Professional Documents
Culture Documents
ws
تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة
الكتاب :حادي األرواح إلى بالد األفراح [آثار اإلمام ابن قيم الجوزية وما
لحقها من أعمال (])10
المؤلف :أبو عبد اهلل محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (- 691
)751
المحقق :زائد بن أحمد النشيري
راجعه :يحيى بن عبد اهلل الُّثمالي -علي بن محّم د العمران
الناشر :دار عطاءات العلم (الرياض) -دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة :الرابعة 1440 ،هـ 2019 -م (األولى لدار ابن حزم)
عدد األجزاء( 2 :في ترقيم واحد متسلسل)
قدمه للشاملة :مؤسسة «عطاءات العلم» ،جزاهم اهلل خيرا
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
تأليف
اإلمام أبي عبد الَّله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية ( 691هـ 751 -هـ)
تحقيق
زائد بن أحمد النشيري
إشراف
بكر بن عبد الَّله أبو زيد
(المقدمة)1/
(المقدمة)3/
مقدمة التحقيق
إَّن الحمد لَّله نحمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ بالَّله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،من يهده
الَّله فال ُمضَّل لُه ،ومن يضلل فال هادي له .وأشهُد أن ال إله إاَّل الَّله وحده ال شريك له ،وأشهُد
أَّن محمًد ا عبده ورسوله.
َ{ -ياَأُّيَه ا اَّلِذ يَن آَم ُنوا اَّتُقوا الَّلَه َح َّق ُتَق اِتِه َو اَل َتُم وُتَّن ِإاَّل َو َأْنُتْم ُمْس ِلُم وَن ([ })102آل عمران:
.]102
َ{ -ياَأُّيَه ا الَّناُس اَّتُقوا َر َّبُك ُم اَّلِذ ي َخ َلَقُك ْم ِم ْن َنْف ٍس َو اِح َد ٍة َو َخ َلَق ِم ْنَه ا َز ْو َجَه ا َو َبَّث ِم ْنُه َم ا ِر َج ااًل
َك ِثيًر ا َو ِنَس اًء َو اَّتُقوا الَّلَه اَّلِذ ي َتَس اَءُلوَن ِبِه َو اَأْلْرَح اَم ِإَّن الَّلَه َك اَن َعَلْيُك ْم َر ِقيًبا ([ })1النساء.]1 :
ِف ِل ِد ِذ
َ{ -ياَأُّيَه ا اَّل يَن آَم ُنوا اَّتُقوا الَّلَه َو ُقوُلوا َقْو اًل َس يًد ا (ُ )70يْص ْح َلُك ْم َأْع َم اَلُك ْم َو َيْغ ْر َلُك ْم
ُذُنوَبُك ْم َو َمْن ُيِط ِع الَّلَه َو َرُس وَلُه َفَق ْد َفاَز َفْو ًز ا َعِظ يًم ا} [األحزاب.]71 - 70 :
أما بعد:
فهذا كتاب "حادي األرواح إلى بالد األفراح" البن قيم الجوزية ،ضَّم نه مؤلفه ما أعَّده الَّلُه ألهل
الجَّنة :من ُنُز ل ونعيٍم مقيم ،وهو كتاب كما قال عنه مؤلفه" :اسٌم يطابق مسَّم اه ،ولفٌظ يوافق
معناُه ،فهو مثير ساكن العزمات إلى روضات الجَّنات ،وباعث الِه َم م العلَّيات إلى العيش الهني في
تلك الغرفات".
وقبل الحديث عن دراسة الكتاب وما يتضمنه ،أحُّب أن ألقي
(المقدمة)5/
الضوء على بعض المؤلفات التي تتحدث عن "الجَّنة ووصفها ونعيمها" فأقوُل وبالَّله التوفيق:
(المقدمة)6/
ألبي الليث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي (ت 375 /هـ) .انظر األعالم للزركلي (/8
.)27
(المقدمة)7/
" - 2الزهد"
لهناد بن السري الكوفي (ت 243 /هـ).
-طبعة دار الخلفاء للكتاب اإلسالمي -الكويت( .ط /األولى) 1406هـ 1985 -م .تحقيق/
عبد الرحمن الفريوائي.
(المقدمة)8/
(المقدمة)9/
(المقدمة)10/
(المقدمة)11/
- 1اسم الكتاب:
ورد لهذا الكتاب اسمان:
االسم األول" :حادي األرواح إلى بالد األفراح".
-هكذا سَّم اه مؤلفه في مقدمة كتابه هذا (ص )16 /فقال" :وهذا كتاب اجتهدت في جمعه
وترتيبه وتفصيله وتبويبه . . . .وسَّم يته "حادي األرواح إلى بالد األفراح"." . . .
-واَّتفقت جميع النسخ الخطَّية على هذا االسم ،وأما ما زادته النسخ (أ ،ب ،ج ،هـ) بعد اسم
الكتاب( :ومثير ساكن العزمات إلى روضات الجنات ،وباعث الهمم العلَّيات إلى العيش الهني
في تلك الغرفات [وفي (ج) "الدرجات" بدل "الغرفات"] = فهو من إضافة النَّس اخ ،بدليل
مجيء تلك الجملة بعد اسم الكتاب بخٍّط صغير عدا النسخة (ج))1( .
-وذكره بهذا االسم أيًض ا أكثر َمْن ترجم للمؤلف.
-وذكره عامة َمْن نقل ِم ْن هذا الكتاب :كابن حجر والسخاوي
__________
( )1ولعَّل من تصُر ف النساخ أيًض ا ما جاء عند السفاريني في "غذاء األلباب شرح منظومة
اآلداب" في ( )50 /1و ( )330 /2حيث قال" :وقد أَّلف اإلمام ابن القيم في صفة الجَّنة كتابه
"حادي األرواح إلى منازل األفراح" ،). . . .والموضع الثاني نحوه ،فلعَّل السفاريني وقف على
نسخة بهذا العنوان ،أو عَّبر عنه بفحواه.
ونظير ذلك ما جاء في بعض النسخ الخطية في دار الكتب المصرية رقم ( )2203تصُّو ف
وأخالق دينية ،حيث ورد فيها "ديار" بدل كلمة "بالد" .انظر مقدمة الجميلي لكتاب "حادي
األرواح" ص ( ،)14ط /دار الكتاب العربي.
(المقدمة)12/
(المقدمة)13/
- 1إحالة المؤلف في هذا الكتاب على كتاٍب من كتبه وهو "اجتماع الجيوش اإلسالمية" انظر
(ص.)843 /
- 2إحالة المؤلف في كتابه "الصواعق المرسلة على الجهمية المعطلة" ( )1332 /4على هذا
الكتاب في األحاديث الواردة في الرؤية ،انظر "حادي األرواح( " . . .ص.)685 - 625 /
- 3مجيء نسبة الكتاب إلى مؤلفه في جميع النسخ الخطية = سواء التي اعتمدناها ،أو أعتمد
عليها غيرنا ،أو التي ُو ِص فت في الفهارس.
- 4ذكر بعض َمْن ترجم للمؤلف أن له كتاًبا بهذا االسم :كابن رجب في "ذيل طبقات الحنابلة"
( ،)450 /2والداودي في "طبقات المفسرين" ( ،)96 /2وابن العماد في "شذرات الذهب" (
،)170 - 169 /6وحاجي خليفة في "كشف الظنون" ( ،)623 /1والبغدادي في "هدية
العارفين" ( )158 /2لكنه تصَّح ف عنده من (حادي) إلى "هادي" ،وصديق حسن خان في "التاج
المكلل" (ص.)426 /
- 5نقول العلماء عن هذا الكتاب ،وهي مثبتة في أماكنها في الكتاب ،كابن حجر والسخاوي
والبرزنجي والسفاريني (كما سيأتي مفَّصاًل في بابه).
- 6تصريح المؤلف بالنقل عن شيخيه( :ابن تيمية والمِّز ي) .انظر (ص,267 ,134 ,132 /
.)733 ،732 ،730 ،724 ،713 ,709 ,618 ،609 ،536 ،500 ,429
(المقدمة)14/
(المقدمة)15/
وفيه إشارات لمن رام سبرها ُ ...تْم َل في عقد الكتاب وُح ِّله
وختمه بقوله:
ومغفرًة للسامعين تعمهم ...فهذا كتاٌب ما سمعنا بمثله
وصِّل يا ربي على أحمد الِّر ضى ...وعترته والصحب جمًعا وأهله
- 2الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقالني (ت 852 /هـ).
نقل منه في فتح الباري في مواضع )354 /12( :و ( 434 /13و )437وهو في "حادي
األرواح" (ص 838 /و 685 - 625و 754و.)801
- 3محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت 902 /هـ) نقل منه في المقاصد الحسنة (ص)287 /
رقم ( :)668وهو بنصه في "حادي األرواح" (ص.)762 /
- 4مرعي بن يوسف الكرمي المقدسي الحنبلي (ت 1033 /هـ) فقد أشار إليه واقتبس منه
ِل ِت ِم ِذ
كثيًر ا في كتابه "الكلمات البِّينات في قوله تعالىَ{ :و َبِّش ِر اَّل يَن آَمُنوا َو َع ُلوا الَّصا َح ا َأَّن َلُه ْم
َج َّناٍت } (ص ،)49 /المطبوع ضمن لقاء العشر األواخر بالمسجد الحرام جزء رقم (.)62
- 5محمد بن رسول الحسيني الشافعي البرزنجي (ت 1103 /هـ).
فقد نقل منه في رسالته "القول المختار في حديث "تحاَّج ِت الجنة والنار" (ص - )50 /المطبوع
ضمن لقاء العشر األواخر بالمسجد الحرام جزء رقم (.)53
(المقدمة)16/
- 5موضوعه ومحتواه:
افتتح المؤلف كتابه هذا بمقدمة فيها تعريف بكتابه ،واشتملت على:
-الغاية التي من أجلها خلق الَّله الخلق ،وحال من استحكمت ,هم الغفلة وهم أكثر الناس،
وحال الموَّفقين الذين علموا ما خلقوا له ،وما ُأريد بإيجادهم ،ثم قصيدة ميمَّية في وصف الجنة
اشتملت على ( )48بيًتا.
-ثم بين أقسام الكتاب ،حيث قَّس مه إلى ( )70باًبا فذكرها.
-الباب األول :ذكر فيه األدلة من الكتاب والسنة على وجود الجنة اآلن.
الباب الثاني :ذكر فيه اختالف الناس في الجنة التي ُأسكنها آدم عليه الصالة والسالم وأهبط
منها ،هل هي :جنة الخلد ،أو جنة غيرها؟
فذكر أدلة الفريقين ،وما رَّد كل فريق على اآلخر ،وذكر ُش به من زعم أن جنة الخلد لم ُتخلق
َبعد ،والرّد عليها.
واستوعبت هذه المسألة من هذا الباب ( )2إلى آخر الباب (.)8
ثم بدأ بالجنة فافتتح الكالم بذكر عدد أبوابها ،وسعتها ،وصفاتها ،ومسافة ما بين البابين ،ثم
تطرق إلى مكانها ،وأين هي؟ ومفتاح الجنة ،وتوقيع الجنة ومنشورها الذي يوقع به ألصحابها
عند الموت وعند دخولها ،وبَّين أن الجنة ليس لها إاَّل طريق واحد.
(المقدمة)18/
(المقدمة)19/
ثم تحدث عن صفة أهل الجنة فيَ :خ ْلقهم وُخ ُلقهم وطولهم وعرضهم ومقدار أسنانهم ،ثم ذكر
أعلى أهل الجنة منزلة وأدناهم ،وتحفتهم إذا دخلوها ،وذكر ريح الجنة ،واألذان الذي يؤذن به
مؤذن الجنة فيها ،ثم تطرق إلى أشجار الجنة وبساتينها وظاللها ،وثمارها وأنواعها وصفاتها
وريحانها ،ثم تحدث عن زرع الجنة ،وأنهارها وعيونها وطعامهم وشرابهم ،وآنيتهم التي يأكلون
فيها ويشربون وأجناسها وصفاتها ،ثم تحدث عن لباسهم وحليهم وفرشهم وبسطهم ووسائدهم
ونمارقهم وغيرها ،ثم عَّر ج إلى ذكر خيامهم وسررهم وأرائكم ،وخدمهم وغلمانهم ،ونسائهم
وسراريهم وأوصافهَّن ،وحسنهن وصفائهن وجمالهن الظاهر والباطن ،ثم تطَّر ق إلى ذكر الماَّدة
التي خلق منها الحور العين ،وما ورد في ذلك.
ثم ذكر نكاح أهل الجنة ووطئهم ونزاهة ذلك عن المذي والمني ،وأن ذلك ال يوجب غساًل ،ثم
ذكر اختالف الناس هل في الجنة حمل ووالدة أم ال؟.
ثم تطَّر ق إلى ذكر سماع أهل الجنة ،وغناء الحور العين ،وسماع خطاب الَّله عز وجل
ومحاضرته لهم ،ثم تطرق أيًض ا إلى ذكر مطايا أهل الجنة وخيولهم ومراكبهم ،وزيارة بعضهم
بعًض ا ،ثم ذكر سوق الجنة وما أعَّد الَّله فيه ألهلها ،وزيارة أهل الجنة ربهم تبارك وتعالى.
ثم ذكر السحاب والمطر الذي يصيبهم في الجنة ،وذكر ما ورد في أن أهلها كلهم ملوك ،وأن
الجنة فوق ما يخطر بالبال أو يدور في الَخ َلد.
(المقدمة)20/
(المقدمة)21/
ثم عقد الباب ( )68ذكر فيه ما جاء في آخر أهل الجنة دخواًل .
ثم أعقبه بالباب ( )69جمع فيه فصواًل لم يذكرها فيما تقدم ،فأورد فيه ما جاء في لسان أهل
الجنة ،وما جاء في احتجاج الجنة والنار ،وما جاء في أن الجنة يبقى فيها فضل فينشئ الَّله خلًق ا
دون النار ،وما جاء في امتناع النوم على أهل الجنة ،وما ورد في ارتقاء العبد وهو في الجَّنة من
درجٍة إلى درجٍة أعلى منها ،ثَّم ما جاء في إلحاق ذرية المؤمن به في الدرجة ،وإن لم يعملوا
بعمله ،واالختالف في المراد بالذرية ،ودليل كل قول.
ثَّم أورد ما جاء في أَّن الجنة تتكَّلم ،وأَّنها تزداد حسًنا على الدوام ،وأَّن الحور العين يطلبن
أزواجهَّن أكثَر مما يطلبهن أزواجهَّن .
ثَّم ذكر ما جاء في ذبح الموت بين الجَّنة والَّنار ،وذكر ما جاء في ارتفاع العبادات في الجَّنة إاَّل
عبادة الذكر فهي دائمة ،وأورد ما جاء في تذاكر أهل الجَّنة ما كان بينهم في دار الدنيا.
ثَّم ختم الكتاب بالباب ( )70في ذكر المستحق لهذه البشرى دون غيره ،فذكر اآليات الواردة
في ذلك ،وجملة من إعتقاد أهل السَّنة والجماعة.
وختم هذا الباب بفصل هو خاتمة الكتاب ،وهو خاتمة دعوى أهل الجَّنة ،فأورَد ما جاء فيه من
آياٍت وأحاديث في ذلك ،وأَّنهم ُيْلَه مون الحمد كما ُيلهمون الَّنَف س.
(المقدمة)22/
- 6موارده:
تنقسم الموارد التي اعتمد عليها المؤِّلف من حيث تصريحه بها وعدمه إلى قسمين (:)1
األَّو ل :مصادر صَّر ح بأسمائها.
الثاني :مصادر صَّر ح بأسماء مؤلفيها.
القسم األَّو ل :المصادر التي صَّر ح بأسمائها.
- 1اإلبانة ،البن بطة ،في ص (.)710 ,704 ,703 ،676 ,675 ،674 ،657
- 2البعث والنشور ،للبيهقي في (ص.)664 ،530 ,507 /
- 3التاريخ (تاريخ بغداد) ،للخطيب في ص (.)516
- 4التفسير ،لمنذر بن سعيد البلوطي ،في ص (.)47
- 5التفسير ،للماوردي ،في ص (.)48
- 6التفسير ،البن الخطيب في ص (.)49
- 7التفسير ،ألبي القاسم الراغب األصبهاني في ص (.)49
- 8التفسير ،للرماني في ص (.)50
- 9التفسير ،البن مزين المالكي في ص (.)94 ،51
- 10التفسير ،البن المنذر في ص (.)128
__________
( )1يحتمل نقل المؤلف عن بعض هذه الكتب بواسطة ،فال ُيعتبر من موارده.
(المقدمة)23/
(المقدمة)24/
(المقدمة)25/
(المقدمة)26/
(المقدمة)27/
ص (.)826 ,663
- 63المسند ،لإلمام أحمد( ،راجع فهرس أسماء الكتب).
- 64المسند ،للشافعي ،في ص (.)653 ،576
- 65المسند ،للبزار ،في ص (.)676 ،591 ،371 ،35
- 66المسند ،لعبد بن حميد ،في ص (.)117
- 67المسند ،ألبي داود الطيالسي ،في ص (.)335 ،185
- 68المسند ،ألبي يعلى الموصلي ،في ص (.)785 ،498 ,417 ،356 ،277 ,189
- 69المسند ،ألحمد بن منيع ،في ص (.)269
- 70المسند ،إلسحاق بن راهويه ،في ص (.)305
- 71المسند ،البن مردويه ،في ص (.)386
- 72المسند ،للحسن بن سفيان ،في ص (.)521
- 73المعارف ،البن قتيبة ،في ص (.)52
- 74المعجم (الكبير) ،للطبراني ،في ص (.)252
- 75مقاالت اإلسالميين ،ألبي الحسن األشعري ،في ص (.)26
- 76الموطأ ،لإلمام مالك ،في ص (.)40
- 77النهاية "في غريب الحديث" ،البن األثير ،في ص (.)263
(المقدمة)28/
(المقدمة)29/
-الزجاج ،من كتابه "معاني القرآن وإعرابه" ،في ص (,415 ,305 ,202 ,196 ،102
.)492 ,419
-أبو زرعة الرازي ،من "الضعفاء والكذابين" ،في ص (. )443
-الزمخشري ،من "الكشاف" ،في ص (.)109 ،60
-سيبويه ،من "الكتاب" ،في ص (. )719
-ابن أبي شيبة ،من "المصنف" ،في ص (.)287 ,285 ,271 ،131
-الطبراني ،من المعجم "األوسط" ،في ص (.)595 ,507 ,502 ،274 ،253 - 252
-الطبراني ،من "المعجم الصغير" ،في (ص.)519 /
-أبو عبد الَّله المقدسي ،من كتابه "صفة الجَّنة" ،في ص (،278 ,276 ،274 ،273 ،164
.)503 ،333 ،296 ،279
-عبد الرحمن بن أبي حاتم ،من كتابه "السنة" ( ، )1في ص (.)702 ,701 ,700
-عبد الرزاق الصنعاني ،من كتابه "التفسير" ،في ص (. )193
-عبد الرزاق الصنعاني -من "المصنف" في ص (. )277
-ابن عبد البر ،من "االستيعاب" ،في ص (. )660
__________
( )1نقله الاللكائي في شرح أصول االعتقاد ،فهو نقل بواسطة.
(المقدمة)30/
-ابن عدي ،من "الكامل في ضعفاء الرجال" ،في ص (,498 ,390 ,325 ,301 ،261
.)581 ,501 ,500 ,499
-ابن عطية ،من تفسيره "المحرر الوجيز" ،في ص (.)236
-أبو عبيد ،في "غريب الحديث" ،في ص (.)449
-أبو عبيدة ،في "مجاز القرآن" ،في ص (,458 ,446 ,415 ،411 ،304 ،199 ،102
.)494 ,486 ,482 ,480 ,478 ,477 ,463
-الفراء ،من "معاني القرآن" ،في ص (،478 ,463 ،458 ،444 ،414 ،411 ،196
.)719 ،482
-أبو الفتح بن جني ،من كتابه "سر صناعة اإلعراب" ،في ص (.)102
-ابن قتيبة الدينوري ،من "تفسير غريب القرآن" ،في ص (.)346 ,199
-ابن قتيبة الدينوري ،من "تأويل مشكل القرآن" ،في ص (.)720 ،414 - 413
-ابن المبارك ،من "الزهد" ،في ص (.)516 ،456 ،328 ،152
-المبرد ،من "المقتضب" ،في ص (.)102
-مجاهد ،من "التفسير" ،وهي عند الطبري ،وراجع فهرس أسماء الرجال "مجاهد".
-مقاتل ،من "التفسير" ،في ص (،446 ،416 ،412 ،197 ،106
(المقدمة)31/
(المقدمة)32/
- 7طبعاته ومختصراته:
طبع الكتاب عَّدة طبعات.
- 1طبعة مطبعة فرج الَّله الكردي -القاهرة 1326 ،-هـ ،1908 /بهامش :إعالم الموقعين
عن رِّب العالمين ،في ( )3أجزاء.
- 2طبعة في عام 1340هـ ،القاهرة ،في ( )3أجزاء.
- 3طبعة مطبعة األنوار ،القاهرة 1357 ،هـ 1938 /م ،في ( )304صفحة.
- 4طبعة في مصر َطَبَعها :محمد علي صبيح 1381 ،هـ ،بتصحيح محمود حسن الربيع.
- 5طبعة مكتبة نهضة مصر :القاهرة 1391 ،هـ 1971 /م ،في ( )342صفحة.
- 6طبعة مكتبة المعارف :الطائف ،في ( )296صفحة.
- 7طبعة مطبعة المدني :القاهرة 1398 ،هـ 1978 /م ،في ( )424صفحة.
- 8طبعة دار الكتب العلمية :بيروت 1403 ،هـ 1983 /م ،في ( )301صفحة.
- 9طبعة دار المدني :جدة 1404 ،هـ 1983 /م ،في ( )301صفحة.
- 10طبعة مكتبة دار البيان :دمشق ،ومكتبة المؤيد :الرياض،
(المقدمة)33/
(ط) ،الثانية 1414هـ 1993 /م ،تحقيق :بشير محمد عيون ،في ( )395صفحة.
- 11طبعة دار الكتاب العربي :بيروت( ،ط) الثانية 1406 ،هـ 1986 /م ،تحقيق :السيد
الجميلي في ( )461صفحة.
- 12طبعة مكتبة دار التراث :المدينة ،ودار ابن كثير :دمشق ،بيروت( ،ط) األولى 1411هـ/
1991م ،تحقيق :يوسف على البديوي ،مراجعة وتقديم محي الدين مستو ،في ( )628صفحة.
- 13طبعة مطبعة المدني :القاهرة 1417 ،هـ 1996 /م ،تحقيق :علي صبح المدني ،في (
)363صفحة.
- 14طبعة مؤسسة الرسالة :بيروت( ،ط) الثانية 1422 ،هـ ،تحقيق :علي الشربجي وقاسم
النوري ،في ( )509صفحة.
- 15طبعة دار ابن حزم :بيروت( ،ط) األولى 1424 ،هـ 2004 /م ،تحقيق :فواز زمرلي
وفاروق الترك ،في ( )781صفحة.
- 16طبعة دار ابن رجب :المنصورة( ،ط) األولى 1421هـ 2000 /م ،تحقيق :محمد
العاَّل وي ،راجعه وقَّدم له :مصطفى العدوي ،في ( )487صفحة.
<رمز> -مختصرات الكتاب/<:رمز>
" - 1الداعي إلى أشرف المساعي" ألحد تالمذة المؤِّلف ،لخصه ،وحذف أسانيده ،ورتبه على
ثمانية أبواب (. )1
__________
( )1كشف الظنون (.)623 /1
(المقدمة)34/
- 2منتقى من حادي األرواح ،ليوسف بن عبد الَّله الحسني األرميوني الشافعي ،وهو مخطوط
بالمكتبة األحمدَّية ،بحلب رقم ( ،)285نسخت سنة 984هـ.
" - 3مثير ساكن الغرام إلى روضات دار السالم" ،لصديق حسن خان كما في التاج المكَّلل ص
(.)427
- 4نظم آلخر الباب الرابع عشر في مفاتيح كل مطلوب من الخير نظمها الشيخ سعد بن عتيق
النجدي ،وهو ضمن مجموعة "هداية الطريق من مسائل آل عتيق" ،وهو مخطوط بالمكتبة
السعودية بالرياض برقم ( )85 /46مجاميع.
" - 5تقريب حادي األرواح" ،لعبد الحميد أحمد الدخاخني ،وقد طبع بدار الصفا ،القاهرة ،ط
-األولى 1410 ،-هـ 1990 /م.
(المقدمة)35/
(المقدمة)36/
(المقدمة)37/
- 5أَّن سقطها قليٌل جًّدا ،وال يعدو أن يكون من انتقال الَنَظر ونحوه.
(المقدمة)38/
وتتميز هذه النسخة:
أ -بقرب عهدها من مؤلفه.
ب -قَّلة السقط واألخطاء.
(المقدمة)39/
الحاج تاج الدين بن محمد الكوراني توفاه الَّله على اإليمان عند خروج نفسه ،وثَّبته للجواب في
َر ْم ِس ه ،وجعله من أصحاب اليمين وحشره تحت لواء سيد المرسلين محمد صَّلى الَّله عليه وعلى
آله وصحبه أجمعين ،وغفر له ولوالديه ،ولمن مات من أهلهم وقومهم وجيرتهم ولسائر
المسلمين أحياًء وأمواًتا أجمعين ،والحمد لَّله رب العالمين".
-وجاء في يسار صفحة العنوان ما يلي "ملك الفقير" [ ]. . .جمال [ابن] الشيخ محمد [إمام]
جامع [الشرفية] . . .محرم من. . . .
-وجاء فيها أيًض ا" :ثم ملكه من فضل ربه الكريم ،السيد عبد الرحيم بفضله .سنة 1144هـ.
-وجاء في نهاية الكتاب ما نصه" :نظر في هذه النسخة الفقير إلى الَّله تعالى :أحمد بن محمد
المغربي األندلسي غفر الَّله له ولوالديه ولجميع المسلمين آمين.
-وجاء أيًض ا ما نصه" :قرأُت هذا الكتاب مطالعة تامة من أَّو له إلى آخره ،وأنا الفقير إليه
[ ]. . . .السيد عبد الرحيم -الَّر اجي عفو ربه الكريم -ابن الحاج محمد الحبال ،أصلح له كل
األحوال ،وذلك المطالعة في مدرسة الشرفية ،مدرسة جِّده :السيد عبد الرحمن محي السنة
العجمي عليه الرحمة والرضوان ،وصَّلى الَّله على سيدنا وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين آمين يا
رب العالمين ،وذلك في نصف شهر رجب الفرد من سنة .1154
(المقدمة)40/
(المقدمة)41/
-وجاء أيًض ا في ( 225ق /أ) لرجٍل آخر "ولعَّله من المتصوفة" لَّم ا ذكر ابُن القيم ابن عربي
ووصفه بإمام االتحادية ،قال معلًق ا" :حاشاُه من االتحاد قَّدس الَّله سره ،ونَّو ر لنا قبره ،وأمدنا الَّله
تعالى والمسلمين بمدده آمين".
وتتميز هذه النسخة:
- 1بقرب عهدها من المؤِّلف.
- 2كونها مكتوبة بخط جميل.
- 3كونها مقابلة ومعارضة على نسخة أخرى.
(المقدمة)42/
-وقد جاء على صفحة العنوان -إضافة إلى ما تقدم ذكره -ما نُّص ه" :قال رحمه الَّله:
ِع َّدة الخير عندنا كلماٌت ...أربٌع قالهَّن خير البرية
اتق الشبهات وازهد ودع ...ما ليس يعنيك واعمَلْن بنية
وغيرها
انظر إلى هذا الزمان اَّلذي قد ...ساد فيه اللكع بن اللكع
في أهله من بعد إعجابهم ُ ...ش ٌّح مطاع وهًو ى مَّتبع
وِم َّم ا جاء فيها أيًض ا بعد اسم الكتاب والمؤِّلف تاريخ تأليف الكتاب فجاء ما نصه" :وذكر
المؤلف أَّنه فرغ منه عشية عرفة عند الثلث اآلخر من الليل سنة خمس وأربعين وسبعمائة".
-ويبدو أَّن النسخة اطلع عليها غير واحد.
-فقد جاء عليها -في أَّو ل الكتاب -تعليقات في تفسير الغريب باللغة العربية ثَّم ترجمتها
بالفارسية.
-وجاء في ( 50ق /ب) تعليق لرجل أشعري في تأويل اليد بالقدرة.
-وكتب أحد المَّطلعين على النسخة في نهاية الكتاب تعليًق ا فقال" :طالعه جميًعا واستفاد
[ ]. . .جامعه غير أحرف يسيرة ال أعتقدها ،نَّبهت على بعضها في الهامش [.]. . .
-وكتب الناسخ ( )16بيًتا امتدح فيها هذا الكتاب ومؤِّلفه" ،كما تقدم ذكر بعض األبيات".
(المقدمة)43/
(المقدمة)44/
- 9المنهج في تحقيق الكتاب:
-لما كانت النسخ المعتمدة في تحقيق هذا الكتاب جِّيدة جًّدا = اتخذت نسخة مكتبة عارف
حكمت أصاًل لتميزها عن باقي النسخ بعَّدة مميزات "كما تقدم ذكره في وصفها" وأثبُّت الفروق
وقمت بوضع رموز تشير إلى كِّل نسخة:
" -أ" = المكتبة المحمودية بالمدينة النبوية.
" -ب" = مكتبة كوبريلي بتركيا.
" -ج" = مكتبة جامعة برنستون.
" -د" = مكتبة المتحف البريطاني.
" -هـ" = مكتبة األوقاف العامة ببغداد.
وقد قمُت بإنزال أرقام صفحات كل من نسخة "أ ،ب" داخل النص ،ووضعه بين معقوفتين.
هذا إضافة إلى ما تقدم ذكره في غير ما كتاب من ضبط النص وتقسيمه ،وتخريج األحاديث
واآلثار ،وتوثيق النصوص الواردة فيه ( ،)1ووضع الفهارس الكاشفة عن مكنونه.
__________
( )1وكان قد سبقني في العمل على أَّو ل الكتاب الشيخ :الحسن بن عبد الرحمن العلوي ،فما
استفدته منه وضعته بين نجمتين *.* . . .
(المقدمة)45/
(المقدمة)46/
(المقدمة)47/
- 1الورقة األولى من الكتاب لنسخة "عارف حكمت" بالم د ينة النبوية (أ)
(المقدمة)48/
(المقدمة)49/
(المقدمة)50/
(المقدمة)51/
(المقدمة)52/
(المقدمة)53/
(المقدمة)55/
(المقدمة)56/
(المقدمة)57/
()1/3
البشر ،وكَّم ل لهم البشرى بكونهم (َ{ )1خ اِلِد يَن ِفيَه ا اَل َيْبُغوَن َعْنَه ا ِح َو اًل ([ } )108الكهف:
.]108
والحمد لَّله فاطِر السموات واألرِض ،جاعل المالئكة رساًل ،وباعث الرسل مبشرين ومنذرين،
لئال يكون للَّناس على الَّلِه ُح َّجٌة بعد الرسل ،إذ لم يخلقهم عبًثا ،ولم يتركهم ُس دًى ،ولم يغفلهم
ِل
هماًل ،بل خلَق هم ألمٍر عظيٍم ،وهَّيَأهم َخ ْطٍب جسيم ،وعَّم ر لهم دارين ( ، )2فهذه لمن أجاَب
الَّداعي ،ولم يبِغ سوى ربه الكريم بداًل ،وهذه لمن لم ُيجب دعوته ،ولم يرفع بها رأًس ا ،ولم
يعِّلق بها أَماًل .
والحمد لَّله اَّلذي رضي من ( )3عباده باليسير من العمل ،وتجاوَز لهم عن الكثير من الَز لل،
وأفاَض عليهم النعمة ،وكتب ( )4على نفسه الرحمة ،وضَّم ن ( )5الكتاب اَّلذي كتبه :أَّن رحمته
سبقت غضبه .دعا عباده إلى دار السالم ،فعَّم هم بالَّدعوة ُح َّج ًة منه عليهم وَعداًل ،وخَّص بالهداية
والتوفيِق من شاء نعمًة ( )6منه وفضاًل ،فهذا عْد ُله وحكمته ،وهو العزيز الحكيم ،وذلك فضُله (
)7يؤتيه من يشاء ،والَّله ذو الفضل العظيم.
__________
= في "هـ" بعد "رسوله" "صَّلى الَّله عليه وسَّلم محمٍد ".
( )1في "هـ"" :بقوله".
( )2في "هـ"" :دارين آخرتين".
( )3في "أ"" :عن" ،وجاء في "هـ" "من عباده المؤمنين باليسير".
( )4في "ب"" :وكتب لهم على نفسه".
( )5في "هـ"" :وضمن لهم في الكتاب".
( )6في "ج"" :رحمًة".
( )7في "ج ،هـ"" :فضل الَّله".
()1/4
وأشهُد أن ال إلَه إاَّل الَّلُه وحدُه ال شريَك له ،شهادَة عبده وابن عبِد ه وابن أَم ِته ،ومن ال غنى به (
)1طرفة عيٍن عن فضله ورحمته ،وال مطمع له في الفوز بالجَّنة والنجاة من الَّنار إال بعفوه
ومغفرته.
وأشهُد أَّن محمًد ا عبُد ه ورسوله ،وأميُنه على وحيِه ،وخيرته من َخ ْلِق ه ،أرسله رحمًة للعالمين،
وقدوًة للعاملين ،ومحَّج ًة للَّس الكين ،وُح َّج ًة على العباد أجمعين ،بعثه لإليمان به ( )2منادًيا ،وإلى
دار الَّس الم داعًيا ،وللخليقة هادًيا ،ولكتابه ( )3تالًيا ،وفي مرضاته ساعًيا ،وبالمعروف آمًر ا ،وعن
المنكر ناهًيا ،أرسَله على حين فترٍة من الرسل ،ودروٍس من السبل ( ، )4فهدى به إلى أقوم
الطرق ،وأوضح السبل ،وافترَض على العباد طاعته ومحبته ،وتعزيره ،وتوقيره ،والقياَم بحقوقه،
وسَّد إلى ( )5الجَّنة جميع الطرِق ،فلم يفتحها ألحٍد إاَّل من طريقه ،فلو أتوا من كِّل طريق،
واستفتحوا من كِّل باٍب َ ،لَم ا ُفِتَح لهم حتى يكونوا َخ ْلَف ُه من الَّداخلين ،وعلى منهاجه وطريقته (
)6من السالكين .فسبحاَن من شرَح له صدره ،ووضع عنه وزره ،ورفع له ِذ ْك َر ُه،
__________
( )1في "ج ،د"" :له".
( )2من "أ".
( )3في "هـ"" :ولكتابه العزيز".
( )4قوله "ودروس من السبل" من "هـ" ،ونسخٍة على حاشية "أ".
( )5في "هـ"" :عن".
( )6في "ب" "وطريقه".
()1/5
()1/6
أَّما بعُد :فإَّن الَّلَه سبحانه وتعالى لم يخلق خلَق ُه َعَبًثا ،ولم يتركهم ُس ًد ى ،بل خلقهم ألمٍر عظيٍم ،
وخْطٍب جسيٍم ُ ،عِر َض ( )1على السموات واألرض والجبال فأبيَن وأْشَف ْق َن ( )2منه إشفاًقا
ووجاًل ،وقلن :رَّبنا إن أمرتنا فسمًعا وطاعًة ،وإن َخ َّيْر َتَنا فعافيتك ُنريد ،ال َنْبغي بها بَد اًل .وحَم َلُه
ِح ِفِه
اإلنساُن على َض ْع وعجِز ه عن حمله ،وَناَء ( )3به على ُظلمه وجهله ،فألقى أكثُر الَّناِس ال ْم َل
عن ظهورهم لشَّدة مؤَنِتِه عليهم وثقله ،فصحبوا الدنيا صحبَة األنعام الَّس ائمة ،ال ينظرون في
معرفة ُموجِد هم وحِّق ِه عليهم ،وال في المراد من إيجادهم وإخراجهم إلى هذه الَّدار ،التي هي
طريق وَمْع بر إلى دار القرار ،وال َيَتفَّك ُر ون في قَّلة مقامهم في الدنيا الفانية ،وُس رعة رحيلهم إلى
اآلخرة الباقية ،فقد ملكهم باعُث الِح ِّس ( ، )4وغاب عنهم داعي العقل ،وشملتهم الغفلة،
وغَّر تهم األمانُّي الباطلة ،والُخَد ع الكاذبة ،فخَدَعهم طوُل األمل ،وَر اَن على قلوبهم سوُء العمل،
َفِه َمُم ُه م ( )5في لَّذ ات الدنيا ،وشهوات النفوس ،كيف َحَص َلْت حَّص لوها ،ومن أِّي وجٍه الحت
لهم ( )6أخذوها ،إذا أبدى لهم حٌّظ من الدنيا ناِج َذ ْيه طاروا إليه
__________
( )1في "هـ"ُ" :عِر َض حمله على." . . .
( )2وقع في "ب" ،وفي نسخٍة على حاشية "أ" واْس تْع فعْين" ،وجاء في "د" "واستعفين وأشفقن
منه" بالجمع بينهما.
( )3في "ج ،هـ" "وباء" ،وُضِرَب عليها في "د".
( )4في "أ ،ج ،هـ"" :الِج ِّن ".
( )5في "ب ،هـ"" :فَه ُّم ُه م".
( )6ليس في "أ ،هـ".
()1/7
ُز َر افاٍت ( )1ووحداًنا ،وإذا َعرض لهم عرٌض ( )2عاجٌل من الدنيا لم يؤثروا عليه ثواًبا من الَّله
وال رضواًناَ{ :يْع َلُم وَن َظاِه ًر ا ِم َن اْلَحَياِة الُّد ْنَيا َو ُه ْم َعِن اآْل ِخ َر ِة ُه ْم َغاِفُلوَن ([ } )7الروم،]7 :
{َنُس وا الَّلَه َفَأْنَس اُه ْم َأْنُفَس ُه ْم ُأوَلِئَك ُه ُم اْلَف اِس ُقوَن ([ } )19الحشر.]19 :
والَعجُب كُّل العجب ِم ْن غفلة َمْن لحظاُته معدودٌة عليه ،وكل َنَف ٍس من أنفاسه ال قيمة له ،وإذا
ذهب لم يرجع إليه ،فَم َطايا الليِل والَّنهار ُتسِرُع به ،وال يَتَف َّك ُر إلى أين ُيْح مل ،ويساُر به أعظم من
سير الَبِر ْيِد ،وال يدري إلى أِّي الَّدارين ُينقل ،فإذا َنَز َل به الموُت اشتَّد قلُقُه لخراب ذاِتِه ،وذهاب
لَّذ اِتِه ،ال ِلَم ا سبَق من جَناياِتِه ،وسَلَف ِم ْن َتْف ِر ْيِطِه ،حيُث لم ُيَق ِّدم لحياته ،فإن خطرْت له خَطرٌة
عارضٌة ِلَم ا ُخ ِلَق لهَ ،دَفَع ها باعتماده على العفو ،وقال :قد أنبأنا الَّله ( )3أَّنه هو الغفور الرحيم،
وكأَّنه لم ُيَنَّبأ :أَّن عذابه هو العذاُب األليم.
فصل
ِف
ولَّم ا علم الُمَو َّفقون ما ُخ لقوا لهِ ،و ما أريَد بإيجادهم ،رفعوا رؤوسهم ،فإذا َعَلم الجنة قد ُر َع
لهم ،فَش َّم روا إليه ،وإذا صراُطها المستقيم قد َو َض َح لهم ،فاستقاموا عليه ،ورأوا من أعظِم
__________
( )1وقع في "هـ" "ُز ُمًر ا".
والزرافات :الجماعات ،والزرافة -بالفتح :-الجمع من الناس ،انظر الصحاح (.)1048 /2
( )2ليس في "هـ".
( )3من "أ ،هـ".
()1/8
الَغْبِن ( )1بيُع ما ال عيٌن رأت ،وال أذٌن سمعت ،وال خطَر على قلب بشر ،في أبٍد ال يزول ،وال
ينفُذ = بُصَباَبة ( )2عيٍش ،إَّنما هو كأضغاث أحالم ،أو كطيٍف ( )3زاَر في المَنامَ ،مشوٍب
بالُّنَغِص ( ، )4ممزوِج بالُغَص ِص ( ، )5إْن أضحك قلياًل أبكى كثيًر ا ،وإن َس َّر يوًما أحزَن شهوًر ا،
آالُمُه تزيُد على لَّذ اِتِه ،وأحزانه أضعاُف أضعاف َم َس َّر اِتِه ،أوله مَخ اوف ،وآخُر ُه َم َتاِلف.
فَيا َعجًبا من سفيٍه في صورة حكيم ( ، )6ومعتوٍه في ِم ْس اَل خ ( )7عاقٍل ،آثر ( )8الحظ الفاني
الخسيس ،على الحِّظ الباقي النفيس ،وباع جَّنًة عرضها السموات واألرض؛ بسجٍن ضِّيٍق بين
أرباب العاهات ( ، )9ومساكن طِّيبًة في جَّنات عدن تجري من تحتها األنهاَر ،بأْع َطاٍن ()10
__________
( )1الغبن :النقص ،الصحاح (.)1589 /2
( )2الُّص بابة :البقَّية من الماِء في اإلناء ،الصحاح ( ،)176 /1والمعنى :بحياٍة قصيرة.
( )3الطائف :ما كان كالخيال ،يلُّم بالشخص .المعجم الوسيط ص (.)598
( )4النغص :الكدر ،الصحاح (.)830 /1
( )5الُغَصَص :ما اعترض في الَح ْلق من شجى أو طعام أو شراب .الصحاح ( ،)821 /1والمعجم
الوسيط ص (.)686
( )6في "هـ"" :حليم".
( )7المْس الخ :اإلهاب ،أي :الجلد ،الصحاح ( ،)370 /1والمعجم الوسيط ص (.)468
( )8في "ب" "ءآثر" باالستفهام ،وهو محتمل ،والمثبت أقرب.
( )9في "ب ،ج ،د ،هـ" ونسخة على حاشية "أ" "العاهات والبليات".
( )10األعطان جمع َعَطن ،وهو مبارك اإلبل عند الماء لتشرب َعَلاًل بعد َنَه ٍل = .
()1/9
ضيقة آخرها الخراُب والبوار ،وأبكاًر ا ُعُر ًبا َأْتَر اًبا ،كأَّنهَّن الياقوُت والمرجان؛ ِبَق ذراٍت َدِنَس ات
سيئات األخالق مسافحات ،أو متخذات أْخَد اٍن ( ، )1وُحْو ًر ا مقصورات في الخيام؛ بخبيثات
ِس يئاٍت ( )2بين األناِم ( ، )3وأنها ا من خمٍر لَّذ ٍة للشاربين؛ بشراٍب َنجس ذهٍب للعقل فسٍد
ُم ُم ًر ُم
للدنيا والِّدين ،ولَّذ ة النظر إلى وجه العزيز الرحيم؛ بالتمتع برؤية الوجِه القبيح الدميم ،وسماَع
الخطاب من الرحمن؛ بسماع المعازف والغناء واأللحان ،والجلوس على منابر اللؤلؤ والياقوت
والزبرجد يوم الَم زيد؛ بالجلوس في مجالس الفسوق مع كل شيطاٍن مريٍد ،ونداَء ( )4المنادي يا
أهل الجَّنة" :إَّن لكم أن تنعموا فال تبأسوا ( ، )5وتحيوا فال تموتوا ،وتقيموا فال تظعنوا ،وتشُّبوا
فال تهرموا" ( )6؛ بغناِء الُم َغِّنين:
ِل
وَقَف الَه َو ى ِبي َحْيُث َأْنِت َفَلْيَس ي ُ ...مَتَأخٌر َعْنُه واَل ُمَتَق َّد ُم
َأِج ُد الَم الَمَة في َه َو اِك لذيذة ُ ...ح ًّبا ِلِذ ْك ِر ِك َ ،فْلَيُلْم ِني الُّلَّو ُم ()7
__________
= الصحاح (.)1584 /2
( )1أخدان جمع ِخ ْد ن ،والخدين :الَّص ديق .الصحاح (.)1549 /2
( )2في "د" ونسخٍة على حاشية "أ" "ُمَس َّيَباٍت ".
( )3في "د" ونسخٍة على حاشية "أ" "األنعام".
( )4في "هـ" "وقد نادى" بدل "ونداء".
( )5في "ج"" :تيأسوا" ،والمثبت أولى لموافقته لما في صحيح مسلم.
( )6أخرجه مسلم في صحيحه رقم (.)2837
( )7انظر ديوان أبي الشيص الخزاعي ص (.)102 - 101
()1/10
وإَّنما يظهُر الَغْبُن الفاحُش في هذا البيِع يوَم القيامة ،وإَّنما يتبيُن َس َف ُه باِئِعِه يوم الحسرِة والندامة،
إذا ُح ِش َر المتقون إلى الرحمن وفًد ا ،وسيَق المجرمون إلى جهَّنم ِو ْر ًدا ،ونادى الُم نادي على
رؤوس األشهاد ،ليعلمَّن أهُل الموقِف من أولى بالكرِم من بين العباِد ،فلو توهم المتخلف عن هذه
الرفقة ما ُأِع َّد لهم من اإلكرام ،واُّدخَر لهم من الفضل واإلنعام ،وما ُأْخ ِف َي لهم من ُقَّر ة أعين ،لم
يقْع على مثلها بصر ،وال سمعته أذن ،وال خطَر على قلب بشر = َلَعِلَم أَّي بضاعة أضاع ،وأَّنه ال
خيَر له في حياته ،وهو معدوٌد من َس َق ِط المتاِع ،وعلَم أَّن القوَم قد توَّس طوا ُمْلًك ا كبيًر ا ،ال تعتريه
اآلفات ،وال يلَح قه الزوال ،وفازوا بالَّنعيِم الُم قيِم في جوار الكبير الُم َتَعاِل .
فُه ْم في روضاِت الجَّنات يتقلبون ،وعلى َأِس َّر تَه ا تحت الِح َج اِل يجلسون ،وعلى الُف رِش -التي
ٍق
بطائنها من استبر -يَّتكئون ،وبالحور العين يتمتعون ،وبأنواع الثمار يتفكهونَ{ ،يُطوُف َعَلْيِه ْم
ِو ْلَد اٌن ُمَخ َّلُد وَن (ِ )17بَأْك َو اٍب َو َأَباِر يَق َو َك ْأٍس ِم ْن َم ِعيٍن ( )18اَل ُيَص َّد ُعوَن َعْنَه ا َو اَل ُيْنِز ُفوَن (
َ )19و َفاِكَه ٍة ِم َّم ا َيَتَخ َّيُر وَن (َ )20و َلْح ِم َطْيٍر ِم َّم ا َيْش َتُه وَن (َ )21و ُح وٌر ِع يٌن (َ )22ك َأْم َثاِل الُّلْؤ ُلِؤ
اْل ْك ُنوِن ( )23ا ِب ا َك اُنوا ُلوَن ([ } )24الواقعةَ { ،]24 - 17 :طاُف َعَل ِه ِبِص اٍف
ْي ْم َح ُي َيْع َم َجَز ًء َم َم
ِم ْن َذَه ٍب َو َأْك َو اٍب َو ِفيَه ا َما َتْش َتِه يِه ( )1اَأْلْنُف ُس َو َتَلُّذ اَأْلْع ُيُن َو َأْنُتْم ِفيَه ا َخ ا ُد وَن } [الزخرف:
ِل
.]71تاِهلل ،لقد ُنودَي عليها في سوِق الَك ساِد ،فما قَّلَب وال
__________
( )1كذا في جميع النسخ ،وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وخلف ويعقوب وحمزة والكسائي،
وقرأ باقي العشرة "تشتهيه".
انظر "النشر في القراءات العشر" البن الجزري ص (.)276
()1/11
استام إاَّل أفراٌد من العباد ،فواعجًبا لها كيَف ناَم طالُبها؟ وكيف لم يسمح بمهرها خاطُبها؟ وكيف
طاَب العيش في هذه الَّدار بعد سماِع أخبارها؟ وكيف قَّر للمشتاق الَق رار ،دون ُمعانقة أبكارها؟
وكيف قَّرْت دونها أعيُن الُم شتاقين؟ وكيف َصَبرْت عنها أنفس الموقنين؟ وكيف َص َد َفْت عنها
قلوب أكثر العالمين؟ وبأِّي شيٍء تعَّو َضْت عنها نفوس الُم ْع رِض يَن ؟
ِس
َو َم ا ذاك إاَّل غيرًة أْن َيَنالها َ ...و ى كفئها ،والَّر ُّب بالخلق أعَلُم
ِل ٍة ِج
وإْن ُح َبْت عَّنا بكِّل كريه ...وُح َّف ت بما يؤذي النفوس وُيْؤ ُم
ِف ٍت ٍة َّلِه
فل ما في حشوها من َمسَّر ...وأصنا لَّذ ا بها ُيَتَنَّعُم
َّل
ول ه برُد العيِش بيَن خيامها ...وروضاتها ،والثغُر في الروُض (َ )1يبسُم
ولَّله واديها اَّلذي هو موعُد الـ ...مزيد ِلَو ْفِد الُح ِّب ،لو ُك ْنَت ِم ْنُه م
ِح
بذَّيالك الوادي يهيُم صبابة ُ ...م ٌّب يَر ى أَّن الصبابَة مغنُم
ِط َّل
ول ه أفراُح الُم حبين عندما ُ ...يَخ ا ُبهم من فوقهم ،وُيَس ِّلُم
ولَّله أبصاٌر ترى الَّله جهرًة ...فال الضيُم يغشاها ،وال هي تسأُم
ِم ِد ِه
فيا نظرًة َأْه َدْت إلى الوج َنْض َر ًة َ ...أ ْن بع ها َيسلو المحُّب الُم تَّيُم
ٍة َّل
ول ه كم من َخ ْيَر إْن َتَبَّس مْت ...أضاء لها نوٌر من الفجر أعظُم
__________
( )1في نسخٍة على حاشية "أ" "الَّثغر" ،وفي "هـ" "مبسم" بدل "يبسم".
()1/12
َّل
فيا لَّذ َة األبصار إْن هي أقبلْت ...ويا لَّذ ة األسماع حين تك ُم
ويا خْج َلَة الغصن ( )1الرطيب إذا انـ ...ــثنْت ويا خجلة الفجرين ( )2حين َتَبَّس ُم
فإن كنت ذا قلٍب عليل ( )3بحبها ...فلم َيْبَق إاَّل وصُلها لك َمْر َه ُم
ِد ِم
وال سَّيما في َلْث ها عند ضمها ...وقد صاَر منها تحت جي َك معصُم
تراه إذا أبدْت لُه ُح ْسَن وجِه ها ...يَلُّذ به قبل الوصال ،وَينَعُم
تفَّك ُه فيها العيُن عند ( )4اجتالئها ...فواكه شَّتى ،طلُعها ليس ُيْع َد ُم
ٍن ٍة ِم
عناقيَد من كر ،وتفاَح جَّن ...ورَّماَن أغصا به ( )5القلُب مغرُم
ِل
و لَو رد ما قد ألَبَس ْتُه ُخ دوُدَه ا ...وللخمر ما قد ضَّم ُه الِّر يُق والفُم
ٍد ٍد
تقَّس م منها الحسُن في جمٍع واح َ ...فيا عجًبا من واح يتقَّس ُم
ِت ِف
لها َر ٌق شَّتى من الُح سن ُأجِم َعْت ...بُج مَل َه ا ،إَّن الُّس لَّو ُمَح َّر ُم
ُتَذ ِّك ُر بالَّر حمن َمْن ُه َو ناظٌر ...فينطُق بالَّتسبيِح ال يتلعثُم
إذا َقاَبَلْت جيَش الُه موم بوجهها ...توَّلى على أعقابه الجيُش ُيْه َزُم
فيا خاِط َب الحسناء إْن ُك ْنَت باغًيا ...فهذا زماُن الَم هر فهو الُم َق َّدم
__________
( )1في "أ ،هـ"" :الغض".
( )2في "أ ،ج ،د"" :البحرين".
( )3في نسخٍة على حاشية "أ" "عليك".
( )4في "هـ"" :قبل".
( )5في "ب"" :بها".
()1/13
ِن
وكن ُمبغًض ا للخائنات لحِّبها ...فتحظى بها من ُدو هَّن َو َتْنَعُم
ِت ٍن
وكْن أِّيًم ا مَّم ن ( )1سواها فإَّنها ...لمثلَك في جَّنا َعْد تأَّيُم
ٍد
وُصْم يوَمَك األدنى لعَّلك في غ ...تفوُز بعيد الفطر ،والَّناُس ُصَّو ُم
ِد ِت
وأقدْم وال تقنْع بعيٍش ُمَنَّغٍص ...فما فاز باَّللذا من ليس ُيق ُم
وإْن ضاقت الدنيا عَليك بأسرها ...ولم يُك فيها َم ْنِزٌل لك ُيْع َلُم
ِت ٍن
فحَّي على جَّنا عد فإَّنها ...منازُلك األولى وفيها الُم خَّيُم
ولكَّننا َس ْبُي العدِّو فهل ترى َ ...نعوُد إلى أوطاننا ونسلُم
ِه
وقد زعموا أَّن الغريَب إذا نأى ...وشَّطْت ب أوطاُنُه فْه َو ُمغَر ُم
ِت ٍب
وأُّي اغترا فوَق ُغربتنا التي ...لها َأْض َح األعداُء فينا َتَح َّك ُم
ِح ِق َّل
وحَّي على السو ا ذي فيه يلتقي الـ ُ ...م ُّبوَن ذاك الُّس وق للقوم ُمعلُم
فما شئت خْذ منه بال ثمٍن له ...فقد أسَلَف الُّتجاُر فيه وأسلموا
ِس َّل ِم
وحَّي على يو المزيد ا ذي به ...زيارُة رِّب العرِش ،فاليوم َم و ُم
ِم ِك ِم ٍد
وحَّي على وا هنالَك َأْفَيٍح ( ... )2وُتربتُه ْن أْذَفِر ال ْس َأْع َظُم
ِع ٍة
منابُر من نوٍر هناَك وفض ...ومن خالِص ال ْق يان ( )3ال يتقَّصُم
__________
( )1في "أ"" :مَّم ا".
( )2األفيح :الواسع .الصحاح ( .)348 /1وأيًض ا :فاح المسك فيًح ا.
( )3العقيان :ذهب متكاثف في مناجمه ،خالص مَّم ا يختلط به من الِّر مال والحجارة= .
()1/14
لقارئه ،مشِّو ٌق للناظر فيه ،ال َيسأُمه الجليُس ،وال َيمُّله األنيسُ ،مشَتِم ٌل من بدائع الفوائد ،وفرائد
القالئد ،على ما لعَّل المجتهد في الطلب ال يْظَف ُر به فيما سواُه من الكتب ،مع تضُّم نه لجملة
كثيرٍة من األحاديث المرفوعات ،واآلثار الموقوفات ،واألسراُر المودعة في كثيٍر من اآليات،
والنكت البديعات ،وإيضاح كثيٍر من المشكالِت ،والتنبيه على أصول من األسماء والصفات.
إذا نظر فيه الَّناظر زاده إيماًنا ،وجلى عليه الجَّنة حتى كأَّنه يشاهدها عياًنا ،فهو مثيُر ساكن
العزمات إلى روضات الجَّنات ،وباعث الهمم العليات إلى العيش الهنِّي في تلك الغرفات.
َّل
وسميته "حادي األرواح إلى بالد األفراح" فإَّنه اسٌم يطابق مسَّم اُه ،ولفٌظ يوافق معناه ،وال ه يعلُم
ما قصدُت ،وما بجمعه وتأليفِه أردُت ،فهو عند لسان كل عبٍد وقلبه ،وهو المطِلُع على نيته
وكسبِه ،وكان ُج ُّل المقصود منه بشارة أهِل السَّنِة بما أعَّد الَّلُه لهم في الجَّنة؛ فإَّنهم المستحقون
للُبشرى في الحياة الدنيا وفي اآلخرة ،وِنَعُم الَّلِه عليهم باطنة وظاهرة ،وهم أولياء الرسول
وحزبه ،ومن خَرَج عن ُس َّنته فهم أعداؤُه وحربه ،ال تأخذهم في نصرة سنته مالمة اللَّو ام ،وال
يتركون ما صَّح عنه لقول أحٍد من األنام ،والُّس َّنُة أجُّل في صدروهم من أْن ُيَق ِّدموا عليها رأًيا
فقهًّيا ،أو بحًثا جدلًّيا ،أو خيااًل صوفًّيا ،أو تناقًض ا كالمًّيا ،أو قياًس ا فلسفًّيا ،أو حكًم ا سياسًّيا ،فمن
قَّدم عليها شيًئا من ذلك ،فباُب الصواِب عليه مسدوٌد ،وهو عن طريق الرشاد مصدود.
فيا أُّيها الَّناظُر فيه لك ُغْنمه ،وعلى مؤلفه ُغْر ُمُه ،ولك َص ْف ُو ُه،
()1/16
وعليه َك َد ُر ه ،وهذه بضاعته الُم ْز َج اة ُتعَر ُض عليك ،وَبَناُت أفكاِر ِه ُتَز ُّف إليك ،فإْن صادفت كفًؤ ا
كريًم ا لن تعدم منه إمساًك ا بمعروٍف أو تسريًح ا بإحساٍن ،وإْن كان غيَر ه فالَّله المستعان ،فما كان
من صواب فمن الواحد المَّناِن ،وما كان من خطٍأ فمِّني ومن الشيطان ،والَّلُه برٌي منه ورسوله.
وقد قَّس مُت الكتاب سبعين باًبا.
الباب األَّو ل :في بيان وجود الجَّنة اآلن.
الباب الثاني :في اختالف الَّناس في الجَّنة التي أسكنها آدم ،هل هي جنة الخلد أو جنة في
األرض؟.
الباب الثالث :في سياق حجج من ذهب إلى أَّنها جَّنُة الخلِد .
الباب الَّر ابع :في سياق حجج الطائفة التي قالت :إَّنها ( )1في األرض.
الباب الخامس :في جواب أرباب هذا القوِل لمن نازعهم
الباب السادس :في جواب من زعَم أَّنها جَّنُة الخلِد عن حجج منازعيهم.
الباب الَّس ابع :في ذكر شبه من زعَم أَّن الجَّنَة لم تخلق بعد.
الباب الثامن :في الجواب عَّم ا احتجوا به من الشبه.
__________
( )1في "هـ"" :إَّنها جَّنٌة في األرِض ".
()1/17
()1/19
()1/20
()1/21
الباب الَّر ابع والخمسون :في ذكر المادة التي خلق منها الحور العين ،وذكر صفاتهَّن ومعرفتهَّن
اليوم بأزواجهَّن .
الباب الخامس والخمسون :في ذكر نكاح أهل الجَّنة ووطئهم والتذاذهم بذلك ،ونزاهته عن
المذي والمني.
الباب السادس والخمسون :في ذكر ( )1اختالف الَّناس ،هل في الجَّنة حمٌل ووالدة أم ال؟
وحجة الفريقين.
الباب السابع والخمسون :في ذكر سماع الجَّنة وغناء الحور العين.
الباب الثامن والخمسون :في ذكر مطايا أهل الجَّنة وخيولهم ومراكبهم.
الباب الَّتاسع والخمسون :في زيارة أهل الجَّنة بعضهم بعًض ا ومذاكرتهم ما كان بينهم في الدنيا.
الباب الستون :في ذكر سوق الجَّنة وما أعَّد الَّلُه فيه ألهلها.
الباب الحادي والستون :في زيارة أهل الجَّنة ربهم تبارك وتعالى.
الباب الثاني والستون :في ذكر السحاب والمطر اَّلذي يصيبهم في الجَّنة.
الباب الثالث والستون :في ذكر ُمْلك الجَّنة ،وأَّن أهلها كلهم ملوك فيها.
__________
( )1من "ج".
()1/22
الباب الَّر ابع والستون :في أَّن الجَّنة فوق ما يخطر بالبال أو يدور في الَخ َلد ،وأَّن موضع سوط
منها خير من الدنيا وما فيها.
الباب الخامس والستون :في رؤية أهل الجَّنة ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم جهرة كما ُيرى القمر
ليلة البدر ،وتجليه لهم ضاحًك ا (. )1
الباب السادس والستون :في تكليمه سبحانه ألهل الجَّنة وخطابه لهم ومحاضرته إَّياهم وسالمه
عليهم.
الباب السابع والستون :في أبدية الجَّنة أَّنها ال تفنى وال تبيد.
الباب الثامن والستون :في ذكر آخر أهل الجَّنة دخواًل إليها.
الباب التاسع والستون :وهو باٌب جامع ،فيه فصول منثورة.
الباب السبعون :في المستحق لهذه البشارة دون غيره.
والَّلُه سبحانه المسؤول أن يجعله خالًص ا لوجهه الكريمُ ،مْد نًيا لمؤلفه وقارئه وكاتبه من جَّنات
الَّنعيم ،وأن يجعله ُح َّج ة له ،وال يجعله حجة عليه ،وأن ينفع به من انتهى إليه ،إَّنه خيُر مسؤول،
وأكرم مأمول ،وهو حسبنا ونعم الوكيل (. )2
__________
( )1قوله "وتجليه لهم ضاحًك ا" ليس في "ج".
( )2من قوله "والَّله سبحانه وتعالى هو المسؤول" إلى "الوكيل" سقط من "ج".
()1/23
()1/24
وقالوا :ومن المعلوم أَّن ملًك ا لو اتخذ داًر ا ،وأعَّد فيها ألوان األطعمة واآلالت والمصالح،
وعَّطلها من الَّناِس ،ولم ُيَم ِّك نهم من دخولها قروًنا متطاولة = لم يكن ما َفَعَلُه واقًعا على وجه
الحكمة ،ووجد العقالء سبياًل إلى االعتراض عليه.
فحجروا على الرِّب تبارك وتعالى بعقولهم الفاسدة ،وآرائهم الباطلة وشَّبهوا أفعاله بأفعالهم،
وردوا من النصوص ما خالف هذه الَّش ريعة الباطلة التي وضعوها للرب ،أو حَّر فوها عن مواضِعها،
وضَّللوا وبَّدعوا من خالفهم فيها ،والتزموا فيها لوازم أضحكوا عليهم فيها العقالء.
ولهذا يذكر السلُف في عقائدهم :أَّن الجَّنة والَّناَر مخلوقتان ،ويذكر من صَّنف في المقاالت أَّن
هذه مقالة أهل السَّنة ،والحديث قاطبة ال يختلفون فيها (. )1
قال اإلمام أبو الحسن األشعري في كتاب "مقاالت اإلسالميين ،واختالف المصِّلين" (: )2
"ُج ملة ما عليه أصحاب الحديث وأهل السَّنة :اإلقرار بالَّله ومالئكته وكتبه ورسله وما جاء من
عند الَّله ،وما رواُه الثقات عن رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم ،-ال َيُر ُّدون من ذلك شيئا،
والَّله تعالى إلٌه واحٌد فرٌد صمد ،لم يتخذ صاحبًة وال ولًد ا ،وأَّن محمًد ا عبده ورسوله،
__________
( )1انظر" :شرح أصول اعتقاد أهل السَّنة" ِللاللكائي" ،)1184 /3( :والشريعة" لآلجري/3( :
،)1343و"الرسالة الوافية" للَّداني ص (.)195
( )350 - 345 /1( )2ط ،مكتبة النهضة المصرية ،تحقيق :محمد محيي الِّدين عبد الحميد.
()1/25
وأَّن الجَّنة حٌّق ،وأَّن الَّناَر حق ،وأَّن الَّس اعة آتيٌة ال ريب فيها ،وأَّن الَّله يبعث من في القبور.
وأَّن الَّلَه تعالى على عرشه ،كما قال{ :الَّر ْح َمُن َعَلى اْلَعْر ِش اْس َتَو ى ([ } )5طه ،]5 :وأَّن له
َيَد ْين بال كيف ،كما قالَ{ :خ َلْق ُت ِبَيَد َّي } [ص ،]75 :وكما قالَ{ :يَد اُه َمْبُس وَطَتاِن } [المائدة:
،]64وأَّن له عينين بال كيف ،كما قالَ{ :تْج ِر ي ِبَأْع ُيِنَنا} [القمر ،]14 :وأَّن له وجًه ا ،كما قال:
{َو َيْبَق ى َو ْجُه َر ِّبَك ُذو اْلَج اَل ِل َو اِإْل ْك َر اِم ([ } )27الرحمن.]27 :
وأَّن أسماء الَّله تعالى ال يقال :إَّنها غير الَّله ،كما قالت المعتزلة والخوارج ،وأقُّر وا أَّن لَّله ِع ْلًم ا،
كما قالَ{ :أْنَز َلُه ِبِعْلِم ِه} [النساء ،]166 :وكما قالَ{ :و َم ا َتْح ِم ُل ِم ْن ُأْنَثى َو اَل َتَض ُع ِإاَّل ِبِعْلِم ِه}
[فاطر.]11 :
وأثبتوا الَّس مع والبصر ،ولم ينفوا ذلك عن الَّله ،كما َتْنفيه ( )1المعتزلة ،وأثبتوا لَّله القَّو ة كما
قالَ{ :أَو َلْم َيَر ْو ا َأَّن الَّلَه اَّلِذ ي َخ َلَق ُه ْم ُه َو َأَش ُّد ِم ْنُه ْم ُقَّو ًة} [فصلت.]15 :
وقالوا :إَّنه ال يكون في األرِض من خيٍر وال شر إاَّل ما شاء الَّله ،وإَّن األشياء تكون بمشيئة الَّله،
كما قال تعالىَ{ :و َم ا َتَش اُءوَن ِإاَّل َأْن َيَش اَء الَّلُه} [اإلنسان ،]30 :وكما قال المسلمون :ما شاء
الَّله كان ،وما لم يشأ ال يكون (. )2
وقالوا :إَّن أحًد ا ال يستطيع أْن يفعل شيًئا قبل أْن يفعله ،أو يكون
__________
( )1في "ب ،ج ،د ،هـ" "َنَف ْتُه".
( )2في "ب ،هـ" "وما لم يشأ لم يكن" ،وفي المقاالت "وما ال يشأ ال يكون".
()1/26
أحد يقدر أْن يخرج عن علم الَّله ،أو أْن يفعل شيًئا َعِلَم الَّلُه أَّنُه ال يفعله.
وَأَقُّر وا أَّنه ال خالَق إاَّل الَّله ( ، )1وأَّن أعمال العباد يخلقها الَّلُه ،وأَّن العباد ال يقدرون أْن يخلقوا
شيًئا.
وأَّن الَّلَه تعالى وَّفق المؤمنين لطاعته ،وخذل الكافرين ،ولطف بالمؤمنين ،ونظَر لهم ،وأصلحهم،
وهداهم ،ولم يلطْف بالكافرين ،وال أصلحهم ،وال هداهم ،ولو أصلحهم لكانوا صالحين ،ولو
هداهم لكانوا مهتدين.
وأَّن الَّلَه تعالى يقدر أْن يصلح الكافرين ،ويلطف بهم حَّتى يكونوا مؤمنين ،ولكَّنه أراد أْن يكونوا
كافرين كما علم ،وخذلهم وأضَّلهم ،وطبع على قلوبهم.
وأَّن الخيَر والَّش َّر بقضاء الَّله ( )2وقدره ،ويؤمنون بقضاء الَّله وقدره خيره وشِّر هُ ،ح ْلوه وُمره،
ويؤمنون أَّنهم ال يملكون ألنفسهم نفًعا وال ضًّر ا إاَّل ما شاء الَّلُه ،كما قال ،ويلجئون أمرهم إلى
الَّله ،ويثبتون الحاجة إلى الَّله في كِّل وقٍت ،والفقر إلى الَّلِه في كِّل حال.
ويقولون :إَّن القرآن كالم الَّلُه غير مخلوق ،والكالم في الوقف واَّللفظ من قال باَّللفظ أو
بالوقف فهو مبتدع عندهم ،ال يقال :اَّللفظ بالقرآن مخلوق ،وال يقال :غير مخلوق.
__________
( )1في المقاالت "وأَّن سيئات العباد يخلقها الَّله" ،وهي ليست في جميع النسخ.
( )2في "ب" "بقضائه" بداًل من "بقضاء الَّله".
()1/27
ويقولون :إَّن الَّله تعالى ُيرى باألبصاِر يوَم القيامة ،كما ُيرى القمُر ليلة البدر ،ويراُه المؤمنون ،وال
ِئٍذ
يراُه الكافرون؛ ألَّنهم عن الَّله تعالى محجوبون ،قال الَّلُه تعالىَ{ :ك اَّل ِإَّنُه ْم َعْن َر ِّبِه ْم َيْو َم
َلَمْحُج وُبوَن ([ } )15المطففين ،]15 :وأَّن موسى عليه الَّس الم سأل الَّلَه سبحانه وتعالى الرؤية
في الدنيا ،وأَّن الَّلَه تعالى تجَّلى للجبِل فجعله دًّك ا ،فأعلمه بذلك أَّنُه ال يراُه في الدنيا ،بل يراُه في
اآلخرة.
وال يكِّف رون أحًد ا من أهل القبلة بذنٍب يرتكبه ،كنحو :الِّز َنى والَّس رقة ،وما أشبه ذلك من
الكبائر ،وهم بما معهم من اإليمان مؤمنون ،وإْن ارتكبوا الكبائَر .
واإليمان -عندهم -هو اإليمان بالَّله ومالئكته وكتبه ورسله ،وبالقدر خيره وشِّر ه ،حلوه وُمِّر ه،
وأَّن ما أخطأهم لم يكن ليصيبهم ،وأَّن ما أصابهم لم يكن لُيخطئهم.
واإلسالم هو :أْن يشهد أْن ال إله إاَّل الَّله[ ،وأَّن محمًد ا رسول الَّله] ( ، )1كما جاء في الحديث،
واإلسالم عندهم غير اإليمان.
وُيِق ُّر وَن بأَّن الَّلَه مقِّلب القلوب.
وُيِق ُّر ون بشفاعة رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم ،-وأَّنها ألهل الكبائر من ُأَّمِتِه ،وبعذاب القبِر ،
وأَّن الحوَض حٌق ،والصراط حٌّق ،والبعَث بعد الموِت حٌّق ،والمحاسبة من الَّله للعباد حٌّق،
والوقوف بين يدي الَّله تعالى حٌّق.
__________
( )1ما بين المعقوفتين من "مقاالت اإلسالميين".
()1/28
ويقرون بأَّن اإليمان :قوٌل وعمل ،يزيد وينقص ( ، )1وال يقولون :مخلوق ،وال غير مخلوق.
ويقولون :أسماُء الَّله هي الَّله تعالى.
وال يشهدون على أحٍد من أهل الكبائِر بالَّناِر ،وال َيْح ُك ُم ون بالجَّنة ألحٍد من الُمَو ِّح دين ،حَّتى
َّل َّل
يكوَن ال ه تعالى نَّز لهم ( )2حيث شاء ،ويقولون :أمرهم إلى ال ه ،إْن شاء عَّذ بهم ،وإْن شاء غفَر
لهم ،ويؤمنون بأَّن الَّلَه تعالى ُيخرج قوًم ا من الُمَو ِّح دين من الَّنار ،على ما جاءت به الروايات عن
رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم.-
وينكرون الجَد َل والِم َر اء في الِّدين ،والخصومة في الَق َد ِر ،والمناظرة فيما يتناظر فيه أهل الجدل
ويتنازعون فيه من دينهم ،بالَّتسليم للروايات الصحيحة ،وِلَم ا جاءت به اآلثار التي رواها الثقات،
َعْد اًل عن عدل ،حَّتى ينتهي ذلك إلى رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم ،-وال يقولون :كيف؟
والِ :لَم ؛ ألَّن ذلك ِبْد َعة.
ويقولون :إَّن الَّله تعالى لم يأمر بالَّش ِّر ،بل نهى عنه ،وأمَر بالخيِر ،ولم َيْر َض بالَّش ِّر ،وإْن كان
مريًد ا له.
ويعرفون حَّق الَّس لف اَّلذين اختارهم الَّلُه تعالى لصحبة نبيه -صلى الَّله عليه وسلم ،-ويأخذون
بفضاِئلهم ،وُيْم ِس ُك ون عَّم ا شجَر بينهم صغيرهم وكبيرهم ،وُيَق ِّد ُمون أبا بكر ،ثَّم عمر ،ثَّم عثمان،
ثَّم علًّيا رضي الَّلُه عنه ،وُيِق ُّر ون
__________
( )1في "ب"" :يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية".
( )2في المقاالت "ينزلهم".
()1/29
بأَّنهم الخلفاء الَّر اشدون المهديون ،وأَّنهم أفضُل الَّناِس كِّلهم بعد رسول الَّله -صلى الَّله عليه
وسلم.-
وُيَص ِّدقون باألحاديث التي جاءت عن رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" -إَّن الَّلَه ينزُل إلى
الَّس ماِء الدنيا فيقول :هل من مستغفٍر ؟ " ( ، )1كما جاء في الحديث عن رسول الَّله -صلى الَّله
عليه وسلم ،-ويأخذون بالكتاب والسَّنة ،كما قال تعالىَ{ :فِإ ْن َناَزْع ُت ِفي َش ٍء ُّدوُه ِإَلى الَّلِه
ْي َفُر َت ْم
َو الَّر ُس وِل } [النساء.]59 :
ويرون اتباع مْن سلف من أئمة الِّدين ،وأْن ال يتبعون ( )2في دينهم ما لم يأذن به الَّله ،وُيقرون
أَّن الَّله تعالى يجيء يوم القيامة ،كما قالَ{ :و َج اَء َر ُّبَك َو اْلَم َلُك َص ًّف ا َص ًّف ا ([ } )22الفجر:
،]22وأَّن الَّله تعالى َيْق ُر ُب من خلقه كيف شاء ،كما قالَ{ :و َنْح ُن َأْقَر ُب ِإَلْيِه ِم ْن َحْبِل اْلَو ِر يِد (
[ } )16ق.]16 :
وَيَر ْو ن العيد والجمعة والجماعة خلف كِّل إماٍم ،بٍّر وفاجر.
وُيْثِبتون أَّن الَمْسَح على الُخ َّف ين ُس َّنة ،ويرونه في الحَض ِر والَّسَف ر.
ويثبتون فرَض الجهاد للمشركين منذ بعَث الَّلُه نبيه -صلى الَّله عليه وسلم -إلى آخر عصابة
ُتقاتل الَّد َّج ال ،وبعد ذلك.
َو َيَر ْو َن الُّد َعاَء ألئمة المسلمين بالَّصالِح ،وأْن ال ُيْخ َر ج ( )3عليهم بالَّس يف ،وأْن ال يقاتلوا في
الفتنة.
__________
( )1أخرجه البخاري في صحيحه ،رقم ( ،)1094ومسلم رقم ( )758واللفُظ له.
( )2في المقاالت "يبتدعوا".
( )3في المقاالت "َيْخ ُر ُج وا".
()1/30
وُيَص ِّدقون بخروج الَّد َّج ال ،وأَّن عيسى بن مريم -صلى الَّله عليه وسلمَ -يْق ُتُله.
ويؤمنون بُم ْنَك ٍر َو َنِكْيٍر ،والمعراج ،والُّر ؤيا في المناِم ،وأَّن الدعاء لموتى المسلمين والصدقة
عنهم بعد موتهم َتِص ُل إليهم ،ويصدقون أَّن في الدنيا َسَح َر ة ،وأَّن الَّس احر كافر ،كما قال الَّله
تعالى ،وأَّن الَّس ْح ر كائٌن موجوٌد في الدنيا.
َو َيَر ْو َن الصالة على كِّل َمْن مات من أهل القبلة مؤمنهم ( )1وفاجرهم ،ويقرون أَّن الجَّنة والَّناَر
مخلوقتان.
وأَّن من ماَت ماَت بأجله ،وكذلك من ُقِتَل ُقِتَل بأجله.
وأَّن األرزاق من ِقَبل الَّله تعالى يرزقها عباده حالاًل كانت أو حراًما.
وأَّن الشيطان يوسوس لإلنسان ،ويشككه ويخَّبطه (. )2
وأَّن الصالحين قد يجوز أْن َيُخ َّص هم الَّله تعالى بآياٍت َتْظَه ُر عليهم.
وأَّن الُّس َّنة ال ُتْنَس ُخ بالقرآن.
وأَّن األطفال أمرهم إلى الَّلِه :إْن شاء عَّذ بهم ،وإْن شاء فعل بهم ما أراد.
وأَّن الَّله تعالى عالٌم ما العباُد عاملون ،وكتب أَّن ذلك يكون ،وأَّن
__________
( )1في المقاالت "َبِّر هم".
( )2في المقاالت "ويتخَّبطه".
()1/31
()1/32
وقد دَّل على ذلك من القرآن :قوله تعالىَ{ :و َلَق ْد َر آُه َنْز َلًة ُأْخ َر ى (ِ )13ع ْنَد ِس ْد َر ِة اْلُم ْنَتَه ى (
ِ )14ع ْنَد َه ا َج َّنُة اْلَم ْأَو ى ([ } )15النجم.]15 - 13 :
وقد رأى الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلمِ -س دَر ة المنتهى ( ، )1ورأى عندها الجَّنة ،كما في
"الصحيحين" من حديث أنس -رضي الَّله عنه -في قصة اإلسراء وفي آخرهُ" :ثَّم انطلق بي
جبريل حَّتى أتى ِس ْد َر َة المنتهى ،فغشيها ألواٌن ال أدري ما هي؟ قالُ :ثَّم ُأْد ِخ ْلُت الجَّنة ،فإذا فيها
َج نابُذ اَّللؤلؤ ،وإذا ترابها المسُك " (. )2
وفي "الصحيحين" ( )3من حديث عبد الَّله بن عمر -رضي الَّله عنهما -أَّن رسول الَّله -صلى
الَّله عليه وسلم -قال" :إَّن أحدكم إذا ماَت ُعِر َض على ( )4مقعده بالغداة والَعِش ِّي ،إْن كاَن من
أهل الجَّنة فمن أهل الجَّنة ،وإْن كان من أهل الَّناِر فمن أهل الَّناِر ،فُيقال :هذا مقعدك حَّتى يبعثك
الَّله يوَم القيامة (." )5
وفي "المسند" و"صحيح الحاكم" و"ابن حبان" وغيرهم من حديث البراء بن عازب -رضي الَّله
عنه -قال :خرجنا مع رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -في َج َنازة رجٍل من األنصاِر -فذكر
الحديث بطوله -وفيه" :فينادي مناد
__________
( )1قوله" :سدرة المنتهى" ليس في "ب".
( )2أخرجه البخاري في صحيحه برقم ( ،)3164ومسلم برقم ( ،)163واللفظ للبخاري.
( )3أخرجه البخاري رقم ( ،)1313ومسلم رقم (.)2866
( )4في "هـ"" :عليه".
( )5قوله "يوم القيامة" ليس في "ب".
()1/33
من الَّس ماِء :أْن َص َد َق عبدي ،فأفرشوُه من الجَّنة ،وألبسوُه من الجَّنة ،وافتُح وا له باًبا إلى الجَّنة،
قال :فيأتيه من َرْو ِح ها وطيبها" ( ، )1وذكر الحديث.
وفي "الصحيحين" ( )2من حديث أنس بن مالك رضي الَّله عنه قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله
عليه وسلم" :-إَّن العبَد إذا ُو ِض َع في قبره ،وتوَّلى عنه أصحابه ،وإَّنه ليسمع َقْر َع نعاِلهم قال:
فيأتيه ملكان فيقعدانه ،فيقوالن له :ما كنَت تقوُل في هذا الرجل؟ قال :فأَّما المؤمُن فيقول :أشهُد
أَّنه عبُد الَّلِه ورسوله ،قال :فيقوالن له :انظر إلى مقعدك من الَّناِر ،قد أبدلك الَّله به مقعًد ا من
الجَّنة .قال نبُي الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -فيراهما جميًعا".
__________
( )1أخرجه أحمد في مسنده ( ،)297 ،295 ،288 ،287 /4وأبو داود (،4753 ،3212
)4754والنسائي ( ،)78 /4وابن ماجه ( )1548و ( )1549والحاكم ( )93 /1رقم ()107
وأبو عوانة كما في "إتحاف المهرة" ( ،)459 /2وابن منده في اإليمان ( ،)1064والبيهقي في
إثبات عذاب القبر رقم ( )21و ( )43وغيرهم.
من طريق زاذان عن البراء بن عازب فذكره.
والحديث صَّح حه :أبو عوانة وابن منده والحاكُم والبيهقي وابن القيم وغيرهم.
قال ابن القيم في الروح ص (" :)91هذا حديث ثابٌت مشهوٌر ُمْس تفيض ،صححه جماعة من
الحفاظ ،وال نعلُم أحًد ا من أئمة الحديث طعن فيه ،بل رووه في كتبهم وتلقوه بالقبول ،وجعلوه
أصاًل من أصول الِّدين في عذاب القبر ونعيمه ،ومساءلة منكر ونكير ،وقبض األرواِح وصعودها
إلى بين يدي الَّلِه ،ثَّم رجوعها إلى القبر." . . .
( )2أخرجه البخاري برقم ( ،)1308ومسلم برقم ( ،)2870واللفظ لمسلم.
()1/34
وفي "صحيح أبي عوانة اإلْس َف راييني" و"سنن أبي داود" من حديث البراء بن عازب الطويل في
قبض الُّر وح" :ثَّم ُيفتح له باٌب من الجَّنة ،وباٌب من الَّناِر ،فُيقال :هذا كان منزلك لو عصيَت الَّله
أبدلك الَّلُه به هذا ،فإذا رأى ما في الجَّنة قال :رِّب عِّج ل قياَم الَّس اعة َك ْيَم ا أرجُع إلى أهلي
ومالي ،فُيقال :اْس كن" (. )1
وفي "ُمسند البَّز ار" وغيره من حديث أبي سعيد رضي الَّله عنه قال :شهدنا مع الَّنبي -صلى الَّله
عليه وسلمَ -ج نازًة ،فقال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-أُّيها الَّناُس ،إَّن هذه اُألَّمة ُتْبَتلى
في قبورها ،فإذا ُدِفَن اإلنساُن وتفَّر ق عنه أصحابه ،جاءُه َم لٌك في يده ِم ْطَر اٌق فأقعده فقال :ما
تقوُل في هذ الرجل؟ -يعني محمًد ا -صلى الَّله عليه وسلم -فإْن كان مؤمًنا ،قال :أشهُد أَّن ال
إلَه إاَّل الَّلُه وأَّن محمًد ا عبده ورسوله ،فيقولون ( : )2صدقت ،ثَّم ُيفتح له باٌب إلى الَّناِر
فيقولون :هذا كان منزَلك لو كفرت بربك ،فأَّما إْذ آمنت به فهذا منزلك ،فُيفتُح له باٌب إلى
الجَّنة فيريُد أْن ينهض إلى الجَّنة فيقولون :اْس كن" ( )3وذكر الحديث.
__________
( )1أخرجه أبو عوانة في صحيحه كما في إتحاف المهرة البن حجر ( ،)459 /2وأبو داود
برقم (.)4753
ولعَّل هذا لفظ أبي عوانة في صحيحه ،والحديث تقَّدم الكالم عليه مختصًر ا.
( )2كذا في جميع النسخ "فيقولون" ،وكذا ما بعده ،وفي مصادر التخريج "فيقول".
( )3أخرجه أحمد ( )4 - 3 /3والبَّز ار كما في "كشف األستار" رقم ( ،)872وابن أبي عاصم
في "السَّنة" رقم ( ،)865والطبري في تفسيره (= ،)214 /13
()1/35
وفي "صحيح مسلم" ( )1عن عائشة رضي الَّله عنها قالتَ :خ َس َف ِت الشمُس في حياِة رسول الَّله
-صلى الَّله عليه وسلم -فذكرت الحديث إلى أْن قالت -:ثَّم قام فخطب الَّنا ،فأثنى على الَّلِه
َس
بما هو أهله ،ثَّم قال" :إَّن الشمس والقمر آيتان من آيات الَّله تعالى ،ال يْخ سفان لموِت أحٍد وال
لحياته ،فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الَّصالة".
وقال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-رأيُت في مقامي هذا كَّل شيٍء ُو ِع ْدُتم ،حَّتى لقد
رأيتني آخذ ِقْطًف ا من الجَّنة حين رأيتموني ُأَقِّد ُم ،ولقد رأيُت جهَّنم َيْح ِط ُم بعُضها بعًض ا حين
رأيتموني تأَّخ ْر ُت ".
وفي "الصحيحين" (- )2واللفظ للبخاري -عن عبد الَّله بن عباس
__________
= والبيهقي في "إثبات عذاب القبِر " رقم (.)31
من طريق عَّباد بن راشد البصري عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري
فذكره.
وقد تفَّر د به عباد -وهو صدوٌق له أوهام -عن خاله داود بن أبي هند مرفوًعا.
قال البَّز اُر " :ال نعلمُه عن أبي سعيد إاَّل بهذا اإلسناِد ،وهذا من أغرِب ما كان ُيْس َأُل عنه الحسين
وابن معمر".
وقد خولف عباد ،خالفه مسلمة بن علقمة فأوقفه.
فرواه عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال :فذكر نحًو ا من حديث عباد بن
راشد ولم يرفعه.
أخرجه عبد الَّله بن أحمد في "السَّنة" رقم (.)1460
ولعَّل الموقوف أشبه.
( )1رقم ( ،)901وهو عند البخاري أيًض ا رقم ( 997و .)1154
( )2أخرجه البخاري رقم ( ،)358ومسلم رقم (.)907
()1/36
قال :انخسفت الشمُس على عهد الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -فذكر الحديث وفيه -فقال:
"إَّن الشمَس والقمر آيتان من آيات الَّله ،ال يخسفان لموِت أحٍد وال لحياته ،فإذا رأيتم ذلك
فاذكروا الَّله ،فقالوا :يا رسول الَّله رأيناَك تناولَت شيًئا في مقامك ،ثَّم رأيناك تكعكعت (، )1
فقال :إِّني رأيت الجَّنة ،وتناولُت عنقوًدا ،ولو أصبُته ألكلتم منه ما بقيت الدنيا ،وُأِر يُت الَّناَر ،فلم
أَر منظًر ا كاليوِم قُّط أفظَع ،ورأيُت أكثَر أهلها النساء ،قالواِ :بَم يا رسول الَّله؟ قالَ :بُكْف ِرهَّن .
قيل :أيكفرن بالَّله؟ قالَ :يكفرَن العشير ،ويكفرن اإلحسان ،لو أحسنَت إلى إحداهَّن الدهَر كَّله،
ثَّم رأْت منك شيًئا ،قالت :ما رأيت مْنَك خيًر ا قُّط ".
وفي "صحيح البخاري" ( )2عن أسماء بنت أبي بكر رضي الَّله عنهما عن الَّنبي -صلى الَّله عليه
وسلم -في صالة الكسوف ،قال" :قد َدَنْت مِّني الجَّنة ،حَّتى لو اجترأُت عليها لجئتكم بقطاٍف
من قطافها ،ودنت مِّني الَّناُر حَّتى ُقلُت :أي رِّب ،وأنا معهم؟ فإذا امرأٌة -حِس ْبُت أَّنه قال-:
َتخدشها ِه َّر ٌة ،قلُت :ما شأن هذه؟ قالواَ :حَبسْتها حَّتى ماتت جوًعا ،ال أطعمتها وال أرسلتها
تأكل".
وفي "صحيح مسلم" ( )3من حديث جابر رضي الَّله عنه في هذه القصة قالُ" :عِر َض علَّي كُّل
شيٍء ُتولجونه ( ، )4فُعِرَضْت علَّي الجَّنة
__________
( )1تكعكع :هاب وتراجع بعدما أقدم .المعجم الوسيط ص (.)826
و"تكعكعت" من رواية الكشميهني ،كما في الفتح (.)541 /2
( )2رقم (.)712
( )3رقم (.)9( - )904
( )4في "د" وفي نسخٍة على حاشية "ب ،ج"ُ" :تْو َعُد ونه" بداًل من "تولجونه".
()1/37
حَّتى تناولُت منها قطًف ا فقُصرْت يدي عنه ،وُعِر َضْت علَّي الَّناُر ،فرأيُت فيها امرأًة من بني إسرائيل
ُتَعَّذ ُب في ِه َّر ٍة لها" وذكر الحديث.
وفي "صحيح مسلم" ( )1عنه في هذا الحديث" :ما من شيء ُتْو َعُد ْو َنُه إاَّل قد رأيُته في صالتي
هذه ،لقد جيء بالَّناِر ،وذلك حين رأيتموني تأخرُت مخافَة أْن يصيبني من َلْف ِح ها ،وحَّتى رأيُت
فيها صاحب الِم ْحَج ِن يجُّر ُقْص َبه في الَّناِر ،وكان يسرُق الحاَج ِبِم ْحَج ِنه ،فإْن ُفِط َن له قال :إَّنما
َتَعَّلَق بمحجني ،وإْن ُغِف ل عنه ذهب به ،وحَّتى رأيُت فيها صاحبة الِه َّر ة التي ربطتها؛ فلم تطعمها
ولم تدعها تأكل من خشاش األرض ،حَّتى ماتت جوًعا ،ثَّم جيء بالجَّنة ،وذلكم حين رأيتموني
تقدمت حَّتى قمت في مقامي ،ولقد مددُت يدي -وأنا أريُد أْن أتناوَل من ثمرها لتنظروا إليه -ثَّم
بدا لي أْن ال أفعل ،فما من شيٍء توعدونه إاَّل قد رأيته في صالتي هذه".
وفي "مسند اإلمام أحمد" و"سنن أبي داود" و"النسائي" من حديث عبد الَّله بن عمرو رضي الَّله
عنهما في هذه القصة" :واَّلذي نفُس محمٍد بيده لقد ُأْد ِنَيت الجَّنُة ِم ِّني ،حَّتى لو َبَس ْطُت يدي
لتعاطيُت من قطوفها ،ولقد ُأْد ِنيت الَّناُر مِّني حَّتى لقد جعلُت أَّتِق ْيها خشيَة أْن تغشاكم" وذكر
الحديث (. )2
__________
( )1رقم (.)10( - )904
( )2أخرجه أحمد ( 188 /2و ،)198وأبو داود رقم ( ،)1194والترمذي في الشمائل رقم (
،)324والنسائي ( )137 /3رقم ( )1482واللفظ له ،وابن خزيمة في صحيحه رقم (1392
و ،)1393وابن حبان في صحيحه =
()1/38
وفي "صحيح مسلم" ( )1من حديث أنس بن مالك رضي الَّله عنه قال :بينما رسوُل الَّلِه -صلى
الَّله عليه وسلم -ذاَت يوٍم ،إْذ ُأقيمت الصالُة فقال" :أُّيها الَّناُس ،إِّني إَم اُمكم ،فال تسبقوني
بالركوع وال بالسجود ،وال ِبَر ْفِع رؤوسكم؛ فإِّني أراكم من أمامي ومن خلفي ،وأيُم ( )2اَّلذي
نفسي بيده ،لو رأيتم ما رأيُت لضحكتم قلياًل ،وبكيتم ( )3كثيًر ا ،قالوا :وما رأيت يا رسول الَّله؟
قال :رأيُت الجَّنة والَّنار".
وفي "الموطأ" و"السنن" من حديث كعب بن مالك قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه
وسلم" :-إَّنما َنَسَم ُة المؤمن َطيٌر تعلُق في شجر الجَّنة حَّتى يرجعها الَّله إلى جسده يوم القيامة" (
. )4
__________
= ( /7رقم ،)2839والحاكم ( )478 /1رقم ( )1229وغيرهم مختصًر ا ومطَّو اًل .
والحديث صححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم ،وهو كما قالوا.
( )1رقم (.)426
( )2ليست في "هـ" وال في "صحيح مسلم".
( )3من (أ) .وفي باقي النسخ ،وحاشية "أ" ،وصحيح مسلم "ولبكيتم".
( )4أخرجه مالك في "الموطأ" رقم ( ،)643وابن ماجه ( ،)4271والنسائي (،)108 /4
وأحمد ( 455 /3و )456واللفظ له ،والطبراني ( )65 /19وغيرهم.
من طريق مالك ومعمر ويونس وشعيب واألوزاعي كلهم عن الزهري حدثني عبد الرحمن بن
كعب عن أبيه كعب بن مالك فذكره.
وسنده صحيح ،وصححه ابن حبان ،لكن وقع فيه اختالف في سنده ومتنه ،وخالصته:
أَّما السنُد :فطريق مالك ومن تابعه أرجحها.
وأَّما المتُن :فسيأتي في الحديث اآلتي= .
()1/39
وهذا صريٌح في دخول الروح الجَّنة ( )1قبل يوم القيامة (. )2
ومثله حديث كعب بن مالك رضي الَّله عنه أيًض ا عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم" :-إَّن أرواح
الشهداء في طْيٍر ُخ ضٍر تعلُق من ثمر الجَّنة -أو شجر الجَّنة )3( "-رواُه أهل الُّس نن ،وصَّح حه
الترمذي.
وسيأتي في آخر هذا الكتاب في الباب اَّلذي يذكر فيه دخول أرواح المؤمنين الجَّنة قبل يوم
القيامة ،تماُم هذه األحاديث إْن شاء الَّلُه تعالى ،وذكر داللة القرآن على ما دَّلت عليه الُّس نة من
__________
= انظر :التمهيد البن عبد البر ( ،)58 - 56 /11وكالم محقق كتاب "الجهاد" البن أبي عاصم
(.)527 - 521 /2
( )1من قوله "حتى يرجعها الَّلُه" إلى "الجَّنة" سقط من "ج".
( ) 2جاء في "هـ" ونسخة على حاشية "أ"" :ورواه اإلمام أحمد والشافعي في مسنديهما ،رضوان
الَّلِه عليهما".
( )3أخرجه الترمذي برقم ( ،)1640وأحمد ( ،)386 /6وابن أبي عاصم في "الجهاد" رقم (
،)202وابن عبد البر في التمهيد ( )60 /11من طريق أحمد وابن أبي عمر وابن كاسب عن
ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن الزهري عن ابن كعب عن أبيه ،فذكره.
وخالفهم الحميدي -في مسنده ( - )385 /2في متنه ،فوافق الجماعة.
فرواه عن ابن عيينة عن عمرو به ،فذكره بلفظ" :نسمة المؤمن" بداًل من لفظ "أرواح الشهداء. .
." .
ولعَّل الوهم من ابن عيينة أو من عمرو بن دينار.
فإَّن الحديث رواه مالك ويونس وعقيل والليث واألوزاعي وشعيب ومعمر وغيرهم كلهم عن
الزهري به باللفظ المتقدم "نسمة المؤمن " . . .وهذا اللفظ أصُّح وأثبت.
والحديث صححه الترمذي بقوله" :هذا حديٌث حسٌن صحيح".
()1/40
()1/41
وفي "الصحيحين" ( )1من حديث أبي هريرة رضي الَّلُه عنهِ " :ج بت الجَّنة بالمكاره ،و ِج ِت
ُح َب ُح
الَّناُر بالشهوات".
وفي "الصحيحين" ( )2من حديث أبي سعيد الخدري رضي الَّله عنه عن الَّنبي -صلى الَّله عليه
وسلم -قال" :اختصمت الجَّنة والَّناُر ،فقالت الجَّنة يا رِّب مالها إَّنما يدخلها ُضَعَف اُء الَّناس
وَس َق ُطُه م؟ وقالت الَّناُر :يا رب ما لها يدخلها الجَّبارون والمتكبرون؟ فقال :أنت رحمتي أصيُب
بِك َمْن أشاُء ،وأنت عذابي أصيُب بِك من أشاُء ،ولكِّل واحدٍة منكما ملؤها".
وفي "الصحيحين" ( )3من حديث (ابن عمر رضي الَّله عنهما) ( )4عن الَّنبي -صلى الَّله عليه
وسلم -أَّنه قال" :اْش تكِت الَّناُر إلى رِّبها فقالت :أي رِّب أكَل بعضي بعًض ا ،فأذَن لها بَنَف َس ين:
نفٍس في الِّش تاء ،ونفٍس في الَّصيف".
وروى اَّلليُث بن سعد عن معاوية بن صالح عن عبد الملك بن أبي بشير -رفع الحديث -قال:
"ما من يوم إاَّل والجَّنة والَّنار يسأالن ،تقوُل الجَّنة :يا رِّب قد طابت ثمرتي ،واَّطردت ()5
أنهاري ،واْش َتْق ُت إلى أوليائي ،فعِّج ل إلَّي بأهلي ،وتقول الَّناُر :اشتَّد حِّر ي ،وَبُعَد َقْع ري،
__________
( )1أخرجه البخاري رقم ( ،)6122ومسلم رقم (.)2823
( )2أخرجه البخاري رقم ( ،)7011ومسلم رقم ( ،)2846واللفظ للبخاري.
( )3أخرجه البخاري رقم ( ،)512ومسلم رقم ( )617من حديث أبي هريرة رضي الَّله عنه.
( )4كذا في جميع النسخ ،والصواُب (أبي هريرة رضي الَّله عنه).
( )5أيَ :ج َر ْت .انظر :الصحاح (.)427 /1
()1/42
وعُظَم َجْم ري ،فعِّج ل إلَّي بأهلي (. )2( " )1
وفي "صحيح البخاري" ( )3من حديث أنس رضي الَّله عنه عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم-
قالَ" :بْيَنَم ا أنا أسيُر في الجَّنة ،وإذا بنهٍر في الجَّنة حافتاُه قباب الدِّر المجوف ،قال :قلُت :ما
هذا يا جبريل؟ قال :هذا الكوثُر اَّلذي أعطاك رُّبك ،فضرب الَم َلك بيده فإذا ِط ْيُنه ِم ْس ك َأْذَفر (
." )4
وفي "صحيح مسلم" ( )5من حديث جابر بن عبد الَّله رضي الَّله عنهما قال :سمعُت رسول الَّله
-صلى الَّله عليه وسلم -يقول" :دخلُت الجَّنة فرأيت فيها قصًر ا وداًر ا فقلُت :لمن هذا؟ فقيل:
لرجٍل من قريش ،فرجوُت أْن أكون أنا هو ،فقيل لعمر بن الخطاب ،فلوال غيرُتك يا أبا حفص
__________
( )1من قوله" :وتقول الَّناُر " إلى "بأهلي" سقط من "ج".
( )2أخرجه البيهقي في البعث والنشور برقم ( )192من طريق أبي العالِء الحسن بن سوار عن
الليث به مثله.
وأخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة برقم ( )85من طريق عبد الَّله بن صالح عن معاوية بن صالح به
مختصًر ا.
والحديث معضل ،فإَّن عبد الملك بن أبي بشير البصري ،ثقة من أتباع التابعين.
انظر :تهذيب الكمال (.)288 - 287 /18
( )3رقم (.)6210
( )4قال عبد الملك بن حبيب السلمي في وصف الفردوس ص (" :)7واألذفر" :الشديد الطيب
الرائحة التي تكاد رائحته َتُعُّم من شَّد ِة فْيحها وريحها".
( )5أخرجه البخاري رقم ( ،)6621ومسلم رقم ( ،)2394واللفُظ اَّلذي ساقه المؤلُف ُمْد َمج
من البخاري ومسلم.
()1/43
لدخلته ،قال :فبكى عمر ،وقالَ :أَو ُيَغار عليك يا رسول الَّله؟
وسيأتي حديث بالل ،وقول الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم" :-ما دخلُت الجَّنة إاَّل سمعُت
خشخشتك ( )1بين يدَّي " ( )2وغير ذلك من األحاديث التي تأتي إْن شاء الَّله تعالى (. )3
وقال عبد الَّله بن وهب :حدثنا معاوية بن صالح عن عيسى بن عاصم عن زٍّر بن ُح َبْيش عن أنس
بن مالك رضي الَّله عنه قال :صَّلى بنا رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -ذات يوم صالة
الصبح ،ثَّم مَّد يده ،ثَّم أخرها ،فلَّم ا سَّلم قيل له :يا رسول الَّله ،لقد صنعت في صالتك شيًئا لم
تصنعه في غيرها ،قال :إِّني ُأِر ْيُت ( )4الجَّنة فرأيُت فيها دالية (ُ ، )5قُطوفها دانية،
__________
( )1الخشخشةَ :صْو ت السالح وغيره ،إذا ُح ِّر َك .
انظر :الصحاح ( ،)791 /1والمعجم الوسيط ص (.)258
( )2أخرجه أحمد في المسند ( 354 /5و ،)360والترمذي برقم ( ،)3689وابن خزيمة رقم
( ،)1209وابن حبان ( /15رقم 7086و ،)7087والحاكم ( )322 /3رقم (.)5245
من حديث بريدة بن الحصيب رضي الَّله عنه.
قال الترمذي" :هذا حديث حسن صحيح غريب".
والحديث صححه أيًض ا :ابن خزيمة وابن حبان والحاكم.
وله شاهد :من حديث جابر عند مسلم برقم ( ،)2457وفيه . ." :ثَّم سمعُت َخ ْش خَش ة أمامي،
فإذا بالل".
( )3انظر :ص (.)235
( )4في نسخٍة على حاشية "أ"" :رأيت".
( )5الَّدالية ،جمعها دوالي :عنٌب أسود غير حالك ،وعناقيده أعظم العناقيد كلها . . .المعجم
الوسيط ص (.)318
()1/44
ِن ِء
َح ُّبها كالُّدبا ،فأردُت أْن أتناول منها ،فُأوحي إليها أ اْس تأخري ،فاستأخرت ،ثَّم ُأريت ( )1الَّناَر
فيما بيني وبينكم ،حَّتى لقد رأيت ظَّلي وظلكم ،فأومأُت إليكم أِن استأخروا فأوحي إلَّي أِقَّر هم (
، )2فإَّنك أْس َلْم َت وأسلموا ،وهاجرت وهاجروا ،وجاهدت وجاهدوا ،فلم أَر لي عليكم فضاًل
إاَّل بالنبوة" (. )3
فإْن قيل :ما منعكم ( )4من االحتجاج على وجودها ( )5اآلن بقصة ( )6آدم ،ودخوله الجَّنة
وإخراجه منها بأكله من الشجرة ،واالستدالل بها في غاية الظهور؟!
قيل :االستدالل بذلك وإْن كان عند العامة في غاية الظهور ،فهو في غاية الغموض؛ الختالف
الَّناس في الجَّنة التي أسكنها آدم ،هل كانت جَّنَة الُخ ْلِد التي يدخلها المؤمنون يوم القيامة؟ أو
كانت جَّنًة في األرِض في
__________
( )1في "ج"" :رأيت".
( )2في "ب ،د"" :أن أقَّر هم".
( )3أخرجه ابن خزيمة في صحيحه ( /2رقم ،)892وأبو عوانة في صحيحه كما في "إتحاف
المهرة البن حجر" ،)13 /2( :والحاكم في مستدركه ( )503 /4رقم ( ،)8408وأبو نعيم في
"صفة الجَّنة" رقم ( )349مختصًر ا ،والضياء المقدسي في المختارة ( )138 /6رقم (.)2136
والحديث صححه ابن خزيمة وأبو عوانة والحاكُم والضياء المقدسي.
( )4في نسخة على حاشية "د" "معكم" ،وفي حاشية "أ" "فما منعكم".
( )5في "أ"" :دخولها".
( )6في نسخٍة على حاشية "أ"" :بمعصية".
()1/45
َش ْر ِقِّيها؟ ونحن نذكر من قال بهذا ومن قال بهذا ،وما احتج به كُّل فريٍق على قولهم ،وما رَّد به
الفريُق اآلخر عليهم ،بحول الَّله وقَّو ته.
()1/46
الباب الثاني في اختالف الَّناِس في الجَّنة التي ُأسِكَنها آدم ،وُأْه ِبَط منها ( ،)1هل هي جَّنة الخلد،
أو جَّنة ( )2أخرى غيرها في موضع عاٍل من األرِض ()3؟
قال منذر بن سعيد ( )4في "تفسيره":
"وأَّما قوله تعالى آلدمَ{ :و ُقْلَنا َياآَدُم اْس ُك ْن َأْنَت َو َز ْو ُج َك اْلَج َّنَة} [البقرة.]35 :
فقالت طائفة :أسكن الَّله آدم جنة الخلد التي يدخلها المؤمنون يوم القيامة.
وقال آخرون :هي جَّنة غيرها جعلها الَّلُه له وأسكنه إَّياها ،ليست جَّنة الخلد.
__________
( )1قوله" :وأهبط منها" ليس في "ب".
( )2في "د"" :أم هي جنة".
( )3في "ب"" :أو جنة في األرض" بداًل من "أم جنة أخرى غيرها في موضٍع عاٍل من األرِض ".
( )4وهو منذر بن سعيد بن عبد الَّلِه أبو الحكم الُبُّلوطي ،ولد 273هـ ،كان متفنًنا في ضروب
العلِم تفسيًر ا وفقًه ا ولغًة وأدًبا ،وكان أخطَب أهل زمانه ،منحرًفا إلى مذهب أهل الكالم ،له
التفسير والَّناسخ والمنسوخ وغيرها ،توفي سنة ( 355هـ).
انظر" :تاريخ علماء األندلس" البن الفرضي رقم ( ،)1454و"طبقات المفسرين" للداوودي (/2
.)337 - 336
()1/47
قال :وهذا قوٌل يكثر الَّدالئل الَّش اهدة له ،والموجبة للقول به" (. )1
وقال أبو الحسن الماوردي في "تفسيره":
"واختلف الَّناُس في الجَّنة التي ُأسِكَناها على قولين:
أحدهما :أَّنها جَّنة الخلد.
الثاني :أَّنها جَّنة أعَّدها الَّلُه تعالى لهما ( ، )2وجعلها دار ابتالء ،وليست جَّنة الخلد التي جعلها
دار جزاء.
ومن قال بهذا اختلفوا ( )3على قولين:
أحدهما :أَّنها في الَّس ماء؛ ألَّنه َأْه َبَطُه َم ا منها ،وهذا قول الحسن.
الثاني :أَّنها في األرِض ؛ ألَّنه امتحنهما فيها بالَّنهي عن الشجرة التي ُنهيا عنها دون غيرها من
الثمار ،وهذا قول ابن بحر (. )4
َّل ِم
وكان ذلك بعد أْن ُأ َر إبليس بالسجود آلدم عليه الَّس الم ،وال ه أعلُم
__________
( )1نقله المؤلُف في مفتاح دار السعادة عنه (.)11 /1
( )2إلى هنا ينتهي كالم الماوردي من المطبوع ( ،)104 /1فلعَّل ما بعده سقط من الطباعة ،أو
للمؤلف نسخة أخرى.
( )3في "ب ،د ،هـ"" :اختلفوا فيه".
( )4هو محمد بن بحر األصبهاني ،قال ابن بابويه :كان على مذهب المعتزلة ،ووجًه ا عندهم،
صَّنف لهم التفسير ،وتوفي سنة ( 322هـ).
انظر" :لسان الميزان" ،)96 /5( :و"طبقات المفسرين" للداوودي.)110 - 109 /2( :
()1/48
()1/49
أسكنها آدم ،فقال بعض المتكلمين :كان بستاًنا جعله الَّله تعالى له امتحاًنا ،ولم تكن جَّنة
المأوى" .وذكر بعض االستدالل على القولين.
ومَّم ن ذكر الخالف أيًض ا أبو عيسى الُّر َّماني ( )1في "تفسيره" واختار أَّنها جَّنة الخلد ،ثَّم قال:
"والمذهُب اَّلذي اخترناُه ،قول الحسن وعمرو وواصل وأكثر أصحابنا ،وهو قول أبي علي،
وشيخنا أبي بكر ،وعليه أهل التفسير".
واختار ابن الخطيب التوقف في المسألة ،وجعله قواًل رابًعا فقال:
"والقوُل الَّر ابع :أَّن الكل ُمْم كن ،واألدلة متعارضة (َ ، )2فَو َج َب الَّتوقف وترك القطع".
قال منذر بن سعيد" :والقوُل بأَّنها جَّنٌة في األرض ليست جَّنة الُخ ْلد قول أبي حنيفة وأصحابه
قال :وقد رأيُت أقواًم ا نهضوا لمخالفتنا في
__________
= الذهبي" :كان من أذكياء المتكلمين" .له "المفردات" وهو مشهوٌر ،والتفسير ،وغيرهما ،توفي
في حدوِد سنة ( 450هـ).
انظر" :سير أعالم النبالء" )121 - 120 /18( :مع الحاشية.
( )1هو علي بن عيسى بن علي أبو الحسن الُّر َّماني ولد سنة ( 296هـ) ،إماٌم مشهوٌر في النحو
والكالم ،وكان معتزلًّيا ،قال القفطي" :وكان مع اعتزاله شيعًيا" له نحو مائة مؤلف كالتفسير
وغيره ،توفي سنة ( 384هـ).
انظر" :تاريخ بغداد" ،)17 /12( :و"طبقات المفسرين" للداوودي .)425 - 423 /1( :تنبيه:
الصواب (ابن عيسى) بدل (أبو عيسى).
( )2في "مفاتيح الغيب" ،)5 /1( :و"مفتاح دار السعادة" ،)149 /1( :و"األدلة النقلية ضعيفة
ومتعارضة" بداًل من "واألدلة متعارضة".
()1/50
جَّنة آدم ،بتصويب مذهبهم من غير ُح َّج ة إاَّل الَّدعاوي واألمانَّي ،ما أتوا بحجٍة من كتاب وال ُس َّنٍة،
وال أثر عن صاحٍب ،وال تابع ،وال تابع الَّتابع ،ال موصواًل وال شاًّذا [وال] ( )1مشهوًر ا.
وقد أوجدناهم أَّن فقيه العراق ومن قال بقوله ،قالوا :إَّن جَّنة آدم ليست جَّنة الُخ ْلد ،وهذه
الَّدواوين َمْش ُح ونة من علومهم ،ليسوا عند أحٍد من الَّش اَّذين بل من رؤساء المخالفين ،وإَّنما قلُت
هذا ليعلم أِّني ال أنصُر مذهب أبي حنيفة ،وإَّنما أنصُر ما قام لي عليه دليل من القرآن والسَّنة.
-هذا ابن ُمَز ين ( )2يقول في "تفسيره"" :سألُت ابن نافع عن الجَّنة أمخلوقٌة هي؟ فقال:
السكوت عن الكالم في هذا أفضل".
-وهذا ابن عيينة يقول في قوله عَّز وجَّلِ{ :إَّن َلَك َأاَّل َتُج وَع ِفيَه ا َو اَل
__________
( )1من مفتاح دار السعادة ( )169 /1للمؤلف ،وسقطت من جميع النسخ.
( )2ابن ُمَز ْين هذا لعله؛ يحيى بن إبراهيم بن مزين الطليطلي أبو زكريا ،مولى رملة بنت عثمان بن
عفان رضي الَّله عنه ،سمع الموطأ من القعنبي ومطرف وحبيب ،له تفسير الموطأ وغيره ،توفي
سنة 259هـ.
انظر" :أخبار الفقهاء والمحدثين" للخشني رقم ( ،)495و"تاريخ علماء األندلس" البن الفرضي
رقم (.)1558
قلت :لعَّل مراد المؤلف بتفسيره أي "تفسير الموطأ" -إن كان المترجم هو المقصود -فقد
اشتهر بـ "تفسير يحيى بن مزين" و"تفسير الموطأ".
انظر :برنامج التجيبي ص ( ،)269وجذوة المقتبس للحميدي ،رقم ( ،)880وفهرس ابن خير
رقم ( )137و ( ،)148ومفتاح دار الَّس عادة (.)438 /1
()1/51
َتْع َر ى ([ } )118طه ]118 :قال :يعني في األرِض ،وابن نافِع :إمام ،وابن عيينة :إمام ،وهم ال
يأتوننا بمثلهما ،ومن يضاُّد قوُله قولهما.
-وهذا ابن ُقتيبة ذكر في كتاب "المعارف" ( )1بعد ِذ ْك ِر ه خلق الَّله آلدم وزوجه ،قال" :ثَّم
تركهما ،وقال :أثمروا وأكثروا ،واملؤا األرَض ،وتسلطوا على أنواِن ( )2البحور ،وطير السماء،
واألنعام ،وعشب األرِض ،وشجرها ،وثمرها" ،فأخبر أَّن في األرِض خلقه ،وفيها أمره ،ثَّم قال:
"ونصَب الفردوس فانقسم على أربعة أنهار :سيحون وجيحون ودجلة والفرات -ثَّم ذكر الحَّية
فقال" -:وكانت أعظم دواَّب البر ،فقالت للمرأة :إَّنكما ال تموتان إن أكلُتما من هذه الشجرة"
ثَّم قال بعد كالم" :ثَّم أخرجه من شرق ( )3جنة عدن إلى األرِض التي منها ُأِخ َذ ،ثَّم قال" :قال
وهب :وكان مهبطه حين ُأْه ِبَط من جَّنة عدن في شرقي أرض الهند ،قال :واحتمل قابيُل أخاُه
حَّتى أتى به وادًيا من أودية اليمن ،في شرقي ( )4عدن ،فكمن فيه".
وقال غيره كما ( )5نقل أبو صالح عن ابن عباس في قوله تعالى{ :اْه ِبُطوا} [البقرة" ]38 :هو
كما ُيقال :هبط فالن أرض كذا
__________
( )1ص (.)12 - 8
( )2أنوان ،جمع ُنْو ن :وهو الُحْو ت .ويجمع أيًض ا على ِنْيَنان.
انظر :الصحاح ( ،)1615 /2وحاشية (ج).
( )3في "ب ،د ،هـ"" :مشرق".
( )4من قوله" :أرض الهند" إلى "شرقي" سقط من "ج".
( )5في "ب ،د ،هـ" ونسخٍة على حاشية "أ" "فيما".
()1/52
()1/53
عدن وهي من أرض اليمن ،وأخبر أَّن الَّله نصب الفردوس آلدم بَعَد ن ،ثَّم أَّك َد ذلك بأْن قال:
"األربعة األنهار التي ذكرنا منقسمٌة من الَّنهِر اَّلذي كان يسقي فردوس آدم".
قال منذر" :وقال ابن ُقَتيبة عن ابن منبه عن ُأبٍّي قال :واشتهى آدم عند موته ِقْطًف ا من الجَّنة التي
كان فيها -بزعمهم على ظهر الَّس ماء الَّس ابعة -وهو في األرِض ،فخرج أوالده يطلبون ذلك له،
حَّتى َبَّلغتهم المالئكة موته" ( )1فأوالد آدم كانوا َمَج انْين عندكم -إْن كان ما نقله ابن ُقتيبة
َح ًّق ا -يطلبون ألبيهم ثمرة جَّنة الُخ ْلِد في األرِض ؟!
قال :ونحُن لم َنُقْل ُعْش َر ما قال هؤالء ،ولو كانت جَّنة الُخ ْلد لُخ ِّلَد فيها ،ونحن استدللنا من
القرآن ،وغيرنا َقَطع واَّدعى ما ليس له عليه ُبْر َه ان".
فهذا ذكر بعض أقوال من حكى الخالف في هذه المسألة ( ، )2ونحن
__________
( )1انظر :المعارف البن قتيبة ص ( .)12وأثر ُأبي بن كعب رضي الَّله عنه أخرجه ابن قتيبة ص (
،)12والدارقطني في "السنن" ( ،)71 /2وابن سعد في "الطبقات" ،)34 - 33 /1( :وابن
المنذر في األوسط ( )370 /5وغيرهم.
من طريِق يونس بن عبيد وعثمان بن سعد عن الحسن البصري عن ُعتي ابن ضمرة عن أبي بن
كعب موقوًفا.
واألثر اختلف في رفعه ووقفه ،وفي ذكر "ُعتي بن ضمرة" وإسقاطه ،والوقف أشبه بالصواب،
والَّله أعلم.
والحديث صححه مرفوًعا الحاكُم والضياء المقدسي.
راجع تفصيل الكالِم فيه المرسل الخفي (.)629 - 603 /2
( )2قال شيخ اإلسالم ابن تيمية" :والجَّنة التي ُأسكنها آدم وزوجته عند سلف =
()1/54
نسوُق حجج الفريقين إْن شاَء الَّلُه تعالى ،ونبين ما لهم وعليهم إْن شاء الَّلُه تعالى.
__________
= األمة ،وأهل السَّنة والجماعة :هي جنة الخلد ،ومن قال إَّنها جَّنة في األرِض بأرض الهند ،أو
بأرض ُج َّدة ،أو غير ذلك فهو من المتفلسفة والمعتزلة.
والكتاب والسَّنة يرد هذا القول ،وسلف األمة وأئمتها مَّتفقون على بطالن هذا القول " . . .راجع
مجموع الفتاوى (.)349 - 347 /4
()1/55
الباب الثالث :في سياق ُحَج ج من اختاَر أَّنها جَّنة الخلد التي يدخلها الَّناس يوم القيامة ()1
قالوا :قولنا هذا هو اَّلذي فطَر الَّلُه عليه الَّناَس صغيرهم وكبيرهم ،ال يخطر بقلوبهم سواه،
وأكثُر هم ال َيْع َلم في ذلك نزاًعا.
قالوا :وقد روى مسلم في "صحيحه" ( )2من حديث أبي مالك ،عن أبي حازم عن أبي هريرة،
وأبي مالك عن ربعي عن حذيفة -رضي الَّله عنهما -قاال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه
وسلم" :-يجمع الَّله تعالى الَّناَس ،فيقوُم المؤمنون حتى ُتْز َلف ( )3لهم الجَّنة ،فيأتون آدم
فيقولون :يا أبانا :استفتح لنا الجنة :فيقول :وفل أخرجكم من الجَّنة إاَّل خطيئة أبيكم؟ " وذكر
الحديث.
قالوا :وهذا يدُّل على أَّن الجَّنة التي ُأخرج منها هي بعينها التي ُتْطَلُب منه أن يستفتحها.
وفي "الصحيحين" ( )4حديث احتجاج آدم وموسى ،وقول موسى:
__________
( )1في "ب"" :في سياق حجج من ذهب إلى أَّنها جَّنة الخلد" بداًل من قوله "في سياق" إلى
"القيامة" ،وليس في "هـ" :كلمة "سياق".
( )2رقم (.)195
( )3أي ُتَقَّر ب .انظر :النهاية.)309 /2( :
( )4أخرجه البخاري رقم ( ،)6240ومسلم رقم ( )2652من حديث أبي هريرة .وليس فيهما
هذا اللفُظ ،وإَّنما فيهما "خَّيبتنا وأخرجتنا من الجَّنة" وفي =
()1/56
()1/57
الُخ ْلِد فقالِ{ :إَّن َلَك َأاَّل َتُج وَع ِفيَه ا َو اَل َتْع َر ى (َ )118و َأَّنَك اَل َتْظَم ُأ ِفيَه ا َو اَل َتْض َح ى (} )119
[طه.]119 - 118 :
وهذا ال يكون في الدنيا أصاًل ،فإَّن الَّر جل ولو كان في أطيب منازلها فال ُبَّد أن يعرض له شيٌء
من ذلك ،وقابل سبحانه بين الجوع والُعْر ي ،والظمأ ( )1والضحى ،وذلك أحسن من المقابلة
بين الجوع والعطش ،والعري ( )2والضحى؛ فإَّن الجوَع ذُّل الباطن ،والُعري ذُّل الَّظاهِر ،والظمُأ
حُّر الباطِن ،والضحى حُّر الظاهِر ؛ فنفى عن ساكنها ذَّل الظاهر والباطن ،وحَّر الظاهر والباطن ()3
،وهذا شأن ساكن جَّنة الخلِد .
قالوا :وأيًض ا ،فلو كانت تلك الجَّنة فِي الدنيا َلَعِلَم آدُم كذب إبليس في قولهَ{ :ه ْل َأُدُّلَك َعَلى
َش َج َر ِة اْلُخ ْلِد َو ُمْلٍك اَل َيْبَلى ([ } )120طه]120 :؛ فإَّن آدم كان يعلُم أَّن ( )4الدنيا ُمنقضية
فانية ،وأَّن ملكها يبلى.
قالوا :وأيًض ا ،فهذه القصة في سورة البقرة ظاهرٌة جًّدا في أَّن الجَّنة التي ُأْخ ِرَج منها فوق الَّس ماِء ،
ِم ِل آِل ِل ِئ ِة
فإَّنه سبحانه قالَ{ :و ِإْذ ُقْلَنا ْلَم اَل َك اْسُج ُد وا َدَم َفَس َج ُد وا ِإاَّل ِإْب يَس َأَبى َو اْسَتْك َبَر َو َك اَن َن
اْلَك اِفِر يَن (َ )34و ُقْلَنا َياآَدُم اْس ُك ْن َأْنَت َو َز ْو ُج َك اْلَج َّنَة َو ُكاَل ِم ْنَه ا َر َغًد ا َحْيُث ِش ْئُتَم ا َو اَل َتْق َر َبا
َه ِذِه الَّش َج َر َة َفَتُك وَنا
__________
( )1ليس في "ب".
( )2في "هـ"" :والظمأ" وهو خطأ.
( )3جاء في "ب" بعد قوله "والباطن" ما نصه" :وذلك أحسن من المقابلة بين الجوع والعطِش
والعري والضحى".
( )4ليس في "ب".
()1/58
ِم َن الَّظاِلِم يَن (َ )35فَأَز َّلُه َم ا الَّش ْيَطاُن َعْنَه ا َفَأْخ َر َجُه َم ا ِم َّم ا َك اَنا ِفيِه َو ُقْلَنا اْه ِبُطوا َبْع ُضُك ْم ِلَبْع ٍض
ِل ِم ِح
َعُد ٌّو َو َلُك ْم ِفي اَأْلْر ِض ُمْس َتَقٌّر َو َم َتاٌع ِإَلى يٍن (َ )36فَتَلَّق ى آَدُم ْن َر ِّبِه َك َم اٍت َفَتاَب َعَلْيِه ِإَّنُه
ُه َو الَّتَّو اُب الَّر ِح يُم ([ } )37البقرة.]37 - 34 :
فهذا إهباط آدم وحواء وإبليس من الجَّنِة ،ولهذا أتى فيه بضمير الجمِع .
وقد قيَل :إَّن الخطاب لهما وللحَّية .وهذا ضعيٌف جًّدا ،إذ ال ذكر للحَّية في شيٍء من قَّصة آدم،
وال في الِّس ياِق ما يدُّل عليها.
وقيل :الخطاُب آلدَم وحَّو اء ،وأتى فيه بضمير الجمع كقوله تعالىَ{ :و ُك َّنا ِلُح ْك ِم ِه ْم َش اِهِد يَن }
[األنبياء ،]78 :وهَم ا داود وسليمان.
وقيل :آلدم وحواء وذريتهما.
وهذه األقوال ضعيفة غير األَّو ل؛ ألَّنها بين قوٍل ال دليَل عليه ،وبين ما يدُّل اللفُظ على خالفه،
فثبت أَّن إبليس داخٌل في هذا الخطاِب ،وأَّنه من الُم ْه َبِط ْين.
ِت ِم ِب ِم
فإذا تقَّر ر هذا ،فقد كَّر ر سبحانه اإلهباط ثانًيا بقوله تعالىُ{ :قْلَنا اْه ُطوا ْنَه ا َج يًعا َفِإ َّما َيْأ َيَّنُك ْم
ِم ِّني ُه ًد ى َفَمْن َتِبَع ُه َد اَي َفاَل َخ ْو ٌف َعَلْيِه ْم َو اَل ُه ْم َيْحَز ُنوَن ([ } )38البقرة.]38 :
والَّظاهُر أَّن هذا ( )1اإلهباط الثاني غيُر األَّو ل ،وهو إهباط من
__________
( )1ليس في "أ".
()1/59
السماء إلى األرِض ،واألَّو ل إهباط من الجَّنة ،وحينئٍذ فتكون الجَّنة التي ُأْه ِبُطوا منها أَّو اًل فوق
الَّس ماِء = جنة الخلِد .
وقد ظَّن الزمخشري أَّن قوله تعالى{ :اْه ِبُطوا ِم ْنَه ا َج ِم يًعا} [البقرة ]38 :خطاب ( )1آلدم وحواء
خاَّصة ،وعَّبر عنهما بالجمع الْس ِتْتباعهما ُذِّر َّياتهما ،قال" :والدليَل عليه قوله تعالىَ{ :قاَل اْه ِبَطا
ِل ِم ِم
ْنَه ا َج يًعا َبْع ُضُك ْم َبْع ٍض َعُد ٌّو } [طه ،]123 :قال :ويدل على ذلك قوله تعالىَ{ :فَمْن َتِبَع
ُه َد اَي َفاَل َخ ْو ٌف َعَلْيِه ْم َو اَل ُه ْم َيْحَز ُنوَن (َ )38و اَّلِذ يَن َكَف ُر وا َو َك َّذ ُبوا ِبآَياِتَنا ُأوَلِئَك َأْص َح اُب الَّناِر
ُه ْم ِفيَه ا َخ اِلُد وَن ([ } )39البقرة ،]39 - 38 :وما هو إال حكم يعّم الَّناس كلهم ،ومعنى قوله:
{َبْع ُضُك ْم ِلَبْع ٍض َعُد ٌّو } ما عليه الَّناُس من الَّتعادي والَّتباغي وتضليل بعضهم بعضا" (. )2
وهذا اَّلذي اختاره أضعف األقوال في اآلية ،فإَّن ( )3العداوة التي ذكرها الَّلُه تعالى إَّنما هَي بين
آدم وإبليس وذريتهما ،كما قال الَّله تعالىِ{ :إَّن الَّش ْيَطاَن َلُك ْم َعُد ٌّو َفاَّتِخ ُذ وُه َعُد ًّو ا} [فاطر،]6 :
وهو سبحانه قد أَّك د َأْم َر العداوِة بين الشيطان ( )4واإلنسان ،وأعاد وأَّبد (ِ )5ذ ْك َر َه ا في القرآن
ِلِش َّد ِة الحاجة إلى التحرز من هذا العدو ،وأَّما آدم وزوجته ،فإَّنه إَّنما أخبر في
__________
( )1ليس في "ب".
( )2انظر :الكَّش اف (.)128 /1
( )3في "ب"" :ألَّن ".
( )4من قوله "لكم عدو فاتخذوه" إلى "الشيطان" سقط من "ب ،ج".
( )5في "ب ،د"" :وأْبدى" ،وسقط من "ج".
()1/60
كتابه أَّنه خلقها ليسكن إليها ،وجعل بينهما مودة ورحمة ،فالمودُة والرحمة بين الرجل وزوجته (
، )1والعداوة بين اإلنساِن والشيطان.
وقد تقَّدم ذكر آدم وزوجه وإبليس وهم ثالثة ،فلماذا يعود الضميُر على بعض المذكور -مع
منافرته لطريق الكالم -دون جميعه ،مع أَّن اللفظ والمعنى يقتضيه ،فلم يصنع الزمخشري شيًئا.
وأَّم ا قوله تعالى في سورة طهَ{ :قاَل اْه ِبَطا ِم ْنَه ا َج ِم يًعا َبْع ُضُك ْم ِلَبْع ٍض َعُد ٌّو } [طه .]123 :وهذا
خطاب آلدم وحَّو اء ،وقد جعَل بعضهم عدًّو ا لبعٍض :فالضمير في قوله{ :اْه ِبَطا} إَّما أْن يرجَع إلى
آدم وزوجه ،أو إلى آدَم وإبليس ،ولم يذكر الزوجة؛ ألَّنها تبع ( )2له وعلى هذا ،فالعداوة
المذكورة للمخاطبين باإلهباط ،وهما :آدم وإبليس ،فاألمر ( )3ظاهر ،وأَّما على األَّو ل ،فتكون
اآلية قد اشتملت على أمرين:
أحدهما :أمره تعالى آلدم وزوجه بالهبوط.
والثاني :إخباره بالعداوة بين آدم وزوجه ،وبين إبليس؛ ولهذا أتى بضمير الجمع في الثاني دون
األَّو ل ،وال بَّد أن يكون إبليُس داخاًل في حكِم هذه العداوة قطًعا ،كما قال تعالىِ{ :إَّن َه َذ ا َعُد ٌّو
َلَك َو ِلَز ْو ِج َك } [طه ،]117 :وقال للذريةِ{ :إَّن الَّش ْيَطاَن َلُك ْم َعُد ٌّو َفاَّتِخ ُذ وُه َعُد ًّو ا} [فاطر.]6 :
__________
( )1في "ب ،ج ،د"" :وامرأته".
( )2ليس في "أ".
( )3في "ج"" :باألمر" ،وفي "أ ،هـ"" :فباألمر".
()1/61
وتأَّمل كيَف اَّتفقت المواضع التي فيها ِذ ْك ُر العداوِة على ضمير الجمِع دون التثنية؟
وأَّم ا اإلهباط :فتارة ُيْذ َك ُر ( )1بلفِظ الجمع ،وتارًة بلفِظ التثنية ،وتارة بلفِظ اإلفراِد ،كقوله في
سورة األعرافَ{ :قاَل َفاْه ِبْط ِم ْنَه ا} [األعراف ]13 :وكذلك في سورة (ص) ،وهذا إلبليس
وحده.
وحيُث ورَد بصيغة الجمع :فهو آلدم وزوجه وإبليس ،إْذ مدار القَّصة عليهم.
وحيث ورَد بلفظ التثنية :فإَّم ا أن يكون آلدم وزوجه ،إذ هما اَّللذاِن باشرا األكَل من الشجرة،
وأقدما على المعصية.
وإَّما أْن يكون آلدَم وإبليس ،إذ هما َأَبَو ا الثقلين ،وأْص ال الُّذ رَّية ،فذكر حالهما ،وما آل إليه
أمرهما ليكون عظًة وعبرة ألوالدهما ،وقد ُح ِكيت القوالن في ذلك.
واَّلذي يوضح أَّن الضمير في قولهَ{ :قاَل اْه ِبَطا ِم ْنَه ا َج ِم يًعا} [طه ]123 :آلدم وإبليس ،أَّن ()2
الَّله سبحانه لَّم ا ذكَر المعصيَة أفرد بها آدم دون زوجه ،فقالَ{ :و َعَص ى آَدُم َر َّبُه َفَغَو ى ()121
ُثَّم اْج َتَباُه َر ُّبُه َفَتاَب َعَلْيِه َو َه َد ى (َ )122قاَل اْه ِبَطا ِم ْنَه ا َج ِم يًعا} [طه .]123 - 121 :وهذا
يدُّل على أَّن المخاطب باإلهباِط هو آدم ومن زين له المعصية ،ودخلت الزوجة تبًعا ،فإَّن
المقصوَد إخبار الَّله سبحانه للثقلين بما جرى على أبويهما من
__________
( )1في "ج ،هـ"" :يذكره".
( )2في "ب ،د"" :ألَّن ".
()1/62
شؤم المعصية ومخالفة األمر ( ، )1فذكر أبويهما أبلُغ في حصوِل هذا المعنى ،من ِذ ْك ر َأَبَو ي
اإلنس فقط.
وقد أخبر سبحانه عن الزوجة بأَّنها أكلت مع آدم ،وأخبر أَّنه أهبطه وأخرجه من الجَّنة بتلك
األكلة ،فُعِلَم أَّن ُح ْك َم الزوجة كذلك ،وأَّنها صارت إلى ما صار إليه آدم.
فكان تجريد العناية إلى ذكر حال أبوي الثقلين أولى من تجريده إلى ذكر أبي اإلنِس وُأَّمهم،
فتأمله.
وبالجملِة فقوله تعالى{ :اْه ِبُطوا َبْع ُضُك ْم ِلَبْع ٍض َعُد ٌّو } [األعراف ]24 :ظاهٌر في الجمع (، )2
فال يسوغ حمله على االثنين في قوله تعالى{ :اْه ِبَطا} [طه ]123 :من غير موجب.
قالوا :وأيًض ا ،فالجَّنة جاءت ُمَعَّر فًة بالم التعريِف في جميع المواضع ،كقوله{ :اْس ُك ْن َأْنَت
َز َك اْل َّنَة} [البقرة .]35 :ونظائره ،وال جَّنة يعهدها المخاطبون ويعرفونها إاَّل جَّنة الخلِد
َو ْو ُج َج
التي وعد الَّر حمن عباده بالغيب ،فقد صاَر هذا االسُم َعَلًم ا عليها بالغلبِة :كالمدينِة والَّنجِم
والبيت والكتاب ونظائرها ،فحيُث ورد لفظها ُمَعَّر ًفا انصرف إلى الجَّنِة المعهودِة المعلومِة في
قلوِب المؤمنين.
وأَّما إْن ُأريَد به جَّنة غيرها فإَّنها تجيُء منَّك رًة أو مقَّيدًة باإلضافة (، )3
__________
( )1في "ج"" :اآلِم ر" وكالهما صحيح.
( )2في "ج ،هـ"" :الجميع" وكالهما صحيح.
( )3قوله" :أو مقيدة باإلضافة" سقطت من "ب".
()1/63
أو مقَّيدًة من الِّس ياِق بما يدل على أَّنها جنٌة في األرِض .
فاألَّو ل :كقولهَ{ :ج َّنَتْيِن ِم ْن َأْعَناٍب } [الكهف.]32 :
والثاني :كقولهَ{ :و َلْو اَل ِإْذ َدَخ ْلَت َج َّنَتَك } [الكهف.]39 :
والثالث :كقولهِ{ :إَّنا َبَلْو َناُه ْم َك َم ا َبَلْو َنا َأْص َح اَب اْلَج َّنِة} [القلم.]17 :
قالوا :ومَّم ا يدُّل على أَّن جَّنة آدم هي جَّنة المأوى :ما روى هوَذة بن خليفة عن عوف ،عن َقَس اَمة
بن زهير عن أبي موسى األشعري -رضي الَّله عنه -قال" :إَّن الَّلَه تعالى لَّم ا أخرج آدم من الجَّنة
زَّو ده من ثمار الجَّنة ،وعَّلمه صنعة كَّل شيء ،فثماركم هذه من ثمار الجَّنة ،غير أَّن هذه َتَغَّير،
وتلك ال تغَّير ()2( " )1
__________
( )1في "هـ"" :تتغَّير ،وتلك ال تتغَّير" ،وكذا عند ابن أبي حاتم في تفسيره.
( )2أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ،)66 /1( :والطبري في "تفسيره" ( ،)175 /1وابن أبي
حاتم في تفسيره رقم ( ،)421والحاكم في المستدرك ( )592 /2رقم ( ،)3996والبيهقي في
البعث والنشور رقم ( ،)198والبَّز ار في مسنده رقم ( ،)3030وابن عساكر في تاريخه (/7
.)410
من طريق هوذة ومعمر وغندر وعبد الوهاب ومحمد بن ثور وابن أبي عدي كلهم عن عوف به
فذكره موقوًفا.
ورواه ِر ْبِعي بن ُعَلَّية والعباُس بن الفضل األنصاري كالهما عن عوف به مثله مرفوًعا.
أخرجه البزار /8( :رقم ،)3029والروياني في مسنده رقم (.)567
والصواُب أَّنه موقوٌف على أبي موسى األشعري ،أَّم ا ربعي فقد أخطأ فيه ،وأَّما العَّباُس األنصاري
فمتروك الحديث ،ولهذا قال البَّز ار" :وهذا الحديُث قد رواه غيُر واحٍد عن عوف عن قسامة عن
أبي موسى موقوًفا ،وال =
()1/64
قالوا :وقد ضمن الَّلُه سبحانه وتعالى له إْن تاَب إليِه ،وأناب أْن يعيده إليها ،كما روى الِم ْنهال عن
ِم ِه ِل ٍت
سعيد بن ُج بير ،عن ابن عباس رضي الَّلُه عنهما في قوله تعالىَ{ :فَتَلَّق ى آَدُم ْن َر ِّب َك َم ا َفَتاَب
َعَلْيِه} [البقرة .]37 :قال :يا رَّب ألم تخلقني بيدك؟ قال :بلى ،قال :أْي رِّب ألم تنفخ فَّي من
روحك؟ قال :بلى ،قال :أْي رِّب ألم ُتْس ِكَّني جنتك؟ قال :بلى ،قال :أْي رِّب ألم تسبق َر ْح َم تك
َغَض َبَك ؟ قال :بلى ،قال أرأيَت إن تبُت وأصلحُت أراجعي أنت إلى الجَّنة؟ قال :بلى ،قال :فهو
قوله تعالىَ{ :فَتَلَّق ى آَدُم ِم ْن َر ِّبِه َك ِلَم اٍت َفَتاَب َعَلْيِه} (. )1
وله طرق عن ابن عباس ( ، )2وفي بعضها" :كأَّن آدم قال لربه إْذ عصاُه :رِّب إْن أنا ُتْبُت
وأصلحُت ،فقال له رُّبه :إِّني راجُعك إلى الجَّنة" (. )3
فهذه بعض ما احتَّج به القائلون بأَّنها جَّنة الخلد ،ونحن نسوُق ُح جج اآلخرين.
__________
= نعلُم أحًد ا رفعه إاَّل ربعي".
واألثر صَّح حُه موقوًفا الحاكم فقال" :صحيح اإلسناِد ،ولم يخِّر جاُه".
( )1أخرجه الطبري في تفسيره ،)243 /1( :واآلجري في الشريعة)1182 - 1181 /3( :
رقم ( ،)755والحاكم في المستدرك ( )594 /2رقم (.)4002
من طريق ابن أبي ليلى والحسن بن صالح عن المنهال به مثله.
قال الحاكُم" :هذا حديٌث صحيح اإلسناِد ،ولم يخرجاه" .وهو كما قال.
( )2عند ابن أبي حاتم في تفسيره رقم ( ،)411والطبري (.)243 /1
( )3عند الطبري )243 /1( :وال يثبت سنده.
()1/65
الباب الَّر ابع في سياق حجج الطائفة التي قالت :ليست جَّنة الخلِد ،وإَّنما هي جَّنٌة في األرِض
قالوا :هذا قول تكثر الَّدالئُل الموجبة للقول به ،فنذكر بعضها.
قالوا :قد أخبَر الَّلُه سبحانه على لسان جميع رسله :أَّن جنة الُخ لد إَّنما يكون الدخول إليها يوم
القيامة ،ولم يأت زمن دخولها َبْع ُد ،وقد وصفها الَّلُه سبحانه وتعالى لنا في كتابه بصفاتها ،وُمحال
أن يصف الَّلُه سبحانه وتعالى شيًئا بصفة ،ثَّم يكون ذلك الشيء بغير تلك الصفة التي وصفها به.
قالوا :فوجدنا الَّله تعالى وصف الجَّنة التي ُأِع َّدت للمتقين بأَّنهاَ{ :داَر اْلُم َق اَمِة} [فاطر،]35 :
فمن دخلها أقام بها ،ولم يقم آدم بالجَّنة التي دخلها.
ووصفها بأَّنهاَ{ :ج َّنُة اْلُخ ْلِد } [الفرقان .]15 :وآدم لم ُيَخ َّلد فيها.
ووصفها بأَّنها :دار ثواٍب وجزاٍء ،ال دار تكليف وأمٍر ونهي.
ووصفها بأَّنها ( :)1دار سالمٍة مطلقٍة ،ال دار ابتالٍء وامتحاٍن ،وقد ابتلي فيها آدم بأعظم االبتالء.
ووصفها بأَّنها :داٌر ال ُيعصى الَّلُه فيها أبًد ا ،وقد عصى آدُم رَّبه في
__________
( )1سقط من "ج".
()1/66
()1/67
،]30ولم يقل :إِّني جاعل في جَّنة المأوى ،فقالت المالئكةَ{ :أَتْجَعُل ِفيَه ا َمْن ُيْف ِس ُد ِفيَه ا
َو َيْس ِف ُك الِّد َماَء} [البقرة ]30 :ومحال أْن يكون هذا في جنة المأوى.
وقد أخبر الَّلُه سبحانه عن إبليس أَّنه قال آلدَمَ{ :ه ْل َأُدُّلَك َعَلى َش َج َر ِة اْلُخ ْلِد َو ُمْلٍك اَل َيْبَلى (
[ } )120طه.]120 :
فإن كان ( )1الَّلُه سبحانه وتعالى قد أسكَن آدم جنة الخلد والُم لك اَّلذي ال َيْبَلى ،فكيف ال ()2
يرد عليه ويقول له :كيف َتُد ُّلني على شيٍء أنا فيه ،وقد ُأْع ِط يُته ،ولم يكن الَّلُه سبحانه وتعالى قد
أخبر آدم إذ أسكنه الجَّنة أَّنه فيها من الخالدين ،ولو علم أَّنها دار الخلد لما ركن إلى قول
إبليس ،وال مال إلى نصيحته ،ولكَّنه لما كان في غير دار خلوٍد غَّر ُه بما أطمعه ( )3فيه من
الُخ ْلِد .
قالوا :ولو كان آدم ُأْس ِكَن جنة الخلد ،وهي دار الُقدس التي ال يسكنها إاَّل طاهٌر مقَّد ٌس ،فكيف
توَّص ل إليها إبليُس الرجس النجس المذموم الَم ْد ُح ور ،حتى فتن فيها آدم عليه السالم ووسوس
له؟ وهذه الوسوسة :إَّما أْن تكون في قلبه ،وإَّما أْن تكوَن في ُأُذِنِه ،وعلى التقديرين ،فكيف
توصَل اَّللعيُن إلى دخول دار المتقين.
وأيًض ا؛ فبعد أْن قيَل لهَ{ :فاْه ِبْط ِم ْنَه ا َفَم ا َيُك وُن َلَك َأْن َتَتَكَّبَر ِفيَه ا}
__________
( )1ليس في "ج".
( )2من "أ" ،وفي باقي النسخ "لم".
( )3في "ج"" :أطعمه" وهو خطأ.
()1/68
[األعراف ،]13 :أيفسح له أْن يرقى إلى جنة المأوى فوق الَّس ماء الَّس ابعة بعد السخط عليه،
واإلبعاِد له ،والَّد ْح ر ( )1والطرد بُعُتَّو ِه ( )2واستكباره ،وهل هذا يالئم قولهَ{ :فَم ا َيُك وُن َلَك َأْن
َتَتَكَّبَر ِفيَه ا} فإْن كانت مخاطبته آلدم بما خاطبه به وقاسمه عليه ليست َتَكُّبًر ا ،فما التكبر بعد
هذا؟!
فإْن قلتم :فلعَّل وسوسته وصلْت إلى األبوين ،وهو في األرِض ،وهما فوق السماء في عليين =
فهذا غير معقوٍل لغة وال حًّس ا وال ُعْر ًفا.
وإن زعمتم أَّنه دخَل في بطن الحَّية حتى أوصل إليهما الوسوسة = فأبطُل وأبطُل ،إذ كيف َيْر قى
( )3بعد اإلهباِط له إلى أْن يدخل الجَّنة ،ولو في بطن الحَّية؟!
وإْن قلتْم :إَّنه دخَل في قلوبهما ،ووسوس إليهما = فالمحذور قائم.
وأيًض ا؛ فإَّن الَّلَه سبحانه وتعالى حكى ( )4مخاطبته لهما كالًم ا سمعاُه شفاًه ا ،فقالَ{ :م ا َنَه اُك َم ا
َر ُّبُك َم ا َعْن َه ِذِه الَّش َج َر ِة} [األعراف ،]20 :وهذا دليٌل على مشاهدته لهما وللَّش جرة ،ولَّم ا كان
آدم خارًج ا من الجَّنة وغير ساكن فيها قال الَّله تعالى لهَ{ :أَلْم َأْنَه ُك َم ا َعْن ِتْلُك َم ا الَّش َج َر ِة}
__________
( )1في "ج"" :والزجر" ،وفي "هـ"" :والدحور".
( )2في حاشية "ج" ما نُّصه" :الُعتو :التجاوز عن الحَّد" ،ووقع في "هـ"" :لعتَّو ه".
( )3في "ب ،د"" :ترَّقى".
( )4جاء في نسخٍة على حاشية "أ"" :حكى عن".
()1/69
ِذِه
[األعراف ]22 :ولم يقل عن هذه الشجرة ،فعندما قال لهماَ{ :ما َنَه اُك َم ا َر ُّبُك َم ا َعْن َه
الَّش َج َر ِة} [األعراف ]20 :لما أطمعهما في ُمْلكها ،والخلود في مقَّر ها أتى باسم اإلشارة بلفظ
الحضور ،تقريًبا لها ،وإحضاًر ا لها عندهما ،وربهما تعالى قال لهماَ{ :أَلْم َأْنَه ُك َم ا َعْن ِتْلُك َم ا
الَّش َج َر ِة} [األعراف ،]22 :ولَّم ا أراد إخراجهما منها ،فأتى باسم اإلشارِة بلفظ الُبعد والغيبة،
كأَّنهما لم يبق لهما من الجَّنة حتى وال مشاهدة الشجرة التي ُنهيا عنها.
وأيًض ا؛ فإَّنه سبحانه قالِ{ :إَلْيِه َيْصَعُد اْلَك ِلُم الَّطِّيُب } [فاطر ]10 :ووسوسة اللعين من أخبث
الَك ِلم ،فال يصعد إلى محل القدس.
قال منذر" :وقد روي عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم" :-أَّن آدَم عليه السالم ناَم في جنته" ()1
.وجنة الُخ ْلد ال نوم فيها بالَّنص ،وإجماع المسلمين ،فإَّن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلمُ -س ِئَل:
أيناُم أهُل الجَّنة في الجَّنة؟ قال" :ال ،النوُم أخو الموِت " ( )2والنوم وفاٌة ،وقد نطق به القرآن،
والوفاة َتَق ُّلُب حاٍل ،ودار
__________
( )1لم أقف عليه مرفوًعا.
وسيذكر المؤلف أَّنه جاء عن مجاهد.
( )2أخرجه البزاُر في مسنده ،كما في "كشف األستار" ،)3517 /4( :وأبو الشيخ األصبهاني
في تاريخ أصبهان رقم ( 353و )477وغيرهما.
من طريق الفريابي والحسين بن حفص وغيرهما عن الثوري عن محمد ابن المنكدر عن جابر
فذكره مرفوًعا.
وهذا خطٌأ على الثوري ،والصواب أَّن الحديَث مرسل ليس فيه جابر بن عبد الَّلِه.
هكذا رواه وكيع وجرير وابن المبارك واألشجعي وقطبة وعبيد الَّله بن موسى ،والفريابي -في
الرواية الراجحة عنه -ومخلد بن يزيد وقبيصة كلهم =
()1/70
()1/71
عليه الَّس الم الِّس نة ،ثَّم ُأِخ َذ ضلًع ا من أضالعه من شقه األيسر ،وألم مكانه لحًم ا ،وآدم نائٌم ،لم
َيُه َّب من نومته ،حتى خلق الَّلُه من ضلعه تلك زوجته حواء ،فسواها امرأًة يسكن إليها ،فلَّم ا
كشف عنه الَّس نة ،وَه َّب من نومته رآها إلى جنبه فقال :لْح مي ودمي وزوجي ( ، )1فسكن إليها"
(. )2
قالوا :وال نزاع أَّن الَّلَه سبحانه وتعالى خلَق آدم في األرِض ،ولم َيْذكر في موضع واحٍد أصاًل أَّنه
نقله إلى السماء بعد ذلك ،ولو كان قد نقله بعد ذلك إلى الَّس ماِء لكان هذا أولى بالذكر؛ ألَّنه من
أعظم اآليات ،ومن أعظم الَّنَعِم عليه ،فإَّنه كان ِم ْع راًج ا ببدنه وروحه من األرِض إلى فوق
السماوات.
قالوا :وكيف نقله سبحانه ويسكنه فوق الَّس ماِء ،وقد أخبر مالئكته أَّنه جاِع ُلُه في األرِض خليفًة (
، )3وكيف يسكنه دار الخلد التي من دخلها ُيَخ َّلُد فيها ،وال يخرج منها؟ قال تعالىَ{ :و َم ا ُه ْم
ِم ْنَه ا ِبُم ْخ َر ِج يَن ([ } )48الحجر.]48 :
قالوا :ولو لم يكن َمَعَنا في المسألة إاَّل أَّن الَّلَه سبحانه أهبط إبليس من الَّس ماِء حين امتنع من
السجود آلدم عليه السالم ،وهذا أمر تكوين
__________
( )1في "هـ"" :وزوجتي" ،وفي "ب ،د"ُ" :ر وحي".
( )2أخرجه الطبري في تفسيره.)230 /1( :
وهو ال يثبت عن ابن عباٍس ؛ لعدم معرفة الواسطة بين ابن إسحاق وابن عباس؛ وألَّن شيخ الطبري
ابن حميد ،متكلٌم فيه.
( )3من المطبوعة.
()1/72
ال يمكن وقوع خالفه ،ثَّم أدخل آدم عليه السالم الجَّنة بعد هذا ،فإَّن األمَر بالسجود كان عقيب
خلقه من غير فصل ،فلو كانت الجَّنة ( )1فوق السماوات لم يكن إلبليس سبيٌل إلى صعوِد ه
إليها ،وقد ُأهِبَط منها.
وأَّم ا تلك التقادير التي قَّدرتموها فتكُّلفات ظاهرة:
كقول من قال :يجوز أْن يصعد إليها صعوًدا عارًض ا ال مستقًّر ا.
وقول من قال :أْدَخ َلْته الحَّية.
وقول من قال :دخل في أجوافهما (. )2
وقول من قال :يجوُز أن تصل وسوسته إليهما وهو في األرِض ،وهما فوق الَّس ماء.
وال يخفى ما في ذلك من التعسف الَّش ديد ،والتكلف البعيد ،وهذا بخالف قولنا ،فإَّنه لما أهبطه
سبحانه من ملكوت السماء حيث لم يسجد آلدم عليه السالم ُأْش ِر َب عداوته ،فلَّم ا أسكنه جنته
حسده عدوه ،وسعى بكيِدِه وغروره في إخراجه منها ،والَّلُه أعلم.
قالوا :ومَّم ا يدُّل على أَّن جَّنة آدم لم تكن جنة الخلِد التي ُو ِع َد المتقون :أَّن الَّلَه سبحانه لما خلقه
أعلمه أَّن ِلُعُم ِر ِه أجاًل ينتهي إليه ،وأَّنه لم يخلقه للبقاِء ،كما روى الترمذي في "جامعه" من حديث
أبي هريرة -رضي الَّله عنه -قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-لما َخ َلَق الَّلُه
__________
( )1في "أ ،ج"" :الحَّية" وهو خطأ ،وصوب ناسخ "أ" أنها "الجنة".
( )2في "ب" :و"أجوافها".
()1/73
آدم ونفَخ فيه من الروح عطس ،فقال :الحمُد لَّلِه ،فحمَد الَّله ( )1بإذنه ،فقال له رُّبه :يرحمك
الَّله يا آدُم ،اذهب إلى أولئك المالئكة إلى مأل منهم جلوس فقل :السالم عليكم قالوا :وعليك
الَّس الم ( ، )2ثَّم رجع إلى رَّبه فقال :إَّن هذه الَّتحية ( )3تحيتك وتحية َبِنْيك بينهم ،فقال الَّلُه له
ويداه مقبوضتان :اختر أيهما شئت ،فقال :اخترت يمين ربي -وكلتا َيَد ي رِّبي يميٌن مباركة -ثَّم
بسطها فإذا فيها آدم وذريته ،فقال :يا رب ما هؤالِء ؟ قال :هؤالء ُذَّر يُتك ،فإذا كُّل إنساٍن
مكتوٌب ُعُم ره بين عينيه ،فإذا رجٌل أضوؤهم ،أو من أضوئهم قال :يا رَّب من هذا؟ قال :هذا
ابُنك داود ،وقد َك تبُت َلُه ُعُم ر أربعين سنًة ،قال :يا رِّب زْد في عمره ،قال :ذلك اَّلذي كتبُت له،
قال :رَّب ،فإَّني قد جعلُت له من ُعُم ري ِس َّتين سنة ،قال :أنت وذاك ،قال :ثَّم ُأسِكَن آدم الجَّنة ما
شاَء الَّلُه ،ثَّم ُأْه بط منها ،فكان آدم َيُعُّد ِلَنْف ِس ِه :فأتاُه َم َلُك الموِت فقال له آدم :قد عجلَت قد
ُك ِتَبْت لي ألُف سنٍة ،قال :بلى ،ولكَّنك جعلَت البنك داوَد ستين سنة ،فجَح َد فجحدت ذريته،
وَنِس َي فنسيت ُذَّر يُته ،قال :فمن يومئٍذ ُأِم َر بالكتاب والُّش هوِد " (. )4
__________
( )1قوله" :فحمد الَّله" من الترمذي وغيره.
