثله (‪ ، )2‬حكاه البغوي عنهما‪ .‬ثم قال‪" :‬ومعناه عند أهل‬
‫السنة إن ثبت‪ :‬أنه ال يبقى فيها أحد من أهل اإليمان" (‪. )3‬‬
‫قالوا‪ :‬قد ثبت ذلك عن أبي هريرة وابن مسعود وعبد الَّله بن عمرو‪ ،‬وقد سأل حرٌب إسحاق بن‬
‫راهويه عن هذه اآلية (‪ ، )4‬فقال‪ :‬سألت إسحاق‪ ،‬قلت‪ :‬قول الَّله تعالى‪َ{ :‬خ اِلِد ي ِفيَه ا ا َدا ِت‬
‫َم َم‬ ‫َن‬
‫الَّس َم اَو اُت َو اَأْلْرُض ِإاَّل َم ا َش اَء َر ُّبَك } [هود‪ ]107 :‬فقال‪ :‬أتت هذه اآلية على كل وعيد في‬
‫القرآن‪.‬‬
‫حدثنا عبيد الَّله بن معاذ‪ ،‬حدثنا معتمر بن سليمان‪ ،‬قال‪ :‬قال أبي‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ )118 /12‬قال ُح ِّدثت عن المسيب عَّم ن ذكره عن ابن عباس‪،‬‬
‫وذكر كالًما له‪ ،‬ثَّم قال وقال‪ :‬ابن مسعود فذكره‪.‬‬
‫وسنده ضعيف إلبهام من حَّدثه عن المسيب‪ ،‬ومن ذكره عن ابن عباس‪.‬‬
‫وأخرجه ابن المنذر وأبو الشيخ كما في الدر المنثور (‪ )635 /3‬من طريق إبراهيم النخعي قال‪:‬‬
‫قال ابن مسعود‪" :‬ليأتين عليها زمان تخفق أبوابها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬سيأتي ص (‪.)741‬‬
‫(‪ )3‬معالم التنزيل (‪.)202 /4‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬مسائر حرب الكرماني ص (‪.)429‬‬

‫(‪)2/739‬‬

‫حدثنا أبو نضرة‪ ،‬عن جابر أو أبي سعيد أو بعض أصحاب الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪:‬‬
‫"أتت هذه اآلية على القرآن كله (‪ِ{ : )1‬إاَّل َم ا َش اَء َر ُّبَك ِإَّن َر َّبَك َفَّعاٌل ِلَم ا ُيِر يُد } [هود‪]107 :‬‬
‫"‪ .‬قال المعتمر‪ :‬قال أبي‪ :‬كل وعيد في القرآن" (‪. )2‬‬
‫حدثنا عبيد الَّله بن معاذ‪ ،‬حدثنا أبي‪ ،‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن أبي َبْلج (‪ )3‬سمع عمرو بن ميمون يحدث‬
‫عن عبد الَّله بن عمرو‪ ،‬قال‪" :‬ليأتين على جهَّنم يوم تصطفق فيه أبوابها‪ ،‬ليس فيها أحد‪ ،‬وذلك‬
‫بعد ما يلبثون فيها أحقاًبا" (‪. )4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "د" "هذه اآلية تأتي على القرآن كله"‪ ،‬وهو موافق لما ذكره المؤِّلف في شفاء العليل (‬
‫‪ ،)705 /2‬وليس في مسائل حرب المطبوعة كلمة "أتت"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (‪ )273 /1‬رقم (‪ ،)1251‬والطبري (‪ ،)118 /12‬والبيهقي‬
‫في األسماء والصفات رقم (‪.)337‬‬
‫وسنده صحيح‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه جعفر بن سليمان عن الُج ريري عن أبي نضرة قوله‪.‬‬
‫أخرجه البيهقي في األسماء والصفات رقم (‪ ،)336‬وابن أبي حاتم في تفسيره رقم (‪)11239‬‬
‫معَّلًق ا‪.‬‬
‫والجريري اختلط‪ ،‬وال ُيدرى هل سمع منه جعفر الضبعي قبل اختالطه أم بعده؟‬
‫انظر‪ :‬الكواكب النِّيرات ص (‪.)185‬‬
‫(‪ )3‬في "ب"‪" :‬صالح" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الفسوي في المعرفة والتاريخ (‪.)103 /2‬‬
‫من طريق الطيالسي عن شعبة به مثله إلى قوله "أحد"‪.‬‬
‫قال الطيالسي‪ :‬وحدثنا حماد بن سلمة عن ثابت قال‪ :‬سألت الحسن عن هذا الحديث فأنكره"‪.‬‬
‫وهذا الحديث جعله الذهبي من باليا أبي َبْلج فذكره وقال‪" :‬هذا منكر" =‬

‫(‪)2/740‬‬

‫حدثنا عبيد الَّله‪ ،‬حدثنا أبي‪ ،‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن يحيى بن أيوب‪ ،‬عن أبي زرعة‪ ،‬عن أبي هريرة ‪-‬‬
‫رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬ما أنا بالذي ال أقول‪ :‬إنه سيأتي على جهنم يوم ال يبقى فيها أحد‪ ،‬وقرأ‪" :‬‬
‫{َفَأَّما اَّلِذ يَن َش ُقوا َفِف ي الَّناِر َلُه ْم ِفيَه ا َز ِفيٌر َو َش ِه يٌق (‪[ } )106‬هود‪. )1( " ]106 :‬‬
‫قال عبيد الَّله‪ :‬كان أصحابنا يقولون‪ :‬يعني به الموِّح دين‪.‬‬
‫حدثنا أبو َمْع ٍن ‪ ،‬حدثنا وهب بن جرير‪ ،‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن سليمان التيمي‪ ،‬عن أبي نضرة‪ ،‬عن جابر‬
‫بن عبد الَّله‪ ،‬أو بعض أصحابه في قوله تعالى‪َ{ :‬خ اِلِد يَن ِفيَه ا َم ا َداَمِت الَّس َم اَو اُت َو اَأْلْرُض ِإاَّل َما‬
‫َش اَء َر ُّبَك } [هود‪ .]107 :‬قال‪" :‬هذه اآلية أتت (‪ )2‬على القرآن كله" (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫= الميزان (‪.)189 /7‬‬
‫قلُت ‪ :‬إنكار الحسن البصري يحتمل عَّدة احتماالت‪ ،‬لكْن تقدم قريًبا ص (‪ )735 - 734‬رواية‬
‫ثابت البناني وحميد الطويل عن الحسن أَّن عمر بن الخطاب قال‪ :‬لو لبثت أهل الَّنار‪." . . .‬‬
‫وأبو بلج الفزاري واسمه يحيى بن ُس ليم‪ ،‬وقيل غير ذلك‪ ،‬وَّثقه جماعة‪ ،‬وله حديث منكر‪ .‬انظر‪:‬‬
‫تهذيب الكمال (‪.)162 /33‬‬
‫فإْن كان حفظه فاإلسناد ال بأس به‪.‬‬
‫(‪ )1‬سنده ال بأس به‪ ،‬ويحيى بن أيوب هو البجلي الكوفي مختلٌف فيه‪.‬‬
‫تهذيب الكمال (‪.)232 /31‬‬
‫وأخرجه إسحاق بن راهويه‪ ،‬كما في الدر المنثور (‪ )635 /3‬بلفظ "سيأتي على جهَّنم يوٌم ال‬
‫يبقى فيها أحد‪ ،‬وقرأ {َفَأَّما اَّلِذ يَن َش ُقوا‪ }. .‬اآلية‪.‬‬
‫(‪ )2‬من "أ‪ ،‬هـ" فقط‪ ،‬وليست في باقي النسخ‪ ،‬وال في مسائل حرب المطبوعة‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر في مسائل حرب ص (‪ ،)430‬وتقدم الكالم عليه‪.‬‬

‫(‪)2/741‬‬

‫وقد حكى ابن جرير هذا القول في "تفسيره" (‪ )1‬عن جماعة من السلف‪ ،‬فقال‪ :‬وقال آخرون‪:‬‬
‫عنى بذلك أهل النار‪ ،‬وكل من دخلها‪ .‬ذكر من قال ذلك ‪-‬ثم ذكر اآلثار التي نذكرها‪:-‬‬
‫وقال عبد الرزاق‪ :‬حدثنا ابن التيمي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أبي نضرة‪ ،‬عن جابر أو أبي سعيد‪ ،‬أو عن رجل‬
‫من أصحاب رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬في قوله‪ِ{ :‬إاَّل َم ا َش اَء َر ُّبَك ِإَّن َر َّبَك َفَّعاٌل ِلَم ا‬
‫ُيِر يُد (‪ } )107‬قال‪" :‬هذه اآلية تأتي على القرآن كله"‪ ،‬يقول‪ :‬حيث كان في القرآن "خالدين‬
‫فيها" تأتي عليه"‪ .،‬قال‪" :‬وسمعت أبا مجلز يقول‪ :‬جزاؤه جهنم (‪ ، )2‬فإن شاء الَّله عز وجل‬
‫تجاوز عن عذابه" (‪. )3‬‬
‫وقال ابن جرير‪" :‬حدثنا الحسن بن يحيى‪ ،‬أخبرنا عبد الرازق‪ ،‬فذكره‪ .‬قال‪ :‬وُح ِّدثت عن‬
‫المسيب عمن ذكره عن ابن عباس‪َ{ :‬خ اِلِد يَن ِفيَه ا َم ا َداَمِت الَّس َم اَو اُت َو اَأْلْرُض ِإاَّل َم ا َش اَء َر ُّبَك }‬
‫قال‪" :‬ال يموتون وما هم منها بمخرجين ما دامت السماوات واألرض إال ما شاء ربك‪ .‬قال‪:‬‬
‫استثنى الَّله‪ ،‬قال‪ :‬أمر النار أن تأكلهم"‪.‬‬
‫قال‪ :‬وقال ابن مسعود‪" :‬ليأتين على جهنم زمان تخفق أبوابها ليس فيها أحد بعدما يلبثون فيها‬
‫أحقاًبا"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪.)118 /12( )1‬‬
‫(‪ )2‬من "أ"‪ ،‬وليس في باقي النسخ‪ ،‬وال عند عبد الرزاق وال الطبري‪.‬‬
‫(‪ )3‬أثر أبي مجلز موصول بالسند المتقدم‪ ،‬وهو عند عبد الرزاق والطبري كما تقدم‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬وقع في "هـ" "مخلد" بدل "مجلز" وهو تصحيف‪.‬‬

‫(‪)2/742‬‬

‫حدثنا ابن ُحَم يد‪ ،‬حدثنا جرير‪ ،‬عن بيان‪ ،‬عن الشعبي‪ ،‬قال‪" :‬جهنم أسرع الدارين عمراًنا‪،‬‬
‫وأسرعهما خراًبا" (‪. )1‬‬
‫وحكى ابن جرير في ذلك قواًل آخر‪ ،‬فقال‪" :‬وقال آخرون‪ :‬أخبرنا الَّله سبحانه بمشيئته ألهل‬
‫الجنة‪ ،‬فعرفنا معنى ثنياه بقوله‪َ{ :‬عَطاًء َغْيَر َمْج ُذ وٍذ (‪ } )108‬أَّنها في الزيادة على مقدار مدة‬
‫السماوات واألرض‪ ،‬قالوا‪ :‬ولم يخبرنا بمشيئته في أهل النار‪ ،‬وجائز أن تكون مشيئته في الزيادة‪،‬‬
‫وجائز أن تكون في النقصان‪.‬‬
‫حدثني يونس‪ ،‬أخبرنا ابن وهب قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله تعالى‪َ{ :‬خ اِلِد ي ِفيَه ا ا َدا ِت‬
‫َم َم‬ ‫َن‬
‫الَّس َم اَو اُت َو اَأْلْرُض ِإاَّل َم ا َش اَء َر ُّبَك } حَّتى بلغ {َعَطاًء َغْيَر َمْج ُذ وٍذ (‪ } )108‬فقال‪ :‬أخبرنا بالذي‬
‫يشاء ألهل الجنة فقال‪َ{ :‬عَطاًء َغْيَر َمْج ُذ وٍذ (‪ } )108‬ولم يخبرنا بالذي يشاء ألهل النار" (‪. )2‬‬
‫وقال (‪ )3‬ابن مردويه في "تفسيره"‪ :‬حدثنا سليمان بن أحمد‪ ،‬حدثنا خير بن عرفة‪ ،‬حدثنا يزيد بن‬
‫مروان الخالل‪ ،‬حدثنا أبو خليد‪ ،‬حدثنا سفيان ‪-‬يعني‪ :‬الثوري‪ -‬عن عمرو بن دينار‪ ،‬عن جابر ‪-‬‬
‫ِف‬ ‫َّلِذ‬
‫رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬قرأ رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪َ{ -‬فَأَّما ا يَن َش ُقوا َف ي الَّناِر َلُه ْم‬
‫ِفيَه ا َز ِفيٌر َو َش ِه يٌق (‪)106‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)118 /12‬‬
‫وأثرا ابن عباس وابن مسعود‪ :‬ضعيفا اإلسناد كما تقَّدم‪.‬‬
‫وأثر الشعبي أيًض ا ضعيف جًّدا‪ :‬شيخ الطبري هو محمد بن ُح ميد وهو ضعيف جًّدا‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪ .)119 - 118 /12‬وأثر ابن زيد صحيح‪.‬‬
‫(‪ )3‬من هنا سقط من "ج" إلى ص (‪.)747‬‬
‫(‪)2/743‬‬

‫َخ اِلِد يَن ِفيَه ا َما َداَمِت الَّس َم اَو اُت َو اَأْلْرُض ِإاَّل َم ا َش اَء َر ُّبَك } [هود‪ .]107 - 106 :‬قال رسول‬
‫الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إن شاء الَّله أن يخرج ناًس ا من الذين شقوا من النار فيدخلهم‬
‫الجنة َفَعل" (‪. )1‬‬
‫وهذا الحديث يدل على أن االستثناء إنما هو للخروج من النار بعد دخولهم خالًفا لمن زعم‪ :‬أنه‬
‫لما قبل الدخول؛ ولكن إنما يدل على إخراج بعضهم من النار‪ ،‬وهذا حق بال ريب‪ ،‬وهو ال ينفي‬
‫انقطاعها وفناء عذابها‪ ،‬وأكلها لمن فيها‪ ،‬وأنهم ُيَعَّذ بون فيها دائًم ا ما دامت كذلك‪ ،‬وما هم منها‬
‫بمْخ َر جين‪ ،‬فالحديث دل على أمرين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أَّن بعض األشقياء إن شاَء الَّلُه يخرجهم من النار ‪-‬وهي نار‪َ -‬فَعَل‪ ،‬وأن االستثناء أنما‬
‫هو فيما بعد دخولها‪ ،‬ال فيما قبله‪.‬‬
‫وعلى هذا‪ ،‬فيكون معنى االستثناء‪ :‬إال ما شاء ربك من األشقياء‪ ،‬فإنهم ال يخلدون فيها‪ ،‬ويكون‬
‫األشقياء نوعين‪ :‬نوًعا يخرجون منها‪ ،‬ونوًع ا يخلدون فيها‪ ،‬فيكونون من الذين شقوا أّو اًل ‪ ،‬ثم‬
‫يصيرون من الذين ُس ِعدوا‪ ،‬فتجتمع لهم الشقاوة والسعادة في وقتين‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وقد قال تعالى‪ِ{ :‬إَّن َجَه َّنَم َك اَنْت ِم ْر َص اًدا (‪ِ )21‬للَّطاِغ يَن َم آًبا (‪ )22‬اَل ِبِثيَن ِفيَه ا َأْح َق اًبا (‬
‫ِم‬ ‫ِف‬
‫‪ )23‬اَل َيُذ وُقوَن يَه ا َبْر ًدا َو اَل َش َر اًبا (‪ِ )24‬إاَّل َح يًم ا َو َغَّس اًقا (‪َ )25‬جَز اًء‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنده ضعيف جًّدا‪.‬‬
‫فيه يزيد بن مروان الخالل‪ :‬قال ابن معين "كَّذ اب" الجرح (‪ ،)291 /9‬وضعفه الدارمي وأبو‬
‫داود وقال الدارقطني‪" :‬ضعيف جًّدا"‪.‬‬
‫انظر‪ :‬اللسان (‪.)380 /6‬‬

‫(‪)2/744‬‬

‫ِو َفاًقا (‪ِ )26‬إَّنُه ْم َك اُنوا اَل َيْر ُج وَن ِح َس اًبا (‪َ )27‬و َك َّذ ُبوا ِبآَياِتَنا ِكَّذ اًبا} [النبأ‪.]28 - 21 :‬‬
‫فهذا صريح في وعيد الكفار المكذبين بآياته‪ ،‬وال ُيَق َّدر األبدي بمدة األحقاب (‪ )1‬وال غيرها‪،‬‬
‫كما ال يقَّدر به القديم‪ ،‬ولهذا قال عبد الَّله ابن عمرو‪ :‬فيما رواه (‪ )2‬شعبة‪ ،‬عن أبي بلج‪ ،‬سمع‬
‫عمرو بن ميمون يحدث عنه‪" :‬ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد‪ ،‬وذلك بعد‬
‫ما يلبثون فيها أحقاًبا" (‪.)3‬‬

‫فصل‬
‫والذين قطعوا بدوام النار لهم ست طرق‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬اعتقاد اإلجماع‪ ،‬فكثير من الناس يعتقدون أَّن هذا مجمع عليه بين الصحابة والتابعين ال‬
‫يختلفون فيه‪ ،‬وأن االختالف فيه حادث‪ ،‬وهو من أقوال أهل البدع‪.‬‬
‫الطريق الثاني‪ :‬أن القرآن دل على ذلك داللة قطعية‪ ،‬فإنه سبحانه وتعالى أخبر‪ :‬أنه عذاب مقيم‪،‬‬
‫وأنه ال ُيَف َّتر عنهم‪ ،‬وأنه لن يزيدهم إال عذاًبا‪ ،‬وأنهم خالدين فيها أبًد ا‪ ،‬وما هم بخارجين من النار‪،‬‬
‫وما هم منها بمخرجين‪ ،‬وأن الَّله حرم الجنة على الكافرين‪ ،‬وأنهم ال يدخلون الجنة حتى يلج‬
‫الجمل في سِّم الخياط‪ ،‬وأنهم ال يقضى عليهم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "د"‪" :‬ال أحقاب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬قوله‪" :‬فيما رواُه"‪ ،‬وقع في "أ"‪" :‬فيها" بدل "فيما رواُه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تقدم الكالم عليه في ص (‪.)740‬‬

‫(‪)2/745‬‬

‫فيموتوا‪ ،‬وال ُيَخ َّف ف عنهم من عذابها‪ ،‬وأن عذابها كان غراًم ا‪ ،‬أي‪ :‬مقيًم ا الزًما‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وهذا يفيد القطع بدوامه واستمراره‪.‬‬
‫الطريق الثالث‪ :‬أن السنة المستفيضة أخبرت بخروج َمْن في قلبه مثقال ذرة ِم ْن إيماٍن دون‬
‫الكفار‪ ،‬وأحاديث الشفاعة من أولها إلى آخرها صريحة بخروج عصاة الموحدين من النار‪ ،‬وأن‬
‫هذا حكم مختص بهم‪ ،‬فلو خرج الكفار منها لكانوا بمنزلتهم‪ ،‬ولم يختص الخروج بأهل‬
‫اإليمان‪.‬‬
‫الطريق الرابع‪ :‬أَّن الرسول وَّقْف َنا على ذلك وَعِلْم َناُه من دينه بالضرورة من غير حاجة بنا إلى نقٍل‬
‫معيٍن ‪ ،‬كما َعِلْم نا من دينه دوام الجنة وعدم فنائها‪.‬‬
‫الطريق الخامس‪ :‬أن عقائد السلف وأهل السنة مصرحة بأن الجنة والنار مخلوقتان‪ ،‬وأنهما ال‬
‫تفنيان‪ ،‬بل هما دائمتان‪ ،‬وإنما يذكرون فناءهما عن أهل البدع‪.‬‬
‫الطريق السادس‪ :‬أَّن العقَل يقضي بخلود الكفار في الَّناِر ‪.‬‬
‫وهذا مبنٌي على قاعدٍة وهي‪ :‬أَّن المعاد (‪ )1‬وثواب النفوس المطيعة‪ ،‬وعقوبة النفوس الفاجرة هل‬
‫هو مَّم ا ُيعلم بالعقل‪ ،‬أو ال ُيْع َلم إاَّل بالسمِع ؟‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "أ‪ ،‬هـ"‪" :‬النار"‪.‬‬

‫(‪)2/746‬‬

‫فيه طريقان لنَّظار المسلمين‪ ،‬وكثير منهم يذهب إلى أَّن ذلك ُيعَلم بالعقل مع السمع‪ ،‬كَّم ا دَّل‬
‫عليه القرآن في غير موضع‪ ،‬كإنكارِه سبحانه على من زعم أَّنه ُيَس ِّو ي بين األبرار والفجار في‬
‫المحيا والممات‪ ،‬وعلى من زعم أَّنه خلق خلقه عبًثا‪ ،‬وأَّنهم إليه ال ُيرجعون‪ ،‬وأَّنه يتركهم ُس دى‪،‬‬
‫أي‪ :‬ال يثيبهم وال يعاقبهم‪ ،‬وأَّن ذلك يقدُح في حكمته وكماله‪ ،‬وأَّنه ِنْس بُة له (‪ )1‬إلى ما ال يليُق‬
‫به‪ ،‬وربما قَّر روُه بأَّن النفوس البشرية باقيٌة‪ ،‬واعتقاداتها وإراداتها صفة الزمٌة لها ال تفارقها وإن‬
‫ندمت عليها‪ ،‬لَّم ا رأت العذاب‪ ،‬فلم تندم عليها لقبحها وكراهة ربها لها‪ ،‬بل لو فارقها العذاب‬
‫رجعت كما كانت أَّواًل ‪.‬‬
‫ِم‬ ‫ِب ِت‬ ‫ِق‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬و َلْو َتَر ى ِإْذ ُو ُف وا َعَلى الَّناِر َفَق اُلوا َياَلْيَتَنا ُنَر ُّد َو اَل ُنَك ِّذ َب آَيا َر ِّبَنا َو َنُك وَن َن‬
‫اْلُم ْؤ ِم ِنيَن (‪َ )27‬بْل َبَد ا َلُه ْم َما َك اُنوا ُيْخ ُفوَن ِم ْن َقْبُل َو َلْو ُر ُّدوا َلَعاُدوا ِلَم ا ُنُه وا َعْنُه َو ِإَّنُه ْم َلَك اِذ ُبوَن‬
‫(‪[ } )28‬األنعام‪. )2( ]28 - 27 :‬‬
‫فهؤالء قد ذاقوا العذاَب وباشروه‪ ،‬ولم يزل سببه وُمْق تِض ْيِه من نفوسهم‪ ،‬بل خبثها وكفرها قائم‬
‫بها‪ ،‬لم يفارقها بحيث لو ُر ُّدوا لعادوا كفاًر ا كما كانوا‪ ،‬وهذا يدّل على أن دوام تعذيبهم يقضي به‬
‫العقل‪ ،‬كما جاء به السمع‪.‬‬
‫قال أصحاب الفناء‪ :‬بالكالم على هذه الطرق‪َ :‬يِبْيُن الصواُب في هذه المسألة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ليس في "ب‪ ،‬د"‪.‬‬
‫(‪ )2‬إلى هنا انتهى السقط من "ج"‪.‬‬
‫(‪)2/747‬‬

‫فأما الطريق األول‪ :‬فاإلجماع الذي ادعيتموه غير معلوم‪ ،‬وإنما يظن اإلجماَع في هذه المسألة من‬
‫لم يعرف النزاع ‪ -‬وقد ُعِر َف النزاُع فيها قديًم ا وحديًثا ‪ -‬بل لو كلف ُمَّد ِع ي اإلجماع أن ينقل‬
‫عن عشرة من الصحابة فما دونهم إلى الواحد أَّنه قال‪ :‬إن النار ال تفنى أبًد ا‪ ،‬لم يجد إلى ذلك‬
‫سبياًل ‪.‬‬
‫ونحن قد نقلنا عنهم التصريح بخالف ذلك فأْو ِج دوا لنا (‪ )1‬عن واحد منهم خالف ذلك‪ ،‬بل‬
‫التابعون حكي عنهم هذا وهذا‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬واإلجماع الُم ْع تُّد به نوعان متفق عليهما‪ ،‬ونوع ثالث مختلف فيه‪ ،‬ولم يوجد واحد منها (‬
‫‪ )2‬في هذه المسألة‪.‬‬
‫النوع األول‪ :‬يكون معلوًم ا من ضرورة الدين‪ ،‬كوجوب أركان اِإل سالم‪ ،‬وتحريم المحرمات‬
‫الظاهرة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬ما ينقل عن أهل االجتهاد التصريح بحكمه‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن يقول بعضهم القول‪ ،‬وينتشر في األمة‪ ،‬وال ينكره أحد‪.‬‬
‫فأين معكم واحد من هذه األنواع؟! ولو أن قائاًل ادعى اإلجماع من هذا الَّطَر ِف واحتج بأن‬
‫الصحابة صح عنهم ذلك ولم ينكر أحد منهم عليه = لكان أسعد باإلجماع منكم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ ) 1‬قوله "فأوجدوا لنا" في "ب‪ ،‬د" "فما وجدنا"‪ ،‬وفي نسخة على "د" "فأوجدنا"‪ ،‬وفي "أ‪ ،‬هـ"‪:‬‬
‫"فأوجدونا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬قوله "يوجد واحد منها" وقع في "ب‪ ،‬د"‪" :‬يوجد واحدا منهما"‪ ،‬وفي "هـ"‪" :‬يوجد واحد‬
‫منهما"‪.‬‬

‫(‪)2/748‬‬

‫قالوا‪ :‬وأما الطريق الثاني‪ :‬وهو داللة القرآن على بقاء النار وعدم فنائها‪ ،‬فأين في القرآن دليل‬
‫واحد يدل على ذلك؟! نعم‪ ،‬الذي دّل عليه القرآن أن الكفار خالدين في النار أبًد ا‪ ،‬وأنهم غير‬
‫خارجين منها‪ ،‬وأنهم ال ُيَف َّتر عنهم عذابها‪ ،‬وأنهم ال يموتون فيها‪ ،‬وأن عذابهم فيها مقيم‪ ،‬وأنه‬
‫غرام الزم لهم‪ ،‬وهذا كله مما ال نزاع فيه بين الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين‪ ،‬وليس هذا‬
‫مورد النزاع‪ ،‬وإنما النزاع في أمر آخر‪ ،‬وهو‪ :‬أَّنه هل النار أبدية أو مما ُك ِتَب عليها الفناء؟ وأما‬
‫كون الكفار ال يخرجون منها‪ ،‬وال يفتر عنهم من عذابها‪ ،‬وال ُيْق َض ى عليهم فيموتوا‪ ،‬وال يدخلون‬
‫الجنة حتى يلج الجمل في سِّم الخياط = فلم يختلف في ذلك الصحابة وال التابعون وال أهل‬
‫السنة‪ ،‬وإنما خالف في ذلك من قد حكينا أقوالهم من اليهود واإلتحادية‪ ،‬وبعض أهل البدع‪.‬‬
‫وهذه النصوص وأمثالها تقتضي خلودهم في دار العذاب ما دامت باقية‪ ،‬وال يخرجون منها مع‬
‫بقائها البتة‪ ،‬كما يخرج أهل التوحيد منها مع بقائها‪ .‬فالفرق بين من يخرج من الحبس ‪-‬وهو‬
‫حبس على حاله‪ -‬وبين من يبطل حبسه بخراب الحبس وانتقاضه‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وأما الطريق الثالث‪ :‬وهو مجيء السنة المستفيضة بخروج أهل الكبائر من النار دون أهل‬
‫الشرك‪ ،‬فهي حق ال شك فيه‪ ،‬وهي إنما تدل على ما قلناه من خروج الموِّح دين منها‪ ،‬وهي دار‬
‫عذاب لم َتْف َن ‪ ،‬ويبقى المشركون فيها ما دامت باقية‪ ،‬والنصوص دلت على هذا وعلى هذا‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وأما الطريق الرابع‪ :‬وهو أن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬وقفنا على ذلك‬

‫(‪)2/749‬‬

‫ضرورة‪ ،‬فال ريب أَّنه من المعلوم من دينه بالضرورة‪ ،‬أن الكفار باقون فيها ما دامت باقية‪ ،‬هذا‬
‫معلوم من دينه بالضرورة‪ ،‬وأما كونها أبدية ال انتهاء لها وال تفنى كالجنة‪ ،‬فأين في القرآن والسنة‬
‫دليل واحد يدل على ذلك؟‬
‫قالوا‪ :‬وأما الطريق الخامس‪ :‬وهو أن في عقائد أهل السنة‪ :‬أن الجنة والنار مخلوقتان ال تفنيان‬
‫أبًد ا‪ .‬فال ريب أن القول بفنائهما قول أهل البدع من الجهيمية والمعتزلة‪ ،‬وهذا القول لم يقله‬
‫أحد من الصحابة وال التابعين‪ ،‬وال أحد من أئمة المسلمين‪ ،‬وأما فناء النار وحدها فقد أوجدناكم‬
‫من قال به من الصحابة‪ ،‬وتفريقهم بين الجنة والنار‪ ،‬فكيف يكون القول به من أقوال أهل البدع‪،‬‬
‫مع أَّنه ال ُيْع َر ف عن أحد من أهل البدع التفريق بين الدارين‪ ،‬فقولكم‪ :‬إنه من أقوال أهل البدع‬
‫كالُم من ال ِخ ْبَر ة له بمقاالت بني آدم‪ ،‬وآرائهم واختالفهم‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬والقول الذي ُيَعُّد من أقوال أهل البدع‪ :‬ما خالف كتاب الَّله‪ ،‬أو سنة رسوله‪ ،‬أو إجماع‬
‫األمة‪ ،‬إما الصحابة (‪ )1‬أو من بعدهم‪ ،‬وأما قول يوافق الكتاب والسنة وأقوال الصحابة‪ ،‬فال ُيَعُّد‬
‫من أقوال أهل البدع‪ ،‬وإن دانوا به واعتقدوه‪ ،‬فالحق يجب قبوله ممن قاله‪ ،‬والباطل يجب رُّدُه‬
‫على من قاله‪ ،‬وكان معاذ بن جبل يقول‪" :‬الَّله َح َك م قسط‪ ،‬هلك المرتابون‪ ،‬إن من ورائكم فتًنا‬
‫يكثر فيها المال‪ ،‬ويفتح فيها القرآن حتى يقرؤه المؤمن والمنافق‪ ،‬والمرأة والصبي‪ ،‬واألسود‬
‫واألحمر‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله "أو سنة رسوله أو إجماع األمة‪ ،‬إَّما الصحابة" وقع في "ج" "والسنة أو إجماع الصحابة‬
‫أو من بعدهم‪ ،‬ووقع في "أ" "و" بدل "أو"‪.‬‬

‫(‪)2/750‬‬

‫فيوشك أحدهم أن يقول‪ :‬قرأت القرآن‪ ،‬فما أظن أن يتبعوني حتى أبُتِد َع لهم غيره‪ ،‬فإياكم وما‬
‫ابُتِد َع‪ ،‬فإن كل بدعة ضاللة‪ ،‬وإياكم وزيغة الحكيم؛ فإن الشيطان قد يتكلم على لسان الحكيم‬
‫بكلمة الضاللة‪ ،‬وإن المنافق قد يقول كلمة الحق‪ ،‬فتلقوا الحق عمن جاء به‪ ،‬فإن على الحق‬
‫نوًر ا‪ ،‬قالوا‪ :‬وكيف زيغة الحكيم؟ قال‪ :‬هي الكلمة تروعكم وتنكرونها‪ ،‬وتقولون‪ :‬ما هذه؟‬
‫فاحذروا زيغته‪ ،‬وال يصدنكم عنه‪ ،‬فإَّنه يوشك أن يفيء‪ ،‬ويراجع الحق‪ ،‬وإن العلم واإليمان‬
‫مكانهما إلى يوم القيامة" (‪. )1‬‬
‫فالذي أخبر به أهل السنة في عقائدهم‪ ،‬هو الذي دّل عليه الكتاب والسنة‪ ،‬وأجمع عليه السلف‪:‬‬
‫أن الجنة والنار مخلوقتان‪ ،‬وأن أهل النار ال يخرجون منها‪ ،‬وال ُيَخ َّف ف عنهم عذابها‪ ،‬وال ُيَف َّتر‬
‫عنهم‪ ،‬وأنهم خالدون فيها‪ ،‬ومن ذكر منهم أن النار ال تفنى أبًد ا؛ فإنما قاله لظنه أن بعض أهل‬
‫البدع قال بفنائها‪ ،‬ولم تبلغه تلك اآلثار التي تقدم ذكرها‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وأما الطريق السادس‪ :‬وهو حكم العقل (‪ )2‬بتخليد أهل النار فيها‪ ،‬فإخبار عن العقل بما‬
‫ليس عنده‪ ،‬فإن المسألة من المسائل التي ال تعلم إال بخبر الصادق‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود رقم (‪ ،)4611‬وعبد الرزاق رقم (‪ ،)20750‬واَّلاللكائي في شرح أصول‬
‫االعتقاد رقم (‪ ،)116‬وأبو نعيم في الحلية (‪ 232 /1‬و ‪ ،)333‬وغيرهم‪ .‬وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )2‬جاء في "أ‪ ،‬ب‪ ،‬ج‪ ،‬د"‪" :‬وأَّم ا حكم العقل" بدل "وأَّما الطريق السادس‪ :‬وهو حكم العقل"‪،‬‬
‫والمثبت من "هـ"‪.‬‬
‫(‪)2/751‬‬

‫وأما أصل الثواب والعقاب‪ :‬فهل يعلم بالعقل مع السمع‪ ،‬أو ال ُيْع لم إال بالسمع وحده؟ ففيه‬
‫قوالن ِلنَّظار المسلمين من أتباع األئمة األربعة وغيرهم‪.‬‬
‫والصحيح أن العقل دّل على المعاد والثواب والعقاب إجمااًل ‪ ،‬وأما تفصيله فال ُيْع َلم إال بالسمع‪،‬‬
‫ودوام الثواب والعقاب مما ال يدّل عليه العقل (‪ )1‬بمجرده‪ ،‬وإنما ُعِلم (‪ )2‬بالسمع‪ ،‬وقد دّل‬
‫السمع داللة قاطعة على دوام ثواب المطيعين‪ ،‬وأما عقاب العصاة فقد دّل السمع أيًض ا داللة‬
‫قاطعة على انقطاعه في حق الموِّح دين‪ ،‬وأما دوامه وانقطاعه في حق الكفار‪ ،‬فهذا ُمْع َتَر ك الِّنَز ال‪،‬‬
‫فمن كان السمع من جانبه فهو أسعد بالصواب (‪ .)3‬وبالَّله التوفيق‪.‬‬

‫فصل‬
‫ونحن نذكر الفرق بين دوام الجنة والنار شرًعا وعقاًل ‪ ،‬وذلك يظهر من وجوه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن الَّله سبحانه وتعالى أخبر ببقاء نعيم أهل الجنة ودوامه‪ ،‬وأنه ال نفاد له وال انقطاع‪،‬‬
‫وأنه غير مجذوذ‪ .‬وأما النار فلم يخبر عنها بأكثر من خلود أهلها فيها‪ ،‬وعدم خروجهم منها‪،‬‬
‫وأنهم ال يموتون فيها وال يحيون‪ ،‬وأنها موصدة عليهم‪ ،‬وأنهم كلما أرادوا أن يخرجوا منها‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ليس في "أ"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في نسخٍة على حاشية "أ"‪ُ" :‬يْع َلم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ج"‪" :‬بالجواب"‪.‬‬

‫(‪)2/752‬‬

‫أعيدوا فيها‪ ،‬وأن عذابها الزم لهم‪ ،‬وأنه مقيم عليهم ال يفتر عنهم‪ ،‬والفرق بين الخبرين ظاهر‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أن النار قد أخبر سبحانه وتعالى في ثالث آيات عنها بما يدّل على عدم أبديتها‪.‬‬
‫األولى‪ :‬قوله سبحانه وتعالى‪َ{ :‬قاَل الَّناُر َمْثَو اُك ْم َخ اِلِد يَن ِفيَه ا ِإاَّل َما َش اَء الَّلُه} [األنعام‪.]128 :‬‬
‫الثانية‪ :‬قوله‪َ{ :‬خ اِلِد يَن ِفيَه ا َما َداَمِت الَّس َم اَو اُت َو اَأْلْرُض ِإاَّل َم ا َش اَء َر ُّبَك } [هود‪.]107 :‬‬
‫الثالثة‪ :‬قوله‪{ :‬اَل ِبِثيَن ِفيَه ا َأْح َق اًبا (‪[ })23‬النبأ‪.]23 :‬‬
‫ولوال األدلة الَق ْطِعية الدالة على أبِد َّية الجنة ودوامها لكان حكم االستثناء في الموضعين واحًد ا‪،‬‬
‫كيف وفي اآليتين من السياق ما يفرق بين االستثناءين‪ ،‬فإَّنه قال في أهل النار‪ِ{ :‬إَّن َر َّبَك َفَّعاٌل‬
‫ِلَم ا ُيِر يُد (‪ ،})107‬فعلمنا أَّنه سبحانه وتعالى يريد أن يفعل فعًال لم يخبرنا به‪ ،‬وقال في أهل‬
‫الجنة‪َ{ :‬عَطاًء َغْيَر َمْج ُذ وٍذ (‪[ })108‬هود‪ ]108 :‬فعلمنا أن هذا العطاء والنعيم غير مقطوع‬
‫عنهم أبًد ا‪ .‬فالعذاب مؤَّقت ُمعَّلق‪ ،‬والنعيم ليس بمؤقت وال معلق‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬أَّنه قد ثبت أن الجنة يدخلها من لم يعمل خيًر ا قط من الُم َعَّذ بين الذين يخرجهم‬
‫الَّله من النار‪ ،‬وأما النار فال يدخلها من لم يعمل سوًءا قط‪ ،‬وال يعذب بها إال من عصاه‪.‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬أَّنه قد ثبت أن الَّله سبحانه ينشئ للجنة خلًق ا آخر يوم‬

‫(‪)2/753‬‬

‫القيامة يسكنهم إياها‪ ،‬وال يفعل ذلك بالنار‪ ،‬وأما الحديث الذي ورد في "صحيح البخاري" (‪)1‬‬
‫في قوله‪" :‬وأما النار فينشئ الَّله لها خلًق ا آخرين" فغلط وقع من بعض الرواة (‪ ، )2‬انقلب عليه‬
‫الحديث‪ ،‬وإنما هو‬
‫__________‬
‫(‪ - 7449( )1‬فتح) كتاب التوحيد (‪ ،)25‬باب‪ :‬ما جاء في قول الَّله تعالى {ِإَّن َت الَّلِه‬
‫َر ْح َم‬
‫َقِر يٌب ِم َن اْلُم ْح ِس ِنيَن (‪ })56‬ولفظه‪ . . ." :‬وأَّنُه ينشئ للَّناِر من يشاء فيلقون فيها‪ . .‬حَّتى يضع‬
‫فيها قدمه فتمتلئ‪." . . .‬‬
‫(‪ )2‬وبيان ذلك باختصار‪:‬‬
‫أَّن الحديث يرويه يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري عن أبيه عن صالح بن كيسان عن األعرج‬
‫عن أبي هريرة كما تقدم عند البخاري‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه شعيب بن أبي حمزة وورقاء وابن عيينة وابن أبي الزناد كلهم عن أبي الزناد عن األعرج‬
‫به‪.‬‬
‫وفيه " ‪ ..‬وأَّما الَّنار فال تمتلئ‪ ،‬فيضع قدمه" لفظ شعيب وورقاء‪.‬‬
‫أخرجه مسلم (‪ ،)2846‬والنسائي في الكبرى (‪ ،)7740‬والحميدي (‪ ،)1136‬وأبو يعلى (‬
‫‪ )6290‬وغيرهم‪.‬‬
‫وقد رواُه جماعة عن أبي هريرة‪" :‬أَّن الجَّنة ينشئ الَّله لها خلًق ا‪ ،‬وأَّما النار فيضع قدمه عليها"‪.‬‬
‫‪ -‬منهم "همام بن منِّبه‪ ،‬ومحمد بن سيرين‪ ،‬وعبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة‪ ،‬وزياد مولى‬
‫بني مخزوم‪ ،‬وعمار بن أبي عمار‪ ،‬وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ‪-‬لكَّنه مختصر‪ ،-‬وعون‬
‫بن عبد الَّله بن عتبة ‪-‬إْن كان محفوًظا‪ ،-‬وعبيد الَّله بن عبد الَّله بن عتبة"‪.‬‬
‫أخرجه البخاري (‪ 4849‬و ‪ ،)4850‬ومسلم (‪ ،)2846‬وابن خزيمة في التوحيد رقم (‪- 121‬‬
‫‪ ،)137 ,132 ،131 ،123‬وأحمد (‪ ،)450 /2‬واآلجري في الشريعة (‪ )920‬وغيرهم‪= .‬‬

‫(‪)2/754‬‬

‫ما ساقه البخاري في الباب نفسه‪" :‬وأما الجنة فينشئ الَّله لها خلًق ا آخرين" وذكره البخاري‬
‫رحمه الَّله ُمَبِّيًنا أن الحديث انقلب لفظه على من رواه بخالف هذا‪ ،‬فذكر هذا وهذا (‪، )1‬‬
‫والمقصود أَّنه ال تقاس النار بالجنة في التأبيد مع هذه الفروق‪ .‬يوِّضحه‪:‬‬
‫الوجه الخامس‪ :‬أن الجنة من موجب رحمته ورضاه‪ ،‬والنار من غضبه وسخطه‪ ،‬ورحمته سبحانه‬
‫تغلب غضبه وتسبقه‪ ،‬كما في الصحيح من حديث أبي هريرة عنه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬أَّنه‬
‫قال‪" :‬لما خلق (‪ )2‬الَّله الخلق كتب في كتاب فهو عنده موضوع على العرش إَّن رحمتي تغلب‬
‫غضبي" (‪ ، )3‬وإذا كان رضاه قد سبق غضبه‪ ،‬وهو‬
‫__________‬
‫= وقد ورد عن غير واحٍد من الصحابة‪ ،‬منهم‪:‬‬
‫‪ - 1‬أنس بن مالك عند البخاري (‪ - 7384‬فتح"‪.‬‬
‫‪ - 2‬وأبو سعيد الخدري عند أحمد (‪ ،)13 /3‬وابن خزيمة (‪ )134‬وغيرهما‪.‬‬
‫‪ُ - 3‬أبي بن كعب عند الَّدارقطني في الصفات رقم (‪ )5‬وال يثبت‪.‬‬
‫وهذا يدُّل على الغلط في تلك الرواية كما قال المؤِّلف‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر في الفتح‪" :‬وقد قال جماعة من األئمة‪ :‬إَّن هذا الموضع مقلوب"‪ُ ،‬ثَّم نقل‬
‫كالم ابن القيم والبلقيني‪.‬‬
‫(‪ )1‬لم يذكر البخاري في كتاب التوحيد مع الحديث المتقدم هذا الحديث "وأَّما الجَّنة فينشئ‬
‫الَّله لها‪ ،" . . .‬وإَّنما ذكره البخاري في كتاب التفسير‪ /‬سورة "ق"‪ ،‬باب "وتقول هل من مزيد" (‬
‫‪ - 595 - 594 /8‬الفتح)‪ ،‬فأسند حديث همام وابن سيرين عن أبي هريرة‪ ،‬وأسند حديث أنس‬
‫فقط‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ" ونسخٍة على حاشية "أ" "قضى"‪ ،‬وكالهما في البخاري ومسلم‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)6969‬ومسلم (‪.)4751‬‬

‫(‪)2/755‬‬

‫يغلبه‪ ،‬كان التسوية بين ما هو من موجب رضاه‪ ،‬وما هو من موجب غضبه = ممتنًعا‪ .‬يوضحه‪:‬‬
‫الوجه السادس‪ :‬أن ما كان بالرحمة وللرحمة‪ ،‬فهو مقصود لذاته قصد الغايات‪ ،‬وما كان من‬
‫موجب الغضب والسخط‪ ،‬فهو مقصود لغيره قصد الوسائل‪ ،‬فهو مسبوق ومغلوب مراد لغيره‪،‬‬
‫وما كان بالرحمة فغالب سابق مراد لنفسه‪ .‬يوضحه‪:‬‬
‫الوجه السابع‪ :‬وهو أَّنه سبحانه قال للجنة‪" :‬أنت رحمتي أرحم بِك من أشاء" وقال للنار‪" :‬أنت‬
‫عذابي ُأعِّذ ُب بك من أشاء" (‪ ، )1‬وعذابه مفعول منفصل‪ ،‬وهو ناشٌئ عن غضبه‪ ،‬ورحمته ها هنا‪:‬‬
‫هي الجنة‪ ،‬وهي رحمة مخلوقة ناشئة عن الرحمة التي هي صفة الرحمن‪ ،‬فها ُه نا أربعة أمور‪:‬‬
‫رحمة هي وْص ُفُه سبحانه‪ ،‬وثواب منفصل هو ناشٌئ عن رحمته‪ ،‬وغضب يقوم به سبحانه‪ ،‬وعقاب‬
‫منفصل ينشأ عنه‪ .‬فإذا غلبت صفة الرحمة صفة الغضب‪ ،‬فألْن يغلب ما كان بالرحمة لما كان‬
‫بالغضب أولى وأحرى‪ ،‬فال تقاِو م الناُر التي نشأت عن الغضب الجنَة التي نشأت عن الرحمة‪.‬‬
‫يوضحه‪:‬‬
‫الوجه الثامن‪ :‬أن النار خلقت تخويًف ا للمؤمنين‪ ،‬وتطهيًر ا للخَّطائين المجرمين (‪ ، )2‬فهي ُطْه رة‬
‫من الخبث اَّلذي اكتسبته النفس في‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تقدم من حديث أبي هريرة قريًبا‪.‬‬
‫(‪ )2‬قوله "للخَّطائين المجرمين" في "ب‪ ،‬ج" ونسخٍة على حاشية "د" "للخاطئين والمجرمين"‪،‬‬
‫ووقع في "د" "للخَّطائين والمجرمين"‪.‬‬