( )2قوله" :قالوا :وعليك الَّس الم" من الترمذي.
( )3في "ب ،د"" :هذه تحيتك." . . .
( )4أخرجه الترمذي برقم ( ،)3368والنسائي في عمل اليوم والليلة رقم ( ،)218وابن أبي
عاصم في "السنة" رقم ( ،)206وابن حبان في صحيحه رقم ( ،)6167والحاكم في المستدرك:
( )133 - 132 /1رقم ( )214وغيرهم.
من طريق الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ُذباب عن سعيد المقبري عن =
()1/74
قال" :هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه ،وقد ُر ِو َي من غير وجٍه عن أبي هريرة" (. )1
قالوا :فهذا صريٌح في أَّن آدَم عليه السالم لم ُيْخ َلق في دار البقاِء التي ال يموت من دخلها ،وإَّنما
ُخ ِلَق في دار الفناء التي جعل الَّلُه تعالى لها ولُس َّك اِنها أجاًل معلوًم ا ،وفيها ُأْس ِكَن .
فإْن قيَل :فإذا كان آدُم عليه السالم قد علم أَّن له عمًر ا ُمَق َّد ًر ا ،وأجاًل ينتهي إليه ،وأَّنه ليَس من
الخالدين ،فكيف لم َيْع َلْم َك ذَب إبليس في قولهَ{ :ه ْل َأُدُّلَك َعَلى َش َج َر ِة اْلُخ ْلِد } [طه]120 :؟
وقولهَ{ :أْو َتُك وَنا ِم َن اْلَخ اِلِد يَن ([ } )20األعراف.]20 :
__________
= أبي هريرة فذكر.
والحديث تفَّر د به الحارث -وهو صدوٌق يهم -عن المقبري ،كما أشار إليه الترمذي بقوله. ." :
غريب".
لكن أعَّله النسائي بأَّن هذا خطأ ،وأَّن الصواب ما رواه ابن عجالن عن سعيد المقبري عن أبيه عن
عبد الَّله بن سالم فذكره موقوًفا مختصًر ا إلى قوله" :هذه تحيتك وتحية ذريتك".
( )1رواه أبو صالح وأبو سلمة والشعبي ويزيد بن هرمز كلهم عن أبي هريرة مختصًر ا.
أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم ( )220وغيره.
لكن قال النسائي" :وهو منكر".
وله طريق آخر عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوًعا مختصًر ا.
أخرجه ابن سعد )28 - 27 /1( :وغيره.
()1/75
فالجواُب من وجهين:
أحدهما :أَّن الُخ لد ال يستلزم الدوام والبقاء ،بل هو المكث الطويل ،كما سيأتي (. )1
الثاني :أَّن إبليس لما حلف لُه ،وَغَّر ه وأطمعه في الخلود نسي ما ُقَّد َر له من ُعُم ره.
قالوا :وأيًض ا فمن المعلوم اَّلذي ال ينازع فيه مسلٌم أَّن الَّله سبحانه خلق آدم عليه السالم من تربة
ِم ٍة ِم ِط ِم
هذه األرض ،وأخبر أَّنه خلقه { ْن ُس اَل َل ْن يٍن ([ } )12المؤمنون ،]12 :وأَّنه خلقُه { ْن
َص ْلَص اٍل ِم ْن َحَم ٍإ َمْس ُنوٍن ([ } )26الحجر .]26 :فقيل :هو اَّلذي له صلصلة لُيْبِس ِه.
وقيل :هو اَّلذي قد َتَغَّيرت رائحته ،من قولهمَ :ص َّل اللحم إذا تغَّيَر .
والَحَم ُأ :الِّطْيُن األسود الُم َتَغير .والَمْس ُنون :الَم ْص ُبوب.
وهذه كلها أطوار للتراب اَّلذي هو مبدؤه األَّو ل ،كما أخبَر عن أطوار خلق الذرية {ِم ْن ُنْطَف ٍة ُثَّم
ِم ْن َعَلَق ٍة ُثَّم ِم ْن ُمْضَغٍة} [الحج ]5 :ولم يخبر سبحانه وتعالى أَّنه رفعه من األرِض إلى فوق
السماوات ،ال قبل الَّتْخ ِليق وال بعده ،فأين الدليل الَّداُّل على إْص عاد ماَّدته ،أو إصعاده ( )2هو
بعد خلقه ،وهذا ما ال دليل لكم عليه ،وال هو الِز ٌم من لوازم ما
__________
( )1ص (.)784 ،82
( )2في "ب ،ج"" :وإْصَعاده".
()1/76
أخبر الَّلُه به؟
قالوا :ومن المعلوم أَّن ما فوق السماوات ليس بمكان للطين األرضي المتغير الَّر ائحة اَّلذي قد
أْنَتن من تغيره ،وإَّنما محل هذا األرِض التي هي محل الُم َتغَّيرات الفاسدات ،وأَّما ما فوق األفالك
فال يلحقه َتَغُّير وال َنَتٌن وال فساٌد ( )1وال استحالة ،فهذا أمٌر ال يرتاُب فيه العقالء.
قالوا :وقد قال الَّلُه تعالىَ{ :و َأَّما اَّلِذ يَن ُس ِعُد وا َفِف ي اْلَج َّنِة َخ اِلِد يَن ِفيَه ا َم ا َداَمِت الَّس َم اَو اُت
َو اَأْلْرُض ِإاَّل َم ا َش اَء َر ُّبَك َعَطاًء َغْيَر َمْج ُذ وٍذ ([ } )108هود ،]108 :فأخبر سبحانه أَّن عطاء
جنة الخلد غير مجذوذ.
قالوا :فإذا ُج ِم َع ما أخبر الَّلُه سبحانه به من أَّنه خلقه من األرِض ،وجعله خليفة في األرِض ،وأَّن
إبليس وسوس إليه في مكانه اَّلذي أسكنه فيه ،بعد أْن أهبطه من السماء بامتناعه من السجود له،
وأَّنه أخبر مالئكته أَّنه {َج اِع ٌل ِفي اَأْلْر ِض َخ ِليَفًة} [البقرة ،]30 :وأَّن دار الخلد :دار جزاء
وثواٍب على االمتحان والَّتكاليف ،وأَّنها ال لغَو فيها وال تأثيم وال ِكَّذ اًبا ،وأن من دخلها ال يخرج
منها ،وال َيْبُؤ س وال يحزن ،وال يخاف وال يناُم ،وأَّن الَّلَه حرمها على الكافرين ،وإبليس رأس
الكفر ،فإذا ُج ِم َع ذلك بعضه إلى بعٍض ،وفَّك ر فيه الُم ْنِص ُف اَّلذي ُر ِفَع له علم الدليل ،فشَّم ر إليه،
وربأ بنفسه عن حضيض التقليد َتَبَّين له الصواُب ،والَّلُه الموفق.
__________
( )1قوله" :وال فساد" ليس في "أ ،ج".
()1/77
قالوا :ولو لم يكن في هذه المسألة إاَّل أَّن الجَّنة ليسْت دار تكليٍف ،وقد كلف الَّله سبحانه
األبوين ِبَنْه يِه َم ا عن األكل من الشجرة ،فدَّل على أَّنها دار تكليف ( )1ال دار جزاء وُخ ْلد.
فهذا أيًض ا بعض ما احتجْت به هذه الفرقة على قولها ( ، )2والَّلُه أعلم.
__________
( )1قوله" :دار تكليف" ليس في "ج".
( )2في "أ ،ج ،هـ"" :قولنا" وهو خطأ.
()1/78
الباب الخامس في جواب أرباب هذا القول ألصحاب القول األَّو ل
قالوا :أَّما قولكم :إّن قولنا هو اَّلذي فطر الَّلُه عليه عباده بحيث ال يعرفون ِس َو اُه ،فالمسألُة سمعية
ال ُتْع َر ُف إاَّل بأخبار الرسل ،ونحن وأنتم إَّنما تلقينا هذا من القرآن ،ال من المعقول وال من
الفطرة ،فالمَّتبع فيه ما دَّل عليه كتاُب الَّلِه تعالى وسَّنة رسوله -صلى الَّله عليه وسلم ،-ونحن
نطالبكم بصاحٍب واحِد ،أو تابٍع أو أثٍر صحيٍح أو حسن ،يصِّر ح بأنها جَّنُة الخلد التي أعَّدها الَّلُه
للمؤمنين بَعْيِنَه ا ،ولن تجدوا إلى ذلك سبياًل ،وقد أوجدناكم من كالم السلف ما يدل على
خالفه ،ولكن لَّم ا وردت الجَّنة ُمْطلقًة في هذه الِق َّص ة ،وافقت اسم الجَّنة التي أعَّدها الَّلُه لعباده
في إطالقها ،وبعض أوصافها ،فذهب كثيٌر من األوهام إلى أَّنها هي بعينها ،فإْن أردتم بالفطرة هذا
القدر لم ُيِف ْدكم شيًئا ،وإْن أردتم أَّن الَّلَه فطر الخلق على ذلك كما فطرهم على ُحْس ن العدل
وقبح الظلم ،وغير ذلك من األمور الِف ْطرية فدعوى باطلة ،ونحن إذا رجعنا [ /26ب] إلى فطرنا
لم نجد علمها بذلك ،كعلمها ( )1بوجوب الواجبات ،واستحالة المستحيالت.
وأَّم ا استداللكم بحديث أبي هريرة -رضي الَّله عنه ،-وقول آدم" :وهل أخرجكم منها إاَّل خطيئة
أبيكم؟ " ( )2فإَّنما يدُّل على تأُّخر آدم
__________
( )1في "ب"" :لم نجد علمنا بذلك كعلمنا".
( )2أخرجه مسلم رقم ( ،)195من حديث أبي هريرة رضي الَّله عنه.
()1/79
عليه السالم عن االستفتاح ( )1للخطيئة التي تقدمت منه في دار الدنيا ،وأَّنه بسبب تلك الخطيئة
حصل له الخروج من الجَّنة ،كما في اللفظ اآلخر" :إني ُنِه يُت عن أكل الشجرة فأكلت منها" (
، )2فأيَن في هذا ما يدل على أَّنها جنة المأوى بمطابقٍة أو َتَض ُّم ن أو اْس ِتلزام ،وكذلك قول
موسى له" :أخرجتنا ونفَس َك من الجَّنة" ( ، )3فإَّنه لم يقل له :أخرجتنا من جنة الخلد.
وقولكم :إَّنهم خرجوا إلى بساتين من جنس الجَّنة التي في األرِض ،فاسم الجَّنة وإن ُأْطِلَق على
تلك البساتين ،فبينها وبين جَّنة آدم ما ال يعلمه إاَّل الَّلُه ،وهي كالسجن بالَّنسبة إليها ،واشتراكهما
في كونهما في األرِض ال ينفي تفاوتهما أعظم تفاوٍت في جميع األشياء.
وأَّم ا استداللكم بقوله تعالىَ{ :و ُقْلَنا اْه ِبُطوا} [البقرة ]36 :عقيب إخراجهم من الجَّنة ،فلفُظ
الهبوط ال يستلزم النزول من السماء إلى األرض ،وغايته أن يدَّل على النزول من مكان عال إلى
أسفل منه ،وهذا غير منكر ،فإَّنها كانت جَّنًة في أعلى األرِض ،فُأهِبطوا منها إلى األرِض .
__________
( )1وقع في "أ"" :االستقباح" * ولعَّل المثبت هو الصواُب ،بدليل ما ورد في الَّنص" :فيأتون آدم
فيقولون :يا أبانا استفتح لنا الجَّنة " . .إلخ *.
( )2أخرجه البخاري رقم ( ،)3162ومسلم رقم ( )194من حديث أبي هريرة الطويل في
الشفاعة.
( )3تقدم تخريجه ص (.)57 - 56
()1/80
وقد بَّيَّنا أَّن األمَر كان ( )1آلدم وزوجه وعدوهما ،فلو كانت الجَّنة في السماء لما كان عدُّو هما
متمكًنا منهما ( )2بعد إهباطه األَّو ل؛ لَّم ا أبى الُّس جود آلدم عليه السالم ،فاآلية إًذا من أظهر
الُحَجَج عليكم ،وال تغني عنكم وجوه الَّتَعُّسَف ات والتكلفات التي قَّدرُتُم وها ،وقد تقدمت.
وأَّم ا قوله تعالىَ{ :و َلُك ْم ِفي اَأْلْر ِض ُمْس َتَقٌّر َو َم َتاٌع ِإَلى ِح يٍن } [البقرة ،]36 :فهذا ال يدُّل على
أَّنهم لم يكونوا قبل ذلك في األرِض ؛ فإَّن األرَض اسُم جنٍس ،وكانوا في أعالها وأطيبها
وأفضلها ،في محل ال يدركهم فيه جوع وال ُعري وال ظمأ وال ضحى ،فُأْه ِبطوا إلى أرٍض يعرض
فيها ذلك كله ،وفيها حياتهم وموتهم ،وخروجهم من القبور ،والجَّنة التي أسكناها لم تكن دار
نصٍب وال تعٍب وال أًذى ،واألرض التي أهبطوا إليها هي محل التعب والنصب ،واألذى وأنواع
المكاره.
وأَّما قولكم :إَّنه سبحانه وتعالى وصفها بصفاٍت ال تكون في الدنيا.
فجوابه :أَّن تلك الِّص فات ال تكون في األرِض التي أهبطوا إليها ،فمن أين لكم أَّنها ال تكون في
األرِض التي ُأْه ِبطوا منها.
ِل ِض
وأَّما قولكم :إَّن آدم عليه السالم كان يعلم أَّن الدنيا ُمْنَق ية فانية ،فلو كانت الجَّنة فيها َلَع َم
َك ِذ َب إبليس في قولهَ{ :ه ْل َأُدُّلَك َعَلى َش َج َر ِة اْلُخ ْلِد } [طه.]120 :
__________
( )1ليس في "أ ،ج".
( )2في "أ ،ب ،جـ"" :منها".
()1/81
فجوابه من وجهين:
أحدهما :أَّن اَّللفظ إَّنما يدل على الُخ ْلد ،وهو أعُّم من الَّدوام اَّلذي ال انقطاع له ،فإَّنُه في اللغة:
الُم ْك ُث الَّطويل .ومكث كل شيء بحسبه ،ومنه قولهم :رجل مخَّلد .إذا َأَس َّن وَك بر ،ومنه قولهم
ألثافِّي ( )1الصخورَ :خ واِلد .لطول بقائها بعد دروس األطالل .قال:
إاَّل رماًدا هاِم ًد ا دفعت ...عنه الرياح خوالٌد َس ْح م ()2
ونظير هذا إطالقهم القديم على ما تقادم عهده ،وإن كان له أَّو ل ،كما قال تعالىَ{ :ك اْل وِن
ُعْر ُج
اْلَق ِد يِم ([ } )39يسَ ، )3( ]39 :و {ِإْفٌك َقِد يٌم ([ } )11األحقاف ،]11 :وقد أطلق تعالى
الخلود في الَّناِر على عذاب بعض العصاة ،كقاتل النفس ،وأطلقه الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم-
على قاتل نفسه.
الوجه الثاني :أَّن العلم بانقطاع الدنيا ومجيء اآلخرة ،إَّنما يعلم بالوحي ،ولم يتقَّدم آلدم عليه
الصالة والسالم ُنُبَّو ة ُيْع َلُم بها ذلك ،وهو وإْن نَّبأُه الَّلُه سبحانه وتعالى وأوحى إليه ،وأنزل عليه
ُصُح ًف ا ،كما في حديث أبي ذٍّر (- )4رضي الَّله عنه ،-لكن هذا بعد إهباطه إلى األرض
__________
( )1اُألْثفَّية :أحُد أحجار ثالثة توضع عليها القدر .المعجم الوسيط ص (.)26
( * )2انظر :ديوان المخَّبل السعديِ :ض ْم ن كتاب شعراء مقُّلون ص (.* )312
( )3وقع في المطبوعة هنا زيادة {ِإَّنَك َلِف ي َض اَل ِلَك اْلَق ِد يِم ([ })95يوسف.]95 :
( )4أخرجه الطبراني في "الكبير" ( )158 - 157 /2مختصًر ا .وأخرجه ابن حبان في
"صحيحه" رقم ( ،)361وفي "المجروحين" ( ،)130 - 129 /3وأبو نعيم في "الحلية"/1( :
)168 - 166مطَّو اًل .
وفيه إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني ،كَّذ به أبو حاتم وأبو زرعة =
()1/82
بنِّص القرآن ،قال تعالىَ{ :قاَل اْه ِبَطا ِم ْنَه ا َج ِم يًعا َبْع ُضُك ْم ِلَبْع ٍض َعُد ٌّو َفِإ َّما َيْأِتَيَّنُك ْم ِم ِّني ُه ًد ى َفَم ِن
اَّتَبَع ُه َد اَي َفاَل َيِض ُّل َو اَل َيْشَق ى ([ })123طه ،]123 :وكذلك في سورة البقرةُ{ :قْلَنا اْه ِبُطوا
ِم ْنَه ا َج ِم يًعا َفِإ َّما َيْأِتَيَّنُك ْم ِم ِّني ُه ًد ى} اآلية [البقرة.]38 :
وأَّما قولكم :إَّن الجَّنة وردت ُمَعَّر فًة باَّلالِم التي للَعهِد فتنصرف إلى جَّنة الُخ لد ،فقد وردت ُمَعَّر فة
باَّلالم ،غير مراٍد بها جَّنة الخلد قطًعا ،كقوله تعالىِ{ :إَّنا َبَلْو َناُه ْم َك َم ا َبَلْو َنا َأْص َح اَب اْلَج َّنِة ِإْذ
َأْقَسُم وا َلَيْص ِر ُمَّنَه ا ُمْص ِبِح يَن (})17
__________
= الرازيان.
وأخرجه أحمد في المسند )178 /5( :مطَّو اًل ,والنسائي ( )275 /8مختصًر ا ،وابن سعد في
"الطبقات" )32 /1( :مختصًر ا وغيرهم من طريق عبيد بن الخشخاش وأبي إدريس الخوالني عن
أبي ذر فذكره.
وليس فيه ذكر الصحف ،وفيه" :قلت :يا رسول الَّله ،أي األنبياء كان أَّو ل؟ قال :آدم ،قلت :يا
رسول الَّله ،آدم أنبٌي كان؟ قال :نعم ،نبٌّي مكَّلٌم".
وال يثبُت إسناده ففي طريق عبيد الخشخاش -وهو مجهول :-أبو عمر الدمشقي وهو متروك
الحديث.
وفي طريق أبي إدريس :القاسم بن محمد وهو مجهول ،وقال البوصيري :هو ضعيف.
لكن ورَد عن أبي أمامة عند ابن حبان في صحيحه ( /14رقم ،)6190والطبراني في "األوسط"
رقم ( )403وفي "الكبير" رقم ( )7545والحاكم ( )288 /2رقم (.)3039
والحديث تفَّر د به معاوية بن ساَّل م عن أخيه زيد عن أبي ساَّل م عن أبي أمامة كما قال الطبراني.
والحديث صححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي ،وصححه ابن كثير.
انظر :البداية والنهاية.)94 /1( :
()1/83
[القلم.]17 :
وقولكم :إَّن الَّس ياق ها هنا دَّل على أَّنها جَّنٌة في األرِض .
ُقلنا :واألدلة التي ذكرناها دَّلت على أَّن جنة آدم عليه الَّس الم في األرِض ،فلذلك ِص ْر َنا إلى
ُمْو ِج ِبَه ا ،إْذ ال يجوُز تعطيل داللة الدليل الصحيح.
وأَّم ا استداللكم بأثر أبي موسى" :أَّن الَّله أخرج آدم من الجَّنة وزَّو ده من ثمارها" ( ، )1فليس فيه
زيادة على ما دَّل عليه القرآن ،إاَّل تزوده منها ،وهذا ال يقتضي أْن تكون جَّنة الُخ ْلِد .
وقوله" :إَّن هذه تتغير ،وتلك ال تتغير" فمن أين لكم أَّن الجَّنة التي أسكنها آدم كان الَّتغُّير َيْع ِر ُض
لثمارها ،كما َيْع ِر ُض لهذه الثمار ،وقد ثبَت في الحديث الصحيح ِع ن الَّنبي -صلى الَّله عليه
وسلم -أنه قال" :لوال بنو إسرائيل لم َيْخ َنز اَّللحم" ( )2أي :لم َيَتَغَّير ولم َيْنَتْن ،وقد أبقى الَّلُه
سبحانه وتعالى في هذا العالم طعاَم الُعَزْير وَش َر اَبُه مئة سنٍة لم يتغَّير (. )3
ِم
وأَّما قولكم :إَّن الَّلَه سبحانه وتعالى َض َن آلدم عليه السالم إْن تاَب أن يعيده إلى الجَّنة ،فال ريَب
أَّن األمَر كذلك ،ولكن ليس نعلم أَّن
__________
( )1تقدم تخريجه ص (.)64
( )2أخرجه البخاري رقم ( ،)3152ومسلم رقم ( ،)1470واللفظ للبخاري من حديث أبي
هريرة رضي الَّله عنه.
(ُ )3يشير المؤلف إلى قوله تعالىَ{ :أْو َك اَّلِذ ي َم َّر َعَلى َقْر َيٍة َو ِه َي َخ اِو َيٌة َعَلى ُعُر وِش َه ا} [البقرة:
،]259وراجع تفسير الطبري (.)28 /3
()1/84
الضمان إَّنما يتناول عوده إلى تلك الجَّنة ِبَعْيِنَه ا ،بل إذا أعاده إلى جنة الخلد ،فقد وَفى سبحانه
بضمانه حَّق الوفاِء ،ولفُظ الَعْو د ال يستلزم الرجوع إلى َعْيِن الحالِة األولى ،وال زمانها وال
مكانها ،بل ( )1وال إلى نظيرها ،كما قال شعيب لقومهَ{ :قِد اْفَتَر ْيَنا َعَلى الَّلِه َك ِذ ًبا ِإْن ُعْدَنا ِفي
ِم َّلِتُك ْم َبْع َد ِإْذ َنَّج اَنا الَّلُه ِم ْنَه ا َو َما َيُك وُن َلَنا َأْن َنُعوَد ِفيَه ا ِإاَّل َأْن َيَش اَء الَّلُه َر ُّبَنا} [األعراف،]89 :
وقد جعل الَّلُه سبحانه الُم َظاِه َر ( )2عائًد ا بإرادته الوطء ثانًيا ،أو بنفس الوطء ،أو باإلمساِك ،
وكل منها غيُر األَّو ِل ال عينه.
فهذا ما أجابت به هذه الطائفة لمن نازعها.
__________
( )1ليس في "ب".
( )2أي :الذي يقول المرأته أنت علَّي كظهر ُأِّم ي ونحوه .انظر" :الزاهر" لألزهري ص (.)443
()1/85
الباب الَّس ادس في جواِب من زعَم أَّنها جَّنة الخلد عَّم ا احتَّج به منازعوهم
قالوا :أَّما قولكم :إَّن الَّلَه سبحانه أخبر أَّن جَّنة الخلِد إَّنما يقع الدخول إليها يوم القيامة ،ولم يأِت
زمن دخولها َبْع ُد .
فهذا حٌّق في الدخول المطلق ،اَّلذي هو دخول استقراٍر ودواٍم ،وأَّم ا الدخول العارض ،فيقع قبل
يوم القيامة.
وقد دخل الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -الجَّنة ليلة اإلسراء ( ،)1وأرواح المؤمنين والشهداء في
الَبْر زخ في الجَّنة ( ،)2وهذا ( )3غير الدخول اَّلذي أخبر الَّلُه به في يوم القيامة ( ،)4فدخول
الُخ ُلود إَّنما يكون يوم القيامة ،فمن أين لكم أَّن ُمْطلق الدخول ال يكون في الدنيا ،وبهذا َخ َرَج
الجواب عن استداللكم بكونها دار المقامة ،ودار الخلد؟
قالوا :وأَّم ا احتجاجكم بسائِر الوجوِه التي ذكرتموها في الجَّنة ،وأَّنها لم توجد في جَّنة آدم عليه
الَّس الم من الُعري ،والنصب والحزن واَّللغِو والكذب وغيرها.
فهذا كله حٌّق ال ننكره نحن ،وال أحد من أهل اإلسالم ،ولكن هذا
__________
( )1تقدم ص ( 43و .)44
( )2تقدم ص ( 39و .)40
( )3في نسخة على حاشية "أ"" :وهو".
( )4قوله" :في يوم القيامة" وقع في "أ ،ب ،د"" :في القيامة" ،وجاء في "هـ"" :يوم القيامة".
()1/86
إذا دخلها المؤمنون يوم القيامة ،كما يدل عليه سياق اآليات كلها ،فإَّن نفي ذلك مقروٌن بدخول
المؤمنين إَّياها ،وهذا ال ينفي أْن يكوَن فيها بين أبوي ( )1الثقلين ما حكاُه الَّلُه سبحانه وتعالى من
ذلك ،ثَّم يصير األمر عند دخول المؤمنين إَّياها إلى ما أخبر الَّلُه عنها ،فال َتَنافي بين األمرين.
وأَّما قولكم :إَّنها داُر جزاٍء وثواٍب ال دار تكليٍف ،وقد كَّلف الَّلَه سبحانه آدم بالنهي عن األكل
من تلك الشجرة ،فدَّل على أَّن تلك الجَّنة دار تكليٍف ال دار خلود.
فجوابه من وجهين:
أحدهما :أَّنه إَّنما ( )2يمتنع أْن تكون داَر تكليٍف إذا دخلها المؤمنون يوم القيامة ،فحينئٍذ ينقطع
التكليف .وأما وقوع التكليف فيها في دار الدنيا ،فال دليَل على امتناعه الَبَّتة ،كيف وقد ثبت عن
الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -أَّنه قال" :دخلُت ( )3الجَّنة فرأيُت امرأًة َتَو َّضُأ إلى جانب ()4
قصٍر فقلُت لمن أنِت )5( " . .الحديث.
__________
( )1في "ج"" :أْن يكون فيها أبو الثقلين" ،وفي "ظ"" :فيها أبوي الثقلين".
( )2سقط من "ج".
( )3في "أ ،ج ،د"" :دخلُت البارحة" وال توجد لفظة "البارحة" في الصحيحين ،وال في "ب ،هـ".
( )4في نسخة على حاشية "أ" "جنب".
( )5هذا اللفظ ُمرَّك ٌب من حديثي جابر بن عبد الَّلِه وأبي هريرة رضي الَّله عنهم.
أخرجه البخاري رقم ( )4928من حديث جابر رضي الَّلُه عنهما ،ورقم ( )6622من حديث أبي
هريرة ،ومسلم في صحيحه رقم ( 2394و .)2395
()1/87
وغير ممتنع أن يكون فيها مْن يعمل بأمر الَّلِه ويعبد الَّله قبل يوم القيامة ،بل هذا هو الواقع (، )1
فإَّن َمْن فيها اآلن ُمْؤ َتَمُر ون بأوامر ِم ْن ِقبل رَّبهم ال يتعُّدونها سواء ُس ِّم َي ذلك تكليًف ا أو لم ُيَس َّم.
الوجه الثاني :أَّن التكليف فيها لم يكن باألعماِل التي يكَّلف بها الَّناس في الدنيا :من الصيام
والصالة والجهاد ونحوها ،وإَّنما كان َحْج ًر ا عليهما في شجرٍة واحدٍة من جملة أشجارها ،إَّما
واحدة بالَعْين أو بالَّنوع ،وهذا القدُر ال يمتنع وقوعه في دار الخلد ،كما أَّن كَّل َأَح ٍد محجوٍر
عليه أْن َيْق َر َب أهل غيِر ِه فيها ،فإْن أرْدُتم بكونها ليست دار تكليٍف امتناع وقوع مثل هذا فيها
في وقت من األوقات ،فال دليَل عليه ،وإْن أردتم أَّن تكاليف الدنيا منتفيٌة عنها ،فهو حٌّق ،ولكن
ال يدل على مطلوبكم.
وأَّم ا استداللكم بنوم آدم فيها ،والجَّنة ال يناُم أهلها.
فهذا إْن ثبَت الَّنْق ُل بَنْو ِم آدم ،فإَّنما ينفي النوم عن أهلها يوم دخول الخلود ،حيث ال يموتون،
وأَّما قبل ذلك فال.
ِه ِم
وأَّما استداللكم بقصة وْس َو َس ة إبليس له بعد إهباطه ،وإخراجه من الَّس ماءَ .فَلْع مُر الَّل إَّنه َل ْن
أْقَو ى األدلة ،وأظهرها على صحة قولكم ،وتلك الَّتعُّس فاِت كدخوله ( )2الجَّنة ،وصعوده إلى
الَّس ماِء بعد إهباط الَّله له منها ( )3ال يرتضيها ُمْنِص ف؛ ولكن ال يمتنع أن يصعد إلى هناَك
__________
( )1في "أ ،ج ،د ،هـ"" :الواضح".
( )2في "ب ،ج ،د"" :لدخوله".
( )3قوله" :بعد إهباط الَّلِه له منها" سقط من "أ".
()1/88
ُصُعوًدا عاِر ًض ا ِلَتمام االبتالِء واالمتحان اَّلذي قَّدره الَّلُه تعالى وقَّدر أسبابه ،وإْن لم يكن ذلك
المكان َمْق َعًد ا له ُمْس َتِق ًّر ا كما كان ،وقد أخبر الَّلُه سبحانه عن الشياطين أَّنهم كانوا قبل مبعث
رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم ،-يقعدون من الَّس ماء مقاعد للسمع ،فيستمعون الشيَء من
الوحي ،وهذا صعوٌد إلى هناك ،ولكَّنه ( )1صعوٌد عارٌض ال يستقرون في المكان اَّلذي يصعدون
إليه = مع قوله تعالى{ :اْه ِبُطوا َبْع ُضُك ْم ِلَبْع ٍض َعُد ٌّو } [البقرة[ ،]36 :األعراف ]24 :فال تنافي
بين هذا الصعود وبين األمر بالهبوط ،فهذا محتمٌل ،والَّلُه أعلم.
وأَّم ا استداللكم بأَّن الَّلَه سبحانه أعلم آدم عليه السالم مقدار أجله ،وما ذكرتم من الحديِث
وتقرير الَّداللة منه (. )2
فجوابه :أَّن إعالمه بذلك ال ينافي إدخاله جَّنة الُخ ْلد ،وإسكانه فيها ُمَّدة.
وأَّم ا إخباره سبحانه أَّن داخلها ال يموت ،وأَّنه ال َيْخ ُر ج منها ،فهذا يوُم القيامة.
ِل
وأَّم ا احتجاجكم بكونه ُخ َق من األرض ،فال ريب في ذلك ،ولكن من أين لكم أَّنه َكَّم َل َخ ْلَق ُه
ِر َّن َّل
فيها؟ وقد جاء في بعض اآلثا " :أ ال َه سبحانه ألقاُه على باب الجَّنة أربعين صباًح ا ،فجعل إبليُس
َيِط ْيُف به ،ويقول :ألمٍر ما ُخ ِلْق َت ،فلَّم ا رآُه أجوَف علم أَّنه خلق ال َيَتمالك،
__________
( )1في "أ ،ج"" :وإليه".
( )2سقط من "ب".
()1/89
فقال :لئن ُس َّلْطُت عليه ُألْه ِلَك َّنُه ،وإْن (ُ )1س َّلَط علَّي َألْع ِص يَّنه" ( ، )2مع أَّن قوله سبحانه:
ِدِق ِء ِب ِن ِب ِء ِئ ِة
{َو َعَّلَم آَدَم اَأْلْس َم اَء ُك َّلَه ا ُثَّم َعَر َض ُه ْم َعَلى اْلَم اَل َك َفَق اَل َأْن ُئو ي َأْس َم ا َه ُؤ اَل ِإْن ُك ْنُتْم َص ا يَن
ِب ِك ِل ِع
(َ )31قاُلوا ُسْبَح اَنَك اَل ْلَم َلَنا ِإاَّل َم ا َعَّلْم َتَنا ِإَّنَك َأْنَت اْلَع يُم اْلَح يُم (َ )32قاَل َياآَدُم َأْن ْئُه ْم
ِبَأْس َم اِئِه ْم َفَلَّم ا َأْنَبَأُه ْم ِبَأْس َم اِئِه ْم َقاَل َأَلْم َأُقْل َلُك ْم ِإِّني َأْع َلُم َغْيَب الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْر ِض } [البقرة:
]33 - 31يدُّل على أَّنه كان في الَّس ماء معهم بحيُث أنبأهم بتلك األسماء ،وإال فهم لم ينزلوا
كلهم إلى األرِض ،حَّتى سمعوا منه ذلك ،ولو كان خْلُقه قد كمل في األرِض لم يمتنع أْن يصعده
سبحانه إلى الَّس ماِء ألمٍر َدَّبرُه وقَّدرُه ثَّم يعيدُه إلى األرِض ،فقد أصعد المسيح صلوات الَّله
وسالمه عليه إلى الَّس ماِء ،ثَّم ينزله إلى األرِض قبل يوم القيامة ،وقد أسرى ببدن رسول الَّله -
صلى الَّله عليه وسلم -وروحه إلى فوق السماوات.
فهذا جواب القائلين بأَّنها جَّنة الخلد لمنازعيهم ،والَّلُه أعلم.
__________
( )1في "ب ،د"" :ولئن".
( )2لم أقف عليه بهذا اللفظ ،لكن أخرجه مسلم في صحيحه برقم ( )2611عن أنس بن مالك
رضي الَّلُه عنه مرفوًعا بلفظ "لَّم ا صَّو ر الَّلُه آدم في الجَّنة ،تركه ما شاء الَّلُه أن يتركه ،فجعل
يطيف به ،ينظر ما هو ،فلَّم ا رآُه أجوف عرف أَّنُه ُخ ِلق خْلًق ا ال يتمالك".
()1/90
الباب الَّس ابع في ذكر ُش َبه من زعم أَّن الجَّنَة لم ُتخلق بعد
قالوا :لو كانت مخلوقة اآلن لوجب اْض ِط راًر ا إلى أْن َتْف نى يوم القيامة ،وأن َيْه ِلك كل ما فيها
ويموت ،لقوله تعالىُ{ :ك ُّل َش ْي ٍء َه اِلٌك ِإاَّل َو ْجَهُه} [القصص ]88 :و {ُك ُّل َنْف ٍس َذاِئَقُة اْلَمْو ِت }
[آل عمران ،]185 :فتموت الحور العين التي فيها والِو ْلدان ،وقد أخبر الَّلُه سبحانه أَّن الَّدار
دار خلود ،ومن فيها يخلدون ( )1ال يموتون فيها ،وخبره سبحانه ال يجوز عليه ُخ ْلف وال نسخ.
قالوا :وقد روى الترمذي في "جامعه" من حديث ابن مسعود رضي الَّلُه عنه قال :قال رسول الَّله
-صلى الَّله عليه وسلم" :-لقيُت إبراهيم ليلَة ُأسري بي فقال :يا محمد أقرئ ُأَّمَتَك مَّني الَّس الم،
وأخبرهم أَّن الجَّنة طيبُة التربة عذبُة الماِء ،وأَّنها قيعان ،وأَّن غراسها :سبحاَن الَّله ،والحمُد لَّله،
وال إله إاَّل الَّله ،والَّلُه أكبر" ( .)2قال" :هذا حديث حسن غريب".
وفيه أيًض ا ،من حديث أبي الزبير عن جابر رضي الَّلُه عنه عن الَّنبي
__________
( )1في "د ،هـ"" :مخلدون".
( )2أخرجه الترمذي رقم ( ،)3462والطبراني في الصغير رقم ( ،)539وفي األوسط (
.)4170
وهو حديث معل باإلرسال أعَّله أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان كما في العلل (.)171 - 170 /1
* وورد عن أبي أيوب وابن عمر.
انظر" :جالء األفهام" ص (.)317 - 316
()1/91
-صلى الَّله عليه وسلم -أَّنه قال" :من قاَل سبحاَن الَّله وبحمدِهُ ،غِر َس ت له َنخلٌة في الجَّنة" (
. )1قال" :هذا حديٌث حسٌن صحيح".
قالوا :فلو كانت الجَّنة مخلوقًة مفروًغا منها ،لم تكن قيعاًنا ،ولم يكن لهذا الغرس معنى.
قالوا :وقد قال تعالى عن امرأِة فرعون أَّنها قالتَ{ :ر ِّب اْبِن ِلي ِع ْنَد َك َبْيًتا ِفي اْلَج َّنِة} [التحريم:
،]11ومحال أن يقول قائل لمن نسج له ثوًبا ،أو بنى له بيًتا :انسج لي ثوًبا ،وابن لي بيًتا.
وأصرح من هذا قول الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم" :-من بنى لَّله مسجًد ا بنى الَّلُه له به بيًتا في
الجَّنة" متفق عليه (. )2
وهذه ُجْم لة مرَّك بة من َش ْر ٍط وجزاٍء ،تقتضي وقوع الجزاء بعد الشرط بإجماع أهل العربية ،وهذا
ثابٌت عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -من رواية عثمان ابن عفان ،وعلي بن أبي طالب ،وجابر
بن عبد الَّله ،وأنس بن مالك ،وعمرو بن عبسة ( )3رضي الَّله عنهم.
__________
( )1أخرجه الترمذي برقم ( 3464و ،)3465وابن حبان في صحيحه ( /3رقم 826و
،)827والحاكم في المستدرك ( 680 /1و )693رقم ( 1847و )1888وغيرهم.
قال الترمذي" :حسن غريب ،ال نعرفه إاَّل من حديث أبي الزبير" .انظر :تحفة األشراف/2( :
.)294 ،292
والحديث صححه ابن حبان والحاكم والمنذري والهيثمي.
( )2أخرجه البخاري رقم ( ،)439ومسلم رقم ( )533عن عثمان بن عفان.
( )3أَّما حديث عثمان :فقد تقَّدم آنًف ا= .
()1/92
قالوا :وقد جاءت آثار بأَّن المالئكة تغرس فيها ،وتبني للعبد ما دام يعمل ،فإذا َفَتَر فتر الملك
عن العمل.
قالوا :وقد روى ابن حبان في "صحيحه" واإلمام أحمد بن حنبل في "مسنده" من حديث أبي
موسى األشعري قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-إذا َقَبَض الَّلُه ولَد العبد ،قاَل :يا
ملَك الموِت قبضَت ولَد عبدي ،قبضت ُقَّر ة عينه وثمرة فؤاِدِه ،قال :نعم ،قال :فما قال؟ قال:
َح مدَك واسترجَع ،قال :ابنوا له بيًتا في الجَّنة ،وسُّم وه بيَت الحمد" (. )1
__________
= * وأما حديث علي بن أبي طالب :فأخرجه ابن ماجة برقم (.)737
قال البوصيري" :هذا إسناد ضعيف ،الوليد مدَّلس وابن لهيعة ضعيف." . . .،
* وأَّما حديث جابر :فأخرجه ابن ماجة رقم ( ،)738وابن خزيمة في صحيحه ( /2رقم .)1292
والحديث صَّح حه ابن خزيمة والبوصيري.
* وأَّما حديث أنس :فأخرجه الترمذي رقم (.)319
وفيه زياد النميري :وهو ضعيف ،انظر :التقريب (.)2087
* وأَّما حديث عمرو بن عبسة :فأخرجه النسائي ( ،)32 /2والترمذي ( )1635مختصًر ا،
وأحمد ( )386 /4مطَّو اًل وغيرهم.
وقال الترمذي" :حسن صحيح غريب".
( )1أخرجه ابن حبان في صحيحه ( /7رقم ،)2948وأحمد ( ،)415 /4والترمذي رقم (
.)1021
من طريق أبي سنان عن أبي طلحة عن الضحاك بن عرزب عن أبي موسى فذكره.
قال الترمذي" :هذا حديث حسن غريب".
وفيه أبو سنان عيسى بن سنان القسملي ،فيه ضعف ،وأيًض ا فيه أبو طلحة =
()1/93
وفي "المسند" من حديثه أي ا قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-من صَّلى في يوٍم
ًض
وليلٍة ثنتي عْش رة ركعًة سوى الفريضة ُبنَي له بيت في الجَّنة" (. )1
قالوا :وليس هذا من أقوال أهل البدع واالعتزال كما زعمتم ،فهذا ابن ُمزين قد ( )2ذكر في
"تفسيره" عن ابن نافع ،وهو من أئمة السَّنة ،أَّنُه ُس ِئَل عن الجَّنة أمخلوقة هي؟ فقال :السكوت عن
هذا أفضل .والَّلُه أعلم.
__________
= الخوالني الشامي :فيه جهالة .والضحاك لم يسمع من أبي موسى.
انظر :إتحاف المهرة ( ،)32 /10والتقرب (.)8189 ،5295
( )1أخرجه أحمد في المسند ( ،)413 /4والبزار كما في "كشف األستار" رقم ()702
والطبراني في األوسط ( /6رقم .)9436
من طريق حماد بن زيد عن هارون أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى فذكره.
قال الطبراني" :لم يرو هذا الحديث عن أبي بردة إاَّل هارون أبا إسحاق ،تفَّر د به حماد بن زيد،
وال ُيروى عن أبي موسى إاَّل بهذا اإلسناد".
وقال البَّز ار" :تفرد به هارون ،ولم يتابع عليه." . . .
قلت :وقد اختلف عن حَّم اد بن زيد ،فرفعه عنه سليمان بن حرب وأحمد الموصلي ،وأرسله عنه
عارم ومسَّدد.
انظر" :التاريخ الكبير" )255 /8( :للبخاري.
فلعَّل هذا االضطراب من هارون أبي إسحاق ،فقد ذكر هذا االختالف البخاري في ترجمة هارون
هذا.
لكن المتن ثابت من حديث أم حبيبة عند مسلم في صحيحه رقم (.)728
( )2من (ب ،جـ ،د ،هـ) ونسخة على حاشية "أ".
()1/94
()1/95
منه غراًس ا في تلك األرِض ،وكذا بناُء البيوت فيها باألعمال المذكورة ،والعبد كَّلما وَّس ع في
أعمال البر (ُ )1و ِّس َع له في الجَّنة ،وكَّلما عمل خيًر ا ُغِر َس له به هناك ِغ راس ،وُبِنَي له به بناء ()2
،وُأْنشئ له من عمله أنواع مَّم ا يتمتَّع به ،فهذا القدُر ال يدُّل على أَّن الجَّنة لم تخلق بعد ،وال
يسوغ إطالق ذلك.
وأَّم ا احتجاجكم بقوله تعالىُ{ :ك ُّل َش ْي ٍء َه اِلٌك ِإاَّل َو ْجَهُه} [القصص ]88 :فإَّنما ُأِتيُتم من َعَد م
فهمكم معنى اآلية ،واحتجاجكم بها على عدم وجود الجَّنة والَّناِر اآلن نظير احتجاج إخوانكم بها
على فنائهما وخرابهما وموت أهلهما ( ، )3فال أنتم ُو ِّفْق ُتم ِلَف ْه ِم معناها وال إخوانكم ،وإَّنما ُو َّفَق
لفهم معناها السلف ،وأئمة اإلسالِم ،ونحن نذكر بعض كالمهم في اآلية.
قال البخاري في "صحيحه"" :يقالُ{ :ك ُّل َش ْي ٍء َه اِلٌك ِإاَّل َو ْجَهُه} :إاَّل ملكه ،ويقال :إاَّل ما ُأريد به
وجهه" (. )4
وقال اإلمام أحمد في رواية ابنه عبد الَّله" :فأَّما الَّس ماء واألرض فقد زالتا؛ ألَّن أهلها صاروا إلى
الجَّنة وإلى الَّنار ،وأَّما العرش فال َيبيُد وال يذهُب ؛ ألَّنُه َس ْق ُف الجَّنة ،والَّلُه سبحانه وتعالى َعَلْيِه،
فال َيهلك وال يبيد.
__________
( )1ليس في "ب".
( )2في "ب"" :وبنى له بيًتا" ،ووقع في "ج ،د"" :له بناء".
( )3وقع في "أ"" :فنائها ،وخرابها وموت أهلها" باإلفراد.
( )4انظر :صحيح البخاري )68( :التفسير ( ،)262باب :تفسير سورة القصص.)1788 /4( :
()1/96
وأَّما قوله تعالىُ{ :ك ُّل َش ْي ٍء َه اِلٌك ِإاَّل َو ْجَهُه} وذلك أَّن الَّلَه سبحانه وتعالى أنزلُ{ :ك ُّل َمْن َعَلْيَه ا
َفاٍن ([ } )26الرحمن ،]26 :فقالت المالئكة :هلك أهل األرض -وَطِم ُعوا في البقاِء -فأخبر
الَّله سبحانه وتعالى عن أهل السماواِت وأهل األرِض أَّنهم يموتون فقالُ{ :ك ُّل َش ْي ٍء َه اِلٌك }
[القصص-]88 :يعني :مِّيتِ{ -إاَّل َو ْجَهُه}؛ ألَّنه حٌّي ال يموت ،فَأْيَق َنِت المالئكة عند ذلك
بالموت" ( . )1انتهى كالمه.
وقال في رواية أبي العباِس أحمد بن جعفر بن يعقوب اإلْص َطْخ ِر ي ،ذكره أبو الحسين في كتاب
"الطبقات" ( )2قال" :قال أبو عبد الَّلِه أحمد بن حنبل :هذه مذاهب أهل العلِم ،وأصحاب األثِر ،
وأهل السَّنة المتمِّس كين بعروتها ،المعروفين بها ،المتقدى بهم فيها ،من لدن أصحاب نبينا -
صلى الَّله عليه وسلم -إلى يومنا هذا ،وأدركُت من أدركُت من ( )3علماء أهل الحجاز والَّش ام
وغيرهم عليها ،فمن خالف شيًئا ( )4من هذه المذاهب ،أو طعن فيها ،أو عاب قائلها ،فهو
مخالف مبتدع خارج عن الجماعة ،زائٌل عن منهج السَّنة وسبيل الحِّق".
وساق أقوالهم إلى أْن قال" :وقد خلقت الجَّنُة وما فيها ،وخلقت الَّنار وما فيها ،خلقهما الَّلُه عَّز
وجل ،وخلق الخلق لهما ( ، )5وال
__________
( )1انظر :الرد على الجهمية والزنادقة لإلمام أحمد ص (.)148
( )2من قوله" :أحمد بن جعفر" إلى "الطبقات" سقط من "ب".
( )3ليس في "ب".
( )4ليس في "ب".
( )5في "ب"" :وخلق كَّل شيٍء الخلق لهما" بدل "وخلق الخلق لهما".
()1/97
()1/98
{ِإاَّل ُه َو َمَعُه ْم َأْيَن َم ا َك اُنوا} [المجادلة ،]7 :وقولهَ{ :ما َيُك وُن ِم ْن َنْج َو ى َثاَل َثٍة ِإاَّل ُه َو َر اِبُعُه ْم }
[المجادلة ]7 :ونحو هذا من متشابه القرآن فقل :إَّنما يعني بذلك العلم؛ ألَّن الَّلَه عَّز وجَّل على
العرِش فوق الَّس ماء الَّس ابعة العليا ،يعلم ذلك كله ،وهو بائٌن من خلقه ،ال يخلو من علمه مكان"
(. )1
وقال في رواية أبي جعفر الطائي محمد بن عوف بن سفيان الحمصي ،قال الخالُل " :حافٌظ إماٌم
في زمانِه ،معروٌف بالَّتقُّدم في العلم والمعرفة ،كان أحمد بن حنبل يعرف له ذلك ويقبل منه،
ويسأله عن الِّر جاِل من أهل بلده" ( )2قال" :أملى علَّي أحمد بن حنبل -فذكر الِّر سالة في
"السنة" ثَّم قال في أثنائها" :-وأَّن الجَّنة والَّناَر مخلوقتاِن قد خلقتا كما جاء الخبر ،قال الَّنبي -
صلى الَّله عليه وسلم" :-دخلُت الجَّنة فرأيُت فيها قصًر ا" ( ، )3و"رأيت الكوثر" (، )4
ِل
و"اَّطلعُت في الَّنار فرأيُت أكثَر أه ها كذا وكذا" ( )5فمن زعَم أَّنهما لم ُتخلقا؛ فهو مكِّذ ٌب
برسول الَّلِه -صلى الَّله عليه وسلم-
__________
( )1انظر" :طبقات الحنابلة" البن أبي يعلى.)29 - 24 /1( :
( )2انظر :المصدر الَّس ابق (.)310 /1
( )3تقدم الحديث ص (.)44
( )4ورد من حديث أنس رضي الَّلُه عنه قال :لَّم ا ُعِرَج بالَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -إلى
الَّس ماِء ،قال :أتيُت على نهر ،حافتاه ِقباُب اللؤلؤ مجَّو ًفا ،فقلُت :ما هذا يا جبريُل؟ قال :هذا
الكوثر".
أخرجه البخاري برقم (.)4680
( )5ورد من حديث عمران بن حصين أَّن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :اَّطلعُت في الجَّنِة
فرأيُت أكثَر أهلها الفقراء ،واَّطلعُت في الَّنار فرأيُت أكثر أهلها النساء".
أخرجه البخاري رقم ( .)3069وراجع ص ( )258وما بعدها.
()1/99
وبالقرآِن ،كافٌر بالجَّنة والَّنارُ ،يْس َتَتاُب ،فإْن تاَب وإاَّل ُقِتَل" (. )1
وقال :في رواية عبدوس بن مالك العَّطار ،وذكر رسالته في "السَّنة" قال فيها" :والجَّنة والَّناُر
مخلوقتان ،قد خلقتا كما جاء عن رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-اطلعُت في ( )2الجَّنة
فرأيُت أكثر أهلها كذا وكذا ،واَّطلعُت في الَّناِر فرأيُت أكثر أهلها كذا وكذا" ،فمن زعَم أَّنهما
لم ُتْخ لقا فهو مكِّذ ٌب بالقرآِن ،وأحاديث رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم ،-وال أحسبُه يؤمن
بالجَّنة والَّنار" (. )3
فتأَّم ل هذه األبواب وما تضمنته من النقوِل ،والمباحث ،والُّنَك ت والفوائِد التي ال يظفر بها في
غير هذا الكتاب البَّتة.
ونحن اختصرنا الكالم في ذلك ،ولو بسطناُه لقام منه سفٌر ضخٌم ،والَّلُه المستعان ،وعليه
التكالن ،وهو الموِّفُق للَّصواِب .
__________
( )1انظر" :طبقات الحنابلة".)312 - 311 /1( :
( )2في "أ"" :على".
( )3انظر :طبقات الحنابلة.)246 - 245 /1( :
()1/100
()1/101
هذا اختيار أبي ُعَبْيدة والُم َبِّر د والَّز َج اج وغيرهم (. )1
قال المبِّر د" :وحذُف الجواب أبلغ عند أهل العلم" (. )2
قال أبو الفتح بن ِج ِّني" :وأصحابنا َيدفعون زيادة الواِو وال ُيِج ْيزونه ،ويرون أَّن الجواب محذوٌف
للعلم به" (. )3
َبِق َي أْن يقاَل :فما الِّسُّر في حذف الجواب في آية أهل الجَّنة ،وِذ ْك ِر ِه في آية أهل الَّناِر ؟ فيقال:
هذا أبلُغ في الموضعين ،فإَّن المالئكة تسوق أهل الَّناِر إليها ،وأبواُبها ُمغلقة ،حَّتى إذا وصلوا ()4
إليها فتحت في وجوههم ففجأهم ( )5العذاُب بغتًة ،فحين انتهوا إليها {ُفِتَح ْت َأْبَو اُبَه ا} بال
ُمْه َلة ،فإَّن هذا شأن الجزاء المترتب على الشرط أن يكون عقيبه ،فإَّنها دار اإلهانة والِخ زي ،فلم
ُيْس تأذن لهم في دخولها ،وُيطلُب إلى خزنتها أْن يمكنوهم من الدخول.
وأَّما الجَّنة فإَّنها دار الَّلُه ،ودار كرامته ،ومحل خواّص ه وأوليائه ،فإذا انتهوا إليها صادفوا أبوابها
مغلقة فيرغبون إلى صاحبها ومالكها أْن يفتحها لهم ،ويستشفعون إليه بُأولي العزم من رسله،
فكلهم يتأَّخر عن ذلك ،حَّتى تقع الَّداللة على خاتمهم وسيدهم وأفضلهم فيقول" :أنا
__________
( )1انظر" :معاني القرآن" للزجاج ( ،)364 /4و"مجاز القرآن" (.)192 /2
( )2انظر * :المقتضب له.* )78 - 77 /2( :
( )3انظرِ" * :س ّر صناعة اإلعراب" له.* )646 /2( :
( )4من قوله" :في الموضعين" إلى "وصلوا" سقط من "ج" ووقع في "أ ،ب ،د"" :دخلوا" ،وفي
"هـ"" :دخلوها" بداًل من "وصلوا" وهو خطأ.
( )5في "ج"" :فيفجئهم" ،وفي نسخٍة على حاشية "أ"" :فيجيئهم".
()1/102
لها" ( : )1فيأتي إلى تحِت العرش ويخُّر ساجًد ا لربه ،فيدعه ما شاء أْن يدعه ،ثَّم يأذُن له في رفع
رأسِه ،وأْن يسأل حاجته ،فيشفع إليه سبحانه في فتح أبوابها فيشفعه ،ويفتحها تعظيًم ا لخطرها،
وإظهاًر ا لمنزلة رسوله وكرامته عليه.
وإَّن مثل هذه الَّدار التي هي دار ملك الملوك ورب العالمين ،إَّنما ُدِخ إليها بعد تلك األهواِل
َل
ِك
العظيمة التي أولها من حين عقل العبد في هذه الَّدار إلى أْن انتهى إليها ،وما َر َبُه من األطباق
طبًق ا بعد طبق ،وقاساه من الشدائد شَّد ًة بعد شَّدة ،حَّتى أذَن الَّلُه تعالى لخاتم أنبيائه ورسله،
وأحِّب خلقه إليه أْن يشفع إليه في فتحها لهم.
وهذا أبلُغ وأعظُم في تمام الِّنعمة وحصول الفرِح ( )2والُّس رور مَّم ا ُيَق َّد ُر بخالف ذلك ،ولئال
يتوهُم الجاهل أَّنها بمنزلة الخان ( )3اَّلذي
__________
( )1أخرجه البخاري رقم ،)6197( :ومسلم رقم ( )326( - )193واللفظ لمسلم من حديث
أنس بن مالك رضي الَّلُه عنه.
تنبيه :ليس في حديث الشفاعة الطويل ما ذكره المؤلُف "من أَّن طلبهم للشفاعة كان بسبب
وجودهم أبواب الجَّنة مغلقة ،بل اَّلذي جاء فيه -وهذا لفظه " :-يجمُع الَّلُه الَّناس يوم القيامة،
فيهتُّم ون -وفي لفٍظ :فيلهمون -لذلك ،فيقولون :لو استشفعنا على ربنا حتى يريحنا من مكاننا
هذا ،قال فيأتون آدم ،. .وذكر الحديث بطوله واللفظ لمسلم.
َفَلَعَّله في حديٍث آخر فلينظر.
( )2في "ج"" :الَف َر ج".
( )3الخان :الذي للُّتجاِر .أي :المتجر ،ويحتمل :الفندق .انظر" :الصحاح"،)1551 /2( :
و"المعجم الوسيط" ص (.)286
()1/103
يدخله من شاء ،فجَّنة الَّلِه غاليٌة عاليٌة ،بين الَّناس وبينها من العقبات ( )1والمفاوز واألخطار ما ال
تنال إال بِه ،فما ِلَمْن أْتَبَع نفسه هواها وتمَّنى على الَّلِه األمانَّي ولهذه الَّدار؟ فلُيَعِّد عنها إلى ما هو
أولى به ،وقد ُخ ِلَق لُه وُه ِّيَئ له.
وتأَّمل ما في َسْو ِق الفريقين إلى الَّدارين زمًر ا من فرحة هؤالء بإخوانهم ،وَس ْيرهم معهم كل زمرة
على ِح َد ة ،مشتركين في عمٍل متصاحبين فيه على زمرتهم وجماعتهم ،مستبشرين أقوياء القلوب،
كما كانوا في الدنيا وقت اجتماعهم على الخير ،كذلك يؤنس بعضهم بعًض ا ،ويفرح بعضهم
ببعض.
وكذلك أصحاب الَّدار اُألخرى ُيَس اقون إليها زمًر ا ،يلعن بعضهم بعًض ا ،ويتأَّذى ( )2بعضهم
ببعض ،وذلك أبلغ في الخزي والفضيحة والَه ِتْيَك ة ،من أن يساقوا واحًد ا واحًد ا ،فال ُتهِم ْل َتَد ُّبر
قولهُ{ :ز َمًر ا}.
وقال خزنة أهل ( )3الجَّنة ألهلهاَ{ :س اَل ٌم َعَلْيُك ْم } فبدؤوهم بالَّس الم المتضِّم ن للسالمة من كِّل
شٍّر ومكروٍه ،أيَ :س ِلْم ُتْم ،فال يلحقكم بعد اليوِم ما تكرهون ،ثَّم قالوا لهمِ{ :ط ْبُتْم َفاْدُخ ُلوَه ا}
أي :سالمتكم ودخولها بطيبكم ،فإَّن الَّلَه حَّر مها إاَّل على الطيبين ،فبَّش روهم
__________
( )1في "ب"" :العقاب" وهو خطأ.
( )2في "ب"" :وينادي".
( )3ليس في "ب".
()1/104
()1/105
وتأَّمل قوله سبحانهَّ { :ناِت َعْد ٍن َف َّت ًة َل اَأْل ا (َّ )50تِكِئي ِفي ا ْد ُعوَن ِفي ا ِبَف اِك ٍة
َه َه ُم َن َه َي ُم َح ُه ُم ْبَو ُب َج
َك ِثيَر ٍة َو َش َر اٍب ([ } )51ص ]51 - 50 :كيف تجد تحته معنى بديًعا ،وهو أَّنهم إذا دخلوا
الجَّنة لم تغلق أبواُبها عليهم بل تبقى مفتحة كما قال (. )1
وأَّما الَّناُر فإذا دخلها أهلها ُأغلقت عليهم أبوابها ،كما قال تعالىِ{ :إَّنَه ا َعَلْيِه ْم ُمْؤ َص َد ٌة} [الهمزة:
]8أي مطبقة مغلقة ( ، )2ومنه ُس ِّم َي الباب وِص يًد ا وهيُ{ :مْؤ َص َد ٌة (ِ )8في َعَم ٍد ُمَم َّد َدٍة} قد
جعلت الُعُم د ُمْم سكة لألبواب من خلفها ،كالحجر العظيم اَّلذي ُيْج عل خلف الباب.
قال ُمَق اِتل" :يعني أبوابها عليهم مطبقة ،فال يفتح لها باب ،وال يخرج منها َغم ،وال يدخل فيها
َرْو ح آخَر األَبِد " (. )3
وأيًض ا :فإَّن في تفتيح األبواب لهم إشارٌة إلى تصرفهم وذهابهم وإيابهم وَتبؤهم من الجَّنة حيث
شاؤوا ،ودخول المالئكة عليهم كل وقت بالُّتحف واأللطاف من ربهم ،ودخول ما َيُس ُّر هم عليهم
كل وقت.
وأيًض ا :إشارة إلى أَّنها داُر أْم ٍن ال يحتاجون فيها إلى َغْلِق األبواِب ،كما كانوا يحتاجون إلى ذلك
في الدنيا.
وقد اختلف أهل العربية في الضمير العائد من الِّص فة على
__________
( )1في "ب ،د"" :هي".
( )2ليس في "ب".
( )3انظر" :تفسير مقاتل".)519 /3( :
()1/106
()1/107
ضمير تَعَّيَن نْص ُب الثاني ،كما تقول :مررت برجل حسن الوجه .ولو رفعت "الوجَه" وَنَّو ْنَت
"َح َس ًنا" لم يجز ،فاأللف واَّلالُم إًذا للتعريف ليس إاَّل ،فال ُبَّد من ضمير يعوُد على الموصوف
اَّلذي هو جَّنات عدٍن ،وال ضمير في اللفظ ،وهو محذوف ،تقديره :األبواب منها.
وعندي :أَّن هذا غير مبطل لقول الكوفيين ،فإَّنهم لم ُيِر ْيُد وا بالبَد ِل إاَّل أَّن األلف واَّلالم َخ َلٌف
وِع َو ٌض عن الضمير يغني ( )1عنه ،وإجماع العرب على قولهم :حسن الوجه ،وحسن وجهه =
شاهٌد بذلك ،وقد قالوا :إَّن التنوين بدل من األلف واَّلالم .بمعنى :أَّنهما ال يجتمعان ،وكذلك
المضاف إليه يكون بداًل من التنوين ،والتنوين بدٌل من اإلضافة ،بمعنى :الَّتَعاقب والَّتوارد ،وال
يريدون بقولهم :هذا بدٌل من هذا ،أَّن ( )2معنى البدِل معنى الُم ْبَد ل منه ،بل قد يكون في كٍّل
منهما معنى ال يكون في اآلخر.
فالكوفيون أرادوا أَّن األلَف واَّلالم في {اَأْلْبَو اُب } أغنت عن الضمير؛ لو قيل :أبوابها ،وهذا
صحيح ،فإَّن المقصود الربط بين الصفة والموصوف بأمٍر يجعلها له ال مستقلة ،فلَّم ا كان الضميُر
عائًد ا على الموصوف تعَّين ( )3توهم االستقالل ،وكذلك الم التعريف ،فإَّن كاًّل من الَّضمير
واَّلالم ُيَعِّين صاحبه :هذا يعِّين ( )4تفسيره ،وهذا
__________
( )1في "ج"َ" :يْع ني".
( )2في "ج"" :أي".
( )3في "ب"" :نفى" ،في "هـ"" :تعَّين االستقالُل ".
( )4في "أ ،ب ،ج ،د"" :معنى".
()1/108
ُيَعِّين ما دخل عليه ،وقد قالوا في "زيد نعم الرجل" :إَّن األلف واَّلالم أغنت عن الضمير ،والَّلُه
أعلم.
وقد أعرب الزمخشري هذه اآلية إعراًبا اْع ُتِر َض عليه فيه ،فقالَ{ :ج َّناِت َعْد ٍن } معرفة ،لقوله:
{َج َّناِت َعْد ٍن اَّلِتي َو َعَد الَّر ْح َمُن ِع َباَدُه ِباْلَغْيِب } [مريم ،]61 :وانتصابها على أَّنها عطف بيان لـ
{َلُح ْسَن َمَئاٍب } ،و {ُمَف َّتَح ًة} حال ،والعامل فيها ما في {ِلْلُم َّتِق يَن } من معنى الفعل ،وفي
{ُمَف َّتَح ًة} :ضمير الجَّنات ،و {اَألَبَو اُب } :بدل من الضمير ،تقديره :مفتحة ،هي األبواب،
كقولهم" :ضرب زيد اليد والرجل" ،وهو من بدل االشتمال" ( . )1هذا إعرابه.
َّلِت ِت ٍن
فاعُتِر َض عليه بأَّن {َج َّنا َعْد } ليس فيها ما يقتضي تعريفها .وأَّما قوله{ :ا ي َو َعَد الَّر ْح َمُن
ِت ٍن ِص ِع
َباَدُه} َفَبَد ل ،ال َف ة .وبأَّن َ{ :ج َّنا َعْد } ال يسهل ( )2أن تكون عطف بيان لـ {َلُح ْسَن
َم َئاٍب } على قوله؛ ألَّن جريان المعرفة على النكرة عطف بيان = ال قائل به ،فإَّن القائَل قائالن:
أحدهما :أَّنه ال يكون إاَّل في المعارف ،كقول البصريين.
والثاني :أَّنه يكوُن في المعارف والَّنِكَر اِت بشرط المطابقة ،كقول الكوفيين وأبي علي الفارسي.
وقوله :إَّن في {ُمَف َّتَح ًة} ضمير الجَّنات ،فالظاهر خالفه ،وأَّن {اَأْلْبَو اُب } :مرتفٌع به ،وال ضمير
فيه.
__________
( )1انظر" :الكشاف".)100 /4( :
( )2في "د ،هـ" ونسخٍة على حاشية "أ"" :تشتمل".
()1/109
وقوله :إَّن {اَأْلْبَو اُب } :بدُل اشتماٍل ،فبدل االشتمال ( )1قد صَّر َح هو وغيره أَّنه ال ُبَّد فيه من
الَّضمير ،وإْن نازعهم فيه آخرون ،ولكن يجوُز أْن يكون الضمير ملفوًظا به ،وأْن يكون ُمَق َّد ًر ا،
وهنا لم يلفْظ به ،فال ُبَّد من تقديرِه أي :األبواب منها ،فإذا كان التقدير :مفتحة لهم هي األبواب
منها ،كان فيه تكثيُر لإلضماِر ،وتقليله أولى.
وفي "الصحيحين" ( : )2من حديِث أبي حازم ( )3عن سهل بن سعد رضي الَّلُه عنه أَّن رسول
الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :في الجَّنِة ثمانيُة َأْبَو اٍب ،باٌب منها ُيَس َّم ى الَّر َّياُن ،اَل َيْد ُخ ُلُه إاَّل
الَّصائمون".
وفي "الصحيحين" ( )4من حديث الزهري ،عن ُحَم ْيد بن عبد الرحمن ،عن أبي هريرة رضي الَّلُه
عنه قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلمَ" :-مْن َأْنَف َق َز وجيِن من شيٍء من األشياء في
سبيل الَّلِهُ ،دعي من أبواب الجَّنة :يا عبَد الَّلِه هذا خيٌر ،فمن كان من أهل الَّصالِة ُدعي من باب
الَّصالة ،ومن كان من أهل الجهاِد ُدِع َي من باب الجهاِد ،ومن كان من أهل الصدقة ُدعي من باب
الَّص دقة ،ومن كان من أهل الصيام ُدعي من باب الرَّيان" ،فقال أبو بكر :بأبي أنَت وُأِّم ي يا رسول
الَّلِه ،ما على من ُدعي من تلك األبواب من ضرورٍة ،فهل ُيدعى أحٌد من تلك األبواب كِّلها،
فقال" :نعم ،وأرجو أْن تكون منهم".
__________
( )1قوله" :فبدل االشتمال" ليس في "ب".
( )2البخاري رقم ( ،)3084ومسلم ( ،)1152واللفظ للبخاري.
( )3في "ب"" :حاتم" وهو خطأ.
( )4أخرجه البخاري رقم ( ،)3466ومسلم رقم ( ،)1027واللفظ للبخاري.
()1/110
وفي "صحيح مسلم" ( : )1عن عمر بن الخطاب رضى الَّلُه عنه عن الَّنبي -صلى الَّله عليه
ِل
وسلم -قال" :ما منكم من أحٍد يتوَّضأ َفُيب ُغ أو َفُيْس ِبُغ الوضوَء ثَّم يقول :أشهُد أْن ال إله إاَّل الَّلُه
وحده ال شريَك له ،وأشهُد ( )2أَّن محمًد ا عبُدُه ورسولُه ،إاَّل ُفِتَح ْت لُه أبواُب الجَّنة الثمانية
يدخُل من أِّيها شاء".
زاد الترمذي بعد التشهد" :اَّللهم اجعلني من الَّتوابين واجعلني من المتطهرين" (. )3
__________
( )1رقم (.)234
( )2قوله" :وحده ال شريك له ،وأشهُد " من رواية أخرى لحديث عمر عند مسلم رقم (.)234
( )3أخرجه الترمذي برقم (.)5
عن جعفر بن عمران الكوفي عن زيد بن الُح باب عن معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد الدمشقي
عن أبي إدريس الخوالني وأبي عثمان عن عمر بن الخطاب فذكره.
قال الترمذي" :حديث عمر قد ُخ وِلف زيد بن ُح باب في هذا الحديث ،روى عبد الَّله بن صالح
وغيره عن معاوية بن صالح عن ربيعة عن أبي إدريس عن عقبة بن عامر عن عمر ،وعن ربيعة بن
أبي عثمان عن ُجَبير بن ُنَف ْير عن عمر .وهذا حديٌث في إسناده اضطراب ،وال يصح عن الَّنبي -
صلى الَّله عليه وسلم -في هذا الباب كثير شيء".
قلت :هذه الزيادة شاَّذٌة ،وهي وهٌم من شيخ الترمذي جعفر بن عمران الكوفي "صدوق" ،فقد
خالفه أبو بكر بن أبي شيبة ،والعباس بن محمد الدوري ومحمد بن علي بن حرب ،وأسد بن
موسى ،وأبو بكر الجعفي ،كلهم عن زيد بن الحباب به ،ولم يذكروا هذه الزيادة" :اللهم اجعلني
من التوابين واجعلني من المتطهرين".
أخرجه مسلم في صحيحه رقم ( ،)234والنسائي ( ،)92 /1وابن خزيمة =
()1/111
زاد أبو داود واإلمام أحمد" :ثَّم رفع َنَظَر ُه إلى الَّس ماِء فقال. )1( " . . .
وعند اإلمام أحمد من رواية أنس يرفعه" :من توضأ فأحسَن الُو ُضوَء ،ثَّم قال ثالث مرات :أشهُد
أْن ال إلَه إاَّل الَّلُه وحده ال شريك له ،وأشهُد أَّن محمًد ا عبده ورسولهُ ،فِتَح له ثمانيُة أبواب الجَّنة
من أِّيها شاَء دخل" (. )2
وعن ُعْتبة بن َعْبٍد ( )3الُّس َلِم ي رضي الَّلُه عنه قال :سمعُت رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم-
يقول" :ما من مسلٍم ُيتوَّفى له ثالثٌة من الولد لم يبلغوا الِح ْنَث ،إاَّل تَلَّق وه من أبواب الجَّنة الثمانية،
من أِّيها شاء دخل".
__________
= رقم ( ،)223وأبو عوانة في مستخرجه ( 605و )607وغيرهم.
ورواه الليث بن سعد وابن وهب وعبد الرحمن بن مهدي كلهم عن معاوية ابن صالح عن ربيعة
عن أبي إدريس عن عقبة بن عامر.
ووقع في هذا الحديِث اختالٌف آخر ،انظر تفصيله في شرح الترمذي ألحمد شاكر (- 79 /1
.)83
( )1أخرجه أبو داود ( ،)170وأحمُد في مسنده (.)150 /4
من طريق أبي عقيل ُز هرة بن َمْع بد عن ابن عِّم ه عن عقبة بن عامر عن عمر فذكره.
وسنده ضعيف ،لجهالة ابن عم زهرة بن معبد ،انظر :التقريب رقم (.)8510
( )2أخرجه أحمد في المسند ( ،)265 /3وابن ماجه برقم ( )469وغيرهما.
من طريق زيد العِّم ِّي عن أنس بن مالك فذكره.
قال البوصيري" :هذا إسناٌد فيه زيد العِّم ي ،وهو ضعيف" انظر" :مصباح الزجاجة".)187 /1( :
( )3وقع في "هـ"" :عبد الَّله" وهو خطأ.
()1/112
رواه ابن ماجه ،وعبد الَّلِه بن أحمد عن ابن ُنَم ير ،حدثنا إسحاق بن سليمان ،حدثنا َح ِر ْيز بن
عثمان ،عن ُش َر حِبيل بن ُش ْف َعة ،عن ُعْتبة (. )1
__________
( )1أخرجه ابن ماجه رقم ( ،)1604وأحمد في المسند ( ،)183 /4والطبراني في الكبير( :
)125 /17رقم ( )309وغيرهم.
قال البوصيري" :هذا إسناٌد فيه شرحبيل بن شفعة ذكره ابن حبان في الثقات ،وقال أبو داود:
"شيوخ حريز كلهم ثقات" قلُت :وباقي رجال اإلسناد على شرط البخاري" .انظر" :مصباح
الزجاجة".)530 /1( :
()1/113
()1/114
()1/115
معاوية عن أبيه أَّن رسول الَّلِه -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :أنتم ُتَو َّفون سبعين (ُ )1أَّمة أنتم
أْخ يُر ها ( )2وأكرمها على الَّله ،وما بين مصراعين من مصاريع الجَّنة مسيرُة أربعين عاًم ا ،وليأتيَّن
عليه يوٌم وإَّنه ( )3لكظيظ" (. )4
__________
( )1من قوله "عن حكيم" إلى "سبعين" سقط من "ج".
( )2في "هـ"" :خيرها" وهي في بعض مصادر التخريج ،وفي أكثر مصادر التخريج "آخرها"،
ولهذا عَّلق ناسخ (أ) عليها بقوله "كذا".
( )3وقع في "أ" "وهو كظيظ" ،وفي باقي النسخ "وله كظيظ".
( )4أخرجه أحمد في مسنده ( )3 /5وعبد بن حميد رقم (" )411المنتخب".
وقد خولف حماد بن سلمة.
فرواه خالد بن عبد الَّلِه الطحان "-من رواية إسحاق بن شاهين ووهب بن بقية عنه ،-وعلي بن
عاصم كالهما عن الجريري به لكَّنهما قاال "مسيرة سبع سنين".
أخرجه ابن أبي داود في البعث رقم ( )60وابن أبي عاصم في اآلحاد والمثاني رقم ()1475
وابن حبان في صحيحه ( ،)8388 /16والروياني في مسنده ( ،)929والطبراني في "الكبير"( :
)424 /19رقم ( )1032وأبو الشيخ في العظمة رقم ( )577وغيرهم.
وقد رواه وهيب عن خالد عن الجريري به بلفظ "مسيرة أربعين عاًما".
أخرجه أبو نعيم في "الحلية".)205 - 204 /6( :
وهذا الحديُث معدوٌد في غرائب سعيد الجريري ،فقد قال أبو نعيم" :غريب عن الجريري ،تفَّر د
به عن حكيم".
وقال علي بن عاصم" :فحدثُت بهذين الحديثين -وسيأتي الحديث اآلخر ص ( -.)384بهز بن
حكيم ،فقال :لم أسمعهما" "الكامل".)67 /2( :
وأيًض ا فقد وقع اختالف عن حَّم اد بن سلمة في ذكر هذه الجملة "وما بين مصراعين " . .وعدم
ذكرها.
وأيًض ا فقد روى هذا الحديث مطَّو اًل أبو قزعة وبهز بن حكيم عن حكيم به ،فذكرا فيه الجملة
األولى "أنتم توفون " . . .فقط ،ولم يذكرا "وما بين مصراعين ." . . .فالَّلُه أعلُم بثبوته.
()1/116
وقد رواه ابن أبي داود :أنبأنا إسحاق بن شاهين ،أنبأنا خالد ،عن الجريري ،عن حكيم بن معاوية،
عن أبيه يرفعه" :ما بين كِّل مصراعين من مصاريع الجَّنة مسيرُة ( )1سبع سنين".
وُر ِّو ْيَنا في "مسند عبد بن حميد"" :ثنا الحسن بن موسى ،ثنا ابن لهيعة ،ثنا دَّر اج أبو السمح ،عن
أبي الهيثم ،عن أبي سعيد الخدري رضي الَّله عنه عن رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -قال:
"إَّن ما بين مصراعين في الجَّنة لمسيرة أربعين سنة" (. )2
وحديث أبي هريرة أصح ،وهذه النسخة ضعيفة ،والَّلُه أعلُم.
وروى أبو الشيخ :ثنا جعفر بن أحمد بن فارس ،ثنا يعقوب بن ُح ميد ،ثنا معن ،حدثنا خالد بن أبي
بكر ،عن سالم بن عبد الَّله ،عن أبيه رضي الَّله عنه أَّن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال:
"الباُب اَّلذي يدخل منه أهل الجَّنة
__________
( )1ليس في "أ".
( )2أخرجه عبد بن حميد في مسنده كما في المنتخب رقم ( ،)924وأحمد في المسند (/3
،)29وأبو يعلى في مسنده برقم ( ،)1275وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم ( )177وغيرهم.
قال اإلمام أحمد" :أحاديث دَّر اج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد فيها ضعف" "الكامل"/3( :
.)112
لكن قال ابن معين عن هذا اإلسناد" :ما كان هكذا بهذا اإلسناد فليس به بأس ،دَّر اج ثقة ،وأبو
الهيثم ثقة".
لكن تعَّق به فضلك الَّر ازي -فقد ُذكر له قول يحيى بن معين في دَّر اج أَّنه ثقة -فقال فضلك" :ما
هو بثقة وال كرامة" .انظر" :الكامل" البن عدي.)113 /3( :
()1/117
مسيرة الراكب المجود ( )1ثالًثا ،ثَّم إَّنهم ليْض َطِغُطوَن ( )2عليه ،حتى تكاد مناكبهم تزول".
رواُه أبو نعيم عنه (. )3
وهذا مطابق للحديث المتفق عليه" :إَّن ما بين الِم ْص راَعين كما بين مكة وُبْص َر ى" ( . )4فإَّن
الراكب المجِّو د ( )5غاية اإلجادة على أسرع مجرى ال َيْف تر لياًل وال نهاًر ا ،يقطع هذه المسافة
في هذا الَق ْد ر أو قريب منه.
وأَّما حديث حكيم بن معاوية :فقد اضطرب رواته ،فحَّم اد بن سلمة َذَك ر عن الُج َر ْيري الَّتْق دير
بأربعين عاًم ا ،وخالد ذكر عنه التقدير بسبع سنين ،وحديث أبي سعيد المرفوع في التقدير بأربعين
عاًم ا ،من طريق ( : )6دَّر اج عن أبي الَهْيَثم .قال اإلمام أحمد" :أحاديث دَّر اج :مناكير" (، )7
وقال أبو حاتم الَّر ازي" :ضعيف" ( ، )8وقال النسائي:
__________
( )1في "ب ،د ،هـ" "الُم ِج ّد ".
( )2في مصدر التخريج" :ليضغطون".
( )3أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة ،)179( :والترمذي رقم ( ،)2548والبيهقي في البعث
والنشور رقم ( )259وغيرهم.
قال الترمذي" :هذا حديث غريب" سألت محمًد ا -يعني البخاري -عن هذا الحديث فلم يعرفه،
وقال :لخالد بن أبي بكر مناكير عن سالم بن عبد الَّلِه".
وقال البغوي" :ضعيف منكر"" ،مصابيح السَّنة".)160 /2( :
( )4تقدم في أول هذا الباب ص (.)115
( )5عَّلق ناسخ "أ" على هذه الكلمة بقوله "كذا".
( )6في جميع النسخ "على طريقة" والصواب ما أثبُّت .
( )7في الجرح والتعديل" :دَّر اج حديثه منكر"" .الجرح".)442 /3( :
( )8في الجرح والتعديل (" :)442 /3دراج في حديثه صنعة ،قال أبو محمد :وكان =
()1/118
"ليس بالقوي" (. )1
فالصحيح المرفوع الَّس الم عن االضطراب والُّش ذوذ والعَّلة حديث أبي هريرة المتفق على صحته،
على أَّن حديث حكيم بن معاوية ليس التقدير فيه بظاهر الَّر فع ،ويحتمل أَّنه مدرج في الحديث
موقوف ،فيكون كحديث ُعتبة بن َغْز وان ،والَّلُه أعلُم.
__________
= دَّر اًج ا قاًّص ا." . .
( )1انظر" :تهذيب الكمال" للمزي (.)480 - 477 /8
()1/119
()1/120
غياث ( ، )1عن الفزاري قال" :لكِّل مؤمن في الجَّنة أربعة أبواب ،فباٌب يدخل عليه منه ُز َّو ارُه
من المالئكة ،وباب يدخل عليه أزواجه من الحور العين ،وباب مقفل فيما بينه وبين أهل الَّناِر ،
يفتحه إذا شاء ينظر إليهم لتعظم النعمة عليه ،وباب فيما بينه وبين دار السالم ،يدخل فيه على رِّبه
إذا شاء" (. )2
وقد روى ُس َه يل بن أبي صالح عن زياد الُّنميري ( ، )3عن أنس بن مالك رضي الَّلُه عنه قال :قال
رسول الَّلِه -صلى الَّله عليه وسلم" :-أنا أَّو ُل من يأخذ بحلقة باب الجَّنة وال فخر" (. )4
وفي حديث الشفاعة الطويل :من رواية ابن ُعَيْينة عن علِّي بن زيد عن أنس رضي الَّلُه عنه قال:
قال رسول الَّلِه -صلى الَّله عليه وسلم" :-فآخذ بحلقة باب الجَّنة فُأَقْع ِق ُعها" (. )5
__________
( )1كذا في جميع النسخ وعند أبي نعيم "عتاب" ولم أقف على هذا الرجل.
( )2أخرجه أبو نعيم في "صفة الجَّنة" رقم ( ،)174وهو مقطوع.
واإلسناد لم أقف على تراجم رجاله سوى أبي الشيخ األصبهاني وأحمد بن أبي الحواري.
( )3في "أ ،ج"" :المهدي" ،وفي "ب ،د ،هـ" ونسخة على حاشية "أ" "البهري" وكالهما خطأ.
( )4أخرجه أبو يعلى في "مسنده" )281 /7( :رقم ( ،)4305وأبو نعيم في "صفة الجَّنة" رقم (
.)182
والحديث مداره على زياد النميري ،ضعفه غير واحد.
انظر" :تهذيب الكمال".)493 - 492 /9( :
( )5أخرجه الحميدي في مسنده رقم ( )1204والترمذي برقم (= ،)3148
()1/121
وهذا صريٌح في أَّنها حلقة ِح ِّس ية ُتَق ْع َق ُع وُتَح َّر ك.
وروى ُس َه يل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الَّله عنه عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :آخذ
حلقة باب الجَّنة فيؤذن لي" (. )1
وُيْذ َك ُر عن علي رضي الَّله عنه" :من قال ال إله إاَّل الَّله الملُك الحُّق المبين -في كِّل يوم مئة
مَّر ة -كان له أماٌن من الفقِر ،وَأِم َن ( )2من وحشة القبِر ،واسَتجلب به الِغَنى ،واسَتْق رع به باب
الجَّنة" (. )3
__________
= والدارمي في "سننه" رقم (.)51
قال الترمذي" :هذا حديث حسن".
وقد صح عن أنس من وجٍه آخر :رواه ثابت البناني وعمرو بن أبي عمرو عن أنس في حديث
الشفاعة الطويل ،وفيه" :فآتي باب الجَّنة ،فآخذ بحلقة الباب ،فاستفتح " . . .لفظ ثابت.
أخرجه أحمد ( 144 /3و ،)247وأصله في مسلم رقم ( )197من رواية ثابت.
( )1أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة برقم (.)184
وفيه عبد الَّله بن جعفر المدني -والد علي بن المديني -وهو ضعيف ،انظر :تهذيب الكمال (
.)384 - 379 /14
ولعَّل هذا الحديث مما َو ِه َم فيه على ُس ِه يل بن أبي صالح.
( )2في "أ ،ج ،د ،هـ"" :وُأْو ِم ن".
( )3أخرجه أبو نعيم في "صفة الجَّنة" رقم ( ،)185وفي "الحلية" ،)280 /8( :والخطيب في
"تاريخ بغداد" ،)453 /12( :وابن عساكر في "معجم شيوخه" رقم (.)266
وهو حديث باطل ،تفَّر د به غانم بن الفضل عن اإلمام مالك ،وغانم هذا قال فيه يحيى بن معين:
"ضعيف ليس بشيء" ،نظر" :تاريخ بغداد".)354 /12( :
()1/122
فصل
ولَّم ا كانت الِج َناُن درجات بعضها فوق بعض ،كانت أبوابها كذلك ،وباب الجَّنَة العالية فوق
باب الجَّنة التي تحتها ،وكَّلما َعَلت الجَّنة اَّتسعت ،فعاليها أوسُع مَّم ا دونه ،وَسَعة الباب بحسب
وسع الجَّنة ،ولعَّل هذا وجه االختالف اَّلذي جاء في مسافة ما بين ِم ْص راعي الباب ،فإَّن أبوابها
بعضها أعلى من بعض.
ولهذه األمة باٌب مختص يدخلون منه دون سائر األمم ،كما في "المسند" من حديث ابن عمر
رضي الَّلُه عنهما عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :باُب ُأَّمتي اَّلذي يدخلون منه الجَّنة
عرضه مسيرة الراكب ثالًثا ،ثَّم إَّنهم ليْنضِغُطون ( )1عليه حَّتى تكاد مناكبهم تزول" (.)2
وفيه :من حديث أبي هريرة رضي الَّلُه عنه عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم" :-أتاني جبريُل،
فأخذ بيدي ،فأراني باب الجَّنة اَّلذي تدخُل منه أَّمتي" ()3
__________
( )1في "أ ،ج ،هـ"َ" :ليْنضِغُطون" ،وفي "د"" :ليضطغطون".
( )2تقدم تخريجه (ص ،)118 - 117 /وهو ال يثبت.
( )3أخرجه أبو داود برقم ( ،)4652وعبد الَّله بن أحمد في زوائده على فضائل الصحابة رقم (
258و )593وابن شاهين في السَّنة رقم ( )96وأبو نعيم في "فضائل الخلفاء األربعة وغيرهم"
رقم ( )30وغيرهم.
من طريق أبي خالد مولى جعدة عن أبي هريرة فذكره.
وسنده ضعيف فيه أبو خالد مولى جعدة ،قال الذهبي" :ال ُيعرف".
الميزان )360 /6( :رقم (.)10148
تنبيه :جعل بعضهم هذا الحديث :عن أبي يحيى مولى آل جعدة عن أبي هريرة ،وجعله بعضهم
عن أبي حازم سليمان األشجعي عن أبي هريرة =
()1/123
الحديث.
وسيأتي بتمامه إن شاُء الَّلُه تعالى (. )1
وقال َخ َلَف بن هشام البزار :حدثنا أبو شهاب عن عمرو بن قيس الُم الئي ،عن أبي إسحاق ،عن
عاصم بن َض ْم رة عن علي بن أبي طالب رضي الَّلُه عنه قال" :إَّن أبواب الجَّنة هكذا بعضها فوق
بعض ،ثَّم قرأَ{ :ح َّتى ِإَذا َج اُءوَه ا َو ُفِتَح ْت َأْبَو اُبَه ا} [الزمر ]73 :إذا هم عندها بشجرة في أصلها
عينان تجريان ،فيشربون من أَح َد يهما ،فال تترك في بطونهم قًذ ى وال أًذى إاَّل رَم ْته ،ويغتسلون
من اُألخرى ،فتجري عليهم نضرة النعيم ،فال تشعث رؤوسهم ،وال تغيُر أبشارهم بعد هذا أبًد ا،
ثَّم قرأِ{ :ط ْبُتْم َفاْدُخ ُلوَه ا َخ اِلِد يَن ([ } )73الزمر ]73 :فيدخل الرجل ،وهو يعرف منزلته،
ويتلقاهم الولدان ،فيستبشرون برؤيتهم ،كما يستبشر األهُل بالحميم يقدُم من الغيبة ،فينطلقون (
)2إلى أزواجهم فيخبرونهم بمعاينتهم ،فتقول :أنت رأيَته؟ فتقوم إلى الباب ،فيدخل إلى بيته،
فيتكئ على سريره ،فينظر إلى أساس بيته ،فإذا هو قد ُأِّس َس على اللؤلؤ ،ثَّم ينظر في أخضر
وأحمر وأصفر ،ثَّم يرفع رأسه إلى َسْم ِك ( )3بيته ،ولوال أَّنه ُخ ِلَق له الْلَتمَع بصره ،فيقول:
{اْلَحْم ُد ِلَّلِه اَّلِذ ي َه َد اَنا
__________
= وكالهما خطأ ،اضطرب فيه عمران بن ميسرة وخالفه جماعة من الثقات فرووه بالوجه
المخَّر ج وهو المشهور.
( )1انظر :الباب ( )26ص (.)229
( )2في "ب" "فيتطَّلعون".
( )3كذا في جميع النسخ ،وفي بعض مصادر التخريج "سقف".
()1/124
ِلَه َذ ا َو َما ُك َّنا ِلَنْهَتِد َي َلْو اَل َأْن َه َد اَنا الَّلُه} [األعراف . )1( ]43 :والَّلُه أعلم.
__________
( )1أخرجه المروزي في زوائده على الزهد البن المبارك رقم ( ،)1450وابن حبيب في "وصف
الفردوس" 122( :و ،)128وإسحاق بن راهويه في مسنده كما في المطالب العالية رقم (
)4601والطبري في تفسيره ( ،)35 /24وأبو نعيم في "صفة الجَّنة" رقم ()281 ،280
وغيرهم.
وفيه عاصم بن ضمرة صدوق ،وله مفاريد ومناكير عن علي ،فإن كان حفظه هكذا ،فهو ثابت
عن علي.
والحديث صححه الحافظ ابن حجر والبوصيري.
()1/125
الباب الثاني عشر في ذكر مسافة ما بين الباِب والباب
رِّو ْيَنا في "معجم الطبراني" :حدثنا مصعب بن إبراهيم بن حمزة الزبيري ،وعبد الَّله بن الصقر
العسكري ( )1قاال :حدثنا إبراهيم بن المنذر الِح َز امي ،حدثنا عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد
الرحمن بن عبد الَّلِه بن خالد بن ِح َز ام ،حدثني ( )2عبد الرحمن بن عَّياش األنصاري ،حدثنا َدْلَه م
بن األسود بن عبد الَّلِه بن حاجب بن الُم ْنَتفق.
قال دلهم :وحَّدثنيه أيًض ا أبو األسود عن عاصم بن َلِق يط ،أَّن لقيط ابن عامر خرج وافًد ا إلى
رسول الَّلِه -صلى الَّله عليه وسلم -قال :قلُت يا رسول الَّلِه فما الجَّنة والَّنار؟ قال :لعمر إلهك،
إَّن للَّنار سبعة أبواب ما منهَّن بابان إاَّل يسير الَّر اكُب بينهما سبعين عاًم ا ،وإَّن للجَّنة ثمانية أبواب،
ما منهن بابان إاَّل يسير الراكب بينهما سبعين عاًم ا" وذكر الحديث بطوله (.)3
__________
( )1في "أ ،ب ،ج ،د ،هـ"" :السكري" ،وفي "ب ،د"" :الصقير" بدل "الصقر" .وكالهما خطأ.
( )2سقط من "ب".
( )3أخرجه الطبراني في الكبير ( )214 - 211 /19رقم ( )477مطَّو اًل ،وعبد الَّله بن أحمد
في زوائده على المسند ( )14 - 13 /4مطَّو اًل ،وابن أبي عاصم في السَّنة رقم ( )524و (
)636والبخاري في "تاريخه" ( )250 - 249 /3مختصًر ا (في ترجمة دلهم).
وابن خزيمة في التوحيد رقم ( )271والدارقطني في الرؤية رقم (.)191
وفي سنده دلهم بن األسود وعبد الرحمن بن عياش واألسود بن عبد الَّله لم يوثقهم إاَّل ابن حبان
في الثقات ( )32 /4و ( )291 /6و (= .)71 /7
()1/126
وهذا الظاهر ( )1منه أَّن هذه المسافة بين الباب والباب؛ ألَّن ما بين مكة وُبْص َر ى ال يحتمل
التقدير بـ "سبعين عاًم ا" وال يمكن حمله على باٍب معَّين ،لقوله" :ما منهَّن بابان" ،والَّلُه أعلم.
__________
= والحديث صححه الحاكم وابن القيم.
وذكر ابن منده أَّن هذا الحديث "لم ينكره أحد ،ولم يتكلم في إسناده ،بل رووه على سبيل
القبول والتسليم " . .زاد المعاد (.)678 /3
وقال ابن كثير" :هذا حديث غريب جًّدا ،وألفاظه في بعضها نكارة".
وقال ابن حجر في ترجمة عاصم بن لقيط" :وهو حديث غريب جًّدا".
تهذيب التهذيب ( )260 /2ط :مؤسسة الرسالة.
وقال ابن الملقن في مختصر استدراك الذهبي ( . . ." :)3479 /7وال ينبغي أن يدخل هذا في
الصحاح لنكارته ،وجهالة دلهم بن األسود المذكور فيه".
( )1سقط من "ب" ،وجاء في "د"" :والظاهر أَّن هذه".
()1/127
()1/128
وعلى هذا المعنى أسباب الجَّنة والَّنار ُمقَّد ٌر ثابٌت في السماء من عند الَّله.
وقال الحارث بن أبي أسامة :حدثنا عبد العزيز بن أبان ،حدثنا َم ْه ِد ي بن ميمون ،حدثنا محمد بن
ِه
عبد الَّل بن أبي يعقوب ،عن ِبْش ر بن َشَغاف قال :سمعت عبد الَّله بن سالم يقول" :إَّن أكرَم
خليقة الَّله أبو القاسم -صلى الَّله عليه وسلم ،-وإَّن الجَّنة في السماء" رواه أبو نعيم عنه (. )1
وقال :ورواه معمر بن راشد ،عن محمد بن أبي يعقوب مرفوًعا.
ثَّم ساقه من طريق ابن منيع ،قال :حَّدثنا عمرو الَّناِقد حدثنا عمرو ابن عثمان ،حدثنا موسى بن
أعين ،عن معمر به مرفوًعا (. )3( )2
__________
( )1في صفة الجَّنة رقم ( ،)131والحارث ابن أبي أسامة في مسنده كما في المطالب العالية (
.)3851
في سنده عبد العزيز بن أبان هو األموي الكوفي ،وهو متروك ،وكَّذ به ابن معين وغيره ،التقريب (
.)4083
وقد توبع عبد العزيز تابعه :موسى بن إسماعيل التبوذكي وعفان ومحمد ابن كثير وخالد بن
خداش كلهم عن مهدي بن ميمون به نحوه.
أخرجه البخاري في تاريخه ( ،)76 /2والحاكم في المستدرك ( )612 /4رقم (.)8698
وقال الحاكم "هذا حديث صحيح اإلسناد ،ولم يخرجاه." . . .،
( )2من قوله" :ثَّم ساقه من طريق ابن منيع" إلى "مرفوًعا" سقط من "ج" ،وسقط من "ب"
"مرفوًعا".
( )3أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (.)131
وفيه :عمرو بن عثمان الكالبي قال النسائي واألزدي :متروك ،وقال =
()1/129
ثَّم ساَق من طريق محمد بن ُفَض يل ،حدثنا محمد بن عبيد الَّله عن عطية ،عن ابن عباس رضي الَّله
عنهما أَّنه قال" :الجَّنة في السماء السابعة ،ويجعلها الَّلُه حيث شاء يوم القيامة ،وجهَّنم في األرض
السابعة" (. )1
وقال ابن منده :حدثنا أحمد بن إسحاق حدثنا أبو أحمد الزبيري ،حدثنا محمد بن عبد الَّله ،عن
سلمة بن ُك هيل عن أبي الَّز ْع راء ،عن عبد الَّلِه قال" :الجَّنة فوق الَّس ماء الَّر ابعة ،فإذا كان يوم
القيامة جعلها الَّلُه حيث يشاء ،والَّنار في األرض السابعة ( ، )2فإذا كان يوم القيامة جعلها الَّلُه
حيث يشاء" (. )3
__________
= أبو حاتم" :يتكلمون فيه ،كان شيًخ ا أعمى بالرقة يحدث الَّناس من حفظه بأحاديث منكرة ال
يصيبونه في كتابه" .انظر :تهذيب الكمال (.)149 - 148 /22
وأيًض ا فقد رواُه ابن المبارك في الزهد ( )398عن معمر عَّم ن سمع محمد ابن عبد الَّلِه بن أبي
يعقوب بنحوه .والصحيح أنه موقوف.
( )1أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (.)132
وسنده ضعيف جًّدا ،فيه محمد بن عبيد الَّله بن أبي سليمان الَعْر َز مي ،قال الحاكم في المدخل:
"متروك الحديث بال خالف أعرفه بين أئمة النقل فيه" تهذيب التهذيب (.)638 /3
( )2في "هـ" وحاشية "أ" "السفلى" ،وأيًض ا (الزبعرى) بدل (الزعراء).
( )3أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم ( ،)134والبيهقي في البعث والنشور رقم ( ،)500وأبو
الشيخ في العظمة رقم (.)600
وفيه أبو الَّز ْع راء ،واسمه عبد الَّلِه بن هانئ ،قال البخاري" :وال يتابع في حديثه عن ابن مسعود
في الشفاعة" .ووثقه ابن سعد والعجلي وابن حبان.
انظر :الضعفاء الكبير للعقيلي ( ،)314 /3وتهذيب التهذيب (.)448 /2
()1/130
وقال مجاهد" :قلت البن عباس أين الجَّنة؟ قال :فوق سبع سماوات ،قلُت :فأين الَّنار؟ قال:
تحت سبعة أْبحٍر مطِبقة" (. )1
رواه ابن منده ،عن أحمد بن إسحاق عن الزبيري عن إسرائيل عن أبي يحيى ،عن مجاهد.
وأَّما األثُر اَّلذي رواه أبو بكر بن أبي شيبة :حدثنا عيسى بن يونس ،عن ثور بن يزيد ،عن خالد بن
َمْع دان ،عن عبد الَّلِه بن عمرو ،قال" :الجَّنة مطوية معلقة بقرون الشمس تنشر في كِّل عاٍم مَّر ة،
وإَّن أرواح المؤمنين في طير كالزرازير ( )2يتعارفون يرزقون من ثمر الجَّنة" (. )3
فهذا قد يظهر منه التناقض بين أَّو ل كالمه وآخره ،وال تناقض فيه؛ فإَّن الجَّنة المعلقة بقرون
الشمس ما يحدثه الَّلُه سبحانه بالشمس في كِّل سنة مَّر ة من أنواع الثمار والفواكه ،والنبات ()4
جعله الَّلُه تعالى مذكًر ا بتلك الجَّنة ،وآية داَّلة عليها ،كما جعل هذه الَّنار مذكرة بتلك؛ وإاَّل
فالجَّنة التي عرضها السماوات واألرِض ليست معَّلقة بقرون الشمس،
__________
( )1أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (.)135
وفيه :أبو يحيى القَّتات :لِّين الحديث ،انظر :التقريب (.)8444
( )2الزرازير :جمع َز ْر زور :وهو طائر ،انظر :الصحاح (.)548 /1
( )3أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ( )56 /7رقم ( ،)33967وأبو نعيم في "صفة الجَّنة" رقم
( )133والبيهقي في "البعث والنشور" رقم ( )228وغيرهم.
قال الجورقاني في "األباطيل"" :)321 - 320 /1( :هذا حديٌث باطل . .،وخالد بن معدان لم
يسمع من ابن عمرو شيًئا".
( )4في "ب"" :والثمار".
()1/131
()1/132
َّل
من ذلك ،ونظير هذا قوله في الحديث الصحيح" :إَّن ل ه تسعًة وتسعين اسًم اَ ،مْن َأْح صاها َدَخ َل
الجَّنة" (. )1
__________
= -وخالفهم همام بن يحيي الَعْو ذي.
فرواه عن زيد عن عطاء بن يسار عن عبادة بن الصامت فذكره باللفظ األَّو ل تقدم تخريجه.
ورَّج ح الترمذي رواية الجماعة فقال" :وهذا عندي أصح من حديث همام ،. . .وعطاء لم يدرك
معاذ بن جبل." . .
2و - 3ورواه هالل بن علي المدني ومحمد بن ُج حادة:
فقاال :عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة.
فذكره هالل باللفظ الثاني اَّلذي ذكره المؤلف ،وذكره ابن ُج حادة باللفظ األَّو ل مختصًر ا.
ولفظ هالل :هو الصواب؛ ألَّنه مدني ،ولم يختلف عليه لفًظا وال معًنى ،وإليه ذهب البخاري
وشيخ اإلسالم ابن تيمية.
فقد أخرجه البخاري في صحيحه ( )60الجهاد ،)4( ،باب :درجات المجاهدين في سبيل الَّلِه( .
)1028 /3رقم (.)2637
وأحمد في المسند ( ،)292 /2والترمذي ( )2528وقال" :حسن غريب".
وأيًض ا فقد جاء هذا اللفظ الثاني من حديث أبي الدرداء:
عند النسائي ( ،)20 /6والبخاري في تاريخه ( ،)203 /1وابن عساكر في تاريخ دمشق (/55
.)66
وفيه محمد بن عيسى الشامي ،وَّثقه ابن شاهين ،وقال ابن عدي" :ال بأس به ،. .وهو حسن
الحديث ." . . .وقال أبو أحمد الحاكم وابن حبان :مستقيم الحديث .وقال أبو حاتم الَّر ازي:
"ال يكتب حديثه وال يحتج به".
انظر :تهذيب الكمال (.)258 - 254 /26
فالسند ال بأس به ،والَّلُه أعلم.
( )1أخرجه البخاري برقم ( ،)6957ومسلم برقم ( )2677من حديث أبي هريرة =
()1/133
أي من جملة أسمائه هذا الَعَد د ،فيكون الكالم جملة واحدة في الموضعين.
ويدل على صحة هذا أَّن منزلة نبينا -صلى الَّله عليه وسلم -فوق هذا كِّله ،في درجٍة في الجَّنة
ليس فوقها درجة ،وتلك المئة ينالها آحاد ُأَّمته بالجهاد ،والجَّنة ُمَقَّببة أعالها أوسعها ،ووسطها:
هو الفردوس ،وسقفه العرش ،كما قال -صلى الَّله عليه وسلم -في الحديث الصحيح" :إذا
سألتُم الَّله فاسألوه الِف ْر َدوس ،فإَّنه وَس ُط الجَّنة وأعلى الجَّنة ( ، )1وفوقه عرش الرحمن ،ومنه
تفَّج ُر أنهار الجَّنة" (. )2
قال شيخنا أبو الحجاج المِّز ي" :والصواب رواية من رواه "وفوُقه" ِبَض ِّم القاف على أَّنه اسٌم ال
ظرف ،أي :وسقفه عرش الرحمن" (. )3
فإْن قيل :فالجَّنة جميعها تحت ( )4العرِش ،والعرش سقفها ،فإَّن الكرسي َو ِس َع السماوات
واألرِض ،والعرش أكبر منه.
قيل :لما كان العرش أقرب إلى الفردوس مَّم ا دونه من الجنان،
__________
= رضي الَّلُه عنه.
( )1قوله" :وأعلى الجَّنة" سقط من "أ".
( )2هو تتمة لحديث أبي هريرة المتقدم" :إَّن في الجَّنة مائة درجٍة." . .
وهذا اللفظ عند البخاري في صحيحه رقم (.)2987
( )3راجع فتح الباري (.)414 /13
( )4في "أ ،ج ،هـ"" :غير".
()1/134
بحيث ال جَّنة فوقه دون العرِش ( = )1كان سقًف ا له ( )2دون ما تحته من الجنان ،ولعظم سعة
الجَّنة ( )3وغاية ارتفاعها يكون الصعود من أدناها إلى أعالها بالتدريج شيًئا فشيًئا ،درجة فوق
درجة ،كما يقال لقارئ القرآن" :اقرأ وارَق ،فإَّن منزلتك عند آخر آية َتْق رؤها" (. )4
وهذا يحتمل شيئين :أن تكون منزلته عند آخر ِح ْف ظه ،وأْن تكون عند آخر تالوته لمحفوظه،
والَّلُه أعلم.
__________
( )1من قوله" :أقرب إلى" إلى "عرش" سقط من "ج".
( )2ليس في "أ" فقط.
( )3في "أ" "الجنان".
( )4أخرجه الترمذي رقم ( ،)2914وأبو داود رقم ( ،)1464وأحمد ( ،)192 /2وابن حبان (
،)766 /3والحاكم ( )739 /1رقم ( ،)2030وغيرهم.
من طريق عاصم بن أبي النجود عن زِّر بن ُحَبيش عن عبد الَّله بن عمرو فذكره.
قال الترمذي" :حسن صحيح".
والحديث صححه الترمذي وابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي.
وله شواهد :عن أبي هريرة ،وأبي سعيد وعائشة موقوًفا عليها بمعناه.
انظر :فضائل القرآن ألبي عبيد (ص ،)38 - 37 /وأخالق أهل القران لآلجري (ص- 48 /
.)51
()1/135
()1/136
وذكر البخاري في "صحيحه" عن وهب بن منبه أَّنه قيل له :أليس مفتاح الجَّنة ( )1ال إله إاَّل الَّله؟
قال :بلى ،ولكن ليس من مفتاح إاَّل وله أسناٌن ،فإن أتيت بمفتاح له أسنان ُفِتَح لك ،وإاَّل لم يفتح
(. )2
وروى أبو نعيم من حديث أبان عن أنس رضي الَّلُه عنه قال :قال أعرابي يا رسول الَّلِه ،ما مفاتيح
( )3الجَّنة؟ قال" :ال إله إاَّل الَّله" (. )4
وذكر أبو الشيخ من حديث األعمش عن مجاهد عن يزيد بن شجرة ( )5قال" :إَّن السيوف
مفاتيح الجَّنة" (. )6
__________
( )1في "ج" بعد الجَّنة "شهادة أاَّل إله إاَّل الَّلُه".
( )2ذكره البخاري في " "29الجنائز )1( ،باب :في الجنائز ،ومن كان آخر كالمه :ال إله إاَّل
الَّله ( ،)417 /1بلفظ :وقيل لوهب بن منبه.
ووصله في تاريخه الكبير ( ،)95 /1وأبو نعيم في "صفة الجَّنة" رقم ( )191وغيرهما.
( )3في "هـ"" :مفتاح".
( )4أخرجه أبو نعيم في "صفة الجَّنة" رقم (.)190
وفيه أبان بن أبي عياش البصري :وهو متروك الحديث ،انظر :التقريب (.)142
( )5من "هـ" ونسخة على حاشية "أ" ،وفي باقي النسخ "سخبرة" وهو خطأ.
( )6أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (.)192
وهو موقوف ،ويزيد بن شجرة مختلف في صحبته ،والصحيح ليست له صحبة كما قال أبو زرعة
وابن منده وغيرهما.
انظر :الجرح والتعديل ( ،)271 /9وتاريخ دمشق (.)226 /65
وقد ُر ِو َي هذا الحديث مرفوًعا عند أبي بكر الشافعي في الغيالنيات رقم ( ،)637وابن عساكر
في تاريخه (.)220 /65
وال يثبت ،فيه محمد بن يونس الكديمي ،وهو مَّتهم بالكذب .انظر= :
()1/137
وفي "المسند" من حديث معاذ بن جبل رضي الَّلُه عنه قال :قال رسول الَّلِه" :أاَل أدُّلَك على باِب
من أبواب الجَّنة؟ قلُت :بلى ،قال" :اَل حوَل وال قَّو ة إاَّل بالَّلِه" (. )1
وقد جعل الَّلُه سبحانه لكِّل مطلوب مفتاًح ا يفتح به ،فجعل مفتاح الصالة :الطهور ،كما قال -
صلى الَّله عليه وسلم" :-مفتاح الصالِة :الُّطهور (، )3( " )2
__________
= تهذيب الكمال (.)66 /27
قال ابن حجر" :الُك ديمي ضعيف ،والمحفوظ عن األعمش موقوًفا" ،اإلصابة (.)343 /6
( )1أخرجه أحمد في مسنده ( ،)228 /5والنسائي في عمل اليوم والليلة رقم ( ،)357وعبد بن
حميد في مسنده المنتخب رقم ( )128وغيرهم.
من طريق أبي رزين مسعود بن مالك األسدي عن معاذ فذكره.
وأبو رزين لم يسمع من معاذ ،فقد كان شعبة ينكر أن يكون سمع من ابن مسعود شيًئا ،وابن
مسعود توفي سنة 32هـ ،ومعاذ توفي سنة 18هـ.
وأيًض ا الحديث من رواية حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب ،وقد قيَل سمع حماد من عطاء
قبل اختالطه وبعده.
انظر :تهذيب الكمال ( ،)479 /27والكواكب النيرات ص (.)335 - 324
( )2قوله" :مفتاح الصالة الطهور" سقط من "ب".
( )3أخرجه الترمذي رقم ( ،)3وأبو داود رقم ( ،)61وابن ماجة رقم ( ،)275وأحمد (/1
)129وغيرهم.
من طريق عبد الَّلِه بن محمد بن عقيل عن محمد بن الحنفية عن علي فذكره مرفوًعا.
والحديث فيه ابن عقيل وفيه لين ،والحديث عَّده ابن عدي في الكامل ( )129 /4من منكراته.
قال الترمذي" :هذا الحديث أصح شيٍء في هذا الباب وأحسن".
والحديث جاء عن غير واحٍد من الصحابة وال يثبت عنهم ،والثابت عن =
()1/138
ومفتاح الحج :اإلحرام ،ومفتاح الِبِّر :الصدق ،ومفتاح الجَّنة :التوحيد ،ومفتاح ( )1العلم :حسن
السؤال وحسن اإلصغاء ،ومفتاح النصر والظفر :الصبر ،ومفتاح المزيد :الشكر ،ومفتاح الوالية
والمحبة :الذكر ( ، )2ومفتاح الفالح :التقوى ،ومفتاح التوفيق :الرغبة والرهبة ،ومفتاح اإلجابة:
الدعاء ،ومفتاح الرغبة في اآلخرة :الزهد في الدنيا ،ومفتاح اإليمان :التفكر فيما دعا الَّله عباده
إلى التفكر فيه ،ومفتاح الدخول على الَّلِه :إسالم القلب وسالمته له واإلخالص له في الُح ِّب
والبغض والفعل والَّترك ،ومفتاح حياة القلب :تدبر القرآن ،والتضرع باألسحاِر ،وترك الذنوب،
ومفتاح حصول الرحمة :اإلحسان في عبادة الخالق ،والَّس عي في نفع عبيده ،ومفتاح الرزق:
ِق َّلِه ِع
السعي مع االستغفار والتقوى ،ومفتاح ال ِّز :طاعة ال ورسوله ،ومفتاح االستعداد لآلخرةَ :ص ُر
األمِل ،ومفتاح كِّل خيٍر :الرغبة في الَّلِه والدار اآلخرة ،ومفتاح كِّل شٍّر ُ :ح ب الدنيا ،وطول
األمل.
وهذا باٌب عظيم من أنفع أبواب العلِم ،وهو معرفة مفاتيح الخير والشر ،ال ُيَو َّفق لمعرفته
ومراعاته إاَّل من َعُظَم حظه وتوفيقه ،فإَّن الَّلَه سبحانه وتعالى جعل لكِّل خير وشٍّر مفتاًح ا وباًبا
ُيْد َخ ل منه إليه ،كما
__________
= ابن مسعود موقوًفا.
انظر :الصيام من شرح العمدة البن تيمية (.)635 - 633 /2
( )1من قوله" :الطهور" إلى "التوحيد ومفتاح" سقط من "ج".
( )2في "د"" :المحَّبة للذكر" وقَّو مها الناسخ إلى "والمحبة".
()1/139
جعل الشرك والكبر واإلعراض عَّم ا بعث الَّلُه به رسوله ،والغفلة عن ذكره والقيام بحقه = مفتاًح ا
للَّنار ،وكما جعل الخمر :مفتاح كِّل إثٍم ،وجعل الغناء :مفتاح الزنا ،وجعل إطالق النظر في
الُّصَو ِر :مفتاح الطَلب والِعْش ق ،وجعل الكسل والراحة :مفتاح الخيبة والحرمان ،وجعل
المعاصي :مفتاح الكفر ،وجعل الكذب :مفتاح الِّنفاق ،وجعل الشح والحرص :مفتاح البخل
وقطيعة الرحم ،وأخذ المال من غير ِح ِّلِه ،وجعل اإلعراض عَّم ا جاء به الرسول -صلى الَّله عليه
وسلم :-مفتاح كل بدعة وضاللة.
وهذه األمور ال يصِّدق بها إاَّل من له بصيرة صحيحة ،وعقٌل يعرف به ما في نفسه ،وما في
الوجود من الخير والشِّر ،فينبغي للعبد أن يعتني كل االعتناء بمعرفة المفاتيح ،وما ُج ِعَلت مفاتيح
له ،والَّلُه من وراء توفيقه وعدله ،له الملك وله الحمُد ،وله النعمة والفضل ( ، )1ال ُيسأل عما
يفعل وهم ُيسألون.
__________
( )1في نسخٍة على حاشية "أ" "وله الفضل".
()1/140
الباب الخامس عشر في توقيع الجَّنة ،ومنشورها اَّلذي ُيَو َّقُع به ألصحابها بعد الموت ،وعند
دخولها
ِك ِع ِف ِع ِك
قال الَّلُه تعالىَ{ :ك اَّل ِإَّن َتاَب اَأْلْبَر اِر َل ي ِّلِّييَن (َ )18و َم ا َأْد َر اَك َما ِّلُّيوَن (َ )19تاٌب َمْر ُقوٌم
(َ )20يْش َهُدُه اْلُم َقَّر ُبوَن ([ })21المطففين.]21 - 18 :
فأخبر تعالى أَّن كتابهم كتاٌب مرقوم ،تحقيًق ا لكونه مكتوًبا كتابة (َ )1ح ِق يقية ،وخَّص تعالى كتاب
األبرار بأَّنه يكتب ويوقع لهم به بمشهد المقَّر بين من المالئكة والَّنبيين وسادات المؤمنين ،ولم
يذكر شهادة هؤالء لكتاب ( )2الفجار = تنويًه ا بكتاب األبرار ،وما وقع لهم به ،وإشهاًر ا له (
،)3وإظهاًر ا بين خواِّص خلقه ،كما تكتب الملوك تواقيع من تعظمه بين األمراء ،وخواص أهل
المملكة تنويًه ا باسم المكتوب له ( ،)4وإشادًة بذكره ،وهذا نوٌع من صالة الَّله سبحانه وتعالى،
ومالئكته على عبده.
وروى اإلمام أحمد في "مسنده" ،وابن حبان ،وأبو عوانة اإلسفرايني في "صحيحيهما" من حديث
المنهال ،عن زاذان عن البراء ابن عازب رضي الَّلُه عنه قال :خرجنا مع رسول الَّلِه -صلى الَّله
عليه وسلم-
__________
( )1في "ج"" :كأَّنه".
( )2في "ج"" :الكتاب" وهو خطأ.
( )3في "ج"" :وإشهاًدا له".
( )4ليس في "ب".
()1/141
إلى ( )1جنازٍة ،فجلس رسول الَّلِه -صلى الَّله عليه وسلم -على القبِر وجلسنا حوله كأَّن على
رؤوسنا الطير ،وهو ُيْلَح د له ( ، )2فقال" :أعوذ بالَّله من عذاب القبر ثالَث مَّر اٍت ،ثَّم قال :إَّن
المؤمن إذا كان في إقباٍل من اآلخرة وانقطاع من الدنيا؛ تنزلت إليه المالئكة كأَّن على وجوههم
الشمس مع كِّل واحٍد منهم كفن وحنوط ( ، )3فجلسوا منه مَّد بصره ،ثَّم يجيء ملك الموت
حَّتى يجلَس عند رأسه فيقول :أيتها النفس الطيبة أخرجي إلى مغفرٍة من الَّلِه ورضوان ،قال:
فتخرج تسيُل كما تسيُل القطرة ِم ْن ِفِّي ( )4الِّس قاِء فيأخذها ،فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة
عيٍن حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وذلك الحنوط ،ويخرج منها كأطيب نفحة مسٍك
ُو جَد ت على وجه األرِض ،قال :فيصعدون بها فال يمرون بها -يعني (َ )5على مٍأل من المالئكة-
إاَّل قالوا :ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون :فالن بن فالن .بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها
في الدنيا ،حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا ،فيستفتحون له ف فتح لهم ،و َش ِّيعه من كِّل سماٍء
ُي ُي
مقربوها إلى السماء التي تليها؛ حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الَّلُه عَّز وجل ( ، )6فيقول
الَّلُه عَّز وجل :اكتبوا
__________
( )1في "ب"" :في" ،وقد وردت في بعض الروايات.
( )2ليس في "ب".
( )3الحنوط :هو ما ُيْخ لط من الطيب ألكفان الموتى وأجسامهم خاَّص ة .النهاية (.)450 /1
( )4ليس في "ب".
( )5ليس في "أ".
( )6قوله" :إلى السماء التي فيها الَّلُه" كذا في جميع الُّنَس خ ،ولم أقف عليها.
()1/142
كتاب عبدي في عِّليين ،وأعيدوه إلى األرِض ،فإِّني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم
تارًة أخرى ،قال :فتعاُد روُح ه في جسده ،فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقوالن له :من رُّبَك ؟ فيقول:
رِّبي الَّله ،فيقوالن له :ما دينك؟ فيقول ديني اإلسالم ،فيقوالن له :ما هذا الرجل اَّلذي بعث
فيكم؟ فيقول :هو رسول الَّلِه ،فيقوالن له :وما علمك؟ فيقول :قرأُت كتاَب الَّلِه فآمنت به
وصَّدقت ،قال :فينادي مناٍد من السَّم اء :أْن َص دَق عبدي فأفرشوه من الجَّنة ،وألبسوه من الجَّنة (
، )1وافتحوا له باًبا إلى الجَّنة ،قال :فيأتيه من روحها وطيبها ،وُيفسُح له في قبره مَّد َبَص ِر ِه،
قال :ويأتيه رجٌل حسُن الوجه حسن الثياب طيُب الريح ،فيقوُل :أبشر باَّلذي يسُّر ك هذا يومك
اَّلذي كنَت ُتْو عد ،فيقول له ( : )2من أنَت فوجهك الوجه اَّلذي ( )3يجيء بالخير؟ فيقول :أنا
عملك الصالح ،فيقوُل :رِّب أقم الَّس اعة ،رِّب أقم الَّس اعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي.
قال :وإَّن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من اآلخرة (َ ، )4نَز َل إليه من السماء
مالئكٌة سوُد الوجوه معهم الُمُس ْو ُح ()5
__________
( )1قوله" :وألبسوه من الجَّنة" سقط من "ج".
( )2ليس في "ب".
( )3من المطبوعة.
( )4في "ج"" :انقطاع من اآلخرة ،وإقبال من الدنيا" وهو خطٌأ ظاهر.
( )5المسوح :جمع كثرة ،واحُدُهِ :م ْس ح ،وهو الكساُء من الشعر ،وجمع الِق َّلةَ :أْم َس اح .انظر:
لسان العرب (.)596 /2
()1/143
فيجلسون منه مَّد البصِر ( ، )1ثَّم يجيُء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول :أيتها النفس
الخبيثة ،أخرجي إلى سخٍط من الَّلِه وغضب ،قال :فتفَّر ق في جسده فينتزعها كما ينتزُع الَّس ُّف ود
( )2من الُّص وف المبلول ،فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عيٍن حتى يجعلوها في
تلك المسوح ،وتخرج منها كأنتن ريح جيفٍة وجدت على وجه األرِض ،فيصعدون بها فال َيمرون
بها على مٍأل من المالئكة إاَّل قالوا :ما هذا الروح الخبيث ( ، )3فيقولون :فالُن ابن فالن .بأقبح
أسمائه التي كان ُيسَّم ى بها في الدنيا ،حتى ينتهي بها إلى سماء الدنيا ( )4فيستفتح ( )5فال يفتح
له ،ثَّم قرأ رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم{ :-اَل ُتَف َّتُح َلُه ْم َأْبَو اُب الَّس َم اِء َو اَل َيْد ُخ ُلوَن اْلَج َّنَة
َح َّتى َيِلَج اْلَجَم ُل ِفي َس ِّم اْلِخ َياِط } [األعراف .]40 :فيقول الَّله عَّز وجل :اكتبوا كتاب عبدي
في ِس ِّج يٍن في األرِض السفلى .وُتطَر ح ُر وُح ُه َطرًح ا ،ثَّم قرأ رسول الَّلهَ{ :و َمْن ُيْش ِر ْك ِبالَّلِه َفَك َأَّنَم ا
َخ َّر ِم َن الَّس َم اِء َفَتْخ َطُفُه الَّطْيُر َأْو َتْه ِو ي ِبِه الِّر يُح ِفي َم َك اٍن َس ِح يٍق ([ } )31الحج ،]31 :فتعاد
روُح ُه في جسده ،ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقوالن له :من رُّبك؟ فيقول :هاه هاه! ال أدري،
فيقوالن له :ما هذا الرجل اَّلذي ُبِعَث فيكم؟ فيقول :هاه هاه ،ال أدري ،فينادي مناٍد من السماء،
أن كذب عبدي ( )6فَأفرشوه
__________
( )1في "ب ،د" ،ونسخٍة على حاشية "أ" (َبَص ِر ِه).
( )2الَّس ُّف ود :الحديدة التي يشوي بها اللحم .انظر :الصحاح (.)417 /1
( )3في "ب ،هـ"" :الخبيثة".
( )4قوله "حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا" سقط "ب".
( )5في نسخة على حاشية "أ" "فيستفتح له".
( )6ليس في "ب ،ج ،د".
()1/144
من النار وافتحوا له باًبا إلى الَّنار ،فيأتيه من حِّر ها وسمومها ،وُيَض َّيُق عليه قبُر ُه حتى تختلف فيه
أضالعه ،ويأتيه رجٌل قبيح الوجه ،قبيُح الثياب منتن الريح ،فيقول :أبشر باَّلذي يسوؤك ،هذا
يومك اَّلذي كنت توعد ،فيقول :من أنت فوجهك الوجه اَّلذي ( )1يجيء بالشر؟ فيقول أنا
عملك الخبيث ،فيقول :رِّب ال ُتِق ِم الَّس اعة" (.)2
ورواه أبو داود بطوله بنحوه ،فهذا التوقيع ،والمنشور األَّو ل.
فصل
وأَّما المنشور الثاني :فقال الطبراني في "معجمه" :حدثنا إسحاق ابن إبراهيم الَّدبري ،عن عبد
الرزاق عن سفيان الثوري ،عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عطاء بن يسار عن سلمان
الفارسي رضي الَّلُه عنه قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-ال يدخل الجَّنة أحٌد إاَّل
بجواٍز :بسم الَّلِه الرحمن الرحيم ،هذا كتاٌب من الَّله لفالن بن فالٍن َأْد خلوُه جنة عاليًة قطوفها
دانية" (.)3
__________
( )1من المطبوعة.
( )2تقدم الكالم عليه ص (.)34
( )3أخرجه الطبراني في الكبير ( )272 /6رقم ( )6191وفي األوسط ( )192 /2رقم (
،)2987والبيهقي في البعث ( ،)273والخطيب في تاريخ بغداد ( )208 /5و ( )98 /7وابن
الجوزي في العلل المتناهية ( )928 /2رقم (.)1547
قال ابن الجوزي" :هذا حديث ال يصح عن رسول الَّلِه -صلى الَّله عليه وسلم ،-أَّما الطريُق
األَّو ل :ففيه عبد الرحمن بن زياد ،قال أحمد بن حنبل :نحن ال نروي عن عبد الرحمن." . . .
()1/145
وأخبرنا سليمان بن حمزة الحاكم ،أنبأنا محمد بن عبد الواحد المقدسي ،أنبأنا زاهر الثقفي أَّن
عبد السالم بن محمد بن عبد الَّلِه أخبرهم ،أنبأنا المطهر بن عبد الواحد الُبزاني ( ، )1حدثنا
محمد بن إسحاق بن منده أنبأنا محمد بن علي البلخي ،حدثنا محمد بن ُخَش ام ( ، )2حدثنا
العباس بن زياد -ثقة ،-حدثنا َس ْع دان بن سعد ،حدثنا سليمان التيمي ،عن أبي عثمان النهدي عن
سلمان الفارسي رضي الَّلُه عنه أَّن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قالُ" :يْع طى المؤمن جواًز ا على
الِّص راط :بسم الَّله الرحمن الرحيم ،هذا كتاب من الَّلِه العزيز الحكيم ،لفالِن بن فالِن (، )3
أدخلوه جَّنًة عاليًةُ ،قطوفها دانية" (. )4
قلُت :وقع المؤمن في قبضة أصحاب اليمين يوم القبضتين ،ثَّم ُك ِتَب من أهل الجَّنة يوم نفخ
الروح فيه ،ثَّم ُيكتب في ديوان أهل الجَّنة يوم موته ( ، )5ثَّم ُيْع طى هذا المنشور يوم القيامة،
فالَّلُه المستعان.
__________
( )1في "أ ،ب ،ج ،د"" :البزاقي" ،وفي "هـ"" :البراقي" وكالهما خطأ.
انظر :تكملة اإلكمال البن نقطة ( )489 /1رقم (.)849
( )2في "ب ،ج ،د"" :خشنام" وهو خطأ.
( )3قوله" :ابن فالن" من "ج" فقط.
( )4أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه ( ،)318 /11والَّدارقطني في األفراد كما في أطراف
الغرائب ( /3رقم ،)2232وابن الجوزي في العلل المتناهية ( )928 /2رقم ()1548
وغيرهم.
قال الدارقطني" :تفَّر د به سعدان عن التيمي" ،قال ابن الجوزي" :سعدان مجهول ،وكذلك محمد
بن خشام".
( )5قوله" :يوم موته" سقط من "ب".
()1/146
الباب السادس عشر في توُّح د طريق الجَّنة وأَّنه ( )1ليس لها إاَّل طريق واحد
هذا مَّم ا اتفقت عليه الرسل من أَّو لهم إلى خاتمهم صلوات الَّله وسالمه عليهم .وأَّما طرق
الجحيم :فأكثر من أن ُتْح صى ،ولهذا ُيَو ِّح د الَّله سبحانه سبيله ،ويجمع سبل الَّنار كقوله تعالى:
{َو َأَّن َه َذ ا ِص َر اِط ي ُمْس َتِق يًم ا َفاَّتِبُعوُه َو اَل َتَّتِبُعوا [ /46ب] الُّس ُبَل َفَتَفَّر َق ِبُك ْم َعْن َس ِبيِلِه} [األنعام:
.]153وقالَ{ :و َعَلى الَّلِه َقْص ُد الَّس ِبيِل َو ِم ْنَه ا َج اِئٌر } [النحل .]9 :أي :ومن الُّس ُبل جائر ()2
عن القصد وهيُ :سُبل ( )3الغي ،وقالَ{ :ه َذ ا ِص َر اٌط َعَلَّي ُمْس َتِق يٌم} [الحجر.]41 :
وقال ابن مسعودَ :خ َّط لنا رسوُل الَّلِه -صلى الَّله عليه وسلم -خًّطا ،وقال" :هذا سبيل الَّلِه ،ثَّم
خَّط خطوًطا عن يمينه وعن يساره ،ثَّم قال :هذه ُسُبٌل على كِّل سبيٍل منها شيطاٌن يدعو إليه" ثَّم
قرأَ{ :و َأَّن َه َذ ا ِص َر اِط ي ُمْس َتِق يًم ا َفاَّتِبُعوُه َو اَل َتَّتِبُعوا الُّس ُبَل} اآلية [األنعام.)4( ]153 :
__________
( )1في "ب"" :وأنها".
( )2قوله" :أي :ومن السبل جائر" سقط من "ب ،د" ،ووقع في "ج"" :السبيل" بداًل من
"الُّس بل".
( )3في "ب ،د" "سبيل".
( )4أخرجه اإلمام أحمد في "المسند" ( ،)435 /1والمروزي في "السنة" رقم ( ،)11وابن
حبان في صحيحه رقم ( )6و ( ،)7والحاكم في المستدرك ( )349 - 348 /2رقم ()3241
وقال" :صحيح اإلسناد ولم يخرجاه".
من طريق عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن ابن مسعود ،فذكره= .
()1/147
ِد ِه ِك ِم ِه
فِإ ْن قيل :فقد قال الَّله تعالىَ{ :قْد َج اَءُك ْم َن الَّل ُنوٌر َو َتاٌب ُمِبيٌن (َ )15يْه ي ِب الَّلُه َمِن اَّتَبَع
ِر ْض َو اَنُه ُسُبَل الَّساَل ِم } [المائدة ]16 - 15 :قيل :هي ُسُبل تجتمع في سبيٍل واحٍد ،وهي بمنزلة
الجواِّد ( )1والطرق في الطريق األعظم ،فهذه هي شعب اإليمان يجمعها اإليمان ،وهي شعبة،
كما يجمع ساق الشجرة أغصانها وشعبها ،وهذه السبل هي إجابة داعي الَّلِه بتصديق خبره،
وطاعة أمره ،فطريق الجَّنة هي إجابة الَّداعي إليها ليس إاَّل .
وروى البخاري في "صحيحه" ( )2عن جابر -رضي الَّله عنه -قال" :جاءت مالئكة إلى الَّنبي -
صلى الَّله عليه وسلم ،-فقال بعضهم :إَّنه نائٌم ،وقال بعضهم :إَّن ( )3العين نائمٌة والقلُب يقظان،
فقالوا :إَّن لصاحبكم هذا مثاًل ،فاضربوا له مثاًل فقالوا :مثله مثل رجٍل بنى داًر ا وجعل فيها مأُدبًة
وبعث داعًيا ،فمن أجاب الَّداعي دخل الَّدار وأكَل من المأدبة ،ومن لم يجب
__________
= ورواه األعمُش ومنصور بن المعتمر عن أبي وائل به (رفعه :اَألعمش ،وأوقفه :منصور).
انظر :مسند البزار ( 1677 /5و .)1694
ورواه الربيع بن خثيم عن ابن مسعود بمعناه.
أخرجه البخاري في "صحيحه" في ( )84الرقاق ( )2359 /5رقم ( )6054وغيره.
( )1الجواُّد :جمع جاَّده وهو معظم الطريق ،الصحاح (.)389 /1
( )2أخرجه البخاري رقم ( )6852من طريق سليم بن حَّيان عن سعيد بن ِم ْيَناء عن جابر بن عبد
الَّله فذكره.
( )3من صحيح البخاري و"ب".
()1/148
الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة ،فقالوا :أَّو ُلوها له ( )1يْف قْه َه ا فقال بعضهم :إَّن العين
نائمة والقلب يقظان ،فالَّداُر :الجَّنة ،والَّداعي :محمٌد ،فمن أطاع محمًد ا -صلى الَّله عليه
وسلم -فقد أطاع الَّله ،ومن عصى محمًد ا فقد عصى الَّله ،ومحمد َفْر ٌق ( )2بين الَّناس".
ورواه الترمذي عنه ولفظه :خرج علينا رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -يوًم ا فقال" :إِّني
رأيت في المنام :كأَّن جبريل عند رأسي ،وميكائيل عند رجلي يقول أحدهما لصاحبه :اضرب له
مثاًل ،فقال :اسَم ع سِم عْت أذنك ،واعِق ْل َعَق َل قلُبك ،إَّنما مثُلَك ومثُل أَّمتك كمثل ملٍك اتخذ
داًر ا ،ثَّم بنى فيها بيًتا ،ثَّم جعل مائدًة ،ثَّم بعث رسواًل يدعو الَّناس إلى طعامه ،فمنهم من أجاب
الرسول ومنهم من تركه ،فالَّلُه هو الملُك ،والَّداُر اإلسالُم ،والبيُت الجَّنة ،وأنت يا محمد رسوٌل ،
فمن أجابك دخل اإلسالم ،ومن دخل اإلسالم دخل الجَّنة ،ومن دخل الجَّنة ( )3أكل ما فيها" (
. )4
__________
( )1من صحيح البخاري.
( )2وفي رواية أبي ذٍّر الهروي "فَّر ق" قال الحافظ في الفتح (" :)256 /13وكالهما مَّتجه".
( )3قوله" :من دخل الجَّنة" ليس في "ب".
( )4أخرجه الترمذي برقم (.)2860
من طريق سعيد بن أبي هالل عن جابر فذكره.
قال الترمذي" :هذا حديث مرسل ،سعيد بن أبي هالل ،لم يدرك جابر ابن عبد الَّله ،وقد روي
هذا الحديث عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -من غير هذا الوجه ،بإسناد أصح من هذا".
()1/149
وصَّح ح الترمذي من حديث عبد الَّله بن مسعود -رضي الَّله عنه -قال" :صَّلى بنا رسول الَّله -
صلى الَّله عليه وسلم -العشاء ثَّم انصرف ،فأخذ بيدي حتى خرج بي إلى بطحاء مكة ،فأجلسني
ثَّم خَّط علَّي خًّطا ،ثَّم قال :ال تبرحَّن خَّطَك ،فإَّنه سينتهي إليك رجال فال تكلمهم؛ فإَّنهم ال
يكلمونك ،ثَّم مضى رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -حيث أراد ،فبينا أنا جالٌس في خِّطي ،إذ
أتاني ِر جاٌل كأَّنهم الُّز ُّط ( ، )1أشعارهم وأجسامهم ،ال أرى عورًة ،وال أرى ِقْش ًر ا ،وينتهون إلَّي
ال يجاوزون الخَّط ،ثَّم يصدرون إلى رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -حَّتى إذا كان من آخر
الليل ،لكن رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -قد جاءني وأنا جالٌس فقال" :لقد ُأراني ( )2منُذ
الليلة" ،ثَّم دخل علَّي في َخ ِّطي فتوَّس َد فخذي فرقد ،وكان رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم-
إذا رقد نفخ ،فبينا أنا قاعٌد ،ورسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -متوسٌد فخذي إذا أنا برجاٍل
عليهم ثياٌب بيٌض ،الَّله أعلُم ما بهم من الجمال ،فانتهوا إلَّي فجلس طائفٌة منهم عند رأس رسول
الَّله -صلى الَّله عليه وسلم ،-وطائفة منهم عند رجليه ،ثَّم قالوا :ما رأينا عبًد ا قُّط ( )3أوتي مثل
ما أوتي هذا الَّنبي ،إَّن عينيه تنامان وقلُبُه يقظان ،اضربوا له مثاًل ،مثَل سيٍد بنى قصًر ا ثَّم جعل
مأُدبًة فدعا الَّناس إلى طعامه وشرابه ،فمن أجابه أكَل من طعامه وشرب من شرابه ،ومن لم يجبه
عاقبه أو قال عذبه ،ثَّم ارتفعوا واستيقظ رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -عند ذلك
__________
( )1الُّز ّط :جيل من الَّناس .الواحدُ :ز ِّطي ،مثل :الزنج وزنجي ،والُّر وم ورومي .الصحاح (/1
.)882
( )2في "ب"" :رأى" ،وفي باقي النسخ "رآني" ،والمثبت من سنن الترمذي ،ومعنىُ" :أراني" :أي
لم أنم.
( )3من الترمذي.
()1/150
فقال :سمعت ما قال هؤالء؟ وهل تدري من هم؟ قلت :الَّلُه ورسولُه أعلم ،قال :هم المالئكة،
فتدري ما المثل اَّلذي ضربوه؟ قلت :الَّلُه ورسوله أعلم ،قال ( : )1الرحمن بنى الجَّنة ،ودعا
إليها عباَدُه فمن أجابه دخل الجَّنة ،ومن لم يجبه ( )2عَّذ به" (. )3
__________
( )1في الترمذي بعد "قال"" :المثل اَّلذي ضربوه".
( )2في الترمذي بعد "يجبه" "عاقبه أو".
( )3أخرجه الترمذي برقم ( )2861وقال" :حسن صحيح غريب من هذا الوجه" ،والبخاري في
تاريخ الكبير ( )200 /2من طريق جعفر بن ميمون عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي عثمان
النهدي عن ابن مسعود فذكره بطوله.
وجعفر هذا ضعفه اإلمام أحمد والنسائي وغيرهما ،وقال ابن عدي" :أرجو أَّنه ال بأس به ،ويكتب
حديثه في الضعفاء" .انظر :الكامل.)139 - 138 /2( :
وقد خولف جعفر هذا ،خالفه سليمان بن طرخان.
فرواه عن أبي تميمة عن عمرو البكالي عن ابن مسعود فذكره مطواًل "والبكالي :مجهول".
أخرجه أحمد في المسند ( ،)399 /1والبخاري في األوسط ( ،)234 /1والكبير (.)200 /2
قال البخاري" :وال ُيْع رف لعمرو سماًعا من ابن مسعود".
وله طرق ُأخرى عن ابن مسعود ،أعَّلها كلها البخاري في الكبير واألوسط ،وأعلها أيًض ا أبو حاتم
وأبو زرعة الرازيان ،وَبَّيُنوا أَّن الثابت عن ابن مسعود أَّنه له لم يكن مع الَّنبي -صلى الَّله عليه
وسلم -ليلة الجن ،انظر :صحيح مسلم رقم (.)450
بل قال أبو حاتم وأبو زرعة" :وال يصح في هذا الباب شيء" .انظر علل ابن أبي حاتم (.)45 /1
()1/151
()1/152
أَّنه ُفِّض َل عليه أحٌد من الَّناس" (.)1
وتأَّمل قوله :كيف أوقع الَّتْف ضيل أَّواًل بدرجة ،ثَّم أوقعه ثانًيا بدرجات ،فقيل :األَّو ل بين القاعد
والمعذور والمجاهد ،والثاني بين القاعد بال عذر والمجاهد،
وقال تعالىَ{ :أَفَم ِن اَّتَبَع ِر ْض َو اَن الَّلِه َك َمْن َباَء ِبَس َخ ٍط ِم َن الَّلِه َو َمْأَو اُه َجَه َّنُم َو ِبْئَس اْلَم ِص يُر (
ُ )162ه ْم َدَرَج اٌت ِع ْنَد الَّلِه َو الَّلُه َبِص يٌر ِبَم ا َيْع َم ُلوَن ([ })163آل عمران.]163 - 162 :
ِل ِج ِك ِذ ِم
وقال تعالىِ{ :إَّنَم ا اْلُم ْؤ ُنوَن اَّل يَن ِإَذا ُذ َر الَّلُه َو َلْت ُقُلوُبُه ْم َو ِإَذا ُت َيْت َعَلْيِه ْم آَياُتُه َز اَدْتُه ْم
ِئ ِف ِم َّلِذ ِق ِإ
يَم اًنا َو َعَلى َر ِّبِه ْم َيَتَو َّك ُلوَن ( )2ا يَن ُي يُم وَن الَّصاَل َة َو َّم ا َر َز ْقَناُه ْم ُيْن ُقوَن (ُ )3أوَل َك ُه ُم
اْلُم ْؤ ِم ُنوَن َح ًّق ا َلُه ْم َدَرَج اٌت ِع ْنَد َر ِّبِه ْم َو َمْغِف َر ٌة َو ِر ْز ٌق َك ِر يٌم ([ })4األنفال.]4 - 2 :
وفي "الصحيحين" ( )2من حديث مالك عن َص ْف وان بن ُس َليم ،عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد
َّل َّل َّل
الخدري رضي ال ُه عنه أَّن رسول ال ه -صلى ال ه عليه وسلم -قال" :إَّن أهل الجَّنة َليتراءون أهَل
الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الُّد ِّر ي الغابَر من اُألفق :من المشرق أو المغرب؛
لتفاضل ما بينهم ،قالوا :يا رسول الَّله ،تلك منازل األنبياء ال يبلغها
__________
( )1أخرجه ابن المبارك في الزهد -زوائد نعيم -رقم ( ،)246وابن أبي حاتم في تفسيره (/5
رقم .)8799
وسنده صحيح.
( )2أخرجه البخاري رقم ( ،)3083ومسلم رقم (.)2831
()1/153
غيرهم؟ قال" :بلى ،واَّلذي نفسي بيده رجاٌل آمنوا بالَّلِه وصَّدقوا المرسلين".
ولفظ البخاري "في األفق" :وهو أْبَين (. )1
والغابر :هو الَّذ اهب الماضي اَّلذي قد تدَّلى للغروب .وفي التمثيل به دون الكوكب المسامت
للَّر أس ،وهو أعلى = فائدتان:
أحدهماُ :بْعُدُه عن العيون.
والثانية :أَّن الجَّنة درجات بعضها أعلى من بعض ،وإْن لم ُتسامت العليا الُّس فلى ،كالبساتين
الُمْم تدة من رأس الجبل إلى ذيله ،والَّلُه أعلم.
وفي "الصحيحين" ( )2أيًض ا من حديث سهل بن سعد -رضي الَّله عنه -أَّن رسول الَّله -صلى
الَّله عليه وسلم -قال" :إَّن أهل الجَّنة ليتراءون الغرفة في الجَّنة ،كما تراءون الكوكب في أفِق
السماء".
وقال اإلمام أحمد :حدثنا قراد ( ، )3أخبرني ُفَليح عن هالل يعني ابن علي ،عن عطاء ،عن أبي
هريرة رضي الَّلُه عنه أَّن رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :إَّن أهل الجَّنة ليتراءون في
الجنة كما تراءون -أو ترون (- )4
__________
( )1في نسخٍة على حاشية "أ"َ" :بَّين".
( )2أخرجه البخاري رقم ( ،)6188ومسلم رقم (.)2830
( )3كذا في جميع النسخ ،وفي المسند ،وأطرافه البن حجر (" )417 /7فزارة" هو :ابن عمرو،
وهو الصواب.
( )4قوله" :أو ترون" ليس في "ب ،د".
()1/154
الكوكب الدرِّي الغارَب في األفق الطالع في تفاضل الَّدرجات" ،قالوا يا رسول الَّله أولئك
الَّنبُّيون؟ قال" :بلى ،واَّلذي نفسي بيده وأقواٌم آمنوا بالَّلِه وصَّد ُقوا المرسلين" (. )1
ورجال هذا اإلسناد احتَّج بهم البخاري في "صحيحه".
وفي هذا الحديث" :الغارب" ،وفي حديث أبي سعيد" :الغابر" .وقوله" :الطالع" ِص َف ة للكوكب،
وَص َف ُه بكونه غارًبا ،وبكونه طالًعا.
وقد ُصِّر َح بهذا ( )2المعنى في الحديث اَّلذي رواُه ابن المبارك :عن فليح بن سليمان عن هالل
بن علي عن عطاء عن أبي هريرة رضي الَّلُه عنه عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم" :-إَّن أهل
الجَّنة ليتراءون في الغرف كما ُيرى
__________
( )1أخرجه أحمد في مسنده ( ،)339 ،335 /2وابن خزيمة في "التوحيد" )907 /2( :رقم (
،)620والترمذي ( ،)2556وابن منده في اإليمان (.)406
من طرق عن فليح عن هالل به ،وقد خولف هالل:
خالفه صفوان بن ُس ليم :فرواه عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد.
أخرجه البخاري ومسلم كما تقدم قريًبا ص (.)153
قال محمد بن يحيى الذهلي" :ال أبعد أْن يكون عطاء بن يسار قد سمعه من أبي سعيد وأبي هريرة
رضي الَّله عنهما".
وقال الذهلي أيًض ا" :حديث مالك عن صفوان بن سليم صحيح ،وال يدفع حديث هالل ،ولعَّل
عطاء بن يسار حفظه عنهما" .انظر :علل الَّدارقطني ( .)101 /11قلت :فليح في حفظه كالم،
فأخشى من وهمه هنا.
فقد رواه النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد بمثل لفظ سهل بن سعد وزاد "كما تراءون
الكوكب الغارب في األفق الشرقي والغربي".
أخرجه البخاري برقم ( )6188ومسلم برقم (.)2831
( )2في "ب"" :خِّر ج هذا" وفي "د"" :خرج بهذا" بداًل من "ُصِّر ح بهذا".
()1/155
الكوكب الشرقي ،والكوكب الغربي في األفق في تفاضل الدرجاِت ،قالوا :يا رسول الَّله أولئك
الَّنبيون؟ قال :بلى ( ، )1واَّلذي نفسي بيده وأقواٌم آمنوا بالَّله وصَّدقوا المرسلين" (. )2
وهذا على شرط البخاري أيًض ا.
وفي "المسند" من حديث أبي سعيد رضي الَّلُه عنه قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه
وسلم" :-إَّن المتحابين لُترى غرُفهم في الجَّنة كالكوكب الطالع الشرقِّي أو الغربِّي ،فيقال :من
هؤالء؟ فيقال :هؤالء المتحاُّبون في الَّلِه عَّز وجَّل" (. )3
وفي "المسند" من حديث أبي سعيد رضي الَّلُه عنه أيًض ا عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال:
"إَّن في الجَّنة مئة درجٍة ،ولو أَّن العالمين اجتمعوا في إحداهَّن لوسعتهم (. )5( " )4
__________
( )1في الزهد البن المبارك "ال بل".
( )2أخرجه ابن المبارك في الزهد -زوائد نعيم ،برقم ( ،)418والترمذي برقم ( ،)2556وابن
أبي الدنيا في التوكل على الَّلِه رقم ( )41وغيرهم.
قال الترمذي" :حسن صحيح".
( )3أخرجه أحمد في "المسند".)78 /3( :
وفيه انقطاع أبو حازم واسمه سلمة بن دينار لم يسمع من أحد من الصحابة سوى سهل بن سعد
الساعدي رضي الَّلُه عنه.
انظر :جامع التحصيل ص ( )187رقم (.)255
( )4وقع في "أ"" :اجتمعوا فيهَّن في إحداهَّن وسعتهن" ،وكتب الناسخ على "فيهَّن "" :كذا".
( )5أخرجه أحمد في المسند ( ،)29 /3والترمذي برقم ( ،)2531وأبو يعلى في =
()1/156
وفي "المسند" عنه أيًض ا عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قالُ" :يقال لصاحب القرآن إذا دخل
الجَّنة :اقرأ واصعْد ،فيقرأ ويصعد بكِّل آيٍة درجة ،حَّتى يقرأ آخر شيٍء معُه" (. )1
وهذا صريٌح في أَّن درج الجَّنة تزيد على مائة درجة (. )2
وأَّما حديث أبي هريرة -رضي الَّله عنه -اَّلذي رواه البخاري في صحيحه ( )3عن الَّنبي -صلى
الَّله عليه وسلم -قال" :إَّن في الجَّنة مائة درجٍة أعَّدها الَّلُه للمجاهدين في سبيله بين كَّل درجتين
كما بين السماء واألرِض ،فإذا سألتم الَّلَه فاسألوه الفردوس ،فإَّنه وسط الجَّنة ،وأعلى الجَّنة،
وفوقه عرش الرحمن ،ومنه تفَّج ُر أنهار الجَّنة".
فإَّم ا أن تكون هذه المائة درجة من جملة الَد َر ج ،وإَّما أْن تكون نهايتها هذه المائة ،وفي ضمن
كل درجة درج ( )4دونها.
__________
= مسنده ( )530 /2رقم (.)1398
من طريق دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد.
وقد تقَّدم الكالم عن مثل هذا اإلسناد في ص (.)117
والحديث ضعفه الترمذي بقوله" :هذا حديث غريب".
( )1تقدم ص (.)135
( )2ليس في "أ ،ب ،د" .وجاء في نسخة على حاشية "أ" ما يلي" :وقد تقدم أَّن آيات القرآن
ستة آالف ومائتا آية وستة عشر آية ،فعلى هذا درجات الجَّنة كذلك".
( )3تقدم ص (.)134
( )4ليس في "ب".
()1/157
ويدل على المعنى األَّو ل حديث زيد بن أسلم ،عن عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل -رضي الَّله
عنه -قال :سمعُت رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -يقول" :من صَّلى هؤالء الصلوات
الخمس ،وصام شهر رمضان كان حًّق ا على الَّلِه أن يغفر له هاجر أو قعَد حيُث ولدته ُأُّمُه" ،قلُت :
يا رسول الَّله أال أخرُج فُأوذن الَّناس؟ قال" :ال ،ذِر الَّناَس يعملون ،فإَّن في الجَّنة مائة درجة بين
كِّل درجتين منها مثل ما بين السماء واألرِض ،وأعلى درجٍة منها الفردوس ،وعليها يكون العرُش ،
وهي أوسط شيٍء في الجَّنة ،ومنها تفجر أنهار الجَّنة ،فإذا سألتم الَّلَه فسلوه الفردوس" (. )1
رواه الترمذي هكذا بلفظة "في" (. )2
وروى أيًض ا :من حديث عطاء عن عبادة بن الصامت أَّن رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم-
قال" :في الجَّنة مائة درجة" ( )3ثَّم ذكر نحو حديث معاذ.
وفيه أيًض ا :من حديث عطاء عن أبي هريرة -رضي الَّله عنه -قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله
عليه وسلم" :-في الجَّنة مائة درجٍة ( )4ما بين كَّل درجتين مائة عاٍم " ( . )5قال" :هذا حديٌث
حسن غريب".
__________
( )1تقدم ص ( ،)133 - 132وهو منقطع.
( )2سقط من "ب ،د" قوله "في".
( )3تقدم ص (.)133 - 132
( )4من قوله" :ثَّم ذكر نحو" إلى "درجة" سقط من "ب ،ج".
( )5أخرجه الترمذي برقم ( ،)2529وأحمد (.)29 /3
من طريق شريك القاضي عن محمد بن جحادة عن عطاء عن أبي هريرة فذكره.
وخالفه مالك بن مغول ،فرواه عن محمد بن ُج حادة عن عطاء بن أبي =
()1/158
وفيه أيًض ا :من حديث أبي سعيد يرفعه" :إَّن في الجَّنة مائة درجة لو أَّن العالمين اجتمعوا في
إحداهَّن لوسعتهم" (. )1
ورواه أحمُد بدون لفظة" :في" كما تقَّدم .وقد رويت هذه األحاديث بلفظة" :في" وبدونها ،فإن
كان المحفوظ ثبوتها فهي من جملة درجها ،وإْن كان المحفوظ سقوطها ،فهي الَّد َر ج الكبار
المتضمنة للَّدرج الِّص غار ،والَّله أعلم.
وال تناقض بين تقدير ما بين الدرجتين بالمائة وتقديرها بالخمس مائة الختالف الَّس ير في السرعة
والُبْط ِء ،والَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -ذكر هذا تقريًبا لألفهام ،ويدل عليه حديث زيد بن
ُح باب ( : )2حدثنا عبد الرحمن بن ُش َر يح ،حَّدثني أبو هانئ الُّتِج يبي ،سمعُت أبا علي الَج ْنبي ()3
سمعت أبا سعيد الخدري -رضي الَّله عنه -يقول :سمعت رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم-
يقول" :مائة درجة في الجَّنة ما بين الدرجتين ما بين السماء واألرض ،وأبعد مَّم ا بين السماء
واألرض" قلُت :يا رسول الَّله لمن؟ قال" :للمجاهدين في سبيل الَّلِه" (. )4
__________
= رباح قوله.
قال الَّدارقطني في العلل (" :)103 /11وهو أصُّح ".
( )1تقدم ص (.)158 - 157
( )2في "ب"" :حبان" ،وفي "ج"" :حيان" ،وفي "هـ"" :خباب" وكلها خطأ.
( )3في "ب ،د ،هـ"" :التجيبي" وهو خطأ ،انظر :تهذيب الكمال (.)209 /22
( )4أخرجه عبد بن حميد في مسنده "المنتخب" رقم ( ،)920وابن أبي الدنيا في "صفة الجنة"
رقم (.)192
وسنده حسن.
()1/159
()1/160
عن اسم كان الُمْس َتِتر فيها ،وال تكون "أنا" فْص اًل ،وال توكيًد ا ،بل مبتدأ.
وفي "الصحيحين" ( )1من حديث جابر -رضي الَّله عنهما -قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله
عليه وسلم" :-من قال حي يسمع الَّنداء :اَّللهم َّب هِذِه الدعوة الَّتاَّمة ،والَّصالة القائمة ،آِت
َر َن
َّل
محمًد ا الوسيلَة والفضيلة ،وابعثه مقاًما محموًد ا الذي وعدته ،ح ت ( )2له شفاعتي ( )3يوم
القيامة".
هكذا لفظ الحديث" :مقاًم ا" بالَّتنكير ليوافق لفظ اآلية؛ وألَّنُه لَّم ا تعين وانحصر نوعه في شخصه
جرى مجرى المعرفةَ ،فُو ِص َف بما توصف به المعارف ،وهذا ألطف (ِ )4م ْن َج ْع ِل "اَّلذي وعدته"
بداًل ،فتأمله.
وفي "المسند" من حديث عمارة بن َغِز َّية ،عن موسى بن َو ْر َد ان عن أبي سعيد الخدري -رضي
الَّله عنه -قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-الوسيلة درجٌة عند الَّلِه عَّز وجَّل ،ليس
فوقها درجٌة ،فسلوا الَّله لي ( )5الوسيلة" (. )6
__________
( )1أخرجه البخاري رقم ( )589و ( ،)4442ولم يخرجه مسلم في صحيحه.
( )2وقع في "أ ،ج ،هـ"" :إاَّل حَّلت" ،والمثبت من البخاري و"ب ،د".
( )3في جميع النسخ" :الشفاعة" ،والمثبت من البخاري ،انظر :فتح الباري (.)96 /2
( )4في "ج"" :لفظ" وهو خطأ.
( )5في المسند" :أْن يؤتيني" بدل "لي".
( )6أخرجه أحمد في مسنده= .)83 /3( :
()1/161
وذكره ابن أبي الدنيا وقال فيه" :درجٌة في الجَّنة ليس في الجَّنة درجة أعلى منها ،فسُلوا الَّلَه أْن
يؤتينيها على رؤوس الخالئِق " (. )1
وقال أبو نعيم ،أنبأنا سليمان بن أحمد :حدثنا أحمد بن عمرو بن مسلم ( )2الخاَّل ل ،حدثنا عبد
الَّله بن عمران العابدي ( ، )3حدثنا ُفَض يل
__________
= من طريق ابن لهيعة عن موسى بن وردان عن أبي سعيد فذكره.
قال الهيثمي" :رواه أحمد والطبراني في األوسط ،وفيه ابن لهيعة ،وفيه ضعف" .مجمع الزوائد( :
.)332 /1
تنبيهان:
- 1الحديث لم يخرجه أحمد في مسنده من طريق عمارة بن غزية ،وإَّنما هو عند الطبراني في
األوسط.
- 2ليس في سند الطبراني في األوسط ابن لهيعة ،كما سيأتي.
( )1أخرج ابن أبي الدنيا في "صفة الجنة" رقم (.)201
من طريق إسماعيل بن عياش عن عمارة عن موسى عن أبي سعيد فذكره.
ورواه إسماعيل بن جعفر وسعيد بن أبي أيوب عن عمارة بن غزية عن موسى عن أبي سعيد
فذكره.
أخرجه الطبراني في األوسط رقم ( 263و .)1466
ولفظ إسماعيل بن جعفر مثله وفيه . . ." :فسلوا الَّلَه أْن يؤتيني الوسيلة على خلقه".
وأَّما طريُق سعيد بن أبي أيوب فضعيٌف جًّدا.
والحديث مداره على موسى بن وردان وهو تابعٌي قاص صدوق يخطئ ،له مفاريد ،ولعَّل هذا
منها .انظر :تهذيب الكمال.)166 - 163 /29( :
( )2وقع في جميع النسخ "عمرو بن سليم" ،وجاء في نسخة على حاشية "أ"" :عمر" بداًل من
"عمرو" وهو خطأ.
( )3جاء في "د"" :العبادي" ،وفي "ب"" :العايدي" .انظر :األنساب للسمعاني =
()1/162
ابن ِع َياض عن منصور عن إبراهيم عن األسود عن عائشة -رضي الَّله عنها -قالت :جاء رجٌل إلى
الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -فقال :يا رسول الَّله ،والَّلِه إَّنك ألحٌّب إلَّي من نفسي ،وإَّنك
ألحب إلَّي من أهلي ،وأحُّب إلَّي من ولدي ،وإِّني ألكون في البيت ،فأذكرك فما أصبر حَّتى آتيك
فأنظَر إليك ،وإذا ذكرُت موتي وموتك؛ عرفُت أَّنك إذا دخلت الجَّنة ُر فعَت مع النبيين ،وإَّني إذا
دخلُت الجَّنة خشيُت أْن ال أراَك .فلم يرَّد عليه ( )1الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -حتى نزل
ِم ِب َّلِذ ِئ ِط
جبريل بهذه اآليةَ{ :و َمْن ُي ِع الَّلَه َو الَّر ُس وَل َفُأوَل َك َمَع ا يَن َأْنَعَم الَّلُه َعَلْيِه ْم َن الَّن ِّييَن
َو الِّص ِّديِق يَن َو الُّش َه َد اِء َو الَّصاِلِح يَن َو َح ُسَن ُأوَلِئَك َر ِفيًق ا ([ } )69النساء." )2( ]69 :
__________
= (.)107 /4
( )1ليس في "ج".
( )2أخرجه الطبراني في األوسط رقم ( ،)477وفي الصغير رقم ( ،)52وأبو نعيم في "الحلية":
( )240 - 239 /4و ( )125 /8والواحدي في أسباب النزول ص ( ،)66وغيرهم.
قال الطبراني" :لم يروه عن منصور عن إبراهيم ،. .إاَّل فضيل ،تفَّر د به عبد الَّله بن عمران".
وقال أبو نعيم" :غريب من حديث فضيل ومنصور مَّتصاًل ،تفَّر د به العابدي فيما قاله سليمان".
وقال أيًض ا" :هذا حديث غريب من حديث منصور وإبراهيم ،تفَّر د به فضيل وعنه العابدي".
قلُت :العابدي صدوق ،قاله أبو حاتم" ،الجرح" ،)130 /5( :لكن يخشى من خطئه.
فقد رواه جرير وزائدة بن قدامة وعبيدة بن حميد كلهم عن منصور عن أبي الضحى مسلم بن
ُصبيح عن مسروق فذكره مرساًل بنحوه= .
()1/163
قال الحافظ أبو عبد الَّله المقدسي" :ال أعلم بإسناد هذا الحديث بأًس ا".
وُس ِّم يت درجة الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -الوسيلة؛ ألَّنها أقرب الدرجات إلى عرش الرب (
)1تبارك وتعالى ،وهي أقرب الدرجات إلى الَّلِه.
وأصل اشتقاق لفظ" :الوسيلة" من الُقْر ب .وهي َفِعيَلةِ :م ْن َو َس َل إليه :إذا تقَّر ب إليه.
قال َلبْيد:
بلى كُّل ذي رأٍي إلى الَّلِه واسُل ()2
ومعنى الوسيلة :من الُو ْص َلة ،ولهذا كانت أفضل الجَّنة وأشرفها ،وأعظمها نوًر ا.
قال صالح بن عبد الكريم :قال لنا ُفَض يل بن ِع َياض :تدرون ِلَم حسنت الجَّنة؟ ألَّن عرش رب
العالمين سقفها (. )3
__________
= أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ( )997 /3رقم ( ،)577والواحدي في "أسباب النزول" ص
( ،)165وابن أبي شيبة في "المصنف" ( )328 /6رقم ( )31765وغيرهم.
قلت :ولعل المرسل أشبه بالصواب ،وقد وردت عدة مراسيل بنحو ذلك :عن سعيد بن جبير
وعكرمة وقتادة والربيع.
( )1في "ب"" :الرحمن".
( * )2ديوان لبيد ص (.* )256
( )3أخرجه الخطيب في تاريخه (.)312 /9
()1/164
وقال الحكم بن أبان :عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الَّله عنهما" :-نور سقف مساكنهم نوُر
عرشه" (. )1
وقال بكر ( )2عن أشعث عن الحسن" :إَّنما ُس ِّم يت َعْد ن؛ ألَّن فوقها العرش ،ومنها ( )3تفَّج ر
أنهار الجَّنة ،وللحور الَعْد ِنَّية الفضُل على سائر الحور (. )5( " )4
والُقْر َبى والُّز ْلَف ى :واحد ،وإْن كان في الوسيلة معنى التقرب إليه بأنواع الوسائل.
قال الكلبي" :واطلبوا إليه القربة باألعمال الصالحة" (. )6
__________
( )1أخرجه ابن أبي الدنيا في "صفة الجَّنة" رقم ( )22وأوله" :إذا سكن أهل الجَّنِة الجَّنة :نَّو ر. .
." .
وسنده ضعيٌف ،فيه حفص بن عمر العدني والحكم بن أبان ،وهما ضعيفان.
انظر" :تهذيب الكمال" 44 - 41 /7( :و .)88 - 86
( )2في "أ"" :بكر بن أشعث" ،وفي باقي النسخ "بكر عن أشعث" ،وعند ابن أبي الدنيا "مروان
بن بكير" ،ويحتمل أَّنه "بكر بن ُخَنيس" ،انظر :تهذيب الكمال (.)265 /3
( )3في "هـ"" :وفيها".
( )4قوله" :على سائر الحور" ليس في "ج".
( )5أخرجه ابن أبي الدنيا في "صفة الجَّنة" رقم (.)23
وفيه أشعث بن سوار الكندي ،وهو ضعيف.
انظر :تهذيب الكمال (.)266 - 264 /3
( )6انظر الوسيط للواحدي (.)183 /2
()1/165
()1/166
الباب التاسع عشر في عرض الَّر ِّب تعالى سلعته ( )1الجَّنة على عباده وثمنها اَّلذي طلبه منهم
وعقد التبايع اَّلذي وقع بين المؤمنين وبين رِّبهم
َأ اَل ِبَأَّن َل اْل َّنَة َق اِتُلوَن ِفي ِبيِل الَّلِه ِم ِن ِم
َس ُه ُم َج ُي قال تعالىِ{ :إَّن الَّلَه اْش َتَر ى َن اْلُم ْؤ يَن َأْنُفَس ُه ْم َو ْم َو ُه ْم
َأ َفى ِب ْه ِدِه ِم الَّلِه ِن ِة ِج ِه ِف
َن َفَيْق ُتُلوَن َو ُيْق َتُلوَن َو ْعًد ا َعَلْي َح ًّق ا ي الَّتْو َر ا َو اِإْل ْن يِل َو اْلُقْر آ َو َمْن ْو َع
َفاْس َتْبِش ُر وا ِبَبْيِعُك ُم اَّلِذ ي َباَيْعُتْم ِبِه َو َذِلَك ُه َو اْلَف ْو ُز اْلَعِظ يُم} [التوبة.]111 :
فجعل سبحانه الجَّنة ثمًنا لنفوس المؤمنين وأموالهم ،بحيث إذا بذلوها فيه استحُّق وا الَّثمن ،وَعَق َد
معهم هذا العقَد ،وأَّك دُه بأنواع التأكيد :أحدها :إخباُر ُه سبحانه بصيغة الخبر المؤَّك د بأداة إَّن .
الثاني :اإلخباُر بذلك بصيغة الفعل الماضي ،اَّلذي قد ( )2وقع وثبت واستقر.
الثالث :إضافة هذا العقد ( )3إلى نفسه سبحانه وأَّنه هو اَّلذي اشترى هذا المبيع.
__________
( )1في "أ ،ج ،هـ"" :سلعة".
( )2ليس في "أ".
( )3في "ب"" :الفعل".
()1/167
الَّر ابع :أَّنه أخبر بأَّنه وعد بتسليم هذا الثمن َو ْعًد ا ال ُيْخ ِلُفُه وال يتركه.
الخامس :أَّنه أتى بصيغة "على" التي للوجوب ،إعالًم ا لعباده ،بأَّن ذلك حٌّق عليه ،أَح َّق ه هو على
نفسه.
السادس :أَّنه أَّك د ذلك بكونه حًّق ا عليه.
السابع :أَّنه أخبر عن محل هذا الوعد ،وأَّنه في ( )1أفضل كتبه المنزلة من السماء ،وهي :التوراة
واإلنجيل والقرآن.
الثامن :إعالمه لعباده بصيغة استفهام اإلنكار ،وأَّنه ال أحد أوفى بعهده منه سبحانه.
التاسع :أَّنه سبحانه أمرهم أْن َيْبشروا بهذا العقد ،وُيبِّش ر به بعضهم بعًض ا بشارة من قد تَّم له
العقد ولزم ،بحيث ال يثبت فيه خيار ،وال يعرض له ما يفسخه.
العاشر :أَّنه أخبرهم إخباًر ا يؤِّك د ( )2بأَّن ذلك البيع اَّلذي بايعوا به هو الفوز العظيم ،والبيع ها
هنا :بمعنى الَم ِبيع اَّلذي أخذوه بهذا الثمن ،وهو الجَّنة.
وقولهَ{ :باَيْعُتْم ِبِه } أي :عاوضتم وثامنتم به.
ثَّم ذكر سبحانه أهل هذا العقد الذين وقع العقد وتَّم لهم دون
__________
( )1ليس في "أ ،ج".
( )2في "ب ،د ،هـ" ونسخٍة على حاشية "أ"" :مؤَّك ًد ا".
()1/168
غيرهم ،وهم:
{ -الَّتاِئُبوَن } مما يكره.
{ -اْلَعاِبُد وَن } له بما يحب.
{ -اْلَح اِم ُد وَن } له على ما يحبون وما يكرهون.
{ -الَّس اِئُح وَن } وُفِّس رت الِّس ياحة :بالصيام ،وُفِّس رت :بالسفر في طلب العلم ،وُفِّس رت:
بالجهاد ،وُفِّس رت :بدوام الطاعة.
والتحقيق فيها :أَّنها سياحة القلب في ذكر الَّله ومحبته واإلنابة إليه والشوق إلى لقائه ،ويترتب
عليها كل ما ذكر من األفعاِل ،وكذلك وصف نساء الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -اَّلالتي لو طلق
أزواجه بَّدله بهن ،بأَّنهَّن {َس اِئَح اٍت } [التحريم ]5 :وليست سياحتهن جهاًدا ،وال سفًر ا في طلب
العلم ،وال إدامة صيام ،وإَّنما هي سياحة قلوبهَّن في محبة الَّله وخشيته واإلنابة إليه وذكره.
وتأَّمل كيف جعل سبحانه التوبة والعبادة قرينين :هذه ترك ما يكره ،وهذه فعل ما يحب .والحمد
والسياحة قرينين :هذا الثناء عليه بأوصاف كماله ،وسياحة اللسان في أفضل ذكره ،وهذا سياحة
القلب في ُح َّبه وذكره وإجالله.
كما جعل سبحانه العبادة والسياحة قرينين في صفة األزواج :فهذه عبادة البدن ،وهذه عبادة
القلب.
وجعل اإلسالم واإليمان قرينين :فهذا عالنية ،وهذا في القلب؛
()1/169
كما في "المسند" عنه -صلى الَّله عليه وسلم" :-اإلسالم عالنية ،واإليمان في القلِب " (. )1
وجعل القنوت والتوبة قرينين :فهذا فعل ما يحب ،وهذا ترُك ما يكره.
وجعل الُّثيوبة والَبَك ارة قرينين ،فهذه قد وطئت وارتاضْت وُذِّللت صعوبتها ،وهذه َرْو َض ة ُأُنٌف (
)2لم ُيرتع فيها بعد.
وجعل الركوع والسجود قرينين ،وجعل األمر بالمعروف والنهي عن المنكر قرينين ،وأدخل
بينهما الواو دون ما تقدم إعالًم ا بأَّن أحدهما ال يكفي حتى يكون مع اآلخر ،وجعل ذلك قريًنا
لحفظ
__________
( )1أخرجه أحمد في المسند ،)135 /3( :وابن أبي شيبة في "المصنف" )159 /6( :رقم (
،)30310وفي اإليمان رقم ( ،)6وأبو يعلى في "مسنده" ،)302 - 301 /5( :والعقيلي في
"الضعفاء الكبير" )250 /3( :وابن عدي في "الكامل" ،)207 /5( :وابن حبان في
"المجروحين" )111 /2( :وغيرهم.
من طريق علي بن مسعدة عن قتادة عن أنس فذكره.
والحديث منكر ،تفَّر د به علي بن مسعدة عن قتادة ،وعلي بن مسعدة فيه ضعف ،والحديث عَّده
العقيلي وابن عدي وابن حبان من منكرات علي بن مسعدة ،بل قال ابن عدي" :ولعلي بن مسعدة
غير ما ذكرت عن قتادة ،وكلها غير محفوظة" قلت :كحديث" :كل بني آدم خَّطاء ،وخير
الخطائين التوابون" عند الترمذي برقم ( )2499وغيره.
وقال" :غريٌب ال نعرفه إاَّل من حديث علي بن مسعدة" ،وجعله ابن عدي وابن حبان من منكراته.
انظر :تهذيب الكمال.)132 - 129 /21( :
( )2قال الجوهري في "الصحاح"" :)1022 /2( :وروضة ُأُنف ،بالضم ،أي لم َيْر عَه ا أحد".
()1/170
حدوده ،فهذا ِح ْفُظها في نفس اإلنسان ،وذاك ( )1أمُر غيِر ِه بحفظها .وأفهمت اآلية :خطر النفس
اإلنسانية وشرفها ،وعظم مقدارها ،فإَّن السلعة إذا خفي عليك قدرها فانظر إلى المشتري لها من
هو ،وانظر إلى الثمن المبذول فيها ما هو؟ وانظر إلى من جرى على يده عقد التبايع ،فالِّس لعة:
النفس ،والَّلُه سبحانه :المشتري لها ،والثمن :جَّنات النعيم ،والَّس ِف ْير في هذا العقد :خير خلقه من
المالئكة وأكرمهم عليه ،وخيرهم من البشِر وأكرمهم عليه.
قد هيؤوَك َألمٍر لو َفِط ْنَت له ...فاْر بْأ ِبنفِس َك َأْن َتْر َعى َمَع الَه َم ِل ()2
وفي "جامع الترمذي" من حديث أبي هريرة -رضي الَّله عنه -قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله
عليه وسلم" :-من خاَف أدلج ،ومن أدَل بلَغ المنزَل ،أاَل إَّن سلعَة الَّلِه غاليٌة ،أاَل إَّن سلعَة الَّلِه
َج
الجَّنة" ( . )3قال" :هذا حديٌث حسن غريب".
__________
( )1في "أ"" :ذلك".
( )2البيت للطغرائي في "المية العجم".
انظر" :الغيث المسجم في شرح المية العجم" للصفدي )438 /2( :وفيه "رَّش ُح وك" بدل
"هَّيؤوك".
( )3أخرجه الترمذي رقم ( ،)2450والبخاري في تاريخه ( )111 /2والعقيلي في "الضعفاء
الكبير" )383 /4( :وغيرهم.
من طريق يزيد بن سنان الرهاوي عن بكير بن فيروز عن أبي هريرة:
والحديث منكٌر بهذا اإلسناد ،تفَّر د به يزيد بن سنان أبو فروة الرهاوي وهو ضعيف.
ولهذا قال الترمذي" :حسٌن غريب." . .
وقد جاء هذا المتن من حديث ُأبِّي بن كعب عند أبي نعيم في "الحلية"= :
()1/171
وفي كتاب "صفة الجَّنة" ألبي نعيم من حديث أبان ،عن أنس -رضي الَّله عنه -قال :جاء أعرابي
إلى رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -فقال :ما ثمن الجَّنة؟ قال" :ال إله إاَّل الَّله" (. )1
وشواهد هذا الحديث كثيرٌة جًّدا.
وفي "الصحيحين" ( )2من حديث أبي هريرة -رضي الَّله عنه" :-أَّن أعرابًّيا جاء إلى رسول الَّلِه
-صلى الَّله عليه وسلم ،-فقال :يا رسول الَّلهُ ،دَّلني على عمٍل إذا عملته دخلُت الجَّنة ،فقال:
"تعبد الَّله ال تشرُك به شيًئا ،وتقيُم الصالة المكتوبة ،وتؤتي الزكاة المفروضة ،وتصوُم رمضان"
قال" :واَّلذي
__________
= ( ،)377 /8والحاكم في المستدرك )343 /4( :رقم ( ،)7852من طريق وكيع وعبد الَّله
بن الوليد العدني عن الثوري عن عبد الَّله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن ُأبي عن أبيه ُأبي بن
كعب فذكره ،وفيه زيادة.
قال أبو نعيم" :غريب تفَّر د به وكيع عن الثوري بهذا اللفظ".
قلت :الراوي عن وكيع هو يحيى بن إسماعيل الواسطي ،وقد خالفه اإلمام أحمد وأبو كريب
وعبد الَّله بن هاشم العبدي وغيرهم كلهم رووه عن وكيع به بدون زيادة هذا المتن "من خاف
أدلج ،" . .وإنما بلفظ" :جاءت الراجفة تتبعها الَّر ادفة." . . .
وأَّم ا رواية العدني فلم يتابع عليه ،فلم يروه من أصحاب الثوري إاَّل هو ،ووكيع "في الرواية
المرجوحة عنه" .والحديث صححه الترمذي ،وليس فيه هذا المتن.
والحديث مدارُه على ابن عقيل ،وفيه لين.
( )1أخرجه أبو نعيم في "صفة الجَّنة" ،رقم (.)51
وإسناده واٍه جًّدا ،فيه محمد بن مروان السدي :متهٌم بالكذب ،وأَّم ا أسيد بن زيد ،وأبان
فمتروكان.
انظر :ميزان االعتدال.)419 ،124 /1( :
( )2أخرجه البخاري رقم ( ،)1333ومسلم رقم (.)14
()1/172
نفسي بيده ال أزيُد على هذا شيًئا أبًد ا وال أنقُص منه ،فلَّم ا وَّلى قال" :من سَّر ُه أْن ينظَر إلى رجٍل
من أهل الجَّنة فلينظر إلى هذا".
وفي "صحيح مسلم" ( )1عن جابر -رضي الَّله عنه -قال :أتى النعمان بن َقْو َقل إلى رسول الَّله
-صلى الَّله عليه وسلم -فقال :يا رسول الَّلِه أرأيت إذا صليت المكتوبة ،وحَّر مت الحرام،
وأحللُت الحالل ،أدخل الجَّنة؟ فقال الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم" :-نعم".
وفي "صحيح مسلم" ( )2عن عثمان بن عفان -رضي الَّله عنه -قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله
عليه وسلم" :-من ماَت وهو يعلُم أن ال إله إاَّل الَّله دخَل الجَّنة".
وفي "المسند" و"سنن أبي داود" عن معاذ بن جبل -رضي الَّله عنه -قال :سمعت رسول الَّله -
صلى الَّله عليه وسلم -يقوُل " :من كاَن آخُر كالمه :ال إله إاَّل الَّله ،دخل الجَّنة" (. )3
__________
( )1رقم (.)15
( )2رقم (.)26
( )3أخرجه أبو داود رقم ( )3116وأحمد في المسند ( ،)234 /5والطبراني في الكبير (/3
)271 - 270رقم ( ،)1373 - 1372والبزار في مسنده ( )77 /7رقم (،)2626 ،2625
والحاكم ( )503 /1رقم ( )1299وغيرهم.
من طريق صالح بن أبي عريب عن كثير بن ُمَّر ة عن معاذ فذكره.
وفيه صالح بن أبي ُعريب ،ذكره ابن حبان في الثقات ،وروى عنه جماعة ،وقال ابن القطان" :ال
تعرف حاله".
انظر" :تهذيب الكمال" ،)73 /13( :و"بيان الوهم واإليهام".)206 /2( :
والحديث صحح إسناده الحاكم.
وللحديث شاهد عن أبي هريرة :مرفوًعا ،والصحيح موقوف .وعن ابن =
()1/173
وفي "الصحيحين" ( )1عن أبي ذٍّر -رضي الَّله عنه -قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه
وسلم" :-أتاني آٍت من ربي فأخبرني -أو قال -فبشرني أَّنه من ماَت من أمتك ال يشرك بالَّلِه
شيًئا دخل الجَّنة ،قلُت :وإن زنى وإْن سرق؟ قال :وإْن زنى وإن سرق".
وفي "الصحيحين" ( )2من حديث عبادة بن الصامت قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه
وسلم" :-من قال :أشهُد أْن ال إله إاَّل الَّله وحده ال شريك له ،وأَّن محمًد ا عبُدُه ورسوله ،وأَّن
عيسى عبُد الَّلِه ورسوله ،وكلمته ألقاها إلى مريم وروٌح منه ،وأَّن الجَّنة حٌّق ،وأَّن الَّنار حٌّق،
أدخلُه الَّلُه من أِّي أبواب الجَّنة الثمانية شاء".
وفي لفٍظ " :أدخله الَّلُه الجَّنة على ما كان من عمل" (. )3
وفي "صحيح مسلم" (" : )4أَّن رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -أعطى أبا هريرة نعليه فقال:
"اذهْب بنعلَّي هاتين ،فمن لقيَت من وراء هذا الحائط يشهد أن ال إله إاَّل الَّله مستيقًنا بها قلُبُه،
فبِّش ره بالجَّنة".
وقال روح بن عبادة عن حبيب بن الشهيد عن الحسن قال:
__________
= مسعود :وسنده ضعيف .وعن عبد الَّله بن جعفر :موقوًفا وفيه رجل مبهم.
انظر :علل الَّدارقطني ( ،)241 - 238 /11و"بيان الوهم واإليهام" )205 /2( :مع الحاشية.
( )1البخاري رقم ( ،)1180ومسلم رقم (.)94
( )2البخاري رقم ( ،)3252ومسلم رقم (.)28
( )3راجع المصدرين السابقين.
( )4رقم (.)31
()1/174
"ثمُن الجَّنة ال إله إاَّل الَّله" ()1
وروى أبو نعيم :من حديث أبي الزبير ،عن جابر -رضي الَّلُه عنه -سمعُت رسول الَّله -صلى
الَّله عليه وسلم -يقول" :ال ُيْد ِخ ُل أحًد ا منكم عمله الجَّنة ،وال يجيره من الَّنار ،وال أنا إاَّل بتوحيد
الَّله" (. )2
وإسناُده على شرط مسلم ،وأصل الحديث في الصحيح.
__________
( )1أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ( ،)529 /13وأبو نعيم في "صفة الجنة" رقم (،)50
وسنده صحيح.
( )2أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (.)52
من طريق زكريا الساجي عن سلمة بن شبيب عن الحسن بن أعين عن معقل بن عبيد الَّله عن أبي
الزبير عن جابر فذكره.
وأخرجه مسلم في صحيحه رقم ( )2817عن سلمة بن شبيب به بمثله إاَّل أَّنه قال" :برحمة من
الَّله" بداًل من "بتوحيد الَّله".
-ورواه ابن لهيعة عن أبي الزبير به بمثل لفظ مسلم.
أخرجه أحمد (.)394 /3
-ورواه األعمش عن أبي سفيان عن جابر بلفظ" :قاربوا وسَّددوا ،فإَّنه ليس أحٌد منكم ينجيه
عمله ،قالوا :وال إَّياك يا رسول الَّلِه؟ قال :وال إَّياَي ،إاَّل أْن يتغمدني الَّلُه برحمته".
أخرجه مسلم ( )2817وأحمد ( )337 /3وغيرها.
وعليه فلفظة "بتوحيد الَّله" شاذة والَّله أعلم.
()1/175
فصل
وها هنا أمٌر يجب التنبيه عليه وهو :أَّن الجَّنة إنما ُتْد َخ ُل برحمة الَّله ،وليس عمل العبد مستقاًّل
بدخولها وإن كان سبًبا ،ولهذا أثبت الَّله تعالى دخولها باألعمال في قولهِ{ :بَم ا ُك ْنُتْم َتْع َم ُلوَن (
[ })8العنكبوت ،]8 :ونفى رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -دخلوها باألعمال في قوله" :لْن
يدخل أحٌد منكم الجَّنة بعملِه" (.)1
وال تنافي بين األمرين لوجهين:
أحدهما :ما ذكره سفيان وغيره قال" :كانوا يقولون :النجاة من النار بعفو الَّله ،ودخول الجَّنة
برحمتِه ،واقتسام المنازل والدرجاِت باألعمال" (.)2
ويدل على هذا حديث أبي هريرة -رضي الَّله عنه -اَّلذي سيأتي إْن
__________
( )1أخرجه البخاري في تاريخه الكبير ( ،)239 /4والطبراني في "الكبير" 239 /7( :و )370
وأبو نعيم في "المعرفة" رقم ( )3734وغيرهم.
من طريق زياد بن عالقة عن شريك بن طارق فذكره.
والحديث إلى زياد بن عالقة ثابت ،لكن شريك مختلٌف في صحبته.
انظر" :اإلنابة إلى معرفة المختلف فيهم من الصحابة" ،)285 - 284 /1( :و"اإلصابة"/3( :
.)207 - 206
وأصح منه ما جاء عند مسلم رقم ( )2816من حديث أبي هريرة وفيه " . . .واعلموا أنه لن
ينجَو أحٌد منكم بعمله." . . .
( )2لم أقف عليه ،وذكر ابن الجوزي في "كشف المشكل من حديث الصحيحين"/3( :
. . ." :)110أَّنُه قد روي في بعض األحاديث أَّن نفَس دخول الجَّنة بالرحمة ،واقتسام الدرجات
باألعمال." . .
()1/176
شاء الَّلُه (" ، )1أَّن أهل الجَّنة إذا دخلوها ،نزلوا فيها بفضل أعمالهم" ( , )2رواه الترمذي.
والثاني :أَّن الباء التي َنَف ِت الدخول هي باء المعاوضة التي يكون
__________
( )1في الباب ( )60ص (.)573 - 571
( )2أخرجه الترمذي برقم ( ،)2549وابن ماجه برقم ( ،)4336والعقيلي في "الضعفاء الكبير":
( ،)41 /3وابن أبي عاصم في "السنة" رقم ( ،)585وابن حبان في صحيحه ()7438 /16
وغيرهم.
من طريق هشام بن عمار عن عبد الحميد بن أبي العشرين عن األوزاعي عن حسان بن عطية عن
سعيد بن المسيب عن أبي هريرة فذكره مطواًل .
قال الترمذي" :هذا حديث غريب ال نعرفه إاَّل من هذا الوجه".
قلت :وسبب ضعفه تفَّر د عبد الحميد بن أبي العشرين -وهو صدوٌق يخطئ -عن األوزاعي بهذا
اإلسناد ،والمحفوُظ عن األوزاعي ما رواه أبو المغيرة عبد القدوس ،والوليد بن مزيد ،والهقل بن
زياد عن األوزاعي قال :أنبئُت أَّن سعيد بن المسيب به فذكره.
أخرجه اإلمام أحمد كما في مسائل أبي داود ص ( ،)294وابن عساكر في تاريخه (- 52 /34
،)53وابن حبيب في "وصف الفردوس" رقم ( ،)171وابن أبي الدنيا في "صفة الجَّنة" رقم (
،)256وسيأتي في الباب رقم (.)60
وهذا هو الصحيح.
وهناك اختالفاٌت أخرى في هذا الحديث .راجع :تاريخ دمشق البن عساكر (.)55 - 51 /34
وعلل الدارقطني ( ،)276 - 275 /7وفوائد تمام (الروض البسام ()241 - 236 /5
والضعفاء الكبير للعقيلي (.)42 /3
وعليه فالحديث ضعيف اإلسناد لجهل الواسطة بين األوزاعي وسعيد بن المسيب.
()1/177
فيها أحد الِعَو ضين مقاباًل لآلخر ،والباء التي أثبتت الدخول هي باء الَّس ببية التي تقتضي َسَبِبَّية ما
دخلت عليه لغيره ،وإْن لم يكن مستقاًّل بحصوله ،وقد جمع الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -بين
األمرين في قوله" :سِّددوا وقاربوا وابشروا ،واعلموا أَّن أحًد ا منكم لن ينجَو بعمله .قالوا :وال
أنَت يا رسوَل الَّلِه؟ قال :وال أنا إاَّل أْن يتغمدني الَّله برحمته" (. )1
ومن عرف الَّله سبحانه ،وَش ِه َد َمْش هد حِّق ه عليه ،ومشهد ( )2تقصيره وذنوبه ،وأبصَر هذين
المشهدين بقلبه عرف ذلك وجزم به ( ، )3والَّله سبحانه وتعالى المستعان.
__________
( )1أخرجه مسلم برقم ( )2816من حديث أبي هريرة رضي الَّله عنه.
( )2في "ب ،د"" :وشهد".
( )3وقع في "ب"" :وخبره وجزم به".
()1/178
الباب العشرون في طلب أهل الجَّنة لها من رِّبهم ،وطلبها لهم ،وشفاعتها فيهم إلى ربها عَّز وجَّل
قال تعالى حكايًة عن أولي األلباب من عباده قولهمَ{ :ر َّبَنا ِإَّنَنا َس ِم ْعَنا ُمَناِد ًيا ُيَناِد ي ِلِإْل يَم اِن َأْن
آِم ُنوا ِبَر ِّبُك ْم َفآَم َّنا َر َّبَنا َفاْغِف ْر َلَنا ُذُنوَبَنا َو َك ِّف ْر َعَّنا َس ِّيَئاِتَنا َو َتَو َّفَنا َمَع اَأْلْبَر اِر (َ )193ر َّبَنا َو آِتَنا َما
َو َعْد َتَنا َعَلى ُرُس ِلَك َو اَل ُتْخ ِز َنا َيْو َم اْلِق َياَمِة ِإَّنَك اَل ُتْخ ِلُف اْلِم يَعاَد ([ })194آل عمران- 193 :
.]194
والمعنى :وآتنا ما وعدتنا على ألسنِة ُرُس ِلَك من دخول الجَّنة.
وقالت طائفة :معناه ،وآتنا ما وعدتنا ( )1على اإليمان برسلك .وليس يسهل حذف االسم
والحرف مًعا ،إاَّل أْن ُيقَّدر على تصديق رسلك وطاعة رسلك ،وحينئٍذ فيتكافأ التقديران ،ويترَّج ح
األَّو ل بأَّنه قد تقَّدم ( )2قولهمَ{ :ر َّبَنا ِإَّنَنا َس ِم ْعَنا ُمَناِد ًيا ُيَناِد ي ِلِإْل يَم اِن َأْن آِم ُنوا ِبَر ِّبُك ْم َفآَم َّنا} [آل
عمران .]193 :وهذا صريح في اإليمان بالرسول والُمْر ِس ل ،ثَّم توسلوا إليه بإيمانهم أن يؤتيهم
ما وعدهم على ألُس ِن ( )3رسله ،فإنهم إَّنما سمعوا وعده لهم ( )4بذلك من الرسل ،وذلك أيًض ا
يتضمن التصديق بهم ،وأَّنهم بَّلغوهم َو ْعَدُه فصَّدقوا به ،وسألوه أن
__________
( )1من قوله" :وعدتنا على ألسنة" إلى قوله "ما وعدتنا" سقط من "ج".
( )2في "ب"" :بأَّنهم تقدم" بدال من "بأَّنه قد تقدم".
( )3في "هـ"" :ألسنة".
( )4ليس في "ب".
()1/179
()1/180
()1/181
يسألُه إَّياُه عباده المؤمنون ،ويسأله إَّياُه مالئكته لهم ،فالجَّنُة تسأل ربها أهلها ،وأهلها يسألونه
إَّياها ،والمالئكة تسألها لهم ،والرسل يسألونه إَّياها لهم ( )1وألتباعهم ،ويوم القيامة ُيِق يمهم
سبحانه بين يديه يشفعون فيها لعباده المؤمنين ،وفي هذا من تمام ملكه وإظهار رحمته وإحسانه
وجوده وكرمه وإعطائه ما ُس ِئَل = ما هو من لوازم أسمائه وصفاته ( ، )2واقتضائها آلثارها
ومتعلقاتها ،فال يجوز تعطيلها عن آثارها وأحكامها ،فالرُّب تعالى جواٌد له الُجْو د كله ،يحب أْن
ُيْس َأل وُيْطَلُب منه وُيْر غُب إليهَ ،فَخ َلَق َمْن يسأله وأْلَه مه سؤاله ،وخلق له ما يسأله إَّياُه ،فهو خالق
السائل وسؤاله وَمْس ؤوله ،وذلك لمحبته لسؤال ( )3عباده له ،ورغبتهم إليه ،وطلبهم منه ،وهو
يغضُب إذا لم ُيْس أل (. )4
وأحب خلقه إليه أكثرهم وأفضلهم له سؤااًل ،وهو ُيحب الُم ِلِّح ين ( )5في الدعاء ،وكَّلما ألَّح
العبد عليه في السؤال أحَّبُه وأعطاُه.
وفي الحديثَ" :مْن لم يسأل الَّله يغضب عليه" (. )6
__________
( )1قوله "والرسل يسألونه إَّياها لهم" من "ب ،ج ،د ،هـ".
( )2في "أ"" :وصفاتها".
( )3في "ب"" :سؤال".
( )4جاء في نسخة على حاشية "د" ما نصه:
َّلِذ
ال تسألَّن بنَّي آدم حاجًة َ ...و َس ل ا ي أبوابه ال ُتْحَج ُب
الَّلُه يغضُب إْن َتَر كَت ُس ؤاله ...وبني آدم حين ُيْس َأُل يغضُب
وانظر" :المستطرف" لألبشيهي (.)301 /2
( )5في نسخة على حاشية "أ ،هـ"" :الملِّح ين له".
( )6أخرجه الترمذي برقم ( )3373وابن ماجه ( ،)3827والبخاري في األدب =
()1/182
فال إله إاَّل الَّلُه ،أُّي جنايٍة َج َنْت القواعد الفاسدة على اإليمان ،وحالْت بين القلوب وبين معرفة
رَّبها وأسمائه ،وصفات كماله ونعوت جالله و {اْلَحْم ُد ِلَّلِه اَّلِذ ي َه َد اَنا ِلَه َذ ا َو َم ا ُك َّنا ِلَنْهَتِد َي َلْو اَل
َأْن َه َد اَنا الَّلُه} [األعراف.]43 :
قال أبو نعيم الفضل :حدثنا يونس -هو ابن أبي إسحاق -حدثنا ُبَر يد ابن أبي مريم قال :قال أنس
بن مالك :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-ما من مسلٍم يسأُل الَّلَه الجَّنة ثالًثا إاَّل قالت
الجَّنُة :اَّللهم أدخلُه الجَّنة ،ومن استجاَر بالَّلِه من الَّنار ثالًثا قالت الَّناُر :اللهم أِج ْر ُه من الَّنار" (
. )1
__________
= المفرد رقم ( ،)658وأحمد في المسند ( 442 /2و )477وغيرهم.
من طريق أبي صالح الخوزي عن أبي هريرة فذكره.
وهو حديٌث منكٌر تفرد به أبو صالح الخوزي وهو متكلٌم فيه ،وعَّده ابن عدي من مفاريده.
راجع "جالء األفهام" ص (.)419
( )1أخرجه أحمد في المسند ( )155 ،141 ،262 /3وابن أبي شيبة رقم ( ،)29799وابن
حبان في صحيحه ( /3رقم ،)1014والطبراني في الدعاء رقم ( ،)1312والبيهقي في
الدعوات الكبير رقم ( )269وغيرهم.
كلهم من طريق يونس عن ُبريد به فذكره.
-ورواه أبو األحوص وإسرائيل كلهم عن أبي إسحاق الَّس بيعي عن ُبريد عن أنس فذكره.
أخرجه الترمذي ( )2567وابن ماجه ( )4340والنسائي ( ،)5521وأحمد (،)117 /3
والطبراني في الدعاء ( ،)1311 ،1310وابن حبان ( /3رقم ،)1034والحاكم ()717 /1
رقم ( )1960وغيرهم.
قال الترمذي" :وقد روي عن أبي إسحاق عن ُبريد عن أنس بن مالك قوله"= .
()1/183
رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه عن هناد بن السري ،عن أبي األحوص عن أبي إسحاق عن
ُبَر يد به (. )1
وقال الحسن بن سفيان :حدثنا عثمان بن أبي شيبة ،حدثنا جرير عن ليث عن يونس بن َخ َّباب عن
أبي حازم عن أبي هريرة -رضي الَّله عنه -قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-ما
سأل الَّله عبٌد الجَّنة في يوٍم سبع مَّر ات إاَّل قالت الجَّنة :يا رِّب إَّن عبدَك فالًنا سألني فأدخلنيه" (
. )2
__________
= والحديث صححه ابن حبان والحاكم والضياء في المختاره ( /4رقم .)1557
( )1في جميع النسخ "يزيد" وهو خطأ ،وسقط "به" من "أ ،ج".
( )2هذا الحديث واَّللذان بعده يرويها أبو علقمة واختلف عليه:
-فرواه شعبة عن يعلى بن عطاء عن أبي علقمة" ،قال شعبة ولم يرفعه يعلى إلى أبي هريرة" يعني:
مقطوًعا ،ويحتمل أنه أراد موقوًفا.
أخرجه الطيالسي في مسنده ( /4رقم .)2702
-ورواه يونس بن خَّباب -رافضي ضعيف -واضطرب فيه.
-فرواه جرير بن عبد الحميد وليث بن أبي سليم عن يونس عن أبي حازم عن أبي هريرة فذكره،
كما ساقه المؤلف.
أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده رقم ( ،)213وأبو نعيم في "صفة الجَّنة" رقم (،)68
والبيهقي في الدعوات رقم (.)270
وهذا خطٌأ ،أخطأ فيه يونس بن خباب فقال :عن أبي حازم ،وهذا من اضطرابه ،والصحيح عن أبي
علقمة.
هكذا رواه شعبة ومنصور بن المعتمر وشعيب بن صفوان وغيرهم كلهم عن يونس عن أبي علقمة
عن أبي هريرة فذكره.
رواه بعضهم موقوًفا ،وبعضهم مرفوًعا.
أخرجه الطيالسي في مسنده رقم ( ،)2702وابن عدي في الكامل =
()1/184
وقال أبو يعلى الموصلي :حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب حدثنا جرير عن يونس عن أبي حازم
عن أبي هريرة -رضي الَّله عنه -قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-ما استجاَر عبٌد
من الَّنار َس ْبَع مَّر اٍت إاَّل قالت الَّناُر :يا رب إَّن عبدك فالًنا استجار مِّني فأِج ْر ُه ،وال يسأل عبٌد
الجَّنة سبع مَّر اٍت إاَّل قالت الجَّنة :يا رَّب إَّن عبَد ك فالًنا سألني فأدخله الجَّنة" .وإسناده على
شرط الصحيحين.
وقال أبو داود في "مسنده" :حدثنا شعبة :حدثني يونس بن خباب :سمع أبا علقمة عن أبي هريرة
-رضي الَّله عنه -قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-من قال :أسأُل الَّلَه الجَّنة
سبًعا ،قالِت الجَّنة :اَّللهم أدخله الجَّنة".
وقال الحسن بن سفيان :حدثنا الُم َق َّدمي عمر بن علي ،عن يحيى ابن عبيد الَّله عن أبيه عن أبي
هريرة -رضي الَّله عنه -قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-أكثروا مسألَة الَّلِه الجَّنة
واستعيذوا به من الَّناِر ؛ فإَّنهما شافعتاِن
__________
= ( )174 /7وغيرهما.
وهذا هو الصحيح عن يونس.
راجع تفصيل ذلك علل الدارقطني (.)190 - 189 /11
والصحيح في حديث أبي هريرة أَّنه موقوٌف عليه أو مقطوع من قول أبي علقمة على االختالف
في المراد بعبارة شعبة.
وذهب البوصيري إلى أَّنه موقوف أو مقطوع ،فقال" :وإسناد الطيالسي األَّو ل :على شرط مسلم،
والثاني فيه يونس بن خباب قال فيه البخاري :منكر الحديث ،واتفقوا على ضعفه".
إتحاف الخيرة المهرة (.)506 /6
()1/185
مشفعتان ( ، )1وإَّن العبَد إذا أكثر من مسألِة الَّلِه الجَّنة ( ، )2قالت الجَّنة :يا رَّب عبُد ك هذا
اَّلذي سألنيك فأسكنه إياي ،وتقول النار :يا رِّب عبُد َك هذا اَّلذي استعاذ بك مِّني فأعْذ ُه" (. )3
وقد كان جماعٌة من السلِف ال يسألون الَّلَه الجَّنة ويقولون :حسبنا أن ُيِج يرنا من الَّنار.
-فمنهم أبو الَّصهباء ِص َلة بن َأْش َيم ( : )4صَّلى ليلًة إلى الَّس َح ِر ،ثَّم رفَع يديه وقال" :اَّللهَّم
أجرني من الَّنارَ :أَو ِم ْثِلي َيْجَتِر ُئ أْن يسألك الجَّنة؟ " (. )5
__________
( )1ليست في "ب ،د".
( )2من قوله" :واستعيذوا به من النار" إلى "الَّله الجَّنة" سقط من "ج".
( )3أخرجه أبو نعيم في صفة الجنة رقم ( ،)70والديلمي في مسند الفردوس رقم ()213
مختصًر ا.
وسنده ضعيف ،فيه يحيى بن عبيد الَّله -لعَّلُه -ابن موهب القرشي المدني فيه ضعف ،وله عن
أبيه عن أبي هريرة مناكير.
قال الحاكم" :روى عن أبيه عن أبي هريرة بنسخة أكثرها مناكير".
قلُت :ولعَّل هذا منها.
وفيه أيًض ا عمر بن علي المقدمي :ثقة؛ لكَّنه يدلس تدليس السكوت ،ولم ُيَبَّين هنا الَّس ماع.
انظر :تهذيب الكمال (.)453 - 449 /31
( )4هو البصري العابد الزاهد ،زوج معاذة العدويةُ ،قِتَل هو وابنه في إحدى المعارك سنة (162
هـ) ،انظر :السير (.)500 - 497 /3
( )5أخرجه أبو نعيم في حلية األولياء ( ،)240 /2وفيه قصة.
وسنده ال بأس به.
()1/186
-ومنهم عطاء الُّس ليمي ( : )1كان ال يسأل الجَّنة ،فقال له صالح الُم ِّر ي :إَّن أباَن حدثني عن
أنس أَّن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :يقوُل الَّلُه عَّز وجَّل :انظروا في ديواِن عبدي ،فمن
رأيتموه سألني الجَّنة أعطيُتُه ،ومن استعاذني من الَّناِر أعذته" ( . )2فقال عطاء :كفاني أْن ُيجيرني
من الَّناِر .ذكرهما أبو نعيم.
وقد روى أبو داود في "سننه" من حديث جابر في قصة معاذ وتطويله بهم ،أَّن الَّنبي -صلى الَّله
عليه وسلم -قال لفتى -يعني اَّلذي شكاه" -كيَف تصنُع يا ابن أخي إذا صليَت ؟ قال :أقرُأ
بفاتحة الكتاب وأسأُل الَّلَه الجَّنة وأعوُذ به من الَّنار ،وإِّني ال أدري ما دندنُتَك ودندنة ( )3معاذ؟
فقال الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم :-إِّني ومعاًذا حولها ندندن" (. )4
__________
( )1في "ب ،د" ونسخِة على حاشية "أ"" :السلمي" وهو خطأ.
وعطاء السليمي هو البصري العابد ،أدرك أنس بن مالك ،وتوفي بعد سنة 140هـ ،انظر :السير (
.)88 - 86 /6
( )2أخرجه أبو نعيم في "حلية األولياء" 176 - 175 /6( :و ،)226وفي صفة الجَّنة رقم (
.)71
وسنده ضعيف جًّدا ،فيه أبان بن أبي عياش وهو متروك الحديث ،وفيه صالح بن بشير الُم ِّر ي
ضعيف الحفظ.
انظر :التقريب رقم (.)2845 ،142
( )3الَّد ْندنة :أن يتكلم الرجل بالكالم تسمع نغمته وال ُيْف َه ُم ،وهو أرفع من الهْيَم َنة قلياًل .انظر:
النهاية (.)137 /2
( )4أخرجه أبو داود برقم ( ،)793وابن خزيمة ( ،)1634والبيهقي في السنن (- 116 /3
)117وغيرهم.
والحديث صححه ابن خزيمة= .
()1/187
وفي "سنن أبي داود" من حديث محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الَّله -رضي الَّله عنه -قال:
قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-ال ُيْس أُل بوجِه الَّلِه إاَّل الجَّنة" (. )1
رواُه أحمد بن عمرو الُعْص ُف ِر ي حدثنا يعقوب بن إسحاق حدثنا سليمان بن معاذ عن محمد
فذكره.
وقد تقَّدم في أَّو ل الكتاب ( )2حديث الليث عن معاوية بن صالح عن عبد الملك بن أبي بشير
يرفع الحديث" :ما من يوٍم إاَّل والجَّنة والَّنار تسأالِن ،تقول الجَّنة :يا رِّب قد طابت ثماري،
واَّطردت أنهاري،
__________
= وللحديث شاهد عن بعض أصحاب الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -أخرجه أبو داود (،)792
وأحمد ( )473 /3بمثله.
وسنده صحيح.
( )1أخرجه أبو داود برقم ( )1671وابن مندة في الرد على الجهمية رقم ( ،)89وابن عدي في
الكامل ( ،)257 /3والبيهقي في األسماء والصفات برقم ( )661وغيرهم.
من طريق سليمان بن قرم عن محمد بن المنكدر عن جابر فذكره.
وهذا الحديث تفَّر د به سليمان بن معاذ وهو ابن قرم ،وهو لَّين الحديث ،وجعل ابن عدي هذا
الحديث من منكراته.
وقال" :وهذا الحديث ال أعرفه عن محمد بن المنكدر إاَّل من رواية سليمان بن قرم." . . .
وقال أبو حفص بن شاهين . ." :هو حديث غريب".
انظر :تهذيب الكمال ( ،)21 /34والمقاصد الحسنة للسخاوي رقم (.)1323
( )2ص (.)43 - 42
()1/188
()1/189
اليوم محفوفٌة بالمكاره وإَّن الدنيا محفوفٌة باَّللذات تقَّر ب المسافة والشهوات ،فال تلهيَّنكم عن
اآلخرة" (. )1
__________
( )1أخرجه الطبراني في الكبير ( )200 /19رقم ( ،)449وفي األوسط رقم ( ،)3643وأبو
نعيم في صفة الجَّنة رقم ( )30وفي معرفة الصحابة ( /5رقم )5871وغيرهما.
قال الهيثمي" :وفيه يعلى األشدق ،وهو ضعيٌف جًّدا" .وقال الحافظ ابن حجر" :ويعلى متروك".
انظر :مجمع الزوائد ( ،)31 /10واإلصابة (.)313 /5
()1/190
()1/191
موضع كثير الَّش َج ر مختلف األنواع ،والُج َّنة -بالَّضِّم -ما ُيْس َتَج ُّن به من ُتْر ٍس أو غيره.
ومنه قوله تعالى{ :اَّتَخ ُذ وا َأْيَم اَنُه ْم ُج َّنًة} [المجادلة ]16 :أيَ :يَتتَّر ُس وَن ( )1بها من إنكار
المؤمنين عليهم.
ومنه الِج َّنة (- : )2بالكسر -وهو الِج ُّن ،كما قال تعالىِ{ :م َن اْلِج َّنِة َو الَّناِس ([ } )6الناس،]6 :
وذهبت طائفة من المفسرين إلى أَّن المالئكة يسمون ِج َّنة ،واحتجوا بقوله تعالىَ{ :و َجَعُلوا َبْيَنُه
َو َبْيَن اْلِج َّنِة َنَس ًبا} [الصافات ]158 :قالوا :وهذا النسب قولهم :المالئكة بناُت الَّلِه ،ورجحوا
هذا القول بوجهين:
أحدهما :أَّن الَّنسب اَّلذي جعلوه إَّنما زعموا أَّنه بين المالئكة وبينه ،ال بين الِج ّن وبينه.
الثاني :قوله تعالىَ{ :و َلَق ْد َعِلَم ِت اْلِج َّنُة ِإَّنُه ْم َلُم ْح َض ُر وَن ([ } )158الصافات .]158 :أي :قد
علمت المالئكة أَّن اَّلذين قالوا هذا القول محضرون العذاب (. )3
والصحيح خالف ما ذهب إليه هؤالء ،وأَّن الِج َّنة هم الجن أنفسهم كما قال تعالىِ{ :م اْلِج َّنِة
َن
َو الَّناِس ([ } )6الناس.]6 :
__________
( )1في "هـ"" :يستترون".
( )2في "ج"" :وصفة الجَّنة".
( )3في "هـ ،د"" :للعذاب".
()1/192
()1/193
محضرون الحساب ،قاله مجاهد ( .)1أي لو كان بينه وبينهم نَس ب لم يحضروا الحساب ،كما
قال تعالىَ{ :و َقاَلِت اْلَيُه وُد َو الَّنَص اَر ى َنْح ُن َأْبَناُء الَّلِه َو َأِح َّباُؤ ُه ُقْل َفِلَم ُيَعِّذ ُبُك ْم ِبُذ ُنوِبُك ْم }
[المائدة ،]18 :فجعل سبحانه وتعالى عقوبتهم بذنوبهم وإحضارهم للعذاب مبطاًل لدعواهم
الكاذبة ،وهذا التقدير في اآلية أبلغ في إبطال قولهم من التقدير األَّو ل ،فتأمله ،والمقصود ذكر
أسماء الجَّنة.
فصل
()1/194
فيه وال فحش وال باطل ،كما قال تعالى{ :اَل َيْسَم ُعوَن ِفيَه ا َلْغًو ا ِإاَّل َس اَل ًم ا} [مريم.]62 :
وأَّم ا قوله تعالىَ{ :و َأَّما ِإْن َك اَن ِم ْن َأْص َح اِب اْلَيِم يِن (َ )90فَس اَل ٌم َلَك ِم ْن َأْص َح اِب اْلَيِم يِن }
[الواقعة ]91 - 90 :فأكثر المفسرين حاُموا حوَل المعنى وما وَر ُدْو ُه ،وقالوا أقوااًل ال يخفى
ُبْع دها عن المقصود؛ وإَّنما معنى اآلية والَّله أعلُم :فسالم لك أُّيها الَّر اِح ُل عن الدنيا حاَل كونك
من أصحاب اليمين ،أي :فسالمه لك كائًنا من أصحاب اليمين اَّلذين َس ِلُم وا من الدنيا وأنكادها،
ومن الَّنار وعذابهاَ ،فُبِّش ر بالَّس المة عند ارتحاله من الدنيا ،وقدومه على الَّلِه تعالى ،كما ُيَبشر
الملك ُرْو َح ه عند أخذها بقوله" :أبشري بَر ْو ٍح َو َرْيَح اِن ورٍّب غير غضبان" ( ، )1وهذا أَّو ل
الُبشرى التي للمؤمن في اآلخرة.
__________
( )1أخرجه ابن ماجه رقم ( ،)4262وأحمد ( .)365 - 364 /2وابن خزيمة في التوحيد (/1
)277 - 276تحت رقم ( ،)176والطبري في تفسيره ( ،)177 /8وابن منده في اإليمان رقم
(.)1068
من طريق ابن أبي ذئب عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة فذكره
مطواًل .
وسنده صحيح.
وللحديث طرٌق عن أبي هريرة:
عند مسلم ( ،)2872وابن منده في اإليمان رقم ( )1069وغيرهما.
()1/195
فصل
()1/196
()1/197
والصحيح أَّنه اسٌم من أسماء الجَّنة كما قال تعالىَ{ :و َأَّما َمْن َخ اَف َمَق اَم َر ِّبِه َو َنَه ى الَّنْف َس َعِن
اْلَه َو ى (َ )40فِإ َّن اْلَج َّنَة ِه اْلَم ْأَو ى ([ })41النازعات ،]41 - 40 :وقال في الَّنارَ{ :فِإ َّن
َي
اْلَج ِح يَم ِه َي اْلَم ْأَو ى ([ })39النازعات ]39 :وقالَ{ :و َمْأَو اُك ُم الَّناُر } [العنكبوت.]25 :
فصل
()1/198
المرعى" (.)1
فصل
()1/199
()1/200
()1/201
()1/202
فصل
()1/203
فصل
االسم الحادي عشر والثاني عشرَ :مْق َعُد الصدق ،وَقَد ُم الصدق.
قال تعالىِ{ :إَّن اْلُم َّتِق يَن ِفي َج َّناٍت َو َنَه ٍر (ِ )54في َمْق َعِد ِص ْد ٍق } [القمر ،]55 - 54 :فسَّم ى
الجَّنة مقعد ِص ْد ٍق ،لحصول كل ما ُيراد من المقعد الحسن فيها ،كما يقال :موَّدة صادقة :إذا
كانت ثابتة تاَّمة ،وحالوة صادقة ،وحملة صادقة ،ومنه الكالم الَّصدق ،لحصول ( )1مقصوده
منه.
وموضوع هذه اللفظة في كالمهم :الِّص حة والكمال ،ومنه الَّصدق في الحديث ،والصدق في
العمل ،والَّصديق اَّلذي يصَّدق قوله بالعمل ،والَّص دق -بالفتح -الُّصلب من الِّر ماح ،ويقال
للرجل الشجاع :إَّنه لذو ِم ْص دق أي صادق الَحْم َلة.
وهذا ِم ْص داق هذا :أي ما ُيصِّدقه ،ومنه الَّصداقة؛ لصفاء الموَّدة والُم خاَّلة ،ومنه َص َد َقِني القتال،
وَص َد َقِني الموَّدة ،ومنه قدم الِّص ْد ق ،ولسان الَّص دق ،ومدخل الصدق ،ومخرج الَّصدق ،وذلك
كله للحَّق الثابت المقصود اَّلذي يرغب فيه ،بخالف الكذب الباطل ،اَّلذي ال شيَء تحته ،وال
يتضمن أمًر ا ثابًتا ،وُفِّس َر قدم الَّصدق :بالجَّنة ،وُفِّس ر باَألعمال التي تنال بها الجَّنة ،وُفِّس ر بالَّس ابقة
التي سبقت لهم من الَّله،
__________
( )1في "ج"" :المحصول" ،وفي "د"" :لمحصول".
()1/204
()1/205
الباب الثاني والعشرون :في عدد الجَّنات ،وأَّنها نوعان :جنتان من ذهب ،وجنتان من فضة
الجَّنة :اسٌم ( )1شامل لجميع ما حوته من البساتين والمساكن والقصور وهي جنات كثيرة جًّدا،
كما روى البخاري في "صحيحه" ( )2عن أنس بن مالك -رضي الَّله عنه :-أَّن أم الربيع بنت
البراء -وهي أم حارثة بن ( )3سراقة -أتت رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -فقالت :يا نبي
الَّله أال تحِّدثني عن حارثة؟ -وكان ُقِتل يوم بدٍر أصابه سهُم َغْر ٍب ( ،- )4فإْن كان في الجَّنة
صبرُت ،وإْن كان غيَر ذلك اجتهدت عليه في البكاء ،قال" :يا أَّم حارثة ،إَّنها جنان في الجَّنة (
،)5وإَّن ابنك أصاب الفردوس األعلى".
وفي "الصحيحين" ( )6من حديث أبي موسى األشعري رضي الَّلُه عنه عن رسول الَّله -صلى الَّله
عليه وسلم -قال" :جنتان من ذهٍب آنيتهما وحليتهما وما فيهما،
__________
( )1في "أ"" :اسم الجَّنة شامل".
( )2رقم (.)2654
( )3في "أ" "بنت" وهو خطأ.
(" )4سهم غرب" :أي ال ُيْع رف راميه .انظر :النهاية البن األثير (.)350 /3
( )5قوله "في الجَّنة" ليس في "ب" ،ووقع في "هـ" ونسخٍة على حاشية "أ" "جَّنات" بداًل من
"ِج َنان".
( )6البخاري رقم ( ،)4597ومسلم رقم (.)180
تنبيه :قوله "وحليتهما" ليس في الصحيحين.
()1/206
وجنتان من فضة آنيتهما وحليتهما وما فيهما ،وما بين القوم وبين أْن ينظروا إلى رِّبهم إاَّل رداء
الكبرياء على وجهه في جَّنة عدٍن ".
ِم ِه ِن ِل
وقد قال تعالىَ{ :و َمْن َخ اَف َمَق اَم َر ِّب َج َّنَتا ([ } )46الرحمن ]46 :فذكرهما ثَّم قالَ{ :و ْن
ُدوِنِه َم ا َج َّنَتاِن ([ } )62الرحمن ]62 :فهذه أربع .وقد اختلف في قولهَ{ :و ِم ْن ُدوِنِه َم ا} هل
المراد به أَّنهما فوقهما ،أو تحتهما على قولين:
فقالت طائفة :من دونهما أي :أقرب منهما إلى العرش ،فيكونان فوقهما.
وقالت طائفة :بل معنى من دونهما :تحتهما.
قالوا :وهذا المنقول في ُلغة العرب إذا قالوا :هذا دون هذا ،أي دونه في المنزلة ،كما قال
بعضهم لمن بالغ في مدحه :أنا دون ما تقول وفوق ما في نفسك.
وفي "الصحاح"" :دون :نقيض ( )1فوق ،وهو تقصيٌر عن الغاية ،ثَّم قال :ويقال :هذا دون هذا (
)2أي أقرب منه" (. )3
والِّس ياق يدُّل على تفضيل الجنتين األولتين من عشرة أوجه:
أحدها :قولهَ{ :ذَو اَتا َأْفَناٍن ([ } )48الرحمن ]48 :وفيه قوالن:
__________
( )1في "د ،هـ"" :يقتضي" ،والمثبت من الصحاح وباقي النسخ.
( )2سقط من "ج" ،وفي الصحاح "ذاك" بداًل من "هذا".
( )3انظر :الصحاح للجوهري (.)1554 /2
()1/207
أحدهما :أَّنه جمع َفَنن ،وهو الغصن .والثاني :أَّنه جمع َفٍّن ،وهو الِّص ْنف :أي ذواتا أصناٍف شَّتى
من الفواكه وغيرها ،ولم يذكر ذلك في اَّللتين بعدهما.
الثاني :قولهِ{ :فيِه ا َعْيَناِن َتْج ِر اِن ([ } )50الرحمن ،]50 :وفي اُألْخ ْيِن ِ{ :فيِه ا َعْيَناِن
َم َر َي َي َم
َنَّضاَخَتاِن ([ } )66الرحمن ،]66 :والَّنضاخة :هي الفَّو ارة ،والجارية :الَّس ارحة ،وهي أحسن من
الفَّو ارة ،فإَّنها تتضمن الفوران والجريان.
الثالث :أَّنه قالِ{ :فيِه َم ا ِم ْن ُك ِّل َفاِكَه ٍة َز ْو َج اِن ([ } )52الرحمن ]52 :وفي األخريينِ{ :فيِه َم ا
َفاِكَه ٌة َو َنْخ ٌل َو ُر َّماٌن ([ } )68الرحمن ،]68 :وال ريب أَّن وصف األولتين أكمل.
واختلف في هذين الزوجين بعد االتفاق على أَّنهما ِص ْنفان.
فقالت طائفة :الزوجان :الَّر طب واليابس اَّلذي ال يقصر في فضله وجودته عن ( )1الَّر ْطب ،وهو
ُمَتَم َّتع به كما ُيَتَم تع باليابس.
وفيه نظٌر ال َيْخ فى.
وقالت طائفة :الزوجان صنٌف معروف ،وصنف من شكله غريب.
وقالت طائفة :نوعان .ولم تزد.
والَّظاهر والَّله أعلم :أَّنه الحلو والحامض ،واألبيض واألحمر؛
__________
( )1في نسخٍة على حاشية "أ"" :على".
()1/208
وذلك ألَّن اختالف أصناف الفاكهة أعجب وأشهى ،وألذ ِلْلَعْيِن والَف ِم .
الَّر ابع :أَّنه قالُ{ :مَّتِكِئيَن َعَلى ُفُر ٍش َبَطاِئُنَه ا ِم ْن ِإْسَتْبَر ٍق } [الرحمن ،]54 :وهذا تنبيٌه عن فضل
الَّظهائر وخطرها ،وفي اآلخرتين قالُ{ :مَّتِكِئيَن َعَلى َر ْفَر ٍف ُخ ْض ٍر َو َعْبَق ِر ٍّي ِح َس اٍن (} )76
[الرحمن ،]76 :وُفِّس َر الَّر ْفَر ف :بالمحابس والُبُس ط ،وُفِّس ر :بالُف ُر ش ،وُفِّس ر :بالمحابس فوقها.
وعلى كل قول فلم يصفه بما وصف به فرش الجنتين األَّو لتين.
الخامس :أَّنه قالَ{ :و َج َنى اْلَج َّنَتْيِن َداٍن ([ } )54الرحمن ]54 :أي قريب سهل يتناولونه كيف
شاؤوا ،ولم يذكر ذلك في اآلخرتين.
الَّس ادس :أَّنه قالِ{ :فيِه َّن َقاِص َر اُت الَّطْر ِف } [الرحمن ]56 :أي قد َقَص ْر َن َطْر َفُه َّن على
أزواجهَّن ،فال ُيرْد َن غيرهم لرضاهَّن بهم ( ، )1وتحببهَّن ( )2لهم ،وذلك يتضمن قصرهَّن لطرف
أزواجهَّن عليهَّن ،فال يدعهم حسنهَّن أن ينظروا إلى غيرهَّن ،وقال في اآلخرتينُ{ :ح وٌر
َمْق ُصوَر اٌت ِفي اْلِخ َياِم ([ } )72الرحمن ،]72 :ومن قصرت طرفها على زوجها باختيارها أكمل
مَّم ن قصرت بغيرها.
الَّس ابع :أَّنُه َو َص َف ُه َّن بشبه الياقوت والمرجان في صفاء اللون ،وإشراقه وحسنه ،ولم يذكر ذلك
في التي بعدها.
الثامن :أَّنه سبحانه قال في الجنتين اَألَّو لتينَ{ :ه ْل َجَز اُء اِإْل ْح َس اِن ِإاَّل اِإْل ْح َس اُن (} )60
[الرحمن ]60 :وهذا يقتضي أَّن أصحابهما من أهل
__________
( )1سقط من "ج".
( )2في "ب ،د"" :ومحبتهَّن ".
()1/209
()1/210
فأَّما اَّلذي من جهة النقل ( ، )1فإَّن أصحاب هذا القول َر ووا عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم-
أَّنه قال" :هما بستانان في رياض الجَّنة" (. )2
وأَّما اَّلذي من جهة المعنى فإَّن إحدى الجنتين جزاء أداء األوامر ،والثانية جزاء اجتناب المحارم.
فإْن قيل :فكيف قال في ذكر النساء {ِفيِه َّن } في الموضعين ،ولَّم ا ذكر غيرهَّن قال {ِفْيِه َم ا}؟
قيل ( : )3لما ذكر الفرش قال بعدهاِ{ :فيِه َّن َخ ْيَر اٌت ِح َس اٌن } [الرحمن ]70 :ثَّم أعاده في
الجنتين اآلخرتين بهذا اللفظ ،ليتشاكل ( )4اَّللفظ والمعنى .والَّلُه أعلم.
__________
( )1من قوله" :والثاني من جهة" إلى "النقل" سقط من "ج".
( )2ذكره الثعلبي في تفسيره ( )189 /9بدون سند ،وكذا ذكره الهروي كما في التذكرة
للقرطبي ص ( ،)382والجامع ألحكام القرآن (.)177 /17
وأخرج ابن مردويه ( - 203 /6الدر) ،عن عياض بن تميم أنه سمع رسول الَّله -صلى الَّله عليه
وسلم -تال {َو ِلَمْن َخ اَف َمَق اَم َر ِّبِه َج َّنَتاِن ([ })46الرحمن ،]46 /قال" :بستانان عرض كل
واحد منهما مسيرة مائة عام." . . . .
( )3من قوله" :فكيف قال في ذكر النساء" إلى قوله "قيل" سقط من "ج".
( )4في "ب ،ج ،د"" :ليشاكل".
()1/211
الباب الثالث والعشرون في خلق الَّر ِّب تبارك وتعالى بعض الِج َنان بيده وغرسها بيده تفضياًل لها
على سائر الجَّنات ()1
وقد اتخذ الرب تعالى من الجَّنات ( )2داًر ا اصطفاها لنفسه ،وخصها بالقرب من عرشه ،وغرسها
بيده ،فهي سيدة الجنان ،والَّلُه سبحانه يختار من كِّل نوع أعاله وأفضله ،كما اختار من المالئكة:
جبريل ،ومن البشر :محمًد ا -صلى الَّله عليه وسلم ،-ومن السماوات :الُعليا ،ومن البالد :مكة،
ومن األشهر :الُح ُر م ،ومن الليالي :ليلة الَق ْد ر ،ومن األيام :يوم الجمعة ،ومن الليل :وسطه ،ومن
األوقات :أوقات الصلوات ،إلى غير ذلك ،فهو سبحانه {َيْخ ُلُق َما َيَش اُء َو َيْخ َتاُر } [القصص:
.]68
قال الطبراني في "معجمه" :حدثنا ُمَّطلب بن شعيب األزدي حدثنا عبد الَّله بن صالح حدثني
الليث .قال الطبراني :وحدثنا أبو الِّز ْنباع َرْو ح ابن الَف َر ج حدثنا يحيى بن ُبَك ير ،حدثنا الليث عن
زيادة ( )3بن محمد األنصاري عن محمد بن كعب الُقَر ظي عن َفَض الة بن ُعبيد عن أبي الدرداء
-رضي الَّله عنه -قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-ينزُل الَّلُه تعالى في آخر ثالث
ساعاٍت َيْبقْيَن من الليل ،فينظُر الَّلُه في الساعة األولى منهَّن
__________
( )1في "د ،هـ"" :الجنان".
( )2في "ب ،د ،هـ"" :الجنان".
( )3في "ج"" :زياد" وهو خطأ.
()1/212
في الكتاب اَّلذي ال ينظر فيه غيُر ُه ،فيمحو ما يشاء ويثبت ،ثَّم ينظر في الساعة الثانية في جَّنة
عدٍن وهي مسكُنُه ( )1اَّلذي يسكن ،ال يكون معه فيها أحٌد إاَّل األنبياء والشهداء والصِّديقون،
وفيها ما لم يره أحد ،وال خطَر على قلب بشر ،ثَّم يهبُط آخر ساعة من الليل ،فيقول :أاَل مستغفر
يستغفرني فأغفر له؟ أال سائٌل يسألني فأعطيه؟ أال داع يدعوني فأستجيب له؟ حَّتى يطلَع الفجُر ،
قال تعالىَ{ :و ُقْر آَن اْلَف ْج ِر ِإَّن ُقْر آَن اْلَف ْج ِر َك اَن َمْش ُه وًد ا} [اإلسراء .]78 :فيشهده الَّلُه تعالى
ومالئكته" (. )2
وقال الحسن بن سفيان :حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن الَّس ْر ح قال :حدثني خالي ( )3عبد
الرحمن بن عبد الحميد بن سالم ،حدثنا يحيى بن أيوب ،عن داود بن أبي هند ،عن أنس بن مالك
رضي
__________
( )1في "ب"" :مستكَّنه".
( )2أخرجه الطبراني في األوسط برقم ( ،)8635وفي الدعاء رقم ( ،)135وابن أبي شيبة في
العرش رقم ( ،)86وابن خزيمة في التوحيد رقم ( ،)199والطبري في تفسيره (،)139 /15
والعقيلي في الضعفاء الكبير ( )93 /2وغيرهم.
وهو حديث منكر ،فيه زيادة بن محمد األنصاري وهو منكر الحديث كما قاله البخاري والنسائي
وأبو حاتم.
قال العقيلي" :والحديث في نزول الَّله عَّز وجل إلى السماء الدنيا ثابت ،فيه أحاديث صحاح ،إاَّل
أَّن زيادة هذا جاء في حديثه بألفاظ لم يأِت بها الَّناس ،وال يتابعه عليها أحٌد منهم".
وذكره الذهبي في الميزان ( ،)145 /3وقال" :فهذه ألفاظ منكرة لم يأِت بها غير زيادة." . . .
( )3ليس في "أ ،ج".
()1/213
الَّلُه عنه أَّن رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :إَّن الَّله َبَنى الفردوس بيده ،وَح َظَر َه ا على
كِّل ( )1مشرٍك ،وكِّل مدمِن َخ ْم ٍر (ِ )2س ِّك يٍر " (. )3
وقد ذكر الدارمي والَّنجاد وغيرهما من حديث أبي معشر :نجيح بن عبد الرحمن ُ-مَتَك َّلٌم فيه-
عن عون بن عبد الَّله بن الحارث بن نوفل ،عن أخيه عبد الَّله بن عبد الَّله عن أبيه عبد الَّله بن
الحارث رضي الَّلُه عنه قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-خلق الَّله تبارك وتعالى
ثالثة أشياء بيده:
__________
( )1ليس في "ج".
( )2في "أ ،ج ،هـ"" :الخمر".
( )3أخرجه تمام في فوائده رقم ( - 57 ،56الروض البَّس ام) ،وابن منده في الرد على الجهمية
رقم ( ،)51وأبو نعيم في الحلية ( ،)95 - 94 /3وفي صفة الجَّنة رقم ( )61وغيرهم.
قال أبو نعيم" :غريب من حديث داود عن أنس ،لم يروه عنه إاَّل يحيى ابن أيوب المعافري
المصري ،تفَّر د به عنه أبو رجاء".
قلُت :أبو رجاء هذا اَّلذي تفَّر د بهذا الحديث هو عبد الرحمن بن عبد الحميد بن سالم المهري
مع أَّنه وثقه أبو داود إاَّل أَّن ابن يونس -في تاريخ مصر -قال . . ." :وكان قد عمي فكان
يحِّدث حفًظا ،فأحاديثه مضطربه".
وأيًض ا داود بن أبي هنٍد لم يسمع من أنس بن مالك قاله ابن حبان.
انظر :تهذيب التهذيب ( ،)528 /2والثقات البن حبان (.)278 /6
وقد خولف أبو رجاء ،خالفه سعيد بن كثير بن عفير المصري.
فرواه سعيد عن يحيى بن أيوب عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هالل عن أنس بن مالك
بمثله.
أخرجه ابن منده في الَّر ِّد على الجهمية رقم (.)52
وهذا هو الصواب ،وعليه فاإلسناد منقطع سعيد بن أبي هالل لم يسمع من أنس .تهذيب الكمال
(.)95 /11
()1/214
خلق آدم بيده ،وكتب التوراة بيده ،وغرس الفردوس بيده" ثَّم قال" :وعَّز تي وجاللي ال يدخلها
ُمدمُن خمٍر وال الُّديوُث " .قالوا :يا رسول الَّله ،قد عرفنا مدمن الخمر ،فما الَّد ُّيوث؟ قال" :اَّلذي
ُيِق ُّر الُّس وء في أهله" (. )1
قلُت :المحفوظ أَّنه موقوف.
قال الَّدارمي :حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الواحد بن زياد ،حدثنا عبيد بن مهران حدثنا
مجاهد قال :قال عبد الَّله بن عمرَ" :خ َلَق الَّلُه أربعة أشياء بيدِه :العرَش ،والقلَم ،وَعدن ،وآدم ،ثَّم
قال لساِئِر الخلِق ُك ْن فكان" (. )2
وحدثنا موسى بن إسماعيل ،حدثنا أبو عوانة عن عطاء بن الَّس ائب عن َمْيسرة قال :إَّن الَّلَه لم
يمَّس شيًئا من خلقه غير ثالٍث " :خلق آدم
__________
( )1أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( ،)41وأبو الشيخ األصبهاني في العظمة رقم (
)1117مختصًر ا ،والدارقطني في الصفات رقم ( ،)28وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (.)23
والحديث مرسل ضعيف اإلسناد ،فإَّن عبد الَّله بن الحارث قال العالئي" :حديثه مرسل قطًعا"،
نجيح بن عبد الرحمن هو السندي ضعيف الحديث.
انظر :جامع التحصيل للعالئي رقم ( ،)345والتقريب رقم (.)7100
( )2أخرجه الدارمي في الرد على بشر المريسي رقم ( 44و ،)112واَّلاللكائي في شرح أصول
االعتقاد رقم ( 729و ،)730والحاكم ( )350 /2رقم ( ،)3244وأبو الشيخ في العظمة رقم
( 213و ،)1018والطبري في تفسيره (.)185 /23
من طرق عن عبيد المكتب به.
قال الحاكُم" :هذا حديٌث صحيح اإلسناد ولم يخرجاه" .وهو كما قال.
()1/215
بيده ،وكتب التوراة بيده ،وغرس جَّنة عدٍن بيده" (. )1
وحدثنا محمد بن المنهال حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس عن
كعب قال" :لم يخلق الَّلُه بيده غير ثالث :خلَق آدم بيده ،وكتب التوراة بيده ،وغرس جَّنة عْد ٍن
بيده .ثَّم قال لها :تكلمي ،قالتَ{ :قْد َأْفَلَح اْلُم ْؤ ِم ُنوَن (. )2( }) 1
__________
( )1أخرجه الَّدارمي في النقض على بشر المريسي رقم ( ،)45وهناد في الزهد رقم (،)44
والطبري في تفسيره (.)18 /1
من طريق أبي عوانة وأبي األحوص وجرير كلهم عن عطاء به.
ولفُظ أبي األحوص "خلق الَّلُه تبارك وتعالى بيده أربعة خلق :آدم بيده ،واللوح والقلم بيده،
وغرس جَّنة عدن بيده ،ثَّم قال :قد أفلح المؤمنون .وقال -يعني أبا األحوص -والَّر ابعة أغفلها.
ولفظ جرير بنحوه.
ولعَّل لفظ أبي عوانة أصح ،فقد ذكر بعض أهل العلم أَّنه سمع من عطاء قبل اختالطه وبعد ما
اختلط ،وأَّما جرير فجزموا بأَّنه سمع منه بعد االختالط ورواية جرير توافق رواية أبي األحوص
ورواية أبي عوانة تخالفهما فلعَّل رواية أبي عوانة هذه من صحيح حديثه عن عطاء ،انظر:
الكواكب النيرات ص ( )323وص (.)328
وميسرة هو أبو صالح الكندي تابعي روى عن علي بن أبي طالب رضي الَّلُه عنه .انظر :تهذيب
الكمال (.)197 /29
وعليه فاألثر اَّلذي ساقه المؤلف حسن.
( )2أخرجه الدارمي في النقض على بشر المريسي رقم ( ،)46واآلجري في الشريعة رقم (
.)759
ورواه عبد الواهاب الثقفي عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال :بلغنا أَّن كعًبا قال فذكر نحوه.
أخرجه المروزي في زياداته على الزهد البن المبارك رقم (= ،)1458
()1/216
وقال أبو الشيخ :حدثنا أبو يعلى ،حدثنا أبو الربيع ،حدثنا يعقوب الُقِّم ي حدثنا حفص بن حميد
عن ِش ْم ر بن عطية قال" :خلق الَّلُه جَّنة الفردوس بيده ،فهو يفتحها كل يوم خميس ،فيقول:
ازدادي طيًبا ألوليائي ،ازدادي حسًنا ألوليائي" (. )1
وذكر الحاكم عن مجاهد قال" :إَّن الَّلَه تعالى غرس جنات عدن بيده ،فلَّم ا تكاملت ُأغلقت فهي
تفتح في كِّل َسَح ٍر ،فينظر الَّلُه إليها فيقولَ{ :قْد َأْفَلَح اْلُم ْؤ ِم ُنوَن ( . )2( })1
__________
= والبيهقي في البعث والنشور رقم (.)234
ورواه معمر وغيره عن قتادة أَّن كعًبا قال فذكره.
أخرجه الطبري في تفسيره ( ،)1 /18وابن حبيب في وصف الفردوس رقم ( )5وغيرهما.
وفي الحديث اختالٌف آخر سيأتي ص ( ،)219ولعَّل الطريق اَّلذي ساقه المؤلف أصحها،
فاإلسناد صحيح إلى كعب األحبار.
( )1أخرجه حرب في مسائله ص ( ،)407وأبو نعيم في صفة الجَّنة برقم (.)181
وسنده حسن إلى ِش ْم ر بن عطية الكوفي وهو من أتباع التابعين.
( )2أخرجه البيهقي في البعث والنشور رقم ( )237من طريق جابر الجعفي عن مجاهد فذكره.
وجابر متكلٌم فيه فوثقه بعضهم واتهمه آخرون ،لكنه لم ينفرد به.
فرواه عبد العزيز بن رفيع والقاسم بن أبي بَّز ة عن مجاهد بنحوه.
أخرجه الطبري في تفسيره ( ،)1 /18وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (.)18
وفي إسناديهما مقال.
()1/217
وذكر البيهقي من حديث البغوي حدثنا يونس بن عبيد الَّله ( )1البصري حدثنا عدي بن الفضل
عن الُج َر يري ( ، )2عن أبي َنْض َر ة عن أبي سعيد رضي الَّلُه عنه قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله
عليه وسلم" :-إَّن الَّلَه أحاط حائط الجَّنة لبنًة من ذهب ولبنًة من فضة ،وغرس غْر سها بيده ،ثَّم
قال لها :تكلمي ،فقالتَ{ :قْد َأْفَلَح اْلُم ْؤ ِم ُنوَن ([ } )1المؤمنون ،]1 :فقال :طوبى لك منزل
الملوك" (. )3
وقال ابن أبي الدنيا :حدثنا محمد بن المثنى البزاز ،حدثنا محمد ابن زياد الكلبي حدثنا بشر ()4
بن حسين عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس رضي الَّلُه عنه قال :قال رسول الَّله -صلى
الَّله عليه وسلمَ" :-خ َلَق الَّلُه جَّنة عدٍن بيدهَ ،لبَنًة من دَّر ٍة بيضاَء ،ولبنًة من ياقوتٍة حمراء ،ولبنًة
من َز برَج دٍة خضراَء ،مالطها المسك ،وحصباؤها اللؤلؤ ،وحشيشها الزعفران ،ثَّم قال لها:
انطقي ،فقالتَ{ :قْد َأْفَلَح اْلُم ْؤ ِم ُنوَن ( ،} )1فقال الَّله عَّز وجل :وعزتي وجاللي ال يجاورني فيك
بخيل ،ثَّم تال رسول الَّله
__________
( )1في نسخة على حاشية "أ" "عبد الَّله".
( )2في "هـ"" :الجوهري" وهو خطأ.
( )3أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم ( )237 ،140وفي الحلية ( ،)204 /6والبيهقي في
البعث والنشور رقم (.)236
وعدي بن الفضل هو البصري متروك الحديث ،وقد خولف:
خالفه وهيب ،فرواه وهيب عن الجريري به موقوًفا.
أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم ( ،)237والبزار كما سيأتي عند المؤلف.
ورجح المنذري والمؤلف في ص ( ،)592الموقوف ،وهو كما قاال.
( )4في جميع النسخ "بشير" وهو خطأ.
()1/218
-صلى الَّله عليه وسلمَ{ :-و َمْن ُيوَق ُش َّح َنْف ِس ِه َفُأوَلِئَك ُه ُم اْلُم ْف ِلُح وَن ([ } )9الحشر( ]9 :
. )1
وتأَّم ل هذه العناية كيف جعل الجَّنة ( )2التي غرسها بيديه ( )3لمن خلقه بيديه وألفضل ذريته =
اعتناًء وتشريًف ا وإظهاًر ا لفضل ما خلقه بيديه ( )4وشرفه ،وتمييزه ( )5بذلك عن غيره ،وبالَّله
التوفيق ،فهذه الجَّنة في الجنان؛ كآدم في نوع الحيوان.
وقد روى مسلم في "صحيحه" ( )6عن المغيرة بن شعبة عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال:
"سأَل موسى ربه :ما ( )7أدنى أهل الجَّنة منزلًة؟ قال :رجٌل يجيء بعدما دخل أهل الجَّنة الجَّنة،
فيقال له :أدخِل الجنة ،فيقول :رِّب كيف وقد نزل الَّناس منازلهم ،وأخذوا أخذاتهم؟! فيقال له:
أترضى أْن يكون لك مثل َم ِلٍك ( )8من ملوك الدنيا؟ فيقول :رضيت رِّب ،فيقول له :لك ذلك
وِم ْثُله وِم ْثله ومثله ومثله ،فقال في الخامسة:
__________
( )1أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( ،)20وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم ()17
مختصًر ا.
وهو حديث باطل وخطأ ،فإَّن محمد بن زياد الكلبي ضعيف جًّدا ،وبشر ابن حسين متروك ،وهو
خطأ على سعيد بن أبي عروبة.
وصوابه عن سعيد عن قتادة عن أنس عن كعب األحبار كما تقدم ص (.)217
( )2في "ب ،د" "وتأَّمل كيف هذه العناية كيف جعل الجنة".
( )3في "د ،هـ" ونسخٍة على حاشية "أ" "بيده" وكذا بعده.
( )4في نسخٍة على حاشية "أ" "بيده".
( )5في "هـ"" :وتميزه".
( )6رقم (.)189
( )7في نسخة على حاشية "أ" "من".
( )8في مسلم" :مثل ُمْلِك َم ِلٍك ".
()1/219
رضيت رب .قال :رب ،فأعالهم منزلًة ،قال :أولئك اَّلذين أردت ،غرست كرامتهم بيدَّي ،
وختمت عليها ،فلم تَر عيٌن ولم تسمع أُذٌن ،ولم يخطر على قلب بشر" ،ومصداقه من كتاب
الَّلِهَ{ :فاَل َتْع َلُم َنْف ٌس َم ا ُأْخ ِف َي َلُه ْم ِم ْن ُقَّر ِة َأْع ُيٍن } [السجدة.]17 :
()1/220
الباب الَّر ابع والعشرون في ذكر بَّو اِبْي الجَّنة وخزنتها ،واسم ُمقَّدمهم ورئيسهم
ِت ِة ِس ِذ
قال تعالىَ{ :و يَق اَّل يَن اَّتَق ْو ا َر َّبُه ْم ِإَلى اْلَج َّن ُز َم ًر ا َح َّتى ِإَذا َج اُءوَه ا َو ُف َح ْت َأْبَو اُبَه ا َو َقاَل َلُه ْم
َخ َز َنُتَه ا َس اَل ٌم َعَلْيُك ْم ِط ْبُتْم َفاْدُخ ُلوَه ا َخ اِلِد يَن ([ })73الزمر.]73 :
والَخ َز َنة :جمع خازن ،مثل َح َف َظة وَح اِفظ ،وهو الُم ْؤ َتَم ن على الشيء اَّلذي قد استحفظه.
وروى مسلٌم في "صحيحه" ( )1من حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس رضي الَّلُه عنه
قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-آتي باَب الجَّنة يوَم القيامة فأستفتح ،فيقول
الخازُن :من أنَت ؟ فأقول محمٌد ،فيقول :بك أمرُت أْن ال أفتح ألحٍد قبَلَك ".
وقد تقَّدم حديث أبي هريرة المتفق عليه (" :)2من أنفق زوجين في سبيل الَّله دعاُه خزنُة الجَّنة
كُّل خزنة باب :أي ُفُل هُلَّم " .قال أبو بكر :يا رسول الَّله ،ذاك الذي ال َتَو ى عليه ،فقال الَّنبي -
صلى الَّله عليه وسلم" :-إِّني ألرجو أْن تكون منهم".
وفي لفٍظ :هل يدعى أحٌد من تلك األبواب كلها؟ قال" :نعم ،وأرجو أْن تكون منهم".
__________
( )1برقم (.)197
( )2تقدم ص (.)110
()1/221
لَّم ا َسَم ْت ِه َّمُة الِّص َّديق إلى تكميل مراتب اإليمان ،وطمعت نفسه أْن ُيْد َعى من تلك األبواب
كَّلها ،فسأل رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -هل يحصل ذلك ألحد من الَّناس ،ليسعى في
العمل اَّلذي ينال به ذلك ،فأخبره بحصوله وبَّش ره بأَّنه من أهله ،فكأَّنُه قال :هل يكمل أحد هذه
المراتب فُيدعى يوم القيامة من أبوابها كلها؟
فِلَّلِه ما أعلى هذه الهَّم ة ،وأكبر هذه الَّنفس.
وقد سَّم ى الَّلُه سبحانه وتعالى كبير الخزنة ِر ْض وان ( . )1وهو اسٌم مشتٌّق من الِّر ضا ،وسَّم ى
خازن الَّناِر مالًك ا ( ، )2وهو اسٌم مشتٌّق من الملك ،وهو القَّو ة والِّش َّدة حيث َتَص َّر فت ُح ُر وُفه.
__________
( )1جاء ذلك في حديث أخرجه الواحدي في أسباب النزول ص ( )332والبيهقي في شعب
اإليمان ( )296 - 293 /7رقم ( :)3421من طريق الضحاك عن ابن عباس.
وسنده ضعيٌف جًّدا.
وفي حديث عن أنس عند الدارقطني في الرؤية رقم ( )64وغيره.
وهو حديٌث منكر ،وسيأتي ص (.)393
وفي الباب أحاديث عن ُأبي بن كعب وعن أبي سعيد الخدري وعائشة ،وال يصح في هذا الباب
شيء والَّله أعلم.
( )2في قوله تعالىَ{ :و َناَدْو ا َياَماِلُك ِلَيْق ِض َعَلْيَنا َر ُّبَك َقاَل ِإَّنُك ْم َماِكُثوَن } [الزخرف.]77 :
()1/222
()1/223
وفي الترمذي من حديث ابن عباس رضي الَّلُه عنهما قال :جلَس ناٌس من أصحاب الَّنبي -صلى
الَّله عليه وسلم -ينتظرونه ،قال :فخرج حَّتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون ،فسمع حديثهم،
فقال بعضهمَ :عَجًبا إَّن الَّله من خلقه خلياًل ،اتخذ إبراهيم خلياًل ،وقال آخر :ماذا بأعجب من
كالمه موسى ( )1كَّلمه تكليًم ا ،وقال آخر :فعيسى كلمة الَّلُه وروحه ،وقال آخر :آدم اصطفاُه
الَّلُه ،فخرج عليهم ،فسَّلم وقال :سمعُت كالمكم وعجبكم ،إَّن إبراهيم خليُل الَّله وهو كذلك،
وموسى نجُّي الَّلِه ،وهو كذلك ،وعيسى روحه وكلمته ،وهو كذلك ،وآدم اصطفاُه الَّلُه ،وهو
كذلك ،أال وأنا حبيب الَّله وال فخر ،وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة وال فخر ،وأنا أَّو ل شافٍع
وأَّو ل مشَّف ع يوم القيامة وال فخر ( ، )2وأنا أَّو ل
__________
= بلفظ "حَّر م الَّلُه على كِّل آدمي الجَّنة يدخلها قبلي غير أِّني انظر عن يميني فإذا بامرأة تبادرني
إلى باب الجَّنة " . . .بنحوه.
أخرجه الخرائطي في مكارم األخالق رقم (.)691
قلُت :الحديث مداره على عبد السالم بن عجالن وقد اضطرب فيه -وهو لين -قال أبو حاتم:
"شيخ بصري يكتب حديثه" .وذكره ابن حبان في الثقات ( )127 /7وقال" :يخطئ ويخالف".
والحديث ضعفه البوصيري فقال" :رواه أبو يعلى بسنٍد ضعيف ،لضعف عبد السالم بن عجالن".
وحسنه المنذري وقال ابن حجر" :رواته ال بأس بهم".
انظر :الترغيب والترهيب للمنذري ( ،)349 /3والفتح ( ،)436 /10وإتحاف الخيرة المهرة
للبوصيري رقم (.)5073
( )1في نسخٍة على حاشية "أ"" :لموسى".
( )2قوله "وال فخر" سقط من "ب".
()1/224
من يحِّر ك َح َلَق الجَّنة فيفتح لي فأدخلها ،ومعي فقراء المؤمنين وال فخر ،وأنا أكرم األولين
واآلخرين وال فخر" (. )1
وعن أنس بن مالك رضي الَّلُه عنه قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-أنا أَّو ل الَّناِس
خروًج ا إذا بعثوا ،وأنا خطيبهم إذا أنصتوا ،وقائدهم إذا وفدوا ،وشافعهم إذا ُح ِبسوا ،وأنا
مبشرهم إذا أيسوا ( ، )2لواء الحمد بيدي ،ومفاتيح الجَّنة يومئٍذ بيدي ،وأنا أكرُم ولد آدم يومئذ
على ربي وال فخر ،يطوف علَّي ألف خادم كأَّنهم اللؤلؤ المكنون" رواه الترمذي ( ، )3والبيهقي
واللفظ له (. )4
__________
( )1أخرجه الترمذي برقم ( )3616والدارمي برقم (.)48
من طريق زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس فذكره.
والحديث ضعفه الترمذي وابن كثير وفيه زمعة وهو ضعيف ،وسلمة فيه مقال.
قال الترمذي" :هذا حديث غريب".
وقال ابن كثير" :وهذا حديث غريب من هذا الوجه ،ولبعضه شواهد في الصحاح وغيرها".
( )2في "أ ،هـ"" :يئسوا".
( )3أخرجه الترمذي برقم ( ،)3610والبيهقي في دالئل النبوة (.)484 - 483 /5
قال الترمذي" :حسن غريب".
والحديث مداره على ليث بن أبي سليم وهو ضعيف لسوء حفظه ،واختالطه في آخر عمره ،وقد
اضطرب في هذا الحديث .انظر :تهذيب الكمال (.)288 - 279 /24
( )4قوله" :واللفظ له" ليس في "ب".
()1/225
وفي "صحيح مسلم" ( )1من حديث المختار بن فلفل عن أنس -رضي الَّله عنه -قال :قال
رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-أنا أكثر الَّناس تبًعا يوم القيامة ،وأنا أَّو ل من يقرع باَب
الجَّنة".
__________
( )1رقم (.)331( - )196
()1/226
()1/227
بعدهم".
وروى الدارقطني من حديث زهير بن محمد عن عبد الَّله بن محمد ابن َعِق يل ،عن الزهري عن
سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب -رضي الَّله عنه -عن رسول الَّله -صلى الَّله عليه
وسلم -قال" :إَّن الجَّنة ُح ِّر مت على األنبياء كَّلهم حتى أدخلها ،وُح ِّر مت على األمم حتى تدخلها
أمتي" (. )1
قال الَّدارقطني" :غريب عن الزهري ،وال أعلُم ُر وي عن عبد الَّله بن محمد بن عقيل عن الزهري
غير هذا الحديث ،وال رواُه إاَّل عمرو بن أبي سلمة [الِّتِّنيسي عن صدقة الَّس مين] ( )2عن زهير".
فهذه األمة أسبق األمم خروًج ا من األرِض وأسبقهم إلى أعلى مكان في الموقف ،وأسبقهم إلى
ظل العرش ،وأسبقهم إلى الفصل والقضاء بينهم ،وأسبقهم إلى الجواز على الصراط ،وأسبقهم
إلى دخول الجَّنة ،فالجَّنة محرمة على األنبياء حتى يدخلها محمد -صلى الَّله عليه وسلم-
ومحرمة على األمم حتى تدخلها أمته.
__________
( )1أخرجه الَّدارقطني في األفراد كما في أطراف الغرائب ( ،)103 /1وابن أبي حاتم في العلل
( )227 /2رقم ( ،)2167والطبراني في األوسط رقم ( ،)942وابن عدي في الكامل (/4
.)129
قال الطبراني" :لم يرو هذا الحديث عن الزهري إاَّل عن ابن عقيل ،وال عن ابن عقيل إاَّل زهير،
وال عن زهير إاَّل صدقة ،تفَّر د به عمرو".
قال أبو زرعة الَّر ازي" :ذا حديث منكر ال أدري كيف هو".
والحديث جعله ابن عدي من منكرات عبد الَّله بن محمد بن عقيل.
( )2ما بين المعقوفتين ليس في النسخ واستدركته من أطراف الغرائب.
()1/228
وأَّما ( )1أَّو ل األمة دخواًل :فقال أبو داود في "سننه" حدثنا هَّناد بن الَّس رِّي ،عن عبد الرحمن بن
محمد الُم حاربي عن عبد السالم بن حرب عن أبي خالد الَّداالني عن أبي خالد مولى آل َج ْع دة
عن أبي هريرة رضي الَّلُه عنه قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-أتاني جبريل فأخذ
بيدي ،فأراني باب الجَّنة اَّلذي تدخُل منه أمتي" .فقال أبو بكر :يا رسول الَّله ،وددُت لئن ()2
كنُت معك حتى أنظر إليه ،فقال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-أما إَّنك يا أبا بكر أَّو ل
من يدخل الجَّنة من أمتي" (. )3
وقوله" :وددت لئن كنت معك ( ." )4حرًص ا منه على زيادة اليقين ،وأن يصير الخبر عياًنا ،كما
قال إبراهيم الخليل {َر ِّب َأِر ِني َك ْيَف ُتْح ِي اْلَمْو َتى َقاَل َأَو َلْم ُتْؤ ِم ْن َقاَل َبَلى َو َلِكْن ِلَيْطَم ِئَّن َقْلِبي}
[البقرة.]260 :
وأَّما الحديث اَّلذي رواُه ابن ماجه في "سننه" :حدثنا إسماعيل بن عمر الطلحي ،أنبأنا داود بن
عطاء المديني ،عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب ،عن ُأبِّي بن كعب -
رضي الَّله عنه -قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-أَّو ل من يصافحه الحق عمر
وأَّو ل من يسِّلم عليه ،وأَّو ل من يأخذ بيده فيدخله الجَّنة" (. )5
__________
( )1في "ب ،ج ،د ،هـ"" :وأنا" وهو خطأ.
( )2كذا في جميع النسخ ،وكذلك ما بعدها ،وجاء في سنن أبي داود "أني" بدل "لئن".
( )3تقدم في الباب الحادي عشر ص (.)123
( )4من قوله" :حتى أنظر إليه" إلى "معك" سقط من "ج".
( )5أخرجه ابن ماجه برقم ( )104وابن أبي عاصم في السنة برقم (= ،)1280
()1/229
فهو حديٌث منكر جًّدا ،قال اإلمام أحمد" :داود بن عطاء ليس بشيٍء " ،وقال البخاري" :منكر
الحديث" (. )1
__________
= والقطيعي في زوائد فضائل الصحابة برقم ( ،)630والحاكم في المستدرك ( )90 /3رقم (
)4489وغيرهم.
قال الذهبي" :موضوع في سنده كَّذ اب".
وقال أيًض ا في الميزان (" :)20 /3هذا منكٌر جًّدا".
وقال ابن كثير" :هذا الحديث منكر جًّدا ،وما أبعد أْن يكون موضوًعا ،واآلفة فيه من داود بن
عطاء هذا".
انظر :جامع المسانيد ( )72 /1رقم (.)40
( )1انظر :أقوال أئمة الجرح والتعديل في داود هذا ،في تهذيب الكمال (.)420 - 419 /8
()1/230
الباب السابع والعشرون في ذكر الَّس ابقين من ( )1هذه األمة إلى الجَّنة وصفتهم
في "الصحيحين" ( )2من حديث هَّم ام بن ُمَنِّبه عن أبي هريرة -رضي الَّله عنه -قال :قال رسول
الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-أَّو ل ُز مرة َتلُج الجَّنة ُصَو ُر هم على صورة القمِر ليلة الَبْد ِر ،ال
يبصقون فيها ،وال يمتخطون فيها ،وال يتغوطون فيها ،آنيتهم وأمشاطهم الذهُب والفضة،
ومجامرهم اُألُلَّو ة ( ،)3ورشحهم المسك ،ولكِّل واحٍد منهم زوجتان ُيرى ُمُّخ سوقهما من وراء
اللحم من الُح سن ،ال اختالف بينهم وال تباغض ،قلوُبهم على قلب واحد ( ،)4يسبحون الَّلَه
ُبْك َر ًة وَعشًّيا".
وفي "الصحيحين" ( )5أيًض ا من حديث أبي ُز رعة ،عن أبي هريرة رضي الَّلُه عنه قال :قال رسول
الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-أَّو ل ُز مرٍة يدخلون الجَّنة على صورة القمر ليلَة البدِر ،واَّلذين
يلونهم على ضوِء أشِّد كوكٍب ُدرٍّي في السماء إضاءًة ،ال يبولون وال يتغَّو طون ،وال يتُف لون وال
َيْم تِخ طون ،أمشاطهم الذهُب ورشحهم المسُك ،ومجامرهم اُألُلَّو ُة ،وأزواجهم الحوُر العيُن ،
أخالُقهم على َخ ْلِق رجٍل واحٍد ،على صورة أبيهم آدم
__________
( )1في "ب ،د"" :في".
( )2البخاري رقم ( ،)3073ومسلم رقم (.)17( - )2834
( )3اُألُلَّو ة :هو العود اَّلذي يتبخر به ،وُتْف تح همزته وُتَض م ،انظر :النهاية (.)63 /1
( )4عند البخاري "قلوبهم قلُب رجٍل واحٍد " وعند مسلم "قلوبهم قلٌب واحد".
( )5البخاري رقم ( ،)3149ومسلم رقم (.)15( - )2834
()1/231
()1/232
وفقير ُمَتَعِّف ف ذو ِع َيال ،وأَّو ل ثالثة يدخلون الَّنار :فأميٌر ُمَس َّلٌط ،وذو ثروٍة من ماٍل ال يؤِّدي حَّق
الَّله في ماله ،وفقيٌر فخور" (. )1
وروى اإلمام أحمد في "مسنده" والطبراني في "معجمه" واللفظ له من حديث أبي ُعَّش انة
المعافري أَّنه سمع عبد الَّله بن عمرو رضي الَّلُه عنه يقول :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه
وسلم" :-هل تدرون أَّو ل من يدخل الجَّنة؟ قالوا :الَّلُه ورسوله أعلُم ،قال :فقراء الُم هاجرين
اَّلذين ُتَّتقى بهم المكاره ،ويموُت أحدهم وحاجته في َص ْد ِر ِه ال يستطيع لها قضاًء ،تقول
المالئكة :رَّبنا نحُن مالئكتك وخزنتك وُس َّك ان سماواتك ال تدخلهم ،الجَّنة قبلنا ،فيقول :عبادي
ال ُيْش ركون بي شيًئاُ ،تَّتقى بهم المكاره ،يموت أحدهم وحاجته في صدره لم يستطع لها قضاًء،
فعند ذلك تدخل عليهم المالئكة من كِّل باٍب ،سالٌم عليكم بما صبرتم ( )2فنعَم ُعقبى الَّداُر " (
. )3
__________
( )1أخرجه أحمد في المسند ( ،)425 /2والترمذي برقم ( )1641مختصًر ا ،والطيالسي في
مسنده رقم ( ،)2690وابن خزيمة برقم ( )2249وابن حبان رقم ( ،)4312والحاكم (/1
)545 - 544رقم ( )1429وغيرهم.
قال الترمذي" :هذا حديث حسن".
والحديث صححه ابن خزيمة وابن حبان.
قلُت :في السند عامر العقيلي وأبوه فيهما جهالة .انظر :تهذيب الكمال (.)70 /14
( )2قوله" :بما صبرتم" سقط من "ب".
( )3أخرجه أحمد في مسنده ( ،)168 /2والطبراني في المعجم الكبير "الجزء المفقود" رقم (
)151وعبد بن حميد في مسنده "المنتخب رقم )352وابن حبان في صحيحه ( /16رقم
،)7421والحاكم ( )81 /2رقم (= )2393
()1/233
ولَّم ا ذكر الَّلُه تعالى أصناف بني آدم َس عيدهم وشقيهم ،قسم ُسَعداءهم إلى قسمين :سابقين
وأصحاب يمين فقالَ{ :و الَّس اِبُقوَن الَّس اِبُقوَن ([ } )10الواقعة.]10 :
واختلف في تقديرها على ثالثة أقوال:
أحدها :أَّنه من باب الَّتوكيد اَّللفظي ،ويكون خبره قوله تعالىُ{ :أوَلِئَك اْلُم َقَّر ُبوَن (} )11
[الواقعة.]11 :
والثاني :أْن يكون الَّس ابقون األَّو ل مبتدأ ،والثاني َخ َبًر ا له على حِّد قولك :زيد زيد ،أي زيد اَّلذي
سمعت به هو زيد كما قال:
أنا أبو الَّنجم َو ِش ْع ري ِش ْع ري ()1
وكقول اآلخر:
إذا الَّناُس ناٌس والَّنهاُر نهاُر ()2
__________
= وغيره.
من طريق عبد الَّله بن وهب وابن لهيعة ومعروف بن سويد كلهم عن أبي عشانة به فذكره.
ولفُظ ابن وهب" :إَّن أَّو ل ثَّلٌة تدخل الجَّنة الفقراء المهاجرون اَّلذي ُتَّتقى بهم المكاره ،إذا ُأمروا
سمعوا وأطاعوا وإْن كانت لرجل منهم حاجة إلى السلطان لم تقض له حتى يموت وهي في
صدره." . . .
وقال الحاكم عن حديث ابن وهب" :صحيح اإلسناد ،ولم يخرجاه".
( )1البيت ألبي النجم العجلي ،انظر :الكامل للمبرد ( ،)62 /1وخزانة األدب للبغدادي (/1
.)418
( )2كذا في جميع النسخ ،وفي مغني اللبيب ص ( )863رقم (" )1117والزمان =
()1/234
()1/235
قيل :نتلَّق اه بالقبول والتصديق ،وال يدل على أَّن أحًد ا يسبق رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم-
إلى الجَّنة ،وأَّما تقُّدم بالل بين يديه -صلى الَّله عليه وسلم -في الجَّنة؛ فألَّن بالاًل كان يدعو إلى
الَّلِه أَّواًل في األذان فيتقدم أذانه بين يدي رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم ،-فيتقَّدم ()1
دخوله بين يديه كالحاجب والخادم.
وقد ُر ِو َي في حديٍث " :أَّن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -يبعُث يوم القيامة وبالٌل بين يديه ينادي
باألذان" (. )2
فتقَّدمه بين يديه -صلى الَّله عليه وسلم -كرامًة لرسول الَّلِه -صلى الَّله عليه وسلم -وإظهاًر ا
لشرفه وفضله ،ال َس ْبًق ا من بالٍل له ،بل هذا الَّس بق من جنس سبقه إلى الوضوء ،ودخول المسجد
ونحوه ،والَّلُه تعالى أعلم.
__________
( )1في نسخة على حاشية "أ" "فتقُّدم".
( )2أخرجه الطبراني في الكبير رقم ( )2629وفي الصغير رقم ( ،)1122والخطيب في تاريخه
(.)357 /3
قال ابن الجوزي" :موضوع." . .
وقال الذهبي" :إسناده مظلٌم ،ما أدري من وضعه." . . .
وورد عن ُبريدة وعلي وأنس ،وكلها أحاديث موضوعة.
انظر :الآللئ المصنوعة (.)447 - 446 /2
والسلسلة الضعيفة رقم (.)775 - 771
وزوائد تاريخ بغداد (.)423 - 420 /2
()1/236
()1/237
وروى الترمذي من حديث عَّباس الُّدوري ،عن الُم ْق ِر يء ( )1عن سعيد بن أبي أيوب عن عمرو (
َّل َّل
)2بن جابر الحضرمي عن جابر بن عبد ال ه عن الَّنبي -صلى ال ه عليه وسلم -أَّنه قال" :يدخُل
فقراُء ُأَّمتي ( )3الجَّنة قبَل األغنياء بأربعين خريًف ا" (. )4
وفي "صحيح مسلم" ( )5من حديث عبد الَّله ( )6بن عمرو رضي الَّلُه عنه قال :سمعت رسول
الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -يقول" :إَّن فقراء المهاجرين يسبقون األغنياء يوَم القيامة ()7
بأربعين خريًف ا".
__________
( )1في "ب ،هـ" ونسخٍة على حاشية "أ" "المقبري" وهو خطأ.
( )2في "أ ،هـ" "عمر" وهو خطأ.
( )3في الترمذي وغيره "المسلمين".
( )4أخرجه الترمذي برقم ( ،)4355وأحمد في المسند ( )324 /3وعبد بن حميد رقم (
،)117والبيهقي في البعث رقم (.)454
قال الترمذي" :هذا حديث حسن".
قلُت :في سنده عمرو بن جابر الحضرمي ،قال أبو حاتم" :صالح الحديث عنده نحو عشرين
حديًثا" ،ووَّثقه العجلي ،وقال النسائي والجوزجاني :ليس بثقة .وقال اإلمام أحمد" :بلغني أَّن
عمرو بن جابر كان يكذب ،روى عن جابر أحاديث مناكير" وقال ابن حبان" :كان سحابًّيا ،يزعم
أَّن علًّيا في السحاب ،كأَّنه جالس الكوفيين فأخذ عنهم ،ومع ذلك ينفرد عن جابر بأشياء ليست
من حديثه ،ال يحل االحتجاج بخبره وال الرواية عنه." . . .
انظر :تهذيب الكمال (.)562 - 559 /21
( )5رقم (.)2979
( )6في "ج" "أبي عبد الَّله" وهو خطأ.
( )7في مسلم زيادة "إلى الجَّنة".
()1/238
وقال اإلمام أحمد :حدثنا حسين بن محمد حدثنا ُدَو ْيد عن سلم ( )1ابن بشير عن عكرمة عن
ابن عباس رضي الَّلُه عنهما قال :قال الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم" :-التقى مؤمنان على باب
الجَّنة ،مؤمٌن غنٌي ،ومؤمٌن فقيٌر ،كانا في الدنيا ،فُأْد ِخ َل الفقيُر الجَّنة ،وُح بَس الغني ما شاء الَّلُه أْن
ُيْح بس ،ثَّم ُأْد ِخ َل الجَّنة ،فلقيه الفقيُر فيقول :أي أخي وماذا حبسك؟ والَّله لقد اْح تَبسَت حتى
خفت ( )2عليك ( ، )3فيقول :أي أخي إِّني حبسُت بعدك محبًس ا فظيًعا ( )4كريًه ا ،وما وصلُت
إليك حتى سال مِّني الَعَر ق ( ، )5ما لو َو َر َدُه ألُف بعيٍر كلها آكلة حمٍض لصدرْت عنه رواء ()6
" (. )7
وقال الطبراني :حدثنا محمد بن عبد الَّله الحضرمي ،وعلي ابن سعيد الَّر ازي قاال :حدثنا علي بن
بهرام ( )8العطار ،حدثنا
__________
( )1في "ب ،د ،هـ" ونسخٍة على حاشية "أ" "سليم" ،والمثبت هو الصواب ،وقيل في اسمه غير
ذلك ،وهذا التنوع في االسم يرجع إلى اختالف الَّناقلين في اسم هذا الرجل.
انظر :تعجيل المنفعة البن حجر (.)606 ،564 /1
( )2في "هـ"" :خشيت".
( )3من قوله "فيقول :أي أخي" إلى "عليك" سقط من "ج".
( )4في "ب ،د" "قطيًعا" ,وفي نسخٍة على حاشية "أ" "مضيًق ا".
( )5في "ب ،ج" "مني من العرق".
( )6من المسند.
( )7أخرجه أحمد في المسند (.)304 /1
وسنده ضعيف ،فيه ُدَو ْيد مجهول ،قاله الحسيني.
وانظر :تعجيل المنفعة ( )564 /1رقم (.)356
( )8في جميع النسخ "مهران" وهو خطأ ،انظر :تاريخ بغداد ( )353 /11وغيره.
()1/239
عبد الملك بن أبي كريمة ،عن سفيان الثوري عن محمد بن زيد عن أبي حازم ( )1عن أبي هريرة
رضي الَّلُه عنه قال :سمعُت رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -يقول" :إَّن فقراء المؤمنين
يدخلون الجَّنة قبل أغنيائهم بنصف يوٍم ،وذلك خمس مائة عام" وذكر الحديث بطوله (. )2
واَّلذي في الصحيح أَّن سبقهم لهم "بأربعين خريًف ا".
فإَّما أْن يكون هو المحفوظ ،وإَّما أْن يكون كالهما محفوظان ،وتختلف ُمَّدة السبق بحسب
أحوال الفقراء واألغنياء ،فمنهم من يسبق بأربعين ،ومنهم من يسبق بخمس مئة كما يتأخر مكث
الُعصاة من الموحدين في الَّنار بحسب جرائمهم والَّلُه أعلم.
ولكن ها هنا أمٌر يجب التنبيه عليه ،وهو أَّنه ال يلزم من سبقهم لهم في الدخول ارتفاع منازلهم
عليهم ،بل قد يكون المتأخر أعلى منزلة؛ وإن َس َبَق ُه غيره في الدخول ،والدليل على هذا أَّن من
األمة من يدخل الجَّنة بغير حساب ،وهم الَّس بعون ألًف ا ( ، )3وقد يكون بعض من
__________
( )1في نسخٍة على حاشية "أ" "حاتم" وهو خطأ.
( )2أخرجه أبو نعيم في حلية األولياء ( )100 - 99 /7عن الطبراني به.
قال أبو نعيم" :هذا حديث غريب من حديث الثوري عن محمد بن زيد ،ويقال :هو العبدي ،تفَّر د
به عبد الملك".
والحديث منكر ،لم يروه أحٌد من أصحاب الثوري عن الثوري إاَّل هو ،وعلي بن بهرام فيه جهالة.
انظر :تاريخ بغداد ( ،)353 /11وتاريخ مصر البن يونس (َ )150 /2جْم ع وتحقيق ودراسة :د:
عبد الفتاح فتحي.
( )3يشير المؤلف إلى حديث ابن عباس وفيه " . . .فإذا سواد قد مأل األفق ،قيل= :
()1/240
ُيَح اسب أفضل من أكثرهم ،والغني إذا حوسب على ِغ َناُه ،فوجد قد شكر الَّله تعالى فيه ،وتقَّر ب
إليه بأنواع الِبِّر والخير والَّص دقة والمعروف ،كان أعلى درجة من الفقير اَّلذي سبقه في الدخول،
ولم تكن له تلك األعمال ،وال سِّيما إذا شاركه الغني في أعماله هو ( )1وزاد عليه فيها ،والَّلُه ال
يضيع أجَر من أحسن عماًل .
فالمزَّية مزَّيتان؛ مزية سبق ،ومزية ِر ْفعة ،وقد يجتمعان وينفردان ،فيحصل لواحد السبق والِّر فعة،
ويعدمهما آخر ،ويحصل آلخر السبق دون الِّر فعة ،وآلخر الرفعة دون السبق ،وهذا بحسب
المتقضي لألمرين ،أو ألحدهما وعدمه ،وبالَّله التوفيق.
__________
= هذه ُأمتك ،ويدخل الجَّنة من هؤالء سبعون ألًف ا بغير حساب." . . .
أخرجه البخاري رقم ( ،)5378ومسلم رقم (.)220
( )1من "أ ،ج ،هـ".
()1/241
الباب التاسع والعشرون في ذكر أصناف أهل الجَّنة اَّلذين ضمنت لهم دون غيرهم
قال تعالىَ{ :و َس اِر ُعوا ِإَلى َمْغِف َر ٍة ِم ْن َر ِّبُك ْم َو َج َّنٍة َعْر ُضَه ا الَّس َم اَو اُت َو اَأْلْرُض ُأِع َّد ْت ِلْلُم َّتِق يَن (
)133اَّلِذ يَن ُيْنِف ُقوَن ِفي الَّسَّر اِء َو الَّضَّر اِء َو اْلَك اِظ ِم يَن اْلَغْيَظ َو اْلَعاِفيَن َعِن الَّناِس َو الَّلُه ُيِح ُّب
ِل ِب ِح ِذ ِس ِن
اْلُم ْح يَن (َ )134و اَّل يَن ِإَذا َفَعُلوا َفا َش ًة َأْو َظَلُم وا َأْنُفَس ُه ْم َذَك ُر وا الَّلَه َفاْس َتْغَف ُر وا ُذ ُنو ِه ْم
َو َمْن َيْغِف ُر الُّذ ُنوَب ِإاَّل الَّلُه َو َلْم ُيِص ُّر وا َعَلى َم ا َفَعُلوا َو ُه ْم َيْع َلُم وَن (ُ )135أوَلِئَك َجَز اُؤ ُه ْم َمْغِف َر ٌة
ِم ْن َر ِّبِه ْم َو َج َّناٌت َتْج ِر ي ِم ْن َتْح ِتَه ا اَأْلْنَه اُر َخ اِلِد يَن ِفيَه ا َو ِنْع َم َأْج ُر اْلَعاِمِليَن ([ })136آل عمران:
.]136 - 133
فأخبر أنه أعَّد الجَّنة للمتقين دون غيرهم ،ثم ذكر أوصاف المتقين ،فذكر بذلهم لإلحسان في
حالتي العسر واليسر ،والشدة والرخاء ،فإَّن من الَّناس من يبذل في حال اليسر والرخاء ،وال
يبذل في حال العسر والشدة ،ثم ذكر كف أذاهم للَّناس ( )1بحبس الغيظ بالكظم ،وحبس
االنتقام بالعفو ،ثَّم ذكر حالهم بينهم وبين ربهم في ذنوبهم ،وأَّنها إذا صدرت منهم قابلوها بذكر
الَّله ،والتوبة واالستغفار ،وترك اإلصرار ،فهذا حالهم مع الَّلِه ،وذاك حالهم مع خلقه.
ِم
وقال تعالىَ{ :و الَّس اِبُقوَن اَأْلَّو ُلوَن َن اْلُم َه اِج ِر يَن َو اَأْلْنَص اِر َو اَّلِذ يَن اَّتَبُعوُه ْم ِبِإ ْح َس اٍن َر ِض َي الَّلُه
َعْنُه ْم َو َر ُضوا َعْنُه َو َأَعَّد َلُه ْم َج َّناٍت َتْج ِر ي َتْح َتَه ا اَأْلْنَه اُر َخ اِلِد يَن ِفيَه ا َأَبًد ا َذِلَك اْلَف ْو ُز اْلَعِظ يُم (
[ })100التوبة.]100 :
__________
( )1في المطبوعة" :عن الناس".
()1/242
فأخبر تعالى أَّنه أعَّدها للمهاجرين واألنصار ،وأتباعهم بإحسان ،فال مطمع لمن خرج عن طريقتهم
فيها.
ِل ِج ِك ِذ ِم
وقال تعالىِ{ :إَّنَم ا اْلُم ْؤ ُنوَن اَّل يَن ِإَذا ُذ َر الَّلُه َو َلْت ُقُلوُبُه ْم َو ِإَذا ُت َيْت َعَلْيِه ْم آَياُتُه َز اَدْتُه ْم
ِئ ِف ِم َّلِذ ِق ِإ
يَم اًنا َو َعَلى َر ِّبِه ْم َيَتَو َّك ُلوَن ( )2ا يَن ُي يُم وَن الَّصاَل َة َو َّم ا َر َز ْقَناُه ْم ُيْن ُقوَن (ُ )3أوَل َك ُه ُم
اْلُم ْؤ ِم ُنوَن َح ًّق ا َلُه ْم َدَرَج اٌت ِع ْنَد َر ِّبِه ْم َو َمْغِف َر ٌة َو ِر ْز ٌق َك ِر يٌم ([ } )4األنفال.]4 - 2 :
فوصفهم بإقامة حقه باطًنا وظاهًر ا ،وبأداء حق عباده.
وفي "صحيح مسلم" ( )1عن عمر بن الخطاب رضي الَّلُه عنه قال :لما كان يوُم خيبر أقبل نفٌر
من صحابة الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -فقالوا :فالٌن شهيد ،وفالٌن شهيد ،حتى مروا على َرُج ٍل
فقالوا :فالٌن شهيد ،فقال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-كاَّل إَّني رأيته في الَّنار في دٍة
ُبْر
َغَّلها أو عباءٍة ،ثَّم قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-يا ابَن الخطاب ،اذهب فناِد في
الَّناِس إَّنُه ال يدخل الجَّنة إاَّل المؤمنون ،قال :فخرجُت فناديُت :أال ( )2إَّنُه ال يدخل الجَّنة إاَّل
المؤمنون" .وللبخاري معناه (. )3
وفي "الصحيحين" ( )4من حديث أبي هريرة رضي الَّلُه عنه أَّن رسول الَّلِه -صلى الَّله عليه
وسلم -أمَر بالاًل أْن ينادَي في الَّناِس " :إَّنه ال يدخُل الجَّنة إاَّل نفٌس
__________
( )1رقم (.)114
( )2من "صحيح مسلم".
( )3رقم ( )3967من حديث أبي هريرة رضي الَّله عنه.
( )4البخاري رقم ( ،)2897ومسلم رقم (.)111
()1/243
موفق ( )1ورجٌل رحيٌم رقيُق القلب لكِّل ذي قربى ومسلم ،وعفيٌف متعفف ذو عيال .وأهل الَّنار
خمسة :الضعيف اَّلذي ال َز ْبر ( )2له اَّلذين هم فيكم تبًعا ،ال يبغون ( )3أهاًل وال مااًل .والخائن
اَّلذي ال يخفى له طمٌع وإْن دَّق إاَّل خانه .ورجٌل ال يصبح وال يمسي إاَّل وهو يخادعك عن أهلك
ومالك" وَذَك َر البخل والكذب ( ، )4والِّش نظير الفَّح اُش "وإَّن الَّلَه أوحى إلَّي أن تواضعوا حتى ال
يفخر أحٌد على أحٍد ،وال يبغي أحٌد على أحد".
وفي "الصحيحين" ( )5من حديث حارثة بن وهب رضي الَّلُه عنه قال :سمعت رسول الَّلِه -صلى
الَّله عليه وسلم -يقول" :أال أخبركم بأهل الجَّنة ،كُّل ضعيف متضَّعٍف لو أقسم على الَّلِه ألبَّر ُه،
أال أخبركم بأهل الَّنار؟ كُّل ُعُتٍّل َج َّو اٍظ ُمتكبر (." )6
وقال اإلمام أحمد :حدثنا علي بن إسحاق قال :أنبأنا عبد الَّله أنبأنا موسى بن ُعَلي بن رباح قال:
سمعت أبي يحدث عن عبد الَّله بن عمرو
__________
( )1في "ب" "منفق".
( ) 2جاء في حاشية "أ" من النهاية" :ال زبر له ،أي :ال عقل له يزبره وينهاه عن اإلقدام على ما ال
ينبغي" .انظر :النهاية البن األثير (.)293 /2
( )3كذا في جميع النسخ ،وعند مسلم "ال َيْتبُعون".
( )4في "ج"" :أو الكذب".
( )5البخاري رقم ( ،)4634ومسلم رقم (.)2853
( )6في نسخة على حاشية "أ" "مستكبر" ،وهي عند البخاري.
()1/245
ابن العاص رضي الَّلُه عنهما عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :إَّن أهل الَّنار كُّل َج ْع َظرٍّي (
)1جَّو اظ (ُ )2مْس َتكبر ،جَّم اٍع مَّناٍع ،وأهل الجَّنة الضعفاء المغلوبون" (. )3
وذكر خلف بن خليفة عن أبي هاشم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الَّلُه عنهما قال :قال
رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-أال ( )4أخبركم برجالكم من أهل الجَّنة :الَّنبي في الجَّنة،
والصديق في الجنة ،والشهيد في الجنة ،والرجل يزور أخاه ناحية الِم ْص ر ال يزوره إاَّل لَّله (= )5
في الجنة ،ونساؤكم من أهل الجَّنة :الودود الولود التي إذا َغِض َب أو غِض بْت جاءت حتى تضع
يدها في يد زوجها ،ثَّم تقول :ال أذوق
__________
( )1الجعظري :الفُّظ الغليظ المتكبر ،وقيل هو :اَّلذي ينتفخ بما ليس عنده ،وفيه ِقَص ر .انظر:
النهاية (.)276 /1
( )2الجَّو اظ :الَج موع الَم نوع ،وقيل :الكثير اللحم المختال في مشيته ،وقيل :القصيِر البطين.
انظر :النهاية (.)316 /1
( )3أخرجه أحمد في مسنده ( 499 /2و )169والحارث بن أبي أسامة في مسنده (كما في
بغية الباحث رقم ،)1105والحاكم في المستدرك ( )542 - 541 /2رقم (.)3844
قال الحاكم" :هذا حديث صحيح على شرط مسلم ،ولم يخرجاه بهذه السياقه." . . .،
وقال البوصيري" :ورواته ثقات" .انظر :إتحاف الخيرة المهرة ( .)214 /8قلُت :والحديث
صححه الحاكم والمؤلف كما سيأتي.
( )4سقط من "ب".
( )5وقع في "ج" "ال يزوره إاَّل يزوره إاَّل الَّله".
()1/246
()1/247
أخرج النسائي من هذا الحديث فضل النساء خاصة ،وباقي الحديث على شرطه.
وروى اإلمام أحمد في "مسنده" بإسناٍد صحيح عن عبد الَّله بن عمرو بن العاص رضي الَّلُه عنهما
عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :إَّن أهل الَّنار كُّل جْع َظِر ٍّي َج َّو اٍظ مستكبر جَّم اٍع مَّناٍع ،
وأهل الجَّنة الضعفاء المغلوبون" (. )1
وقال ابن ماجه في "سننه" :حدثنا محمد بن يحيى وزيد بن أخزم قاال :حدثنا مسلم ( )2بن
إبراهيم حدثنا هالل الَّر اسبي ،حدثنا ُعْق بة بن أبي ُثَبْيت الراسبي عن أبي الجوزاء عن ابن عباس -
رضي الَّله عنهما -قال :قال رسول الَّلِه -صلى الَّله عليه وسلم" :-أهل الجَّنة من مأل ُأذنيه من
ثناء الَّناس خيًر ا وهو يسمع ،وأهل الَّنار من مأل أذنيه من ثناء الَّناس شًّر ا وهو يسمع" (. )3
__________
( )1هذا مكرٌر ،تقدم قبل الحديث السابق ،ولهذا كتب ناسخ "أ" بما يلي" :مكرر وقع في أَّو ل
هذه الصفحة".
( )2في "أ ،ج ،هـ"َ" :س ْلم" وهو خطأ.
( )3أخرجه ابن ماجه برقم ( )4224والطبراني في الكبير ( )170 /12وفي شعب اإليمان (
/12رقم ،)6618وأبو نعيم في الحلية (.)80 /3
قال أبو نعيم" :غريب من حديث أبي الجوزاء لم يرفعه ولم يسنده إاَّل مسلم عن أبي هالل".
قلت :في سنده أبو هالل الراسبي المكفوف واسمه محمد بن سليم البصري ،وهو صدوق في
األصل ،ووقعت له مناكير وغرائب بسبب أَّنه لم يكن له كتاب فكان يحدث من حفظه ،وقد
ذكر أبو نعيم هذا الحديث واستغربه.
انظر :تهذيب الكمال (= .)296 - 293 /25
()1/248
وفي "الصحيحين" ( )1عن أنس بن مالك رضي الَّلُه عنه قالُ" :مَّر بجنازة فُأثنَي عليها خيٌر (، )2
فقال نبي الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -وجبْت وجبْت وجبْت ،وُمَّر بجنازٍة فُأثني عليها شٌر ()3
فقال نبي الَّله -صلى الَّله عليه وسلم :-وجبت وجبْت وجبْت ،فقال عمر رضي الَّلُه عنه :فداك
أبي وأميُ ،مَّر بجنازٍة فأُثني عليها خيٌر فقلَت :وجبت وجبت وجبت :وُمَّر بجنازٍة فأثني عليها شٌّر ،
فقلت :وجبت وجبت وجبت؟ فقال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم :-من أثنيتم عليه خيًر ا
وجبْت له الجَّنة ،ومن أثنيتم عليه شًّر ا وجبت له الَّناُر ،أنتم شهداء الَّلِه في األرِض ،أنتم شهداء
الَّلِه في األرِض (." )4
وفي الحديث اآلخر" :يوشُك أْن تعلموا أهل الجَّنة من أهل الَّناِر ،قالوا :كيف يا رسول الَّلِه؟
قال :بالثناء الحسن والثناء السيء" (. )5
__________
= وقد ورد عن أنس وفي ثبوته نظر.
( )1البخاري رقم ( ،)1301ومسلم رقم (.)949
( )2في نسخة على حاشية "أ" و"هـ" "خيًر ا".
( )3في نسخٍة على حاشية "أ" و"هـ" "شًّر ا".
( )4قوله "أنتم شهداء الَّله في األرض" سقط من "ب".
( )5أخرجه البزار في مسنده "البحر الزخار" ( )337 /3رقم ( )1134من حديث سعد بن أبي
وقاص.
قال البزار" :وهذا الحديث ال نعلمه يروى عن سعد إاَّل من هذا الوجه بهذا اإلسناد ،وال نعلم
رواه عن سعد إاَّل عامر ،وال عن عامر إاَّل هاشم بن هاشم ،وال عن هاشم بن هاشم إاَّل شجاع،
ولم نسمعه إاَّل من الحسن بن عرفة".
قال الهيثمي" :ورجاله رجال الصحيح غير الحسن بن عرفة وهو ثقة" مجمع الزوائد (/10
.)271
وقد ورد من حديث أبي زهير الثقفي= .
()1/249
ِط
وبالجملة فأهل الجَّنة أربعة أصناف ،ذكرهم الَّله سبحانه وتعالى في قولهَ{ :و َمْن ُي ِع الَّلَه
ِلِح ِء ِق ِم ِب َّلِذ ِئ
َو الَّر ُس وَل َفُأوَل َك َمَع ا يَن َأْنَعَم الَّلُه َعَلْيِه ْم َن الَّن ِّييَن َو الِّص ِّدي يَن َو الُّش َه َد ا َو الَّصا يَن َو َح ُسَن
ُأوَلِئَك َر ِفيًق ا ([ } )69النساء.]69 :
فنسأل الَّله أْن يجعلنا معهم بمِّنه وكرمه (. )1
__________
= أخرجه ابن ماجه رقم ( )4221وأحمد في المسند ( )416 /3وابن حبان رقم (،)7384
والدارقطني في األفراد كما في أطراف الغرائب ( )61 - 60 /4رقم ( )4674وغيرهم من
طريق نافع بن عمر عن أمية بن صفوان عن أبي بكير بن أبي زهير عن أبيه فذكر نحوه وزاد "أنتم
شهدا الَّله بعضكم على بعض" .قال الدارقطني" :غريب من حديث أبي بكر بن أبي زهير عن أبيه،
تفَّر د به أمية بن صفوان عنه ،وتفَّر د به نافع بن عمر عن أمية".
وفي سنده أمية بن صفوان المكي األصغر وأبو بكر بن أبي زهير لم يوثقهما معتبر.
انظر :تهذيب الكمال (.)333 /3
والحديث صححه ابن حبان والحاكم.
وقال الحافظ ابن حجر" :بسند حسن غريب" اإلصابة (.)75 /7
( )1قوله "بمنه وكرمه" ليس في "د".
()1/250
الباب الثالثون في أَّن أكثر أهل الجَّنة هم ُأَّمة محمد -صلى الَّله عليه وسلم-
في "الصحيحين" من حديث عبد الَّله بن مسعود رضي الَّلُه عنه قال :قال لنا رسول الَّله -صلى
الَّله عليه وسلم" :-أما ترضون أْن تكونوا ُرُبَع أهِل الجَّنة؟ فكبرنا ( ،)1ثَّم قال :أما ترضون أْن
تكونوا ثلَث أهل الجَّنة؟ فكبرنا ،ثَّم قال :إِّني ألرجو أْن تكونوا شطَر أهِل الجَّنة ،وسأخبركم عن
ذلك ،ما المسلمون في الكفار إاَّل كشعرِة بيضاِء في ثوٍر أسوَد ،أو كشعرٍة سوداء في ثوٍر أبيض"
هذا لفظ مسلم (.)2
وعند البخاري (" :)3وكشعرٍة سوداء" ( )4بغير ألف.
وعن ُبَر يدة بن الحصيب قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-أهل الجَّنة عشرون
ومئة صٍف ،هذه األمة منها ثمانون صًّف ا" (.)5
__________
( )1في "ب ،د"" :فكبر" ،وكذا مثله ما بعده ،والمثبت من بقية النسخ.
( )2في صحيحه رقم (.)221
( )3رقم ( )6163وفيه " . . .وما أنتم في أهل الشرك إاَّل كالشعرة البيضاء في جلد الثور
األسود ،أو كالشعرة السوداء في جلد الثور األحمر".
( )4في "ج ،د"" :كشعرة بيضاء في ثور أسود".
( )5أخرجه الترمذي برقم ( ،)2546وأحمد ( ،)347 /5وابن أبي شيبة في المصنف ( /6رقم
،)31704وابن أبي الدنيا في حسن الظن بالَّله برقم ( ،)74وابن حبان في صحيحه برقم (
،)7459والحاكم في المستدرك ( )155 /1رقم ( )273وغيرهم.
من طريق ضرار بن مرة عن محارب بن دثار عن ابن بريدة عن أبيه فذكره.
ورواُه الثوري عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -بنحوه
=
()1/251
()1/252
الحديث ( )1عن القاسم بن عبد الرحمن إاَّل الحارث بن ُح صيرة ،تفرد به عبد الواحد بن زياد".
وقال عبد الَّله بن أحمد :حدثنا موسى بن غيالن ثنا هاشم بن مخلد حدثنا عبد الَّله بن المبارك
عن سفيان عن أبي عمرو عن أبيه عن أبي هريرة رضي الَّلُه عنه قال" :لَّم ا نزلت {ُثَّلٌة ِم َن اَأْلَّو ِليَن (
َ )39و ُثَّلٌة ِم َن اآْل ِخ ِر يَن } [الواقعة ،]40 - 39 :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-أنتم
ُرُبُع أهل الجَّنة ،أنتم ثلث أهل الجَّنة ،أنتم نصُف أهل الجَّنة .أنتم ثلثا أهل الجَّنة" (. )2
__________
= ( ،)539وفي الصغير رقم ( ،)76والبزار في مسنده البحر الزخار رقم ( )1999وغيرهم.
من طريق عفان بن مسلم الَّصَّف ار وعبد الواحد بن زياد عن الحارث بن حصيرة عن القاسم به.
وخالفه يعقوب الحضرمي فأدخل زيد بن وهب مكان القاسم عن أبيه.
فرواه يعقوب عن عبد الواحد عن الحارث عن زيد بن وهب عن ابن مسعود فذكره.
أخرجه الطبراني في الكبير ( )227 /10رقم (.)10398
قلُت :هذا خطأ؛ إَّم ا من يعقوب الحضرمي أو الراوي عنه أحمد بن محمد بن َنْيَز ك وهو صدوٌق
يخطئ.
فالطريق األَّو ل هو المحفوظ ،وهو ضعيف لالنقطاع :عبد الرحمن لم يسمع من أبيه هذا
الحديث ،وأيًض ا فيه الحارث بن حصيرة فيه ضعف ،وقد تفَّر د بهذا الحديث عن القاسم .انظر:
تهذيب الكمال (.)226 - 224 /5
( )1قوله "هذا الحديث" ليس في "أ".
( )2أخرجه أبو نعيم في الحلية (.)101 /7
ورواُه شريك القاضي عن محمد بن عبد الرحمن بن خالد عن أبيه عبد الرحمن بن خالد بن
ميسرة عن أبي هريرة فذكره ،وفيه "أنتم ثلث أهل =
()1/253
()1/254
وقد روى أحمد في "مسنده" من حديث أبي الزبير أَّنه سمع جابًر ا يقول :سمعت رسول الَّله -
صلى الَّله عليه وسلم -يقول" :أرجو أْن يكون من يتبعني من ُأَّم تي يوم القيامة ُرُبَع أهِل الجَّنة،
قال :فكبرنا ،قال :فأرجو أْن تكونوا الَّش طَر " (. )1
وإسناده على شرط مسلم.
__________
( )1أخرجه أحمد في المسند ( ،)346 /3والبزار في مسنده كما في كشف األستار برقم (
.)3533والحديث كما قال المؤلف.
()1/255
الباب الحادي والثالثون في أَّن النساء في الجَّنة أكثر من الرجال وكذلك هم في الَّنار
ثبت في "الصحيحين" ( )1من حديث أيوب عن محمد بن سيرين قال :إَّما تفاخروا ،وإَّما
تذاكروا :الرجال أكثر في الجَّنة أم النساء؟ فقال أبو هريرة رضي الَّلُه عنه :ألم يقل أبو القاسم -
صلى الَّله عليه وسلم" :-إَّن أَّو ل ُز مرٍة تدخل الجَّنة على صورة القمر ليلة البدِر ،والتي تليها على
أضوِإ ( )2كوكٍب درٍّي في السماء ،لكِّل امرٍئ منهم زوجتان اثنتانُ ،يرى ُمُّخ ُس وِقِه ما من وراء
اللحم ،وما في الجَّنة َعَزٌب ".
فإْن كن من نساء الدنيا فالنساء في الدنيا أكثر من الرجال ،وإْن ُكَّن من الحور العين لم يلزم أْن
يُك َّن في الدنيا أكثر ،والظاهر أَّنهَّن من الحور العين؛ لما رواه اإلمام أحمد حدثنا عفان حدثنا
حماد بن سلمة أخبرنا يونس عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الَّلُه عنه عن الَّنبي -صلى
الَّله عليه وسلم -قال" :للَّر جل من أهل الجَّنة زوجتان من الحور العين ،على كِّل واحدٍة سبعون
ُح َّلة يرى مخ ساقها من وراء الثياب" (.)3
__________
( )1أخرجه البخاري رقم ( 3073و 3074و 3081و )3149من طريق همام بن منبه
واألعرج وعبد الرحمن بن أبي عمرة وأبي زرعة كلهم عن أبي هريرة.
ومسلم رقم ( ،)2834واللفظ لمسلم.
( )2من "هـ" و"صحيح مسلم" ،وفي باقي النسخ "أضواء".
( )3أخرجه أحمد في مسنده ( 345 /2و 420و .)422
هكذا رواه حماد بن سلمة .ويظهر أَّنه مختصر ،ولفظه بتمامه ما تقدم آنًف ا.
وجملة "على كل واحدٍة سبعون ُح َّلة" غريبة= .
()1/256
فإْن قيل :فكيف تجمعون بين هذا الحديث وبين حديث جابر رضي الَّلُه عنه المتفق عليه :شهدُت
مع رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -العيد ،فصلى قبل أْن يخطب بغير أذان وال إقامة ،ثَّم
خطب بعدما صَّلى ،فوعظ الَّناس وذكرهم ،ثَّم أتى النساء فوعظهَّن ومعه بالل ،فذكرهَّن وأمرهَّن
بالصدقة ،قال :فجعلت المرأة تلقي خاتمها وُخ ْر صها والشيء كذلك،
__________
= حيث لم يروها أيوب السختياني وال عوف وال معمر عن محمد بن سيرين.
لكن جاءت عن محمد بن المنهال عن يزيد بن زريع عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عند
الَّدارمي برقم ( )2874وفيه " . .إَّنه ليرى مخ ساقها من وراء سبعين حَّلة." . .
لكَّنها رواية مختصرة ومروية بالمعنى ،فقد خالف محمد بن المنهال اإلمام أحمد.
فرواه اإلمام أحمد في مسنده ( )507 /2عن يزيد بن زريع عن هشام به بمثل لفظ أيوب المتقدم
آنًف ا ،وفيه "من وراء الحلل" بداًل من "اللحم".
وأيًض ا فقد رواه عن أبي هريرة جماعة :همام بن منبه وأبو زرعة واألعرج وعبد الرحمن بن أبي
عمرة وأبو صالح وأبو رافع وزياد المخزومي فلم يذكروا ما ذكره حماد بن سلمة "على كِّل
واحدٍة سبعون حَّلة".
انظر :المسند الجامع ( ،)489 - 484 /8وصفة الجَّنة ألبي نعيم من الرقم (.)244 - 240
وقد ورد هذا عن ابن مسعود موقوًفا قال" :إَّن المرأة من الحور العين لُيرى مخ ساقها من وراء
اللحم والعظم من تحت سبعين حلة كما يرى الشراب األحمر في الزجاجة البيضاء".
أخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم ( )20867وغيره.
وقد جاء هذا مقطوًعا وهو أصح ،وقد روي مرفوًعا وال يصح.
انظر :علل الَّدارقطني ( )228 - 227 /5رقم (.)837
()1/257
فأمر الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -بالاًل فجمع ما هناَك ،ثَّم قال" :إَّن منكَّن في الجَّنة ليسير".
فقالت امرأٌة :يا رسول الَّله ِلَم ؟ قال" :إَّنكَّن ُتكثرن اَّللعن ،وتكفرن العشير" (. )1
وفي الحديث اآلخر" :إَّن أقَّل ساكني الجَّنة النساء" (. )2
قيل :هذا يدُّل على أَّنهَّن إَّنما ُكَّن في الجَّنة أكثر بالحور العين اَّلالتي خلقن في الجَّنة ،وأقل
ساكنيها نساء الدنيا ،فنساء الدنيا أقل أهل الجَّنة ،وأكثر أهل الَّنار.
وأَّما كونهَّن أكثر أهل الَّناِر ،فلما روى البخاري في "صحيحه" من حديث عمران بن حصين
رضي الَّلُه عنهما قال :بلغني أَّن رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :اَّطلعُت في الَّناِر
فرأيُت أكثر أهلها النساَء ،واَّطلعُت في الجَّنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء" (. )3
وفي "صحيح مسلم" ( )4عن ابن عباس رضي الَّلُه عنهما قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه
وسلم" :-اَّطلعُت في الجَّنة فرأيُت أكثر أهلها الفقراء ،واَّطلعُت في الَّنار فرأيُت أكثر أهلها
النساء".
__________
( )1أخرجه البخاري رقم ( ،)935ومسلم رقم ( )885واللفظ لمسلم.
( )2أخرجه مسلم في صحيحه في ( )48الرقاق ،برقم ( )2738من حديث عمران بن حصين.
( )3أخرجه البخاري في صحيحه في ( )63بدء الخلق )8( ،باب ما جاء في صفة الجَّنة وأَّنها
مخلوقة ( )1184 /3رقم (.)3069
( )4أخرجه مسلم في صحيحه في ( )48الرقاق برقم (.)2737
()1/258
وروى اإلمام أحمد بإسناٍد صحيح عن أبي هريرة رضي الَّلُه عنه قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله
عليه وسلم" :-اَّطلعُت في الَّنار فرأيُت أكثَر أهلها النساء ،واَّطلعُت في الجَّنة فرأيُت أكثر أهلها
الفقراء" (. )1
وفي "المسند" أيًض ا من حديث عبد الَّلِه بن عمرو رضي الَّلُه عنهما قال :قال رسول الَّله -صلى
الَّله عليه وسلم" :-اَّطلعُت في الجَّنة فرأيُت أكثر أهلها الفقراء ،واَّطلعُت في الَّنار فرأيُت أكثر
أهلها األغنياء والنساء" (. )2
__________
( )1أخرجه أحمد في مسنده (.)297 /2
من طريق شهر بن حوشب عن أبي هريرة فذكره.
وسنده منقطع شهر لم يسمع من أبي هريرة ،وإَّنما يدخل أحياًنا بينه وبين أبي هريرة واسطة هو
عبد الرحمن بن غنم ،وقد ورد تصريحه بالسماع من أبي هريرة وفي ثبوته نظر.
والمتن محفوظ كما تقدم.
( )2أخرجه أحمد في مسنده ( ،)173 /2وكذا عبد الَّله في زوائد المسند مختصًر ا ،وابن حبان
في صحيحه ( /16رقم )7489مطَّو اًل .
من طريق شريك عن أبي إسحاق عن السائب بن مالك عن عبد الَّله بن عمرو فذكره في قصة
كسوف الشمس.
وهذه اللفظة غريبة من حديث أبي إسحاق.
فقد روى الحديث عطاء بن السائب عن أبيه السائب عن عبد الَّله بن عمرو مطَّو اًل ،وليس فيه
هذه اللفظة إَّنما فيه بداًل عنها " . . .عرضت علَّي الجَّنة حتى لو مددت يدي تناولت من قطوفها،
وعرضت علَّي الَّنار فجعلت أنفخ خشية أْن يغشاكم حَّر ها " . .هذا لفظ شعبة عن عطاء.
أخرجه أحمد ( )188 /2والنسائي (= .)149 /3
()1/259
وفي الصحيح من حديث ابن عمر رضي الَّلُه عنهما عن رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -قال:
"يا معشر النساء تصدقن ،وأكثرن االستغفار ( ، )1فإِّني رأيُتكَّن أكثر أهل الَّنار ،فقالت امرأٌة
منهَّن َج ْز َلة :وما لنا يا رسول الَّله أكثر أهل الَّنار؟ قال :تكثرن اللعن وتكفرن العشير ،ما رأيُت من
( )2ناقصات عقٍل وديٍن أغلَب لذي لٍّب منكَّن ،قالت :يا رسول الَّلِه وما نقصان العقل والِّدين؟
قال :أَّما نقصان العقل فشهادة امرأتين بشهادة رجٍل ،فهذا نقصان العقل ،وتمكث األيام ال تصلي
وتفطر ( )3فهذا نقصان الِّدين" (. )4
وأَّما كونهَّن أقل أهل الجَّنة ففي "أفراد مسلم" عن مطرف بن عبد الَّله :أَّنه كانت له امرأتان،
فجاء من عند إحداهما ،فقالِت األخرى :جئَت من عند فالنٍة ،فقال :جئُت من عند عمران بن
حصين ،فحدثنا رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :إَّن أقَّل ساكني الجَّنة النساء" (. )5
فإْن قيل :فما تصنعون بالحديث اَّلذي رواه أبو يعلى الموصلي :حدثنا عمرو بن الضحاك بن
مخلد حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد
__________
= ورواه أيًض ا أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الَّله بن عمرو فذكره مختصًر ا.
أخرجاه في الصحيحين وأحمد ( )175 /2وغيرهم.
وفي الحديث اختالٌف في صفة صالة الكسوف ليس هذا موضعه.
( )1في نسخٍة على حاشية "أ" "من االستغفار".
( )2ليس في "ب".
( )3في صحيح مسلم "وتفطر في رمضان".
( )4أخرجه مسلم في صحيحه برقم (.)79
( )5أخرجه مسلم برقم (.)2738
()1/260
حدثنا أبو رافع إسماعيل بن رافع عن محمد بن زياد ( )1عن محمد بن كعب القرظي عن رجٍل
من األنصار عن أبي هريرة رضي الَّلُه عنه قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -وهو في
طائفٍة من أصحابه فذكر حديًثا طوياًل وفيه" :فيدخُل الرُج ل منهم على ثنتين وسبعين زوجة مَّم ا
ينشئ الَّلُه تعالى وثنتين من ولد آدم ،لهما فضٌل على من أنشأ الَّلُه ،بعبادتهما الَّله في الدنيا" ()2
وذكر الحديث.
قيل :هذا قطعة من حديث الصور الطويل ،وال يعرف إاَّل من حديث إسماعيل بن رافع ،وقد
ضعفه أحمد ،ويحيى وجماعة وقال الَّدارقطني وغيره" :متروك الحديث" ،وقال ابن عدي:
"أحاديثه كلها مَّم ا فيه نظر".
وأَّم ا البخاري ،فقال فيه :ما حكاه الترمذي عنه قال" :سمعت محمًد ا يقول :هو ثقة ،مقارب
الحديث" (. )3
__________
( )1وفي بعض مصادر التخريج "يزيد بن أبي زياد" وفي بعضها "محمد بن يزيد بن أبي زياد"
وكلها ترجع إلى اضطراب إسماعيل بن رافع في هذا الحديث ،وإسماعيل شبه المتروك.
( )2أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده كما في المطالب رقم ( ،)3013والطبري في تفسيره
( ،)110 /10والطبراني في األحاديث الِّطوال رقم ( ،)36وأبو الشيخ في العظمة رقم (،)386
والبيهقي في البعث والنشور رقم ( 668و ،)669وابن عدي في الكامل (.)267 /6
والحديث ضعيف جًّدا ،تكلم فيه البخاري والبيهقي وعبد الحق والمؤلف وابن كثير والبوصيري
وابن حجر وغيرهم.
انظر :فتح الباري ( )369 - 368 /11وغيره.
( )3انظر أقوال العلماء فيه في تهذيب الكمال (.)90 - 85 /3
()1/261
قلُت :ولكن إذا روى مثل هذا ما يخالف األحاديث الصحيحة لم يلتفت إلى روايته ،وأيًض ا
فالرجل اَّلذي رواه عنه الُقَر ظي ال ُيْد َر ى مْن هو؟
وقد روى أحمد في "مسنده" من حديث ُعَم ارة بن خزيمة بن ثابت قالُ :ك َّنا مع عمرو بن العاص
رضي الَّلُه عنهما في حج أو عمرة ،حَّتى إذا كَّنا بمِّر الَّظهران ،فإذا امرأة في هودجها ،قال :فمال
فدخل الِّش ْع َب فدخلنا معه فقال :كنا مع رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -في هذ المكان،
فإذا نحن بغربان كثيرٍة فيها ُغَر اٌب أعصم أحمر المنقار والرجلين ،فقال رسول الَّله -صلى الَّله
عليه وسلم" :-ال يدخل الجَّنة من النساء إاَّل مثل هذا الغراب في هذه الغربان" (. )1
واألعصم من الِغربان :اَّلذي في جناحه ريشة بيضاء.
قال الجوهري" :ويقال هذا كقوهم :األبلق الَعُقوق ،وَبْيض األُنوق ،لكِّل شيء يعُّز وجوده" (. )2
__________
( )1أخرجه أحمد في مسنده ( 197 /4و )205وعبد بن حميد في مسنده "المنتخب رقم (
،)294والنسائي في الكبرى ( )400 /5رقم ( ،)9268وأبو يعلى في مسنده ( /13رقم
،)7343والحاكم في المستدرك ( )645 /4رقم ( 8781و ،)8782والبيهقي في شعب
اإليمان ( )7433 /13وغيرهم.
والحديث قال فيه الحاكم" :صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه".
وقال الهيثمي" :ورجاله ثقات" مجمع الزوائد (.)400 /10
( )2الصحاح (.)1466 - 1465 /2
()1/262
وفي "النهاية" (" : )1الغراب األعصم" :هو األبيض الجناحين ،وقيل األبيض الرجلين ،أراد :قَّلة
من يدخل الجَّنة من النساء؛ ألَّن هذا الوصف في الغربان قليل عزيز.
وفي حديث آخر" :المرأة الصالحُة مثل الغراب األعصم ،قيل :يا رسول الَّله وما الغراب
األعصم؟ قال" :اَّلذي إحدى رجليه بيضاء" (. )2
__________
( )1البن األثير (.)249 /3
( )2أخرجه ابن أبي شيبة في "مسنده" كما في المطالب العالية ( )389 /8رقم ( )1686معلًق ا.
من طريق مطِّر ح بن يزيد عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي ُأمامة.
وهذا حديٌث ضعيٌف جًّدا ،وقد ضعف يحيى بن معين وأبو حاتم الَّر ازي جميع أحاديث هذه
السلسلة.
وعلي بن يزيد هو األلهاني :متروك عند عامة أهل الجرح والتعديل ،انظر :تهذيب الكمال (/21
.)182 - 178
وفيه أيًض ا مطَّر ح بن يزيد وهو متفق على ضعفه .انظر :تهذيب الكمال (.)62 - 60 /28
والحديث ضعفه الهيثمي والبوصيري .انظر :مجمع الزوائد (.)273 /4
* وورد من حديث عائشة وفيه قصة وفيه " . . .إَّن مثل المرأة المؤمنة في النساء كمثل الغراب
األعصم في الغربان." . .
أخرجه عبد بن حميد في مسنده رقم ( - 1526المنتخب) ،وأبو الشيخ في األمثال رقم (
،)137والطبراني في مسند الشاميين رقم (.)1171
من طريق :كثير بن عبيد ومحمد بن عمرو بن حنان ومحمد بن الفضل عن بقية بن الوليد حدثني
بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة عن عائشة.
ولكَّنه حديث معلول باإلرسال كما أخرجه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (.)221 /65
()1/263
وفي حديٍث آخر" :عائشة في النساء ،كالغراب األعصم في الغربان" (. )1
__________
( )1انظر الفائق للزمخشري ( )369 /2والحديث لم أقف عليه.