‫(‪)2/756‬‬
‫هذا العالم‪ ،‬فإْن تطَّهر ها هنا بالتوبة النصوح‪ ،‬والحسنات الماحية‪ ،‬والمصائب المكِّف رة لم تحتج‬
‫إلى تطهير هناك‪ ،‬وقيل لها مع جملة الَّطيبين‪َ{ :‬س اَل ٌم َعَلْيُك ْم ِط ْبُتْم َفاْدُخ ُلوَه ا َخ اِلِد يَن } [الزمر‪:‬‬
‫‪ .]73‬وإْن لم تتطهر في هذه الَّدار‪ ،‬ووافقت الَّدار األخرى ِبَد َر ِنَه ا ونجاستها وخبثها ُأْد خلت الَّنار‬
‫ُطْه رة لها‪ ،‬ويكوُن مكثها في الَّنار بحسب زوال ذلك الَّدرن والخبث والنجاسة التي ال يغسلها‬
‫الماء‪ ،‬فإذا تطَّهرت الُّطهر التام ُأخرجت من الَّناِر ‪ ،‬والَّلُه سبحانه خلق عباده ُح َنفاء‪ ،‬وهي فطرة الَّله‬
‫التي فطر الَّناَس عليها‪ ،‬فلو ُخ ُّلوا وِفَطرهم لما نشؤوا إاَّل على التوحيد‪ ،‬ولكن َعَر ض ألكثر الِف َطر‬
‫ما غَّيرها‪ ،‬ولهذا كان نصيب الَّناِر أكثر من نصيب الجَّنة‪ ،‬وكان هذا التغيير مراتب ال يحصيها إاَّل‬
‫الَّله‪ ،‬فأرسل الَّله رسوله‪ ،‬وأنزل كتبه ُيذِّك ر عباده بفطرته التي فطرهم عليها‪ ،‬فعرف الموَّفقون‬
‫اَّلذين سبقت لهم من الَّلِه الحسنى ِص َّح ة ما جاءت به الرسل‪ ،‬ونزلت به الكتب بالفطرة األولى‪،‬‬
‫فتوافق عندهم شرع الَّلِه ودينه اَّلذي أرسل به رسله وفطرته التي فطرهم عليها‪ ،‬فمنعتهم الشريعة‬
‫المنزلة‪ ،‬والفطرة المكِّم لة‪ ،‬أْن تكتسب نفوسهم ُخ بًثا ونجاسة ودرًنا يعلق بها وال يفارقها‪ ،‬بل‬
‫كلما ألَّم بهم شيء من ذلك وَمَّس هم طائف من الشيطان غاروا عليه بالِّش ْر عة (‪ )1‬والفطرة‪،‬‬
‫فأزالوا موجبه وأثره‪ ،‬وكمل لهم الرب تعالى ذلك بأقضية يقضيها لهم مما يحبون أو يكرهون‪،‬‬
‫تمحص عنهم تلك اآلثار التي َش َّو شت الفطرة‪ ،‬فجاء مقتضى الرحمة‪ ،‬فصادف مكاًنا قاباًل مستعًّدا‬
‫لها ليس فيه شيء ُيدافعه‪ ،‬فقال‪ :‬ها هنا ُأِم ْر ت‪ ،‬وليس لَّله‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ج‪ ،‬هـ"‪ ،‬ونسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬بالشريعة"‪.‬‬

‫(‪)2/757‬‬

‫ِب ِب‬
‫سبحانه غرض في تعذيب عباده بغير موجب‪ ،‬كما قال تعالى‪َ{ :‬م ا َيْف َعُل الَّلُه َعَذ ا ُك ْم ِإْن َش َك ْر ُتْم‬
‫َو آَم ْنُتْم َو َك اَن الَّلُه َش اِكًر ا َعِليًم ا (‪[ })147‬النساء‪ ،]147 :‬واستمر األشقياء مع تغيير الفطرة‪،‬‬
‫ونقلها مما خلقت عليه إلى ِض ِّده‪ ،‬حتى استحكم الفساد وتم التغيير‪ ،‬فاحتاجوا إلى إزالة ذلك إلى‬
‫تغيير آخر‪ ،‬وتطهير ينقلهم إلى الصحة حيث لم تنقلهم آيات الَّله المتُلَّو ة والمخلوقة‪ ،‬وأقداره‬
‫المحبوبة والمكروهة في هذه الدار‪ ،‬فأتاح لهم آيات ُأخر وأقضيًة وعقوباٍت فوق التي كانت في‬
‫الدنيا تستخرج ذلك الخبث والنجاسة التي ال تزول بغير النار‪ ،‬فإذا زال موجب العذاب وسببه؛‬
‫زال العذاب‪ ،‬وبقي مقتضى الرحمة ال معارَض له‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬هذا حق‪ ،‬ولكن سبب التعذيب ال يزول إال إذا كان السبب عاِر ًض ا‪ :‬كمعاصي‬
‫الموِّح دين‪ ،‬أَّما إذا كان الزًم ا‪ :‬كالكفر والشرك‪ ،‬فإن أثره ال يزول كما ال يزول السبب‪ ،‬وقد‬
‫أشار سبحانه إلى هذا المعنى بعينه في مواضع من كتابه‪.‬‬
‫منها‪ :‬قوله تعالى‪َ{ :‬و َلْو ُر ُّدوا َلَعاُدوا ِلَم ا ُنُه وا َعْنُه} [األنعام‪ ]28 :‬فهذا إخباٌر بأَّن نفوسهم‬
‫وطبائعهم ال تقتضي غير الكفر والشرك‪ ،‬وأنها غير قابلة لإليمان أصاًل ‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬قوله تعالى‪َ{ :‬و َمْن َك اَن ِفي َه ِذِه َأْع َم ى َفُه َو ِفي اآْل ِخ َر ِة َأْع َم ى َو َأَض ُّل َس ِبياًل (‪})72‬‬
‫[اإلسراء‪ ]72 :‬فأخبر سبحانه أَّن ضاللهم وعماهم عن الهدى دائم ال يزول‪ ،‬حتى مع معاينة‬
‫الحقائق التي أخبرت بها الرسل‪ ،‬وإذا كان العمى والضالل ال يفارقهم‪ ،‬فإن موجبه وأثره ومقتضاه‬
‫ال‬

‫(‪)2/758‬‬

‫يفارقهم‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬قوله تعالى‪َ{ :‬و َلْو َعِلَم الَّلُه ِفيِه ْم َخ ْيًر ا َأَلْس َم َعُه ْم َو َلْو َأْس َم َعُه ْم َلَتَو َّلْو ا َو ُه ْم ُمْع ِرُضوَن (‬
‫‪[ } )23‬األنفال‪ ]23 :‬وهذا يدلك على أَّنه ليس فيهم خير يقتضي الرحمة‪ ،‬ولو كان فيهم خير‬
‫لما ضَّيع عليهم أثره‪.‬‬
‫ويدل على أَّنه (‪ )1‬ال خير فيهم هناك أيًض ا قوله‪َ" :‬أْخ ِر ُج وا من الَّنار من كان في قلبه أدنى مثقال‬
‫ذَّر ٍة من خير" (‪ ، )2‬ولو كان عند هؤالء أدنى أدنى مثقال ذرة من خير لخرجوا بها مع‬
‫الخارجين‪.‬‬
‫قيل‪ :‬لعمر الَّله إَّن هذا لمن أقوى ما يتمسك به في المسألة‪ ،‬وإن األمر لكما قلتم‪ ،‬وإن العذاب‬
‫يدوم بدوام موجبه وسببه‪ ،‬وال ريب أنهم في اآلخرة في عمى وضالل كما كانوا في الدنيا‪،‬‬
‫وبواطنهم خبيثة كما كانت في الدنيا‪ ،‬والعذاب مستمٌّر عليهم دائم ما داموا كذلك‪ ،‬ولكن هل‬
‫هذا الكفر والتكذيب والخبث أمر ذاتي لهم زواله مستحيل‪ ،‬أم هو أمٌر عارض طارٌئ على الفطرة‬
‫قابل للزوال؟ هذا حرف المسألة‪ ،‬وليس بأيديكم ما يدّل على استحالة زواله وأَّنه أمر ذاتي‪ ،‬وقد‬
‫أخبر الَّله سبحانه أَّنه فطر عباده على الحنيفية‪ ،‬وأَّن الشياطين اجتالتهم عنها‪ ،‬فلم يفطرهم سبحانه‬
‫على الكفر والتكذيب كما َفَطر الحيوان البهيم على طبيعته‪ ،‬وإنما فطرهم على اإلقرار بخالقهم‬
‫ومحبته وتوحيده‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ" ونسخة على حاشية "أ"‪" :‬أَّنهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬البخاري رقم (‪ ،)6192‬ومسلم (‪ )184‬من حديث أبي سعيد مطَّو اًل ‪.‬‬

‫(‪)2/759‬‬

‫فإذا كان هذا الحق (‪ )1‬الذي قد ُفِط روا عليه‪ ،‬وخلقوا عليه‪ ،‬قد أمكن زواله بالكفر والشرك‬
‫الباطل‪ ،‬فإمكان زوال الكفر والشرك الباطل بضده من الحق أولى وأحرى‪ ،‬ال ريب أنهم لو ُر ُّدوا‬
‫على تلك الحال التي هم عليها لعادوا ِلَم ا ُنُه وا عنه‪ ،‬ولكن ِم ْن أين لكم أن تلك الحال ال تزول‪،‬‬
‫وال تتبَّدل بنشأٍة أخرى ينشئهم فيها تبارك وتعالى إذا أخذت الَّنار مأخَذ َه ا منهم‪ ،‬وَحَص لِت‬
‫الحكمة المطلوبة من عذابهم؟ فإَّن العذاب لم يكن ُس ًد ى‪ ،‬وإَّنما كان لحكمٍة مطلوبٍة‪ ،‬فإذا‬
‫حصلت تلك الحكمة لم يبق في التعذيب أمٌر ُيْطَلب‪ ،‬وال غرٌض ُيقَص د‪ ،‬والَّله سبحانه ليس َيْش تفي‬
‫بعذاب عباده كما يشتفي المظلوم من ظالمه‪ ،‬وهو ال ُيعِّذ ب عبده لهذا الغرض‪ ،‬وإَّنما يعذبه طهرًة‬
‫له ورحمًة به‪ ،‬فعذابه مصلحٌة له‪ ،‬وإْن تأَّلَم به غاية األلِم ‪ ،‬كما أَّن عذابه بالحدود في الدنيا مصلحة‬
‫ألربابها‪.‬‬
‫وقد سَّم ى الَّله سبحانه الحَّد عذاًبا (‪ ، )2‬وقد اقتضت حكمته سبحانه أن جعل لكل داٍء دواء‬
‫يناسبه‪ ،‬ودواء الداء العضال يكون من أشق األدوية‪ ،‬والطبيب الشفيق يكوي المريض بالنار كًّيا‬
‫بعد كٍّي لُيْخ ِرج منه المادة الرديئة الطارئة على الطبيعة المستقيمة‪ ،‬وإن رأى قطع العضو أصلح‬
‫للعليل َقَطَع ه‪ ،‬وأذاقه أشد األلم‪ .‬فهذا قضاء الرب وقدره في إزالة مادة غريبة َطَر ْت على الطبيعة‬
‫المستقيمة بغير اختيار العبد‪ ،‬فكيف إذا طرأ على الفطرة السليمة مواد فاسدة باختيار العبد‬
‫وإرادته؟‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "أ"‪" :‬للحق"‪.‬‬
‫(‪ )2‬فقال‪َ{ :‬و ْلَيْش َه ْد َعَذ اَبُه َم ا َطاِئَفٌة ِم َن اْلُم ْؤ ِم ِنيَن (‪[ })2‬النور‪.]2 :‬‬

‫(‪)2/760‬‬
‫وإذا تأمل اللبيب شرع الرب تبارك وتعالى‪ ،‬وقدره في الدنيا‪ ،‬وثوابه وعقابه في اآلخرة = َو َج َد‬
‫ذلك في غاية التناسب والتوافق‪ ،‬وارتباط ذلك بعضه ببعض‪ ،‬فإن مصدر الجميع عن علٍم تاٍّم‪،‬‬
‫وحكمة بالغة‪ ،‬ورحمة سابغة‪ ،‬وهو سبحانه الملك الحق المبين‪ ،‬وملكه ملك رحمة وإحسان‬
‫وعدل‪.‬‬
‫الوجه التاسع‪ :‬أن عقوبته للعبد ليست لحاجٍة إلى عقوبته‪ ،‬وال لمنفعة تعود إليه‪ ،‬وال لدفع مضرة‬
‫وألم يزول عنه بالعقوبة‪ .‬بل يتعالى عن ذلك ويتنزه كما يتعالى عن سائر العيوب والنقائص‪ ،‬وال‬
‫هي عبث َمْح ض خال عن الحكمة والغاية الحميدة‪ ،‬فإَّنه أيًض ا يتنزه عن ذلك ويتعالى عنه‪ ،‬فإما أن‬
‫يكون من تمام نعيم أوليائه وأحبائه‪ ،‬وإما أن يكون من مصلحة األشقياء ومداواتهم‪ ،‬أو لهذا‬
‫ولهذا‪.‬‬
‫وعلى التقادير الثالث‪ :‬فالتعذيب أمر مقصود لغيره قصد الوسائل‪ ،‬ال قصد الغايات‪ ،‬والمراد من‬
‫الوسيلة إذا حصلت على الوجه المطلوب زال حكمها‪ ،‬ونعيم أوليائه ليس متوِّقًف ا في أصله وال‬
‫في كماله على استمرار عذاب أعدائه ودوامه‪ ،‬ومصلحة األشقياء ليست في الدوام واالستمرار‪،‬‬
‫وإن كان في أصل التعذيب مصلحة لهم‪.‬‬
‫الوجه العاشر‪ :‬أن رضا الرب تبارك وتعالى ورحمته صفتان ذاِتَّيَتان له‪ ،‬فال منتهى لرضاه كما قال‬
‫أعلم الخلق به‪" :‬سبحان الَّله وبحمده‪ ،‬عدد خْلقه‪ ،‬ورضا نفسه‪ ،‬وِز َنة عرشه‪ ،‬ومداد كلماته" (‬
‫‪. )1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم رقم (‪.)2726‬‬

‫(‪)2/761‬‬

‫وإذا كانت رحمته غلبت غضبه‪ ،‬فإن رضا نفسه أعلى وأعظم‪ ،‬فإن رضوانه أكثر من الجنات‬
‫ونعيمها وكل ما فيها‪ ،‬وقد أخبر أهل الجنة‪ :‬أَّنه ُيِح ُّل عليهم رضوانه‪ ،‬فال يسخط عليهم أبًد ا‪.‬‬
‫وأما غضبه تبارك وتعالى وسخطه فليس من صفاته الذاتية التي يستحيل انفكاكه عنها بحيث لم‬
‫يزل وال يزال غضبان‪ ،‬والناس لهم في صفة الغضب قوالن‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أَّنه من صفاته الِف ْع ِلَّية القائمة به كسائر أفعاله‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أَّنه ِص َف ة فعل منفصل عنه غير قائم به‪.‬‬
‫وعلى القولين‪ ،‬فليس كالحياة والعلم والقدرة التي تستحيل مفارقتها له‪ ،‬والعذاب إنما نشأ من‬
‫صفة غضبه‪ ،‬وما ُس ِّع رت النار إال بغضبه‪ ،‬وقد جاء في أثر مرفوع‪" :‬إن الَّله خلق خلًق ا من غضبه‪،‬‬
‫وأسكنهم بالمشرق ينتقم بهم ممن عصاه" (‪. )1‬‬
‫فمخلوقاته سبحانه نوعان‪ :‬نوع مخلوق من الرحمة وبالرحمة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬لم أقف عليه بهذا اللفظ‪.‬‬
‫واألثُر ذكره السخاوي في المقاصد الحسنة ص (‪ )287‬نقاًل عن ابن القيم‪ ،‬ولم يعزه ألحد‪ ،‬وعن‬
‫السخاوي نقله العجلوني في كشف الخفاء (‪.)65 /2‬‬
‫وقد وردت آثاٌر في معناه‪.‬‬
‫انظر‪ :‬المقاصد الحسنة ص (‪ ،)286‬وكشف الخفا للعجلوني (‪.)65 - 64 /2‬‬

‫(‪)2/762‬‬

‫ونوع مخلوق من الغضب وبالغضب‪.‬‬


‫فإَّنه سبحانه له الكمال المطلق من جميع الوجوه الذي يتنزه عن تقدير خالفه‪ ،‬ومنه أَّنه يرضى‬
‫ويغضب‪ ،‬ويثيب ويعاقب‪ ،‬ويعطي ويمنع‪ ،‬ويعز ويذل‪ ،‬وينتقم ويعفو‪ ،‬بل هذا موجب ملكه الحق‪،‬‬
‫وهو حقيقة الملك المقرون بالحكمة والرحمة والحمد‪ ،‬فإذا زال غضبه سبحانه‪ ،‬وَتَبَّد َل برضاه؛‬
‫زالت عقوبته‪ ،‬وتبدلت برحمته وانقلبت العقوبة رحمة‪ ،‬بل لم تزل رحمة وإن تنوعت صفتها‬
‫وصورتها‪ ،‬كما كان عقوبة العصاة رحمة‪ ،‬وإخراجهم من النار رحمة‪ ،‬فتقلبوا في رحمته في‬
‫الدنيا‪ ،‬وتقلبوا فيها في اآلخرة‪ ،‬لكن تلك رحمة يحبونها وتوافق طبائعهم‪ ،‬وهذه رحمة يكرهونها‬
‫وتشق عليهم؛ كرحمة الطبيب الذي يبضع لحم المريض‪ ،‬ويلقي عليه المكاوي ليستخرج منه‬
‫المواد الرديئة (‪ )1‬الفاسدة‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬هذا اعتبار غير صحيح‪ ،‬فإن الطبيب يفعل ذلك بالعليل‪ ،‬وهو يحبه وهو راض عنه‪ ،‬ولم‬
‫ينشأ فعله به عن غضبه عليه‪ ،‬ولهذا ال يسمى عقوبة‪ ،‬وأما عذاب هؤالء فإَّنه إنما حصل بغضبه‬
‫سبحانه عليهم‪ ،‬وهو عقوبة محضة‪.‬‬
‫قيل‪ :‬هذا حق‪ ،‬ولكن ال ينافي كونه رحمة بهم‪ ،‬وإن كان عقوبة لهم‪ ،‬وهذا كإقامة الحدود عليهم‬
‫في الدنيا‪ ،‬فإَّنه عقوبة ورحمة وتخفيف وُطْه رة‪ ،‬فالحدود طهرة ألهلها وعقوبة‪ ،‬وهم لما أغضبوا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في نسخٍة على حاشية "أ" "المؤذية"‪ ،‬وفي "هـ"‪" :‬الرِد َّية"‪.‬‬

‫(‪)2/763‬‬

‫الرب تعالى وقابلوه بما ال يليق أن يقابل به‪ ،‬وعاملوه أقبح معاملة‪ ،‬وكذبوه وكذبوا رسله‪،‬‬
‫وجعلوا أقل خلقه وأخبثهم وأمقتهم له ِنًّدا له‪ ،‬وآلهة (‪ )1‬معه‪ ،‬آثروا رضاهم على رضاه‪،‬‬
‫وطاعتهم على طاعته‪ ،‬وهو ولُّي اإلنعام عليهم‪ ،‬وهو خالقهم ورازقهم وموالهم الحق اشتد مْق ُتُه‬
‫لهم‪ ،‬وغضبه عليهم‪ ،‬وذلك يوجب كمال أسمائه وصفاته التي يستحيل عليه تقدير خالفها‪،‬‬
‫ويستحيل تخلف آثارها ومقتضاها عنها‪ ،‬بل ذلك تعطيل ألحكامها‪ ،‬كما أن نفيها عنه تعطيل‬
‫لحقائقها‪ ،‬وكال التعطيلين محال عليه سبحانه‪.‬‬
‫فالمعِّطلون نوعان‪ :‬أحدهما‪ :‬عَّطل صفاته‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬عَّطل أحكامها وموجباتها‪.‬‬
‫وكان هذا العذاب عقوبة لهم من هذا الوجه‪ ،‬ودواء لهم من جهة الرحمة السابقة للغضب‪،‬‬
‫فاجتمع فيه األمران‪ ،‬فإذا زال الغضب بزوال سببه‪ ،‬وزالت المادة الفاسدة بتغير الطبيعة المقتضية‬
‫لها في الجحيم بمرور األحقاب عليها‪ ،‬وحصلت الحكمة التي أوجبت العقوبة = عملت الرحمة‬
‫عملها‪ ،‬وطلبت أثرها من غير معارض‪ .‬يوضحه‪:‬‬
‫الوجه الحادي عشر‪ :‬وهو أن العفو أحب إليه سبحانه من االنتقام‪ ،‬والرحمة أحب إليه من العقوبة‪،‬‬
‫والرضا أحب إليه من الغضب‪ ،‬والفضل أحب إليه من العذل‪ ،‬ولهذا ظهرت آثار هذه المحبة في‬
‫شرعه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ج"‪" :‬وألهمه" وهو خطأ‪.‬‬

‫(‪)2/764‬‬

‫وقدره‪ ،‬وتظهر كل الظهور لعباده في ثوابه وعقابه‪ ،‬وإذا كان ذلك أحب األمرين إليه‪ ،‬وله َخ َلَق‬
‫الَخ ْلق‪ ،‬وأنزل الكتب وشرع الشرائع‪ ،‬وقدرته سبحانه صالحة لكل شيء‪ ،‬ال قصور فيها بوجٍه ما‪،‬‬
‫وتلك المواد الرديئة الفاسدة مرض من األمراض‪ ،‬وبيده سبحانه الشفاء التام‪ ،‬واألدوية الموافقة‬
‫لكل داء‪ ،‬وله القدرة التامة‪ ،‬والرحمة الَّس اِبغة (‪ )1‬والغنى المطلق‪ ،‬وبالعبد أعظم حاجة إلى من‬
‫يداوي علته التي بلغت به غاية الضرر والمشقة‪ ،‬وقد عرف العبد أَّنه عليل‪ ،‬وأن دوائه بيد الغني‬
‫الحميد‪ ،‬فتضرع إليه ودخل به عليه‪ ،‬واستكان له وانكسر قلبه بين يديه‪ ،‬وذل لعزته‪ ،‬وعرف أن‬
‫الحمد كله له (‪ ، )2‬وأن الحق كله له‪ ،‬وأنه هو الظلوم الجهول‪ ،‬وأَّن ربه تبارك وتعالى عامله‬
‫ببعض عدله ال بكِّل عدله‪ ،‬وأَّن له غاية الحمد فيما َفَعَل به‪ ،‬وأَّن حْم ده هو الذي أقامه في هذا‬
‫المقام‪ ،‬وأوصله إليه‪ ،‬وأنه ال خير عنده من نفسه بوجٍه من الوجوه‪ ،‬بل ذلك محض فضل الَّله‬
‫وصدقته عليه‪ ،‬وأنه ال نجاة له مما هو فيه إال بمجرد العفو والتجاوز عن حقه‪ ،‬فنفسه أولى بكل‬
‫ذم وعيب ونقص‪ ،‬وربه تعالى أولى بكل حمد وكمال ومدح‪.‬‬
‫فلو أن أهل الجحيم شهدوا نعمته سبحانه ورحمته وكماله وحمده الذي أوجب لهم ذلك‪ ،‬فطلبوا‬
‫مرضاته؛ ولو بدوامهم في تلك الحال‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن كان ما نحن فيه رضاك فرضاك الذي نريد‪ ،‬وما‬
‫أوصلنا إلى هذه الحال إال طلب ما ال يرضيك‪ ،‬فأما إذا أرضاك هذا منا فرضاك غاية‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "أ"‪" :‬السابقة"‪ ،‬وفي "د"‪" :‬الشاملة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "د"‪" :‬لَّله"‪.‬‬

‫(‪)2/765‬‬

‫ما نقصده‪.‬‬
‫* وما لجرح (‪ )1‬إذا أرضاك من ألم (‪* )2‬‬
‫وأنت أرحم بنا من أنفسنا‪ ،‬وأعلم بمصالحنا‪ ،‬ولك الحمد كله‪ ،‬عاقبت أو عفوت = النقلبت النار‬
‫عليهم برًدا وسالًما‪.‬‬
‫وقد روى اإلمام أحمد في "مسنده" (‪ )3‬من حديث األسود بن َس ِر يع (‪- )4‬رضي الَّله عنه‪ -‬أَّن‬
‫الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬أربعة يوم القيامة‪ :‬رجل أصم ال يسمع شيًئا‪ ،‬ورجل أحمق‪،‬‬
‫ورجل هرم‪ ،‬ورجل مات في فترة‪ ،‬فأما األصُّم فيقول‪ :‬رب لقد جاء اِإل سالم وما أسمع شيًئا‪ ،‬وأما‬
‫األحمق فيقول‪ :‬رب لقد جاء اِإل سالم والصبيان يحذفوني بالبعر‪ ،‬وأما الهرم فيقول‪ :‬ربي لقد جاء‬
‫اِإل سالم وما أعقل شيًئا‪ ،‬وأما الذي مات في الفترة فيقول‪ :‬رب ما أتاني لك من رسول‪ .‬فيأخذ‬
‫مواثيقهم لُيِط ْيُعَّنُه فيرسل إليهم‪ :‬أِن ادخلوا النار‪ ،‬قال‪ :‬فوالذي نفس محَّم د بيده لو‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "أ‪ ،‬ج"‪" :‬تخرج"‪.‬‬
‫(‪ )2‬هذا شطر بيت ألسامة بن منقذ كما في خريدة القصر لألصفهاني ص (‪ .)2390‬أوله‪:‬‬
‫ِض‬
‫وما سخطُت بعادي إذ ر يَت به ‪ ...‬وما لجرٍح إذا أرضاُك ُم ألُم‬
‫وُنسَب البن النحاس‪ ،‬وأوله‪:‬‬
‫إن كان يرضيك تطويح النوائب بي‬
‫انظر‪ :‬البديع في نقد الشعر البن منقذ ص (‪.)472‬‬
‫(‪.)24 /4( )3‬‬
‫(‪ )4‬في "د"‪" :‬زريع" وهو خطأ‪.‬‬

‫(‪)2/766‬‬

‫دخلوها لكانت عليهم برًدا وسالًما" (‪. )1‬‬


‫وفي "المسند" أيًض ا‪ :‬من حديث قتادة‪ ،‬عن الحسن‪ ،‬عن أبي رافع‪ ،‬عن أبي هريرة مثله وقال‪:‬‬
‫"فمن دخلها كانت عليه برًدا وسالًم ا‪ ،‬ومن لم يدخلها يسحُب إليها"‪.‬‬
‫فهؤالء لَّم ا َر ُض وا بتعذيبهم‪ ،‬وبادروا إليه َلَّم ا علموا أَّن فيه رضى‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬وأخرجه إسحاق في مسنده رقم (‪ ،)41‬والطبراني في الكبير (‪ )287 /1‬رقم (‪ ،)841‬وابن‬
‫حَّبان في صحيحه رقم (‪ ،)7357‬والبيهقي في االعتقاد ص (‪ )202‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق علي بن المديني وإسحاق بن راهويه عن معاذ بن هشام الدستوائي عن أبيه عن قتادة عن‬
‫األحنف بن قيس عن األسود بن سريع فذكره‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه محَّم د بن المثنى عن معاذ عن أبيه عن قتادة عن الحسن عن األسود بن سريع فذكره‪.‬‬
‫أخرجه البزار (‪ )2174‬كما في كشف األستار‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه علي بن المديني ومحمد بن المثنى عن معاذ عن أبيه عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع‬
‫عن أبي هريرة فذكره‪.‬‬
‫أخرجه أحمد (‪ ،)24 /4‬وإسحاق في مسنده (‪ ،)42‬والبيهقي في القضاء والقدر (‪)645‬‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي رافع عن أبي هريرة فذكره‪.‬‬
‫أخرجه أسد في الزهد (‪ ،)97‬وابن أبي عاصم في السنة رقم (‪.)404‬‬
‫ولعَّل حديث أبي هريرة أصح الطرق‪ ،‬وقد صحح إسناده البيهقي‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة موقوًفا‪.‬‬
‫أخرجه الطبري (‪.)54 /15‬‬

‫(‪)2/767‬‬

‫ربهم وموافقة أمره ومحبته؛ انقلب في حِّق هم نعيًم ا‪.‬‬


‫ومثل هذا‪ :‬ما رواُه عبد الَّله بن المبارك‪ :‬حدثني رشدين‪ ،‬قال‪ :‬حَّدثني ابن أْنُعٍم عن أبي عثمان أَّنه‬
‫حَّدثه عن أبي هريرة رضي الَّلُه عنه عن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إَّن رجلين مَّم ن‬
‫دخال الَّنار يشتُّد صياُح هما‪ ،‬فقال الرُّب جَّل جالله‪ :‬أخرجوهما فأخرجا‪ ،‬فقال لهما‪ :‬ألي شيء‬
‫اشتد صياحكما؟ قاال‪ :‬فعلنا ذلك لترحمنا‪ ،‬قال‪ :‬رحمتي لكما أْن تنطلقا فتلقيا أنفسكما حيث‬
‫كنتما من الَّنار‪ ،‬قال فينطلقان‪ ،‬فيلقي أحدهما نفسه فيجعلها الَّله سبحانه عليه برًدا وسالًم ا‪ ،‬ويقوم‬
‫اآلخر فال يلقي‪ ،‬فيقول له الرب‪ :‬ما منعك أْن تلقي نفسك كما ألقى صاحبك؟ فيقول‪ :‬رِّب‬
‫أرجوك أْن ال تعيدني فيها بعدما أخرجتني منها‪ ،‬فيقول الرُّب تعالى‪ :‬لك رجاؤك‪ ،‬فيدخالن جميًعا‬
‫الجَّنة برحمة الَّله" (‪. )1‬‬
‫وذكر األوزاعي عن بالل بن سعد قال‪" :‬يؤمر بإخراج رجلين من الَّناِر ‪ ،‬فإذا خرجا ووقفا‪ ،‬قال‬
‫الَّلُه لهما‪ :‬كيف وجدتما مقيلكما وسوَء مصيركما؟ فيقوالن‪ :‬شُّر مقيل‪ ،‬وأسوأ مصير صار إليه‬
‫العباُد‪ ،‬فيقول لهما‪ :‬ذلك بما قدمت أيديكما وما أنا بظاَّل ٍم للعبيد‪ ،‬قال‪ :‬فيؤمر‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن المبارك في الزهد ‪-‬رواية نعيم‪ -‬رقم (‪ ،)410‬والترمذي (‪.)2599‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬إسناد هذا الحديث ضعيف؛ ألَّنه عن رشدين بن سعد ‪-‬ورشدين بن سعد هو‬
‫ضعيف عند أهل الحديث‪ -‬عن ابن أنعم‪ :‬وهو األفريقي‪ ،‬واألفريقي ضعيف عند أهل الحديث"‪.‬‬

‫(‪)2/768‬‬
‫بصرفهما إلى النار‪ ،‬فأما أحدهما فيغدو في أغالله وسالسله حتى يقتحمها‪ .‬وأما اآلخر فيتلكأ‬
‫فيأمر بردهما‪ ،‬فيقول للذي غدا في أغالله وسالسله حتى اقتحمها‪ :‬ما حملك على ما صنعت وقد‬
‫جربتها؟ فيقول‪ :‬إني خبرت (‪ )1‬من وبال معصيتك ما لم أكن أتعرض لسخطك ثانًيا‪ ،‬ويقول‬
‫للذي تلكأ‪ :‬ما حملك على ما صنعت؟ فيقول‪ :‬حسن ظني بك حين أخرجتني منها أن ال تردني‬
‫إليها‪ ،‬فيرحمهما جميًعا‪ ،‬ويأمر بهما إلى الجنة" (‪. )2‬‬
‫الوجه الثاني عشر‪ :‬أن النعيم والثواب من مقتضى رحمته ومغفرته وبره وكرمه‪ ،‬ولذلك يضيف‬
‫ِق‬
‫ذلك إلى نفسه‪ ،‬وأما العذاب والعقوبة‪ ،‬فإنما هو من مخلوقاته‪ ،‬ولذلك ال ُيسَّم ى (‪ )3‬بالُم عا ُب‬
‫والمعِّذ ب‪ ،‬بل يفرق بينهما‪ ،‬فيجعل ذلك من أوصافه وهذا من مفعوالته حتى في اآلية الواحدة‪،‬‬
‫كقوله تعالى‪َ{ :‬نِّبْئ ِع َباِد ي َأِّني َأَنا اْلَغُفوُر الَّر ِح يُم (‪َ )49‬و َأَّن َعَذ اِبي ُه َو اْلَعَذ اُب اَأْلِليُم (‪} )50‬‬
‫[الحجر‪ .]50 - 49 :‬وقال تعالى‪{ :‬اْع َلُم وا َأَّن الَّلَه َش ِد يُد اْلِعَق اِب َو َأَّن الَّلَه َغُفوٌر َر ِح يٌم (‪} )98‬‬
‫[المائدة‪ ]98 :‬وقال تعالى‪ِ{ :‬إَّن َر َّبَك َلَس ِر يُع اْلِعَق اِب َو ِإَّنُه َلَغُف وٌر َر ِح يٌم (‪[ } )167‬األعراف‪:‬‬
‫‪ ،]167‬ومثلها في آخر األنعام (‪ ، )4‬فما كان من مقتضى أسمائه وصفاته‪ ،‬فإَّنه يدوم بدوامها [‬
‫‪ /225‬ب]‪ ،‬وال سيما إذا كان محبوًبا له‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "أ"‪" :‬خِّيرت"‪ ،‬وفي "د"‪" :‬جبرت"‪ ،‬وفي الحلية "قد ذقت"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو نعيم في الحلية (‪ ،)266 /5‬وسنده ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ب‪ ،‬هـ"‪" :‬يتسَّم ى"‪.‬‬
‫(‪( )4‬آية‪.)128 :‬‬

‫(‪)2/769‬‬

‫وهو غاية مطلوبة في نفسها‪ ،‬وأما الشر الذي هو العذاب‪ ،‬فال يدخل في أسمائه وصفاته‪ ،‬وإن‬
‫دخل في مفعوالته لحكمة إذا حصلت زال وفني‪ ،‬بخالف الخير‪ ،‬فإَّنه سبحانه دائم المعروف‪ ،‬ال‬
‫ينقطع معروفه أبًد ا‪ ،‬وهو قديم اإلحسان أبدُّي اإلحسان‪ ،‬فلم يزل وال يزال محسًنا على الدوام‪،‬‬
‫وليس من موجب أسمائه وصفاته أَّنه ال يزال معاقًبا على الدوام‪ ،‬غضبان على الدوام‪ ،‬منتقًم ا على‬
‫الدوام‪.‬‬
‫فتأمل هذا الوجه تأُّمَل فقيٍه في باب أسماء الَّله وصفاته = يفتح لك باًبا من أبواب معرفته ومحبته‪.‬‬
‫يوضحه‪:‬‬
‫الثالث عشر‪ :‬وهو قول أعلم خلقه به‪ ،‬وأعرفهم بأسمائه وصفاته‪" :‬والشر ليس إليك" (‪ ، )1‬ولم‬
‫يقف على المعنى المقصود َمْن قال‪ :‬الشر ال يتقرب به إليك (‪ . )2‬بل الشر ال يضاف إليه‬
‫سبحانه بوجٍه ‪ ،‬ال في ذاته وال في صفاته وال في أفعاله وال في أسمائه‪ ،‬فإن ذاته لها الكمال‬
‫المطلق من جميع الوجوه‪ ،‬وصفاته كلها صفات كمال ُيْح َم د عليها وُيْثَنى عليه بها‪ ،‬وأفعاله كلها‬
‫خير ورحمة وعدل وحكمه‪ ،‬ال َش َّر فيها بوجه ما‪ ،‬وأسماؤه كلها حسنى‪ ،‬فكيف يضاف الشر‬
‫إليه؟ بل الشر في مفعوالته ومخلوقاته‪ ،‬وهو منفصل عنه‪ ،‬إذ ِفْع له غير مفعوله‪ ،‬ففعله خير كله‪،‬‬
‫وأما المخلوق المفعول‪ ،‬ففيه الخير والشر‪.‬‬
‫وإذا كان الشر مخلوًقا منفصاًل غير قائم بالرب سبحانه‪ ،‬فهو ال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم رقم (‪.)771‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البيهقي في القضاء والقدر رقم (‪ )400‬بسنٍد صحيح عن النضر بن ُش َم ْيل‪.‬‬

‫(‪)2/770‬‬

‫يضاف إليه‪ ،‬وهو ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬لم يقل‪ :‬أنت ال تخلق الشر‪ ،‬حتى يطلب تأويل قوله‪،‬‬
‫وإنما نفى إضافته إليه وْص ًف ا وفْع اًل واسًم ا‪.‬‬
‫وإذا ُعِر ف هذا؛ فالشر ليس إال الذنوب وموجباتها‪ ،‬وأما الخير فهو اإليمان والطاعات وموجباته‪،‬‬
‫واإليمان والطاعات متعلقة به سبحانه‪ ،‬وألجلها خلق خْلَق ه وأرسل رسَله وأنزل كتبه‪ ،‬وهي ثناء‬
‫على الرب (‪ )1‬وإجالله وتعظيمه وعبوديته‪ ،‬وهذه لها آثار يطلبها ويقتضيها‪ ،‬فتدوم آثارها بدوام‬
‫متعلقها‪.‬‬
‫وأما الشرور فليست مقصودة لذاتها‪ ،‬وال هي الغاية التي خلق لها الخلق‪ ،‬فهي مفعوالت ُقِّدرت‬
‫ألمٍر محبوب‪ ،‬وُج ِعلت وسيلة إليه‪ ،‬فإذا حصل ما ُقِّدرت له اضمحلت وتالشت‪ ،‬وعاد األمر إلى‬
‫الخير المحض‪.‬‬
‫الوجه الرابع عشر‪ :‬أَّنه سبحانه قد أخبر أن رحمته وسعت كل شيء (‪ . )2‬فليس شيء من األشياء‬
‫إال وفيه رحمته‪ ،‬وال ينافي هذا أن يرحم العبد بما يشق عليه ويؤلمه‪ ،‬وتشتد كراهته له‪ ،‬فإن ذلك‬
‫من رحمته أيًض ا كما تقدم‪.‬‬
‫وقد ذكرنا حديث أبي هريرة آنًف ا (‪ )3‬وقوله تعالى لذينك الرجلين‪" :‬رحمتي لكما أن تنطلقا‬
‫فتلقيا أنفسكما حيث كنتما في النار"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬وقع في "د"‪" :‬على الرب وتحيته"‪.‬‬
‫(‪ )2‬كما قال تعالى‪َ{ :‬و َر ْح َم ِتي َو ِس َعْت ُك َّل َش ْي ٍء } [األعراف‪.]156 :‬‬
‫(‪ )3‬ص (‪ )768‬وهو ال يصح‪.‬‬

‫(‪)2/771‬‬

‫وقد جاء في بعض اآلثار‪" :‬أن العبد إذا دعا لمبتلًى قد اشتد بالؤه‪ ،‬وقال‪ :‬اللهم ارحمه‪ ،‬يقول‬
‫الرب تبارك وتعالى‪ :‬كيف أرحمه من شيء به أرحمه" (‪. )1‬‬
‫فاالبتالء رحمة منه لعباده‪.‬‬
‫وفي أثر إلهي يقول الَّله عز وجل‪" :‬أهل ذكري أهل مجالستي‪ ،‬وأهل طاعتي أهل كرامتي‪ ،‬وأهل‬
‫شكري أهل زيادتي‪ ،‬وأهل معصيتي ال أقنطهم من رحمتي‪ ،‬إن تابوا فأنا حبيبهم‪ ،‬وإن لم يتوبوا فأنا‬
‫طبيبهم‪ ،‬أبتليهم بالمصائب ألطهرهم من المعايب" (‪. )2‬‬
‫فالبالء والعقوبة أدوية قدرت إلزالة أدواء ال تزول إال بها‪ ،‬والنار هي الدواء األكبر‪ ،‬فمن تداوى‬
‫في الدنيا أغناه ذلك عن الدواء في اآلخرة‪ ،‬وإاَّل فال بد له من الدواء بحسب دائه‪ ،‬ومن عرف‬
‫الرب تبارك وتعالى بصفات جالله ونعوت كماله‪ ،‬من حكمته ورحمته وبره وإحسانه وغناه‬
‫وجوده ومحبته إلى عباده‪ ،‬وإرادة اإلنعام‪ ،‬وسبق رحمته لهم = لم يبادر إلى إنكار ذلك إن لم‬
‫يبادر إلى قبوله (‪ . )3‬يوضحه‪:‬‬
‫الوجه الخامس عشر‪ :‬أن أفعاله سبحانه ال تخرج عن الحكمة والرحمة والمصلحة والعدل‪ ،‬فال‬
‫يفعل عبًثا وال جوًر ا وال باطاًل ‪ ،‬بل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬لم أقف عليه‪.‬‬
‫(‪ )2‬لم أقف عليه‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ج"‪" :‬قوله"‪.‬‬
‫(‪)2/772‬‬

‫هو الُمَنَّز ه عن ذلك كما تنزه عن سائر العيوب والنقائص‪.‬‬


‫وإذا ثبت ذلك‪ ،‬فتعذيبهم إن كان رحمة بهم حتى يزول ذلك الخبث‪ ،‬وتكمل الطهارة = فظاهر‪،‬‬
‫وإن كان لحكمة؛ فإذا حصلت تلك الحكمة المطلوبة زال العذاب‪ ،‬وليس في الحكمة دوام‬
‫العذاب َأَبَد اآلباد بحيث يكون دائًم ا بدوام الرب تبارك وتعالى‪ ،‬وإن كان لمصلحة فإن كان‬
‫يرجع إليهم‪ ،‬فليست مصلحتهم في بقائهم في العذاب كذلك‪ ،‬وإن كانت المصلحة تعود إلى‬
‫أوليائه؛ فإن ذلك أكمل في نعيمهم‪ ،‬فهذا ال يقتضي تأبيد العذاب‪ ،‬وليس نعيم أوليائه وكماله‬
‫موقوًفا على بقاء آبائهم وأبنائهم وأزواجهم في العذاب الَّس ْر َمد‪.‬‬
‫فإن قلتم‪ :‬إن ذلك هو موجب الرحمة والحكمة (‪ )1‬والخلد (‪ )2‬والمصلحة‪ .‬قلتم‪ :‬ما ال ُيْع َق ل (‬
‫‪ . )3‬وإن قلتم‪ :‬إن ذلك عائد إلى محض المشيئة وال يطلب له حكمة وال غاية‪ ،‬فجوابه من‬
‫وجهين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن ذلك محال على أحكم الحاكمين‪ ،‬وأعلم العالمين‪ ،‬أن تكون أفعاله معطلة عن‬
‫الِح َك ِم (‪ ، )4‬والمصالح‪ ،‬والغايات المحمودة‪ ،‬والقرآن والسنة وأدلة المعقول (‪ )5‬والفطر‬
‫واآليات المشهودة منه (‪)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من "ب‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪.‬‬
‫(‪ )2‬من "أ‪ ،‬ج"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في نسخٍة على حاشية "د"‪ُ" :‬يفَعل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في "د"‪" :‬الحكمة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في "د‪ ،‬هـ"‪" :‬العقول"‪.‬‬
‫(‪ )6‬من "أ"‪.‬‬

‫(‪)2/773‬‬
‫شاهد ببطالن ذلك‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أَّنه لو كان األمر كذلك لكان إبقاؤهم في العذاب‪ ،‬وانقطاعه عنهم بالنسبة إلى مشيئته‬
‫سواء‪ ،‬ولم يكن في انقضائه ما ينافي كماله‪ ،‬وهو سبحانه لم يخبر بأبدية العذاب‪ ،‬وأنه ال نهاية له‪.‬‬
‫وغاية األمر على هذا التقدير‪ :‬أن يكون من الجائزات الُمْم ِكَنات الموقوف حكمها على خبر‬
‫الصادق‪.‬‬
‫فإن سلكت طريق التعليل بالحكمة والرحمة والمصلحة لم يقتض الدوام‪ ،‬وإن سلكت طريق‬
‫المشيئة المحضة التي ال تعلل لم تقتضه أيًض ا‪ ،‬وإن وقف األمر على مجرد السمع فليس فيه ما‬
‫يقتضيه‪.‬‬
‫الوجه السادس عشر‪ :‬أن رحمته سبحانه سبقت غضبه في المعذبين‪ ،‬فإَّنه أنشأهم برحمته‪،‬‬
‫وغذاهم برحمته‪ ،‬ورباهم برحمته ورزقهم وعافاهم برحمته‪ ،‬وأرسل إليهم الرسل برحمته‪،‬‬
‫وأسباب النقمة والعذاب متأخرة عن أسباب الرحمة طارئة عليها‪ ،‬فرحمته سبقت غضبه فيهم (‪)1‬‬
‫‪ ،‬وَخ َلَق هم على ِخ ْلَق ٍة تكون رحمته إليهم أقرب من غضبه وعقوبته‪.‬‬
‫ولهذا ترى أطفال الكفار قد ألقى عليهم رحمته‪ ،‬فمن رآهم رحمهم‪ ،‬ولهذا ُنِه َي عن قتلهم (‪، )2‬‬
‫فرحمته سبقت غضبه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬هـ"‪" :‬فهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري رقم (‪ 2851‬و ‪ ،)2852‬ومسلم رقم (‪ )1744‬عن ابن عمر قال‪:‬‬
‫"وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬فنهى رسول =‬