()1/264
الباب الثاني والثالثون فيمن يدخل الجَّنة من هذه األمة بغير حساب وذكر أوصافهم
ثبت في "الصحيحين" ( )1من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الَّلُه
عنه قال :سمعت رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -يقول" :يدخل الجَّنة من أمتي زمرٌة :هم
سبعون ألًف ا ،تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر" ،فقام ُعَّك اشة بن ِم ْحَص ٍن األسدي فرفع نمرة
عليه ،فقال :يا رسول الَّله ،ادع الَّله أْن يجعلني منهم ،فقال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم:-
"اللهم اجعله منهم" ،ثَّم قام رجٌل من األنصار فقال :يا رسول الَّله ،ادُع الَّلُه أْن يجعلني منهم،
فقال" :سبقك بها ُعَّك اشة".
وفي "الصحيحين" ( )2من حديث سهل بن سعد أَّن رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -قال:
"ليدخلَّن الجَّنة من أمتي سبعون ألًف ا أو سبع مئة ألف ( )3آخٌذ بعضهم ببعض حتى يدخل أَّو ُلهم
وآخرهم الجَّنة ،وجوههم على صورة القمر ليلة البدر".
فهذه هي الُز مرة األولى ،وهم يدخلونها بغير حساب ،والَّدليل عليه ما ثبت في "الصحيحين" ()4
والِّس ياق لمسلم ،حدثنا سعيد بن منصور حدثنا هشيم أخبرنا ُح صين بن عبد الرحمن قال :كنت
عند
__________
( )1البخاري رقم ( ،)6176ومسلم رقم (.)216
( )2أخرجه البخاري رقم ( ،)6177ومسلم رقم (.)219
( )3في الصحيحين زيادة "متماسكين".
( )4البخاري رقم ( ،)6175ومسلم رقم (.)220
()1/265
سعيد بن جبير ،فقال :أيكم رأى الكوكب اَّلذي انقض البارحة ،قلت :أنا ،ثَّم قلُت :أما إِّني لم
أكن في صالة ،ولكِّني ُلدغت قال :فما صنعت؟ قلُت :استرقيت قال :فما حملك على ذلك؟
قلُت :حديث حدثناه الشعبي ،قال :وما حدثكم الشعبي؟ قلُت :حدثنا عن ُبَر يدة بن حصيب
األسلمي أَّنه قال :ال ُر قية إاَّل من عيٍن أو ُحَم ة ،فقال :قد أحسن من انتهى إلى ما سمع ،ولكن
حدثنا ابن عباس -رضي الَّله عنهما -عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :عرضت علَّي
األمم فرأيت الَّنبي ومعه الرهط ،والَّنبي ومعه الرجل والرجالن ،والَّنبي وليس معه أحد ،إذ ُر ِفَع لي
سواٌد عظيم ،فظننُت أَّنهم أمتي ،فقيل لي :هذا موسى وقومه؛ ولكن انظر إلى األفق ،فنظرت ،فإذا
سواد عظيم ،فقيل لي :انظر إلى األفق اآلخر فإذا سواٌد عظيم فقيل لي ( : )1هذه أمتك ،ومعهم
سبعون ألًف ا يدخلون الجَّنة بغير حساٍب وال عذاب" ،ثَّم نهض فدخل منزله ،فخاض الَّناس في
أولئك اَّلذين يدخلون الَج َّنة بغير حساٍب وال عذاب ،فقال بعضهم :فلعلهم اَّلذين صحبوا رسول
الَّله -صلى الَّله عليه وسلم ،-وقال بعضهم :فلعلهم اَّلذين ُو ِلُد وا في اإلسالم ولم يشركوا بالَّله،
وذكروا أشياء ،فخرج عليهم رسول الَّله فقال" :ما اَّلذي تخوضون فيه"؟ فأخبروه ،فقال :هم
اَّلذين ال يرقون وال يسترقون وال يتطيرون ،وعلى ربهم يتوكلون ،فقام ُعكاشة بن محصن فقال:
ادُع ( )2الَّله أْن يجعلني
__________
( )1من قوله "انظر إلى األفق" إلى "لي" من صحيح مسلم ،وليس في جميع النسخ.
( )2في نسخٍة على حاشية "أ" "يا رسول الَّله ادع" وليست في مسلم وال في جميع النسخ.
()1/266
منهم ،فقال" :أنت منهم" ،ثَّم قام رجٌل آخر فقال :ادُع الَّلَه أْن يجعلني منهم ،فقال :سبقك بها
عكاشة".
وليس عند البخاري "وال َيْر ُقون".
قال شيخنا ( : )1وهو الصواب ،وهذه اللفظة وقعت مقحمة في الحديث ،وهو غلٌط من بعض
الرواة ( ، )2فإَّن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -جعل الوصف
__________
( )1هو ابن تيمية ،انظر :مجموع الفتاوى ( ،)328 ،182 /1وراجع :مفتاح دار السعادة (/2
،)234وزاد المعاد (.)496 - 495 /1
فائدة :تعَّق ب الحافظ ابُن حجر ابَن تيمية في هذه الزيادة "وال يرقون" في الفتح (- 408 /11
،)409وأجاب عن هذه التعقبات الشيخ سليمان بن عبد الَّله آل الشيخ في تيسير العزيز الحميد
ص (.)85 - 84
( )2لعله من سعيد بن منصور ،فقد خالفه جماعة فلم يذكروا هذه اللفظة عن هشيم ،منهم:
-سريج بن النعمان عند أحمد (.)271 /1
-وشجاع بن مخلد الفالس عند عبد الَّله في زوائده على المسند (.)271 /1
-ومحمد بن الصباح عند أبي نعيم في مستخرجه برقم (.)526
-وُأسيد بن زيد عند البخاري برقم (.)6175
-وزكريا بن يحيى زحمويه عند البيهقي في شعب اإليمان رقم (.)1122
-ومحمد بن عبيد القرشي عند ابن أبي الدنيا في التوكل رقم (.)39
ورواه شعبة وحصين بن نمير ومحمد بن فضيل وعبثر بن القاسم كلهم عن حصين بن عبد
الرحمن به ولم يذكروا هذه اللفظة.
وجاء الحديث بدون هذه الزيادة "وال يرقون" عن غير واحٍد منهم:
عمران بن حصين عند مسلم رقم ( 371و )372وغيره.
وابن مسعود وسيأتي قريًبا.
وهذا يؤيد كالم شيخ اإلسالم ابن تيمية بأَّنها غلط.
()1/267
اَّلذي استحق به هؤالء دخول الجَّنة بغير حساب ،هو تحقيق التوحيد وتجريده ،فال يسألون
غيرهم أْن يرقيهم ،وال يتطيرون -والطيرة :نوٌع من الشرك -ويتوكلون على الَّلِه وحده ال على
غيره ،وتركهم االسترقاء والتطير هو من تمام التوكل على الَّلِه كما في الحديث" :الطيرة شرك"،
قال ابن مسعود" :وما مَّنا إاَّل ،ولكن الَّله يذهبه بالتوكل" (. )1
فالتوكل ينافي التطير ،وأَّم ا رقية الغير فهي إحسان من الَّر اقي ،وقد رقى رسوَل الَّلِه جبريُل ،وأذن
( )2في الُّر قا ( ، )3وقال" :ال بأس بها ما لم يكن فيها شرك" ( ، )4واستأذنوه فيها فقال" :من
استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه" ( ، )5وهذا يدُّل على أَّنها نفع وإحسان ،وذلك مستحب
__________
( )1أخرجه الترمذي برقم ( ،)1614وأبو داود برقم ( ،)3910وابن ماجه برقم (،)3538
وأحمد ( ،)389 /1وابن حبان ( ،)6122والحاكم ( )65 - 64 /1رقم ( 43و .)44
قال الترمذي" :هذا حديث حسن صحيح ال نعرفه إاَّل من حديث سلمة ابن كهيل." . . .
والحديث صححه الترمذي وابن حبان والحاكم والذهبي والعراقي وغيرهم.
وقوله "وما مَّنا إاَّل " . . .مدرٌج من قول عبد الَّله بن مسعود قاله سليمان بن حرب.
( )2في "ب ،د" "بل وأذن".
( )3يشير إلى حديث عائشة وأبي سعيد الخدري عند مسلم رقم ( 2185و .)2186
( )4أخرجه مسلم برقم ( )2200من حديث عوف بن مالك األشجعي.
( )5أخرجه مسلم برقم ( )2199من حديث جابر بن عبد الَّله رضي الَّلُه عنهما.
()1/268
مطلوب لَّله ورسوله ،فالَّر اقي محسٌن ،والمسترقي سائٌل راٍج نفع الغير ،وتحقيق التوكل ينافي
ذلك.
فإْن قيل :فعائشة قد رقت رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -وجبريل قد ( )1رقاُه.
قيل :أجل ،ولكن هو لم يسترِق ،وهو -صلى الَّله عليه وسلم -لم يقل :ال يرقيهم راٍق ،وإَّنما
قال :ال يطلبون من أحٍد أْن يرقيهم ،وفي امتناعه -صلى الَّله عليه وسلم -أْن يدعو للرجل الثاني
سٌّد لباب الطلب؛ فإَّنه لو دعا لكِّل من سأله ذلك ،فربما طلبه من ليس من أهله ،والَّلُه أعلم.
وفي "صحيح مسلم" ( )2من حديث محمد بن سيرين ،عن عمران ابن حصين رضي الَّلُه عنه
قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-يدخل الجَّنة من ُأَّمتي سبعون ألًف ا بغير حساٍب
وال عذاب" قيل :من هم؟ قال" :هم اَّلذين ال يكتوون ،وال يسترقون ،وال يتطيرون وعلى ربهم
يتوكلون".
وفي "صحيحه" ( )3أيًض ا من حديث أبي الزبير أَّنه سمع جابر بن عبد الَّله رضي الَّلُه عنهما قال:
سمعُت الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -يذكر حديًثا وفيه "فتنجوا أَّو ل زمرٍة وجوههم كالقمر ليلة
البدِر ،سبعون ألًف ا ال يحاسبون ،ثَّم اَّلذين يلونهم كأضوِإ نجٍم في السماء ثَّم كذلك" وذكر تمام
الحديث.
وقال أحمد بن منيع في "مسنده" :حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز حدثنا حَّم اد عن عاصم عن ِز ًّر
عن ابن مسعود رضي الَّلُه عنه قال :قال
__________
( )1ليس في "ب".
( )2رقم (.)218
( )3رقم (.)191
()1/269
رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلمُ" :-عِر َضْت علَّي اُألمم بالموسم فراثْت ( )1علَّي أمتي ثَّم
رأيتهم فأعجبتني كثرتهم وهيئتهم ،قد ملؤوا السهل والجبل ،فقال :أرضيَت يا محمد؟ فقلُت :
نعم ،فقال :فإَّن مع هؤالء سبعين ألًف ا يدخلون الجنة بغير حساب ،وهم اَّلذين ال يسترقون ،وال
يكتوون وعلى رِّبهم يتوكلون ،فقام عكاشة بن محصن فقال :يا رسول الَّله ،ادُع الَّلَه أن يجعلني
منهم ،فقال الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم :-أنت منهم ،فقال رجٌل آخر ،فقال" :سبقك بها
ُعكاشة" (. )2
وإسناده على شرط مسلم.
__________
( )1جاء في حاشية "أ"" :راث علَّي الَخ َبر يريُث ،أي :أبطأ .النهاية.
( )2أخرجه أحمد في مسنده ( ،)403 /1والطيالسي في مسنده برقم ( ،)350وابن أبي شيبة
في مسنده رقم ( ،)352وأبو يعلي في مسنده ( /9رقم ،)5340والبخاري في األدب المفرد
رقم (.)911
من طرق عن حماد بن سلمة به مثله.
وزادوا "وال يتطيرون" سوى أبي يعلى وابن أبي شيبة.
وله طريٌق آخر عن ابن مسعود :رواُه العالُء بن زياد والحسن البصري عن عمران عن ابن مسعود
مطَّو اًل وفيه "وال يتطيرون".
أخرجه أحمد في المسند ( ،)401 /1والطيالسي في مسنده رقم ( ،)404وأبو يعلي في مسنده
( /9رقم ،)5339وابن حبان ( /14رقم )6431والحاكم ( )621 /4رقم ( )8721وغيرهم.
والحديث صححه ابن حبان والحاكم والبوصيري والضياء المقدسي والمؤلف وغيرهم.
انظر :إتحاف الخيرة المهرة ( ،)250 /8وصفة الجَّنة للمقدسي (.)176
()1/270
الباب الثالث والثالثون في ِذ ْك ر َح ثَيات الَّر ب تبارك وتعالى اَّلذين يدخلهم الجَّنة
قال أبو بكر بن أبي شيبة :حدثنا إسماعيل بن عياش عن محمد بن زياد قال :سمعُت أبا ُأمامة
الباهلي يقول :سمعت رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -يقول" :وعدني ربي أْن يدخل الجَّنة (
)1من أمتي سبعين ألًف ا ،مع كِّل ألٍف سبعون ألًف ا ال حساَب عليهم وال عذاب ،وثالث حثيات من
حثيات ربي" (.)2
قلُت :وإسماعيل بن عياش ( )3إَّنما يخاف من تدليسه وضعفه.
فأَّم ا تدليسه :فقد قال الطبراني :حدثنا أحمُد بن المعلى الدمشقي ،والحسين بن إسحاق التستري
قاال :حدثنا هشام بن عَّم ار
__________
( )1ليس في "ب".
( )2أخرجه ابن أبي شيبة ( )319 /6رقم ( ،)31705والترمذي برقم ( ،)2437وابن ماجه (
،)4286وأحمد في المسند ( ،)268 /5والطبراني في الكبير ( )130 - 129 /8رقم (
)7520وفي مسند الشاميين ( )8 - 7 /2رقم ( )820وغيرهم.
قال الترمذي" :حسٌن غريب".
وقال ابن كثير" :هذا إسناٌد جِّيٌد ".
ورواُه بقية بن الوليد حدثني محمد بن زياد عن أبي ُأمامة أو عن رجٍل من أصحاب الَّنبي -صلى
الَّله عليه وسلم.-
أخرجه الطبراني في الكبير ( )130 /8رقم ( ،)7521والدارقطني في الصفات رقم (.)53
( )3قوله "بن عياش" ليس في "ب".
()1/271
قال :حدثنا إسماعيل بن عياش قال :أخبرني محمد بن زياد األلهاني قال :سمعُت أبا ُأمامة يقول:
فذكره.
وأَّما ضعفه :فإَّنما هو فى غير حديث الشاميين ( )1وهذا من روايته عن الشاميين.
وأيًض ا ،فقد جاء من غير طريقه ،قال أبو بكر بن أبي عاصم :حدثنا دحيم حدثنا الوليد بن مسلم
حدثنا صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر وأبي ( )2اليمان الهوزني عن أبي ُأمامة رضي الَّلُه عنه
عن رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :إَّن الَّلَه وعدني أْن يدخل الجَّنة من ُأمتي سبعين
ألًف ا بغير حساب" قال يزيد بن األخنس :والَّله ما أولئك يا رسول الَّله إاَّل مثل الذباب األصهب (
)3في الِّذ باِن ( ، )4قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-فإَّن الَّلَه وعدني سبعين ألًف ا ،مع
كِّل ألٍف سبعين ألًف ا ،وزادني ثالَث حثياٍت " (. )5
__________
( )1كما نَّص على ذلك علي ابن المديني ويحيى بن معين واإلمام أحمد بن حنبل وأبو حاتم
الَّر ازي ودحيم وعمرو بن علي الفاَّل س والبخاري ويعقوب بن شيبة وغيرهم.
انظر :تهذيب الكمال (.)181 - 171 /3
( )2في جميع النسخ "عن أبي اليمان" والمثبت عند ابن أبي عاصم وغيره.
( )3األصهب :هو اَّلذي يعلو لونه ُصْه بة ،كالُّش ْق رة ،وهو أْن يخالط لونه لوًنا آخر .انظر:
الصحاح ( ،)180 /1والنهاية (.)62 /3
وقد جاء عند الطبراني وغيره "الذباب األزرق" بداًل من "األصهب".
( )4في "أ ،ج ،هـ" "الذباب" ،وفي "د" "الذناب" وهو خطأ.
( )5أخرجه ابن أبي عاصم في اآلحاد والمثاني ( )446 - 445 /2رقم ( ،)1247وأحمد في
المسند ( ،)250 /5والطبراني في الكبير ( )187 /8رقم =
()1/272
قال أبو عبد الَّله المقدسي" :أبو اليمان اسمه :عامر بن عبد الَّله بن لحي ،ودحيم لقب ،واسمه:
عبد الرحمن بن إبراهيم القاضي شيخ البخاري ومن فوقه إلى أبي أمامة من رجال الصحيح إاَّل
الهوزني وما علمُت فيه جرًح ا" (. )1
وقال الطبراني :حدثنا أحمد بن خليٍد حدثنا أبو توبة حدثنا معاوية ابن ساَّل م عن زيد بن ساَّل م أَّنه
سمع أبا ساَّل م يقول :حدثني عامر ( )2ابن يزيد بن البكالي أَّنه سمع عتبة بن عبٍد السلمي قال:
قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-إَّن ربي عَّز وجل وعدني أْن يدخل الجَّنة من ُأمتي
سبعين ألًف ا بغير حساٍب ،ثَّم يشفع كُّل ألٍف لسبعين ألًف اُ ،ثَّم يحثي ( )3ربي تبارك وتعالى بكفيه
ثالث حثياٍت " ،فكَّبر عمر وقال :إَّن السبعين األول يشفعهم الَّلُه في آبائهم وأمهاتهم وأبنائهم
وعشائرهم وأرجو أْن يجعلني الَّله في أحد الحثيات األواخر" (. )4
__________
= ( ،)7672وابن حبان في صحيحه ( )230 /16رقم (.)7246
-ورواه معاوية بن صالح عن سليم بن عامر عن أبي ُأمامة فذكره.
أخرجه الطبراني ( /8رقم ،)7665والبيهقي في البعث والنشور رقم ( .)147والحديث صححه
ابن حبان ،وحسنه ابن كثير ،وصحح سنده الحافظ ابن حجر .انظر :اإلصابة (.)336 /6
( )1انظر :صفة الجَّنة لضياء الِّدين المقدسي ص (.)178
( )2ليس في "ج".
( )3في الطبراني "يحثي لي ربي".
( )4أخرجه الطبراني في الكبير ( )127 - 126 /17رقم ( ،)312وفي األوسط رقم (،)402
والفسوي في المعرفة والتاريخ ( ،)342 - 341 /2والبيهقي في البعث والنشور رقم (،)300
وابن حبان في صحيحه ( /14رقم ،)6450والطبري =
()1/273
قال الحافظ أبو عبد الَّله محمد بن عبد الواحد" :ال أعلم لهذا اإلسناد ِع َّلة" (. )1
قال الطبراني :وحدثنا أحمد بن ُخ ليد حدثنا توبة حدثنا معاوية بن ساَّل م عن زيد بن ساَّل م ( )2أَّنه
سمع أبا ساَّل م يقول :حدثني عبد الَّله بن عامر أَّن ( )3قيس الكندي حَّدثه أَّن أبا سعيد األنماري
رضي الَّلُه عنه حدثه أَّن رسول الَّلِه -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :إَّن ربي عَّز وجَّل وعدني أْن
يدخل الجَّنة من أمتي سبعين ألًف ا بغير حساٍب ،ويشفع كُّل ألٍف لسبعين ( )4ألًف ا ،ثَّم يحثي ربي
ثالث حثيات بكفيه" قال قيس ( : )5فقلُت ألبي سعيد :أنت سمعت هذا من رسول الَّله -صلى
الَّله عليه وسلم-؟ قال :نعم بأذني ووعاه قلبي ،قال أبو سعيد :فقال رسول الَّله -صلى الَّله عليه
وسلم" :-وذلك إْن شاء الَّله يستوعب مهاجري
__________
= في تفسيره ( ،)149 /13وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم ( )346وغيرهم.
-ورواه معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عامر بن زيد البكالي أَّنه سمع عتبة بن عبد السلمي
فذكره مطَّو اًل .
أخرجه أحمد في المسند ( ،)184 - 183 /4وابن أبي عاصم في السنة رقم (،)716
والطبراني في الكبير ( )127 /17رقم (.)313
والحديث مداره على عامر بن زيد البكالي وهو تابعي سمع من عتبة ،وذكره ابن حبان في الثقات
( ،)191 /5ولم يروه عنه غير أبي سالم ويحيى ابن أبي كثير ،وسيأتي من طريق آخر ص (
.)343
( )1انظر :صفة الجَّنة للمقدسي ص (.)179
( )2قوله "عن زيد بن سالم" ليس في "ب ،د".
( )3في جميع النسخ "بن" وهو خطأ.
( )4في جميع النسخ "ويشفع لكِّل ألٍف سبعين" هو خطأ.
( )5في جميع النسخ "ابن قيس".
()1/274
()1/275
يا عميُر ،فقال :ما لنا ولك يا ابَن الخطاب ،وما عليَك أن يدخلنا الَّله الجَّنة ،فقال عمر :إَّن الَّله
عَّز وجَّل إْن شاَء أدخل الَّناس الجَّنة بحفنٍة أو بحثيٍة واحدٍة ،فقال نبي الَّله -صلى الَّله عليه
وسلم" :-صَد َق عمر" (. )1
قال محمد بن عبد الواحد" :ال أعرف لعمير حديًثا غيره" (. )2
وفي "الحلية" من حديث سليمان بن حرب حدثنا أبو هالل عن قتادة
__________
( )1أخرجه الطبراني في الكبير ( )64 /17رقم ( ،)123وأبو نعيم في معرفة الصحابة (/4
)2097 - 2096رقم (.)5272
-ورواُه معمر عن قتادة عن النضر بن أنس عن أنس بن مالك فذكره كما سيأتي عند المؤلف.
أخرجه عبد الرزاق ( ،)286 /11وأحمد في المسند ( ،)165 /3وابن أبي داود في البعث رقم
( )50وغيرهم.
-ورواُه أبو هالل الراسبي عن قتادة عن أنس فذكره ،كما سيأتي عند المؤلف.
أخرجه أحمد في المسند ( ،)193 /3والبزار كما في كشف األستار برقم ( ،)3548وأبو نعيم
في الحلية (.)334 /2
قال البزار" :ال نعلُم أحًد ا تابع أبا هالل على روايته ،وإَّنما يرويه قتادة عن أنس".
وقال أبو نعيم" :غريب من حديث قتادة عن أنس رضي الَّلُه عنه ،تفَّر د به أبو هالل واسمه محمد
بن سليم الراسبي ،ثقٌة بصري".
واَّلذي يظهر أَّن الطريق األَّو ل من مسند عمير هو األصح ،وفي سنده أبو بكر بن عمير فيه جهالة،
قال الحافظ ابن حجر" :ال أعلُم أحًد ا وَّثقه" .وقال الهيثمي . ." :وأبو بكر بن عمير لم أعرفه. .
".
انظر :مجمع الزوائد (.)405 /10
( )2انظر :صفة الجَّنة للمقدسي ص (.)182
()1/276
عن أنس عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :وعدني ربي عَّز وجل أْن يدخل من أمتي الجَّنة
مئة ألٍف ،فقال أبو بكر رضي الَّلُه عنه :يا رسول الَّله ِز ْد نا ،فقال :وهكذا -وأشار سليمان بن
حرب بيده كذلك -قال :يا رسول الَّله زدنا ،فقال عمر :إَّن الَّله عَّز وجل قادٌر أْن يدخل الَّناس
الجَّنة بحفنٍة واحدٍة ،فقال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-صدق عمر".
رواُه عنه إبراهيم بن الهيثم البلوي ،وفيه ضعٌف .تفَّر د به أبو هالل الَّر اسبي :بصري واسمه محمد
بن ُس ليم.
وقال عبد الرزاق :أنبأنا معمر عن قتادة عن النضر بن أنس عن أنس قال :قال رسول الَّله -صلى
الَّله عليه وسلم" :-إَّن الَّله عَّز وجَّل وعدني أْن يدخل الجَّنة ( )1من أمتي أربَع مئِة ألف" .قال أبو
بكر :زْد نا يا رسول الَّله قال :وهكذا وجمع بين يديه ،قال :زدنا يا رسول الَّله قال :وهكذا
وجمع كفيه ( ، )2فقال عمُر :حسُبك يا أبا بكر ،فقال أبو بكرَ :دْع ني وما عليك أْن يدخلنا الَّله
الجَّنة كَّلنا!! فقال عمر :إَّن الَّله ( )3إْن شاء أدخل خلقه الجَّنة بكٍّف واحدٍة ،فقال الَّنبي -صلى
الَّله عليه وسلم" :-صدق عمر".
تفَّر د به عبد الرزاق.
وقال أبو يعلى الموصلي في "مسنده" :حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا عبد القاهر بن السري
السلمي حدثنا حميد عن أنس رضي الَّله عنه
__________
( )1ليس في "ب".
( )2قوله "وجمع كفيه" من المصنف لعبد الرزاق.
( )3قوله "إَّن الَّلَه" من المصنف لعبد الرزاق.
()1/277
عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :يدخل الجَّنة من أمتي سبعون ألًف ا" .قالوا :زدنا يا رسول
الَّله قال :لكِّل رجٍل سبعون ألًف ا" .قالوا :زْد نا يا رسول الَّله وكان على كثيب فحثا بيده ،قالوا:
زدنا يا رسول الَّله ( )1فقال :هكذا وحثا بيده ،قالوا :يا نبي الَّلِه ،أبعَد الَّله من دخل الَّنار بعد
هذا" (. )2
قال محمد بن عبد الواحد" :ال أعلمه ُر وَي عن أنس إاَّل بهذا الطريق ،وسئل يحيى بن معين عن
عبد القاهر فقال :صالح".
وأصحاب هذه الحثيات هم اَّلذين وقعوا في قبضته األولى سبحانه يوم القبضتين (. )3
فإْن قيل :فكيف كانوا أَّو اًل قبضة واحدة ،ثَّم صاروا ثالث حثيات
__________
( )1من قوله "قال :لكل رجل " . . .إلى "الَّله" من مسند أبي يعلى.
( )2أخرجه أبو يعلى في مسنده ( )417 /6رقم (.)3783
وهذا الحديُث منكر ،تفَّر د به عبد القاهر بن الَّس ري السلمي وكان ضريًر ا ،قال فيه ابن معين:
صالح ،وقال أيًض ا :لم يكن به بأس ،وقال يعقوب بن سفيان :منكر الحديث.
انظر :تهذيب الكمال (.)234 - 233 /18
( )3لعَّله يشيُر إلى ما أخرجُه أحمد في المسند ( )177 - 176 /4من طريق أبي نضرة أَّن رجاًل
من أصحاب الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلمُ -يقال له :أبو عبد الَّلِه وذكر قصة احتضاره ،وفيه
"ولكِّني سمعُت رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -يقول :إَّن الَّلَه قبض بيمينه قبضة ،وُأخرى
باليد اُألخرى ،وقال :هذه لهذه ،وهذه لهذه ،وال ُأبالي".
وسنده صحيح.
قال الهيثمي" :ورجاله ثقات" مجمع الزوائد (.)185 /7
قال العقيلي" :وقد روي في القبضتين أحاديث بأسانيد صالحة".
()1/278
()1/279
الباب الَّر ابع والثالثون في ذكر تربة الجَّنة وطينها ( )1وحصبائها وبنائها
قال اإلمام أحمد :حدثنا أبو النضر ،وأبو كامل قاال :ثنا زهير ،حدثنا سعد الطائي ،حدثنا أبو
الُم ِد َّلة مولى أم المؤمنين سمع أبا هريرة رضي الَّلُه عنه يقول :قلنا :يا رسول الَّلِه ،إذا رأيناك رَّقت
قلوبنا ،وُك َّنا من أهِل اآلخرة ،وإذا فارقناك أعجبتنا الدنيا ،وَش َمْم نا الِّنساء واألوالد ،قال" :لو
تكونون على كِّل حاٍل على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم المالئكة بأُك ِّف هم ،ولزارتكم
في بيوتكم ،ولو لم تذنبوا لجاء الَّلُه بقوٍم يذنبون كي يغفر لهم" .قال :قلنا :يا رسول الَّلِه ،حدثنا
عن الجَّنة ما بناؤها؟ قال :لبنُة ذهٍب ،ولبنُة فضة ،وِم الُطها ( )2المسك ،وحصباؤها اللؤلؤ
والياقوت ،وترابها الزعفران ،من يدخلها ينعم ال َيْبؤس ،ويخلُد ال يموُت ،ال تبلى ثياُبه ،وال يفنى
شبابه ،ثالثٌة ال ُتَر ُّد دعوتهم :اإلماُم العادُل ،والصائُم حتى يفطر ،ودعوة المظلوم؛ ُتحمُل على
الغمام ،وتفتح لها أبواب السماواِت ،ويقول الَّر ُّب :وِع َّز تي ( )3ألنصرنك ولو بعد حيٍن " (.)4
__________
( )1في "ب ،هـ" "وطينتها".
( )2المالط :الطين يكون بين اَّللبنتين .يعني طينها مسك .قاله عبد الملك بن حبيب في وصف
الفردوس ص (.)6
( )3ليس في "ب" ،وجاء في "د ،هـ" "وعَّز تي وجاللي".
( )4أخرجه أحمد في المسند ( ،)305 - 304 /2وعبد بن حميد في مسنده (المنتخب -رقم
،)1418وابن حبان في صحيحه ( /16رقم = ،)7387
()1/280
وروى أبو بكر بن مردويه من حديث الحسن عن ابن عمر -رضي الَّله عنهما -قالُ :س ِئل رسول
الَّلِه -صلى الَّله عليه وسلم -عن الجَّنة فقال" :من يدخل الجَّنة يحيا وال يموُت ،وينعم ال يبأس
ال تبلى ثيابه ،وال يفنى شبابه" قيل :يا رسول الَّله كيف بناؤها؟ قال :لبنٌة من ذهٍب ولبنٌة من فضة،
ومالطها مسٌك أذفٌر ( ، )1وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت ،وترابها الزعفران" (. )2
هكذا جاء في هذه األحاديث أَّن ترابها الزعفران.
__________
= وأبو نعيم في صفة الجَّنة ( )136 ،100وغيرهم.
والحديث وقع فيه اختالف ،وهذا السند هو الصحيح.
والحديث مدارُه على أبي الُم ِد َّلة لم يوثقه إاَّل ابن حبان في الثقات ( ،)72 /5ولم يرو عنه غير
أبي مجاهد سعد الطائي ،وقد قال فيه علي ابن المديني" :أبو مدلة مولى عائشة ،ال يعرف اسمه،
مجهول ،لم يرو عنه غير أبي مجاهد الطائي".
( )1في نسخٍة على حاشية "أ" "المسك األذفر".
( )2أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ( )53 /7رقم ( ،)33944وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة
رقم ( ،)12وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم ( )139 ،96وغيرهم.
من طريق عمر بن ربيعة عن الحسن عن ابن عمر فذكره.
وعمر بن ربيعة اختلف فيه :فوثقه ابن معين ،وقال فيه أبو حاتم الَّر ازي :منكر الحديث ،الجرح (
،)109 /6وضعفه الدارقطني ،واستغرب الترمذي أحاديثه التي أخرجها عنه.
ويظهر أَّنه كما قال أبو حاتم :منكر الحديث ،وأيًض ا في سماع الحسن من ابن عمر اختالف.
انظر :المرسل الخفي ( ،)759 - 750 /2وجامع التحصيل للعالئي رقم (.)135
()1/281
وكذلك روى يزيد بن زريع ( ، )1حدثنا سعيد عن قتادة عن العالء بن زياد ،عن أبي هريرة رضي
الَّلُه عنه قال :قال رسول الَّلِه -صلى الَّله عليه وسلم" :-الجَّنُة لبنٌة من ذهٍب ،ولبنٌة من فضة،
ترابها الزعفراُن وطينها المسُك " (. )2
__________
( )1في "ج"" :ربيع" وهو خطأ.
( )2أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم ( ،)160وفي حلية األولياء ( ،)249 /2والبيهقي في
البعث والنشور رقم (.)283
-ورواه معمر عن قتادة عن العالء عن أبي هريرة موقوًفا فذكره وفيه زيادة.
أخرجه عبد الرزاق ( )417 - 416 /11رقم ( ،)20875وابن المبارك في الزهد -زيادات
نعيم -رقم ( )252وغيرهما.
-ورواه عمران القطان عن قتادة عن العالء عن أبي هريرة مرفوًعا.
أخرجه أحمد في المسند ( )362 /2وأبو نعيم في الحلية ( )248 /2وغيرهما.
-ورواه مطر الوَّر اق عن العالء بن زياد عن أبي هريرة مرفوًعا فذكره.
أخرجه ابن طهمان في مشيخته رقم ( ،)34وأبو بكر الشافعي في الغيالنيات رقم ( ،)732وأبو
نعيم في صفة الجَّنة رقم ( )138وغيرهم.
قلُت :أَّم ا رواية سعيد بن أبي عروبة ،فقد شك فيها محمد بن المنهال ،فقد قال-" :حفظي -قال
رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم ."-وليس في مطبوعة الحلية "عن أبي هريرة" ،وابن المنهال
كان حافًظا لحديث يزيد بن زريع ،إاَّل أَّنه كان ضريًر ا ولم يكن له كتاب ،فلعل قوله ذلك دليٌل
على عدم ضبطه هذا الحديث بعينه ،أو علم أَّن غيره يخالفه فيه فقال :حفظي . .والَّلُه أعلم.
-وأَّم ا رواية عمران فهو يخطئ على قتادة كثيًر ا ،وليس من حفاظ أصحابه.
-ولعَّل الصواب قول معمر موقوًفا ،فقد ُس ِئل الَّدارقطني عن حديث قتادة ،ومطر -وهو ضعيف
الحفظ -فقال" :والموقوف أشبه" علل الَّدارقطني =
()1/282
وفي "الصحيحين ( )1من حديث الزهري عن أنس بن مالك رضي الَّلُه عنه قال :كان أبو ذٍّر
يحدث أَّن رسول الَّلِه -صلى الَّله عليه وسلم -قالُ" :أْد ِخ ْلُت الجَّنة فإذا فيها جنابُذ اللؤلؤ ،وإذا
ترابها المسُك " وهو قطعة من حديث المعراج.
وروى مسلٌم في "صحيحه" ( )2من حديث حَّم اد بن سلمة عن الُج ريري عن أبي نضرة عن أبي
سعيد الخدري رضي الَّلُه عنه أَّن رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -سأل ابن صائد ( )3عن
تربة الجنة ،فقالَ :درَمكٌة بيضاُء ،مسٌك خالٌص ،فقال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم:-
"صدق".
ثَّم رواُه عن أبي بكر بن أبي ( )4شيبة عن أبي ُأسامة عن الُج ريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد (
َّل
)5أَّن ابن صياد ( )6سأل الَّنبي -صلى ال ه عليه وسلم -عن تربة الجَّنة فقالَ" :درمَكٌة بيضاُء
مسٌك خالٌص " (. )7
__________
= (.)139 /11
( )1البخاري رقم ( ،)3164ومسلم رقم (.)163
( )2ليس هذا الطريق في صحيح مسلم ،وإَّنما هو عند أحمد ( )43 ،25 ،24 ،4 /3وغيره،
من هذا الطريق.
واَّلذي في مسلم رقم ( ،)2928من طريق بشر بن المفَّضل عن أبي مسلمة عن أبي نضرة به.
( )3في "ب ،هـ" "صَّياد".
( )4سقط من "ب".
( )5قوله "عن أبي سعيد" ليس في جميع النسخ.
( )6في نسخٍة على حاشية "أ" "صايد".
( )7أخرجه مسلم برقم (.)2928
()1/283
وقال سفيان بن عيينة عن ُمَج الد عن الشعبي عن جابر بن عبد الَّله رضي الَّلُه عنهما قال :جاء
رجٌل إلى رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -فقال :يا محمد ،قد ُغِلَب أصحابك اليوم ،قال:
وبأي شيٍء ُغِلُبوا؟ قال :سألهم اليهود :كم عدد خزنة الَّنار فقالوا :ال ندري حتى نسأل نبينا ،فقال
رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلمَ" :-أُيْغَلُب قوٌم ُس ِئلوا عَّم ا ال يعلمون؛ فقالوا :حتى نسأل
نبينا؟! ولكن هم أعداُء الَّلِه سألوا نبيهم أْن يريهم الَّله جهرًة ،علَّي بأعداِء الَّلِه ،فإِّني سائلهم عن
تربة الجَّنة وأَّنها َدْرَم َكٌة" .فلَّم ا أْن جاؤوُه قالوا :يا أبا القاسم كم ِع َّدة خزنة أهل الَّنار؟ ( )1فقال
رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -بيديه كلتيهما :هكذا وهكذا ،وقبض واحدة ،أي :تسعة
عشر ،فقال لهم رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-ما تربة الجَّنة؟ فنظر بعضهم إلى بعض،
وقالوا :خبزة يا أبا القاسم ،فقال الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم" :-الخبزة من الدرمك" (. )2
__________
( )1في "د" "عدد خزنة الَّنار" ،وليس في "ب ،ج" "أهل" ،وفي "هـ" "عدد خزنة أهل الَّنار".
( )2أخرجه الترمذي برقم ( ،)3327وأحمد في مسنده ( )361 /3مختصًر ا ،وأبو نعيم في صفة
الجَّنة رقم ( )159وغيرهم.
قال الترمذي" :هذا حديث غريب ،إَّنما نعرفه من هذا الوجه من حديث مجالد".
-ورواُه الزبير بن موسى عن أبيه عن جابر قال ُس ِئَل الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -عن أرض
الجَّنة؟ قال" :خبزة بيضاء".
أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (.)152
وفيه الزبير بن موسى لم يوثقه إاَّل ابن حبان ،وفيه والُدُه :موسى بن ميناء ،لم أقف عليه.
انظر تهذيب الكمال (.)331 - 330 /9
()1/284
()1/285
()1/286
وطيًبا ،فتقول :لقد خرجَت من عندي ،وأنا بك معجبة ،وأنا بك اآلن أشُّد إعجاًبا" (. )1
وقال ابن أبي شيبة :حدثنا معاوية بن هشام حدثنا علي بن صالح ،عن عمر بن ربيعة عن الحسن
عن ابن عمر رضي الَّلُه عنهما قال :قيل :يا رسول الَّلِه كيف بناء الجَّنة؟ قال :لبنٌة من فضة ،ولبنٌة
من ذهب ،مالطها مسٌك أذفر ،وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت ،وترابها الزعفران" (. )2
وقال أبو الشيخ :حدثنا الوليد بن أبان حدثنا أسيد بن عاصم حدثنا الحوضي حدثنا عدي بن
الفضل حدثنا سعيد الُج رْيري عن أبي نضرة عن أبي سعيد رضي الَّلُه عنه قال :قال رسول الَّلِه -
صلى الَّله عليه وسلم" :-إَّن الَّلَه عَّز وجَّل بنى جَّنات عدٍن بيده ،وبناها لبنة من ذهٍب ولبنة من
فضة ،وجعل مالطها المسك األذفر ،وترابها الزعفران ،وحصباءها اللؤلؤ ،ثَّم قال لها (: )3
تكلمي ،فقالت :قد أفلَح المؤمنون ،فقالت المالئكةُ :طوبى لك منزل الملوك" (. )4
وقال أبو الشيخ :حدثنا عمرو بن الحصين ( )5حدثنا ابن عالثة حدثنا
__________
( )1أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)28
وإسناده ضعيف جًّدا ،فيه الواقدي :متروك ،وابن أبي سبرة :مَّتهٌم بالوضع.
( )2تقدم ص (.)281
( )3ليس في "أ".
( )4تقدم ص (.)218
( )5في جميع النسخ "الحسين" وهو تصحيف قديم وقع في النسخة الخطية لصفة =
()1/287
ابن ُج ريج عن عطاء عن ُعَبْيد بن ُعَم ْير عن ُأبِّي بن كعب قال :قال رسول الَّلِه -صلى الَّله عليه
وسلم" :-قلت ليلة ُأسرَي بي :يا جبريل إَّنهم سيسألوني عن الجَّنة قال :فأخبرهم أَّنها من ()1
ُدَّر ٍة بيضاء ،وأَّن أرضها ِع قيان" (. )2
والِعْق َياُن :الَّذ هُب ،فإْن كان ابن عالثة حفظه ،فهي أرض الجنتين الذهبيتين ،ويكون جبريل أخبره
بأعلى الجنتين وأفضلهما ،والَّلُه أعلم.
__________
= الجَّنة ألبي نعيم.
( )1ليس في "ب".
( )2أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة برقم (.)151
وهو حديٌث موضوع ،فيه عمرو بن حصين :متروك ،واتهم بالوضع ،وفيه ابن عالثة محمد بن
عبد الَّله العقيلي متروك الحديث ،وقال الحاكم" :يروي أحاديث موضوعة" ،ولعَّل الحمل على
الراوي عنه وهو عمرو بن حصين كما قال الخطيب.
انظر :تهذيب الكمال ( )589 - 588 /21و (.)528 - 526 /25
()1/288
()1/289
يحيى بن عبد الرحمن عن عطاء عن ابن عباس رضي الَّلُه عنهما يرفعه" :إَّن الَّلَه خلق الجَّنة
بيضاء ،وإَّن أحَّب اَّللون إلى الَّلِه البياض ،فليلبسه أحياؤكم ،وكِّف ُنوا فيِه موتاكم".
وذكر من طريق عبد الحميد بن صالح حدثنا أبو شهاب عن حمزة عن عمرو بن دينار عن ابن
عباس رضي الَّلُه عنهما قال :قال رسول الَّلِه -صلى الَّله عليه وسلم" :-عليكم بالبياض ،فإَّن الَّلَه
خلق الجَّنة بيضاَء ،فليلبسه أحياؤكم ،وكفنوا فيه موتاكم" (. )1
وُر ِّو ينا من طريق الِّنجاد حدثنا عبد الَّله بن محمد حدثنا سويد بن سعيد حدثنا عبد ربه الحنفي عن
خاِلِه الزميل بن سماك سمع أباه يحدث أَّنه لقي عبد الَّله بن عباس بالمدينة بعدما ُك َّف َبَص ُر ه
فقال :يا ابن عباس ما أرض الجَّنة؟ قالَ :مْر مرة بيضاء من فضة كأَّنها مرآة ،قلُت :ما نورها؟ قال:
ما رأيت الساعة التي تكون فيها قبل طلوع الشمس ،فذلك نورها إاَّل أَّنه ليس فيها شمٌس وال
زمهرير" ،وذكر الحديث ()2
__________
( )1أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم ( ،)130وابن عدي في الكامل (.)378 - 377 /2
والحديث فيه حمزة بن أبي حمزة ،قال البخاري وأبو حاتم :منكر الحديث ،وقال ابن عدي:
يضع الحديث .وقال أيًض ا" :ولحمزة أحاديث صالحة ،وكل ما يرويه أو عامته مناكير موضوعة،
والبالء منه." . . .
( )2أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( )147مطَّو اًل ،وأبو الشيخ في العظمة رقم (
)599مطَّو اًل ،وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم ( 211و .)317
في سنده عبد ربه بن بارق في حفظه لين ،وزميل بن سماك فيه جهالة.
انظر :تهذيب الكمال ( ،)474 - 472 /16والجرح (.)620 /3
واألثر قال عنه المنذري في الترغيب والترهيب (" :)518 /4رواُه ابن أبي =
()1/290
()1/292
والتحية والسالم في مقابلة صبرهم على سوء خطاب الجاهلين لهم ،فُبِّدُلوا بذلك سالم الَّله
ومالئكته عليهم.
وقال تعالىَ{ :و َم ا َأْم َو اُلُك ْم َو اَل َأْو اَل ُدُك ْم ِباَّلِتي ُتَق ِّر ُبُك ْم ِع ْنَدَنا ُز ْلَف ى ِإاَّل َمْن آَمَن َو َعِم َل َص اِلًح ا
ِف ِت ِم ِف ِف ِب ِم ِئ
َفُأوَل َك َلُه ْم َجَز اُء الِّض ْع َم ا َع ُلوا َو ُه ْم ي اْلُغُر َفا آ ُنوَن } [سبأ ،]37 :وقال تعالىَ{ :يْغ ْر
َلُك ْم ُذُنوَبُك ْم َو ُيْد ِخ ْلُك ْم َج َّناٍت َتْج ِر ي ِم ْن َتْح ِتَه ا اَأْلْنَه اُر َو َمَس اِكَن َطِّيَبًة ِفي َج َّناِت َعْد ٍن } [الصف:
،]12وقال تعالى عن امرأة فرعون إَّنها قالتَ{ :ر ِّب اْبِن ِلي ِع ْنَد َك َبْيًتا ِفي اْلَج َّنِة} [التحريم:
.]11
وروى الترمذي في "جامعه" من حديث عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد عن علي
قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-إَّن في الجَّنة لُغَر ًفا ُيرى ظهورها من بطونها
وبطونها من ظهورها ،فقام أعرابي فقال :يا رسول الَّله لمن هي؟ قال :لمن طَّيَب الكالم ،وأطعم
الطعام ،وأدام الصيام ،وصَّلى باَّلليل والَّناس نيام" (. )1
قال الترمذي" :هذا حديٌث غريب ،ال نعرفه إاَّل من حديث
__________
( )1أخرجه الترمذي برقم ( 1984و ،)2526وأحمد في المسند ( ،)156 /1وابن خزيمة في
صحيحه رقم ( ،)2136وأبو يعلي في مسنده رقم ( 428و ،)438والبزار في مسنده رقم (
،)702وابن عدي في الكامل (.)305 /4
والحديث مدارُه على عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي وهو ضعيف .وله منكرات وهذا الحديث
منها.
قال الترمذي" :غريب." . .
وقال ابن خزيمة" :إْن صَّح الخبر؛ فإن في القلب من عبد الرحمن بن إسحاق أبي شيبة الكوفي. .
." .والحديث ذكره ابن عدي في منكراته.
()1/293
()1/294
ظاهرها من باطنها ،وباطنها من ظاهرها ،قال أبو مالك األشعري :لمن هي يا رسول الَّله؟ قال:
"لمن أطاب الكالم ،وأطعم الطعام ،وبات قائًم ا والَّناس نيام" (. )1
قال محمد بن عبد الواحد" :وهذا عندي إسناد حسن ،وذكر أبي مالك فيه مَّم ا يدل على صحته؛
ألَّن أبا مالك قد رواُه ،وإسناده أيًض ا حسن" (. )2
وقد تقَّدم حديث أبي سعيد المتفق على صحته" :إَّن أهل الجَّنة
__________
( )1أخرجه الحاكم في المستدرك ( )466 /1رقم ( ،)1200والبيهقي في البعث والنشور رقم
(.)277
-ورواُه ابن لهيعة حدثني حيي بن عبد الَّله به لكن فيه "فقال أبو موسى األشعري . .لمن أالن
الكالم " . . .وقوله" :أبو موسى" خطأ.
أخرجه أحمد في المسند (.)173 /2
والحديث مداره على ُحَيِّي بن عبد الَّله المعافري المصري ،صدوق في حفظه لين.
انظر :تهذيب الكمال (.)490 - 488 /7
والحديث قال عنه الحاكم" :هذا حديث صحيح على شرط مسلم ،ولم يخرجاه".
وقال الهيثمي" :رواه أحمد والطبراني في الكبير واللفظ له ،وإسناده حسن".
وكذلك حَّس ن إسناده المنذري.
انظر :الترغيب والترهيب له ( ،)424 /1ومجمع الزوائد (.)254 /1
( )2انظر :صفة الجَّنة له (.)85
()1/295
ليتراءون أهل الغرِف فوقهم كما تراءون الكوكب الغابَر من األفق" (. )1
وفي "الصحيحين" ( )2من حديث أبي موسى األشعري عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال:
"إَّن للمؤمن في الجَّنة لخيمة من لؤلؤة واحدٍة مجوفٍة ،طولها ستون مياًل ،للمؤمن فيها أهلون
يطوف عليهم المؤمن ،فال يرى بعضهم بعًض ا".
وقد تقَّدم قوله -صلى الَّله عليه وسلم -في الحديث الصحيح" :من بنى لَّله مسجًد ا بنى الَّلُه له
بيًتا في الجَّنة" (. )3
وقوله في حديث أبو موسى :يقول عَّز وجَّل لمن حمده واسترجع عند موت ولده" :ابنوا لعبدي
بيًتا في الجَّنة َو َس ُّم وه بيت الحمد" (. )4
وفي "الصحيحين" ( )5من حديث عبد الَّله بن أبي أوفى وأبي هريرة وعائشة رضي الَّلُه عنهم أَّن
جبريل قال للَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم" :-هذه خديجة أقرئها
__________
( )1تقدم في الباب ( )17ص (.)154 - 153
( )2البخاري رقم ( ،)4598ومسلم رقم (.)2838
( )3تقدم في الباب ( )7ص (.)92
( )4تقدم في الباب ( )7ص (.)93
( )5البخاري رقم ( ،)3608ومسلم رقم ( )2433من حديث ابن أبي أوفى رضي الَّلُه عنه.
* والبخاري رقم ( ،)3605ومسلم رقم ( )2435من حديث عائشة رضي الَّلُه عنها.
* والبخاري رقم ( ،)3609ومسلم رقم ( )2432من حديث أبي هريرة رضي الَّله عنه.
()1/296
السالم من رِّبها ،وأمره أْن ُيبِّش رها ببيٍت في الجَّنة ،من قصب ،ال صخَب فيه وال نصب".
والَق َص ُب ها هناَ :قَص ُب اللؤلؤ المجوف.
وقد روى ابن أبي الدنيا من حديث يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن عكرمة عن أبي هريرة
رضي الَّلُه عنه عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :إَّن في الجَّنة لقصًر ا من لؤلؤ ليس فيه
صدٌع وال وهن ،أعَّده الَّلُه عَّز وجَّل لخليله إبراهيم" (. )1
__________
( )1أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( ،)174والطبراني في األوسط برقم ( 6543و
،)8114والبزار كما في كشف األستار ( )103 - 102 /3رقم ( 2346و ،)2347وابن
عساكر في تاريخ دمشق (.)247 /6
قال الطبراني" :لم يرو هذا الحديث عن سماك إاَّل حماد بن سلمة ،وال رواُه عن حماد إاَّل النضر
بن شميل ويزيد بن هارون".
وقال البزار" :ال نعلُم أسنده إاَّل يزيد بن هارون والنضر ،ويرويه غيرهما موقوًفا".
قلُت :ولعَّل هذا االختالف في رفعه ووقفه إَّما من حَّم اد بن سلمة أو من سماك بن حرب من أجل
روايته عن عكرمة وهو أشبه ،فقد قال يعقوب الفسوي وغيره -واَّللفظ ليعقوب" :-وروايته عن
عكرمة خاَّص ة مضطربة ،وهو في غير عكرمة صالح ،وليس من المتثبتين " . . .انظر :تهذيب
الكمال (.)120 /12
-ورواُه أبو سلمة التبوذكي وسليمان بن حرب وحجاج بن منهال وسريج ابن النعمان عن حماد
عن سماك عن عكرمة عن أبي هريرة موقوًفا.
أخرجه ابن أبي حاتم في العلل ( ،)217 /2وذكره الدارقطني في العلل (= .)126 /11
()1/297
وفي "الصحيحين" ( )1من حديث حميد عن أنس رضي الَّلُه عنه أَّن الَّنبي -صلى الَّله عليه
وسلم -قال" :دخلُت الجَّنة فإذا أنا بقصٍر من ذهب ،فقلُت :لمن هذا القصر؟ قالوا :لشاب من
قريش ،فظننُت أِّني أنا هو ،فقلُت :ومن هو؟ قالوا :لعمر بن الخطاب".
وهو فيهما من حديث جابر ولفظه" :فأتيت على قصٍر َّبع مشرٍف
ُمَر
__________
= -ورواُه عمر -لعله ابن عبيد الطنافسي -عن عكرمة به موقوًفا.
قال أبو حاتم الَّر ازي والدارقطني" :والموقوف أصح".
( )1لم أقف عليه في الصحيحين من هذا الوجه.
وإَّنما أخرجه الترمذي برقم ( ،)3688وأحمد في المسند ( 107 /3و 179و 263و ،)191
وابن أبي شيبة برقم ( ،)31982وأبو يعلى في مسنده ( /6رقم ،)3860واآلجري في الشريعة
رقم ( )1380 - 1377وغيرهم.
من طرق عن ابن أبي عدي ويحيى القطان وبكر بن عبد الَّله السهمي وأبي خالد األحمر
وإسماعيل بن جعفر المدني وحماد بن سلمة وغيرهم كلهم عن حميد به مثله.
-وخالفهم عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون.
فرواُه عن حميد به وزاد فيه "أبيض" كما سيأتي قريًبا عند المؤلف.
أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)175
-ورواُه قتادة وأبو عمران الجوني عن أنس مرفوًعا فذكره بمثله ولم يذكر "أبيض".
أخرجه أحمد ( ،)191 /3وابن حبان رقم ( )54وغيرهما.
فالزيادة شاذة ،والوهم إَّما من ابن الماجشون أو الَّر اوي عنه :شجاع بن األشرس.
ولهذا قال المؤلف -كما سيأتي" :-وهذا إْن كان محفوًظا فبياضه :نوره وإشراقه وضياؤه والَّله
أعلم".
()1/298
()1/299
أهل الجَّنة منزلًة من له دار من لؤلؤة واحدٍة ،منها غرفها وأبوابها" (. )1
وروى البيهقي من حديث حفص بن عمر حدثنا عمرو المالئي عن عطاء بن أبي رباح عن ابن
عباس رضي الَّلُه عنهما قال :قال رسول الَّلِه -صلى الَّله عليه وسلم" :-إَّن في الجَّنة لغرًفا ،فإذا
كان ساكنها فيها لم َيْخَف عليه ما خلفها ،وإذا كان خلفها لم يخف عليه ما فيها" ،قيل :لمن هي
يا رسول الَّله؟ قال" :لمن أطاب الكالم ،وواصل الصيام ،وأطعَم الطعام ،وأفشى السالم ،وصَّلى
والَّناس نيام" ،قيل :وما طيب الكالم؟ قال" :سبحان الَّلُه والحمُد لَّله ،وال إله إاَّل الَّله ،والَّلُه أكبر
( ، )2فإَّنها تأتي يوم القيامة ولها مقدماٌت ومجنباٌت ومعقباٌت " ،قيل :وما وصال الصيام؟ قال:
"من صام شهر رمضان ،ثَّم أدرك شهر رمضان فصامه" ،قيل :وما إطعام الطعام؟ قال" :من قات
عياله وأطعمهم" ( ، )3قيل :فما إفشاء السالم؟ قال" :مصافحة أخيك وتحيته" ،قيل :وما الصالة
والَّناس نيام؟ قال" :صالة العشاء اآلخرة" (. )4
__________
( )1أخرجه هناد بن السري في الزهد رقم ( ،)126وابن أبي شيبة في مصنفه ( )58 /7رقم (
،)33986وأبو نعيم في الحلية (.)274 /3
ورجاله ثقات ،لكَّنه مرسل كما في مصادر التخريج.
( )2عند البيهقي إضافة" :وال أكبر إاَّل الَّله".
( )3في "أ ،ب ،ج" "وأطعمه".
( )4أخرجه البيهقي في البعث النشور رقم ( ،)280وابن عدي في الكامل (،)388 /2
والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ( ،)401 /4وابن حبان في المجروحين (- 259 /1
.)260
قال ابن عدي" :وهذه األحاديث بهذا اإلسناد مناكير ال يرويها إاَّل حفص بن =
()1/300
قال" :حفص بن عمر هذا مجهول ،لم يروِه عنه غير علي بن حرب فيما أعلم".
قلُت :هذا يلقب بالَكْف ر -بفتح الكاف وسكون الفاء -وقد روى عنه محمد بن غالب :تمتام
وعلي بن حرب وهما ثقتان؛ ولكن ضعفه ابن عدي وابن حبان وحديثه هذا له شواهد ،والَّلُه
أعلم.
وفي "فوائد ابن السماك" :حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن منصور حدثنا أبي حدثنا عبد الرحمن
بن عبد المؤمن قال :سمعت محمد بن واسع يذكر عن الحسن عن جابر بن عبد الَّله رضي الَّلُه
عنهما قال :قال الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم" :-أاَل أحدثكم بغرف الجَّنة؟ قال :قلنا بلى يا
رسول الَّله بأبينا أنت وأِّم نا ،قال" :إَّن في الجَّنة غرًفا من أصناف الجوهر كلهُ ،يَر ى ظاهرها من
باطنها ،وباطنها من ظاهرها ،فيها من النعيم واَّللذات ما ال عيٌن رأت ،وال أذٌن سمعت" ،قال:
قلنا :يا رسول الَّله ،لمن هذه الغرف؟ قال" :لمن أفشى السالم ،وأطعم الطعام ،وأدام الصيام،
وصَّلى باَّلليل والَّناس نيام" ،قال :قلنا :يا رسول الَّلِه ،ومن يطيق ذلك؟ قال :أمتي تطيق ذلك،
وسأخبركم عن ذلك :من لقي أخاه فسَّلم عليه ،أو رَّد عليه فقد أفشى السالم ،ومن أطعم أهله
وعياله من
__________
= عمر بن حكيم هذا ،وهو مجهول ،وال أعلُم أحًد ا روى عنه غير علي بن حرب." . . .
وقال ابن حبان" :يروي عن عمرو بن قيس المالئي المناكير الكثيرة ،. . .وال يجوز االحتجاج
بخبره." . . .
فالحديث باطل بهذا اإلسناد.
()1/301
الطعام حتى يشبعهم ،فقد أطعم الطعام ،ومن صام رمضان ،ومن كل شهر ثالثة أيام ،فقد أداَم ()1
الصياَم ،ومن صَّلى صالة العشاء اآلخرة في جماعة ،فقد صَّلى الليل والَّناس نياٌم :اليهود
والَّنصارى والمجوس" (. )2
وهذا اإلسناد وإْن كان ال ُيْحَتُّج به وحده ،فإذا انضَّم إليه ما تقَّدم استفاد ُقَّو ة مع أَّنه قد ُر ِو َي
بإسنادين آخرين.
__________
( )1في "ب"" :أَّدى".
( )2أخرجه البيهقي في البعث والنشور برقم ( ،)279وأبو نعيم في الحلية (.)356 /2
والحديث مداره على عبد الرحمن بن عبد المؤمن األزدي ولم أقف عليه.
قال البيهقي" :وهذا اإلسناد غير قوي ،إاَّل أَّنه مع اإلسنادين األَّو لين يقَّو ي بعضه بعًض ا".
()1/302
الباب السابع والثالثون في ذكر معرفتهم بمنازلهم ومساكنهم إذا دخلوا الجَّنة وإْن لم يروها قبل
ذلك
قال تعالىَ{ :و اَّلِذ يَن ُقِتُلوا ِفي َس ِبيِل الَّلِه َفَلْن ُيِض َّل َأْع َم اَلُه ْم (َ )4س َيْه ِد يِه ْم َو ُيْص ِلُح َباَلُه ْم ()5
َو ُيْد ِخ ُلُه ُم اْلَج َّنَة َعَّر َفَه ا َلُه ْم ([ })6محمد]6 - 4 :
قال مجاهدَ" :يْه تدي أهلها إلى بيوتهم ومساكنهم ،ال يخطئون ،كأَّنهم ساكنوها منذ خلقوا ،ال
يستدلون عليها أحًد ا" (.)1
وقال ابن عباس في رواية أبي صالح" :لُه ْم َأْع رف بمنازلهم من أهل الجمعة إذا انصرفوا إلى
منازلهم" (.)2
وقال محمد بن كعب" :يعرفونها كما تعرفون بيوتكم في الدنيا ،إذا انصرفتم من يوم الجمعة" (
.)3
__________
( )1أخرجه الطبري في تفسيره ( )44 /26وسنده حسن.
( )2أخرجه عبد الملك بن حبيب السلمي في وصف الفردوس رقم ( )241ص (.)89 - 88
من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس.
وسنده ضعيف جًّدا.
وأخرجه أيًض ا برقم ( )131من طريق مجاهد لكن وقع في السند تحريف أو سقط لم أتبينه.
( )3أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة ( )146 /2رقم (.)289
وفيه أحمد بن أبان األصبهاني روى عنه راويان ،وترجم له أبو نعيم في أخبار أصبهان (،)98 /1
ولم يورد فيه جرًح ا وال تعدياًل .
فاإلسناد ال بأس به.
()1/303
هذا قول جمهور المفسرين .وتلخيص أقوالهم ما قاله أبو عبيدةَ{ :عَّر َفَه ا َلُه ْم ([ } )6محمد:
]6أي :بَّينها لهم ،حتى عرفوها من غير استدالل (. )1
وقال ُمَق اتل بن حَّيان" :بلغنا أَّن الملك الموكل بحفظ عمل بني آدم يمشي في الجَّنة ،ويتبعه ابن
آدم حتى يأتي أقصى منزل هو له ،فيعرفه كل شيٍء أعطاُه الَّلُه في الجَّنة ،فإذا دخَل إلى منزله
وأزواجه انصرف الملك عنه" (. )2
وقال سلمة بن ُك َهْيلَ" :طَّر قها لهم" (. )3
ومعنى هذا :أَّنه طرقها لهم حَّتى يهتدوا إليها.
وقال الحسن" :وصف الَّله الجَّنة في الدنيا لهم ،فإذا دخلوها عرفوها بصفتها" (. )4
وعلى هذا القول ،فالتعريف وقع في الدنيا ،ويكون المعنى :يدخلهم الجَّنة التي عَّر فها لهم ،وعلى
القول األَّو ل :يكون التعريف
__________
( )1انظر :مجاز القرآن ( )214 /2وفيه (َبَّينها ،وعَّر فهم منازلهم) ،زاد المسير البن الجوزي (
،)398 /7وتفسير القرطبي (.)231 /16
( )2أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره كما في الدرر (.)23 /6
وقال القرطبي في تفسيره (" :)231 /16وحديث أبي سعيد الخدري يرُّده" .قلُت :حديث أبي
سعيد سيورده ابن القيم قريًبا وهو نٌّص في ذلك.
( )3أخرجه الحربي في "غريب الحديث" ( :)189 /1بلفظُ" :يَعَّر فون ُطُر قها".
وسنده حسن.
( )4ذكره الماوردي في تفسيره ( )295 - 294 /5بنحوه.
()1/304
()1/305
الباب الثامن والثالثون في كيفية دخولهم الجَّنة وما ُيْس تقبلون ( )1عند دخولها
ِة ِس ِذ
وقد تقَّدم قوله تعالىَ{ :و يَق اَّل يَن اَّتَق ْو ا َر َّبُه ْم ِإَلى اْلَج َّن ُز َم ًر ا} [الزمر ]73 :وقال تعالىَ{ :يْو َم
َنْح ُش ُر اْلُم َّتِق يَن ِإَلى الَّر ْح َم ِن َو ْفًد ا} [مريم.]85 :
قال ابن أبي الدنيا :حدثني محمد بن عباد بن موسى الُعكلي حدثنا يحيى بن ُس َليم الطائفي حدثنا
إسماعيل بن عبد الَّله المكي حدثني أبو عبد الَّله أَّنه سمع الضحاك بن مزاحم يحدث عن الحارث
َّل َّل َّل
عن علي رضي ال ُه عنه أَّنه سأل رسول ال ه -صلى ال ه عليه وسلم -عن هذا اآليةَ{ :يْو َم َنْح ُش ُر
اْلُم َّتِق يَن ِإَلى الَّر ْح َم ِن َو ْفًد ا ([ })85مريم ،]85 :قال :قلُت يا رسول الَّله ،ما الوفد إاَّل ركٌب ؟
قال الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم" :-واَّلذي نفسي بيده إَّنهم إذا خرجوا من قبورهم اسُتقبلوا
بنوٍق بيٍض ،لها أجنحة عليها رحال الذهب ،شرك نعالهم نوٌر يتألأل ،كُّل خطوٍة منها مثُل مِّد
البصر ،وينتهون إلى باب الجَّنة ،فإذا حلقة من ياقوتٍة حمراء على صفائح الَّذ هِب ،وإذا شجرٌة
على باب الجَّنة ينبع من أصلها عينان ،فإذا شربوا من إحداهما جرْت في وجوههم نضرة الَّنعيم،
وإذا توضؤوا من اُألخرى لم تشعث أشعارهم أبًد ا ،فيضربون الحلقة بالَّص فيحة ،فلو سمعت طنين
الحلقة ،فيبل كل حْو َر اء ،أَّن زوجها قد أقبل ،فتستخفها الَعَج لة ،فتبعُث قِّيمها فيفتح له الباب،
فلوال أَّن الَّلَه عَّز وجل عَّر فه نفسه لخَّر له ساجًد ا مَّم ا يرى من النور والبهاء ،فيقول :أنا قَّيُم ك
اَّلذي ُو ِّك ْلُت بأمِر ك ،فيتبعه
__________
( )1في "د"" :يستقبلون به".
()1/306
فيقفوا أثره ،فيأتي زوجته ،فتستخفها العجلة ،فتخرج من الخيمة ( )1فتعانقه ،وتقول :أنت ِح ِّبي
وأنا ِح ُّبَك ،وأنا الَّر اضية فال أسخط أبًد ا ،وأنا الَّناعمة فال أبأس أبًد ا ،والخالدة فال أظعن أبًد ا،
فيدخل بيًتا من أساسه إلى سقفه مئة ألف ذراٍع مبنٌّي على َج ْندل اللؤلؤ والياقوت ،طرائَق حمٍر ،
وطرائق ُخ ضر ،وطرائَق صفٍر ،ما منها طريقٌة ُتشاكل صاحبتها ،فيأتي األريكة ،فإذا عليها سريٌر ،
على الَّس رير سبعوَن فراًش ا ،عليها سبعون زوجًة ،على كِّل زوجٍة سبعون ُح َّلًة ُيرى ُمُّخ ساقها من
باطن الجْلد ،يقضي جَم اعهَّن في مقدار ليلة ،تجري من تحتهم أنهاٌر ُمَّطردٌة :أنهار من َماٍء غير
آسن صافي ليس فيه كدٌر ،وأَّنهاٌر من عسٍل مصَّف ى ،لم يخرج من بطون النحل ،وأنهاٌر من خمٍر
لَّذ ٍة للَّش اربين ،لم تعصره الرجال بأقدامها ،وأنهاٌر من لبٍن لم يتغير طعمُه ،لم يخرج من بطون
الماشية ،فإذا اشتهوا الطعاَم ،جاءتهم طيٌر بيض ،فترفع أجنحتها ،فيأكلون من جنوبها من أي
األلوان شاؤوا ،ثَّم تطير فتذهُب ،فيها ثمار ُمتدلَّية ،إذا اشتهوا انبعث الُغصُن إليهم ،فيأكلون من
أِّي الثمار شاؤوا ،إْن شاء قائًم ا ،وإْن شاء متكًئا ،وذلك قوله عَّز وجلَ{ :و َج َنى اْلَج َّنَتْيِن َداٍن (
[ } )54الرحمن ،]54 :وبين أيديهم خدٌم كاللؤلؤ" (. )2
__________
( )1في "أ ،ج ،د ،هـ"" :الجَّنة".
( )2أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)7
والعقيلي في الضعفاء ( )86 /1من طريق عبيد الَّله بن سلمان عن الضحاك به ،وذكر حديًثا
طوياًل .
-ورواُه أبو إسحاق السبيعي عن الحارث عن علي موقوًفا ،وهو أصح= .
()1/307
هذا حديٌث غريب ،وفي إسناده ضعف ،وفي رفعه نظر ،والمعروف أَّنه موقوف على علٍّي .
قال ابن أبي الدنيا :حدثنا محمد بن عمرو بن سليمان حدثنا محمد ابن فضيل عن عبد الرحمن بن
إسحاق عن النعمان بن سعد ( )1في هذه اآليةَ{ :يْو َم َنْح ُش ُر اْلُم َّتِق يَن ِإَلى الَّر ْح َم ِن َو ْفًد ا (} )85
قال" :أما والَّلِه ما يحشر الوفد على أرجلهم ،ولكن يؤتون بنوٍق لم تَر الخالئق مثلها ،عليها
ِر حاُل الذهب ،وأِز َّمُتها الزبرجد ،فيركبون عليها يضربوا باب الجَّنة" (. )2
__________
= أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة ( )132 /2رقم (.)281
وذكر العقيلي أَّن الحديث غير محفوظ ،واألمر كما قال المؤلف" :حديث غريب ،في إسناده
ضعف ،وفي رفعه نظر." . . .
( )1كذا في جميع النسخ ،وفي مصادر التخريج زيادة "عن علي".
( )2أخرجه الطبري في تفسيره ( )126 /16عن زكريا بن يحيى بن أبي زائدة عن ابن فضيل عن
عبد الرحمن عن النعمان بن سعد عن علي فذكره بمثله.
وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ( )61 /7رقم ( ،)34003وعبد الَّله بن أحمد في زوائد
المسند ( ،)155 /1والحاكم ( )409 /2رقم ( )3425وأبو نعيم في صفة الجَّنة (- 134 /2
)135رقم ( )281وغيرهم.
من طريق علي بن مسهر وأبي معاوية ويعلى بن عبيد كلهم عن عبد الرحمن بن إسحاق به موقوًفا
على علي.
والحديث مدارُه على عبد الرحمن بن إسحاق وهو ضعيف ،وله منكرات كما تقدم ص (.)174
والحديث صححه الحاكم ،فتعقبه الذهبي فقال" :بل عبد الرحمن هذا لم يرو له مسلم وال لخاله
النعمان ،وضعفوه".
()1/308
وقال علي بن الجعد في "الجعديات" :أخبرنا زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن عاصم بن
ضمرة عن علي رضي الَّلُه عنه قالُ :يساق اَّلذين اتقوا ربهم إلى الجَّنة ُز َم ا حَّتى ينتهوا إلى باٍب
ًر
من أبوابها ،وجدوا عنده شجرًة يخرج من تحت ساقها عينان تجريان ،فعدوا إلى إحداهما كأَّنما
ُأِم ُر وا بها ،فشربوا منها فأذهبت ما في بطونهم من أًذى أو قذًى أو بأس ،ثَّم عمدوا إلى اُألخرى
فتطهروا منها فجرت عليهم نضرة النعيم ،فلن تغَّير أبشارهم أو تغير بعدها أبًد ا ،ولن تشعث
أشعارهم كأَّنما ُدِه ُنوا بالِّدهان ،ثَّم انتهوا إلى خزنة الجَّنة فقالواَ{ :س اَل ٌم َعَلْيُك ْم ِط ْبُتْم َفاْدُخ ُلوَه ا
َخ اِلِد يَن ([ } )73الزمر ]73 :قال :ثَّم تتلَّق اهم الولدان يطيفون ( )1بهم ،كما يطيف ولدان أهل
الدنيا بالحميم يقدم من غيبته ،فيقولون :أبشْر بما أعَّد الَّلُه ( )2لك من الكرامة -كذا قال -ثَّم
ينطلُق غالٌم من أولئك الولدان إلى بعض أزواجه من الحور العين ،فيقول :قد جاء فالٌن باسمه
اَّلذي ُيدعى به في الدنيا ،فتقول :أنَت رأيته؟ فيقول :أنا رأيته ،وهو ذا بأثري ،فيستخف إحداهَّن
الفرُح ،حتى تقوم على أسُك َّف ِة بابها ،فإذا انتهى إلى منزله نظر إلى أساس بنيانه ،فإذا جندل اللؤلؤ
فوقه صرٌح أخضُر وأصفُر وأحمُر ،ومن كِّل لوٍن ،ثَّم رفع رأسه ،فنظر إلى سقه ،فإذا مثل البرِق ،
فلوال أَّن الَّلَه قَّدره له أللَّم أْن يذهب ببصره ،ثَّم طأطأ رأسه فنظَر إلى أزواجه وأكواٍب موضوعٍة،
ونمارق مصفوفة ،وزرابي مبثوثة ،فنظروا إلى تلك النعمة،
__________
( )1في نسخٍة على حاشية "أ"" :يطوفون".
( )2من "ب ،ج ،د ،هـ".
()1/309
ثَّم اتكئوا وقالوا{ :اْلَحْم ُد ِلَّلِه اَّلِذ ي َه َد اَنا ِلَه َذ ا َو َما ُك َّنا ِلَنْهَتِد َي َلْو اَل َأْن َه َد اَنا} [األعراف]43 :
ثَّم ينادي مناٍد َ :تْح يوَن فال تموتون أبًد ا ،وتقيمون فال تظعنون أبًد ا ( ، )1وتصحون فال تمرضون
أبًد ا" (. )2
وقال عبد الَّله بن المبارك :أخبرنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هالل قالُ" :ذِكَر لنا أَّن الَّر جل
إذا دخل الجَّنة ُصِّو ر صورة أهل الجَّنة ،وُألبَس لباسهم ،وحِّلَي حليتهم ،وُأري أزواجه وخدمه،
ويأخذه َسَو اّر فرٍع لو كان ينبغي أْن يموت لمات من سوار فرحه ،فيقاُل له :أرأيَت فرحتك هذه،
فإَّنها قائمة لك أبًد ا" (. )3
__________
( )1من "ج".
( )2أخرجه علي بن الجعد في الجعديات ( ،)927 - 926 /2وعبد الرزاق في تفسيره (/2
)144 - 143رقم ( 2646و ،)2647وابن أبي شيبة في مصنفه ( )59 /7رقم (،)33993
وعبد الملك بن حبيب في وصف الفردوس رقم ( )128مختصًر ا ،والمروزي في زياداته على
الزهد البن المبارك ( )1450وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( )8وغيرهم.
قال الحافظ ابن حجر" :هذا حديث صحيح ،وحكمه حكم الرفع ،إذ ال مجال للَّر أي في مثل
هذه األمور".
وقال البوصيري" :رواه إسحاق بن راهوية بسند صحيح ،وحكمه حكم المرفوع ،إذ ليس للَّر أي
فيه مجال".
انظر :المطالب العالية رقم ( ،)4601وإتحاف الخيرة المهرة رقم (.)7851
( )3أخرجه ابن المبارك في الزهد -رواية ُنعيم -رقم ( ،)429وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة
رقم ( )24وغيرها.
وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ( )71 - 70 /7رقم ( ،)34103وأبو نعيم في صفة الجَّنة
رقم ( )285من طرق عن سليمان بن المغيرة به =
()1/310
قال ابن المبارك :وأخبرنا رشدين بن سعد :أنبأنا زهرة بن معبد القرشي ،عن أبي عبد الرحمن
الحبلي قال" :إن العبد أَّو ل ما يدخل الجنة يتلقاه سبعون ألف خادم ،كأَّنهم اللؤلؤ" (. )1
قال ابن المبارك :وأنبأنا يحيى بن أيوب ،حدثني عبيد الَّله بن زحر ( ، )2عن محمد بن أبي أيوب
المخزومي ،عن أبي عبد الرحمن المعافري قال" :إنه َلُيَص ُّف للرجل من أهل الجنة ِس َم اطان ،ال
يرى طرفاهما من غلمانه ،حتى إذا مَّر مشوا وراءه" (. )3
وقال أبو نعيم :حدثنا سلمة عن الضحاك قال" :إذا دخل المؤمن الجَّنة ،دخل أمامه ملك فأخذ به
في ِس َك ِكَه ا ،فيقول له :انظر ما ترى؟ قال :أرى أكثر قصور رأيتها من ذهٍب وفضٍة ،وأكثر أنيس.
فيقول له الملُك :فإَّن هذا أجمع لك ،حَّتى إذا ُر ِفَع إليهم استقبلوه من كَّل باٍب ،ومن كِّل مكاٍن :
نحن لك ،نحن لك ،ثَّم يقول له :امِش ،فيقول له :ماذا ترى ،فيقول :أرى أكثر عساِكَر رأيتها من
خيام ،وأكثر
__________
= مثله.
وسنده صحيح.
( )1أخرجه ابن المبارك في الزهد -رواية نعيم -رقم ( ،)427وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة
رقم (.)25
في سنده رشدين بن سعد ضعيف.
( )2في "ب ،د"" :نصر" وهو خطأ.
( )3أخرجه ابن المبارك في الزهد -رواية ُنعيم -رقم ( ،)415وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة
رقم ( )26وفي سنده َض ْع ف ،ألَّن يحيى بن أيوب وعبيد الَّله بن زحر فيهما كالم.
()1/311
أنيٍس ،قال :فإَّن هذا أجمَع لك ،قال :فإذا ُر ِفَع إليهم استقبلوه يقولون :نحن لك ،ونحن لك" (
. )1
وفي "الصحيحين" من حديث سهل بن سعد رضي الَّلُه عنه أَّن رسول الَّلِه -صلى الَّله عليه
وسلم -قال" :ليدخلَّن الجَّنة من أمتي سبعون ألًف ا ،أو سبع مئة ألف متماسكون آخٌذ بعضهم
ببعض ،ال يدخل أَّو لهم حتى يدخل آخرهم ،وجوههم على صورة القمر ليلة البدِر " (. )2
__________
( )1أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( )27وسنده صحيح.
-ورواُه أسد بن موسى عن أخيه عن الضحاك فذكر معناه مرساًل .
أخرجه ابن حبيب في وصف الفردوس رقم (.)32
( )2تقدم في الباب الثاني والثالثين ص (.)265
()1/312
الباب التاسع والثالثون في ذكر صفة أهل الجَّنة في َخ ْلِق ِه م وُخ ُلِق هم وطولهم وعرضهم ومقدار
أسنانهم
قال اإلمام أحمد :حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الَّلُه عنه قال :قال
رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-خلق الَّلُه عَّز وجَّل آَدَم على صورته ،طوُله ستون ذراًعا،
فلما خلقه قال له :اذهب فسِّلم على أولئك النفر -وهم نفٌر من المالئكة ُج لوٌس ،-فاستمع ما
يحيونك ،فإَّنها تحيتك وتحية ذريتك ،قال :فذهَب فقال :السالم عليكم ،فقالوا :السالم عليَك
ورحمُة الَّلِه ،فزادوه ورحمة الَّله قال :فكُّل من يدخل الجَّنة على صورة آدَم ،طوُلُه ستون ذراًعا،
فلم يزل ينقص الخلق بعدُه حَّتى اآلن" ( )1متفٌق على صحته.
وقال اإلمام أحمد :حدثنا يزيد بن هارون ،وعفان بن مسلم ،قاال :حدثنا حماد بن سلمة ،عن علي
بن زيد بن جدعان ،عن سعيد ابن المسيب ،عن أبي هريرة -رضي الَّله عنه -قال :قال رسول
الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-يدخل أهل الجَّنِة الجَّنَة ُج رًدا ُمرًدا بيًض ا جعاًدا مكَّح لين ،أبناء
ثالث وثالثين ،وهم على خلق آدم ستون ذراًعا في عرض سبعة أذرع" ()2
__________
( )1أخرجه البخاري رقم ( ،)3148ومسلم رقم ( ،)2841وأحمد في المسند (.)351 /2
( )2أخرجه أحمد في مسنده ( ،)295 /2وابن أبي شيبة في مصنفه ( )59 /7رقم (،)33995
وابن أبي داود في البعث رقم ( ،)63وابن أبي الدنيا في صفة =
()1/313
()1/314
()1/315
وقال الترمذي :حدثنا سويد بن نصر حدثنا عبد الَّله بن المبارك عن ِر ْش ِد ين بن سعد عن عمرو بن
الحارث أَّن دَّر اًج ا أبا الَّس ْم ِح حَّدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الَّلُه عنه قال :قال
رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-من ماَت من أهل الجَّنة من صغيٍر أو كبيٍر ُيرُّدوَن بني
ثالثين سنة في الجَّنة ( )1ال يزيدون عليها أبًد ا ،وكذلك أهل الَّنار" (. )2
__________
= -ورواُه رَّو اد بن الجَّر اح عن األوزاعي به وزاد في متنه شيًئا ،وسيأتي عند المؤلف.
أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)220
وهذه الرواية منكرة ،ورَّو اد بن الجَّر اح تغير واختلط ،فجاء بمناكير ،وهذا منها؛ لمخالفته عمر
والوليد بن مسلم ،وعليه فالحديث إسناده ضعيف؛ لعدم معرفة الواسطة بين أنس وهارون ،والَّلُه
أعلم.
وقال الهيثمي "إسناده جِّيد" .انظر :مجمع الزوائد (.)399 /10
( )1قوله" :بني ثالثين سنة في الجَّنة" ،في الترمذي "أبناء ثالثين في الجَّنة".
( )2أخرجه الترمذي برقم ( ،)2562وابن المبارك في الزهد -رواية نعيم -وابن أبي الدنيا في
صفة الجَّنة رقم ( ،)17والبغوي في شرح السنة ( /15رقم .)4381
-ورواُه عبد الَّله بن وهب عن عمرو بن الحارث به مثله.
أخرجه ابن أبي داود في البعث رقم ( ،)78وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (.)259
-ورواُه ابن لهيعة عن دَّر اج به فقال فيه "ستين" بداًل من "ثالثين" وهو من أوهامه.
أخرجه أبو يعلى في مسنده ( /2رقم ،)1405والحديث ضعيف اإلسناد ،من أجل رواية دَّر اج
عن أبي الهيثم ،كما تقَّدم في الباب ( )10ص (.)119
وقال الترمذي" :هذا حديث غريب ،ال نعرفه إاَّل من حديث رشدين".
()1/316
فإن كان هذا محفوًظا لم يناقض ما قبله ،فإَّن العرب إذا قَّدرت بعَد ٍد له نِّيف؛ فإَّن لهم طريقين:
تارًة يذكرون الَّنيف للتحرير ،وتارًة يحذفونه ،وهذا معروف في كالمهم ،وخطاب غيرهم من
األمم.
وقال ابن أبي الدنيا :حدثنا القاسم بن هاشم ( )1حدثنا صفوان بن صالح حدثنا رَّو اد بن الجراح
العسقالني حدثنا األوزاعي عن هارون بن رئاب عن أنس بن مالك رضي الَّلُه عنه قال :قال رسول
الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-يدخل أهُل الجَّنة الجَّنة على طول آدم ستين ذراًعا بذراع الملك،
على ُحْس ِن يوسف ،وعلى ميالد عيسى ثالٍث وثالثين سنة ،وعلى لسان محمد ُجْر د ُمْر د
ُمكَّح لون".
وقال ابن وهب :حدثني معاوية بن صالح عن عبد الوهاب بن ُبْخ ت عن أبي الِّز ناد عن األعرج
عن أبي هريرة رضي الَّلُه عنه أَّن رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :إَّن أهل الجَّنة
يدخلون الجَّنة على قدر آدم ستون ذراًعا ،وعلى ذلك قطعْت ُس ررهم" (. )2
وقد تقَّدم ( )3أَّن أَّو ل زمرة صورهم على صورة القمر ليلة البدر،
__________
( )1وقع في "د ،هـ" ونسخة على حاشية "أ"" :هشام".
( )2أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة ( )92 /2تحت رقم (.)248
-ورواه أبو صالح وأبو زرعة وهمام بن منبه عن أبي هريرة مطواًل ،وليس فيه "وعلى ذلك
قطعت سررهم".
أخرجه البخاري رقم ( 3148و ،)3149ومسلم رقم ( 2834و )2841وغيرهما.
( )3في ص (.)231
()1/317
وأَّن الذين يلونهم على ضوء أشِّد كوكٍب في الَّس ماِء إضاءًة.
وأَّم ا األخالق فقد قال تعالىَ{ :و َنَز ْعَنا َم ا ِفي ُصُد وِر ِه ْم ِم ْن ِغ ٍّل ِإْخ َو اًنا َعَلى ُس ُر ٍر ُمَتَق اِبِليَن (} )47
[الحجر ،]47 :فأخبر عن قلوبهم ( )1وتالقي وجوههم.
وفي "الصحيحين" (" : )2أخالقهم على َخ ْلق رجٍل واحد ،على صورة أبيهم آدم ستون ذراًعا في
السماء".
الرواية "على َخ ْلق" -بفتح الخاء وسكون الالم -واألخالق كما تكون جمًعا للُخ لق بالضم ،فهي
جمع للَخ لق بالفتح ،والمراد :تساويهم في الطول والعرض والسن ،وإن تفاوتوا في الحسن
والجمال ،ولهذا فسره بقوله" :على صورة أبيهم آدم ستون ذراًعا في السماء".
وأما أخالقهم وقلوبهم ففي "الصحيحين" ( )3من حديث أبي هريرة -رضي الَّله عنه" :-أول
زمرة تلج الجنة" الحديث .وقد تقدم وفيه" :ال اختالف بينهم وال تباغض ،قلوبهم على قلب
واحد ،يسبحون الَّله بكرة وعشًيا".
وكذلك وصف الَّله سبحانه وتعالى نسائهم بأنهَّن أتراب .أي :في ِس ٍّن واحدة ،ليس فيهن العجائز
والشواب )4( ،وفي هذا الطول
__________
( )1في "ب"" :تالقي قلوبهم".
( )2تقدم في الباب ( )27ص (.)232 - 231
( )3تقدم في الباب ( )27ص (.)231
( )4في نسخٍة على حاشية "د"" :والتَّو اب".
()1/318
والعرض والسن من الحكمة ما ال يخفى ،فإنه أبلغ وأكمل في استيفاء اللذة؛ ألنة أكمل سن القوة
مع عظم آالت اَّللذة ،وباجتماع األمرين يكون كمال اللذة وقوتها ،بحيث يصل في اليوم الواحد
إلى مئة عذراء ،كما سيأتي إن شاء الَّله تعالى ( ، )1وال يخفى التناسب الذي بين هذا الطول
والعرض ،وأنه لو زاد أحدهما على اآلخر فات االعتدال وَتَناُس ب الِخ ْلقة ،يصير طواًل مع ِد َّقٍة ،أو
غلًظا مع قصر ،وكالهما غير مناسب ،والَّله أعلم.
__________
( )1سيأتي في (ص.)517 ،506 - 502 /
()1/319
الباب األربعون في ذكر أعلى أهل الجَّنة منزلة وأدناهم ،وأعالهم منزلة سِّيد ولِد آدم صلوات
الَّلِه وسالمه عليه
َك َّل الَّلُه َف ْع َض ُه َد اٍت ِم ِت
قال تعالىْ { :لَك الُّر ُس ُل َفَّضْلَنا َبْع َض ُه ْم َعَلى َبْع ٍض ْنُه ْم َمْن َم َو َر َع َب ْم َرَج
َو آَتْيَنا ِع يَس ى اْبَن َمْر َيَم اْلَبِّيَناِت } [البقرة.]253 :
قال مجاهد وغيرهِ{ :م ْنُه ْم َمْن َك َّلَم الَّلُه} :موسى {َو َر َفَع َبْع َض ُه ْم َدَرَج اٍت } :هو محمد -صلى
الَّله عليه وسلم.)1( -
وفي حديث اإلسراء المتفق على صحته :أنه -صلى الَّله عليه وسلم ،-لما جاور موسى قال:
"رب لم أظن أن ُيرَفع عَلَّي أحد" ،ثم عال فوق ذلك بما ال يعلمه إال الَّله ،حتى جاوز سدرة
المنتهى" (.)2
وفي "صحيح مسلم" ( )3من حديث عمرو بن العاص -رضي الَّله عنهما ،-أنه سمع الَّنبي -
صلى الَّله عليه وسلم -يقول" :إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ،ثم صلوا علَّي ،فإنه من
صلى علَّي صالًة صَّلى الَّله عليه عشًر ا ( ،)4ثم سلوا لي الوسيلة ،فإنها منزلٌة في الجنة ال تنبغي
إاَّل لعبٍد
__________
( )1أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ( )483 /2رقم ( ،)2553والطبري في تفسيره (.)1 /3
وسنده حسن.
( )2أخرجه البخاري رقم ( ،)7079واللفظ له ،ومسلم رقم ( )162من حديث أنس رضي الَّلُه
عنه.
( )3رقم (.)384
( )4في مسلم "بها عشًر ا".
()1/320
من عباد الَّله ،وأرجو أن أكون أنا هو ،فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة".
وفي "صحيح مسلم" ( : )1من حديث المغيرة بن شعبة -رضي الَّله عنه -عن الَّنبي -صلى الَّله
عليه وسلم" :-أَّن موسى سأَل رَّبُه :ما أدنى أهل الجَّنة منزلًة؟ فقال :رجٌل يجيء بعدما دخل أهل
الجَّنِة الجَّنَة ،فيقال له :ادخِل الجَّنة ،فيقول :رِّب كيف ،وقد نزل الَّناُس منازلهم ،وأخذوا
أخذاتهم؟ فيقال له :أترضى أْن يكون لك مثل َم ِلٍك ( )2من ملوك الدنيا ،فيقول :رضيُت رِّب ،
فيقول له :لك ذلك ،ومثله ،ومثله ،ومثله ،ومثله ،فقال في الخامسة :رضيت رِّب ،فيقول :هذا
لك وعشرة أمثاله ،ولك ما اشتهت نفسك ولَّذ ت عينك ،فيقول ( : )3رضيُت رِّب .قال :رِّب
فأعالهم منزلًة؟ قال :أولئك اَّلذين أردت ،غرسُت كرامتهم بيدَّي ،وختمُت عليها فلم تَر عيٌن ،
ولم تسمع أذٌن ،ولم يخطر على قلب بشر".
وقال الترمذي :حدثنا عبد بن حميد أخبرنا َش َباَبة عن إسرائيل عن ثوير قال :سمعت ابن عمر
رضي الَّلُه عنهما يقول :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-إَّن أدنى أهل الجَّنة منزلًة لمن
ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وُس رِر ِه مسيرة ألِف سنة ،وأكرمهم على الَّلِه من ينظر إلى
وجهه ُغدوًة وعشيًة ،ثَّم قرأ رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلمُ{ :-وُج وٌه َيْو َمِئٍذ َناِض َر ٌة ()22
ِإَلى َر ِّبَه ا َناِظ َر ٌة (} )23
__________
( )1رقم (.)189
( )2في مسلم" :مثل ُمْلِك َم ِلٍك ".
( )3من قوله "رضيت رب ،فيقول :هذا لك وعشرة" إلى "فيقول" من مسلم ،وقد سقط من
جميع النسخ.
()1/321
()1/322
قال" :وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن إسرائيل عن ثوير عن ابن عمر مرفوًعا (. )1
قال :ورواُه عبد الملك بن أبجر ،عن ُثوْير ،عن ابن عمر :موقوًفا .ورواُه عبيد الَّله األشجعي عن
سفيان عن ُثوير عن مجاهد عن ابن عمر نحو ،ولم يرفعه".
قلُت :ورواه الطبراني في "معجمه" من حديث أبي معاوية عن عبد الملك بن أبجر عن ثوير عن
ابن عمر مرفوًعا" :إَّن أدنى أهل الجَّنة منزلًة لرجل ينظر في ملكه ألفي سنة ،يرى أقصاه كما يرى
أدناُه ،ينظر إلى أزواجه وسرره وخدمه" الحديث.
ورواُه أبو نعيم عن إسرائيل عن ثوير قال :سمعُت ابن عمر.
قال إسرائيل :ال أعلم ثويًر ا إاَّل رفعه إلى الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم.-
وقال اإلمام أحمد :حدثنا حسن هو :ابن موسى ،حدثنا ُس َك ين بن عبد العزيز ،حدثنا أبو األشعث
الضرير ،عن شهر بن حوشب ،عن أبي
__________
= هذا وهو رافضي متفٌق على ضعفه.
والحديث ضعفه الترمذي بقوله "غريب" والذهبي والهيثمي وغيرهم.
انظر مختصر استدراك الذهبي على مستدرك الحاكم البن الملقن ( ،)968 /2ومجمع الزوائد (
.)401 /10
والثابت عن ابن عمر :ما رواه ابن عون عن محمد بن سيرين قال :إَّن أدنى أهل الجَّنة منزلًة ،لَم ن
يقال له تمَّن ،ويذِّك ره أصحابه ،فيقال له :هولك ومثله معه ،قال محمد بن سيرين :قال ابن عمر:
"هو لك وعشرة أمثاله ،وعند الَّله المزيد".
أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( )36وسنده صحيح.
( )1في جميع النسخ "غير مرفوع" وهو خطأ ،والتصويب من الترمذي.
()1/323
هريرة -رضي الَّله عنه -قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-إن أدنى أهل الجنة
منزلة من له سبع درج ،وهو على السادسة ،وفوقه السابعة ،وإن له لثالث مئة خادم ،وُيْغَد ى عليه
وُيراح كل يوم بثالث مئة صحفة -وال أعلمه إال قال -من ذهب ،في كل صحفة لون ليس في
اُألخرى ،وإنه ليَلّذ أوله كما يلذ آخره ،ومن األشربة ثالث مئة إناء ،في كل إناء لون ليس في
اآلخر ،وإَّنه ليلذ أوله كما يلذ آخره ،وإنه ليقول :يا رب لو أذنت لي ألطعمت أهل الجنة
وسقيتهم لم ينقص مَّم ا عندي شيء ،وإن له من الحور العين الثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه
من الدنيا ،وإن الواحدة منهن ليأخذ مقعدها قدر ميل من األرض" (. )1
قلت :سكين بن عبد العزيز :ضعفه النسائي ( . )2وشهر بن حوشب :ضعفه مشهور.
والحديث منكر ،مخالف لألحاديث الصحيحة (: )3
-فإن طول ستين ذراًعا ال يحتمل أن يكون مقعدة صاحبه بقدر ميل من األرض.
__________
( )1أخرجه أحمد في مسنده ( ،)537 /2وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (.)229
والحديث كما قال المؤِّلف منكر.
قال ابن كثير" :تفَّر د به أحمد ،وهو غريب ،وفيه انقطاع".
( )2وضعفه أيًض ا أبو داود والَّدارقطني ،ووَّثقه ابن معين والعجلي والطنافسي ،وقال أبو حاتم
وابن عدي" :ال بأس به".
انظر ترجمته في تهذيب الكمال ( ،)211 - 210 /11والكامل البن عدي (- 462 /3
.)463
( )3في "هـ" "األحاديث الِّص حاح".
()1/324
-والذي في "الصحيحين" ( ، )1في أول زمرة تلج الجنة" :لكل امرئ منهم زوجتان من الحور
العين" ،فكيف يكون ألدناهم ثنتان وسبعون؟
-وأقل ساكني الجنة نساء الدنيا ( ، )2فكيف يكون ألدنى أهل الجنة جماعة منهن؟
-وأيًض ا فإن الجنتين الذهبيتين أعلى من الفضيتين ( )3؟ فكيف يكون أدناهم في الذهبيتين؟.
قال الدوالبي" :شهر بن حوشب ال يشبه حديثه حديث الَّناس" .وقال ابن عون" :إَّن شهًر ا
نزكوه" .وقال النسائي وابن عدي" :ليس بالقوي" .وقال أبو حاتم" :ال يحتج به" .وتركه شعبة
ويحيى بن سعيد ،وهذان من أعلم الناس بالحديث ،ورواته وعلله ،وإن كان غير هؤالء ،قد وثقه
وحَّس ن حديثه ،فال ريب أنه إذا تفرد بما يخالف ما رواه الثقات لم يقبل ( . )4والَّله أعلم.
__________
( )1تقدم ص (.)256
( )2تقدم ص (.)260 - 258
( )3راجع الباب ( )22ص (.)211 - 206
( )4انظر ترجمته وأقوال أئمة والتعديل فيه في تهذيب الكمال (.)589 - 578 /12
()1/325
()1/327
قال :ماء الرجل أبيُض ،وماُء المرأة أصفُر ،فإذا اجتمعا فعال منُّي ( )1الرجل منَّي المرأة أذكرا
بإذن الَّله تعالى ،وإن عال مني المرأة منَّي الرجل آنثا بإذن الَّله تعالى ،فقال اليهودي :لقد صدقت
وإَّنك لنبي ثَّم انصرف ،فقال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم :-لقد سألني هذا عن اَّلذي
سألني عنه ومالي علٌم بشيٍء منه ،حَّتى أتاني الَّله عَّز وجل به".
وفي "صحيح البخاري" ( )2عن أنس رضي الَّله عنه قال :سمع عبُد الَّلِه بن سالم َمْق َد م الَّنبي -
صلى الَّله عليه وسلم -المدينة ،وهو في أرٍض َيْخ َتِر ُف ،فأتى الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم-
فقال :إِّني سائلَك عن ثالث ال يعلمهَّن إاَّل نبي ،فما أَّو ل أشراط الَّس اعة؟ وما أَّو ل طعام أهل
الجَّنة؟ وما ينزع الولُد إلى أبيه أو ُأِّمِه؟ قال :أخبرني بهَّن جبريل آنًف ا ،قال جبريل؟ قال :نعم ،قال
ذاك عدُّو اليهود من المالئكة ،فقرأ هذه اآليةُ{ :قْل َمْن َك اَن َعُد ًّو ا ِلِج ْبِر يَل َفِإ َّنُه َنَّزَلُه َعَلى َقْلِبَك
ِبِإ ْذِن الَّلِه} [البقرة ،]97 :أَّما أَّو ل أشراط الَّس اعة :فناٌر تحشر الَّناس من المشرق إلى المغرب،
وأَّما أَّو ل طعام يأكله أهل الجَّنة :فزيادة كبِد الحوت ،وإذا سبق ماُء الرجل ماَء المرأة نزع الولُد ،
وإذا سبق ماُء المرأة ماَء الرجل نزعت الولد ( ، )3قال :أشهد أْن ال إله إاَّل الَّله وأشهد أَّنك
رسول الَّله ،يا رسول الَّله ،إَّن اليهود قوٌم بهٌت ،وإَّنهم إْن يعلموا بإسالمي قبل أْن تسألهم بهتوني،
فجاءِت اليهود
__________
( )1في "أ"" :فعال ماء مني" ولفظه "ماء" ليست في مسلم ،وال باقي النسخ.
( )2رقم (.)3723
( )3قوله "وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد" من البخاري ،وفي جميع النسخ" ،وإذا
سبق ماء المرأة نزعت".
()1/328
فقال :أُّى رجٍل عبُد الَّلِه فيكم؟ قالوا :خيرنا وابن خيرنا ،وسيدنا وابن سيدنا ،قال :أفرأيتم إن
أسلم عبُد الَّله؟ فقالوا :أعاذه الَّله من ذلك ،فخرج عبد الَّله فقال :أشهد أْن ال إله إاَّل الَّله وأشهد
أَّن محمد رسول الَّله ،فقالواَ :ش ُّر نا وابُن شِّر نا وانتقصوه ،فقال :هذا اَّلذي كنُت أخاف يا رسول
الَّلِه".
وفي "الصحيحين" ( )1من حديث عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الَّله عنه قال :قال
رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-تكون األرض يوم القيامة ُخ بزًة واحدًة يتكَّف ؤها الجَّبا بيدِه
ُر
كما يتكَّف أ أحدكم ُخ بزته في الَّس فر ُنُز اًل ألهِل الجَّنة ،فأتى رجٌل من اليهود فقال :بارك الرحمن
عليك يا أبا القاسم ،أال أخبرك بنزل أهل الجَّنة يوم القيامة؟ قال :بلى ،قال :تكون األرض ُخ بزًة
واحدًة ،كما قال الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم ،-فنظر الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -إلينا ثَّم
ضحك حتى بدت نواجذه ،ثَّم قال :أال أخبرك بإدامهم؟ قال :بلى ،قال :إدامهم باالٌم وُنوٌن ،قال:
وما هذا؟ قال :ثور ونون يأكل من زيادة كبدهما سبعون ألًف ا".
قال عبد الَّله بن المبارك :أخبرنا ابن لهيعة ،حدثني يزيد بن أبي حبيب أَّن أبا الخير أخبره أَّن أبا
العوام أخبره أَّنه سمع كعًبا يقول" :إَّن الَّلَه عَّز وجَّل يقول ألهل الجَّنة إذا دخلوها :إَّن لكِّل ضيٍف
َج زوًر ا ،وإِّني أْج ِز َر كم اليوَم ،فيؤتى بثوٍر وحوٍت ،فُيجَز ُر ألهل الجَّنة" (. )2
__________
( )1أخرجه البخاري في صحيحه رقم ( ،)6155ومسلم رقم (.)2792
( )2أخرجه ابن المبارك في الزهد -رواية ُنعيم بن حماد -رقم ( ،)432وأخرجه ابن أبي الدنيا
في صفة الجَّنة برقم (= .)111
()1/329
()1/330
ورواُه البخاري في "الصحيح" عن قيس بن حفص عن عبد الواحد ابن زياد عن الحسن بن عمرو
الُفَق يمي عن مجاهد عن عبد الَّله بن عمرو رضي الَّله عنهما ولم يذكر بينهما جنادة ،وقال:
"ليوجد من مسيرة أربعين عاًما".
وقال الترمذي :حدثنا محمد بن بشار حدثنا معدي بن سليمان هو البصري عن ابن عجالن عن
أبيه عن أبي هريرة رضي الَّله عنه عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :أال من قتل نفًس ا
معاهًد ا له ِذ َّمُة الَّلِه وذَّمُة رسوله ،فقد أخفر بذَّمة الَّلِه ،فال يرح رائحة الجَّنة ،وإَّن ريحها ليوجد من
مسيرة سبعين خريًف ا" (. )1
__________
= ()2580
لكن فيه " . . .ليوجد من كذا وكذا".
- 6وابن أبي عمر العدني ،عند البيهقي في السنن (.)205 /9
كلهم عن مروان به مثله؛ لكَّنهم قالوا -غير الطوسي" -أربعين عاًما".
-ورواُه عبد الواحد بن زياد وأبو معاوية كالهما عن الحسن بن عمرو عن مجاهد عن عبد الَّله
بن عمرو فقال" :أربعين عاًم ا" ،كما ذكره المؤِّلف.
أخرجه البخاري في صحيحه رقم ( ،)2995وابن أبي شيبة ( )455 /5رقم ( ،)27938وابن
ماجه ( )2686وغيرهم.
وعليه فالصحيح رواية "أربعين عاًم ا" ،وأَّم ا رواية "مائة عام" فوهم من محمد بن بكير الحضرمي،
قال أبو حاتم الَّر ازي" :صدوق عندي ،يغلط أحياًنا" ،وقال أبو نعيم األصبهان . ." :وهو صاحب
غرائب" ،ووَّثقه غير واحد ،فلعَّل هذا مَّم ا غلط فيه والَّله أعلم.
انظر :تهذيب الكمال ( )545 - 544 /24وفتح الباري (.)270 /6
( )1أخرجه الترمذي برقم ( ،)1403وابن ماجه ( ،)2687والحاكم (= )138 /2
()1/331
قال" :وفي الباب عن أبي بكرة ،وحديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" (. )1
قال محمد بن عبد الواحد" :وإسناده عندي على شرط الصحيح" (. )2
قلُت :وقد رواُه الطبراني من حديث عيسى بن يونس عن عوف األعرابي عن محمد بن سيرين
عن أبي هريرة يرفعه" :من قتل نفًس ا ُمعاهدة بغير حقها لم يرح رائحة الجَّنة ،وإَّن ريح الجَّنة يوجد
من مسيرة مئة عام" (. )3
وقال الطبراني :حدثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن الحسن أو غيره
عن أبي بكرة رضي الَّله عنه قال :سمعُت رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -يقول" :ريُح الجَّنة
يوجُد من مسيرة مئة عام" (. )4
__________
= رقم ( .)2581قال الحاكم" :حديث أبي هريرة صحيح على شرط مسلم".
والحديث صححه الترمذي والحاكم والضياء المقدسي كما نقله المؤِّلف.
( )1وزاد "وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم."-
( )2انظر صفة الجَّنة له ص (.)147
( )3أخرجه الطبراني في األوسط ( )198 /1رقم (.)663
قال الطبراني" :لم يرو هذا الحديث عن عوف إاَّل عيسى".
-ورواُه محمد بن مهران الجمال عن عيسى بن يونس به نحوه.
أخرجه أبو بكر اإلسماعيلي في معجمه برقم ( ،)726 - 725 /2والسهمي في تاريخ جرجان
ص ( ،)323والطبراني في األوسط ( )65 - 64 /6رقم (.)8011
والحديث ظاهر سنده صحيح.
( )4أخرجه عبد الرزاق في المصنف ( /10رقم " ،)"19712وأحمد في المسند =
()1/332
.........................
__________
= ( ،)46 /5وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم ( )193وغيرهم.
-ورواُه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن أبي بكرة رفعه ،وفيه" :خمس مئة عام".
أخرجه الطبراني في األوسط رقم ( )2923وال يثبت.
-ورواه جماعة عن الحسن عن أبي بكرة نحوه ،وفيه "خمس مئة عام".
أخرجه عبد الرزاق ( ،)18522وابن حبان ( ،)7383والطبراني في األوسط ( ،)431وال يثبت
عن الحسن منها شيء.
-ورواه جماعة عن يونس عن الحسن عن أبي بكرة ،واضطربوا في لفظه.
أخرجه النسائي ( ،)8744وابن حبان ( 4881و ،)7382والحاكم ( )105 /1رقم (.)134
والصواب -في حديث يونس -ما رواه الحَّف اظ :كالثوري وابن ُعلَّية ويزيد بن زريع وغيرهم،
كلهم عن يونس بن عبيد عن الحكم بن األعرج عن األشعث بن ُثْر ملة عن أبي بكرة نحوه ،وفيه:
" . .حَّر م الَّله عليه الجنة".
أخرجه أحمد ( 36 /5و ،)38وابن حبان ( /11رقم ،)4882وابن أبي شيبة في مصنفه (
)27935والبخاري في تاريخه ( )428 /1وغيرهم.
قال البخاري عن هذا الطريق "أصح" يعني من طريق حماد بن سلمة.
وقال النسائي عن طريق حماد بن سلمة" :هذا خطأ ،والصواب حديث ابن ُعلَّية ." . . .وكذا
رَّج ح هذا الطريق الحافظ أبو علي النيسابوري.
-ورواُه حميد أبو المغيرة العجلي عن األشعث بن ُثْر ُملة به نحوه ،وفيه "حَّر م الَّله عليه ريح
الجَّنة".
أخرجه الدوالبي في الكنى واألسماء (.)126 /2
-ورواُه عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن عن أبيه عن أبي بكرة ،بنحوه.
أخرجه أحمد ( 36 /5و ،)38وأبو داود ( ،)2760والنسائي (.)24 /8
-ورواُه عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه نحوه ،وفيه "مائة عام" وفي رواية "خمس مئة عام".
()1/333
وهذه األلفاظ ال تعارض بينها بوجه.
وقد أخرجا في "الصحيحين" ( )1من حديث أنس قال :لم يشهد َعِّم ي مع رسول الَّله -صلى الَّله
عليه وسلم -بدًر ا ،قال :فشَّق عليه ،قال :أَّو ُل مشهٍد شهده رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم-
غبُت عنه ،فإْن أراني الَّلُه مشهًد ا فيما بعُد مع رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -ليريَّن الَّله ما
أصنُع ،قال :فهاَب أْن يقول غيرها ،قال :فشهد مع رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -يوَم
أحد ،قال فاستقبل سعد بن معاذ فقال له :أين؟ فقال :واًه ا لريح الجَّنة أجده دون ُأحد ،قال:
فقاتلهم حتى ُقِتَل ،قال :فوجد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية ،فقالت أخته
عَّم ة الُّر َبِّيع بنُت النضر :فما عرفُت أخي إاَّل بَبَنانه ،ونزلت هذه اآليةِ{ :م َن اْلُم ْؤ ِم ِنيَن ِر َج اٌل
َص َد ُقوا َما َعاَه ُد وا الَّلَه َعَلْيِه} [األحزاب .]23 :قالوا :فكانوا يرون أَّنها نزلت فيه وفي أصحابه.
وريح الجَّنة نوعان :ريٌح يوجد في الدنيا تشُّم ه األرواح أحياًنا وال تدركه العبارة ،وريح ُيدرك
بحاسة الشِّم لألبدان ،كما تشم روائح األزهار وغيرها ،وهذا يشترك أهل الجَّنة في إدراكه في
اآلخرة من قرب وُبعد ،وأَّما في الدنيا فقد يدركه من شاء الَّلُه من أنبيائه ورسله ،وهذا اَّلذي
وجدُه أنس بن النضر يجوز أْن يكون من هذا القسم ،وأْن يكون
__________
= أخرجه أحمد ( 50 /5و ،)51وفي سنده ضعف.
والحديث ثابٌت عن أبي بكرة ،لكن رواية "حَّر م الَّلُه عليه الجَّنة" أقوى وأصّح إسناًدا مَّم ن روى
"مئة عام" أو "خمس مئة عام" والَّله أعلم.
( )1أخرجه البخاري رقم ( ،)2651ومسلم رقم (.)1903
()1/334
()1/335
مجاهد عن عبد الَّله بن عمرو بن العاص رضي الَّله عنهما عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال:
"من اَّدعى إلى غير أبيه لم يرْح رائحة الجَّنة ،وإَّن ريحها ليوجد من مسيرة خمسين ( )1عاًما" (
. )2
وقد أشهد الَّلُه سبحانه عباده في هذه الَّدار آثاًر ا من أثار الجَّنة ،وأنموذًج ا منها من الرائحة
الطيبة ،واَّللذات الُم ْش تهاة ،والمناظر الَبهَّية ،والفاكهة الحسنة ،والنعيم والُّس رور ،وُقَّر ة العين.
وقد روى أبو ُنعيم من حديث األعمش عن أبي سفيان عن جابر رضي الَّله عنه قال :قال رسول
الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-يقول الَّلُه عَّز وجَّل للجَّنةِ :ط ْيبي ألهلك فتزداد طيًبا ،فذلك الَبْر د
اَّلذي يجده الَّناس بالَّس َح ِر من ذلك" (. )3
__________
( )1في "هـ" "خمسمائة" ،وعند الطيالسي "سبعين" بدل "خمسين".
( )2أخرجه الطيالسي في مسنده رقم ( ،)2388وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم ( )196وغيرهما
من هذا الطريق.
-ورواُه غندر ووهب بن جرير عن شعبة به مثله.
أخرجه أحمد ( 171 /2و )194وغيره.
ورواُه مروان بن معاوية عن الحسن بن عمرو عن مجاهد عن جنادة بن أبي أمية عن عبد الَّله بن
عمرو فذكره وفيه "مائة عام".
أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (.)198
والحديث سنده صحيح.
( )3أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم ( 20و ،)199والطبراني في الصغير ()64 - 63 /1
رقم (.)75
وقال" :لم يروه عن األعمش إاَّل عمرو بن عبد الغفار ،تفَّر د به يوسف بن =
()1/336
كما جعل سبحانه نار الدنيا وآالمها وغمومها وأحزانها ُمذِّك رًة ( )1بنار اآلخرة ،قال تعالى في
هذه الَّنارَ{ :نْح ُن َجَعْلَناَه ا َتْذ ِكَر ًة} [الواقعة.]73 :
وأخبر الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -أَّن شَّدة الحِّر والبرِد من أنفاس جهَّنم ( ، )2فال ُبَّد أْن
يشهد عباده أنفاس جنته ،وما يذكرهم بها ،والَّلُه المستعان.
__________
= موسى أبو غسان".
قال الهيثمي" :وفيه عمرو بن عبد الغفار وهو متروك".
انظر مجمع الزوائد (.)412 /10
( )1في "د" "تذكرة".
( )2أخرجه البخاري رقم ( ،)512ومسلم رقم ( )617من حديث أبي هريرة رضي الَّلُه عنه.
()1/337
الباب الثالث واألربعون في األذان اَّلذي يؤذن به مؤذن الجَّنة فيها
روى مسلٌم في "صحيحه" ( )1من حديث أبي سعيد الخدري رضي الَّله عنه وأبي هريرة رضي
الَّله عنه عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قالُ" :ينادي مناٍد :إَّن لكم أْن َتِص ُّح وا فال تسقموا
أبًد ا ،وإَّن لكم أْن تحيوا فال تموتوا أبًد ا ،وإَّن لكم أْن تشبوا فال تهرموا أبًد ا ،وإَّن لكم أْن تنعموا
فال تبأسوا أبًد ا ،وذلك قول الَّله عَّز وجَّلَ{ :و ُنوُدوا َأْن ِتْلُك ُم اْلَج َّنُة ُأوِر ْثُتُم وَه ا ِبَم ا ُك ْنُتْم َتْع َم ُلوَن (
[ })43األعراف.]43 :
وقال عثمان بن أبي شيبة :حدثنا يحيى بن آدم حدثنا حمزة الَّزَّيات ،عن أبي إسحاق عن األغر
ِت َّل َّل
عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي ال ه عنهما عن الَّنبي -صلى ال ه عليه وسلمَ{ :-و ُنوُدوا َأْن ْلُك ُم
اْلَج َّنُة ُأوِر ْثُتُم وَه ا ِبَم ا ُك ْنُتْم َتْع َم ُلوَن ( })43قال :نودوا أْن ِص ُّح وا فال تسقموا أبًد ا ،واخلدوا فال
تموتوا أبًد ا ،وأنعموا فال تبأسوا أبًد ا" (.)2
__________
( )1رقم (.)2837
( )2أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة ( )149 - 148 /2رقم ( )290من طريق عثمان بن أبي
شيبة به.
وأخرجه أحمد في المسند ( )38 /3وابن أبي حاتم في تفسيره ( )1480 /5رقم ()8477
والنسائي في تفسيره ( /1رقم )204من طريق عبيد ابن يعيش ثنا يحيى بن آدم به مثله.
-ورواُه عبد الرزاق وأبو سفيان المعمري عن الثوري عن أبي إسحاق به مثله.
أخرجه أحمد في المسند ( ،)95 /3ومسلم رقم ( ،)2837وأبو نعيم في =
()1/338
وفي "صحيح مسلم" ( )1من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن
صهيب رضي الَّله عنه أَّن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :إذا دخل أهل الجَّنة الجَّنة ،وأهل
الَّناِر الَّناَر ،نادى مناٍد ،يا أهل الجَّنة ،إَّن لكم عند الَّلِه موعًد ا ،فيقولون :ما هو؟ ألم ُيَثِّق ل موازيننا،
وُيبِّيض وجوهنا ،ويدخلنا الجَّنة ،وينِّج ينا من الَّناِر ؟ فيكشف الحجاب فينظرون إلى الَّلِه ،فوالَّلِه ما
أعطاهم الَّله شيًئا هو أحَّب إليهم من النظر إليه".
وقال عبد الَّله بن المبارك :حدثنا أبو بكر الهذلي ( ، )2أخبرني أبو تميمة الُهَج يمي ،قال :سمعُت
أبا موسى األشعري يخطب على منبر البصرة يقول :إَّن الَّلَه عَّز وجَّل يبعث يوم القيامة ملًك ا إلى
أهل الجَّنة،
__________
= صفة الجَّنة ( )148 /2رقم (.)290
وقد خولف عبد الرزاق:
-فرواُه ابن المبارك والفريابي وقبيصة عن الثوري عن أبي إسحاق بمثله موقوًفا.
أخرجه ابن المبارك في الزهد -رواية نعيم -رقم ( ،)428وهناد في الزهد رقم ( ،)175وأبو
نعيم في صفة الجَّنة ( )148 /2رقم ( )290وغيرهم.
-ورواُه شعبة عن أبي بكر بن حفص عن األغر به.
انظر أطراف المسند (.)136 /7
والحديث ثابٌت رفعه ،قال الَّدارقطني" :ورفعه صحيح" .انظر علل الَّدارقطني (- 240 /11
.)241
( )1رقم (.)181
( )2في جميع النسخ "األلهاني" وهو خطأ.
()1/339
فيقول :يا أهل الجَّنة ،هل أنجزكم الَّلُه ما وعدكم؟ فينظرون فيرون الُح لي والُح لل واألنهار،
واألزواج المطهرة ،فيقولون :نعم ،قد أنجز ما وعدنا ،قالوا ذلك ثالث مَّر اٍت ،فينظرون فال
ِل ِذ
يفتقدون شيًئا مَّم ا ( )1وعدوا ،فيقولون :نعم ،فيقول :قد بقي شيء ،إَّن الَّلَه يقولَّ { :ل يَن
َأْح َس ُنوا اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة} [يونس :]26 :أاَل إَّن الحسنى :الجَّنة ،والزيادة :النظر إلى وجه الَّلِه" (
. )2
وفي "الصحيحين" ( )3من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الَّله عنه -قال :قال رسول الَّله -
صلى الَّله عليه وسلم" :-إن الَّله عز وجل يقول ألهل الجنة :يا أهل الجنة ،فيقولون :لبيك ربنا
وسعديك ،فيقول :هل رضيتم؟
__________
( )1في "أ ،ج" "كما".
( )2أخرجه ابن المبارك في الزهد -رواية نعيم -رقم ( ،)419والطبري في تفسيره (/11
،)105والَّدارقطني في الرؤية رقم ( ،)46والبيهقي في البعث رقم (.)492
ورواُه وكيع والنضر بن شميل وشبابه وغيرهم كلهم عن أبي بكر الهذلي به نحوه بعضهم
اختصره.
أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( ،)351والَّدارقطني في الرؤية رقم ( ،)45 ،44وهناد
في الزهد رقم ( )169وغيرهم.
واألثر مداره على أبي بكر الهذلي وهو أخباري متروك الحديث .انظر التقريب رقم (.)8002
-ورواُه أبان بن أبي عياش عن أبي تميمة عن أبي موسى بنحوه.
أخرجه الطبري ( ،)105 /11والَّدارقطني في الرؤية رقم (.)43
وفيه أبان بن أبي عياش وهو متروك الحديث ،انظر التقريب رقم (.)142
( )3أخرجه البخاري رقم ( ،)6183ومسلم رقم (.)2829
()1/340
فيقولون :وما لنا ال نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحًد ا من خلقك ،فيقول :أنا أعطيكم أفضل من
ذلك ،قالوا :ربنا وأي شيء أفضل من ذلك؟ قالُ :أِح ُّل عليكم رضواني فال أسخط عليكم أبًد ا".
ومن تراجم البخاري عليه :باٌب :كالُم الرِّب مع أهل الجنة (. )1
وسيأتي في هذا أحاديث نذكرها في باب معقود لذلك إن شاء الَّله تعالى (. )2
وفي "الصحيحين" ( )3من حديث نافع عن ابن عمر -رضي الَّله عنه -أَّن رسول الَّله -صلى الَّله
عليه وسلم -قال" :يدخل الَّله أهل الجنة الجنة ،وأهل النار النار ،ثم يقوم مؤذن بينهم فيقول :يا
أهل الجنة ال موت ،ويا أهل النار ال موت ،كٌّل خالٌد فيما هو فيه".
وهذا األذان وإن كان بين الجنة والنار فهو يبلغ جميع أهل الجنة والنار ،ولهم نداء آخر يوم
زيارتهم ربهم تبارك وتعالى ،يرسل إليهم ملًك ا ،فيؤذن فيهم بذلك فيسارعون إلى الزيارة ،كما
يؤذن مؤذن الجمعة إليها ،وذلك في مقدار يوم الجمعة ،كما سيأتي مبيًنا في باب :زيارتهم الرب
عز وجل ( )4إن شاء الَّله تعالى ،والَّله أعلم.
__________
( )1في كتاب التوحيد ( )2732 /6رقم (.)7080
( )2انظر الباب ( )66ص (،)715
( )3البخاري رقم ( ،)6178ومسلم رقم (.)2850
( )4انظر الباب ( )61ص (.)576
()1/341
()1/342
الُح َّج ة الثانية :قال ابن أبي داود :حدثنا موسى بن مصَّف ى ( ، )1حدثنا محمد بن المبارك حدثنا
يحيى بن حمزة حدثني ثور بن يزيد حدثني حبيب بن ُعَبيد عن ُعْتبة بن عبٍد السلمي رضي الَّله
عنه قال :كنُت جالًس ا مع رسول الَّله ،فجاء أعرابي فقال :يا رسول الَّله ،أسمعك تذكر في الجَّنة
شجرة ( )2ال أعلُم شجرة أكثَر شوًك ا منها -يعني الطلح -فقال رسول الَّله -صلى الَّله عليه
وسلم" :-إَّن الَّلَه يجعل مكان كَّل شوكٍة منها ثمرًة مثل َخ ْص وِة الَّتْيِس الملبود ،فيها سبعون لوًنا
من الطعاِم ،ال ُيْش ِبُه لوٌن آَخ َر " (" . )3الملبود" :اَّلذي قد اجتمع شعره بعضه على بعض.
وقال عبد الَّله بن المبارك :أخبرنا صفوان بن عمرو عن ُس َليم بن عامر قال :كان أصحاب رسول
الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -يقولون :إَّن الَّلَه لينفعنا باألعراب ومسائلهم ،أقبل أعرابي يوًما،
فقال :يا رسول الَّله ،ذكر الَّله في الجَّنة شجرًة مؤذيًة ،وما كنُت أرى في الجَّنة شجرًة ُتوذي
صاحبها ،قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم :-وما هي؟ قال :الِّسْد ُر ،فإَّن له شوًك ا مؤذًيا،
قال :أليس الَّله يقولِ{ :في ِس ْد ٍر َمْخُضوٍد ([ } )28الواقعة]28 :؟! َخَضَد الَّلُه شوكه
__________
( )1في "أ"" :معَّلى" وهو خطأ.
( )2من "هـ" ،ونسخة على حاشية "أ".
( )3أخرجه ابن أبي داود في البعث رقم (.)69
-ورواُه أبو مسهر وابن المبارك كالهما عن يحيى بن حمزة به نحوه.
أخرجه الطبراني في الكبير ( )130 /17رقم ( ،)318وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (،)347
وفي الحلية (.)103 /6
والحديث صحيح اإلسناد ،وقد تقدم من طريق آخر عن عتبة بن عبٍد السلمي (ص.)273 /
()1/343
()1/344
وكذلك قول من قال :المخضود اَّلذي ال َيْع ِق ر اليد ،وال يرد اليد منه شوك وال أذى فيه ،فَّس ره
بالزم المعنى ،وهكذا غالب المفسرين يذكرون الزم المعنى المقصود تارة ،وفرًدا من أفراده
تارة ،ومثااًل من أمثلته فيحكيها الجَّم اعون للغِّث والَّس مين أقوااًل مختلفة ،وال اختالف بينها.
فصل
وأَّما الَّطلُح :فأكثر المفسرين قالوا :إَّنه شجر الموز.
قال مجاهد" :أعجبهم طلح َو ٍّج وُحْس نه ،فقيل لهمَ{ :و َطْلٍح َم ْنُضوٍد (.)1( " })29
وهذا قول علي بن أبي طالب ،وابن عَّباس ،وأبي هريرة ،وأبي سعيد الخدري رضي الَّلُه عنهم (
.)2
وقالت طائفة أخرى" :بل هو شجٌر عظاٌم طواٌل ،وهو من شجر البوادي الكثير الشوك عند
العرب .قال َح اديهم:
__________
( )1أخرجه الطبري في تفسيره ( 181 /27و ،)182والبيهقي في البعث والنشور رقم (
.)304
وسنده صحيح.
( )2انظر :تفسير عبد الرزاق ( )218 /2رقم ( 3126و ،)3128والزهد لهناد بن السري رقم
( 111 /1و ،)112وصفة الجَّنة البن أبي الدنيا رقم ( ،)64وتفسير الطبري (،)181 /27
والبعث للبيهقي رقم ( ،)308 ،306 ،305وتفسير ابن كثير (.)309 /4
()1/345
()1/346
()1/347
وقال اإلمام أحمد :حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا شعبة عن أبي الَّضَّح اك سمعُت أبا هريرة
رضي الَّله عنه يقول :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-إَّن في الجَّنة شجرًة يسير
الَّر اكُب في ظِّلها سبعين أو مئة سنة ،هي شجرة الخلد" (. )1
وقال وكيع :حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن زياد مولى بني مخزوم عن أبي هريرة رضي الَّله
عنه" :إَّن في الجَّنة شجرًة يسيُر الَّر اكُب في ظلها مئة عام اقرؤوا إْن شئتم {َو ِظ ٍّل َمْم ُد وٍد (} )30
[الواقعة ." ]30 :فبلغ ذلك كعًبا فقال :صدق ،واَّلذي أنزل التوراة على لسان موسى،
__________
( )1أخرجه أحمد في المسند ( ،)462 /2والطبري في تفسيره ( ،)183 /27وأبو نعيم في
صفة الجَّنة ( )244 /2رقم (.)403
ورواُه غندر وحجاج والطيالسي وعبد الصمد وسعيد بن الربيع وغيرهم كلهم عن شعبة به نحوه.
أخرجه أحمد ( ،)455 /2والطيالسي في مسنده رقم ( ،)2670وعبد بن حميد في مسنده
"المنتخب" رقم ( )1445والدارمي رقم ( ،)2881وابن أبي الدنيا رقم ( 43و )63وغيرهم.
والحديث مداره على أبي الضحاك ،قال أبو حاتم" :ال أعلم روى عنه غير شعبة" .وقال الذهبي:
"ال ُيعرف." . . .
والحديث فيه نكارة ،وهو لفظة "شجرة الخلد":
فإَّن الحديث رواُه عن أبي هريرة جماعة :كالمقبري واألعرج ومحمد بن زياد وعبد الرحمن بن
أبي عمرة وغيرهم كلهم عن أبي هريرة ،ليس فيه "شجرة الخلد".
وكذلك رواه أنس بن مالك وأبو سعيد الخدري وسهل بن سعد ،وليس فيه "شجرة الخلد".
وهذا يدل على ضعف حديث أبي الضحاك هذا ،والَّلُه أعلم.
()1/348
والفرقان على لسان محمد -صلى الَّله عليه وسلم -لو أَّن رجاًل ركب جذعًة أو جذًعا ،ثَّم دار
بأصل تلك الشجرة ما بلغها حتى يسقط هرًم ا ،إَّن الَّله غرسها بيده ،ونفخ فيها من روحه (، )1
وإَّن أفنانها من وراء سور الجَّنة ،ما في الجَّنة نهٌر إاَّل وهو يخرج ( )2من أصل تلك الشجرة" (
. )3
وقال ابن أبي الدنيا :حدثني إبراهيم بن سعيد الجوهري ،حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا زمعة ()4
بن صالح عن سلمة بن َو ْه َر ام عن عكرمة عن ابن عباس رضي الَّله عنهما قال" :الِّظُّل الممدود:
شجرٌة في الجَّنة على ساٍق ،قدر ما يسير الَّر اكب الُم ِج ُّد في ظلها مئة عام في كَّل نواحيها،
فيخرج إليها أهل الجَّنة :أهل الغرف وغيرهم فَيَتحَّدثون في ظلها ،قال :فيشتهي بعضهم ويذكر
لهو الدنيا ،فيرسل الَّله ريًح ا من
__________
( )1قوله "من روحه" لفظ ابن المبارك وعبدة كما سيأتي ،وليست في الُّنَس خ.
( )2في "ب" ونسخٍة على حاشية "أ" "يجري" ،وهي ليست في مصادر التخريج.
( )3أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)44
ورواُه ابن المبارك وجرير وعبدة وغيرهم ،كلهم عن إسماعيل بن أبي خالد به نحوه.
أخرجه ابن أبي الدنيا رقم ( ،)44وابن المبارك في الزهد -رواية ُنعيم -رقم ( ،)267وهَّناد في
الزهد رقم ( )114وغيرهم.
والحديث مداره عن زياد مولى بني مخزوم قال ابن معين" :ال شيء" الجرح والتعديل (/3
.)549
-ورواُه ابن إسحاق عن زياد مولى بني مخزوم عن كعب أَّنه قال" :غرسها الَّلُه بيده . . .من
وراء سور الجَّنة".
أخرجه عبد الملك بن حبيب في وصف الفردوس رقم (.)91
( )4في "د"" :زعمة" وهو خطأ.
()1/349
الجَّنة فتحِّر ك تلك الشجرة بكل لهٍو كان في الدنيا" (. )1
وفي "جامع الترمذي" من حديث أبي حازم عن أبي هريرة قال :قال رسول الَّلِه -صلى الَّله عليه
وسلم" :-ما في الجَّنة شجرة إاَّل وساقها من ذهب" (. )2
قال" :هذا حديث حسن" (. )3
__________
( )1أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)45
ورواه الكديمي والحسن بن أبي الربيع كالهما عن أبي عامر العقدي به مثله.
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره كما عند ابن كثير ( ،)310 /4وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (
.)404
قال ابن كثير" :هذا أثٌر غريب ،وإسناده جيد قوي حسن".
قلُت :فيه زمعة بن صالح :ضعيف ،انظر :تهذيب الكمال (.)389 - 386 /9
وأيًض ا رواية زمعة عن سلمة منكرة ،ولهذا قال ابن حبان -في سلمة بن وهرام" -يعتبر بحديثه
من غير رواية زمعة بن صالح عنه".
انظر :تهذيب الكمال (.)329 - 328 /11
( )2أخرجه الترمذي برقم ( ،)2524وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( ،)48وابن أبي داود
في البعث رقم ( ،)65وابن حبان في صحيحه ( /16رقم )7410وغيرهم.
من طريق زياد بن الحسن بن الفرات عن أبيه عن جِّده عن أبي حازم عن أبي هريرة فذكره بمثله.
والحديث مداره على زياد بن الحسن هذا ،قال فيه أبو حاتم الَّر ازي" :منكر الحديث" ،وقال فيه
الدارقطني" :ال بأس به ،وال يحتج به".
انظر :تهذيب الكمال ( ،)453 /9والجرح والتعديل (.)530 - 329 /3
( )3كذا في جميع النسخ ،وفي تحفة األشراف للمزي ( )87 /10وقال" :حسن =
()1/350
وعن أبي هريرة رضي الَّله عنه قال :قال رسول الَّلِه -صلى الَّله عليه وسلم" :-يقول الَّلُه:
أعددُت لعبادي الصالحين ما ال عيٌن رأْت ،وال أذٌن سمعت ،وال خطر على قلب بشر ،اقرؤوا إْن
شئتمَ{ :فاَل َتْع َلُم َنْف ٌس َم ا ُأْخ ِف َي َلُه ْم ِم ْن ُقَّر ِة َأْع ُيٍن َجَز اًء ِبَم ا َك اُنوا َيْع َم ُلوَن ([ } )17السجدة:
،]17وفي الجَّنة شجرة يسير الَّر اكُب في ظلها مئة عاٍم ال يقطعها ،واقرؤوا إْن شئتمَ{ :و ِظ ٍّل
َمْم ُد وٍد ([ } )30الواقعة ،]30 :وموضع سوط من الجَّنة خيٌر من الدنيا وما فيها ،واقرؤوا إْن
شئتمَ{ :فَمْن ُز ْح ِز َح َعِن الَّناِر َو ُأْد ِخ َل اْلَج َّنَة َفَق ْد َفاَز } [آل عمران. )1( " ]185 :
رواُه بهذا اللفظ والِّس ياق الترمذي والنسائي وابن ماجه ،وَص ْد ُر ُه
__________
= غريب".
( )1أخرجه الترمذي برقم ( )3292مطَّو اًل ،وبرقم ( )3013مختصًر ا ،والنسائي في الكبرى (
)318 - 317 /6رقم ( ،)11085وابن ماجه برقم ( ،)4335وأحمد في المسند ()438 /2
مطَّو اًل ،وابن حبان في صحيحه ( /16رقم ،)7417والحاكم ( )327 /2رقم ()3170
مختصًر ا على جملة "موضع السوط" ،والبغوي في شرح السنة ( )210 - 209 /15رقم (
)4372مطَّو اًل ،وغيرهم.
من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة فذكره مطَّو اًل ،واختصره بعضهم.
قال الترمذي" :حسن صحيح".
وقال الحاكم" :صحيح على شرط مسلم ،ولم يخرجاه".
وقال البغوي" :حديث صحيح".
وأصل الجملتين األولتين في الصحيحين وغيرهما ،والجملة الثالثة عند أحمد (.)315 /2
()1/351
()1/352
وقد رواه عنه حْر َم َلة بزيادة ( ، )1فقال :أخبرني ابن وهب ،أخبرني عمرو أَّن دَّر اًج ا حدثه أَّن أبا
الهيثم حدثه ،عن أبي سعيد رضي الَّله عنه أَّن رجاًل قال :يا رسول الَّلِه ،طوَبى لمن رآَك وآمن
بَك ؟ فقالُ :طوبى لمن رآني وآمن بي ،ثَّم طوبى ،ثَّم طوبى ،ثَّم طوبى لمن آمن بي ولم يرني،
فقال رجٌل :يا رسول الَّلِه ،ما طوبى؟ قال :شجرة في الجَّنة مسيرة مئة سنة ،ثياب أهل الجَّنة
تخرج من أكمامها".
قلُت :وأَّو ل هذا الحديث في "المسند" ولفظه" :طوبى لمن رآني وآمن بي ،وُطوبى لمن آمن بي
ولم يرني سبع مَّر اٍت " (. )2
__________
( )1في نسخٍة على حاشية "أ" "بن زيادة" وهو خطأ.
( )2أخرجه أحمد في المسند ( 248 /5و 257و ،)264والبخاري في تاريخه (،)27 /2
وابن حبان في صحيحه ( /16رقم ،)7233والطبراني في الكبير ( /7رقم .)8009
عن عفان ويزيد بن هارون وعبد الصمد وموسى بن داود وعبيد الَّله بن موسى وموسى بن
إسماعيل وسهيل بن بَّك ار كلهم عن همام بن يحيى العوذي عن قتادة عن أيمن بن مالك األشعري
عن أبي ُأمامة الباهلي فذكره.
-ورواُه أبو عامر العقدي عن همام عن قتادة عن أيمن عن أبي هريرة فذكره مثله.
أخرجه ابن حبان في صحيحه ( /16رقم .)7232
وهذا خطأ ووهم ،واَّدعى ابن حبان أَّن أيمن األشعري سمعه من أبي ُأمامة وأبي هريرة ،وفيه نظر،
فقد قال البخاري" :ولم يذكر قتادة سماعه من أيمن ،وال أيمن من أبي ُأمامة".
-ورواُه هدبة بن خالد عن همام وحماد بن الجعد عن قتادة عن أيمن عن أبي أمامة فذكره.
أخرجه أحمد ( )248 /5وغيره.
والحديث كما قال البخاري ،وأيًض ا أيمن مجهول ،لم يرو عنه إاَّل قتادة.
()1/353
وقال ابن المبارك :حدثنا سفيان عن حَّم اد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الَّله عنهما قال:
"نخُل الجَّنة جذوعها من ُز مرد أخضر ،وكربها ذهٌب أحمر ،وسعفها كسوة ألهل الجَّنة ،منها
ُمقَّطعاتهم وحللهم ( ، )1وثمرها أمثال الِق الِل والِّدالِء ،أشُّد بياًض ا من اَّللبن ،وأحلى من العسِل ،
وأليُن من الُّز ْبد ،ليس فيه َعَجٌم" (. )2
__________
( )1في "أ ،ج"" :وحالهم" ،والمثبت من باقي النسخ ،والزهد البن المبارك.
( )2أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)51
ورواُه عبد الرحمن بن مهدي ووكيع وقبيصة والحسين بن حفص وغيرهم عن سفيان به نحوه.
أخرجه ابن الصاعد في زوائده على الزهد البن المبارك رقم ( ،)1488وهناد في الزهد رقم (
99و ،)102وابن أبي شيبة في المصنف ( /7رقم ،)33950والبيهقي في البعث رقم ()311
وغيرهم.
-ورواه مسعر بن كدام عن حماد به بلفظ "نخل الجَّنة خشبها ذهٌب أحمر ،وكربها زمرد
أخضر." . . .
أخرجه أبو الشيخ في العظمة رقم ( ،)574والسرقسطي في الدالئل كما في حاشية النسخة "د"
( 104ق).
-وخالفهما محمد بن جابر بن سيار "وهو يخطئ على حماد" فرواُه عن حماد به فرفعه.
أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (.)406
أخطأ فيه ابن سيار فإَّن له مناكير عن حماد وهذا منها.
والصحيح موقوف ،لكن مداره على حماد بن أبي سليمان ،وفي حفظه مقال؛ لكنه هنا حفظه.
فقد توبع :تابعه أشعث بن أبي الشعثاء عن حماد به مثله موقوًفا وفيه زيادة= .
()1/354
وقال اإلمام أحمد :حدثنا علي بن بحر ،حدثنا هشام بن يوسف حدثنا معمر عن يحيى بن أبي
كثير عن عامر بن زيد البكالي أَّنه سمع عتبة بن عبد السلمي رضي الَّله عنه يقول :جاء أعرابي
إلى الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -فسأله عن الحوض ،وذكر الجَّنة ،ثَّم قال األعرابي :فيها
فاكهة ،قال :نعم ،وفيها شجرٌة ُتْد َعى ُطوبى ،فذكر شيًئا ال أدري ما هو؟ فقال :إَّن ( )1شجر
أرضنا تشبهه ،قال :ليست تشبه شيًئا من شجر أرضك ( ، )2فقال الَّنبي -صلى الَّله عليه
وسلم :-أتيت الشام؟ قال :ال ،قال :تشبه شجرة بالشام ُتدعى الَجْو زة ،تنبُت على ساق واحٍد ،
وينفرُش أعالها ،قال :ما ِع َظُم أصلها؟ قال :لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك ما أحاطْت بأصلها
حتى تنكسر ترقوتها هرًم ا ،قال :فيها عنٌب ؟ قال :نعم ،قال :فما ِع َظُم العنقود؟ قال :مسيرة شهر
للغراب األبقع ال يفتر ،قال :فما ِع َظُم الَح َّبة؟ قال :هل ذبح أبوك تيًس ا -من غنمه قُّط -عظيًم ا؟
قال:
__________
= أخرجه السلمي في وصف الفردوس رقم (.)97
وعليه فاألثر ثابٌت ،وقد جَّو ده المنذري.
-وقد ثبت عن الحسن البصري أَّنه قال" :نخل الجَّنة جذوعها ذهب ،وكرمها زمرد وياقوت،
وسعفها ُح َلل ،يخرج الرطب أمثال القالل ،أحلى من العسل ،وأبيض من اللبن".
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ( /7رقم )34101بسند صحيح عنه.
تنبيه :قال ناسخ "د" في الحاشية" :هذا األثر رواُه قاسم بن ثابت في كتاب الدالئل على غير هذه
الصورة -فذكره -ثَّم قال :كرب الجَّنة :أصل منابت السعف ،وذلك العريض .والعجم :النوى،
واحدها :عجمة." . . .
( )1في "ب ،هـ"" :أي" استفهامية.
( )2في نسخٍة على حاشية "أ" "أرضكم".
()1/355
نعم ،قال :فسلخ أهابه فأعطاُه أَّمك ،فقال :اتخذي لنا منه دلًو ا؟ قال :نعم ،قال األعرابي :فإَّن
تلك الحَّبة لتشبعني وأهل بيتي ،قال :نعم ،وعامة عشيرتك" (. )1
وقال أبو يعلى الموصلي في "مسنده" :حدثنا عبد الرحمن بن صالح حدثنا يونس بن ُبَك ير عن
محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الَّله ابن الزبير عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر رضي
َّل َّلِه َّل
ال ه عنهما قالت :سمعت رسول ال -صلى ال ه عليه وسلم ،-وذكر سدرة المنتهى فقال" :يسيُر
في ظِّل الَف َنِن منها الَّر اكُب مئة سنة ،أو قال :يستظُل في الَف َنِن منها مئة راكب ،فيها فراش الذهب
كأَّن ثمرها القالُل " (. )2
ورواُه الترمذي وقال" :شك يحيى ،وهو حديث حسن غريب".
وقال عبد الَّله بن المبارك :أنبأنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن
__________
( )1أخرجه أحمد في المسند ( ،)184 - 183 /4وقد تقدم الكالم عليه في باب ( )32و (
)44ص (.)343 ,274 - 273
( )2أخرجه أبو يعلى في مسنده الكبير وليس المطبوع ،والترمذي برقم ( ،)2541وهناد في
الزهد رقم ( ،)115والطبري في تفسيره ( ،)55 - 54 /27والطبراني في الكبير (- 87 /24
)88رقم ( ،)234وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم ( ،)435والحاكم في المستدرك ()510 /2
رقم (.)3748
قال الترمذي" :هذا حديث حسن غريب".
وقال الحاكم" :هذا حديث صحيح على شرط مسلم".
والحديث سنده حسن ،وقد صَّر ح ابن إسحاق بالسماع من يحيى ،كما عند هَّناد في الزهد.
()1/356
مجاهد قال" :أرُض ( )1الجَّنة من ورق ،وترابها مسك ،وأصول أشجارها ذهٌب وَو رق ،وأفنانها
لؤلؤ وزبرجد وياقوت ،والورق والثمر تحَت ذلك ،فمن أَك ل قائًم ا لم يؤذِه ،ومن أكل جالًس ا لم
يؤذه ،ومن أكل مضطجًعا لم يؤذهَ{ ،و ُذِّلَلْت ُقُطوُفَه ا َتْذ ِلياًل ([ } )14اإلنسان. )2( ]14 :
وقال أبو معاوية :حدثنا األعمش عن أبي ظبيان عن جرير بن عبد الَّله رضي الَّله عنه قال :نزلنا
الَّصفاح ،فإذا رجٌل نائم تحَت شجرة قد كادِت الشمُس أْن تبلغه ،قال :فقلُت للغالم :انطلق بهذا
الِّنطع فأظله ،قال :فانطلق فأظَّلُه ،فلما استيقَظ إذا هو سلمان فأتيته ُأسِّلُم عليه ( ، )3فقال :يا
جريُر ،تواضع لَّله ،فإَّنُه من تواضع لَّله في الدنيا رفعه الَّلُه يوم القيامة ،يا جرير ،هل تدري ما
الظلماُت يوم القيامة؟ قلُت :ال أدري ،قال :ظلُم الَّناِس بينهم ،ثَّم أخذ عويًد ا ،ال أكاُد أراُه بين
َّلِه
أصبعيه ،فقال :يا جرير ،لو طلبت في الجنة مثل هذا لم تجده ،قلُت :يا أبا عبد ال ،فأيَن النخُل
والشجُر ؟ قال :أصولها اللؤلؤ والذهُب وأعالها الثمر" (. )4
__________
( )1في الزهد البن المبارك "إَّن أرض".
( )2تقدم الكالم عليه في الباب ( )34ص (.)286
( )3قوله" :أسلم عليه" ليس في "ب ،د".
( )4أخرجه أحمد في الزهد رقم ( )810مختصًر ا ،وهناد في الزهد رقم ( ،)98والبيهقي في
البعث رقم ( )316وغيرهم.
-ورواُه وكيع وابن نمير عن األعمش به نحوه.
أخرجه وكيع في الزهد رقم ( ،)215والبيهقي في البعث رقم ( ،)317وأحمد في الزهد (
.)810
وسنده صحيح.
()1/357
()1/358
()1/359
الحَّج ة الثالثة :قولهَ{ :و ُأُتوا ِبِه ُمَتَش اِبًه ا} [البقرة ]25 :وهذا كالتعليل والسبب ( )1الموجب
لقولهمَ{ :قاُلوا َه َذ ا اَّلِذ ي ُر ِز ْقَنا ِم ْن َقْبُل} [البقرة.]25 :
الحجة الرابعة :أَّن من المعلوم أَّنه ليس كل ما في الجَّنة من الثمار قد رزقوه في الدنيا ،وكثير من
أهلها ال يعرفون ثمار ( )2الدنيا وال رأوها.
ورجحت طائفة منهم :ابن جرير وغيره القول اآلخر ،واحتَّج ت بوجوه.
قال ابن جرير" :واَّلذي يحقق صحة قول القائلين :إَّن معنى ذلك {َه َذ ا اَّلِذ ي ُر ِز ْقَنا ِم ْن َقْبُل}
[البقرة ]25 :في الدنيا ،أَّن الَّلَه جَّل ثناؤه قالُ{ :ك َّلَم ا ُر ِز ُقوا ِم ْنَه ا ِم ْن َثَمَر ٍة ِر ْز ًقا} [البقرة]25 :
يقولونَ{ :ه َذ ا اَّلِذ ي ُر ِز ْقَنا ِم ْن َقْبُل} [البقرة ]25 :ولم ُيَخ ِّص ص أَّن ذلك من ِقْيلهم في بعٍض دون
بعض ( ، )3فإْن كان قد أخبر جَّل ذكره عنهم أَّن ذلك من قيلهم كلما رزقوا ثمرة ،فال شَّك أَّن
ذلك من قيلهم في أَّو ل رزٍق ُر ِز ُقْو ُه من ثمارها ُأُتوا به بعد دخولهم الجَّنة ،واستقرارهم فيها،
اَّلذي لم يتقدمه عندهم من ثمارها ثمرة ،فإذ ( )4كان ال شك أَّن ذلك من قيلهم
__________
( )1في "أ ،جـ ،هـ"" :والمسَّبب".
( )2في "ب"" :أثمار".
( )3قوله "دون بعض" سقط من "ج".
( )4في "هـ"" :فإذا".
()1/360
في أَّو له ،كما هو من قيلهم في أوسطه ( ، )1وما يتلوه؛ فمعلوم أَّنه محال أْن يقولوا ألَّو ل رزق
رزقوه من ثمار الجَّنة :هذا اَّلذي رزقنا من قبل هذا من ثمار الجَّنة ،وكيف يجوز أْن يقولوا ألَّو ل
رزق رزقوه ( )2من ثمارها ولَّم ا يتقدمه عندهم غيره منها :هذا ( )3اَّلذي رزقناه قبل ( ، )4إاَّل
أْن ينسبهم ذو َغَّيٍة وضالٍل إلى قيل الكذب ،اَّلذي قد طَّهرهم الَّلُه منه ،أو يدفَع دافٌع أْن يكون
ذلك من ِقْيلهم ألَّو ل رزٍق يرزقونه من ثمارها ،فيدفع صحة ما أوجب الَّلُه صحته من غير نصب
داللٍة على أَّن ذلك في حال من أحوالهم دون حال ،فقد تبين أَّن معنى اآلية :كلما رزقوا ( )5من
ثمرة من ثمار الجَّنة في الجَّنة رزًقا ،قالوا :هذا اَّلذي رزقنا من قبل هذا في الدنيا" (. )6
قلُت :أصحاب القول األول يخُّص ون هذا العام بما عدا الرزق األَّو ل ،لداللة العقل والسياق عليه،
وليس هذا ببدع من طريقة القرآن ،وأنت مضطر إلى تخصيصه وال بد بأنواع من التخصيصات:
أحدها :أَّن كثيًر ا من ثمار الجَّنة وهي التي ال نظير لها في الدنيا ،ال
__________
( )1من "ب" :والطبري ،وفي باقي النسخ "وسطه".
( )2سقط من "ب ،ج".
( )3في "ج ،د ،هـ"" :هذا هو".
( )4في الطبري "من قبل".
( )5في "ب"" :رزقوا منها من ثمرة ،" . . .وفي الطبري "كلما رزق اَّلذين آمنوا وعملوا
الصالحات من ثمرة من ثمار." . . .
( )6انظر :تفسير الطبري (.)388 - 386 /1
()1/361
()1/362
فقال الحسن" :خياٌر كله ال َر ْذل فيه ،ألم ( )1تروا إلى ثمر الدنيا كيف يسترذلون بعضه ،وأَّن
ذلك ليس فيه رذل" (. )2
وقال قتادة" :خياٌر ال َر ْذَل فيه ،وإَّن ثمار الدنيا ينفى ( )3منها ،ويرذل منها" (." )4
وكذلك قال ابن جريج وجماعة (. )5
وعلى هذا ،فالمراد بالُم َتَش ابه الُم َتواِفق والُم َتماِثل.
وقالت طائفة أخرى :منهم ابن مسعود ،وابن عباس ،وناس من أصحاب رسول الَّله -صلى الَّله
عليه وسلم" :-متشابًه ا في اَّللون والمرأى ،وليس ُيْش ِبُه الطعُم الطعَم " (. )6
قال مجاهد" :متشابًه ا لونه مختلًف ا طعمه" ( ، )7وكذلك قال الربيع ابن أنس ( ، )8وقال يحيى
بن أبي كثير" :عشب الجَّنة الزعفران،
__________
( )1في "ب"" :أال".
( )2أخرجه الطبري في تفسيره ( )389 /1رقم ( ،)520وسنده صحيح.
( )3عند الطبري" :ينقى".
( )4أخرجه الطبري في تفسيره ( )390 - 389 /1رقم ( )522وسنده صحيح.
( )5أخرجه الطبري في تفسيره ( )390 /1رقم ( )523عن ابن جريج.
وسنده صحيح.
( )6أخرجه الطبري في تفسيره ( )390 /1رقم ( )524وسنده ضعيف.
قال ابن كثير" :هذا اإلسناد يروى به الُّس ِّدي أشياء فيها غرابة".
انظر :اإلتقان للسيوطي (.)534 /2
( )7أخرجه الطبري ( )390 /1رقم ( )528 ،525وغيره ،وهو صحيح عنه.
( )8أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ص ( )9البقرة ،والطبري في تفسيره =
()1/363
وكثبانها المسك ،ويطوف عليهم الولدان بالفاكهة ،فيأكلونها ،ثَّم يأتونهم بمثلها فيقولون :هذا
اَّلذي جئتمونا به آنًف ا ،فيقول لهم الخدم ( : )1كلوا فإَّن اللون واحد ،والطعم ( )2مختلف ،فهو
قوله عَّز وجلُ{ :ك َّلَم ا ُر ِز ُقوا ِم ْنَه ا ِم ْن َثَمَر ٍة ِر ْز ًقا َقاُلوا َه َذ ا اَّلِذ ي ُر ِز ْقَنا ِم ْن َقْبُل َو ُأُتوا ِبِه ُمَتَش اِبًه ا}
[البقرة. )3( " ]25 :
وقال طائفة :معنى اآلية :أَّنه يشبه ثمر الدنيا ،غيَر أَّن ثمر الجَّنة أفضل وأطيب .قال ابن وهب:
قال عبد الرحمن بن زيد :يعرفون أسماءه كما كانوا في الدنيا :التفاح بالتفاح ،والرمان بالرمان (
، )4قالوا في الجَّنة :هذا اَّلذي رزقنا من قبل ،وُأتوا به متشابًه ا :يعرفونه ،وليس هو مثله في
الطعم" (. )5
واختار ابن جرير هذا القول ،قال" :وقد دَّللنا على فساد قول من قال :إَّن معنى اآليةَ{ :ه َذ ا اَّلِذ ي
ُر ِز ْقَنا ِم ْن َقْبُل} [البقرة ]25 :أي :في
__________
= ( )39 /1رقم (.)527
وسنده حسن.
( )1عند ابن أبي حاتم "الولدان".
( )2في "ج"" :والمطعم".
( )3أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره رقم ( ،)262وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم ( .)353وسنده
صحيح .وأخرجه الطبري ( )387 /1رقم ( )518بغير هذا اللفظ ،وفيه ضعف.
( )4في "ب"" :التفاح والرمان" بداًل من "التفاح بالتفاح ،والرمان بالرمان".
( )5أخرجه الطبري في تفسيره ( )392 /1رقم ( ،)536وسنده صحيح.
()1/364
الجَّنة ،وتلك الداللة على فساد ذلك القول ( ، )1هي الداللة على فساد قول من خالف قولنا في
تأويل قولهَ{ :و ُأُتوا ِبِه ُمَتَش اِبًه ا} [البقرة ]25 :ألَّن ( )2الَّلَه سبحانه وتعالى أخبر عن المعنى اَّلذي
من أجله قال القوم {َه َذ ا اَّلِذ ي ُر ِز ْقَنا ِم ْن َقْبُل} بقوله (َ{ )3و ُأُتوا ِبِه ُمَتَش اِبًه ا}.
قلُت :وهذا ال يدل على فساد قولهم لما تقدم.
وقال تعالىَّ { :ناِت َعْد ٍن َف َّت ًة َل اَأْل ا (َّ )50تِكِئي ِفي ا ْد ُعوَن ِفي ا ِبَف اِك ٍة َك ِثي ٍة
َه َر َه ُم َن َه َي ُم َح ُه ُم ْبَو ُب َج
َو َش َر اٍب ([ } )51ص ،]51 - 50 :وقال تعالىَ{ :يْد ُعوَن ِفيَه ا ِبُك ِّل َفاِكَه ٍة آِم ِنيَن (} )55
[الدخان.]55 :
وهذا يدُّل على أمنهم ( )4من انقطاعها ومضرتها.
وقال تعالىَ{ :و ِتْلَك اْلَج َّنُة اَّلِتي ُأوِر ْثُتُم وَه ا ِبَم ا ُك ْنُتْم َتْع َم ُلوَن (َ )72لُك ْم ِفيَه ا َفاِكَه ٌة َك ِثيَر ٌة ِم ْنَه ا
َتْأُك ُلوَن ([ } )73الزخرف .]73 - 72 :وقال تعالىَ{ :و َفاِكَه ٍة َك ِثيَر ٍة ( )32اَل َمْقُطوَعٍة َو اَل
َمْم ُنوَعٍة ([ } )33الواقعة.]33 - 32 :
أي ال تكون في وقٍت دون وقٍت ،وال ُتْم َنع ِم َّم ن أرادها.
وقال تعالىَ{ :فُه َو ِفي ِع يَش ٍة َر اِض َيٍة (ِ )21في َج َّنٍة َعاِلَيٍة (ُ )22قُطوُفَه ا َداِنَيٌة ([ } )23الحاقة:
.]23 - 21
__________
( )1في "د"" :وتلك الداللة فساد ،وذلك القول".
( )2في جميع النسخ "أن" ،والمثبت من الطبري.
( )3قوله "بقوله" من تفسير الطبري (.)393 - 392 /1
( )4في "ب"" :أنهم" وهو خطأ.
()1/365
والقطوف :جمع ِقْطف ،وهو ما ُيْق طف .والَق ْطف -بالفتح -الِف ْع ل ،أي ثمارها دانية :قريبة مَّم ن
يتناولها ،فيأخذها كيف يشاء ،قال البراء بن عازب" :يتناول الثمرة وهو نائم" (. )1
وقال تعالىَ{ :و َداِنَيًة َعَلْيِه ْم ِظ اَل ُلَه ا َو ُذِّلَلْت ُقُطوُفَه ا َتْذ ِلياًل } [اإلنسان.]14 :
قال ابن عباس رضي الَّله عنهما" :إذا َه َّم أْن يتناول من ثمارها تدَّلْت ( )2إليه حَّتى يتناول ما
يريد" (. )3
وقال غيرهُ" :قِّر بت إليهم ُمذَّللة كيف شاؤوا ،فهم يتناولوها قياًم ا وقعوًد ا ومضطجعين" (، )4
فيكون كقولهُ{ :قُطوُفَه ا َداِنَيٌة} [الحاقة]23 :
__________
( )1أخرجه الطبري في تفسيره ( ،)61 /29وابن صاعد في زوائده على الزهد البن المبارك رقم
( ،)1454والواحدي في الوسيط ( )347 - 346 /4وغيرهم.
من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن البراء فذكره.
وله طرق عن أبي إسحاق ستأتي.
-ورواُه أبو الُّضحى عن البراء ،فذكره ،وزاد "وهم جلوس ،وعلى أي حال شاؤوا".
أخرجه هناد في الزهد برقم ( )101وسنده حسن.
( )2في "ب"" :تذَّللت" ،وفي "د" "تدَّللت".
( )3ذكره الواحدي في تفسيره الوسيط ( ،)403 /4وابن الجوزي في زاد المسير (.)436 /8
وأخرج الطبري ( )150 /27عن ابن عباس قال في قوله {َو َج َنى اْلَج َّنَتْيِن َداٍن ([ })54الرحمن:
،]54قال :ثمارها دانية .وسنده حسن.
( )4انظر :معاني القرآن وإعرابه للزجاج ( ،)360 /5وزاد المسير البن الجوزي (.)436 /8
()1/366
ومعنى تذليل القطف :تسهيل تناوله .وأهل المدينة يقولونَ :ذِّلِل النخل ،أي َس ِّو ى عذوقه
وأخرجها من الَّس عف ،حَّتى يسهل تناولها.
وفي نصب {َداِنَيٌة ( } )23وجهان (: )1
أحدهما :أَّنه على الحال عطًف ا على قوله {ُمَّتِكِئيَن }.
والثاني :أَّنه صفة لـ {َج َّنٍة}.
وقال تعالىِ{ :فيِه َم ا ِم ْن ُك ِّل َفاِكَه ٍة َز ْو َج اِن ([ } )52الرحمن ،]52 :وفي الجنتين األخريين:
{ِفيِه َم ا َفاِكَه ٌة َو َنْخ ٌل َو ُر َّماٌن ([ } )68الرحمن.]68 :
وخَّص النخل والُّر َّمان من بين الفاكهة بالِّذ ْك ِر لفضلهما وشرفهما ،كما نَّص على حدائق النخل
واألعناب في سورة النبأ ،إذ هما من أفضل أنواع الفواكه ،وأطيبها وأحالها.
وقال تعالىَ{ :و َلُه ْم ِفيَه ا ِم ْن ُك ِّل الَّثَمَر اِت َو َمْغِف َر ٌة ِم ْن َر ِّبِه ْم } [محمد.]15 :
وقال الطبراني :حدثنا معاذ بن المثنى حدثنا علي بن المديني حدثنا ريحان بن سعيد عن عَّباد ()2
بن منصور ،عن أيوب عن أبي قالبة عن أبي أسما عن ثوبان رضي الَّله عنه قال :قال رسول الَّلِه
َء
-صلى الَّله عليه وسلم" :-إَّن الَّر جَل إذا نزَع ثمرًة من الجَّنة عادْت مكانها أخرى" (. )3
__________
( )1انظر :تفسير الطبري (.)214 /29
( )2في "ج"" :عبادة" وهو خطأ.
( )3أخرجه الطبراني في الكبير ( )102 /2رقم ( ،)1449والبزار في مسنده ( )123 /10رقم
( ،)4187وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (.)345
كلهم من طريق ريحان بن سعيد عن عَّباد بن منصور به مثله= .
()1/367
وقال عبد الَّله بن اإلمام أحمد :حدثني ُعقبة بن ُمكرم العمي ،حدثنا ِر ْبِعي بن إبراهيم بن ُعلَّية
حدثنا عوف ،عن قسامة بن ُزَه ير عن أبي موسى -رضي الَّله عنه -قال :قال رسول الَّله -صلى
الَّله عليه وسلم" :-اهبط الَّلُه آدم من الجَّنة ،وعَّلمه صنعَة كل شيٍء ،وزَّو ده من ثمار الجَّنة،
فثماركم هذه من ثمار الجَّنة ،غير أَّنها تغَّير ،وتلك ال تغَّير" (. )1
وقد تقَّدم :أَّن سدرة المنتهى نبقها مثل القالل (. )2
وفي "صحيح مسلم" ( )3من حديث أبي الزبير ،عن جابر رضي الَّله عنه عن الَّنبي -صلى الَّله
عليه وسلم -قالُ" :عرضت علَّي الجَّنة حتى لو تناولت منها قطًف ا
__________
= وهو حديث منكر بهذا اإلسناد ،لتفرد عباد بن منصور به عن أيوب ،وفيه ضعف ،وكان قد
تغَّير .انظر :تهذيب الكمال (.)161 - 56 /14
-ورواُه إسحاق بن إدريس "كَّذ اب يضع الحديث" عن أبان عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قالبة
به بنحوه.
أخرجه البزار في مسنده ( )123 /10رقم ( ،)4188والحاكم في المستدرك ( )496 /4رقم (
)8390مطَّو اًل جًّدا.
وقال الحاكم" :هذا الحديث عن ثوبان ال نعلمه يروى عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -من
وجٍه متصل عنه بأحسن من هذا اإلسناد ،وال نعلم روى حديث أيوب إاَّل عَّباد بن منصور ،وال
رواُه عن عباد إاَّل ريحان ،وال نعلُم روى حديث يحيى ابن أبي كثير إاَّل إسحاق بن إدريس عن
أبان".
قال البرديجي" :فأَّما حديث ريحان عن عباد عن أيوب عن أبي قالبة فهي مناكير".
( )1تقدم الكالم عليه في ص ( .)64والصواب فيه موقوف.
( )2أخرجه البخاري رقم ( )3035من حديث أنس رضي الَّلُه عنه.
( )3رقم (.)904
()1/368
أخذته".
وفي لفظ" :فتناولت منها قطًف ا فقصرت عنه يدي" (. )1
وقال أبو خيثمة :حدثنا عبد الَّله بن جعفر ،حدثنا عبيد الَّله ،حدثنا ابن عقيل ،عن جابر -رضي
الَّله عنه -قال :بينما نحن في صالة الظهر إذ تقدم رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -فتقدمنا،
ثم تناول شيًئا ليأخذه ثم تأخر ،فلَّم ا قضى الصالة قال له ُأبي بن كعب :يا رسول الَّله ،صنعت
اليوم في الصالة شيًئا ،ما كنت تصنعه؟ قال" :إنه عرضت علَّي الجنة وما فيها من الزهرة
والنضرة ،فتناولت منها قطًف ا من عنب آلتيكم به ،فحيل بيني وبينه ،ولو أتيتكم به ألكل منه من
بين السماء واألرض ال ينقصونه" (. )2
__________
( )1انظر :المصدر الَّس ابق ،وهو من شك أحد الرواة.
( )2أخرجه أحمد ( )352 /3و ( ،)137 /5وعبد بن حميد برقم (.)1036
من طريق زكريا بن عدي والحسين المروزي وأحمد بن عبد الملك كلهم عن عبيد الَّله بن عمرو
عن ابن عقيل عن جابر فذكره.
-ورواُه أحمد بن عبد الملك والعالء الرقي عن عبيد الَّله بن عمرو عن ابن عقيل عن الطفيل عن
أبيه ُأبي بن كعب فذكره.
أخرجه أحمد في المسند ( ،)138 /5والحاكم في المستدرك ( )647 /4رقم ( )8788مطَّو اًل .
والحديث تفَّر د به ابن عقيل بهذا اللفظ ،والِّس ياق فيه غرابة ،وابن عقيل في حفظه ضعف.
-فقد رواُه أبو الزبير -كما تقَّدم -وعطاء عن جابر ولم يذكر ما ذكره ابن عقيل.
أخرجه مسلم برقم ( ،)904وأحمد ( 317 /3و )335وغيرهما.
()1/369
وقال ابن المبارك :أنبأنا سفيان ،عن حماد ،عن ( )1سعيد بن جبير عن ابن عباس قال" :ثمُر
الجَّنة أمثال القالل والدالء ،أشُّد بياًض ا من اللبن ،وأحلى من العسل ،وأليُن من الُّز ْبِد ،ليس فيه
َعَج م" (. )2
وقال سعيد بن منصور :حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب رضي الَّله عنه قال:
"إَّن أهل الجَّنة يأكلون من ثمار الجَّنة قياًم ا وقعوًد ا ،ومضطجعين على أِّي حاٍل شاؤوا" (. )3
وقال البزار في "مسنده" :حدثنا أحمد بن الفرج الحمصي حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن
دينار الحمصي حدثنا محمد بن المهاجر عن الضحاك المعافري عن سليمان بن موسى قال:
حدثني كريب أَّنه سمع ُأسامة بن زيد رضي الَّله عنهما يقول :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه
وسلم" :-أاَل ُمشمٌر للجَّنة ،فإَّن الجَّنة ال خطر لها ،هي ورِّب الكعبة نوٌر يتألأل ،وريحانٌة تهتُّز ،
وقصٌر مشيٌد ،ونهٌر مطرٌد ،وثمرة نضيجة ،وزوجة حسناُء جميلة ،وحَلٌل كثيرة في مقام أبٍد ،في
داٍر سليمة ،وفاكهة وخضرٍة ،وِح َبرٍة ونعمٍة في محَّلٍة عاليٍة بهَّية ،قالوا :نعم
__________
( )1في "ب" "بن" وهو خطأ.
( )2تقدم في الباب ( )44ص ( ،)354بلفظ "نخل الجنة." . . .
( )3أخرجه البيهقي رقم ( ،)313وابن المبارك في الزهد -رواية ُنَعيم -رقم ( )67وغيرهما.
وقد توبع شريك القاضي :تابعه شعبة وإسرائيل والثوري وزكريا.
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ( /7رقم ،)34074وهناد في الزهد رقم ( ،)100والطبري
في تفسيره ( )61 /29وغيرهم.
انظر :فتح الباري (.)321 /6
()1/370
يا رسول الَّله ،نحن المشمرون لها :قال :قولوا :إْن شاء الَّلُه ،قال :القوم :إْن شاء الَّله" (. )1
قال البزار" :وهذا الحديث ال نعلُم من رواُه عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -إاَّل أسامة ،وال
نعلم له طريًق ا عن أسامة إاَّل هذا الطريق ،وال نعلم رواُه عن الضحاك المعافري إاَّل هذا الرجل
محمد بن مهاجر".
وفي حديث َلِق ْيط بن َص ِبَر ة ( )2اَّلذي رواه عبد الَّله بن أحمد في "مسند أبيه" وغيره :قلُت :يا
رسول الَّلِه على ما نَّطلع من ( )3الجَّنة؟ قال :على أنهار من عسٍل مصَّف ى ،وأنهار من كأس ما بها
ُصَد اع ،وال َندامة ،وأنهار من لبٍن لم يتغير طعمه ،وماٍء ( )4غير آسن ،وبفاكهة ،لَعْم ر إلهك مَّم ا
تعلمون ،وخير من ( )5مثله معه" (. )6
وأَّما الَّر ْيَح انة :فهو كل نبت طِّيب الَّر ائحة.
قال الحسن وأبو العالية" :هو ريحاننا هذا ،يؤتى ِبُغْص ٍن من ( )7ريحان الجَّنة فنشُّم ه" (. )8
__________
( )1تقدم تخريجه في ص (.)291
( )2في "ب"" :عامر" وهو خطأ.
( )3وقع في "هـ" ونسخٍة على حاشية "أ" "في".
( )4وقع في "ب ،د"" :وأَّنهار من ماء".
( )5سقط من "ب".
( )6تقدم الكالم عليه في ص (.)127 - 126
( )7سقط من "ج".
( )8أخرجه الطبري في تفسيره ( )212 /27وسنده إلى الحسن :صحيح.
وسنده إلى أبي العالية :ضعيف.
()1/371
الباب السادس واألربعون في زرع الجَّنة
قال تعالىَ{ :و ِفيَه ا َما َتْش َتِه يِه ( )1اَأْلْنُف ُس َو َتَلُّذ اَأْلْع ُيُن } [الزخرف.]71 :
وعن أبي هريرة رضي الَّلُه عنه أَّن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -كان يوًم ا يحدث -وعنده رج
ٌل
من أهل البادية" :-أَّن رجاًل من أهل الجَّنة استأذَن رَّبُه عَّز وجَّل في الزرع فقال له :أولسَت فيما
اشتهيت؟ فقال :بلى ،ولكن ( )2أحُّب أْن أزرع ،فأسرع وبذَر فبادر الَّطْر ف نباته واستواُؤ ُه
واستحصاده وتكويره أمثال الجبال فيقول الَّلُه عَّز وجَّل :دونك يا ابَن آدم ،فإَّنه ال يشبعك شيٌء،
فقال األعرابي :يا رسول الَّله ال نجُد هذا إاَّل ُقَر شًّيا أو أنصارًّيا ،فإَّنهم أصحاب زرٍع ،فأَّما نحُن
فلسنا بأصحاب زرع فضحك رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم.)3( "-
رواُه البخاري في كتاب التوحيد في باب كالم الرِّب تعالى مع أهل الجَّنة ،وخَّر جه في غيره أيًض ا
(.)4
__________
( )1هي قراءة ابن كثير وغيره ،راجع (ص.)11 /
( )2في "ب ،ج ،د ،هـ"" :ولكِّني".
( )3أخرجه البخاري في صحيحه في ( )100التوحيد )38( ،باب :كالم الرب تعالى مع أهل
الجَّنة ( )2733 /6رقم (.)7081
( )4في ( )46الحرث والمزارعة ( ،)16بابِ :كراء األرِض بالذهب والفضة ( )826 /2رقم (
.)2221
()1/372
وهذا يدُّل على أَّن في الجَّنة زرًعا ،وذلك الَبْذ ُر منه ،وهذا أحسُن أْن تكون األرض معمورًة
بالَّش جر والزرع.
فإْن قيل :فكيف استأذن هذا الرجل رَّبه في الزرع ،فأخبره أَّنه ( )1في غْنيٍة عنه؟
قيل :لعَّله استأذن في زرع يباشره ويبذره بيده ،وقد كان في ُغنيٍة عن ذلك وقد ُك ِف ي مؤونته ،وال
أعلم ذكر الزرع في الجَّنة إاَّل في هذا الحديث ،والَّلُه أعلم.
وروى إبراهيم بن الحكم ،عن أبيه ،عن عكرمة قال :بينما رجل في الجَّنة ،فقال في نفسه :لو أَّن
الَّلَه يأذن لي لزرعُت ،فال يعلُم إاَّل والمالئكة على أبوابه فيقولون :سالٌم عليك ،يقول لك رُّبك:
َتَم َّنْيَت في نفسك شيًئا فقد علمته ،وقد ُبِعَث معنا البذُر ،فيقول :ابذروا فيخرج أمثال ()2
الجبال ،فيقول له الرُّب من فوق عرشه :كْل يا ابَن آدَم فإَّن ابن آدم ال يشبع" ( . )3والَّلُه أعلم.
__________
( )1سقط من "ج".
( )2في نسخٍة على حاشية "أ"" :مثل".
( )3أخرجه أبو نعيم في حلية األولياء ( )334 /3مطَّو اًل ،وموفق الَّدين بن قدامة المقدسي في
إثبات صفة العلو رقم ( )69مطَّو اًل .
وفيه :إبراهيم بن الحكم العدني وهو في األصل لم يكن به بأس ،ثَّم زاد في األحاديث المرسلة
ووصلها حتى اتفقوا على ضعفه.
انظر :تهذيب الكمال (.)76 - 74 /2
قال الذهبي في العلو (" :)895 /1إسناده ليس بذاك".
()1/373
الباب السابع واألربعون في ذكر أنهار الجَّنة وعيونها وأصنافها ومجراها اَّلذي تجري عليه
وقد تكَّر ر في القرآن في عَّدة مواضع قوله تعالىَ{ :ج َّناٍت َتْج ِر ي ِم ْن َتْح ِتَه ا اَأْلْنَه اُر } [البقرة:
ِم ِت ٍت
،]25وفي موضعَ{ :ج َّنا َتْج ِر ي َتْح َتَه ا} [التوبة ،]100 :وفي موضعَ{ :تْج ِر ي ْن َتْح ِه ُم
اَأْلْنَه اُر } [يونس.]9 :
وهذا يدُّل على أمور:
أحدها :وجود األنهار فيها حقيقة.
الثاني :أَّنها جارية ال واقفة.
الثالث :أَّنها تحت غرفهم وقصورهم وبساتينهم ،كما هو المعهود في أنهار الدنيا.
وقد ظَّن بعض المفسرين أَّن معنى ذلك جريانها بأمرهم ،وتصريفهم لها كيف شاؤوا ،وكأَّن اَّلذي
حملهم على ذلك أَّنه لَّم ا سمعوا أَّن أنهارها تجري في غير أخدوٍد ،فهي جارية على وجه األرض
حملوا قولهَ{ :تْج ِر ي ِم ْن َتْح ِتِه ُم اَأْلْنَه اُر } على أَّنها تجري بأمرهم ،إْذ ال يكون فوق المكان تحته.
وهؤالء ُأُتوا من ضعف الَف هم ،فإَّن أنهار الجَّنة وإْن َج َر ْت في غير أخدود؛ فهي تحت القصور
والمنازل والغرف ،وتحت األشجار ،وهو سبحانه وتعالى لم يقل :من تحِت أرضها ،وقد أخبر
سبحانه عن
()1/374
جريان األنهار تحت الَّناس في الدنيا ،فقالَ{ :أَلْم َيَر ْو ا َك ْم َأْه َلْك َنا ِم ْن َقْبِلِه ْم ِم ْن َقْر ٍن َم َّك َّناُه ْم ِفي
اَأْلْر ِض َما َلْم ُنَم ِّك ْن َلُك ْم َو َأْرَس ْلَنا الَّس َم اَء َعَلْيِه ْم ِم ْد َر اًر ا َو َجَعْلَنا اَأْلْنَه اَر َتْج ِر ي ِم ْن َتْح ِتِه ْم }
ِذِه ِل
[األنعام ،]6 :فهذا على المعهود المتعارف ،وكذلك ما حكاُه من قو فرعونَ{ :و َه اَأْلْنَه اُر
َتْج ِري ِم ْن َتْح ِتي} [الزخرف.]51 :
وقال تعالىِ{ :فيِه َم ا َعْيَناِن َنَّضاَخَتاِن ([ } )66الرحمن.]66 :
قال ابن أبي شيبة :حدثنا يحيى بن يمان عن أشعث عن جعفر عن ( )1سعيد قال" :نَّضاختان
بالماِء والفواكه" (. )2
وحدثنا ابن ان عن أبي إسحاق عن أبان عن أنس رضي الَّله عنه قال" :نَّضاختان :بالمسِك
َيَم
والعنبر ،تنضخان على ُدْو ِر أهل الجَّنة ،كما ينضخ المطر على دور أهل الدنيا" (. )3
__________
( )1في "ب"" :ابن" وهو خطأ.
( )2أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ( )65 /7رقم ( )34044وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة
رقم ( ،)71والطبري في تفسيره (.)156 /27
وخولف أشعث:
فرواُه يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد قال" :نَّضاختان بألوان الفاكهة".
أخرجه الطبري ( ،)156 /27وابن صاعد في زياداته على الزهد البن المبارك رقم (،)1535
وأبو نعيم في الحلية (.)287 /4
وهذا اللفظ أصح ،ولعَّل يحيى بن اليمان لم يضبطه.
وعليه فاألثر سنده حسن.
( )3أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( ،)72وابن أبي حاتم في تفسيره= ،
()1/375
وحدثنا عبد الَّله بن إدريس عن أبيه عن أبي إسحاق عن البراء رضي الَّله عنه قال" :اللتان تجريان
أفضل من الَّنَّضاختين" (. )1
ِم ِس ِم ٍء ِف ِة ِت ِع
وقال تعالىَ{ :م َثُل اْلَج َّن اَّل ي ُو َد اْلُم َّتُقوَن يَه ا َأْنَه اٌر ْن َما َغْيِر آ ٍن َو َأْنَه اٌر ْن َلَبٍن َلْم َيَتَغَّيْر
َطْع ُم ُه َو َأْنَه اٌر ِم ْن َخ ْم ٍر َلَّذ ٍة ِللَّش اِر ِبيَن َو َأْنَه اٌر ِم ْن َعَس ٍل ُمَص ًّف ى َو َلُه ْم ِفيَه ا ِم ْن ُك ِّل الَّثَمَر اِت َو َمْغِف َر ٌة
ِم ْن َر ِّبِه ْم } [محمد.]15 :
فذكر سبحانه هذه األجناس األربعة ،ونفى عن كِّل واحٍد منها اآلفة التي تعرض له في الدنيا ،فآفة
الماء أْن يأسن ويأجن من طول مكثه ،وآفة اللبن أن يتغير طعمه إلى الحموضة ،وأْن يصير قارًص ا،
وآفة الخمر كراهة مذاقها المنافي للَّذ ة شربها ،وآفة العسِل عدم تصفيته.
وهذا من آيات الرب تعالى أْن ُيجري أنهاًر ا من أجناس لم تجر العادة في الدنيا بإجرائها ،وُيْج ِر ْيها
في غير أخدود ،وينفي عنها اآلفات التي تمنع كمال الَّلذة بها ،كما نفى عن خمر الجَّنة جميع
آفات خمر الدنيا ،من الصداع والَغْو ِل واَّللغِو واإلنزاِف وعدم اَّللذة.
__________
= كما في الدر المنثور ( .)209 /6وسنده ضعيف جًّدا ،فيه أبان بن أبي عياش البصري :متروك
الحديث .التقريب رقم (.)142
( )1أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( ،)73وابن المنذر وابن أبي حاتم في تفسيريهما
كما في الدر المنثور (.)209 /6
وسنده صحيح.
وأخرجه عبد بن حميد في تفسيره كما في الدر ( )209 /6بلفظ" :ما النضاختان بأفضل من
اَّللتين تجريان".
()1/376
فهذه خمس آفات من آفات خمر الدنيا :تغتال العقل ،وتكثر اَّللغو على شربها؛ بل ال يطيب
لشرابها ذلك إاَّل باَّللغو ،وتنزف في نفسها ،وتنزف المال ،وتصِّدع الَّر أس ،وهي كريهة المذاق.
وهي رجس من عمل الشيطان ،توقع العداوة والبغضاِء بين الَّناِس ،وتُصد عن ذكر الَّلِه وعن
الصالة ،وتدعو إلى الِّز نا ،وربما دعْت إلى الوقوع على البنت واُألخت وذوات المحارم ،وُتْذ ِه ب
الَغْيرة ،وتورث الِخ ْز ي والَّندامة والفضيحة ،وُتْلِح ق شاربها بأنقص نوع اإلنسان :وهم المجانين،
وتسلبه أحسن األسماِء والسماِت ،وتكسوُه أقبح األسماء والصفاِت ،وتسِّه ل قتل الَّنفس ،وإفشاء
السِّر اَّلذي في إفشائه مضَّر ته أو هالكه ،ومؤاخاة الشياطين في تبذير الماِل ،اَّلذي جعله الَّلُه قياًما
له ،ولمن ( )1تلزمه مؤنته ،وتهتك األستار ،وتظهر األسرار ،وتدُّل على العورات ،وتهِّو ن ارتكاب
القبائح والمآثم ،وتخرج من القلب تعظيم المحارم ،وُمْد ِم نها كعابِد وثٍن ،وكم أهاجت من حْر ٍب ،
وأفقرْت من غنٍّي ،وأذَّلْت من عزيز ،ووضعْت من شريِف ،وسلبْت من نعمة ،وجلبْت من نقمة،
ونسخْت موَّدة ،ونسجْت عداوة ،وكم فَّر قْت بين رجٍل وِح ِّبِه فذهبت بقلبه ،وراحت بُلِّبِه ،وكم
أورثْت من حسرٍة وأجرْت من َعْبرة ،وكم أغلقْت في وجه َش اربها باًبا من الخير ،وفتحت له باًبا
من الشِّر ،وكم أوقعت في بلَّيه ،وعَّج لت من منية ،وكم أورثت من خزية ،وجَّر ت على صاحبها (
)2من محنة ،وجرأت عليه من َس َف لٍة ،فهي جماع
__________
( )1في "ب ،ج ،د"" :ولم".
( )2في "ب ،ج ،د ،هـ" ونسخة على حاشية "أ"" :شاربها".
()1/377
اإلثم ،ومفتاح الشِّر ،وساَّل بة الِّنعم ،وجالبة النقم ،ولو لم يكن من قبائحها ( )1إاَّل أَّنها ال تجتمع
هي وخمرة الجَّنة في جوف عبٍد ،كما ثبت عنه (- )2صلى الَّله عليه وسلم -أَّنه قال" :من شرب
الخمر في الدنيا لم يشربها في اآلخرة" (. )3
وآفات الخمر أضعاف أضعاف ما ذكرنا ،وكلها منتفية عن خمر الجَّنة.
فإْن قيل :فقد وصَف سبحانه األنهاَر بأَّنها جارية ،ومعلوم أَّن الماء الجاري ال يأسن ،فما فائدة
قولهَ{ :غْيِر آِس ٍن } [محمد]15 :؟
قيل :الماء الجاري وإْن كان ال يأَس ن ،فإَّنه إذا ُأِخ َذ منه شيء وطال مكثه أسن ،وماء الجَّنة ال
َيْع رض له ذلك ،ولو طال مكثه ما طال.
وتأَّم ل اجتماع هذه األنهار األربعة ،التي هي أفضل أشربة الَّناس ،فهذا لرِّيهم وطهورهم ،وهذا
لقَّو تهم وغذائهم ،وهذا للَّذ تهم وسرورهم ،وهذا لشفائهم ومنفعتهم.
__________
( )1في "أ ،ب ،ج ،د ،هـ"" :فضائلها" وهو خطأ ،والمثبت قاله ناسخ "هـ" ،ووقع في المطبوع
"رذائلها".
( )2في "هـ" ،ونسخة على حاشية "أ" "عنه ذلك".
( )3أخرجه البخاري برقم ( ،)5253ومسلم رقم ( )2003من حديث ابن عمر ،واللفظ لمسلم
مختصًر ا وعند البخاري "حرمها" بدل "لم يشربها".
تنبيه :وقع في المطبوعة بعد الحديث زيادة" :لكفى".
()1/378
فصل ()1
وأنهار الجَّنة تتفَّج ر من أعالها ،ثَّم تنحدر نازلًة إلى أقصى درجاتها ،كما روى البخاري في
"صحيحه" ( )2من حديث أبي هريرة -رضي الَّله عنه -عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -أَّنه
قال" :إَّن في الجَّنة مئة درجة أعَّدها الَّلُه عَّز وجَّل للمجاهدين في سبيله بين كِّل درجتين كما بين
السماء واألرض ،فإذا سألتم الَّلُه فاسألوُه الفردوس ،فإَّنه وسُط الجَّنة ،وأعلى الجَّنة ،وفوقه عرُش
الرحمن ،ومنه تفَّج ر أنهار الجَّنة".
وروى الترمذي نحوه من حديث معاذ بن جبل وُعبادة بن الصامت ،ولفظ حديث ُعَبادة" :الجَّنة
مئُة درجٍة ما بين كِّل درجتين مسيرة مئة عام ،والفردوس أعالها درجة ،ومنها األنهاُر األربعة،
والعرُش فوقها ،فإذا سألتم الَّله فاسألوُه الفردوَس األعلى" (.)3
وفي "معجم الطبراني" ( )4من حديث الحسن عن سمرة رضي الَّله عنه قال :قال رسول الَّلِه -
صلى الَّله عليه وسلم" :-الفردوس ربوُة الجَّنة ،وأعالها وأوسطها ،ومنها تفجُر أنهار الجَّنة" (.)5
__________
( )1سقط من "ب".
( )2تقدم في ص (.)134
( )3تقدم في ص (.)133 - 132
( )4في "ب ،ج ،د ،هـ"" :المعجم للطبراني".
( )5أخرجه الطبراني في الكبير ( )258 /7رقم ( )6886 ،6885وفي مسند الشاميين (/4
رقم ،)2650وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم ( ،)11والطبري في تفسيره ( ،)38 /16والبزار في
مسنده ( )430 /10رقم (= .)4582
()1/379
وفي "صحيح البخاري" ( )1من حديث شعبة عن قتادة قال :أخبرني أنس بن مالك رضي الَّله عنه
أَّن رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :رفعت لي ( )2سدرة المنتهى في السماء السابعة،
نبقها مثُل قالل َه َج ر ،وورقها مثل آذاِن الفيلة ،ويخرج من أصلها نهران ظاهران ،ونهران باطنان،
فقلُت :يا جبريل ،ما هذا؟ قال :أما النهران الباطنان ففي الجَّنة ،وأَّما النهراِن الظاهران ،فالنيل
والفرات".
__________
= من طريق سعيد بن بشير والحكم بن عبد الملك -ضعيف -عن قتادة عن الحسن عن سمرة
فذكره.
ولفُظ الحكم" :الفردوس ربوة الجنة ،فإذا سألتم الَّله تبارك وتعالى فاسألوُه الفردوس" لفظ البزار.
-ورواُه إسماعيل بن مسلم -ضعيف -عن الحسن عن سمرة فذكره.
أخرجه الروياني في مسنده رقم ( ،)789والطبري في تفسيره ( ،)38 /16وابن أبي الدنيا في
صفة الجَّنة رقم (.)86
-ورواُه خبيب بن سليمان بن سمرة "مجهول" عن أبيه "فيه جهالة" عن سمرة بن جندب أَّن
رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -كان يقول لنا" :إَّن الفردوس هي ربوة الجَّنة الوسطى التي
هي أرفعها وأحسنها".
أخرجه الطبراني في الكبير ( ،)7088والبزار (.)4650
-ورواُه روح بن عبادة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال" :الفردوس :ربوة الجَّنة ،وأوسطها
وأفضلها".
أخرجه الطبري في "تفسيره" (.)38 /16
قلُت :ولعَّل هذا أصح الطرق وأرجحها .والَّله أعلم.
( )1معَّلًق ا برقم ( ،)5287وهو معلول سنًد ا ومتًنا ،كما بَّين ذلك البخاري بعد ِذ ْك ره طريق
شعبة ،انظر :فتح الباري (.)73 /10
( )2في البخاري "إلَّي ".
()1/380
وفي "صحيحه" ( )1أيًض ا من حديث همام عن قتادة عن أنس أَّن رسول الَّلِه -صلى الَّله عليه
وسلم -قال" :بينا أنا أسيُر في الجَّنة ،إذا أنا بنهٍر حافتاُه قَباُب اللؤلِؤ المجَّو ِف ،فقلُت :ما هذا يا
جبريُل؟ قال :هذا الكوثر اَّلذي َأعطاك رُّبك ،قال :فضرب الملك بيده ،فإذا طينه أذفر (." )2
وفي "صحيح مسلم" ( )3من حديث المختار بن فلفل عن أنس بن مالك رضي الَّله عنه عن الَّنبي
-صلى الَّله عليه وسلم -قال" :الكوثُر نهٌر في الجَّنة َو َعَد ِنْيه ربي عَّز وجَّل" (. )4
وقال محمد بن عبد الَّله األنصاري :حدثنا ُح ميد الَّطِو ْيل عن أنس ابن مالك رضي الَّله عنه قال:
قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-دخلت الجَّنة فإذا بنهر يجري حافتاه خيام اللؤلؤ،
فضربُت بيدي إلى ما يجري فيه من الماِء ،فإذا أنا بمسٍك أذفر ،فقلُت :لمن هذا يا جبريل؟ قال:
هذا الكوثُر اَّلذي أعطاكه الَّلُه عَّز وجَّل".
وقال الترمذي :حدثنا َه َّناٌد حدثنا محمد بن ُفَض ْيل عن عطاء بن
__________
( )1رقم (.)6210
( )2في نسخٍة على حاشية "أ"" :المسك األذفر".
( )3رقم (.)400
( )4أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (.)327
ورواُه عبد الوهاب الثقفي ويحيى القطان وابن أبي عدي وعبد الَّله بن بكر وغيرهم عن حميد عن
أنس فذكره.
أخرجه أحمد ( 103 /3و 115و ،)263وابن أبي شيبة ( /7رقم )34094وهَّناد في الزهد
رقم ( ،)134والطبري في تفسيره (.)324 - 323 /30
وهو حديث صحيح.
()1/381
السائب عن محارب بن ِد ثار عن عبد الَّله بن عمر رضي الَّله عنهما قال :قال رسول الَّله -صلى
الَّله عليه وسلم" :-الكوثر نهٌر في الجَّنة حافتاُه من ذهب ،ومجراُه على الدر والياقوِت ،تربته
أطيُب من المسك ،وماؤه أحلى من العسِل ،وأبيُض من الثلج" ( . )1قال" :هذا حديٌث حسن
صحيح".
وقال أبو نعيم الفضل :حدثنا أبو جعفر -هو الَّر ازي -حدثنا ابن أبي َنِج يح عن مجاهدِ{ :إَّنا
َأْع َطْيَناَك اْلَك ْو َثَر ([ }) 1الكوثر ]1 :قال" :الخير الكثير" (. )2
وقال أنس بن مالك" :نهٌر في الجَّنة" (. )3
__________
( )1أخرجه الترمذي برقم ( ،)3360وابن ماجه (.)4334
-وهكذا رواُه ورقاء وأبو عوانة وحماد بن زيد وسعيد بن زيد وغيرهم كلهم عن عطاء به بنحوه
مرفوًعا.
أخرجه أحمد في المسند ( 67 /2و ،)112وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم ( ،)326وابن حبيب
في وصف الفردوس رقم ( )65وغيرهم.
-ورواُه أبو األحوص وجرير كالهما عن عطاء به موقوًفا.
أخرجه هَّناد في الزهد رقم ( ،)131وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)67
قلُت :عطاء اختلط؛ ولكن رفعه صحيح؛ ألَّن حماد بن زيد سمع من عطاء قبل اختالطه،
والحديث صححه الترمذي.
( )2أخرجه الطبري في تفسيره ( ،)322 /30وابن مردويه في تفسيره كما في الدر (.)687 /6
من طريق عيسى بن ميمون وورقاء كالهما عن ابن أبي نجيح به مثله.
وسنده حسن.
( )3أخرجه الطبري في تفسيره ( ،)321 /30وابن مردويه في تفسيره (كما في الدر =
()1/382
وقالت عائشة رضي الَّله عنها" :هو نهٌر في الجَّنة ليس أحٌد يدخل إصبعيه في أذنيه إاَّل سمع خرير
ذلك النهر" (. )1
وهذا معناُه -والَّلُه أعلم -أَّن خرير ذلك الَّنهر يشبه الخرير اَّلذي يسمعه حين يدخل أصبعيه في
أذنيه.
وفي "جامع الترمذي" من حديث الُج َر يري عن حكيم بن معاوية عن أبيه عن الَّنبي -صلى الَّله
عليه وسلم -قال" :إَّن في الجَّنة بحَر الماِء ،وبحر العسِل ،
__________
= (.)687 /6
من طريق ابن أبي نجيح عن أنس فذكره.
وسنده منقطع.
( )1أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)68
من طريق محمد بن ربيعة عن أبي جعفر الَّر ازي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن عائشة فذكرته
بمثله.
وقد اضطرب فيه أبو جعفر الَّر ازي ،وفيه ضعف ،وعنده مناكير.
-فرواُه وكيع عن أبي جعفر عن ابن أبي نجيح عن عائشة بمثله.
أخرجه هناد في الزهد رقم ( )141وغيره.
-ورواُه أبو النضر وشبابه عن أبي جعفر الَّر ازي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن رجٍل عن
عائشة بمثله.
أخرجه الطبري في تفسيره (.)320 /30
-ورواُه عيسى بن عبد الَّله عن ابن أبي نجيح قالت عائشة فذكره بمثله.
أخرجه البيهقي في البعث رقم (.)143
وهذا هو الصواب أَّنه منقطع.
قال ابن كثير" :وهذا منقطع بين ابن أبي نجيح وعائشة ،وفي بعض الِّر وايات عن رجٍل عنها،
ومعنى هذا أَّنه يسمع نظير ذلك ال أَّنه يسمعه نفسه ،والَّله أعلم" تفسير ابن كثير (.)596 /4
()1/383
وبحَر اللبن ،وبحر الخمر ،ثَّم تشقق األنهار بعُد " (. )1
قال" :هذا حديث حسن صحيح".
وقال الحاكُم :حدثنا األصم حدثنا الربيع بن سليمان حدثنا أسد بن موسى حدثنا ابن ثوبان عن
عطاء بن قَّر ة عن عبد الَّله بن ضمرة عن أبي هريرة رضي الَّله عنه قال :قال رسول الَّلِه -صلى
الَّله عليه وسلم" :-من سَّر ُه أْن يسقيه الَّلُه عَّز وجَّل من الخمر في اآلخرة فليتركها في الدنيا،
ومن سَّر ُه أْن يكسوُه الَّله الحرير في اآلخرة فليتركه في الدنيا ،أنهار الجَّنة َتَف َّج ُر من تحت ِتاَل ِل ،
أو تحت جبال المسِك ،ولو كان أدنى أهل الجَّنة حليًة عدلْت بحلية أهل الدنيا جميًعا؛ لكان ما
يحليه الَّله به في اآلخرة أفضل من حلية أهل الدنيا جميًعا" (. )2
__________
( )1أخرجه الترمذي برقم ( ،)2566وأحمد في المسند (.)5 /5
ورواُه خالد الواسطي عن علي بن عاصم عن الجريري به مثله.
أخرجه عبد بن حميد في مسنده (المنتخب رقم ،)410وابن أبي داود في البعث رقم (،)70
وأبو نعيم في الحلية ( ،)205 - 204 /6وفي صفة الجَّنة رقم ( ،)307وابن حبان في صحيحه
( /16رقم )7409وغيرهم.
والحديث صححه الترمذي وابن حبان.
والحديث معدود من غرائب حكيم بن معاوية.
فقد قال أبو نعيم" :غريب عن الجريري ،تفَّر د به حكيم".
قال علي بن عاصم" :فحَّد ْثُت بهذين الحديثين (انظر :الحديث اآلخر ص ( )116بهز بن حكيم،
فقال :لم أسمعها".
انظر :الكامل البن عدي ( ،)67 /2وراجع ص (.)116
( )2أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (البقرة) رقم ( )243مختصًر ا ،وأبو نعيم في صفة الجَّنة
رقم ( )313مختصًر ا ،والبيهقي في البعث رقم (= .)292
()1/384
وذكر األعمش عن عبد الَّله بن مرة عن مسروق عن عبد الَّلِه قال" :إَّن أنهار الجَّنة ُتفجُر من جبل
مسٍك " ( . )1وهذا موقوٌف صحيح.
__________
= من طريق الربيع بن سليمان به بمثله.
ورواُه يوسف بن كامل القراطيسي ومقدام بن داود المصري وعبد الملك ابن حبيب كلهم عن
أسد بن موسى به مختصًر ا.
أخرجه ابن حبيب في وصف الفردوس رقم ( ،)62والعقيلي في الضعفاء ( ،)326 /2وابن حبان
في صحيحه ( ،)4708 /16والطبراني في األوسط رقم ( ،)8879وفي كتاب "َمْن اسمه عطاء"
(.)12
قال الطبراني" :لم يرو هذين الحديثين عن ابن ثوبان إاَّل أسد بن موسى".
قال العقيلي في ترجمة "عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان" بعد أْن ذكر هذا الحديث وغيره فيما
ينكر عليه قال" :وال يتابعه إاَّل َمْن هو دونه أو مثله".
وعليه فالحديث ضعيف اإلسناد لتفُّر د ابن ثوبان به وفيه ضعف.
( )1أخرجه هناد في الزهد رقم ( ،)94وابن أبي شيبة في المصنف ( /7رقم ،)33947وابن
أبي حاتم في تفسيره البقرة رقم ( ،)255وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم ( ،)306والبيهقي في
البعث رقم (.)293
من طريق وكيع وأبي معاوية عن األعمش عن عبد الَّله بن ُمَّر ة عن مسروق عن ابن مسعود
فذكره.
-وخالفهما معمر ،فرواُه عن األعمش عن عبد الَّله بن مرة عن مسروق فذكر مثله ،ولم يذكر
"ابن مسعود".
أخرجه عبد الرزاق ( )416 /11رقم (.)20873
والصواُب األَّو ل من قول ابن مسعود ،قال البيهقي" :هذا موقوف صحيح".
تنبيه :وقع في جميع النسخ ،وعند البيهقي "عمرو بن ُمَّر ة" وهو خطأ ،والصواُب عبد الَّله بن مَّر ة
وهو الخارفي.
ولعَّل المؤِّلف نقل هذا من البعث للبيهقي بدليل قوله" :وهذا موقوف =
()1/385
وذكر ابن مردويه في "مسنده" ( : )1حدثنا أحمد بن محمد بن عاصم حدثنا عبد الَّله بن محمد
بن النعمان حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا الحارث بن عبيد ،حدثنا أبو عمران الجوني ،عن أبي
بكر بن عبد الَّله بن قيس ،عن أبيه رضي الَّله عنه قال :قال رسول الَّلِه -صلى الَّله عليه وسلم:-
"هذه األنهار َتْش ُخ ُب من جَّنة عدٍن في َجْو َبِة ،ثَّم تصَّد ُع بعُد أنهاًر ا" (. )2
وقال ابن أبي الدنيا :حدثنا يعقوب بن عبيد ( )3حدثنا يزيد بن
__________
= صحيح" وهو بعينه كالم البيهقي.
( )1في "ب ،د ،هـ" ونسخٍة على حاشية "أ"" :تفسيره".
( )2أخرجه الطيالسي في مسنده رقم ( ،)531وأحمد ( ،)416 /4وابن أبي شيبة في المصنف (
/7رقم ،)34098وعبد بن حميد في مسنده كما في المنتخب رقم ( ،)545وابن أبي الدنيا
برقم ( )84وغيرهم.
كلهم من طريق الحارث بن عبيد اإليادي عن أبي عمران الجوني فذكره.
وخالفه عبد العزيز بن عبد الصمد الَعِّم ي في متنه.
-فرواُه عبد العزيز عن أبي عمران الجوني به بلفظ" :جَّنتان من ذهٍب آنيتهما وما فيهما ،وجنتان
من فضة آنيتهما وما فيهما. . .
أخرجه البخاري رقم ( ،)4597ومسلم برقم ( ،)180وأحمد ( )411 /4وغيرهم.
وهذا المتن هو الصحيح ،ولفُظ الحارث اَّلذي ساقه المؤِّلف منكر ،فإَّن الحارث ضعيف ،وأَّما
عبد العزيز بن عبد الصمد العِّم ي فثقة حافظ.
راجع بتوسع صفة الجَّنة ألبي نعيم رقم ( ،)314 ،141والبعث ألبي داود رقم (.)58
( )3في "هـ"" :عبيدة" وهو خطأ ،وهو :النهر تيري ،قال ابن أبي حاتم :صدوق.
انظر :الجرح ( ،)210 /9وتاريخ بغداد (.)282 /14
()1/386
هارون حدثنا الجريري عن معاوية بن ُقَّر ة عن أنس بن مالك رضي الَّله عنه قال" :أظُّنُك م تظنون
أَّن أنهار الجَّنة أخدود في األرض؟ ال والَّله ،إَّنها لسائحة على وجه األرض ،إحدى حافتيها اللؤلؤ،
واألخرى الياقوت ،وطينه المسك األذفر ،قال قلُت :ما األذفر؟ قال :اَّلذي ال خلط له" (. )1
ورواُه ابن مردويه في "تفسيره" عن محمد بن أحمد حدثنا محمد ابن أحمد ( )2بن أبي يحيى (
)3حدثنا مهدي بن حكيم حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا الُج ريري عن معاوية بن ُقَّر ة عن أنس بن
مالك قال :قال
__________
( )1أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( ،)69وأبو نعيم في صفة الجَّنة (- 167 /2
)168رقم (.)316
من طريق يعقوب بن عبيد وبشر بن معاذ كالهما عن يزيد بن هارون به مثله موقوًفا.
وخالفهما مهدي بن حكيم بن مهدي.
-فرواُه عن يزيد بن هارون به مثله مرفوًعا.
-وأخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة ( ،)168 /2وابن مردويه في تفسيره كما ذكره المؤلف.
والصحيح موقوٌف ؛ فإَّن يعقوب وبشًر ا صدوقان ،وأَّم ا مهدي بن حكيم فلم أقف ألحٍد تكَّلم فيه
أو َذَك ره إاَّل قول أبي الشيخ األصبهاني "شيخ بصري قدم أصبهان." . .
طبقات المحدثين ( ،)252 /3وأخبار أصبهان ألبي نعيم (.)321 /2
ولهذا قال المنذري في الترغيب والترهيب (" :)518 /4والموقوف أشبه بالصواب".
( )2قوله "محمد بن أحمد" من "ب ،ج ،د ،هـ".
( )3في "ب"" :بن يحيى" بدل "بن أبي يحيى".
()1/387
رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم ،-فذكرُه هكذا ،رواُه مرفوًعا.
وقال أبو خيثمة :حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أَّنه قرأ هذه اآليةِ{ :إَّنا
َأْع َطْيَناَك اْلَك ْو َثَر ( [ })1الكوثر ]1 :فقال :قال رسول الَّلِه -صلى الَّله عليه وسلم" :-أعطيت
الكوثر فإذا هو يجري ،ولم ُيشَّق شًّق ا ،وإذا حافتاُه قباُب اللؤلؤ ،فضربُت بيدي إلى تربته ،فإذا
مسٌك أذفر ،وإذا حصباؤه اللؤلؤ" (. )1
وذكر سفيان الثوري ،عن عمرو بن ُمَّر ة عن أبي عبيدة عن مسروق في قولهَ{ :و َماٍء َمْس ُك وٍب (
[ } )31الواقعة ]31 :قال" :أنهار تجري في غير أخدود" قالَ{ :و َنْخ ٍل َطْلُعَه ا َه ِض يٌم (} )148
[الشعراء ]148 :قال" :من أصلها إلى فرعها ،أو كلمة نحوها" (. )2
__________
( )1أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( ،)75وأحمد (.)247 /3
من طريق عفان عن حماد به مثله.
-ورواُه عبد الصمد وهدبة بن خالد وعبد الرحمن بن سالم الجمحي كالهما عن حماد بن سلمة
به مثله.
أخرجه ابن حبان في صحيحه ( /14رقم ،)6471وأبو يعلى في مسنده ( /6رقم .)3290
-ورواُه حميد الطويل وقتادة عن أنس مثله كما تقدم.
وهو حديث صحيح.
( )2أخرجه البيهقي في البعث والنشور رقم ( )320بتمامه.
من طريق أسود بن عامر عن الثوري به.
ورواُه عبد الرحمن بن مهدي ووكيع وغيرهما عن الثوري.
ورواُه المسعودي ومسعر بن كدام عن عمرو بن مرة به مقتصًر ا على الشطر األَّو ل ،وفيه زيادة
تقدمت (ص= .)359 /
()1/388
وفي "صحيح مسلم" ( )1من حديث أبي هريرة رضي الَّله عنه قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله
عليه وسلم" :-سيحان وجيحان والفراُت والنيل :كٌّل من أنهار الجَّنة".
وقال عثمان بن سعيد الَّدارمي :حدثنا سعيد بن سابق حدثنا مسلمة ( )2بن علي ،عن مقاتل بن
حيان عن عكرمة عن ابن عباس عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :أنزَل الَّلُه من الجَّنة
خمسة أنهاٍر :سيحون :وهو نهُر الهنِد ،وجيحون :وهو نهُر بْلٍخ ،ودجلة والفراَت :وهما نهرا
العراِق ،والنيل :وهو نهُر مصَر ،أنزلها الَّلُه من عيِن واحدٍة من عيون الجَّنة من أسفل درجٍة من
درجاتها على جناحي جبريل عليه السالم ،فاستودعها الجباَل ،وأجراها في األرض ،وجعل فيها
منافع للَّناس في أصناف معايشهم ،فذلك قولهَ{ :و َأْنَز ْلَنا ِم َن الَّس َم اِء َماًء ِبَق َد ٍر َفَأْس َك َّناُه ِفي اَأْلْر ِض
َو ِإَّنا َعَلى َذَه اٍب ِبِه َلَق اِد ُر وَن } [المؤمنون ، )3( ]18 :فإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج
ُأرسل جبريل فرفع من األرض القرآن والعلم كله ،والحجَر األسود من ركن البيت ،ومقام
إبراهيم ،وتابوت موسى بما فيه ،وهذه األنهار الخمسة فرفع ذلك كله إلى السماء ،فذلك قوله
__________
= أخرجه هناد في الزهد رقم ( ،)104 ,103 ,95وابن أبي شيبة في المصنف ( /7رقم
،)33948وابن صاعد في زوائده على الزهد البن المبارك رقم ( ،)1490والطبري في تفسيره
( )170 /1وغيرهم.
وهو أثٌر صحيح.
( )1رقم (.)2839
( )2في "د ،هـ"" :سلمة" وهو خطأ.
( )3قولهَ{ :و ِإَّنا َعَلى َذَه اٍب ِبِه َلَق اِد ُر وَن ( })18من "د" فقط.
()1/389
تعالىَ{ :و ِإَّنا َعَلى َذَه اٍب ِبِه َلَق اِد ُر وَن ([ } )18المؤمنون ،]18 :فإذا ُر ِفعت هذه األشياء من
األرِض ،فقد ُح ِر م أهلها خير الدنيا واآلخرة" (. )1
رواه أبو أحمد ابن عدي في ترجمة :مسلمة هذا مع أحاديث غيره ،وقال" :عامة أحاديثه ( )2غير
محفوظة ،وبالجملة فهو من الضعفاء" .قال البخاري :منكر الحديث ،وقال النسائي :متروك،
وقال أبو حاتم" :ال ُيْش َتَغُل به" (. )3
وقال عبد الَّله بن وهب :حدثنا سعيد بن أبي ( )4أيوب عن ُعَق يل بن خالد عن الزهري أَّن ابن
عباس رضي الَّله عنهما قال" :إَّن في الجَّنة نهًر ا ُيقال له :الَبْيَذ ُخ ،عليه ِقَباٌب من ياقوٍت تحته
جواٍر ،يقول أهل الجَّنة :انطلقوا بنا إلى الَبْيَذ خ ،فيتصَّف حون تلك الجواري ،فإذا أعجب رجاًل
منهم جاريٌة مَّس ِم عَص مها فتتبعه" (. )5
__________
( )1أخرجه ابن عدي في الكامل في الضعفاء ( ،)315 /6وابن حبان في المجروحين (34 /3
،)35 -والخطيب في تاريخه ( )80 - 79 /1وغيرهم.
من طريق سعيد بن سابق به نحوه.
قال ابن عدي" :وهذان الحديثان :أحدهما :رواُه مسلمة عن مقاتل . .،جميًعا غير محفوظين ،بل
هما منكرا المتن".
( )2قوله" :غيره ،وقال عامة حديثه" سقط من "ج".
( )3انظر :ترجمته وأقوال العلماء فيه في تهذيب الكمال (.)571 - 567 /27
( )4سقط من "ب ،د".
( )5أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( ،)70وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (.)324
وفي سنده انقطاع ،فالزهري لم يسمع من ابن عباس ،بل سمع من ابنه =
()1/390
فصل
وأَّم ا العيون :فقد قال تعالىِ{ :إَّن اْلُم َّتِق يَن ِفي َج َّناٍت َو ُعُيوٍن ([ })15الذاريات ،]15 :وقال
تعالىِ{ :إَّن اَأْل ا ْش وَن ِم َك ْأٍس َك اَن ِم ا ا َك اُفو ا (َ )5ع ًنا ْش ِب ا ِع اُد الَّلِه
ْي َي َر ُب َه َب ًر َز ُجَه ْبَر َر َي َر ُب ْن
ُيَفِّج ُر وَنَه ا َتْف ِج يًر ا ([ })6اإلنسان.]6 - 5 :
قال بعض السلف" :معهم قضبان الذهب ،حيثما مالوا مالت معهم" (.)1
وقد اختلف في قولهَ{ :يْش َر ُب ِبَه ا} [اإلنسان:]6 :
-فقال الكوفيون :الباء بمعنى ِم ْن .أي يشرب منها (.)2
-وقال آخرون :بل الفعل ُمَض َّم ن ( .)3ومعنى يشرب بها :أي يروى بها ،فلَّم ا ضَّم نه معناه عَّداه
تعديته ،وهذا أصح وألطف وأبلغ.
-وقالت طائفة :الباء للَّظرفية ،والعين اسم للمكان ( ،)4كما تقول :كنا بمكان كذا وكذا.
ِف ِه ِب ٍد ِب
ونظير هذا الَّتضمين قولهَ{ :و َمْن ُيِر ْد ي ِإ ْلَح ا ُظْلٍم } [الحجُ ]25 :ضِّم َن معنى َيُه ُّم (َ )5فُعِّد َي
َتْع ِد يته.
__________
= علي بن عبد الَّله بن عباس.
انظر :تهذيب الكمال (.)424 /26
( )1انظر :تفسير الطبري ( ،)208 /29والدر المنثور (.)483 /6
( )2في "هـ"" :أي :من شرب منها".
( )3من "أ" ،وفي باقي النسخ "ُمْض َم ر" ،والمثبت هو الصواب.
( )4في "ب ،ج"" :مكان" ،وفي "هـ"" :المكان".
( )5من "أ" ،وفي باقي النسخ "بهم" وهو خطأ.
()1/391
وقال تعالىَ{ :و ُيْس َق ْو َن ِفيَه ا َك ْأًس ا َك اَن ِم َز اُجَه ا َز ْنَج ِبياًل (َ )17عْيًنا ِفيَه ا ُتَس َّم ى َس ْلَس ِبياًل (} )18
[اإلنسان ،]18 ،17 :فأخبر سبحانه عن العين التي يشرب بها المقربون ِص ْر ًفا؛ أَّن شراب
األبرار يمزج منها؛ ألَّن أولئك أخلصوا اَألعمال كلها لَّله ،فأخلص شرابهم ،وهؤالء مزجوا،
فمزج شرابهم.
ونظير هذا قوله تعالىِ{ :إَّن اَأْلْبَر اَر َلِف ي َنِعيٍم (َ )22عَلى اَأْلَر اِئِك َيْنُظُر وَن (َ )23تْع ِر ُف ِفي
ُوُج وِه ِه ْم َنْض َر َة الَّنِعيِم (ُ )24يْس َق ْو َن ِم ْن َر ِح يٍق َمْخ ُتوٍم (ِ )25خ َتاُمُه ِم ْس ٌك َو ِفي َذِلَك َفْلَيَتَناَفِس
اْلُم َتَناِفُس وَن (َ )26و ِم َز اُج ُه ِم ْن َتْس ِنيٍم (َ )27عْيًنا َيْش َر ُب ِبَه ا اْلُم َقَّر ُبوَن ([ } )28المطففين22 :
.]28 -
فأخبر سبحانه عن مزاج شرابهم بشيئين؟ بالكافور في أَّو ل الُّس ورة ،والزنجبيل في آخرها ،فإَّن
في الكافور من البرد وطيب الَّر ائحة ،وفي الزنجبيل من الحرارة وطيب الَّر ائحة ،وما يحدث لهم
باجتماع الَّش رابين -ومجيء أحدهما على إثر اآلخر -حالًة أخرى أكمل وأطيب وألذ من كٍّل
منهما بانفراده ،وتعتدل ( )1كيفية كل منهما بكيفية اآلخر ،وما ألطف موقع ذكر الكافور في
أَّو ل السورة ،والزنجبيل [ /108ب] في آخرها ،فإَّن شرابهم ُمِزج أَّواًل بالكافور ،وفيه من البرد
ما يجيء الزنجبيل بعده فيعدله.
والَّظاهُر أَّن الكأس الثانية ( )2غير األولى ،وأَّنهما نوعان لذيذان من الشراب ،أحدهماُ :مِز َج
بكافور ،والثانيُ :مِزَج بزنجبيل.
__________
( )1في "ب ،د"" :يعدل".
( )2في "ب ،د"" :الثاني".
()1/392
وأيًض ا؛ فإَّنه سبحانه أخبر عن َم ْز ِج شرابهم بالكافور وَبْر ِدِه في مقابلة ما وصفهم به من حرارة
الخوف ،واإليثار ،والصبر ،والوفاِء بجميع الواجبات التي نَّبَه بوفائهم بأضعفها ،وهو ما أوجبوه
على أنفسهم بالَّنْذ ِر على الوفاِء بأعالها ،وهو ما أوجبه الَّلُه عليهم ،ولهذا قالَ{ :و َجَز اُه ْم ِبَم ا
َص َبُر وا َج َّنًة َو َح ِر يًر ا ([ } )12اإلنسان ،]12 :فإَّن في الَّص بر من الخشونة وحبس الَّنفس عن
شهواتها؛ ما اقتضى أْن يكون في جزائهم من سعة الجَّنة ،ونعومة الحريِر ما يقابل ذلك الحبس
والخشونة ،وجمع لهم بين النضرة والسرور ،هذا جمال ظواهرهم ،وهذا جمال بواطنهمَ ،ك َم ا
جَّم ُلوا في الدنيا ظواهرهم بشرائع اإلسالم ،وبواطنهم بحقائق اإليمان.
ِم ِل ِث
ونظيره قوله تعالى في آخر السورةَ{ :عا َيُه ْم َياُب ُس ْنُد ٍس ُخ ْض ٌر َو ِإْسَتْبَر ٌق َو ُح ُّلوا َأَس اِو َر ْن
ِفَّضٍة} [اإلنسان ،]21 :فهذه زينة الظاهر ،ثَّم قالَ{ :و َس َق اُه ْم َر ُّبُه ْم َش َر اًبا َطُه وًر ا (} )21
[اإلنسان.]21 :
فهذه زينة الباطن الُم َطِّه ر له ( )1من كِّل أذى ونقص.
ونظيرُه قوله تعالى ألبيهم آدم عليه السالمِ{ :إَّن َلَك َأاَّل َتُج وَع ِفيَه ا َو اَل َتْع َر ى (َ )118و َأَّنَك اَل
َتْظَم ُأ ِفيَه ا َو اَل َتْض َح ى ([ } )119طه.]119 ,118 :
فَض ِم َن لُه أْن ال يصيبه ذل الباطن بالجوع ،وال ذُّل الظاهر بالُعرِّي ،وأْن ال يناله حّر الباطن بالظمأ،
وال حُّر الظاهر بالضحى.
ونظيُر هذا ما عَّددُه على عباده من نعمه أَّنه أنزل عليهم لباًس ا يواري
__________
( )1كذا في جميع النسخ.
()1/393
سوآتهم ،ويزين ظواهرهم ،ولباًس ا آخر يزين بواطنهم وقلوبهم ،وهو لباس التقوى ،وأخبر أَّنه خير
اللباسين (. )1
وقريٌب من هذا إخباره أَّنه زَّيَن الَّس ماَء الدنيا بزينة الكواكب ،وحفظها من كِّل شيطاٍن مارٍد ،فزَّين
ظاهرها بالُّنجوم ،وباطنها بالحراسة (. )2
وقريٌب منه أمره من أراد الحج بالَّز اد الَّظاهر ،ثَّم أخبر أَّن خير الَّز اِد الزاُد الباطن ،وهو التقوى (
. )3
وقريٌب منه قول امرأة العزيز عن يوسفَ{ :فَذ ِلُك َّن اَّلِذ ي ُلْمُتَّنِني ِفيِه} [يوسف ،]32 :فأرتهَّن
ُحْس َنُه وجماله ،ثَّم قالتَ{ :و َلَق ْد َر اَو ْد ُتُه َعْن َنْف ِس ِه َفاْس َتْعَص َم } [يوسف .]32 :فأخبرتهَّن بجمال
باطنه ،وزينته بالِعَّف ِة.
وهذا كثيٌر في القرآن لمن تأمله.
__________
(ُ )1يشير إلى آية ( )26من سورة األعراف.
( )2يشير إلى آيتي ( 6و )7من سورة الصافات.
( )3يشير إلى آية ( )197من سورة البقرة.
()1/394
()1/395
والحمد" (. )1
وفي "المسند" و"سنن النسائي" بإسناد صحيح على شرط الصحيح من حديث األعمش ،عن
ثمامة بن عقبة ،عن زيد بن أرقم قال" :جاء رجٌل من أهل الكتاب إلى الَّنبي -صلى الَّله عليه
وسلم -فقال :يا أبا القاسم ،تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون؟ قال" :نعم ،والذي نفس
محمد بيده ،إن أحدهم لُيْع َطى قوة مئة رجل في األكل والشرب والجماع والشهوة" ،قال :فإن
الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة وليس في الجنة أذى ،قال" :تكون حاجة أحدهم رشًح ا
يفيض من جلودهم كرشح المسك َفيْض ُم ر بطنه" (. )2
ورواه الحاكم في "صحيحه" ( )3ولفظه" :أتى الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -رجل من اليهود
فقال :يا أبا القاسم ،ألست تزعم أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون؟ -ويقول ألصحابه :إن أقَّر
لي بهذا خصمته -فقال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-بلى والذي نفس محمٍد بيده ،إن
أحدهم لُيْع َطى قوة
__________
( )1رقم (.)18( - )2835
( )2أخرجه أحمد في المسند ( 367 /4و ،)371وعبد بن حميد في مسنده (المنتخب رقم
،)263والنسائي في الكبرى ( /6رقم ،)11478وهناد في الزهد رقم ( ،)90 ،63واللفظ له،
وابن حبان في صحيحه ( ،)7424 /16وأبو نعيم في الحلية ( ،)116 /8( ،)366 /7وابن
حبيب في وصف الفردوس رقم ( 83و )84وغيرهم.
والحديث صححه ابن حبان وأبو نعيم والضياء المقدسي والمؤِّلف.
( )3لم أقف عليه في المطبوع ،وال في إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة البن حجر ( 570 /4و
)571رقم ( .)4673 ،4671لكن أخرجه البيهقي في البعث والنشور رقم ( )352عن الحاكم
ومحمد بن موسى به.
()1/396
رجل في الَم ْطعم والَم ْش رب والشهوة والجماع" ،فقال له اليهودي :فإن الذي يأكل ويشرب
تكون له الحاجة ،فقال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-حاجتهم َعَر ق يفيض من جلودهم
مثل المسك ،فإذا البطن قد ضمر".
وقال الحسن بن عرفة :حدثنا خلف بن خليفة ،عن حميد األعرج ،عن عبد الَّله بن الحارث ،عن
عبد الَّله بن مسعود ،قال :قال لي رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-إنك لتنظر إلى الطير في
الجنة فتشتهيهَ ،فَيِخ ّر بين يديك مشوًّيا" (. )1
وقد تقدم حديث أنس في قصة عبد الَّله بن سالم في أول طعام يأكله أهل الجنة ،وشرابهم على
أثره (. )2
__________
( )1أخرجه الحسن بن عرفة في جزئه رقم ( ،)22والبزار في مسنده ( )401 /5رقم (،)2032
والبيهقي في البعث رقم (.)353
-ورواُه جماعٌة عن خلف بن خليفة به.
أخرجه الشاشي في مسنده رقم ( ،)858والعقيلي في الضعفاء ( ،)268 /1وابن عدي في
الكامل ( ،)273 /2وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( ،)104والبيهقي في البعث رقم (
)353وغيرهم.
والحديُث مدارُه على حميد األعرج الكوفي :ضعيف جًّدا ،بل قال ابن حبان" :يروي عن ابن
الحارث عن ابن مسعود نسخة كأَّنها كلها موضوعة".
وقال ابن عدي" :وهذه األحاديث عن ابن الحارث عن ابن مسعود ،أحاديث ليست بمستقيمة وال
يتابع عليها." . .
والحديُث باطل ،وقد ضعفه العقيلي وابن عدي والبوصيري والذهبي وغيرهم.
( )2عند البخاري رقم (.)3723
()1/397
وحديث أبي سعيد الخدري" :تكون األرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكَّف ؤها الجبار بيده ُنُز اًل
ألهل الجنة" (. )1
وقال الحاكم :أنبأنا األصم ،حدثنا إبراهيم بن منقذ ،حدثنا إدريس ابن يحيى ،حدثني الفضل بن
المختار ،عن عبيد الَّله بن موهب ،عن عصمة بن مالك الخطمي ،عن حذيفة -رضي الَّله عنه-
قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-إن في الجنة طيًر ا أمثال البخاتي ،فقال أبو بكر:
إنها لناعمة يا رسول الَّله ،قال :أنعم منها من يأكلها ،وأنت ممن يأكلها يا أبا بكر" (. )2
قال الحاكم :وأنبانا األصم ،حدثنا يحيى بن أبي طالب ،أنبأنا عبد الوهاب بن عطاء ،أنبأنا سعيد،
عن قتادة في قوله تعالىَ{ :و َلْح ِم َطْيٍر ِم َّم ا َيْش َتُه وَن ([ } )21الواقعة ]21 :قال :ذكر لنا أن أبا
بكر قال :يا رسول الَّله ،إني ألرى طير الجنة ناعمة كما أهلها ناعمون ،قال" :من يأكلها أنعم
منها ،وإنها أمثال البخاتي ،وإني ألحتسب على الَّله أن تأكل منها يا أبا بكر" (. )3
__________
( )1عند البخاري رقم ( ،)6155ومسلم رقم (.)2792
( )2أخرجه البيهقي في البعث والنشور رقم (.)354
قال العراقي :غريب .قلت :فيه الفضل بن المختار البصري قال أبو حاتم" :هو مجهول ،وأحاديثه
منكرة يحدث باألباطيل" ،وقال ابن حجر" :مدارها على الفضِل بن المختار ،وهو ضعيف جًّدا".
انظر :الجرح والتعديل ( ،)69 /7واإلصابة (.)243 /6
( )3أخرجه البيهقي في البعث والنشور رقم (.)355
وسنده حسن إلى قتادة ،والحديث مرسل.
()1/398
وبهذا اإلسناد عن قتادة ،عن أبي أيوب رجٌل من أهل البصرة ،عن عبد الَّله بن عمرو -رضي الَّله
عنهما -في قوله تعالىُ{ :يَطاُف َعَلْيِه ْم ِبِص َح اٍف ِم ْن َذَه ٍب } [الزخرف ،]71 :قال" :يطاف عليهم
بسبعين صحفة من َذَه ٍب ،كُّل صفحٍة فيها لون ليس في اُألخرى" (. )1
وقال الدراوردي :حدثني ابن أخي ابن شهاب ،عن أبيه ( )2عبد الَّله ابن مسلم أنه سمع أنس بن
مالك -رضي الَّله عنه -يقول في الكوثر :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-هو نهٌر
أعطانيه ربي أشد بياًض ا من اللبن ،وأحلى من العسل ،فيه طيور أعناقها كأعناق الُجُز ِر " ،فقال عمر
بن الخطاب :إنها يا رسول الَّله لناعمة ،فقال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-آِكُلها أنعم
منها" (. )3
__________
( )1أخرجه البيهقي في البعث والنشور رقم ( ،)356والطبري في تفسيره ( )96 /25مختصًر ا.
وسنده صحيح ،أبو أيوب هذا هو يحيى- ،ويقال حبيب -ابن مالك األزدي العتكي .انظر:
تهذيب الكمال (.)62 - 60 /33
( )2في "ب ،د"" :عن" بين "أبيه" و"عبد الَّله" وهو خطأ.
( )3أخرجه البيهقي في البعث والنشور رقم (.)291
-ورواُه إبراهيم بن سعد ومعن بن عيسى القَّز از وعبد الَّله بن مسلمة القعنبي وأبو ُأويس "لكنه
اضطرب فيه" ،كلهم عن محمد بن عبد الَّله بن مسلم عن أبيه عن أنس فذكره نحوه؛ لكن قال
إبراهيم بن سعد "أبو بكر" بدل "عمر".
أخرجه أحمد ( ،)237 ،236 /3وبقي بن مخلد فيما روي في الحوض والكوثر رقم (،)31
واآلجري في الشريعة رقم ( ،)1087والترمذي برقم ( ،)2542وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة (
)79وغيرهم.
-ورواُه جعفر بن عمرو عن عبد الَّله بن مسلم عن أنس فذكره= .
()1/399
تابعه إبراهيم بن سعد عن ابن أخي ابن شهاب ،وقال :فقال "أبو بكر" بدل "عمر".
وقال عثمان بن سعيد الدارمي :حدثنا عبد الَّله بن صالح ،عن معاوية بن صالح ،عن علي بن أبي
طلحة ،عن ابن عباس في قوله تعالىَ{ :و َك ْأٍس ِم ْن َم ِعيٍن ([ } )18الواقعة ،]18 :يقول" :الخمر"،
{اَل ِفيَه ا َغْو ٌل } [الصافات ]47 :يقول (" : )1ليس فيها صداع" ،وفي قوله تعالىَ{ :و اَل
ُيْنِز ُفوَن } [الواقعة ]19 :يقول" :ال تذهب عقولهم" ،وقوله تعالى:
__________
= أخرجه بقي بن مخلد في الحوض والكوثر رقم ( )30وغيره.
-ورواه عبد الوهاب بن أبي بكر ويزيد بن الهاد (إن كان محفوًظا) عن عبد الَّله بن مسلم عن
ابن شهاب الزهري عن أنس فذكره نحوه.
أخرجه أحمد ( ،)220 /3وبقي بن مخلد "فيما روي في الحوض والكوثر" رقم (،)33 /32
والطبري في تفسيره ( )324 /30وغيرهم.
-ورواه الليث بن سعد إن كان محفوًظا -عن الزهري عن أنس مرفوًعا -قاله ألبي بكر.
أخرجه ابن حبيب في وصف الفردوس رقم (.)88
قال الترمذي" :حسن" ،وفي بعض النسخ "حسن غريب".
قلت :طريق عبد الوهاب أصح ،فإن محمد بن عبد الَّله بن مسلم في حفظه مقال ،وجعفر بن
عمرو هو ابن جعفر بن أميه فيه جهالة ،والراوي عنه ابن إسحاق ولم يصرح بالتحديث،
والحديث غريب عن الزهري.
-ورواه سيار عن جعفر بن سليمان الُّض َبعي عن ثابت عن أنس رفعه" :إن طير الجنة كأمثال
البخت ترعى في شجر الجنة فقال أبو بكر " . . .نحوه.
أخرجه أحمد ( ،)221 /3وصَّح ح العراقي إسناده ،وفيه نظر ،والصواب أَّنه ضعيف اإلسناد.
( )1سقط من "ج".
()1/400
{َو َك ْأًس ا ِد َه اًقا ([ } )34النبأ ،]34 :يقول" :ممتلئة" ،وقولهَ{ :ر ِح يٍق َمْخ ُتوٍم } [المطففين]25 :
يقول" :الخمر ختم بالمسك" (. )1
وقال علقمة ،عن ابن مسعودِ{ :خ َتاُمُه ِم ْس ٌك } [المطففين .]26 :قال" :خلطه ،وليس بخاتم
يختم" (. )2
__________
( )1أخرجه البيهقي في البعث والنشور رقم (.)357
وسنده حسن ،وعلي بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس ،وإنما لقي مجاهًد ا فسمع منه
التفسير.
انظر تهذيب الكمال (.)490 /20
وأخرجه الطبري مفَّر ًقا ببعضه ،عن علي عن عبد الَّله بن صالح به في ( )175 /27و (19 /30
و 105و .)106
( )2أخرجه ابن المبارك في الزهد -رواية نعيم -رقم ( ،)277وابن وهب في التفسير -من
الجامع ( )143 /1رقم ( ،)334وابن أبي الدنيا في صفة الجنة رقم ( ،)131والطبري في
تفسيره ( ،)106 /30والبيهقي في البعث رقم ( )359وغيرهم.
من طريق سفيان الثوري عن أشعث بن سليم عن زيد بن معاوية عن علقمة عن ابن مسعود
فذكره.
-وقد خولف الثوري:
خالفه أبو األحوص وزائدة وأيوب وشريك وإسرائيل كلهم عن أشعث به (من قول علقمة).
وسئل يحيى القطان عن ذلك فقال" :لو كانوا أربعة آالف مثل هؤالء لكان سفيان أثبت منهم".
وسئل عبد الرحمن بن مهدي عن ذلك فقال" :هؤالء قد اجتمعوا ،وسفيان أثبت منهم،
واالنصاف ال بأس به".
انظر المجروحين البن حبان (.)51 /1
واألثر فيه زيد بن معاوية ذكره ابن حبان في الثقات ( )317 /6وسكت =
()1/401
قلت :يريد -والَّله أعلم -أن آخره مسك يخالطه فهو من الخاتمة ،ليس من الخاتم.
وقال زيد بن معاوية :سألت علقمة عن قوله تعالىِ{ :خ َتاُمُه ِم ْس ٌك } [المطففين ]26 :فقرأ
{خاتمه مسك} ،فقال لي علقمة" :ليست خاتمه ،ولكن اقرأها {ِخ َتاُمُه ِم ْس ٌك } قال علقمة:
ختامه :خلطه ،ألم تر إلى ( )1المرأة من نسائكم تقول للطيب :إَّن َخ ْلطُه من مسك ،لكذا وكذا"
(. )2
وذكر سعيد بن منصور ( : )3حدثنا أبو معاوية ،عن األعمش ،عن عبد الَّله بن مرة ،عن مسروق:
"الرحيق :الخمر ،والمختوم :يجدون
__________
= عنه البخاري ،وروى عنه راويان.
وعليه فاإلسناد ال بأس به.
( )1في "ب ،ج ،د ،هـ" "أَّن ".
( )2أخرجه هناد في الزهد رقم ( ،)67والطبري في تفسيره ( ،)106 /30والبيهقي في البعث
رقم (.)360
وفيه زيد بن معاوية العبسي -تقدم الكالم فيه -وهو هنا يسأل علقمة فهو أقرب إلى الضبط في
الُجْم لة.
وعليه فاإلسناد ثابت.
( )3أخرجه البيهقي في البعث رقم ( )361من طريق سعيد بن منصور به مثله.
لكن رواه هناد في الزهد رقم ( ،)64وابن أبي الدنيا في صفة الجنة رقم (.)137
عن داود بن عمرو الَّضبي كالهما "هناد وداود" عن أبي معاوية به.
وزاد "عن ابن مسعود" وهذا هو الصحيح.
ورواُه وكيع عن األعمش به -وذكر ابن مسعود -مقتصًر ا على أَّو له.
أخرجه هناد رقم ( )66وغيره.
()1/402
()1/403
والَّله أعلم -يريد ما يبقى في أسفل اإلناء من الُّد ْر ِد ِّي (. )1
وذكر الحاكم :من حديث آدم ،حدثنا شيبان ،عن جابر ،عن ابن سابط ،عن أبي الدرداء في قوله:
{ِخ َتاُمُه ِم ْس ٌك } [المطففين ،]26 :قال" :هو شراٌب أبيض مثل الفضة يختمون به آخر شرابهم،
لو أَّن رجاًل من أهل الدنيا أدخل يده فيه ثم أخرجها؛ لم يبق ذو روح إال وجد ريح طيبها" (. )2
قال آدم :وحدثنا أبو شيبة ،عن عطاء قال" :الَّتْس ِنيم :اسم العين التي يمزج به الخمر" (. )3
وقال اإلمام أحمد :حدثنا هشيم ،أنبأنا حصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي الَّلُه عنهما في
قولهَ{ :و َك ْأًس ا ِد َه اًقا} [النبأ]34 :
__________
(ُ )1دردُّي الشيء :ما يبقى في أسفله ،الصحاح (.)403 /1
( )2أخرجه البيهقي في البعث رقم ( )365عن الحاكم به مثله.
وأخرجه ابن المبارك في الزهِد -رواية ُنعيم -رقم ( ،)276وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (
،)130والطبري في تفسيره (.)107 /30
من طريق أبي حمزة ورجل عن جابر به مثله.
واألثُر ضعيُف اإلسناد فيه جابر الجعفي متكَّلٌم فيه ،وعبد الرحمن بن سابط لم يسمع من أبي
الدرداء.
انظر :تهذيب الكمال (.)125 /17
( )3أخرجه البيهقي في البعث رقم ( )366عن الحاكم به مثله.
وسنده حسن ،وأبو شيبة هو :شعيب بن رزيق الشامي أبو شيبة المقدسي ،وعطاء هو ابن أبي
مسلم الخراساني .انظر :تهذيب الكمال (.)524 /12
()1/404
قال" :هي المتتابعة الممتلئة" ،قال :وُر َّبما سمعت العباس يقول :اسقنا واْد َه ق لنا" (. )1
وقد تقَّدم الكالم على قوله تعالىِ{ :إَّن اَأْلْبَر اَر َيْش َر ُبوَن ِم ْن َك ْأٍس َك اَن ِم َز اُجَه ا َك اُفوًر ا (َ )5عْيًنا
َيْش َر ُب ِبَه ا ِع َباُد الَّلِه ُيَفِّج ُر وَنَه ا َتْف ِج يًر ا} [اإلنسان ]6 - 5 :وعلى قولهَ{ :و ُيْس َق ْو َن ِفيَه ا َك ْأًس ا
َك اَن ِم َز اُجَه ا َز ْنَج ِبياًل (َ )17عْيًنا ِفيَه ا ُتَس َّم ى َس ْلَس ِبياًل ([ } )18اإلنسان. )2( ]18 - 17 :
فقالت فرقة" :سلسبياًل " جملة مركبة من فعل وفاعل ،و"سبياًل " منصوب على المفعول ،أي سل
سبياًل إليها (. )3
وليس هذا بشيء ،وإنما السلسبيل كلمة مفردة ،وهي اسم للعين نفسها باعتبار صفتها ،وقد شفى
( )4قتادة ومجاهد في اشتقاق اللفظة،
__________
( )1أخرجه البيهقي في البعث رقم ( )358من طريق اإلمام أحمد به مثله.
وأخرجه عبد بن حميد في تفسيره كما في تغليق التعليق ( )501 /3عن هشيم به نحوه مختصًر ا.
-رواُه يحيى بن المهلب عن حصين به نحوه وفيه ( . . .اسقنا كأًس ا دهاًقا).
أخرجه البخاري في صحيحه ( )66فضائل الصحابة ( )56باب :أيام الجاهلية ( )1395 /3رقم
(.)3627
( )2انظر ص (.)392 - 391
( )3ذكره الماوردي في تفسيره ( )171 /6عن علي رضي الَّله عنه.
قال ابن الجوزي" :وال يصح" أي :عن علي رضي الَّله عنه .وقال السمعاني" :ومن قال ذلك فقد
أبعد ،وهو تأويل باطل ،وليس من قول أهل العلم" .انظر زاد المسير ( ،)438 /8وتفسير القرآن
للسمعاني (.)119 /6
( )4في "أ ،ب ،هـ" "سعى" وهو خطأ.
()1/405
فقال قتادةَ" :س ِلَس ة لهم يصرفونها حيث شاؤوا" ( . )1وهذا من االشتقاق األكبر ( . )2وقال
مجاهدَ" :س ِلَس ُة السبيل حديدة الجرية" ( ، )3وقال أبو العالية والمقاتالن (" : )4تسيل عليهم في
الطرق ،وفي منازلهم" .وهذا من سالستها وِح َّدة جريتها.
وقال آخرون :معناها طيبة الطعم والمذاق (. )5
وقال أبو إسحاق" :سلسبيل :صفة ِلَم ا كان في غاية السالسة،
__________
( )1أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ( )271 /2رقم ( ،)3437والطبري (.)218 /29
عن معمر عن قتادة فذكره.
-ورواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قالَ( :س ِلَس ة مستقيًد ا "أي :منقاد" ماؤها).
أخرجه الطبري ( .)218 /29وهو أثر صحيح عن قتادة.
( )2في "ج" "األكثر" وهو خطأ.
( )3أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ( )271 /2رقم ( )3436وهناد في الزهد رقم ()96
والطبري ( 218 /29و .)219
من طريق الثوري وشبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد. .
ولفظ الثوري :حديدة -وفي رواية :شديدة -الجرية .ولفظ شبل :سلسة الجرية .وهو أثر صحيح
عن مجاهد.
( )4المقاتالن هما :مقاتل بن حيان ،ومقاتل بن سليمان.
وانظر هذا النقل عنهما في تفسير السمرقندي "بحر العلوم" ( ،)432 /3وتفسير القرطبي الجامع
ألحكام القرآن ( ،)143 /19وتفسير الماوردي ( ،)171 /6ومعالم التنزيل للبغوي (/8
.)297
( )5انظر الجامع ألحكام القرآن للقرطبي (.)142 /19
()1/406
()1/407
()1/408
والفواكه يخلق لها من الحرارة ما ُيْنِض جها ،ويجعل سبحانه أوراق الشجر ظالاًل ،فرُّب الدنيا
واآلخرة واحد ،وهو الخالق باألسباب والِح َك م ما يجعله ( )1في الدنيا واآلخرة ،واألسباب مظهر
أفعاله وحكمته؛ ولكَّنها تختلف ،ولهذا يقع التعجب من العبد لورود أفعاله سبحانه على أسباب
غير األسباب المعهودة المألوفة ،وربما حمله ذلك على اإلنكار والكفر ،وذلك محض الجهل
والظلم؛ وإاَّل فليست قدرته سبحانه وتعالى مقّصرة عن أسباب ُأَخ ر؛ َو ُمَس ِّبَبات ينشئها منها؛ كما
لم يقصر في هذا العالم المشهود عن أسبابه ومسبباته ،وليس هذا بأهون عليه من ذلك.
ولعل النشأة األولى التي أنشأها الرب سبحانه وتعالى فيها بالعيان والمشاهدة = أعجب من النشأة
الثانية التي وعدنا بها إذا تأملها اللبيب .ولعل إخراج هذه الفواكه والثمار من بين هذه التربة
الغليظة ،والماء والخشب والنوى ( )2المناسب لها = أعجب عند العقل من إخراجها من بين
تربة الجنة ومائها وهوائها.
ولعل إخراج هذه األشربة التي هي غذاء ودواء وشراب ولَّذ ة من بين فرث ودم ،ومن ِفِّي ()3
ُذَباٍب = أعجب من إجرائها أنهاًر ا في الجنة بأسباب ُأخر.
__________
( )1في "ب ،د"" :يخلقه".
( )2في "ب ،د ،هـ"" :الهواء".
( )3في "أ ،ب ،ج"ِ" :قِّي " ،ويعني بالذباب :النحل.
()1/409
ولعل أخراج جوَه َر ي الذهب والفضة في ( )1عروق الحجارة من الجبال وغيرها = أعجب من
إنشائها هناك من أسباب أخر .ولعل إخراج الحرير من لعاب ُدْو ِد الَق ِّز ،وبنائها على أنفسها
القباب الِبْيض والُح مر والصفر أحكم بناء = أعجب من إخراجه من أكمام تتفَّتق عنه شجر هناك،
قد أودع فيها ،وأنشئ منها.
ولعَّل جريان بحار الماء بين السماء واألرض على ظهور السحاب = أعجب من جريانها في الجنة
في غير أخدود.
وبالجملة ،فتأمل آيات الَّله التي دعا عباده إلى التفُّك ر فيها ،وجعلها آياٍت دالًة على كمال قدرته،
وِع َّلًة في مشيئته ( )2وحكمته وملكه ،وعلى توُّح ده بالربوبية واإللهية ،ثم وازن بينها وبين ما
أخبر به من أمر اآلخرة والجنة والنار = تجد هذه أدَّل شيٍء على تلك ،شاهدة لها ،وتجدهما من
مشكاٍة واحدة ،ورٍّب واحد ،وخالٍق واحد ( ، )3وملٍك واحد ،فُبعًد ا لقوٍم ال يؤمنون.
__________
( )1في "هـ"" :من".
( )2في "ب ،د"" :وعلمه ومشيئته" ،وفي "هـ" ونسخٍة على حاشية "أ"" :وعلمه في مشيئته".
( )3قوله "وخالق واحد" من "ب ،ج ،د ،هـ".
()1/410
الباب التاسع واألربعون في ذكر آنيتهم التي يأكلون فيها ويشربون ،وأجناسها وصفاتها
ِص ٍف ِم
قال الَّلُه تعالىُ{ :يَطاُف َعَلْيِه ْم ِب َح ا ْن َذَه ٍب َو َأْك َو اٍب } [الزخرف ،]71 :فالصحاف :جمُع
َصْح َف ة ،قال الكلبي" :بقصاٍع من ذهٍب " .وقال الليث" :الصحفة :قطعٌة ُمْس َلْنِط َح ة عريضة،
الجمُعِ :ص َح اف ،قال األعشى:
والَم َك اِكْيَك والِّص َح اَف مَن الِف َّضـ ...ــة والَّضاِم َز اِت تحَت الِّر َح اِل ()1
وأَّما األكواب فجمع كوٍب ،قال الفَّر اء" :الكوب :المستدير الَّر أس اَّلذي ال ُأَذَن له ،وأنشد
ِلَعِد ي:
ُمتكًئا تصفُق أبواُبه ...يسعى عليه الغيد بالكوب ()2
وقال أبو عبيدة" :األكواب :األباريق التي ال خراطيم لها" ( ،)3قال أبو إسحاق" :واحدها كوٌب ،
وهو إناء مستدير ال ُعروة له" ( .)4وقال ابن عباس" :هي األباريق التي ليست لها آذان" (.)5
وقال مقاتل" :هي
__________
( )1انظر :تهذيب اَّللغة لألزهري ( ،)1981 /2وانظر البيت في ديوان األعشى ص (.)167
( )2انظر معاني القرآن للفَّر اء (.)37 /3
( )3انظر مجاز القرآن ( ،)206 /2وفيه "األبارق" بدل "األباريق".
( )4انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج (.)419 /4
( )5لم أقف عليه.
()1/411
()1/412
وقال تعالىَ { :طاُف َعَل ِه ِبآِن ٍة ِم ِفَّضٍة َأْك اٍب َك اَنْت اِر ي ا ( )15اِر ي ِم ِفَّضٍة
َقَو َر ْن َقَو َر َو َو ْي ْم َي ْن َو ُي
َقَّد ُر وَه ا َتْق ِد يًر ا ([ } )16اإلنسان.]16 - 15 :
فالقوارير :هي الزجاج ،فأخبر سبحانه وتعالى عن مادة تلك اآلنية أَّنها من الفضة ،وأَّنها بصفاء
الزجاج وشفافته ،وهذا من أحسن األشياء وأعجبها ،وقطع سبحانه توُّهم كون تلك القوارير من
زجاج فقالَ{ :قَو اِر يَر ِم ْن ِفَّضٍة } ،قال مجاهد وقتادة وُمقاتل والكلبي والشعبي" :قوارير الجَّنة من
الفضة" ( ، )1فاجتمع لها بياض الفضة وصفاء القوارير.
قال ابن قتيبة" :كل ما في الجَّنة من األنهار وسررها وفرشها وأكوابها مخالٌف لما في الدنيا من
صنعة العباد ،كما قال ابن عباس" :ليس في الدنيا شيٌء مَّم ا في الجَّنة إاَّل األسماء" (، )2
واألكواب في الدنيا ،قد تكون من فضة ،وتكون من قوارير ،فأعلمنا الَّلُه تعالى أَّن هناك أكواًبا
لها بياض الفضة ،وصفاء القوارير ،قال :وهذا على التشبيه ،أراد قوارير كأَّنها من فضة ،وهذا
كقوله تعالىَ{ :ك َأَّنُه َّن
__________
( )1انظر :تفسير الطبري ( ،)217 - 215 /29ومعالم التنزيل للبغوي ( ،)296 /8وتفسير
مقاتل (.)313 - 312 /3
( )2أخرجه هناد في الزهد رقم ( ،)8 ,3ووكيع في نسخته عن األعمش رقم ( ،)1وابن أبي
حاتم في تفسيره البقرة رقم ( ،)261والطبري ( ،)174 /1ومسدد في مسنده كما في المطالب
العالية ( ،)4617وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم ( )124وغيرهم.
من طرق عن األعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال :ال يشبه شيٌء مَّم ا في الجَّنة ما في الدنيا
إاَّل األسماء" .هذا لفظ األشجعي عن الثوري.
وهو أثٌر صحيح ثابت.
()1/413
اْلَياُقوُت َو اْلَمْر َج اُن ([ } )58الرحمن ،]58 :أي لهَّن ألوان المرجان في صفاء الياقوت" (. )1
وهذا مردوٌد عليه ،فإَّن اآلية صريحٌة أَّنها من فضة ،و"من" ها هنا لبيان الجنس كما تقول :خاتم
من فضة ،وال يراد بذلك أنه يشبه الفضة ،بل جنسه ومادته الفضة ،ولعله أشكل عليه كونها من
فضة وهي قوارير ،وهو الزجاج ،وليس في ذلك إشكال لما ذكرناه.
وقولهَ{ :قَّد ُر وَه ا َتْق ِد يًر ا} التقدير :جعل الشيء بقدر مخصوص ،فقدرت الُّص ناع هذه اآلنية على
قدر ِر ِّيِه م ( ، )2ال يزيد عليه وال ينقص منه ،وهذا أبلغ في لذة الشارب ،فلو نقص عن ِر ِّيِه لنقص
التذاذه ،ولو زاد حتى ُيْس ئر ( )3منه حصل له ماللة وسآمة من الباقي.
هذا قول جماعة المفسرين (. )4
قال الفراء" :قدروا الكأس على ِر ِّي أحدهم ،ال فضل فيه ،وال عجز عن ِر ِّيه ،وهو الُّذ الشراب" (
. )5
__________
( )1انظر تأويل مشكل القرآن البن قتيبة الدينوري ص (.)81 - 80
( )2في "ج ،هـ"ِ" :ز ِّيهم" وهو خطأ.
( )3يسئر :أي يْف ضل ،قال الليثُ :يقال أسأر فالن من طعامه وشرابه ُس ْؤ ًر ا :وذلك إذا أبقى منه
بقَّية ،قال :وبقية كل شيء ُس ْؤ ره ،انظر :تهذيب اللغة لألزهري (.)1592 /2
( )4في "هـ" ،ونسخة على حاشية "أ"" :من المفسرين".
( )5انظر :معاني القرآن له (.)217 /3
()1/414
وقال الزجاج" :جعلوا اإلناء على قدر ما يحتاجون إليه ويريدونه" (. )1
وقال أبو عبيد" :يكون التقدير للذين يسقون يقدرونها ،ثم يسقون" .يعني أن الضمير في "قدروا"
للمالئكة والخدم ،قدروا الكأس على قدر الِّرِّي ،فال يزيد عليه َفُيثِق ل الكف ،وال ينقص منه ()2
فتطلب النفس الزيادة كما تقدم.
وقالت طائفة :الضمير يعود على الشاربين ،أي قدروا في أنفسهم شيًئا ،فجاءهم األمر ()3
بحسب ما قدروه وأرادوه.
وقول الجمهور أحسن وأبلغ ،فهو مستلزم لهذا القول .والَّله أعلم.
وأما الكأس ،فقال أبو عبيدة" :هو اإلناء بما فيه" ( . )4وقال أبو إسحاق" :الكأس :اإلناء إذا كان
فيه خمر ،ويقع الكأس لكِّل إناٍء مع شرابه" (. )5
والمفسرون فَّس روا الكأس بالخمر ،وهو قول عطاء والكلبي
__________
( )1انظر معاني القرآن وإعرابه له (.)260 /5
( )2من "ب ،ج ،د ،هـ".
( )3ليس في "د".
( )4انظر مجاز القرآن (.)169 /2
( )5انظر المخصص البن سيده ( ،)197 - 196 /3والمحرر الوجيز البن عطية (.)363 /15
()1/415
ومقاتل ( ، )1حتى قال الضحاك" :كل كأس في القرآن ،فإنما عنى به :الخمر" (. )2
وهذا نظر منهم إلى المعنى والمقصود :فإن المقصود ما في الكأس ال اإلناء معه .وأيًض ا ،فإن من
األسماء ما يكون اسًم ا للحال والمحل مجتمعين ومنفردين :كالنهر ،والكأس .فإن النهر اسم
للماء ولمحله مًعا ،ولكل منهما على انفراده ،وكذلك الكأس ،والقرية .ولهذا يجيء لفظ القرية
مراًدا ( )3به الساكن فقط ،والمسكن فقط ،واألمران مًعا.
وقد أخرجا في "الصحيحين" ( )4من حديث أبي موسى األشعري -رضي الَّله عنه :-أن رسول
الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ،وجنتان من فضة آنيتهما
وما فيهما" :وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إال رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن".
وفيهما أيًض ا من حديث أبي هريرة قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-إن أول زمرة
يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر ،والذين يلونهم على أشد كوكب ُدِّرٍّي في السماء
إضاءًة ،ال يبولون وال يتغوطون وال يمتخطون وال يتفلون ،أمشاطهم الذهب ،ورشحهم المسك،
ومجامرهم األلوة ،وأزواجهم الحور العين ،أخالقهم على خلق
__________
( )1انظر :تفسير مقاتل (.)313 /3
( )2أخرجه هَّناد في الزهد رقم ( ،)72والطبري في تفسيره (.)34 /23
وسنده صحيح.
( )3في "د"ُ" :يراد".
( )4تقدم في ص (.)207 - 206
()1/416
رجل واحد ،على صورة أبيهم آدم ،عليه السالم ستون ذراًعا في السماء" (. )1
وفي "الصحيحين" ( )2من حديث حذيفة بن اليمان أَّن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :ال
تشربوا في آنية الذهب والفضة ،وال تأكلوا في صحافها ( ، )3فإنها لهم في الدنيا ولكم في
اآلخرة".
وقال أبو يعلى الموصلي في "مسنده" :حدثنا شيبان ،حدثنا سليمان بن المغيرة ،حدثنا ثابت قال:
قال أنس -رضي الَّله عنه :-كان رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -تعجبه الرؤيا ( ، )4فربما
رأى الرجل الرؤيا فيسأل عنه إذا لم يكن يعرفه ،فإذا أثنى ( )5عليه معروف كان أعجب لرؤياه
إليه .فأتته امرأة فقالت :يا رسول الَّله رأيت كأِّني ُأتيت فأخرجت من المدينة فُأدخلت الجنة،
فسمعت وجبة انتحت ( )6لها الجنة ،فنظرت فإذا فالن ابن فالن ،وفالن ابن فالنَ ،فَس َّم ْت اثني
عشر رجاًل ،كان رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -قد بعث سرية قبل ( )7ذلك ،فجيء بهم،
عليهم ثياب ُطْلس َتْش َخ ب
__________
( )1تقدم ص (.)232 - 231
( )2البخاري رقم ( ،)5110ومسلم رقم (.)2067
( )3في "ب"" :صحافهما".
( )4عند أحمد من رواية عفان وبهز عن سليمان به "الرؤيا الحسنة".
( )5في "أ ،ج"" :أتى" ،والمثبت من مصدر التخريج ،وباقي النسخ.
( )6في "هـ" والمسند "اْر َتَّج ْت " وفي نسخٍة على حاشية "أ"" :أيتجت" ،والمثبت من باقي النسخ،
وأبي يعلى.
الوْجَبة :الَّس ْق طة .وانتحت يعني :مالت وتحركت .انظر :لسان العرب (.)311 - 310 /15
( )7في مسند أبي يعلى "بمثل".
()1/417
أوداجهم ،فقيل :اذهبوا بهم إلى نهِر البيذخ أو البنذخ ( )1فغمسوا فيه فخرجوا ،ووجوهم
كالقمر ليلة البدِر ،فأتوا بصحفة من ذهٍب فيها ُبْس ر ،فأكلوا من بسره ما شاؤوا ،فما يقلبونها من
وجه إاَّل أكلوا من الفاكهة ما أرادوا ،وأكلُت معهم ،فجاء البشير من تلك السرية فقال (: )2
أصيَب فالٌن وفالٌن ،حَّتى عَّد ( )3اثني عشَر رجاًل ،فدعا رسول الَّلِه -صلى الَّله عليه وسلم-
المرأة ،فقالُ" :قِّص ي رؤياِك فقصتها ،وجعلت تقول :جيء بفالن ،وفالن ،كما قال" (. )4
رواُه اإلمام أحمد في "مسنده" بنحوه ،وإسناده على شرط مسلم.
__________
( )1اضطربت النسخ في ضبط هاتين الكلمتين ،والمثبت من "أ".
( )2في مسند أبي يعلى "كان من أمرنا كذا وكذا فأصيب." . . .
( )3قوله "حَّتى عَّد" ،وقع في "أ" "فعَّد" ،والمثبت من مسند أبي يعلى ،وباقي النسخ.
( )4أخرجه أبو يعلى في مسنده ( )45 - 44 /6رقم ( ،)3289وابن حبان في صحيحه (/13
رقم ،)6054والبيهقي في دالئل النبوة ( )26 /7وغيرهم.
-ورواُه عَّف ان الصفار وبهز بن أسد وهاشم بن القاسم وموسى بن إسماعيل التبوذكي وأبو هاشم
كلهم عن سليمان بن المغيرة به نحوه.
أخرجه أحمد في المسند ( 135 /3و )257والنسائي في الكبرى ( /4رقم ،)7622والبيهقي
في دالئل النبوة ( ،)26 /7وأبو عوانة في صحيحه كما في إتحاف المهرة (.)531 /1
والحديث صححه أبو عوانة وابن حبان والمؤلف.
()1/418
الباب الخمسون في ذكر لباسهم وحليتهم ومناديلهم وفرشهم وبسطهم ووسائدهم ونمارقهم
وزراِبِّيهم
قال الَّلُه تعالىِ{ :إَّن اْلُم َّتِق يَن ِفي َمَق اٍم َأِم يٍن (ِ )51في َج َّناٍت َو ُعُيوٍن (َ )52يْلَبُس وَن ِم ْن ُس ْنُد ٍس
َو ِإْسَتْبَر ٍق ُمَتَق اِبِليَن ([ })53الدخان.]53 - 51 :
وقال تعالىِ{ :إَّن اَّلِذ يَن آَم ُنوا َو َعِم ُلوا الَّصاِلَح اِت ِإَّنا اَل ُنِض يُع َأْج َر َمْن َأْح َسَن َعَم اًل (ُ )30أوَلِئَك
َلُه ْم َج َّناُت َعْد ٍن َتْج ِر ي ِم ْن َتْح ِتِه ُم اَأْلْنَه اُر ُيَح َّلْو َن ِفيَه ا ِم ْن َأَس اِو َر ِم ْن َذَه ٍب َو َيْلَبُس وَن ِثَياًبا ُخ ْض ًر ا
ِم ْن ُس ْنُد ٍس َو ِإْسَتْبَر ٍق ُمَّتِكِئيَن ِفيَه ا َعَلى اَأْلَر اِئِك } [الكهف.]31 - 30 :
قال جماعٌة من المفسرين :السندس :ما رَّق من الديباج ،واالستبرق :ما غلَظ منه (.)1
وقال طائفة :ليس المراد به الغليظ ،ولكن المراد به :الَّصفيق.
وقال الزجاج" :هما نوعان من الحرير" (.)2
وأحسن األلوان األخضر ،وألين المالبس الحرير ،فجمع لهم بين
__________
( )1انظر :تفسير الطبري ( ،)243 /15وتفسير الماوردي ( ،)304 /3والوسيط للواحدي (/3
،)147ومعالم التنزيل للبغوي ( ،)169 /5والمحرر الوجيز البن عطية ( ،)398 /10وزاد
المسير البن الجوزي ( ،)137 /5ومعاني القرآن للنحاس ( )233 /4وغيره.
( )2انظر معاني القرآن وإعرابه له (.)284 /3
()1/419
حسن منظر اللباس ،والتذاذ العين به ،وبين نعومته والتذاذ الجسم به.
وقال تعالىَ{ :و ِلَباُس ُه ْم ِفيَه ا َح ِر يٌر ([ } )23الحج.]23 :
وها هنا مسألة هذا موضع ذكرها ،وهي أَّن الَّلَه سبحانه وتعالى أخبر أَّن لباس أهل الجَّنة حرير،
وصَّح عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -أَّنه قال" :من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في
اآلخرة" (. )1
متفق على صحته ،من حديث عمر بن الخطاب وأنس بن مالك رضي الَّلُه عنهما.
وقد اْخ ُتِلَف في المراد بهذا الحديث:
-فقالت طائفة من السلف والخلف :إَّنه ال يلبس الحرير في الجَّنة ،ويلبس غيره من المالبس،
قالوا :وأَّم ا قوله تعالىَ{ :و ِلَباُس ُه ْم ِفيَه ا َح ِر يٌر ( } )23فمن العام المخَّصص (. )2
وقال الجمهور :هذا من الوعيد اَّلذي له حكم أمثاله من نصوص الوعيد التي تدل على أَّن هذا
الفعل مقتٍض لهذا الحكم ،وقد يتخَّلف ( )3عنه لمانع.
__________
( )1أخرجه البخاري رقم ( ،)5496ومسلم رقم ( )2069من حديث عمر رضي الَّلُه عنه،
والبخاري رقم ( ،)5494ومسلم رقم ( )2073من حديث أنس رضي الَّلُه عنه.
( )2في "ب ،ج ،د ،هـ" ونسخة على حاشية "أ"" :المخصوص".
( )3في "ج"" :يختلف" وهو خطأ.
()1/420
وقد دَّل النص واإلجماع على أَّن التوبة مانعٌة من لحوق الوعيد ،ويمنع من لحوقه أيًض ا الحسنات
الماحية ،والمصائب المكفرة ،ودعاء المسلمين ،وشفاعة من أذن الَّلُه له في الشفاعة فيه ،وشفاعة
أرحم الراحمين إلى نفسه ،فهذا الحديث نظير الحديث اآلخر "من شرب الخمر في الدنيا لم
يشربها في اآلخرة" (. )1
ِل ِث
وقال تعالىَ{ :و َجَز اُه ْم ِبَم ا َص َبُر وا َج َّنًة َو َح ِر يًر ا ([ } )12اإلنسان ،]12 :وقالَ{ :عا َيُه ْم َياُب
ُس ْنُد ٍس ُخ ْض ٌر َو ِإْسَتْبَر ٌق } [اإلنسان .]21 :وتأَّمل ما دَّلت عليه لفظة {َعاِلَيُه ْم } من كون اللباس
ظاهًر ا بارًز ا ُيَج ِّم ل ظواهرهم ،ليس بمنزلة الشعار الباطن ،بل اَّلذي يلبس فوق الثياب للزينة
والجمال.
وقد اختلف الُقَّر اء السبعة في نصب {َعاِلَيُه ْم } ورفعه على قراءتين.
واختلف النحاة في وجه َنْص ِبِه ،هل هو على الظرف ،أو على الحال = على قولين.
واختلف المفسرون ( : )2هل ذلك للولدان اَّلذين يطوفون عليهم ،فيطوفون وعليهم ثياب
السندس واإلستبرق ،أو السادات الذين يطوف عليهم الولدان ،فيطوفون على ساداتهم ،وعلى
السادات هذه الثياب؟.
وليس الحال ها ُه نا بالبِّين ،وال تحته ذلك المعنى البديع الَّر ائع،
__________
( )1تقدم ص (.)378
( )2انظر لذلك معاني القرآن للفراء ( ،)219 - 218 /3وتفسير الطبري (.)220 /29
()1/421
فالصواب فيه :أَّنه منصوب على الظرف ،فإَّن "عالًيا" لَّم ا كان بمعنى فوق ُأْج رَي مجراُه ،قال أبو
ِع
علي :وهذا الوجه أبين ( ، )1وهو أَّن "عالًيا" صفة ،فُج َل ظرًفا كما كان قولهَ{ :و الَّر ْك ُب َأْس َف َل
ِم ْنُك ْم } [األنفال ]42 :كذلك ،وكما قالوا :هو ناحية من الدار.
وأَّما من رفع {َعاِلَيُه ْم } فعلى االبتداء ،و {ِثَياُب ُس ْنُد ٍس } :خبره ،وال يمنع من هذا إفراد عاٍل ،
وجمع الثياب؛ فإَّن فاعاًل قد ُيراد به الكثرة ،كما قال:
أال إَّن جيراني الَعشَّية َر ائٌح ...دعتهم دواع ِم ن هًو ى وُمَنادُح ()2
وقال تعالىُ{ :مْس َتْك ِبِر يَن ِبِه َس اِم ًر ا َتْه ُج ُر وَن ([ } )67المؤمنون.]67 :
ومن رفع {ُخ ْض ًر ا} :أجراه صفة للثياب ،وهو األقيس من وجوه :أحدها :المطابقة بينهما في
الجمع.
الثاني :موافقته لقوله تعالىَ{ :و َيْلَبُس وَن ِثَياًبا ُخ ْض ًر ا} [الكهف.]31 :
الثالث :تخلصه من وصف ( )3المفرد بالجمع.
وَمْن جَّر أجراه ( )4صفًة للسندس على إرادة الجنس ،كما يقال :أهلك الَّناس الدينار الُّصْف ر،
والدرهم ( )5البيض.
__________
( )1في "أ"" :بِّين".
( )2نقله الفراء عن المفَّضل الَّضِّبي كما في رسالة "الصاهل والشاحج" ألبي العالء المعري ص (
.)440
( )3في "أ"" :صفة".
( )4قوله "ومن جر :أجراه" في "أ" "ومن جَّر اه" ،وفي "ج ،هـ"" :ومن َج َر ى مجراه".
( )5في "ج ،هـ"" :الدراهم" ،وتلك المقولة لم أقف عليها.
()1/422
وتترَّج ح القراءة األولى بوجٍه رابٍع أيًض ا :وهو :أَّن العرب تجيء بالجمع اَّلذي هو ( )1في لفظ
الواحد ،فيجرونه مجرى الواحد ،كقوله تعالى{ :اَّلِذ ي َجَعَل َلُك ْم ِم َن الَّش َج ِر اَأْلْخَض ِر َناًر ا} [يس:
،]80وكقولهَ{ :ك َأَّنُه ْم َأْع َج اُز َنْخ ٍل ُمْنَق ِعٍر ([ } )20القمر ،]20 :فإذا كانوا قد أفردوا صفات
هذا النوع من الجمع ،فإفراد صفة الواحد ،وإْن كان في معنى الجمع أولى.
وفي {َو ِإْسَتْبَر ٌق } قراءتان :الرفع :عطًف ا على ثياب .والجُّر :عطًف ا على سندس.
وتأَّمل كيف جمع لهم بين نوعي الزينة الظاهرة من اللباس والحلي ،كما جمع لهم بين الظاهرة
والباطنة ،كما تقدم قريًبا ،فجَّم ل البواطن بالشراب الطهور ،والسواعد باألساور ،واألبدان بثياب
الحرير.
ِم ِت ٍت وقال تعالىِ{ :إَّن الَّلَه ْد ِخ اَّلِذ ي آ ُنوا َعِم ُلوا الَّصاِل اِت
َج َّنا َتْج ِر ي ْن َتْح َه ا اَأْلْنَه اُر َح ُي ُل َن َم َو
ِف ِل ِم ِف ِم
([ } )23الحج.]23 : ُيَح َّلْو َن يَه ا ْن َأَس اِو َر ْن َذَه ٍب َو ُلْؤ ُلًؤ ا َو َباُس ُه ْم يَه ا َح ِر يٌر
واختلفوا في جِّر "لؤلؤ" ونصبه ( ، )2فمن نصبه ففيه وجهان:
__________
( )1سقط من "ج".
( )2انظر :معاني القرآن للفَّر اء ( ،)230 /2ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج (- 419 /3
،)420وتفسير الطبري ( ،)136 /17والكشاف للزمخشري ( )151 - 150 /3وغيرها.
()1/423
أحدهما :أَّنه عطف على موضع قولهِ{ :م ْن َأَس اِو َر }.
والثاني :أَّنه منصوب بفعٍل محذوٍف دَّل عليه األَّو ل ،أي :وُيَح َّلون لؤلًؤ ا.
ومن جَّر ه فهو عطٌف على الذهب ،ثَّم يحتمل أمرين:
أحدهما ( : )1أْن يكون لهم أساور من ذهٍب وأساور من لؤلؤ.
ويحتمل أْن تكون األساور مركبة من األمرين مًعا :الذهُب المرَّص ُع باللؤلؤ ،والَّلُه أعلم بما أراد.
قال ابن أبي الدنيا :حدثني محمد بن رزق الَّله ،حدثنا زيد بن الحباب ،قال حدثني عتبة بن سعد
قاضي الَّر ي عن جعفر بن أبي المغيرة عن شمر بن عطية عن كعب قال" :إَّن لَّله عَّز وجَّل ملًك ا
منُذ يوم ُخ ِلَق ( = )2يصوُغ ُح لَّي أهِل الجَّنة إلى أْن تقوم الساعة ،لو أَّن ُقْلًبا ( )3من حلي أهل
الجَّنة ُأْخ ِر َج لذهب بضوء ُش َعاع الشمس ،فال تسألوا بعد هذا ( )4عن ُح لي أهل الجَّنة" (. )5
__________
( )1ليس في "أ".
( )2في نسخة على "أ" "إن الَّله عز وجل خلق ملًك ا منذ يوم خلق الجنة يصوغ" . . .
( )3في "ب" "كل" وهو خطأ ،ووقَع "ُح لًّيا" في المصنف والعظمة كما سيأتي.
والُقْلب :الُّس وار ،ويقال :الخلخال .انظر غريب الحديث للخَّطابي (.)89 /2
( )4قوله "بعد هذا" سقط من "ب" ،ووقع في "هـ"" :بعدها".
( )5أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( ،)223وابن أبي شيبة في مصنفه ( )60 /7رقم (
،)3398وأبو الشيخ األصبهاني في العظمة رقم ( )335وغيرهم.
وفي سنده انقطاع ،شمر بن عطية لم يدرك كعب األحبار= .
()1/424
حدثنا الحسن بن يحيى بن كثير العنبري حدثنا أبي عن أشعث عن الحسن قال" :الُح لي في الجَّنة
على الِّر جاِل أحسُن منه على النساء" (. )1
حدثنا أحمد بن منيع حدثنا الحسن بن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا يزيد بن أبي حبيب عن داود
بن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :لو أَّن
ِس
رجاًل من أهِل الجَّنة اَّطلَع فبدا (َ )2و اُر ه لَطَم َس ضوَء الشمس ،كما تطمُس الشمس ضوَء
النجوم" (. )3
__________
= انظر :تهذيب الكمال (.)561 - 560 /12
ِف ِم
( )1أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( )224وزاد "وكان يقرُأُ{ :يَح َّلْو َن يَه ا ْن َأَس اِو َر
ِم ْن َذَه ٍب َو ُلْؤ ُلًؤ ا} [الحج.]23 :
وأشعث لم أستطع تحديده أهو الكندي "الضعيف" أو الحَّداني "الصدوق" أو الحمراني "الثقة".
( )2في "د"" :قيد".
( )3أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( ،)225وأحمد ( ،)169 /1وأبو نعيم في صفة
الجَّنة رقم (.)266
من طريق الحسن بن موسى األشيب عن ابن لهيعة به مثله.
-ورواُه ابن المبارك عن ابن لهيعة به مثله وأَّو لُه" :لو أَّن ما يقل ظفر مَّم ا في الجَّنة َبَد ْا لتزخرف
له ما بين خوافق السماوات واألرِض ".
أخرجه أحمد ( ،)171 /1وابن المبارك في الزهِد -رواية نعيم -رقم ( ،)416والترمذي رقم (
)2538وغيرهم.
-ورواُه الليث بن سعد عن يزيد به ،ذكره الدارقطني في علله ( ،)335 /4ولم أعثر عليه.
-ورواُه يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن عمر عن سعد بن أبي وَّقاص ،فذكره بمثل
لفظ ابن المبارك.
أخرجه البخاري في تاريخه الكبير ( )208 /6تعليًق ا ،والبزار في مسنده =
()1/425
وقال ابن وهب :حدثني ابن لهيعة عن ُعَق ْيل بن خالد عن الحسن عن أبي هريرة أَّن أبا ُأمامة
حدث أَّن رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -حدثهم -وذكر ُح ِلَّي الجَّنة -فقال" :مسَّو رون
بالَّذ هب والفضةُ ،مكَّللون بالُّد ِّر ،عليهم أكاليُل من ُدٍّر وياقوٍت متواصلة ،وعليهم تاٌج كتاج
الملوك ،شباٌب جرٌد ُمْر د ( )1مكحلون" (. )2
__________
= ( )1109 /3و (.)1226 /4
-ورواُه عمرو بن الحارث عن سليمان بن حميد أَّن عامًر ا حَّدثه ،قال سليمان" :وال أعلمه إاَّل أَّنه
حدثني عن أبيه عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :لو أَّن أقَّل ظفر من الجَّنة برز في الدنيا
لتزخرف له ما بين السماء واألرِض ".
أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (.)57
والحديث ضعفه الترمذي بقوله" :هذا حديث غريب ال نعرفه بهذا اإلسناِد إاَّل من حديث ابن
لهيعة ،وقد روى يحيى بن أيوب هذا الحديث عن يزيد بن أبي حبيب وقال :عن عمر بن سعد بن
أبي وقاص عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم."-
بينما رَّج ح الَّدارقطني طريق الليث بن سعد -اَّلذي رواُه ابن لهيعة -على طريق يحيى بن أيوب
فقال" :واألَّو ل أصُّح ".
قلُت :إْن كان طريق الليث محفوًظا ،فاألمُر كما قال الدارقطني ،ويصبح اإلسناد صحيًح ا؛ إْن
َس ِلَم من تدليس ابن لهيعة؛ وإاَّل فاألمُر كما قال الترمذي ،وهو أشبه بالصواب ،والَّله أعلم.
( )1من "أ" فقط.
( )2أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم ( ،)267وابن أبي حاتم في تفسيره (كما عند ابن كثير (
)145 /4وليس فيه هذا اللفظ.
وفي سنده ابن لهيعة فيه ضعف ،ولم ُيصِّر ح بالسماع ،وفي سماع الحسن من أبي هريرة
اختالف.
انظر جامع التحصيل للعالئي ص (.)164
()1/426
وقد أخرجا في "الصحيحين" ( )1والسياق لمسلم :عن أبي حازم قال :كنت خلف أبي هريرة
وهو يتوضأ للصالة ،فكان يمد يدُه حتى تبلغ إبطه ،فقلُت له :يا أبا هريرة ما هذا الوضوء؟ فقال
يا بني َفُّر وخ أنتم ها هنا؟ لو علمُت أَّنكم ها هنا ما توضأُت هذا الوضوء ،سمعُت خليلي -صلى
الَّله عليه وسلم -يقول" :تبلُغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء".
وقد احتَّج بهذا من يرى استحباب غسل الَعُضد وإطالته.
والصحيح أَّنه ال يستحب ،وهو قول أهل المدينة ،وعن أحمد روايتان (. )2
والحديث ال يدُّل على اإلطالة ( ، )3فإَّن الحلية إَّنما تكون ِز يًنا في الساعد والِم عصم ال في
العضد والكتف.
وأَّم ا قوله" :فمن استطاع منكم أْن يطيل غَّر تُه فليفعل" (. )4
__________
( )1أخرجه البخاري رقم ( ،)136من طريق :نعيم المجمر ،ومسلم (.)250
( )2انظر :الكافي فقه أهل المدينة البن عبد البر ص ( ،)22 - 21والمعونة للقاضي عبد
الوهاب (.)123 /1
وشرح العمدة البن تيمية (الطهارة) (.)214
( )3في نسخٍة على حاشية "أ"" :إطالته".
( )4أخرجه البخاري رقم ( ،)136ومسلم في صحيحه ( ،)246وأحمد ( )523 /2كما سيأتي.
من طريق ُنَعيم بن عبد الَّله الُم ْج ِم ر عن أبي هريرة بلفظ "إَّن أمتي يأتون يوم القيامة ُغًّر ا محَّج لين
من أثر الوضوء ،فمن استطاع منكم." . . .
()1/427
فهذه الزيادة مدرجة في الحديث من كالم أبي هريرة ال من كالم الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم-
بَّين ذلك غير واحٍد من الحَّف اظ (. )1
وفي "مسند اإلمام أحمد" في هذا الحديث قال ُنَعْيٌم :فال أدري قوله" :من استطاع منكم أْن
يطيل غرته فليفعل" من تمام كالم الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -أو شيء قاله أبو هريرة من
عنده.
وكان شيخنا يقول" :هذه اللفظة ال يمكن أْن تكون من كالم رسول الَّله -صلى الَّله عليه
وسلم ،-فإَّن الغرة ال تكون في اليد ،ال تكون إاَّل في الوجه ،وإطالتها غير ممكنة ،إذ تدخل في
الرأس وال يسَّم ى ذلك ُغَّر ة".
وفي "صحيح مسلم" ( )2عن أبي هريرة عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :من يدخل
الجَّنة ينعُم ال يبأس ،ال تبلى ثيابه وال يفنى شبابه ،في الجَّنة ما ال عيٌن رأت ،وُأُذٌن سمعت ،وال
خطر على قلب بشر".
وقوله" :ال تبلى ثيابه" :الظاهر أَّن المراد به الِّثياب الُم َعَّينة ال يلحقها الِبَلى ،ويحتمل :أْن يراد به
الجنس ،بل ال تزال عليه الثياب الُج دد ،كما أَّنها ال ينقطع أكلها في جنسه ،بل كُّل مأكوٍل يخلفه
مأكوٌل آخر ،والَّلُه أعلم.
وقال اإلمام أحمد بن حنبل :حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا
__________
( )1راجع :الترغيب والترهيب للمنذري ( ،)149 /1وزاد المعاد ( ،)196 /1وفتح الباري (/1
،)236وإرواء الغليل (.)133 /1
( )2رقم ( ،)2836وأخرجه أحمد ( 369 /2و )416واَّللفظ له ،ولفظ مسلم إلى قوله
"شبابه".
()1/428
محمد بن أبي الوضاح ،حدثنا العالء بن عبد الَّله بن رافع ،حدثنا حنان ( )1بن خارجة عن عبد
الَّله بن عمرو رضي الَّله عنهما قال :جاء أعرابي جرمي ( )2فقال :يا رسول الَّلِه أخبرنا عن
الهجرة :أإليك ( )3أينما كنت ،أم لقوٍم خاصة ،أم إلى أرٍض معلومة ،أم إذا ِم َّت انقطعت؟ فسأل
ثالث مَّر ات ،ثَّم جلس ،فسكت رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -يسيًر ا ( )4ثَّم قال :أين
السائل؟ فقال :ها هو ذا يا رسول الَّله ،قال :الهجرة :أْن تهجر الفواحش ما ظهر منها وما بطن،
وتقيَم الصالة ،وتؤتي الزكاة ،ثَّم أنَت مهاجٌر وإْن مَّت بالَح َض ر .فقام آخر :فقال :يا رسول الَّله
أخبرني عن ثياب أهل الجَّنة أُتخلق خلًق ا أم تنسج نسًج ا؟ قال :فضحك بعض القوم ،فقال رسول
الَّله -صلى الَّله عليه وسلم :-تضحكون من جاهٍل يسأل عالًم ا! فسكَت الَّنبي -صلى الَّله عليه
وسلم -ساعة ( ، )5ثَّم قال :أيَن الَّس ائُل ( )6؟ فقال :ها هو ذا يا رسول الَّله ،قال :ال ( ، )7بل
ُتشَّق ُق عنها ثمر الجَّنة" ( )8ثالث
__________
( )1في "أ ،ب ،ج ،د" "حَّبان" ،وفي "هـ" "حَّيان" وكالهما خطأ ،انظر المؤتلف والمختلف
للَّدارقطني ( ،)428 /1والجرح والتعديل البن أبي حاتم ( ،)299 - 298 /3والتاريخ الكبير
للبخاري ( )112 /3وغيرها.
( )2كذا في جميع النسخ "جرمي" ،ووقع في المسند "جريء".
( )3من "أ" ،وفي باقي النسخ والمسند بدون همزة االستفهام.
( )4في المسند "عنه يسيًر ا".
( )5في المسند "ثَّم أكَّب رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم "-بدل "فسكت الَّنبي -صلى الَّله
عليه وسلم -ساعًة".
( )6في "هـ" زيادة "عن ثياب أهل الجَّنة".
( )7ليس في "ب".
( )8أخرجه أحمد في المسند ( ،)225 - 244 /2وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)171
=
()1/429
()1/430
-صلى الَّله عليه وسلم -قال" :أَّو ل ُز ْم رٍة يدخلون الجَّنة ،كأَّن وجوههم ضوُء القمر ليلة البدر،
والزمرة الثانية على لون أحسن كوكب ُدِّرٍّي في السماء ،لكَّل واحٍد منهم زوجتان من الحوِر
العيِن ،على كِّل زوجٍة سبعون ُح َّلة ُيرى ُمُّخ سوقهما من وراء لحومهما وحللهما ،كما ُيرى
الشراب األحمر في الزجاجة البيضاء" ( . )1وهذا اإلسناد على شرط الصحيح.
وقال اإلمام أحمد :حدثنا يونس بن محمد حدثنا الخزرج بن ( )2عثمان السعدي ،حدثنا أبو
أيوب موًلى لعثمان بن عفان عن أبي هريرة قال :قال رسول الَّلِه -صلى الَّله عليه وسلمِ" :-قْيُد
سوط أحِد كم من الجَّنة خيٌر من الدنيا ومثلها معها ،ولقاُب قوِس أحدكم من الجَّنة خيٌر من الدنيا
ومثلها معها ،ولنصيف امرأٍة من الجَّنة خيٌر من الدنيا ومثلها معها" قال :قلُت يا أبا هريرة ما
الَّنصيف؟ قال :الِخ ماُر (. )3
__________
( )1أخرجه الطبراني في الكبير ( )199 - 198 /10رقم ( ،)10321والبزار في مسنده (/5
)243رقم ( ،)1855وأبو نعيم في صفة الجَّنة (.)100 /2
-ورواه الثوري ويونس عن أبي إسحاق عن عمرو قوله مختصًر ا.
بلفظ إَّن المرأة من الحور العين لتلبس سبعين حَّلة . . .بيضاء".
أخرجه هناد في الزهد رقم ( ،)12والطبري في تفسيره (.)152 /27
-ورواه معمر عن أبي إسحاق به موقوًفا.
-ورواه عطاء بن السائب عن عمرو به موقوًفا.
قلت :المقطوع أصح من الموقوف والمرفوع ،راجع ص ()257؛ ألن الثوري ويونس أحفظ
وأثبت من معمر .وألن أبا إسحاق أحفظ وأثبت من عطاء بن السائب .والَّله أعلم.
( )2في "ج"" :عن" وهو خطأ.
( )3أخرجه أحمد ( ،)483 /2وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة ( ،)183وأبو نعيم =
()1/431
وقال ابن وهب :أخبرنا عمرو أَّن دَّر اًج ا أبا الَّس مح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الُخ ْد ري
رضي الَّله عنه قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-إَّن الرجل في الجَّنة ليَّتكئ سبعين
سنة قبل أْن يتحول ،ثَّم تأتيه امرأٌة فتضرب على منكبه ،فينظر وْجَهُه في خِّدها أصفى من المرآة،
وإَّن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب ،فتسلم عليه فيرد السالَم ،ويسألها من
أنِت ؟ فتقول :أنا المزيد ،وإَّنه ليكون عليها سبعون ثوًبا أدناها مثل النعمان من طوى (، )1
فينفذها بصره ،حتى يرى ُمَّخ ساقها من وراء ذلك ،وإَّن عليهم الِّتيجان ،وإَّن أدنى لؤلؤة عليها
__________
= في صفة الجَّنة رقم ( :)59من طريق الخزرج به نحوه.
وقد خولف الخزرج في لفظه.
-فرواُه سكن بن المغيرة أنبأنا سليمان أبو أيوب قال :سمعت أبا هريرة يقول :سمعُت رسول
الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -يقول" :موضع سوط في الجَّنة خيٌر من الدنيا وما فيها".
أخرجه الدوالبي فى "الكنى واألسماء" (.)103 /1
قلت :وهذا أصح.
-فقد رواُه أبو سلمة وهمام بن منبه واألعرج وعبد الرحمن بن أبي عمرة كلهم عن أبي هريرة
بنحوه أو معناُه ،وليس فيه زيادة "ومثلها معها ،ولنصيُف امرأة من الجَّنة . . .الخمار".
أخرجه أحمد ( 482 /2و 315و ،)438والترمذي ( ،)3013والدوالبي ()167 /1
وغيرهم .والخزرج متكَّلم فيه.
وجاَء من حديث أنس وفيه " . . .ولنصيفها على رأسها خيٌر من الدنيا وما فيها" .عند البخاري
في صحيحه رقم ( 2643و .)6199
والحديث صححه الترمذي وابن حبان.
( )1في "هـ" وبعض نسخ المسند "طوبى".
()1/432
()1/434
أكمامها" (. )1
قال :وحدثني يعقوب بن عبيد حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا حماد بن سلمة عن أبي الُم َه ِّز م قال:
قال أبو هريرة" :داُر المؤمن في الجَّنة لؤلؤة فيها شجرة تنبُت الحلل ،فيأخذ الرجُل بأصبعيه -
وأشاَر بالَّس بابة واإلبهام -سبعين حَّلة ُمَتَم ْنِط قًة باللؤلؤ والمرجان" (. )2
قال :وحدثنا حمزة بن العباس حدثنا عبد الَّله بن عثمان أنبأنا ابن المبارك أنبأنا صفوان بن عمرو
عن شريح بن عبيد قال :قال كعٌب " :لو أَّن ثوًبا من ثياب أهل الجَّنة ُلِبَس اليوَم في الدنيا لصعق
من ينظر إليه ،وما حملته أبصارهم" (. )3
وقال عبد الَّله بن المبارك :أنبأنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هالل عن ُبَش ير بن كعب أو
غيره قال" :ذكر لنا أَّن الزوجة من أزواج
__________
( )1تقدم ص (.)353
( )2أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)151
ورواُه ابن المبارك وعفان كالهما عن حماد بن سلمة به نحوه.
أخرجه ابن المبارك في الزهِد -رواية ُنعيم -رقم ( ،)262وابن أبي شيبة في المصنف ()64 /7
رقم (.)34029
ومداره على أبي المهِّز م التميمي البصري ،وهو متروك الحديث.
انظر التقريب رقم (.)8397
( )3أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( ،)152وابن المبارك في الزهد -رواية نعيم-
رقم (.)417
وفيه انقطاع بين شريح بن عبيد وكعب األحبار ،قال الحافظ المزي" :ولم يدركه" .انظر :تهذيب
الكمال (.)446 /12
()1/435
الجَّنة لها سبعون حَّلة هي أرُّق من ُش َق ْيقكم ( )1هذاُ ،يرى مُّخ ساِقها من وراء اللحم" (. )2
وفي "الصحيحين" ( )3عن أنس بن مالك رضي الَّله عنه قال :أهَد ى ُأَك ْيَد ُر دوَم ة إلى الَّنبي -
صلى الَّله عليه وسلمُ -ج َّبًة من ُس ندس ،فتعَّج ب الَّناُس من ُحْس ِنها ،فقال" :لمناديُل سعٍد في الجَّنة
أحسُن من هذا".
وفي "الصحيحين" ( )4من حديث البراء قالُ :أهدَي لرسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -ثوب
حرير ،فجعلوا يعجبون من لينه ،فقال رسول الَّلِه -صلى الَّله عليه وسلم" :-تعجبون من هذا؟
لمناديل سعد بن معاذ في الجَّنة أحسُن من هذا".
وال يخفى ما في ذكر سعد بن معاذ بخصوصه ها هنا ،فإَّنه كان في األنصار بمنزلة الِّص ِّديق في
المهاجرين ،واهتَّز لموته العرش ( ، )5وكان ال تأخذه في الَّله لومة الئم ،وختم الَّلُه له بالشهادة،
وآثر رضا الَّلِه ورسوله ،على رضا قومه وعشيرته وحلفائه ،ووافق حكمه اَّلذي حكم به ُح كم الَّله
فوق سبع سماواته ( ، )6ونعاُه جبريل عليه السالم إلى الَّنبي
__________
( )1في "ب ،د"" :شفقكم" ،وفي "هـ" "شققكم" وعند ابن أبي الدنيا "شفكم" ،والمثبت هو
الصواب ،وُش قيقكم تصغير ُش َّق ة وهو َض ْر ٌب من الثياب ،وقيل نصف ثوب .انظر :معجم تهذيب
اللغة لألزهري ( ،)1906 /2والمعجم العربي ألسماء المالبس ص (.)270
( )2أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( )154وسنده صحيح.
( )3البخاري رقم ( 2473و ،)3076ومسلم رقم (.)2469
( )4البخاري رقم ( ،)3077ومسلم رقم (.)2468
( )5أخرجه البخاري رقم ( ،)3592ومسلم رقم (.)2466
( )6أخرجه البخاري رقم ( ،)2593( )2878ومسلم رقم (= ،)1768
()1/436
-صلى الَّله عليه وسلم -يوم موته ( , )1فُح َّق له أْن تكون مناديله التي يمسح بها يديه في الجَّنة
أحسن من ُح َلل الملوك.
__________
= ولفظه " . . .لقد حكمت فيهم بحكم الملك" وفي لفظ "حكمت بحكم الَّله".
( )1أخرجه أحمد في فضائل الصحابة رقم ( )1489وهو مرسل.
()1/437
فصل ومن مالبسهم الِّتيجان على رؤوسهم
ذكر البيهقي من حديث يعقوب بن ُحَم ْيد بن كاسب ،حدثنا هشام ابن سليمان عن عكرمة عن
إسماعيل بن رافع عن سعيد الُم ْق ُبِر ي وزيد ابن أسلم عن أبي هريرة عن الَّنبي -صلى الَّله عليه
وسلم -قال :من قرأ القرآن فقام به آناء الليل والنهار ،وُيحل حالَله ويحِّر م حرامه ،خلطه الَّلُه
بلحمه ودمه ،وجعله رفيق السفرِة الكرام البَر َر ِة ،وإذا كان يوم القيامة كان القرآن له حجيًج ا،
فقال :يا رب كُّل عامٍل يعمل في الدنيا يأخذ بعمله من الدنيا؛ إاَّل فالًنا كان يقوم بي ( )1آناَء
الليل والنهار ،فيحل حاللي ،ويحِّر م حرامي يقول :يا رِّب ،فأعطه ،فيتِّو ُه الَّله تا الملِك
َج ُج
ويكسوُه من ُح َّلة ( )2الكرامة ،ثَّم يقول له ( :)3رضيت؟ فيقول :يا رِّب أرغُب له في أفضل من
هذا ،فيعطيه الَّله الملَك بيمينه ،والخلَد بشماله ،ثَّم يقول له :هل رضيَت ؟ فيقول :نعم يا رِّب " (
.)4
__________
( )1عند البيهقي "في".
( )2عند البيهقي "ُح َلل".
( )3في "ب ،ج ،د ،هـ" ونسخة على حاشية "أ"" :هل".
( )4أخرجه البيهقي في شعب اإليمان ( )556 - 554 /4رقم (.)1836
-ورواُه محمد بن عبيد المحاربي عن أبي رافع عن المقبري عن أبي هريرة نحوه.
أخرجه الجورقاني في األباطيل ( )283 /2رقم (.)686
وقال" :هذا حديٌث باطل ،ومحمد بن عبيد المحاربي لم يسمع من أبي =
()1/438
وذكر اإلمام أحمد في "المسند" من حديث ابن (ُ )1بَر ْيدة عن أبيه يرفعه" :تعلموا سورة البقرة
فإَّن أخذها بركة ،وتركها حسرة ،وال تستطيعها الَبَطَلُة ،ثَّم سكت ساعة ،ثَّم قال :تعلموا سورة
البقرة وآل عمران فإَّنهما الزهراوان ،وإَّنهما يظالن صاحبهما يوم القيامة كأَّنهما َغَم اَم َتان أو
َغَيايتان أو فرقان من طيٍر صواَّف ،والقرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالَّر جل
الَّش احب ،فيقول له :هل تعرفني؟ فيقول له ( : )2ما أعرفك ،فيقول :أنا ( )3القرآن ،أنا اَّلذي
أظمأُتك في الهواجر ،وأسهرت ليلك ،وإَّن كَّل تاجٍر من وراء تجارته ،وإَّنك اليوَم من وراء كِّل
تجارة ،فيعطى الملَك بيمينه ،والخلَد بشماله ،ويوضع على رأسه تاُج الوقار ،ويكسى والداُه
حلتين ال تقوُم لهما الدنيا ،فيقوالنِ :بَم ُك سينا ( )4هذا؟ فيقال :بأخِذ ولدكما القرآن ،ثَّم يقال
له :اقرأ واصعد في درج الجَّنة وغرفها ،فهو في صعوٍد ما دام يقرأ :هًّذ ا كان ،أو ترتياًل " (. )5
__________
= رافع المدني شيًئا ،ولم يره".
والحديث مداره على أبي رافع إسماعيل بن رافع المدني وهو ضعيف ،وقال ابن عدي في الكامل
(" :)281 /1وأحاديثه كلها مَّم ا فيه نظر؛ إاَّل أَّنه يكتب حديثه في جملة الضعفاء".
( )1في "ب ،د"" :أبي" وهو خطأ.
( )2ليس في "هـ" وال المسند.
( )3وقع في "ج ،د" ونسخة على حاشية "أ"" :له" ،وفي "ب ،هـ" "له أنا" ،وفي المسند "فيقول:
أنا صاحبك القرآن اَّلذي أظمأتك".
( )4في "د ،ج ،هـ" ونسخٍة على حاشية "أ" "كَس ْيَتَنا".
( )5أخرجه أحمد في المسند ( ،)348 /5وابن الضريس في فضائل القرآن رقم =
()1/439
فصل
وأَّم ا الفرش :فقد قال تعالىُ{ :مَّتِكِئيَن َعَلى ُفُر ٍش َبَطاِئُنَه ا ِم ْن ِإْسَتْبَر ٍق } [الرحمن ،]54 :وقال
تعالىَ{ :و ُفُر ٍش َمْر ُفوَعٍة ([ })34الواقعة.]34 :
__________
= ( ،)99وابن عدي في الكامل ( )21 /2وغيرهم من طريق الفضل بن دكين عن بشير بن
المهاجر عن ابن بريدة عن أبيه رفعه بنحوه.
ورواه جماعه عن بشير بن المهاجر به نحوه.
أخرجه العقيلي في الضعفاء ( )144 /1والبزار في مسنده ( ،)4421 /10واآلجري في أخالق
أهل القرآن رقم ( )24وابن عدي في الكامل ( )21 /2والحاكم ( 742 /1و )757 - 756
رقم ( 2043و )2086وغيرهم.
والحديث صححه الحاكم والبوصيري وحسنه البغوي وابن كثير.
والحديث عده العقيلي وابن عدي من منكرات بشير بن المهاجر بل قال العقيلي" :وال يصح في
هذا الباب عن النبي -صلى الَّله عليه وسلم -حديث ،أسانيدها كلها متقاربة".
قال اإلمام أحمد -وذكر بشير بن المهاجر -فقال :منكر الحديث ،قال :اعتبرت أحاديثه فإذا هو
يجيء بالعجب.
( )1تقدم ص (.)433 - 432
()1/440
()1/441
قال الترمذي" :حديث غريب ،ال نعرفه إاَّل من حديث رشدين بن سعد .قيل ( : )1ومعناُه أن
االرتفاع المذكور للدرجات ،والفرش عليها" (. )2
قلُت :رشدين بن سعد عنده مناكير :قال الدارقطني" :ليس بالقوي" ،وقال اإلمام أحمد" :ال يبالي
عَّم ن روى ،وليس به بأس في الرقاق" ،وقال" :أرجو أَّنه صالح الحديث" ،وقال يحيى بن معين:
"ليس بشيء" ،وقال أبو زرعة" :ضعيف" ،وقال الجوزجاني" :عنده مناكير" (. )3
__________
= عن أبي سعيد فذكره.
-وقد توبع رشدين :تابعه عبد الَّله بن وهب عن عمرو بن الحارث به.
أخرجه الطبري ( ،)185 /27وأبو الشيخ في العظمة رقم ( ،)272وابن حبان في صحيحه رقم
( )7405وغيرهم.
-ورواه ابن لهيعة عن دراج به نحوه.
أخرجه أحمد ( ،)11719( )75 /3وابن أبي الدنيا في صفة الجنة رقم ( ،)157وأبو يعلى في
مسنده رقم ( )1395وغيرهم.
والحديث ضعفه الترمذي كما نقل المؤلف ،وقال الترمذي في الموضع اآلخر" :حسن غريب ال
نعرفه إال من حديث رشدين".
وصححه ابن حبان والضياء في المختارة .وانظر الآللئ المصنوعة للسيوطي (.)453 /2
( )1ليس في "ب ،د".
( )2لفظه عند الترمذي ما يلي" :وقال بعض أهل العلم في تفسير هذا الحديث :معناه :الفرش في
الدرجات ،وبين الدرجات كما بين السماء واألرض".
وقال في الموضع اآلخر . ." :ارتفاع الفرش المرفوعة في الدرجات ،والدرجات :ما بين كل
درجتين كما بين السماء واألرض".
( )3انظر أقوال العلماء فيه :تهذيب الكمال (.)195 - 191 /9
()1/442
وال ريَب أَّنه كان سيء الحفظ ،فال يعتمد على ما ينفرد به (. )1
وقد قال عبد الَّله بن وهب :حدثنا عمرو بن الحارث عن دَّر اج أبي الَّس مح عن أبي الهيثم عن
أبي سعيد الخدري رضي الَّله عنه قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -في قوله تعالى:
{َو ُفُر ٍش َمْر ُفوَعٍة ([ } )34الواقعة ]34 :قال" :ما بين الفراشين كما بين السماء واألرض" (. )2
وهذا أشبه أْن يكون هو المحفوظ ،والَّلُه أعلم.
وقال الطبراني :حدثنا المقدام بن داود حدثنا أسد بن موسى حدثنا حَّم اد بن سلمة عن علي بن
زيد عن مطِّر ف بن عبد الَّله بن الِّشِّخ ْير عن كعب في قوله عَّز وجلَ{ :و ُفُر ٍش َمْر ُفوَعٍة} [الواقعة:
]34قال" :مسيرة أربعين سنة" (. )3
__________
( )1في "د"" :يتفَّر د به".
( )2هذا لفُظ الشاذكوني عن ابن وهب عند البيهقي في البعِث رقم ( )342وفيه "الفرشتين" بدل
"الفراشين".
لكن الشاذكوني :متروك الحديث ،ومتهٌم بوضع الحديث ،وقد ُخ ولف في لفظه.
خالفُه يونس بن عبد األعلى وحرملة بن يحيى وُنعيم بن حماد -ولم أقف على لفظه -وأحمد بن
عبد الرحمن بن وهب -بْح شل -كلهم عن ابن وهب به بلفظ" :واَّلذي نفسي بيده إَّن ارتفاعها
لكما بين السماء واألرِض لمسيرة خمسمائة سنة".
ونقل هذا الترجيح ابن كثير في النهاية في الفتن والمالحم ص (.)376
( )3أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ( )206 /7رقم ( )35322عن عفان عن =
()1/443
قال الطبراني :وحدثنا إبراهيم ( )1بن نائلة ،حدثنا إسماعيل بن عمرو البجلي حدثنا إسرائيل عن
جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي ُأمامة قالُ :س ِئَل رسول الَّلِه -صلى الَّله عليه وسلم -عن
الفرش المرفوعة قال" :لو ُطِر َح فراٌش من أعالها لهوى إلى قرارها مئة خريف" (. )2
__________
= حماد بن سلمة به مثله.
واألثُر مدارُه على علي بن زيد بن جدعان وفي حفظه كالم.
( )1ليس في "أ".
( )2أخرجه الطبراني في الكبير ( )289 /8رقم (.)7947
-ورواُه وكيع عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة قال" :لو خَّر من أعالها فراش لهوى
إلى قرارها كذا وكذا خريًف ا".
أخرجه هَّناد في الزهد رقم ( ،)79وابن أبي شيبة في المصنف رقم (.)34071
وهذا هو المحفوظ ،ورواية الطبراني خطأ ،والحمُل فيه على إسماعيل ابن عمرو البجلي :فإنه
ضعيف الحديث ،الجرح والتعديل ( ،)190 /2وجعفر بن الزبير :متروك الحديث ،وقد اتهم
بوضع الحديث .انظر :تهذيب الكمال (.)37 - 32 /5
وقد توبع عليه ،تابعه هشام الدستوائي كما سيأتي عند المؤِّلف.
أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)161
لكن يظهر لي أَّن هشاًم ا لم يسمعه من القاسم ،وإَّنما عَّلقه عن القاسم ،بدليل أَّنُه لم يذكر السماع
في أصله بل قال "عن القاسم" . .
وأيًض ا ال ُيعرف لهشام رواية عن القاسم بن عبد الرحمن الشامي ،وإَّنما ُج ّل روايته عن العراقيين،
وخاَّصة البصريين والمكيين .انظر :تهذيب الكمال ( ،)216 /30وعليه فيحتمل أْن يرجع
الحديث إلى جعفر بن الزبير والَّله أعلم.
()1/444
وفي رفع هذا الحديث نظر ،فقد قال ابن أبي الدنيا :حدثنا إسحاق ابن إسماعيل حدثنا معاذ بن
هشام قال :وجدت في كتاب أبي عن القاسم عن أبي ُأمامة في قوله عَّز وجلَ{ :و ُفُر ٍش َمْر ُفوَعٍة (
})34قال" :لو أَّن أعالها َس َق َط ما بلَغ أسفلها أربعين خريًف ا".
فصل
وأَّما الُبُس ط والَّز رابي :فقد قال تعالىُ{ :مَّتِكِئيَن َعَلى َر ْفَر ٍف ُخ ْض ٍر َو َعْبَق ِر ٍّي ِح َس اٍن (})76
[الرحمن ،]76 :وقال تعالىِ{ :فيَه ا ُس ُر ٌر َمْر ُفوَعٌة (َ )13و َأْك َو اٌب َمْو ُضوَعٌة (َ )14و َنَم اِر ُق
َمْص ُف وَفٌة (َ )15و َز َر اِبُّي َمْبُثوَثٌة ([ })16الغاشية.]16 - 13 :
ذكر هشيم ( )1عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال" :الَّر ْفرف :رياض الجَّنة ،والَعْبَق ِر ي :عتاق
الزرابي" (.)2
وذكر إسماعيل بن ُعلَّية عن أبي رجاء عن الحسن في قوله تعالىُ{ :مَّتِكِئيَن َعَلى َر ْفَر ٍف ُخ ْض ٍر
َو َعْبَق ِر ٍّي ِح َس اٍن ( })76قال" :هي الُبسط" ،قال :وأهل المدينة يقولون :هي الُبسط" (.)3
__________
( )1في نسخة على "أ" "هشام" وهو خطأ ،وهشيم هو ابن بشير الواسطي.
( )2أخرجه ابن المبارك في الزهد -رواية نعيم -رقم ( ،)270وابن أبي الدنيا صفة الجَّنة رقم (
،)162والطبري ( )164 /27وغيرهم.
ورواُه شعبة عن أبي بشر به مثله.
أخرجه الطبري ( )163 /27وسنده صحيح.
( )3أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( ،)163والطبري في تفسيره (.)163 /27
وسنده صحيح.
()1/445
وأَّم ا النمارق :فقال الواحدي" :هي الوسائد؛ في قول الجميع ،واحدهاُ :نْم ُر قة ،بضِّم الُّنون،
وحكى الفَّر اءِ :نْم ِر َقة بكسرها" ( ،)1وأنشد أبو عبيدة:
إذا ما ِبساُط اَّللهو ُمَّد َو ُقِّر َبْت ...لَلَّذ اِتِه أنماُطُه ونمارُقه ()2
قال الكلبي" :وسائد مصفوفة بعضها إلى بعض" (.)3
وقال مقاتل" :هي الوسائد مصفوفة على الطنافس" (.)4
{َو َز َر اِبُّي } يعني :البسط ،والَّطنافس .واحدها ِز ْر ِبَّية :في قول جميع أهل اللغة والتفسير .و
{َمْبُثوَثٌة} :مبسوطة منشورة (.)5
فصل
وأَّما الَّر ْفرف :فقال الليث" :هو ضرٌب من الثياب خضر تبسط .الواحدَ :ر ْفَر فة" ( .)6وقال أبو
عبيدة" :الَّر فاِر ف :البسط ،وأنشد البن ُمقبل:
__________
( )1انظر :الوسيط للواحدي ( ،)475 /4ومعاني القرآن للفَّر اء (.)258 /3
( )2انظر :لسان العرب ( ،)361 /10ونسبه لمحمد بن عبد الَّله بن ُنمير الثقفي.
( )3انظر :الوسيط (.)475 /4
( )4انظر :تفسير مقاتل (.)479 /3
( )5انظر :الوسيط ( ،)475 /4وتفسير الطبري (.)164 /30
( )6انظر :العين المنسوب للخليل بن أحمد ص ( ،)359دار إحياء التراث )7( ،والجامع
ألحكام القرآن للقرطبي (.)190 /17
()1/446
َو إَّنا لنَّز الون تْغشى ِنَعالَنا َ ...س واِقُط من أصناِف رْيٍط َو َر ْفَر ُف " ()1
وقال أبو إسحاق" :قالوا الرفرف ها هنا :رياض الجَّنة ،وقالوا :الرفرف :الوسائد ،وقالوا:
الرفرف :المحابس ،وقالوا :فضول المحابس للفرش" .وقال المبرد" :هو فضول الثياب التي
تتخذ الملوك ( )2في الفرش وغيره" .قال الواحدي" :وكأَّن األقرب هذا؛ ألَّن العرب تسِّم ي
ِكَسَر الِخ َباِء ،والِخ ْر قة التي تخاط في أسفل الخباء :رفرًفا ،ومنه الحديث في وفاة الَّنبي -صلى
الَّله عليه وسلم :-فرفع الرفرف فرأينا وجهه كأَّنه ورقة ( . )4( " )3قال ابن األعرابِّي :
"الَّر ْفَر ف :ها هنا طرف البساط ،فشبه ما فضل من المحابس ( ، )5عَّم ا تحته بطرف الفسطاط،
فسمي رفرًفا".
قلُت :أصل هذه الكلمة من الَّطَر ف والجانب ،فمنه :الَّر ُّف في الحائط .ومنه :الرفرف ،وهو
كسر ( )6الخباء ،وجوانب الدرع ،وما تدَّلى منها ،الواحدة رفرفة .ومنه :رفرف الطير ( : )7إذا
حَّر ك
__________
( )1انظر :مجاز القرآن ( ،)246 /2وتفسير غريب القرآن البن قتيبة ص ( ،)44والجامع
ألحكام القرآن للقرطبي (.)190 /17
( )2في "ج" "ُتَّتخذ للملوك" ،وفي نسخة على حاشية "أ" "الملك" بدل "الملوك".
( )3في "الصحيحين" "ورقة مصحف". .
( )4لم أقف على الرواية التي فيها "الرفرف".
والحديث أصله عند البخاري رقم ( ،)648ومسلم رقم ( ،)419وفيه " . .فكشف النبي -صلى
الَّله عليه وسلم -ستر الحجرة ،ينظر إلينا وهو قائم كأَّن وجهه ورقة مصحف." . .
( )5في "أ ،ج ،هـ"" :المجلس" ،وفي "ب ،د"" :المحبس".
( )6في "ج"" :كسره".
( )7في "ج"" :الطائر".
()1/447
جناحيه حول الَّش يء ،يريد أْن يقع عليه .والرفرف :ثياب خضر ُتَّتَخ ُذ منها المحابس ،الواحدة
رفرفة .وكل ما فضل من شيء فُثِنَي وُعِط َف فهو رفرف ،وفي حديث ابن مسعود في قوله عَّز
وجَّلَ{ :لَق ْد َر َأى ِم ْن آَياِت َر ِّبِه اْلُك ْبَر ى ([ })18النجم ]18 :قال" :رأى رفرًفا أخضر سَّد اُألفق"
( .)1وهو في "الصحيحين".
فصل
وأَّما الَعْبَق رُّي :فقال أبو عبيدة" :كل شيء من الُبُس ط عبقري .قال :ويرون أَّنها أرض ُيَو َّش ى ()2
فيها" ( .)3وقال الليث" :عبقر :موضع بالبادية كثير الجن ،يقال :كأَّنهم جُّن عبقر" ( .)4وقال
أبو عبيد في حديث الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -حين ذكر عمر" :فَلْم أَر عبقرًّيا يفِر ي َفِر َّيه" (
)5وإَّنما أصُل هذا فيما يقال :إَّنه ُنِس َب إلى عبقر ،وهي أرٌض يسكنها الجُّن ،فصاَر مثاًل منسوًبا
إلى شيء رفيٍع ،وأنشد لزهير:
__________
( )1أخرجه البخاري برقم ( ،)4577 ،3061ولم يخرجه مسلم في صحيحه.