‫(‪)2/774‬‬

‫فيهم‪ ،‬فكانت هي السابقة إليهم‪ ،‬ففي كل حال هم في رحمته في حال معافاتهم وابتالئهم‪.‬‬
‫وإذا كانت الرحمة هي السابقة فيهم لم يبطل أثرها بالكلية‪ ،‬وإن عارضها أثر الغضب والسخط‬
‫فذلك لسبب منهم‪ ،‬وأما أثر الرحمة فسببه منه سبحانه‪ ،‬فما منه يقتضي رحمتهم‪ ،‬وما منهم‬
‫يقتضي عقوبتهم‪ ،‬والذي منه سابق وغالب‪ ،‬وإذا كانت رحمته تغلب غضبه‪ ،‬فألن يغلب أثر‬
‫الرحمة أثر الغضب أولى وأحرى‪.‬‬
‫الوجه السابع عشر‪ :‬أَّنه سبحانه يخبر عن العذاب أَّنه عذاب يوم عقيم‪ ،‬وعذاب يوم عظيم‪،‬‬
‫وعذاب يوم أليم‪ ،‬وال يخبر عن النعيم أَّنه نعيم يوم‪ ،‬وال في موضع واحد‪.‬‬
‫وقد ثبت في "الصحيح" تقدير يوم القيامة بخمسين ألف سنة (‪ ، )1‬والمعذبون متفاوتون في مدة‬
‫لبثهم في العذاب بحسب جرائمهم‪ ،‬والَّله سبحانه جعل العذاب على ما كان من الدنيا وأسبابها‪،‬‬
‫وما أريد به الدنيا ولم يرد به (‪ )2‬الَّله فالعذاب على ذلك‪ .‬وأما ما كان لآلخرة وأريد به وجه الَّله‬
‫فال عذاب عليه‪ ،‬والدنيا قد جعل لها أجاًل تنتهي إليه‪ ،‬فما انتقل منها إلى تلك الدار مما ليس لَّله‪،‬‬
‫فهو المعذب به‪.‬‬
‫وأما ما ُأريد به وجه الَّله والدار اآلخرة‪ ،‬فقد ُأريد به ما ال يفنى وال‬
‫__________‬
‫= الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬عن قتل النساء والصبيان"‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم برقم (‪ )987‬من حديث أبي هريرة الطويل في مانع الزكاة‪.‬‬
‫(‪ )2‬بياض في "د" فقط بمقدار كلمة‪ ،‬ووقع في المطبوع مكانه "وجه"‪.‬‬

‫(‪)2/775‬‬

‫يزول‪ ،‬فيدوم بدوام المراد به‪ ،‬فإن الغاية المطلوبة إذا كانت دائمة ال تزول لم َيُز ْل ما تعَّلق بها‪،‬‬
‫بخالف الغاية الُم ْض َم ِح َّلة الفانية‪ ،‬فما ُأريد به غير الَّله يضمحل ويزول بزوال مراده ومطلوبه‪ ،‬وما‬
‫ُأريد به وجه الَّله يبقى ببقاء المطلوب المراد‪ ،‬فإذا اضمحلت الدنيا وانقطعت أسبابها‪ ،‬وانتقل ما‬
‫كان فيها لغير الَّله من األعمال والذوات‪ ،‬وانقلب عذاًبا وآالًم ا = لم يكن له متعلق يدوم بدوامه؛‬
‫بخالف النعيم‪.‬‬
‫الوجه الثامن عشر‪ :‬أَّنه ليس في ُح ْك ِم (‪ )1‬أحكم الحاكمين أن يخلق خلًق ا يعذبهم أبد اآلباد‪،‬‬
‫عذاًبا سرمًد ا ال نهاية له‪ ،‬وال انقطاع أبًد ا‪ ،‬وقد دلت األدلة السمعية والعقلية والفطرية على أَّنه‬
‫سبحانه حكيم‪ ،‬وأنه أحكم الحاكمين‪ ،‬فإذا عذب (‪ )2‬خلقه عذبهم بحكمة‪ ،‬كما يوجد التعذيب‬
‫والعقوبة في الدنيا في شرعه وقدره‪ ،‬فإن فيه من الِح َك م والمصالح وتطهير العبد ومداواته‪،‬‬
‫وإخراج المواد الردية عنه بتلك اآلالم مما تشهده العقول الصحيحة‪ ،‬وفي ذلك من تزكية النفوس‬
‫وصالحها وزجرها وردع نظائرها‪ ،‬وتوقيفها على فقرها‪ ،‬وضرورتها إلى ربها‪ ،‬وغير ذلك من‬
‫الحكم والغايات الحميدة‪ ،‬ما ال يعلمه إال الَّله‪.‬‬
‫وال ريب أن الجنة طيبة‪ ،‬ال يدخلها إال طيب‪ ،‬ولهذا ُيْحَبسون (‪ )3‬إذا قطعوا الصراط على قنطرة‬
‫بين الجنة والنار‪ ،‬فيقتص لبعضهم من مظالم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬د‪ ،‬هـ" ونسخٍة على حاشية "أ" "ِح ْك َم ة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬سقط من "ج"‪.‬‬
‫(‪ )3‬وقع في "ج"‪" :‬يحسبون" وهو خطأ‪.‬‬

‫(‪)2/776‬‬

‫كانت بينهم في الدنيا‪ ،‬حتى إذا ُه ِّذ بوا وُنُّف وا أذن لهم في دخول الجنة (‪. )1‬‬
‫ومعلوم أن النفوس الشريرة الخبيثة المظلمة التي لو ردت إلى الدنيا قبل العذاب لعادت لما نهيت‬
‫عنه‪ ،‬ال تصلح أن تسكن دار السالم في جوار رب العالمين‪ ،‬فإذا عذبوا بالنار عذاًبا يخلص‬
‫نفوسهم من ذلك الخبث والوسخ والدرن‪ ،‬كان ذلك من حكمة أحكم الحاكمين ورحمته‪ ،‬وال‬
‫ينافي الحكمة خلَق نفوٍس فيها شر يزول بالبالء الطويل والنار‪ ،‬كما يزول بها خبث الذهب‬
‫والفضة والحديد‪ ،‬فهذا معقول في الحكمة‪ ،‬وهو من لوازم العالم المخلوق على هذه الصفة‪ ،‬أما‬
‫خلق نفوس ال يزول شرها أبًد ا‪ ،‬وعذابها ال انتهاء له‪ ،‬فال يظهر في الحكمة والرحمة‪ ،‬وفي وجود‬
‫مثل هذا النوع نزاع بين العقالء‪ ،‬أعني‪ :‬ذواًتا وهي شٌّر من كل وجه‪ ،‬ليس فيها شيء من خير‬
‫أصاًل ‪.‬‬
‫وعلى تقدير دخوله في الوجود‪ ،‬فالرب تبارك وتعالى قادر على قلب األعيان‪ ،‬وإحالتها‪ ،‬وإحالة‬
‫صفاتها‪.‬‬
‫فإذا وجدت الحكمة المطلوبة من خلق هذه النفوس‪ ،‬والحكمة المطلوبة من تعذيبها‪ ،‬فإَّنه (‪)2‬‬
‫سبحانه قادر أن ينشئها نشأة ُأخرى غير تلك النشأة‪ ،‬ويرحمها في النشأة الثانية نوًعا آخر من‬
‫الرحمة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬كما في حديث أبي سعيد الخدري عند البخاري رقم (‪ )2308‬و (‪ .)6170‬وقد تقَّدم في‬
‫آخر الباب (‪.)37‬‬
‫(‪ )2‬في "ب‪ ،‬د‪ ،‬هـ" ونسخٍة على حاشية "أ" "فالَّله"‪.‬‬

‫(‪)2/777‬‬
‫يوضحه‪:‬‬
‫الوجه التاسع عشر‪ :‬وهو أَّنه قد ثبت أن الَّله سبحانه ُيْنشئ للجنة خلًق ا آخر‪ ،‬يسكنهم إياها‪ ،‬ولم‬
‫يعملوا خيًر ا تكون الجنة جزاء (‪ )1‬لهم عليه‪ ،‬فإذا أخذ العذاب من هذه النفوس مأخذه‪ ،‬وبلغت‬
‫العقوبة مبلغها‪ ،‬فانكسرت تلك النفوس‪ ،‬وخضعت وذلت (‪ ، )2‬واعترفت لربها وفاطرها بالحمد‪،‬‬
‫وأنه عدل فيها كل العدل‪ ،‬وأنها في هذه الحال كانت في تخفيف منه‪ ،‬ولو شاء أن يكون عذابها‬
‫أشد من ذلك َلَف َعل‪ ،‬وشاء كتب العقوبة طلًبا لموافقة رضاه ومحبته‪ ،‬وعلمت أن العذاب أولى‬
‫بها‪ ،‬وأنه ال يليق بها سواه‪ ،‬وال تصلح إال له‪ ،‬فذابت منها تلك الخبائث كلها‪ ،‬وتالشت وتبدلت‬
‫بذٍّل وانكساٍر ‪ ،‬وَحْم ٍد وثناء على الرب تبارك وتعالى‪ ،‬ولم يكن في حكمته أن يستمر بها في‬
‫العذاب بعد ذلك‪ ،‬إذ قد تبدل شرها بخيرها‪ ،‬وشركها بتوحيدها‪ ،‬وكبرها بخضوعها وذلها‪.‬‬
‫وال ينتقض هذا بقوله عز وجل‪َ{ :‬و َلْو ُر ُّدوا َلَعاُدوا ِلَم ا ُنُه وا َعْنُه} [األنعام‪ ]28 :‬فإن هذا قبل‬
‫مباشرة العذاب الذي يزيل تلك الخبائث‪ ،‬وإنما هو عند المعاينة قبل الدخول‪ ،‬فإَّنه سبحانه وتعالى‬
‫ِم ِن‬ ‫ِم‬ ‫ِب ِت‬ ‫ِق‬
‫قال‪َ{ :‬و َلْو َتَر ى ِإْذ ُو ُف وا َعَلى الَّناِر َفَق اُلوا َياَلْيَتَنا ُنَر ُّد َو اَل ُنَك ِّذ َب آَيا َر ِّبَنا َو َنُك وَن َن اْلُم ْؤ يَن‬
‫(‪َ )27‬بْل َبَد ا َلُه ْم َما َك اُنوا ُيْخ ُف وَن ِم ْن َقْبُل َو َلْو ُر ُّدوا َلَعاُدوا ِلَم ا ُنُه وا َعْنُه َو ِإَّنُه ْم َلَك اِذ ُبوَن }‬
‫[األنعام‪.]28 ,27 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ليس في "أ‪ ،‬ج"‪ ،‬ووقع في نسخة على حاشية "أ" "خيًر ا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "ج" ونسخٍة على حاشية "أ" "وُذِّللت"‪.‬‬

‫(‪)2/778‬‬

‫فهذا إنما قالوه قبل أن يستخرج العذاُب منهم تلك الخبائث‪ ،‬فأما إذا لبثوا في العذاب أحقاًبا‪،‬‬
‫والحقب‪ :‬كما رواه الطبراني في "معجمه" (‪ )1‬من حديث أبي أمامة ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬عن الَّنبي‬
‫‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬أَّنه قال‪" :‬الحقب خمسون ألف سنة" (‪ )2‬؛ فإَّنه من الممتنع أن يبقى‬
‫ذلك الكبر والشرك والخبث بعد هذه الُم َد د (‪ )3‬المتطاولة في العذاب‪.‬‬
‫الوجه العشرون‪ :‬أَّنه قد ثبت في "الصحيحين" (‪ )4‬من حديث أبي سعيد الخدري ‪-‬في حديث‬
‫الشفاعة‪ -‬فيقول الَّله عز وجل‪" :‬شفعت المالئكة‪ ،‬وشفع الَّنبيون‪ ،‬وشفع المؤمنون‪ ،‬ولم يبق إال‬
‫أرحم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الكبير (‪ )292 /8‬رقم (‪.)7957‬‬
‫من طريق جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي ُأمامة‪.‬‬
‫(‪ )2‬وأخرجه ابن أبي عمر العدني في مسنده (‪ - 3775‬المطالب)‪ ،‬وابن أبي حاتم في تفسيره (‬
‫‪ - 494 /4‬ابن كثير)‪ ،‬وابن مردويه (‪ - 502 /6‬الدر)‪.‬‬
‫قال ابن كثير في تفسيره‪" :‬وهذا حديث منكٌر جًّدا‪ ،‬والقاسم هو والراوي عنه وهو جعفر بن‬
‫الزبير كالهما متروك"‪.‬‬
‫وال يصح في الباب حديٌث مرفوع "مسند"‪ ،‬وإَّنما الصحيح أَّن الحقب‪ :‬ثمانون سنة‪ ،‬كما جاء‬
‫ذلك عن ابن مسعود وأبي هريرة وابن عباس وعبد الَّله ابن عمرو وغيرهم‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تفسير عبد الرزاق (‪ ،)276 /2‬والطبري (‪ ،)11 /30‬والزهد لهناد رقم (‪ 219‬و ‪،)220‬‬
‫والمستدرك للحاكم (‪ ،)3890( )556 /2‬والدر المنثور (‪.)503 - 502 /5‬‬
‫(‪ )3‬في "ب‪ ،‬هـ"‪" :‬الُم َّدة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬البخاري رقم (‪ ،)700 ،773‬ومسلم رقم (‪.)182‬‬

‫(‪)2/779‬‬

‫الراحمين‪ ،‬فيقبض قبضة من النار‪ ،‬فيخرج منها قوًم ا لم يعملوا خيًر ا قط‪ ،‬قد عادوا حمًم ا‪،‬‬
‫فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة‪ ،‬يقال له‪" :‬نهر الحياة" فيخرجون كما تخرج الِح َّبة في حميل‬
‫السيل‪ ،‬فيقول أهل الجنة‪ :‬هؤالء عتقاء الَّله الذين أدخلهم الَّله الجنة بغير عمل عملوه‪ ،‬وال خير‬
‫قدموه"‪.‬‬
‫فهؤالء أحرقتهم النار جميعهم‪ ،‬فلم يبق في بدن أحدهم موضع لم تمسه النار‪ ،‬بحيث صاروا‬
‫حمًم ا‪ :‬وهو الفحم المحترق بالنار‪ .‬فظاهر السياق أَّنه لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير‪ ،‬فإن‬
‫لفظ الحديث هكذا‪" :‬فيقول‪ :‬ارجعوا فمن وجدتم في قلبه ذرة من خير فأخرجوه‪ ،‬فيخرجون‬
‫خلًق ا كثيًر ا ثَّم يقولون‪ :‬ربنا لم نذر فيها خيًر ا‪ ،‬فيقول الَّله عز وجل‪" :‬شفعت المالئكة‪ ،‬وشفع‬
‫الَّنبيون‪ ،‬وشفع المؤمنون‪ ،‬ولم يبق إال أرحم الراحمين‪ ،‬فيقبض قبضة من النار‪ ،‬فيخرج منها قوًما‬
‫لم يعملوا خيًر ا قط"‪.‬‬
‫فهذا السياق يدّل على أن هؤالء لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير‪ ،‬ومع هذا فأخرجتهم‬
‫الرحمة‪.‬‬
‫ومن هذا رحمته سبحانه للذي أوصى أهله أن يحرقوه بالنار‪ ،‬ويذروه في البر والبحر َزْع ًم ا منه‬
‫بأَّنه يفوت الَّله سبحانه‪ ،‬فهذا قد شك في المعاد والقدرة‪ ،‬ولم يعمل خيًر ا قط‪ ،‬ومع هذا فقال له‪:‬‬
‫ِح‬
‫"ما حملك على ما صنعت؟ قال‪ :‬خشيتك وأنت أعلم" (‪ ، )1‬فما تالفاه أْن َر َم ُه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)3291‬ومسلم رقم (‪ )2757‬من حديث أبي سعيد =‬

‫(‪)2/780‬‬

‫الَّله‪ ،‬فلله سبحانه في خلقه ُح ْك ٌم ال تبلغه عقول البشر‪.‬‬


‫وقد ثبت في حديث أنس ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬أَّن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬يقول‬
‫الَّله عز وجل‪ :‬أخرجوا من النار من ذكرني يوًم ا أو خافني في مقام" (‪. )1‬‬
‫قالوا‪ :‬ومن ذا الذي في مدة عمره كلها من أولها إلى آخرها لم يذكر ربه يوًم ا واحًد ا‪ ،‬وال خافه‬
‫ساعًة واحدًة‪ ،‬وال ريب أن رحمته سبحانه إذا أخرجت من النار من ذكره وقًتا ما‪ ،‬وخافه في مقام‬
‫ما‪ ،‬فغير ِبْد ٍع أن تفنى النار‪ ،‬ولكن هؤالء خرجوا منها وهي نار‪.‬‬
‫الوجه الحادي والعشرون‪ :‬أَّن اعتراف العبد بذنبه حقيقة‬
‫__________‬
‫= الخدري‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه الترمذي برقم (‪ ،)2594‬وعبد الَّله في زوائد الزهد (‪[ )2162‬وليس فيه "عن‬
‫أنس"]‪ ،‬وابن أبي عاصم في السنة (‪ ،)883‬وابن خزيمة في التوحيد (‪ 451‬و ‪)453 - 452‬‬
‫مطواًل ‪ ،‬والحاكم في المستدرك (‪ )141 /1‬رقم (‪ 234‬و ‪ )235‬مطواًل وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق مبارك بن فضالة عن عبيد الَّله بن أبي بكر بن أنس عن أنس فذكره‪.‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬هذا حديث حسن غريب"‪.‬‬
‫وقال الحاكم‪" :‬هذا حديث صحيح اإلسناد‪ ،‬ولم يخرجا قوله‪" :‬من ذكرني أو خافني في‬
‫مقام‪." . . .‬‬
‫قلُت ‪ :‬هذا اللفظ غريٌب ‪ ،‬وفي ثبوته نظر؛ ألَّنُه قطعة من حديث أنس الطويل في الشفاعة‪ ،‬ولم‬
‫يذكر هذا اللفظ أحًد ا من أصحاب أنس وغيرهم من الذين رووه عنه‪ :‬كثابت البناني وقتادة‬
‫وحميد الطويل والنضر بن أنس وعمرو ابن أبي عمرو والحسن البصري ومعبد الطويل وغيرهم‪.‬‬

‫(‪)2/781‬‬

‫االعتراف المتضمن لنسبة السوء والظلم واللوم إليه من كل وجه‪ ،‬ونسبة العدل والحمد والرحمة‬
‫والكمال المطلق إلى ربه من كل وجه = يستعطف ربه تبارك وتعالى عليه‪ ،‬ويستدعي رحمته له‪.‬‬
‫وإذا أراد أن يرحم عبده ألقى ذلك في قلبه‪ ،‬وال سيما إذا اقترن بذلك جزم العبد على ترك‬
‫المعاودة لما يسخط ربه عليه‪ ،‬وعلم الَّله ذلك داخل قلبه وسويدائه‪ ،‬فإَّنه ال تتخَّلف عنه الرحمة‬
‫مع ذلك‪.‬‬
‫وفي "معجم الطبراني" (‪ )1‬من حديث يزيد بن سنان الرهاوي‪ ،‬عن سليمان (‪ )2‬بن عامر‪ ،‬عن أبي‬
‫ُأمامة ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إن آخر رجل يدخل‬
‫الجنة رجل يتقلب على الصراط ظهًر ا لبطن‪ ،‬كالغالم يضربه أبوه‪ ،‬وهو َيِف ُّر منه‪ ،‬يعجز عنه عمله‬
‫أن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الكبير (‪ )186 - 185 /8‬رقم (‪.)7669‬‬
‫والحديث سنده ضعيف‪ :‬فيه يزيد بن سنان أبو فروة الرهاوي‪ :‬ضعيف‪ ،‬وابنه محَّم د بن يزيد بن‬
‫سنان أضعف منه‪ ،‬يروي عن أبيه مناكير‪ ،‬قاله البخاري‪.‬‬
‫لكَّنه توبع؛ تابعه عبد الَّله بن عقيل الثقفي عند ابن أبي شيبة في مسنده كما سيأتي عند المصنف‬
‫ص (‪ ،)795‬وفي البدور السافرة للسيوطي رقم (‪.)1652‬‬
‫فالحديث مدارُه على يزيد بن سنان‪ ،‬وهو ضعيف‪ ،‬وقال فيه ابن عدي‪" :‬وعاَّمة حديثه غير‬
‫محفوظة"‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكال (‪ ،)159 - 156 /32‬والكامل البن عدي (‪.)272 /7‬‬
‫(‪ )2‬كذا في جميع النسخ‪ ،‬وعَّلق عليه ناسخ "أ‪ ،‬د" بقولهما‪" :‬كذا‪ ،‬ولعله‪ُ :‬س َليم الخبائري"‪.‬‬
‫قلُت ‪ :‬وهو الصواب ُس َليم بن عامر الخبائري أبو يحيى الحمصي‪.‬‬

‫(‪)2/782‬‬
‫يسعى فيقول‪ :‬يا رب بِّلْغ بي الجنة‪ ،‬ونجني من النار‪ ،‬فيوحي الَّله تبارك وتعالى إليه‪ :‬عبدي‪ ،‬إن أنا‬
‫نجيتك من النار وأدخلتك الجنة‪ ،‬أتعترف لي بذنوبك وخطاياك؟ فيقول العبد‪ :‬نعم يا رب‪،‬‬
‫وعزتك وجاللك إن نجيتني من النار ألعترفن لك بذنوبي وخطاياي‪ ،‬فيجوز الجسر‪ ،‬فيقول العبد‬
‫فيما بينه وبين نفسه‪ :‬لئن اعترفت له بذنوبي وخطاياي ليردني إلى النار‪ ،‬فيوحي الَّله إليه‪ :‬عبدي‪،‬‬
‫اعترف لي بذنوبك وخطاياك أغفرها لك‪ ،‬وأدخلك الجنة‪ ،‬فيقول العبد‪ :‬ال وعزتك وجاللك‪ ،‬ما‬
‫أذنبت ذنًبا قط‪ ،‬وال أخطأت خطيئة قط‪ ،‬فيوحي الَّله إليه‪ :‬عبدي إَّن لي عليك َبِّينة‪ ،‬فيلتفت العبد‬
‫يميًنا وشمااًل ‪ ،‬فال يرى أحًد ا‪ ،‬فيقول‪ :‬يا رب أرني بينتك‪ ،‬فيستنطق الَّله تعالى ِج ْلدُه بالمحقرات‪،‬‬
‫فإذا رأى ذلك العبد يقول‪ :‬يا رب عندي وعزتك العظائم‪ ،‬فيوحي الَّله إليه‪ ،‬عبدي أنا أعرف بها‬
‫منك‪ ،‬اعترف لي بها أغفرها لك وأدخلك الجنة‪ ،‬فيعترف العبد بذنوبه‪ ،‬فيدخل الجنة"‪ ،‬ثَّم ضحك‬
‫رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬حتى بدت نواجذه‪ ،‬يقول‪" :‬هذا أدنى أهل الجنة منزلة‪،‬‬
‫فكيف بالذي فوقه؟ "‪.‬‬
‫فالرب تعالى يريد من عبده االعتراف واالنكسار بين يديه والخضوع والذل له‪ ،‬والعزم على‬
‫مرضاته‪ ،‬فما دام أهل النار فاقدين لهذا الروح‪ ،‬فهم فاقدون لروح الرحمة‪ ،‬فإذا أراد عز وجل أن‬
‫يرحمهم أو من شاء منهم؛ جعل في قلبه ذلك فتدركه الرحمة‪ ،‬وقدرة الرب تبارك وتعالى غير‬
‫قاصرة عن ذلك‪ ،‬وليس فيه ما يناقض موجب أسمائه وصفاته‪ ،‬وقد أخبر أَّنه فعال لما يريد‪.‬‬
‫الوجه الثاني والعشرون‪ :‬أَّنه سبحانه قد أوجب الخلود على معاصي‬

‫(‪)2/783‬‬

‫من الكبائر‪ ،‬وقيده بالتأبيد‪ ،‬ولم يناف ذلك انقطاعه وانتهاءه‪.‬‬


‫ِل‬ ‫ِم‬
‫فمنها‪ :‬قوله تعالى‪َ{ :‬و َمْن َيْق ُتْل ُمْؤ ًنا ُمَتَعِّم ًد ا َفَجَز اُؤ ُه َجَه َّنُم َخ ا ًد ا ِفيَه ا َو َغِض َب الَّلُه َعَلْيِه َو َلَعَنُه‬
‫َو َأَعَّد َلُه َعَذ اًبا َعِظ يًم ا} [النساء‪.]93 :‬‬
‫ومنها‪ :‬قوله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬من قتل نفسه بحديدة‪ ،‬فحديدته في يده يتوَّج أ بها في نار‬
‫جهنم خالًد ا مخَّلًد ا فيها أبًد ا" (‪ )1‬وهو حديث صحيح‪.‬‬
‫وكذلك قوله في الحديث اآلخر في قاتل نفسه‪" :‬فيقول الَّله تبارك وتعالى‪ :‬بادرني عبدي بنفسه‬
‫َح َّر مُت عليه الجنة" (‪. )2‬‬
‫وأبلغ من هذا قوله تعالى‪َ{ :‬و َمْن َيْع ِص الَّلَه َو َرُس وَلُه َفِإ َّن َلُه َناَر َجَه َّنَم َخ اِلِد يَن ِفيَه ا َأَبًد ا (‪} )23‬‬
‫[الجن‪.]23 :‬‬
‫فهذا وعيد مقيد بالخلود والتأبيد‪ ،‬مع انقطاعه قطًعا بسبب من العبد‪ ،‬وهو التوحيد‪ ،‬فكذلك‬
‫الوعيد العام ألهل النار ال يمتنع انقطاعه‪ ،‬بسَبٍب ممن كتب على نفسه الرحمة‪ ،‬وغلبت رحمته‬
‫غضبه‪ ،‬فلو يعلم الكافر بكل ما عنده من الرحمة لما يئس من رحمته‪ ،‬كما في "صحيح البخاري"‬
‫(‪ )3‬عنه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬خلق الَّله الرحمة يوم خلقها مئة رحمة" وقال في آخره‪" :‬فلو‬
‫يعلم الكافر بكل الذي عند الَّله من الرحمة لم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5442‬ومسلم (‪ )109‬من حديث أبي هريرة رضي الَّله عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)1298‬ومسلم رقم (‪ )113‬من حديث جندب رضي الَّلُه عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬رقم (‪.)6104‬‬

‫(‪)2/784‬‬

‫ييأس من الجنة‪ ،‬ولو يعلم المسلم بكل الذي عند الَّله من العذاب لم يأمن من النار"‪.‬‬
‫الوجه الثالث والعشرون‪ :‬أَّنه لو جاء الخبر منه سبحانه صريًح ا بأن عذاب النار ال انتهاء له‪ ،‬وأنه‬
‫أبدي ال ينقطع‪ ،‬لكان ذلك وعيًد ا منه سبحانه‪ ،‬والَّله تعالى ال يخلف وعده‪ ،‬وأما الوعيد‪ :‬فمذهب‬
‫أهل السنة كلهم‪ :‬أن إخالفه عفو وكرم وتجاوز ُيْم َد ُح الرب تبارك وتعالى به‪ ،‬وُيثنى عليه به‪ ،‬فإَّنه‬
‫حق له إن شاء تركه‪ ،‬وإن شاء استوفاه‪ ،‬والكريم ال يستوفي حقه‪ ،‬فكيف بأكرم األكرمين؟‪.‬‬
‫وقد صرح سبحانه في كتابه في غير موضع بأنه ال يخلف وعده‪ ،‬ولم يقل في موضع واحد‪ :‬ال‬
‫يخلف وعيده‪.‬‬
‫وقد روى أبو يعلى الموصلي‪ :‬حدثنا هدبة بن خالد‪ ،‬حدثنا سهيل ابن أبي حزم‪ ،‬حدثنا ثابت‬
‫البناني‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬أَّن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬من‬
‫وعده الَّله على عمل ثواًبا فهو منجزه‪ ،‬ومن أوعده على عمل عقاًبا فهو فيه بالخيار" (‪. )1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو يعلى في مسنده (‪ )66 /6‬رقم (‪ ،)3316‬وابن أبي عاصم في السنة رقم (‬
‫‪ ،)960‬والخرائطي في مكارم األخالق رقم (‪ ،)189‬وابن عدي في الكامل في الضعفاء (‪/3‬‬
‫‪ ،)450‬والبزار (‪ - 3010‬المطالب) والبيهقي في البعث (‪ )48‬وغيرهم‪.‬‬
‫والحديث من منكرات سهيل بن أبي حزم‪ ،‬قال البخاري‪" :‬ال يتابع في حديثه"‪ ،‬وقال البزار‪:‬‬
‫"سهيل ال يتابع على حديثه"‪ ،‬وقال اإلمام أحمد‪" :‬روى عن ثابت أحاديث منكرة"‪ ،‬وقال البيهقي‪:‬‬
‫"تفَّر د به ُس هيل وليس =‬

‫(‪)2/785‬‬

‫وقال أبو الشيخ األصبهاني‪ :‬حدثنا محَّم د بن حمزة‪ ،‬حدثنا أحمد ابن الخليل‪ ،‬حدثنا األصمعي‬
‫قال‪ :‬جاء عمرو بن عبيد إلى أبي عمرو ابن العالء فقال‪ :‬يا أبا عمرو‪ ،‬أيخلف الَّله ما وعد؟ قال‪:‬‬
‫أفرأيت من أوعده الَّله على عمله عقاًبا‪ ،‬أيخلف الَّله وعده فيه؟ فقال أبو عمرو بن العالء‪ :‬من‬
‫الُعْج َم ة ُأِتْيَت يا أبا عثمان‪ ،‬إن الوعد غير الوعيد‪ ،‬إن العرب ال تعّد عاًر ا وال ُخ ْلًف ا أْن َتِعَد شًّر ا ثَّم‬
‫ال تفعله‪ ،‬ترى ذلك كرًم ا وفضاًل ‪ ،‬وإنما الُخ ْلف أن َتِعَد خيًر ا ثَّم ال تفعله‪ ،‬قال‪ :‬فأْو ِج ْد ني هذا في‬
‫كالم العرب‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬أما سمعت إلى قول األول‪:‬‬
‫وال يرهُب ابُن العم ما عشُت سطوتي ‪ ...‬وال أختشى من صولة (‪ )1‬المتهِّدد‬
‫وإِّني وإْن أوعدته أووعدته ‪ ...‬لمخلُف إيعادي ومنجُز َمْو ِع دي" (‪)2‬‬
‫ِم‬
‫قال أبو الشيخ‪ :‬وقال يحيى بن معاذ‪" :‬الوعد والوعيد حق‪ ،‬فالوعد‪ :‬حق العباد على الَّله‪َ ،‬ض َن‬
‫لهم إذا فعلوا كذا أن يعطيهم كذا‪،‬‬
‫__________‬
‫= بالقوي"‪ .‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال (‪.)219 - 218 /12‬‬
‫قلت‪ :‬ومعنى الحديث ثابٌت في الكتاب والسنة‪.‬‬
‫(‪ )1‬في "هـ"‪ ،‬والخرائطي "سطوة" وهما بمعنى واحد‪ .‬والبيتان لعامر بن الُّطفيل في ديوانه ص (‬
‫‪ )58‬مع اختالٍف قليل في بعض األلفاظ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الخرائطي في مكارم األخالق رقم (‪ ،)188‬وابن عدي في الكامل (‪،)99 /5‬‬
‫والبيهقي في البعث والنشور رقم (‪ ،)47‬والخطيب في تاريخه (‪.)173 - 172 /12‬‬
‫من طريق سَّو ار بن عبد الَّله القاضي عن األصمعي به‪.‬‬
‫وهي قصة صحيحة ثابتة‪.‬‬

‫(‪)2/786‬‬
‫ومن أولى بالوفاء من الَّله‪ .‬والوعيد‪ :‬حقه على العباد‪ ،‬قال‪ :‬ال تفعلوا كذا فأعذبكم‪ ،‬ففعلوا‪ ،‬فإن‬
‫شاء عفا‪ ،‬وإن شاء أخذ‪ ،‬ألنه حقه‪ ،‬وأوالهما بربنا تبارك وتعالى‪ ،‬العفو والكرم‪ ،‬إنه غفور رحيم" (‬
‫‪. )1‬‬
‫ومما يدل على ذلك ويؤيده خبر كعب بن زهير حين أوعده رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪-‬‬
‫فقال‪:‬‬
‫ُنِّبْئُت أَّن رسول الَّله أوعدني ‪ ...‬والعفو عند رسول الَّله مْأُموُل (‪)2‬‬
‫فإذا كان هذا في وعيد مطلق‪ ،‬فكيف بوعيٍد مقرون باستثناء ُمَعَّق ب بقوله‪ِ{ :‬إَّن َر َّبَك َفَّعاٌل ِلَم ا‬
‫ُيِر يُد (‪[ } )107‬هود‪ ]107 :‬وهذا إخبار منه أَّنه يفعل ما يريد عقيب قوله‪ِ{ :‬إاَّل َما َش اَء َر ُّبَك }‪،‬‬
‫فهو عائد إليه وال بد‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬لم أقف عليه بهذا اللفظ‪ ،‬وفي الحلية (‪ )52 /10‬معناه مختصًر ا‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي عاصم في اآلحاد والمثاني (‪ )169 - 168 /5‬رقم (‪ ،)2706‬وأبو ُنعيم في‬
‫المعرفة (‪ )2379 - 2378 /5‬رقم (‪.)5833‬‬
‫من طريق الحجاج بن ذي الرقيبة بن عبد الرحمن بن عقبة بن كعب بن زهير عن أبيه عن جِّده‬
‫قال‪ :‬خرج كعب وبجير‪ . . .‬فذكره مطَّو اًل ‪.‬‬
‫قلت‪ِ :‬م ن الحجاج بن ذي الرقيبة إلى كعب‪ :‬شعراء في َنَس ق‪ ،‬انظر الجمهرة البن حزم ص (‬
‫‪.)202 - 201‬‬
‫والحجاج وأبوه وجده غير معروفين بالرواية‪ ،‬فينظر في حالهم‪ ،‬فإِّني لم أقف على حالهم‪.‬‬
‫وله شاهد مرسل لعاصم بن عمر بن قتادة‪ :‬عند الطبراني (‪ )178 - 176 /19‬رقم (‪)403‬‬
‫بمعناُه‪.‬‬
‫وشاهد آخر مرسل لسعيد بن المسيب‪.‬‬
‫عند ابن قانع في معجمه (‪ )1657‬بمعناه‪.‬‬

‫(‪)2/787‬‬
‫وال يجوز أن يرجع إلى المستثنى منه وحده‪ ،‬بل إما أن يختص بالمستثنى‪ ،‬أو يعود إليهما‪ ،‬وغير‬
‫خاف ان تعُّلقه بقوله‪ِ{ :‬إاَّل َما َش اَء َر ُّبَك } أولى من تعُّلقه بقوله‪َ{ :‬خ اِلِد يَن ِفيَه ا}‪ ،‬وذلك ظاهر‬
‫للمتأمل‪ ،‬وهو الذي فهمه الصحابه‪ ،‬فقالوا‪" :‬أتت هذه اآلية على كل وعيد في القرآن" (‪ ، )1‬ولم‬
‫يريدوا بذلك االستثناء وحده‪ ،‬فإن االستثناء مذكور في األنعام أيًض ا‪ ،‬وإنما أرادوا أَّنه عقب (‪)2‬‬
‫االستثناء بقوله‪ِ{ :‬إَّن َر َّبَك َفَّعاٌل ِلَم ا ُيِر يُد (‪.} )107‬‬
‫وهذا التعقيب نظير قوله تعالى في األنعام {ِإاَّل َم ا َش اَء الَّلُه ِإَّن َر َّبَك َح ِكيٌم َعِليٌم (‪} )128‬‬
‫[األنعام‪ .]128 :‬فأخبر أن عذابهم في جميع األوقات‪ ،‬وَر ْفَعه عنهم في وقٍت يشاؤه = صادر‬
‫عن كمال علمه وحكمته ال عن مشيئة مجردة عن الحكمة والمصلحة والرحمة والعدل‪ ،‬إذ‬
‫يستحيل تجرد مشيئته عن ذلك‪.‬‬
‫الوجه الرابع والعشرون‪ :‬أن جانب الرحمة أغلب في هذه الدار الباطلة الفانية الزائلة عن قرب من‬
‫جانب العقوبة والغضب‪ ،‬ولوال ذلك لما ُعِم َر ت‪ ،‬وال قام لها وجود‪ ،‬كما قال تعالى‪َ{ :‬و َلْو ُيَؤ اِخ ُذ‬
‫الَّلُه الَّناَس ِبُظْلِم ِه ْم َم ا َتَر َك َعَلْيَه ا ِم ْن َداَّبٍة} [النحل‪ ،]61 :‬وقال {َو َلْو ُيَؤ اِخ ُذ الَّلُه الَّناَس ِبَم ا‬
‫َك َس ُبوا َما َتَر َك َعَلى َظْه ِرَه ا ِم ْن َداَّبٍة} [فاطر‪ ،]45 :‬فلوال سعة رحمته ومغفرته وعفوه لما قام‬
‫العالم‪ ،‬ومع هذا فالذي أظهره ‪ -‬من الرحمة في هذه الدار‪ ،‬وأنزله بين الخالئق ‪ -‬جزء من مئة‬
‫جزء‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تقدم ص (‪.)740‬‬
‫(‪ )2‬في نسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬عقيب"‪.‬‬

‫(‪)2/788‬‬

‫من الرحمة‪ ،‬فإذا كان جانب الرحمة قد غلب في هذه الدار‪ ،‬ونالت الَبَّر والفاجر والمؤمن‬
‫والكافر‪ ،‬مع قيام مقتضى العقوبة به ومباشرته له‪ ،‬وتمكنه من إغضاب ربه‪ ،‬والسعي في مَس اِخ ِط ه‪،‬‬
‫فكيف ال يغلب جانب الرحمة في دار تكون الرحمة فيها مضاعفة على ما في هذه الدار تسعة‬
‫وتسعين ضعًف ا (‪ ، )1‬وقد أخذ العذاب من الكفار مأخذه‪ ،‬وانكسرت تلك النفوس ونهكها‬
‫العذاب‪ ،‬وأذاب منها خبًثا (‪ )2‬وشًّر ا‪ ،‬لم يكن يحول بينها وبين رحمته لها في الدنيا‪ ،‬بل كان‬
‫يرحمها مع قيام مقتضى العقوبة والغضب بها فكيف إذا زال مقتضى الغضب والعقوبة‪ ،‬وقوي‬
‫جانب الرحمة أضعاف أضعاف الرحمة في هذه الدار‪ ،‬واضمحل الشر والخبث الذي فيها فأذابته‬
‫النار وأكلته‪.‬‬
‫وِس ُّر األمر أن أسماء الرحمة واإلحسان أغلب وأكثر وأظهر من أسماء االنتقام‪ ،‬وفعل الرحمة‬
‫أكثر من فعل االنتقام‪ ،‬وظهور آثار الرحمة أعظم من ظهور آثار االنتقام‪ ،‬والرحمُة أحب إليه من‬
‫االنتقام‪ ،‬وبالرحمة َخ َلَق خْلقه ولها خلقهم‪ ،‬وهي التي سبقت غضبه وغلبته‪ ،‬وكتبها على نفسه‪،‬‬
‫ووسعت كل شيء‪ ،‬وما خلق بها فمطلوب لذاته‪ ،‬وما خلق بالغضب فمراد لغيره‪ ،‬كما تقدم تقرير‬
‫ذلك (‪ . )3‬والعقوبة تأديب وتطهير‪ ،‬والرحمة إحسان وكرم وجود‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬يشير إلى ما أخرجه مسلم في صحيحه رقم (‪ )19( - )2752‬من حديث أبي هريرة عن‬
‫الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إَّن لَّله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن واإلنس‬
‫والبهائم والهوام‪ . . .‬وأَّخر تسعة وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "هـ"‪" :‬خبثها"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ص (‪.)756‬‬

‫(‪)2/789‬‬

‫والعقوبة مداواة‪ ،‬والرحمة عطاء وبذل‪.‬‬


‫الوجه الخامس والعشرون‪ :‬أَّنه سبحانه ال ُبَّد أن يظهر لخلقه جميعهم يوم القيامة صدقه وصدق‬
‫رسله‪ ،‬وأن أعداءه كانوا هم الكاذبين المفترين‪ ،‬ويظهر لهم حكمه الذي هو أعدل حكم في‬
‫أعدائه‪ ،‬وأنه حكم فيهم حكًم ا يحمدوَنُه هم عليه؛ فضاًل عن أوليائه ومالئكته ورسله‪ ،‬بحيث ينطق‬
‫ِباْل ِّق ِقي اْل ُد ِلَّلِه‬ ‫ِض‬
‫الكون كله بالحمد لَّله رب العالمين‪ ،‬ولذلك قال تعالى‪َ{ :‬و ُق َي َبْيَنُه ْم َح َو َل َحْم‬
‫َر ِّب اْلَعاَلِم يَن (‪[ } )75‬الزمر‪ ،]75 :‬فحذف فاعل القول إرادة اإلطالق (‪ ، )1‬وأن ذلك جار‬
‫على لسان كل ناطق وقلبه‪ ،‬قال الحسن‪" :‬لقد دخلوا النار‪ ،‬وإن قلوبهم لممتلئة من حمده ما‬
‫ِق‬
‫وجدوا عليه سبياًل " (‪ ، )2‬وهذا هو الذي َح َّس َن حذف الفاعل من قوله‪ { :‬يَل اْدُخ ُلوا َأْبَو اَب‬
‫َجَه َّنَم َخ اِلِد يَن ِفيَه ا} [الزمر‪ ]72 :‬حتى كأَّن الكون كله قائل ذلك لهم‪ ،‬إذ هو ُح ْك ُم ُه العدل‬
‫فيهم‪ ،‬ومقتضى حكمته وحمده‪.‬‬
‫وأما أهل الجنة فقال تعالى‪َ{ :‬و َقاَل َلُه ْم َخ َز َنُتَه ا َس اَل ٌم َعَلْيُك ْم ِط ْبُتْم َفاْدُخ ُلوَه ا َخ اِلِد يَن (‪} )73‬‬
‫[الزمر‪ ،]73 :‬فهم لم يستحقوها بأعمالهم‪ ،‬وإنما استحقوها بعفوه ورحمته وفضله‪ ،‬فإذا أشهد‬
‫سبحانه مالئكته وخلقه كلهم ُح ْكمه العدل‪ ،‬وحكمته الباهرة‪ ،‬وَو ْض عه العقوبة حيث تشهد العقول‬
‫والِف َطر (‪ )3‬والخليقة أَّنه أولى المواضع وأحقها بها‪ ،‬وأن ذلك‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ج"‪" :‬إلطالق"‪ ،‬وفي "د"‪" :‬لإلطالق"‪.‬‬
‫(‪ )2‬لم أقف عليه‪.‬‬
‫(‪ )3‬قوله "تشهد العقول والفطر" وقع في "هـ"‪" :‬يشهد العقل والفطرة"‪.‬‬

‫(‪)2/790‬‬

‫من كمال حمده الذي هو مقتضى أسمائه وصفاته‪ ،‬وأن هذه النفوس الخبيثة الظالمة الفاجرة‪ ،‬ال‬
‫يليق بها غير ذلك‪ ،‬وال يحسن بها سواه‪ ،‬بحيث تعترف هي من ذواتها بأنها أهل ذلك‪ ،‬وأنها أولى‬
‫به = حصلت الحكمة التي ألجلها ُو ِج َد الشر وموجباته في هذه الدار وتلك الدار‪.‬‬
‫وليس في الحكمة اإللهية أن الشرور تبقى دائًم ا ال نهاية لها‪ ،‬وال انقطاع أبًد ا‪ ،‬فتكون هي‬
‫والخيرات في ذلك على حٍّد سواء‪.‬‬
‫فهذا نهاية أقدام الفريقين في هذه المسألة‪ ،‬ولعَّلك ال تظفر به في غير هذا الكتاب‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬إلى أين انتهى قدمكم في هذه المسألة العظيمة الشأن‪ ،‬التي هي أكبر من الدنيا بأضعاف‬
‫مضاعفة؟‬
‫قيل‪ :‬إلى قوله تبارك وتعالى‪ِ{ :‬إَّن َر َّبَك َفَّعاٌل ِلَم ا ُيِر يُد (‪[ } )107‬هود‪ ]107 :‬وإلى ها هنا انتهى‬
‫قدم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬فيها‪ ،‬حيث ذكر دخول أهل الجنِة الجنَة‪،‬‬
‫وأهل الناِر الناَر ‪ ،‬وما يلقاه هؤالء وهؤالء‪ ،‬وقال‪" :‬ثَّم يفعل الَّله بعد ذلك ما يشاء" (‪. )1‬‬
‫بل وإلى ها هنا انتهت أقدام الخالئق‪ ،‬وما ذكرنا في هذه المسألة‪ ،‬بل في الكتاب من صواب‬
‫فمن الَّله سبحانه‪ ،‬وهو الَم اُّن به‪ ،‬وما كان من‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬لم أقف عليه‪.‬‬

‫(‪)2/791‬‬
‫خطٍإ فِم ِّني‪ ،‬ومن الشيطان‪ ،‬والَّله ورسوله بريء منه‪ ،‬وهو عند لسان كل قائل وقلبه وقصده‪ ،‬والَّله‬
‫أعلم‪.‬‬

‫(‪)2/792‬‬

‫الباب الثامن والستون‪ :‬في ذكر آخر أهل الجَّنة دخواًل إليها‬
‫في "الصحيحين" (‪ )1‬من حديث منصور‪ ،‬عن إبراهيم عن َعِبْيدة عن عبد الَّله بن مسعود رضي‬
‫الَّله عنه قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إِّني ألعلم آخر أهل الَّناِر خروًج ا منها‪،‬‬
‫وآخر أهل الجَّنة دخواًل الجَّنة‪ ،‬رجٌل يخرج من الَّنار َح ْبًو ا‪ ،‬فيقول الَّلُه له‪ :‬اذهب فادخل الجَّنة‪،‬‬
‫فيأتيها فيخيل إليه (‪ )2‬أَّنها مألى فيرجع فيقول‪ :‬يا رِّب وجدتها مألى‪ ،‬فيقول الَّلُه له‪ :‬اذهْب‬
‫فادخل الجَّنة‪ ،‬فإَّن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها‪ ،‬أو إَّن لك عشرة أمثال الدنيا‪ ،‬قال‪ :‬فيقول‪:‬‬
‫أتسخُر بي أو تضحك بي وأنت الملك؟ قال‪ :‬لقد رأيُت رسول الَّلِه ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪-‬‬
‫ضحك حَّتى بدت نواجذه‪ ،‬قال‪ :‬فكان يقال‪ :‬ذلك أدنى أهل الجَّنة منزلًة"‪.‬‬
‫وفي "صحيح مسلم" (‪ )3‬من حديث األعمش عن المعرور بن ُس ويد عن أبي ذٍّر ‪-‬رضي الَّله‬
‫عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إِّني ألعلُم آخر أهل الجَّنة دخواًل الجَّنة‪،‬‬
‫وآخر أهل الَّناِر خروًج ا منها‪ ،‬رجٌل يؤتى به يوم القيامة فيقال‪ :‬اعرضوا عليه صغاَر ذنوبه وارفعوا‬
‫ِكَباَر َه ا (‪ ،)4‬فُتْع َر ض عليه صغار ذنوبه فيقال‪ :‬عملَت يوم كذا وكذا؛ كذا وكذا‪ ،‬وعملت يوم‬
‫كذا وكذا؛ كذا وكذا‪ ،‬فيقوُل ‪ :‬نعم‪ ،‬ال يستطيع أن ينكر‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري رقم (‪ ،)6202‬ومسلم رقم (‪.)186‬‬
‫(‪ )2‬في "ج‪ ،‬د"‪" :‬له"‪.‬‬
‫(‪ )3‬رقم (‪.)190‬‬
‫(‪ )4‬في "ب‪ ،‬د‪ ،‬هـ"‪ :‬ونسخٍة على حاشية "أ" "عنه كبارها"‪.‬‬

‫(‪)2/793‬‬
‫وهو مشفٌق من كبار ذنوبه أْن ُتْع َر ض عليه‪ ،‬فيقال له‪ :‬فإَّن لَك مكان كُّل سيئٍة حسنة‪ ،‬فيقول‪ :‬رِّب‬
‫قد عملت أشياَء ال أراها ها هنا‪ ،‬فلقد رأيُت رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪َ -‬ض ِح َك حَّتى‬
‫بدت نواجذه"‪.‬‬
‫وقال الطبراني‪ :‬حدثنا عبد الَّله بن سعد (‪ )1‬بن يحيى الرقي‪ ،‬حدثنا أبو فروة يزيد بن محَّم د بن‬
‫ِس َنان الرهاوي قال‪ :‬حدثني أبي عن أبيه قال‪ :‬حدثني أبو يحيى الكالعي‪ ،‬عن أبي ُأمامة رضي الَّله‬
‫عنه قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إَّن آخر رجٍل يدخُل الجَّنة رجل يتقَّلب على‬
‫الصراط َظْه ًر ا لبطن‪ ،‬كالغالم يضربه أبوه وهو يفُّر منه‪ ،‬يعجز عنه عمله أْن يسعى‪ ،‬فيقول‪ :‬يا رب‬
‫بِّلغ بي الجَّنة‪ ،‬ونِّج ني من الَّناِر ‪ ،‬فيوحي الَّله تبارك وتعالى إليه‪ :‬عبدي إْن أنا نَّج يتك من الَّناِر‬
‫وأدخلتك الجَّنة؛ أتعترُف لي بذنوبك وخطاياك؟ فيقول العبد‪ :‬نعم يا رِّب وعزتك وجاللك لئن‬
‫نجيتني من الَّناِر ألعترفَّن بذنوبي وخطاياي فيُجْو ز الِج ْسَر ‪ ،‬ويقول العبد فيما بينه وبين نفسه‪ :‬لئن‬
‫اعترفت له بذنوبي وخطاياي ليردني إلى الَّناِر ‪ ،‬فيوحي الَّله إليه‪ :‬عبدي اْع تِر ْف لي بذنوبك‬
‫وخطاياك اغفرها لك وأدخلك الجنة‪ ،‬فيقول العبد ال وعَّز تك وجاللك ما أذنبُت ذنًبا قُّط وال‬
‫أخطأُت خطيئًة قُّط ‪ ،‬فيوحي الَّله إليه‪ :‬عبدي إَّن لي عليك َبِّينة فيلتفت العبد يميًنا وشمااًل فال يرى‬
‫أحًد ا‪ ،‬فيقول‪ :‬يا رِّب أرني بِّينتك فيستنطق الَّله جلده بالُم حَّق رات‪ ،‬فإذا رأى ذلك العبد يقول‪ :‬يا‬
‫رب عندي وعَّز تك العظائم فيوحي الَّله إليه‪ :‬عبدي أنا أعرف بها منك اعترف لي بها أغفرها لك‪،‬‬
‫وأدخلك الجَّنة‪ ،‬فيعترف العبد بذنوبه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬د"‪ ،‬ونسخة على حاشية "أ"‪" :‬سعيد"‪.‬‬

‫(‪)2/794‬‬

‫فيدخل الجَّنة‪ ،‬ثَّم ضحك رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬حَّتى بدت نواجذه يقول‪" :‬هو أدنى‬
‫أهل الجَّنة منزلة فكيف باَّلذي فوقه؟ " (‪. )1‬‬
‫ورواُه ابن أبي شيبة عن هاشم بن القاسم حدثنا أبو عقيٍل عبد الَّله بن عقيل الثقفي‪ ،‬عن يزيد بن‬
‫سنان به‪.‬‬
‫وفي "صحيح مسلم" (‪ )2‬عن عبد الَّله بن مسعود رضي الَّله عنه أَّن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪ -‬قال‪" :‬آخر من يدخل الجَّنة رجٌل فهو يمشي مَّر ة‪ ،‬ويكبو مَّر ة‪ ،‬وتسفعُه الَّناُر مَّر ة‪ ،‬فإذا‬
‫جاوزها التفت إليها‪ ،‬فقال‪ :‬تبارك اَّلذي نَّج اني منك‪ ،‬لقد أعطاني الَّله شيًئا ما أعطاُه أحًد ا من‬
‫األَّو لين واآلخرين‪ ،‬فُترفع له شجرة فيقول‪ :‬أي رِّب أْد ِنني من هذه الشجرة أستظُّل بِظ ِّلها وأشرب‬
‫من مائها‪ ،‬فيقول الَّلُه تبارك وتعالى‪ :‬يا ابن آدم َلعِّلي إْن أعطيتكها سألتني غيرها؟ فيقول‪ :‬ال يا‬
‫رِّب ‪ ،‬ويعاهده أْن ال يسأله غيرها وربه يعذره؛ ألَّنه يرى ما ال صبر له عليه‪ ،‬فيدنيه منها فيستظل‬
‫بظلها‪ ،‬ويشرب من مائها‪ ،‬ثَّم ُيرفع له شجرة هي أحسن من األولى‪ ،‬فيقول‪ :‬يا رِّب أدنني من هذه‬
‫ألشرب من مائها‪ ،‬وأستظل بظِّلها‪ ،‬ال أسألك غيرها‪ ،‬فيقول‪ :‬يابن آدم ألم تعاهدني أْن ال تسألني‬
‫غيرها؟ ورُّبه يعذره؛ ألَّنه يرى ما ال صبر له عليه فيدنيه منها‪ ،‬فيستظل بظلها‪ ،‬ويشرب من مائها‪،‬‬
‫ثَّم ترفع له شجرة عند باب الجَّنة هي أحسن من األوليين‪ ،‬فيقول‪ :‬أي رِّب أدنني من هذه الشجرة‬
‫ألستظل بظلها وأشرب من مائها‪ ،‬ال أسألك غيرها‪ ،‬فيقول‪ :‬يا ابن آدم ألم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تقدم ص (‪.)782‬‬
‫(‪ )2‬رقم (‪.)187‬‬

‫(‪)2/795‬‬

‫تعاهدني أْن ال تسألني غيرها؟ قال‪ :‬بلى يا رِّب ‪ ،‬هذه ال أسألك غيرها‪ ،‬وربه يعذره؛ ألَّنُه يرى ما ال‬
‫صبر له عليه فيدنيه منها‪ ،‬فإذا أدناُه منها سمع أصوات أهل الجَّنة فيقول‪ :‬يا رِّب أدخلنيها فيقول‪:‬‬
‫يا ابن آدم ما يصريني (‪ )1‬منك‪ ،‬أيرضيك أْن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟ قال‪ :‬يا رِّب أتستهزئ‬
‫ِم ِّني (‪ )2‬وأنت رُّب العالمين؟ فضحك ابن مسعود فقال‪ :‬أال تسألوني ِم َّم أضحك؟ قالوا‪ِ :‬م َّم‬
‫تضحك؟ قال‪ :‬هكذا ضحك رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬فقالوا‪ِ :‬م َّم تضحك يا رسول‬
‫الَّله؟ قال‪" :‬من ضحك رِّب العالمين حين قال‪ :‬أتستهزئ بي وأنت رب العالمين‪ ،‬فيقول‪ :‬ال‬
‫أستهزئ بك ولكِّني على ما أشاء قادر"‪.‬‬
‫وفي "صحيح البرقاني" من حديث أبي سعيد الخدري نحو هذه القصة ونحن نسوقه بتمامه من‬
‫عنده‪ ،‬وهو بإسناد مسلم سواء‪.‬‬
‫قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إَّن أدنى أهل الَّنار عذاًبا منتعل بنعلين من ناٍر‬
‫ِق‬ ‫َّل‬
‫يغلي دماغه من حرارة نعليه (‪ ، )3‬وإَّن أدنى أهل الجَّنة منزلًة رجٌل َص َر َف ال ه وجهه عن الَّناِر َبَل‬
‫الجَّنة‪ ،‬ومَّثَل له شجرة ذات ظٍّل‪ ،‬فقال‪ :‬أي رِّب قِّدمني إلى هذه الشجرة ألكون في ظلها‪ ،‬فقال‬
‫الَّله عَّز وجَّل‪ :‬هل عسيت إْن فعلت أْن تسألني غيره‪ ،‬قال‪ :‬ال وعَّز تك فقَّدمه الَّله إليها‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قال ناسخ "أ"‪" :‬أي‪ :‬يقطعني‪ ،‬والِص رى‪ :‬القطع‪ .‬قال الحربُّي ‪ :‬إَّنما هو تصرك عني‪ ،‬أي‪:‬‬
‫يقطعك عِّني من مسألتي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في نسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬بي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬إلى هنا انتهى لفظ مسلم في صحيحه رقم (‪ ،)211‬وآخره عند مسلم برقم (‪.)188‬‬

‫(‪)2/796‬‬

‫ومَّثل له شجرة ذات ظٍّل وثمٍر أخرى‪ ،‬فقال‪ :‬أي‪ :‬رِّب قدمني إلى هذه الشجرة أستظل بظلها‪،‬‬
‫وآكل من ثمرها‪ ،‬قال‪ :‬فقال "هل عسيت إْن أعطيتك ذلك أْن تسألني غيره‪ ،‬قال‪ :‬ال وعَّز تك‬
‫فيقدمه إليها فيمثل له شجرة أخرى ذات ظٍّل وثمٍر وماٍء ‪ ،‬فيقول‪ :‬أي رِّب قِّدمني إلى هذه‬
‫الشجرة‪ ،‬فأكون في ظلها‪ ،‬وآكل من ثمرها وأشرب من مائها‪ ،‬فيقول‪ :‬هل عسيت إن فعلت ذلك‬
‫أْن تسألني غيره؟ فيقول‪ :‬ال وعَّز تك ال أسألك غيره‪ ،‬فيقدمه الَّله إليها فتبرز له الجَّنة‪ ،‬فيقول‪ :‬أي‬
‫رب قدمني إلى باب الجَّنة فأكون ِنَج اف الجنة ‪-‬وفي رواية‪ :‬تحت نجاف الجَّنة‪ -‬أنظر إلى‬
‫أهلها‪ ،‬فيقدمه الَّله إليها فيرى أهل الجَّنة وما فيها‪ ،‬فيقول‪ :‬أي رِّب أدخلني الجَّنة فيدخله الجَّنة‪،‬‬
‫فإذا دخل الجَّنة‪ ،‬قال‪ :‬هذا لي‪ ،‬فيقول الَّله له‪ :‬تمَّن ‪ ،‬قال‪ :‬فيتمَّنى وُيَذ ِّك ره الَّله سل كذا وكذا‪،‬‬
‫فإذا انقطعت به األماني‪ ،‬قال الَّلُه‪ :‬هو لك وعشرُة أمثاله‪ ،‬قال‪ :‬ثَّم يدخل بيته فتدخل عليه زوجتاُه‬
‫من الحور العين‪ ،‬فيقوالن‪ :‬الحمُد لَّله اَّلذي أحياك لنا وأحيانا لك‪ ،‬فيقول‪ :‬ما ُأعطي أحٌد مثل ما‬
‫ُأعطيت"‪.‬‬
‫وفي "صحيح مسلم" (‪ )1‬من حديث المغيرة بن شعبة رضي الَّله عنه عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪ -‬قال‪" :‬سأل موسى ربه‪ :‬من أدنى أهل الجَّنة منزلة؟ فقال‪ :‬هو رجٌل يجيء بعدما دخل أهل‬
‫الجَّنة الجَّنة‪ ،‬فيقال (‪ )2‬له‪ُ :‬أدخل الجَّنة‪ ،‬فيقول‪ :‬أي ربك كيف؟ وقد نزل الَّناس منازلهم وأخذوا‬
‫أخذاتهم‪ ،‬فيقال له‪ :‬أترضى أْن يكون لك مثل ملك من ملوك‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رقم (‪.)189‬‬
‫(‪ )2‬في نسخٍة على حاشية "أ"‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪)2/797‬‬

‫الدنيا‪ ،‬فيقول رضيت رِّب ‪ ,‬فيقال له‪ :‬لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله‪ ،‬فيقول في الخامسة‪:‬‬
‫رضيُت رب‪ ،‬فيقول‪ :‬لك هذا وعشرة أمثاله‪ ،‬ولك ما اشتهت نفسك ولَّذ ت عينك‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫رضيت رِّب ‪ ،‬قال‪ :‬فأعالهم منزلًة؟ قال‪ :‬ذلك اَّلذي أردت غرست كرامتهم بيدي‪ ،‬وختمُت‬
‫عليها‪ ،‬فلم َتَر عيٌن ‪ ،‬وال تسمع أذٌن ‪ ،‬ولم يخطر على قلب بشر‪ ،‬ومصداقه في كتاب الَّلِه‪َ{ :‬فاَل‬
‫َتْع َلُم َنْف ٌس َما ُأْخ ِف َي َلُه ْم ِم ْن ُقَّر ِة َأْع ُيٍن } [السجدة‪." ]17 :‬‬

‫(‪)2/798‬‬

‫الباب التاسع والستون‪ :‬وهو باٌب جامع فيه فصول منثورة لم ُيْذ كر فيما تقدم من األبواب‬
‫فصل في لسان أهل الجَّنة‬
‫قال ابن أبي الدنيا‪ :‬حدثنا القاسم بن هاشم حدثنا صفوان بن صالح حَّدثني َر َّو اد بن الجَّر اح‬
‫العسقالني‪ ،‬حدثنا األوزاعي عن هارون بن رئاب (‪ ،)1‬عن أنس بن مالك رضي الَّله عنه قال‪ :‬قال‬
‫رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬يدخل أهل الجَّنِة الجَّنِة على طول آدم ستين ذراًعا بذراع‬
‫الملك‪ ،‬على ُح سن يوسف‪ ،‬وعلى ميالد عيسى ثالث وثالثين سنة‪ ،‬وعلى لسان محمد ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪ُ -‬جْر ٌد ُمرٌد مكحلون" (‪.)2‬‬
‫وروى داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال‪" :‬لساُن أهِل الجَّنة عربي" (‪.)3‬‬
‫قال ُعَق ْيل‪ :‬قال الزهري‪" :‬لساُن أهل الجَّنة عربي" (‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب‪ ،‬ج‪ ،‬هـ"‪" :‬رباب" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬تقدم في ص (‪.)315‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)218‬‬
‫وفيه‪ :‬الواقدي محمد بن عمر‪ :‬متروك‪.‬‬
‫وروي عن ابن عباس مرفوًعا مثله‪.‬‬
‫أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)268‬وهو حديث موضوع‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه ابن المبارك في الزهد ‪-‬رواية ُنعيم‪ -‬رقم (‪ ،)245‬وابن أبي الدنيا في =‬

‫(‪)2/799‬‬

‫فصل في احتجاج الجَّنة والَّناِر‬


‫في "الصحيحين" (‪ )1‬من حديث أبي هريرة رضي الَّله عنه عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪-‬‬
‫قال‪" :‬احتجت الَّناُر والجَّنُة فقالت هذه‪َ :‬يْد ُخ لني الجَّبارون والمتكِّبرون‪ ،‬وقالت هذه‪ :‬يدخلني‬
‫الضعفاء والمساكين‪ ،‬فقال الَّلُه عَّز وجَّل لهذه‪ :‬أنت عذابي أعِّذ بك من أشاء‪ ،‬وقال لهذه‪ :‬أنِت‬
‫ُب‬
‫رحمتي أرحُم بك من أشاء‪ ،‬ولكِّل واحدٍة منكما ملؤها"‪.‬‬
‫وفي رواية أخرى‪" :‬تحاجت الَّناُر والجَّنة‪ ،‬فقالت الَّنار‪ :‬أوثرُت بالمتكبرين والمتجبرين‪ ،‬وقالت‬
‫الجَّنة‪ :‬فمالي ال يدخلني إاَّل ضعفاء الَّناس وسقطهم وعجزهم‪ .‬فقال الَّله سبحانه للجَّنة‪ :‬أنِت‬
‫رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي‪ ،‬وقال للَّناِر ‪ :‬أنت عذابي أعِّذ ب بك من أشاء من عبادي‪،‬‬
‫ولكِّل واحدٍة منكما ملؤها‪ ،‬فأَّما الَّناُر فال تمتلئ حَّتى يضع َقَد َمُه عليها فتقول‪ :‬قْط قْط‪ ،‬فهنالك‬
‫تمتلئ وينزوي بعضها إلى بعض‪ ،‬وال يظلُم الَّله من خلقه أحًد ا‪ ،‬وأَّما الجَّنة فإَّن الَّله عَّز وجَّل ينشئ‬
‫لها خلًق ا" (‪.)2‬‬
‫__________‬
‫= صفة الجَّنة رقم (‪.)221 ،219‬‬
‫وسنده صحيح إلى الزهري‪.‬‬
‫(‪ )1‬البخاري رقم (‪ ،)4569‬ومسلم رقم (‪ ،)2846‬واَّللفظ لمسلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬البخاري رقم (‪ ،)4569‬ومسلم (‪.)2846‬‬

‫(‪)2/800‬‬

‫فصل‪ :‬في أَّن الجَّنة يبقى فيها فضل فينشئ الَّله لها خلًق ا دون الَّنار‬
‫في "الصحيحين" (‪ )1‬عن أنس بن مالك رضي الَّله عنه عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪:‬‬
‫"ال َتَز ال جهَّنم ُيلقى فيها وتقول‪َ{ :‬ه ْل ِم ْن َم ِز يٍد } حَّتى يضع رُّب العَّز ِة فيها قدمه فينزوي بعضها‬
‫إلى بعض‪ ،‬وتقول‪َ :‬قْط َقْط بعَّز تك وكرمك‪ ،‬وال يزال في الجَّنة فضٌل حَّتى ينشئ الَّله لها خلًق ا‪،‬‬
‫فيسكنهم الجَّنِة"‪.‬‬
‫وفي لفظ مسلم (‪" :)2‬يبقى من الجَّنة ما شاء الَّلُه أْن يبقى‪ ،‬ثَّم ينشئ الَّله سبحانه لها خلًق ا مَّم ا‬
‫يشاء"‪.‬‬
‫وأَّما اَّللفُظ اَّلذي وقع في "صحيح البخاري" (‪ )3‬في حديث أبي هريرة‪" :‬وأَّنه ينشئ للَّنار من‬
‫يشاء‪ ،‬فيلقى فيها فتقول‪َ{ :‬ه ْل ِم ْن َم ِز يٍد (‪[ })30‬ق‪]30 :‬؛ فغلط من بعض الرواة انقلب عليه‬
‫لفظه‪ ،‬والروايات الصحيحة ونُّص القرآن يرُّده‪ ،‬فإَّن الَّله سبحانه أخبر أَّنُه يمأل جهَّنم من إبليس‬
‫ِق ِف‬
‫وأتباعه‪ ،‬وأَّنه ال يعِّذ ب إاَّل من قامت عليه ُح َّج ُته‪ ،‬وكَّذ ب ُرُس َلُه‪ ،‬قال تعالى‪ُ{ :‬ك َّلَم ا ُأْل َي يَه ا َفْو ٌج‬
‫َس َأَلُه ْم َخ َز َنُتَه ا َأَلْم َيْأِتُك ْم َنِذ يٌر (‪َ )8‬قاُلوا َبَلى َقْد َج اَءَنا َنِذ يٌر َفَك َّذ ْبَنا َو ُقْلَنا َم ا َنَّزَل الَّلُه ِم ْن َش ْي ٍء }‬
‫[الملك‪ ]9 - 8 :‬وال يظلم الَّله أحًد ا من خلقه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري رقم (‪ ،)6949‬ومسلم رقم (‪.)2848‬‬
‫(‪ )2‬رقم (‪.)39( - )2848‬‬
‫(‪ )3‬رقم (‪ ،)7011‬وقد تقدم بيان هذا الغلط ص (‪.)755 - 754‬‬

‫(‪)2/801‬‬

‫فصل‪ :‬في امتناع النوم على أهل الجَّنة‬


‫روى ابن مردويه من حديث سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر قال‪ :‬قال رسول الَّله‬
‫‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬النوُم أخو الموِت ‪ ،‬وأهل الجَّنة ال ينامون" (‪.)1‬‬
‫ِئ‬
‫وذكر الطبراني من حديث يحيى بن سعيد األنصاري‪ ،‬عن محمد بن المنكدر‪ ،‬عن جابر قال‪ُ :‬س َل‬
‫نبي الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬فقيل‪ :‬أيناُم أهل الجَّنة؟ فقال الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪:-‬‬
‫"النوم أخو الموت‪ ،‬وأهل الجَّنة ال ينامون" (‪.)2‬‬

‫فصل‪ :‬في ارتقاء العبد وهو في الجنة من درجٍة إلى درجٍة أعلى منها‬
‫قال اإلمام أحمد‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬أنبأنا حَّم اد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود‪ ،‬عن أبي صالح عن‬
‫أبي هريرة ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إَّن الَّله ليرفُع‬
‫الدرجة للعبِد الصالح في الجَّنة فيقول‪ :‬يا رِّب أَّنى لي هذه؟ فيقول‪ :‬باستغفار ولِد ك لك" (‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تقدم في ص (‪.)71 - 70‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبراني في "األوسط" (‪ ،)919‬وابن عدي في الكامل (‪ ،)366 /6‬وهو حديث‬
‫منكر‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أحمد في المسند (‪ )509 /2‬وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة (‪= ،)189‬‬

‫(‪)2/802‬‬

‫فصل‪ :‬في إلحاق ُذِّر ية المؤمن به في الَّدرجة وإْن لم يعملوا عمله‬


‫ِم‬ ‫ٍن‬ ‫ِذ‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬و اَّل يَن آَم ُنوا َو اَّتَبَعْتُه ْم ُذِّر َّيُتُه ْم (‪ِ )1‬بِإ يَم ا َأْلَح ْق َنا ِبِه ْم ُذِّر َّيَتُه ْم (‪َ )2‬و َم ا َأَلْتَناُه ْم ْن‬
‫َعَم ِلِه ْم ِم ْن َش ْي ٍء ُك ُّل اْم ِر ٍئ ِبَم ا َك َسَب َر ِه يٌن } [الطور‪.]21 :‬‬
‫وروى قيس عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الَّله عنهما قال‪ :‬قال رسول‬
‫الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إَّن الَّله ليرفُع ُذِّر ية المؤمن‬
‫__________‬
‫= وابن ماجه (‪ ،)3660‬والطبراني في األوسط (‪ )5108‬وابن عبد البر في التمهيد (‪/23‬‬
‫‪ .)142‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه حماد بن زيد "فرفعه"‪ ،‬وأبو بكر بن عياش "فوقفه"‪ ،‬والثوري "وقال‪ :‬أكبر ظني أَّنه عن‬
‫رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ "-‬كلهم عن عاصم بن أبي النجود به‪.‬‬
‫أخرجه البيهقي في الكبرى (‪ ،)79 - 78 /7‬والبخاري في األدب المفرد رقم (‪ ،)36‬وابن عبد‬
‫البر (‪.)143 /23‬‬
‫والحديث تفَّر د به عاصم بن أبي النجود عن أبي صالح‪ .‬وعاصم في حفظه مقال‪ ،‬وهو صدوق في‬
‫األصل‪.‬‬
‫‪ -‬وقد ثبت عن سعيد بن المسيب قوله عند مالك في الموطأ رقم (‪ .)578‬فلعَّله تلَّق اه عن أبي‬
‫هريرة‪.‬‬
‫والحديث جَّو د إسناده ابن عبد البر‪ ،‬وصَّح ح إسناده الحافظ ابن كثير في تفسيره (‪،)259 /4‬‬
‫والبوصيري‪.‬‬
‫(‪ )1‬قوله {َو اْتَبْعَناُه م ُذِّر ياتهم} َقرأها أبو عمرو بن العالء‪ ،‬وقرأها الجمهور باإلفراد‪ .‬انظر النشر‬
‫البن الجزري (‪.)282 /2‬‬
‫(‪ )2‬هكذا قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وأبو جعفر ويعقوب وهي من القراءات العشر‬
‫المتواترة‪ .‬انظر‪ :‬النشر (‪.)205 /2‬‬

‫(‪)2/803‬‬

‫ِذ‬ ‫ِب‬
‫إليه في درجته‪ ،‬وإْن كانوا دونه في العمل‪ ،‬لتقَّر ِه ْم عينه‪ ،‬ثَّم قرأ {َو اَّل يَن آَم ُنوا َو اَّتَبَعْتُه ْم ُذِّر َّيُتُه ْم‬
‫ِبِإ يَم اٍن َأْلَح ْق َنا ِبِه ْم ُذِّر َّيَتُه ْم َو َم ا َأَلْتَناُه ْم ِم ْن َعَم ِلِه ْم ِم ْن َش ْي ٍء ُك ُّل اْم ِر ٍئ ِبَم ا َك َسَب َر ِه يٌن } قال‪ :‬ما‬
‫نقصنا اآلَباَء ِم َّم ا َأعطينا البنين" (‪. )1‬‬
‫وذكر ابن مردويه في "تفسيره" من حديث شريك عن سالم األفطس‪ ،‬عن سعيد بن جبير عن ابن‬
‫عباس رضي الَّله عنهما ‪ -‬قال شريك‪ :‬أُظُّنه حكاُه عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إذا‬
‫دخل الرجل الجَّنة سأل عن أبويه وزوجته وولده‪ ،‬فيقال‪ :‬إَّنهم لم يبلغوا درجتك أو عملك‬
‫فيقول‪ :‬يا رب قد عملت لي ولهم‪ ،‬فيؤمر باإللحاق بهم (‪ )2‬ثَّم َتاَل ابن عباس {َو اَّلِذ يَن آَم ُنوا‬
‫َو اَّتَبَعْتُه ْم ُذِّر َّيُتُه ْم } [الطور‪ ]21 :‬إلى آخر آية" (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه البزار رقم (‪ - 2262‬كشف األستار)‪ ،‬وابن مردويه (‪ - 147 /6‬كما في الدر)‪،‬‬
‫والواحدي في الوسيط (‪ ،)187 - 186 /4‬وابن عدي في الكامل (‪ ،)42 /6‬والبغوي في‬
‫معالم التنزيل (‪ )389 /7‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق قيس بن الَّر بيع عن عمرو به نحوه‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه شعبة بن الحجاج وسفيان الثوري وسماعة "على الرواية الَّر اجحة عنه" كلهم عن عمرو‬
‫عن سعيد عن ابن عباس موقوًفا عليه‪.‬‬
‫أخرجه عبد الَّر َّزاق في تفسيره (‪ )200 /2‬رقم (‪ ،)3009‬وهناد في الزهد (‪ ،)179‬والطبري (‬
‫‪ ،)25 ،24 /27‬والطحاوي في شرح مشكل اآلثار (‪ )107 /3‬وغيرهم‪.‬‬
‫وهذا هو الصواب موقوف‪ ،‬وحديث قيس وهٌم ‪ ،‬أخطأ في رفعه‪ ،‬وقد اضطرب فيه فرواُه مرفوًعا‬
‫كما تقدم‪ ،‬وموقوًفا كما عند الطحاوي في المشكل‪.‬‬
‫(‪ )2‬قوله "باإللحاق بهم" وقع عند الطبراني "بإلحاقهم به"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الطبراني في الكبير (‪ )441 - 440 /11‬رقم (‪ ،)12248‬وفي الصغير =‬

‫(‪)2/804‬‬

‫وقد اختلف المفسرون في الذرية في هذه اآلية‪ ،‬هل المراد بها الصغار أو الكبار أو النوعان؟ على‬
‫ثالثة أقواٍل (‪. )1‬‬
‫واختالفهم مبنٌّي على أَّن قوله {ِبِإ يَم اٍن } حاٌل من الذرية التابعين‪ ،‬أو المؤمنين المتبوعين‪.‬‬
‫* فقالت طائفة‪ :‬المعنى واَّلذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم (‪ )2‬في إيمانهم‪ ،‬فأتوا من اإليمان بمثل ما‬
‫أتوا به‪ ،‬ألحقناهم بهم في الدرجات‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ويدُّل على هذا قراءة من قرأ‪َ{ :‬و اَّتَبَعْتُه ْم ُذِّر َّيُتُه ْم } (‪ )3‬فجعل الفعل في االتباع لهم‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وقد أطلق الَّلُه سبحانه الذرية على الكبار‪ ،‬كما قال‪َ{ :‬و ِم ْن ُذِّر َّيِتِه َداُو وَد َو ُس َلْيَم اَن }‬
‫ِم ِدِه‬
‫[األنعام‪ ،]84 :‬وقال‪ُ{ :‬ذِّر َّيَة َمْن َحَم ْلَنا َمَع ُنوٍح } [اإلسراء‪ .]3 :‬وقال‪َ{ :‬و ُك َّنا ُذِّر َّيًة ْن َبْع ْم‬
‫ِل ِب‬
‫َأَفُتْه ُك َنا َم ا َفَعَل‬
‫__________‬
‫= (‪ )382 /1‬رقم (‪.)640‬‬
‫قال الطبراني‪" :‬لم يروه عن سالم إاَّل شريك‪ ،‬تفَّر د به ابن غزوان"‪.‬‬
‫وفيه محمد بن عبد الرحمن بن غزوان‪ :‬وهو متهم بوضع الحديث‪.‬‬
‫انظر الكامل (‪ ،)290 /6‬واللسان (‪.)254 /5‬‬
‫(‪ )1‬انظرها في تفسير الطبري (‪ ،)26 - 24 /27‬والقرطبي (‪ ،)67 - 66 /17‬والماوردي (‬
‫‪ ،)381 /5‬وابن الجوزي (‪ ،)51 - 50 /8‬والبغوي (‪ ،)388 /7‬والسمعاني (‪،)272 /5‬‬
‫والشوكاني (‪.)119 - 118 /5‬‬
‫(‪ )2‬في "د"‪ُ" :‬ذِّر َّياتهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬وهي قراءة القَّر اء العشرة المتواترة عدا أبي عمرو وابن عامر ويعقوب‪.‬‬

‫(‪)2/805‬‬
‫اْلُم ْبِط ُلوَن (‪[ } )173‬األعراف‪ ]173 :‬وهذا قول الكبار العقالء‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ويدُّل على ذلك ما رواُه سعيد بن جبير عن ابن عباس يرفعه‪" :‬إَّن الَّلَه يرفُع ُذِّر َية المؤمن‬
‫إلى درجته‪ ،‬وإْن كانوا دوَنُه في العمِل لتقَّر بهم عيُنه" (‪. )1‬‬
‫فهذا يدُّل على أَّنهم دخلوا بأعمالهم‪ ،‬ولكن لم يكن لهم أعماٌل يبلغوا بها درجة آبائهم فبَّلغهم‬
‫إياها‪ ،‬وإن تقاصر عملهم عنها‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وأيًض ا فاإليمان‪ :‬هو القول والعمل والنية‪ ،‬وهذا إنما يمكن من الكبار‪.‬‬
‫وعلى هذا‪ ،‬فيكون المعنى‪ :‬أَّن الَّله سبحانه يجمع ذرية المؤمن إليه إذا أتوا من اإليمان بمثل‬
‫إيمانه‪ ،‬إذ هذا حقيقة الَّتَبِعَّية‪ ،‬وإن كانوا دونه في اإليمان رفعهم الَّله إلى درجته إقراًر ا لعينه‪،‬‬
‫وتكمياًل لنعيمه‪ ،‬وهذا كما أن زوجات الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬معه في الدرجة َتَبًعا‪ ،‬وإن‬
‫لم يبلغَن (‪ )2‬تلك الدرجة بأعمالهن‪.‬‬
‫* وقالت طائفة أخرى‪ :‬الذرية ها هنا الصغار‪.‬‬
‫والمعنى‪ :‬والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم في إيمان اآلباء‪ ،‬والذرية تتبع اآلباء ‪-‬وإْن كانوا‬
‫صغاًر ا‪ -‬في اإليمان وأحكامه‪ ،‬من الميراث والدية والصالة عليهم‪ ،‬والدفن في قبور المسلمين‪،‬‬
‫وغير‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تقَّدم ص (‪.)804 - 803‬‬
‫(‪ )2‬وقع في جميع النسخ "يبلغوا"‪ ،‬وعَّلق ناسخ "أ" بقوله‪" :‬صوابه‪ :‬يبلْغَن "‪.‬‬

‫(‪)2/806‬‬

‫ذلك؛ إال فيما كان من أحكام البالغين‪ ،‬ويكون قوله {ِبِإ يَم اٍن } على هذا في موضع نصب على‬
‫الحال من الَم ْف ُعوَلْين‪ ،‬أي‪ :‬وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان اآلباء‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ويدل على صحة هذا القول‪ :‬أَّن البالغين (‪ )1‬لهم حكم أنفسهم في الثواب والعقاب‪ ،‬فإَّنهم‬
‫مستِق ُّلون بأنفسهم ليسوا تابعين اآلباء في شيء من أحكام الدنيا‪ ،‬وال أحكام الثواب والعقاب‪،‬‬
‫الستقاللهم بأنفسهم‪ ،‬ولو كان المراد بالذرية‪ :‬البالغين؛ لكان أوالد الصحابة البالغون كلهم في‬
‫درجة آبائهم‪ ،‬ويكون أوالد التابعين البالغين كلهم في درجة آبائهم‪ ،‬وهلم جًّر ا إلى يوم القيامة‪،‬‬
‫فيكون اآلخرون في درجة السابقين‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ويدل عليه أيًض ا‪ ،‬أنه سبحانه جعلهم معهم تبًعا في الدرجة‪ ،‬كما جعلهم تبًعا في اإليمان‪،‬‬
‫ولو كانوا بالغين لم يكن إيمانهم تبعًّيا (‪ ، )2‬بل إيمان استقالل‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ويدل عليه أيًض ا‪ ،‬أن الَّله سبحانه جعل المنازل في الجنة بحسب األعمال في حق‬
‫المستقلين‪ ،‬وأما األتباع فإن الَّله سبحانه يرفعهم إلى درجة أهليهم‪ ،‬وإن لم تكن لهم أعمالهم‪،‬‬
‫كما تقدم‪.‬‬
‫وأيًض ا فالحور العين والخدم في درجة أهاليهم وإن لم يكن لهم عمل بخالف المكلفين البالغين‪،‬‬
‫فإنهم يرفعون إلى حيث َبَّلغتهم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "أ‪ ،‬ج‪ ،‬هـ"‪" :‬التابعين"‪ ،‬والمثبت هو الصواب‪.‬‬
‫(‪ )2‬من قوله "في الدرجة" إلى هنا سقط من "ج"‪.‬‬

‫(‪)2/807‬‬

‫أعمالهم‪.‬‬
‫* وقالت فرقة منهم الواحدي (‪ : )1‬الوْجُه أن ُتْح َم َل الذرية على الصغار والكبار؛ ألَّن الكبير يتبع‬
‫األب بإيمان نفسه‪ ،‬والصغير يتبع األب بإيمان األب‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬والذرية تقع على الصغيِر والكبير‪ ،‬والواحد والكثير‪ ،‬واالبن واألب‪ ،‬كما قال تعالى‪َ{ :‬و آَيٌة‬
‫َلُه ْم َأَّنا َحَم ْلَنا ُذِّر َّيَتُه ْم ِفي اْلُف ْلِك اْلَم ْش ُح وِن } [يس‪ ]41 :‬أي‪ :‬آباءهم‪ ،‬واإليمان يقع على اإليمان‬
‫التبعي‪ ،‬وعلى االختياري الكسبي‪ ،‬فمن وقوعه على الَّتبِعي قوله‪َ{ :‬فَتْح ِر يُر َر َقَبٍة ُمْؤ ِم َنٍة} [النساء‪:‬‬
‫‪ .]92‬فلو أعتق صغيًر ا جاز‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وأقوال السلف تدل على هذا‪ .‬قال سعيد بن جبير‪ :‬عن ابن عباس‪" :‬إَّن الَّله يرفع ُذِّر ية‬
‫المؤمن في درجته وإْن كانوا دوَنُه في العمل‪ ،‬لتقَّر به عيونهم (‪ )2‬ثَّم قرأ هذه اآلية" (‪. )3‬‬
‫وقال ابن مسعود في هذه اآلية‪" :‬الرجُل يكون له القدم‪ ،‬وتكون له الذرية فيدخل الجَّنة‪ ،‬فُيْر َفعون‬
‫إليه لتقَّر به عينه‪ ،‬وإْن لم يبلغوا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في تفسيره الوسيط (‪.)186 /4‬‬
‫(‪ )2‬قوله "به عيونهم" كذا في جميع النسخ‪ ،‬وعَّلق عليه ناسخ "أ" بقوله "كذا" على الحرفين‪.‬‬
‫وجاء في مصادر التخريج "ليقَّر الَّله بهم عينه" هذا لفظ شعبة والثوري لكَّنه لم يذكر "الَّله"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تقَّدم الكالم عليه ص (‪.)804‬‬

‫(‪)2/808‬‬

‫ذلك" (‪. )1‬‬


‫وقال أبو ِم ْج َلٍز ‪" :‬يجمعهم الَّله له كما كان يحب أن يجتمعوا في الدنيا" (‪. )2‬‬
‫وقال الشعبي‪" :‬أدخل الَّله الذرية بعمل اآلباء الجَّنة" (‪. )3‬‬
‫وقال الكلبي عن ابن عباس‪" :‬إْن كان اآلباء أرفع درجة من األبناء رفع الَّله األبناء إلى اآلباء‪ ،‬وإن‬
‫كان األبناء أرفع درجة من اآلباء رفع الَّلُه اآلباء إلى األبناء" (‪. )4‬‬
‫وقال إبراهيم‪" :‬أعطوا مثل أجور آبائهم ولم ينقص اآلباء من أجورهم شيًئا" (‪. )5‬‬
‫قالوا‪ :‬ويدُّل على ِص َّح ة هذا القول أَّن القراءتين كاآليتين‪ ،‬فمن قرأ‪َ{ :‬و اَّتَبَعْتُه ْم ُذِّر َّيُتُه ْم } [الطور‪:‬‬
‫ِم‬ ‫ِب‬ ‫ِن‬ ‫َّل‬
‫‪ ]21‬فهذا في حِّق البالغين ا ذين يصُّح ْسَبة الفعل إليهم كما قال تعالى‪َ{ :‬و الَّس ا ُقوَن اَأْلَّو ُلوَن َن‬
‫ِب ٍن‬ ‫ِذ‬ ‫ِج‬
‫اْلُم َه ا ِر يَن َو اَأْلْنَص اِر َو اَّل يَن اَّتَبُعوُه ْم ِإ ْح َس ا } [التوبة‪ ،]100 :‬ومن قرأ‪َ{ :‬و َأْتَبْعَناُه ْم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬لم أقف عليه‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن المنذر في تفسيره كما في الدر المنثور (‪.)148 /6‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ .)26 - 25 /27‬وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )4‬ذكره القرطبي في الجامع ألحكام القرآن (‪ ،)67 /17‬وهو ال يثبت عن ابن عباس‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه هناد في الزهد رقم (‪ ،)180‬والطبري في تفسيره (‪ )26 /27‬واَّللفظ له‪ .‬وسنده‬
‫صحيح‪.‬‬

‫(‪)2/809‬‬

‫ُذِّر َّياِتِه ْم } فهذا في حِّق الصغار اَّلذين َأْتَبَعُه ُم الَّله آباءهم في اإليمان ُح ْك ًم ا‪ ،‬فدَّلت القراءتان على‬
‫النوعين‪.‬‬
‫قلُت ‪ :‬واختصاص الُّذ رية ها هنا بالصغار أظهر لئال يلزم استواء المتأخرين والسابقين في‬
‫الدرجات‪ ،‬وال يلزم مثل هذا في الِّص غار؛ فإَّن أطفال كِّل رجٍل وذِّر يته معه في درجته‪ ،‬والَّله أعلم‪.‬‬

‫فصل‪ :‬في أن الجنة تتكلم‬


‫قد تقدم قوله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬احتجت الجنة والنار" (‪.)1‬‬
‫وقوله‪" :‬قالت الجنة‪ :‬يا رب قد اطردت أنهاري‪ ،‬وطابت ثماري فعِّج ل علَّي بأهلي" (‪.)2‬‬
‫وقال إسماعيل بن أبي خالد‪ ،‬عن سعد الطائي‪ُ" :‬أْخ ِبرُت أن الَّله تعالى لما خلق الجنة قال لها‪:‬‬
‫تزَّيني فتزَّيَنْت ‪ ،‬ثم قال لها‪ :‬تكلمي‪ ،‬فتكلمت‪ ،‬فقالت‪ :‬طوبى لمن رضيَت عنه" (‪.)3‬‬
‫وقال قتادة‪" :‬لما خلق الَّله الجنة قال لها‪ :‬تكَّلمي‪ ،‬فقالت‪ :‬طوبى‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ص (‪.)800‬‬
‫(‪ )2‬تقدم ص (‪.)43 - 42‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه المروزي في زوائده على الزهد البن المبارك رقم (‪ ،)1524‬وابن أبي الدنيا في صفة‬
‫الجَّنة رقم (‪ ،)38‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪ )19‬وغيرهم‪.‬‬
‫وسنده صحيح‪.‬‬

‫(‪)2/810‬‬

‫للمتقين" (‪.)1‬‬
‫وقال الطبراني‪ :‬حدثنا أحمد بن علي‪ ،‬حدثنا هشام بن خالد‪ ،‬حدثنا بقية‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬عن‬
‫عطاء‪ ،‬عن ابن عباس ‪-‬رضي الَّله عنهما‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬لما‬
‫خلق الَّله جنة عدن َخ َلَق فيها ما ال عين رأت‪ ،‬وال أذن سمعت‪ ،‬وال خطر على قلب بشر‪ ،‬ثم قال‬
‫لها‪ :‬تكلمي‪ ،‬فقالت‪ :‬قد أفلح المؤمنون" (‪.)2‬‬

‫فصل‪ :‬في أن الجنة تزداد ُحْس ًنا على الدوام‬


‫قال عبد الَّله بن أحمد‪ :‬حدثنا خلف بن هشام‪ ،‬حدثنا خالد بن عبد الَّله‪ ،‬عن يزيد بن أبي زياد‪،‬‬
‫عن عبد الَّله بن الحارث‪ ،‬عن كعب قال‪" :‬ما نظر الَّله إلى الجنة إال قال‪ :‬طوبى ألهلك‪ ،‬فتزداد‬
‫ِض ْع ًف ا حتى يدخلها أهلها" (‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)39‬وسنده ضعيف جًّدا‪.‬‬
‫وقد روي مسنًد ا من حديث أنس‪ ،‬وال يصح‪.‬‬
‫(‪ )2‬تقدم في الباب (‪ )64‬ص (‪.)596 - 595‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪ ،)37‬والدارمي في الرِّد على الجهمية رقم (‬
‫‪ )201‬مطَّو اًل ‪ ،‬واآلجري في الشريعة رقم (‪ )573‬مطواًل ‪ ،‬وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (‪.)21‬‬
‫ومداره على يزيد بن أبي زياد‪ ،‬وهو ضعيف‪.‬‬