( )2في "أ ،ب ،هـ"" :موشى" ،وفي "ج"ُ" :و ِش ي".
( )3انظر :مجاز القرآن ( ،)246 /2وتفسير غريب القرآن البن قتيبة ص ( ،)444وفتح القدير
للشوكاني (.)174 /5
( )4انظر :تهذيب اللغة لألزهري (.)2309 /3
( )5أخرجه البخاري رقم ( ،)3434ومسلم برقم ( )2393من حديث عبد الَّله بن عمر رضي
الَّله عنهما.
()1/448
ِبَخ ْيٍل ( )1عليها ِج َّنٌة عبقريٌة َ ...ج ِد يرون يوًما أْن ينالوا فيستعلوا ()2
قال أبو الحسن الواحدي" :وهذا القول هو الصحيح في العبقري ،وذلك أَّن العرَب إذا بالغْت في
وصف شيٍء َنَس بْتُه إلى الجِّن ،أو َش َّبهته بهم ،ومنه قول َلِبْيٍد :
ِج ُّن الَبدِّي رواسًيا أقداُمها ()3
وقال آخر َيِص ُف امرأًة:
جِّنيٌة ولها ِج ٌّن ُيعِّلُم ها َ ...ر ْم َي الُقلوِب ِبَق ْو ٍس ما لها َو َتر ()4
وذلك أَّنهم يعتقدون في الجن كل صفة عجيبة ،وأَّنهم يأتون بكِّل أمٍر عجيٍب ،ولَّم ا كان عبقر
معروًفا بسكناهم نسبوا كِّل شيٍء مبالٍغ فيه إليها ،يريدون بذلك أَّنه من عملهم وصنعهم .هذا هو
األصل ،ثَّم صار العبقري اسًم ا ونعًتا لكِّل ما ُبوِلَغ في صفته ،ويشهد لما ذكرنا بيت زهير ،فإَّنه
نسب الجن إلى عبقر ،ثَّم رأينا أشياء كثيرة ُنِس َبت إلى عبقٍر غير البسط والثياب :كقوله في صفة
عمر "َعْبَق ِر ًّيا" ( ، )5وروى سلمة عن الفَّر اء قال :العبقري :الَّس ِّيد من الرجال ،وهو الفاخر من
الحيوان
__________
( )1في "أ ،ب ،ج ،د"" :نخيل" ،والمثبت من "هـ" ،وديوان زهير وغيره.
( )2انظر :غريب الحديث ألبي عبيد ( ،)88 - 87 /1والبيت في ديوان زهير ص (.)52
( )3انظر :ديوانه ص ( ،)177وصدر البيت :غلب تشَّذ ر بالُّدخول كأَّنها.
( )4انظر" :الحماسة البصرية" للبصري ص ( )879وهو منسوب لمحمد بن بشير الخارجي،
وقيل :ألبي دهبل الجمحي.
( )5تقدم ص (.)448
()1/449
والجوهر" .فلو كانت عبقر مخصوصة بالوشي ،لما ُنِس َب إليها غير الموَّش ى ،وإَّنما ينسب إليها
البسط الُمَو ِّش ية العجيبة الصنعة ،لما ( )1ذكرنا ،كما نسب إليها كل ما بولغ في وصفه.
قال ابن عباس" :وعبقري :يريد البسط والطنافس" ( ، )2وقال الكلبي" :هي الطنافس الُم ْخ َم لة" (
، )3وقال قتادة" :هي عتاق الَّز رابي" ( ، )4وقال مجاهد" :الديباج الغليظ" ( ، )5وعبقرٌّي :
جمع.
__________
( )1في "ب"" :كما".
( )2لم أقف عليه.
وجاء عن ابن عباس قال" :عبقري :الزرابي" .أخرجه الطبري ( )164 /27وسنده حسن .وجاء
عن ابن عباس أيًض ا" :يعني الوسائد".
ذكره ابن أبي زمنين في تفسيره (.)335 /4
( )3انظر :النكت والعيون للماوردي (.)261 /6
( )4أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" ( )216 /2رقم ( ،)3112والطبري في "تفسيره" (/27
.)164
من طرق عن قتادة بلفظ "العبقري :الزرابي".
وسنده صحيح.
( )5أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ( )67 /7رقم ( )34075واَّللفظ له ،وهناد في الزهد
رقم ( ،)83عن وكيع عن الثوري عن رجل عن مجاهد فذكره.
ورواُه قبيصة عن الثوري عن رباح بن أبي معروف عن مجاهد قال" :الديباج".
أخرجه ابن أبي شيبة ( )66 /7رقم (.)34061
فالرجل المبهم هو رباح ،وقد كان وكيع إذا استضعف رجاًل لم ُيسِّم ه كما نَّص عليه اإلمام
أحمد ،وقد ضَّعف جماعٌة رباَح المكي ،وقال بعضهم :صالح ،انظر :تهذيب الكمال (- 48 /9
.)49
فاإلسناد ال بأس به.
()1/450
()1/451
()1/453
الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :إَّن للمؤمن في الجَّنة لخيمة من لؤلؤٍة واحدٍة مجَّو فة طولها
ستون مياًل ،للمؤمن ( )1فيها أهلون يطوف عليهم المؤمُن فال يرى بعضهم بعًض ا".
وفي لفٍظ لهما" :في الجَّنة خيمٌة من لؤلؤٍة مجوفة ،عرضها ستون مياًل في كِّل زاوية منها أهٌل ،ما
يرون اآلخرين ،يطوف عليهم المؤمن".
وفي لفٍظ آخر لهما أيًض ا" :الخيمة ُدَّر ة ُطولها في السماء ستون مياًل ،في كَّل زاوية منها أهل ()2
،ال يراهم اآلخرون".
وللبخاري وحده في لفظُ" :طوُلها ثالثون مياًل ".
وهذه الخيام غير الُغَر ِف والقصور ،بل هي خيام في البساتين ،وعلى شواطئ األنهاِر .
وقال ابن أبي الدنيا :حدثنى الحسين بن عبد الرحمن عن أحمد بن أبي الحواري قال :سمعُت أبا
سليمان قال :ينشأ خلق الحور العين إنشاًء ،فإذا تكامل خلقهَّن ضربت عليهَّن ( )3المالئكة
الخيام (. )4
__________
= روى عنه أخيًر ا عفان بن مسلم وبهز بن أسد وحَّبان بن هالل.
ومَّم ا يدُّل على عدم ضبط هَّم ام له ،ما رواُه عبد الصمد عن همام عن قتادة نحوه ،فذكر "قتادة"
بدل "أبي عمران" ،والَّله أعلم.
( )1من مسلم.
( )2في "ب ،ج"" :أهُل المؤمن" ،وفي "د"" :أهٌل للمؤمن".
( )3في "ب ،د ،هـ"" :عليهم" وهو خطأ.
( )4أخرجه ابن أبي الدنيا برقم (.)318
()1/454
وقال بعضهم :لَّم ا ُكَّن أبكاًر ا ،وعادة ( )1البكر أْن تكون مقصورة في خدرها ،حَّتى يأخذها
بعلها ،أنشأ الَّلُه سبحانه وتعالى الحور وقصرهَّن في خدور الخيام ،حتى يجمع بينهَّن وبين أوليائه
في الجَّنة.
وقال ابن أبي الدنيا :حدثنا إسحاق ،حدثنا سفيان ،عن جابر عن القاسم بن أبي َبَّز ة عن أبي ()2
عبيدة عن مسروق عن عبد الَّله رضي الَّله عنه قال" :لكِّل مسلٍم خيرٌة ،ولكِّل خيرٍة خيمٌة ،ولكِّل
خيمٍة أربعة أبواب ،يدخل عليها كَّل يوٍم من كِّل باٍب تحفٌة وهديٌة وكرامٌة لم تكن قبل ذلك ،ال
َم ِرحاٍت ( )3وال ذفرات ،وال بخرات وال َطَّم احات ،حوٌر عيٌن كأَّنهَّن بيٌض مكنون" (. )4
__________
( )1من قوله "ضربت" إلى "وعادة" سقط من "ج".
( )2قوله "بَّز ة عن أبي" سقط من "ج" ،ووقع في "د" "بردة" بدل "بَّز ة" وهو خطأ.
( )3في "هـ" "مرجات" ،وفي "ب ،د" "مزجات" وُصِّح حت في حاشية "ب" إلى "سخرات".
( )4أخرجه ابن أبي الدنيا برقم ( ،)320وابن أبي شيبة في مصنفه ( )65 /7رقم ()34045
مختصًر ا ،والطبري في تفسيره ( )158 /27مختصًر ا.
ورواه ابن المبارك في الزهد ( )238عن سفيان الثوري به نحوه.
وفيه جابر بن يزيد الجعفي ضعيف ،وقد اُّتهم بالكذِب .
المِر حات من الَمَر ح ،وهو الَّتبختر واالختيال .والَّذ ِفرات ،من الَّذ َفر ،وهو الُّصَنان وُخ ْبث الريح.
والَبِخ رات ،من الَبَخ ر ،وهو الرائحة والَّنَتن يكون في الفم وغيره .والَّطَّم احات ،يقال :امراة
طَّم احة :هي التي ُتِكُّر بنظرها يميًنا وشمااًل إلى غير زوجها .انظر لسان العرب ( 534 /2و
)591و ( 47 /4و .)307
()1/455
حدثنا علي بن الجعد حدثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة قال :سمعُت أبا األحوص ُيحِّد ُث عن
عبد الَّله بن مسعود رضي الَّله عنه في قوله تعالىُ{ :ح وٌر َمْق ُصوَر اٌت ِفي اْلِخ َياِم } قالُ" :دٌّر
ُمجَّو ف" (. )1
وقال ابن المبارك :أنبأنا سليمان التيمي عن قتادة عن ُخ َليد الَعَص ِر ي عن أبي الدرداء ( )2رضي
الَّلُه عنه قال" :الخيمة لؤلؤٌة واحدٌة لها سبعون باًبا كُّلها من ُدَّر ٍة" (. )3
قال ابن المبارك :وأخبرنا همام عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الَّله عنهما قال:
"الخيمة درٌة مجوفٌة فرسٌخ في فرسٍخ ،لها أربعة آالف مصراٍع من ذهٍب " (. )4
__________
( )1أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( ،)326وابن وهب في التفسير -من جامعه/1( -
)140رقم ( ،)325وابن أبي شيبة في المصنف ( )66 /7رقم ( ،)34050والطبري (/27
:)161من طريق شعبة به مثله.
-ورواُه مسعر عن عبد الملك عن أبي األحوص قوله مثله( ،ولم يذكر ابن مسعود).
أخرجه ابن المبارك في الزهِد -رواية ُنعيم -رقم ( ،)247وهناد في الزهد رقم (.)53
( )2عند ابن المبارك زاد "ولم يجاوز به خليًد ا" ،وعند ابن أبي الدنيا نحوه.
( )3أخرجه ابن المبارك في الزهد -رواية ُنعيم -رقم ( ،)250وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة
رقم (.)327
-ورواه معتمر بن سليمان عن أبيه سليمان التيمي عن قتادة عن خليد قال :لقد ذكر لي أَّن
الخيمة لؤلؤ." . .
أخرجه الطبري ( )161 /27وسنده صحيح إلى خليد.
( )4أخرجه ابن المبارك في الزهد رواية نعيم رقم ( ،)249وابن أبي شيبة ( )65 /7رقم (
،)34047وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (= ،)328
()1/456
وقال ابن أبي الدنيا :حدثنا فضيل ( )1بن عبد الوهاب حدثنا شريك عن منصور عن مجاهد:
{ُح وٌر َمْق ُصوَر اٌت ِفي اْلِخ َياِم ([ } )72الرحمن ]72 :قال" :في خيام اللؤلؤ ،والخيمة لؤلؤة
واحدة" (. )2
حدثني محمد بن جعفر حدثنا منصور حدثنا يوسف بن الَّصَّباح عن أبي صالح عن ابن عباس رضي
الَّله عنهماُ{ :ح وٌر َمْق ُصوَر اٌت [ /124ب] ِفي اْلِخ َياِم ( } )72قال" :الخيمة من ُدَّر ٍة مجَّو فة
طولها فرسخ ،وعرضها فرسخ ،ولها ألُف باٍب من ذهٍب ،حولها ُس َر اِد ق َدْو ُر ه خمسون فرسًخ ا،
يدخل عليه من كَّل باٍب منها َم َلك بهدية من عند الَّله عَّز وجَّل وذلك قولهَ{ :و اْلَم اَل ِئَك ُة َيْد ُخ ُلوَن
ِم
َعَلْيِه ْم ْن ُك ِّل َباٍب } [الرعد )3( " ]23 :والَّلُه
__________
= والبيهقي في البعِث رقم ( )333من طرق عن همام به.
-ورواُه سعيد بن أبي عروبة وأبو العَّو ام ومعمر كلهم عن قتادة قالُ :ذكر لنا أَّن ابن عباس كان
يقول فذكره ،هذا لفظ سعيد.
أخرجه الطبري ( ،)162 /27وعبد الرزاق في تفسيره ( ،)215 /2وابن أبي شيبة ()66 /7
رقم ( )34051وغيرهم.
قلُت :طريق ابن أبي عروبة ومن تابعه أصح ،وعليه فاإلسناد ضعيف لجهل الواسطة بين قتادة
وابن عباس.
( )1في "ب ،هـ"" :فضل" وهو خطأ.
( )2أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)329
-ورواُه جرير وعمرو بن أبي قيس كالهما عن منصور به بلفظ "خيام اللؤلؤ".
أخرجه الطبري ( )162 /27لكن شيخ الطبري ابن حميد مَّتهم.
-ورواُه الثوري عن منصور عن مجاهد قال" :الخيمة در مجوفة".
أخرجه ابن أبي شيبة ( ،)66 /7وهناد في الزهد ( ،)17وهو ثابت عنه.
( )3أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (= .)332
()1/457
أعلم.
وأَّما الُّس َر ر :فقال تعالىُ{ :مَّتِكِئيَن َعَلى ُس ُر ٍر َمْص ُف وَفٍة َو َز َّو ْجَناُه ْم ِبُح وٍر ِع يٍن ([ } )20الطور:
،]20وقال تعالىُ{ :ثَّلٌة ِم َن اَأْلَّو ِليَن (َ )13و َقِليٌل ِم َن اآْل ِخ ِر يَن (َ )14عَلى ُس ُر ٍر َمْو ُضوَنٍة ()15
ُمَّتِكِئيَن َعَلْيَه ا ُمَتَق اِبِليَن } [الواقعة ]16 - 13 :وقال تعالىِ{ :فيَه ا ُس ُر ٌر َمْر ُفوَعٌة (} )13
[الغاشية.]13 :
فأخبر تعالى عن ُس ُر ِر هم بأَّنها مصفوفة بعضها إلى جانب بعض ،ليس بعضها خلف بعض ،وال بعيًد ا
من بعض ،وأخبر أَّنها موضونة ،والَو ْض ن في لغتهم :النضد والنسج المضاعف ،يقالَ :و َض َن فالن
الحجر واآلُج َّر بعضه فوق بعض ،فهو موضون.
وقال الليث" :الَو ْض ُن :نسج السرير وأشباهه ( ، )1ويقال :درع موضونة مقاربة في النسج .وقال
رجل من العرب المرأتهِ :ض ني متاع البيت :أي قاربي بعضه ِم ن بعض.
وقال أبو عبيدة والفراء والمبرد وابن قتيبة :موضونة :منسوجة مضاعفة متداخلة ،بعضها على
بعض ،كما ُتوضن حلق الدرع ،ومنه
__________
= وفيه محمد بن جعفر وهو المدائني :قال أحمد وأبو داود :ال بأس به ،وقال أحمد مَّر ة" :ال
أحدث عنه بشيٍء أبًد ا" ،وقال أبو حاتم" :يكتب حديثه ،وال ُيحتج به" ،وقال ابن حجر" :صدوٌق
فيه لين" ،انظر تهذيب الكمال (.)12 - 10 /25
ويوسف بن الصباح الفزاري :لم أقف عليه.
( )1وتتمته "بالجوهر والثياب ،وهو موضون" ،انظر :معجم تهذيب اللغة لألزهري (.)3908 /4
()1/458
ُس ِّم ي الَو ضين ،وهو نطاق من سيور ( )1ينسج ،فيدخل بعضه ( )2على بعض ،وأنشدوا لألعشى:
ومن نسج داوَد موضونة ...تساُق مع الحِّي ِع ْيًر ا َفِعيًر ا ()3
قالوا موضونة :منسوجة بقضبان الذهب مشَّبكة ( )4بالدِّر والياقوت والزبرجد.
قال هشيم :حدثنا حصين ،عن مجاهد عن ابن عباس رضي الَّله عنهما قال" :مْر مولة ()5
بالذهب" (. )6
وقال مجاهد" :موصولة ( )7بالذهب" ( ، )8وقال
__________
( )1في "ب ،هـ"" :ستور".
( )2في "ج"" :بعضها".
( )3انظر :ديوان األعشى ص ( ،)71وانظر مجاز القرآن ألبي عبيدة (.)248 /2
( )4في "أ"" :مسبكة".
( )5في "ب ،د ،هـ"" :مزمولة" ،والمرمولة :المضفورة المنسوجة . . .انظر وصف الفردوس البن
حبيب ص (.)90
( )6أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة ( ،)166والبيهقي في البعث (.)337
ورواه الثوري وأبو يوسف القاضي وأشهل كلهم عن حصين به مثله.
أخرجه هناد في الزهد رقم ( ،)77وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم ( ،)412وابن وهب في التفسير
من جامعه رقم ( )313وغيرهم.
وهو صحيح عن ابن عباس.
( )7كذا في جميع النسخ ،وفي مصادر التخريج وكتب التفسير "مرمولة" ،وذكر الماوردي في
تفسيره "موصولة بالذهب" لكن نسبه البن عباس .انظر :النكت والعيون (.)450 /5
( )8أخرجه هناد في الزهد رقم ( 74و ،)76وابن أبي شيبة ( )67 /7رقم =
()1/459
علي ( )1بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الَّله عنهما" :موضونة :مصفوفة" (.)2
وأخبر سبحانه وتعالى أَّنها مرفوعة قال عطاء عن ابن عباس رضي الَّله عنهما قال" :سرر من
ذهب ،مكَّللة بالزبرجد والُّد ِّر والياقوت ،والسرير مثل ما بين مكة وأيلة" (.)3
وقال الكلبي" :طول السرير في السماء مئة عام ( ،)4فإذا أراد الرجل أْن يجلس عليه تواضع له
حتى يجلس عليه ،فإذا جلس عليه ارتفع إلى مكانه".
فصل
وأَّما األرائك :فهي أجمع أريكة .قال مجاهد عن ابن عباس رضي الَّله عنهماُ{ :مَّتِكِئيَن ِفيَه ا َعَلى
اَأْلَر اِئِك } [الكهف ،]31 :قال" :ال يكون أريكة ()5
__________
= ( ،)34069والطبري ( )172 /27وغيرهم.
وله طريق آخر عن مجاهد :عند الطبري ( ،)173 /27وهو صحيح عنه.
( )1وقع في نسخة على حاشية "أ" "عطاء" وهو خطأ.
( )2أخرجه الطبري في تفسيره ( ،)173 /27والبيهقي في البعث رقم ( 338و .)347وسنده
حسن.
( )3ذكره الواحدي في الوسيط ( ،)147 /3والقرطبي في الجامع ألحكام القرآن ()398 /10
وفيه "األريكة ما بين صنعاء إلى أيله ،وما بين عدن إلى الجابية".
( )4كذا في جميع النسخ ،وفي المطبوعة "ذراع" ،وجاء عند القرطبي "ثالث مائة ذراع" (/17
.)202قلت" :ذراع" أشبه بالصواب فيما يظهر .والَّله أعلم.
( )5في "د"" :األرائك".
()1/460
حتى يكون السرير في الَحَج لة ،فإْن كان سريًر ا بغير َحَج لة ال يكون أريكة ،وإن كانت َحَج لة
بغير سرير لم تكن أريكة ،و ( )1ال تكون أريكة إاَّل والسرير في الحجلة ،فماذا اجتمعا كانت
أريكة" (. )2
وقال مجاهد" :هي األِس َّر ة في الِح َج ال" ( . )3وقال الليث" :األريكة :سرير حجلة ،فالحجلة
والسرير أريكة ،وجمعها أرائك" .وقال أبو إسحاق" :األرائك :الفرش في الحجال".
قلُت :ها هنا ثالثة أشياء:
أحدها :السرير.
الثانية :الحجلة ،وهي البشخانة التي تعلق فوقه.
الثالث ( : )4الفراش اَّلذي على السرير ،وال يسَّم ى السرير أريكة ،حتى يجمع ذلك كله.
__________
( )1في نسخٍة على حاشية "أ"" :وقال".
( )2أخرجه البيهقي في البعث رقم ( )334من طريق علي بن عاصم عن حصين عن مجاهد عن
ابن عباس.
وفيه علي بن عاصم الواسطي :في حفظه لين ،انظر :تهذيب الكمال (.)520 - 504 /20
وأخرجه ابن وهب في التفسير من جامعه رقم ( )313عن أشهل بن حاتم في -حفظه لين -عن
حصين به بلفظ "على السرر في الحجال".
( )3أخرجه هناد في الزهِد رقم ( 74و ،)75وابن أبي شيبة ( )68 /7رقم (،)34077
والبيهقي في البعث رقم ( ،)335واَّللفظ له .وسنده صحيح.
( )4في "ب ،د"" :الثالثة".
()1/461
وفي "الصحاح"" :األريكة :سريٌر ُمَنَّج ٌد (ُ )1مَز َّين في ُقَّبٍة أو بيٍت ،فإذا لم يكن فيه سرير ،فهو
حجلة ،والجمع األرائك" (. )2
وفي الحديث" :أَّن خاتم الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -كان مثل زِّر الَحَج لة" ( . )3وهو الِّز ُّر
اَّلذي ُيجمع به بين طرفيها من جملة أزرارها ،والَّلُه أعلم.
__________
( )1في "ب ،ج ،د ،هـ"" :مَّتخذ".
( )2انظر :الصحاح (.)1189 /2
( )3أخرجه البخاري رقم ( ،)187ومسلم رقم ( )2345من حديث السائب بن يزيد رضي الَّله
عنه.
()1/462
()1/463
الِق َر َطة ،وَخ َلَد إذا أسَّن ولم َيِش ْب " ( ، )1وكذلك قال سعيد بن جبير" :مقَّر طون" (. )2
واحتَّج هؤالء بحجتين:
إحداهما :أَّن الخلود عاٌّم لكَّل من في الجَّنة ،فال ُبَّد أْن يكون الِو لدان موصوفين بتخليٍد يختُّص
بهم ،وذلك هو الِق َر طة.
الحجة الثانية :قول الشاعر:
وُمخَّلداٍت باُّللجين كأَّنما ...أعجازهَّن َر واِكُد الُك ثباِن ()3
وقال األَّو لون :الُخ ْلد هو البقاء .قال ابن عباس" :غلمان ال يموتون" (. )4
وقول ترجمان القرآن في هذا كاٍف ،وهذا قول مجاهد والكلبي ومقاتل ،قالوا :ال يكبرون وال
يهرمون وال يتغيرون (. )5
__________
( )1انظر :معجم تهذيب اللغة لألزهري (.)1081 /1
( )2ذكره البغوي في تفسيره معالم التنزيل ( ،)108 /8والقرطبي في الجامع ألحكام القرآن (
.)202 /17
( )3انظر :تفسير غريب القرآن البن قتيبة ص ( ،)447ومعجم تهذيب اللغة لألزهري (/1
،)1080ولم ينسباه ألحٍد ،وعندهما "أقاِو ز" بدل "رواكد".
( )4ذكره الواحدي في تفسيره "الوسيط" (.)233 /4
وقاله أيًض ا مجاهد والحسن البصري ،انظر :تفسير الطبري (.)173 /27
( )5انظر :تفسير مقاتل ( ،)312 /3والقرطبي ( ،)202 /17والوسيط ( ،)233 /4والبيهقي
في البعث رقم (.)411
()1/464
وجمعْت طائفة بين القولين ،وقالوا :هم ولدان ال يعرض لهم الِكَبر وال الهرم ،وفي آذانهم
الِق َر طة ،فمن قال :مقَّر طون .أراد هذا المعنى ،أَّن كونهم ولداًنا أمٌر الزٌم لهم.
وشَّبههم سبحانه باللؤلؤ المنثور ،لما فيه من البياض وحسن الخلق ،وفي كونه منثوًر ا فائدتان:
إحداهما :الداللة على أَّنهم غير معَّطلين ،بل َمْبثوثون في خدمتهم وحوائجهم.
والثاني ( : )1أَّن اللؤلؤ إذا كان منثوًر ا ،وال سيما على بساط من ذهٍب أو حرير؛ كان أحسن
لمنظره وأبهى من كونه مجموًعا في مكان واحد.
وقد اختلف في هؤالء الِو ْلدان :هل هم ِم ْن ِو ْلدان الدنيا ،أم أنشأهم الَّلُه في الجَّنة إنشاء؟ على
قولين:
فقال علي بن أبي طالب والحسن البصري :هم أوالد المسلمين اَّلذين يموتون ،وال حسنَة لهم
وال سيئة ،يكونون خدم أهل الجَّنة وولدانهم (ِ ، )2إِذ الجَّنة ال ِو الدة فيها (. )3
قال الحاكم :حدثنا عبد الرحمن بن الحسن حدثنا إبراهيم بن الحسين حدثنا آدم حدثنا المبارك
بن َفَض الة عن الحسن في قوله تعالى:
__________
( )1كذا في جميع النسخ ،ولعل صوابه" :الثانية".
( )2في "ج"" :وولدانهم في الجَّنة".
( )3انظر :تفسير القرطبي الجامع ألحكام القرآن (.)203 /17
()1/465
{ِو ْلَد اٌن ُمَخ َّلُد وَن ([ } )17الواقعة ]17 :قال" :لم يكن لهم حسنات َفُيْجَزْو ن بها ( ، )1وال
سيئات فيعاقبون عليها ،فوضعوا بهذا الموضع" (. )2
ومن أصحاب هذا القول من قال :هم أطفال المشركين ،يجعلهم الَّلُه َخَد ًم ا ألهل الجَّنة.
واحتَّج هؤالء بما رواُه يعقوب بن عبد الرحمن القاري عن أبي حازٍم المديني ،عن يزيد الَّر قاشي
عن أنس عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :سألُت ربي اَّلالهين من ذرية البشر أْن ال
يعذبهم ،فأعطانيهم فهم خدم أهل الجَّنة" ( . )3يعني :األطفال.
__________
( )1في "ب"" :فيخرجون بها".
( )2أخرجه البيهقي في البعِث رقم ( ،)410وعبد بن حميد في تفسيره كما في الدر (/6
،)219وسنده حسن.
( )3أخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية ( )926 /2رقم (.)1544
-ورواُه األعمش والربيع بن صبيح وحكيم بن جرير وغيرهم كلهم عن يزيد الرقاشي عن أنس،
وفي ألفاظهم اختالف.
أخرجه أبو يعلى ( ،)4090والطيالسي ( ،)2225وأبو نعيم في أخبار أصبهان (.)344 /1
ورواُه محمد بن المنكدر واختلف عليه.
-فرواُه عبد الرحمن بن المتوكل عن فضيل بن سليمان عن عبد الرحمن بن إسحاق المدني عن
الزهري عن أنس فذكره إلى "فأعطانيهم".
أخرجه أبو يعلى رقم ( ،)3570وابن عدي في الكامل (.)302 /4
وهذا خطأ ،صوابه (ابن المنكدر) بدل (الزهري).
هكذا رواُه عمرو بن مالك البصري عن فضيل عن عبد الرحمن بن إسحاق عن محمد بن
المنكدر عن أنس فذكره إلى "فوهبهم" بدل "فأعطانيهم".
أخرجه أبو يعلى (= .)3636
()1/466
قال الَّدارقطني :ورواُه عبد العزيز بن الماجشون عن ابن المنكدر عن يزيد الرقاشي عن أنس عن
الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم .-انتهى.
ورواُه فضيل ( )1بن سليمان عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن أنس .وهذه الطرق
ضعيفة؛ فيزيد واٍه ( ، )2وفضيل بن سليمان ُمَتَك َّلٌم فيه ( ، )3وعبد الرحمن بن إسحاق ضعيف (
. )4
قال ابن قتيبة :واَّلالهونِ ،م ن "لهيَت " عن الشيء إذا غفلت عنه ( ، )5وليس هو ِم ن "لهوت" ()6
.
وأصحاب القول األَّو ل ال يقولون :إَّن هؤالء أوالٌد ُو ِلُد وا ألهل
__________
= -ورواُه عبد العزيز بن الماجشون عن محمد بن المنكدر عن يزيد الرقاشي عن أنس فذكره.
أخرجه ابن الجعد في مسنده رقم ( )3013وابن أبي شيبة في مسنده كما في المطالب رقم (
،)4180وأبو يعلى ( 4101و .)4102
وهذا هو الصحيح ،والحديث له طرٌق أخرى ال تثبت.
وعليه فمداُر الحديث على يزيد الرقاشي ،وهو ضعيف.
قال ابن الجوزي" :هذا حديث ال يثبت ،ويزيد ال ُيعَّو ل عليه" .وضعفه البوصيري.
( )1في "ب"" :فضل" ،وهو خطأ ،وكذلك ما بعده.
( )2انظر :تهذيب الكمال (.)77 /32
( )3هو الُّنميري .انظر :تهذيب الكمال (.)271 /23
( )4هو المدني .انظر :تهذيب الكمال (.)525 - 519 /16
( )5سقط من "أ ،ج ،هـ".
( )6ذكره ابن الجوزي في العلل المتناهية (.)927 - 926 /2
()1/467
الجَّنة فيها ،وإَّنما يقولون :هم غلمان أنشأهم الَّلُه في الجَّنة إنشاًء ( ، )1كما أنشأ الحور العين.
قالوا :وأَّما ِو ْلدان أهل الدنيا فيكونون يوم القيامة أبناء ثالث وثالثين سنة؛ لما رواُه ابن وهب
حدثنا عمرو بن الحارث أَّن دَّر اًج ا أبا الَّس مح حَّدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد رضي الَّله عنه
قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-من مات من أهل الجَّنة من صغيٍر أو كبيٍر ُيرُّدون
بني ثالٍث و ( )2ثالثين سنة في الجَّنة ،ال يزيدون عليها أبًد ا ،وكذلك أهل الَّنار" ( . )3رواُه
الترمذي.
واألشبه أَّن هؤالِء الولدان مخلوقون من الجَّنة -كالحور العينَ -خَد ًم ا لهم وِغ ْلَم اًنا ،كما قال
تعالىَ{ :و َيُطوُف َعَلْيِه ْم ِغ ْلَم اٌن َلُه ْم َك َأَّنُه ْم ُلْؤ ُلٌؤ َمْك ُنوٌن ([ } )24الطور ]24 :وهؤالء غير
أوالدهم ،فإَّن من تمام كرامة الَّلُه تعالى لهم أْن يجعل أبناءهم مخدومين معهم ،ال يجعلهم غلماًنا
لهم.
وقد تقَّدم في حديث أنس عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم" :-أنا أَّو ل الَّناُس خروًج ا إذا ُبِعُثوا،
-وفيه -يطوف علَّي ألُف خادٍم كأَّنهم لؤلؤ مكنون" (. )4
والمكنون :المستور المصون اَّلذي لم تبتذله األيدي.
__________
( )1من "ب ،ج ،د ،هـ".
( )2قوله "ثالٍث و" من "أ" فقط ،وليس عند الترمذي ،وال في باقي النسخ ،ولم َتِر د أيًض ا في
(ص)316 /؛ لكن كالم المؤلف يقتضيه ،فلعَّله في بعض نسخ الترمذي.
( )3تقدم في ص (.)316
( )4تقدم في ص (.)225
()1/468
وإذا تأملَت لفظة الـ {ِو ْلَد اٌن } ،ولفظة {َو َيُطوُف َعَلْيِه ْم } واعتبرتها بقولهَ{ :و َيُطوُف َعَلْيِه ْم ِغ ْلَم اٌن
َلُه ْم } [الطور ]24 :وَض ممت ذلك إلى حديث أبي سعيد المذكور آنًف ا = علمَت أَّن الولدان
غلماٌن أنشأهم الَّر ُّب تعالى في الجَّنة خدًم ا ألهلها ،والَّلُه أعلم.
()1/469
الباب الثالث والخمسون في ذكر نسائهم وسرارِّيهم ،وأصنافهَّن وحسنهَّن وأوصافهَّن ()1
وجمالهَّن الظاهر والباطن اَّلذي وصفهَّن الَّلُه تعالى به في كتابه
ِم ِت ٍت ِل ِت ِم َّلِذ
قال الَّله تعالىَ{ :و َبِّش ِر ا يَن آَمُنوا َو َع ُلوا الَّصا َح ا َأَّن َلُه ْم َج َّنا َتْج ِر ي ْن َتْح َه ا اَأْلْنَه اُر
ِف ِه ِم ِذ ٍة ِم ِم
ُك َّلَم ا ُر ِز ُقوا ْنَه ا ْن َثَمَر ِر ْز ًقا َقاُلوا َه َذ ا اَّل ي ُر ِز ْقَنا ْن َقْبُل َو ُأُتوا ِب ُمَتَش اِبًه ا َو َلُه ْم يَه ا َأْز َو اٌج
ُمَطَّه َر ٌة َو ُه ْم ِفيَه ا َخ اِلُد وَن ([ })25البقرة.]25 :
فتأَّم ل جاللة المبشر ومنزلته وصدقه وعظمة من أرسله إليك بهذه البشارة ،وقدر ما بَّش رك به،
وضمنه لك على أسهل شيٍء عليك وأيسره ،وجمع سبحانه في هذه البشارة بين نعيم ال َد ِن
َب
بالجنان ،وما فيها من األنهاِر والثماِر ،ونعيم النفس باألزواج المطهرة ،ونعيم القلِب وُقَّر ة العين
بمعرفة دوام هذا العيش أبد اآلباد ،وعدم انقطاعه.
واألزواج :جمع زوج ،والمرأة :زوُج الرجل ،وهو زوجها ،هذا هو األفصُح ،وهو لغة قريش،
وبها نزل القرآن كقوله تعالى{ :اْس ُك ْن َأْنَت َو َز ْو ُج َك اْلَج َّنَة} [البقرة ]35 :ومن العرِب من
يقول :زوجة ،وهو نادٌر ،ال يكادون يقولونه.
وأَّما المطهرة :وإْن جرْت صفًة على الواحد ،فتجري صفة على
__________
( )1في المطبوعةَ" :و َص َف اِئِه َّن ".
()1/470
جمع التكسير إجراًء له مجرى جماعة ،كقوله تعالىَ{ :و َمَس اِكَن َطِّيَبًة} [الصف ،]12 :و {ُقًر ى
َظاِه َر ًة} [سبأ .]18 :ونظائره ،والمطهرة :التي ُطِّه رت من الحيِض والبول والنفاس ،والغائط
والمخاط والُبصاق ،وكل َقَذ ر ،وكِّل أًذى يكون من نساء الدنيا ،وُطِّه َر ( )1مع ذلك باطنها من
األخالق السيئة والصفات المذمومة ،وطهر لسانها من الفحش والبذاء ،وطهر طرفها من أن
تطمح به إلى غير زوجها ،وطهرت أثوابها من أْن يعرض لها دنٌس أو وسٌخ .
قال عبد الَّله بن المبارك :حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي َنْض رة عن أبي سعيد رضي الَّله عنه عن
الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلمَ{ -و َلُه ْم ِفيَه ا َأْز َو اٌج ُمَطَّه َر ٌة} [البقرة ]25 :قال" :من الحيض
والغائط والنخامة والبصاق" (. )2
__________
( )1في "ج"" :فطهر".
( )2أخرجه ابن حبان في المجروحين ( )160 /2معلًق ا ،والحاكم في المستدرك كما عند ابن
كثير ( ،)67 /1ولم أقف عليه في المطبوع وال في إتحاف المهرة البن حجر ،وابن مردويه في
تفسيره كما في تفسير ابن كثير ( ،)67 - 66 /1وقال" :هذا حديٌث غريب".
من طريق عبد الرزاق بن عمر البزيعي عن عبد الَّله بن المبارك به فذكره.
قال الحاكُم" :صحيح على شرط الشيخين".
وتعقبه ابن كثير فقال" :هذا اَّلذي اَّدعاُه فيه نظر ،فإَّن عبد الرزاق بن عمر البزيعي هذا قال فيه
أبو حاتم الُبستي" :ال يجوُز االحتجاج به" ،قلُت -ابن كثير :-واألظهُر أَّن هذا من كالم قتادة
كما تقدم والَّله أعلم".
وقال ابن حبان في ترجمة عبد الرزاق هذا . . ." :يقلب األخبار ويسند المراسيل ،ال يجوز
االحتجاج به إذا انفرد" ثَّم ساق له هذا الحديث ثَّم قال" :وهذا قول قتادة رفعه ،ال أصل له من
كالم الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم= ."-
()1/471
وقال عبد الَّله بن مسعود رضي الَّله عنه وعبد الَّله بن عباس رضي الَّله عنهما" :مطهرة :ال يحضن
وال ُيْح ِد ْثَن ( )1وال يتنَّخمن" (. )2
وقال ابن عباس رضي الَّله عنهما أيًض ا" :مطهرة من الَقَذ ِر واألذى" (. )3
وقال مجاهد" :ال يبلَن وال يتغوطن ،وال يمذين ( )4وال يمنين ،وال يحضَن ،وال يبصقن وال
يتنخمن ،وال يلدن" (. )5
وقال قتادة" :مطهرة من اإلثم واألذى ،طهرهَّن الَّلُه من كِّل بوٍل وغائٍط وقذٍر ومأثم" (. )6
__________
= قلُت :وهو كما قال .بنحوه رواُه سعيد بن أبي عروبة وأبان العطار ومعمر وخليد كلهم عن
قتادة قوله ،وسيأتي.
( )1في "أ ،ب ،ج ،د ،هـ" "يمذين" وهو تصحيف ،والمثبت مصدر التخريج.
( )2أخرجه الطبري في تفسيره (.)175 /1
( )3أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره -البقرة -رقم ( ،)265والطبري في تفسيره (،)175 /1
وسنده حسن.
( )4كذا في جميع النسخ ،وقد جاءت من رواية الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عند
الطبري.
( )5أخرجه هَّناد في الزهد رقم ( ،)29 ،27وابن المبارك في الزهد -رواية نعيم -رقم (،)242
وابن أبي حاتم في تفسيره /البقرة رقم ( ،)266والطبري ( 175 /1و )176وغيرهم.
من طريقين عن مجاهد ،وهو ثابت عنه.
( )6أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ( ،)64 /1وابن أبي حاتم في تفسيره /البقرة رقم ( 267و
)268والطبري في تفسيره (.)176 /1
وهو صحيٌح عنه.
()1/472
وقال عبد الرحمن بن زيد" :المطهرة :التي ال تحيض ،وأزواج الدنيا لسن بمطهراٍت ،أاَل تراهَّن
يدمين ،ويتركن الصالة والصيام؟ .قال :وكذلك ُخ ِلَق ْت حَّو اء حتى َعَص ت ،فلَّم ا عصت قال الَّلُه:
إَّني خلقتك مطهرًة ،وسُأْد ميك كما دميت هذه الشجرة" (. )1
وقال تعالىِ{ :إَّن اْلُم َّتِق يَن ِفي َم َق اٍم َأِم يٍن (ِ )51في َج َّناٍت َو ُعُيوٍن (َ )52يْلَبُس وَن ِم ْن ُس ْنُد ٍس
َو ِإْسَتْبَر ٍق ُمَتَق اِبِليَن (َ )53كَذ ِلَك َو َز َّو ْجَناُه ْم ِبُح وٍر ِع يٍن (َ )54يْد ُعوَن ِفيَه ا ِبُك ِّل َفاِكَه ٍة آِم ِنيَن (
)55اَل َيُذ وُقوَن ِفيَه ا اْلَمْو َت ِإاَّل اْلَمْو َتَة اُأْلوَلى َو َو َقاُه ْم َعَذ اَب اْلَج ِح يِم ([ } )56الدخان- 51 :
.]56
فجمَع لهم بين ُحْس ن المنزل ،وحصول األمن فيه من كِّل مكروٍه ،واشتماله على الثمار واألنهار،
وحسن اللباس وكمال الِعْش رة بمقابلة بعضهم بعًض ا ،وتمام اَّللذة بالحور العين ،ودعائهم بجميع
أنواع الفاكهة ،مع أمنهم من انقطاعها ،ومضرتها وغائلتها ،وختاُم ذلك أعلمهم بأَّنهم ال يذوقون
هناك موًتا.
والُحْو ُر :جمع َحْو راء ،وهي المرأة الشابة الحسناء الجميلة البيضاء ،شديدة سواد العين.
وقال زيد بن أسلم" :الَحْو َر اء :التي يحار فيها الطرف ،وِع ْين :حسان األعين" (. )2
__________
( )1أخرجه الطبري في تفسيره ( ،)176 /1وسنده صحيح إلى عبد الرحمن بن زيد.
( )2أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( )304وفيه الواقدي :وهو متروك.
()1/473
وقال مجاهد" :الحوراء التي يحار فيها الطرف من ِر َّقة الجلد ،وصفاء اللون" (. )1
وقال الحسن" :الحوراء :شديدة بياض العين ،شديدة سواد العين" (. )2
واختلف في اشتقاق هذه اللفظة:
فقال ابن عباس -رضي الَّله عنهما" :-الحور في كالم العرب :البيض" ( . )3وكذلك قال قتادة
"الحور :البيض" ( )4وقال مقاتل" :الحور :البيض الوجوه" ( . )5وقال مجاهد" :الحور العين،
التي يحار
__________
( )1أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( )305واَّللفظ له ،وابن أبي شيبة ( )218 /7رقم
( ،)35446والطبري (.)178 /27
من طريق سفيان وفضيل حدثنا أصحابنا عن مجاهد فذكره.
فيه إبهام من رواُه عن مجاهد .ووقع عند الطبري "عن رجل" بدل "أصحابنا" وعند ابن أبي شيبة
"عن بعض أصحابه".
( )2أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( ،)306واللفظ له ،والطبري (.)177 /27
من طريق سفيان عن رجٍل عن الحسن فذكره.
وفيه إبهام الرجل الَّر اوي عن الحسن ،ووقع عند الطبري مصَّر ًح ا به ،واسمه "عمرو" ،وهو عمرو
بن ُعبيد المعتزلي ،وهو متروك ،قد اَّتهمه بعضهم .انظر :تهذيب الكمال (.)123 /22
( )3أخرجه عبد الملك بن حبيب في وصف الفردوس رقم (.)241
من طريق الكلبي عن أبي صالح عنه .وسنده ضعيف جًّدا.
( )4أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ( )172 - 171 /2رقم ( ،)2825والطبري (.)136 /25
وسنده صحيح.
( )5انظر :تفسيره (.)208 /3
()1/474
فيهن الطرف بادًيا مُّخ سوقهن من وراء ثيابهن ،ويرى الناظر وجهه في كبد إحداهن ،كالمرآة من
رقة الجلد ،وصفاء اللون" (. )1
وهذا من االتفاق ،وليست اللفظة مشتقة من الحيرة .وأصل الحور :البياض .والتحوير :التبييض.
والصحيح :أن الحور مأخوذ من الَح َو ِر في العين ،وهو شدة بياضها مع قوة سوادها ،فهو يتضمن
األمرين.
وفي "الصحاح"" :الَح َو ُر :شدة بياض العين في شدة سوادها .امرأة َحْو َر اءَ :بِّينة الَح َو ر .وقال أبو
عمرو :الَح َو ر :أن تْس وَّد العين كلها مثل أعين الِّظباء والبقر ،وليس فى بني آدم حور ،وإنما قيل:
للنساء :حور العيون ( )2؛ ألنهَّن ُش ِّبهَن بالظباء والبقر" (. )3
وقال األصمعي" :ما أدري ما الَح َو ُر في العين؟ " (. )4
قلت :خالف أبو عمرو أهل اللغة ،و ( )5اشتقاق اللفظة ،ورَّد الَح َو ر إلى السواد ،والناس غيره
إنما رُّدوه إلى البياض ،أو إلى بياٍض في سواد.
__________
( )1أخرجه الطبري في تفسيره ( ،)136 /25والبيهقي في البعث رقم ( ،)396وسنده حسن.
( )2في "ب"" :العين".
( )3انظر :الِّص حاح (.)526 /1
( )4انظر" :الغريب المصِّنف ألبي عبيد (." )28 /1
( )5كذا جميع النسخ ولعَّلها" :في" ،وهي في مطبوعة ،دار الكتاب العربي.
()1/475
والَح َو ُر في العين :معنى يلتئم من حسن البياض والسواد وتناسبهما ،واكتساب كل واحد منهما
الحسن من اآلخر.
وعيٌن حوراء :إذا اشتَّد بياُض أبيِض ها وسواد أسودها ،وال تسمى المرأة حوراء حتى تكون مع
حور عينها بيضاء لون الجسد.
والِعْيُن :جمع عيناء ،وهي العظيمة العين من النساء .ورجٌل أعين :إذا كان ضخم العين .وامرأة
عيناء ،والجمع ِع ْيٌن .
والصحيح :أَّن الِعْيَن الالتي َجَم َعْت أعينهن صفات الحسن والمالحة ،قال مقاتل" :العين :حسان
األعين" (. )1
ومن محاسن المرأة اتساع عينها في طول ،وضيق العين في المرأة من العيوب ،وإنما يستحب
الضيق منها في أربعة مواضع :فمها ،وخرق أذنها ،وأنفها ،وما هنالك.
ويستحب الَّس َعة منها في أربعة مواضع :وجهها ،وصدرها ،وكاهلها :وهو ما بين كتفيها،
وجبهتها.
ويستحب البياض منها في أربعة مواضع ( : )2لونها ،وفرقها ،وثغرها ،وبياض عينها.
ويستحب السواد منها في أربعة مواضع ( : )3عينها ،وحاجبها ،وهدبها ،وشعرها.
__________
( )1انظر تفسير مقاتل (.)208 /3
( )2ليس في (أ ،ج ،هـ).
( )3ليس في (أ ،ب ،ج ،هـ).
()1/476
فصل
وقوله تعالىَ{ :و َز َّو ْجَناُه ْم ِبُح وٍر ِع يٍن ([ })20الطور.]20 :
قال أبو عبيدة" :جعلناهم أزواًج ا كما يزوج النعل بالنعل ،جعلناهم اثنين اثنين" ( .)3قال يونس:
"قرَّناهم بهن ،وليس من عقد التزوج ،قال :والعرب ال تقول :تزوجت بها ،وإنما تقول تزوجتها"
(.)4
قال من نصر هذا :التنزيل ( )5يدل على ما قاله يونس ،وذلك قوله
__________
( )1في (د ،ج) (وثيابها).
( )2في (ب ،هـ) ونسخة على حاشية "أ"( :وحاجبها).
( )3انظر مجاز القرآن (.)209 /2
( )4انظر "المخَّصص" البن سيده (.)358 /1
ويونس :هو ابن حبيب إمام في اللغة.
( )5في (أ) (التأويل).
()1/477
تعالىَ{ :فَلَّم ا َقَض ى َز ْيٌد ِم ْنَه ا َو َطًر ا َز َّو ْجَناَك َه ا} [األحزاب ،]37 :ولو كان على تزوجت بها
لقال :زوجناك بها .وقال ابن ساَّل م" :تميم تقول :تزوجت امرأًة ،وتزوجت بها" وحكاه الكسائي
أيًض ا .وقال األزهري" :تقول العرب :زوجته امرأًة ،وتزوجت امراًة ،وليس من كالمهم :تزوجت
بامرأة ،قال :وقوله تعالىَ{ :و َز َّو ْجَناُه ْم ِبُح وٍر ِع يٍن } [الطور ]20 :أي :قرَّناهم ،وقال الفَّر اُء" :هي
لغة في أزِد َش ُنْو ءة" ( ، )1قال الواحدي" :وقول أبي عبيدة في هذا حسن ( )2؛ ألنه جعله من
التزوج الذي هو بمعنى جعل الشيء زوًج ا ال بمعنى عقد النكاح ،ومن هذا يجوز أن يقال :كان
فرًد ا فزوجته بآخر ،كما يقال :شفعته بآخر ،وإنما تمتنع الباء عند من يمنعها ،إذا كان بمعنى عقد
التزويج".
قلت :وال يمتنع أن يراد األمران مًعا ،فلفظ التزويج :يدل على النكاح ،كما قال مجاهد:
"أنكحناهم الحور" ( ، )3ولفظ الباء :يدل على االقتران والضم ،وهذا أبلغ من حذفها ،والَّله
أعلم.
وقال تعالىِ{ :فيِه َّن َقاِص َر اُت الَّطْر ِف َلْم َيْطِم ْثُه َّن ِإْنٌس َقْبَلُه ْم َو اَل َج اٌّن (َ )56فِبَأِّي آاَل ِء َر ِّبُك َم ا
ُتَك ِّذ َباِن (َ )57ك َأَّنُه َّن اْلَياُقوُت َو اْلَمْر َج اُن ([ .} )58الرحمن.]58 - 56 :
وصفهَّن سبحانه ِبِق َص ِر الطرف في ثالثة مواضع:
أحدها :هذا.
__________
( )1انظر معجم تهذيب اللغة لألزهري (.)1574 /2
( )2في (هـ) ،ونسخة على حاشية "أ"( :أحسن).
( )3أخرجه الطبري في تفسيره ( )136 /25وسنده حسن.
()1/478
والثاني :قوله تعالى في الصافاتَ{ :و ِع ْنَد ُه ْم َقاِص َر اُت الَّطْر ِف ِع يٌن ([ } )48آية.]48 :
والثالث :قوله تعالى في صَ{ :و ِع ْنَد ُه ْم َقاِص َر اُت الَّطْر ِف َأْتَر اٌب ([ } )52آية.]52 :
والمفسرون كلهم على أَّن المعنىَ :قَص ْر َن طرفهَّن على أزواجهَّن ،فال يطمحن إلى غيرهم .وقيل:
قصرن طرف أزواجهَّن عليهَّن ،فال يدعهم حسنهَّن وجمالهَّن أْن ينظروا إلى غيرهَّن .
وهذا صحيح من جهة المعنى ،وأَّما من جهة اللفِظ :فقاصرات :صفة مضافة إلى الفاعل ،كحسان
الوجوه ( ، )1وأصله :قاصٌر طرفهَّن ،أي :ليس بطامٍح متعٍّد.
قال آدم :حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالىَ{ :قاِص َر اُت الَّطْر ِف }
[الرحمن ]56 :قال" :يقول :قاصرات الطرف على أزواجهَّن ،فال يبغين غير أزواجهَّن " (. )2
قال آدم :وحدثنا المبارك بن فضالة عن الحسن قال" :قصرن طرفهَّن على أزواجهَّن ،فال ُيِر ْد َن (
)3غيرهم ،والَّله ما هَّن متبِّر جات،
__________
( )1قوله "كحسان الوجوه" جاء في "أ ،ج" "كحسان الوجه" وفي "ب ،د" "لحسان الوجه".
( )2أخرجه البيهقي في البعث رقم ( )385وسنده حسن.
( )3في "هـ"" :يرون".
()1/479
()1/480
أمثال" ( . )1قال أبو إسحاق" :أي :هَّن في غاية الشباب والُح سن ،وَس َّم ي سَّن اإلنسان وقرنه
ِتْر به؛ ألَّنه مَّس ( )2تراب األرض معه في وقٍت واحٍد ( ، )3والمعنى من اإلخبار باستواء
أسنانهَّن ،أَّنهَّن ليس فيهَّن عجائز قد فات حسنهَّن ،وال والئد ال ُيِط ْق َن الوَط ء بخالف الذكور،
فإَّن فيهم ( )4الولدان :وهم الخدم.
وقد اختلف في تفسير ( )5الضمير في قولهِ{ :فيِه َّن }:
فقالت طائفة :تفسيره ( )6الجنتان ،وما حوتاه من القصور والغرف والخيام.
وقالت طائفة :تفسيره ( )7الفرش المذكورة في قولهُ{ :مَّتِكِئيَن َعَلى ُفُر ٍش َبَطاِئُنَه ا ِم ْن ِإْسَتْبَر ٍق }
[الرحمن ،]54 :و (في) بمعنى :على.
وقوله تعالىِ{ :فيِه َّن َقاِص َر اُت الَّطْر ِف َلْم َيْطِم ْثُه َّن ِإْنٌس َقْبَلُه ْم َو اَل َج اٌّن ([ } )56الرحمن.]56 :
قال أبو عبيدة :لم يمسهَّن .يقال :ما طمث هذا البعير َحْبٌل قط،
__________
( )1أخرجه الطبري في تفسيره ( ،)175 /23والبيهقي في البعِث رقم ( ،)384وسنده حسن.
( )2في "أ ،ج"" :سَّن " ،وفي "د"" :من".
( )3سقط من "أ ،ج".
( )4في جميع النسخ "فيهَّن ".
( )5في "ب ،د"" :مفِّس ر".
( )6في "ب ،د"" :مفِّس ُر ُه" ،وجاء في "هـ"" :تفسيره :الجَّنات".
( )7في "ب ،د"" :مفِّس ُر ُه".
()1/481
أي ما مَّس ه ( ، )1وقال يونس :تقول العرب ( : )2هذا جمل ما طمثه حبل قط :أي ما مَّس ه ()3
" ،وقال الفَّر اء" :الطمث :االفتضاض ،وهو النكاح بالَّتدمية .والَّطمث :هو الدم .وفيه لغتان:
َطِم َث َيْطُم ُث وَيْطَم ُث " ( . )4قال الليث" :طمثت الجارية :إذا افترعتها ( ، )5والطامث في
لغتهم :هي الحائض" ( . )6قال أبو الهيثم" :يقال للمرأةُ :طِم َثت ُتْطَم ث ،إذا ُأْد ِم َيت باالفتضاض،
وَطِم َثت على َفِعَلْت َتْطَم ث إذا حاضت أَّو ل ما تحيض ،فهي طامث ،وقال في قول الفرزدق:
خرجن إلَّي لم ُيطمْثَن قبلي ...وهن أَص ُّح من َبْيِض الَّنعام ()7
أي :لم ُيْم َسْسَن .
قال المفسرون :لم يطأهَّن ،ولم يغشهَّن ،ولم يجامعهَّن .هذه ألفاظهم ،وهم مختلفون في هؤالء:
فبعضهم يقول :هَّن اللواتي ُأنِش ْئن في الجَّنة من حورها ،وبعضهم يقول :يعني نساء ( )8الدنيا،
ُأْنِش ئَن خلًق ا آخر أبكاًر ا كما وصفهَّن .
__________
( )1انظر :مجاز القرآن ( ،)246 - 245 /2وفيه" :ما مَّس ُه َحَبٌل".
( )2من "ب ،ج ،د ،هـ".
( )3انظر :لسان العرب (.)166 /2
( )4انظر :معاني القرآن للفَّر اء ( )119 /3بمعناه ،وتفسير غريب القرآن البن قتيبة ص (،)442
ولسان العرب (.)166 /2
( )5في "ج"" :أفزعتها" وهو خطأ ،ووقع في "هـ" "طمث الجارية :إذا افترعها".
( )6انظر :العين للخليل ص (.)576
( )7انظر :لسان العرب ( ،)166 /2وفيه" :وقْع َن " بدل "خرجَن ".
( )8في نسخٍة على حاشية "أ"" :نساًء من نساِء ".
()1/482
قال الشعبي" :نساء من نساء الدنيا ،لم ُيْمَسْس ن منذ أنشئن خلًق ا" ( . )1وقال مقاتل" :ألنهَّن
خلقن في الجَّنة" ( . )2قال عطاء عن ابن عباس" :هَّن اآلدميات اَّلالتي ُمْتَن أبكاًر ا" ( . )3وقال
الكلبي" :لم يجامعهَّن في هذا الخلق الذي ُأْنِش ْئَن فيه إنٌس وال جاٌّن" (. )4
قلُت :ظاهر القرآن أَّن هؤالء الِّنسوة لسن من نساء الدنيا ،وإَّنما هَّن من الُحْو ر العين ،أَّما نساء
الدنيا فقد َطِم َثهَّن اإلنس ،ونساء الجن قد َطِم ثهَّن الجن ،واآلية تدل على ذلك.
قال أبو إسحاق" :وفي هذه اآلية دليٌل على أَّن الِج ِّنَّي َيْغَش ى ،كما أَّن اإلْنِس َّي َيْغَش ى" (. )5
ويدل على أَّنهَّن الحور اَّلالتي خلقَن في الجَّنة:
-أَّنه سبحانه جعلهَّن مَّم ا أعَّد ُه الَّلُه في الجَّنة ألهلها من الفواكه
__________
( )1ذكره البغوي في تفسيره معالم التنزيل ( ،)454 /7والواحدي في الوسيط (.)227 /4
وأخرجه البيهقي في البعث رقم ( )378بلفظ "ُه َّن من نساء أهل الدنيا خلقهَّن الَّلُه في الخلق
اآلخر" .وسنده صحيح.
* وأخرجه هناد في الزهد رقم ( ،)22قال" :منذ ُأنشئن" .وفيه رجل لم يسَّم .
( )2انظر تفسيره (.)309 /3
( )3لم أقف عليه.
( )4ذكره الواحدي في الوسيط (.)227 /4
( )5انظر :زاد المسير البن الجوزي (.)122 /8
()1/483
والثمار واألنهار والمالبس وغيرها.
-ويدُّل عليه أيًض ا اآلية التي بعدها ،وهي قوله تعالىُ{ :ح وٌر َمْق ُصوَر اٌت ِفي اْلِخ َياِم (} )72
[الرحمن ]72 :ثَّم قالَ{ :لْم َيْطِم ْثُه َّن ِإْنٌس َقْبَلُه ْم َو اَل َج اٌّن} [الرحمن.]56 :
قال اإلمام أحمد" :والحور العين ال يمْتن عند النفخة في الصور؛ ألَّنهَّن خلقن للبقاء" (. )1
وفي اآلية دليل لما ذهب إليه الجمهور ،أَّن مؤمني الجِّن في الجَّنة ،كما أَّن كافرهم في الَّناِر .
وبَّو ب عليه البخاري في "صحيحه" فقال" :باُب ثواِب الجن وعقابهم" (. )2
ونَّص عليه غير واحٍد من الَّس لف:
قال َض ْم رة بن حبيب ،وقد سئل :هل للجن ثواب؟ فقال :نعم ،وقرأ هذه اآلية ثَّم قال" :اإلنسيات
لإلنس ،والجِّنيات للجَّن " (. )3
__________
( )1ذكره حرب الكرماني في مسائله ص ( )358بنحوه ،وسيأتي بتمامه في آخر الكتاب ص (
.)834
( )2في ( )64كتاب بدء الخلق ،باب )1200 /3( ،12 :ط بغا.
( )3أخرجه الطبري في تفسيره ( ،)151 /27وأبو الشيخ في العظمة رقم ( ،)1151وابن أبي
حاتم ،وابن المنذر ،والمنذر بن سعيد البلوطي في تفاسيرهم كما في آكام المرجان للشبلي ص (
،)58والدر المنثور (.)205 /6
من طريِق مبِّش ر بن إسماعيل وشريح بن يزيد الحضرمي كالهما عن أرطأه ابن المنذر عن ضمرة
بن حبيب فذكره.
وسنده صحيح.
()1/484
وقال مجاهد في هذه اآلية" :إذا جامع الرجل ،ولم يسِّم انطوى الجاُّن على إحليله فجامع معه" (
. )1
والضميُر في قوله {َقْبَلُه ْم } للمعِنَّيين بقولهُ{ :مَّتِكِئيَن } ،وهم :أزواج هؤالء النسوة.
وقولهَ{ :ك َأَّنُه َّن اْلَياُقوُت َو اْلَمْر َج اُن ([ } )58الرحمن.]58 :
قال الحسُن وعاَّم ة المفسرين :أراد صفاء الياقوت في بياض المرجان ،شَّبههن في صفاء اَّللون
وبياضه بالياقوت والمرجان" (. )2
يدُّل عليه ما قالُه عبد الَّله" :إَّن المرأة من نساء أهل الجَّنة لتلبس عليها سبعين ُح َّلة من حرير،
فُيَر ى بياُض ساقيها من ورائهَّن ،ذلك بأَّنه
__________
( )1أخرجه الطبري في تفسيره ( )151 /27والحكيم الترمذي في نوادر األصول ( 104ق/
ب).
من طريق سهل بن عامر البجلي عن يحيى بن يعلى األسلمي عن عثمان ابن األسود عن مجاهد
فذكره.
وسنده ضعيف جًّدا ،فيه سهل بن عامر قال أبو حاتم" :ضعيف الحديث روى أحاديث بواطيل. .
وكان يفتعل الحديث" .وقال البخاري" :منكر الحديث" ،ويحيى األسلمي أيًض ا :ضعيف
الحديث.
انظر :الجرح والتعديل ( ،)202 /4وتهذيب الكمال ( ،)252 /32ولسان الميزان (.)137 /3
( )2أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( ،)322والطبري في تفسيره ( )152 /27عن
الحسِن قال" :صفاء الياقوت في بياض المرجان".
وسنده صحيح.
()1/485
تعالى ( )1يقولَ{ :ك َأَّنُه َّن اْلَياُقوُت َو اْلَمْر َج اُن ( })58أال وإَّن الياقوت حجر ،لو جعلت فيه
ِس ْلًك ا ،ثَّم استصفيته نظرَت إلى الِّس ْلك من وراء الحجر" (.)2
فصل
وقال تعالى في وصفهَّن ُ{ :ح وٌر َمْق ُصوَر اٌت ِفي اْلِخ َياِم } [الرحمن .]72 :المقصورات:
المحبوسات .قال أبو عبيدةُ" :خ ِّد ْر َن في الخيام" ( ،)3وكذلك قال مقاتل" :محبوسات في
الخيام" (.)4
وفيه معنى آخر :وهو أن يكون المراد :أنهن محبوسات على أزواجهن ،ال يردن غيرهم ،وهم في
الخيام.
وهذا معنى قول من قالُ :قِص ْر ن على أزواجهن فال يردن غيرهم ،وال يطمحن إلى من سواهم،
ذكره الفراء (.)5
قلُت :وهذا معنى {َقاِص َر اُت الَّطْر ِف } [الصافات ]48 :لكن أولئك قاصرات بأنفسهن ،وهؤالء
مقصورات ،وقوله تعالىِ{ :في اْلِخ َياِم ( })72على هذا القول :صفة لحور ،أي :هن في الخيام،
وليس معمواًل لمقصروات ،وكأَّن أرباب هذا القول فُّر وا من أن يُك َّن ()6
__________
( )1في "ب ،ج ،د ،هـ"" :بأَّن الَّلَه" بدل "بأَّنه تعالى".
( )2تقدم الكالم عليه ص (.)431
( )3انظر :مجاز القرآن ( ،)246 /2والوسيط للواحدي (.)229 /4
( )4انظر :تفسير مقاتل (.)310 /3
( )5في معاني القرآن (.)120 /3
( )6قوله "فُّر وا من أن يكن" وقع في "ج ،د ،هـ" "فَّس روا من أْن يكون" وفي "ب" =
()1/486
()1/487
فصل
قال تعالىِ{ :فيِه َّن َخ ْيَر اٌت ِح َس اٌن ([ })70الرحمن.]70 :
فالخيرات جمع َخ ْيَر ٍة ،وهي ُمَخ َّف فة من خِّيرةَ ،ك َس ِّيدة وَلِّينة .وحسان :جمع حسنة ،فهن خيرات
الصفات واألخالق والشيم ،حسان الوجوه.
قال وكيع :حدثنا سفيان عن جابر ،عن القاسم بن أبي َبَّز ة ،عن أبي عبيدة ،عن مسروق ،عن عبد
الَّله قال" :لكل مسلم خيرة ،ولكل خيرة خيمة ،ولكل خيمة أربعة أبوب ،يدخل عليها كل يوم
من كل باب تحفة وهدية وكرامة لم تكن قبل ذلك ،ال َمِر حات ( )1وال ذفرات وال َبِخ َر ات ()2
وال طماحات" (.)3
فصل
وقال تعالىِ{ :إَّنا َأْنَش ْأَناُه َّن ِإْنَش اًء (َ )35فَجَعْلَناُه َّن َأْبَك اًر ا (ُ )36ع ًبا َأْت اًبا (َ )37أِلْص َح اِب
ُر َر
اْلَيِم يِن ([ })38الواقعة /102[ .]38 - 35 :أ]
أعاد الضمير إلى النساء ،ولم َيْج ِر لهَّن ذكر؛ ألن الفرش دلت عليهن ،إذ هي محلهن.
وقيل :الفرش ،في قولهَ{ :و ُفُر ٍش َمْر ُفوَعٍة ([ })34الواقعة :]34 :كناية
__________
( )1في "ج"َ" :تِرَح ات" وفي "د"" :مرجات".
( )2في "ج"" :بخرات" ،وفي "هـ"" :سخرات وال لماحات".
( )3تقَّدم الكالم عليه باب " "51ص (.)455
()1/488
عن النساء ،كما يكنى عنهن بالقوارير واألزر وغيرها.
ولكن قولهَ{ :مْر ُفوَعٍة ( :} )34يأبى هذا إال أن يقال :المراد ِر ْفعة القدر .وقد تقدم تفسير الَّنبي
-صلى الَّله عليه وسلم -للفرش وارتفاعها (. )1
فالصواب أنها الفرش نفسها ،ودلت على النساء :ألنها محَّلهَّن غالًبا.
قال قتادة وسعيد بن جبير" :خلقناهن خلًق ا جديًد ا" ( ، )2وقال ابن عباس -رضي الَّله عنهما:-
"يريد نساء اآلدميات" ( )3وقال الكلبي ومقاتل" :يعني نساء أهل الدنيا العجز الشمط" يقول
تعالى :خلقناهن بعد الكبر والهرم ،بعد الخلق األَّو ل ( )4في الدنيا" (. )5
__________
( )1في ص (.)442 - 441
( )2أثر قتادة أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ( )219 /2رقم ( ،)3132والطبري في تفسيره (
.)185 /27بلفظ "خلقناهن خلًق ا" .وسنده صحيح.
ولم أقف على أثر سعيد بن جبير.
( )3ذكره البغوي في معالم التنزيل (.)3 /8
وقد ورَد بلفٍظ آخر :أخرجه الطبري ( )186 /27عن ابن عباسُ" :ه َّن من بني آدم ،نساء كَّن
في الدنيا ينشئهَّن الَّله أبكاًر ا عذارى عرًبا".
وسنده ضعيف ،فيه محمد بن حفص الوصابي الحمصي :قال ابن منده" :ضعيف" ،وقال أبو حاتم
الَّر ازي . . ." :قال لي بعض أهل حمص ليس بصدوق ،ولم يدرك محمد بن حمير فتركته." . . .
وهذا الحديث من رواية محمد بن حفص عن محمد بن حمير.
انظر :الجرح والتعديل ( ،)237 /7ولسان الميزان (.)150 /5
( )4سقط من "هـ".
( )5انظر :تفسير مقاتل (.)314 /3
()1/489
ويؤيد هذا التفسير حديث أنس المرفوع" :هن عجائزكم الُعْم ش الرمص" ( )1رواه الثوري ،عن
موسى بن عبيدة ،عن يزيد الرقاشي عنه.
ويؤيده ما رواه يحيى الحماني ،حدثنا ابن إدريس ،عن ليث ،عن مجاهد ،عن عائشة رضي الَّله
عنها" :أن رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -دخل عليها وعندها عجوز ،فقال من هذه؟
فقالت :إحدى خاالتي ،قال :أما إنه ال يدخل الجنة العجز ،فدخل العجوز من ذلك ما شاء الَّله،
فقال الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلمِ{ :-إَّنا َأْنَش ْأَناُه َّن ِإْنَش اًء ([ } )35الواقعة" ]35 :خلًق ا آخر،
يحشرون يوم القيامة ُح فاًة ُعراًة ُغْر اًل ،وأول من ُيْك َس ى إبراهيم خليل الرحمن" ،ثم قرأ الَّنبي -
صلى الَّله عليه وسلمِ{ :-إَّنا َأْنَش ْأَناُه َّن ِإْنَش اًء ([ } )35الواقعة. )2( ]35 :
__________
( )1أخرجه الترمذي رقم ( ،)3296وابن أبي الدنيا رقم ( ،)287وهناد في الزهد (،)21
والطبري في تفسيره ( ،)186 - 185 /27وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم ( ،)390والبغوي في
تفسيره ( )14 /8وغيرهم.
من طريق الثوري ووكيع ومروان بن معاوية ومحمد بن ربيعة وغيرهم كلهم عن موسى بن عبيدة
به نحوه.
قال الترمذي" :هذا حديث غريب ال نعرفه مرفوًعا إاَّل من حديث موسى بن عبيدة ،وموسى بن
عبيدة ويزيد بن أبان الَّر قاشيُ :يَض َّعفان في الحديث".
( )2أخرجه البيهقي في البعِث رقم ( )379من طريق يحيى الحماني به.
-ورواُه معتمر بن سليمان عن ليث بن أبي سليم به نحوه.
وفيه "إَّن الَّلَه ينبت بهَّن خلًق ا غير خلقهَّن ".
أخرجه أبو نعيم في أخبار أصبهان (.)142 /2
-ورواُه الحسن بن صالح بن حي عن ليث عن مجاهد قال" :دخَل الَّنبي -صلى الَّله عليه
وسلم -فذكره مرساًل نحو لفظ معتمر".
أخرجه أبو الشيخ في أخالق الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -رقم (.)186
وهذا االضطراب من ليث بن أبي ُس ليم ،فإَّنه اختلط ،وكان يرفع أشياء =
()1/490
قال آدم بن أبي إياس :حدثنا شيبان ،عن جابر الجعفي ،عن يزيد ابن مرة ،عن سلمة بن يزيد قال:
سمعت رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -يقول في قولهِ{ :إَّنا َأْنَش ْأَناُه َّن ِإْنَش اًء (} )35
[الواقعة ]35 :قال" :يعني الَّثيب واألبكار اَّلالتي ُكَّن في الدنيا" (. )1
قال آدم :وحدثنا المبارك بن فضالة ،عن الحسن قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم:-
"ال يدخل الجنة العجز" .فبكت عجوز ،فقال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-أخبروها أنها
ليست يومئذ بعجوز ،إنها يومئذ شاَّبة ،إَّن الَّلَه عَّز وجل يقولِ{ :إَّنا َأْنَش ْأَناُه َّن ِإْنَش اًء (} )35
[الواقعة. )2( ]35 :
وقال ابن أبي شيبة :حدثنا أحمد بن طارق ،حدثنا مسعدة بن اليسع ،حدثنا سعيد بن أبي عروبة،
عن قتادة ،عن سعيد بن المسيب،
__________
= ال يرفعها غيره ،انظر :تهذيب الكمال ( ،)287 /24ولعَّل هذا الحديث منها ،فإَّن الحديث
المعروف فيه اإلرسال كما سيأتي بيانه.
( )1أخرجه الطبراني في الكبير رقم ( ،)6322وابن أبي حاتم في تفسيره كما عند ابن كثير في
تفسيره ( ،)312 /4وابن قانع في معجمه رقم (.)566
ورواُه الطيالسي ومعاوية بن هشام كالهما عن شيبان به نحوه.
أخرجه الطيالسي في مسنده رقم ( )1403والطبري في تفسيره ( )185 /27وغيرهما.
والحديث مدارُه على جابر بن يزيد الجعفي ،وهو ضعيف ،وقد اتهم.
والحديث ضعفه الهيثمي والبوصيري .انظر :مجمع الزوائد (.)119 /7
( )2أخرجه البيهقي في البعث رقم ( )382من طريق آدم به.
-ورواُه مصعب بن المقدام عن المبارك به نحوه.
أخرجه الترمذي في الشمائل رقم ( )241وغيره.
والحديث مرسل.
()1/491
عن عائشة رضي الَّله عنها" :أن نبي الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -أتته عجوز من األنصار فقالت:
يا رسول الَّله ادع الَّله أن يدخلني الجنة ،فقال نبي الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-إن الجنة ال
يدخلها عجوز" فذهب نبي الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -فصلى ثم رجع إلى عائشة فقالت
عائشة :لقد َلِق َيْت من كلمتك مشقة وِش َّدة ،فقال نبي الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-إن ذاك
كذاك ،إن الَّله تعالى إذا أدخلهن الجنة حولهن أبكاًر ا" (. )1
وذكر مقاتل قواًل آخر -وهو اختيار الزجاج -أنهن الحور العين التي ذكرهن.
"قيل :أنشأهن الَّله عز وجل ألوليائه لم يقع عليهن والدة (. )2
والظاهر أن المراد به أنشأهن الَّله تعالى في الجنة إنشاء ،ويدل عليه وجوه:
أحدها :أنه قد قال في حِّق الَّس ابقينَ{ :يُطوُف َعَلْيِه ْم ِو ْلَد اٌن ُمَخ َّلُد وَن (ِ )17بَأْك َو اٍب َو َأَباِر يَق
َو َك ْأٍس ِم ْن َمِعيٍن ( )18اَل ُيَص َّد ُعوَن َعْنَه ا َو اَل ُيْنِز ُفوَن (َ )19و َفاِكَه ٍة ِم َّم ا
__________
( )1أخرجه الطبراني في األوسط ( )154 /4رقم ( ،)5545وأبو نعيم في صفة الجَّنة (.)391
-وقد ُخ ولف مسعدة بن اليسع ،خالفه َعْبَد ة.
فرواُه عبدة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب ،قال :قلُت له :أكان رسول
الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -يمازح؟ قال :نعم ،أتته عجوز من األنصار فذكر مثله.
أخرجه هَّناد في الزهِد رقم (.)24
وهذا هو الصواب مرسل ،وحديث مسعدة ضعيف جًّدا ،ولعَّل هذا المرسل مع مرسل الحسن
يشُّد بعضهما بعًض ا.
( )2انظر :تفسير مقاتل ( ،)314 /3ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج (.)112 /5
()1/492
َيَتَخ َّيُر وَن (َ )20و َلْح ِم َطْيٍر ِم َّم ا َيْش َتُه وَن (َ )21و ُح وٌر ِع يٌن (َ )22ك َأْم َثاِل الُّلْؤ ُلِؤ اْلَم ْك ُنوِن (} )23
[الواقعة.]23 - 17 :
فذكر ُسُرَر هم وآنيتهم وشرابهم وفاكهتهم وطعامهم وأزواجهم من الحور العين ،ثَّم ذكر أصحاب
الميمنة وطعامهم وشرابهم وفرشهم ونساءهم ،فالظاهر :أَّنهَّن مثُل نساِء َمْن قبلهم ُخ ِلقَن في
الجَّنة.
الثاني :أَّنه سبحانه قالِ{ :إَّنا َأْنَش ْأَناُه َّن ِإْنَش اًء ([ } )35الواقعة.]35 :
وهذا ظاهٌر أَّنه إنشاء أَّو ل ال ثاٍن ؛ ألَّنه سبحانه حيث يريد اإلنشاء الثاني ُيقِّيده بذلك ،كقوله:
{َو َأَّن َعَلْيِه الَّنْش َأَة اُأْلْخ َر ى ([ } )47النجم ،]47 :وقولهَ{ :و َلَق ْد َعِلْم ُتُم الَّنْش َأَة اُأْلوَلى}
[الواقعة.]62 :
الثالث :أَّن الخطاب بقوله تعالىَ{ :و ُك ْنُتْم َأْز َو اًج ا َثاَل َثًة ([ } )7الواقعة ،]7 :إلى آخره للذكور
واإلناث ،والنشأة الثانية عاَّمة أيًض ا للنوعين ،وقوله تعالىِ{ :إَّنا َأْنَش ْأَناُه َّن ِإْنَش اًء ([ } )35الواقعة:
،]35ظاهره اختصاصهَّن بهذا اإلنشاء ،وتأَّمل تأكيده بالمصدر ،والحديث ال يدُّل على اختصاص
العجائز المذكورات بهذا الوصف ،بل يدُّل على مشاركتهَّن للحور العين في هذه الصفات
المذكورة ،فال يتوهم انفراد الحور العين عنهَّن مَّم ا (ُ )1ذِكَر من الصفات ،بل ُه َّن أحُّق بها منهَّن ،
فاإلنشاُء واقٌع على الِّص نفين ،والَّلُه أعلُم.
وقوله تعالىُ{ :عُر ًبا} جمع َعُر وب :وهَّن المتحِّببات إلى
__________
( )1في "ب ،د"" :بما" ،وفي "هـ"" :ما".
()1/493
أزواجهَّن .
قال ابن األعرابي" :الَعُر وب من النساء :المطيعة لزوجها المتحِّبَبة إليه" ( . )1وقال أبو عبيدة
"العروب :الحسنة التبُّعل" (. )2
قلُت :يريد حسن مواقعتها ،ومالطفتها لزوجها عند الجماع.
وقال المبِّر د" :هي العاشقة لزوجها" ( )3وأنشد ِلَلبْيد:
وفي الُح دوِج َعُر وب غير فاحشٍة ...رّيا الَّر واِدِف َيْع شى ُدوَنها الَبَص ُر ()4
وذكر المفسرون في تفسير ال ب :أَّنهن العواشق المتحببات الَغِن ات الَّش ِكالت المتعشقاِت
َج ُعُر
الَغِلَم اُت الَم ْغُنوجاُت ،كُّل ذلك من ألفاظهم (. )5
وقال البخاري في "صحيحه"ُ" :عرًبا :مثَّق لة واحدها َعُر وب ،مثل َصُبور وُصُبر ،يسِّم يها أهل مكة:
الَعِر َبة ،وأهل المدينة[ :الَغِنَج ة ،وأهل العراق] ( : )6الَّش ِكلة ،والُعُر ب :المتحِّببات إلى
أزواجهَّن ".
__________
( )1انظر :معجم تهذيب اللغة لألزهري ( ،)2380 /3ولسان العرب (.)591 /1
( )2انظر :مجاز القرآن (.)251 /2
( )3انظر :الكامل للمبرد ( ،)868 /2وزاد المسير ( ،)143 - 142 /8والزهد لهَّناد رقم (
.)34 - 30
( )4انظر :ديوانه ص (.)61
( )5انظر :تفسير الطبري ( ،)188 - 186 /27وتفسير القرطبي ( ،)211 /17وتفسير البغوي
( ،)15 /8وزاد المسير ( ،)143 - 142 /8والزهُد لهَّناد رقم (.)34 - 30
( )6ما بين المعكوفتين من "هـ" والبخاري.
()1/494
هكذا ذكره في كتاب" :بدء الخلق" ( ،)1وقال في كتاب "التفسير" في سورة الواقعة (:)2
"ُعُر ًبا مثقلة واحدها َعروب مثل َص بور وُصُبر تسميها أهل مكة :الَعِر َبة ،وأهل المدينة :الَغِنجة،
وأهل العراق :الَّش ِكَلة".
قلُت :فجمع سبحانه وتعالى بين ُحْس ن صورتها وحسن عشرتها ،وهذا غاية ما يطلب من النساء،
وبه تكمل لَّذ ة الَّر جِل ِبِه َّن ،وفي قوله تعالىَ{ :لْم َيْطِم ْثُه َّن ِإْنٌس َقْبَلُه ْم َو اَل َج اٌّن ([ })56الرحمن:
]56إعالم بكمال اَّللذة بهَّن ،فإَّن لَّذ ة الرجِل بالمرأِة التي لم يطأها سواُه ،لها فضل على لَّذ ته
بغيرها ،وكذلك هي أيًض ا.
فصل
وقال تعالىِ{ :إَّن ِلْلُم َّتِق يَن َمَف اًز ا (َ )31ح َد اِئَق َو َأْعَناًبا (َ )32و َك َو اِع َب َأْتَر اًبا ([ })33النبأ- 31 :
.]33
فالكواعب :جمع كاعب ،وهي :الَّناهد .قاله :قتادة ومجاهد والمفسرون ( .)3قال الكلبي" :هَّن
الُم فَّلكات اللواتي تكعبت ثديهَّن وتفَّلكت" ( .)4وأصل اللفظة من االستدارة ،والمراد أَّن ثديهَّن
نواهد
__________
( )8( ،)63( )1باب :ما جاء في صفة الجَّنة وأَّنها مخلوقة (.)1184 /3
(.)1850 /4( )2
( )3أخرجه الطبري ( )18 /30عن قتادة.
وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ( )3 /2رقم ( )5788عن مجاهد.
وانظر :تفسير الطبري ( ،)18 /30والوسيط للواحدي ( ،)415 /4وتفسير البغوي (،)316 /8
والقرطبي (.)183 /19
( )4انظر :تفسير السمرقندي ( ،)440 /3ولسان العرب (.)719 /1
()1/495
كالَّر مان ليست متدلَّية إلى أسفل ،وُيَس َّم ْين نواهد وكواعب (.)1
فصل
روى البخاري في "صحيحه" ( )2عن أنس بن مالك -رضي الَّله عنه -أَّن رسول الَّله -صلى الَّله
عليه وسلم -قالَ" :لَغْد وٌة في سبيل الَّلِه أو َر وحٌة خيٌر من الدنيا وما فيها ،وَلَق اُب قوِس أحدكم
أو موضع ِقْيِدِه -يعني :سوطِه -من الجَّنة خيٌر من الدنيا وما فيها ،ولو اَّطلعت امرأٌة من نساء أهل
الجَّنة إلى األرِض لمألت ما بينهما ريًح ا ،وألضاءْت ما بينها ،ولنصيفها على رأسها خيٌر من الدنيا
وما فيها".
وفي "الصحيحين" ( )3من حديث أبي هريرة رضي الَّله عنه عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم:-
"إَّن أَّو ل ُز مرٍة تدخل الجَّنة على صورة القمر ليلة البدِر ،والتي تليها على أضوِإ كوكٍب ُدِّرٍّي في
الَّس ماِء ،ولكَّل امرٍئ منهم زوجتان اثنتانُ ،يرى ُمُّخ ُس وِقِه َم ا من وراء اللحم ،وما في الجَّنة
أعزب".
وقال اإلمام أحمد :حدثنا عفان ،حدثنا حماد بن سلمة حدثنا يونس عن محمد بن سيرين عن أبي
هريرة -رضي الَّله عنه -عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم" :-للرجل من أهل الجَّنة زوجتان من
حور العيِن ،على كَّل واحدٍة سبعون ُح َّلة ُيرى ُمُّخ ساقها من وراء الثياب" (.)4
__________
( )1من "ب ،د".
( )2رقم (.)2643
( )3تقدم في ص (.)256
( )4تقدم في ص (.)256
()1/496
وقال الطبراني :حدثنا بكر بن سهل الدمياطي ،حدثنا عمرو بن هاشم ( )1البيروتي ،حدثنا
سليمان بن أبي كريمة عن هشام بن حَّس ان عن الحسن عن ُأِّمه عن أِّم سلمة قالت :قلُت يا رسول
الَّله أخبرني عن قول الَّله عَّز وجَّل {َو ُح وٌر ِع يٌن ([ } )22الواقعة ]22 :قالَ{ :و ُح وٌر } بيٌض .
{ِع يٌن } :ضخام العيون ،شفر ( )2الحوراء بمنزلة جناح النسر .قلُت :أخبرني عن قوله عَّز وجَّل:
{َك َأَّنُه ْم ُلْؤ ُلٌؤ َم ْك ُنوٌن ([ } )24الطور .]24 :قال :صفاؤهَّن صفاء الدر اَّلذي في األصداف اَّلذي
لم تمسه األيدي .قلُت :يا رسول الَّله أخبرني عن قوله عَّز وجلِ{ :فيِه َّن َخ ْيَر اٌت ِح َس اٌن (} )70
[الرحمن ]70 :قالَ" :خ ْيَر اُت األخالق ،حسان الوجوه" .قلُت :يا رسول الَّله أخبرني عن قوله
عَّز وجلَ{ :ك َأَّنُه َّن َبْيٌض َم ْك ُنوٌن ([ } )49الصافات ،]49 :قالِ :ر َّقتهَّن كرقة الجلِد اَّلذي رأيته
في داخِل البيضة مَّم ا يلي القْش ر ،وهو الِغْر ِقُئ قلُت :يا رسول الَّلِه أخبرني عن قوله عَّز وجَّل:
{ُعُر ًبا َأْتَر اًبا ([ } )37الواقعة ،]37 :قال :هَّن اَّللواتي ُقبْض َن في دار الدنيا عجائز ُر ْمًص ا ُش ْم ًطا
خلقهَّن الَّله بعد الِكَبر ،فجعلهَّن عذارىُ ،عُر ًبا :متعِّش قاٍت محَّبباٍت ،أتراًبا :على ميالٍد واحد.
قلُت :يا رسول الَّلِه نساء الدنيا أفضل أم الحور العين؟ قال :بل نساء الدنيا أفضل من الحور
العين كفضل الظهارة على البطانة .قلُت :يا رسول الَّلِه وِبَم ذاك ،قال :بصالتهَّن وصيامهَّن ،
وعبادتهَّن الَّله تعالى ،ألبس الَّله وجوههَّن النور ،وأجسادهَّن الحرير ،بيُض األلوان ،خضر الثياب،
__________
( )1في "ب ،د" والطبراني "هشام" وهو خطأ .انظر الجرح والتعديل (.)268 /6
( )2في "أ ،د ،ج ،هـ"َ" :ش َعر".
()1/497
صفر الحلي ،مجامرهَّن الُّدر ،وأمشاطهَّن الذهُب ،يقْلن نحن الخالدات فال نموُت ،ونحن
الَّناعمات فال نبؤس أبًد ا ،ونحن المقيمات فال نظعن أبًد ا ،ونحن الَّر اضيات فال نسخط أبًد ا،
طوبى لمن ُك َّنا له وكان لنا .قلُت :يا رسول الَّله المرأة مَّنا تتزوج زوجين والثالثة واألربعة ثَّم
تموُت فتدخل الجَّنة ،ويدخلون معهاَ ،مْن يكون زوجها؟ قال :يا أم سلمة إَّنها ُتَخ َّير فتختار
أحسنهم ُخ لًق ا ،فتقول :أي رِّب ،إَّن هذا كان أحسنهم معي خلًق ا في دار الدنيا فزَّو ْج ِنيه ،يا أم
سلمة ذهب حسن الخلق بخير الدنيا واآلخرة" (. )1
تفَّر د به سليمان بن أبي كريمة :ضَّعفه أبو حاتم ،وقال ابن عدي" :عاَّمة أحاديثه مناكير ،ولَم أَر
للمتقدمين فيه كالًما ثَّم ساق هذا الحديث من طريقه ،وقال :ال يعرف إاَّل بهذا السند".
وقال أبو يعلى الموصلي :حدثنا عمرو بن الضحاك بن مخلد حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد
حدثنا أبو رافع إسماعيل بن رافع ،عن محمد بن زياد عن محمد بن كعب الُقَر ِظ ي عن رجل من
األنصاِر ،عن أبي هريرة -رضي الَّله عنه -قال :حدثنا رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -وهو
في طائفٍة
__________
( )1أخرجه الطبراني في الكبير ( ،)257 /23والعقيلي في الضعفاء الكبير (.)138 /2
والحديُث منكر ال يثبت ،عَّلته سليمان بن أبي كريمة الشامي.
قال العقيلي" :يحدث بمناكير ....منها ،ثَّم ذكر هذا الحديث ثَّم قال :وال يتابع عليه ،وال يعرف
إاَّل به".
قال ابن عدي" :هذا منكر." . . .
()1/498
من أصحابه ،فذكر حديث الصور وفيه" :فأقوُل يا رِّب وعدتني الشفاعة فشَّف عني في أهل الجَّنة
يدخلون الجَّنة ،فيقول الَّله تعالى :قد شَّف عتك وأِذ ْنت لهم في دخول الجَّنة ،فكان رسول الَّله -
صلى الَّله عليه وسلم -يقول :واَّلذي بعثني بالحِّق ،ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم
ومساكنكم من أهِل الجَّنة بأزواجهم ومساكنهم ،فيدخل رجٍل منهم على ثنتين وسبعين زوجًة مَّم ا
ينشئ الَّلُه ،وثنتين من ولِد آدم لهما فضل على من أنشأ الَّلُه ،بعبادتهما الَّله عَّز وجَّل في الدنيا،
يدخُل على األولى منهما في غرفة من ياقوتٍة على سرير من ذهب مكَّلل باللؤلؤ عليه سبعون زوًج ا
من ُس ندس وإستبرق ،وإَّنه ليضع يده بين كتفيها ،ثَّم ينظر إلى يده من صدرها من وراء ثيابها
وجلدها ولحمها ،وإَّنه لينظر إلى مَّخ ساقها ،كما ينظر أحدكم إلى السلك في َقَصَبِة الياقوت،
َك ِبُدُه لها مرآة ،وكبدها له مرآة ،فبينا هو عندها ال يملها وال تمله ،وال يأتيها من مَّر ة إاَّل وجدها
عذراء ،ما يفتر َذَك ُر ُه ،وال يشتكي ُقُبُلَه ا ،فبينا هو كذلك إذ نودي إَّنا قد عرفنا أَّنك ال َتَم ُّل وال
ُتَم ُّل ،إاَّل أَّنه ال منَّي وال منَّية ،إاَّل أْن تكون له أزواج غيرها فيخرج فيأتيهَّن واحدًة واحدًة كلما
جاء واحدة ( )1قالت :والَّلِه ما في الجَّنة شيٌء أحسن منك ،وما في الجَّنة شيٌء أحّب إلَّي منَك "
(. )2
هذا قطعٌة من حديث الصور اَّلذي تفَّر د به إسماعيل بن رافع ،وقد روى له الترمذي وابن ماجه
وضَّعفه أحمد ويحيى وجماعة .وقال
__________
( )1قوله" :جاء واحدة" في "ب"" :جاءت" وسقط "واحدة" من "أ".
( )2تقدم الكالم عليه ص (.)262 - 261
()1/499
الدارقطني وغيره" :متروك الحديث" .وقال ابن عدي" :عامة أحاديثه فيها نظر" .وقال الترمذي:
"ضعفه بعض أهل العلم .وسمعت محمًد ا ،يعني البخاري -يقول :هو ثقة مقارب الحديث".
وقال لي شيخنا أبو الحجاج الحافظ" :هذا الحديث مجموع من عدة أحاديث ساقه إسماعيل أو
غيره هذه السياقة ،وشرحه الوليد بن مسلم في كتاب مفرد ،وما تضمنه معروف في األحاديث".
والَّله أعلم.
وقال عبد الَّله بن وهب :حدثنا عمرو أن دراًج ا حدثه ،عن أبي الهيثم ،عن أبي سعيد -رضي الَّله
عنه ،-عن رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :إن أدنى أهل الجنة منزلة ،الذي له ثمانون
ألف خادم ،واثنتان وسبعون زوجة ،وينصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بين الجابية
وصنعاء" (. )1
رواه الترمذي ( )2؛ ولكَّن دراًج ا أبا السمح بالطريق ،قال أحمد" :أحاديثه مناكير" ،وقال
النسائي" :منكر الحديث" ،وقال أبو حاتم" :ضعيف" ،وقال النسائي أيًض ا" :ليس بالقوي" ،وساق
له ابن عدي أحاديث وقال" :عامتها ال يتابع عليها" ،وقال الدارقطني" :ضعيف" ،وقال مرة:
"متروك" .وأما يحيى بن معين :فقد وثقه ،وأخرج عنه أبو حاتم بن حبان في "صحيحه" ،وقال
عثمان بن سعيد الدارمي ،عن علي بن المديني" :هو ثقة".
__________
( )1أخرجه ابن أبي داود في البعث ( ،)78وابن حبان (.)7401
( )2برقم ( )2562من طريق :رشدين بن سعد عن عمرو بن الحارث به.
()1/500
وقال ابن وهب ،أخبرني عمرو بن الحارث ،عن أبي السمح ،عن أبي الهيثم ،عن أبي سعيد
الخدري -رضي الَّله عنه ،-عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -في قوله تعالىَ{ :ك َأَّنُه َّن اْلَياُقوُت
َو اْلَمْر َج اُن ([ } )58الرحمن ]58 :قال" :ينظُر إلى وجهه في خَّدها أصفى من المرآة ،واْن أدنى
لؤلؤٍة عليها لتضيُء ما بين المشرق والمغرِب ،وإَّنُه ليكون عليها سبعون ثوًبا ينفذها َبَص ُر ُه حَّتى
ُيرى ُمُّخ ساِقِه ا من وراء ذلك" (. )1
وقال الِف ْر يابي :أنبأنا أبو أيوب سليمان بن عبد الرحمن حدثنا خالد ابن يزيد بن ( )2أبي مالك
عن أبيه عن خالد بن معدان عن أبي ُأمامة رضي الَّله عنه عن رسول الَّلِه -صلى الَّله عليه وسلم-
قال" :ما من عبٍد يدخل الجَّنة إاَّل ويزوج ثنتين وسبعين زوجة :ثنتان من الحور العين ،وسبعون من
أهل ميراثه من أهل الدنيا ،ليس منهَّن امرأة إاَّل ولها ُقُبٌل شهٌّي ،وله ذَك ٌر ال يْنثني" (. )3
قلُت :خالد هذا هو ابن ( )4يزيد بن عبد الرحمن الدمشقي :وَّهاُه ابن معين ،وقال أحمد" :ليس
بشيٍء " ،وقال النسائي" :غير ثقة" وقال
__________
( )1تقدم الكالم عليه في ص (.)433 - 432
( )2في "ب ،د"" :عن" وهو خطأ.
( )3أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم ( :)370من طريق الفريابي به مثله.
وأخرجه ابن ماجه ( ،)4337وابن عدي في الكامل ( ،)11 /3والبيهقي فى البعث ( .)406من
طريق خالد بن يزيد بن أبي مالك به مثله.
والحديث من مناكيره ،كما ذكر المؤلف رحمه الَّله.
انظر :تهذيب الكمال (.)199 - 196 /8
( )4في "أ"" :بن أبي" وهو خطأ.
()1/501
الَّدارقطني" :ضعيف" ،وذكر ابن عدي له هذا الحديث مَّم ا أنكره عليه.
وقال أبو نعيم :حدثنا إبراهيم بن عبد الَّله حدثنا ( )1محمد بن حمويه حدثنا أحمد بن حفص
حدثني أبي ( )2حدثني إبراهيم بن طهمان عن الحجاج عن قتادة عن أنس رضي الَّله عنه قال:
قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلمِ" :-للُم ؤمن في الجَّنة ثالٌث وسبعون زوجة" ،فقلنا يا
رسول الَّلِه َأَو له ُقَّو ة ذلك؟ قال" :إَّنه لُيْع َطى قَّو ة مئة" (. )3
قلُت :أحمد بن حفص هذا هو الَّس عدي ،له مناكير ،والحَّج اُج هو ابن أرطاة.
__________
( )1في "هـ"" :بن" وهو خطأ.
( )2قوله "حدثني أبي" سقط من "أ".
( )3أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة ( )213 /2رقم (.)372
وأخرجه إبراهيم بن طهمان في مشيخته رقم ( )58عن الحجاج عن قتادة به.
إاَّل أَّنه قاَل "ثالثون زوجة" بدل "ثالث وسبعون زوجة".
وهذا هو الصواب ،فإَّن راوي النسخة عن ابن طهمان :هو أبو القاسم الفضل بن جعفر بن المؤذن
عن أبي بكر محمد بن عبدوس النيسابوري عن أحمد بن حفص بن عبد الَّله بن راشد النيسابوري
عن أبيه حفص عنه.
وأحمد بن حفص وأبوُه صدوقان ،والحجاج هو ابن الحجاج الباهلي البصري ثقة.
وقد توبع الحجاج ،تابعه عمران القطان كما سيأتي قريًبا ص ()505؛ لكن خالفه في المتن،
فقالُ" :يعطى المؤمن في الجَّنة قَّو ة كذا وكذا من الجماع".
قلُت :وهذا يدُّل على غرابة هذا الحديث عن قتادة فالَّلُه أعلُم بثبوته.
()1/502
وقال الطبراني :حدثنا أحمد بن علي األَّبار ،حدثنا أبو هَّم ام الوليد ابن ُش جاع .وأنبأنا محمد بن
أحمد بن هشام السجزي ( )1ببغداد ،حدثنا عبد الَّله بن عمر بن أبان قاال :حدثنا حسين بن علي
الجعفي عن زائدة عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الَّله عنه قال:
قيل يا رسول الَّله ،هل َنِص ُل إلى نسائنا في الجَّنة؟ فقال :إَّن الَّر جل َليِص ُل في اليوِم إلى مئة
عذراء" (. )2
قال الطبراني" :لم يروِه عن هشام إاَّل زائدة تفَّر د به الجعفي".
__________
( )1في "أ"" :الشجري".
( )2أخرجه الطبراني في األوسط ( )210 /1رقم ( )718وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة (
،)273والبزار في مسنده ( ،)3525وأبو نعيم في صفة الجَّنة ( )373وغيرهم .من طريق
حسين الجعفي به.
وهذا الحديث مَّم ا ُأنكر على حسين الجعفي -وهو ثقة -وأَّنه وهم فيه.
فرواُه أبو ُأسامة عن هشام عن زيد العمي عن ابن عباس.
كما سيأتي عند المؤلف.
أخرجه هناد في الزهد ( ،)88وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة ( ،)272وأبو نعيم في صفة الجَّنة (
،)374والبيهقي في البعث ( )404وغيرهم.
وهذا هو الصحيح ،وطريق حسين الجعفي معلول ،قال أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان :هذا خطأ،
إَّنما هو هشام بن حسان عن زيد العمي عن ابن عباس ،قال ابن أبي حاتم :قلُت ألبي مَّم ن الوهم؟
قال من حسين".
انظر :العلل البن أبي حاتم (.)213 /2
وعليه :فإسناد حديث ابن عباس ضعيف؛ لالنقطاع بين زيد العمي وابن عباس ،وأيًض ا لضعف زيد
العمي.
والحديث ضعفه الخطيب البغدادي في الموضح ( ،)95 /2والهيثمي والبوصيري .المجمع (
.)416 /10
()1/503
قال محمد بن عبد الواحد المقدسي" :ورجال هذا الحديث عندي على شرط الصحيح" (.)1
وقال أبو الشيخ :حدثنا أبو يحيى بن سلم الَّر ازي حدثنا هناد بن الَّس ري حدثنا أبو ُأسامة عن
هشاِم بن حسان عن زيد بن أبي الحواري -وهو زيد العَّم ي -عن ابن عباس -رضي الَّله
عنهما -قال :قيل يا رسول الَّلِه أنفضي إلى نسائنا في الجَّنة ،كما ُنفضي إليهَّن في الدنيا؟ قال:
واَّلذي نفس محمد بيده إَّن الرجل ليفضي في الغداة الواحدة إلى مئة عذراء".
وزيد هذا قال فيه ابن معين" :صالح" ،وقال مَّر ة" :ال شيء" ،وقال" :ضعيف ،يكتب حديثه"،
وكذلك قال أبو حاتم ،وقال الَّدارقطني" :صالح" ،وضعفه النسائي ،وقال السعدي" :متماسك" (
.)2
قلُت :وحسبه رواية شعبة عنه.
فصل
واألحاديث الصحيحة إَّنما فيها "أَّن لكِّل منهم زوجتين" ( ،)3وليس في "الصحيح" زيادة على
ذلك ،فإْن كانت هذه األحاديث محفوظة:
فإَّما أْن ُيراد بها ما لكِّل واحٍد من السراري زيادة على الزوجتين،
__________
( )1صفة الجَّنة ص (.)129
( )2انظر :ترجمته وأقوال العلماء فيه :تهذيب الكمال (.)60 - 56 /10
( )3كما تقَّدم في ص (.)256
()1/504
ويكونون في ذلك على حسب منازلهم في الِق َّلة والكثرة كالخدِم والولدان.
وإَّما أْن ُيراَد أَّنه يعطى قَّو ة من ُيجامع هذا العدد ،ويكون هذا هو المحفوظ ،فرواُه بعض هؤالء
بالمعنى فقال :له كذا وكذا زوجة.
وقد روى الترمذي في "جامعه" من حديث قتادة عن أنس رضي الَّله عنه عن الَّنبي -صلى الَّله
ِه
عليه وسلم -قالُ" :يعطى المؤمُن في الجَّنة قَّو ة كذا وكذا من الجماع ،قيل :يا رسول الَّل أَو
يطيُق ذلك؟ قال :يعطى قَّو ة مئة" ( )1هذا حديث صحيح ،فلعَّل من رواُه "يفضي إلى مئة عذراء"
( )2رواُه بالمعنى أو يكون تفاوتهم في عدد النساء بحسب تفاوتهم في الدرجات ،والَّله أعلم.
وال ريَب أَّن للمؤمن في الجَّنة أكثر من اثنتينِ ،لَم ا في "الصحيحين" ( ، )3من حديث أبي عمران
الجوني عن أبي بكر بن عبد الَّله
__________
( )1أخرجه الترمذي ( ،)2536والطيالسي في مسنده ( ،)2125وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة
( ،)275وابن حبان ( ،)7400والبزار في مسنده ( )198 /4رقم ( ،)3526والبيهقي في
البعِث رقم (.)402
من طريِق عمران القطان عن قتادة عن أنس فذكره.
قال الترمذي" :هذا حديث صحيح غريب ال نعرفه من حديث قتادة عن أنس إاَّل من حديث
عمران القطان".
وقد تقَّدم في ص ( )396في حديث زيد بن أرقم " . . .إَّن أحدهم لُيْع طى قَّو ة مائة رجٍل في
األكِل والشرب والجماع والشهوة" . .
( )2كما تقدم في ص ( ،)503من حديث ابن عباس.
( )3تقدم في الباب ( )51في ص (.)454 - 453
()1/505
ابن قيس عن أبيه قال :قال رسول الَّلِه -صلى الَّله عليه وسلم" :-إَّن للعبِد المؤمِن في الجَّنة
لخيمًة من لؤلؤٍة مجَّو فٍة طولها ستون مياًل للعبد المؤمن فيها أهلون فيطوف عليهم ال يرى بعضهم
بعًض ا".
()1/506
الباب الَّر ابع والخمسون في ذكر الماَّدة التي خلق منها الحور العين وما ذِكر فيها من اآلثار
وذكر صفاتهَّن ومعرفتهَّن اليوم بأزواجهَّن
فأَّما الماَّدة التي خلق منها الحور العين:
فقد روى البيهقى من حديث الحارث بن خليفة ،قال حدثنا شعبة ،حدثنا إسماعيل بن ُعلَّية عن
عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك رضي الَّله عنه عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال:
"الحوُر العيِن ُخ ِلْق َن من الزعفران" (.)1
قال البيهقي" :وهذا منكٌر بهذا اإلسناد ،ال يصح عن ابن علية" .قلُت :ولكَّنه حديث فيه شعبة.
وقال الطبراني :حدثنا أحمد بن رشدين حدثنا علي بن الحسن بن هارون األنصاري حدثني الليث
بن ابنة ( )2الليث بن أبي سليم قال:
__________
( )1أخرجه البيهقي في البعِث والنشور رقم ( ،)391وأبو نعيم في صفة الجَّنة (،)384
والخطيب في تاريخ بغداد (.)102 - 101 /7
لكن ليَس في سند البيهقي "شعبة" ،وإَّنما هو عند الخطيب وأبي نعيم ،والطريق اَّلذي أخرجه
البيهقي ذكره الخطيب وقال" :لم يذكر بينهما شعبة ،وهو أشبه بالصواب" ثَّم ذكره من طريقين
عن الحارث بن خليفة بدون ذكر شعبة.
قلُت :الحارث بن خليفة قال أبو حاتم" :مجهول" .الجرح والتعديل (.)74 /3
( )2سقط من "أ" ،ووقع في "ب" ،ونسخة على حاشية "أ" "أبيه" بدل "ابنة".
()1/507
حدثتني عائشة بنت يونس امرأة الليث بن أبي ُس ليم عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن أبي
ُأمامة رضي الَّلُه عنه عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قالُ" :خ ِلَق الحوُر العين من الزعفران" (
. )1
قال الطبراني" :ال يروى إاَّل بهذا اإلسناد ،تفَّر د به علي بن الحسن ابن هارون".
قلُت :وقد رواُه إسحاق بن راهويه ،عن عائشة بنت يونس قالت :سمعُت زوجي ليث بن أبي
ُس ليم يحِّدث عن مجاهد فذكره موقوًفا عليه ،وهو أشبه بالصواب.
ورواُه ُعقبة بن ُمْك َر م عن عبد الَّله بن زياد عن ليث عن مجاهد عن
__________
( )1أخرجه الطبراني في األوسط ( )95 /1رقم ( ،)288وأبو نعيم في صفة الجَّنة (.)385
والحديث منكر مرفوًعا ،صوابه كما ذهب إليه المؤِّلف أَّنُه من قول مجاهد كما سيأتي،
والحديث مدارُه على ليث بن أبي سليم وهو مخَّلط.
قال ابن كثير" :وهو حديث غريب جًّدا".
-فرواُه عقبة عن عبد الَّله بن زياد عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس قوله .أخرجه البيهقي في
البعث (.)390
-ورواُه عمرو بن سعد وعائشة امرأة ليث وعطاء بن جبلة كلهم عن ليث عن مجاهد قوله.
أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة ( ،)366 ،302والطبري ( ،)178 /27والبيهقي في البعث
( ،)389وحرب في مسائله (.)407
-ورواُه إبراهيم بن محمد األسلمي عن ليث قال :بلغني أَّن الحور العين فذكره .أخرجه الطبري
(.)178 /27
()1/508
()1/509
بصقت في سبعة أبحر لعذب البحار من عذوبة فمها ،وخلق الحور العين من الزعفران" (. )1
وإذا كانت هذه الِخ ْلقة اآلدمية التي هي من أحسن الصور وأجملها ،ماَّدتها من تراب وجاءت
الصورة من أحسن الصور ،فما الظُّن بصورٍة مخلوقٍة من مادة الزعفران اَّلذي هناك! فالَّله
المستعان.
وقد روى أبو نعيم :من حديث عيسى بن يوسف بن الطباع حدثنا حلبس بن محمد الكالبي،
حدثنا سفيان الثوري ،حدثنا المغيرة ،حدثنا إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الَّله بن مسعود
ِه
قال :قال رسول الَّل -صلى الَّله عليه وسلم" :-سطع نوٌر في الجَّنة ،فرفعوا رؤوسهم ،فإذا هَو
من ثغر حوراء ضحكت في وجه زوجها" (. )2
__________
( )1أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (.)386
وسنده ضعيف ،منصور بن المهاجر لم يوثقه أحد ،وقال ابن حجر" :مستور" .انظر :تهذيب
الكمال (.)555 /28
وله إسناد آخر :يرويه نصر بن مزاحم عن عمرو بن سعد عن شيخ من أهل البصرة عن الَّنبي -
صلى الَّله عليه وسلم .-أخرجه ابن أبي الدنيا رقم (.)364
وإسنادُه ضعيف جًّدا ،نصر بن مزاحم متروك الحديث.
( )2أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة ( ،)381وابن عدي في الكامل ( ،)457 /2والخطيب في
تاريخه ( ،)247 /8و (.)163 /11
وفيه حلبس هذا :وهو متروك الحديث ،وقال ابن عدي" :منكر الحديث عن الثقات".
والحديث ال يصح ،قال ابن عدي" :وهذا حديث منكر عن سفيان" ،وقال الذهبي" :هذا باطل".
واألقرُب أَّنه من قول سفيان الثوري ،كما سيأتي عند المؤِّلف في =
()1/510
ِح
وروى بقية بن الوليد حدثنا َب ْير بن سعد عن خالد بن معدان عن كثير بن مَّر ة قال" :إَّن مَن
المزيد أن تمَّر السحابُة بأهل الجَّنة فتقول :فما تريدون أن أمطركم؟ فال يتمنون شيًئا إاَّل مطروا:
قال :يقول كثير :لئن أشهدني الَّله ذلك ألقولَّن :أمطرينا جواري ُمَز َّينات" (. )1
وقد ُر وَي في مادة خلقهن صفة أخرى:
قال ابن أبي الدنيا :حدثنا خالد بن خداش ،حدثنا عبد الَّله بن وهب ،حدثنا سعيد بن أيوب ،عن
ُعَق يل بن خالد ،عن الزهري أَّن ابن عباس قال" :إَّن في الجَّنة نهًر ا يقال له البيذخ ،عليه قباب من
ياقوت ،تحته جواِر ناشئاٍت يقول أهل الجَّنة :انطلقوا بنا إلى البيذخ ،فيجيئون فيتصَّف حون تلك
الجواري فإذا أعجب رجاًل منهم جارية مَّس ِم ْعَص َم َه ا فتتبعه" (. )2
وقال الليث بن سعد :عن يزيد بن أبي حبيب عن الوليد بن عبدة ( )3قال :قال رسول الَّله -
صلى الَّله عليه وسلم -لجبريل" :يا جبريل قْف بي على الحور العين ،فأوقفه عليهَّن ،فقال :من
أنتَّن ؟ فقلن :نحن جواري قوٍم كراٍم َح ُّلوا فلم
__________
= ص (.)516 - 515
( )1أخرجه ابن المبارك في الزهد ،ونعيم في زوائده على الزهد رقم ( ،)240وابن أبي الدنيا في
صفة الجَّنة ( ،)309وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (.)382
وسنده صحيح إلى كثير بن ُمَّر ة.
( )2تقدم ص (.)390
( )3كذا في "أ ،ب ،ج ،د" وفي "هـ"" :عبيدة" ،وعند ابن أبي الدنيا "عمرو بن الوليد".
()1/511
يظعنوا ،وشُّبوا فلم يهرموا ،وَنُقوا فلم َيْد َر ُنوا" (. )1
وقال ابن المبارك :أنبأنا يحيى بن أيوب عن عبيد الَّله بن َز ْح ر عن خالد بن أبي عمران عن أبي
عياش ( )2قالُ :ك َّنا جلوًس ا مع كعب يوًم ا فقال" :لو أَّن يًد ا من الحور ُدَّليت من السماء ألضاءْت
لها األرض؛ كما تضيء الشمس ألهل الدنيا ،ثَّم قال :إَّنما قلُت :يدها ،فكيف بالوجه في بياضه
وحسنه وجماله! " (. )3
وفي "مسند اإلمام أحمد" من حديث كثير بن مَّر ة عن معاذ بن جبل رضي الَّله عنه عن الَّنبي -
صلى الَّله عليه وسلم -قال" :ال تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إاَّل قالت زوجته من الحور العين:
ال تؤذيه قاتلِك الَّلُه ،فإَّنما هو عندك دخيل يوشك أْن يفارقك إلينا" (. )4
__________
( )1أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)301
وهو مرسل ،وليس في الصحابة من اسمه عمرو بن الوليد.
( )2في جميع النسخ "ابن عباس" ،والتصويب من مصدري التخريج.
( )3أخرجه ابن المبارك في الزهِد -رواية نعيم -رقم ( ،)256وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة
رقم ( )308وفيه زيادة وسنده ضعيف ،فيه عبيد الَّله بن زحر وهو ضعيف.
( )4أخرجه أحمد في المسند ( ،)242 /5والترمذي ( ،)1174وابن ماجه ( ،)2014وابن أبي
الدنيا في صفة الجنة ( ،)310والطبراني في مسند الشاميين رقم ( ،)1166وأبو نعيم في الحلية
( )220 /5وغيرهم.
من طريق إسماعيل بن عياش عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن كثير بن مَّر ة به فذكره.
قال الترمذي" :هذا حديث غريب ،ال نعرفه إاَّل من هذا الوجه ،ورواية إسماعيل بن عياش عن
الشاميين أصلح ،وله عن أهل الحجاز وأهل العراق =
()1/512
وفي مراسيل عكرمة عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :إَّن الحور العين ألكثر عدًدا منُك َّن ،
يدعون ألزواجهَّن َيُقْلَن :اَّللهم َأِع ْنُه على دينك ،وأْقِبل بقلبه على طاعتك ،وبَّلغه بعزتك يا أرحم
الَّر احمين" (. )1
ذكرُه ابن أبي الدنيا من حديث ُأسامة بن زيد عن عطاء عنه.
وذكر األوزاعي عن حَّس ان بن عطية عن ابن مسعود رضي الَّله عنه قال" :إَّن في الجَّنة حوراء
ُيقال لها :الُّلعبة ،كل حور الجنان يعجبن بها ،يضربن بأيديهَّن على كتفها ويقلَن :طوبى لك يا
لعبُة ،لو يعلم الطالبون لك َلَج ُّدوا ،مكتوٌب بين عينيها :من كان يبتغي أْن يكون له ( )2مثلي
فليعمل برضى ربي" (. )3
وقال عطاء السليمي لمالك بن دينار :يا أبا يحيى شَّو قنا ،قال" :يا عطاء إَّن في الجَّنة حوراء
يتباهى أهل الجَّنة بحسنها ،لوال أَّن الَّلَه تعالى كتب على أهل الجَّنة أال يموتوا لماتوا من ُحْس نها،
فلم يزل عطاء
__________
= مناكير".
وقال أبو نعيم" :غريب من حديث خالد عن كثير ،تفَّر د به بحير".
قال الذهبي في السير ( . . ." :)47 /4وإسناده صحيح متصل".
( )1أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)311
وهو مرسل ضعيف جًّدا ،فيه الواقدي :متروك الحديث ،وأسامة بن زيد :فيه لين ،وإرسال عكرمة
للحديث.
( )2سقط من "أ".
( )3أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( .)312وسنده منقطع ،حسان بن عطية لم ُيدرك
ابن مسعود.
()1/513
َج ِه ًد ا ( )1من قول مالك [أربعين عاًما] (. )3( " )2
وقال أحمد بن أبي الحواري :حدثني جعفر بن محمد قال :لقي حكيم حكيًم ا ،فقال" :أتشتاق
َي إلى الحور العين؟ فقال :ال ،فقال :فاشتق إليهَّن ،فإَّن نور وجوِه ِه َّن من نور الَّلِه عَّز وجَّل ،فغش
عليه ،فحمل إلى منزله فجعلنا نعوده شهًر ا" (. )4
وقال ربيعة بن كلثوم" :نظر إلينا الحسن ونحن حوله شباب فقال :يا معشر الشباب ،أما تشتاقون
إلى الحور العين؟ " (. )5
وقال ابن أبي الحواري حدثني الحضرمي قال" :نمُت أنا وأبو حمزة على سطٍح ،فجعلُت أنظُر
إليِه يتقَّلُب على فراشه إلى الصباح ،فقلت :يا أبا حمزة ما رقدَت الليلة؟ فقال :إَّني لَّم ا اضطجعُت
تمَّثلت لي حوراء حَّتى كأِّني أحَسْس ت بجلدها قد مَّس جلدي ،فحَّدثُت به أبا سليمان فقال :هذا
رجٌل كان مشتاًقا" (. )6
وقال ابن أبي الحواري :سمعُت أبا سليمان يقولُ" :ينشأ خلق الحور العين إنشاًء ،فإذا تكامَل
خلقهَّن ضربت عليهَّن المالئكة الخيام" (. )7
__________
( )1وقع في "ب" "َك َم ًد ا" ،وفي "د" "كًّدا".
( )2ما بين المعكوفتين من المطبوعة وابن أبي الدنيا.
( )3أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)313
( )4أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة (.)314
( )5أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( )315وسنده صحيح.
( )6أخرجه ابن ابي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)317
( )7أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)318
()1/514
وذكر ابن أبي الدنيا عن صالح المِّر ي عن يزيد الرقاشي قال" :بلغني أَّن نوًر ا َس َطَع في الجَّنة لم
يبَق موضع من ( )1الجَّنة إاَّل دخَل من ذلك النور فيه ،فقيل :ما هذا؟ قيل :حوراء ضحكت في
وجه زوجها ،قال صالح :فشهق رجٌل من ناحية المجلس ،فلم يزل يشهق حَّتى مات" (. )2
وقال ابن أبي الدنيا :حدثنا بشر بن الوليد حدثنا سعيد بن َز ْر بي عن عبد الملك الُجْو ِني عن سعيد
ِء
بن جبير قال :سمعُت ابن عباس يقول" :لو أَّن حوراء أخرجْت كَّف ها بين الَّس ما واألرِض الفتتَن
الخالئُق بحسنها ،ولو أخرجت َنِص ْيَف ها لكانت الشمس عند حسنه مثل الفتيلة في الشمس ال
ضوء لها ،ولو أخرجت وجهها ألضاء حسنها ما بين السماء واألرِض " (. )3
وقال ابن أبي الدنيا :حدثني الحسن بن يحيى وكثير العنبري ،حدثنا خزيمة أبو محمد عن سفيان
الثوري قال" :سطع نوٌر في الجَّنة لم ( )4يبَق موضٌع في ( )5الجَّنة إاَّل دخل فيه من ذلك النور،
فنظروا
__________
( )1وقع في "ب ،ج ،هـ"" :في".
( )2أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)363
وفي سنده صالح المري :فيه ضعف.
( )3أخرجه ابن أبي الدنيا كما في الترغيب والترهيب (.)535 /4
وفيه سعيد بن زربي وهو منكر الحديث.
( )4هكذا في جميع النسخ ،ويحتمل "فلم".
( )5في "ب ،د"" :من".
()1/515
فوجدوا ذلك من حوراء ضحكت في وجه زوجها" (. )1
ورواه الخطيُب في "تاريخه" من حديث عبيد الَّله ( )2بن محمد الكرخي ،قال :حدثني عيسى بن
يوسف بن الطباع ،حدثنا حلبس بن محمد حدثنا سفيان الثوري عن مغيرة عن إبراهيم عن علقمة
عن عبد الَّله عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قالَ" :س َطَع نوٌر في الجَّنة فرفعوا رؤوسهم فإذا
هو من َثْغِر حوراء ضحكت في وجه زوجها" (. )3
وقال األوزاعي عن يحيى بن أبي كثير" :إذا َس َّبحت المرأة من الحوِر العيِن لم يبَق شجرٌة في
الجَّنة إاَّل ورَّدت عليها (. )5( " )4
وقال ابن المبارك :حدثنا األوزاعي عن يحيى بن أبي كثير" :أَّن الحوَر العين يتلقين أزواجهَّن عند
أبواب الجَّنة فيقلن :طالما انتظرناكم فنحن الراضيات فال نسخط ،والمقيمات فال نظعن،
والخالداُت فال نموُت ،بأحسن أصوات ُس ِم عت وتقول :أنت ِح ِّبي وأنا ِح بك ،ليس دونك تقصير
( )6وال وراءك معدل" (. )7
__________
( )1لم أقف عليه ،وقد تقدم ذكر المرفوع ص (.)509
( )2في "ج"" :عبد الَّله".
(" )3تاريخ بغداد" ( ،)163 /11وتقدم في ص ( ،)509الكالم عليه.
( )4من "أ" ،ووقع في نسخة على حاشية "أ" "لها" ،وليس في باقي النسخ.
( )5لم أقف عليه.
( )6كذا في جميع النسخ ،وعند المبارك "مقصر".
( )7أخرجه ابن المبارك في الزهد -رواية نعيم -رقم ( ،)435وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة
رقم ( .)268وسنده صحيح.
()1/516
الباب الخامس والخمسون :في ذكر نكاح أهل الجَّنة ووطئهم والتذاذهم بذلك أكمل لَّذ ٍة،
ونزاهة ذلك عن المذي والمني والضعف ،وأَّنه ال ُيوجُب ُغساًل
قد تقدم حديث أبي هريرة :قيل يا رسول الَّله ،أنفضي إلى نسائنا في الجنة؟ فقال" :إن الرجل
لَيِص ُل في اليوم إلى مئة عذراء" ( ،)1وأَّن إسناده صحيح.
وتقدم حديث أبي موسى المتفق على صحته" :إن للمؤمن في الجنة خيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة
طولها ستون مياًل ،لُه فيها أهلون يطوف عليهم" (.)2
وحديث أنس" :يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا من الجماع ( )4( " )3وصححه الترمذي.
وروى الطبراني ،وعبد الَّله بن أحمد ،وغيرهم من حديث لقيط بن عامر أنه قال :يا رسول الَّله
على ما نطلع من الجنة؟ قال" :على أنهار من عسل ُمصَّف ى ،وأنهار من كأس ما بها صداع وال
ندامة ،وأنهار من
__________
( )1تقدم ص (.)503
( )2تقدم ص (.)296
( )3وقع جميع النسخ" :النساء" وهو خطأ.
( )4تقدم ص (.)505
()1/517
لبن لم يتغير طعمه ،وماء غير آسن ،وفاكهةَ ،لَعْم ُر إلهك مَّم ا تعلمون ،وخير من مثله ،وأزواج
مطَّهرة" .قلُت :يا رسول الَّلِه َأَو َلَنا فيها أزواج مصلحاٌت ؟ قال" :الصالحات للصالحين ،تلذذوا
بهَّن ( )1مثل لَّذ اتكم ( )2في الدنيا وَيْلَذْذَن بكم ( ، )3غير أن ال توالد" (. )4
وقال ابن وهٍب :أخبرني عمرو بن الحارث عن دَّر اٍج عن ابن ُح جيرة عن أبي هريرة رضي الَّله
عنه عن رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -أَّنه قال :يا رسول الَّله أنطأ في الجَّنة؟ قال :نعم
واَّلذي نفسي بيده َدْح ًم ا َدْح ًم ا ( ، )5فإذا قام عنها رجعت مطَّهرًة بكًر ا" (. )6
__________
( )1قوله" :تلُّذ ون بهَّن " في "د"" :تلذونهن".
( )2في "هـ"" :لذاذتكم".
( )3في "ب ،ج ،د"" :وَيْلَذْذ نكم" ،وفي "هـ"" :ويلذون بكم".
( )4تقدم ص ( ،)371وراجع الكالم عليه ص (.)127
(َ )5دْح ًم ا :هو النكاح والوطء بدفع وإزعاج ،والتكرار للتأكيد.
انظر النهاية (.)106 /2
( )6أخرجه ابن حبان في صحيحه ( 415 /16و )416رقم ( ،)7402وأبو نعيم في صفة
الجَّنة (.)393
قال الضياء المقدسي في صفة الجَّنة ص (" :)132 - 131ابن حجيرة :اسمه عبد الرحمن،
ودَّر اج اسمه عبد الرحمن بن سمعان البصري ،وَّثقه يحيى ابن معين ،وأخرجه عنه أبو حاتم بن
حبان في صحيحه ،وكان بعض األئمة ينكر بعض حديثه".
-ورواُه أسد بن موسى عن ابن لهيعة عن ابن حجيرة به بمثله.
ورواُه محمد بن حازم عن راشد بن سعد عن أبي هريرة بمثله.
أخرجهما ابن حبيب في وصف الفردوس رقم (.)197 ,196
()1/518
وقال الطبراني :حدثنا إبراهيُم بن جابر الفقيه ،حدثنا محمد بن عبد الملك الدقيقي الواسطي،
حدثنا معَّلى ( )1بن عبد الرحمن الواسطي حدثنا شريك عن عاصم األحول عن أبي المتوكل عن
أبي سعيد الخدري رضي الَّله عنه قال :قال رسول الَّلِه -صلى الَّله عليه وسلم" :-إَّن أهل الجَّنة
إذا جامعوا نساءهم ُعْدَن أبكاًر ا" (. )2
قال الطبراني" :لم يروه عن عاصٍم إاَّل شريك تفَّر د به معَّلى" (. )3
قال الطبراني :وحدثنا عبداُن بن أحمد حدثنا محمد بن عبد الرحيم ( )4البرقي ،حدثنا عمرو بن
أبي سلمة حدثنا صدقة عن هاشم بن زيد عن سليم أبي ( )5يحيى أَّنه سمع أبا ُأمامة رضي الَّله عنه
يحدث أَّنه سمع رسول الَّلِه -صلى الَّله عليه وسلم -وسئل :هل يتناكح أهُل الجَّنة؟ قالِ :بَذ َك ٍر
ال َيَم ُّل ،وشهوٍة ال تنقطعَ ،دْح ًم ا َدْح ًم ا" (. )6
__________
( )1في "ب ،د ،هـ"" :يعلى" ،وفي "ج" "محمد" وكالهما خطأ.
( )2أخرجه الطبراني في الصغير ( )160 /1رقم ( ،)249وأبو الشيخ في العظمة رقم (،)583
وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم ( 365و ،)392وابن الجوزي في العلل المتناهية ( )930 /2رقم
( )1551وغيرهم.
والحديث موضوع ،تفَّر د به معَّلى بن عبد الرحمن وهو كَّذ اب ،ومَّتهٌم بالوضع ،انظر :تهذيب
الكمال (.)291 - 289 /28
( )3وقع في جميع النسخ "يْع لى" وهو خطأ.
( )4في نسخٍة على حاشية "أ"" :عبد الرحمن".
( )5في "د"" :سليم بن أبي" وهو خطأ.
( )6أخرجه الطبراني في الكبير ( )202 /8رقم ( ،)7721وأبو نعيم في صفة الجَّنة (.)368
وسنده ضعيف؛ فيه :هاشم بن زيد وصدقه بن عبد الَّله الَّس مين ضعيفان= .
()1/519
قال الطبراني :وحدثنا أحمد بن يحيى الحلواني حدثنا سويد بن سعيد حدثنا خالد بن يزيد بن أبي
مالك عن أبيه عن خالد بن معدان عن أبي ُأمامة أَّن رسول الَّلِه -صلى الَّله عليه وسلمُ -س ِئَل:
أيجامُع أهُل الجَّنة؟ قالَ :دْح ًم ا َدْح ًم ا ،ولكن ال َمِنَّي وال َم ِنَّية" (. )1
وهاشم وخالد ،وإْن ُتكَّلَم فيهما فليس االعتماد عليهما ،وقوله" :ال َم ِنَّي وال َم ِنَّية" أي :ال إنزال
وال موت.
وقال أبو نعيم :حدثنا أبو علي محمد بن أحمد حدثنا بشر بن موسى ،حدثنا أبو عبد الرحمن
المقرئ حدثنا عبد الرحمن بن زياد حدثنا عمارة بن راشد عن أبي هريرة رضي الَّله عنه عن
رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -أَّنه ُس ِئَل :هل َيَم ُّس أهل الجَّنة أزواجهم؟ قال :نعم ،بَذ َك ٍر ال
َيَم ُّل ،وفْر ٍج ال يْح َف ى ،وشهوٍة ال تنقطع" (. )2
__________
= انظر :تهذيب الكمال ( ،)135 /13والجرح والتعديل (.)103 /9
وله طريق آخر عن سليم بن عامر أبي يحيى عن أبي ُأمامة.
عند الطبراني ( )7674وغيره وسنده ضعيف جًّدا.
( )1أخرجه الطبراني في الكبير ( )113 /8رقم ( ،)7479وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (
271و ،)367وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم ( ،)367والبيهقي في البعث رقم ()407
وغيرهم.
والحديث ضعيف جًّدا ،مدارُه على خالد بن يزيد ،وهو متروك ،وكَّذ به ابن معين.
( )2أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم ( ،)366وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (،)270
والبزار كما في كشف األستار رقم ( )3524وغيرهم.
من طريق عبد الَّله بن يزيد المقرئ عن عبد الرحمن بن زياد به مثله.
-ورواُه عبدة بن سليمان وجعفر بن عون كالهما عن عبد الرحمن بن زياد =
()1/520
وقال الحسُن بن سفيان في "مسنده" :حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عثمان
بن أبي العاتكة عن علي بن يزيد ( )1عن القاسم عن أبي ُأمامة رضى الَّلُه عنه قالُ :س ِئَل رسول
الَّلِه -صلى الَّله عليه وسلم :-هل ينكح أهل الجَّنة؟ قال" :إي واَّلذي بعثني بالحِّق َدْح ًم ا دْح ًم ا -
وأشار بيده -ولكن ال َم ِنَّي وال َم ِنَّية" (. )2
وقال سعيد بن منصور :حدثنا سفياُن عن أبي ( )3عمرو عن عكرمة في قوله تعالىِ{ :إَّن َأْص َح اَب
اْلَج َّنِة اْلَيْو َم ِفي ُشُغٍل َفاِكُه وَن ([ } )55يس ]55 :قال" :في افتضاض األبكار" (. )4
__________
= عن عمارة عن أبي هريرة قوله.
وهذا االضطراب من عبد الرحمن بن زياد األفريقي -وهو ضعيف ،-وأيًض ا عمارة بن راشد
الكناني :قال فيه أبو حاتم :مجهول ،وأيًض ا روايته عن أبي هريرة مرسلة .انظر :الجرح والتعديل
(.)365 /6
فالحديث مع وقفه ،ضعيف اإلسناد ،والَّله أعلم.
( )1في جميع النسخ "زيد" وهو خطأ.
( )2أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم ( )369من طريق الحسن بن سفيان به مثله.
وسنده ضعيف جًّدا ،فيه علي بن يزيد األلهاني ضعيف ،وعثمان بن أبي العاتكة ضعيف في روايته
عن علي بن يزيد ،وقد ضَّعف أبو حاتم هذه السلسلة :علي عن القاسم عن أبي ُأمامة فقال:
"ليست بالقوَّية هي ضعاف" .انظر :تهذيب الكمال (.)182 - 180 /21
( )3سقط من جميع النسخ ،انظر :الموضح للخطيب (.)343 - 341 /2
( )4أخرجه البيهقي في البعث ( )401والخطيب في الموضح ( )342 /2من طريق سعيد بن
منصور به مثله.
-ورواه علي بن حرب عن سفيان بن عيينة به مثله.
أخرجه الخطيب في الموضح (= .)342 - 341 /2
()1/521
وقال عبد الَّله بن أحمد :حدثنا أبو الربيع الزهراني ومحمد بن حميد :قاال :حدثنا يعقوُب بن عبد
الَّله ( )1حدثنا حفُص بن ُح ميد عن ِش ْم ر بن عطية عن شقيق بن سلمة عن عبد الَّله بن مسعود في
قوله تعالىِ{ :إَّن َأْص َح اَب اْلَج َّنِة اْلَيْو َم ِفي ُشُغٍل َفاِكُه وَن ( } )55قالُ" :شْغُلهم افتضاض الَعَذ اَر ى"
(. )2
__________
= -وقد اضطرب فيه أبو عمرو القاص واسمه محمد بن عبد الرحمن بن خالد ابن ميسرة
القاص:
-فرواُه أسباط بن محمد من رواية ابنه عبيد ،والحسن الطهوي وأسد بن موسى عنه ،وسليمان
التيمي -في الرواية الَّر اجحة عنه -عن أبي عمرو القاص عن عكرمة عن ابن عباس فذكرُه.
أخرجه الطبري ( ،)18 /23وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( ،)277وابن حبيب في وصف
الفردوس رقم (.)201
ورواُه هناد بن السري في الزهد ( )89عن أسباط بن محمد عن أبي عمرو عن عكرمة قوله.
-ورواُه الثوري عن أبي عمرو عن عكرمة قوله.
أخرجه ابن المبارك في الزهد رقم (.)1586
وعليه فاألثُر مضطرب اإلسناد ،وأبو عمرو هذا لم يوثقه إاَّل ابن حبان ،وأيًض ا لم يتابع أبو عمرو
عليه فحْسُبُه إن صَّح أْن يكون من قول عكرمة كما رواُه الثوري وابن عيينة وهو أشبه ،والَّله
أعلم.
وقد جاء عن ابن عباس من وجوه وال تثبت.
انظر :تفسير ابن وهب ( ،)22 /1وابن حبيب فى وصف الفردوس ص ( ،)90والقرطبي (/15
.)43
( )1وقع في "أ ،ج"" :عبيد الَّله" وهو خطأ ،انظر :الجرح والتعديل (.)210 - 209 /9
( )2أخرجه أبو نعيم في صفة الجنة ( ،)375وابن أبي الدنيا رقم ( ،)276والطبري =
()1/522
وقال الحاكم :أنبأنا األصُّم أنبأنا العباس بن الوليد ،أخبرني شعيب ،عن األوزاعي في قول الَّلِه
تعالىِ{ :إَّن َأْص َح اَب اْلَج َّنِة اْلَيْو َم ِفي ُشُغٍل َفاِكُه وَن ( } )55قال" :شغلهم افتضاض األبكار" (
. )1
وقال مقاتلُ" :ش ِغُلوا بافتضاض العذارى عن أهل الَّناِر فال يذكرونهم وال يْه تُّم ون لهم" (. )2
وقال أبو األحوصُ" :ش ِغلوا بافتضاض األبكاِر على الُّس رر في الِح َج اِل " (. )3
ِة ِه ِم
وقال سليمان التيمي عن أبي ْج َلٍز :قلُت البن عباس :قوُل الَّل تعالىِ{ :إَّن َأْص َح اَب اْلَج َّن اْلَيْو َم
ِفي ُشُغٍل َفاِكُه وَن ( } )55ما شغلهم؟ قال" :افتضاض األبكاِر " (. )4
__________
= في تفسيره ( )18 - 17 /23والحكيم الترمذي في مشكل القرآن كما في تفسير القرطبي (
،)43 /15وسند حسن.
( )1أخرجه البيهقي في البعث رقم ( )400وسنده صحيح.
( )2انظر تفسير مقاتل (.)89 /3
( )3لم أقف عليه.
( )4أخرجه أبو نعيم في صفة الجنة رقم (.)376
من طريق سهل بن زياد الطحان عن سليمان التيمي به فذكره.
وسهل هذا :قال األزدي "منكر الحديث" .اللسان (.)135 /3
وقد خولف سهل في سنده:
فرواه يزيد بن زريع -كما سيأتي قريًبا -ومعتمر بن سليمان كالهما عن سليمان التيمي عن أبي
عمرو عن عكرمة عن ابن عباس فذكره.
أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنة رقم ( )277والطبري (= .)18 /23
()1/523
وقال ابن أبي الدنيا :حدثنا ُفضيل بن عبد الوهاب حدثنا يزيد بن ُز ريع عن سليمان التيمي عن أبي
عمرو عن عكرمة عن ابن عباس {ِفي ُشُغٍل َفاِكُه وَن ( } )55قال" :في افتضاض العذارى".
حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا يحيى بن يمان ،عن أشعث عن جعفر عن سعيد بن ُج بير [قال]:
"إَّن شهوته لتجري فى جسدها سبعين عاًم ا تجُد اَّللذة" (. )1
ٍة ِح
وال يلحقهم بذلك َج َنابة ،فيحتاجون إلى الَّتطهير ،وال ضعف وال ان الل قَّو ،بل وطؤهم وطُء
التذاٍذ ونعيم ،ال آفة فيه بوجٍه من الوجوه" .وأكمُل الَّناِس فيه أصونهم لنفسه في هذه الَّداِر عن
الحراِم ،فكما أَّن من شرَب الخمر في الدنيا لم يشربها في اآلخرة ،ومن لبَس الحرير في الدنيا لم
َيْلبْس ُه في اآلخرة ،وَمْن أكل في صحاف الذهب والفضة في الدنيا لم يأكل فيها في اآلخرة ،كما
قال الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم" :-إَّنها لهم في الدنيا ،ولكم في اآلخرة" (. )2
فمن استوفى طيباته ولذاته وأذهبها في هذه الدار (ُ )3ح ِرَم ها هناك ،كما نعى ( )4سبحانه وتعالى
على من أْذَه َب طيباته في الدنيا واستمتع بها ،ولهذا كان الصحابة -ومن تبعهم -يخافون من
ذلك أشد الخوف،
__________
= وهذا هو الصحيح عن سليمان التيمي ،وقد تقدم قريًبا ذكر االختالف فيه.
( )1أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنة رقم ( )278مختصًر ا.
( )2تقدم ص (.)417
( )3في "ب" "الدنيا".
( )4في "أ ،ج ،هـ"" :نفى".
()1/524
وذكر اإلمام أحمد ،عن جابر بن عبد الَّله" :أنه رآه عمر ومعه لحم قد اشتراه ألهله بدرهم،
فقال :ما هذا؟ قال :لحم اشتريته ألهلي بدرهم ،فقال :أوكلما اشتهى أحدكم شيًئا اشتراه! أما
سمعت الَّله تعالى يقولَ{ :أْذَهْبُتْم َطِّيَباِتُك ْم ِفي َحَياِتُك ُم الُّد ْنَيا َو اْسَتْم َتْعُتْم ِبَه ا} [األحقاف( ]20 :
. )1
وقال اإلمام أحمد :حدثنا عفان ،حدثنا جرير بن حازم ،قال :حدثنا الحسن قال :قدم وفد أهل
البصرة مع أبي موسى على عمر ،فكنا ندخل عليه كل يوم وله خبز ُيَلُّت ( ، )2ربما وافقناها
مأدومة بالسمن ،وربما وافقناها مأدومة بالزيت ،وربما وافقناها مأدومة باللبن ،وربما وافقنا
القدائد ( )3اليابسة ،قد دقت ثم أغلي بها ،وربما وافقنا اللحم الغريض وهو قليل ،فقال ذات
يوم :إني والَّله قد أرى تعذيركم ( )4وكراهيتكم لطعامي ،إني والَّله لو شئت لكنت من ألينكم
__________
( )1أخرجه أحمد في الزهد رقم (.)651
من طريق األعمش عن بعض أصحابه قال :مَّر جابر بن عبد الَّله فذكره.
-ورواُه عبد الَّله بن عمر العمري -ضعيف -عن وهب بن كيسان عن جابر فذكر نحوه.
أخرجه أبو داود في الزهِد رقم (.)64
وهذا يدُّل على أَّن للحديث أصاًل ثابًتا.
( )2اضطربت النسخ في هذه اَّللفظة ،ففي "أ ،هـ" "ثالثة" ،وفي "ب ،ج ،د" "ثلثة" .ولعَّل
الصواُب ما أثبته كما جاء عند ابن المبارك وغيره.
والَّلُّت :الخلُط .
( )3وقع في "ج"" :القرائد".
( )4في "د"" :تقديركم" ،وفي نسخٍة على حاشية "أ" "تعزيركم" .والتعذير :التقصير في األكِل .
()1/525
طعاًم ا ،وأرَّقكم عيًش ا ،ولكني سمعت الَّله تعالى عَّيَر قوًم ا بأمر فعلوه ،فقالَ{ :أْذَهْبُتْم َطِّيَباِتُك ْم ِفي
َحَياِتُك ُم الُّد ْنَيا َو اْسَتْم َتْعُتْم ِبَه ا} [األحقاف. )1( ]20 :
فمن ترك اللذة المحرمة لَّله استوفاها يوم القيامة أكمل ما تكون ،ومن استوفاها ها هنا ُح ِر َم ها
هناك ،أو نقص كمالها ،فال يجعل الَّله لذة من أوضع في معاصيه ومحارمه ،كلذة من ترك شهوته
لَّله أبًد ا ( ، )2والَّله أعلم.
__________
( )1أخرجه أبو نعيم في الحلية ( ،)49 /1وابن سعد في الطبقات ( ،)279 /3والبالذري في
األنساب في ترجمة الشيخين ص (.)184
-ورواُه ابن المبارك وحماد بن ُأسامة ومحمد بن أبان الواسطي كلهم عن جرير بن حازم به
نحوه.
أخرجه ابن المبارك في الزهد ( ،)579وابن سعد في الطبقات ( ،)279 /3والبالذري في
األنساب ص (.)184
وأخرجه عبد الَّله بن أحمد في زوائد الزهد رقم ( )593من طريق سليم بن أخضر عن جعفر
"لعَّله العطاردي" عن الحسن قال :أنبأنا األحنُف بن قيس قال ُك َّنا نشهد طعام عمر رضي الَّلُه عنه
فيوًما لحًم ا غريًض ا ،ويوًم ا قديًد ا ،ويوًما زيًتا.
وسندُه صحيح ،وهذا يدُّل أَّن لتلك القَّصة أصاًل صحيًح ا.
ورواها عبد الرحمن بن أبي ليلى وقتادة نحوه.
عند أبي نعيم في الحلية ( ،)49 /1والبالذري ص (.)187
( )2في "هـ"" :لَّله تعالى" بدل "لَّله أبًد ا".
()1/526
الباب السادس والخمسون :في اختالف الناس هل في الجنة َحْم ٌل َو ِو الدة أم ال؟
قال الترمذي في "جامعه" :حدثنا بندار ،حدثنا معاذ بن هشام ،قال :حدثني أبي ،عن عامر
األحول ،عن أبي الصديق الناجي ،عن أبي سعيد الخدري -رضي الَّله عنه ،-قال رسول الَّله -
صلى الَّله عليه وسلم" :-المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسُّنه في ساعٍة،
كما يشتهي" (.)1
قال" :هذا حديٌث حسٌن غريب" .وقد اختلَف أهل العلم في هذا:
__________
( )1أخرجه الترمذي برقم ( ،)2563وابن ماجه ( ،)4338وأحمد ( 9 /3و ،)80وابن أبي
الدنيا في صفة الجَّنة ( ،)280وابن حبان في صحيحه رقم ( ،)7404وأبو الشيخ في العظمة
رقم ( )585وغيرهم.
من طريق :محمد بن بشار بندار والقواريري عبيد الَّله بن عمر وأبو هاشم محمد بن يزيد الرفاعي
وعلي بن المديني كلهم عن معاذ به مثله.
ورواُه عمرو بن علي الفالس عن معاذ عن أبيه عن عاصم األحول به بلفظ" :إذا أراد المؤمن
الولد ،فإَّن حمله ووضعه وشبابه في ساعٍة ،كما يشتهي".
أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة ( )124 /2رقم (.)275
ورواية الجماعة أصُّح وأثبت.
والحديث صححه ابن حبان وحسنه الترمذي مع قوله :غريب ،لوروده من وجٍه آخر.
وأشار البخاري إلى تفرده ،وإلى المخالفة في متنه لحديث أبي رزين العقيلي.
وعامر األحول في حفظه مقال.
()1/527
فقال بعضهم :في الجَّنة جماع ،وال يكون ولد ،هكذا روي عن طاووس ومجاهد وإبراهيم
النخعي (. )1
وقال محمد -يعني البخاري :-قال إسحاق بن إبراهيم في حديث الَّنبي -صلى الَّله عليه
وسلم" :-إذا اشتهى المؤمن الولَد في الجَّنة كان في ساعة كما َيشتهي" ولكن ال يشتهي .قال
محمد :وقد روي عن أبي َر ِز ين الُعَق يلي عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :إَّن أهل الجَّنة ال
يكون لهم فيها ولد" .وأبو الصديق الناجي :اسمه بكر بن عمرو ،ويقال :بكر بن قيس" انتهى
كالم الترمذي.
قلُت :إسناد حديث أبي سعيد على شرط الصحيح ،فرجاله محتج بهم فيه؛ ولكَّنه غريب جًّدا،
وتأويل إسحاق فيه نظر ،فإَّنه قال" :إذا اشتهى المؤمُن الولد .فـ "إذا" للُم َتَح َّق ِق ( )2الوقوع ،ولو
ُأرِيد ما ذكره من المعنى لقال :لو اشتهى المؤمن الولد لكان حمله في ساعة ،فإَّن ما ال يكون
أحَّق بأداة "لو" كما أَّن المحَّق َق الوقوع أحُّق بأداِة "إذا".
وقد قال أبو نعيم :حدثنا عبدان بن أحمد حدثنا أحمد ( )3بن
__________
( )1ويضاف إليهم :عطاء بن أبي رباح ،وعطاء الخراساني ،وقتادة وهو ثابٌت عنهم كلهم.
انظر :مصنف عبد الرزاق ( 420 /11و ،)421والزهد لهناد رقم ( ،)92 ،91وصفة الجَّنة
البن أبي الدنيا رقم ( 282و ،)293وتفسير الطبري (.)176 - 175 /1
( )2في "ب ،د"" :للمحَّق ق" ،وفي "هـ"" :لتحقيق".
( )3قوله" :حدثنا أحمد" سقط من "هـ".
()1/528
إسحاق حدثنا أبو أحمد الزبيري ،حدثنا سفيان الثوري ،عن أبان ،عن أبي الصديق الناجي ،عن
أبي سعيد الخدري رضي الَّله عنه قال :قيل يا رسول الَّله ،أيوَلُد ألهِل الجَّنة ،فإَّن الولَد من تمام
السرور؟ فقال" :نعم واَّلذي نفسي بيده ،وما هو إاَّل كقدر ما يتمَّنى أحدكم فيكون حمله ورضاعه
وشباُبه" (. )1
حدثنا أبو الحسن علي بن إبراهيم بن أحمد الَّر ازي بمكة حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن إدريس
حدثنا سليمان بن داود القَّز از ،حدثنا يحيى بن حفص األسدي ،قال :سمعُت أبا عمرو بن العالء،
ُيَح ِّد ُث عن جعفر بن زيد ( )2العبدي عن أبي الصديق الَّناجي عن أبي سعيد الخدري رضي الَّله
عنه قال :قال رسول الَّلِه -صلى الَّله عليه وسلم" :-إَّن الرجَل من أهل الجَّنة ليولد له كما
يشتهي ،فيكون حمله وفصاله وشبابه في ساعٍة واحدٍة" (. )3
__________
( )1أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم ( ،)275وهناد في الزهد رقم ( ،)93وعبد بن حميد
في مسنده "المنتخب رقم ."937
وسنده ضعيف جًّدا ،فيه أبان ابن أبي عياش :متروك الحديث .انظر :التقريب رقم (.)142
( )2في "هـ"" :ثوبان" ،وفي باقي النسخ "ثور" ،والتصويب من الجرح والتعديل (،)480 /2
والبعث للبيهقي.
( )3أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة ( )124 /2رقم ( ،)275وفي أخبار أصبهان (،)296 /2
والبيهقي في البعث رقم (.)442
وفيه :يحيى بن حفص األسدي :لم أقف عليه ،فإْن كان هو الكرخي فهو ال يعرف .انظر :اللسان
(.)328 /6
()1/529
وحديث معاُذ بن هشام ،قال فيه ُبْنَد ار :عامر األحول ،وقال عمرو ابن علي :عاصم األحول.
وقال الحاكُم :أنبأنا األصم ،حدثنا محمد بن عيسى حدثنا ساَّل م ابن سليمان ،حدثتا ساَّل م الطويل
عن زيد العِّم ي عن أبي الصديق الَّناجي عن أبي سعيد الخدري يرفعه" :إَّن الرجل من أهل الجَّنة
ليشتهي الولَد في الجَّنة ،فيكون حمله وفصاله وشبابه في ساعٍة واحدٍة" (. )1
قال البيهقي" :هذا إسناد ضعيف بمَّر ة".
وأَّما حديث أبي َر ِز ين اَّلذي أشاَر إليه البخاري فهو حديثه الطويل ،ونحن نسوقه بطوله نجِّم ل به
الكتاب فعليه من الجاللة والمهابة ونوِر النبوة ما ينادي على ِص َّح ته.
قال عبد الَّله بن اإلمام أحمد في "مسند أبيه" :كتب إلَّي ( )2إبراهيم ابن حمزة بن محمد بن
حمزة ( )3بن مصعب بن الزبير الزبيري ( : )4كتبت إليك بهذا الحديث وقد عرضته وسمعتُه
على ما كتبُت به إليك ،فحِّدث بذلك عَّني ،قال :حدثني عبد الرحمن بن المغيرة الخزامي قال:
حدثني عبد الرحمن بن عَّياش الَّس َم ِعي ( )5األنصاري -
__________
( )1أخرجه البيهقي في البعث رقم (.)440
وهو ضعيف جًّدا ،فيه ساَّل م الطويل :متروك الحديث.
( )2سقط من "هـ".
( )3قوله "بن حمزة" من "هـ".
( )4من "أ ،ب ،هـ".
( )5قوله" :عياش الَّس َم ِعي" في جميع النسخ "عابس المسمعي" وهو خطأ ،ووقع =
()1/530
من بني عمرو بن عوف -عن َدْلهم بن األسود بن عبد الَّله بن حاجب بن عامر بن الُم ْنَتِف ق
الُعَق يلي عن أبيه عن عِّم ه لقيط بن عامر قال َدْلهم :وحَّدثنيه أيًض ا ( )1أبي األسوُد عن عاصم بن
َلِق ْيط :أَّن لقيًطا خرج وافًد ا إلى رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -ومعه صاحٌب له ُيقال له
َنِه ْيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق .قال لقيط :فخرجُت أنا وصاحبي حتى قدمنا على رسول
الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -حين انصرف من صالة الغداة ،فقام في الَّناِس خطيًبا فقال" :أيها
الَّناُس أاَل إِّني قد خبأُت لكم صوتي منذ أربعة أَّياٍم أال ُألْس ِم عَّنُك م ( ، )2أاَل َفَه ْل من اْم رٍئ بعثه
قومه؟ فقالوا :اعلم لنا ما يقول رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم-؟ أال ُثَّم لعله أْن يلهيه حديُث
نفسه ،أو حديث صاحبه أو يلهيه الَّضالل ،أاَل وإِّني مسؤول هل بَّلْغُت ،أال اسمعوا تعيشوا ،أال
اجلسوا ،أال اجلسوا ،قال :فجلس الَّناُس ،وقمُت أنا وصاحبي ،حَّتى إذا فَّر غ لنا فؤاده وبصره،
قلُت :يا رسول الَّلِه ما عندك من علم الغيب؟ فضحك لَعْم ُر الَّلِه وهَّز رأسُه ،وعلم أِّني أبتغي
َس ْقَطًة ( ، )3فقالَ :ض َّن رُّبَك عَّز وجَّل بمفاتيح خمس من الغيب ال يعلمها إاَّل الَّلُه ،وأشار بيده،
قلُت :وما هي؟ قال :علم الَم ِنَّية ،قد َعِلَم متى منية أحدكم وال تعلمونه ،وِع ْلم المنِّي حين يكون
في الَّر حم قد علمه وال تعلمون ( ، )4وعلم ما في غٍد ما أنت طاعٌم غًد ا ،وال تعلمه ،وعلم يوم
الغيث يشرف
__________
= في "هـ" "عباس" بدل "عياش" وقد قيل به.
( )1من "د".
( )2في "ب"" :ألسمعكم".
( )3جاء في "المسند" "لسقطه" ،وفي نسخٍة على "د" "مظرة".
( )4من قوله "وعلم المني" إلى "تعلمون" من "د".
()1/531
عليكم أزلين مشفقين ،فيظل يضحك ،قد علم أَّن ِغ َيَر ُك م إلى قرب" ( ، )1قال لقيط :قلُت :لن
نعدم من رٍّب يضحك خيًر ا ،وعلَم يوم الَّس اعة ،قلُت :يا رسول الَّله ،علمنا مما ُتَعَّلُم الَّناَس ،وما
َتْع َلُم ،فإَّنا من َقبيٍل ال يصدقون تصديقنا أحد :من َمْذ ِح ج التي َتْر ُبوا علينا ،وخثعم التي توالينا،
وعشيرتنا التي نحن منها .قال :تلبثون ما لبثتم ،ثَّم ُيَتوَّفى نبيكم ،ثَّم تلبثون ما لبثتم ،ثَّم ُتْبَعُث
الصائحة ،لَعْم ُر إلِه َك ما تَدُع على ظهرها شيًئا إاَّل ماَت ،والمالئكة اَّلذين مع رِّبك عَّز وجَّل،
فأصبَح رُّبَك عَّز وجَّل يطوُف في األرِض وخَلْت عليه البالد ،فأرسل رُّبك عَّز وجَّل السماء
بَه ْض ٍب ( )2من عند العرِش ،فلعمُر إلهك ما تدُع على ظهرها من مصرع ( )3قتيل ،وال مدفن
ميت إاَّل شَّق ت القبر عنه ،حَّتى تخلقه ( )4من عند رأسِه ،فيستوي جالًس ا ،فيقول ربكَ :م ْه َيْم ()5
،لما كان فيه .يقول :يا رب أِم ْتني اليوم ،ولعهده بالحياِة يحسبه حديًثا بأهله ،فقلُت :يا رسول
الَّله ،كيف يجمعنا بعدما ُتمزقنا الِّر ياح والِبَلى والِّس باع؟ قالُ :أْنِبُئك بمثل ذلك في آالِء الَّله:
األرض ،أشرفت عليَه ا وهي مدرة بالية ،فَق لت :ال تحيا أبًد ا ،ثَّم أرسل ربك عَّز وجل عليها
السماء فلم تلبث عليك إاَّل أَّياًم ا حتى أْش رْفَت عليها ،وهي َش َر َّبة واحدة ،وَلَعْم ُر إلهك لهو أقدُر
على أْن يجمعهم من الماِء على أْن يجمع نبات األرِض ،
__________
( )1في "ب ،ج ،د ،هـ"" :إلَّي قريب".