‫(‪)2/811‬‬

‫فصل‪ :‬في أن الحور العين يطلبن أزواَج هن أكثر مما يطلبهَّن أزواُج هّن‬
‫قد تقدم حديث معاذ (‪ )1‬بن جبل في ذلك‪ ،‬وقول الحوراء المرأته في الدنيا‪" :‬ال تؤذيه فيوشك‬
‫أن يفارقك إلينا" (‪.)2‬‬
‫وحديث عكرمة‪ ،‬عن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬في قول الحوراء‪" :‬اللهم أِع ْنه على دينك‪،‬‬
‫وأْقِبْل بقلبه على طاعتك" (‪.)3‬‬
‫وذكر ابن أبي الدنيا‪ ،‬عن أبي سليمان الداراني قال‪ /184[ :‬أ] "كان شاب بالعراق يتعبد‪ ،‬فخرج‬
‫مع رفيق له إلى مكة‪ ،‬فكان إذا نزلوا فهو يصلي‪ ،‬وإن أكلوا فهو صائم‪ ،‬فصبر عليه رفيقه ذاهًبا‬
‫وجائًيا‪ ،‬فلما أراد أن يفارقُه‪ ،‬قال له‪ :‬يا أخي أخبرني ما الذي َه َّيَج ك إلى ما رأيت؟ قال‪ :‬رأيت في‬
‫النوم قصًر ا من قصور الجنة‪ ،‬وإذا لبنة من فضة ولبنة ذهب‪ ،‬فلما تم البناء إذا شرفة من زبرجد‪،‬‬
‫وشرفة من ياقوت‪ ،‬وبينهما حوراء من حور العين مْر ِخ َّية شعرها‪ ،‬عليها ثوب من فضة ينثني معها‬
‫كلما َتَّثنْت ‪ ،‬فقالت‪ُ :‬ج َّد إلى الَّله في طلبي‪ ،‬فقد والَّله جددت إليه في طلبَك ‪ ،‬فهذا الذي تراه في‬
‫طلبها"‪.‬‬
‫قال أبو سليمان‪" :‬هذا في طلب حوراء‪ ،‬فكيف بمن قد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ليس في "أ"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ص (‪.)512‬‬
‫(‪ )3‬ص (‪.)513‬‬
‫(‪)2/812‬‬

‫طلب ما هو (‪ )1‬أكثر منها؟ " (‪.)2‬‬

‫فصل‪ :‬في ذبح الموت بين الجنة والنار‬


‫قال الَّله تعالى‪َ{ :‬و َأْنِذ ْر ُه ْم َيْو َم اْلَح ْسَر ِة ِإْذ ُقِض َي اَأْلْم ُر َو ُه ْم ِفي َغْفَلٍة َو ُه ْم اَل ُيْؤ ِم ُنوَن (‪})39‬‬
‫[مريم‪.]39 :‬‬
‫وعن أبي سعيد الخدري ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬يجاء‬
‫بالموت كأنه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار‪ ،‬فيقال‪ :‬يا أهل الجنة‪ ،‬هل تعرفون هذا؟‬
‫فيشرِئُّبون (‪ )3‬وينظرون ويقولون‪ :‬نعم‪ ،‬هذا الموت‪ .‬قال‪ :‬ثم يقال‪ :‬يا أهل النار‪ ،‬هل تعرفون‬
‫هذا؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون‪ :‬نعم‪ ،‬هذا الموت‪ ،‬قال‪ :‬فيؤمر به فيذبح‪ ،‬قال‪ :‬ثم يقال‪ :‬يا‬
‫أهل الجنة خلود فال موت‪ ،‬ويا أهل النار خلود فال موت‪ ،‬ثم قرأ رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪َ{ :-‬و َأْنِذ ْر ُه ْم َيْو َم اْلَح ْسَر ِة ِإْذ ُقِض َي اَأْلْم ُر َو ُه ْم ِفي َغْفَلٍة َو ُه ْم اَل ُيْؤ ِم ُنوَن (‪ " })39‬متفق‬
‫عليه (‪.)4‬‬
‫وفي "الصحيحين" (‪ )5‬أيًض ا من حديث ابن عمر ‪-‬رضي الَّله عنهما‪-‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله "بمن قد طلب ما هو" وقع عند ابن أبي الدنيا "اَّلذي يريد ما هو"‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (‪.)360‬‬
‫(‪ )3‬قال ناسخ "أ" من المطالع‪" :‬يشرئبون‪ :‬يمُّدون أعناقهم رافعي رؤوسهم متشِّو فين متطاولين‬
‫لذلك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬البخاري رقم (‪ ،)4453‬ومسلم رقم (‪.)2849‬‬
‫(‪ )5‬البخاري رقم (‪ ،)6178‬ومسلم رقم (‪.)2850‬‬

‫(‪)2/813‬‬
‫أَّن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪ُ" :‬يدِخ ل الَّله أهَل الجنِة الجنَة‪ ،‬ويدخل أهَل النار‬
‫النار‪ ،‬ثم يقوم مؤذن بينهم‪ ،‬فيقول‪ :‬يا أهل الجنة ال موت‪ ،‬ويا أهل النار ال موت‪ ،‬كٌّل خالد فيما‬
‫هو فيه"‪.‬‬
‫وعنه قال‪ :‬قال رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إذا صار أهل الجنة إلى الجنة‪ ،‬وصار أهل‬
‫النار إلى النار ُأِتَي بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار‪ ،‬ثم يذبح ثم ينادي مناٍد ‪ :‬يا أهل الجنة‪ :‬ال‬
‫موت‪ ،‬ويا أهل النار ال موت‪ ،‬فيزداد أهل الجنة فرًح ا إلى فرحهم‪ ،‬ويزداد أهل النار حزًنا إلى‬
‫حزنهم" (‪. )1‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪-‬رضي الَّله عنه‪ -‬أَّن رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إذا دخَل أهل‬
‫الجَّنة الجَّنة وأهُل الَّناِر الَّناَر ُأِتَي بالموِت ُمَلَّبًبا فيوقُف على الُّس ور اَّلذي بين أهل الجَّنة وأهِل‬
‫الَّناِر ‪ ،‬ثَّم ُيقال‪ :‬يا أهل الجَّنة فيَّطلعون خائفين‪ ،‬ثَّم ُيقال‪ :‬يا أهل الَّنار فيطلعون مستبشرين يرجون‬
‫الشفاعة‪ ،‬فيقال ألهل الجَّنة وأهل الَّناِر ‪ :‬هل تعرفون هذا؟ فيقولون‪ :‬هؤالء وهؤالء‪ :‬قد عرفناُه‪،‬‬
‫هو الموت‪ ،‬اَّلذي ُو ِّك َل بنا‪ ،‬فيضجع فُيْذ بح َذْبًح ا على السور‪ ،‬ثَّم يقال‪ :‬يا أهل الجَّنة خلوٌد ال‬
‫موت‪ ،‬ويا أهل الَّناِر خلوٌد ال موت" (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري رقم (‪ ،)6182‬ومسلم رقم (‪.)2850‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الترمذي رقم (‪ ،)2557‬والنسائي في الكبرى (‪ )481 /6‬رقم (‪ ،)11569‬وأحمد‬
‫في المسند (‪ ،)369 - 368 /2‬وابن خزيمة في التوحيد رقم (‪ 123‬و ‪ )251‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق العالء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة فذكره مطَّو اًل ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬لفظة "خائفين" غريبة‪ ،‬لم َتِر ْد في الروايات الصحيحة‪= .‬‬

‫(‪)2/814‬‬

‫رواُه النسائي والترمذي وقال‪" :‬حديٌث حسٌن صحيح"‪.‬‬


‫وهذا الكبش‪ ،‬واإلضجاع‪ ،‬والذبح‪ ،‬ومعاينة الفريقين ذلك = حقيقٌة ال خيال وال تمثيل‪ ،‬كما أخطأ‬
‫فيه بعض الَّناس خطًأ قبيًح ا‪ ،‬وقال‪ :‬الموت َعَر ض‪ ،‬والعرض ال يتجَّس م فْض اًل عن أْن ُيذبح‪ .‬وهذا‬
‫ال يصُّح فإَّن الَّله سبحانه ينشئ من الموت صورة كبش يذبح‪ ،‬كما ينشئ من األعمال صوًر ا‬
‫ُمَعاينة ُيَثاُب بها ويعاقب‪ ،‬والَّله تعالى ينشئ من األعراض أجساًما تكون اَألعراض ماَّدًة لها‪،‬‬
‫وينشئ من األجسام أعراًض ا‪ ،‬كما ينشئ سبحانه من األعراض أعراًض ا‪ ،‬ومن األجسام أجساًما‪.‬‬
‫فاألقسام األربعة ممكنة مقدورة للَّر ب تعالى‪ ،‬وال يستلزم جمًعا بين النقيضين‪ ،‬وال شيًئا من‬
‫الُمَح ال‪ ،‬وال حاجة إلى تكلف من قال‪ :‬إَّن الذبح لملك الموت‪ .‬فهذا كله من االستدراك الفاسد‬
‫على الَّله ورسوله‪ ،‬والتأويل الباطل اَّلذي ال يوجبه عقٌل وال نقل‪ ،‬وسببه ِقَّلة‬
‫__________‬
‫= * ورواُه محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة نحوه‪.‬‬
‫لكَّنه قال‪" :‬فيذبح على الصراط" بدل "السور"‪.‬‬
‫أخرجه ابن ماجه رقم (‪ )4327‬وأحمد (‪ )261 /2‬وغيرهما‪.‬‬
‫* ورواُه عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن أبي هريرة نحوه؛ لكَّنه قال "فيوقف بين الجَّنة والَّنار"‬
‫بدل "السور" أخرجه أحمد (‪ 377 /2‬و‪ )423‬وغيره‪.‬‬
‫ورواُه عبد الَّله بن عمر وأبو سعيد الخدري بلفظ "فيوقف بين الجَّنة والَّنار" بدل "السور"‪.‬‬
‫عند البخاري رقم (‪ 4730‬و‪ )6548‬ومسلم رقم (‪.)2850 ،2849‬‬

‫(‪)2/815‬‬

‫الفهم لمراد الرسول ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬من كالمه‪ ،‬فظَّن هذا القائل أَّن لفظ الحديث يدُّل‬
‫على أن نْف َس الَعَر ض ُيذبح‪.‬‬
‫وظَّن غالٌط آخر‪ :‬أَّن الَعَر َض ُيعدم ويزول‪ ،‬ويصير مكانه جسٌم ُيذبح‪.‬‬
‫ولم يهتد الفريقان إلى هذا القول اَّلذي ذكرناُه‪ ،‬وأَّن الَّله سبحانه وتعالى ُينشئ من األعراض‬
‫أجساًم ا يجعلها ماَّدًة لها‪ ،‬كما في الصحيح عنه‪" :‬تجيء البقرة وآل عمران يوم القيامة كأَّنهما‬
‫غمامتان" (‪ )1‬الحديث‪.‬‬
‫فهذه هي القراءة ينشئها الَّله سبحانه غمامتين‪.‬‬
‫وكذلك قوله في الحديث اآلخر‪ِ" :‬إَّن ما تذكرون من جالل الَّله من تسبيحه وتمجيده (‪)2‬‬
‫وتكبيره‪ ،‬وتهليله‪ ،‬يتعاطفن حول العرش‪ ،‬لُه َّن َدَو ٌّي كدوِّي الَّنحِل ‪ُ ،‬يَذ ِّك ْر َن بصاحبهن" (‪ )3‬ذكره‬
‫أحمد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم برقم (‪.)804‬‬
‫(‪ )2‬في "ج"‪ ،‬ومصادر التخريج "وتحميده"‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أحمد في المسند (‪ 268 /4‬و ‪ ،)271‬وابن ماجه رقم (‪ ،)3809‬وابن أبي شيبة في‬
‫المصنف رقم (‪ ،)35027 ,29406‬والطبراني في الدعاء رقم (‪ ،)1693‬والبزار في مسنده (‬
‫‪ )199 /8‬رقم (‪ ،)3236‬وأبو نعيم في الحلية (‪ )269 /4‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق موسى بن مسلم عن عون بن عبد الَّله عن أخيه أو عن أبيه عن النعمان بن بشير فذكره‪.‬‬
‫قال أبو نعيم‪" :‬غريب من حديث عون‪ ،‬تفَّر د به عنه موسى‪ ،‬وهو =‬

‫(‪)2/816‬‬

‫وكذلك قوله في حديث عذاب القبر ونعيمه للصورة التي يراها‪" :‬فيقول‪ :‬من أنَت ؟ فيقوُل ‪ :‬أنا‬
‫عملك الَّص الح‪ ،‬وأنا عملك السيئ" (‪. )1‬‬
‫وهذا حقيقة ال خيال؛ ولكَّن الَّله سبحانه أنشأ له من عمله صورًة حسنًة‪ ،‬وصورة قبيحة‪ ،‬وهل‬
‫النور اَّلذي ُيْق َس م بين المؤمنين يوم القيامة إاَّل نفس إيمانهم‪ ،‬أنشأ الَّلُه سبحانه منه نوًر ا‪ ،‬يسعى بين‬
‫أيديهم (‪ ، )2‬فهذا أمٌر معقوٌل لو لم يرد به النص‪ ،‬فورود النص به من باب تطابق السمع والعقل‪.‬‬
‫وقال سعيد عن قتادة‪ :‬بلغنا أَّن نبي الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إَّن المؤمن إذا خرج من‬
‫قبره ُصِّو َر له عمله في صورٍة حسنٍة وشارٍة (‪ )3‬حسنة‪ ،‬فيقول له‪ :‬من أنَت ؟ فواهلل إِّني ألراك امرأ‬
‫الصدق‪ ،‬فيقول له‪ :‬أنا عملك‪ ،‬فيكون له نوًر ا وقائًد ا إلى الجَّنة‪ .‬وأَّم ا الكافر إذا خرج من قبره‪،‬‬
‫ُصِّو ر له عمله في صورة سيئة‪ ،‬وشارة سيئة‪ ،‬فيقول‪ :‬ما أنت؟ فواهلل إِّني ألراك امرأ السوء‪ ،‬فيقول‬
‫له‪ :‬أنا عملك‪ ،‬فينطلق به حَّتى يدخله الَّنار" (‪. )4‬‬
‫وقال مجاهد‪ :‬مثل ذلك (‪. )5‬‬
‫__________‬
‫= أبو عيسى موسى بن مسلم الطحان‪ ،‬يعرف بالصغير"‪.‬‬
‫(‪ )1‬تقدم في ص (‪ ،)145 - 141‬وراجع ص (‪.)34 - 33‬‬
‫(‪ )2‬يشير إلى آية الحديد (‪ ،)12‬وآية التحريم (‪.)8‬‬
‫(‪ )3‬في "ب‪ ،‬د"‪" :‬إشارة"‪ ،‬وفي "ج"‪" :‬وبشارة" في كال الموضعين‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ )8 /11‬وهو مرسل صحيح اإلسناد‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الطبري (‪ )89 /11‬بلفظ "يكون لهم نوًر ا يمشون به"‪.‬‬
‫وهو صحيح عن مجاهد‪.‬‬

‫(‪)2/817‬‬

‫وقال ابن ُج ريج‪ُ" :‬يَم َّثُل له عمله في صورة حسنة‪ ،‬وريح طيبة‪ ،‬يعارض صاحبه ويبشره بكِّل خيٍر ‪،‬‬
‫فيقول له‪ :‬من أنَت ؟ فيقول‪ :‬أنا عملك‪ ،‬فيجعل له نوًر ا بين يديه حَّتى يدخله الجَّنة فذلك قوله‪:‬‬
‫{َيْه ِد يِه ْم َر ُّبُه ْم ِبِإ يَم اِنِه ْم } [يونس‪ ،]9 :‬والكافُر ُيَم َّثُل له عمله في صورٍة سِّيئة وريح منتنة‪ ،‬فيالزم‬
‫صاحبه وُيالُّدُه (‪ )1‬حَّتى يقذفه في الَّناِر " (‪. )2‬‬
‫وقال ابن المبارك‪ :‬حدثنا المبارك بن فضالة‪ ،‬عن الحسن أَّنه ذكر هذه اآلية‪َ{ :‬أَفَم ا َنْح ُن ِبَم ِّيِتيَن (‬
‫‪ِ )58‬إاَّل َمْو َتَتَنا اُأْلوَلى َو َما َنْح ُن ِبُم َعَّذ ِبيَن (‪[ } )59‬الصافات‪ ]59 - 58 :‬قال‪" :‬علموا أَّن كَّل‬
‫ِب ِب‬ ‫ِب ِت‬
‫نعيٍم بعده الموُت أَّنه يقطعه‪ ،‬فقالوا‪َ{ :‬أَفَم ا َنْح ُن َم ِّي يَن (‪ِ )58‬إاَّل َمْو َتَتَنا اُأْلوَلى َو َما َنْح ُن ُم َعَّذ يَن‬
‫(‪ } )59‬قيل‪ :‬ال‪ ،‬قالوا‪ِ{ :‬إَّن َه َذ ا َلُه َو اْلَف ْو ُز اْلَعِظ يُم (‪. )3( " } )60‬‬
‫وكان يزيد الَّر قاشي يقول في كالمه‪َ" :‬أِم َن أهُل الجَّنة من الموِت ‪ ،‬فطاَب لهم العيش‪ ،‬وأِم ُنوا من‬
‫األسقاِم ‪ ،‬فُه نا هم في جوار الَّلِه طول (‪ )4‬المقام‪ ،‬ثَّم يبكي حَّتى تجري دموعه على لحيته" (‪. )5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬كذا في جميع النسخ ومعناُه الَّس ير بجانبه‪ ،‬انظر‪ :‬اللسان (‪ ،)390 /3‬ووقع عند الطبري (‬
‫‪ - 28 /15‬ط‪ /‬شاكر) "ويالُّز ُه" بالَّز اي المشَّددة‪ ،‬وهي بمعنى المقارنة والمالزمة‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبري (‪.)89 /11‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن المبارك في الزهد ‪-‬رواية ُنعيم‪ -‬رقم (‪ ،)278‬وابن أبي حاتم في تفسيره (‪/5‬‬
‫‪ - 521‬الدر المنثور)‪.‬‬
‫وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )4‬ليس في "ب"‪.‬‬
‫(‪ )5‬ذكره المزي في تهذيب الكمال (‪.)73 /32‬‬

‫(‪)2/818‬‬
‫فصل‪ :‬في ارتفاع العبادات في الجَّنة إال عبادة الذكر فهي دائمة‬
‫روى مسلم في "صحيحه" (‪ )1‬من حديث جابر بن عبد الَّله ‪-‬رضي الَّله عنهما‪ -‬أَّن الَّنبي ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬يأكل أهل الجَّنة فيها ويشربون‪ ،‬وال َيْم تِخ ُطون وال يتغَّو ُطون‪ ،‬وال يبولون‪،‬‬
‫ويكون طعامهم ذلك جشاًء ورشًح ا كرشح المسك‪ُ ،‬يْلَه مون التسبيح والحمد كما يلهمون‬
‫الَّنَف س"‪.‬‬
‫وفي رواية "التسبيح والتكبير كما تلهمون" (‪ )2‬بالتاء المثناة من فوق‪ ،‬أي‪ :‬تسبيحهم وتحميدهم‬
‫يجري مع األنفاس‪ ،‬كما تلهمون أنتم الَّنَف س‪.‬‬

‫فصل‪ :‬في تذاكر أهل الجَّنة ما كان بينهم في دار الدنيا‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬فَأْقَبَل َبْع ُضُه ْم َعَلى َبْع ٍض َيَتَس اَءُلوَن (‪َ )50‬قاَل َقاِئٌل ِم ْنُه ْم ِإِّني َك اَن ِلي َقِر يٌن (‪})51‬‬
‫[الصافات‪ ]51 - 50 :‬اآليات‪ ،‬وقد تقدم الكالم عليها (‪.)3‬‬
‫وقال‪َ{ :‬و َأْقَبَل َبْع ُضُه ْم َعَلى َبْع ٍض َيَتَس اَءُلوَن (‪َ )25‬قاُلوا ِإَّنا ُك َّنا َقْبُل ِفي َأْه ِلَنا ُمْش ِفِق يَن (‪َ )26‬فَم َّن‬
‫الَّلُه َعَلْيَنا َو َو َقاَنا َعَذ اَب الَّس ُم وِم (‪[ })27‬الطور‪.]27 - 25 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رقم (‪.)19( - )18( - )2835‬‬
‫(‪.)20( - )2835( )2‬‬
‫(‪ )3‬في (ص‪.)563 - 562 /‬‬

‫(‪)2/819‬‬

‫وذكر ابن أبي الدنيا من حديث الربيع بن صبيح‪ ،‬عن الحسن‪ ،‬عن أنٍس يرفعه‪" :‬إذا دخل أهل‬
‫الجَّنِة الجَّنَة‪ ،‬قال (‪ : )1‬فيشتاق اإلخوان بعضهم إلى بعض‪ ،‬فيسير سرير هذا إلى سرير هذا‪،‬‬
‫وسرير هذا إلى سرير هذا‪ ،‬حتى يجتمعا جميًع ا فيتكئ هذا‪ ،‬ويتكئ هذا‪ ،‬فيقول أحدهما لصاحبه‪:‬‬
‫تعلم متى غفر الَّله لنا؟ فيقول صاحبه‪ :‬نعم يوم كذا وكذا‪ ،‬في موضع كذا وكذا‪ ،‬فدعونا الَّله‬
‫فغفر لنا" (‪. )2‬‬
‫وإذا تذاكروا ما كان بينهم‪ ،‬فتذاكرهم فيما كان ُيْش ِكُل عليهم في الدنيا من مسائل العلم‪ ،‬وفهم‬
‫القرآن والسنة‪ ،‬وِص َّح ة األحاديث = أولى وأحرى‪ ،‬فإن المذاكرة في الدنيا في ذلك ألُّذ من‬
‫الطعام والشراب والجماع‪ ،‬فتذاكر ذلك في الجَّنة أعظم لَّذ ة‪ ،‬وهذه لَّذ ة يختص بها أهل العلم‪،‬‬
‫ويتميزون بها على من عداهم‪ .‬والَّله المستعان‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سقط من جميع النسخ‪.‬‬
‫(‪ )2‬تقدم الكالم عليه ص (‪ ،)566‬وهو ال يثبت‪.‬‬

‫(‪)2/820‬‬

‫الباب السبعون‪ :‬في ذكر المستحق لهذه البشرى دون غيره‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و َبِّش ِر اَّلِذ يَن آَم ُنوا َو َعِم ُلوا الَّصاِلَح اِت َأَّن َلُه ْم َج َّناٍت َتْج ِر ي ِم ْن َتْح ِتَه ا اَأْلْنَه اُر }‬
‫[البقرة‪.]25 :‬‬
‫وقال تعالى‪َ{ :‬أاَل ِإَّن َأْو ِلَياَء الَّلِه اَل َخ ْو ٌف َعَلْيِه ْم َو اَل ُه ْم َيْحَز ُنوَن (‪ )62‬اَّلِذ يَن آَمُنوا َو َك اُنوا َيَّتُقوَن‬
‫(‪َ )63‬لُه ُم اْلُبْش َر ى ِفي اْلَحَياِة الُّد ْنَيا َو ِفي اآْل ِخ َر ِة اَل َتْبِد يَل ِلَك ِلَم اِت الَّلِه َذِلَك ُه َو اْلَف ْو ُز اْلَعِظ يُم (‬
‫‪[ })64‬يونس‪.]64 - 62 :‬‬
‫وقال تعالى‪ِ{ :‬إَّن اَّلِذ يَن َقاُلوا َر ُّبَنا الَّلُه ُثَّم اْس َتَق اُموا َتَتَنَّزُل َعَلْيِه ُم اْلَم اَل ِئَك ُة َأاَّل َتَخ اُفوا َو اَل َتْحَز ُنوا‬
‫َو َأْبِش ُر وا ِباْلَج َّنِة اَّلِتي ُك ْنُتْم ُتوَعُد وَن (‪[ })30‬فصلت‪.]30 :‬‬
‫ِع‬
‫وقال تعالى‪َ{ :‬فَبِّش ْر َباِد (‪ )17‬اَّلِذ يَن َيْس َتِم ُعوَن اْلَق ْو َل َفَيَّتِبُعوَن َأْح َس َنُه ُأوَلِئَك اَّلِذ يَن َه َد اُه ُم الَّلُه‬
‫َو ُأوَلِئَك ُه ْم ُأوُلو اَأْلْلَباِب (‪[ })18‬الزمر‪.]18 - 17 :‬‬
‫وقال تعالى‪{ :‬اَّلِذ يَن آَم ُنوا َو َه اَج ُر وا َو َج اَه ُد وا ِفي َس ِبيِل الَّلِه ِبَأْم َو اِلِه ْم َو َأْنُفِس ِه ْم َأْع َظُم َدَرَج ًة ِع ْنَد‬
‫الَّلِه َو ُأوَلِئَك ُه ُم اْلَف اِئُز وَن (‪ُ )20‬يَبِّش ُر ُه ْم َر ُّبُه ْم ِبَر ْح َم ٍة ِم ْنُه َو ِر ْض َو اٍن َو َج َّناٍت َلُه ْم ِفيَه ا َنِعيٌم ُمِق يٌم (‬
‫‪َ )21‬خ اِلِد يَن ِفيَه ا َأَبًد ا ِإَّن الَّلَه ِع ْنَدُه َأْج ٌر َعِظ يٌم (‪[ })22‬التوبة‪.]22 - 20 :‬‬
‫وقال تعالى‪ { :‬اَّلِذ ي آ ُنوا َعِم ُلوا الَّصاِل اِت ِفي َض اِت‬
‫َرْو‬ ‫َح‬ ‫َو َن َم َو‬

‫(‪)2/821‬‬

‫َّلِذ‬ ‫ِع‬ ‫ِل َّلِذ‬ ‫ِب‬ ‫ِل‬ ‫ِع‬ ‫ِت‬


‫اْلَج َّنا َلُه ْم َما َيَش اُءوَن ْنَد َر ِّبِه ْم َذ َك ُه َو اْلَف ْض ُل اْلَك يُر (‪َ )22‬ذ َك ا ي ُيَبِّش ُر الَّلُه َباَدُه ا يَن‬
‫آَم ُنوا َو َعِم ُلوا الَّصاِلَح اِت } [الشورى‪.]23 ،22 :‬‬
‫وقال تعالى‪ِ{ :‬إَّنَم ا ُتْنِذ ُر َمِن اَّتَبَع الِّذ ْك َر َو َخ ِش َي الَّر ْح َمَن ِباْلَغْيِب َفَبِّش ْر ُه ِبَم ْغِف َر ٍة َو َأْج ٍر َك ِر يٍم (‬
‫‪[ } )11‬يس‪.]11 :‬‬
‫وقال تعالى‪َ{ :‬ياَأُّيَه ا الَّنِبُّي ِإَّنا َأْرَس ْلَناَك َش اِه ًد ا َو ُمَبِّش ًر ا َو َنِذ يًر ا (‪َ )45‬و َداِع ًيا ِإَلى الَّلِه ِبِإ ْذِنِه َو ِس َر اًج ا‬
‫ُمِنيًر ا (‪َ )46‬و َبِّش ِر اْلُم ْؤ ِم ِنيَن ِبَأَّن َلُه ْم ِم َن الَّلِه َفْض اًل َك ِبيًر ا (‪[ } )47‬األحزاب‪.]47 - 45 :‬‬
‫وقال تعالى‪َ{ :‬و اَل َتْح َس َبَّن اَّلِذ يَن ُقِتُلوا ِفي َس ِبيِل الَّلِه َأْم َو اًتا َبْل َأْحَياٌء ِع ْنَد َر ِّبِه ْم ُيْر َز ُقوَن (‪)169‬‬
‫ِب ِم ِف‬ ‫ِب ِذ‬ ‫ِش‬ ‫ِلِه‬ ‫ِم‬ ‫ِح ِب‬
‫َفِر يَن َم ا آَتاُه ُم الَّلُه ْن َفْض َو َيْس َتْب ُر وَن اَّل يَن َلْم َيْلَح ُقوا ِه ْم ْن َخ ْل ِه ْم َأاَّل َخ ْو ٌف َعَلْيِه ْم‬
‫َو اَل ُه ْم َيْحَز ُنوَن (‪َ )170‬يْس َتْبِش ُر وَن ِبِنْع َم ٍة ِم َن الَّلِه َو َفْض ٍل َو َأَّن الَّلَه اَل ُيِض يُع َأْج َر اْلُم ْؤ ِم ِنيَن (‪)171‬‬
‫} (‪[ )1‬آل عمران‪.]171 - 169 :‬‬
‫َأ اَل ِبَأَّن َل اْل َّنَة َق اِتُلوَن ِفي ِبيِل الَّلِه‬ ‫ِم ِن‬ ‫ِم‬
‫َس‬ ‫ُه ُم َج ُي‬ ‫وقال تعالى‪ِ{ :‬إَّن الَّلَه اْش َتَر ى َن اْلُم ْؤ يَن َأْنُفَس ُه ْم َو ْم َو ُه ْم‬
‫َأ َفى ِب ْه ِدِه ِم الَّلِه‬ ‫ِن‬ ‫ِة ِج‬ ‫ِه ِف‬
‫َن‬ ‫َفَيْق ُتُلوَن َو ُيْق َتُلوَن َو ْعًد ا َعَلْي َح ًّق ا ي الَّتْو َر ا َو اِإْل ْن يِل َو اْلُقْر آ َو َمْن ْو َع‬
‫َفاْس َتْبِش ُر وا ِبَبْيِعُك ُم اَّلِذ ي َباَيْعُتْم ِبِه َو َذِلَك ُه َو اْلَف ْو ُز اْلَعِظ يُم (‪[ } )111‬التوبة‪.]111 :‬‬
‫وقال تعالى‪َ { :‬لَنْبُل َّنُك ِبَش ٍء ِم اْلَخ ِف اْل وِع ْق ٍص ِم اَأْلْم اِل اَأْلْنُف ِس الَّث اِت‬
‫َو َمَر‬ ‫َن َو َو‬ ‫َو َو ْم ْي َن ْو َو ُج َو َن‬
‫ِص ي ٌة َقاُلوا ِإَّنا ِلَّلِه‬ ‫ِذ‬
‫َو َبِّش ِر الَّصاِبِر يَن (‪ )155‬اَّل يَن ِإَذا َأَص اَبْتُه ْم ُم َب‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬آية رقم (‪ )171‬من "ب‪ ،‬د" فقط‪.‬‬

‫(‪)2/822‬‬

‫َو ِإَّنا ِإَلْيِه َر اِج ُعوَن (‪ُ )156‬أوَلِئَك َعَلْيِه ْم َص َلَو اٌت ِم ْن َر ِّبِه ْم َو َر ْح َم ٌة َو ُأوَلِئَك ُه ُم اْلُم ْهَتُد وَن (‬
‫‪[ } )157‬البقرة‪.]157 - 155 :‬‬
‫وقال تعالى‪َ{ :‬و ُأْخ َر ى ُتِح ُّبوَنَه ا َنْص ٌر ِم َن الَّلِه َو َفْتٌح َقِر يٌب َو َبِّش ِر اْلُم ْؤ ِم ِنيَن (‪[ } )13‬الصف‪:‬‬
‫‪.]13‬‬
‫وقال في الجَّنة‪ُ{ :‬أِع َّد ْت ِلْلُم َّتِق يَن (‪[ } )133‬آل عمران‪.]133 :‬‬
‫وقال‪ُ{ :‬أِع َّد ْت ِلَّلِذ يَن آَم ُنوا ِبالَّلِه َو ُرُس ِلِه} [الحديد‪.]21 :‬‬
‫وقال‪ِ{ :‬إَّن اَّلِذ يَن آَم ُنوا َو َعِم ُلوا الَّصاِلَح اِت َك اَنْت َلُه ْم َج َّناُت اْلِف ْر َدْو ِس ُنُز اًل (‪[ } )107‬الكهف‪:‬‬
‫‪.]107‬‬
‫وقال تعالى‪َ{ :‬قْد َأْفَلَح اْلُم ْؤ ِم ُنوَن (‪ }) 1‬إلى قوله‪{ :‬اَّلِذ يَن َيِر ُثوَن اْلِف ْر َدْو َس ُه ْم ِفيَه ا َخ اِلُد وَن (‬
‫‪[ } )11‬المؤمنون‪.]11 - 1 :‬‬
‫وفي "المسند" وغيره أَّن الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬قد ُأْنزلت علَّي عشر آيات من‬
‫أقامهَّن دخل الجَّنة‪ ،‬ثَّم قرأ {َقْد َأْفَلَح اْلُم ْؤ ِم ُنوَن ( ‪ })1‬حَّتى ختم العشر اآليات" (‪. )1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد (‪ ،)34 /1‬وعبد الرزاق في المصنف (‪ ،)6038‬والترمذي رقم (‪،)3173‬‬
‫وعبد بن حميد في مسنده (‪ - 15‬المنتخب)‪ ،‬والنسائي في الكبرى (‪ )450 /1‬رقم (‪،)1439‬‬
‫والعقيلي في الضعفاء (‪ ،)460 /4‬والحاكم (‪ )425 /2‬رقم (‪ ،)3479‬والبغوي في شرح السنة‬
‫(‪ )177 /5‬رقم (‪ ،)1376‬وابن عدي في الكامل (‪ )175 /7‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق عبد الرزاق عن يونس بن سليم قال أملى علَّي يونس بن يزيد عن الزهري عن عروة عن‬
‫عبد الرحمن بن عبٍد القاِّر ي عن عمر بن الخطاب =‬

‫(‪)2/823‬‬

‫وقال تعالى‪ِ{ :‬إَّن اْلُمْس ِلِم يَن َو اْلُمْس ِلَم اِت } إلى قوله‪َ{ :‬أَعَّد الَّلُه َلُه ْم َمْغِف َر ًة َو َأْج ًر ا َعِظ يًم ا (‪})35‬‬
‫[األحزاب‪.]35 :‬‬
‫وقال تعالى‪{ :‬الَّتاِئ وَن اْل اِبُد وَن اْل اِم ُد وَن الَّس اِئ وَن الَّر اِك وَن الَّس اِج ُد وَن اآْل ِم وَن ِباْل وِف‬
‫َم ْع ُر‬ ‫ُر‬ ‫ُع‬ ‫ُح‬ ‫َح‬ ‫ُب َع‬
‫َو الَّناُه وَن َعِن اْلُم ْنَك ِر َو اْلَح اِفُظوَن ِلُح ُد وِد الَّلِه َو َبِّش ِر اْلُم ْؤ ِم ِنيَن (‪[ })112‬التوبة‪.]112 :‬‬
‫وقال تعالى‪ِ{ :‬تْلَك اْلَج َّنُة اَّلِتي ُنوِر ُث ِم ْن ِع َباِد َنا َمْن َك اَن َتِق ًّيا (‪[ })63‬مريم‪.]63 :‬‬
‫وقال تعالى‪َ{ :‬و َس اِر ُعوا ِإَلى َمْغِف َر ٍة ِم ْن َر ِّبُك ْم َو َج َّنٍة َعْر ُضَه ا الَّس َم اَو اُت َو اَأْلْرُض ُأِع َّد ْت ِلْلُم َّتِق يَن (‬
‫‪ )133‬اَّلِذ يَن ُيْنِف ُقوَن ِفي الَّسَّر اِء َو الَّضَّر اِء َو اْلَك اِظ ِم يَن اْلَغْيَظ َو اْلَعاِفيَن َعِن الَّناِس َو الَّلُه ُيِح ُّب‬
‫ِل ِب‬ ‫ِح‬ ‫ِذ‬ ‫ِس ِن‬
‫اْلُم ْح يَن (‪َ )134‬و اَّل يَن ِإَذا َفَعُلوا َفا َش ًة َأْو َظَلُم وا َأْنُفَس ُه ْم َذَك ُر وا الَّلَه َفاْس َتْغَف ُر وا ُذ ُنو ِه ْم‬
‫َو َمْن َيْغِف ُر الُّذ ُنوَب ِإاَّل الَّلُه َو َلْم ُيِص ُّر وا َعَلى َم ا َفَعُلوا َو ُه ْم َيْع َلُم وَن (‪ُ )135‬أوَلِئَك َجَز اُؤ ُه ْم َمْغِف َر ٌة‬
‫ِم ْن َر ِّبِه ْم َو َج َّناٌت َتْج ِر ي ِم ْن َتْح ِتَه ا اَأْلْنَه اُر َخ اِلِد يَن ِفيَه ا َو ِنْع َم َأْج ُر اْلَعاِمِليَن (‪[ })136‬آل عمران‪:‬‬
‫‪.]136 - 133‬‬
‫__________‬
‫= فذكره ‪ -‬وفي أَّو له زيادة‪.‬‬
‫والحديث صَّح ح إسناده الحاكم‪ ،‬وحَّس نه البغوي‪.‬‬
‫والحديث مدارُه على يونس بن سليم الصنعاني‪ ،‬وهو مجهول‪ ،‬ال يعرف إاَّل في هذا الحديث‪ ،‬بل‬
‫تكَّلم فيه عبد الرزاق‪ ،‬والحديث منكر كما قال النسائي‪ ،‬وتكَّلم فيه أبو حاتم والعقيلي وابن معين‬
‫وابن عدي والذهبي‪.‬‬
‫انظر‪ :‬علل ابن أبي حاتم (‪ ،)81 /2‬والكامل (‪ ،)175 /7‬وتهذيب الكمال (‪.)509 /32‬‬
‫تنبيه‪ :‬كان عبد الرزاق يروي هذا الحديث أحياًنا‪ ،‬وال يذكر "يونس بن يزيد األيلي" كما في‬
‫المصنف‪ ،‬وعبد بن حميد وغيرهما‪.‬‬

‫(‪)2/824‬‬

‫وقال تعالى‪َ{ :‬ياَأُّيَه ا اَّلِذ يَن آَم ُنوا َه ْل َأُدُّلُك ْم َعَلى ِتَج اَر ٍة ُتْنِج يُك ْم ِم ْن َعَذ اٍب َأِليٍم (‪ُ )10‬تْؤ ِم ُنوَن‬
‫ِبالَّلِه َو َرُس وِلِه َو ُتَج اِه ُد وَن ِفي َس ِبيِل الَّلِه ِبَأْم َو اِلُك ْم َو َأْنُفِس ُك ْم َذِلُك ْم َخ ْيٌر َلُك ْم ِإْن ُك ْنُتْم َتْع َلُم وَن (‬
‫‪ } )11‬إلى قوله‪َ{ :‬و َبِّش ِر اْلُم ْؤ ِم ِنيَن (‪[ } )13‬الصف‪.]13 - 10 :‬‬
‫وقال تعالى‪َ{ :‬و ِلَمْن َخ اَف َمَق اَم َر ِّبِه َج َّنَتاِن (‪[ } )46‬الرحمن‪]46 :‬‬
‫وقال تعالى‪َ{ :‬و َأَّما َمْن َخ اَف َمَق اَم َر ِّبِه َو َنَه ى الَّنْف َس َعِن اْلَه َو ى (‪َ )40‬فِإ َّن اْلَج َّنَة ِه َي اْلَم ْأَو ى (‪)41‬‬
‫} [النازعات‪.]41 - 40 :‬‬
‫وهذا في القرآن كثير‪ ،‬مداره على ثالث قواعد‪ :‬إيمان‪ ،‬وتقوى‪ ،‬وعمل خالص لَّله على موافقة‬
‫السنة‪ .‬فأهل هذه األصول الثالثة هم أهل البشرى دون َمْن َعَد اهم من سائر الخلق‪ ،‬وعليها دارت‬
‫بشارات القرآن والسنة جميعها‪ ،‬وهي تجتمع في أصلين‪ :‬إخالص في طاعة الَّله‪ ،‬وإحسان إلى‬
‫خلقه‪ ،‬وضدها يجتمع في الذين يراؤون ويمنعون الماعون‪ ،‬ويرجع إلى خصلة واحدة‪ ،‬وهي‬
‫موافقة الرب سبحانه وتعالى في محاِّبه‪ ،‬وال طريق إلى ذلك إال بتحقيق القدوة ظاهًر ا وباطًنا‬
‫برسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪.-‬‬
‫وأما األعمال التي هي تفاصيل هذا األصل‪ ،‬فهي‪" :‬بضٌع وسبعون شعبة‪ :‬أعالها قول ال إله أال‬
‫الَّله‪ ،‬وأدناها إماطه األذى عن الطريق" (‪، )1‬‬
‫وبين هاتين الشعبتين سائر الُّش عب التي مرجعها إلى تصديق الرسول في كل ما أخبر به‪ ،‬وطاعته‬
‫في جميع ما أمر به إيجاًبا واستحباًبا‪ ،‬كاإليمان‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم في صحيحه رقم (‪.)35‬‬
‫(‪)2/825‬‬

‫بأسماء الرب وصفاته وأفعاله من غير تحريف وال تعطيل‪ ،‬ومن غير تكييف وال تمثيل‪ ،‬بل كما‬
‫قال الشافعي رحمه الَّله‪" :‬الحمد لَّله الذي هو كما وصف به نفسه‪ ،‬وفوق ما يصفه به خلقه" (‪)1‬‬
‫‪.‬‬
‫وكأَّنه أخذ هذا من قول الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" -‬اَّللهم لك الحمد كالذي نقول‪ ،‬وخيًر ا‬
‫مما نقول" (‪. )2‬‬
‫وقد ذكرنا في أول الكتاب جملة مقاالت (‪ )3‬أهل السنة والحديث التي أجمعوا عليها‪ ،‬كما‬
‫حكاه األشعري عنهم‪ ،‬ونحن نحكي إجماعهم‪ ،‬كما حكاه حرب ‪ -‬صاحب اإلمام أحمد ‪ -‬عنهم‬
‫بلفظه‪ ،‬في "مسائله" المشهورة (‪. )4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬كتاب "الرسالة" له ص (‪.)1‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الترمذي برقم (‪ ،)3520‬وابن خزيمة في صحيحه رقم (‪ ،)2841‬والمحاملي في‬
‫الدعاء رقم (‪ )62‬واَّللفظ لهم‪ ،‬والطبراني في الدعاء (‪ )874‬وفضل عشر ذي الحجة رقم (‬
‫‪.)51‬‬
‫من طريق قيس بن الربيع عن األغر عن خليفة بن حصين عن علي بن أبي طالب فذكره مطَّو اًل ‪.‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬هذا حديٌث غريب من هذا الوجه‪ ،‬وليس إسناده بالقوي"‪.‬‬
‫وقال ابن خزيمة‪ . . ." :‬إْن ثبت الخبر وال أخال؛ إاَّل أَّنه ليس في الخبر حكم‪ ،‬وإَّنما هو دعاء‪،‬‬
‫فخَّر جنا هذا الخبر‪ ،‬وإْن لم يكن ثابًتا من جهة الَّنْق ل‪ ،‬إذ هذا الدعاء مباح أْن يدعو به على‬
‫الموقف وغيره"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "أ‪ ،‬ج‪ ،‬هـ"‪" :‬مقالة"‪ ،‬والمثبت أصوب‪ .‬وراجع ص (‪.)26‬‬
‫(‪ )4‬ص (‪.)361 - 354‬‬

‫(‪)2/826‬‬
‫"هذا مذهب أهل العلم‪ ،‬وأصحاب األثر‪ ،‬وأهل السنة المتمسكين بها‪ ،‬المقتدى بهم من َلُد ن‬
‫أصحاب الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬إلى يومنا هذا‪ ،‬وأدركت َمْن أدركت ِم ْن علماء أهل‬
‫الحجاز والشام وغيرهم‪ ،‬فمن خالف شيًئا من هذه المذاهب أو طعن فيها‪ ،‬أو عاب قائلها‪ ،‬فهو‬
‫مخالٌف مبتدٌع خارٌج عن الجماعة‪ ،‬زائٌل عن منهج السنة وسبيل الحق‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد‪ ،‬وعبد الَّله ابن الزبير الحميدي‪ ،‬وسعيد بن‬
‫منصور‪ ،‬وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم الِعْلَم ‪ ،‬فكان من قولهم‪:‬‬
‫"أَّن اإليمان قول وعمل وِنَّية وتمُّس ك بالسنة‪ ،‬واإليمان يزيد وينقص‪ ،‬وُيْس تثنى في اإليمان غير أْن‬
‫ال يكون االستثناء شًّك ا (‪ ، )1‬إَّنما هي سَّنٌة ماضيٌة عند العلماء‪ .‬فإذا سئل الرجل‪ :‬أمؤمن أنت؟‬
‫فإَّنه يقول‪ :‬أنا مؤمن إن شاء الَّله؟ أو مؤمن أرجو‪ ،‬أو يقول‪ :‬آمنت بالَّله ومالئكته وكتبه ورسله‪.‬‬
‫ومن زعم أَّن اإليمان قوٌل بال عمل؛ فهو مرجئ‪ ،‬ومن زعم أَّن اإليمان هو القول واألعمال‬
‫شرائع؛ فهو مرجيء‪ .‬ومن زعم أَّن اإليمان يزيُد وال ينقص‪ ،‬فقد قال يقول المرجئة‪ ،‬ومن لم َيَر‬
‫االستثناء في اإليمان؛ فهو مرجئ‪ ،‬ومن زعم أَّن إيمانه كإيمان جبريل والمالئكة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله‪" :‬ويستثني في اإليمان غير أْن ال يكون االستثناء شًّك ا" ليس في المطبوع من مسائل‬
‫حرب‪.‬‬

‫(‪)2/827‬‬

‫فهو مرجئ‪ .‬ومن زعم أَّن المعرفة تقع (‪ )1‬في القلب وإن لم يتكلم بها؛ فهو مرجئ (‪. )2‬‬
‫والقدر خيره وشره‪ ،‬وقليله وكثيره‪ ،‬وظاهره وباطنه‪ ،‬وحلوه ومره‪ ،‬ومحبوبه ومكروهه‪ ،‬وحسنه‬
‫وسيئه‪ ،‬وأوله وآخره = من الَّله عز وجل‪ ،‬قضاٌء قضاه على عباده‪ ،‬وقدٌر قَّدره عليهم‪ ،‬ال يعدو‬
‫أحٌد منهم مشيَة (‪ )3‬الَّله عز وجل وال يجاوزه قضاؤه‪ ،‬بل هم كلهم صائرون إلى ما خلقهم له‪،‬‬
‫واقعون فيما َقَّدر عليهم (‪ ، )4‬وهو عدل منه جل ربنا وعَّز ‪.‬‬
‫والزنى والسرقة‪ ،‬وشرب الخمر‪ ،‬وقتل النفس‪ ،‬وأكل المال الحرام‪ ،‬والشرك (‪ )5‬والمعاصي‬
‫كلها بقضاء الَّله (‪ )6‬وقدٍر من الَّله‪ ،‬من غير أن يكون ألحد من الخلق (‪ )7‬على الَّله ُح َّج ة‪ ،‬بل‬
‫لَّله الحجة البالغة على خلقه {اَل ُيْس َأُل َعَّم ا َيْف َعُل َو ُه ْم ُيْس َأُلوَن (‪[ } )23‬األنبياء‪.]23 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬وقع في "هـ"‪ ،‬ونسخة على حاشية "د"‪ ،‬والمطبوعة من "مسائل حرب" "تنفع"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في المطبوعة من المسائل "جهمي"‪ ،‬وجاء بعده "ومن زعم أَّنه مؤمٌن عند الَّله مستكمل‬
‫اإليمان فهذا من أشنع قول المرجئة وأقبحه"‪ .‬وليس هذا في جميع النسخ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "هـ"‪" :‬عن مشيئة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زادت المطبوعة من المسائل بعد "عليهم"‪" :‬ال محالة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬وقع في المطبوعة من المسائل "والشرك بالَّله والذنوب جميًعا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬ليس في المطبوعة من المسائل‪.‬‬
‫(‪ )7‬قوله "من الخلق" ليس في المطبوعة من المسائل‪.‬‬

‫(‪)2/828‬‬

‫وِع ْلُم الَّله عز وجل ماض في خلقه بمشيئة منه‪ ،‬قد َعِلَم من إبليس ومن غيره ‪-‬مَّم ن عصاه من‬
‫لدن ُعِص ي تبارك وتعالى إلى أن تقوم الساعة‪ -‬المعصية وخلقهم لها‪.‬‬
‫وعلم الطاعة من أهل الطاعة وخلقهم لها‪ ،‬فكل يعمل ِلَم ا ُخ ِلَق (‪ )1‬له‪ ،‬وصائر إلى ما قضى عليه‬
‫(‪ ، )2‬ال َيْع ُد و أحد منهم َقَد َر الَّله ومشيئته‪ ،‬والَّله الفعال لما يريد‪.‬‬
‫ومن زعم أَّن الَّله سبحانه شاء لعباده الذين َعَصْو ُه الخير والطاعة‪ ،‬وأَّن العباد شاءوا ألنفسهم الشر‬
‫والمعصية‪ ،‬فعملوا على مشيئتهم = فقد زعم أَّن مشيئة العباد أغلب من مشيئة الَّله تبارك وتعالى‪،‬‬
‫وأي افتراء أكبر على الَّله من هذا؟! (‪. )3‬‬
‫ومن زعم أَّن الزنى ليس بقدر‪ ،‬قيل له‪ :‬أرأيت هذه المرأة حملت من الزنى‪ ،‬وجاءت بولد‪ ،‬هل‬
‫شاء الَّله عز وجل أن يخلق هذا الولد‪ ،‬وهل مضى في سابق علمه؟ فإن قال‪ :‬ال‪ ،‬فقد زعم أَّن مع‬
‫الَّله خالًق ا‪ ،‬وهذا الشرك صراًح ا (‪. )4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله "لما خلق" وقع في المطبوعة من المسائل "بما يخلق له"‪.‬‬
‫(‪ )2‬جاء في المطبوعة من المسائل هنا زيادة وهي‪" :‬وعلم منه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬جاء في المطبوعة من المسائل زيادة "ومن زعم أَّن أحًد ا من الخلِق صائًر ا إلى غير ما خلق‬
‫له‪ ،‬فقد نفى قدرة الَّله عن خلقه‪ ،‬وهذا إفٌك على الَّلِه وكذب عليه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬قوله "وهذا الشرك صراًح ا" وقع في المطبوعة من المسائل "وهذا قول يضارع الشرك‪ ،‬بل‬
‫هو الشرك"‪.‬‬

‫(‪)2/829‬‬

‫ومن زعم أَّن السرقة‪ ،‬وشرب الخمر‪ ،‬وأكل المال الحرام ليس بقضاء وقدر (‪ )1‬؛ فقد زعم أَّن‬
‫هذا اإلنسان قادٌر على أْن يأكل رزق غيره‪ ،‬وهذا صراح قول المجوسية (‪ ، )2‬بل أكل رزقه‬
‫الذي قضى الَّله (‪ )3‬أن يأكله من الوجه الذي أكله‪.‬‬
‫ومن زعم أَّن قتل النفس ليس بقدر من الَّله عز وجل‪ ،‬فقد زعم أَّن المقتول مات بغير أجله‪ ،‬وأي‬
‫كفر أوضح من هذا؟ بل ذلك بقضاء الَّله عز وجل (‪ ، )4‬وذلك عدٌل منه (‪ )5‬في خلقه‪ ،‬وتدبيره‬
‫فيهم‪ ،‬وما جرى من سابق علمه فيهم (‪ ، )6‬وهو العدل الحق الذي يفعل ما يريد‪.‬‬
‫ومن أقَّر بالعلم لزمه اإلقرار بالقدر والمشيئة على الِّص َغر والقماءة (‪. )7‬‬
‫وال نشهد على أحٍد من أهل القبلة أَّنه في الَّنار لذنب عمله‪ ،‬وال لكبيرة أتاها‪ ،‬إال أن يكون ذلك‬
‫في حديث [فيروى الحديث] كما جاء‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في المطبوعة من المسائل "وقدر من الَّله"‪.‬‬
‫(‪ ) 2‬قوله "وهذا صراح قول المجوسية"‪ ،‬جاء في المطبوعة من المسائل "وهذا القول يضارع‬
‫قول المجوسية والنصرانية"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في المطبوعة من المسائل "الَّله له"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في المطبوعة من المسائل "‪ . .‬بقضاء من الَّله عَّز وجَّل وقدر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في المسائل "وكل ذلك بمشيئته" بدل "وذلك عدٌل منه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في المسائل "لهم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬جاء في المسائل بعد "والقماءة" إضافة "والَّله الضار الَّنافع‪ ،‬المضل الهادي‪ ،‬فتبارك الَّله‬
‫أحسُن الخالقين"‪.‬‬
‫والقماءة‪ :‬بمعنى الِّص َغر والحقارة‪ .‬اللسان (‪.)134 /1‬‬

‫(‪)2/830‬‬
‫وال ننص (‪ )1‬الشهادة‪ ،‬وال نشهد ألحد أَّنه في الجَّنة بصالح عمله‪ ،‬وال بخير أتاه (‪ )2‬إال أن‬
‫يكون في ذلك حديث‪[ ،‬فيروى الحديث] كما جاء على ما ُر ِو ي‪ ،‬وال ننص (‪ )3‬الشهادة‪.‬‬
‫والخالفة في قريش ما بقي من الناس اثنان‪ ،‬ليس ألحد من الناس أن ينازعهم فيها‪ ،‬وال يخرج‬
‫عليهم‪ ،‬وال يقر لغيرهم بها إلى قيام الساعة‪.‬‬
‫والجهاد ماٍض قائٌم مع األئمة بروا أو فجروا‪ ،‬ال يبطله جور جائر‪ ،‬وال عدل عادل‪.‬‬
‫والجمعة والعيدين والحج مع السلطان‪ ،‬وإن لم يكونوا َبَر َر ة عدواًل أتقياء‪.‬‬
‫ودفع الصدقات والخراج واألعشار والفيء والغنائم إليهم (‪ )4‬عدلوا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله‪" :‬في حديٍث كما جاء‪ ،‬وال ننص" جاء في المسائل‪" :‬في حديٍث فيروى الحديث كما‬
‫جاء على ما ُر وي‪ ،‬ويصدق به ويقبل‪ ،‬ويعلم أَّنه كما جاء‪ ،‬وال ينصب"‪ ،‬وجميع ما بين المعقوفتين‬
‫من المسائل‪.‬‬
‫(‪ )2‬قوله‪" :‬بصالح عمله‪ ،‬وال بخير أتاُه" في المسائل "لصالح عمله أو لخيٍر أتى به"‪.‬‬
‫(‪ )3‬قوله‪" :‬كما جاء على ما روي وال ننص الشهادة" جاء في المسائل "فيروى الحديث كما جاء‬
‫على ما روي‪ ،‬يصدق به ويقبل ويعلم أَّنه كما جاء‪ ،‬وال ينصب الشهادة"‪ ،‬وجاء في "أ‪ ،‬هـ"‬
‫"وننص"‪ ،‬وفي "ج" "وال نص" بدل "وال ننص"‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم‪ :‬لفظ "ننص" هو المشهود عليه‪ ،‬معناه‪ :‬وال نشهد على المعَّين؛ وإال فقد قال‪:‬‬
‫نعلم أنه كما جاء ‪ ...‬مختصر الصواعق المرسلة (ص‪.)480 /‬‬
‫(‪ )4‬قوله‪" :‬والغنائم إليهم" وجاء في المسائل "والغنيمة إلى األمراء"‪.‬‬

‫(‪)2/831‬‬

‫فيها أو جاروا‪.‬‬
‫واالنقياد لمن واله الَّله عز وجل أمركم (‪ ، )1‬ال ننزع يًد ا من طاعته‪ ،‬وال تخرج عليه بسيف‪،‬‬
‫حتى يجعل الَّله لك فرًج ا ومخرًج ا‪ ،‬وال نخرج على السلطان‪ ،‬ونسمع ونطيع‪ ،‬وال ننكث َبْيعتُه‪،‬‬
‫فمن فعل ذلك فهو مبتدع مخالف (‪ )2‬مفارق للجماعة‪.‬‬
‫وإن أمرك السلطان بأمر هو لَّله معصية‪ ،‬فليس لك أن تطيعه البتة‪ ،‬وليس لك أن تخرج عليه‪ ،‬وال‬
‫تمنعه حقه‪.‬‬
‫ِع‬ ‫ِن ِل‬
‫واإلمساك في الفتنة سنٌة ماضيٌة واجٌب لزومها‪ ،‬فإ اْبُت يت فقِّدم نفسك (‪ )3‬دون دينك‪ ،‬وال ُت ْن‬
‫على الفتنة ِبَيٍد وال لسان‪ ،‬ولكن أكفف يدك ولسانك وهواك‪ ،‬والَّله المعين‪.‬‬
‫والكف عن أهل القبلة‪ ،‬فال نكفر أحًد ا منهم بذنب‪ ،‬وال نخرجه من اإلسالم بعمل؛ إال أن يكون‬
‫في ذلك حديث [فيروى الحديث] كما جاء‪ ،‬وكما ُر وي‪ ،‬فنصدقه ونقبله ونعلم أَّنه كما روي‪:‬‬
‫نحو ترك الصالة‪ ،‬وشرب الخمر‪ ،‬وما أشبه ذلك‪ ،‬أو يبتدع بدعة ينسب صاحبها إلى الكفر‪،‬‬
‫والخروج من اإلسالم‪ ،‬فاتبع ذلك (‪ )4‬وال تجاوزه (‪. )5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في المسائل "أمرك"‪ ،‬وجاء فيه‪" :‬يدك" و"بسيفك" بدل "يًد ا" و"بسيف"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في المسائل "مخارق"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في المسائل "نفسك وماَلَك "‪.‬‬
‫(‪ )4‬قوله‪" :‬فاتبع ذلك" جاء في المسائل "واتبع األثر في ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في المسائل "وال أحب الصالة خلف أهل البدع‪ ،‬وال الصالة على من مات =‬

‫(‪)2/832‬‬

‫واألعور الدجال خارج ال شك في ذلك وال ارتياب‪ ،‬وهو أكذب الكاذبين‪.‬‬


‫وعذاب القبر حٌّق‪ ،‬يسأل العبد عن دينه‪[ ،‬وعن نبيه]‪ )1( ،‬وعن ربه‪ ،‬وعن الجَّنة وعن الَّنار (‪. )2‬‬
‫ومنكر ونكير حق‪ ،‬وهما َفَّتانا القبر (‪ . )3‬نسأل الَّله الثبات‪.‬‬
‫وحوض محمد ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬حق‪ ،‬حوض َتِر ده ُأمته‪ ،‬وله آنية يشربون بها منه‪.‬‬
‫والصراط حق‪ ،‬يوضع على سواء جهنم‪ ،‬ويمر الناس عليه‪ ،‬والجَّنة من وراء ذلك‪.‬‬
‫والميزان حق‪ ،‬توزن به الحسنات والسيئات‪ ،‬كما شاء الَّله أن توزن‪.‬‬
‫والصور حق‪ ،‬ينفخ فيه إسرافيل فيموت الخلق‪ ،‬ثم ينفخ فيه األخرى فيقومون لرب العالمين‬
‫للحساب‪ ،‬وفصل (‪ )4‬القضاء‪ ،‬والثواب والعقاب‪ ،‬والجَّنة والَّنار‪.‬‬
‫واللوح المحفوظ [حق]‪ ،‬يستنسخ منه أعمال العباد‪ ،‬لما سبق فيه‬
‫__________‬
‫= منهم"‪.‬‬
‫(‪ )1‬ما بين المعقوفتين من المسائل‪.‬‬
‫(‪ )2‬قوله‪" :‬وعن الجَّنة وعن الَّناِر " جاء في المسائل "ويرى مقعده من الجَّنة والنار"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في المسائل "القبور"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ليس في المسائل‪.‬‬

‫(‪)2/833‬‬

‫من المقادير والقضاء‪.‬‬


‫والقلم حق كتب الَّله به مقادير كل شيء‪ ،‬وأحصاه في الِّذ ْك ر‪.‬‬
‫والشفاعة يوم القيامة حق‪ ،‬يشفع قوٌم في قوم‪ ،‬فال يصيرون إلى الَّنار‪ ،‬ويخرج قوم من الَّنار بعد ما‬
‫دخلوها ولبثوا فيها ما شاء الَّله‪ ،‬ثم يخرجهم من الَّنار (‪ ، )1‬وقوم يخلدون فيها أبًد ا‪ ،‬وهم أهل‬
‫الشرك والتكذيب‪ ،‬والجحود والكفر بالَّله عز وجل‪.‬‬
‫ويذبح الموت يوم القيامة بين الجَّنة والَّنار‪ ،‬وقد خلقت الجَّنة وما فيها‪ ،‬وخلقت الَّنار وما فيها‪،‬‬
‫خلقهما الَّله عز وجل‪ ،‬وخلق الخلق لهما‪ ،‬وال يفنيان وال يفنى ما فيهما أبًد ا‪.‬‬
‫فإن احتج مبتدع أو زنديق يقول الَّله عز وجل‪ُ{ :‬ك ُّل َش ْي ٍء َه اِلٌك ِإاَّل َو ْجَهُه} [القصص‪،]88 :‬‬
‫وبنحو هذا من متشابه القرآن (‪. )2‬‬
‫قيل (‪ )3‬له‪ :‬كل شيء مما كتب عليه الفناء والهالك هالك‪ ،‬والجَّنة والَّنار خلقهما للبقاء ال‬
‫للفناء‪ ،‬وال للهالك‪ ،‬وهما من اآلخرة ال من الدنيا‪.‬‬
‫والحور العين ال يمتن عند قيام الساعة‪ ،‬وال عند النفخة‪ ،‬وال أبًد ا؛ ألن الَّله عز وجل خلقهَّن‬
‫للبقاء ال للفناء‪ ،‬ولم يكتب عليهن الموت‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في المسائل "بشفاعة الشافعين" بدل جملة "ولبثوا فيها‪ " . . .‬إلى "من الَّناِر "‪.‬‬
‫(‪ )2‬قوله "من متشابه القرآن" ليس في المسائل‪.‬‬
‫(‪ )3‬في نسخٍة على حاشية "أ" "قل"‪ ،‬وفي المسائل "فقل" وهو أصح‪.‬‬

‫(‪)2/834‬‬
‫فمن قال خالف هذا فهو مبتدع (‪ )1‬ضل عن سواء السبيل‪.‬‬
‫وخلق سبع سماوات بعضها فوق بعض‪ ،‬وسبع أرضين بعضها أسفل من بعض‪ ،‬وبين األرض العليا‬
‫إلى السماء الدنيا مسيرة (‪ )2‬خمس مئة عام‪ ،‬وبين كل سماء إلى سماء مسيرة خمس مئة عام‪،‬‬
‫والماء فوق السماء العليا السابعة‪ ،‬وعرش الرحمن عز وجل فوق الماء‪ ،‬والَّله عز وجل على‬
‫العرش‪ ،‬والكرسي موضع قدميه‪ ،‬وهو يعلم ما في السماوات واألرضين السبع وما بينهما (‪، )3‬‬
‫وما تحت الثرى‪ ،‬وما في قعر البحر‪ ،‬ومنبت كل شعرة وشجرة‪ ،‬وكل زرع وكل نبات‪ ،‬ومسقط‬
‫كل ورقة‪ ،‬وعدد كل كلمة (‪ ، )4‬وعدد الرمل والحصى والتراب‪ ،‬ومثاقيل الجبال (‪ ، )5‬وأعمال‬
‫العباد وآثارهم‪ ،‬وكالمهم وأنفاسهم (‪ ، )6‬ويعلم كل شيء‪ ،‬ال يخفى عليه من ذلك شيء‪.‬‬
‫وهو على العرش فوق السماء السابعة‪ ،‬ودونه ُحُجٌب من نار ونور وظلمة‪ ،‬وما هو أعلم به‪.‬‬
‫فإن احتج مبتدع ومخالف (‪ )7‬بقول الَّله عز وجل‪َ{ :‬و َنْح ُن َأْقَر ُب ِإَلْيِه ِم ْن َحْبِل اْلَو ِر يِد } [ق‪:‬‬
‫‪ .]16‬وبقوله تعالى‪َ{ :‬ما َيُك وُن ِم ْن َنْج َو ى‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬جاء في المسائل إضافة "مخالف‪ ،‬وقد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬من "ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ" والمسائل‪.‬‬
‫(‪ )3‬في المسائل "وما بينهَّن وما تحتهَّن " بدل "وما بينهما"‪.‬‬
‫(‪ )4‬قوله‪" :‬كل كلمة" جاء في المسائل‪" :‬ذلك كله"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في المسائل إضافة "وقطر األمطار"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في المسائل إضافة "وَتْم َتَم تهم‪ ،‬وما توسوس به صدورهم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في المسائل إضافة "أو زنديق"‪.‬‬

‫(‪)2/835‬‬

‫َثاَل َثٍة ِإاَّل ُه َو َر اِبُعُه ْم } إلى قوله‪ِ{ :‬إاَّل ُه َو َمَعُه ْم َأْيَن َم ا َك اُنوا} [المجادلة‪ .]7 :‬ونحو هذا من‬
‫متشابه القرآن‪.‬‬
‫فقل‪ :‬إَّنما يعني بذلك العلم؛ ألَّن الَّله عز وجل على العرش فوق السماء السابعة العليا‪ ،‬يعلم ذلك‬
‫كله‪ ،‬وهو بائن من خلقه‪ ،‬ال يخلو من علمه مكان‪.‬‬
‫ولَّله عز وجل عرش‪ ،‬وللعرش َحَم َلة يحملونه‪ ،‬والَّله عز وجل على عرشه‪ ،‬وله حٌّد (‪. )1‬‬
‫والَّله عز وجل سميع ال يشك بصير ال يرتاب‪ ،‬عليم ال يجهل‪ ،‬جواد ال يبخل‪ ،‬حليم ال يعجل‪،‬‬
‫حفيظ ال ينسى وال يسهو‪ ،‬قريب (‪ )2‬ال يغفل‪ ،‬ويتكلم (‪ )3‬وينظر ويبسط‪ ،‬ويضحك ويفرح‪،‬‬
‫ويحب ويكره ويبغض‪ ،‬ويرضى ويغضب‪ ،‬ويسخط ويرحم‪ ،‬ويعفو ويغفر‪ ،‬ويعطي ويمنع‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "أ" "وليس له جسد"‪ ،‬وفي باقي النسخ "وليس له حٌّد" وكُّله خطأ‪ ،‬والتصويب من‬
‫المسائل وفيها إضافة "الَّله أعلم بحِّده‪ ،‬والَّله على عرشه عَّز ذكره"‪.‬‬
‫وإثبات الحِّد لَّله قال به جماعٌة من السلف‪ :‬كابن المبارك وحماد بن زيد‪ ،‬واإلمام أحمد وإسحاق‬
‫بن راهويه وغيرهم‪ ،‬بل أَّلف الدشتي رسالة في إثبات الحِّد لَّله‪ .‬وانظر نقض الدارمي على بشر‬
‫المريسي ص (‪.)58 - 57‬‬
‫(‪ )2‬في المسائل "رقيب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في المسائل إضافة "ويتحرك"‪.‬‬
‫وفي لفظة "الحركة" كالٌم من حيث إطالقه وعدمه‪.‬‬
‫انظر نقض الَّدارمي على بشر المريسي ص (‪ ،)164 - 162‬ومجموع الفتاوى (‪ 423 /16‬و‬
‫‪ )427‬ومختصر الصواعق المرسلة (‪.)258 - 257 /2‬‬

‫(‪)2/836‬‬

‫وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف يشاء {َلْيَس َك ِم ْثِلِه َش ْي ٌء َو ُه َو الَّس ِم يُع اْلَبِص يُر (‪} )11‬‬
‫[الشورى‪ ]11 :‬وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء‪ ،‬ويوعيها (‪ )1‬ما‬
‫أراد‪ ،‬وخلق آدم بيده على صورته‪ ،‬والسماوات واألرض (‪ )2‬يوم القيامة في كفه (‪ ، )3‬ويضع‬
‫قدمه في الَّنار فتنزوي‪ ،‬ويخرج قوًم ا من الَّنار بيده‪ ،‬وينظر إلى وجهه أهل الجَّنة‪ ،‬ويرونه (‪)4‬‬
‫فيكرمهم ويتجلى لهم‪ ،‬وُيْع َر ُض (‪ )5‬عليه العباد يوم القيامة‪ ،‬ويتولى حسابهم بنفسه‪ ،‬ال يلي ذلك‬
‫غيره عز وجل‪.‬‬
‫والقرآن كالم الَّله تكلم به ليس بمخلوق‪ ،‬فمن زعم أَّن القرآن مخلوق فهو جهمٌّي كافر‪ ،‬ومن‬
‫زعم أن القرآن كالم الَّله ووقف‪ ،‬فلم يقل‪ :‬ليس بمخلوق‪ ،‬فهو أخبث من القول األول (‪، )6‬‬
‫ومن زعم أَّن ألفاظنا وتالوتنا له مخلوقة والقرآن كالم الَّله فهو جهمي (‪. )7‬‬
‫َو كَّلم الَّلُه ُموسى تكليًم ا‪ :‬منه إليه (‪ ، )8‬وناوله التوراة من يده إلى يده‪ ،‬ولم يزل الَّله عز وجل‬
‫متكلًم ا (‪. )9‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "ب"‪" :‬ويعيها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في المسائل "واألرضون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في المسائل إضافة "وقبضته"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في المسائل "ويزورونه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في المسائل "لهم فيعطيهم‪ ،‬وُيعَر ُض "‪.‬‬
‫(‪ )6‬قوله‪" :‬فهو أخبث من القول األَّو ل"‪ ،‬في المسائل "أكفر من األَّو ل‪ ،‬وأخبث قواًل "‪.‬‬
‫(‪ )7‬في المسائل "جهمي خبيث مبتدع‪ ،‬ومن لم يكفرهم‪ . . .‬فهو مثلهم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬قوله‪" :‬تكليًم ا منه إليه" ليس في المسائل‪.‬‬
‫(‪ )9‬في المسائل "متكلًم ا عالًم ا‪ ،‬فتبارك الَّله أحسن الخالقين"‪.‬‬

‫(‪)2/837‬‬

‫والرؤيا من الَّله‪ ،‬وهي حق إذا رأى صاحبها في منامه مما ليس ِض ْغًثا‪َ ،‬فَق َّص ها على عالم وَص َد َق‬
‫فيها‪ ،‬وأَّو لها (‪ )1‬العالم على أصل تأويلها الصحيح ولم يحِّر ف‪ ،‬فالرؤيا تأويلها (‪ )2‬حينئذ حق‪،‬‬
‫وقد كانت الرؤيا من األنبياء وحًيا‪ ،‬فأُّي جاهل أجهل ممن يطعن في الرؤيا‪ ،‬ويزعم أَّنها ليست‬
‫بشيء؟ وبلغني أَّن من قال‪ :‬هذا القول ال يرى االغتسال من االحتالم (‪ ، )3‬وقد روي عن الَّنبي‬
‫‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪" :-‬إن رؤيا المؤمن كالم يكلم به الرُّب عبَدُه" (‪ . )4‬وقال‪" :‬إن الرؤيا‬
‫من‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في جميع النسخ "تأولها"‪ ،‬والمثبت من المسائل‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "هـ"‪" :‬ولم يحِّر ف في الرؤيا‪ ،‬تأويلها"‪.‬‬
‫(‪ )3‬من قوله "وبلغني" إلى "االحتالم" ليس في المسائل‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه ابن أبي عاصم في السنة رقم (‪ ،)486‬والحكيم الترمذي في نوادر األصول (‪107‬‬
‫ق‪ /‬ب)‪ ،‬وحرب في مسائله ص (‪ ،)432‬والطبراني كما في المجمع (‪ )174 /7‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق جنيد بن ميمون عن حمزة بن الزبير عن عبادة فذكره‪.‬‬
‫ولفظه "رؤيا المؤمن من كالم يكلم به العبد ربه تبارك وتعالى في المنام"‪.‬‬
‫وجنيد وحمزة مجهوالن‪ ،‬ولهذا قال الهيثمي‪" :‬وفيه من لم أعرفه"‪.‬‬
‫وانظر الفتح (‪.)354 /12‬‬
‫* ورواُه إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو عن حميد بن عبد الَّله أَّن رجاًل سأل عبادة عن‬
‫قوله تعالى {َلُه ُم اْلُبْش َر ى ِفي اْلَحَياِة الُّد ْنَيا} [يونس‪ ]64 :‬فقال عبادة‪ :‬سألت عنها رسول الَّله ‪-‬‬
‫صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬فقال‪" :‬هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن لنفسه أو ُترى له‪ ،‬وهو من كالم‬
‫يكلم به ربك عبده في المنام"‪.‬‬
‫أخرجه ابن أبي عاصم في السنة رقم (‪ ،)487‬والطبراني في مسند الشاميين رقم (‪ ،)1025‬وابن‬
‫عساكر (‪= .)21 - 20 /6‬‬

‫(‪)2/838‬‬

‫الَّله" (‪. )1‬‬


‫وذكر (‪ )2‬محاسن أصحاب رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬والكُّف عن ذكر مساويهم‬
‫التي شجرت بينهم (‪. )3‬‬
‫__________‬
‫= * وقد خولف إسماعيل بن عياش‪:‬‬
‫خالفه‪ :‬أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج وبقية بن الوليد والوليد بن مسلم كلهم عن صفوان‬
‫به‪ ،‬ولم يذكروا جملة "وهو كالم يكلم‪." . . .‬‬
‫أخرجه أحمد (‪ ،)325 /5‬والشاشي في مسنده رقم (‪ ،)1217‬والطبري في تفسيره (‪/11‬‬
‫‪ ،)137‬والطبراني في مسند الشاميين رقم (‪ ،)1025‬وابن عساكر في تاريخه (‪.)21 - 20 /6‬‬
‫ورواُه عمر بن عمرو عن حميد بن عبد الَّله عن عبادة فذكره‪ ،‬ولم يذكر جملة "وهو كالم ‪. . ..‬‬
‫"‪.‬‬
‫* ورواُه أيوب بن خالد بن صفوان عن عبادة فذكره‪ ،‬ولم يذكر جملة "وهو كالم يكلم ‪." . . ..‬‬
‫أخرجه الطبري في تفسيره (‪ 134 /11‬و ‪ .)135‬والحديث مداره على حميد بن عبد الَّله ‪-‬كما‬
‫جاء في مصادر التخريج‪ -‬أو ُح ميد بن عبد الرحمن ‪-‬كما جاء في المسند وأطرافه وابن أبي‬
‫عاصم‪ ،-‬وقد اختلف في نسبته كثيًر ا‪ ،‬وفيه جهالة‪ ،‬وال ُيعلم هل سمع من عبادة أم ال؟‬
‫وعليه فالحديث ضعيف اإلسناد‪ ،‬وتلك الزيادة شاذة والَّله أعلم‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬وقع عند الطبراني في مسند الشاميين وابن عساكر في تاريخه‪ :‬رواية الوليد بن مسلم‬
‫مقرونة برواية إسماعيل بن عَّياش‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري رقم (‪ ،)5415‬ومسلم (‪ )2261‬من حديث أبي قتادة رضي الَّله عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬في المسائل "ومن السنة الواضحة البَّينة الثابتة المعروفة ذكر‪." . . .‬‬
‫(‪ )3‬قوله‪" :‬التي شجرت بينهم" جاء في المسائل "واَّلذي شجر بينهم"‪.‬‬

‫(‪)2/839‬‬

‫فمن سب أصحاب رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬أو واحًد ا منهم أو َتَنَّق صه (‪ )1‬أو طعن‬
‫عليهم‪ ،‬أو عَّر ض بعيبهم (‪ ، )2‬أو عاب أحًد ا منهم (‪ ، )3‬فهو مبتدع رافضي خبيث مخالف‪ ،‬ال‬
‫يقبل الَّله منه صرًفا وال عداًل ‪ ،‬بل ُح ُّبهم ُس َّنة‪ ،‬والدعاء لهم قربة‪ ،‬واالقتداء بهم وسيلة‪ ،‬واألخذ‬
‫بآثارهم فضيلة‪.‬‬
‫وخير األمة بعد الَّنبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬أبو بكر‪ ،‬وعمر بعد أبي بكر رضي الَّله عنه‪،‬‬
‫وعثمان بعد عمر‪ ،‬وعلي بعد عثمان (‪ ، )4‬ووقف قوم على عثمان‪ ،‬وهم خلفاء راشدون مهديون‪،‬‬
‫ثم أصحاب رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬بعد هؤالء األربعة خير الناس‪ ،‬ال يجوز ألحد أن‬
‫يذكر شيًئا من مساوئهم‪ ،‬وال يطعن على أحد منهم بعيب وال نقص (‪ ، )5‬فمن فعل ذلك فقد‬
‫وجب على السلطان تأديبه وعقوبته‪ ،‬ليس له أن يعفو عنه‪ ،‬بل يعاقبه ويستتيبه (‪ ، )6‬فإن تاب قبل‬
‫منه‪ ،‬وإن لم يتب أعاد عليه العقوبة‪ ،‬وخلده‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله‪" :‬أو تنقصه" ليس في المسائل‪.‬‬
‫(‪ )2‬في "هـ"‪" :‬بغيبتهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في المسائل "منهم بقليل أو كثير‪ ،‬أو دَّق أو جَّل مَّم ا يتطرق إلى الوقيعة في أحٍد منهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬قوله‪" :‬أبو بكر‪ ،‬وعمر بعد أبي بكر‪ . . .‬وعلي بعد عثمان" وقع في "هـ" "أبي بكر وعمر‬
‫وعثمان ثَّم علي"‪.‬‬
‫وجاء في المسائل "أبو بكر‪ ،‬وخيرهم بعد أبي بكر‪ :‬عمر‪ ،‬وخيرهم بعد عمر‪ :‬عثمان‪ ،‬وقال قوٌم‬
‫من أهل العلم وأهل السنة‪ :‬وخيرهم بعد عثمان علي"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في المسائل "وال بنقص وال وقيعة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في المسائل "ثَّم يستتيبه"‪.‬‬

‫(‪)2/840‬‬

‫الحبس‪ ،‬حتى يموت أو يراجع (‪. )1‬‬


‫ونعرف للعرب حقها‪ ،‬وفضلها وسابقتها‪ ،‬ونحبهم لحديث رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪-‬‬
‫"فإن حبهم إيمان‪ ،‬وبغضهم نفاق" (‪ ، )2‬وال نقول بقول الُّش عوِبَّية وأراذل الموالي الذين ال‬
‫يحبون العرب‪ ،‬وال يقرون لهم بفضل‪ ،‬فإن قولهم‪ :‬بدعة (‪. )3‬‬
‫ومن حَّر م المكاسب والتجارات وِط ْيَب المال من وجهه (‪ )4‬؛ فقد جهل وأخطأ وخالف‪ ،‬بل‬
‫المكاسب من وجهها حالل‪ ،‬وقد أحلها الَّله عز وجل ورسوله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪، )5( -‬‬
‫فالرجل ينبغي له أن يسعى على نفسه وعياله‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "هـ"‪" :‬يرجع"‪ ،‬وجاء في المسائل "أو يراجع‪ ،‬فهذا السنة في أصحاب رسول الَّله ‪-‬صلى‬
‫الَّله عليه وسلم‪."-‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه العقيلي في الضعفاء (‪ ،)355 /4‬والطبراني في األوسط رقم (‪ ،)2537‬وأبو نعيم‬
‫في الحلية (‪ ،)333 /2‬والحاكم في المستدرك (‪ )97 /4‬رقم (‪ )6998‬واَّللفظ له‪.‬‬
‫من طريق معقل بن مالك عن الهيثم بن جماز عن ثابت بن أنس فذكر نحوه‪ ،‬وفيه زيادة‪.‬‬
‫قال الطبراني‪" :‬لم يرو هذا الحديث عن ثابت إاَّل الهيثم"‪.‬‬
‫وقال الحاكم‪" :‬صحيح اإلسناد ولم يخرجاه"‪.‬‬
‫وتعقبه الذهبي بقوله‪" :‬الهيثم‪ :‬متروك‪ ،‬ومعقل‪ :‬ضعيف"‪.‬‬
‫وكذلك قال الهيثمي في المجمع (‪ )53 /1‬في الهيثم‪.‬‬
‫وقال العقيلي في ترجمة الهيثم‪" :‬حديثه غير محفوظ"‪.‬‬
‫(‪ )3‬جاء في المسائل "بالفضل‪ ،‬فإَّن قولهم‪ :‬بدعة وخالف"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في المسائل "وطلب المال من وجوهها"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في المسائل "ورسوله والعلماء من األمة"‪.‬‬

‫(‪)2/841‬‬
‫من (‪ )1‬فضل ربه‪ ،‬فإن ترك ذلك على أَّنه ال يرى الكسب فهو مخالف (‪. )2‬‬
‫والدين إَّنما هو كتاب الَّله عز وجل‪ ،‬وآثار وسنن وروايات صحاح عن الثقات باألخبار الصحيحة‬
‫القوية المعروفة (‪ ، )3‬يصدق بعضها بعًض ا حتى ينتهي ذلك إلى رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه‬
‫وسلم‪ ،-‬وأصحابه رضي الَّله عنهم‪ ،‬والتابعين وتابعي التابعين‪ ،‬ومن بعدهم من األئمة المعروفين‬
‫المقتدى بهم‪ ،‬المتمسكين بالسنة‪ ،‬والمتعلقين باآلثار‪ ،‬ال ُيْع َر ُفون (‪ )4‬ببدعة‪ ،‬وال يطعن فيهم‬
‫بكذب‪ ،‬وال ُيْر َمْو ن بخالف‪.‬‬
‫إلى أن قال‪" :‬فهذه األقاويل التي وصفت مذاهب أهل السنة والجماعة واألثر‪ ،‬وأصحاب‬
‫الروايات وحملة العلم‪ ،‬الذين أدركناهم‪ ،‬وأخذنا عنهم الحديث‪ ،‬وتعلمنا منهم السنن‪ ،‬وكانوا‬
‫أئمة معروفين‪ ،‬ثقاٍت أهل صدق وأمانة يقتدى بهم‪ ،‬ويؤخذ عنهم‪ ،‬ولم يكونوا أصحاب بدع (‪)5‬‬
‫وال خالف‪ ،‬وال تخليط‪ ،‬وهو قول أئمتهم وعلمائهم الذين كانوا قبلهم‪ ،‬فتمَّس كوا بذلك‪،‬‬
‫وتعَّلموه وعِّلموه"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في المسائل "ويبتغي من"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في المسائل إضافة "وكل أحد أحق بماله اَّلذي ورثه أو استفاده‪ ،‬أو أصابه أو اكتسبه ال كما‬
‫يقول المتكلمون المخالفون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬جاء في المسائل إضافة "المشهورة‪ ،‬يرويها الثقة األَّو ل المعروف عن الثاني الثقة المعروف"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في المسائل "اَّلذين ال يعرفون"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في "ب‪ ,‬ج‪ ،‬د"‪" :‬بدعة"‪.‬‬

‫(‪)2/842‬‬

‫قلت‪ :‬حرب هذا هو صاحب أحمد وإسحاق‪ ،‬وله عنهما مسائل جليلة‪ ،‬وأخذ عن سعيد بن‬
‫منصور‪ ،‬وعبد الَّله بن الزبير الحميدي‪ .‬وهذه الطبقة‪ ،‬وقد حكى هذه المذاهب عنهم واتفاقهم‬
‫عليها‪ ،‬ومن تأمل المنقول عن هؤالء وأضعاف أضعافهم من أئمة السنة والحديث‪ ،‬وجده مطابًق ا‬
‫لما نقله حرب‪ ،‬ولو تتبعناه لكان بقدر هذا الكتاب ِم راًر ا‪ ،‬وقد جمعنا منه في مسألة علو الرب‬
‫تعالى على خلقه واستوائه على عرشه وحدها سفًر ا متوسًطا (‪ ،)1‬فهذا مذهب المستحقين لهذه‬
‫البشرى قواًل وعماًل واعتقاًد ا‪ .‬وبالَّله التوفيق‪.‬‬

‫فصل‪ :‬ونختم هذا الكتاب بما ابتدأناه به أَّو ال‪ ،‬وهو خاتمة دعوى أهل الجَّنة‬
‫ِم ِت‬ ‫ِب ِن‬ ‫ِل ِت ِد‬ ‫ِم‬ ‫َّلِذ‬
‫قال تعالى‪ِ{ :‬إَّن ا يَن آَم ُنوا َو َع ُلوا الَّصا َح ا َيْه يِه ْم َر ُّبُه ْم ِإ يَم ا ِه ْم َتْج ِر ي ْن َتْح ِه ُم اَأْلْنَه اُر‬
‫ِفي َج َّناِت الَّنِعيِم (‪َ )9‬دْع َو اُه ْم ِفيَه ا ُسْبَح اَنَك الَّلُه َّم َو َتِح َّيُتُه ْم ِفيَه ا َس اَل ٌم َو آِخ ُر َدْع َو اُه ْم َأِن اْلَحْم ُد‬
‫ِلَّلِه َر ِّب اْلَعاَلِم يَن (‪[ })10‬يونس‪.]10 - 9 :‬‬
‫قال حجاج‪ :‬عن ابن جريج‪ُ :‬أخِبْر ُت أَّن قوله‪َ{ :‬دْع َو اُه ْم ِفيَه ا ُسْبَح اَنَك الَّلُه َّم} قال‪" :‬إذا مَّر بهم‬
‫الطير يشتهونه‪ ،‬قالوا‪ :‬سبحانك اللهم‪ ،‬وذلك دعواهم‪ ،‬فيأتيهم الملك بما اشتهوا‪ ،‬فُيسَّلم عليهم‬
‫فيردون‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬هو "اجتماع الجيوش اإلسالمية على غزو المعطلة والجهمية"‪ ،‬وهو مطبوع‪.‬‬

‫(‪)2/843‬‬

‫عليه‪ ،‬فذلك قوله تعالى‪َ{ :‬و َتِح َّيُتُه ْم ِفيَه ا َس اَل ٌم}‪ ،‬قال‪ :‬فإذا أكلوا حمدوا ربهم‪ ،‬فذلك قوله تعالى‪:‬‬
‫{َو آِخ ُر َدْع َو اُه ْم َأِن اْلَحْم ُد ِلَّلِه َر ِّب اْلَعاَلِم يَن (‪. )1( " } )10‬‬
‫وقال سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ :‬قوله تعالى‪َ{ :‬دْع َو اُه ْم ِفيَه ا ُسْبَح اَنَك الَّلُه َّم } يقول‪" :‬ذلك قولهم فيها‪:‬‬
‫{َو َتِح َّيُتُه ْم ِفيَه ا َس اَل ٌم} " (‪. )2‬‬
‫وقال األشجعي‪ :‬سمعت سفيان يقول‪" :‬إذا أرادوا الشيء قالوا‪ :‬سبحانك اللهم‪ ،‬فيأتيهم ما دعوا‬
‫به" (‪. )3‬‬
‫ومعنى هذه الكلمة تنزيه الرب تعالى وتعظيمه وإجالله عما ال يليق به‪.‬‬
‫وذكر سفيان عن [عثمان بن] (‪ )4‬عبد الَّله بن موهب قال‪ :‬سمعت موسى بن طلحة قال‪ :‬سئل‬
‫رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬عن "سبحان الَّله"‪ ،‬فقال‪" :‬تنزيه الَّله عن السوء" (‪. )5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪.)89 /11‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (‪ )1930 /6‬رقم (‪ ،)10242‬والطبري في تفسيره (‪/11‬‬
‫‪ .)90‬وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (‪ )1930 /6‬رقم (‪ ،)10243‬والطبري (‪.)90 /11‬‬
‫وسنده صحيح‪ ،‬وسفيان هو‪ :‬الثوري‪ ،‬انظر‪ :‬تفسيره ص (‪.)128‬‬
‫(‪ )4‬ما بين المعكوفتين من الطبري‪ ،‬وعلل الَّدارقطني‪ ،‬وليس في النسخ‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ )31 /15‬رقم (‪ 17567‬و ‪ - 1769‬شاكر)‪.‬‬
‫‪ -‬ورواُه سليمان بن عيسى بن موسى بن طلحة عن موسى بن طلحة عن =‬

‫(‪)2/844‬‬

‫وسأل ابن الكَّو اء علًّيا عنها‪ ،‬فقال‪" :‬كلمٌة رضيها الَّله لنفسه" (‪. )1‬‬
‫__________‬
‫= أبيه طلحة بن عبيد الَّله فذكره مرفوًعا‪.‬‬
‫أخرجه الطبري (‪ )32 /15‬رقم (‪.)17571‬‬
‫وهذا خطأ‪ ،‬ال يتابع عليه‪ ،‬انظر الكامل البن عدي (‪.)285 - 284 /3‬‬
‫والصواُب حديث الثوري مرساًل ‪ .‬انظر علل الَّدارقطني (‪.)209 - 208 /4‬‬
‫‪ -‬ورواُه عبد الرحمن بن حماد عن حفص بن سليمان عن طلحة بن يحيى عن أبيه عن طلحة بن‬
‫عبيد الَّله فذكره مرفوعا كما سيأتي عند المؤِّلف‪.‬‬
‫أخرجه البزار في مسنده (‪ )164 /3‬رقم (‪ ،)950‬والطبري في تفسيره (‪ - 31 /15‬شاكر)‪،‬‬
‫والشاشي في مسنده رقم (‪ ،)10‬وابن حبان في المجروحين (‪ ،)60 /2‬والحاكم في المستدرك‬
‫(‪ )680 /1‬رقم (‪.)1848‬‬
‫قال الحاكم‪" :‬هذا حديث صحيح اإلسناد ولم يخرجاه"‪.‬‬
‫قال الذهبي معِّق ًبا عليه‪" :‬بل لم يصح‪ ،‬فإَّن طلحة منكر الحديث قاله البخاري‪ ،‬وحفص‪ :‬واهي‪،‬‬
‫فالحديث ضعيف جًّدا"‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬ليس في سند ابن حبان "حفص بن سليمان" وقد قال ابن حبان في ترجمة "عبد الرحمن بن‬
‫حماد"‪" :‬يروي عن طلحة بن يحيى نسخة موضوعة‪ " . . .‬ثَّم ذكر حديثين‪ ،‬هذا أحدهما‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪ )3 /15‬رقم (‪.)17568‬‬
‫وفيه قابوس بن أبي ظبيان‪ ،‬فيه ضعف‪ ،‬وفي سماع والده من علي ابن أبي طالب اختالف‪.‬‬
‫‪ -‬وقد جاء من وجٍه آخر‪:‬‬
‫رواُه حجاج بن أرطاة عن ابن أبي ُمَلْيكة عن ابن عباس أَّن عمر قال لعلي وأصحابه عنده‪ :‬ال إله‬
‫إاَّل الَّلِه والحمُد لَّله‪ ،‬والَّله أكبر قد عرفناها‪ ،‬فما سبحان الَّله؟ فقال علي‪ :‬كلمة أحبها لنفسه‪،‬‬
‫ورضيها لنفسه‪ ،‬وأحب أْن تقال"‪.‬‬
‫أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره رقم (‪ 13‬و ‪ 343‬و ‪ )10251‬وغيره‪.‬‬
‫وقد وقع فيه اختالف‪ ،‬والمثبت الرواية الَّر اجحة‪ ،‬واألثر مداره على الحجاج بن أرطاة‪ ،‬وهو‬
‫مدَّلس لم يصِّر ح بالتحديث‪.‬‬