( )2في "د"" :تهِض ب" .والمراد :المطر
( )3في نسخٍة على "د"" :مفزع".
( )4في "هـ" ونسخٍة على "أ"" :تجعله" وفي "أ ،ج"" :تخلفه".
( )5كلمة استفهام ،أي :ما حالك؟ وما شأنك ،أو :ما وراءك .الوسيط ،ص (.)929
()1/532
فيخرجون من األصواء ( ، )1ومن مصارعهم ،فتنظرون إليه وينظر إليكم ( ، )2قال :قلُت :يا
رسول الَّله ،فكيف ونحن ملء األرض ،وهو شخص واحد ينظر إلينا وننظُر إليه ،قالُ :أْنِبُئك بمثل
ذلك في آالِء الَّله عَّز وجَّل :الشمس والقمر آية منه صغيرة ترونهما ويريانكم ساعًة واحدًة ،ال
تضارون في رؤيتهما ،ولعمُر إلهك ،لهو أقدُر على أْن يراكم وترونه منهما ( ، )3قلُت :يا رسول
الَّلِه ،فما يفعل ربنا عَّز وجَّل ،إذا لقيناه؟ قال :تعرضون عليه باديًة له َص َف حاتكم ال يخفى عليه
منكم خافية ،فيأخذ ربك عَّز وجَّل بيده ُغْر َفًة من الماِء فينضح ِقَبلكم ( )4بها ،فلعمُر إلهك ما
تخطئ وجه أحدكم منها قطرة ،فأَّم ا المسلم فتدع وجهه مثل الَّر يطة ( )5البيضاء ،وأَّما الكافُر
فتخطمه بمثل ال مم األسود ،أال ُثَّم ينصرف نبيكم -صلى الَّله عليه وسلم ،-ويفترُق على أثرِه
ُح
الَّص الحون ،فيسلكون جْسًر ا من الَّناِر ،فيطأ أحدكم الجمرة فيقولَ :ح ِّس ( ، )6فيقول ربك:
َأَو اُنُه ،فتَّطِلُعون على حوِض الرسول -صلى الَّله عليه وسلم -على ظمإ -والَّله -ناهلة قط رأيتها،
فلعمُر إلهك ما يبسط واحد منكم يدُه إاَّل وقَع عليها قدح مطهرة من
__________
( )1األصواء :القبور .من حاشية (د).
( )2في "أ"" :إليهم".
( )3كتب ناسخ "أ" عليها "كذا" ،وفي المسند "من أْن ترونهما ويريانكم ،ال تضارون في
رؤيتهما".
( )4في بعض نسخ المسند "فيبُّلكم".
( )5الَّر يطة :كل مالءة ليست ِبِلْفَق ين ،وقيل :كل ثوب رقيق لِّين.
الِّنهاية (.)289 /2
( )6كلمة ُتقال عند األلم المفاجئ .الوسيط ص (.)194
()1/533
الَّطْو ف ( )1والبول واألذى ،وُتْح بس الشمس والقمِر ،فال ترون منهما واحًد ا ،قال :قلُت :يا
رسول الَّلِه َفِبَم ا ُنْبِص ُر ؟ قال :بمثل بصرك ساعتك هذه ،وذلك مع طلوع الشمس في يوم أشرقته
األرض ،ثَّم واجهته الجبال .قال :قلُت :يا رسول الَّلِه َفبَم ا ُنْجَز ى من حسناتنا وسيئاتنا؟ قال:
الحسنة بعشر أمثالها ،والسيئة بمثلها إاَّل أْن يعفو ،قال :قلُت :يا رسول الَّلِه ما الجَّنة ،ما الَّنار؟
قال :لعمُر إلهك إَّن للَّناِر سبعة أبواٍب ما منهَّن بابان إاَّل يسير الَّر اكُب بينهما سبعين عاًما ،قال:
قلُت :يا رسول الَّلِه فعلى ما نَّطِلُع من الجَّنة؟ قال :على أنهار من َعَس ٍل مصَّف ى ،وأَّنهاٍر من كأس
ما بها من صداع وال ندامة ،وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ،وماٍء غير آسٍن ،وبفاكهٍة َلَعْم ُر إلهك ما
تعلمون وخير من مثله معه ،وأزواج مطهرة ،قلُت :يا رسول الَّله ،ولنا فيها أزواج أو منهَّن
ُمْص لحات؟ قال :الصالحات للصالحين ،تلذوا بهَّن ( )2مثل لَّذ اتكم في الدنيا ،ويلذذن ( )3بكم
غير أْن ال توالد ،قال لقيط :فقلُت :أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه ،فلم يجبه الَّنبي -صلى
الَّله عليه وسلم .-فقلُت :يا رسول الَّله على ما أبايعك؟ قال فبسط الَّنبي -صلى الَّله عليه
وسلم -يده ،وقال :على إقام الصالة وإيتاء الزكاةَ ،و ِز َيال الشرك ،وأْن ال تشرك بالَّله إلًه ا غيره.
قال :قلُت :وإَّن لنا ما بين المشرق والمغرب؟ فقبض الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -يده وظن
أِّني مشترٌط شيًئا ال يعطينيه .قال :قلُت َ :نُح ُّل منها حيث شئنا ،وال يجني
__________
( )1جاء في حاشية "د"" :الطوف :الغائط".
( )2في "د ،ظ"" :تلذونهَّن " ،وفي "تلذون بهَّن " وفي "هـ"" :تلُّذ بهَّن ".
( )3في "أ ،هـ"" :يلذوا بكم" ،وفي "ب ،د" "يلُذْذ نكم" ،وفي "ج"" :يلذونكم".
()1/534
على امرٍؤ إاَّل نفسه ،فبسط يده ،وقال :ذلك لك َتُح ُّل حيث شئت ،وال يجني عليك إاَّل نفسك،
قال :فانصرفنا عنه ،ثَّم قال :إَّن هذين ( )1لعمر إلهك من أتقى ( )2الَّناِس في األولى واآلخرة،
َّل
فقال له كعب بن الُخ دارَّية أخو بني بكر بن كالبَ :مْن هم يا رسول ال ه؟ قال :بنو المنتفق أهُل
ذلك ،قال :فانصرفنا وأقبْلُت عليه فقلُت :يا رسول الَّله ،هل ألحٍد ممن ( )3مضى من خيٍر في
جاهليتهم؟ قال :قال رجل من ُعْر ِض ُقريش :والَّله إَّن أباك المنتفق لفي الَّناِر ،قال َفَلكأَّنه ()4
وقع َح ٌّر بين ِج ْلدي ووجهي ولحمي مما قال ألبي على رؤوس ( )5الناس :فهممت أن أقول:
وأبوك يا رسول الَّله ،ثم إذا األخرى أجمل ،فقلت :يا رسول الَّله وأهلك؟ فقال" :وأهلي لعمر
الَّله ما أتيت عليه من قبِر عامرًّي أو قرشًّي من مشرك فقل :أرسلني إليك محمد -صلى الَّله عليه
وسلم ،-فأبشرك بما يسوءكُ ،تَج ُّر على وجهك وبطنك في النار" .قال :قلت :يا رسول الَّله ما
فعل بهم ذلك ،وقد كانوا على عمل ال ُيحسنون ( )6إاَّل إَّياُه ،وكانوا يحسبونهم مصلحين؟ قال:
ذلك ألَّن ( )7الَّله عَّز وجَّل بعث في
__________
( )1قوله "إَّن هذين" من المسند ،ووقع في جميع النسخ "ها إن ذين ،ها إن ذين . . .إن حدثت
إاَّل أنهما" وفي بعض النسخ " . .إَّن حديث إاَّل أَّنها".
( )2في "د"" :أبقى".
( )3في "أ ،ج ،د ،هـ"" :مما".
( )4في نسخة على حاشية "أ"" :فكأَّنُه".
( )5في نسخٍة على حاشية "أ" "رسوس".
( )6في "أ"" :يحسبون" ،وفي "ج"" :يحُّبون".
( )7في "أ ،ب ،هـ"" :بأَّن ".
()1/535
آخر كِّل سبع ُأمم -يعني نبًيا -فمن عصى نبَّيه كان من الَّضالين ،ومن أطاَع نبيه كان من
المهتدين" (. )1
هذا حديٌث كبيٌر مشهوٌر ال يعرف إاَّل من حديث أبي القاسم عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد
الرحمن المدني ( ، )2ثَّم من رواية إبراهيم ابن حمزة الزبيري المدني عنه ،وهما من كبار علماء
المدينة المحتج بهما في الصحيح ،احتج بهما إمام المحدثين محمد بن إسماعيل البخاري ،وروى
عنهما في مواضع من كتابه .رواُه أئمة الحديث في كتبهم ،منهم :أبو عبد الرحمن عبد الَّله بن
اإلمام أحمد ،وأبو بكر أحمد ابن عمرو بن أبي عاصم ،وأبو القاسم الطبراني ،وأبو الشيخ
الحافظ ،وأبو عبد الَّله بن منده ،والحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه ،والحافظ أبو نعيم
األصبهاني وغيرهم على سبيل القبول والتسليم.
قال الحافُظ أبو عبد الَّله بن منده :روى هذا الحديث محمد بن إسحاق الَّص غاني ،وعبد الَّله بن
أحمد بن حنبل وغيرهما ،وقرؤوه بالعراق بمجمع ( )3العلماء وأهل الَّدين ،فلم ينكره أحٌد منهم،
ولم ُيَتكلم في إسناده ،وكذلك أبو زرعة وأبو حاتم على سبيل القبول.
وقال أبو الخير بن حمدان" :هذا حديث كبير ثابٌت حسن مشهور".
وسألُت شيخنا أبا الحجاج الِم َّز ي عنه فقال" :عليه جاللة النبوة".
__________
( )1تقدم الكالم عليه ص (.)127 - 126
( )2في "أ"" :المديني".
( )3في "ج ،هـ"" :بجمع".
()1/536
قال ُنَف اُة اإليالد :فهذا حديث صريٌح في انتفاء الولد ،وقوله" :إذا اشتهى" معلق بالشرط ،وال
يلزم من التعليق وقوع الُم َعَّلق وال المعلق به ،و"إذا" وإْن كانت ظاهرًة في المحَّق ق ،فقد استعمل
لمجرد التعليق األعم من المحَّق ق وغيره.
قالوا :وفي هذا الموضع يتعَّين ذلك لوجوٍه:
أحدها :حديث أبي َر ِز ين هذا.
الثاني :قوله تعالىَ{ :و َلُه ْم ِفيَه ا َأْز َو اٌج ُمَطَّه َر ٌة} [البقرة ،]25 :وُه َّن اَّلالتي ُطَّهرَن من الحيض
والنفاس واألذى.
قال سفيان :أنبأنا ابن أبي نجيح عن مجاهد" :مطهرة من الحيض والغائط والبول والنخام
والبصاق والمني والولد" (. )1
وقال أبو معاوية :حدثنا ابن جريج عن عطاء" :أزواج مطهرة" قال" :من الولد والحيض ،والغائط
والبوِل " (. )2
الثالث :قوله" :غيَر أَّنُه ال َمِني وال َمِنَّية" وقد تقدم ( ، )3والولد إَّنما يخلق من ماء الرجل ،فإذا لم
يكن هناك مني وال مذي وال نفخ في الفرج لم يكن هناك إيالد.
__________
( )1أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ( )64 /1رقم ( ،)26والطبري في تفسيره (،)176 /1
وسنده حسن.
( )2أخرجه الطبري في تفسيره ( )176 /1وسنده صحيح.
( )3ص (.)521 ,520
()1/537
الَّر ابع :أَّنه قد ثبَت في "الصحيح" ( )1عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -أَّنه قال" :يبقى في
الجَّنة فضٌل فينشُئ الَّله لها خلًق ا فيسكنهم إَّياها" ،ولو كان في الجَّنة إيالد لكان الفضل
ألوالدهم ،وكانوا أحَّق به من غيرهم.
الخامس :أَّن الَّلَه سبحانه وتعالى جعل الحمل والوالدة مع الحيض والمني ،فلو ُكَّن النساء يْح َبْلَن
في الجَّنة لم يقطع عنهَّن الحيض واإلنزال.
السادس :أَّن الَّلَه سبحانه قدر التناسل في الدنيا؛ ألَّنه قدر الموت ،وأخرجهم إلى هذه الَّداِر قرًنا
بعد قرٍن ،وجعل لهم أَمًد ا ينتهون إليه ،فلوال التناسل لبطل النوع اإلنساني ،ولهذا المالئكة ال
تتناسل ،فإَّنهم ال يموتون كما تموت اإلنس والجَّن ،فإذا كان يوم القيامة أخرج الَّلُه سبحانه
الَّناَس كلهم من األرِض ،وأنشأهم للبقاِء ال للموِت فال يحتاجون إلى تناسل يحفظ النوع
اإلنساني ،إذ هو منشأ للبقاء والدوام ،فال أهل الجَّنة يتناسلون ،وال أهل الَّنار (. )2
ِب ِب ٍن ِذ
السابع :أَّنه سبحانه وتعالى قالَ{ :و اَّل يَن آَم ُنوا َو اَّتَبَعْتُه ْم ُذِّر َّيُتُه ْم (ِ )3إ يَم ا َأْلَح ْق َنا ِه ْم ُذِّر َّيَتُه ْم
([ } )4الطور .]21 :فأخبر سبحانه أَّنه يكرمهم بإلحاق ُذِّر ياتهم اَّلذين كانوا لهم في الدنيا ،ولو
كان ينشئ
__________
( )1أخرجه مسلم ( )2848من حديث أنس رضي الَّله عنه.
( )2وقع في "د" إضافة "يتناسلون" لكَّنه ضرب عليها.
( )3هكذا قرأ أبو عمرو بن العالء ،وقرأ الجمهور باإلفراد {َو اَّتَبَعْتُه ْم ُذِّر َّيُتُه ْم } انظر النشر في
القراءات العشر البن الجزري (.)282 /2
( )4هكذا قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وأبو جعفر ويعقوب ،انظر المصدر السابق.
()1/538
لهم في الجَّنة ُذِّر ية أخرى ،لذكرهم كما ذكر ذريتهم اَّلذين كانوا في الدنيا؛ ألَّن ُقَّر ة عيونهم
كانت تكون بهم ،كما كانت ( )1بذرياتهم من أهل الدنيا.
الثامن :أَّنه ( )2إَّما أْن يقال باستمرار التناسل فيها ال إلى غاية ،أو إلى غاية ثَّم ينقطع ،وكالهما
مَّم ا ال سبيل إلى القول به ،الستلزام األَّو ل :اجتماع أشخاص ال تتناهى .واستلزام الثاني :انقطاع
نوع من لَّذ ة أهل الجَّنة وسرورهم ،وهو محاٌل ،وال يمكن أْن ُيقال :بتناسل يموت معه نسل
ويخلفه نسل ،إذ ال موت هناك.
التاسع :أَّن الجَّنة ال ينمو فيها اإلنسان كما ينمو في الدنيا ،فال ولدان أهلها ينمون ويكبرون ()3
وال الرجال ينمون ( )4كما تقدم ،بل هؤالء ولدان صغار ال يتغيرون ،وهؤالء أبناء ثالث وثالثين
ال يتغيرون ،ولو كان في الجَّنة والدة لكان المولود ينمو ( )5ضرورة حتى يصير رجاًل ،ومعلوم
أَّن من ماَت من األطفال يردون أبناء ثالث وثالثين من غير نمًّو .يوضحه:
الوجه العاشر :أَّن الَّلَه سبحانه وتعالى ينشئ أهل الجَّنة نشَأة المالئكة ،أو أكمل من نشأتهم،
بحيث ال يبولون وال يتغوطون وال
__________
( )1في "ب ،ج ،د ،هـ" "هي".
( )2ليس في "أ".
( )3في "أ ،ج ،د ،هـ"" :ويكثرون" ،والمثبت أولى.
( )4في "هـ" "وال الرجل ينمو".
( )5في جميع النسخ "ينمي" وكتب عليها ناسخ "أ" "كذا".
()1/539
ينامون ،ويلهمون التسبيح وال يهرمون على تطاول األحقاب ،وال تنمو أبدانهم ،بل القدر اَّلذي
جعلوا عليه الزٌم لهم أبًد ا ،والَّله تعالى أعلُم.
فهذا ما في هذه المسألة.
فأَّما قوُل بعضهم :إَّن الُقْد رة صالحة ،والكَّل ممكن .وقول آخرين ( : )1إَّن الجَّنة دار المكلفين
التي يستحقونها بالعمِل .وأمثال هذه المباحث فرخيصة ،وهي في كتب الَّناِس ،وباِهلل التوفيِق .
وقال الحاكُم" :قال األستاُذ أبو سهل :أهل الزيغ ينكرون هذا الحديث -يعني :حديث الوالدة
في الجَّنة -وقد ُر ِو َي فيه غير إسناد ،وُس ِئَل الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -عن ذلك فقال:
يكون ذلك على نحٍو مَّم ا روينا ،والَّله سبحانه وتعالى يقولَ{ :و ِفيَه ا َم ا َتْش َتِه يِه اَأْلْنُف َو َتَلُّذ
ُس
اَأْلْع ُيُن } [الزخرف ،]71 :وليس بالمستحيل أْن يشتهي المؤمُن -الممكن من شهواته ،المصَّف ى
المقَّر ب المسَّلط على لَّذ اته ُ -قَّر ة عين ،وثمرة فؤاد من اَّلذين أنعم الَّلُه عليهم بأزواٍج مطهرة.
فإْن قيل :ففي الحديث أَّنهَّن ال يحضن وال َيْنَف ْسَن فأَّنى يكون الولد؟
قلُت :الحيُض سبُب الوالدة الُمْم تّد أَمُدُه بالحمِل على الكره والوضع عليه ،كما أَّن جميع مالَّذ
الدنيا من المشارب والمطاعم والمالبس على ما ُعِر َف من التعب والنصِب ،وما َيْع قبُه كُّل منها (
، )2
__________
( )1في "ب ،ج"" :اآلخرين".
( )2في "ب ،ج ،د ،هـ"" :منهما".
()1/540
مَّم ا ُيْح ذُر منه وُيخاف من عواقبه ،وهذه خمرُة الدنيا المحرمة المستولية على كِّل َبِلَّيِة قد أعَّدها
الَّلُه تعالى ألهل الجَّنة منزوعة البليةُ ،مَو َّفرة ( )1اَّللذة ،فلَم ال يجوُز أْن يكون على مثله الولُد ؟
انتهى كالمه" (. )2
قلُت :الَّنافون للوالدة في الجَّنة لم ينفوها لزيغ في قلوبهم ،ولكن لحديث أبي رزين "غيَر أْن ال
توالد" وقد حكينا قول ( )3عطاء وغيره "أَّنهَّن مطهرات من الحيض والولد" (. )4
وقد حكى الترمذي عن أهل العلم من السلف والخلف في ذلك قولين ،وحكينا قول إسحاق
بإنكاره ،وقال أبو ُأمامة رضي الَّلُه عنه في حديثه" :غيَر أْن ال َم نَّي وال منَّية" ،والجَّنة ليست دار
تناسل ،بل دار بقاء وخلد ،ال يموت من فيها فيقوم نسله مقامه.
وحديث أبي سعيد الخدري هذا أجوُد أسانيده إسناُد الترمذي ،وقد حكم بغرابته ،وأَّنه ال ُيْع رف
إاَّل من حديث أبي الِّص ديق الَّناجي ،وقد اضطرب لفظه :فتارًة يروى عنه" :إذا اشتهى الولد"،
وتارة" :إَّنه ليشتهي الولد" ،وتارًة" :إَّن الرجل من أهل الجَّنة ليولد له" فالَّله أعلُم ،فإْن كان رسول
الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -قد قاله ،فهو الحُّق اَّلذي ال شَّك فيه ،وهذه األلفاظ ال تنافي بينها،
وال ُتناِقُض حديث أبي رزين "غيَر أْن ال توالد"
__________
( )1في "ب"" :مغفورة".
( )2ذكره البيهقي في البعث والنشور ص ( )221 - 220رقم (.)442
( )3في "هـ"" :من قول".
( )4تقدم ص (.)537
()1/541
إذ ذلك نفٌي للتوالد المعهود في الدنيا ،وال ينفي والدًة ،حمل الولد فيها ووضعه وسنه وشبابه في
ساعٍة واحدة.
فهذا ما انتهى إليه ِع ْلمنا القاصر في هذه المسألة ،ولقد أتينا فيها بما لعَّلك ال تجده في غير هذا
الكتاب ،والَّلُه أعلُم بالصواب.
()1/542
الباب السابع والخمسون :في ذكر سماع الجَّنة وغناء الحور العين وما فيه من الَّطَر ِب واَّللذة
ِل ِت ِم ِذ ِئٍذ
قال تعالىَ{ :و َيْو َم َتُقوُم الَّس اَعُة َيْو َم َيَتَفَّر ُقوَن (َ )14فَأَّما اَّل يَن آَم ُنوا َو َع ُلوا الَّصا َح ا َفُه ْم
ِفي َرْو َض ٍة ُيْح َبُر وَن ([ })15الروم.]15 - 14 :
قال محمد بن جرير :حدثني محمد بن موسى الَح َر شي ،حدثنا عامر بن يساف قال :سألُت يحيى
بن أبي كثير عن قوله عَّز وجَّلَ{ :فُه ْم ِفي َرْو َض ٍة ُيْح َبُر وَن ([ })15الروم ]15 :قال" :الَحْبرُة:
الَّلذة والسماع" (.)1
حدثنا عبد الَّله بن محمد الفريابي ،حدثنا ضمرة بن ربيعة ،عن األوزاعي ،عن يحيى بن أبي كثير
في قولهُ{ :يْح َبُر وَن ( })15قال" :السماع في الجنة" (.)2
وال يخالف هذا قول ابن عباسُ" :يْك َر ُمون" ( .)3وقول مجاهد ،وقتادة" :ينعمون" ( )4فلذة
األذن بالسماع من الحبرة والنعيم.
__________
( )1أخرجه الطبري في تفسيره ( ،)28 /21وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( .)263وسنده
ال بأس به.
( )2أخرجه الطبري ( ،)28 /21وابن أبي شيبة في المصنف ( ،)34010( )62 /7وهناد في
الزهد رقم ( ،)4والبيهقي في البعث ( )419وغيرهم.
وسنده صحيح.
( )3أخرجه الطبري ( )28 /21وسنده حسن.
( )4أخرجه الطبري في تفسيره (.)28 /21
عن مجاهد بسند حسن .وعن قتادة بسنٍد صحيح.
()1/543
وقال الترمذي :حدثنا هَّناد وأحمد بن منيع قاال :حدثنا [أبو معاوية عن] ( )1عبد الرحمن بن
إسحاق ،عن النعمان بن سعد ،عن علًّي قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-إن في
الجنة لمجتمًع ا للحور العين يرفعن بأصوات لم تسمع الخالئق بمثلها ،يقلن :نحن الخالدات فال
نبيد ،ونحن الناعمات ( )2فال نبأس ،ونحن الراضيات فال نسخط ،طوبى لمن كان لنا وكنا له" (
. )3
"وفي الباب عن أبي هريرة ،وأبي سعيد ،وأنس ،وحديث علي :حديث غريب".
قلت :وفي الباب عن ابن أبي أوفى ،وأبي أمامة ،وعبد الَّله بن عمر أيًض ا.
فأما حديث أبي هريرة :فقال جعفر الفريابي :حدثنا سعيد بن حفص ،حدثنا محمد بن سلمة (، )4
عن أبي عبد الرحيم ،عن زيد بن أبي ُأَنْيَس ة ،عن المنهال بن عمرو ،عن أبي صالح ،عن أبي هريرة
__________
( )1ما بين المعكوفتين سقط من النسخ ،واستدركته من مصادر التخريج.
( )2في نسخٍة على "أ"" :الَّنِعَم ات".
( )3أخرجه الترمذي رقم ( )2564و ( ،)2550وهناد في الزهد ( ،)9وعبد الَّله بن أحمد في
زوائده على المسند ( ،)156 /1وابن أبي شيبة في مصنفه ( )55 /7رقم ( )33960وغيرهم.
وسنده ضعيف :فيه عبد الرحمن بن إسحاق أبو شيبة :ضعيف ،والنعمان ابن سعد :فيه جهالة.
انظر :تهذيب الكمال ( ،)517 - 515 /16و (.)450 /29
( )4في "ج"" :مسلمة" وهو خطأ ،انظر :تهذيب الكمال (.)390 /10
()1/544
-رضي الَّله عنه -قال" :إن في الجنة نهًر ا طول الجنة ،حافتاه العذارى قيام متقابالت ،ويغنين
بأصوات حتى يسمعها الخالئق ،ما يرون في الجنة لذة مثلها ،قلنا :يا أبا هريرة وما ذاك الغناء؟
قال :إن شاء الَّله التسبيح والتحميد والتقديس وثناء على الرب عز وجل" (. )1
هكذا رواه موقوًفا.
وروى أبو نعيم في "صفة الجنة" من حديث مسلمة ( )2بن علي ،عن زيد بن واقد ،عن رجل،
عن أبي هريرة -رضي الَّله عنه ،-قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-إن في الجنة
شجرة جذوعها من ذهب ،وفروعها من زبرجد ولؤلؤ ،فتهُّب لها ريح فَيْص َطِف ْق ن ( ، )3فما سمع
السامعون بصوت شيء قط ألذ منه" (. )4
وأما حديث أنس :فقال أبو نعيم :أنبأنا عبد الَّله بن جعفر ،حدثنا إسماعيل بن عبد الَّله ،حدثنا عبد
الرحمن بن إبراهيم ،حدثنا ابن أبي فديك ،عن ابن أبي ذئب ،عن عون بن الخطاب بن عبد الَّله
بن رافع،
__________
( )1أخرجه البيهقي في البعِث رقم (.)425
وفيه سعيد بن حفص النفيلي أبو عمرو الحَّر اني لم يوثقه إاَّل ابن حبان ومسلمة األندلسي ،وكان
قد كبر وتغَّير في آخر عمره.
انظر :تهذيب الكمال (.)391 /10
( )2في نسخٍة على "أ"" :سلمة" وهو خطأ.
( )3في "ب ،هـ" ،ونسخة على حاشية "أ"" :فتصفق".
( )4أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (.)433
وفيه مسلمة بن علي الخشني :متروك الحديث ،وأيًض ا إبهام الرجل الراوي عن أبي هريرة.
()1/545
عن ابٍن ألنس؛ عن أنس -رضي الَّله عنه -قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-إن
الحور يغنين في الجنة :نحن الحور الحسان ،خلقنا ألزواج كرام" (. )1
ورواه ابن أبي الدنيا :حدثنا أبو خيثمة ،حدثنا إسماعيل بن عمر،
__________
( )1أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (.)432
ورواُه كثير بن عبيد ومحمد بن عبد الَّله بن عبد الحكم والحسن بن داود المنكدري وعبد
الرحمن بن شيبة كلهم عن ابن أبي فديك به نحوه "على اختالف في بعض األسانيد".
أخرجه البخاري في تاريخه الكبير ( ،)16 /7وابن أبي داود في البعث رقم ( ،)75والطبراني في
األوسط ( )34 /5رقم ( ،)6497والبيهقي في البعث رقم (.)420
-ورواُه إسماعيل بن عمر "ثقة" عن ابن أبي ذئب به "رفعه أبو يعلى ،وأرسله ابن أبي الدنيا".
أخرجه أبو يعلى في مسنده كما في المطالب رقم ( ،)4609وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم
(.)260
-ورواُه إسماعيل "لعله ابن أبي ُأويس ،في حفظه ضعف" ،عن أخيه "عبد الحميد" عن ابن أبي
ذئب عن عبد الَّله بن رافع عن أنس فذكرُه مرفوًعا.
أخرجه البخاري في تاريخه (.)16 /7
قلُت :أخطأ إسماعيل في قوله" :عبد الَّله بن رافع".
-ورواُه آدم وشبابة بن سوار عن ابن أبي ذئب عَّم ن سمَع أنس بن مالك قوله موقوًفا.
أخرجه البخاري في تاريخه ( ،)16 /7وابن أبي شيبة في مصنفه ( )57 /7رقم (.)33977
وهذا االضطراب لعَّله من عون بن الخطاب بن عبد الَّله بن رافع ،فإَّنُه لم يرو عنه إاَّل ابن أبي
ذئب ،فهو شبه المجهول ،وأيًض ا فيه بعض ولد أنس ال ُيدرى َمْن هو ،وعليه فالسند ضعيف.
()1/546
حدثنا ابن أبي ذئب ،عن أبي عبد الَّله بن رافع ،عن بعض ولد أنس فذكره.
وأما حديث ابن أبي أوفى :فقال أبو نعيم :حدثنا عبد الَّله بن ( )1محمد بن جعفر من أصله،
حدثنا موسى بن هارون ،حدثنا حامد بن يحيى البلخي ،حدثنا يونس بن محمد المؤدب ،حدثنا
الوليد بن أبي ثور ،حدثني سعد الطائي ،عن عبد الرحمن بن سابط ،عن ابن أبي أوفى رضي الَّله
عنه قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-يزوج إلى كل واحد من أهل الجنة أربعة
آالف بكر ،وثمانية آالف أِّيم ،ومئة حوراء ،فيجتمعن في كل سبعة أيام ،فيقلن بأصوات حسان،
لم تسمع الخالئق بمثلهَّن :نحن الخالداُت فال نبيد ،ونحن الَّناعمات فال نبأس ،ونحن الَّر اضياُت
فال نسخط ،ونحن المقيمات فال نظعن ،طوبى لمن كان لنا وُك َّنا له" (. )2
__________
( )1قوله "عبد الَّله بن" سقط من جميع النسخ ،وهو :أبو الشيخ األصبهاني.
( )2أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم ( ،)431 ،378وأبو الشيخ األصبهاني في العظمة رقم
(.)603
والحديث فيه نكارة ،ومدارُه على الوليد بن أبي ثور ،وقد ضعفه النسائي والدارقطني ،وقال أبو
حاتم" :شيخ يكتب حديثه ،وال يحتج به" ،وقال ابن معين" :ليس بشيء" ،وقال ابن نمير:
"كَّذ اب" ،وقال أبو زرعة وابن حبان :منكر الحديث ،زاد األَّو ل :يهم كثيًر ا ،واآلخر :جًّدا.
انظر :تهذيب الكمال (.)35 - 32 /31
والحديث معروف من قول عبد الرحمن بن سابط ،أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (
،)279وأبو الشيخ في العظمة رقم ( ،)589والبيهقي في البعث رقم ( )413من طريق ليث بن
أبي سليم عن ابن سابط نحوه بأَّو له ،وزاد =
()1/547
وأَّما حديث أبي ُأمامة :فقال جعفر الفريابي :حدثنا سليمان بن عبد الرحمن حدثنا خالد بن يزيد
بن أبي مالك عن أبيه عن خالد بن معدان عن أبي ُأمامة رضي الَّله عنه عن رسول الَّله -صلى الَّله
عليه وسلم -قال" :ما ِم ْن َعْبٍد يدخُل الجَّنة ،إاَّل ويجل عنَد رأِس ِه وعند رجليِه ثنتان من الُح وِر
ُس
العيِن ُ ،تغِّنيانه بأحسن صوٍت َس معُه اإلنس والجُّن ،وليس بمزامير الَّش يطا " (. )1
ِن
وأَّما حديث ابن عمر :فقال الطبراني :حدثنا أبو رفاعة عمارة بن َو ِثيَم ة بن موسى بن الُف َر ات
المصري ،حدثنا سعيد بن أبي مريم ،حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير عن زيد بن أسلم عن ابن
عمر رضي الَّله عنهما قال :قال رسول الَّلِه -صلى الَّله عليه وسلم" :-إَّن أزواج أهل الجَّنة
لُيغِّنين أزواجهَّن بأحسِن أصواٍت سمعها أحٌد قُّط ،وإَّن مَّم ا يغنين به :نحُن الخيراُت الِح َس اُن ،
ٍم
أزواُج قو كراٍم ،ينظرن بُقَّر ِة أعيان ،إَّن مما يغنين به :نحن الخالدات فال ُنمْتَنه ،نحُن اآلمناُت
فال نخفنه ،نحن المقيمات فال نظعَّنه" (. )2
__________
= ألفاًظا أخرى.
قال البيهقي" :هذا هو الصحيح من قول ابن سابط".
( )1أخرجه البيهقي في البعث رقم ( ،)421والطبراني في الكبير ( )113 /8رقم ()7478
بأَّو له وزاد لفًظا آخر.
والحديث ضعيف جًّدا مدارُه على خالد بن يزيد بن أبي مالك ،وهو متروك.
( )2أخرجه الطبراني في الصغير ( )35 /2رقم ( ،)734وفي األوسط ( )391 /3رقم (
،)3917وأبو نعيم في صفة الجَّنة (.)430 ،322
فيه عمارة بن وثيمة ،ذكره ابن يونس في تاريخه ولم يذكر فيه جرًح ا وال =
()1/548
قال الطبراني" :لم يروه عن زيد بن أسلم إاَّل محمد ،تفَّر د به ابن أبي مريم".
وقال ابن وهب :حدثني سعيد بن أبي أيوب قال :قال رجٌل من قريش البن شهاب :هل في الجَّنة
سماٌع؛ فإَّنه ُح ِّبَب إلَّي السماُع؟ فقال" :إي واَّلذي نفس ابن شهاب بيده ،إَّن في الجَّنة لشجًر ا
حمله اللؤلؤ والزبرجد ،تحته جواٍر ناهداٍت يتغنين بالقرآن يُقْلَن :نحُن الَّناعمات فال نبأس ،ونحن
الخالداُت فال نموت ،فإذا سمع ذلك الشجر َص َف َق بعضه بعًض ا ،فأَجْبَن الجواري ،فال ُيدرى
أصواُت الجواري أحسُن ،أم أصواُت الشجر" (. )1
قال ابن وهب :وحدثنا الليث بن سعد عن خالد بن يزيد" :أَّن الحوَر العين يغنين أزواجهَّن فيقلن:
نحُن الخيراُت الِح َس ان ،أزواُج شباب ( )2كرام ،ونحن الخالدات فال نموت ،ونحن الناعمات
فال نبأس ،ونحن الَّر اضيات فال نسخط ،ونحن المقيمات فال نظعن ،في صدر إحداهَّن مكتوٌب :
أنت ِح ِّبي ،وأنا ِح ُّبك ،انتهت نفسي عندك ،لم َتَر عيناي مثلك" (. )3
__________
= تعدياًل .وهو حديث غريب ،وزيد بن أسلم لم يسمع من ابن عمر إاَّل حديثين قاله سفيان بن
عيينة ،وهما في البخاري ،فالحديث منقطع اإلسناد.
( )1أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)261
وفيه انقطاع ،ألَّن سعيد بن أبي أيوب المصري ،لم يسمع من الزهري ،وإَّنما سمع من تالميذ
الزهري .انظر :تهذيب الكمال (.)342 /10
( )2في "ج"" :شَّبان" ،والمثبت من مصدر النص وباقي النسخ.
( )3أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( )262وسنده ال بأس به.
()1/549
وقال ابن المبارك :حدثنا األوزاعي ،حدثنا يحيى بن أبي كثير" :إَّن الحوَر العيِن يتلقين أزواجهَّن
عنَد أبواب الجَّنة فيقلن :طالما انتظرناكم ،فنحُن الَّر اضيات فال نسخط ،والمقيمات فال نظعن،
والخالداُت فال نموت ،بأحسن أصوات ُس ِم َعْت تقول :أنَت ِح ِّبي وأنا حُّبك ليس دونك مقصد (
، )1وال وراءك َمْع دل" (. )2
__________
( )1في "د" "مفضي" ،وفي "ب" ونسخٍة على "د" "مقضي" ،ووقع عند ابن المبارك وفي "أ ،ج،
هـ"" :مقصر" ،والمثبت من ابن أبي الدنيا.
( )2أخرجه ابن المبارك في الزهِد -رواية نعيم -رقم ( ،)435وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة
رقم (.)268
وسنده صحيح.
()1/550
()1/551
وقال ابن أبي الدنيا :حدثني محمد بن الحسين حدثني عبد الَّله بن أبي بكر ،حدثنا جعفر بن
سليمان ،عن مالك بن دينار في قوله عَّز وجَّلَ{ :و ِإَّن َلُه ِع ْنَدَنا َلُز ْلَف ى َو ُح ْسَن َم آٍب ([ } )25ص:
]25قال" :إذا كان يوم القيامة أمَر بمنبر رفيٍع فوِض ع في الجَّنة ،ثَم نودي :يا داود مِّج ْد ني بذلك
الصوت الَح َس ِن الرخيم اَّلذي كنَت تمجدني به في دار الدنيا ،قال :فيستفرغ صوت داود نعيم
أهل الجنان ،فذلك قوله تعالىَ{ :و ِإَّن َلُه ِع ْنَدَنا َلُز ْلَف ى َو ُح ْسَن َم آٍب (. )1( " } )25
وذكر حماد بن سلمة عن ثابت الُبناني ،وحجاج األسود عن شهر ابن حوشب قال" :إَّن الَّلَه جَّل
ثناؤه يقول للمالئكة :إَّن عبادي كانوا يحبون الَّص وت الحسن في الدنيا ،فيدعونه من أجلي
فاْس ِم ُعوا عبادي ،فيأخذوا بأصواٍت من تهليٍل وتسبيٍح وتكبيٍر لم يسمعوا بمثله َقُّط " (. )2
قال عبد الَّله بن اإلمام أحمد في كتاب "الزهد" ألبيه" :حدثني علي بن ُمْس لم الُّطوسي حدثنا سيار
حدثنا جعفر حدثنا مالك ابن دينار في قوله عَّز وجَّلَ{ :و ِإَّن َلُه ِع ْنَدَنا َلُز ْلَف ى َو ُح ْسَن َم آٍب (} )25
قال" :يقيم الَّلُه سبحانه داود عند ساق العرش ،فيقول :يا داود مِّج دني اليوَم
__________
( )1أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)343
ورواُه شيبان وسيار عن جعفر به.
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ،كما عند ابن كثير ( ،)32 /4والبيهقي في البعث رقم (.)424
واألثر صحيح عن مالك بن دينار.
( )2أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)344
()1/552
بذلك الصوت الحسِن الَّر خيم ،فيقول :إلهي كيف أمجدك وقد َس لْبتنيه في دار الدنيا؟ قال:
فيقول الَّله عَّز وجَّل :فإِّني أرده عليك ،قال :فيرده عليه ،فيزداد صوته ،قال :فيستفرغ صوت
داود نعيم أهل الجَّنة" (. )1
وقال ابن أبي الدنيا ( : )2حدثنا مسلم بن إبراهيم الحراني ( ، )3حدثنا مسكين بن بكير عن
األوزاعي ،عن عبدة بن أبي ُلَبابة قال" :إَّن في الجَّنة شجرة ثمرها زبرجد وياقوت ولؤلؤ ،فيبعث
الَّله ريًح ا فتصفق ،فُيسمع لها أصواٌت لم يسمع ألُّذ منها" (. )4
حدثنا أبو بكر بن يزيد وإبراهيم بن سعيد قاال :حدثنا أبو عامر الَعَق ِد ي ،حدثنا زمعة بن صالح عن
سلمة بن وهرام ( )5عن عكرمة عن ابن عباس قال" :في الجَّنة شجرة على ساق قدر ما يسير
الَّر اكُب في "ظَّلها مئة عام ،فيتحدثون في ظلها فيشتهي بعضهم ،فيذكر لهو الدنيا،
__________
( )1أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ( )3240 /10رقم ( ،)18348وأحمد في الزهد،
والحكيم الترمذي ،وابن المنذر كما في الدرر ( ،)573 /5والبيهقي في البعث والنشور رقم (
.)424
وفي سنده سَّيار فيه ضعف.
( )2في "أ ،ج"" :داود" وهو خطأ.
( )3في "أ"" :الحوراني" وهو خطأ.
( )4أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)265
-ورواُه علي بن معبد عن األوزاعي به مثله.
أخرجه ابن حبيب في وصف الفردوس رقم (.)187
وعليه فاإلسناد حسن.
( )5في "د"" :وهران" وهو خطأ.
()1/553
فيرسل الَّله ريًح ا من الجَّنة ،فتحرك تلك الشجرة بكل لهٍو كان في الدنيا" (.)1
حدثني إبراهيم بن سعيد حدثنا علي بن عاصم حدثنا سعيد بِن أبي سعيد الحارثي قالُ" :ح َّد ْثُت أَّن
في الجَّنة آجاًم ا من َقَص ٍب من َذَه ٍب حملها اللؤلؤ ،فإذا اشتهى أهل الجَّنة أْن يسمعوا صوًتا
حسًنا؛ بعث الَّله على تلك اآلجام ريًح ا فتأتيهم بكل صوت يشتهونه" (.)2
فصل
ولهم سماع أعلى من هذا يضمحل دونه كُّل سماع ،وذلك حين يسمعون كالم الرب جَّل جالله،
وِخ َطابه وسالمه عليهم ،ومحاضرته لهم ،ويقرأ عليهم كالمه ،فإذا سمعوه منه ،فكأَّنهم لم
يسمعوه قبل ذلك ،وسيمُّر بك -أيها الُّس َّنُّي -من األحاديث الِّص حاح والحسان في ذلك ما هو
من ( )3أحب سماع لك في الدنيا وألذه ألذنك ،وأقِّر ِه لعينك ،إذ ليس في الجَّنة لَّذ ٌة أعظُم من
النظر إلى وجه الَّر ِّب تعالى ،وسماِع كالمه منه ،وال ُيْع َطى أهل الجَّنة شيًئا أحَّب إليهم من ذلك.
__________
( )1أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( ،)266وابن أبي حاتم في تفسيره كما في تفسير
ابن كثير ( ،)310 /4وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم ( )404وغيرهم.
قال ابن كثير" :هذا أثٌر غريب ،وإسنادُه جيد قوي".
لكن في سنده ،زمعة بن صالح فيه ضعف ،انظر :تهذيب الكمال (.)389 - 386 /9
( )2أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)267
( )3ليس في "ب ،هـ".
()1/554
وقد ذكر أبو الشيخ عن صالح بن حَّيان عن عبد الَّله بن ُبَر ْيدة قال" :إَّن أهَل الجَّنة يدخلون كَّل
يوٍم مَّر تين على الجَّباِر جَّل جالله فيقرأ عليهم القرآن ،وقد جلَس كُّل امرٍئ منهم مجلسه اَّلذي
هو مجلسه على منابر الدِّر والياقوت ،والزبرجد والذهب والزُمُّر د ،فلم َتَقَّر أعينهم بشيٍء ،ولم
يسمعوا شيًئا قُّط أعظم وال أحسَن منه ،ثَّم ينصرفون إلى رحالهم ناعمين قِر يرة أعينهم ،إلى مثلها
من الَغِد " (. )1
__________
( )1أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم ( ،)270والحكيم الترمذي في نوادر األصول (6 /2
ق /ب).
وسنده ضعيف جًّدا :فيه صالح بن حيان القرشي ضعيف ،وفيه المسيب ابن شريك متروك .انظر:
لسان الميزان (.)48 - 47 /6
()1/555
الباب الثامن والخمسون :في ذكر مطايا أهل الجَّنة وخيولهم ومراكبهم
قال الترمذي :حدثنا عبد الَّله بن عبد الرحمن حدثنا عاصم بن علي حدثنا المسعودي عن علقمة
بن مرثد عن سليمان بن ُبريدة عن أبيه :أَّن رجاًل سأل الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -فقال :يا
رسول الَّله :هل في الجَّنة من خيل؟ قال :إن الَّلُه أدخلك الجَّنة فال تشاُء أن ُتحمل فيها على فرس
من ياقوتة حمراء يطير بك في الجَّنة حيث شئت إاَّل فعلت ( ،)1قال :وسأله رجل ،فقال :يا
رسول الَّله! هل في الجَّنة من إبل؟ قال :فلم يقل ما قال لصاحبه ،قال :إن يدخلك الَّلُه الجَّنة يكن
لك فيها ما اشتهت نفُس ك ولَّذ ت عيُنك" (.)2
__________
( )1قوله" :إال فعلت" من الترمذي.
( )2أخرجه الترمذي رقم ( ،)2543وأحمد ( ،)352 /5وابن أبي شيبة ( )57 /7رقم (
،)33980والطيالسي في مسنده رقم ( )843وغيرهم.
من طرق عن المسعودي به نحوه.
لكن رواُه عنه َمْن سمعوا منه بعد اختالطه.
وأشاَر المؤِّلف إلى اضطراب علقمة فيه:
-فرواُه حنش بن الحارث عن علقمة عن عبد الرحمن بن ساعدة مرفوًعا "هكذا رواُه األشعث
بن شعبة -فيه جهالة -عن حنش.
أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة ( ،)424والبيهقي في البعث ( )439وغيرهما.
-ورواُه سالم بن قتيبة "لم أقف عليه" عن علقمة عن رجل من األنصاِر يقال له :عمير بن ساعد
فذكره.
أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة ( )273 /2رقم (= .)424
()1/556
حدثنا سويد بن نصر ،أنبأنا عبد الَّله بن المبارك عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن عبد الرحمن
بن سابط عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -نحوه بمعناه وهذا أصُّح من حديث المسعودي.
حدثنا محمد بن إسماعيل بن َسُم رة األْح مِس ي حدثنا أبو معاوية عن واصل بن السائب عن أبي
َسْو رة عن أبي أيوب قال :أتى الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -أعرابٌّي فقال :يا رسول الَّلِه إَّني
أحُّب الخيل أفي الجنة َخ ْيٌل؟ قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-إن أدخلت الجَّنة ُأتيَت
بفرٍس من ياقوتٍة له جناحان فحملت
__________
= -ورواُه أبو طيبة عن علقمة عن أبي صالح عن أبي هريرة فذكره.
أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة ( )426لكن السند إليه ضعيف ،وأبو طيبة :عيسى بن سليمان
ضَّعفه ابن معين ،وقال ابن حبان في الثقات :يخطئ.
انظر :لسان الميزان (.)462 - 461 /4
-ورواُه ميكائيل عن علقمة عن يحيى بن إسحاق عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة .أخرجه أبو
نعيم ( )276 /2رقم (.)427
وميكائيل فيه جهالة ،وحديثه يدل على ضعفه .انظر :لسان الميزان (.)181 /6
-ورواُه الثوري عن علقمة عن عبد الرحمن بن سابط فذكره مرساًل .
أخرجه ابن المبارك في الزهد -رواية نعيم -رقم ( ،)271وعبد الرزاق في المصنف ()564 /3
رقم ( )6700وغيرهما.
واَّلذي يظهر أَّن االضطراب ليس من علقمة بن مرثد "ثقة" بل من الرواة عنه.
والصحيح رواية الثوري إلمامته وحفظه وإتقانه كما رجحه أبو حاتم الَّر ازي والترمذي ،فالحديث
مرسل.
انظر :علل ابن أبي حاتم ( )215 /2رقم ( ،)2132واإلصابة البن حجر (.)151 - 150 /5
()1/557
()1/558
ومَّر ة يقول :عن عبد الرحمن بن سابط عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم.-
والترمذي جعل هذا أصَّح من حديث المسعودي؛ ألَّن سفيان أحفظ منه ،وأثبت.
وقد رواُه أبو نعيم من حديث علقمة هذا ،فقال :عن أبي صالح ،عن أبي هريرة رضي الَّله عنه :أَّن
أعرابًّيا قال :يا رسول الَّله! أفي الجَّنة إبٌل؟ قال :يا أعرابي إْن ُيدخلك الَّله الجَّنة رأيَت فيها ما
تشتهي نفسك وتلُّذ عيُنك".
ورواه أيًض ا من حديث علقمة عن يحيى بن إسحاق عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال :قال
رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -في ذكر الجَّنة فقال" :والفردوس أعالها ُسُم ًّو ا ،وأوسعها
َمَح َّلًة ،ومنها تفجر أنهار الجَّنة ،وعليها يوضُع العرش يوَم القيامة ،فقام إليه رجٌل ،فقال :يا رسول
الَّلِه إِّني رجٌل ُح ِّبَب إلَّي الخيل ( ، )1فهل في الجَّنة خيل؟ قال :إي واَّلذي نفسي بيده ،إَّن في
الجَّنة لخياًل وإباًل َه َّف افًة ترّف بين خالل ورق الجَّنة ،يتزاورون عليها حيث شاؤوا ،فقام إليه رجل
فقال :يا رسول الَّله! إِّني ُح ِّبَب إلَّي اإلبل ...وذكر الحديث.
وأَّما حديث أبي َسْو َر ة فال يعرف إاَّل من حديث واصل بن السائب عنه ،ولم يروه عنه غيره ،وغير
يحيى بن جابر الطائي.
وقد أخرج له أبو داود حديث" :سُتفتح عليكم األمصاُر ،وتجندون أجناًدا" (. )2
__________
( )1وقع في "هـ"" :الخيل واإلبل وذكر الحديث".
( )2أخرجه أبو داود ( ،)2525وأحمد ( )413 /5وغيرهما من حديث أبي أيوب =
()1/559
وأخرج له ابن ماجه عن أبي أيوب" :رأيُت الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -توضأ فخَّلل لحيته" (
. )1
وحديًثا آخر في تفسير قوله تعالىَ{ :ح َّتى َتْس َتْأِنُس وا} [النور. )2( " ]27 :
وأخرج له الترمذي حديث" :خيل الجَّنة" ( )3فقط.
ورواُه أبو نعيم :من حديث جابر بن نوح عن واصل به وقال" :إَّن أهل الجَّنة ليتزاورون على
نجائب بيٍض ،كأَّنها الياقوت ،وليس في الجَّنة من البهائم إاَّل الخيُل واإلبل" (. )4
وقال أبو الشيخ :حدثنا القاسُم بن زكريا حدثنا سويد بن سعيد حدثنا مروان بن معاوية عن
الحكم بن أبي خالد عن الحسن البصري عن جابر بن عبد الَّله رضي الَّله عنهما ،عن الَّنبي -صلى
الَّله عليه وسلم -قال" :إذا دخل أهل
__________
= رضي الَّله عنه.
وهو من منكراته عن أبي أيوب كما ذكر البخاري (ص.)558 /
( )1أخرجه ابن ماجه (.)433
وسنده ضعيف جًّدا ،واصل :متروك ،وأبو سورة كما تقدم.
( )2أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ( )244 - 243 /5رقم ( ،)25665والطبراني في الكبير
( )178 /4رقم ( )4065وغيرهما من حديث أبي أيوب رضي الَّله عنه.
وهو حديث منكرِ ،ع َّلته ما سبق في الحديث قبله.
( )3كما تقدم قريًبا.
( )4أخرجه أبو نعيم في صفة الجنة رقم ( ،)428والطبراني في الكبير ( )179 /4رقم (
.)4069
وهو ضعيف جًّدا ،فيه واصل :متروك ،وأبو سورة تقدم حاله.
()1/560
الجَّنة الجَّنة جاءتهم خيوٌل من ياقوت أحمر ،لها أجنحٌة ،ال تروث وال تبول فقعدوا عليها ،ثَّم
طارت بهم في الجَّنة ،فيتجلى لهم الجبار ،فإذا رأوه خُّر وا سجًد ا فيقول لهم الجبار تبارك وتعالى:
ارفعوا رؤوسكم فإَّن هذا ليس بيوم عمل ،إَّنما هو يوم نعيم وكرامة ،قال :فيرفعون رؤوسهم،
فُيمطر الَّله تعالى عليهم طيًبا ،فيمُّر ون بكثبان المسك ،فيبعث الَّله على تلك الكثبان ريًح ا،
فتهِّيجها عليهم حتى إَّنهم ليرجعون إلى أهليهم وإَّنهم لشعث ُغْبر" (. )1
وقال عبد الَّله بن المبارك :حدثنا همام عن قتادة عن عبد الَّله بن عمرو قال" :في الجَّنة ِع َتاق
الخيل ،وكرائم النجائب يركبها أهلها" (. )2
__________
( )1أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم ( ،)429واآلجري في الشريعة رقم (.)617 ,616
ومدارُه على الحكم بن أبي خالد :هو ابن ظهير الفزاري :متروك ،واتهم بالكذب ،وسيأتي موقوًفا
ص (.)690
( )2أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)252
وهذا فيه انقطاع ،قتادة لم يسمع من عبد الَّله بن عمرو.
()1/561
الباب التاسع والخمسون :في زيارة أهل الجَّنة بعضهم بعًض ا ،وتذاكرهم ما كان بينهم في الدنيا
قال تعالىَ{ :فَأْقَبَل َبْع ُضُه ْم َعَلى َبْع ٍض َيَتَس اَءُلوَن (َ )50قاَل َقاِئٌل ِم ْنُه ْم ِإِّني َك اَن ِلي َقِر يٌن ()51
ِد ِع ِم ِق ِم
َيُقوُل َأِإَّنَك َل َن اْلُم َص ِّد يَن (َ )52أِإَذا ْتَنا َو ُك َّنا ُتَر اًبا َو َظاًما َأِإَّنا َلَم يُنوَن (َ )53قاَل َه ْل َأْنُتْم
ُمَّطِلُعوَن (َ )54فاَّطَلَع َفَر آُه ِفي َسَو اِء اْلَج ِح يِم (َ )55قاَل َتالَّلِه ِإْن ِكْد َت َلُتْر ِد يِن (َ )56و َلْو اَل ِنْع َم ُة
َر ِّبي َلُك ْنُت ِم َن اْلُم ْح َض ِر يَن ([ })57الصافات.]57 - 50 :
أخبر سبحانه وتعالى أَّن أهل الجَّنة أقبل بعضهم على بعض يتحدثون ،ويسأل بعضهم بعًض ا عن
أحوال كانت في الدنيا ،فأفضت بهم المحادثة والمذاكرة إلى أْن قال قائٌل منهم :كان لي قريٌن
في الدنيا ينكر البعث والَّدار اآلخرة ،ويقول ما حكاُه الَّلُه عنه ،يقولَ{ :أِإَّنَك َلِم َن اْلُم َص ِّد ِقيَن (
})52بأَّنا ُنبعث وُنجازى بأعمالنا ،وُنحاسُب بها بعد أْن َم َّز َقَنا الِبَلى ،وُك َّنا ُتراًبا وعظاًم ا ،ثَّم يقول
المؤمُن إلخوانه في الجَّنة :هل أنتم مطلعون في الَّناِر لننظر منزلة قريني هذا وما صار إليه.
هذا أظهُر األقواِل ،وفيها قوالن آخران:
أحدهما :أَّن المالئكة تقول لهؤالء المتذاكرين اَّلذين يحدث بعضهم بعًض اَ{ :قاَل َه ْل َأْنُتْم
ُمَّطِلُعوَن ([ })54الصافات.]54 :
رواُه عطاء عن ابن عباس (.)1
__________
( )1لم أقف عليه .وذكر هذا القول القرطبي في الجامع ( ،)82 /15وابن الجوزي =
()1/562
والثاني :أَّنه من قول الَّله عَّز وجَّل ألهل الجَّنة يقول لهمَ{ :ه ْل َأْنُتْم ُمَّطِلُعوَن (.} )54
والصحيح القول األَّو ل ( ، )1وأَّن هذا قول المؤمن ألصحابه ومحادثيه ،والسياق كله واإلخبار
عنه وعن حال قرينه.
قال كعب" :بين الجَّنة والَّناِر ُك ًو ى ،فإذا أراد المؤمُن أْن ينظر إلى عدٍّو كان له في الدنيا اَّطلَع من
بعض تلك الُك وى" (. )2
وقوله تعالىَ{ :فاَّطَلَع } أي :أشرف .قال مقاتل" :لما قال ألهل الجَّنةَ{ :ه ْل َأْنُتْم ُمَّطِلُعوَن }؟ قالوا
له :إَّنك أعرف به مَّنا ،فاَّطِلْع أنتَ ،فَأْش َر َف فرأى قرينه في وسط الجحيم ،ولوال أَّن الَّله عَّر فه
إَّياُه لما عَر فه ،لقد تغَّير وجُهُه ولوُنُه وغَّيرُه العذاب أشَّد تغيير ،فعندها قالَ{ :تالَّلِه ِإْن ِكْد َت
َلُتْر ِد يِن (َ )56و َلْو اَل ِنْع َم ُة َر ِّبي َلُك ْنُت ِم َن اْلُم ْح َض ِر يَن ([ } )57الصافات ]57 - 56 :أي :إْن
كدَت لتهلكني ،ولوال أْن ( )3أنعَم الَّلُه علَّي بنعمه لكنُت من المحضرين مَعك في العذاب" (. )4
__________
= في زاد المسير (.)50 /7
( )1وإليه ذهب عاَّمة المفسرين :الطبري ( ،)58 /23والماوردي ( ،)49 /5والقرطبي (/15
،)82 - 81وابن الجوزي ( ،)49 /7والبغوي ( )41 /7وغيرهم.
( )2أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره "كما في الدر المنثور ( )52 /5بنحوه" ،وذكره ابن
المبارك "كما عند القرطبي ( )83 /15بمثله" .من طريق قتادة قال :ذكر لنا أَّن كعب فذكره.
وسنده منقطع ،قتادة لم يدرك كعب األحبار.
( )3ليس في "ج".
( )4انظر :تفسير مقاتل ( )99 /3بمعناه.
()1/563
وقال تعالىَ{ :و َأْقَبَل َبْع ُضُه ْم َعَلى َبْع ٍض َيَتَس اَءُلوَن (َ )25قاُلوا ِإَّنا ُك َّنا َقْبُل ِفي َأْه ِلَنا ُمْش ِفِق يَن (
َ )26فَم َّن الَّلُه َعَلْيَنا َو َو َقاَنا َعَذ اَب الَّس ُم وِم (ِ )27إَّنا ُك َّنا ِم ْن َقْبُل َنْد ُعوُه ِإَّنُه ُه َو اْلَبُّر الَّر ِح يُم ()28
} [الطور.]28 - 25 :
وقال الطبراني :حدثنا الحسين بن إسحاق حدثنا سهل بن عثمان حدثنا المسيب بن َش ِر يك عن
بشر بن ُنمير ( )1عن القاسم عن أبي ُأمامة قالُ :س ِئَل رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم:-
أيتزاوُر أهل الجَّنة؟ قال :يزور األعلى األسفل ،وال يزور األسفل األعلى ،إاَّل اَّلذين يتحابون في
الَّله يأتون منها حيث شاؤوا على الُّنوق محتقبين الحشايا" (. )2
وقال الدورقي :حدثنا أبو سلمة التبوذكي ،حدثنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هالل قال:
بلغنا أَّن أهل الجَّنة يزوُر األعلى األسفل ،وال يزور األسفل األعلى" (. )3
__________
( )1في "ب ،د"" :نمر" وهو خطأ.
( )2أخرجه الطبراني في الكبير ( )286 /8رقم ( ،)7936وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (
.)421
قال الهيثمي في المجمع (" :)279 /10وفيه بشر بن نمير ،وهو متروك".
وقد اُّتهم بالكذِب ووضع الحديث .انظر :تهذيب الكمال (.)157 - 156 /4
-ورواُه جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة.
عند الطبراني ( )292 /8رقم ( ،)7959وجعفر اُّتهم بوضع الحديث.
( )3أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (.)422
ورواُه سليمان بن المغيرة وابن المعتمر عن حميد ،نحوه.
أخرجه ابن المبارك في الزهد -رواية نعيم -رقم ( ،)235وابن حبيب في =
()1/564
وقد تقدم حديث علقمة بن مرثد عن يحيى بن إسحاق عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي
الَّله عنه (. )1
وقال الطبراني :حدثنا محمد بن عبدوس حدثنا الحسن بن حماد حدثنا جابر بن نوح عن واصل
بن السائب عن أبي سورة عن أبي أيوب يرفعه" :إَّن أهل الجَّنة يتزاورون على النجائب" وقد تقدم
(. )2
فأهُل الجَّنة يتزاورون فيها ،ويستزيُر بعضهم بعًض ا ،وبذلك َتِتُّم لَّذ ُتهم وسرورهم ،ولهذا قال
حارثة للَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -وقد سألُه" :كيف أصبحَت يا حارثة؟ " قال :أصبحُت مِؤ مًنا
حًّق ا ،قال" :إَّن لكِّل حًّق حقيقة ،فما حقيقة إيمانك؟ " قال :عَز فْت نفسي عن الدنيا ،فأسهرُت
ليلي ،وأظمأُت نهاري ،وكأِّني أنظُر إلى عرش ربي بارًز ا ،وإلى أهل الجَّنة يتزاورون فيها ،وإلى
أهل الَّناِر ُيَعَّذ بون فيها ،فقال" :عبٌد نَّو ر الَّلُه قلَبه" (. )3
__________
= وصف الفردوس رقم ( .)179وسنده صحيح.
( )1ص (.)579
( )2ص (.)560
( )3أخرجه البزار "كشف األستار" رقم ( ،)32والبيهقي في شعب اإليمان رقم (،)10590
والحكيم الترمذي في الصالة ومقاصدها (ص.)73 /
من طريق يوسف بن عطية عن ثابت وقتادة عن أنس بن مالك.
قال البزار" :تفَّر د به يوسف بن عطية ،وهو لين الحديث".
قلُت :يوسف بن عطية الصَّف ار متروك الحديث.
والحديث وقع فيه اختالف كثير ،وال يصح مرفوًعا ،وإَّنما هو من قول بعض أتباع الَّتابعين ومن
دونهم :كمالك بن مغول وصالح بن مسمار ،وقد =
()1/565
قال ابن أبي الدنيا :حدثنا عبد الَّله ( )1حدثني سلمة بن شبيب حدثنا سعيد بن دينار عن الربيع بن
صبيح عن الحسن عن أنس رضي الَّله عنه ،قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-إذا
دخل أهل الجَّنِة الجَّنَة ،قال :فيشتاُق اإلخوان بعضهم إلى بعض ،فيسير سريُر هذا إلى سرير هذا،
وسرير هذا إلى سرير هذا ،حَّتى يجتمعا جميًعا ،فيقول أحدهما لصاحبه :تعلُم متى غفر الَّلُه لنا؟
فيقول صاحبه :يوم ُك َّنا في موضع كذا وكذا ،فدعونا الَّله فغفر لنا" (. )2
قال :وحدثنا حمزة بن العباس ،أنبأنا عبد الَّله بن عثمان أنبأنا ابن المبارك ،أنبأنا إسماعيل بن
عياش قال :حدثني ثعلبة بن مسلم ( ، )3عن أيوب بن بشير العجلي ،عن ُش َف ِّي بن ماِتٍع ( )4أَّن
رسول الَّلِه -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :إَّن من نعيم أهل الجَّنة أَّنهم يتزاورون على المطايا
__________
= قال ابن صاعد . . ." :وهذا الحديث ال يثبت مرفوًعا".
انظر :المعرفة ألبي نعيم ( ،)778 /2واإلصابة البن حجر (.)303 /1
( )1قوله" :حدثنا عبد الَّله" ليس في المطبوع من كتاب ابن أبي الدنيا ،وهو مثبت في جميع
النسخ ،ولعَّل عبد الَّله هذا :هو ابن أحمد بن حنبل ،والَّله أعلم ،انظر :تهذيب الكمال (/11
.)285
( )2أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)245
وأخرجه العقيلي في الضعفاء ( ،)103 /2والبزار "كما في كشف األستار رقم (.)3553
قال أبو حاتم الَّر ازي" :هذا حديث منكر ،وسعيد "يعني :ابن دينار" مجهول" .انظر :تفسير ابن
كثير (.)260 /4
( )3في "أ ،ج"" :سلم" وهو خطأ.
( )4في "هـ"" :نافع" وهو خطأ ،وفي "ج"" :مانع" وهو خطأ.
()1/566
والنجب ،وأَّنهم يؤتون في الجَّنة بخيٍل ُمسرجٍة ُمْلجمٍة ،ال تروث وال تبول ،فيركبونها حَّتى ينتهوا
حيث شاء الَّلُه عَّز وجَّل ،فيأتيهم مثل السحابة ،فيها ما ال عيٌن رأت ،وال أذٌن سمعت ،فيقولون:
أمطري علينا ،فما يزال المطُر عليهم حَّتى ينتهي ذلك فوق أمانيهم ،ثَّم يبعث الَّله ريًح ا غير
مؤذية ،فتنسف كثباًنا من مسك عن أيمانهم وعن شمائلهم ،فيأخذ ذلك المسك في نواصي
خيولهم ،وفي مفارقهم ( )1وفي رؤوسهم ،ولكِّل رجٍل منهم ُج َّم ة على ما اشتهت نفسه ،فيتعَّلق
ذلك المسك في تلك الجمام وفي الخيل ،وفيما سوى ذلك من الثياب ،ثَّم يقبلون حتى ينتهوا
إلى ما شاء الَّلُه تعالى ،فإذا المرأة تنادي بعض أولئك :يا عبد الَّله أمالك فينا حاجة؟ فيقول :ما
أنِت ومن أنِت ؟ فتقول :أنا زوجك وِح ُّبَك ،فيقول :ما كنُت علمُت بمكاِنك ،فتقول المرأة :أوما
تعلم اَّن الَّله قالَ{ :فاَل َتْع َلُم َنْف ٌس َما ُأْخ ِف َي َلُه ْم ِم ْن ُقَّر ِة َأْع ُيٍن َجَز اًء ِبَم ا َك اُنوا َيْع َم ُلوَن (} )17
[السجدة ]17 :فيقول :بلى ورِّبي ،فلعَّله ُيْش َغُل ( )2عنها بعد ذلك الموقف أربعين خريًف ا ،ال
يلتفُت وال يعوُد؛ ما يشغلُه عنها إاَّل ما هو فيه من النعيم والكرامة" (. )3
__________
( )1في "ب ،ج ،د ،هـ"" :مفارقها".
( )2في "ب"" :ليشغل".
( )3أخرجه ابن أبي الدنيا في "صفة الجنة" رقم ( ،)246وابن المبارك في الزهد -رواية ُنعيم-
رقم (.)239
وهو حديث مرسل ضعيف اإلسناد؛ ألن ُش في بن ماتع تابعي على الصحيح ،وثعلبة بن مسلم فيه
جهالة .انظر :جامع التحصيل للعالئي رقم (.)288
()1/567
حدثني حمزة أنبأنا عبد الَّله بن عثمان أنبأنا ابن المبارك أنبأنا رشدين ابن سعد قال :حدثني ابُن
أنعم أَّن أبا هريرة رضي الَّله عنه قال" :إَّن أهل الجَّنة ليتزاورون على الِعْيس الُجْو ِن ،عليها رحال
الَم ْيس ،تثير مناسمها غبار المسكِ ،خ طام أو زمام أحدها خيٌر من الدنيا وما فيها" (. )1
وذكر ابن أبي الدنيا :من حديث أبي اليمان ،حدثنا إسماعيل بن عَّياش عن عمر بن محمد عن زيد
بن أسلم عن أبيه عن أبي هريرة رضي الَّله عنه عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -أَّنه سأل جبريل
عن هذه اآليةَ{ :و ُنِف َخ ِفي الُّصوِر َفَص ِعَق َمْن ِفي الَّس َم اَو اِت َو َمْن ِفي اَأْلْر ِض ِإاَّل َمْن َش اَء الَّلُه}
[الزمر ]68 :قال" :هم الشهداء يبعثهم الَّله متقلدين أسيافهم حول عرشه ،فأتاهم مالئكة من
المحشر بنجائب من ياقوت ،أِز َّمتها الُّد ُّر األبيض ،برحال الذهب ،أِع َّنتها السندس واإلستبرق،
ونمارقها َأْلَيُن من الحرير ،مُّد ُخ َطاها مُّد أبصار الرجال ،يسيرون في الجَّنة على خيول ،يقولون
عند طول النزهة :انطلقوا بنا ننظر كيف يقضي الَّله ( )2بين خلقه ،يضحك الَّلُه إليهم ،وإذا
ضحك الَّله إلى عبٍد في موطن فال حساب عليه" (. )3
__________
( )1أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)247
وسنده ضعيف ،رشدين وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم اإلفريقي ضعيفان.
( )2ليس في "أ ،ج".
( )3أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)248
-وأخرجه الحاكم في المستدرك ( )277 /2رقم ( )3000وقال" :صحيح اإلسناد ولم
يخرجاه" ،والَّدارقطني في اإلفراد "كما في األطراف ( )155 /5رقم ( )4984وغيرهما= .
()1/568
قال ابن أبي الدنيا :وحدثنا الفضل بن جعفر ثنا جعفر بن حسن ( ، )1حدثنا أبي ،عن الحسن بن
علي عن علي ( )2رضي الَّله عنه قال :سمعت رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -يقول" :إَّن
في الجَّنة لشجرًة يخرُج من أعالها حلٌل ،ومن أسفلها خيٌل من ذهب مسرجٍة ملجمٍة من دٍّر
وياقوت ،ال تروث وال تبول ،لها أجنحة خطوها مُّد بصرها ،فيركبها أهل الجَّنة فتطيُر بهم حيث
شاؤوا ،فيقول اَّلذين أسفَل منهم درجة ( : )3يا رب ِبَم بلغ عباُدك هذه الكرامة كلها؟ قال:
فيقال لهم :كانوا يصلون بالليل وكنتم تنامون ،وكانوا يصومون وكنتم تأكلون ،وكانوا ينفقون
وكنتم تبخلون ،وكانوا يقاتلون وكنتم تجبنون" (. )4
__________
= من طريِق بقية بن الوليد وحماد بن ُأسامة كالهما عن عمر بن محمد به نحوه.
قال الَّدارقطني" :غريب من حديثه "يعني زيد" عن أبيه ،تفَّر د به عمر بن محمد عنه." . . .
والحديُث مدارُه على عمر بن محمد وهو ابن صهبان األسلمي :وهو متروك الحديث ،وهذا
الحديث من مناكيره.
انظر :تهذيب الكمال (.)401 - 400 /21
( )1كذا في جميع النسخ ،وفي مصدر التخريج ،ولعَّل صوابه "جسر" ،وهو :ابن فْر َقد أبو جعفر
القَّص اب ،انظر :لسان الميزان (.)133 - 132 /2
( )2قوله "عن علي" سقط من "هـ".
( )3في "أ ،جـ"" :فرحة".
( )4أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)249
وهو حديٌث منكر ،فيه جعفر بن جسر بن فرقد ،وأبوُه جسر وكالهما ضعيف ،لكن جسر أضعف
وله منكرات ،وقال بعضهم فيه :متروك.
انظر :لسان الميزان (.)141 - 140 /2
()1/569
فصل
ولهم زيارٌة أخرى أعلى من هذه وأجُّل ،وذلك حين يزورون ربهم تبارك وتعالى ،فيريهم وجَه ه،
وُيْس معهم كالَم ه ،ويحُّل عليهم رضوانه.
وسيمُّر بك ذكر هذه الزيارة عن قريٍب ،إْن شاء الَّلُه تعالى (.)1
__________
( )1في الباب (.)61
()1/570
الباب الستون :في ذكر سوق الجَّنة وما أعَّد الَّلُه تعالى فيه ( )1ألهلها
قال مسلم في "صحيحه" ( :)2حدثنا سعيد بن عبد الجبار الَّص يرفي ،حدثنا حماد بن سلمة عن
ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الَّله عنه أَّن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :إَّن في
الجَّنة لُس وًقا يأتونها كَّل جمعة ،فتهُّب ريُح الشمال ،فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون ُح سًنا
وجمااًل ،فيرجعون إلى أهليهم ،وقد ازدادوا ُح سًنا وجمااًل ،فيقول لهم أهلوهم :والَّلُه لقد ازددتم
بعدنا حسًنا وجمااًل ،فيقولون :وأنتم والَّلِه لقد ازددتم بعدنا ُح سًنا وجمااًل ".
ورواُه اإلمام أحمد في "مسنده" عن عَّف ان ،عن حماد بن سلمة به ( .)3وقال" :فيها كثبان
المسِك فإذا خرجوا إليها هَّبت الِّر يح" (.)4
وقال ابن أبي عاصم في كتاب "السنة" :حدثنا هشام بن عَّم ار حدثنا عبد الحميد بن حبيب بن أبي
العشرين عن األوزاعي عن حسان بن عطية عن سعيد بن المسيب أَّنه لقَي أبا هريرة ،فقال أبو
هريرة :أسأل الَّله أْن يجمع بيني وبينك في سوِق الجَّنة ،فقال سعيد :أَو فيها سوق؟ قال :نعم،
أخبرني رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-أَّن أهَل الجَّنة إذا دخلوها نزلوها بفضل
__________
( )1ليس في "هـ" ،ووقع في "أ" "وما ُأِع َّد فيه".
( )2برقم (.)2833
( )3من "أ ،ج ،هـ".
(" )4المسند" (.)285 - 284 /3
()1/571
أعمالهم ،فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا ،فيزورون الَّله تبارك وتعالى ،فيبرز لهم
عرشه ،ويتبَّدى لهم في روضة من رياض الجَّنة ،فيوضع لهم منابر من نور ،ومنابر من لؤلؤ ،ومنابر
من زبرجد ،ومنابر من ياقوت ،ومنابر من ذهب ،ومنابر من فضة ،ويجلس أدناهم -وما فيها دنٌّي
-على كثبان المسك والكافور ،وما يرون أَّن أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلًس ا ،قال أبو
هريرة :فقلُت :هل ( )1نرى ربنا عَّز وجَّل ؟ قال :نعم ،قال :هل تمارون في رؤية الشمس والقمر
ليلة البدِر ؟ قلنا :ال ،قال :فكذلك ال تمارون في رؤية ربكم تبارك وتعالى ،وال يبقى في ذلك
المجلس أحٌد إاَّل حاضره الَّله محاضرة ،حَّتى يقول :يا فالن بن فالن ،أتذكر يوم فعلت كذا
وكذا؟ فُيَذ ِّك ره ببعض غدراته في الدنيا ،فيقول :بلى ،فيقول :يا رب أفلم تغفر لي؟ فيقول :بلى،
فبمغفرتي بلغَت منزلتك هذه ،قال :فبينما هم على ذلك ،غشيتهم سحابة من فوقهم ،فأمطرت
عليهم طيًبا لم يجدوا مثل ريحه شيًئا قُّط ،ثَّم يقول ربنا تبارك وتعالىُ :قوموا إلى ما أعددُت لكم
من الكرامة فخذوا ما اشتهيتم ،قال :فيأتون سوًقا قد حَّف ْت به ( )2بها المالئكة ،فيه ما لم تنظِر
العيون إلى مثله ،ولم تسمع اآلذاُن ،ولم يخطر على القلوب ،قال :فُيحمل لنا ما اشتهينا ليس
يباع فيه شيٌء وال ُيْش َترى ،وفي ذلك الُّس وق يلقى أهل الجَّنة بعضهم بعًض ا ،قال :فيقبل ذو الِبَّز ة
المرتفعة فيلقى من هو دونه -وما فيهم دنٌّي -فيروعه ما يرى
__________
( )1في السنة( :يا رسول الَّله ،هل ،). . .وفي جميع النسخ "أبو هريرة :وهل".
( )2ليس في "أ" ،وفي باقي النسخ" :بها" ،والمثبت من نسخة على حاشية "أ".
()1/572
عليه من اللباس والهيئة ،فما ينقضي آخر حديثه حَّتى يتمثل عليه أحسَن منه ،وذلك أَّنه ال ينبغي
ألحد أْن يحزن فيها ،قال :ثَّم ننصرف إلى منازلنا فيلقانا أزواجنا ،فيقلن :مرحًبا وأهاًل بُم ِح ِّبَنا ()1
،لقد جئَت وإَّن بك من الجماِل والَّطيب أفضل مَّم ا فارقتنا عليه ،فيقول :إَّنا جالسنا اليوَم ربنا
الجَّبار تبارك وتعالى ،وبحقنا أْن ننقلَب بمثل ما انقلبنا" (. )2
ورواه الترمذي في "صفة الجَّنة" :عن محمد بن إسماعيل عن هشام بن عمار .وليس في هذا
اإلسناد من ينظر فيه إاَّل عبد الحميد بن حبيب وهو كاتب األوزاعي ،فال ُنْنِكُر عليه تفرده عن
األوزاعي بما لم يروِه غيره ،وقد قال اإلمام أحمد وأبو حاتم الَّر ازي :هو ثقة ،وأَّما ُدَح يم
والنسائي :فضَّعفاه ،وال يعرف أَّنه حدث عن غير األوزاعي .والترمذي قال" :هذا الحديث
غريب ،ال نعرفه إاَّل من هذا الوجه".
قلُت :وقد رواُه ابن أبي الدنيا ،عن الحكم بن موسى حدثنا هقل ( )3بن زياد عن األوزاعي قال:
ُنِّبئُت أَّن سعيد بن المسيب لقَي أبا هريرة فذكره.
__________
( )1في "ب ،د ،هـ"" :بُح بنا".
( )2تقدم الكالُم عليه في ص (.)177
( )3من نسخٍة على حاشية "د" ،وابن أبي الدنيا في "صفة الجَّنة" رقم ( ،)256ووقع في "ج":
"يعلى" ،وفي "أ ،ب ،د ،هـ"" :معَّلى" ،وكالهما خطأ.
()1/573
وقال الترمذي :حدثنا أحمُد بن منيع وهَّناد قاال :حدثنا أبو معاوية أنبأنا عبد الرحمن بن إسحاق
عن النعمان بن سعد ( )1عن علي بن أبي طالب رضي الَّلُه عنه قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله
عليه وسلم" :-إَّن في الجَّنة لسوًقا ما فيها شراء وال بيع إاَّل الُّصور من الِّر جال والنساء ،فإذا
اشتهى الرجل صورًة دخَل فيها" ( . )2قال" :هذا حديٌث غريب".
َّل َّل
وقال عبد ال ه بن المبارك :أنبأنا سليمان التيمي عن أنس بن مالك رضي ال ه عنه قال" :يقول أهُل
الجَّنة :انطلقوا إلى السوق ،فينطلقون إلى كثبان المسك ( ، )3فإذا رجعوا إلى أزواجهم ،قالوا:
إَّنا لنجُد لُك َّن ريًح ا ما كانت لُك َّن إذ خرجنا من عندكَّن ( )4قال :فيُقلْن لقد رجعتم بريٍح ما
كانت َلُك ْم إذ خرجتم من عندنا (. )6( " )5
قال ابن المبارك :وأنبأنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال" :إَّن في الجَّنة لسوًقا على كثبان (
)7مسك يخرجون إليها،
__________
( )1في "هـ"" :سعيد" وهو خطأ.
( )2550( )2وهو ال يثبت ،راجع الكالم على هذا السند ص (.)293
( )3قوله "كثبان المسك" من جميع النسخ ،ووقع عند ابن المبارك "الكثبان ،أو قال :الجبال".
( )4قوله" :إذ خرجنا من عندكن" سقط من "هـ".
( )5من قوله" :قال :فيقلن لقد" إلى "عندنا" سقط من "ج".
( )6أخرجه ابن المبارك في الزهد -رواية نعيم -رقم ( ،)241وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة
رقم (.)257
وسنده صحيح.
( )7قوله "لسوقا على كثبان" وقع في "أ ،ب ،د ،هـ" "سوًقا كثبان" ،والمثبت من =
()1/574
ويجتمعون إليها ،فيبعث الَّلُه تعالى ريًح ا فتدخلها ( )1بيوتهم فيقول لهم أهلوهم إذا رجعوا إليهم:
قد ازددتم بعدنا ُح سًنا ،ويقولون ألهليهم :قد ازددتم أيًض ا عندنا حسًنا" (. )2
وقال الحافظ محمد بن عبد الَّله الحضرمي المعروف بمطَّين :حدثنا أحمُد بن محمد بن طريف
البجلي حدثنا أبي حدثنا محمد بن كثير حدثني جابر الُج عفي عن أبي جعفر عن ( )3علي بن
الحسين عن جابر بن عبد الَّله قال" :خرج علينا رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -ونحن
مجتمعون ،فقال :يا معشر المسلمين إَّن في الجَّنة لسوًقا ما ُيباع فيها وال ُيشترى إاَّل الُّص ور ،من
أحَب صورًة من رجل أو امرأٍة دخل فيها" (. )4
__________
= "ج" والزهد البن المبارك.
( )1في "ب ،د"" :فتدخلهم".
( )2أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)258
-ورواُه ابن أبي عدي عن حميد به بمثله.
أخرجه المروزي في زياداته على الزهد البن المبارك رقم (.)4191
وسنده صحيح.
( )3سقط من "أ".
( )4أخرجه الطبراني في األوسط ( )187 /4رقم ( ،)5664وأبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (
.)419
قال الهيثمي" :رواُه الطبراني في األوسط من طريق محمد بن كثير عن جابر الجعفي ،وكالهما
ضعيف جًّدا".
انظر :مجمع الزوائد (.)125 /5( ،)149 /8
تنبيه :وقع عند أبي نعيم :عن أبي جعفر عن علي بن الحسين ،ومثله في النسخ ،ولعَّله خطأ.
()1/575
الباب الحادي والستون :في ذكر زيارة أهل الجَّنة رَّبهم تبارك وتعالى
قال الشافعي في "مسنده" :حدثنا إبراهيم بن محمد قال :حدثني موسى بن عبيدة قال :حدثني أبو
األزهر معاوية بن إسحاق بن طلحة عن عبد الَّله بن ُعبيد بن ُعَم ير أَّنُه سمع أنس بن مالك رضي
الَّله عنه يقول :أتى جبريل بمرآة بيضاء فيها َو ْك َتٌة ( )1إلى الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -فقال
الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم :-ما هذه؟ قال :الجمعةُ ،فِّضلَت بها أنَت وأمتك ،فالَّناس لكم فيها
تبٌع :اليهوُد والنصارى ،ولكم فيها خير ،وفيها ساعة ال يوافقها مؤمن يدعو الَّله بخيٍر إاَّل استجيَب
له ،وهو عندنا يوم المزيد ،قال الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم :-يا جبريل وما يوُم المزيد؟ قال:
إَّن ربك اتخَذ في الفردوس وادًيا أفيَح فيه كثُب مسٍك ،فإذا كان يوم الجمعة أنزل الَّلُه تبارك
وتعالى ما شاء من مالئكته ،وحوله منابر من نور عليها مقاعد الَّنبيين ،وَح َّف تلك المنابر بمنابر
من ذهب مكللٍة بالياقوِت والزبرجد ،عليها الشهداء والِّص ِّديقون ،فجلسوا من ورائهم على تلك
الُك ُثب فيقول الَّله تعالى :أنا رُّبكم قد َص َد ْقتكم ( )2وْع ِد ي ،فسلوني أعطكم ،فيقولون :ربنا
نسألك رضوانك ،فيقول :قد رضيت عنكم ،ولكم علَّي ما تمنيتم ،ولدَّي مزيد ،فهم يحبون يوم
الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من الخير ،وهو اليوم اَّلذي استوى فيه ربكم على العرِش ،وفيه خلق
__________
( )1والوكتة :األثر في الشيء كالنقطة من غير لونه .والجمعَ :و ْك ت.
النهاية (.)218 /5
( )2في "أ ،ب ،د"" :صَّدقتم" ،والمثبت من مسند الشافعي وباقي النسخ.
()1/576
()1/577
وذكر أبو نعيم أيًض ا :من حديث أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال :إذا سكن أهل الجَّنة
الجَّنة ،أتاهم َم َلٌك يقول :إَّن الَّله تبارك وتعالى يأمركم أْن تزوروه ،فيجتمعون فيأمر الَّلُه تبارك
وتعالى داود عليه الصالة والسالم ،فيرفع صوته بالتسبيح والتهليل ،ثَّم توضع مائدة الُخ ْلد ،قالوا:
يا رسول الَّله وما مائدة الخلد؟ قال زاوية من زواياها أوسع مما بين المشرق والمغرب،
فيطمعون ،ثَّم يسقون ،ثَّم يكسون فيقولون :لم يبَق إاَّل النظر في ( )1وجه ربنا عَّز وجَّل ،فيتجَّلى
لهم فيخرون ُس َّج ًد ا ،فيقال لهم :لستم في دار عمٍل ،إَّنما أنتم في دار جزاء" (. )2
وقال ابن أبي الدنيا :حدثنا أبو موسى إسحاق بن إبراهيم الَه َر ِو ي حدثنا القاسم بن يزيد الَم وِص لي
حدثنا أبو إلياس قال :حدثني محمد ابن علي بن الحسين قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه
وسلم. )3( -
__________
( )1في "هـ"" :إلى".
( )2أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم (.)397
وفيه الحارُث األعور ضعيٌف ،واُّتِه م بالكذب ،وخالد بن يزيد هو أمير العراق ضعيف وأحاديثه
تدل على وهائه.
انظر :لسان الميزان (.)451 - 450 /2
( )3أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( ،)54واآلجري في الشريعة رقم ( ،)626وأبو
نعيم في صفة الجَّنة رقم ( ،)411كما في الحديث اآلتي.
قال المنذري" :رواه . . . .هكذا معضاًل ،ورفعه منكر".
وقال ابن كثير" :وهذا مرسل ضعيف غريب ،وأحسن أحواله أْن يكون من كالم بعض السلِف
َفَو ِه َم بعُض رواته فجعله مرفوًعا ،وليس كذلك والَّله أعلم" النهاية (.)406 /2
()1/578
وقال أبو نعيم :حدثني محمد بن علي بن حبيش حدثنا إبراهيم بن شريك حدثنا أحمد بن يونس
حدثنا الُم َعاَفى بن عمران -وكان من خيار الَّناس -قال :حدثني إدريس بن ِس َنان ،عن وهب بن
ُمَنبه ،عن محمد بن علي ،قال إدريس :ثَّم لقيت محمد بن علي بن الحسين بن فاطمة فحدثني
َّل َّل
قال :قال رسول ال ه -صلى ال ه عليه وسلم" :-إَّن في الجَّنة شجرًة ُيقال لها ُطوَبى ،لو ُس ِّخ َر
الجواد الَّر اكب أْن يسير في ظِّلها لسار فيها مئة عام ،ورقها بروٌد خضٌر ،وزهرها رياط صْف ر،
وأقناؤها سندس وإستبرق ،وثمرها ُح لٌل ،وصمغها زنجبيل وعسل ،وبطحاؤها ياقوت أحمر،
وزمرد أخضر ،وأترابها مسٌك ،وحشيشها زعفران ،منبع األلنجوج ( )1يؤَّج جان من غير وقود،
يتفَّج ر من أصلها أنهار السلسبيل والمعين والَّر حيق ،وظلها مجلس من مجالس أهل الجَّنة يألفونه،
ومتحدث يجمعهم ،فبينا هم يتحدثون في ظلها إذ جاءتهم المالئكة يقودون ُنُجًبا ُج ِبلت من
الياقوت ،ثَّم ُنِف َخ فيها الروح مزمومة بسالسل من ذهٍب ،كأَّن وجوهها المصابيح نضارًة وحسًنا،
َو َبُر َه ا حرير ( )2أحمر ،وِم ْر ِع ِّز ي أبيض مختلطان ،لم ينظر الناظرون إلى مثلها ،عليها رحائل ()3
ألواحها من الدِّر والياقوتُ ،مفَّضضة باللؤلؤ والمرجان ،صفافها من الذهب األحمر ،ملبسة
بالعبقري واألرجوان ،فأناُخ وا إليهم تلك النجائب ،ثم قالوا لهم :إن ربكم تبارك وتعالى يقرئكم
__________
( )1األلنجوج :العود الذي ُيتبَّخر به .النهاية (.)62 /1
( )2في "هـ"" :جزا" وعند ابن أبي نعيم "َخ ٌّز ".
( )3كذا في جميع النسخ وابن أبي الدنيا ،وعند أبي نعيم "رحال".
()1/579
السالم ،ويستزيركم لتنظروا إليه ،وينظر اليكم ،وتحيونه ويحييكم ،ويكلمكم وتكلمونه،
ويزيدكم من سعته وفضله ،إنه ذو رحمة واسعة ،وفضل عظيم .فيتحول كل رجل منهم على
راحلته ،ثم انطلقوا صًّف ا واحًد ا معتداًل ،ال يفوت منه شيء شيًئا ،وال يفوت أذن الناقة أذن
صاحبتها ،وال ِبْر َك ة ( )1ناقة بركة صاحبتها ،وال يمرون بشجرة من أشجار الجنة إال أتحفتهم
بثمرتهاَ ،و َرَح َلْت لهم عن طريقهم كراهية أن ينثلم صفهم ،أو يفرق بين الرجل ورفيقه ،فلما
رفعوا إلى الجبار تبارك وتعالى أسفر لهم عن وجهه الكريم ،وتجلى لهم في عظمته العظيمة،
فقالوا :ربنا أنت السالم ومنك السالم ،ولك حق الجالل واإلكرام ،فقال لهم رُّبهم تبارك وتعالى:
إِّني السالم ،ومِّني السالم ،ولي حق الجالل واإلكرام ،مرحًبا بعبادي الذين حفظوا وصيتي،
ورعوا عهدي ،وخافوني بالغيب ،وكانوا مني على كل حال مشفقين .قالوا :وعزتك وجاللك
وعلو مكانك ،ما قدرناك حق قدرك ،وما أدينا إليك كل حقك ،فائذن لنا بالسجود ،فقال لهم
ربهم تبارك وتعالى :إني قد وضعت عنكم مؤنة العبادة ،وأرحُت لكم أبدانكم ،فطالما أنصبتم لي
األبدان ،وأعنيتم لي الوجوه ،فاآلن أفضيتم إلى َر وحي ورحمتي وكرامتي ،فسلوني ما شئتم،
وتمُّنوا علَّي ُأعِط ُك م أمانيكم ،فإِّني لن أجِز َيُك م اليوم بقدر أعمالكم ،ولكن بقدر رحمتي وكرامتي،
َو َطْو لي وجاللي ،وعلو مكاني وعظمة شأني .فما يزالون في األماني والعطايا
__________
( )1بركة :ما ولي األرض من جلد بطن البعير وما يليه من الصدر ،واشتقاقه من مبرك البعير.
معجم تهذيب اللغة لألزهري (.)318 /1
()1/580
والمواهب ،حَّتى إَّن المقتصر من ُأ ِنَّيِتِه ليتمَّنى مث جميع الدنيا ،منذ خلقها الَّله عَّز وج إلى يوِم
َّل َل ْم
أفناها ،فقال لهم رُّبهم تبارك وتعالى :لقد قَّص رتم في أماِنِّيكم ،ورضيتم بدون ما يحُّق لكم ،فقد
أوجبُت لكم ما سألتم وتمنيتم ،وألحقت بكم ذريتكم وزدتكم ما قصرت عنه أَماِنُّيكم".
وال يصُّح رفعه إلى الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم ،-وحسبه أْن يكون من كالم محمد بن علي،
فغلط فيه بعض هؤالء الضعفاء ،فجعله من كالم الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم.-
وإدريس بن سنان :هذا هو ِس ْبط وهب بن منبه َض َّعفه ابن عدي ،وقال الَّدارقطني :متروك ،وأَّما
أبو إلياس الُم تاِبُع له ،فال ُيدرى من هو ( ، )1وأَّم ا القاسم بن يزيد الموصلي الَّر اوي عنه فمجهول
أيًض ا ،ومثل هذا ال يصح رفعه ،والَّلُه أعلم.
وقال الضحاك في قوله عَّز وجَّلَ{ :يْو َم َنْح ُش ُر اْلُم َّتِق يَن ِإَلى الَّر ْح َم ِن َو ْفًد ا ([ } )85مريم]85 :
قال" :على النجائب عليها الِّر حال" (. )2
__________
( )1تقَّدم أَّنه :إدريس بن سنان ،فهو إذن ليس بمتابع.
( )2أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( )253من طريق جويبر عنه .وجويبر ضعيف جًّدا.
()1/581
الباب الثاني والستون :في ذكر السحاب والمطر اَّلذي يصيبهم في الجَّنة ()1
قد تقَّدم في حديث سوق الجَّنة أَّنه يغشاهم يوم الزيارة سحابٌة من فوقهم ،فتمطر عليهم طيًبا لم
يجدوا مثَل ريحه قُّط (.)2
وقال بقية بن الوليد :حدثنا َبِح ْير بن سعد عن خالد بن َمْع َد ان عن كثير بن ُمَّر ة قال" :إَّن من
المزيد أْن تمَّر السحابة بأهل الجَّنة ،فتقول :ماذا تريدون أْن أمطركم؟ فال يتمنون شيًئا إاَّل ُمِط ُر وا"
(.)3
وقال ابن أبي الدنيا :حدثني أزهر بن مروان ،حدثنا عبد الَّله بن عبد الَّله ( )4الشيباني عن عبد
الرحمن بن يزيد عن أبيه عن َصْيِف ي اليماني ( ،)5قال :سأله عبد العزيز بن مروان عن وفد أهل
الجَّنة قال :إَّنهم يفدون إلى الَّلِه سبحانه كَّل خميس فيوضع لهم أسَّر ة ،كُّل إنساٍن منهم أعرف
بسريره منك بسريرك هذا اَّلذي أنت عليه ،فإذا قعدوا عليه وأخذ القوُم مجالسهم قال تبارك
وتعالى :أطعموا عبادي وخلقي وجيراني ووفدي ،فيطعموا ،ثَّم يقول :أسقوهم ،قال :فيأتون بآنية
من ألواٍن شَّتى مختمة ( )6فيشربون منها ،ثَّم يقول :عبادي وخلقي وجيراني
__________
( )1قوله" :في الجَّنة" سقط من "ج".
( )2انظر :ص (.)572
( )3تقدم ص (.)511
( )4كذا في جميع النسخ .وجاء عند ابن أبي الدنيا "عرادة" .ولعله هو الصواُب .
( )5في "ب ،د" ،وابن أبي الدنيا" :اليمامي".
( )6في "أ ،ب ،ج"" :مجتمعة" ،والمثبت من "هـ" وابن أبي الدنيا.
()1/582
ووفدي قد طعموا وشربوا ،فِّك ُه ْو ُه م ،فتجيء ثمرات شجر مدالة ،فيأكلون منها ما شاؤوا ،ثَّم
يقول :عبادي وخلقي وجيراني ووفدي قد طعموا وشربوا وفكهوا ،أكسوهم ،فتجيء ثمرات
شجر أخضر وأصفر وأحمر ،وكل لوٍن لم تنبت إاَّل الحلل ،فينشر عليهم حلاًل وُقمًص ا ،ثَّم يقول:
عبادي وخلقي وجيراني ووفدي قد طعموا وشربوا وفكهوا وُك سوا ،طِّيبوهم ،فيتناثر عليهم
المسلك مثل ُر ذاِذ المطِر ،ثَّم يقول :عبادي وجيراني وخلقي ووفدي قد طعموا وشربوا وَفكهوا
وكسوا وطِّيبوا ألتجليَّن لهم حَّتى ينظروا إلَّي ،فإذا تجَّلى لهم فنظروا إليه؛ نضرت وجوههم ،ثَّم
يقال لهم :ارجعوا إلى منازلكم ،فتقول لهم أزواجهم :خرجتم من عندنا على صورة ،ورجعتم على
غيرها؟ فيقولون :ذلك أَّن الَّله جَّل ثناؤه تجَّلى لنا فنظرنا إليه ،فنضرْت وجوهنا" (. )1
وقال عبد الَّله بن المبارك :أنبأنا إسماعيل بن عَّياش ،قال :حدثني ثعلبة بن مسلم عن أيوب بن
بشير العجلي عن ُش في بن ماتع ( )2أَّن رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :إَّن من نعيم
أهل الجَّنة أَّنهم يتزاورون على المطايا والنجب ،وأَّنهم ُيْؤ َتون في الجَّنة بخيٍل ُملجمة مسرجة ال
تروث وال تبول ،يركبونها حَّتى ينتهوا حيث شاء الَّله ،فيأتيهم مثُل السحابة فيها
__________
( )1أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)339
وسنده ضعيف جًد ا ،فيه عبد الَّله بن َعَر ادة.
انظر :تهذيب الكمال (.)295 /15
( )2في "ج" :زيادة "األصبحي".
()1/583
ما ال عيٌن رأت ،وال أذٌن سمعت ،فيقولون :أمطري علينا فما يزال المطر عليهم حَّتى ينتهَي ذلك
فوق أمانيهم ،ثَّم يبعث الَّله تعالى ريًح ا غير مؤذية فتنسُف كثباًنا من مسك عن أيمانهم وعن
شمائلهم ،فيأخذون ذلك المسك في نواصي خيولهم وفي مفارقها وفي رؤوسهم ،ولكِّل رجٍل
منهم ُج َّم ة على ما اشتهْت نفسه ،فيتعلق ذلك المسك في تلك الجمام ،وفي الخيِل وفيما سوى
ذلك من الثياب ،ثَّم يقبلون حَّتى ينتهوا إلى ما شاء الَّله ،فإذا المرأة تنادي بعض أولئك :يا عبد
الَّله َأَم ا َلك فينا حاجة؟ فيقول ( :)1ما أنت ،ومن أنت؟ فتقول :أنا زوجتك وِح بك ،فيقول :ما
ِف
كنت علمت بمكانك ،فتقول المرأة :وما تعلم أَّن الَّله تعالى قالَ{ :فاَل َتْع َلُم َنْف ٌس َما ُأْخ َي َلُه ْم
ِم ْن ُقَّر ِة َأْع ُيٍن َجَز اًء ِبَم ا َك اُنوا َيْع َم ُلوَن ([ })17السجدة ،]17 :فيقول :بلى ورِّبي .فلعَّله يشتغل
عنها بعد ذلك الموقف أربعيَن خريًف ا ،ما يشغله عنها إاَّل ما هو فيه من النعيم" (.)2
فصل
وقد جعل الَّلُه سبحانه السحاب وما يمطره سبًبا للرحمة والحياة ،في هذه الَّدار ،ويجعله سبًبا
لحياِة الخلِق في قبورهم ،حيث يمطر على األرِض أربعين صباًح ا ( )3مطًر ا متدارًك ا من تحت
العرِش ،فينبتون
__________
( )1في نسخة على حاشية "أ"" :فيقول :ما كنت علمُت ".
( )2تقدَّم الكالُم عليه في ص (.)567 - 566
( )3أخرجه المروزي في زياداته على الزهد البن المبارك رقم (.)1607
من حديث سلمان الفارسي موقوًفا= .
()1/584
ِط
تحت األرض كنبات الزرع ( ، )1ويبعثون يوم القيامة والسماء َت ُّش عليهم ( ، )2وكأَّنه -والَّلُه
أعلُم -أثر ذلك المطر العظيم كما يكون في الدنيا ،ويثير لهم سحاًبا في الجَّنة يمطرهم ما شاؤوا
من طيٍب وغيره ،وكذلك أهل الَّناِر ينشُئ لهم سحاًبا يمطُر عليهم عذاًبا إلى عذابهم؛ كما أنشأ
لقوِم هوٍد وقوم شعيٍب سحاًبا أمطرهم عذاًبا أهلكهم ،فهو سبحانه ينشئه للرحمة والعذاِب .
__________
= وسنده صحيح.
( )1ورد معناُه في البخاري رقم ( ،)4651ومسلم رقم ( )2955عن أبي هريرة وفيه" :ثَّم ينزل
الَّلُه من السماء ماًء فينبتون كما ينبُت البقل".
( )2ورد من حديث أنس موقوًفا عند أبي يعلى رقم ( )4041وغيره.
وسنده ال بأس به ،وروي مرفوًعا عند أحمد ( ،)267 /2والموقوف أشبه.
والَّطُّش :المطر الضعيف .وراجع البدور السافرة للسيوطي ص (.)39 - 36
()1/585
الباب الثالث والستون :في ذكر ُملِك الجَّنة وأَّن أهلها كلهم ( )1ملوك فيها
قال الَّلُه تعالىَ{ :و ِإَذا َر َأْيَت َثَّم َر َأْيَت َنِعيًم ا َو ُمْلًك ا َك ِبيًر ا ([ })20اإلنسان.]20 :
قال ابن أبي نجيح عن مجاهدَ{ :و ُمْلًك ا َك ِبيًر ا ( })20قال" :عظيًم ا" .وقال" :استئذان المالئكة
عليهم ال تدخل عليهم المالئكة إاَّل بإذن" (.)2
وقال كعب في قوله تعالىَ{ :و ِإَذا َر َأْيَت َثَّم َر َأْيَت َنِعيًم ا َو ُمْلًك ا َك ِبيًر ا ( })20قالُ" :يرِس ُل إليهم
رُّبهم المالئكة ،فتأتي المالئكة فتستأذن عليهم" (.)3
وقال بعضهم :الخدم ،وال تدخل المالئكة عليهم إاَّل بإذن.
وقال الحكم ( )4بن أبان :عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الَّله عنهما" -أَّنه ذكر مراكب أهل
الجَّنة ثَّم تالَ{ :و ِإَذا َر َأْيَت َثَّم َر َأْيَت َنِعيًم ا َو ُمْلًك ا َك ِبيًر ا (.)5( " })20
__________
( )1في "ج"" :كلها".
( )2أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( ،)202والبيهقي في البعِث رقم ()446
وغيرهما.
وفي سنده ضعف ،فيه مسلم بن خالد الزنجي في حفظه ِلْين.
( )3أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)206
وفيه الواقدي :متروك الحديث.
( )4في "د"" :الحاكم" وهو خطأ.
( )5أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( ،)205والحاكم في المستدرك =
()1/586
وقال ابن أبي الحواري :سمعُت أبا سليمان يقول في قول الَّله عَّز وجَّلَ{ :و ِإَذا َر َأْيَت َثَّم َر َأْيَت
َنِعيًم ا َو ُمْلًك ا َك ِبيًر ا ( } )20قال" :الملك الكبير :أَّن رسول رِّب الِعَّز ة يأتيه بالتحفة واللطف (، )1
فال يصل إليه حَّتى يستأذن عليه فيقول للحاجب :استأذن على ولِّي الَّلِه ،فإِّني لسُت أصُل إليه،
َفُيْع ِلُم ذلك الحاجب حاجًبا آخر ،وحاجًبا بعد حاجب ،ومن داره إلى دار السالم باب يدخل منه
على رِّبه إذا شاَء بال إذٍن ،فالملك الكبير :أَّن رسول رِّب العَّز ة ال يدخل عليه إاَّل بإذن ،وهو
يدخل على رِّبه بال إذٍن " (. )2
وقال ابن أبي الدنيا :حدثنا صالح بن مالك ،حدثنا صالح المري ،حدثنا يزيد الرقاشي ،عن أنس
بن مالك رضي الَّله عنه يرفعه" :إَّن أسَف َل أهِل الجَّنة أجمعين درجًة َمْن يقوم على رأسه عشرة
آالف خادم" (. )3
__________
= ( )555 /2رقم ( ،)3885والبيهقي في البعث رقم ( )445وغيرهم.
قال الحاكم" :هذا حديث صحيح اإلسناد ولم يخرجاه".
وتعقبه الذهبي بقوله" :حفص [يعني ابن عمر العدني] واٍه".
فاإلسناد ضعيف.
تنبيه :وقَع عند ابن المبارك " - 232نعيم" وابن أبي الدنيا "عن رجل" وقد جاء مصرًح ا باسمه
حفص بن عمر عند الحاكم والبيهقي.
( )1في "د"" :اللطائف".
( )2أخرجه البيهقي في البعث رقم (.)447
( )3أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( ،)210والمروزي في زياداته على الزهد البن
المبارك رقم ( )1530مطَّو اًل من طريق صالح المري به .وسنده ضعيف جًّدا ،يزيد الرقاشي
وصالح المري ضعيفان ،والرقاشي أضعف.
وله طريق آخر عن أنس عند الطبراني في األوسط رقم ( )7674مطَّو اًل ،وهو =
()1/587
حدثني محمد بن عباد بن موسى ،أنبأنا زيد بن الُحَباب ،عن أبي هالل الراسبي ،أخبرنا الحجاج
بن عتاب العبدي ،عن عبد الَّله بن معبد ( )1الزَّماني ،عن أبي هريرة قال" :إن أدنى أهل الجنة
منزلة وليس فيهم دني ،من يغدو عليه كل يوم ويروح خمسة عشر ألف خادم ،ليس منهم خادم
إال ومعه طرفة ليست مع صاحبه" (. )2
حدثني محمد بن عباد ،حدثنا زيد بن الحباب ،عن أبي هالل ،حدثنا حميد بن هالل قال" :ما من
رجل من أهل الجنة إال وله ألف خازن ،ليس منهم خازن إال على عمل ليس عليه صاحبه" (. )3
حدثني هارون بن سفيان ،أخبرنا محمد بن عمر ،حدثنا الُم َف َّضل ابن فضالة ،عن زهرة بن معبد،
عن أبي عبد الرحمن الحبلي قال" :إن العبد أول ما يدخل الجنة يتلقاه سبعون ألف خادم كأنهم
__________
= حديث منكر.
( )1في "أ"" :محمد" وهو خطأ ،انظر :تهذيب الكمال (.)168 /16
( )2أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( ،)211والبخاري في تاريخه الكبير (- 377 /2
.)378
-ورواُه موسى وشيبان بن فُّر وخ عن أبي هالل محمد بن سليم به مختصًر ا وفيه "عشرة آالف".
أخرجه البخاري في تاريخه الكبير ( ،)378 - 377 /2والدوالبي في الكنى واألسماء (/1
.)165
والحديث مداره على أبي هالل الراسبي ،وفيه ضعف.
انظر :تهذيب الكمال (.)296 - 292 /25
( )3أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)212
وفي سنده ضعف ،فيه أبو هالل الراسبي.
()1/588
اللؤلؤ" (. )1
حدثني هارون بن سفيان ،حدثنا محمد بن عمر ،أخبرنا محمد بن هالل عن أبيه ،عن أبي هريرة
قال" :إن أدنى أهل الجنة منزلة -وما فيهم دني َ -لَم ن يغدو عليه عشرة آالف خادم ،مع كل
خادم طرفة ليست مع صاحبه" (. )2
وقال عبد الَّله بن المبارك :حدثنا يحيى بن أيوب ،حدثني عبيد الَّله ابن َز َح ر ،عن محمد بن أبي
أيوب المخزومي ،عن أبي عبد الرحمن المعافري قال" :إنه َلُيَص ُّف للرجل من أهل الجنة ِس َم اطان
ال يرى طرفاهما من غلمانه ،حتى إذا مَّر َمَش ْو ا وراءه" (. )3
وقال أبو خيثمة :حدثنا الحسن بن موسى ،حدثنا ابن لهيعة ،حدثنا دراج ،عن أبي الهيثم ،عن أبي
سعيد قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-إن أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون
ألف خادم ،واثنتان وسبعون زوجة ،وينصب له قبة من لؤلؤ وياقوت وزبرجد ،كما بين الجابية
وصنعاء" (. )4
__________
( )1أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)213
وفيه الواقدي :محمد بن عمر ،وهو متروك الحديث.
( )2أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)214
وفيه الواقدي محمد بن عمر ،وهو متروك الحديث.
( )3أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( ،)215 ،26وابن المبارك في الزهِد -رواية
نعيم -رقم (.)415
وسنده ضعيف ،فيه عبيد الَّله بن زحر ويحيى بن أيوب فيهما لين.
( )4أخرجه ابن أبي الدنيا في "صفة الجنة" (.)222
وأخرجه أحمد في المسند ( ،)76 /3وأبو يعلى في مسنده (= )532 /2
()1/589
وقال عبد الَّله بن المبارك :أخبرنا بقية بن الوليد ،حدثني أرطاة بن المنذر قال :سمعت رجاًل -
من مشيخة الَج َند ( - )1يقال له :أبو الحجاج قال :جلست إلى أبي أمامة فقال :إن المؤمن
يكون متكًئا على أريكته إذا دخل الجنة ،وعنده سماطان من الخدم ،وعند طرف السماطين باب
ُمَبَّو ب فيقبل الملك من مالئكة الَّله عز وجل ليستأذن ،فيقوم أدنى الخدم إلى الباب ،فإذا هو
بالملك يستأذن ،فيقول للذي يليه هذا ملك يستأذن ،ويقول للذي يليه :ملك يستأذن ،حتى يبلغ
المؤمن فيقول :ائذنوا له ،فيقول أقربهم إلى المؤمن :ائذنوا له ،ويقول الذي يليه للذي يليه:
ائذنوا له كذلك ،حتى يبلغ أقصاهم الذي عند الباب ،فيفتح له ،فيدخل فيسلم ثم ينصرف" (
. )2
وقال ابن أبي الدنيا :حدثنا محمد بن الحسن ،حدثنا َقِبيصة حدثنا سليمان العنبري ،عن الضحاك
بن مزاحم قال :بينا ولي الَّله في منزله إذ أتاه رسول من الَّله عز وجل فقال لآلذن :استاذن
لرسول الَّله على ولي الَّله ،فيدخل اآلذن فيقول :يا ولي الَّله ،هذا رسول الَّله يستأذن عليك،
قال :ائذن له فيأذن له فيدخل ( )3على ولي الَّله ،فيضع ما بين يديه
__________
= ( ،)1404وغيرهم.
وتقدم كالم المؤلف عليه ص (.)500
( )1قوله" :من مشيخة الجند" في "ب ،د ،هـ" ،والزهد البن المبارك" ،الجنيد" بدل "الجند"،
ووقع في "مسند أحمد" في حديث النهي عن ضرب وجه الدواب" :أشياخ الجند" ،ووقع عند
ابن أبي الدنيا "من مسجد الخيف"! وهو تحريف.
( )2أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( ،)203وفيه جهالة الرجل.
( )3من قوله "اآلذن فيقول" إلى "فيدخل" سقط من "أ" ،ووقع في نسخٍة على =
()1/590
تحفة ،فيقول :يا ولي الَّله :إن ربك يقرأ عليك السالم ،ويأمرك أن تأكل من هذه ،قالُ :فيشِّبُهُه
بطعام أكله أيًض ا ،فيقول :إنما أكلت هذا اآلن ،فيقول :إن ربك يأمرك أن تأكل منها ،فيأكل منها
فيجد منها طعم كل ثمرة في الجنة ،قال :فذلك قوله عز وجلَ{ :و ُأُتوا ِبِه ُمَتَش اِبًه ا} [البقرة:
. )1( " ]25
وفي "صحيح مسلم" ( )2من حديث المغيرة بن شعبة ،عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال:
"سأل موسى ربه ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال :هو الرجل يجيء بعدما ُأدِخ ل أهل الجنِة الجنَة،
فيقال له :ادخل الجنة ،فيقول :أي رِّب ،كيف وقد نزل الناس منازلهم ،وأخذوا أخذاتهم؟! فيقال
له :أترضى أن يكون لك مثل َم ِلك من ملوك الدنيا؟ فيقول :رضيت ربي ،فيقول له :لك ذلك
ومثله ومثله ومثله ومثله ،فقال في الخامسة :رضيت رب ،فيقول :هذا لك وعشرة أمثاله ،ولك
ما اشتهت نفسك ،ولَّذ ت عينك ،فيقول" :رضيت رب" وذكر الحديث ،وقد تقدم ذكره بتمامه (
. )3
وقال البزار في "مسنده" :حدثنا محمد بن المثنى ،حدثنا المغيرة ابن سلمة ،حدثنا وهيب عن
الجريري ،عن أبي نضرة ،عن أبي سعيد
__________
= حاشية "أ" مكان هذه الجملة "اآلذن".
( )1أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)204
وسنده ال بأس به.
( )2رقم (.)189
( )3ص (.)220 - 219
()1/591
قال" :خلق الَّله تبارك وتعالى الجنة :لبنة من ذهب ،ولبنة من فضة ،وغرسها بيده ،وقال لها:
تكلمي ،فقالتَ{ :قْد َأْفَلَح اْلُم ْؤ ِم ُنوَن ( [ })1المؤمنون ]1 :فدخلها ( )1المالئكة ،فقال :طوبى
لك منزل الملوك" (. )2
هكذا رواه وهيب عن الجريري موقوًفا ،ورواه عدي بن الفضل ،عن الجريري فرفعه ،قال البزار:
"وال نعلم أحًد ا رفعه إال عدي بن الفضل بهذا اإلسناد ،وعدي بن الفضل ليس بالحافظ ،وهو
شيخ بصري".
قلت :عدي بن الفضل هذا تفرد به ابن ماجه ،وقد ضعفه يحيى بن معين ،وأبو حاتم .والحديث:
صحيح موقوف .والَّله أعلم.
وقد تقدم ذكر التيجان على رؤوسهم ( ، )3وإنما ( )4يلبسها الملوك.
__________
( )1في نسخة على حاشية "أ" "فيدخلها".
( )2تقدم في ص (.)218
( )3ص (.)440 - 438
( )4في نسخٍة على حاشية "أ"" :وأَّنها".
()1/592
()/2
الباب الَّر ابع والستون :في أَّن ( )1الجَّنة فوق ما يخطر بالبال أو يدوُر في الخلد ،وأَّن موضع
سوٍط منها خيٌر من الدنيا وما فيها
قال تعالىَ{ :تَتَج اَفى ُج ُنوُبُه ْم َعِن اْلَم َض اِج ِع َيْد ُعوَن َر َّبُه ْم َخ ْو ًفا َو َطَم ًعا َو ِم َّم ا َر َز ْقَناُه ْم ُيْنِف ُقوَن (
َ )16فاَل َتْع َلُم َنْف ٌس َم ا ُأْخ ِف َي َلُه ْم ِم ْن ُقَّر ِة َأْع ُيٍن َجَز اًء ِبَم ا َك اُنوا َيْع َم ُلوَن ([ })17السجدة،16 :
.]17
وتأَّمل كيَف قابل ما أخفوه من قيام الليل بالجزاء اَّلذي أخفاُه لهم مَّم ا ال تعلمه نفس ،وكيف قابل
قلقهم وخوفهم واضطرابهم على مضاجعهم حتى يقوموا إلى صالة الليل = بُقَّر ة األعين في الجَّنة.
وفي "الصحيحين" ( )2من حديث أبي هريرة قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم:-
"قال الَّلُه عَّز وجل :أعددُت لعبادي الصالحين ،ما ال عيٌن رأْت ،وال ُأُذٌن سمعْت ،وال خطَر على
ِم ِة ِف َّل ِم
قلَب بشٍر ْ ،ص داُق ذلك في كتاب ال ه تعالىَ{ :فاَل َتْع َلُم َنْف ٌس َم ا ُأْخ َي َلُه ْم ْن ُقَّر َأْع ُيٍن َجَز اًء
ِبَم ا َك اُنوا َيْع َم ُلوَن (." })17
وفي لفٍظ آخر فيهما" :يقول الَّلُه عَّز وجَّل :أعددُت لعبادي الصالحين ما ال عيٌن رأت ،وال ُأذٌن
ِف
سمعْت ،وال خطَر على قلب بشرُ ،ذْخ ًر ا َبْلَه ما أطلعكم عليه ،ثَّم قرأَ{ :فاَل َتْع َلُم َنْف ٌس َم ا ُأْخ َي
َل ِم َّر ِة
ُه ْم ْن ُق
__________
( )1في "ج"ِ" :ذ ْك ِر ".
( )2البخاري رقم ( ،)4501ومسلم رقم ( )2( - )2824واللفظ لمسلم.
()2/593
َأْع ُيٍن َجَز اًء ِبَم ا َك اُنوا َيْع َم ُلوَن ( } )17اآلية" (. )1
وفي بعض ُط ق البخاري :قال أبو هريرة :اقرؤوا إْن ِش ئتمَ{ :فاَل َل ْف ا ُأْخ ِف َل ِم َّر ِة
َتْع ُم َن ٌس َم َي ُه ْم ْن ُق ُر
َأْع ُيٍن } " (. )2
وفي "صحيح مسلم" ( )3من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الَّله عنه قال :شهدت من
رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -مجلًس ا وصف فيه الجَّنة حَّتى انتهى ،ثَّم قال في آخر حديثه:
"فيها ما ال عيٌن رأْت ،وال ُأذٌن سمعْت ،وال خطَر على قلب بشر ،ثَّم اقترأ هذه اآليةَ{ :تَتَج اَفى
ُج ُنوُبُه ْم َعِن اْلَم َض اِج ِع َيْد ُعوَن َر َّبُه ْم َخ ْو ًفا َو َطَم ًعا َو ِم َّم ا َر َز ْقَناُه ْم ُيْنِف ُقوَن (َ )16فاَل َتْع َلُم َنْف ٌس َما
ُأْخ ِف َي َلُه ْم ِم ْن ُقَّر ِة َأْع ُيٍن َجَز اًء ِبَم ا َك اُنوا َيْع َم ُلوَن ([ } )17السجدة." ]17 - 16 :
وفي "الصحيحين" ( )4من حديث أبي هريرة رضي الَّله عنه قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله
عليه وسلم" :-لقاُب قوس أحدكم في الجَّنة خيٌر مَّم ا طلعْت عليه الشمس أو تغرب".
وقد تقَّدم حديث أبي ُأمامة ( )5عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلمَ" :-أاَل ُمَش ِّم ٌر للجَّنة ،فإَّن الجَّنة
ال َخ َطَر لها ،هي ورِّب الكعبة نوٌر يتألأل ،وريحانٌة تهتُّز ،وقصٌر مشيٌد ،ونهٌر ُمَّطِر ٌد ،وثمرٌة
نضيجٌة ،وزوجٌة حسناُء جميلٌة،
__________
( )1البخاري رقم ( ،)4502ومسلم رقم (.)4( - )2824
( )2أخرجه البخاري رقم ( )3072و (.)4501
( )3رقم (.)2825
( )4البخاري رقم ( ،)2640ومسلم رقم (.)1882
( )5قوله (أبي أمامة) كذا في األصول ،وصوابه (ُأسامة).
()2/594
وُح لٌل كثيرة ،ومقام في أبٍد في داٍر سليمة ،وفاكهٍة وخضرٍة وحبرٍة ونعمٍة ،في محلٍة عاليٍة بهيٍة (
. )2( " )1
ولو لم يكن من خطر الجَّنة وشرفها ِإاَّل أَّنه ال ُيسأل بوجه الَّله غيرها = لكفاها شرًفا وفضاًل ،كما
في "سنن أبي داود" من حديث سليمان بن معاٍذ عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الَّله
األنصاري (- )3رضي الَّله عنه -قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-ال يسأل بوجه
الَّلِه ِإاَّل الجَّنة" (. )4
وفي "معجم الطبراني" من حديث َبِق َّية ،عن ابن ُج َر ْيج عن عطاء عن ابن عباس رضي الَّله عنهما
ٍن
قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-لما خلَق الَّلُه جَّنَة َعْد َ ،خ َلَق فيها ما ال عيٌن
رأْت ،وال ُأُذٌن سمعْت ،وال َخ َطَر على قلب بشٍر ،ثَّم قال لها :تكَّلمي .فقالتَ{ :قْد َأْفَلَح
اْلُم ْؤ ِم ُنوَن (. )5( " } )1
__________
( )1في "أ"" :رفيعة".
( )2تقدم في الباب ( )45ص (.)292 - 291
( )3قوله "بن عبد الَّله األنصاري" ليس في "ب ،د".
( )4أخرجه أبو داود رقم ( ،)1671وابن عدي في الكامل ( ،)257 /3والخطيب في الموضح
(.)253 /1
وسنده ضعيف؛ ألَّن مدارُه على سليمان بن معاذ ،وهو شيعي في حفظه ضعف .انظر :تهذيب
الكمال (.)54 - 52 /12
تنبيه :اختلف العلماُء هل سليمان بن معاذ وسليمان بن قرم ،واحد أم اثنان؟ انظر :الموضح
للخطيب (.)354 - 351 /1
( )5أخرجه الطبراني في الكبير ( )184 /11رقم ( ،)11439وفي األوسط =
()2/595
وفي "صحيح البخاري" ( )1من حديث سهل بن سعد رضي الَّله عنه قال :سمعُت رسول الَّله -
صلى الَّله عليه وسلم -يقول" :موضع سوط في الجَّنة خيٌر من الدنيا وما فيها".
وقال اإلمام أحمد :حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام عن أبي هريرة قال :قال رسول الَّله
-صلى الَّله عليه وسلمَ" :-لِق ْيُد سوِط أحدكم من اْلجَّنة خيٌر مَّم ا بين السماء واألرِض " (. )2
وهذا اإلسناد على شرط الصحيحين.
وقال الترمذي :حدثنا ُسَو يد بن نصر حدثنا ابن المبارك أنبأنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن
داود بن عامر بن سعد بن أبي وَّقاص عن أبيه عن جده عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال:
"لو أَّن ما يِق ُّل ُظُف ر ( )3مَّم ا في الجَّنة
__________
= ( )215 /1رقم (.)738
من طريق هشام بن خالد عن بقية به.
قال الطبراني" :لم يرو هذين الحديثين عن ابن جريج ِإاَّل بقية ،تفَّر د بهما :هشام بن خالد".
والحديث غريب جًّدا ،يخشى من تدليس بقية فيه ،ويخشى فيه من وهم هشام بن خالد أبي
مروان الدمشقي ،والَّلُه أعلم.
والحديث جَّو د إسناده الهيثمي والسيوطي.
انظر :مجمع الزوائد ( ،)397 /10والبدور السافرة رقم (.)1663
( )1رقم ( ،)2735ومسلم رقم ( ،)1881واللفظ للبخاري.
( )2أخرجه أحمد في مسنده ( ،)315 /2وعبد الرزاق في المصنف ( )420 /11رقم (
،)20885وابن حبان في صحيحه رقم ( )6158وغيرهم.
وسنده كما قال المؤلف ،وله طرق عن أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما نحوه.
( )3في نسخٍة على حاشية "أ"" :طرف" ،وكذا في "هـ" لكن ضرب عليه وصحح =
()2/596
بدا لتزخرفت له ما بين خوافق السماوات واألرِض ،ولو أَّن رجاًل من أهل الجَّنة اَّطلَع فبدا
أساوره لطمَس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوَء الكواكب" (. )1
قال الترمذي" :هذا حديث غريب ،ال نعرفه بهذا اإلسناد ِإاَّل من حديث ابن لهيعة ،وقد روى
يحيى بن أيوب هذا الحديث عن يزيد بن أبي حبيب ،وقال :عن عمر بن سعد بن أبي وقاص عن
الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم."-
قلُت :وقد رواُه ابن وهب أنبأنا عمرو يعني :ابن الحارث أَّن سليمان بن حميد حَّدثه أَّن عامر بن
سعد بن أبي وقاص ( ، )2قال سليمان :ال أعلُم ِإاَّل أَّنه حدثني عن أبيه عن رسول الَّله -صلى الَّله
عليه وسلم -أَّنه قال" :لو أَّن ما أقَّل ظفر من الجَّنة برَز للدنيا لتزخرف له ما بين السماء
واألرِض ".
وفي الباب :عن َأنس بن مالك وأبي سعيد الخدري وعبد الَّله بن عمرو بن العاص رضي الَّله
عنهم.
وكيَف ُيقَّدر قْد ر داٍر غرسها الَّله بيده ،وجعلها مقًّر ا ألحبابه ،ومألها من كرامته ورحمته
ورضوانه ،ووصف نعيمها بالفوز العظيم ،وملكها بالملك الكبير ،وأودعها جميع الخير بحذافيره،
وطهرها من كل عيب وآفة ونقص.
فإن سألت عن أرضها وتربتها فهي المسك والزعفران.
__________
= إلى "ظفر".
( )1تقدم الكالم عليه ص (.)426 - 425
( )2في "هـ"" :سعد" وهو خطأ.
()2/597
()2/598
وإْن سألت عن أرائكها فهي األسرة عليها البشخانات ،وهي :الِح َج ال ُمَز َّر َر ة بإزرار الذهب ،فما
لها من ُفروج وال خالل.
وإْن سألت عن وجوه أهلها وحسنهم ،فعلى صورة القمر.
وإْن سألت عن أسنانهم فأبناُء ثالثة وثالثين على صورة آدم أبي البشر.
وإْن سألت عن سماعهم فغناء أزواجهم من الحور العين ،وأعلى منه سماع أصوات المالئكة
والَّنبيين ،وأعلى منهما سماع خطاب رِّب العالمين.
وإْن سألت عن مطاياهم التي يتزاورون عليها ،فنجائب أنشأها الَّله تعالى مَّم ا شاَء تسير بهم حيث
شاؤوا من الجنان.
وإْن سألت عن ُح ليهم وشارتهم ،فأَس اِو ر الذهب واللؤلؤ ،على الرؤوس مالبس الِّتيجان.
وإْن سألت عن غلمانهم فولداٌن مخلدون كأَّنهم لؤلٌؤ مكنون.
ِن َّل
وإْن سألَت عن عرائسهم وأزواجهم فُه َّن الكواعب األتراُب ،ا التي جرى في أغصا هَّن ماُء
الشباب ،فللورِد والتفاح :ما لبسته الخدود ،وللُّر مان :ما تضمنته النهود ،وِلُّلؤلؤ المنظوم :ما
حوته الثغور ،وللدقة واَّللطافة :ما دارْت عليه الخصور ،تجري الشمُس في محاسن وجهها إذا
برزت ،ويضيء البرق من بين ثناياها إذا ابتسمت ،إذا قابلت ِح َّبها َفُقْل ما شئت في تقابل
الَّنِّيَر ين ،وإذا حادثته فما ظُّنك بمحادثة الحبيبين ،وإْن ضمها إليه فما ظنك بتعانق الغصنين ،يرى
وجهه في
()2/600
صحن خِّدها ،كما يرى في المرآة التي جاَّل ها صيقلها ،ويرى مَّخ ساقها من وراء اللحم ،وال
يستره جلدها وال عظمها وال ُح َلُلها ،لو اطلعت على الدنيا لمألت ما بين السماء واألرض ريًح ا،
وال استنطقت أفواَه الخالئِق تهلياًل وتكبيًر ا وتسبيًح ا ،ولتزخرف لها ما بين الخافقين ،وألغمضت
عن غيرها كَّل عيٍن ،ولطمسْت ضوَء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم ،وآلمن من على
ظهرها بالَّله الحَّي القيوم ،نصيفها على رأسها خيٌر من الدنيا وما فيها ،ووصالها أشهى إليه من
جميع أمانيها ،ال تزداد على تطاول األحقاب ِإاَّل حسًنا وجمااًل ،وال يزداُد لها على طول المدى
ِإاَّل محبة َو ِو صااًل ُ ،مَبَّر أة من الحبِل والوالدة والحيِض والنفاس ،مطَّهرة من المخاِط والبصاق
والبوِل والغائط وسائِر اَألدناس ،ال يفنى شباُبَه ا ،وال تبلى ثيابها ،وال يخلُق ثوب جمالها ،وال يمُّل
طيُب وصالها ،قد قصرْت طرفها على زوجها ،فال تطمُح ألحٍد سواُه ،وَقَص َر طرفه عليها فهي
غايه ُأمنيته وهواه ،إْن نظَر إليها سَّر ته ،وإْن أمرها أطاعته ،وإْن غاَب عنها حفظته ،فهو معها في
غاية األماني واألمان ،هذا ،ولم يطمثها قبله إنٌس وال جاٌّن ،كلما نظر إليها مألت قلبه سروًر ا،
وكَّلما حدثته مألت ُأُذنه لؤلًؤ ا منظوًم ا ومنثوًر ا ،وإذا برزت مألت القصَر والغرفة نوًر ا.
وإْن سألت عن الِس ِّن فأتراٌب في أعدِل سِّن الشباب.
وإْن سألت عن الُح سن فهل رأيت الشمس والقمر؟!
وإْن سألَت عن الحَد ق فأحسن سواد في أصفى بياض ،في أحسن َح َو ر.
()2/601
()2/602
التقبيل ،وإْن نَّو لْت فال ألَّذ وال أطيَب من ذلك الَّتنويل.
هذا ،وإْن سألت عن يوم المزيد ،وزيارة العزيز الحميد ،ورؤية وجهه المنَّز ه عن التمثيل والتشبيه،
كما ُتَر ى الشمس في الظهيرة والقمر ليلة البدِر ،كما تواتر عن الصادق المصدوق النقل فيه،
وذلك موجود في الِّص حاح ،والسنن ،والمسانيد ،من رواية :جرير ،وصهيب ،وأنس ،وأبي
هريرة ،وأبي موسى ،وأبي سعيد = فاستمع يوم ينادي المنادي :يا أهل الجَّنة ،إَّن رَّبكم تبارك
وتعالى يستزيركم فحَّي على زيارته ،فيقولون :سمًعا وطاعة ،وينهضون إلى الزيارة مبادرين ،فإذا
بالَّنجائب قد ُأعدْت لهم ،فيستوون على ظهورها مسرعين ،حَّتى إذا انتهوا إلى الوادي األفيح
اَّلذي ُج عل لهم موعًد ا ،وُج ِم ُعوا هناك ،فلم يغادر الَّداعي منهم أحًد ا = أمَر تبارك وتعالى بكرسِّيه
فنصَب هناك ،ثَّم نصبت لهم منابر من نور ،ومنابر من لؤلؤ ،ومنابر من زبرجد ،ومنابُر من ذهب،
ومنابر من فضة ،وجلس أدناهم -وحاشاهم من الدنايا )1( -على كثبان المسك ،ما يرون أَّن
أصحاب الكراسي فوقهم في العطايا ،حَّتى إذا استقرت بهم مجالسهم ،واطمأنت بهم أماكنهم
نادى المنادي :يا أهل الجَّنة إَّن لكم عنَد الَّلِه موعًد ا يريُد أْن ينجَز كموه ،فيقولون :ما هو؟ ألم
ُيبيض وجوهنا ويثِّق ل موازيننا ،ويدخلنا الجَّنة ،ويزحزحنا عن الَّناِر ،فبينا هم كذلك إذ سطع لهم
نوٌر أشرقت له الجَّنة ،فرفعوا رؤوسهم ،فإذا الجَّبار جَّل جالله ،وتقَّدسْت أسماؤه ،قد
__________
( )1في "ب ،هـ"" :الدنا" ،وفي "أ"" :الدنيا" ،ووقع في المطبوعة بعد "الدنايا" "أْن يكون فيهم
دنيء".
()2/603
أشرف عليهم من فوقهم وقال :يا أهل الجَّنة :سالٌم عليكم ،فال ترُّد هذه التحية بأحسَن من
قولهم :اللهم أنت السالم ،ومنَك السالم ،تباركَت ياذا الجالل واإلكرام ،فيتجلى لهم الرب
تبارك وتعالى يضحك إليهم ،ويقول :يا أهل الجنة ،فيكون أول ما يسمعون منه تعالى :أين عبادي
الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني ،فهذا يوم المزيد ،فيجتمعون على كلمة واحدة أن قد رضينا
فارض عنا ،فيقول :يا أهل الجنة ،إني لو لم أرض عنكم لم ُأْس ِكْنكم جنتي ،هذا يوم المزيد
فسلوني .فيجتمعون على كلمٍة واحدة :أرنا وجهك ننظر إليه ،فيكشف الرب جل جالله
الُحُج ب ،ويتجلى لهم ،فيغشاهم من نوره ما لوال أن الَّله سبحانه وقضى أن ال يحترقوا الحترقوا،
وال يبقى في ذلك المجلس أحد إال حاضره الرُّب تعالى محاضرة ،حتى إنه ليقول :يا فالن أتذكر
يوم فعلت كذا وكذا ،يذكره ببعض غدراته في الدنيا ،فيقول :يا رب ألم تغفر لي؟ فيقول :بلى
بمغفرتي بلغت منزلتك هذه.
فيا لذة األسماع بتلك المحاضرة ،ويا ُقَّر ة عيون األبرار بالنظر إلى وجهه الكريم في الدار
اآلخرة ،ويا ِذ َّلة الراجعين بالصفقة الخاسرةُ{ .وُج وٌه َيْو َم ِئٍذ َناِض َر ٌة (ِ )22إَلى َر ِّبَه ا َناِظ َر ٌة ()23
َو ُوُج وٌه َيْو َم ِئٍذ َباِس َر ٌة (َ )24تُظُّن َأْن ُيْف َعَل ِبَه ا َفاِقَر ٌة ([ } )25القيامة.]25 - 22 :
ِت ٍن
فحَّي على جَّنا عْد فإَّنها ...منازُلَك اُألولى وفيها الُم َخ َّيُم
ولكَّننا سْبي العدِّو فهل ترى ...نُعوُد ِإلى أوطاننا ونسِّلُم ()1
__________
( )1البيتان للمؤَّلف ضمن قصيدته في وصف الجَّنة ،تقدمت في َأَّو ل الكتاب ص (.)14
()2/604
الباب الخامس والستون :في رؤيتهم رَّبهم تبارك وتعالى وتجِّليه لهم ضاحًك ا إليهم
هذا الباُب أشرُف أبواب الكتاب ،وأجُّلها قدًر ا ،وأعالها خطًر ا ،وأقُّر ها لعيون أهل السَّنة
والجماعة ،وأشُّدها على أهل البدعة والُف رقة ،وهي الغاية التي شَّم ر إليها المشمرون ،وتنافس فيها
المتنافسون ،وتسابَق إليها المتسابقون ،ولمثلها فليعمل العاملون .إذا ناله أهل الجَّنة َنُس وا ما هم
فيه من النعيم ،وِح ْر مانه والحجاب عنه ألهل الجحيم أشَّد عليهم من عذاب الجحيم ،اتفق عليها
األنبياء والمرسلوَن ،وجميُع الصحابة والتابعون ،وأئمة اإلسالم على تتابع القرون ،وأنكرها أهل
البدع المارقون ،والجهمية المتهِّو كون ،والفرعونية المبطلون ( ،)1والباطنية اَّلذين هم من جميع
األديان منسلخون ،والَّر افضة اَّلذين هم بحبائل الشيطان ُمتمِّس كون ( ،)2ومن حبل الَّله منقطعون،
وعلى مسَّبة أصحاب رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -عاكفون ،وللُّس َّنة وأهلها محاربون،
ولكِّل عدِّو لَّله ورسوله ودينه مسالموَن ،وكل هؤالء عن ربهم محجوبون ،وعن بابه مطرودون،
أولئك أحزاب الضالل ،وشيعة اَّللعين ،وأعداء الرسول وحزبه.
وقد أخبر سبحانه عن أعلم الخلق به في زمانه ،وهو كليمه ونجُّيُه وصفُّيُه من أهل األرِض َ ،أَّنه
سأل ربه تعالى النظر إليه ،فقال له رُّبه
__________
( )1في "ج ،هـ" ونسخٍة على حاشية "أ"" :المعطلون".
( )2في "ج ،هـ"" :مستمسكون".
()2/605
تبارك وتعالىَ{ :لْن َتَر اِني َو َلِكِن اْنُظْر ِإَلى اْلَجَبِل َفِإ ِن اْس َتَقَّر َم َك اَنُه َفَس ْو َف َتَر اِني َفَلَّم ا َتَج َّلى َر ُّبُه
ِلْلَجَبِل َجَعَلُه َدًّك ا} [األعراف.]143 :
وبيان الداللة من هذه اآلية من وجوٍه عديدٍة:
أحدها :أْن ال ُيَظَّن بكليم الرحمن ورسوله الكريم عليه أَّنه يسأل رَّبُه ما ال يجوز عليه ،بل هو من
أبطِل الباطل ،وأعظم المحال ،وعند فروخ اليونان ،والصائبة ،والِف رعونية بمنزلة أْن يسأله أْن
يأكل ويشرب وينام ،ونحو ذلك مَّم ا يتعالى الَّله عنه ،فياهلل العجب! كيف صاَر أتباُع الصابئة
والمجوس والمشركين ُعَّباِد األصنام وفروخ الجهمية والِف ْر عونية أعلَم بالَّله تعالى من موسى بن
ِع ْم ران ،وبما يستحيل عليه ،ويجب له ،وأشَّد تنزيًه ا له منه؟!
الوجه الثاني :أَّن الَّله سبحانه لم ينكر عليه سؤاله ،ولو كان محااًل ألنكره عليه ،ولهذا لَّم ا سأل
إبراهيم الخليل ربه تعالى أْن يريه كيف يحيى الموتى ،لم ينكر عليه ،ولَّم ا سأَل عيسى ابن مريم
رَّبه إنزاَل المائدة من السماء لم ينكر سؤاله ،ولَّم ا سأل نوٌح رَّبُه نجاَة ابنِه أنكر عليه سؤاله وقال:
{ِإِّني َأِع ُظَك َأْن َتُك وَن ِم َن اْلَج اِهِليَن (َ )46قاَل َر ِّب ِإِّني َأُعوُذ ِبَك َأْن َأْس َأَلَك َما َلْيَس ِلي ِبِه ِع ْلٌم}
[هود.]47 - 46 :
الوجه الثالث :أَّنه أجابه بقوله تعالىَ{ :لْن َتَر اِني} [األعراف ]143 :ولم يقل :إِّني ال ُأَر ى ،وال
إِّني لسُت بمرئّي ؛ وال تجوز رؤيتي .والفرُق بين الجوابين ظاهٌر لمن تأَّمَلُه.
وهذا يدُّل على أَّنه سبحانه مرئٌّي ،ولكَّن موسى ال تحتمل قواُه
()2/606
رؤيته في هذه الدار ِلَض ْع ِف قوى البشِر فيها عن رؤيته تعالى ،يوِّضحه:
الوجه الَّر ابع :وهو قوله تعالىَ{ :و َلِكِن اْنُظْر ِإَلى اْلَجَبِل َفِإ ِن اْس َتَقَّر َم َك اَنُه َفَس ْو َف َتَر اِني}
[األعراف ]143 :فأْع َلَم ه أَن الجبل مع قَّو ته وصالبته ال يثبُت لتجليه له في هذه الَّدار ،فكيف
بالبشر الضعيف اَّلذي ُخ ِلق من ضْع ٍف ؟.
الوجه الخامس :أَّن الَّلَه سبحانه قادٌر على أْن يجعل الجبل مستقًّر ا مكاَنه ،وليس هذا بممتنع في
مقدوره ،بل هو ممكن ،وقد علق به الرؤية ،ولو كانت محااًل في ذاتها لم يعلقها بالممكن في
ذاته ،ولو كانت الرؤية محااًل ،لكان ذلك نظير أْن يقول :إن استقَّر الجبل فسوَف آكُل وأشرُب
وأناُم ،فاألمراِن عندكم سواء.
الوجه السادس :قوله تعالىَ{ :فَلَّم ا َتَج َّلى َر ُّبُه ِلْلَجَبِل َجَعَلُه َدًّك ا} وهذا من أبين األدلة على جواِز
رؤيته تبارك وتعالى ،فإَّنه إذا جاَز أن يتجَّلى للجبِل اَّلذي هو جماد ال ثواب له وال عقاب ،فكيف
يمتنع أن يتجَّلى ألنبيائه ورسله وأوليائه في دار كرامته ويريهم نفسه؟ وأعلم سبحانه موسى أَّن
الجبل إذا لم يثبت لرؤيته في هذه الَّداِر ،فالَبَش ر أضعف.
َّل
الوجه السابع :أَّن ربه سبحانه قد ك مه منه إليه ،وخاطبه وناداُه وناجاُه ،ومن جاَز عليه الَّتكلُم
والتكليم ،وأْن يسمع مخاطبه كالمه معه بغير واسطة ،فرؤيته أولى بالجواز ،ولهذا ال يتم إنكار
الرؤية ِإاَّل بإنكار التكليم ،وقد جمعت هذه الطوائف بين إنكار األمرين ،فأنكروا أْن يكِّلم أحًد ا،
أو يراُه أحٌد ،ولهذا سأله موسى النظر إليه لَّم ا
()2/607
أسمعه كالمه ،وعلم من ( )1الَّلِه جواَز رؤيته من وقوع خطابه وتكليمه ،فلم يخبره باستحالة
ذلك عليه ،ولكْن أراُه أن ما سأله ال يقدر على احتماله ،كما لم يثبت الجبل لتجليه.
وأَّم ا قوله تعالىَ{ :لْن َت اِني} [األعراف ]143 :فإَّنما يدُّل على الَّنفي في المستقبل ،وال يدُّل
َر
على دوام الَّنفي؛ ولو ُقِّيدت بالتأبيد ،فكيف إذا ُأطلقت ،قال تعالىَ{ :و َلْن َيَتَم َّنْو ُه َأَبًد ا} [البقرة:
]95مع قولهَ{ :و َناَدْو ا َياَماِلُك ِلَيْق ِض َعَلْيَنا َر ُّبَك } [الزخرف.]77 :
فصل
الدليُل الثاني :قوله تعالىَ{ :و اَّتُقوا الَّلَه َو اْع َلُم وا َأَّنُك ْم ُماَل ُقوُه} [البقرة ،]223 :وقوله تعالى:
{َتِح َّيُتُه ْم َيْو َم َيْلَق ْو َنُه َس اَل ٌم} [األحزاب ]44 :وقوله تعالىَ{ :فَمْن َك اَن َيْر ُج و ِلَق اَء َر ِّبِه} [الكهف:
،]110وقوله تعالىَ{ :قاَل اَّلِذ يَن َيُظُّنوَن َأَّنُه ْم ُماَل ُقو الَّلِه} [البقرة.]249 :
وأجمع أهل اللسان على أَّن اللقاء متى ُنِس َب إلى الحي السليم من الَعَم ى والمانع؛ اقتضى المعاينة
والرؤية ،وال ينتقض هذا بقوله تعالىَ{ :فَأْع َق َبُه ْم ِنَف اًقا ِفي ُقُلوِبِه ْم ِإَلى َيْو ِم َيْلَق ْو َنُه} [التوبة:]77 :
فقد دَّلت األحاديث الصحيحة الصريحة على أَّن المنافقين يرونه تعالى في َعَر َص ات القيامة ،بل
والكفار أيًض ا كما في "الصحيحين" في حديث التجلي يوم القيامة ،وسيمُّر ِبَك عن قريٍب إن شاء
الَّله (.)2
__________
( )1في "هـ"" :نبي".
( )2انظر( :ص.)661 ،660 ،645 ،632 ،629 /
()2/608
()2/609
فالحسنى :الجَّنة ،والزيادة :النظر إلى وْج ِه ِه الكريم ،كذلك فَّس رها رسول الَّله -صلى الَّله عليه
وسلم -اَّلذي ُأنِزَل عليه القرآن ،والصحابة من بعده ،كما روى مسلم في "صحيحه" ( )1من
حديث حَّم اد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب رضي الَّله عنه قال :قرأ
رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلمِ{ :-لَّلِذ يَن َأْح َس ُنوا اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة} قال :إذا دخل أهُل الجَّنة
الجَّنَة ،وأهل الَّناِر الَّناَر ،نادى مناٍد :يا أهل الجَّنة إَّن لكم عنَد الَّلِه موعًد ا يريُد أْن ينجزكموُه،
فيقولون :ما هو؟ ألم يثِّق ل موازينناَ ،و ُيَبِّيْض وجوهنا ،ويدخلنا الجَّنة ويجرنا من الَّناِر ؟! فيكشف
الحجاَب فينظرون إليه فما أعطاهم شيًئا أحَّب إليهم من النظر إليه ،وهي الزيادة".
وقال الحسن بن عرفة :حدثنا سلم بن سالم البلخي عن نوح بن أبي مريم عن ثابت عن أنس -
رضي الَّله عنه -قالُ" :س ِئَل رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -عن هذه اآليةِ{ :لَّلِذ يَن َأْح َس ُنوا
اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة} قال للذين أحسنوا العمل في الدنيا الحسنى :وهي الجَّنة ،والزيادة :النظر إلى
وجه الَّله تعالى" (. )2
__________
( )1رقم ( )181من طريق حماد بن سلمة عن ثابت به فذكره.
وقد وقع في الحديث اختالف على ثابت ،وسيأتي بيانه ص (.)693
( )2أخرجه الحسن بن عرفة في جزئه رقم ( ،)85وابن أبي حاتم في تفسيره ( / 6رقم
،)10340والدارقطني في الرؤية رقم ( ،)57والاللكائي في أصول االعتقاد رقم ()779
وغيرهم.
من طريق نوح بن أبي مريم عن ثابت به فذكره.
وهو حديث باطل ال يصح ،فإَّن نوًح ا هذا متروك الحديث ،وقد اتهمه بعضهم.
()2/610
وقال محمد بن جرير :حدثنا ابن ُحَم يد حدثنا إبراهيم بن المختار عن ابن ُج َر يج عن عطاء عن
ِل ِذ
كعب بن ُعْج َر ة -رضي الَّله عنه -عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -في قوله تعالىَّ { :ل يَن
َأْح َس ُنوا اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة} قال" :الزيادة :النظُر إلى وجه الرحمن َج َّل جالُلُه" (. )1
قلُت :عطاء هذا هو الخراساني ،وليس بعطاء بن أبي رباح.
قال ابن جرير :وحدثنا ابن عبد الرحيم ( )2حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال :سمعُت زهيًر ا.
وقال يعقوب بن سفيان :حدثنا صفوان بن صالح حدثنا الوليُد بن مسلم حدثنا زهير بن محمد
قال :حدثني من سمَع أبا العالية الرياحي ُيحَّدث عن ُأبي بن كعب -رضي الَّله عنه -قال :سألت
ِل ِذ ِه
رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -عن الزيادة في كتاب الَّل عَّز وجَّل قوله تعالىَّ { :ل يَن
َأْح َس ُنوا اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة} [يونس ]25 :قال الحسنى :الجَّنة ،والزيادة :النظر إلى وجه الَّله عَّز
وجَّل" (. )3
__________
( )1أخرجه الطبري في تفسيره ( ،)107 /11والاللكائي في أصول االعتقاد رقم (.)781
وسنده ضعيف جًّدا ،فيه محمد بن حميد الَّر ازي؛ وهو متهم .وإبراهيم ابن المختار الَّر ازي:
ضعيف؛ وخاَّص ة إذا روى محمد بن حميد عنه ،وعطاء لم يسمع من كعب.
( )2عند الطبري "ابن البرقي" بدل "ابن عبد الرحيم".
( )3أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ( )1944 /6رقم ( ،)10336والطبري في تفسيره (/11
،)107واَّلاللكائي في أصول االعتقاد رقم (.)780
وسنده ضعيف إلبهام من سمع من أبي العالية= .
()2/611
وقال َأَس ُد الُّس َّنة :حدثنا قيس بن الربيع عن أبان عن أبي تميمة الُهَجْيمي أَّنه سمع أبا موسى -
رضي الَّله عنه -يحَّدث أَّنه سمع رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -يقول" :يبعُث الَّلُه عَّز وجَّل
يوَم القيامة منادًيا ينادي أهَل اْلجَّنة ،بصوٍت ُيْس مُع َأَّو لهم وآخرهم ،إَّن الَّله وعَد كم الحسنى،
والحسنى :اْلجَّنة ،والزيادة :النظر إلى وجه الَّله عَّز وجَّل" (. )1
وقال ابن وهب ( ، )2أخبرني َش ِبْيب ،عن أبان ،عن أبي تميمة الهجيمي ،أَّنه سمع أبا موسى
األشعري -رضي الَّله عنه -يحدث عن رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-إَّن الَّلَه عَّز وجَّل
يبعث يوم القيامة منادًيا ينادي :يا أهل الجَّنة ،بصوٍت ُيْس ِم ُع أَّو لهم وآخرهم :إَّن الَّلَه وعدكم
الحسنى وزيادة .الُح سنى :الجَّنة ،والِّز يادة :الَّنظُر إلى وجه الَّر حمن".
وأَّما الَّص حابة :فقال ابن جرير :حدثنا بَّش اُر ،حدثنا عبد الرحمن هو ابن َمْه ِد ي ،حدثنا إسرائيل،
عن أبي إسحاق ،عن عامر بن سعد
__________
= وله طريق آخر :عند اَّلاللكائي رقم ( ،)849والَّدارقطني في الرؤية رقم (.)183
وفيه من لم أقف على حاله.
( )1أخرجه ابن وهب في التفسير من الجامع ( )76 /1رقم ( ،)171والطبري (،)105 /11
والدارقطني في الرؤية رقم (.)43
من طريق :شبيب وإبراهيم بن أبي بكرة كالهما عن أبان به مثله .كما سيأتي في الحديث اآلتي.
وسنده ضعيف جًّدا ،فيه أبان وهو ابن أبي عياش متروك الحديث.
انظر التقريب (.)142
( )2في "هـ"" :قيس" ،وضرب عليه الناسخ ،وصَّو ب "وهب".
()2/612
عن أبي بكر الصديق -رضي الَّله تعالى عنهِ{ -لَّلِذ يَن َأْح َس ُنوا اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة} قال :الَّنظُر إلى
وجه الَّله" (. )1
وبهذا اإلسناد :عن أبي إسحاق عن مسلم بن يزيد عن حذيفة رضي الَّلُه عنهِ{ :لَّلِذ يَن َأْح َس ُنوا
اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة} قال :الَّنظُر إلى وجه ربهم تبارك وتعالى (. )2
وحدثنا علي بن عيسى ،حدثني َش َباَبة ،حدثنا أبو بكر الهذلي قال :سمعُت أبا تميمة الُهَج يمي
يحدث عن أبي موسى األشعري رضي الَّله
__________
( )1أخرجه الطبري ( )105 - 104 /11وعبد الَّله بن أحمد في السنة (.)471
-ورواه يونس بن أبي إسحاق وزكريا وغيرهم عن أبي إسحاق عن عامر ابن سعد عن أبي بكر
فذكره.
أخرجه الدارقطني في الرؤية رقم ( )198 ،196 ،194 ،195وغيره
-وخالفهم شعبة والثوري وشريك ،فرووه عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد قوله (لم يذكر أبا
بكر).
أخرجه ابن المبارك في الزهد -رواية نعيم -رقم ( ،)420والطبري ()106 ،105 /11
وغيرهما.
ورواية شعبة والثوري أصح.
بينما رجح الدارقطني قول إسرائيل ومن تابعه ،وهو محتمل.
انظر :علل الدارقطني (.)283 /1
وعلى قول الدارقطني إسناده منقطع ,ألن عامر بن سعد البجلي لم يدرك أبا بكر الصديق .تهذيب
الكمال (.)23 /14
( )2أخرجه الطبري ( ،)105 /11وابن أبي شيبة في المصنف ( )153 /7رقم (،)34795
وهناد في الزهد رقم ( )170وغيرهم.
وسنده ال بأس به ،من أجل حال مسلم بن يزيد أبي عياض الكوفي.