‫(‪)2/845‬‬

‫وقال حفص بن سليمان‪ :‬حدثنا طلحة بن يحيى بن طلحة عن أبيه‪ ،‬عن طلحة بن عبيد الَّله قال‪:‬‬
‫سألت رسول الَّله ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬عن تفسير "سبحان الَّله"؟ فقال‪" :‬هو تنزيه الَّله عَّز‬
‫وجَّل عن كِّل سوٍء "‪.‬‬
‫فأخبر تعالى عن أَّو ل دعواهم إذا استدعوا شيًئا‪ :‬قالوا‪ :‬سبحان الَّله‪ ،‬وعن آخر دعواهم عندما‬
‫يحصل لهم‪ ،‬وهو قولهم‪{ :‬اْلَحْم ُد ِلَّلِه َر ِّب اْلَعاَلِم يَن }‪.‬‬
‫ومعنى اآلية أعُّم من ذلك‪ ،‬والدعوى‪ :‬مثل الدعاء‪ ،‬والدعاُء يراُد به الثناء‪ ،‬ويراد به المسألة‪.‬‬
‫وفي الحديث‪" :‬أفضُل الُّدعاء الحمُد لَّله" (‪. )1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه الترمذي برقم (‪ ،)3383‬وابن ماجه رقم (‪ ،)3800‬والنسائي في عمل اليوم والليلة‬
‫(‪ ،)831‬وابن حبان (‪ )126 /3‬رقم (‪ ،)846‬والحاكم في المستدرك (‪ )676 /1‬رقم (‬
‫‪ )1834‬وغيرهم‪.‬‬
‫من طريق موسى بن إبراهيم األنصاري عن طلحة بن خراش عن جابر بن عبد الَّله بمثله وأَّو له‬
‫"أفضل الِّذ كر ال إله إاَّل الَّله"‪.‬‬
‫والحديث مدارُه على موسى بن إبراهيم األنصاري روى عنه جمع‪ ،‬وقال ابن حبان في الثقات (‬
‫‪" :)449 /7‬كان مَّم ن يخطئ"‪.‬‬
‫وقد وقع في الحديث اضطراب في سنده "حيث جاء موقوًفا على جابر"‪ ،‬وفي متنه حيث جاء‬
‫"أفضل الدعاء ال إله إاَّل الَّله‪ ،‬وأفضل الذكر الحمد لَّله"‪.‬‬
‫والحديث صححه ابن حبان والحاكم وحسنه ابن حجر‪ ،‬وقال الترمذي "حسٌن غريب‪ ،‬ال ُيعرف‬
‫إاَّل من حديث موسى بن إبراهيم"‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر‪ . . ." :‬ولم أقف في موسى على جرح وال تعديل‪ ،‬إاَّل أَّن ابن حبان ذكره‬
‫في الثقات وقال‪" :‬يخطئ"‪ ،‬وهذا عجيٌب منه؛ ألَّن =‬

‫(‪)2/846‬‬

‫فالدعاء ها هنا‪ُ :‬دعاُء ثناٍء ُيْلَه َم ه أهل الجَّنة‪ ،‬فأخبر سبحانه عن أَّو له وآخره‪ ،‬فأَّو له تسبيٌح ‪ ،‬وآخره‬
‫حمٌد ُيْلهمونهما (‪ )1‬كما ُيْلَه م الَّنَف س‪.‬‬
‫وفي هذا إشارٌة إلى أَّن التكاليف في الجَّنة تسقط عنهم‪ ،‬وال تبقى عبادتهم إال هذه الدعوى التي‬
‫ُيْلَه ُم ونها‪.‬‬
‫وفي لفظة "اللهم" إشارة إلى صريح الدعاء‪ ،‬فإَّنها متضمنٌة لمعنى‪" :‬يا الَّله"‪ ،‬فهي متضمنة للسؤال‬
‫والثناء (‪ ، )2‬وهذا هو الذي فهمه من قال‪ :‬إذا أرادوا الشيء قالوا‪ :‬سبحانك اللهم‪ .‬فذكروا‬
‫بعض المعنى ولم َيْس َتْو ُفوه‪ ،‬مع أَّنهم قصروا به‪ ،‬فإنهم أوهموا أنهم إَّنما يقولون ذلك عندما‬
‫يريدون الشيء‪ ،‬وليس في اآلية ما يدُّل على ذلك‪ ،‬بل يدُّل على أَّن أَّو ل دعائهم التسبيح‪ ،‬وآخره‬
‫الحمد‪.‬‬
‫وقد دَّل (‪ )3‬الحديث الصحيح (‪ )4‬على أنهم يلهمون ذلك كإلهام الَّنَف ِس ‪ ،‬فال تختص الدعوى‬
‫المذكورة بوقِت إرادة الشيء‪ ،‬وهذا‬
‫__________‬
‫= موسى ُمِق ٌّل‪ ،‬فإذا كان يخطئ مع ِقَّلة روايته؛ فكيف يوَّثق ويصَّح ح حديثه‪ ،‬فلعَّل من صححه أو‬
‫حَّس نه تسَّم ح لكون الحديث من فضائل األعمال"‪.‬‬
‫نتائج األفكار (‪ .)59 - 58 /1‬وانظر في معنى حديث جابر‪ :‬التمهيد البن عبد البر (‪- 43 /6‬‬
‫‪.)45‬‬
‫(‪ )1‬في "ج"‪" :‬يلهمونها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬جالء األفهام ص (‪ )141 - 140‬للمؤِّلف‪.‬‬
‫(‪ )3‬في "ج"‪" :‬دار" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )4‬المتقدم ص (‪.)819 - 818‬‬

‫(‪)2/847‬‬
‫كما أنه األليق بمعنى اآلية (‪ ، )1‬فهو األليق بحالهم‪ .‬والَّله سبحانه وتعالى أعلم (‪. )2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في "هـ"‪" :‬اآلية الكريمة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬جاء في خاتمة النسخة "أ" ما يلي‪" :‬آخر الكتاب ولَّله الحمد أَّواًل وآخًر ا‪ ،‬وباطًنا وظاهًر ا‪،‬‬
‫وأفضل صالته وتسليمه على خيرته من خلقه محمد وآله وصحبه‪.‬‬
‫فرغ من تعليقه لنفسه الفقير إلى الَّله تعالى محمود بن أحمد بن محمد الحموي مولًد ا‪ ،‬الَف ُّيومي‬
‫نسًبا‪ ،‬لثالث خلون من شهر جمادى األول سنة ثالث وتسعين وسبعمائة‪.‬‬
‫‪ -‬وجاء على يمين الصفحة بخط الناسخ ما يلي‪" :‬ذكر المؤلف رحمه الَّله أنه فرغ منه عشية‬
‫عرفة عند الثلث اآلخر من الليل سنة خمس وأربعين وسبعمائة"‪.‬‬
‫‪ -‬وجاء على يسار الصفحة بخط الناسخ ما يلي‪" :‬بلغ مقابلًة على أصٍل غير األصل المنقول منه‪،‬‬
‫مع معارضة [أصله]‪ .‬فصح إن شاء الَّله تعالى‪ ،‬وذلك نهار ثالث [عشر] جمادى األول سنة ثالث‬
‫وتسعين‪.‬‬
‫* وجاء في خاتمة النسخة [ب] ما يلي‪" :‬آخر الكتاب والَّله الموفق للصواب‪.‬‬
‫وافق الفراغ من نسخه على يد أفقر عبيد الَّله وأحوجهم إلى رحمته إبراهيم بن عبد الغالب بن‬
‫إبراهيم األنصاري الحنبلي عفا الَّله عنهم‪.‬‬
‫وذلك في اليوم الثامن عشر من شهر رمضان المعظم‪ ،‬سنة إحدى وستين وسبعمائة‪ .‬غفر الَّله‬
‫لمؤلفه وكاتبه وقارئه ومستمعه ومالكه والناظر فيه‪ ،‬إنه على ما يشاء قدير‪ .‬والحمد لَّله رب‬
‫العالمين وصلى الَّله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليًم ا كثيًر ا إلى يوم يقوم الناس لرب‬
‫العالمين‪ .‬وحسبنا الَّله ونعم الوكيل‪.‬‬
‫* وجاء في خاتمة النسخة [ج] ما يلي‪" :‬تم الكتاب‪ .‬والحمد لَّله رب العالمين‪ ،‬وصلى الَّله على‬
‫محمد خاتم النبيين‪.‬‬
‫وذلك في يوم االثنين من شهر شوال من سنة إحدى وستين وسبعمائة‪ ،‬على يد أفقر عباد الَّله‬
‫تعالى وأحوجهم إلى رحمة الَّله محمد بن الشيخ خليل الناسخ المؤدب‪ ،‬عفا الَّله عنه‪ ،‬وغفر له‬
‫ولوالديه ولجميع المسلمين إنه على =‬

‫(‪)2/848‬‬
‫‪.........................‬‬
‫__________‬
‫= كل شيء قدير"‪.‬‬
‫وجاء على يسار الصفحة بخٍّط مغاير ما يلي‪" :‬نقلت هذه النسخة من خِّط المصنف رحمه الَّله‬
‫تعالى"‪.‬‬
‫* وجاء في خاتمة النسخة [د] ما يلي‪" :‬تم الكتاب‪ .‬والحمد لَّله رب العالمين‪ ،‬وصلى الَّله على‬
‫سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين‪ .‬ووافق الفراغ في [] من رجب الفرد سنة‬
‫أربعين وتسعمائة‪ .‬وحسبنا الَّله وكفى"‪.‬‬
‫‪ -‬وجاء على يمين الصفحة‪" :‬بلغ مقابله بحسب الطاقة والَّله المستعان"‪.‬‬
‫‪ -‬وجاء على يسار الصفحة‪" :‬غفر الَّله لكاتبه ولمالكه ولمؤلفه ولجميع المسلمين‪ ،‬وحسبنا الَّله‬
‫ونعم الوكيل"‪.‬‬
‫* وجاء في خاتمة النسخة [هـ] ما يلي‪" :‬تم الكتاب والَّله الموفق للصواب‪ ،‬وإليه المرجع‬
‫والمآب"‪ .‬على يد أضعف عباد الَّله وأحوجهم إلى رحمته‪ :‬عبد الرحمن بن إسماعيل بن الحسن‬
‫بن محمد بن عبد الرحمن المؤدب السنجاري‪ ،‬المعروف "بابن المسواك الحيالي" غفر الَّله‬
‫لمؤلفه وكاتبه والناظر فيه ومستمعه ولمن دعا له بالرحمة والمغفرة ولجميع المسلمين‪ .‬وذلك‬
‫في سلخ رجب الفرد سنة إحدى وسبعين وسبعمائة هاللية‪ ،‬على صاحبها أفضل الصالة والسالم‬
‫[والحمد لَّله]‪.‬‬

‫(‪)2/849‬‬

‫فهرس المراجع والمصادر‬


‫‪ -‬اآلحاد والمثاني‪ :‬البن أبي عاصم‪ ،‬تحقيق‪ /‬باسم الجوابرة‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1411 ،‬هـ ‪ -‬دار‬
‫الراية‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬آكام المرجان في أحكام الجاِّن للشبلي‪ :‬بدر الدين أبي عبد الَّله محمد بن عبد الَّله الِّش ْبلي‬
‫الحنفي‪ ،‬تحقيق وتعليق‪ /‬إبراهيم محمد الجمل ‪ -‬الطبعة األولى‪ 1983 :‬م‪ ،‬مكتبة القرآن‪:‬‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬األباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير‪ ،‬للجورقاني‪ ،‬تحقيق وتعليق‪ /‬د‪ .‬عبد الرحمن‬
‫الفريوائي الطبعة الثالثة‪ 1415 ،‬هـ‪ ،‬دار الصميعي‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬اإلبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة‪ :‬البن بطة العكبري‪ ،‬تحقيق ودراسة‪/‬‬
‫رضا بن نعسان معطي‪ ،‬ود‪ .‬عثمان اإلثيوبي‪ ،‬ود‪ .‬يوسف الوابل‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1415‬هـ‪ ،‬دار‬
‫الراية للنشر‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة‪ ،‬للبوصيري‪ ،‬تحقيق‪ /‬دار المشكاة للبحث‬
‫العلمي بإشراف‪ /‬ياسر إبراهيم‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1420‬هـ‪ ،‬دار الوطن للنشر‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة‪ :‬البن حجر العسقالني‪ ،‬تحقيق‪ /‬زهير‬
‫الناصر وآخرين‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1423 - 1415 :‬هـ‪ ،‬مركز خدمة السنة والسيرة‪ :‬بالمدينة‪.‬‬
‫‪ -‬اإلتقان في علوم القرآن‪ :‬للسيوطي‪ ،‬تقديم وتعليق‪ /‬محمد شريف ُس َّك ر‪ ،‬راجعه‪ /‬مصطفى‬
‫القصاص‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،1407‬دار إحياء العلوم‪ :‬بيروت‪.‬‬

‫(‪)2/1039‬‬

‫‪ -‬إثبات صفة العلو‪ :‬للمقدسي‪ ،‬لموفق الدين ابن قدامة المقدسي‪ ،‬حققه وعلق عليه‪ /‬د‪ .‬أحمد بن‬
‫عطية الغامدي‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1422 ،‬هـ‪ ،‬مكتبة العلوم والحكم‪ :‬المدينة النبوية‪.‬‬
‫‪ -‬إثبات عذاب القبر‪ :‬للبيهقي‪ ،‬تحقيق‪ /‬شرف القضاة‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1405 ،‬هـ‪ ،‬دار الفرقان‪:‬‬
‫باألردن‪.‬‬
‫‪ -‬األحاديث الطوال‪ :‬للطبراني‪ ،‬ويقع في آخر المعجم الكبير للطبراني مجلد ‪ ،25‬تحقيق‪/‬‬
‫حمدي عبد المجيد السلفي‪ ،‬نشر مكتبة ابن تيمية‪ :‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬اإلرشاد في معرفة علماء الحديث‪ :‬ألبي يعلى الخليلي‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ /‬محمد سعيد عمر‬
‫إدريس الطبعة األولى‪ 1409 ،‬هـ ‪ -‬مكتبة الرشد‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬األحاديث المختارة‪ :‬للضياء المقدسي‪ ،‬تحقيق‪ /‬عبد الملك بن دهش‪ ،‬الطبعة األولى‪1410 ،‬‬
‫هـ‪ ،‬مكتبة النهضة الحديثة‪ :‬مكة المكرمة‪.‬‬
‫‪ -‬اإلحسان في تقريب صحيح ابن حبان‪ :‬البن بلبان الفارسي‪ ،‬تحقيق‪ /‬شعيب األرناؤوط‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ 1408 ،‬هـ‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬أخبار الفقهاء والمحدثين‪ ،‬للخشني‪ :‬أبي عبد الَّله محمد بن حارث الخشني القيرواني‪ ،‬وضع‬
‫حواشيه‪ /‬سالم مصطفى البدري‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1420 :‬هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬أخبار أصبهان‪ :‬ألبي نعيم األصبهاني‪ ،‬تصوير‪ :‬الدار العلمية‪ :‬دلهي‪ :‬الهند‪.‬‬
‫‪ -‬أخالق حملة القرآن‪ :‬لآلجري‪ ،‬تحقيق‪ /‬محمد عمرو عبد اللطيف‪،‬‬

‫(‪)2/1040‬‬

‫الطبعة األولى‪ 1406 ،‬هـ دار الباز ‪ -‬مكة المكرمة‪.‬‬


‫‪ -‬أخالق النبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬وآدابه‪ :‬ألبي الشيخ األصبهاني‪ ،‬تحقيق ودراسة‪ /‬عصام‬
‫الدين الصبابطي‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1411 ،‬هـ‪ ،‬الدار المصرية اللبنانية‪ :‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬اإلخوان ‪ -‬البن أبي الدنيا‪ ،‬تحقيق وتعليق‪ /‬محمد عبد الرحمن طوالبة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار‬
‫االعتصام‪ :‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬األدب المفرد‪ :‬للبخاري = فضل الَّله الصمد في توضيح األدب المفرد لفضل الَّله الجيالني‪،‬‬
‫تقديم وتخريج وفهرسة‪ /‬محب الدين الخطيب‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ 1407 :‬هـ‪ ،‬دار المطبعة السلفية‪:‬‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل‪ :‬لأللباني‪ ،‬الطبعة الثانية‪ 1405 ،‬هـ‪ ،‬المكتب‬
‫اإلسالمي‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬أسباب النزول‪ :‬للواحدي‪ :‬أبي الحسن علي بن أحمد‪ ،‬تخريج وتدقيق‪ /‬عصام بن عبد المحسن‬
‫الحميدان‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1411 -‬هـ‪ ،‬دار اإلصالح‪ :‬الدمام‪.‬‬
‫‪ُ -‬أسد الغابة في معرفة الصحابة البن األثير الجزري أبي الحسن علي بن محمد‪ ،‬تحقيق وتعليق‪/‬‬
‫محمد إبراهيم البنا ومحمد أحمد عاشور ومحمود عبد الوهاب فايد‪ ،‬طبعة دار الشعب‪.‬‬
‫‪ -‬األسماء والصفات‪ :‬للبيهقي‪ ،‬تحقيق‪ /‬عبد الَّله الحاشدي‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1405 ،‬هـ ‪ -‬مكتبة‬
‫السوادي‪ :‬جدة‪.‬‬
‫‪ -‬اإلصابة في تمييز الصحابة‪ :‬البن حجر العسقالني‪ ،‬تحقيق‪ /‬علي بن محمد البجاوي‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ 1412 ،‬هـ‪ ،‬تصوير‪ /‬دار الجيل‪ :‬بيروت‪.‬‬

‫(‪)2/1041‬‬
‫‪ -‬أطراف الغرائب واألفراد‪ ،‬للدارقطني‪ :‬لمحمد بن طاهر المقدسي‪ ،‬تحقيق‪ /‬محمود محمد‬
‫نصار والسيد يوسف‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1419 ،‬هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬أطراف المسند‪ :‬البن حجر العسقالني‪ ،‬تحقيق وتعليق‪ /‬د‪ .‬زهير بن ناصر الناصر‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ 1414 :‬هـ‪ ،‬دار ابن كثير‪ ،‬ودار الكلم الطيب‪ :‬دمشق‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬اإلعتقاد‪ :‬ألبي بكر البيهقي‪ ،‬تحقيق وتعليق‪ /‬أحمد بن إبراهيم أبي العينين‪ ،‬الطبعة األولى ‪-‬‬
‫‪ 1420‬هـ ‪ -‬دار الفضيلة‪ :‬الرياض‪ ،‬ودار ابن حزم‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬األمالي‪ ،‬ألبي جعفر البختري ‪ -‬ضمن مجموع فيه مصنفات أبي جعفر ابن البختري ‪ -‬تحقيق‪/‬‬
‫نبيل سعد الدين الجرار‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1422 -‬هـ‪ ،‬دار البشائر اإلسالمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬األمثال‪ :‬ألبي الشيخ األصبهاني‪ ،‬تحقيق‪ /‬عبد العلي حامد‪ ،‬الطبعة الثانية‪ 1408 ،‬هـ الدار‬
‫السلفية‪ :‬بومباي‪ :‬الهند‪.‬‬
‫‪ -‬اإلنابة إلى معرفة المختلف فيهم من الصحابة للحافظ عالء الدين مغلطاي‪ ،‬اعتنى به‪ /‬قسم‬
‫التحقيق بدار الحرمين‪ ،‬إشراف‪ :‬محمد عوض المنقوش‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1420 -‬هـ‪ ،‬مكتبة‬
‫الرشد‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬أنساب األشراف‪ ،‬للبالذري (الشيخان أبو بكر وعمر وولدهما) تحقيق‪ /‬د‪ .‬إحسان صدقي‬
‫العمد‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1409 -‬هـ‪ ،‬مؤسسة الشراع العربي‪ :‬الكويت‪.‬‬
‫‪ -‬األنساب‪ ،‬للسمعاني ‪ -‬أبي سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور‬

‫(‪)2/1042‬‬

‫التميمي‪ ،‬تقديم وتعليق‪ /‬عبد الَّله عمر البارودي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1408 -‬هـ‪ ،‬دار الجنان‪،‬‬
‫ومؤسسة الكتب الثقافية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬األوسط في السنن واإلجماع واالختالف‪ :‬البن المنذر النيسابوري‪ ،‬تحقيق‪ /‬صغير بن أحمد‬
‫حنيف‪ ،‬دار طيبة‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬اإليمان‪ :‬البن مندة‪ ،‬حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه‪ :‬علي بن محمد بن ناصر الفقيهي الطبعة‬
‫الثالثة ‪ 1407 -‬هـ‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬اإليمان‪ :‬البن أبي شيبة‪ ،‬تحقيق وتعليق‪ /‬محمد ناصر الدين األلباني‪ ،‬الطبعة الثانية‪ 1405 :‬هـ‬
‫دار األرقم‪ :‬الكويت‪.‬‬
‫‪ -‬بحر العلوم (تفسير السمرقندي)‪ :‬للسمرقندي‪ :‬أبي الليث نصر بن محمد بن أحمد‪ ،‬تحقيق‬
‫وتعليق‪ /‬علي محمد معَّو ض وعادل أحمد عبد الموجود‪ ،‬والدكتور‪ :‬زكريا عبد المجيد الُّنوني‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪ 1413‬هـ‪ .‬دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬البداية والنهاية‪ ،‬ألبي الفداء ابن كثير‪ ،‬دقق أصوله وحققه‪ /‬د‪ .‬أحمد أبو ملحم ورفاقه الطبعة‬
‫السادسة ‪ 1409 -‬هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬بدائع الفوائد‪ ،‬البن قيم الجوزية‪ ،‬دار الفكر للنشر والتوزيع‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬البدور السافرة في ُأمور اآلخرة‪ :‬للسيوطي‪ ،‬خَّر ج أحاديثه أبو محمد المصري الطبعة األولى‬
‫‪ 1411‬هـ‪ ،‬مؤسسة الكتب الثقافية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬البديع في نقد الشعر‪ ،‬ألسامة بن منقذ‪ ،‬تحقيق‪ /‬أحمد أحمد بدوي وحامد عبد المجيد‪،‬‬
‫مراجعة‪ /‬إبراهيم مصطفى‪ ،‬طبع‪ 1380 :‬هـ‪ ،‬مكتبة ومطبعة البابي الحلبي‪ :‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬برنامج التجيبي‪ :‬للقاسم بن يوسف التجيبي السبتي‪ ،‬تحقيق وإعداد‪/‬‬

‫(‪)2/1043‬‬

‫عبد الحفيظ منصور‪ .‬طبع‪ 1981 :‬م‪ ،‬الدار العربية للكتاب ليبيا ‪ -‬تونس‪.‬‬
‫‪ -‬البعث‪ ،‬البن أبي داود السجستاني‪ ،‬تحقيق‪ /‬أبي إسحاق الحويني‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1408 -‬هـ‪،‬‬
‫دار الكتاب العربي‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬البعث والنشور‪ ،‬ألبي بكر البيهقي‪ ،‬تحقيق‪ /‬أبي هاجر محمد السعيد بسيوني زغلول الطبعة‬
‫األولى ‪ 1408 -‬هـ‪ ،‬مؤسسة الكتب الثقافية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث؛ لنور الدين الهيثمى‪ ،‬تحقيق‪ /‬مسعد عبد الحميد‬
‫السعدني‪ ،‬دار الطالئع‪.‬‬
‫‪ -‬بيان الوهم واإليهام الواقعين في كتاب األحكام‪ :‬البن القطان الفاسي‪ ،‬تحقيق‪ /‬د‪ .‬الحسين‬
‫آيت سعيد‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1418‬هـ دار طيبة‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬تاريخ بغداد‪ :‬للخطيب البغدادي‪ ،‬تحقيق‪ /‬مصطفى عبد القادر عطا‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1417‬هـ ‪-‬‬
‫‪ 1997‬م دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬تاريخ األدب العربي‪ ،‬لبروكلمان‪ ،‬ترجمة‪ /‬عبد الحليم النجار‪ ،‬دار المعارف‪ :‬القاهرة‪ .‬طبع‬
‫‪ 1977 - 1961‬م‪.‬‬
‫‪ -‬تاريخ دمشق‪ :‬البن عساكر‪ ،‬تحقيق‪ /‬عمرو غرامة العمروي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1415‬هـ ‪ -‬دار‬
‫الفكر‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬تاريخ جرجان‪ :‬ألبي القاسم حمزة بن يوسف بن إبراهيم القرشي السهمي‪ ،‬طبع تحت مراقبة‪/‬‬
‫د‪ .‬محمد عبد المعيد خان‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ 1401 ،‬هـ‪ ،‬عالم الكتب‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬تاريخ مصر‪ :‬البن يونس‪ :‬أبي سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد األعلى الصدفي‬
‫المصري‪ ،‬جمع وتحقيق ودراسة‪ /‬د‪ .‬عبد الفتاح فتحي عبد الفتاح‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1421 -‬هـ‬
‫دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬

‫(‪)2/1044‬‬

‫‪ -‬تأويل مشكل القرآن‪ ،‬البن قتيبة‪ ،‬شرحه ونشره‪ /‬السيد أحمد صقر‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1393 -‬‬
‫هـ‪ ،‬دار التراث‪ :‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬التاريخ األوسط‪ :‬للبخاري (مطبوع باسم الصغير) تحقيق‪ /‬محمود إبراهيم زائد‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪ 1406 -‬هـ‪ ،‬دار المعرفة‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬التاريخ الكبير‪ :‬للبخاري‪ ،‬تحقيق‪ /‬الشيخ عبد الرحمن المعلمي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دائرة المعارف‬
‫العثمانية‪ :‬حيدر آباد ‪ -‬الهند‪ ،‬تصوير دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬تاريخ علماء األندلس‪ ،‬البن الفرضي‪ :‬أبي الوليد عبد الَّله بن محمد بن نصير األزدي‪ ،‬تحقيق‪/‬‬
‫د‪ .‬روحية عبد الرحمن السويفي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1417‬هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬تبييض الصحيفة بأصول األحاديث الضعيفة لمحمد عمرو عبد اللطيف‪ ،‬الطبعة األولى ‪،1410‬‬
‫مكتبة التوعية اإلسالمية‪ :‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬تحفة األشراف بمعرفة األطراف ألبي الحجاج المزي مع النكت الظراف على األطراف‬
‫للحافظ ابن حجر‪ ،‬تحقيق‪ /‬عبد الصمد شرف الدين‪ ،‬إشراف‪ /‬زهير الشاويش‪ ،‬الطبعة الثانية‬
‫‪ 1403‬هـ‪ ،‬الدار القيمة‪ :‬الهند‪ ،‬والمكتب اإلسالمي‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬التذكرة في أحوال الموتى وأمور اآلخرة للقرطبي‪ :‬محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح‬
‫األنصاري الخزرجي األندلسي‪ ،‬تحقيق‪ /‬عصام الدين سيد الصبابطي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار الحديث‪:‬‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬الترغيب والترهيب‪ ،‬لألصبهاني ‪ -‬أبي القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل‪ ،‬تحقيق وتعليق‪/‬‬
‫أيمن بن صالح بن شعبان‪ ،‬الطبعة األولى‬

‫(‪)2/1045‬‬

‫‪ 1414‬هـ‪ ،‬دار الحديث‪ :‬القاهرة‪.‬‬


‫‪ -‬الترغيب والترهيب‪ ،‬للمنذري‪ :‬عبد العظيم بن عبد القوي‪ ،‬ضبط أحاديثه وعلق عليه‪ /‬مصطفى‬
‫محمد عمارة‪ ،‬طبع‪ 1407 :‬هـ‪ ،‬دار الحديث‪ :‬القاهرة‪ ،‬دار الريان للتراث‪.‬‬
‫‪ -‬تعجيل المنفعة بزوائد رجال األئمة األربعة‪ :‬للحافظ ابن حجر العسقالني‪ ،‬دراسة وتحقيق‪/‬‬
‫إكرام الَّله إمداد الحق‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1416‬هـ‪ ،‬دار البشائر اإلسالمية بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬تفسير مقاتل بن سليمان‪ ،‬تحقيق‪ /‬أحمد فريد‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1424‬هـ دار الكتب العلمية‪:‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬تفسير مجاهد بن جبر‪ ،‬ضبط نصه وخرج أحاديثه‪ /‬أبو محمد األسيوطي‪ ،‬الطبعة األولى ‪-‬‬
‫‪ 1426‬هـ ‪ -‬دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬تفسير القرآن العظيم البن كثير‪ ،‬قدم له‪ /‬د‪ .‬يوسف بن عبد الرحمن المرعشلي‪ ،‬الطبعة الثانية‬
‫‪ 1407‬هـ‪ ،‬دار المعرفة‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬تفسير عبد الرزاق ‪( -‬تفسير القرآن العزيز) لعبد الرزاق بن همام الصنعاني‪ ،‬تحقيق‪ /‬د‪ .‬عبد‬
‫المعطي قلعجي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1411‬هـ‪ ،‬دار المعرفة‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬تفسير غريب القرآن البن قتيبة‪ ،‬تحقيق‪ /‬السيد أحمد صقر‪ ،‬طبع ‪ 1398‬هـ دار الكتب‬
‫العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬تفسير القرآن العزيز البن أبي زمنين ‪ -‬أبي عبد الَّله محمد بن عبد الَّله‪ ،‬تحقيق‪ /‬حسين بن‬
‫عكاشة ومحمد بن مصطفى الكنز‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1423‬هـ ‪ -‬طبع الفاروق الحديثة للطباعة‬
‫والنشر‪ :‬مصر‪.‬‬

‫(‪)2/1046‬‬
‫‪ -‬تفسير القرآن ألبي المظفر السمعاني‪ :‬منصور بن محمد بن عبد الجبار التميمي الشافعي‪،‬‬
‫تحقيق‪ /‬ياسر بن إبراهيم‪ ،‬وغنيم بن عباس بن غنيم‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1418 :‬هـ ‪ -‬دار الوطن‪:‬‬
‫الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬تغليق التعليق‪ :‬البن حجر العسقالني‪ ،‬تحقيق‪ /‬سعيد القزقي‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1405 :‬هـ ‪-‬‬
‫المكتب اإلسالمي‪ :‬بيروت‪ ،‬دار عمار‪ :‬األردن‪.‬‬
‫‪ -‬تفسير القرآن العظيم البن أبي حاتم الرازي‪ ،‬تحقيق‪ /‬أسعد محمد الطيب‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪ 1417‬هـ‪ ،‬مكتبة نزار مصطفى الباز‪ :‬مكة المكرمة‪.‬‬
‫‪ -‬تفسير القرآن من الجامع البن وهب المصري‪ ،‬تحقيق وتعليق‪ /‬ميكلوش موراني الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪ 2003‬م‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬تقريب التهذيب‪ ،‬البن حجر العسقالني‪ ،‬بعناية‪ /‬عادل مرشد‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1416‬هـ ‪-‬‬
‫‪ 1996‬م‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬تكملة اإلكمال‪ ،‬البن نقطة‪ ،‬تحقيق‪ /‬د‪ .‬عبد القيوم عبد رب النبي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1408‬هـ ‪-‬‬
‫جامعة أم القرى‪ :‬مكة المكرمة‪.‬‬
‫‪ -‬التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير‪ :‬البن حجر العسقالني‪ ،‬تحقيق‪ /‬شعبان‬
‫محمد إسماعيل‪ ،‬مكتبة الكليات األزهرية‪ :‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬التمهيد لما في الموطأ من المعاني واألسانيد؛ البن عبد البر‪ ،‬تحقيق‪ /‬جماعة من الباحثين‪،‬‬
‫بوزارة األوقاف‪ :‬بالمغرب‪.‬‬
‫‪ -‬تهذيب الكمال في أسماء الرجال ألبي الحجاج المزي‪ ،‬تحقيق‪ /‬بشار عواد معروف‪ ،‬الطبعة‬
‫السادسة‪ 1415 ،‬هـ‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ :‬بيروت‪.‬‬

‫(‪)2/1047‬‬

‫‪ -‬تهذيب التهذيب‪ :‬البن حجر العسقالني‪ ،‬اعتنى به‪ /‬عادل مرشد وإبراهيم الزيبق‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ 1416 ،‬هـ‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل‪ :‬البن خزيمة‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ /‬د‪ .‬عبد العزيز بن‬
‫إبراهيم الشهوان‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1408‬هـ‪ ،‬دار الرشد‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة اإلمام ابن القيم‪ ،‬تأليف‪ /‬أحمد بن إبراهيم‬
‫بن عيسى‪ ،‬تحقيق‪ /‬زهير الشاويش‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ 1406 ،‬هـ المكتب اإلسالمي‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬التوكل‪ :‬البن أبي الدنيا‪ ،‬تحقيق‪ /‬جاسم الفهيد الدوسري‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1407‬هـ دار البشائر‬
‫اإلسالمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد لسليمان عبد الَّله بن محمد بن عبد الوهاب‬
‫بدون تاريخ نشر‪ ،‬وال دار طبع‪.‬‬
‫‪ -‬الثقات‪ :‬البن حبان‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1393‬هـ‪ ،‬دائرة المعارف العثمانية‪ :‬حيدر آباد ‪ -‬الهند‪،‬‬
‫تصوير‪ :‬دار الفكر بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬الجامع‪ :‬ألبي عيسى الترمذي‪ ،‬تحقيق‪ /‬عادل مرشد‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1422 ،‬هـ ‪ 2001 -‬م‪،‬‬
‫مكتبة دار البيان الحديثة‪ ،‬ودار اإلعالم‪.‬‬
‫‪ -‬جامع البيان‪ :‬البن جرير الطبري‪ ،‬دار الفكر ‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬جامع المسانيد والسنن الهادي ألقوم سنن‪ :‬البن كثير‪ ،‬تحقيق‪ /‬د‪ .‬عبد المعطي أمين قلعجي‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪ 1415‬هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬الجامع ألحكام القرآن‪ :‬للقرطبي‪ ،‬تحقيق‪ /‬مركز تحقيق التراث‪ :‬أحمد‬

‫(‪)2/1048‬‬

‫عبد العليم البردوني ورفاقه‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ 1987 :‬م‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪.‬‬
‫‪ -‬الجامع الصحيح‪ ،‬للبخاري‪ ،‬ضبط وترقيم‪ /‬مصطفى ديب البغا‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ 1410 ،‬هـ ‪-‬‬
‫‪ 1990‬م‪ ،‬دار ابن كثير‪ ،‬واليمامة للطباعة‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬جامع التحصيل في أحكام المراسيل‪ ،‬للعالئي‪ ،‬تحقيق‪ /‬حمدي عبد المجيد السلفي‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪ 1407‬هـ ‪ 1986 -‬م‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬ومكتبة النهضة العربية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬الجرح والتعديل‪ :‬البن أبي حاتم الرازي‪ ،‬اعتنى به‪ /‬عبد الرحمن المعلمي‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪ 1371‬هـ‪ ،‬مجلس دائرة المعارف ‪ -‬الهند‪ ،‬تصوير‪ :‬دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬جزء الحسن بن عرفة العبدي‪ ،‬تحقيق‪ /‬د‪ .‬عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪ 1406 -‬هـ ‪ -‬مكتبة دار األقصى‪ :‬الكويت‪.‬‬
‫‪ -‬جذوة المقتبس في ذكر والة األندلس‪ :‬للحميدي األندلسي‪ ،‬تحقيق‪ /‬د‪ .‬روحية عبد الرحمن‬
‫السويفي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1417‬هـ ‪ 1997 -‬م‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬جالء األفهام في فضل الصالة والسالم على خير األنام ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ :-‬البن قِّيم‬
‫الجوزية‪ ،‬تحقيق زائد بن أحمد النشيري‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1425 ،‬هـ ‪ -‬دار عالم الفوائد ‪ :-‬مكة‬
‫المكرمة‪.‬‬
‫‪ -‬جمهرة أنساب العرب البن حزم األندلسي‪ ،‬تحقيق وتعليق‪ /‬عبد السالم محمد هارون‪ ،‬الطبعة‬
‫الرابعة‪ ،‬دار المعارف‪ :‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬جمهرة اللغة‪ ،‬ألبي بكر ابن ُدَر يد األزدي‪ ،‬تحقيق‪ /‬رمزي بعلبكي‪ ،‬الطبعة‬

‫(‪)2/1049‬‬

‫األولى‪ 1408 ،‬هـ‪ ،‬دار العلم للماليين‪ :‬بيروت‪.‬‬


‫‪ -‬الجهاد‪ :‬البن أبي عاصم‪ ،‬تحقيق‪ /‬مساعد سليمان الراشد الحميد‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1409‬هـ‪،‬‬
‫دار القلم‪ :‬دمشق‪.‬‬
‫‪ -‬الجمع بين الصحيحين‪ :‬لعبد الحق األشبيلي‪ ،‬اعتنى به‪ /‬حمد بن محمد الغماس‪ ،‬تقديم‪/‬‬
‫الشيخ‪ :‬بكر أبو زيد‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1419 ،‬هـ‪ ،‬دار المحقق للنشر والتوزيع‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬حادي األرواح إلى بالد األفراح‪ :‬البن قيم الجوزية‪ ،‬تحقيق‪ /‬السيد الجميلي‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫‪ 1406‬هـ ‪ -‬دار الكتاب العربي‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة‪ :‬لقَّو ام السنة أبي القاسم إسماعيل بن محمد‬
‫بن الفضل التيمي األصبهاني‪ ،‬تحقيق‪ /‬محمد بن ربيع المدخلي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1411‬هـ‪ ،‬دار‬
‫الراية‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬حسن الظن بالَّله عز وجل‪ :‬البن أبي الدنيا‪ ،‬تحقيق وتعليق‪ /‬مخلص محمد‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪ 1408‬هـ ‪ -‬دار طيبة للنشر‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬حديث السراج ألبي العباس محمد بن إسحاق الثقفي‪ ،‬تخريج‪ /‬زاهر بن طاهر الشحامي‪،‬‬
‫تحقيق‪ /‬حسين بن عكاشة بن رمضان‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1425‬هـ ‪ -‬الفاروق الحديثة للطباعة‬
‫والنشر‪ :‬مصر‪.‬‬
‫‪ -‬حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ :‬ألبي نعيم األصبهاني‪ ،‬الطبعة الخامسة ‪ 1407‬هـ ‪ -‬دار‬
‫الريان‪ ،‬ودار الكتاب العربي‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬الحماسة البصرية لصدر الدين علي بن أبي الفرج بن الحسن البصري‪ ،‬تحقيق‪ /‬مختار الدين‬
‫أحمد‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ 1403‬هـ‪ ،‬الكتب‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬خزانة األدب ولب لباب لسان العرب‪ ،‬لعبد القادر البغدادي‪ ،‬تحقيق‪/‬‬

‫(‪)2/1050‬‬

‫عبد السالم محمد هارون‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪ 1418‬هـ‪ ،‬مكتبة الخانجي القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬الدر المنثور في التفسير بالمأثور‪ :‬للسيوطي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1411‬هـ ‪ 1991 -‬م‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬درء تعارض العقل والنقل‪ ،‬لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬تحقيق‪ /‬محمد رشاد سالم‪ ،‬توزيع مكتبة‬
‫ابن تيمية‪ :‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬الدعاء ألبي القاسم الطبراني‪ ،‬تحقيق‪ /‬د‪ .‬محمد سعيد بخاري‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1407‬هـ دار‬
‫البشائر اإلسالمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬الدعاء‪ :‬للمحاملي‪ ،‬تحقيق‪ /‬د‪ .‬سعيد القزقي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1992‬م‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪:‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬الدعوات الكبير‪ :‬للبيهقي‪ ،‬تحقيق‪ /‬بدر بن عبد الَّله البدر‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1414‬هـ مركز‬
‫المخطوطات والتراث والوثائق‪ :‬الكويت‪.‬‬
‫‪ -‬دالئل النبوة‪ :‬للبيهقي‪ ،‬تحقيق‪ /‬د‪ .‬عبد المعطي قلعجي‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1405 ،‬هـ‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬الديات‪ :‬البن أبي عاصم‪ ،‬تحقيق‪ /‬عبد المنعم زكريا‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1424 :‬هـ‪ ،‬دار الصميعي‪:‬‬
‫الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬ديوان األعشى الكبير‪ ،‬شرح وتعليق‪ /‬د‪ .‬محمد حسين‪ ،‬المطبعة النموذجية نشر‪ :‬مكتبة‬
‫اآلداب‪.‬‬
‫‪ -‬ديوان جرير‪ ،‬بشرح‪ /‬إيليا الحاوي‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1982 ،‬م‪ ،‬دار الكتاب اللبناني‪ ،‬ومكتبة‬
‫المدرسة‪ :‬بيروت‪.‬‬

‫(‪)2/1051‬‬
‫‪ -‬ديوان حسان بن ثابت رضي الَّله عنه‪ ،‬شرح وتقديم‪ /‬األستاذ‪ :‬عبدأ مهنا‪ ،‬الطبعة األولى‪.‬‬
‫‪ 1406‬هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬ديوان زهير بن أبي ُس ْلمى‪ ،‬شرحه وضبط نصوصه‪ /‬د‪ .‬عمر فاروق الطباع‪ ،‬شركة دار األرقم‬
‫بن أبي األرقم للطباعة والنشر والتوزيع‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬ديوان ابن الرومي‪ ،‬شرح‪ /‬أحمد حسن بسج‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1415‬هـ دار الكتب العلمية‪:‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬ديوان عامر بن الطفيل ‪ -‬رواية أبي بكر األنباري عن ثعلب‪ ،‬طبع ‪ 1383‬هـ دار صادر‪:‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار بيروت‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬ديوان العجاج ‪ -‬رواية‪ :‬األصمعي وشرحه ‪ -‬تحقيق‪ /‬د‪ .‬عبد الحفيظ السطلي‪ ،‬طبع ‪ 1971‬م‬
‫المطبعة التعاونية‪ :‬بدمشق‪ ،‬توزيع‪ :‬مكتبة أطلس‪ :‬دمشق‪.‬‬
‫‪ -‬ديوان لبيد ‪ -‬مع شرح الطوسي وغيره ‪ -‬حققه وقدم له‪ /‬د‪ .‬إحسان عباس؛ طبع ‪ 1962‬طبع‬
‫في مطبعة حكومة الكويت‪ :‬الكويت‪.‬‬
‫‪ -‬الرد على من قال‪ :‬بفناء الجنة والنار وبيان األقوال في ذلك‪ ،‬لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬تحقيق‪/‬‬
‫د‪ .‬محمد السمهري‪ ،‬الطبعة األولى‪.‬‬
‫‪ -‬الرد على الجهمية‪ :‬لعثمان بن سعيد الدارمي‪ ،‬قَّدم له وخرج أحاديثه وعلق عليه‪ /‬بدر البدر‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪ 1405‬هـ‪ ،‬الدار السلفية‪َ :‬ح َو ِّلي ‪ -‬الكويت‪.‬‬
‫‪ -‬الرد على الجهمية‪ :‬لمحمد بن إسحاق بن مندة‪ ،‬تحقيق‪ /‬د‪ .‬علي محمد ناصر الفقيهي‪ /‬الطبعة‬
‫الثالثة ‪ 1414‬هـ‪ ،‬مكتبة الغرباء األثرية‪ :‬المدينة النبوية‪.‬‬

‫(‪)2/1052‬‬

‫‪ -‬الرد على الجهمية‪ :‬لإلمام أحمد بن حنبل‪ ،‬تحقيق وتعليق‪ /‬عبد الرحمن عميرة‪ ،‬الطبعة الثانية‬
‫‪ 1402‬هـ‪ ،‬دار اللواء‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬رسالة رفع الصوت بذبح الموت‪ :‬للسيوطي ‪ -‬مطبوع‪ :‬ضمن الحاوي للفتاوى ‪ -‬طبع ‪-‬‬
‫‪ 1352‬هـ‪ ،‬تصوير‪ /‬دار الكتب العلمية‪ 1402 ،‬هـ‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬الرسالة الوافية لمذهب أهل السنة في االعتقادات وأصول الديانات ألبي عمرو الداني‪ ،‬دراسة‬
‫وتحقيق‪ /‬دغش بن العجمي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1421‬هـ‪ ،‬مكتبة دار اإلمام أحمد بن حنبل‪ :‬الكويت‪.‬‬
‫‪ -‬الرسالة لإلمام الشافعي‪ ،‬تحقيق وشرح‪ /‬أحمد شاكر‪ ،‬طبعة دار الفكر‪.‬‬
‫‪ -‬الرقة والبكاء‪ :‬البن أبي الدنيا‪ ،‬تحقيق‪ /‬محمد خير رمضان يوسف‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1415 :‬هـ‪،‬‬
‫مكتبة العبيكان‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬الرؤية‪ :‬للدارقطني‪ ،‬تقدير وتحقيق وتعليق‪ /‬إبراهيم محمد العلي‪ ،‬وأحمد فخري الرفاعي‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪ 1411‬هـ‪ ،‬مكتبة المنار للطباعة والنشر والتوزيع‪ :‬الزرقاء ‪ -‬األردن‪.‬‬
‫‪ -‬الروض البَّس ام بترتيب وتخريج فوائد تَّم ام‪ ،‬لجاسم بن سليمان الفهيد الدوسري‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪ 1408‬هـ‪ ،‬دار البشائر اإلسالمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬الروض الداني إلى المعجم الصغير للطبراني‪ ،‬تحقيق‪ /‬محمد شكور محمود الحاج أمرير‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ 1405 :‬هـ‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ :‬بيروت‪ ،‬ودار عَّم ار‪ :‬عَّم ان ‪ -‬األردن‪.‬‬
‫‪ -‬الروح‪ :‬البن قيم الجوزية‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ /‬د‪ .‬السيد الجميلي‪ ،‬الطبعة الثانية‪ 1406 :‬هـ‪ ،‬دار‬
‫الكتاب العربي‪ :‬بيروت‪.‬‬

‫(‪)2/1053‬‬

‫‪ -‬زاد المسير في علم التفسير‪ :‬ألبي الفرج ابن الجوزي‪ ،‬تحقيق‪ /‬شعيب األرناؤوط وعبد القادر‬
‫األرناؤوط‪ ،‬وزهير الشاويش‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ 1407 :‬هـ‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬الزهد‪ :‬لإلمام أحمد بن حنبل‪ ،‬تحقيق‪ /‬محمد بسيوني زغلول‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1406 :‬هـ‪ ،‬دار‬
‫الكتاب العربي‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬الزهد‪ :‬لعبد الَّله بن المبارك‪ ،‬تحقيق‪ /‬حبيب الرحمن األعظمي‪ ،‬تصوير‪ :‬دار الكتب العلمية‪:‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬الزهد‪ :‬لوكيع بن الجراح‪ ،‬تحقيق‪ /‬د‪ .‬عبد الرحمن الفريوائي‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1404 :‬هـ‪،‬‬
‫مكتبة الدار‪ :‬المدينة النبوية‪.‬‬
‫‪ -‬الزهد‪ :‬الهَّناد بن السري‪ ،‬تحقيق‪ /‬د‪ .‬عبد الرحمن الفريوائي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1406‬هـ دار‬
‫الخلفاء‪ :‬الكويت‪.‬‬
‫‪ -‬الزهد‪ :‬ألسد السنة ‪ -‬أسد بن موسى ‪ -‬تحقيق‪ /‬أبي إسحاق الحويني األثري‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪ 1413‬هـ‪ ،‬مكتبة التوعية اإلسالمية إلحياء التراث اإلسالمي‪ ،‬ومكتبة الوعي اإلسالمي‪ :‬مصر‪.‬‬
‫‪ -‬الزهد‪ :‬ألبي داود السجستاني‪ ،‬تحقيق‪ /‬ياسر إبراهيم وغنيم عباس‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1414‬هـ‪،‬‬
‫دار المشكاة‪ :‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬الزهد‪ :‬البن أبي عاصم‪ ،‬تحقيق‪ /‬عبد العلي عبد الحميد حامد‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1408‬هـ الدار‬
‫السلفية‪ :‬بومباي ‪ -‬الهند‪.‬‬
‫‪ -‬زوائد تاريخ بغداد على الكتب الستة‪ ،‬تأليف د‪ .‬خلدون األحدب‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1417‬هـ دار‬
‫القلم‪ :‬دمشق‪.‬‬
‫‪ -‬سر صناعة اإلعراب‪ :‬ألبي الفتح عثمان بن ِج ِّني‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ /‬د‪.‬‬

‫(‪)2/1054‬‬

‫حسن هنداوي الطبعة الثانية ‪ 1413‬هـ‪ ،‬دار القلم‪ :‬دمشق‪.‬‬


‫‪ -‬سلسلة األحاديث الصحيحة‪ :‬لأللباني‪ ،‬مكتبة المعارف‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬سلسلة األحاديث الضعيفة‪ :‬لأللباني‪ ،‬مكتبة المعارف‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬السنة‪ :‬لعبد الَّله بن أحمد بن حنبل‪ ،‬تحقيق ودراسة‪ /‬د‪ .‬محمد سعيد القحطاني‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪ 1406‬هـ‪ ،‬دار ابن القيم‪ :‬الدَّمام‪.‬‬
‫‪ -‬السنة‪ :‬لمحمد بن نصر المروزي‪ ،‬تحقيق‪ /‬أبي محمد سالم بن أحمد السلفي‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪ ،1408‬مؤسسة الكتب الثقافية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬السنن‪ :‬البن ماجه القزويني‪ ،‬اعتنى به‪ /‬فريق بيت األفكار الدولية‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1420 :‬هـ‪،‬‬
‫بيت األفكار الدولية‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬السنن‪ :‬ألبي داود السجستاني‪ ،‬اعتنى به‪ /‬فريق بيت األفكار الدولية‪ ،‬الطبعة األولى‪1420 :‬‬
‫هـ‪ ،‬بيت األفكار الدولية‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬السنن (المجتبى)‪ :‬للنسائي‪ ،‬اعتنى به‪ /‬فريق بيت األفكار الدولية‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1420‬هـ‪،‬‬
‫بيت األفكار الدولية‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬السنن‪ :‬لسعيد بن منصور الخراساني المكي‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ /‬د‪ .‬سعد الحمِّيد‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪ 1414‬هـ‪ ،‬دار الصميعي‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬السنن‪ :‬لسعيد بن منصور الخراساني المكي‪ ،‬حققه وعَّلق عليه‪ /‬د‪ .‬حبيب الرحمن األعظمي‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬السنن‪ :‬للدارمي‪ .‬تحقيق‪ /‬حسين سليم أسد الداراني‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1421 ،‬هـ‪ ،‬دار المغني‪:‬‬
‫الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬السنن‪ :‬للدارقطني‪ ،‬وبذيله التعليق المغني على الدارقطني‪ ،‬الطبعة‬

‫(‪)2/1055‬‬

‫الرابعة ‪ 1406‬هـ‪ ،‬عالم الكتب‪ :‬بيروت‪.‬‬


‫‪ -‬السنن الكبرى‪ :‬للنسائي‪ ،‬تحقيق‪ /‬د‪ .‬عبد الغفار البنداري وسيد كسروي‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪ 1411‬هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬السنن الكبرى‪ :‬للبيهقي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1344‬هـ‪ ،‬مجلس دائرة المعارف‪ :‬الهند‪ ،‬تصوير دار‬
‫المعرفة‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬شرح أصول إعتقاد أهل السنة والجماعة‪ :‬ألبي القاسم هبة الَّله بن الحسن بن منصور الطبري‬
‫الاللكائي‪ ،‬تحقيق‪ /‬د‪ .‬أحمد سعد الغامدي‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ 1415 :‬هـ‪ ،‬دار طيبة‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬شرح حديث النزول‪ :‬لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ /‬محمد بن عبد الرحمن‬
‫الخميس‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1414‬هـ‪ ،‬دار العاصمة‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬شرح السنة‪ :‬للبغوي‪ ،‬تحقيق‪ /‬شعيب األرناؤوط وزهير الشاويش‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1402‬هـ‪،‬‬
‫المكتب اإلسالمي‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬شرح مذاهب أهل السنة ومعرفة شرائع الدين والتمسك بالسنن‪ ،‬ألبي حفص ابن شاهين‪،‬‬
‫تحقيق‪ /‬عادل بن محمد‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1415‬هـ‪ ،‬مؤسسة قرطبة‪ :‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬شرح العمدة (الصالة) لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬اعتنى به‪ /‬د‪ .‬خالد بن علي بن محمد‬
‫المشيقح‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1418‬هـ‪ ،‬دار العاصمة‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬شرح العمدة (الصيام) لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬تحقيق‪ /‬زائد بن أحمد النشيري الطبعة األولى‬
‫‪ 1417‬هـ‪ ،‬دار األنصاري‪ :‬مكة المكرمة‪.‬‬
‫‪ -‬شعب اإليمان‪ :‬للبيهقي‪ ،‬تحقيق‪ /‬عبد العلي عبد الحميد حامد‪ ،‬الطبعة‬

‫(‪)2/1056‬‬
‫األولى ‪ 1406‬هـ ‪ 1411 -‬هـ‪ ،‬الدار السلفية‪ :‬بومباى ‪ -‬الهند‪.‬‬
‫‪ -‬شعب اإليمان‪ :‬للبيهقي‪ ،‬تحقيق‪ /‬محمد بسيوني زغلول‪ ،‬الطبعة األولى دار الكتب العلمية‪:‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬شرح مشكل اآلثار‪ :‬ألبي جعفر الطحاوي‪ ،‬تحقيق‪ /‬شعيب األرناؤوط‪ ،‬الطبعة األولى ‪1415‬‬
‫هـ‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل البن قيم الجوزية‪ ،‬تحقيق‪ /‬عمر بن‬
‫سليمان الحفيان‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1420‬هـ‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬الشريعة‪ :‬لآلجري‪ ،‬تحقيق‪ /‬عبد الَّله بن عمر الدميجي‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1420‬هـ دار الوطن‪:‬‬
‫الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬الِّص حاح‪ :‬إلسماعيل بن حماد الجوهري‪ ،‬حققه وضبطه‪ /‬شهاب الدين أبو عمرو‪ ،‬الطبعة‬
‫‪ 1418‬هـ‪ ،‬دار الفكر‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬الصحيح‪ :‬لمسلم بن الحجاج النيسابوري‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1422 -‬هـ ‪ -‬مكتبة الرشد‪:‬‬
‫الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬الصحيح‪ :‬البن خزيمة‪ ،‬تحقيق‪ /‬محمد مصطفى األعظمي‪ ،‬الطبعة الثانية‪ 1412 ،‬هـ‪ ،‬المكتب‬
‫اإلسالمي‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬الصفات‪ :‬للدارقطني‪ ،‬تحقيق‪ /‬علي بن محمد الفقيهي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1403‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬صفة الجنة‪ :‬البن أبي الدنيا‪ ،‬تحقيق‪ /‬عمرو عبد المنعم سليم‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1417‬هـ‪ ،‬مكتبة‬
‫ابن تيمية‪ :‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬صفة الجنة‪ :‬ألبي نعيم األصبهاني‪ ،‬تحقيق‪ /‬علي رضا عبد الَّله‪ ،‬الطبعة‬

‫(‪)2/1057‬‬

‫األولى‪ 1408 ،‬هـ‪ ،‬دار المأمون للتراث‪ :‬دمشق ‪ -‬بيروت‪.‬‬


‫‪ -‬صفة الجنة للحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الَّله المقدسي‪ ،‬تحقيق‪ /‬صبري بن سالمة‬
‫شاهين‪ .‬الطبعة األولى ‪ 1423‬هـ‪ ،‬دار بلنسية‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬الصالة ومقاصدها‪ :‬للحكيم الترمذي‪ ،‬تحقيق‪ /‬بهيج غَّز اوي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1406‬هـ‪ ،‬دار‬
‫إحياء العلوم‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬الضعفاء الكبير للعقيلي‪ ،‬تحقيق‪ /‬عبد المعطي قلعجي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1404‬هـ‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬الضعفاء والمتروكون للدارقطني‪ ،‬تحقيق‪ /‬موفق عبد الَّله عبد القادر‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1404‬هـ‬
‫‪ -‬مكتبة المعارف‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬طبقات الحنابلة‪ :‬للقاضي أبي يعلى ‪ -‬دار المعرفة‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬طبقات المفسرين‪ ،‬للداودي‪ ،‬مراجعة وضبط‪ /‬لجنة من العلماء بإشراف الناشر‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬الطبقات الكبرى‪ :‬لمحمد بن سعد‪ ،‬دار الفكر ‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬الطبقات الكبير‪ :‬لمحمد بن سعد‪ ،‬تحقيق‪ /‬علي عمر‪ ،‬الطبعة األولى مكتبة الخانجي‪.‬‬
‫‪ -‬طبقات المحدثين بأصبهان‪ ،‬ألبي الشيخ األصبهاني‪ ،‬تحقيق‪ /‬عبد الغفور البلوشي‪ ،‬الطبعة الثانية‬
‫‪ 1412‬هـ‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬عجائب وغرائب الجن كما يصورها القرآن= آكام المرجان في أحكام القرآن‪ ،‬وزعم المحقق‬
‫أنه غَّير هذا العنوان إلى (عجائب وغرائب ‪ِ ،) ..‬لُيالئم روح العصر‪ .‬ولم يصب في هذا الَّتصُّر ف‪.‬‬
‫‪ -‬العرش وما روي فيه‪ :‬البن أبي شيبة‪ ،‬محمد بن عثمان بن أبي شيبة‬

‫(‪)2/1058‬‬

‫العبسي‪ ،‬تحقيق وتخريج‪ /‬محمد بن حمد الحمود‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1410‬هـ‪ ،‬مكتبة السنة‪:‬‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬العظمة ألبي الشيخ األصبهاني‪ ،‬تحقيق‪ /‬رضاء الَّله بن محمد بن إدريس المباركفوري‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪ 1408‬هـ‪ ،‬دار العاصمة‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬العقود الُّدرية من مناقب شيخ اإلسالم أحمد بن تيمية‪ :‬البن عبد الهادي‪ ،‬تحقيق‪ /‬محمد حامد‬
‫الفقي‪ ،‬تصوير‪ :‬مكتبة المؤيد‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬العلل ومعرفة الرجال لإلمام أحمد ‪ -‬رواية ابنه عبد الَّله‪ ،‬تحقيق‪ /‬وصي الَّله عباس الطبعة‬
‫األولى ‪ 1408‬هـ‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬العلل الكبير للترمذي ‪ -‬ترتيب أبي طالب القاضي‪ ،‬تحقيق‪ /‬صبحي السامرائي ورفاقه‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪ 1409‬هـ‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬ومكتبة النهضة العربية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬العلل البن أبي حاتم‪ ،‬تحقيق‪ /‬محب الدين الخطيب‪ ،‬تصوير‪ :‬دار المعرفة‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬العلل للدارقطني‪ ،‬تحقيق‪ /‬محفوظ الرحمن السلفي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار طيبة‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬العلل المتناهية في األحاديث الواهية‪ ،‬ألبي الفرج ابن الجوزي‪ ،‬تحقيق‪ /‬خليل الميس‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪ 1403‬هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬العلو للعلي العظيم للذهبي‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ /‬عبد الَّله بن صالح البَّر اك‪ ،‬الطبعة األولى ‪1420‬‬
‫هـ ‪ -‬دار الوطن‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬عمل اليوم والليلة للنسائي‪ ،‬تحقيق‪ /‬فاروق حمادة‪ ،‬الطبعة الثانية‪ 1406 :‬هـ‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪:‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬العين للخليل بن أحمد الفراهيدي‪ ،‬طبعة مرتبة على الترتيب األلفبائي‪،‬‬

‫(‪)2/1059‬‬

‫الطبعة األولى ‪ 1421‬هـ‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ :‬بيروت‪.‬‬


‫‪ -‬غريب الحديث‪ :‬ألبي عبيد القاسم بن ساَّل م‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1384‬هـ‪ ،‬بمطبعة مجلس دائرة‬
‫المعارف العثمانية‪ :‬بحيد آباد الركن‪ ،‬تصوير‪ :‬دار الكتاب العربي‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬غريب الحديث‪ :‬ألبي إسحاق الحربي‪ ،‬تحقيق‪ /‬سليمان العايد‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1415‬هـ‪،‬‬
‫جامعة أم القرى‪ :‬مكة المكرمة‪.‬‬
‫‪ -‬غوث المكدود = المنتقى البن الجارود‪.‬‬
‫‪ -‬الغيث المسجم في شرح المية العجم للصفدي = صالح الدين خليل بن أيبك ‪ -‬الطبعة الثالثة‬
‫‪ 1424‬هـ ‪ -‬دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬الغيالنيات = فوائد أبي بكر الشافعي ‪ -‬تحقيق‪ /‬حلمي كامل عبد الهادي‪ ،‬راجعه‪ /‬مشهور‬
‫حسن آل سلمان‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1417‬هـ‪ ،‬دار ابن الجوزي‪ :‬الدمام‪.‬‬
‫‪ -‬الفائق في غريب الحديث‪ ،‬للزمخشري‪ ،‬وضع حواشيه‪ /‬إبراهيم شمس الدين الطبعة األولى‬
‫‪ 1417‬هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬فتح الباري البن حجر العسقالني‪ ،‬تحقيق‪ /‬الشيخ عبد العزيز بن باز ومحب الدين الخطيب‪،‬‬
‫تصوير‪ :‬دار المعرفة‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬الفردوس بمأثور الخطاب‪ :‬لشيروية بن شهردار الديلمي‪ ،‬تحقيق‪ /‬السعيد بسيوني زغلول‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ 1406 :‬هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬فصوص الحكم‪ :‬البن عربي الطائي‪ ،‬علق عليه‪ /‬أبو العال عفيفي‪ ،‬طبع ‪ 1365‬هـ‪ ،‬دار إحياء‬
‫الكتب العربية‪ :‬القاهرة‪.‬‬

‫(‪)2/1060‬‬

‫‪ -‬فضائل الخلفاء األربعة وغيرهم‪ ،‬ألبي نعيم األصبهاني‪ ،‬تحقيق‪ /‬صالح بن محمد العقيل‪ :‬الطبعة‬
‫األولى ‪ 1417‬هـ ‪ -‬دار البخاري‪ :‬المدينة ‪ -‬بريدة‪.‬‬
‫‪ -‬فضائل الصحابة لإلمام أحمد‪ ،‬تحقيق‪ /‬وصي الَّله عباس‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1403‬هـ مؤسسة‬
‫الرسالة‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬فضل الصالة على النبي ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ -‬إلسماعيل بن إسحاق القاضي‪ ،‬تحقيق‪ /‬أسعد‬
‫سالم تيم‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1423 :‬هـ‪ ،‬دار العلوم اإلسالمية‪َ :‬عَّم ان ‪ -‬األردن‪.‬‬
‫‪ -‬فهرس ابن خير األشبيلي‪ ،‬وضع حواشيه‪ /‬محمد فؤاد منصور‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1419‬هـ ‪ -‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬فيما روي في الحوض والكوثر‪ :‬لبقي بن مخلد األندلسي‪ ،‬تحقيق‪ /‬عبد القادر بن محمد عطا‬
‫صوفي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1413 -‬هـ ‪ -‬مكتبة العلوم والحكم‪ :‬المدينة‪.‬‬
‫‪ -‬القضاء والقدر ألبي بكر البيهقي‪ ،‬تحقيق‪ /‬محمد بن عبد الَّله آل عامر‪ ،‬الطبعة األولى ‪1421‬‬
‫هـ‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬الكافي في فقه أهل المدينة ألبي عمر ابن عبد البر األندلسي‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ 1422 :‬هـ دار‬
‫الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬الكامل في ضعفاء الرجال البن عدي‪ ،‬تحقيق‪ /‬سهيل زَّك ار‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ 1409 :‬هـ‪ ،‬دار‬
‫الفكر‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬الكتاب لسيبويه‪ :‬أبي بشر عمرو بن عثمان بن َقنبر‪ ،‬تحقيق وشرح‪ /‬عبد السالم محمد هارون‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬دار الجيل‪ :‬بيروت‪.‬‬

‫(‪)2/1061‬‬
‫‪ -‬الكامل للمبِّر د‪ ،‬تحقيق‪ /‬د‪ :‬محمد أحمد الَّدالي‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1413‬هـ مؤسسة الرسالة‪:‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬الكشاف للزمخشري‪ ،‬وبذيله أربعة كتب‪ ،‬رتبه وضبطه وصححه‪ /‬مصطفى حسين أحمد‪،‬‬
‫الطبعة الثالثة ‪ 1407‬هـ‪ ،‬دار الريان للتراث‪ ،‬ودار الكتاب العربي‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬كشف الخفا ومزيل اإللباس عما اشتهر من األحاديث على ألسنة الناس‪ /‬إلسماعيل بن محمد‬
‫العجلوني‪ ،‬أشرف على طبعه وتصحيحه‪ /‬أحمد القالش‪ .‬الطبعة الخامسة ‪ 1408‬هـ مؤسسة‬
‫الرسالة‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬كشف األستار عن زوائد البزار ‪ -‬لنور الدين الهيثمي‪ ،‬تحقيق‪ /‬حبيب الرحمن األعظمي‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ‪ 1404 -‬هـ‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬كشف ‪ -‬المشكل من حديث الصحيحين ألبي الفرج ابن الجوزي‪ ،‬تحقيق‪ /‬علي حسين‬
‫البَّو اب‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1418‬هـ‪ ،‬دار الوطن‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬الكشف والبيان في تفسير القرآن‪ :‬ألبي إسحاق الثعلبي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1423‬هـ‪ ،‬دار إحياء‬
‫التراث العربي‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون‪ ،‬تأليف‪ /‬حاجي خليفة‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‬
‫‪ 1413‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬كنز العمال في سنن األقوال واألفعال‪ ،‬لعلي بن حسام الهندي‪ ،‬ضبطه وفَّس ر غريبه‪ /‬بكر‬
‫حياتي‪ ،‬ووضح فهارسه‪ /‬صفوة السقا ‪ 1413 -‬هـ‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬الكنى واألسماء للدوالبي‪ ،‬الطبعة األولى‪ :‬بمطبعة دائرة المعارف العثمانية‪ :‬بحيدر آباد الدكن‬
‫‪ 1322‬هـ‪ ،‬تصوير‪ :‬دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‬

‫(‪)2/1062‬‬

‫‪ 1403‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات‪ :‬البن الكَّيال‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ /‬عبد‬
‫القيوم عبد رب النبي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1401‬هـ‪ ،‬دار المأمون للتراث‪ :‬دمشق ‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬الأللي المصنوعة في األحاديث الموضوعة‪ ،‬لجالل الدين السيوطي‪ ،‬طبع في ‪ 1403‬هـ دار‬
‫المعرفة‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬لسان العرب البن منظور ‪ -‬محمد بن مكرم اإلفريقي ‪ -‬دار صادر‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬لسان الميزان للحافظ ابن حجر العسقالني‪ ،‬تحقيق‪ /‬عبد الفتاح أبو غَّدة‪ .‬الطبعة األولى‬
‫‪ 1423‬هـ‪ ،‬مكتبة المطبوعات اإلسالمية‪ :‬حلب‪.‬‬
‫‪ -‬المؤتلف والمختلف للدارقطني‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ /‬د‪ .‬موفق عبد الَّله عبد القادر‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪ 1406‬هـ‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬مجاز القرآن‪ :‬ألبي عبيدة معمر بن المثنى تحقيق‪ /‬د‪ .‬محمد فؤاد سزكين‪ ،‬طبع ‪ 1374‬هـ‪،‬‬
‫مكتبة الخانجي‪ :‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬المجروحين‪ ،‬البن حبان‪ ،‬تحقيق‪ /‬محمود إبراهيم زائد‪ ،‬تصوير‪ :‬دار الوعي‪ :‬حلب ‪1402 -‬‬
‫هـ‪.‬‬
‫‪ -‬مجمع الزوائد ومنبع الفوائد‪ :‬لنور الدين الهيثمي‪ ،‬نشره‪ /‬حسام الدين قدسي‪ ،‬تصوير‪ :‬دار‬
‫الكتب العربي‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬مجموع فتاوى شيخ اإلسالم أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني‪ ،‬جمع وترتيب‪ /‬عبد‬
‫الرحمن بن قاسم النجدي‪ ،‬وابنه محمد ‪ 1412‬هـ‪ ،‬دار عالم الكتب للطباعة والنشر‪ :‬الرياض‪.‬‬

‫(‪)2/1063‬‬

‫‪ -‬المجموع الَّلفيف‪ :‬إلبراهيم السامرائي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1407‬هـ‪ ،‬دار َعَّم ان‪ :‬األردن‪.‬‬
‫‪ -‬المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز البن عطية األندلسي‪ ،‬تحقيق‪ /‬المجلس العلمي بفاس‬
‫‪ 1397‬هـ‪ ،‬دار الكتب اإلسالمي‪ :‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬المحَّلى‪ :‬البن حزم األندلسي‪ ،‬تحقيق‪ /‬أحمد محمد شاكر‪ ،‬دار التراث‪.‬‬
‫‪ -‬مختصر استدراك الذهبي على مستدرك الحاكم‪ :‬البن الملقن‪ ،‬تحقيق‪ /‬د‪ .‬عبد الَّله اللحيدان‪،‬‬
‫وسعد الحميد‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1411‬هـ‪ ،‬دار العاصمة‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬مختصر الصواعق المرسلة‪ :‬للموصلي‪ ،‬طبع‪ 1405 :‬هـ‪ ،‬دار الندوة الجديدة‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬المخصص‪ :‬البن سْيدة ‪ -‬علي بن إسماعيل ‪ -‬تحقيق‪ /‬لجنة إحياء التراث العربي‪ ،‬دار إحياء‬
‫التراث العربي‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬المراسيل البن أبي حاتم الرازي‪ ،‬تحقيق‪ /‬شكر الَّله نعمة الَّله قوجاني‪ ،‬الطبعة الثانية‪1418 :‬‬
‫هـ‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬المراسيل ألبي داود السجستاني‪ ،‬تحقيق‪ /‬شعيب األرناؤوط‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1408‬هـ‪ ،‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬المرسل الخفي وعالقته بالتدليس‪ ،‬دراسة نظرية وتطبيقية على مرويات الحسن البصري‪،‬‬
‫للشريف حاتم العوني‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1418‬هـ ‪ -‬دار الهجرة‪.‬‬
‫‪ -‬المسائل عن اإلمام أحمد ‪ -‬رواية أبي داود السجستاني‪ ،‬تحقيق‪ /‬محمد رشيد رضا‪ ،‬تصوير‪:‬‬
‫دار المعرفة‪ :‬بيروت‪.‬‬

‫(‪)2/1064‬‬

‫‪ -‬المسائل عن اإلمام أحمد ‪ -‬رواية‪ :‬إسحاق بن إبراهيم بن هانئ‪ ،‬تحقيق‪ /‬زهير الشاويش الطبعة‬
‫األولى من ‪ 1394‬هـ ‪ 1400 -‬هـ ‪ -‬المكتب اإلسالمي‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬المسائل عن اإلمام أحمد وإسحاق بن راهويه ‪ -‬رواية إسحاق بن منصور الكوسج‪ ،‬تحقيق‪/‬‬
‫خالد الرباط ووئام الحوشي‪ ،‬وجمعه فتحي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1425‬هـ‪ ،‬مكتبة الرشد‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬المستخرج على صحيح مسلم‪ ،‬ألبي عوانة اإلسفراييني‪ ،‬تحقيق‪ /‬أيمن بن عارف الدمشقي‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪ 1419‬هـ‪ ،‬دار المعرفة‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬المستطرف من كل فن مستظرف‪ :‬لشهاب الدين محمد بن أحمد األبشيهي‪ :‬طبع ‪ 1986‬م‬
‫دار مكتبة الحياة للطباعة والنشر‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬المستدرك على الصحيحين للحاكم‪ ،‬تحقيق‪ /‬مصطفى عبد القادر عطا‪ ،‬الطبعة األولى ‪1411‬‬
‫هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬المسند لإلمام أحمد بن حنبل‪ ،‬تحقيق‪ /‬شعيب األرناؤوط ومحمد نعيم العرقسوسي وعادل‬
‫مرشد وإبراهيم الزيبق‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1421 - 1416‬هـ‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬مسند البزار (البحر الزَّخار) تحقيق‪ /‬محفوظ الرحمن السلفي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1409‬هـ‪ ،‬مكتبة‬
‫العلوم والحكم‪ :‬المدينة‪.‬‬
‫‪ -‬مسند الروياني‪ ،‬تحقيق‪ /‬أيمن علي أبو يماني‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1416‬هـ مؤسسة قرطبة‪ :‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬مسند الشاشي‪ :‬للهيثم بن كليب‪ ،‬تحقيق‪ /‬محفوظ الرحمن زين الَّله‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مكتبة‬
‫العلوم والحكم‪ :‬المدينة‪.‬‬

‫(‪)2/1065‬‬
‫‪ -‬مسند الشاميين للطبراني‪ ،‬تحقيق‪ /‬حمدي عبد المجيد السلفي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1409‬هـ‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬المسند ألبي داود الطيالسي‪ ،‬تحقيق‪ /‬د‪ .‬محمد التركي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1419‬هـ‪ ،‬دار َه َج ر‪:‬‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬مسند الفاروق البن كثير‪ ،‬تحقيق‪ /‬د‪ .‬عبد المعطي قلعجي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1411‬هـ‪ ،‬دار‬
‫الوفاء المنصورة‪.‬‬
‫‪ -‬المسند ألبي يعلى الموصلي‪ ،‬تحقيق‪ /‬حسين سليم أسد‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1412‬هـ‪ ،‬دار الثقافة‬
‫العربية‪ :‬دمشق‪.‬‬
‫‪ -‬المسند لعبد الَّله بن المبارك‪ ،‬تحقيق‪ /‬صبحي السامرائي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1407‬هـ‪ ،‬مكتبة‬
‫المعارف‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬المسند البن الجعد (الجعديات)‪ ،‬تحقيق‪ /‬عبد المهدي عبد الهادي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1405‬هـ‪،‬‬
‫مكتبة الفالح‪ :‬الكويت‪.‬‬
‫‪ -‬المسند للدارمي = سنن الدارمي‪.‬‬
‫‪ -‬مسند الشهاب ‪ -‬للقضاعي‪ ،‬تحقيق‪ /‬حمدي عبد المجيد السلفي‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬المسند إلسحاق بن راهويه‪ ،‬تحقيق‪ /‬عبد الغفور عبد الحق البلوشي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1410‬هـ‪،‬‬
‫مكتبة اإليمان‪ :‬المدينة‪.‬‬
‫‪ -‬المسند لعبد الَّله بن الزبير الحميدي‪ ،‬حقق أصوله وعَّلق عليه‪ /‬حبيب الرحمن األعظمي‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ 1409 :‬هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬المسند لإلمام محمد بن إدريس الشافعي‪ ،‬ومعه‪ :‬شفاء العي بتخريج‬

‫(‪)2/1066‬‬

‫وتحقيق مسند اإلمام الشافعي‪ :‬مجدي محمد عرفات‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1416‬هـ‪ ،‬مكتبة ابن تيمية‪:‬‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬المسند ألبي بكر عبد الَّله بن محمد بن أبي شيبة‪ ،‬تحقيق‪ /‬عادل العزازي‪ ،‬وأحمد فريد‬
‫المزيدي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1418‬هـ‪ ،‬دار الجيل‪ :‬بيروت‪ ،‬والشركة المتحدة‪ :‬الكويت‪.‬‬
‫‪ -‬المسند الجامع ألحاديث الكتب الستة ومؤلفات أصحابها‪ ،‬وموطأ مالك‪ ،‬ومسانيد‪ :‬الحميدي‬
‫وأحمد وعبد بن حميد وسنن الدارمي وصحيح ابن خزيمة‪ ،‬حققه ورتبه وضبطه‪ /‬د‪ .‬بشار عواد‬
‫معروف‪ ،‬ورفقائه‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1413 :‬هـ‪ ،‬دار الجيل‪ :‬بيروت‪ ،‬والشركة المتحدة‪ :‬الكويت‪.‬‬
‫‪ -‬المشيخة إلبراهيم بن طهمان‪ ،‬تحقيق‪ /‬د‪ .‬محمد طاهر مالك‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1403 -‬هـ‪،‬‬
‫مجمع اللغة العربية‪ :‬دمشق‪.‬‬
‫‪ -‬مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه للبوصيري‪ :‬أحمد بن أبي بكر إسماعيل‪ ،‬تحقيق‪ /‬موسى‬
‫محمد علي‪ ،‬ود‪ .‬عزت علي عطية‪ ،‬دار الكتب الحديثة‪ :‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬المصنف‪ :‬لعبد الرزاق بن همام الصنعاني‪ ،‬تحقيق‪ /‬حبيب الرحمن األعظمي‪ ،‬الطبعة الثانية‪:‬‬
‫‪ 1403‬هـ‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬المصنف‪ :‬البن أبي شيبة‪ ،‬ضبطه وصححه‪ /‬محمد عبد السالم شاهين‪ ،‬الطبعة األولى‪1416 ،‬‬
‫هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية للحافظ ابن حجر العسقالني‪ ،‬تحقيق‪ /‬مجموعة من‬
‫الباحثين‪ ،‬تنسيق‪ /‬د‪ .‬سعد بن ناصر الشثري‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1419‬هـ دار العاصمة ودار الغيث‪:‬‬
‫الرياض‪.‬‬

‫(‪)2/1067‬‬

‫‪ -‬المعارف البن قتيبة الدينوري‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1407‬هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬معاني القرآن وإعرابه‪ ،‬للزجاج‪ ،‬شرح وتحقيق‪ /‬د‪ .‬عبد الجليل عبده شلبي‪ ،‬وخرج أحاديثه‪/‬‬
‫علي جمال الدين‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1414‬هـ‪ ،‬دار الحديث‪ :‬مصر‪.‬‬
‫‪ -‬معاني القرآن الكريم ألبي جعفر النحاس‪ ،‬تحقيق‪ /‬محمد علي الصابوني‪ ،‬الطبعة األولى ‪1410‬‬
‫هـ‪ ،‬جامعة أم القرى‪ :‬مكة المكرمة‪.‬‬
‫‪ -‬معاني القرآن للفَّر اء‪ ،‬تحقيق‪ /‬أحمد يوسف نجاتي ومحمد علي النجار ‪ -‬بدون تاريخ نشر وال‬
‫دار طبع‪.‬‬
‫‪ -‬المعجم الكبير للطبراني‪ ،‬تحقيق‪ /‬حمدي عبد المجيد السلفي‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1404‬هـ ‪-‬‬
‫العراق‪ ،‬تصوير‪ :‬مكتبة ابن تيمية‪ :‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬المعجم الصغير للطبراني = الروض الداني‪.‬‬
‫‪ -‬المعجم األوسط للطبراني‪ ،‬تحقيق‪ /‬محمد حسن محمد الشافعي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1420‬هـ دار‬
‫الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬المعجم الوسيط‪ ،‬أخرجه‪ /‬إبراهيم أنيس‪ ،‬وعبد الحليم منتصر وعطية الصوالحي ومحمد خلف‬
‫الَّله أحمد‪ ،‬بإشراف‪ /‬حسن علي عطية ومحمد شوقي أمين‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1392‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬المعجم للطبراني (الجزء المفقود قطعة من الجزء‪ )13 :‬تحقيق‪ /‬طارق عوض الَّله الطبعة‬
‫األولى‪ 1414 ،‬هـ‪ ،‬دار الراية‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬معالم التنزيل للبغوي‪ ،‬تحقيق‪ /‬محمد النمر وعثمان ضميرية وسليمان الحرش‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪ 1409‬هـ‪ ،‬دار طيبة‪ :‬الرياض‪.‬‬

‫(‪)2/1068‬‬

‫‪ -‬المعجم في أسامي شيوخ أبي بكر اإلسماعيلي‪ ،‬ألبي بكر اإلسماعيلي‪ ،‬تحقيق‪ /‬د‪ .‬زياد‬
‫منصور‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1410‬هـ مكتبة العلوم والحكم‪ :‬المدينة‪.‬‬
‫‪ -‬معجم الشيوخ البن عساكر‪ ،‬تحقيق‪ /‬د‪ .‬وفاء تقي الدين‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1421‬هـ‪ ،‬دار‬
‫البشائر‪ :‬دمشق‪.‬‬
‫‪ -‬معجم تهذيب اللغة لألزهري‪ ،‬ترتيب وتحقيق‪ /‬د‪ .‬رياض زكي قاسم الطبعة األولى ‪ 1422‬هـ‬
‫دار المعرفة‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬المعجم العربي ألسماء المالبس‪ ،‬للدكتور‪ /‬رجب عبد الجواد إبراهيم‪ ،‬الطبعة األولى‪1423 ،‬‬
‫هـ‪ ،‬دار اآلفاق العربية‪ :‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬معجم عطية في العامي والدخيل‪ ،‬تأليف‪ /‬رشيد عطية‪ ،‬ضبطه وصححه‪ /‬خالد عبد الَّله الكرمي‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪ 1424‬هـ ‪ -‬دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬المعجم الذهبي لمحمد التونجي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1969‬م‪ ،‬دار العلم للماليين‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬معجم البلدان لشهاب الدين ياقوت بن عبد الَّله الحموي‪ ،‬تحقيق‪ /‬فريد عبد العزيز الجندي‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪ 1410‬هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬معجم ما استعجم من أسماء البلدان والمواضع ألبي عبيد عبد الَّله بن عبد العزيز البكري‪،‬‬
‫تحقيق‪ /‬مصطفى السقا‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1364‬هـ‪ ،‬عالم الكتب‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬معجم اإلسماعيلي = المعجم في أسامي شيوخ أبي بكر اإلسماعيلي‪.‬‬
‫‪ -‬معجم الصحابة لعبد الباقي بن قانع‪ ،‬تحقيق‪ /‬خليل إبراهيم قوتالي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1418‬هـ‪،‬‬
‫مكتبة نزار الباز‪ :‬مكة المكرمة‪.‬‬

‫(‪)2/1069‬‬

‫‪ -‬المعَّر ب من الكالم األعجمي على حروف المعجم‪ ،‬ألبي منصور‪ ،‬موهوب بن أحمد‬
‫الجواليقي‪ ،‬علق عليه‪ /‬خليل عمران المنصور‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1419‬هـ دار الكتب العلمية‪:‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬المعرفة والتاريخ للفسوي‪ ،‬حققه وعَّلق عليه‪ /‬أكرم ضياء العمري‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1410‬هـ‪،‬‬
‫مكتبة الدار‪ :‬المدينة‪.‬‬
‫‪ -‬معرفة الصحابة ألبي نعيم األصبهاني‪ ،‬تحقيق‪ /‬عادل العزازي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1419‬هـ‪ ،‬دار‬
‫الوطن‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬المعونة على مذهب عالم المدينة‪ ،‬للقاضي‪ /‬عبد الوهاب البغدادي‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ /‬حميش‬
‫عبد الحق‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1419‬هـ ‪ -‬دار الفكر‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬مغني اللبيب عن كتب األعاريب البن هشام األنصاري‪ ،‬حققه وعلق عليه‪ /‬د‪ .‬مازن المبارك‪،‬‬
‫ومحمد علي حمد الَّله‪ ،‬وراجعه‪ /‬سعيد األفغاني‪ ،‬الطبعة السادسة ‪ 1985‬م‪ ،‬دار الفكر‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬المفَّضلَّيات‪ ،‬تحقيق وشرح‪ /‬أحمد شاكر وعبد السالم هارون‪ ،‬الطبعة السابعة‪ ،‬طبع بمطابع‬
‫دار المعارف‪ :‬مصر‪.‬‬
‫‪ -‬مفتاح دار السعادة ومنشور والية العلم واإلرادة‪ :‬البن قيم الجوزية‪ ،‬تحقيق‪ /‬علي حسن عبد‬
‫الحميد‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1416‬هـ‪ ،‬دار ابن عَّف ان‪ :‬الُخ بر‪.‬‬
‫‪ -‬مفاتيح الغيب (التفسير الكبير) لفخر الدين محمد بن عمر الرازي‪ ،‬قدم له‪ /‬خليل الميس‪ ،‬طبعة‬
‫‪ 1414‬هـ ‪ -‬دار الفكر‪ :‬بيروت‪.‬‬

‫(‪)2/1070‬‬
‫‪ -‬مقاالت اإلسالميين واختالف المصلين ألبي الحسن األشعري‪ ،‬تحقيق‪ /‬محمد محي الدين عبد‬
‫الحميد‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1389‬هـ‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية‪ :‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬المقاصد الحسنة في بيان كثير من األحاديث المشتهرة على األلسنة‪ :‬للسخاوي‪ ،‬صححه‬
‫وعَّلق عليه‪ /‬عبد الَّله الصديق‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1407‬هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬المقتضب ألبي العباس المبرد‪ ،‬تحقيق‪ /‬عبد الخالق عضيمة‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1415 :‬هـ‪ ،‬لجنة‬
‫إحياء التراث اإلسالمي‪ :‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬مكارم األخالق للخرائطي‪ ،‬تحقيق‪ /‬سعاد سليمان الخندقاوي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1411‬هـ‪ ،‬مطبعة‬
‫المدني‪ :‬مصر‪.‬‬
‫‪َ -‬مْن اسمه عطاء للطبراني‪ ،‬تحقيق‪ /‬هشام بن إسماعيل السقا‪ ،‬مراجعة‪ /‬محمود الحداد الطبعة‬
‫األولى ‪ 1405‬هـ‪ ،‬دار عالم الكتب‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬المنتخب من الجزء األول من فوائد خيثمة بن سليمان‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ /‬د‪ .‬عمر عبد السالم‬
‫تدمري‪ ،‬طبع ‪ 1400‬هـ‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬المنتخب من مسند عبد بن حميد‪ ،‬تحقيق‪ /‬مصطفى العدوي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1405‬هـ مكتبة‬
‫ابن حجر‪ :‬مكة المكرمة‪ ،‬دار األرقم‪ :‬الكويت‪.‬‬
‫‪ -‬المنتقى البن الجارود‪ ،‬مع تخريجه المسَّم ى‪ :‬غوث المكدود‪ ،‬ألبي إسحاق الحويني الطبعة‬
‫األولى ‪ 1408‬هـ‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬منهاج السنة النبوية‪ :‬لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬تحقيق‪ /‬د‪ .‬محمد رشاد سالم‪ ،‬الطبعة الثانية‬
‫‪ 1409‬هـ‪ ،‬تصوير‪ :‬مكتبة ابن تيمية‪ :‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬موافقة الُخ ْبر الَخ َبر في تخريج أحاديث المختصر للحافظ ابن حجر‬

‫(‪)2/1071‬‬

‫العسقالني‪ ،‬تحقيق‪ /‬حمدي عبد المجيد السلفي‪ ،‬وصبحي السامرائي‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1414‬هـ‪،‬‬
‫مكتبة الرشد‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬موضح أوهام الجمع والتفريق للخطيب البغدادي‪ ،‬تحقيق‪ /‬عبد الرحمن بن يحيى المعلمي‪،‬‬
‫طبعة مجلس دائرة المعارف‪ :‬الهند‪ ،‬تصوير‪ :‬دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬الموضوعات البن الجوزي‪ ،‬خَّر ج آياته وأحاديثه‪ /‬توفيق حمدان‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1415 :‬هـ‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬الموطأ لإلمام مالك بن أنس‪ ،‬رواية‪ :‬يحيى بن يحيى‪ ،‬تحقيق‪ /‬د‪ .‬بشار عواد معروف‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪ 1417‬هـ‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬ميزان االعتدال في نقد الرجال للذهبي‪ ،‬تحقيق‪ /‬علي معَّو ض‪ ،‬وعادل عبد الموجود وعبد‬
‫الفتاح أبو سنة‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1416‬هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬نتائج األفكار في تخريج أحاديث األذكار‪ :‬للحافظ ابن حجر العسقالني‪ ،‬تحقيق‪ /‬حمدي عبد‬
‫المجيد السلفي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1421‬هـ‪ .‬دار ابن كثير‪ :‬دمشق‪.‬‬
‫‪ -‬نسخة وكيع عن األعمش‪ ،‬لوكيع بن الجراح‪ ،‬تحقيق‪ /‬د‪ .‬عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ‪ 1406‬هـ‪ ،‬الدار السلفية‪ :‬الكويت‪.‬‬
‫‪ -‬النشر في القراءات العشر البن الجزري ‪ -‬أبي الخير محمد بن محمد الدمشقي‪ ،‬اعتنى به‪/‬‬
‫زكريا عميرات‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1423‬هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬نصب الراية لتخريج أحاديث الهداية للزيلعي‪ ،‬تحقيق‪ /‬المجلس العلمي‬

‫(‪)2/1072‬‬

‫بالهند‪ ،‬تصوير‪ :‬دار الحديث‪ :‬مصر‪.‬‬


‫‪ -‬نقض عثمان بن سعيد الدارمي على بشر المريسي‪ ،‬للدارمي‪ ،‬تحقيق‪ /‬منصور بن عبد العزيز‬
‫السماري‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1419 ،‬هـ‪ ،‬أضواء السلف‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬النكت الظراف‪ :‬للحافظ ابن حجر العسقالني تصحيح‪ /‬عبد الصمد شرف الدين‪ ،‬طبع‬
‫بحاشية‪ :‬تحفة األشراف‪ :‬للمزي‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1403‬هـ‪ ،‬الدار القيمة‪ :‬الهند‪ ،‬والمكتب‬
‫اإلسالمي‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬النكت على كتاب ابن الصالح للحافظ ابن حجر العسقالني‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ /‬ربيع بن هادي‬
‫المدخلي‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ 1415‬هـ‪ ،‬دار الراية‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬النكت والعيون ‪( -‬تفسير الماوردي) ‪ -‬للماوردي‪ ،‬راجعه وعلق عليه‪ /‬السيد بن عبد‬
‫المقصود بن عبد الحميد‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1412‬هـ ‪ -‬مؤسسة الكتب الثقافية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬النهاية في غريب الحديث واألثر البن األثير الجزري‪ ،‬تحقيق‪ /‬محمود محمد الطناحي‪ ،‬وطاهر‬
‫أحمد الزاوي‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬النهاية في الفتن والمالحم للحافظ ابن كثير‪ ،‬ضبطه وصححه‪ /‬أحمد عبد الشافي‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪ 1408‬هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬نوادر األصول في معرفة أحاديث الرسول ‪-‬صلى الَّله عليه وسلم‪ ،-‬للحكيم الترمذي‪:‬‬
‫‪ - 1‬نسخة تشستر بيتي من األصل (‪ )1‬إلى األصل (‪.)236‬‬
‫‪ - 2‬نسخة أخرى الجزء الثاني من األصل (‪ )120‬إلى األصل (‪.)234‬‬

‫(‪)2/1073‬‬

‫‪ - 3‬تحقيق وتعليق‪ /‬أحمد عبد الرحيم السايح والسيد الجميلي‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1408 ،‬هـ‪ ،‬دار‬
‫الريان للتراث‪ :‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬وصف الفردوس لعبد الملك بن حبيب السلمي القرطبي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1407‬هـ دار الكتب‬
‫العلمية‪ :‬بيروت‪.‬‬

‫(‪)2/1074‬‬

You might also like