()2/613
عنه قال :إذا كان يوم القيامة يبعث الَّلُه عَّز وجَّل إلى أهل الجَّنة منادًيا ينادي :هل أنجز ( )1الَّلُه
لكم ما وعدكم؟ فينظرون إلى ما أعد لهم من الكرامة فيقولون :نعم ،فيقولِ{ :لَّلِذ يَن َأْح َس ُنوا
اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة} النظُر إلى وجه الرحمن عَّز وجَّل" (. )2
وقال عبد الَّله بن المبارك :عن أبي بكر الهذلي أنبأنا أبو تميمة قال :سمعُت أبا موسى األشعري
رضي الَّله عنه يخطب الَّناُس في جامع البصرة ويقول" :إَّن الَّلَه عَّز وجَّل يبعث يوم القيامة ملًك ا
إلى أهل الجَّنة ،فيقول :يا أهل الجَّنة ،هل أنجز الَّله لكم ما وعدكم؟ فينظرون فيرون الحلَّي
والحلل واألنهار واألزواج المطهرة ،فيقولون :نعم ،قد أنجز الَّله ما وعدنا ،ثَّم يقول الملك :هل
أنجزكم الَّله ( )3ما وعدكم ثالث مَّر ات ،فال يفقدون شيًئا مَّم ا ُو ِع ُد وا فيقولون :نعم ،فيقول :قد
بقَي لكم شيء ،إَّن الَّلَه عَّز وجَّل يقولِ{ :لَّلِذ يَن َأْح َس ُنوا اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة} أال إَّن الحسنى :الجَّنة،
والزيادة :النظر إلى وجه الَّله عَّز وجَّل".
__________
( )1في (هـ) ،وعند الطبري (أنجركم).
( )2أخرجه الطبري ( ،)105 /11والاللكائي في شرح أصول االعتقاد رقم (،)786
والدارقطني في الرؤية رقم (.)44
ورواه :ابن المبارك (وسيأتي عند المؤلف) ،ووكيع والمعَّلى بن الفضل عن أبي بكر الهذلي به
نحوه.
أخرجه ابن المبارك في الزهد -رواية نعيم -رقم ( ،)419وهناد في الزهد رقم (،)169
والطبري ( ،)107 /11والدارقطني في الرؤية رقم (.)46 ،45
واألثر مداره على أبي بكر الهذلي :وهو متروك الحديث.
( )3في "ج ،هـ" "هل أنجز الَّله لكم ما وعدكم".
()2/614
وفي "تفسير أسباط بن نصر" عن إسماعيل الُّس دي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس ،وعن
ُمَّر ة الهمداني عن ابن مسعود {ِلَّلِذ يَن َأْح َس ُنوا اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة َو اَل َيْر َهُق ُوُج وَهُه ْم َقَتٌر َو اَل ِذ َّلٌة}
فقال" :أَّما الحسنى :فالجَّنة ،وأَّما الزيادة :فالنظر إلى وجه الَّله ،وأَّما القتُر :فالَّس واد" (. )1
وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى وعامر بن سعد وإسماعيل بن عبد الرحمن الُّس دي ،والضحاك بن
ُم زاحم وعبد الرحمن بن سابط وأبو إسحاق الَّس بيعي وقتادة وسعيد بن المسيب والحسن البصري
وعكرمة مولى ابن عباس ومجاهد بن جبر :الُحْس َنى :الجَّنة ،والزيادة :النظر إلى وجه الَّله (. )2
وقال غير واحٍد من الَّس لِف في اآليةَ{ :و اَل َيْر َهُق ُوُج وَهُه ْم َقَتٌر َو اَل ِذ َّلٌة} [يونس :]26 :بعد
النظر إليه ،واألسانيد بذلك صحيحة.
ولَّم ا عطَف سبحانه الزيادة على الحسنى التي هي الجَّنة؛ دَّل على أَّنها أمٌر آخر وراء الجَّنة ،وقدٌر
زائٌد عليها ،ومن فَّس َر الزيادة بالمغفرة والرضوان ( ، )3فهو من لوازم رؤية الَّر َّب تبارك وتعالى.
__________
( )1ذكره الاللكائي في شرح أصول االعتقاد رقم ( )787عن ابن أبي حاتم.
وسنده ضعيف ,كما تقدم الكالم عن هذه السلسلة ص ( 359و .)364
( )2انظر :الرؤية للدارقطني رقم ( ،)224 ،223 ،221 ،217 ,216 ،214 ،208والطبري
( )107 - 105 /11والمصنف البن أبي شيبة ( ،)169 /7وشرح أصول االعتقاد (- 789
.)798
( )3أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ( )1945 /6رقم ( ،)10343والطبري =
()2/615
فصل
ِس ِب
الدليل الَّر ابع :قوله تعالىَ{ :ك اَّل َبْل َر اَن َعَلى ُقُلو ِه ْم َما َك اُنوا َيْك ُبوَن (َ )14ك اَّل ِإَّنُه ْم َعْن َر ِّبِه ْم
َيْو َم ِئٍذ َلَمْحُج وُبوَن ([ })15المطففين.]15 ,14 :
ووجه االستدالل بها :أَّنه سبحانه جعل من أعظم عقوبة الكفار كونهم محجوبين عن رؤيته،
وسماع كالمه ،فلو لم يرُه المؤمنون ،ولم يسمعوا كالَمُه كانوا أيًض ا محجوبين عنه ،وقد احتج
بهذه الُح َّج ة الشافعي نفسه وغيره من األئمة ،فذكره الطبري وغيره عن المزني قال :سمعُت
الشافعي يقول في قوله عَّز وجَّلَ{ :ك اَّل ِإَّنُه ْم َعْن َر ِّبِه ْم َيْو َم ِئٍذ َلَمْحُج وُبوَن ( })15قال" :فيها
داللة على أَّن أولياء الَّله يرون رَّبهم يوم القيامة" (.)1
وقال الحاكم :حدثنا األصم حدثنا الربيع بن سليمان قال :حضرت محمد بن إدريس الشافعي،
ِئٍذ
وقد جاءته رقعة من الصعيد فيها :ما تقوُل في قول الَّله تبارك وتعالىَ{ :ك اَّل ِإَّنُه ْم َعْن َر ِّبِه ْم َيْو َم
َلَمْحُج وُبوَن ( })15فقال الشافعي :لَّم ا أْن َحَج َب هؤالِء في السخط كان في هذا دليٌل على أَّن
أولياءه يرونه في الِّر ضى .قال الربيع :فقلت :يا أبا عبد الَّله ،وبه تقول؟ قال :نعِم ،وبه أدين الَّله،
لو لم ُيوقن محمد بن إدريس أَّنه يرى الَّله = َلَم ا َعَبَد الَّلَه عَّز وجَّل".
__________
= ( )108 /11عن مجاهد .وسنده حسن.
( )1أخرجه الاللكائي الطبري في شرح أصول االعتقاد برقم (.)809
()2/616
فصل
والدليل الخامس :قوله عَّز وجَّلَ{ :لُه ْم َم ا َيَش اُءوَن ِفيَه ا َو َلَد ْيَنا َم ِز يٌد ([ })35ق.]35 :
قال الطبرُّي ( :)3قال علي بن أبي طالب وأنس بن مالك :هو النظر إلى وجه الَّله عَّز وجَّل ،وقاله
من التابعين :زيد بن وهب وغيره (.)4
__________
( )1رقم ( ،)883وأخرجه الواحدي في تفسيره الوسيط (.)464 /4
( )2أخرجه الاللكائي في شرح أصول االعتقاد رقم (.)810
( )3سقط من "ج" ،ووقع في "أ ،د"" :الطبراني" ،وهو خطأ.
( )4انظر شرح أصول االعتقاد ( )469 /3رقم (.)813 ،812 ،811
()2/617
فصل
الدليل السادس :قوله عَّز وجَّل{ :اَل ُتْد ِر ُك ُه اَأْلْبَص اُر َو ُه َو ُيْد ِر ُك اَأْلْبَص اَر } [األنعام.]103 :
واالستدالل بهذا عجب ( ،)1فإَّنه من أدلة النفاة ،وقد قَّر ر شيخنا وجه االستدالل به أحسن تقرير
وألطفه ،وقال لي :أنا ألتزُم أَّنُه ال يحتج مبطٌل بآية أو حديٍث صحيح على باطله؛ ِإاَّل وفي ذلك
الدليِل ما يدُّل على نقض قوله ،فمنها هذه اآلية وهي على جواز الرؤية أدَّل منها على امتناعها،
فإَّن الَّلَه سبحانه إَّنما ذكرها في سياق التمُّدح ،ومعلوٌم أَّن المدَح إَّنما يكوُن باألوصاف الثبوتية،
وأَّما العدُم المحض فليس بكمال ،فال يمدح به ،وإَّنما ُيْم دح الرُّب تعالى بالَعَد ِم إذا تضمن أمًر ا
وجودًّيا:
كمدحه بنفي الِّس َنة والنوم المتضمن كمال الَقُّيومية.
ونفي الموت المتضمن كمال الحياة.
ونفي اُّللغوب واإلعياء المتضمن كمال القدرة.
ونفي الشريك والصاحبة والولِد والظهير المتضمن كمال ربوبيته وإلهيته وقهره.
ونفي األكِل والشرِب المتضمن لكمال َص َم ِد َّيِتِه وِغ َناُه.
__________
( )1في "هـ"" :أعجب".
()2/618
ونفي الشفاعة عنده بدون إذنه المتضمن كمال توحيده وغناُه عن خلقه.
ونفي الظلِم المتضمن كمال عدلِه وعلمه وغناه.
ونفي النسيان وعزوب شيٍء عن علمه المتضمن كمال علمه وإحاطته.
ونفي المثل المتضمن لكمال ذاته وصفاته.
ولهذا لم يتمَّدح بَعَد ٍم مْح ٍض ال يتضمن أمًر ا ثبوتًّيا ،فإَّن المعدوم يشارك الموصوف في ذلك
العدٍم ،وال يوصف الكامل بأمٍر يشترك هو والمعدوم فيه؛ فلو كان المراد بقوله{ :اَل ُتْد ِر ُك ُه
اَألْبَص اُر } [األنعام ]103 :أَّنُه ال ُيَر ى بحاٍل ،لم يكن في ذلك َمْد ٌح وال كمال ،لمشاركة
المعدوم له في ذلك ،فإَّن الَعَد َم الِّص ْر ف ال ُيَر ى وال تدركه األبصاُر ،والَّر ُّب جَّل جالله يتعالى أْن
ُيْم َد َح بما يشاركه فيه العدُم المحض.
ِم
فإًذا ،المعنى أَّنه يرى وال ُيدرك ،وال يحاُط به كما كان المعنى في قولهَ{ :و َما َيْع ُزُب َعْن َر ِّبَك ْن
ِم ْثَق اِل َذَّر ٍة} [يونس ،]61 :أَّنه يعلُم كَّل شيء.
وفي قولهَ{ :و َم ا َمَّس َنا ِم ْن ُلُغوٍب } [ق ،]38 :أَّنه كامل القدرة.
وفي قولهَ{ :و اَل َيْظِلُم َر ُّبَك َأَح ًد ا} [الكهف ،]49 :أَّنه كامل العدل.
وفي قوله{ :اَل َتْأُخ ُذ ه ِس َنٌة َو اَل َنْو ٌم} [البقرة ،]255 :أَّنُه كامل القيوِم َّية.
()2/619
فقوله تعالى{ :اَل ُتْد ِر ُك ُه اَأْلْبَص اُر } يدُّل على غايِة عظمته ،وَأَّنه أكبُر من كِّل شيٍء ،وأَّنه لعظمته ال
ُيْد َر ك بحيث ُيَح اُط به ،فإَّن اإلدراك هو :اإلحاطة بالشيء ،وهو قدٌر زائٌد على الرؤية ،كما قال
تعالىَ{ :فَلَّم ا َتَر اَءى اْلَجْمَعاِن َقاَل َأْص َح اُب ُموَس ى ِإَّنا َلُم ْد َر ُك وَن (َ )61قاَل َك اَّل } [الشعراء،61 :
]62فلم ينِف موسى الرؤية ،ولم يريدوا بقولهمِ{ :إَّنا َلُم ْد َر ُك وَن } إَّنا لمْر ِئُّيون؛ فإَّن موسى -
صلوات الَّله وسالمه عليه -نفى إدراكهم إَّياهم بقولهَ{ :ك اَّل } وأخبر الَّله سبحانه أَّنه ال يخاف
دركهم بقولهَ{ :و َلَق ْد َأْو َح ْيَنا ِإَلى ُموَس ى َأْن َأْس ِر ِبِعَباِد ي َفاْض ِرْب َلُه ْم َطِر يًق ا ِفي اْلَبْح ِر َيَبًس ا اَل
َتَخ اُف َدَر ًك ا َو اَل َتْخَش ى ([ } )77طه .]77 :فالرؤية واإلدراك كٌّل منهما يوجد مع اآلخر
وبدونه ،فالرُّب تعالى ُيرى وال ُيْد َر ُك ،كما يعلُم وال يحاط به ،وهذا هو اَّلذي فهمته الصحابة
واألئمة من اآلية.
قال ابن عباس -رضي الَّله عنهما{ :-اَل ُتْد ِر ُك ُه اَألْبَص اُر } [األنعام ]103 :ال ُتِح يُط به األبصار" (
. )1
وقال قتادة" :هو أعظُم من أْن تدركه األبصار" (. )2
وقال عطية" :ينظرون إلى الَّلِه وال تحيط أبصارهم به من عظمته ،وبصره يحيط بهم ،فذلك قوله
تعالى{ :اَل ُتْد ِر ُك ُه اَأْلْبَص اُر َو ُه َو ُيْد ِر ُك اَأْلْبَص اَر } " (. )3
__________
( )1أخرجه الطبري في تفسيره ( )299 /7بلفظ" :ال يحيط بصر أحد بالملك".
وسنده ضعيف جًد ا.
( )2أخرجه الطبري ( )299 /7وسنده صحيح.
( )3أخرجه الطبري في تفسيره ( .)192 /29وعطية هو العوفي.
()2/620
فالمؤمنون يرون ربهم -تبارك وتعالى -بأبصارهم عياًنا ،وال تدركه أبصارهم ،بمعنى أنها ال تحيط
به ،إذ كان غير جائز أن يوصف الَّله عز وجل بأن شيًئا يحيط به ،وهو بكل شيء محيط ،وهكذا
ُيْس ِم ُع كالمه من شاء من خلقه ،وال يحيطون بكالمه ،وهكذا ُيعَّلم الخلق ما علمهم ،وال يحيطون
بعلمه.
ونظير هذا استداللهم على نفي الصفات بقوله تعالىَ{ :لْيَس َك ِم ْثِلِه َش ْي ٌء} [الشورى ،]11 :وهذا
من أعظم األدلة على كثرة صفات كماله ونعوت جالله ،وأنها لكثرتها وعظمتها وسعتها لم يكن
له ِم ْثٌل فيها ،وإال فلو أريد بها نفي الصفات لكان العدم المحض أولى بهذا المدح منه ،مع أن
جميع العقالء إنما يفهمون من قول القائل :فالن ال ِم ْثَل له وليس له نظير ،وال شبيه وال مثل = أَّنه
قد َتَم َّيز عن الناس بأوصاٍف ونعوت ال يشاركونه فيها ،وكلما كثرت أوصافه ونعوته فات أمثاله،
وبعد عن مشابهة أضرابه ،فقوله تعالىَ{ :لْيَس َك ِم ْثِلِه َش ْي ٌء} من أدِّل شيٍء على كثرة نعوته
وصفاته.
وقوله تعالى{ :اَل ُتْد ِر ُك ُه اَألْبَص اُر } [األنعام ]103 :من أدِّل شيٍء على َأَّنُه ُيرى وال ُيدرك.
ِل ِف ِس ِة ِت ِذ
وقوله تعالىُ{ :ه َو اَّل ي َخ َلَق الَّس َم اَو ا َو اَأْلْرَض ي َّت َأَّياٍم ُثَّم اْس َتَو ى َعَلى اْلَعْر ِش َيْع َلُم َما َي ُج
ِفي اَأْلْر ِض َو َما َيْخ ُرُج ِم ْنَه ا َو َما َيْنِز ُل ِم َن الَّس َم اِء َو َما َيْع ُرُج ِفيَه ا َو ُه َو َمَعُك ْم َأْيَن َما ُك ْنُتْم َو الَّلُه ِبَم ا
َتْع َم ُلوَن َبِص يٌر ([ })4الحديد ،]4 :من أدِّل شيٍء على مباينة الَّر ِّب لخلقه؛ فإنه لم يخلقهم في
ذاته بل
()2/621
خلقهم ( )1خارًج ا عن ذاته ،ثم بان عنهم باستوائه على عرشه ،وهو يعلم ما هم عليه ،ويراهم
وينفذهم بصره ،ويحيط بهم ِع ْلًم ا وقدرة وإرادة وسمًعا وبصًر ا ،فهذا معنى كونه سبحانه معهم
أينما كانوا.
وتأَّمل ُح سن هذه المقابلة لفًظا ومعًنى بين قوله{ :اَل ُتْد ِر ُك ُه اَأْلْبَص اُر َو ُه َو ُيْد ِر ُك اَأْلْبَص اَر } [األنعام:
.]103فإنه سبحانه لعظمته يتعالى أن تدركه األبصار وتحيط به ،وِلُلْطِف ه وخبرته ُيْد رك األبصار
فال تخفى عليه ،فهو العظيم في ُلْطِف ه ،اللطيف في عظمته ،العالي في قربه ،القريب في علِّو ه،
اَّلذي {َلْيَس َك ِم ْثِلِه َش ْي ٌء َو ُه َو الَّس ِم يُع اْلَبِص يُر } [الشورى{ ،]11 :اَل ُتْد ِر ُك ُه اَأْلْبَص اُر َو ُه َو ُيْد ِر ُك
اَأْلْبَص اَر َو ُه َو الَّلِط يُف اْلَخ ِبيُر ([ })103األنعام.]103 :
فصل
الدليل السابع :قوله عز وجلُ{ :وُج وٌه َيْو َم ِئٍذ َناِض َر ٌة (ِ )22إَلى َر ِّبَه ا َناِظ َر ٌة ([ })23القيامة22 :
،]23 -وأنت إذا َأَجْر َت هذه اآلية من تحريفها عن مواضعها والكذب على المتكلم بها سبحانه
فيما أراد منها = وجدتها منادية نداء صريًح ا :أَّن الَّله سبحانه ُيرى عياًنا باألبصار يوم القيامة ،وإن
أبيت إال تحريفها الذي يسميه الُم حِّر ُفون تأوياًل ،فتأويل نصوص المعاد والجنة والنار والميزان
والحساب أسهل على أربابه من تأويلها ،وتأويل كل نًّص تضمنه القرآن والسنة كذلك ،وال يشاء
ُمْبِط ٌل على وجه األرض أن يتأول النصوص ويحرفها عن مواضعها إال وَج َد إلى ذلك من السبيل
__________
( )1من "أ" فقط.
()2/622
ما وجده متأول مثل هذه النصوص ،وهذا الذي أفسد الدين والدنيا.
وإضافة النظر إلى الوجه الذي هو محّله في هذه اآلية ،وَتْع ِد يته بأداة "إلى" الصريحة في نظر
العين ،وإخالء الكالم من قرينة تدل على أن المراد بالنظر المضاف إلى الوجه الُم َعَّدى بـ "إلى"
خالف حقيقته ،وموضوعه = صريح في أن الَّله سبحانه أراد بذلك نظر العين التي في الوجه إلى
نفس الرب جل جالله ،فإن النظر له ِع َّدة استعماالت بحسب ِص الته وَتَعِّديه بنفسه:
فإن ُعِّد َي بنفسه فمعناه :التوقف واالنتظار ،كقوله تعالى{ :اْنُظُر وَنا َنْق َتِبْس ِم ْن ُنوِر ُك ْم } [الحديد:
.]13
وإن ُعَّد بـ "في" فمعناه :التفكر واالعتبار ،كقوله تعالىَ{ :أ َل ْنُظ وا ِفي َلُك وِت الَّس ا اِت
َم َو َم َو ْم َي ُر َي
َو اَأْلْر ِض } [األعراف.]185 :
وإن ُعِّد َي بـ "إلى" فمعناه :المعاينة باألبصار كقوله تعالى{ :اْنُظُر وا ِإَلى َثَم ِر ِه ِإَذا َأْثَمَر } [األنعام:
،]99فكيف إذا ُأضيف إلى الوجه الذي هو محل البصر؟
قال يزيد بن هارون :أنبأنا مبارك ،عن الحسن" :نظرت إلى ربها تبارك وتعالى فَنِض رت بنوره" ()1
.
__________
( )1أخرجه عبد الَّله بن أحمد في السنة رقم ( ،)479والطبري في تفسيره ()192 /29
واآلجري في الشريعة رقم ( )585والدارقطني في الرؤية رقم ( ،)217وغيرهم.
وسنده حسن.
()2/623
فاسمع اآلن أيها الُّس ِّني تفسير الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -وأصحابه والتابعين وأئمة اإلسالم
لهذه اآلية.
قال ابن مردويه في "تفسيره" :حدثنا إبراهيم بن محمد ،حدثنا صالح بن أحمد ،حدثنا يزيد بن
الهيثم ،حدثنا محمد بن الصباح ،حدثنا مصعب بن المقدام ،حدثنا سفيان ،عن ثوير بن أبي فاختة،
عن أبيه ،عن عبد الَّله بن عمر -رضي الَّله عنه -قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم-
في قوله تعالىُ{ :وُج وٌه َيْو َم ِئٍذ َناِض َر ٌة ( } )22قال" :من البهاء والحسن {ِإَلى َر ِّبَه ا َناِظ َر ٌة (} )23
[القيامة .]23 :قال :في وجه الَّله عز وجل" (. )1
وقال أبو صالح :عن ابن عباس {ِإَلى َر ِّبَه ا َناِظ َر ٌة ( } )23قال" :تنظر إلى وجه ربها" (. )2
وقال عكرمةُ{ :وُج وٌه َيْو َم ِئٍذ َناِض َر ٌة ( } )22قال" :من النعيم"ِ{ ،إَلى َر ِّبَه ا َناِظ َر ٌة ()3( } )23
قال" :تنظر إلى ربها نظًر ا" ،ثم حكى عن ابن عباس مثله" (. )4
__________
( )1سنده ضعيف .وعلته ضعف ثوير.
وتقدم أصل هذا الحديث في ص ( .)324 - 323وهو ال يثبت مرفوًعا.
( )2لم أقف عليه من طريق أبي صالح.
وقد توبع أبو صالح ،فرواه عبد الصمد عن أبيه ،وعكرمة كالهما عن ابن عباس نحوه.
أخرجه اآلجري في الشريعة رقم ( ،)588والاللكائي رقم (.)799
( )3من قوله "قال عكرمة" إلى "ناظرة" سقط من "ج".
( )4أخرجه اآلجري في الشريعة رقم ( ،)588والاللكائي رقم ( :)804عن ابن =
()2/624
وهذا قول كل مفسر من أهل السنة والحديث.
فصل
وأما األحاديث عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -وأصحابه الدالة على الرؤية فمتواترة ،رواها
عنه أبو بكر الصديق وأبو هريرة ( ،)1وأبو سعيد الخدري ،وجرير ابن عبد الَّله البجلي ،وصهيب
بن سنان الرومي ،وعبد الَّله بن مسعود الهذلي ،وعلي بن أبي طالب ،وأبو موسى األشعري،
وعدي بن حاتم الطائي ،وأنس بن مالك األنصاري ،وبريدة بن الحصيب األسلمي ،وأبو رزين
العقيلي ،وجابر بن عبد الَّله األنصاري ،وأبو أمامة الباهلي ،وزيد بن ثابت ،وعمار بن ياسر،
وعائشة أم المؤمنين ،وعبد الَّله بن عمر ،وُعَم ارة بن ُرَو ْيبة ،وسلمان الفارسي ،وحذيفة بن اليمان،
وعبد الَّله بن عباس ،وعبد الَّله بن عمرو بن العاص -وحديثه موقوف -وُأبي بن كعب ،وكعب
بن ُعْج رة ،وَفَض الة بن ُعبيد -وحديثه موقوف ،-ورجل من أصحاب الَّنبي -صلى الَّله عليه
وسلم -غير ُمسَّم ى.
فهاك سياق أحاديثهم من الصحاح والمسانيد والسنن ،وَتَلَّق ها بالقبول والتسليم وانشراح الصدر،
ال بالتحريف والتبديل وضيق العطن ،وال ُتكِّذ ب بها؛ فمن َك َّذ َب بها لم يكن إلى وجه ربه من
__________
= عباس ،وسنده ضعيف ,فيه إبراهيم بن الحكم بن أبان العدني ضعيف .لكنه ثابت عن عكرمة
بالشطر األول.
أخرجه عبد الَّله بن أحمد في السنة رقم ( ،)481واآلجري ( )587 ،586والاللكائي ()803
وغيرهم.
( )1ليس في "أ ،هـ"" :وأبو هريرة".
()2/625
فصل
فأما حديث أبي بكر الصديق :فقال اإلمام أحمد :حدثنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ،قال:
حدثني النضر بن ُش َم يل المازني قال :حدثني أبو َنَعامة قال :حدثني أبو ُهَنيدة البراء بن نوفل عن
واالن العدوي عن حذيفة عن أبي بكر الصديق -رضي الَّله عنه -قال" :أصبح رسول الَّله -صلى
الَّله عليه وسلم -ذات يوم فصلى الغداة ثم جلس ،حتى إذا كان من الضحى ضحك رسول الَّله
-صلى الَّله عليه وسلم ،-ثم جلس مكانه حَّتى صَّلى اُألولى والعصر والمغرب ،كل ذلك ال
يتكلم حتى صلى العشاء اآلخرة ،ثم قام إلى أهله ،فقال الناس ألبي بكر :أال تسأل رسول الَّله -
صلى الَّله عليه وسلم -ما شأنه؟ صنع اليوم شيًئا لم يصنعه قط ،قال :فسأله ،فقال" :نعم ،عرض
علَّي ما هو كائٌن من أمر الدنيا وأمر اآلخرة ،فجمع األولون واآلخرون في صعيد واحدَ ،فَف ِظ ع (
)1الناس بذلك حتى انطلقوا إلى آدم -صلى الَّله عليه وسلم -والعرق يكاد يلجمهم ،فقالوا :يا
آدم أنت أبو البشر ،وأنت اصطفاك الَّله عز وجل ،اشفع لنا إلى ربك ،قال :لقد لقيت مثل الذي
لقيتم ،انطلقوا إلى أبيكم بعد أبيكم؛ إلى نوحِ{ :إَّن الَّلَه اْص َطَف ى آَدَم َو ُنوًح ا َو آَل ِإْبَر اِه يَم َو آَل
ِع ْم َر اَن َعَلى اْلَعاَلِم يَن ([ })33آل عمران ]33 :قال :فينطلقون إلى نوح -صلى الَّله عليه
وسلم ،-فيقولون :اشفع لنا إلى ربك ،فأنت اصطفاك الَّله واستجاب لك في دعائك ،ولم َيَدْع
على األرض من الكافرين دياًر ا ،فيقول :ليس ذلكم عندي،
__________
( )1في "ب ،ج ،د ،هـ"" :فقطع".
()2/626
انطلقوا إلى إبراهيم -صلى الَّله عليه وسلم -فإن الَّله اتخذه خلياًل ،فينطلقون إلى إبراهيم،
فيقول :ليس ذاكم عندي ،انطلقوا إلى موسى -صلى الَّله عليه وسلم-؛ فإن الَّله عز وجل كلمه
تكليًم ا ،فيقول موسى -صلى الَّله عليه وسلم :-ليس ذلك عندي ،ولكن انطلقوا إلى عيسى بن
مريم -صلى الَّله عليه وسلم -فإَّنه كان ُيْبرُئ األكمه واألبرص ويحيى الموتى ،فيقول عيسى:
ليس ذاكم عندي ،انطلقوا إلى سيد ولِد آدم ( ، )1إلى محمد -صلى الَّله عليه وسلم ،-فليشفع
لكم إلى رَّبُك م عَّز وجَّل ،قال :فينطلُق فيأتي جبريل ربه تبارك وتعالى فيقول الَّله عَّز وجَّل :ائذن
له وبِّش رُه بالجَّنة ،فينطلُق به جبريل -صلى الَّله عليه وسلم -فيخر ساجًد ا قدَر ُجُم عة ،ويقوُل الَّله
عَّز وجَّل :ارفع رأَس ك ،وُقْل ُيسمع ،واْش فع ُتَش َّف ع ،قال :فيرفع رأسه فإذ انظر إلى وجه رِّبه خَّر
ساجًد ا قْد ر ُجُم عٍة أخرى ،فيقول الَّله عَّز وجَّل :ارفع رأسك وقل ُيسمع ،واشفع ُتشَّف ع ،قال:
فيذهب ليقع ساجًد ا فيأخذ جبريل ِبَض ْبَعيه فيفتح الَّله َعَّز َو َج َّل عليه من الدعاء شيًئا لم يفتحه على
بشٍر قط ،فيقول :أي رب خلقتني سيد ولد آدم وال فخر ،وأول من تنشق األرض ( )2عنه يوم
القيامة وال فخر ،حَّتى إَّنه ليرد على الحوض أكثر مما بين صنعاء وأيلة ،ثم يقال :ادعوا الصديقين
فيشفعون ،ثم يقال :ادعوا األنبياء ،قال :فيجيء الَّنبي ومعُه الِعَص ابة ،والَّنبي ومعه الخمسة
والستة ،والَّنبي وليس معه أحد ،ثَّم يقال :ادعوا الشهداء فيشفعون لمن أرادوا ،قال :فإذا فعلِت
الشهداء ذلك ،قال :يقول الَّله عَّز وجَّل :أنا أرحُم الَّر احمين اْد ِخ لوا جَّنتي من كان ال يشرك بي
شيًئا،
__________
( )1جاء في المسند بعد "آدم" "فإنه أول من تنشق األرض عنه يوم القيامة".
( )2من المسند و"ج ،د ،هـ".
()2/627
قال :فيدخلون الجَّنة ،قال :ثَّم يقول الَّلُه عَّز وجَّل :انظروا في الَّناِر هل تلقوَن من أحٍد عمل خيًر ا
قُّط ؟ قال :فيجدون في الَّناِر رجاًل ،فيقول له :هل عملت خيًر ا قُّط ؟ فيقول :ال ،غير أِّني ُك ْنُت
أسامح الناس في البيع ،فيقول الَّلُه عَّز وجَّل :اْس مُح وا لعبدي كإسماحه إلى عبيدي ،ثَّم ُيْخ ِر ُج ون
من الَّناِر رجاًل ُيقول له :هل عملت خيًر ا قط؟ فيقول :ال ،غير أِّني قد أمرت ولدي إذا مُّت ،
فأحرقوني بالَّناِر ثَّم اطحنوني حَّتى إذا ُك ْنُت مثل الُك حل فاذهبوا بي إلى البحِر فأِذ ُّر وني في الِّر يح،
فوالَّلِه ال يقدُر علَّي رُّب العالمين أبًد ا ،فقال الَّلُه عَّز وجَّل لهِ :لَم فعلَت ذلك؟ قال :من مخافتك،
قال :فيقوُل الَّلُه عَّز وجَّل :انظر إلى ُمْلِك أعظِم َم ِلٍك ،فإَّن لك مثَلُه وعشرَة أمثالِه ،قال :فيقول:
أتسخر بي وأنت الملك ،قال :وذلك اَّلذي ضحكُت منه من الُّضحى" (. )1
__________
( )1أخرجه أحمد في مسنده ( ،)5 - 4 /1وابن حبان في صحيحه ( /14رقم ،)6476وأبو
عوانه في صحيحه رقم ( )443وابن أبي عاصم في السنة ( )815والبزار في مسنده رقم ()76
وغيرهم.
-ورواه الجريري عن أبي هنيدة عن حذيفة مرفوًعا (لم يذكر واالن وأبا بكر).
ذكره الدارقطني في علله (.)190 /1
قال الدارقطني" :والحديث غير ثابت".
وقال ابن خزيمة" :إن صح الحديث" ،كما في التوحيد (.)734 /2
وقال ابن حبان" :أخبرنا عبد الَّله بن محمد األزدي بخبر غريب " . . .ثم ساقه ،قلت :ولعل
مراده التفرد.
والحديث صححه ابن حبان وأبو عوانة وغيرهما.
وقال البزار . . ." :رواه جماعة من جَّلة أهل العلم بالنقل واحتملوه".
()2/628
فصل
وأَّما حديُث أبي هريرة وأبي سعيد :ففي "الصحيحين" ( )1عن أبي هريرة أَّن ُأناًس ا قالوا :يا رسول
الَّلِه هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-هل تضاُّر ون في رؤية
القمِر ليلَة البدِر ؟ قالوا :ال يا رسول الَّله ،قال :هل تضاُّر ون في رؤية ( )2الشمس ليس دونها
سحاب؟ قالوا :ال ،قال :فإَّنكم ترونه كذلك ،يجمُع الَّلُه الَّناس يوم القيامة فيقول :من كان يعبد
شيًئا فليتبعه ،فيَّتبع من كان يعبد الشمَس الشمَس ،ويتبع من كان يعبد القمَر الَق َمَر ،ويتبع من كان
يعبد الطواغيت الطواغيت ،وتبقى هذه األمة فيها منافقوها ،فيأتيهم الَّل تبارك وتعالى في صورٍة
ُه
غير صورته التي يعرفون ،فيقول :أنا ربكم ،فيقولون :نعوذ بالَّله منك ،هذا مكاننا حَّتى يأتينا ربنا،
فإذا جاء ربنا عرفناه ،فيأتيهم الَّله عَّز وجَّل في صورته التي يعرفون ،فيقول :أنا ربكم ،فيقولون:
أنت ربنا فيتبعونه ،ويضرب الصراط بين َظْه َر اَني جهَّنم ،فأكون أنا وأمتي َأَّو َل من ُيِج ْيُز ،وال
يتكَّلم يومئٍذ إاَّل الرسل ،ودعوى الُّر سل يومئٍذ :اللهم سِّلم ِّلم ،وفي جهَّنم كاللي مثل شوِك
ُب َس
الَّس ْع دان ،هل رأيتم السعدان؟ قالوا :نعم يا رسول الَّله ،قال :فإَّنها مثل شوك السعدان غير أَّنه ال
يعلُم قدر ِع َظمها ِإاَّل الَّلُه عَّز وجَّل ،تخطف الَّناس بأعمالهم ،فمنهم الُمْو َبق بعمله ،ومنهم الُم جازى
حتى ينجو ،حَّتى إذا فرغ الَّله من القضاء بين العباد ،وأراد أْن ُيخرَج برحمته من أراد من أهل
الَّناِر ،أمَر المالئكة أن
__________
( )1البخاري رقم ( 773و 6204و ،)700ومسلم رقم (.)182
( )2من "ب ،هـ".
()2/629
يخرجوا من الَّناِر من كان ال يشرك بالَّله شيًئا مَّم ن أراد الَّله أْن يرحمه مَّم ن يقول :ال إله ِإاَّل الَّلُه،
فيعرفونهم بأثر السجود ،تأكل الَّناُر من ابن آدم ِإاَّل أثَر السجود ،حَّر م الَّلُه على الَّناِر أْن تأكل أثر
السجود ،فيخرجون من الَّناِر قد اْمُتِح ُش وا فيصب عليهم ماء الحياة ،فينبتون منه كما تنبت الحَّبة
في َح ميل السيل ،ثَّم يفرغ الَّلُه من القضاء بين العباد ،ويبقى رجٌل مقبل بوجهه على الَّناِر -وهو
آخر أهل الجَّنة دخواًل الجَّنة -فيقول :أي رِّب أصرف وجهي عن الَّناِر ،فإَّنه قد َقَش بني ريُح ها
وأحرقني ذكاؤها ،فيدعو الَّله ما شاء أْن يدعوُه ،ثَّم يقول الَّله تبارك وتعالى :هل عسيت إْن فعلت
ذلك أن تسأل غيره؟ فيقول :ال أسألك غيره ،فُيعِط ي ربه من عهود ومواثيق ما شاء ،فيصرف الَّله
وجهه عن الَّنار ،فإذا أقبَل على الجَّنة ،ورآها سكت ما شاء الَّله أن يسكت ،ثَّم يقولَ :أي رِّب
قِّدمني إلى باب الجَّنة ،فيقول الَّلُه :أليس قد أعطيَت عهودك ومواثيقك ال تسألني غير اَّلذي
أعطيتك؟ ويلك يا ابن آدم ما أغدرك! فيقول أي رب فيدعو الَّله حَّتى يقول له :فهل عسيت إْن
أعطيتك ذلك أْن تسأل غيره؟ فيقول :ال وِع َّز تك ،فُيعطي رَّبه ما شاء الَّله من عهوٍد ومواثيق
فيقدمه إلى باب الجَّنة ،فإذا قاَم على باب الجَّنة انفهقت له الجَّنة فرأى ما فيها من الخيِر
والسرور ،فسكَت ما شاء الَّلُه أْن يسكت ،ثَّم يقول أي رِّب أدخلني الجَّنة ،فيقول الَّله تبارك
وتعالى له :أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك أْن ال تسأل غير ما ُأعِط يت؟ ويلك يا ابن آدم ما
أغدرك! فيقول :أي رِّب ،ال أكون أشقى خلقك ،فال يزال يدعو حَّتى يضحك الَّله منه ،فإذا
ضحك الَّله منه قال :أدخل الجَّنة ،فإذا دخلها قال الَّله لهَ :تَم َّنْه ،فيسأل ربه ويتمَّنى حَّتى أَّن الَّلَه
َلُيَذ َّك ره فيقول:
()2/630
من كذا وكذا ،حَّتى إذا انقطعت به األمانُّي ،قال الَّلُه عَّز وجَّل :لك ذلك ومثله معه".
قال عطاء بن يزيد :وأبو سعيد الخدري مع أبي هريرة ال يرد عليه من حديثه شيًئا حَّتى إذا حَّدث
أبو هريرة :إَّن الَّله عَّز وجَّل قال لذلك الرجل "ومثله معه" قال أبو سعيد :وعشرة أمثاله معه يا أبا
هريرة ،قال أبو هريرة :ما حفظت ِإاَّل قوله" :ذلك لك ومثله معه" قال أبو سعيد :أشهُد أِّني
حفظت من رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -قوله" :ذلك لك وعشرة أمثاله" قال أبو هريرة:
وذلك الرجل آخر أهل الجَّنة دخواًل الجَّنة.
وفي "الصحيحين" ( )1أيًض ا َعن أبي سعيد الخدري -رضي الَّله عنه -أَّن ناًس ا في زمن رسول
الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -قالوا :يا رسول الَّله ،هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الَّله -
صلى الَّله عليه وسلم :-نعم ،هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحًو ا ليس معها سحاب؟
وهل تضارون في رؤية القمِر ليلة البدِر صحًو ا ليس فيها سحاب؟ قالوا :ال يا رسول الَّله؟ قال :ما
تضارون في رؤية الَّله تبارك وتعالى يوم القيامة؛ ِإاَّل كما تضارون في رؤية أحدهما ،إذا كان يوم
القيامة أَّذَن مؤَّذٌن ،لتتبع كُّل ُأَّمٍة ما كانت تعبد ،فال يبقى أحٌد مَّم ن كان يعبد غير الَّله من األصنام
واألنصاب ِإاَّل يتساقطون في الَّناِر ،حَّتى إذا لم يبَق ِإاَّل من كان يعبد الَّله من بٍّر وفاجر ،وغير أهل
الكتاب ،فيدعى اليهود فيقال لهم :ما كنتم تعبدون؟ قالواُ :ك َّنا نعبد عزيَر ابَن الَّله ،فيقال :كذبتم
ما اتخَذ الَّله من صاحبة وال ولد ،فماذا تبغون؟ قالوا :عطشنا يا رب فاسقنا ،فيشار إليهم أال
__________
( )1البخاري رقم ( ،)7001ومسلم رقم (.)183
()2/631
تردون؟ فيحشرون إلى الَّناِر كأَّنها سراب َيْح ِط ُم بعضها بعًض ا ،فيتساقطون ( )1في الَّناِر ،ثَّم يدعى
النصارى ،فيقال لهم :ما كنتم تعبدون؟ قالواُ :ك َّنا نعبد المسيح ابَن الَّله ،فيقال لهم :كذبتم ما
اتخذ الَّلُه من صاحبة وال ولد ،فيقال :ماذا تبغون؟ فيقولون :عطشنا يا ربنا فاسقنا ،قال :فيشار
إليهم أال تردون؟ فُيْح َش رون إلى جهَّنْم كَأَّنها سراب يحطم بعضها بعًض ا ،فيتساقطون في النار،
حَّتى إذا لم يبق إال من كان يعبد الَّله من بر وفاجر ،أتاهم رب العالمين سبحانه وتعالى في أدنى
صورة من التي رأوه فيها .قال :فما تنتظرون؟ ِلَتَّتبع كل أمة ما كانت تعبد ،قالوا :يا ربنا فارقنا
الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم ،فيقول :أنا ربكم ،فيقولون :نعوذ بالَّله منك ال
نشرك بالَّله شيًئا -مرتين أو ثالًثا -حتى إَّن بعضهم ليكاد أن ينقلب فيقول :هل بينكم وبينه آية
تعرفونه بها؟ فيقولون :نعم ،فُيْك َش ف عن ساٍق فال يبقى من كان يسجد لَّله من تلقاء نفسه إال أذن
الَّله له بالسجود ،وال يبقى من كان يسجد اَّتقاًء ورياء إال جعل الَّله َظْه ره طبقًة واحدًة ،كلَّم ا أراد
أْن يسجد خَّر على قفاُه ،ثَّم يرفعون رؤوسهم ،وقد تحَّو ل في صورته التي رأوُه فيها َأَّو ل مَّر ة،
فيقوُل :أنا رُّبكم ،فيقولون :أنت ربنا ،ثَّم ُيْض َر ب الجسر على جهَّنم وتحُّل الشفاعة ،قيل :يا
رسول الَّله وما الجسر؟ قال :دحض مزَّلة فيه خطاطيف وكالليب ،وَح َس ك -تكون بنجٍد فيها
شويكة يقال لها الَّس ْع َد ان -فيمُّر المؤمنون كطرف العين ،وكالبرق ،وكالِّر يح ،وكالطير،
وكأجاويد الخيل والِّر كاِب ،
__________
( )1في نسخة على حاشية "أ"" :فيتسابقون" ،وكذلك مثله ما بعده.
()2/632
فناٍج مسَّلم ،ومخدوٌش ُمْر َس ٌل ،ومكدوٌش في نار جهَّنم ،حَّتى إذا خلص المؤمنون من الَّنار،
فواَّلذي نفسي بيده ما منكم من أحٍد بأشَّد مناشدًة لَّله في استيفاء الحِّق من المؤمنين لَّله يوم
القيامة إلخوانهم اَّلذين في الَّناِر ،يقولون :ربنا كانوا يصومون مَعَنا ويصلون ويحُّج ون ،فيقال لهم:
أخرجوا من عرفتم ،فتحرم صورهم على الَّناِر فُيخرجون خلًق ا كثيًر ا ،قد أخذِت الَّنار إلى أنصاف
ساقيه وإلى ركبتيه ،فيقولون :رَّبَنا ما بقَي فيها أحد ممن أمرتنا ،فيقول :ارجعوا فمن وجدتم في
قلبه مثقال ديناٍر من خير فأخرجوه ،فيخرجون خلًق ا كثيًر ا ،ثَّم يقولون :ربنا لم َنَذ ْر فيها أحًد ا
ممن أمرتنا ،ثَّم يقول :ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف ديناٍر من خير فأخرجوه،
فُيْخ ِر جون خلًق ا كثيًر ا ،ثم يقولون :ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحًد ا ،ثم يقول :اْر ِج عوا فمن
وجدتم في قلبه مثال ذَّر ٍة من خير فأخرجوه ،فيخرجون خلًق ا كثيًر ا ،ثَّم يقولون :ربنا لم نذر فيها
خيًر ا -وكان أبو سعيد الخدري يقول :إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرؤوا إْن شئتمِ{ :إَّن الَّلَه
اَل َيْظِلُم ِم ْثَق اَل َذَّر ٍة َو ِإْن َتُك َح َس َنًة ُيَض اِع ْف َه ا َو ُيْؤ ِت ِم ْن َلُد ْنُه َأْج ًر ا َعِظ يًم ا} [النساء- ]40 :
ِإ ِت َّل
فيقول ال ه عَّز وجَّل :شفع المالئكة ،وشفع الَّنبيون ،وشفع المؤمنون ،ولم يبَق اَّل أرحُم
الَّر احمين ،فيقبض قبضة من الَّنار فُيْخ رج منها قوًم ا لم يعملوا خيًر ا قُّط ،قد عادوا ُحَمًم ا فيلقيهم
في نهٍر في أفواِه الجَّنة يقال له :نهر الحياة ،فيخرجون كما تخرُج الِح َّبة في َح ميل السيل ،أال
ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ،ما يكون إلى الشمس أصيفر وُأخيضر ،وما يكون منها
إلى الظل يكون أبيض ،فقالوا يا رسول الَّله كأَّنَك كنَت ترعى بالبادية ،قال :فيخرجون كاللؤلؤ
في
()2/633
رقابهم الخواتيم يعرفهم أهل الجَّنة :هؤالء عتقاء الَّله اَّلذين أدخلهم الَّله اْلجَّنة بغير عمٍل عملوه
وال خيٍر قَّدموه ،ثَّم يقول :ادخلوا الجَّنة فما رأيتموه فهو لكم ،فيقولون :ربنا أعطيتنا ما لم ِط
ُتْع
أحًد ا من العالمين ،فيقول :لكم عندي أفضل من هذا ،فيقولون :يا ربنا وأُّي شيٍء أفضل من هذا؟
فيقول :رضائي فال أسخط عليكم بعده أبًد ا".
فصل
وأما حديث جرير بن عبد الَّله :ففي "الصحيحين" ( )1من حديث إسماعيل بن أبي خالد ،عن
قيس بن أبي حازم ،عنه قال :كنا جلوًس ا مع الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -فنظر إلى القمر ليلة
أربع عشرة فقال" :إنكم سترون ربكم عياًنا كما ترون هذا ،ال تضامون في رؤيته ،فإن استطعتم
أن ال ُتغَلبوا على صالة قبل طلوع الشمس وقبل الغروب فافعلوا ،ثم قرأَ{ :و َس ِّبْح ِبَحْم ِد َر ِّبَك
َقْبَل ُطُلوِع الَّش ْم ِس َو َقْبَل اْلُغُر وِب ([ })39ق.]39 :
رواه عن إسماعيل بن أبي خالد :عبد الَّله بن إدريس األودي ،ويحيى بن سعيد القطان ،وعبد
الرحمن بن محمد المحاربي ،وجرير ابن عبد الحميد ،وعبيدة بن ُحَم يد ،وهشيم بن بشير ،وعلي
بن عاصم ،وسفيان بن عيينة ،ومروان بن معاوية ،وأبو أسامة ،وعبد الَّله بن ُنَم ير ،ومحمد بن
عبيد ،وأخوه يعلى بن عبيد ،ووكيع بن الجراح ،ومحمد ابن فضيل ،والُّطَف اوي ،ويزيد بن
هارون ،وإسماعيل بن [مجالد] (،)2
__________
( )1البخاري رقم ( 529و 547و 4570و ،)6997ومسلم رقم (.)633
( )2وقع في جميع النسخ (إسماعيل بن أبي خالد) وهو خطأ ،لذا كتب ناسخ (أ) على هذا االسم
(كذا) ،وهو إشارة إلى استغراب هذا االسم= .
()2/634
وعنبسة بن سعيد ،والحسن بن صالح بن َح ٍّي ،وورقاء بن عمر ،وعمار بن رزيق ،وأبو األغر
سعيد بن عبد الَّله ،ونصر بن طريف ،وعمار بن محمد ،والحسن بن عياش أخو أبي بكر ،ويزيد
بن عطاء ،وعيسى بن يونس ،وشعبة بن الحجاج ،وعبد الَّله بن المبارك ،وأبو حمزة السكري،
وحسين بن واقد ،ومعتمر بن سليمان ،وجعفر ابن زياد ،وخداش بن المهاجر ،وُه َر ْيم بن سفيان،
ومندل بن علي ،وأخوه :حبان بن علي ،وعمرو بن َمْر ثد ،وعبد الغفار بن القاسم ،ومحمد بن
بشر الجريري ،ومالك بن ِم غول ،وعصام بن النعمان ،وعلي بن القاسم الِكْنِد ي ،وُعبيدة بن
األسود الهْم داني ،وعبد الجبار ابن العباس ،والُم عَّلى بن هالل ،ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة،
والصَّباح ابن ُمَح ارب ،ومحمد بن عيسى ،وسعيد بن حازم ،وأبان بن أرقم ،وعمرو بن النعمان،
ومسعود بن سعد الُج عفي ،وعَّثام بن علي،
__________
= وهو كما قال؛ وإن كان هناك رجل بهذا االسم :إسماعيل بن أبي خالد الفدكي إال أَّنه يروي
عن أبي هريرة ،فهو أعلى طبقة منه.
والصواب ما أثبته ،بدليل أن المؤلف َس َر َد هذه األسماء على هذا النسق من كتاب الرؤية
للدارقطني بمثل ترتيب الدارقطني ،وأيًض ا أخرجه الدارقطني في الرؤية برقم ( )85و ( )145ثنا
أبو حامد محمد بن هارون الحضرمي حدثنا عمر بن إسماعيل بن مجالد ثنا أبي ثنا إسماعيل بن
أبي خالد وبيان ومجالد عن قيس بن أبي حازم به.
وأخرجه الطبراني في الكبير ( )310 /2رقم ( ،)2292والشحامي في حديث السراج رقم (
.)1402
من طرق عن عمر بن إسماعيل بن مجالد عن أبيه به.
وعمر بن إسماعيل هو الهمداني الكوفي :متروك الحديث.
()2/635
وحسن بن حبيب ،وسنان بن هارون البرجمي ،ومحمد بن يزيد الواسطي ،وعمرو بن هاشم (
، )1ومحمد بن مروان ،ويعلى بن الحارث المحاربي ،وشعيب بن راشد ،والحسن بن دينار،
وساَّل م بن أبي مطيع ،وداود بن الِّز ْبرقان ،وحماد بن أبي حنيفة ،ويعقوب بن حبيب ،وحَّك ام بن
سلم ،وأبو مقاتل ابن حفص ،ومسيب بن شريك ،وأبو حنيفة النعمان بن ثابت ،وعمرو بن شمر
الجعفي ،وعمرو بن عبد الغفار الُفَق يمي ،وسيف بن هارون الُبْر ُج مي أخو سنان ،وعائذ بن حبيب،
ومالك بن ُس َعْير بن الِخ مس ،ويزيد بن عطاء مولى أبي عوانة ،وخالد بن يزيد الَعْص ري ،وعبيد
الَّله بن موسى ،وخالد بن عبد الَّله الطَّح ان ،وأبو ُك َد ْيَنة يحيى بن الُم َه َّلب ،وَر َقَبة بن َمْص َق لة،
ومعمر بن سليمان الَّر قي ،وُمَر َّج ى بن رجاء ،وعمرو بن جرير ،ويحيى بن هاشم ( )2السمسار،
وإبراهيم بن َطْه َم ان ،وخارجة بن مصعب ،وعبد الَّله بن عثمان -شريك شعبة ،-وعبد الَّله بن
فروخ ،وزيد ابن أبي ُأنيسة ،وجَّو ده فقال" :سُتعاَيُنون رَّبُك م عَّز وجَّل كما ُتعاينون هذا الَق َمَر " (
. )3وأبو شهاب الحَّناط وقالَ" :س َتَر ْو َن رَّبُك م
__________
( )1في "ب"" :هشام".
( )2في "هـ" ،ونسخة على حاشية "أ" "هشام" وهو خطأ.
( )3أخرجه ابن مندة في اإليمان رقم ( ،)799والاللكائي في شرح أصول االعتقاد رقم (،)826
والدارقطني في الرؤية رقم (.)130
وسنده صحيح.
قال الدارقطني" :جَّو ده زيد بن أبي أنيسة عن إسماعيل بقوله (ستعاينون ربكم .) ....
()2/636
ِع َياًنا" ( . )1وجارية بن هرم ،وعاصم بن حكيم ومقاتل بن سليمان وأبو جعفر الرازي ،والحسن
بن أبي جعفر ،والوليد بن عمرو ،وأخوه :عثمان بن عمرو ،وعبد السالم بن عبد الَّله بن قرة
العنبري ،ويزيد بن عبد العزيز ،وعلي بن صالح بن َح ّي ،وُز َفر بن الُه َذ يل ،والقاسم بن معن.
وتابع إسماعيل بن أبي خالد عن قيس جماعة منهم:
بَيان بن ِبْش ر ،وُمَج الد بن سعيد ،وطارق بن عبد الرحمن ،وجرير ابن يزيد بن جرير البجلي،
وعيسى بن المسيب ،كُّلهم عن قيس بن أبي حازم ،عن جرير (. )2
فكُّل هؤالء شهدوا على إسماعيل بن أبي خالد ،وشهد إسماعيل ابن أبي خالد على قيس بن أبي
حازم ،وشهد قيس بن أبي حازم على جرير بن عبد الَّله ،وشهد جرير على رسول الَّله -صلى الَّله
عليه وسلم -فكأَّنك تسمع رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -وهو يقوله ويبِّلغه ُألَّمته ،وال
شيَء أقَّر ألعينهم منه ،وشهدت الجهمية والفرعونية والَّر افضة والقرامطة والباطنية وفروخ
الصابئة والمجوس واليونان بكفر من اعتقد ذلك ،وأَّنه من أهل التشبيه والتجسيم ،وتابعهم على
ذلك كُّل عدًّو للسنة وأهلها ،والَّله ناصٌر كتابه وُس َّنة رسوله ولو كره الكافرون.
__________
( )1أخرجه البخاري في صحيحه رقم (.)6998
( )2انظر عامة هذه الطرق عند الدارقطني في الرؤية من رقم ( )69إلى (.)148
()2/637
فصل
وأَّما حديث صهيب :فرواُه مسلم في "صحيحه" ( )1من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن
عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-إذا دخل
أهل الجَّنة الجَّنَة قال :يقول الَّله عَّز وجَّل :تريدون شيًئا أزيدكم؟ فيقولون :ألم ُتبِّيض وجوهنا،
ألم تدخلنا الجَّنة وتنِّج نا من الَّناِر ؟ قال :فيكشُف الحجاَب ،فما ُأعطوا شيًئا أحَّب إليهم من النظِر
إلى رِّبهم عَّز وجَّل ،ثَّم تال هذه اآليةِ{ :لَّلِذ يَن َأْح َس ُنوا اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة} [يونس." ]26 :
وهذا حديٌث رواه األئمة عن حَّم اد وتلقوه عن نبِّيهم بالقبول والتصديق.
فصل
وأَّما حديث عبد الَّله بن مسعود :فقال الطبراني :حدثنا محمد بن النضر األزدي وعبد الَّله بن
أحمد بن حنبل ،والحضرمي قالوا :حدثنا إسماعيل بن ُعبيد بن أبي كريمة الحَّر اني ،حدثنا محمد
بن سلمة الحَّر اني عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة عن الِم ْنَه ال بن عمرو عن أبي عبيدة
عن عبد الَّله عن مسروق بن األجدع ،حدثنا عبد الَّله بن مسعود قال" :يجمع الَّله األَّو لين
واآلخرين لميقات يوٍم معلوم ،قياًم ا أربعين سنة شاخصة أبصارهم إلى السماِء ينتظرون فصل
القضاء ،قال :وينزل الَّله عَّز وجَّل في ُظَلٍل من الغمام من العرش إلى الكرسي ،ثَّم ينادي مناٍد :
أيها الَّناُس ألم ترضوا من ربكم اَّلذي خلقكم
__________
( )1رقم ( ،)181وسيأتي بيان االختالف فيه ص (.)693
()2/638
ورزقكم ،وأمركم أْن تعبدوه وال تشركوا به شيًئا أن يولي كَّل أناٍس منكم ما كانوا يتولون
ويعبدون في الدنيا ،أليس ذلك عداًل من ربكم؟ قالوا :بلى ،قال :فينطلق كُّل قوٍم إلى ما كانوا
يعبدون ويتولون في الدنيا ،قال :فينطلقون ،ويمَّثل لهم أشباه ما كانوا يعبدون ،فمنهم من ينطلق
إلى الشمس ،ومنهم من ينطلق إلى القمر ،وإلى األوثان من الحجارة وأشباه ما كانوا يعبدون،
قال :ويمَّثل لمن كان يعبد عيسى شيطان عيسى ،ويمَّثل لمن كان يعبد ُعَز يًر ا شيطان عزير ،ويبقى
محمد -صلى الَّله عليه وسلم -وأمته ،فيأتيهم الرُّب عَّز وجَّل فيقول :ما لكم ال تنطلقون كما
انطلق الَّناُس ؟ قال :فيقولون :إَّن لنا إلًه ا ما رأيناُه َبْع ُد ،فيقول :هل تعرفونه إْن رأيتموه؟ فيقولون:
إَّن بيننا وبينه عالمة إذا رأيناه عرفناها ،قال :فيقول ما هي؟ فيقولون :يكشف عن ساقه ،فعند
ذلك يكشف عن ساٍق فيخُّر ون له ُس َّج ًد ا ،ويبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر يريدون السجود
فال يستطيعون ،وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ،ثَّم يقول :ارفعوا رؤوسكم فيرفعون
رؤوسهم فيعطيهم نورهم على قدر أعمالهم ،فمنهم من ُيْع طى نوره مثل الجبل العظيم يسعى بين
يديه ،ومنهم من ُيعطى نوًر ا أصغر من ذلك ،ومنهم من ُيْع طى نوًر ا مثل النخلة بيمينه ،ومنهم من
يعطى نوًر ا أصغر من ذلك حَّتى يكون آخرهم رجاًل يعطى نوره على إبهام قدمه يضيء مَّر ة ،ويطفأ
مَّر ة ،فإذا أضاء قَّدم َقَد مه فمشى ،وإذا طفيء قام ،والرُّب تبارك وتعالى أمامهم حَّتى يمر في الَّناِر
فيبقى أثره كحِّد السيف دحض مزلة ،قال :ويقول :مُّر وا فيمرون على قدر نورهم ،منهم من يمر
كطرف العين ،ومنهم من يمر كالبرق ،ومنهم من يمر كالسحاب ،ومنهم من يمر كانقضاض
الكوكب ،ومنهم
()2/639
من يمر كالريح ،ومنهم من يمُّر كشد الفرس ،ومنهم من َيُم ُّر كشِّد الرجل ،حَّتى يمر اَّلذي ُأعطي
نوره على إبهام قدمه ،يحبو على وجهه ويديه ورجليه تِخ ُّر يٌّد ،وتعلق يٌد ،وتِخ ُّر رجٌل ،وتعلق
رجٌل ،وتصيب جوانبه النار ،فال يزال كذلك حتى يخلص ،فإذا خلص وقف عليها ،ثَّم قال:
الحمد لَّله لقد أعطاني الَّله ما لم ُيْع ِط أحًد ا ،إذ نجاني منها بعد إذ رأيتها ،قال :فينطلق به إلى
غدير عند باب الجَّنة فيغتسل فيعود إليه ريح أهل الجَّنة وألوانهم ،فيرى ما في الجَّنة من خالل
الباِب ،فيقول :رِّب أدخلني الجَّنة ،فيقول الَّله تبارك وتعالى له :أتسأل الجَّنَة وقد نجيتك من
النار؟! فيقول :رب اجعل بيني وبينها حجاًبا ،ال أسمع حسيسها .قال :فيدخل الجَّنة ،قال :ويرى
أو يرفع له منزٌل أمام ذلك ،كأَّنما اَّلذي هو فيه إليه حلم ،فيقول :رب أعطني ذلك المنزل،
فيقول :فلعلك إْن أعطيتكه تسأل غيره؟ فيقول :ال وعَّز تك ،ال أسألك غيره ،وأي منزٍل يكون
أحسن منه؟ قال :فيعطاُه فينزله ،ويرى أمام ذلك منزاًل ( ، )1كأَّنما اَّلذي هو فيه إليه حلم ،قال:
أي رب أعطني ذلك المنزل ،فيقول الَّله عَّز وجَّل ،فلعلك إْن أعطيتكه تسأل غيره ،فيقول :ال
وعزتك ال أسأل غيره ،وأي منزل يكون أحسن منه ،قال :فيعطى فينزله ،قال :ويرى أو يرفع أمام
ذلك منزل آخر ،كأَّنما هو إليه حلم ،فيقول :أعطني ذلك المنزل ،فيقول الَّله جَّل جالله :فلعلك
إْن أعطيتكه تسأل غيره؟ فيقول :ال وعَّز تك ال أسأل غيره ،وأي منزٍل -يكون أحسن منه ،قال:
فيعطاه فينزله ،ثَّم يسكت ،فيقول الَّله
__________
( )1قوله "ذلك منزاًل " :في نسخة على حاشية "أ"" :ذلك المنزل منزاًل ".
()2/640
عَّز وجَّل :مالك ال تسأل؟ فيقول له :رِّب لقد سألتك حَّتى استحييتك ،وأقسمت لك حَّتى
استحييتك ،فيقول الَّله عَّز وجَّل :أال ترضى أن أعطيك مثل الدنيا منذ يوم خلقتها إلى يوم أفنيتها
وعشرة أضعافها؟ فيقول :أتستهزُئ بي وأنت رب العَّز ة ،فيضحك الرب عَّز وجَّل من قوله -
قال :فرأيُت عبد الَّله بن مسعود إذا بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك ،فقال له رجل :يا
أبا عبد الرحمن ،قد سمعتك تحدث هذا الحديث مراًر ا ،كَّلما بلغَت هذا المكان ضحكت،
فقال :إِّني سمعت رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -يحدث هذا الحديث مراًر ا؛ كَّلما بلغ هذا
المكان من هذا الحديث ضحك ،حَّتى تبدو أضراسه .-قال :فيقول الَّله عَّز وجَّل :ال ولكِّني
على ذلك قادٌر ،سل .فيقول :ألحقني بالَّناِس ،فيقول :الحق بالَّناس ،قال :فينطلق يرمل في الجَّنة،
حَّتى إذا دنى من الَّناِس ُر ِفَع له قصٌر من دَّر ٍة ,فيخر ساجًد ا ،فيقال له :ارفع رأسك مالك؟ فيقول:
رأيُت رِّبي أو تراءى لي رِّبي ،فيقال له :إَّنما هو منزٌل من منازلك ،قال :ثَّم يلقى رجاًل ،فيتهيأ
للسجود ،فيقال له :مه ،مالك؟ فيقول :رأيُت أَّنك ملٌك من المالئكة ،فيقول :إَّنما أنا خازٌن من
ُخ َّز انك ،عبٌد من عبيدك ،تحت يدَّي ألف قهرمان ،على مثل ما أنا عليه ،قال :فينطلق أمامه حَّتى
يفتح له القصر ،قال :وهو في ُدَّر ٍة مجَّو فة ،شقائقها ( ، )1وأبوابها وأغالقها ومفاتيحها منها،
يستقبله جوهرة خضراء مبطنة بحمراء كل جوهرة تفضي إلى جوهرة فيها سبعون باًبا ،كُّل باٍب
يفضي إلى جوهرة خضراء مبطنة بحمراء ،كل جوهرة تفضي
__________
( )1في "ب ،ج ،د ،هـ"" :سقائفها".
()2/641
إلى جوهرة ( )1على غير لون اآلخرى ،في كُّل جوهرة سرٌر وأزواج ،ووصائف أدناهَّن حوراء
عيناء ،عليها سبعون حَّلةُ ،يرى ُمخ ساقها من وراء حللها ،كبدها مرآته وكبده مرآتها ،إذا أعرض
عنها إعراضًة ازدادت في عينه سبعون ضعًف ا ،عَّم ا كانت قبل ذلك ،فيقول لها :والَّله لقد ازددت
في عيني سبعين [ /182ب] ضعًف ا ،وتقول له :والَّله وأنت لقد ازددت في عيني سبعين ضعًف ا،
فيقال لهَ :أْش ِر ف ،قال :فيشرف فيقال له :ملكك مسيرة مئة عام ينفذه بصره ،قال فقال :عمر:
أال تسمع ما يحدثنا ابن ُأِّم عبٍد يا كعب ،عن أدنى أهل الجَّنة منزاًل ،فكيف أعالهم؟
قال كعب :يا أمير المؤمنين ما ال عيٌن رأت وال أذٌن سمعت ،إَّن الَّله عَّز وجَّل جعل داًر ا فيها ما
شاء من األزواج والثمرات واألشربة ،ثَّم أطبقها فلم يرها أحٌد من خلقه ال جبريل وال غيره من
المالئكة ،ثَّم قرأ كعبَ{ :فاَل َتْع َلُم َنْف ٌس َما ُأْخ ِف َي َلُه ْم ِم ْن ُقَّر ِة َأْع ُيٍن َجَز اًء ِبَم ا َك اُنوا َيْع َم ُلوَن (
[ } )17السجدة ،]17 :قال :وخلق دون ذلك جنتين ،وزينهما بما شاء وأراهما من شاء من
خلقه ،ثَّم قال :من كان كتابه في ِع ِّليين نزل تلك الَّدار التي لم يرها أحد حَّتى إَّن الرجل من أهل
عليين ليخرج فيسير في ملكه فما تبقى خيمٌة من خيم الجَّنة إاَّل دخلها من ضوء وجهه
فيستبشرون بريحه فيقولون :واًه ا لهذه الِّر يح ،هذا رجٌل من أهل ِع ِّلَّيين قد خرج ليسير في ملكه،
فقال :ويحك يا كعب ،هذه القلوب قد استرسلت فاقبضها ،فقال كعب :واَّلذي نفسي بيده إَّن
لجهَّنم يوم القيامة لزفرة ما يبقى من ملٍك مقَّر ب ،وال نبي مرسل ِإاَّل خَّر لركبتيه حَّتى إَّن إبراهيم
خليل الَّله
__________
( )1من قوله "فيها سبعون باًبا" إلى "جوهرة" من "ب ،ج ،د ،هـ".
()2/642
يقول :رِّب ( )1نفسي نفسي ،حَّتى لو كان لك عمل سبعين نبًّيا إلى عملك لظننَت أَّنك ال تنجو"
(. )2
هذا حديٌث كبيٌر حسن ،رواه المصنفون في السَّنة كعبد الَّله بن أحمد والطبراني والَّدارقطني في
كتاب "الرؤية" ( ، )3رواه عن ابن صاعد،
__________
( )1في نسخة على حاشية "أ" "يا رب".
( )2أخرجه عبد الَّله في السنة رقم ( )1203وابن أبي الدنيا في صفة الجنة رقم (،)31
والشاشي في مسنده رقم ( ،)410والطبراني في الكبير رقم ( ،)9763واآلجري في الشريعة
رقم ( ،)160والدارقطني في الرؤية رقم ( )162والحاكم في المستدرك ( )408 /2رقم (
)3424وقال" :صحيح على شرط الشيخين ،ولم يخرجاه" والبيهقي في البعث رقم (.)479
من طريق أبي خالد الداالني وزيد بن أبي أنيسة كالهما عن المنهال بن عمرو به.
قال الذهبي" :ما أنكره حديًثا على جودة إسناده ،وأبو خالد شيعي منحرف".
-ورواه األعمش وإدريس األودي كالهما عن المنهال عن قيس بن السكن عن عبد الَّله بن
مسعود موقوًفا.
بلفظ (إن الرجل من أهل الجنة ليؤتى بالكأس وهو جالس مع زوجته فيشربها ،يلتفت إلى زوجته
فيقول :قد ازددت في عيني سبعين ضعًف ا حسًنا).
أخرجه ابن أبي شيبة ( )57 /7رقم ( ،)33982وذكره الدارقطني في العلل ( ،)244 /5وفي
الرؤية رقم ( )164وابن منده في اإليمان (.)820 /2
قال الدارقطني في العلل" :والصحيح حديث أبي خالد الداالني وزيد بن أبي أنيسة عن المنهال ..
." . .
وقال ابن منده في اإليمان ( :)820 /2في حديث زيد بن أبي أنيسة -وهذا إسناد صحيح،
أخرجه النسائي ا .هـ
قلت :الموقوف أصح إسناًدا والَّله أعلم.
( )3برقم (.)160
وفيه كرز بن وبرة عابد زاهد ،وكان ابن شبرمة كثير المدح له ،وذكره ابن =
()2/643
حدثنا محمد بن أبي عبد الرحمن المقرئ ،قال :حدثنا أبي ،حدثنا ورقاء بن عمر ،حدثنا أبو طيبة،
عن كرز بن وبرة ،عن نعيم بن أبي هند ،عن أبي عبيدة عن عبد الَّله.
ورواُه من طريق عبد السالم بن حرب ،حدثنا الداالني ،حدثنا المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة به.
ورواُه من طريق زيد بن أبي أنيسة ،عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة به.
ومن طريق أحمد بن أبي طيبة ،عن كرز بن وبرة عن نعيم بن أبي هند عن أبي عبيدة.
فصل
وأَّما حديث علي بن أبي طالب :فقال يعقوب بن سفيان :حدثنا محمد بن المصَّف ى حدثنا سويد بن
عبد العزيز ،حدثنا عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن أبيه عن جِّده علي ( )1بن أبي طالب -
رضي الَّله عنه -قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلمَ" :-يُزْو ُر أهُل الجَّنة الرَّب تبارك
وتعالى في كِّل جمعة ،وذكر ما ُيعطون قال :ثَّم يقول الَّله تبارك وتعالى :اكشفوا حجاًبا ،فيكشف
حجاب ،ثَّم حجاب ( ،)2ثَّم يتجَّلى لهم تبارك
__________
= حبان في الثقات ( )27 /9وسكت عنه البخاري وابن أبي حاتم.
انظر :الجرح والتعديل ( ،)170 /7والتاريخ الكبير (.)238 /7
( )1في "ب ،ج ،د ،هـ" "عن جِّده عن علي" ،وهو غير موجود عند الاللكائي.
( )2قوله "ثم حجاب" ليس في "أ".
()2/644
وتعالى عن وجهه ،فكأَّنهم لم يرو نعمًة قبل ذلك ،وهو قوله تبارك وتعالىَ{ :و َلَد ْيَنا َم ِز يٌد (})35
[ق.)1( " ]35 :
فصل
وأَّما حديث أبي موسى :ففي "الصحيحين" ( )2عنه -رضي الَّله عنه -عن الَّنبي -صلى الَّله عليه
وسلم -قال" :جَّنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ،وجَّنتاِن من ذهٍب آنيتهما وما فيهما ،وما بين
الَق ْو ِم وبيَن أْن ينظروا إلى رِّبهم تبارك وتعالى إاَّل رداء الكبرياء على وجهه في جَّنِة عدن".
وقال اإلمام أحمد :حدثنا حسن بن موسى وعفان قاال :حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن
عمارة عن أبي ُبْر َدة عن أبي موسى قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-يجمع الَّلُه
عَّز وجَّل اُألَمَم في صعيٍد واحٍد يوم القيامة ،فإذا بدا لَّله أْن يصدع بين خلقهُ ،مِّثَل لكَّل قوٍم ما
كانوا يعبدون فيتبعونهم حَّتى يقحموا بهم ( )3الَّنار ،ثَّم يأتينا رُّبنا عَّز وجَّل ونحن على مكان
رفيع ،فيقول :من أنتم؟ فنقول :نحن المسلمون ،فيقول :ما تنتظرون؟ فيقولون :ننتظُر ربنا عَّز
وجَّل ،قال :فيقول :وهل تعرفونه
__________
( )1أخرجه الاللكائي في شرح أصول االعتقاد رقم ( )852من طريق يعقوب بن سفيان به مثله.
وهو حديث موضوع فيه عمرو بن خالد القرشي قال اإلمام أحمد :كذاب ،يروي عن زيد بن
علي عن آبائه أحاديث موضوعة ،يكذب.
انظر تهذيب الكمال (.)605 /21
( )2البخاري رقم ( ،)4597ومسلم رقم (.)180
( )3في "ب ،هـ ،د" والمسند "يقحمونهم".
()2/645
إْن رأيتموه؟ فيقولون :نعم ( ، )1إَّنه ال ِع ْد ل له ،فيتجَّلى لنا ضاحًك ا فيقول :أبشروا يا معشر
المسلمين ،فإنه ليس منكم أحد إال جعلت في النار يهودًّيا أو نصرانًّيا مكانه" (. )2
وقال حماد بن سلمة :عن علي بن زيد ،عن عمارة القرشي ،عن أبي بردة ،عن أبي موسى ،عن
الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :يتجلى لنا ربنا تبارك وتعالى ضاحًك ا يوم القيامة" (. )3
وذكر الدارقطني من حديث أبان بن أبي عياش ،عن أبي تميمة الهجيمي ،عن أبي موسى ،عن
الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :يبعث الَّله يوم القيامة منادًيا بصوت يسمعه أولهم وآخرهم:
إَّن الَّله عز وجل وعدكم الحسنى وزيادة ،فالحسنى :الجنة ،والزيادة :النظر إلى وجه الَّله عز
وجل" (. )4
__________
( )1في المسند "فيقول :كيف تعرفونه ولم تروه؟ فيقولون :نعم".
( )2أخرجه أحمد في المسند ( .)408 - 407 /4وأخرجه عبد بن حميد رقم (،)539
واآلجري في الشريعة رقم ( ،)608وابن خزيمة في التوحيد رقم ( 339و )340وعبد الَّله في
السنة رقم ( )180مختصًر ا.
وسنده ضعيف جًّدا فيه عمارة القرشي قال األزدي :ضعيف جًّدا.
انظر لسان الميزان (.)322 /4
( )3أخرجه الدارقطني في الصفات رقم (.)34
وفيه عمارة القرشي :ضعيف جًد ا.
( )4أخرجه الدارقطني في الرؤية رقم (.)43
وفيه أبو بكر الهذلي :وهو متروك الحديث.
()2/646
فصل
وأَّما حديث عدي بن حاتم :ففي "صحيح البخاري" ( )1قال" :بينا أنا عند الَّنبي -صلى الَّله عليه
وسلم -إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة ،ثم أتى إليه آخر فشكا إليه قطع السبيل ،فقال" :يا عدي،
هل رأيت الِح ْيرة"؟ قلت :لم أرها ،وقد أنبئت عنها .قال" :فإن طالت بك حياة لترين الَظِعينة
ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة ال تخاف أحًد ا إال الَّله" .قلت فيما بيني وبين نفسي :فأين
ُدَّعاُر طيء الذين سعروا البالد؟ "وإن طالت بك حياة لتفتحَّن كنوز كسرى" ،قلت :كسرى بن
هرمز؟ قال :كسرى بن هرمز ،وإن طالت بك حياٌة َلتريَّن الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو
فضة يطلب من يقبله منه فال يجد أحًد ا يقبله منه ،وليلقين الَّله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه
حجاب وال ترجمان يترجم له ،فليقولن :ألم أبعث إليك رسواًل فيبلغك؟ فيقول :بلى يا رب،
فيقول :ألم أعطك مااًل وأفضل عليك؟ فيقول :بلى ،فينظر عن يمينه فال يرى إال جهنم ،وينظر
عن يساره فال يرى إال جهنم" .قال عدي :سمعُت الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -يقول" :اتقوا
النار ولو بشق تمرة ،فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة" .قال عدي :فرأيت الظعينة ترتحل من
الحيرة حتى تطوف بالكعبة ال تخاف إال الَّله ،وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز ،ولئن
طالت بكم حياة لترون ما قال الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم."-
__________
( )1رقم (.)3400
()2/647
فصل
وأما حديث أنس بن مالك :ففي "الصحيحين" ( )1من حديث سعيد بن أبي عروبة ،عن قتادة،
عن أنس بن مالك -رضي الَّله عنه -قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-يجمع الَّله
الناس يوم القيامة فيهتُّم ون لذلك -وفي لفظ :فُيْلهمون لذلك -فيقولون :لو استشفعنا إلى ربنا
حتى يريحنا من مكاننا هذا؟ فيأتون آدم ،فيقولون :أنت آدم أبو الخلق ،خلقك الَّله بيده ،ونفخ
فيك من روحه ،وأمر المالئكة فسجدوا لك ،اشفع لنا عند ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا،
فيقول :لست هناكم ،فيذكر خطيئته التي أصاب فيستحيي ربه منها ،ولكن ائتوا نوًح ا أَّو ل رسول
بعثه الَّله عز وجل ،قال :فيأتون نوًح ا فيقول :لست هناكم ،فيذكر خطيئته التي أصاب فيستحيي
ربه منها ،ولكن ائتوا إبراهيم الذي اتخذه الَّله خلياًل ،فيأتون إبراهيم فيقول :لست هناكم ،ويذكر
خطيئته التي أصاب فيستحيي ربه منها ،ولكن ائتوا موسى الذي كلمه الَّله وأعطاه التوراة ،فيأتون
موسى فيقول :لست هناكم ،ويذكر خطيئته التي أصاب ،فيستحيي ربه منها ،ولكن ائتوا عيسى
روح الَّله وكلمته ،فيأتون عيسى روح الَّله وكلمته فيقول :لست هناكم ،ولكن ائتوا محمًد ا -
صلى الَّله عليه وسلم ،-عبًد ا قد غفر الَّله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ،قال :قال رسول الَّله -
صلى الَّله عليه وسلم :-فيأتوني فأستأذن على ربي فيؤَذُن لي ،فإذا أنا رأيته فأقع ساجًد ا َفَيَدَعني
ما شاء الَّله أن يدعني ،فيقال :يا محمد ،ارفع رأسك ،وقل ُيسمع ،وسل تعط ،واشفع تشَّف ع.
فأرفع رأسي ،فأحمد
__________
( )1البخاري رقم ( 6975و ،)7002ومسلم رقم (.)193
()2/648
ربي بتحميد يعِّلمنيه ربي ،فأشفع فيحد لي حًّدا ،فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ،ثم أعود،
فأقع ساجًد ا ،فيدعني ما شاء الَّله أن يدعني ،ثم يقال :ارفع رأسك يا محمد ،قل يسمع ،وسل
تعط ،واشفع تشَّف ع ،فأرفع رأسي ،فأحمد ربي بتحميد يعلمنيه ربي ،ثم أشفع :فيحد لي حًّدا
فأخرجهم من النار ،وأدخلهم الجنة .قال :فال أدري في الثالثة أو في الرابعة ،قال :فأقول :يا
رب ،ما بقي في النار إال من حبسه القرآن" .أي :وجب عليه الخلود.
وذكر ابن خزيمة :عن ابن عبد الحكم ،عن أبيه وشعيب بن الليث ،عن الليث ( ، )1حدثنا معتمر
بن سليمان ،عن حميد ،عن أنس قال" :يلقى الناس في القيامة ما شاء الَّله أن يلقوه من الحبس،
فيقولون :انطلقوا بنا إلى آدم فيشفع لنا إلى ربنا -فذكر الحديث إلى أن قال -:فينطلقون إلى
محمد -صلى الَّله عليه وسلم -فأقول :أنا لها ،فانطلق حتى أستفتح باب الجنة فيفتح في فأدخل
وربي على عرشه فأخر ساجًد ا" وذكر الحديث (. )2
وقال أبو عوانة ،وابن أبي عروبة ،وهمام ،وغيرهم :عن أنس ( )3في هذا الحديث" :فأستأذن
على ربي فإذا رأيته وقعت ساجًد ا".
__________
( )1كذا في النسخ وفيه سقط ،ولعَّل تتَّم ته (عن ابن الهاد عن عمرو -وهو ابن أبي عمرو -عن
أنس .وحدثنا الحسين بن الحسن حدثنا المعتمر بن سليمان).
انظر التوحيد البن خزيمة ( 710 /2و .)716
( )2التوحيد البن خزيمة رقم (.)358
( )3كذا في النسخ ،وصوابه "وغيرهم عن قتادة عن أنس".
انظر التوحيد البن خزيمة رقم (.)354
()2/649
وقال عفان ،عن حماد بن سلمة ،عن ثابت ،عن أنس" :فآتي ربي وهو على سريره ،أو كرسيه
فأخر له ساجًد ا".
وساقه ابن خزيمة بسياق طويل ،وقال فيه" :فأستفتح فإذا نظرت إلى الرحمن وقعت له ساجًد ا" (
. )1
ورؤية الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -لربه في هذا المقام ثابته عنه ثبوًتا يقطع به أهل العلم
بالحديث والسنة ،وفي حديث أبي هريرة" :أنا أول من تنشق عنه األرض يوم القيامة وال فخر،
وأنا سيد ولد آدم وال فخر ،وأنا صاحب لواء الحمد وال فخر ،وأنا أول من يدخل الجنة وال
فخر ،آخذ بحلقة باب الجنة ،فيؤذن لي ،فيستقبلني وجه الجبار جل جالله ،فأخر له ساجًد ا" ()2
.
وقال الدارقطني :حدثنا محمد بن إبراهيم النسائي المعدل بمصر ،حدثنا عبد الَّله بن محمد بن
جعفر القاضي ،حدثنا أبو بكر إبراهيم بن محمد ،حدثنا الخليل بن عمر حدثنا [عمر بن سعيد
األبح] ( ، )3عن سعيد بن أبي عروبة ،عن قتادة ،عن أنس -رضي الَّله عنه -عن الَّنبي -صلى
الَّله عليه وسلم -في قوله عز وجلِ{ :لَّلِذ يَن َأْح َس ُنوا اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة}
__________
( )1التوحيد البن خزيمة رقم (.)358
( )2تقدم في ص (.)122
( )3ما بين المعكوفتين من مصدر التخريج ،ووقع في جميع النسخ بدله" :األشج" وهو خطأ.
()2/650
[يونس ]26 :قال" :النظر إلى وجه الَّله عز وجل" (. )1
حدثنا أبو صالح عبد الرحمن بن سعيد بن هارون األصبهاني ،ومحمد بن جعفر بن أحمد الَم ِط ْيري
( ، )2ومحمد بن علي ابن إسماعيل األيلي ،قالوا :حدثنا عبد الَّله بن روح المدائني ،حدثنا سالم
بن سليمان ،حدثنا ورقاء ،وإسرائيل ،وشعبة ،وجرير بن عبد الحميد كلهم قالوا :حدثنا ليث عن
عثمان بن أبي حميد ،عن أنس ابن مالك ،قال :سمعت رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم-
يقول" :أتاني جبريل وفي كفه كالمرآة البيضاء يحملها ،فيها كالنكتة السوداء ،فقلت :ما هذه
التي في يدك يا جبريل؟ فقال :هذه الجمعة ،قلت :وما الجمعة ،قال :لكم فيها خير كثير ،قلت:
وما يكون لنا فيها؟ قال :يكون عيًد ا لك ولقومك من بعدك ،وتكون اليهود والنصارى تبًعا لكم،
ِق
قلت :وما لنا فيها؟ قال :لكم فيها ساعة ال يسأل الَّله عبٌد فيها شيًئا هو له ْسٌم إال أعطاه إياه ،أْو
ليس له بقسم إال ُذخر له في آخرته ما هو أعظم منه ،قلت :ما هذه النكتة التي هي فيها؟ قال :هي
الساعة ونحن ندعوه يوم المزيد ،قلت :وما ذاك يا جبريل؟ قال إن ربك اتخذ في الجنة وادًيا،
فيه كثبان من مسك أبيض ،فإذا كان يوم الجمعة هبط من ِع َّليين على كرسيه ،فيحف
__________
( )1أخرجه الدارقطني في الرؤية رقم (.)48
وفيه عمر بن سعيد األبح :قال البخاري :منكر الحديث ،وقال أبو حاتم الرازي :ليس بقوي.
انظر الجرح والتعديل ( ،)111 /6ولسان الميزان (.)352 /4
( )2في جميع النسخ" :الطبري" وهو خطأ .تاريخ بغداد (.)143 /2
()2/651
الكرسَّي ،بكراسي من نور ،فيجئ الَّنبيون حتى يجلسوا على تلك الكراسي ،وتحف الكراسي
بمنابر من نور ،ومن ذهب مكللة بالجوهر ،ثم يجيء الصديقون والشهداء حتى يجلسوا على تلك
المنابر ،ثم ينزل أهل الغرف من غرفهم ،حتى يجلسوا على تلك الكثبان ،ثم يتجلى لهم عز وجل
فيقول :أنا الذي صدقتكم وعدي ،وأتممت عليكم نعمتي ،وهذا محل كرامتي فسلوني ،فيسألونه
حتى تنتهي رغبتهم ،فيفتح لهم في ذلك ما ال عين رأت ،وال أذن سمعت ،وال خطر على قلب
بشر ،وذلك بمقدار منصرفكم من الجمعة ،ثم يرتفع على ُك ْر ِس ِّيِه عز وجل ،ويرتفع معه الَّنبيون
والصديقون ،ويرجع أهل الغرف إلى غرفهم وهي :لؤلؤة بيضاء ،أو زبرجدة خضراء ،أو ياقوتة
حمراء ،غرفها وأبوابها فيها ،أنهارها مطردة فيها ،وأزواجها وخدامها ،وثمارها متدلية فيها،
فليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى يوم الجمعة ،ليزدادوا نظًر ا إلى ربهم ويزدادوا منه كرامة" (
. )1
__________
( )1أخرجه الدارقطني في الرؤية ( )59بسنده ومتنه .وعنه الخطيب في الموضح (.)264 /2
وأخرجه محمد بن عثمان بن أبي شيبة في العرش رقم (.)88
-وقال ليث مرة :عن عثمان بن عمير عن أنس.
أخرجه ابن منده في الرد على الجهمية رقم (.)92
-ورواه أبو طيبة وعنبسة ومحمد بن إسحاق كلهم عن ليث عن عثمان بن عمير عن أنس.
أخرجه اآلجري في الشريعة رقم ( ،)612وابن منده ( ،)92والدارقطني في الرؤية (،)60 ،62
والخطيب في الموضح (.)266 /2
والحديث مداره على عثمان بن أبي حميد -وهو ابن عمير أبو اليقظان =
()2/652
هذا حديث كبير عظيم الشأن ،رواه أئمة السنة وتلقوه بالقبول ،وَج َّم ل به الشافعي "مسنده"،
فرواه عن إبراهيم بن محمد ،قال :حدثني موسى بن عبيدة ،قال :حدثني أبو األزهر ،عن عبد الَّله
بن عبيد بن عمير أنه سمع أنس بن مالك ،فذكره بنحوه ،وقد تقدم لفظه (. )1
ثم قال الشافعي :أنبأنا إبراهيم قال :حدثني أبو عمران إبراهيم بن الجعد ،عن أنٍس شبيًه ا به وزاد
فيه أشياء (. )2
ورواه محمد بن إسحاق ،قال :حدثني ليث بن أبي سليم ،عن عثمان بن عمير ،عن أنس به ،وقال
فيه" :ثم يتجلى لهم ربهم عز وجل ،حتى ينظروا إلى وجهه الكريم " . . .وذكر باقي الحديث.
ورواه عمرو بن أبي قيس ،عن أبي ظبية ( ، )3عن عاصم ،عن عثمان بن عمير أبي اليقظان ،عن
أنس وجَّو دُه ،وفيه" :فإذا كان يوم الجمعة نزل على كرسيه ،ثم حف الكرسي بمنابر من نور،
فيجيء الَّنبيون حتى يجلسوا عليها ،ويجيء أهل الغرف حتى يجلسوا على الُك ُثب ،قال :ثم
يتجلى لهم ربهم تبارك وتعالى ،فينظرون إليه
__________
= الكوفي -ضعفه بعضهم ،وقال فيه بعضهم :منكر الحديث ،وقال آخرون :متروك ،وهو لم
يسمع من أنس ،وفيه أيًض ا ليث بن أبي سليم.
فالحديث ضعيف جًّدا.
( )1في الباب ( )61ص (.)576
( )2مسند الشافعي رقم (.)375
وفيه إبراهيم بن أبي يحيى األسلمي :متروك الحديث.
( )3في "أ"" :طيبة" ،والمثبت هو الصواب.
()2/653
فيقول :أنا الذي َص َد ْقتكم وعدي ،وأتممت عليكم نعمتي ،وهذا محل كرامتي = سلوني،
فيسألونه الرضى ،قال :رضاي أنزلكم داري ،وأنا لكم كرامتي سلوني ،فيسألونه الرضى،
فيشهدهم بالرضى ،ثم يسألونه حتى تنتهي رغبتهم" ( . )1وذكر الحديث.
ورواُه علي بن حرب ،حدثنا إسحاق بن سليمان حدثنا عنبسة بن سعيد عن عثمان بن عمير.
ورواُه الحسن بن َعَر فة حدثنا عَّم ار بن محمد :ابن أخت سفيان الثوري ،عن ليث بن أبي سليم،
عن عثمان وقال فيهُ" :ثَّم يرتفع على كرسِّيه ،ويرتفع معه الَّنبُّيون والِّص ديقون والشهداء ،ويرجُع
أهل الغرِف إلى غرفهم" (. )2
ورواه الَّدارقطني من طريٍق ُأخرى من حديث قتادة عن أنس قال :سمعته يقول" :بينا نحُن حوَل
رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -إذ قال" :أتاني جبريُل في يده كالمرآة البيضاء في وسطها
كالنكتة السوداء ،قلُت :يا جبريُل ،ما هذا؟ قال :هذا يوم الجمعة ،يعرضه عليك ربك ليكون لك
عيًد ا وألمتك من بعدك ،قال :قلُت :يا جبريل ،ما هذا النكتة السوداء؟ قال :هذه الساعة وهي
تقوم يوم الجمعة ،وهو سِّيد أيام الدنيا ،ونحن ندعوه في الجَّنة يوم المزيد ،قال :قلُت :يا جبريل
ولَم تدعونه يوم
__________
( )1أخرجه الدارقطني في الرؤية رقم ( ،)61والخطيب في الموضح ( )268 /2وغيرهما.
( )2أخرجه الدارقطني في الرؤية رقم (.)63
ومداره كما تقدم على عثمان بن عمير أو ابن أبي حميد.
()2/654
المزيد؟ قال :إَّن الَّله اَّتخَذ في الجَّنة وادًيا أفيح من مسٍك أبيض ،فإذا كان يوم الجمعة نزل ربنا
عَّز وجَّل على كرسِّيه إلى ذلك الوادي ،وقد ُح َّف العرُش بمنابر من ذهٍب مكَّللٍة بالجوهِر ،وقد
ُح َّف ت تلك المنابر بكراسي من نوٍر ،ثَّم يؤذن ألهل الغرف فيقبلون يخوضون كثبان المسك إلى
الُّر َك ب ،عليهم أسورة الذهب والفضة وثياب السندس والحرير ،حَّتى ينتهوا إلى ذلك الوادي،
فإذا اطمأُّنوا فيه جلوًس ا بعث الَّله عليهم ريًح ا ُيقال لها :المثيرة ،فثارت عليهم ينابيع المسك
األبيض في وجوههم وثيابهم ،وهم يومئٍذ ُجْر ٌد مرٌد مكحلون أبناء ثالث وثالثين على صورة آدم
يوم خلقه الَّله عز وجل ،فينادي رب العزة تبارك وتعالى رضوان وهو خازن الجنة ،فيقول :يا
رضوان ،ارفع الحجب بيني وبين عبادي وُز َّو اِر ي ،فإذا رفع الحجب بينه وبينهم فرأوا بهاءه
ونوره َه ُّبوا له بالسجود ،فيناديهم تبارك وتعالى بصوته :ارفعوا رؤوسكم فإنما كانت العبادة في
الدنيا ،وأنتم اليوم في دار الجزاء ،سلوني ما شئتم فأنا ربكم الذي صدقتكم وعدي ،وأتممت
عليكم نعمتي ،فهذا محل كرامتي فسلوني ما شئتم ،فيقولون :ربنا وأي خير لم تفعله بنا ،ألسَت
الذي أعنتنا على سكرات الموت ،وآنست منا الوحشة في ظلمة القبور ،وآمنت روعتنا عند
النفخة في الصور؟ ألسَت أقلتنا عثراتنا ،وسترت علينا القبيح من فعلنا ،وَثَّبَّت على جسر جهَّنم
أقدامنا؟ ألسَت اَّلذي أدنيتنا من جوارك وأسمعتنا لذاذة منطقك ،وتجليت لنا بنورك فأُّي خيٍر لم
تفعله بنا؟ فيعوُد الَّلُه عَّز وجَّل ،فيناديهم بصوته فيقول :أنا رُّبكم اَّلذي صدقتكم وعدي ،وأتممُت
عليكم نعمتي فسلوني ،فيقولون :نسألك رضاك ،فيقول :برضائي عنكم
()2/655
أقْلُتُك م عثراتكم ،وسترُت عليكم القبيح من أموركم ،وأدنيُت مِّني جواركم ،وأسمعتكم لذاذة
َم ْنطقي ،وتجليت لكم بنوري ،فهذا محل كرامتي فسلوني ،فيسألونه حتى تنتهي مسألتهم ،ثَّم
يقول الَّله عَّز وجَّل :سلوني فيسألونه حَّتى تنتهي رغبتهم ،ثَّم يقول الَّله عَّز وجَّل :سلوني،
فيقولون :رضينا ربنا وسلمنا ،فيريهم من مشهد فضله وكرامته ،ما ال عيٌن رأت وال أذن سمعت،
وال خطر على قلب بشر ،ويكون ذلك بمقدار تفرقهم من الجمعة ،قال أنس :فقلُت :بأبي أنت
وُأِّم ي يا رسول الَّله وما مقدار تفرقهم؟ قال :كقدر الجمعة إلى الجمعة ،قال :ثَّم يحمل عرش ربنا
تبارك وتعالى معهم المالئكة والَّنبيون ثَّم يؤذن ألهل الغرفات فيعودون إلى غرفهم وهما :غرفتان
من زمردتين خضراوين ،وليسوا إلى شيٍء أشوق منهم إلى الجمعة لينظروا إلى رِّبهم عَّز وجَّل،
وليزيدهم من مزيد فضله وكرامته" .قال أنس :سمعته من رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم،-
وليس بيني وبينه أحد (. )1
ورواُه الَّدارقطني أيًض ا :عن أبي بكر النيسابوري ،قال :أخبرني العباس بن الوليد بن مزيد قال:
أخبرني محمد بن شعيب قال :أخبرني
__________
( )1أخرجه الدارقطني في الرؤية رقم ( ،)64والعقيلي في الضعفاء الكبير (.)293 - 292 /1
قال العقيلي في ترجمة حمزة بن واصل المنقري عن قتادة" :مجهول في الرواية ،وحديثه غير
محفوظ".
ثم ساق العقيلي هذا الحديث بطوله ثم قال" :ليس له من حديث قتادة أصل ،هذا حديث عثمان
بن عمير أبو اليقظان عن أنس." . . . .
وعليه فالحديث منكر من هذا الطريق غير محفوظ.
()2/656
عمر مولى ُغْف رة عن أنس (. )1
ورواُه محمد بن خالد بن ُخ َلي ،حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع ،حدثنا صفوان قال :قال أنس:
قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم.-
ورواُه أبو بكر بن أبي شيبة ،حدثنا عبد الرحمن بن محمد ،عن ليث ،عن أبي عثمان ،عن أنس (
. )2
ورواُه إمام األئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة ،عن زهير بن حرب ،حدثنا جرير ،عن ليث ،عن
عثمان بن أبي حميد ،عن أنس.
ورواُه عن األسود بن عامر قالُ :ذِكر لي عن شريك ،عن أبي اليقظان ،عن أنس (. )3
ورواُه ابن بَّطة في "اإلبانة" ( )4من حديث األعمش عن أبي وائل عن
__________
( )1أخرجه الدارقطني في الرؤية رقم ( ،)65والدارمي في الرد على الجهمية رقم (.)144
وسنده ضعيف فيه عمر مولى غفرة لم يلق أنس بن مالك ،كما قال ابن معين وأبو حاتم الرازي.
انظر المراسيل رقم (.)496
( )2أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ( )478 - 477 /1رقم ( ،)5516وابن بطة في اإلبانة
(المختار) -الرد على الجهمية )29 - 24 /3( -رقم (.)24
( )3أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية رقم ( )198عن شيخ من أهل بغداد عن شريك به.
وكذا رواه يحيى بن يمان عن شريك به موقوًفا كما سيأتي عند المصنف ص (.)412
واألثر مداره على أبي اليقظان وقد تقدم الكالم عليه.
( )4كما في (المختار) -الرد على الجهمية ( )36 - 32 /3رقم ( ،)26وسيأتي =
()2/657
فصل
وأَّما حديث بريدة بن الحصيب :فقال إمام األئمة محمد بن إسحاق ابن خزيمة :حدثنا أبو خالد
عبد العزيز بن أبان القرشي ،حدثنا بشير بن المهاجر عن عبد الَّله بن ُبريدة عن أبيه قال :قال
رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-ما منكم من أحٍد إاَّل سيخلوا الَّله به يوم القيامة ،ليس بينه
وبينه حجاب وال ترجمان" (.)1
__________
= الكالم عليه في حاشية ص (.)679
( )1أخرجه عبد الَّله بن أحمد في السنة رقم ( )469والاللكائي في شرح أصول االعتقاد رقم (
:)853عن محمد بن إسحاق الصاغاني نا أبو خالد القرشي نا بشير بن المهاجر به مثله.
* ورواه الحسن بن ناصح عن عبد العزيز بن أبان به نحوه.
أخرجه الدارقطني في الرؤية (.)184
ولعل هذا الطريق هو مراد المؤلف ،فلعله لما رأى محمد بن إسحاق عند عبد الَّله في السنة،
ورأى الحديث عند ابن خزيمة في التوحيد انتقل ذهنه من الصاغاني إلى ابن خزيمة والَّله أعلم.
والحديث فيه عبد العزيز بن أبان وهو متروك الحديث .انظر تهذيب الكمال (.)110 /18
لكن يغني عنه ما عند ابن خزيمة في التوحيد ( )363 /1رقم (.)216
من طريق زيد بن الحباب عن حسين بن واقد عن عبد الَّله بن بريدة به (ما منكم من أحد إال
وسيكلمه ربه ،ليس بينه وبينه حاجب وال ترجمان).
()2/658
فصل
وأَّما حديث أبي َر ِز ين الُعقيلي :فرواُه اإلمام أحمد من حديث شعبة وحماد بن سلمة ،عن يعلى بن
عطاء ،عن وكيع بن ُح دس ،عن أبي رزين قال :قلنا :يا رسول الَّله ،أُك ُّلنا يرى رَّبه عَّز وجَّل يوم
القيامة؟ قال" :نعم" ،قال :قلُت :وما آية ذلك في خلقه؟ قال" :أليس كُّلكم ينظر إلى القمر ليلة
البدر"؟ قلنا :نعم ،قال" :الَّله أكبر وأعظم" (.)1
قال عبد الَّله قال أبي :والصواُب ُح دس (.)2
وقال أبو داود سليمان بن األشعث :حدثنا موسى بن إسماعيل ،حدثنا حَّم اد بن سلمة به.
فقد اتفق شعبة ،وحماد بن سلمة -وحسبك بهما -على روايته عن يعلى بن عطاء ،ورواُه الَّناُس
عنهما.
__________
( )1أخرجه أحمد في المسند ( 11 /4و )12وابن ماجه رقم ( ،)180وأبو داود (،)4731
وابن حبان في صحيحه ( ،)6141والحاكم في المستدرك ( )605 /4رقم ()8682
والدارقطني في الرؤية ( )190 - 186وغيرهم.
قال الحاكم" :هذا حديث صحيح اإلسناد ،ولم يخرجاه".
والحديث مداره على وكيع بن حدس -فيه جهالة -تفرد بالرواية عنه يعلي بن عطاء .وقد جَّهله
جماعة.
والحديث صححه ابن حبان والحاكم.
( )2يعني :أَّن شعبة أخطأ في قوله "ُعدس" بدل "ُح دس" ،والصواب ما رواُه حماد ابن سلمة
وغيره كما ساقه المؤِّلف .انظر العلل ومعرفة الرجال ( )189 /2رقم (.)1959
()2/659
وعن أبي رزين فيه إسناد آخر قد تقَّدم ِذ ْك ره في حديثه الطويل (.)1
وأبو رزين الُعَق يلي له صحبة وِع َد اده من أهل الطائف ،وهو لقيط بن عامر ،ويقال :لقيط بن
َص ِبَر ة ،هكذا قال البخاري وابن أبي حاتم وغيرهما ،وقيل :هما اثنان ،ولقيط بن عامر غير لقيط
بن صبرة ،والصحيح األَّو ل .وقال ابن عبد البر :من قال :لقيط بن َص ِبَر ة َنَس َبُه إلى جِّد ِه ،وهو
لقيط بن عامر بن َص ِبَر ة (.)2
فصل
وأَّما حديث جابر بن عبد الَّله :فقال اإلمام أحمد :حدثنا روح بن عبادة حدثنا ابن جريج قال:
أخبرني أبو الزبير أَّنه سمع جابًر ا ُيْس أل عن الورود فقال" :نجيء ( )3يوم القيامة على كذا وكذا،
أي فوق الَّناِس ،فتدعى اُألمم بأوثانها وما كانت تعبد ،األَّو ل فاألَّو ل ،ثَّم يأتينا ربنا بعد ذلك
فيقول :من تنتظرون؟ فيقولون :ننتظر ربنا ،فيقول :أنا ربكم فيقولون :حَّتى ننظر إليك ،فيتجَّلى
لهم تبارك وتعالى يضَح ُك قال :فينطلق بهم ويتبعونه ،وُيْع َطى كُّل إنساٍن منهم :منافق أو مؤمن
نوًر ا ،ثَّم يتبعونه على جسر جهنم ،وعليه كالليب وحسك ،تأخذ من شاء الَّله ،ثَّم ُيْطَف أ نور
المنافق ،ثَّم ينجو المؤمنون ،فتنجو أَّو ل زمرة
__________
( )1ص (.)126
( )2انظر ِلترجمِتِه واالختالف فيه :تهذيب الكمال ( ،)249 - 248 /24وتهذيب التهذيب (
.)480 - 479 /3
( )3في "ب ,هـ ،د" ونسخة على حاشية "أ"" :نحن" ،وهو الموافق لما في المسند المطبوع.
()2/660
وجوههم كالقمر ليلة البدر ،وسبعون ألًف ا ال يحاسبون ،ثَّم اَّلذين يلونهم كأضوإ نجٍم في الَّس ماء،
ثَّم كذلك ،ثَّم تحُّل الشفاعة حَّتى يخرج من الَّناِر من قال :ال إله إاَّل الَّله ،وكان في قلبه من الخيِر
ما يزُن شعيرًة ،فُيْجَعلون بفناء أهل الجَّنة ويجعل أهل الجَّنة يرشون عليهم الماء ،حتى ينبتون
نبات الشيء في السيل ،ويذهب حراقه ثَّم يسأل حَّتى يجعَل الَّله له الدنيا وعشرة أمثالها َمَعها" (
. )1
رواُه مسلم في "صحيحه" ( )2وهذا اَّلذي وقع في الحديث من قوله" :على كذا وكذا" قد جاء
مفَّس ًر ا في رواية صحيحة ذكرها عبد الحق في "الجمع بين الصحيحين" (" )3نجيء يوم القيامة
على تٍّل مشرفين على الخالئق".
وقال عبد الرزاق :أنبأنا رباح بن زيد ،قال :حَّدثني ابن جريج قال :أخبرني زياد بن سعد أَّن أبا
الزبير أخبره عن جابر بن عبد الَّله -رضي الَّله عنه -قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه
وسلم" :-يتجَّلى لنا الرُّب تبارك وتعالى ينظرون إلى وجهه ،فيِخ ُّر ون له ُس َّج ًد ا ،فيقول :ارفعوا
رؤوسكم فليس هذا بيوم عبادة" (. )4
__________
( )1المسند (.)384 - 383 /3
( )2رقم (.)191
(.)159 - 158 /1( )3
( )4أخرجه الدارقطني في الرؤية رقم ( .)52من طريق أحمد بن محمد بن عمر ابن يونس
اليمامي عن عبد الرزاق به مثله.
وسنده ضعيف جًّدا ،فيه أحمد بن محمد اليمامي أبو سهل الحنفي متروك =
()2/661
قال الَّدارقطني :أنبأنا أحمد بن عيسى بن السكن ( ، )1حدثنا أحمد ابن محمد بن عمر بن
يونس ،حدثنا محمد بن ُش َر ْح بيل الصنعاني ،قال :حدثني ابن ُج َر يج ،عن أبي الزبير عن جابر بن
عبد الَّله -رضي الَّله عنه -قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-يتجَّلى لنا رُّبنا عَّز
وجَّل يوم القيامة ضاحًك ا" (. )2
وروى أبو ُقَّر ة عن مالك بن أنس عن زياد بن سعد ،حدثنا أبو الزبير ،عن جابر أَّنه سمع الَّنبي -
صلى الَّله عليه وسلم -يقول" :إذا كان يوم القيامة ُج معت اُألَم م" ،فذكر الحديث وفيه" :فيقول:
أتعرفون الَّله عَّز وجَّل إْن رأيتموه؟ فيقولون :نعم ،فيقول :وكيف تعرفونه ولم َتَر ْو ُه؟ فيقولون:
نعلُم أَّنه ال ِع ْد َل له ،قال :فيتجَّلى لهم تبارك وتعالى ،فيخُّر ون له ُس َّج ًد ا" (. )3
وقال ابن ماجه في "سننه" ( : )4حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي
__________
= الحديث ،وكان يكذب .تاريخ بغداد (.)270 - 269 /5
( )1وقع في "د" ونسخة على حاشية "أ"" :السكين" ،وهو كذلك عند الدارقطني في الرؤية.
( )2أخرجه الدارقطني في الرؤية رقم (.)53
وسنده ضعيف جًّدا ،فيه أحمد بن محمد اليمامي وهو متروك كما تقدم.
( )3أخرجه الَّدارقطني في الرؤية رقم (.)54
وهو حديٌث غريب من حديث مالك ،وفي سنده محمد بن يوسف الزبيدي أبو ُحَم ة ،ذكره ابن
حبان في الثقات ( )104 /9وقال" :ربما أخطأ وأغرب ،كنيته أبو يوسف ،وأبو ُحَم ة :لقب".
( )4رقم ( .)184وأخرجه العقيلي في الضعفاء ( ،)275 - 274 /2واآلُج ِّر ي في الشريعة رقم
( ،)615وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( ،)98وأبو نعيم =
()2/662
الشواِر ب ،حدثنا أبو عاصم العَّباداني عن الفضل بن عيسى الرقاشي عن محمد بن المنكدر عن
جابر بن عبد الَّله -رضي الَّله عنه -قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-بينا أهل
الجَّنة في نعيمهم إذ سطَع لهم نوٌر فرفعوا رؤوسهم ،فإذا الرُّب جَّل جالله قد أشرَف عليهم من
فوقهم فقال :السالُم عليكم يا أهل الجَّنة ،وهو قول الَّله عَّز وجَّلَ{ :س اَل ٌم َقْو اًل ِم ْن َر ٍّب َر ِح يٍم (
[ } )58يس )1( ]58 :فال يلتفتون إلى شيٍء مَّم ا هم فيه من النعيم ما داموا ينظرون إليه حَّتى
يحتجب عنهم وتبقى فيهم بركته ونوره" (. )2
وقال حرب في "مسائله" ( : )3حدثنا يحيى بن أبي حزم ،حدثنا يحيى بن محمد أبو عاصم
العباداني فذكره.
وعند البيهقي في هذا الحديث سياق آخر رواُه أيًض ا من طريق العباداني ،عن الفضل بن عيسى
عن ابن المنكدر عن جابر بن عبد الَّله -رضي الَّله عنه -قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه
وسلم" :-بينا أهل الجَّنة في مجلس لهم إْذ سطَع لهم نوٌر على باب الجَّنة ،فرفعوا رؤوسهم فإذا
الرُّب تبارك
__________
= في صفة الجَّنة رقم ( ،)91والَّدارقطني في الرؤية ( )51وغيرهم.
والحديث ضعيٌف جًّدا ،مدارُه على الفضل بن عيسى الَّر قاشي :متروك الحديث عن ابن المنكدر.
والحديث تكلم فيه العقيلي وابن عدي وابن الجوزي وابن كثير والبوصيري.
( )1عند ابن ماجه "قال :فينظر إليهم ،وينظرون إليه".
( )2زاد ابن ماجه "عليهم في ديارهم".
( )3لم أجده في القطعة المطبوعة عام 1425هـ.
()2/663
وتعالى قد أشرف ،فقال :يا أهل الجَّنة سلوني ،قالوا :نسألك الِّر ضى عَّنا قالِ :ر َض اَي أحّلكم
داري ،وأنالكم كرامتي ،هذا أوانها فسلوني ،قالوا :نسألك الزيادة ،قال :فيؤتون بنجائب من
ياقوت أحمرَ ،أِز َّمتها زمُّر د أخضر وياقوت أحمر ،فجاؤوا عليها تضع حوافرها عند منتهى طرفها،
فيأمر الَّله عَّز وجَّل بأشجار عليها الثمار فتجيء جواري الحور العين وهَّن يقلَن :نحن الناعمات
فال نبأس ،ونحُن الخالدات فال نموُت ،أزواُج قوٍم مؤمنين كرام ،ويأمر الَّلُه عَّز وجَّل بكثبان من
مسٍك أبيض أذفر فيثير عليهم ريًح ا يقال لها :المثيرة ،حَّتى تنتهي بهم إلى جَّنة عدٍن وهي َقَصَبة
الجَّنة ،فتقول المالئكة :يا ربنا قد جاء القوُم ،فيقول :مرحًبا بالصادقين ،مرحًبا بالَّطائعين ،قال:
فيكشُف لهم الحجاب فينظرون إلى الَّله تبارك وتعالى فيتمتعون بنور الرحمن حَّتى ال يبصر
بعضهم بعًض ا ،ثَّم يقول :أرجعوهم إلى القصور بالتحف فيرجعون ،وقد أبصَر بعضهم بعًض ا ،فقال
رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم :-فذلك قوله تعالىُ{ :نُز اًل ِم ْن َغُفوٍر َر ِح يٍم ([ } )32فصلت:
.]32
رواُه في كتاب "البعث والنشور" ( ، )1وفي كتاب "الرؤية" ( )2قال :وقد مضى في هذا
الكتاب ،وفي كتاب "الرؤية" ما يؤِّك د هذا الخبر.
وقال الَّدارقطني :أنبأنا الحسن بن إسماعيل أنبأنا أبو الحسن
__________
( )1رقم (.)493
( )2أي للبيهقي ،وهذا الكتاب ذكره الذهبي في السير ( ،)166 /18وحاجي خليفة في كشف
الظنون ص ( ،)1421وراجع تاريخ األدب العربي لبروكلمان (.)231 /6
()2/664
علي بن عبدة ،حدثنا يحيى بن سعيد القطان ،عن ابن أبي ذئب ،عن محمد ابن المنكدر ،عن جابر
قال :قال الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم" :-إَّن الَّلَه عَّز وجَّل يتجَّلى للَّناس عاَّمة ويتجَّلى ألبي بكر
خاَّصة" (.)1
فصل
وأَّما حديث أبي أمامة :فقال ابن وهب :أخبرني يونس بن يزيد عن عطاء الخرساني عن يحيى بن
أبي عمرو السيباني ،عن عمرو بن عبد الَّله الحضرمي ( )2عن أبي ُأمامة قال :خطبنا رسول الَّله
-صلى الَّله عليه وسلم -يوًما فكان أكثر خطبته ذكر الدجال يحذرناه ،ويحدثنا عنه حتى فرغ
من خطبته ،فكان فيما قال لنا يومئذ" :إن الَّله عز وجل لم يبعث نبًّيا إال حَّذ ره ُأَّمته ،وإني آخر
األنبياء ،وأنتم آخر األمم ،وهو خارج فيكم ال محالة ،فإن يخرج وأنا بين أظهركم فأنا حجيج
كل مسلم ،وإن يخرج فيكم بعدي فكل امرئ حجيج نفسه ،والَّله خليفتي على كل مسلم ،إنه
يخرج من َخ َّلة بين العراق والشام عاث يميًنا ،وعاث شمااًل ،يا عباد الَّله اثبتوا وأنه يبدأ
__________
( )1أخرجه الَّدارقطني في الرؤية رقم ( ،)48وابن عدي في الكامل ( ،)216 /5وابن حبان في
المجروحين ( )115 /2وغيرهم.
وهو حديٌث موضوع ،فيه علي بن عبدة المكتب :كان وَّضاًعا.
قال ابن عدي" :وهذا حديٌث باطل بهذا اإلسناد ." . . ..
( )2قوله" :عمرو بن عبد الَّله الحضرمي" كذا في جميع النسخ ،وصوابه "حريث ابن عمرو
الحضرمي" كما في مصادر التخريج ،وقد تصَّح ف "حريث" عند الحاكم والَّدارقطني وابن خزيمة
إلى "حديث".
وحريث بن عمرو يروي عن معاذ ،فيه جهالة.
راجع الجرح والتعديل ( ،)263 /3والثقات البن حبان (.)174 /4
()2/665
فيقول :أنا نبٌّي -وال نبَّي بعدي -ثم يثني فيقول :أنا ربكم -ولن تروا ربكم حتى تموتوا -وأنه
مكتوب بين عينيه "كافر" يقرؤه كل مؤمن .فمن لقيه منكم فليتفل في وجهه ،وليقرأ بفواتح سورة
أصحاب الكهف ،وأنه ُيسَّلط على نفٍس من بني آدم فيقتلها ،ثم يحييها ،وأنه ال يعدو ذلك وال
سَّلط على نفس غيرها ،وإن من فتنته أَّن معه جَّنًة ونا ا ،فنارُه جَّنة ،وجنته نار ،فمن ابتلي بناِر ِه
ًر ُي
فليغمض عينيه ،وليستغث بالَّله تكون برًدا وسالًم ا كما كانت الَّناُر برًدا وسالًم ا على إبراهيم ،وإَّن
أيامه أربعون يوًم ا :يوًم ا كسنة ،ويوًما كشهر ،ويوًما كجمعة ،ويوًما كاأليام ،وآخر أيامه
كالسراب ،يصبح الرجل عند باب المدينة فيمسي قبل أْن يبلغ بابها اآلخر ،قالوا :كيف ُنَص ِّلي يا
رسول الَّله في تلك األيام؟ قال :تقدرون فيها كما تقدرون في األيام الِّطوال" (. )1
__________
( )1أخرجه الطبراني في الكبير ( )172 - 171 /8رقم ( ،)7644وابن خزيمة في التوحيد
رقم ( ،)270والحاكم في المستدرك ( )580 /4رقم ( ،)8620والَّدارقطني في الرؤية رقم (
.)68
قال الحاكم" :صحيح على شرط مسلم ،ولم يخرجاُه بهذه السياقة".
-ورواُه إسماعيل بن رافع عن السيباني عن عمرو بن عبد الَّله الحضرمي عن أبي ُأمامة فذكره.
أخرجه ابن ماجه ( )4077وغيره ،وانظر لزاًم ا النكت الظراف (.)175 /4
-ورواُه ضمرة بن ربيعة عن الَّس يباني عن عمرو بن عبد الَّله الحضرمي عن أبي ُأمامة فذكره.
أخرجه أبو داود ( ،)4322والطبراني في الكبير ( )172 /8رقم ( ،)7645والَّدارقطني في
الرؤية ( )67وغيرهم= .
()2/666
ورواه الَّدارقطني عن ابن صاعد عن أحمد بن الفرج عن ضمرة بن ربيعة عن يحيى بن أبي عمرو:
به مختصًر ا.
فصل
وأَّما حديث زيد بن ثابت :فقال اإلمام أحمد :حدثنا أبو المغيرة قال :حدثني أبو بكر قال :حدثني
ضمرة بن حبيب عن [أبي الدرداء] ( )1عن زيد بن ثابت أَّن رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم-
عَّلمه دعاًء ،وأمرُه أْن يتعاهد به أهله كَّل يوٍم ،قال :قل حين تصبح :لبيَك اللهم لبيك ،لبيك
وسعديك ،والخير في يديك ،ومنك وإليك ،اللهم وما قلُت من قوٍل أو نذرُت من نذٍر ،أو حلفُت
من حلف ،فمشيئتك بين يديه ،ما شئت كان ،وما لم تشأ لم يكن ،وال حوَل وال قَّو ة إاَّل بَك
وأنت ( )2على كَّل شيٍء قديٍر ،اَّللهم وما صليُت من صالٍة فعلى صَّليت ،وما لعنُت من لعنٍة
َمْن
فعلى من لعنَت ؛ أنت ولِّيي في الدنيا واآلخرة ،توفني مسلًم ا ،وألحقني بالَّصالحين ،أسأُلك اَّللهم
الِّر ضى بعد القضاء ،وبْر َد العيِش بعد الموِت ،ولَّذ َة الَّنَظِر إلى وجهك ،والشوِق إلى لقائك ،من
غير ضَّر اَء
__________
= وحديث ضمرة وإسماعيل أصح من حديث عطاء الخراساني ،وفي سنده عمرو بن عبد الَّله
الحضرمي لم يرو عنه غير السيباني ،وقد وَّثقه العجلي والفسوي وابن حبان ،لكن ال يعرف له
سماع من أبي ُأمامة.
وفي الحديث ألفاظ غريبة كقوله "فإَّنُه يبتدئ فيقول :أنا نبٌي ." . . .
وهذا لم يأت في حديث صحيح.
( )1ما بين المعكوفتين من المسند ،وليس في جميع النسخ ،وليس في رواية الحاكم "عن أبي
الدرداء".
( )2في "ب ،ج ،هـ"" :إَّنك".
()2/667
()2/668
رواُه الحاكُم في "صحيحه".
فصل
وأَّما حديث عَّم ار بن ياسر :فقال اإلمام أحمد :حدثا إسحاق األزرق عن َش ِر يك عن أبي هاشم عن
ِم
أبي ْج َلز قال :صَّلى بنا عَّم ار صالًة فأوجَز فيها ،فأنكروا ذلك ،فقال :ألم ُأِتُّم الركوَع
والسجوَد ؟ قالوا :بلى ،قال :أما إِّني قد دعوُت فيها بدعاء ،كان رسول الَّله -صلى الَّله عليه
وسلم -يدعو به" :اَّللهم بعلمك الغيَب ،وبقدرتك على الخلِق ،أحيني ما علمت الحياة خيًر ا لي،
وتوفني إذا كانت الوفاة خيًر ا لي ،وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة ،وكلمة الحِّق في
الغضب والِّر ضى ،والقصَد في الفقر والغنى ،ولَّذ ة النظر إلى وجهك ،والشوَق إلى لقائك في غيِر
ضَّر اَء مضَّر ٍة ،وال فتنٍة مضَّلٍة ،اَّللهم زِّينا بزينة اإليمان ،واجعلنا ُه داًة مهتدين" (.)1
__________
( )1أخرجه أحمد (.)264 /4
من طريق إسحاق األزرق وأسود بن عامر كالهما عن شريك به.
-ورواُه جماعة عن شريك عن أبي هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عباد عن عَّم ار فذكره.
أخرجه النسائي رقم ( ،)1306وعبد الَّله في السنة رقم ( ،)280والبزار في مسنده رقم (
)1392وغيرهم.
وله طريق آخر عن عمار.
رواُه حماد بن زيد وحماد بن سلمة ومحمد بن فضيل كلهم عن عطاء بن السائب عن أبيه عن
عمار فذكره.
أخرجه النسائي ( ،)1305وابن خزيمة في التوحيد رقم ( ،)13وابن =
()2/669
فصل ()1
وأَّما حديُث عائشة رضي الَّلُه عنها :ففي "صحيح الحاكم" من حديث الزهري عن عروة عنها
قالت :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -لجابر" :يا جابر ،أال أبِّش رك؟ قال :بلى بَّش رَك الَّلُه
بخيٍر ،قال :شعرت أَّن الَّله أحيا أباك ،فأقعده بين يديه ،فقال :تمَّن علَّي عبدي ما شئت ُأْع ِط كه،
قال :يا رِّب ،ما عبدتك حَّق عبادتك ،أتمَّنى عليك أْن تردني إلى الدنيا ،فأقاتل مع نبيك ،فأقتل
فيك مَّرًة أخرى ،قال :إَّنه قد سلَف مَّني أَّنك إليها ال ترجع" (.)2
وهو في "المسند" ( )3من حديث جابر ،وفي مسنده أدخله.
وللترمذي فيه سياق أتم من هذا عن جابر قال" :لَّم ا ُقِتَل عبد الَّله بن
__________
= حبان رقم ( ،)1971والحاكم ( )706 - 705 /1رقم ( ،)1923وأبو يعلى رقم (،)1624
والبيهقي في الدعوات ( )220وغيرهم.
والحديث صححه ابن حبان.
( )1من "ب ،د ،هـ" ،ونسخة على حاشية (أ).
( )2المستدرك ( )224 - 223 /3رقم ( ،)4911وقال" :صحيح اإلسناد ولم يخرجاُه".
وتعَّق به الذهبي بقوله" :فيض :كَّذ اب".
( )361 /3( )3من طريق عبد الَّله بن محمد بن عقيل عن جابر فذكر نحوه.
وأخرجه الحميدي في مسنده رقم ( )1265وأبو يعلى في مسنده ( )6 /4رقم ()2002
وغيرهما.
وفيه ابن عقيل في حفظه مقال.
()2/670
عمرو بن حرام يوم ُأُح ٍد قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-يا جابر أال أخبرك ما قال الَّله
عَّز وجَّل ألبيك؟ " قال بلى ،قال" :ما كَّلم الَّله عَّز وجَّل أحًد ا إاَّل من وراء حجاب ،وكَّلم أباك
كفاًح ا ،فقال :يا عبدي ،تمَّن علَّي ُأْع ِط َك " ،قال :يا رِّب ُتْح ِيْينيَ ،فُأْقَتل فيك ثانية ،قال" :إَّنه سبق
مِّني أَّنهم إليها ال ُيرجعون ،قال :يا رِّب ،فأبلغ من ورائي ،فأنزل الَّله عَّز وجَّل هذه اآلية {َو اَل
َتْح َس َبَّن اَّلِذ يَن ُقِتُلوا ِفي َس ِبيِل الَّلِه َأْم َو اًتا} اآلية [آل عمران ،)1( " ]169 :قال الترمذي" :هذا
حديث حسن غريب".
قلُت :وإسناُدُه صحيح ،ورواُه الحاكُم في "صحيحه".
فصل
وأَّما حديث عبد الَّله بن عمر :فقال الترمذي :حدثنا َعْبد بن ُحَم ْيد ( )2عن َش َبابة عن إسرائيل عن
ثوير بن أبي فاِخ َتة.
وقال الطبراني :حدثنا أسد بن موسى ،حدثنا أبو معاوية محمد بن خازم ،عن عبد الملك بن أبجر،
عن ثوير بن أبي فاختة ،عن ابن عمر رضي الَّله عنهما قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه
وسلم" :-إن أدنى أهل الجنة منزلة لرجل ينظر في ملكه ألفي سنة ،يرى أقصاه كما يرى أدناه،
ينظر إلى
__________
( )1أخرجه الترمذي برقم ( ،)3010وابن ماجه ( ،)2800وابن خزيمة في التوحيد رقم ()599
وابن حبان في صحيحه رقم ( ،)7022والحاكم في المستدرك ( )225 - 224 /3وقال:
"صحيح اإلسناد ولم يخرجاه" .وغيرهم.
والحديث حسنه الترمذي ،وصححه ابن خزيمة والحاكم والمؤلف.
( )2في "ج"" :جميل" وهو خطأ.
()2/671
أزواجه وسرره وخدمه ،وإن أفضلهم منزلة من ينظر في وجه الَّله تبارك وتعالى كل يوم مرتين" (
. )1
قال الترمذي" :وُر ِو ي هذا الحديث من غير وجٍه :عن إسرائيل ،عن ثوير ،عن ابن عمر مرفوًعا.
ورواه عبد الملك بن أبجر ،عن ثوير ،عن مجاهد ،عن ابن عمر موقوًفا .وروى األشجعي عبيد
الَّله ،عن الثوري ،عن ثوير ،عن مجاهد ،عن ابن عمر قوله ،ولم يرفعه .حدثنا بذلك أبو كريب،
حدثنا األشجعي ،عن سفيان ،عن ثوير ،عن مجاهد ،عن ابن عمر نحوه ،ولم يرفعه".
قلت :ورواه الحسن بن عرفة ،عن شبابة ،عن إسرائيل ،عن ثوير ،عن ابن عمر مرفوًعا ،وزاد فيه:
ثم قرأ رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلمُ{ :-وُج وٌه َيْو َم ِئٍذ َناِض َر ٌة (ِ )22إَلى َر ِّبَه ا َناِظ َر ٌة (} )23
[القيامة)2( ]23 - 22 :
وقال سعيد بن هشيم بن بشير عن أبيه ،عن كوثر ( )3بن حكيم ،عن نافع ،عن ابن عمر-رضي
الَّله عنهما -قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-يوم القيامة أول يوم نظرت فيه عين
إلى الَّله تبارك وتعالى" (. )4
__________
( )1تقدم الكالم عليه في ص (.)324 - 323
( )2أخرجه الَّدارقطني في الرؤية رقم (.)171
وسنده ضعيف مداره على ثوير وهو ضعيف.
( )3في "أ ،ب ،ج ،هـ"ُ" :ك ريز" ،وفي "د"" :كدز" ،وهو تحريف ،والتصويب من الَّدارقطني.
( )4أخرجه الَّدارقطني في الرؤية رقم (.)175
وهو حديٌث باطل فيه :كوثر بن حكيم ضَّعفه بعضهم ،وتركه بعضهم ،وقال اإلمام أحمد :ليس
بشيء ،وهذا الحديث معدوٌد من منكراته= .
()2/672
ورواه الدارقطني عن جماعة ،عن أحمد بن يحيى بن حيان الرقي ،عن إبراهيم بن ُخ َّر زاد عنه.
وقال الدارقطني :حدثنا أحمد بن سليمان ،أخبرنا محمد بن يونس ،حدثنا عبد الحميد بن صالح،
ثنا أبو شهاب الحَّناط ،عن خالد ابن دينار ،عن حماد بن جعفر ،عن عبد الَّله بن عمر -رضي الَّله
عنهما -قال :سمعت رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -يقول" :أال أخبركم بأسفل أهل الجنة،
قالوا :بلى يا رسول الَّله -فذكر الحديث إلى أن قال :-حتى إذا بلغ النعيم منهم كل مبلغ وظُّنوا
أن ال نعيم أفضل منه أشرف الرب تبارك وتعالى عليهم ،فينظرون إلى وجه الَّله عز وجل ،فيقول:
يا أهل الجنة هِّلُلوني وكِّبروني وسَّبحوني بما كنتم تهللوني وتكِّبروني وتسِّبحوني في دار الدنيا،
فيتجاوبون بتهليل الرحمن ،فيقول تبارك وتعالى لداود :يا داود قم فمِّج ْد ني ،فيقوم داود فيمجد
ربه عز وجل" (. )1
__________
= انظر :الميزان للذهبي ( ،)505 /5واللسان (.)590 /4
( )1أخرجه الَّدارقطني في الرؤية (.)176
وفيه محمد بن يونس الكديمي :وهو متروك ،وقد توبع عليه.
تابعه محمد بن عبد الَّله "أو عبيد الَّله" بن موسى القرشي ثنا عبد الحميد بن صالح به مطَّو اًل .
أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)343
ومحمد القرشي هذا لم أقف عليه.
وفي اإلسناد حماد بن جعفر يحتمل أَّنه العبدي البصري :وثقة ابن معين ،وقال ابن عدي" :منكر
الحديث".
وضعفه األزدي ،وقال ابن حجر :لين .انظر :تهذيب الكمال (.)230 /7
ويحتمل أَّنه آخر :لم أقف عليه ،وأيًض ا في الحديث انقطاع بين حماد =
()2/673
وقال عثمان بن سعيد الدارمي في "رده على بشر المريسي" ( :)1حدثنا أحمد بن يونس ،عن أبي
شهاب الحناط ( ،)2عن خالد بن دينار ،عن حماد بن جعفر ،عن ابن عمر رفعه إلى الَّنبي -صلى
الَّله عليه وسلم" :-إن أهل الجنة إذا بلغ النعيُم منهم كَّل َمْبَلغ وظنوا أن ال نعيم أفضل منه تجَّلى
لهم الرب تبارك وتعالى فنظروا إلى وجه الَّر حمن ،فنسوا كَّل نعيم عاينوُه حين نظروا إلى وجه
الَّر حمن" (.)3
فصل
وأَّما حديث ُعَم ارة بن ُرَو ْيبة :فقال ابن بطة في "اإلبانة" ( :)4حدثنا عبد الغافر ( )5بن سالمة
الحمصي ،حدثنا محمد بن عوف بن سفيان الطائي ،حدثنا أبو اليمان ،حدثنا إسماعيل بن عياش،
عن عبد الرحمن بن عبد الَّله ،عن إسماعيل بن أبي خالٍد عن أبي بكر بن عمارة بن رويبة عن أبيه
قال :نظر رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -إلى القمر ليلَة البدِر
__________
= بن جعفر وابن عمر والَّله أعلم.
( )1رقم (.)229
( )2في "ب ،د"" :الخياط" ،وفي "هـ"" :الخباط" ،وكالهما تصحيف.
( )3وأخرجه أيًض ا الَّدارمي في الرِّد على الجهمية رقم ( ،)189وعبد بن حميد فى مسنده (
)849المنتخب.
وسنده ضعيف فيه العلل المتقدمة االنقطاع وغيره.
( )4هو ضمن القطعة المفقودة من اإلبانة الجزء الخامس عشر ،وقد نشر ُمخَتَص ره" :المختار من
اإلبانة" وليس فيه هذا الحديث.
( )5في "هـ" ،ونسخٍة على حاشية "أ"" :عبد الغفار" هو خطأ.
انظر :تاريخ بغداد للخطيب (.)139 - 137 /11
()2/674
فقال" :إَّنكم ستروَن ربكم كما ترون هذا القمر ،ال تضاُّر ون في رؤيته ،فإْن استطعتم أاَّل تغلبوا
على صالٍة قبل طلوع الشمس ،وقبل ( )1غروبها فافعلوا" (. )2
قال ابن بطة :وأخبرني أبو القاسم عمر بن أحمد عن أبي بكر ( )3أحمد بن هارون ،حدثنا عبد
الرزاق بن منصور ،حدثنا المغيرة حدثنا المسعودي عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي بكر بن
عمارة بن رويبة عن أبيه قال :نظر رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -إلى القمِر ليلة البدِر فقال:
"إَّنكم سترون الَّله ربكم تبارك وتعالى ،كما ترون هذا القمر ال تضامون في رؤيته ،فإن استطعتم
أْن ال ُتْغَلبوا على ركعتين قبل طلوع الشمس ،وال ركعتين بعد غروبها ،فافعلوا".
__________
( )1في "ب ،هـ ،د" ونسخٍة على حاشية "أ"" :وصالة قبل".
( )2إسناده ضعيف .إسماعيل بن عَّياش ضعيف في روايته عن غير أهل بلدته ،وعبد الرحمن بن
عبد الَّله هو المسعودي وكان قد اختلط ،وقد توبع إسماعيل.
-تابعه :المغيرة بن عبد الَّله الجرجرائي عن المسعودي به باَّللفظ اآلخر اَّلذي نكره المؤِّلف.
أخرجه الَّدارقطني في الرؤية رقم ( ،)152وابن بطة كما ذكر المؤِّلف.
والمغيرة هذا لم أقف عليه .فال ُيدرى هل سمع من المسعودي هو وابن عياش قبل اختالط
المسعودي أم بعده؟.
انظر :الكواكب النِّيرات البن الكيال ص (.)298 - 282
تنبيه :ليس عند الَّدارقطني "عن أبيه" ،فال أدري أسقطت من الطابع أم عنده الرواية مرسلة.
( )3في "هـ" ،ونسخٍة على حاشية "أ" "بكر بن".
()2/675
فصل
وأَّما حديث سلمان الفارسي :فقال أبو معاوية :حدثنا عاصم األحول ،عن أبي عثمان عن سلمان
الفارسي قال :يأتون الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -فيقولون :يا نبَّي الَّله إَّن الَّلَه فتح بك ،وختم
بك ،وغفر لكُ ،قْم فاشفع لنا إلى ربك ،فيقول :نعم صاحبكم فيخرج يجوُس الَّناس حَّتى ينتهي
إلى باب الجَّنة ،فيأخذ بحلقة الباب فيقرع فيقال :من هذا؟ فيقال :محمد قال :فيفتح له ،فيجيء
حَّتى يقوم بين يدي الَّله فيستأذُن في السجود فيؤذن له" ( )1الحديث.
فصل
وأَّما حديث ُح ذيفة بن اليمان :فقال ابن بطة :أخبرني أبو القاسم عمر بن أحمد عن أبي بكر أحمد
بن هارون ،حدثنا يزيد بن جمهور ،حدثنا الحسُن بن يحيى بن كثير العنبري ،حدثنا أبي ،عن
إبراهيم بن المبارك ،عن القاسم بن مطَّيب عن األعمش ،عن أبي وائل ،عن حذيفة بن اليمان.
وقال البزار :حدثنا محمد بن معمر وأحمد بن عمرو بن عبيدة
__________
( )1أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ( )312 /6رقم ( )31666مطَّو اًل ،وابن خزيمة في التوحيد
رقم ( ،)450وابن أبي عاصم في السنة رقم ( ،)813والطبراني في الكبير ()248 - 247 /6
رقم ( )6117وغيرهم.
وسنده صحيح.
()2/676
العصفري ،قاال :حدثنا يحيى بن كثير العنبري ( ، )1حدثنا إبراهيم بن المبارك ،عن القاسم بن
مطيب عن األعمش عن أبي وائل عن حذيفة قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم:-
"أتاني جبريُل فإذا في كِّف ِه مرآة كأصفى ما يكون المرايا وأحسنها ،وإذا في وسطها نكته سوداء،
قال :قلت :يا جبريل ،ما هذا؟ قال هذه الدنيا ،صفاؤها وحسنها ،قال قلت :وما هذه اللمعة في
وسطها؟ قال هذه الجمعة ،قال قلت :وما الجمعة؟ قال :يوم من أيام ربك عظيم ،وسأخبرك
بشرفه وفضله واسمه في اآلخرة .أما شرفه وفضله في الدنيا :فإَّن الَّله تبارك وتعالى جمع فيه أمر
الخلق ،وأما ما يرجى فيه :فإَّن فيه ساعة ال يوافقها عبٌد مسلم أو أمة مسلمة يسأالِن الَّله فيها
خيًر ا إال أعطاهما إياه .وأما شرفه وفضله واسمه في اآلخرة :فإن الَّله تبارك وتعالى إذا َص َّير أهل
الجنة إلى الجنة ،وأهل النار إلى النار ،وجرت عليهم أيامها وساعاتها ليس بها ليل وال نهار إال قد
علم الَّله مقدار ذلك وساعاته ،فإذا كان يوم الجمعة في الحين الذي يبرز أو يخرج فيه أهل الجنة
إلى جمعتهم نادى مناد :يا أهل الجنة ،اخرجوا إلى دار المزيد ،ال يعلم سعته وعرضه وطوله إال
الَّله عز وجل ،في كثبان من المسك ،قال :فتخرج غلمان األنبياء بمنابر من نور ،ويخرج غلمان
المؤمنين بكراسي من ياقوت ،قال :فإذا وضعت لهم ،وأخذ القوم مجالسهم بعث الَّله تبارك
وتعالى عليهم ريًح ا تدعى المثيرة ،تثير عليهم أثابير المسك األبيض فتدخل من تحت ثيابهم،
وتخرجه في وجوههم وأشعارهم ،فتلك الريح أعلم كيف تصنع بذلك
__________
( )1ليس في "ب ،ج ،د ،هـ".
()2/677
المسك من امرأة أحدكم لو ُدِفَع إليها كل طيب على وجه األرض لكانت تلك الريح أْع َلَم كيف
تصنع بذلك المسك من تلك المرأة لو ُدِفَع إليها ذلك الطيب بإذن الَّله ،قال :ثم يوحي الَّله
سبحانه إلى حملة العرش ،فيوضع بين ظهراني الجنة وبينه وبينهم الحجب ،فيكون أول ما
يسمعون منه أن يقول :أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ،ولم يروني ،وصدقوا رسلي ،واتبعوا
أمري ،فسلوني فهذا يوم المزيد ،قال :فيجتمعون على كلمه واحدة :رب رضينا عنك فارض عنا،
قال :فيرجع الَّله تعالى في قولهم ( )1أن يا أهل الجنة إني لو لم أرض عنكم ما أسكنتكم جنتي،
فسلوني فهذا يوم المزيد ،قال :فيجتمعون على كلمة واحدة :رضينا عنك فارض عنا ،قال:
فيرجع الَّله عز وجل في قولهم أن يا أهل الجنة ،إني لو لم أرض عنكم لما أسكنتكم جنتي ،فهذا
يوم المزيد فسلوني ،قال :فيجتمعون على كلمة واحدة :رب وجهك ،رب وجهك أرنا ننظر إليه،
قال :فيكشف الَّله تبارك وتعالى تلك الحجب ،ويتجلى لهم ،فيغشاهم من نورِه شيء لوال أنه
قضى عليهم أن ال يحترقوا الحترقوا مما غشيهم من نوره ،قال :ثم يقال :ارجعوا إلى منازلكم،
قال :فيرجعون إلى منازلهم وقد َخ ُف وا على أزواجهم ،وَخ ِف ْيَن عليهم ،مما غشيهم من نوره تبارك
وتعالى ،فإذا صاروا إلى منازلهم تراّد النور وأمكن ،وتراد وأمكن حتى يرجعوا إلى صورهم التي
كانوا عليها ،قال :فيقول لهم أزواجهم :لقد خرجتم من عندنا على صورة ورجعتم على غيرها؟
قال فيقولون :ذلك بأن الَّله
__________
( )1يعني :في قوله لهم.
()2/678
تبارك وتعالى تجَّلى لنا ،فنظرنا منه إلى ما خفينا به عليكم ،قالَ :فَلُه م في كل سبعة أيام الِّضعف
ِم ِة ِف
على ما كانوا فيه ،قال :وذلك قوله عز وجلَ{ :فاَل َتْع َلُم َنْف ٌس َم ا ُأْخ َي َلُه ْم ْن ُقَّر َأْع ُيٍن َجَز اًء
ِبَم ا َك اُنوا َيْع َم ُلوَن ([ } )17السجدة. )1( ]17 :
وقال عبد الرحمن بن مهدي :حدثنا إسرائيل ،عن أبي إسحاق ،عن مسلم بن يزيد السعدي ،عن
حذيفة في قوله عز وجلِ{ :لَّلِذ يَن َأْح َس ُنوا اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة} [يونس ]26 :قال" :النظر إلى وجه
الَّله عز وجل" (. )2
قال الحاكم" :وتفسير الصحابي عندنا في ُح كِم المرفوع" (. )3
__________
( )1أخرجه ابن بطة في اإلبانة "المختار" ( )36 - 32 /3رقم ( ،)26والبزار في مسنده (/7
)290 - 288رقم ( ،)2881وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)338
قال علي بن المديني" :هذا حديث غريب".
قلت :تفَّر د القاسم بن مطَّيب به عن األعمش يدل على نكارته.
والقاسم بن مطَّيب وَّثقه الَّدارقطني ،لكن قال ابن حبان" :يخطئ عَّم ن يروي على قَّلة روايته
فاستحَّق الترك ،لَّم ا َك ُثَر ذلك منه".
المجروحين ( ،)213 /2والميزان (.)461 /5
( )2تقدم ص (.)613
( )3انظر :المستدرك ( )375 /2تحت رقم ( ،)3317ومعرفة علوم الحديث ص (.)20
ولفظه في المستدرك " . . .فإَّن الصحابي إذا فَّس ر التالوة ،فهو مسند عند الشيخين".
وراجع تعليق الحافظ ابن حجر على كالم الحاكم وابن الصالح في النكت على ابن الصالح" (
.)533 - 530 /2
()2/679
فصل
وأما حديث ابن عباس :فروى ابن خزيمة من حديث حماد بن سلمة ،عن ابن جدعان ،عن أبي
نضرة قال :خطبنا ابن عباس فقال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-ما من نبي إال له
دعوة تعجلها في الدنيا ،وإِّني اختبأت دعوتي شفاعًة ألمتي يوم القيامة ،فآتي باب الجنة فآخذ
بحلقة الباب ،فأقرع الباب فيقال :من أنت؟ فأقول :أنا محمد ،فآتي ربي وهو على كرسيه ،أو
قال :على سريره ،فيتجلى لي ربي ،فأِخ ُّر ساجًد ا" (.)1
ورواه ابن عيينة ،عن ابن جدعان فقال :عن أبي سعيد بدل ابن عباس.
وقال أبو بكر بن أبي داود :حدثنا عِّم ي محمد بن األشعث ،حدثنا ابن [جسر] ( ،)2قال حدثني
أبي عن الحسن عن ابن عباس رضي الَّله
__________
( )1أخرجه أحمد في المسند ( )282 - 281 /1مطَّو اًل ،والطيالسي في مسنده ()2834
مطَّو اًل ،وعبد بن حميد في مسنده ( - 694المنتخب) والطبراني ( )12777وغيرهم .من طريق
حماد بن سلمة به.
-ورواُه سفيان بن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري
فذكره.
أخرجه الترمذي برقم ( ،)3148وقال" :هذا حديث حسن".
ومداره على ابن جدعان وفي حفظه كالم ،وقد ذكر في متنه زيادة غريبة ،وهي قول عيسى في
حديث الشفاعة" :إِّني اُّتِخ ْذ ت إلًه ا من دون الَّله ،" . . ..واَّلذي في الصحيح لم يذكر عيسى بن
مريم ذنًبا.
( )2ما بين المعكوفتين من "اإلبانة" ،ووقع في النسخ" :جبير" ،وكذا ما بعده.
()2/680
عنهما عن النبي -صلى الَّله عليه وسلم ،-قال" :إن أهل الجنة يرون ربهم تعالى في كل جمعة
في رمال الكافور ،وأقربهم منه مجلًس ا أسرعهم إليه يوم الجمعة وأبكرهم غدًّو ا" (.)1
فصل
وأما حديث عبد الَّله بن عمرو بن العاص :فقال الصغاني :حدثنا صدقة أبو عمرو المقعد قال:
قرأت على محمد بن إسحاق ( ،)2حدثني ُأمَّية بن عبد الَّله بن عمرو بن عثمان ،عن أبيه عبد الَّله
بن عمرو قال :سمعت عبد الَّله بن عمرو بن العاص يحدث مروان بن الحكم -وهو أمير
المدينة -قال :خلق الَّله المالئكة لعبادته أصناًفا :فإن منهم المالئكة قياًم ا صاِّفْين من يوم خلقهم
إلى يوم القيامة ،ومالئكة ركوًعا خشوًعا من يوم خلقهم إلى يوم القيامة ،ومالئكة سجوًد ا منذ
خلقهم ( )3إلى يوم القيامة ،فإذا كان يوم القيامة وتجلى لهم تعالى ،ونظروا إلى وجهه الكريم
قالوا :سبحانك ما عبدناك حق عبادتك" (.)4
__________
( )1أخرجه اآلجري في الشريعة رقم ( ،)611وابن بطة في اإلبانة "المختار" رقم (.)30
والحديث سنده ضعيف جًّدا ،لحال ابن جسر وهو جعفر ،وأبيه جسر بن فرقد ،وقد تقَّدم حالهما
ص (.)569
ومحمد بن األشعث فيه جهالة ،والحسن لم يسمع من ابن عباس.
( )2وقع في "أ ،ج"" :الحسن" وهو خطأ.
( )3من قوله "إلى يوم القيامة" إلى "خلقهم" ليس في "هـ" وجاء بدل هذه الجملة "الَّله" ،ووقع
في نسخٍة على حاشية "أ"" :منذ يوم خلقهم".
( )4أخرجه ابن بطة في اإلبانة "المختار" رقم ( )133من طريق الصغاني به= .
()2/681
فصل
وأَّما حديث ُأبِّي بن كعب :فقال الدارقطني :حدثنا عبد الصمد بن علي ،حدثنا محمد بن زكريا
بن دينار ،قال :حدثني قحطبة بن عالقة حدثنا أبو خلدة عن أبي العالية عن ُأبي بن كعب عن الَّنبي
-صلى الَّله عليه وسلم -في قوله تبارك وتعالىِ{ :لَّلِذ يَن َأْح َس ُنوا اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة} [يونس]26 :
قال" :النظُر إلى وجِه الَّلِه عَّز وجَّل" (.)1
فصل
وأَّما حديُث كعب بن ُعْج رة :فقال محمد بن حميد :حدثنا إبراهيم ابن المختار عن ابن جريج عن
ِل ِذ
عطاء الخراساني عن كعب بن عجرة عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -في قوله تعالىَّ { :ل يَن
َأْح َس ُنوا اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة} قال:
__________
= -ورواُه هارون بن أبي عيسى الشامي "كاتب محمد بن إسحاق" حدثني محمد بن إسحاق به
مختصًر ا.
أخرجه البخاري في تاريخه الكبير ( .)8 /2وسنده ال بأس به.
( )1أخرجه الَّدارقطني في الرؤية رقم (.)183
-ورواُه العباس بن الفضل الهاشمي عن قحطبة بن غدانة به مثله.
أخرجه الاللكائي في شرح أصول االعتقاد رقم (.)849
-ورواُه زهير عَّم ن سمع أبا العالية به مثله.
أخرجه الطبري في تفسيره ( ،)107 /11والاللكائي برقم (.)780
وفي ثبوت اإلسناد إلى قحطبة نظر ،فإَّن العباس بن الفضل لم أقف عليه ،ومحمد بن زكريا :قال
الدارقطني :يضع الحديث.
انظر :الضعفاء والمتروكين رقم (.)483
وأَّم ا اإلسناد اآلخر :ففيه إبهاُم َمْن سمع أبا العالية .والَّله أعلم.
()2/682
فصل
وأَّما حديث َفَض الة بن ُعبيد :فقال عثمان بن سعيد الدارمي :حدثنا محمد بن المهاجر ،عن ابن
حلبس ،عن ُأِّم ( )2الدرداء أَّن فضالة يعني ابن عبيد كان يقول :اَّللهم إِّني أسألك الِّر ضا بعد
ِئ ِت
القضاء ،وَبْر َد العيِش بعد المو ،ولَّذ ة الَّنظِر إلى وجهك ،والشوَق إلى لقا َك ،في غير ضَّر اَء
ُمضَّر ة ،وال فتنٍة مضَّلة (.)3
فصل
وأَّما حديُث ُعَبادة بن الصامت :ففي "مسند أحمد" ( )4من حديث َبِق َّية ،حدثنا َبْح ير بن سعد عن
خالد بن َمْع دان ،عن عمرو بن األسود عن ُج َنادة بن أبي ُأَمَّية عن عبادة بن الصامت -رضي الَّله
عنه -عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -أَّنه قال" :قد حدثتكم عن الَّد َّج ال حَّتى خشيُت أْن ال
تعقلوا ،إَّن َمِس يَح الَّدجال َرُج ٌل قصيٌر أْفَح ج َج ْع ٌد أعوُر مطموُس العين ليست بناتئٍة وال جْح راء،
فإن ُأْلِبَس عليكم فاعلموا أَّن رَّبكم ليس
__________
( )1تقدم ص (.)611
( )2في جميع النسخ "أبي" ،والتصويب من مصادر التخريج.
( )3أخرجه الَّدارقطني في الرؤية رقم ( ،)207وابن أبي عاصم في السنة رقم (،)427
والطبراني في الكبير ( )319 /18رقم ( ،)825واَّلاللكائي في شرح أصول االعتقاد رقم (
)847وغيرهم.
وسنده حسن.
(.)324 /5( )4
()2/683
فصل
وأَّما حديث الرجل من أصحاب الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم :-فقال الَّص غاني :حدثنا روح بن
عبادة حدثنا عباد بن منصور قال :سمعُت عدي بن أرطاة يخطب على المنبر بالمدائن ،فجعل
َيِعُظ حَّتى بكى وأبكانا ،ثَّم قال :كونوا كرجٍل قال البنه وهو َيِعُظُه :يا ُبني أوصيك أْن ال تصلي
صالة إاَّل ظننت أَّنَك ال تصلي بعدها غيرها حَّتى تموت ،وتعاَل َبِنَّي نعمُل َعَم ل رجلين كأَّنهما قد
وقفا على الَّناِر ،ثَّم سأال الَك َّر ة ،ولقد سمعت فالًنا -نسي َعَّباٌد اسَم ه -ما بيني وبين رسول الَّله -
صلى الَّله عليه وسلم -غيُر ه فقال :إَّن رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :إَّن لَّله مالئكًة
ترُعُد فرائُص هم من مخافته ،ما منهم َم لٌك تقطُر دمعته من عينه إاَّل وقعت َم َلًك ا ( )2يسبح الَّله،
قال :ومالئكة سجوٌد منذ خلق الَّله السموات واألرض لم يرفعوا رؤوسهم ،وال يرفعونها إلى يوم
القيامة ،وصفوٌف لم ينصرفوا عن مصاِّفهم ،وال ينصرفون إلى يوم القيامة ،فإذا كان يوم القيامة
وتجَّلى لهم رُّبهم،
__________
( )1وأخرجه أبو داود ( ،)4320وعبد الَّله بن أحمد في السنة ( ،)1007وابن أبي عاصم في
السنة ( ،)428والدارمي في الرد على الجهمية ( ،)182واَّلاللكائي في شرح أصول االعتقاد (
،)848والبزار في مسنده (.)2681
وظاهر سنده جيد ،وفيه ِع َّلة ذكرها البزار.
قال البزار" :وهذا الحديث ال نعلمه يروى عن عبادة إاَّل من حديث بحير ابن سعد ،وقد رواُه غير
واحٍد عن جنادة بن أبي ُأمية عن بعض أصحاب الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم."-
( )2كذا في النسخ ،والَّنْص ُب على نزع الخافض ،والتقدير" :على َم َلٍك ".
()2/684
فصل
وَه اَك بعض ما قاله أصحاب رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -والتابعون وأئمة اإلسالم بعدهم.
قول أبي بكر الصديق رضي الَّله عنه:
قال أبو إسحاق :عن عامٍر بن سعد َبْع َد هم" .قرأ أبو بكر الصديقِ{ :لَّلِذ يَن َأْح َس ُنوا اْلُحْس َنى
َو ِز َياَدٌة} [يونس ]26 :فقالوا :ما الِّز يادة يا خليفة رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم-؟ قال:
الَّنظُر إلى وجه الَّر ِّب تبارك وتعالى" (.)2
قول علي بن أبي طالب رضي الَّله عنه:
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا علي بن ميسرة الهْم داني ،حدثنا صالح بن أبي
خالد العنبري ،عن أبي األحوص ،عن
__________
( )1أخرجه ابن بطة في اإلبانة "المختار" رقم ( ،)34والخطيب في تاريخه ( ،)303 /12وابن
عساكر في تاريخ دمشق ( 60 /40و .)61
-ورواُه محمد بن الحسين البرجالني عن روح بن عبادة به نحوه.
أخرجه ابن أبي الدنيا في الرقة والبكاء رقم (.)105
-ورواُه النضر بن شميل عن عباد بن منصور به نحوه.
أخرجه المروزي في تعظيم قدر الصالة رقم ( ،)260وأبو الشيخ في العظمة رقم (.)515
والحديث مداره على عَّباد بن منصور الناجي وهو لِّين الحديث ،وعنده منكرات .تهذيب الكمال
( ،)158 /14وعليه فاإلسناد لِّين.
( )2تقدم الكالم عليه ص (.)613
()2/685
أبي إسحاق الهْم داني ،عن ُعَم ارة بن عبٍد ( ، )1قال :سمعُت علًّيا يقول" :من تماِم الِّنعمة دخول
الجَّنة ،والنظُر إلى وجه الَّله تبارك وتعالى في جنته" (. )2
قول حذيفة بن اليمان:
وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسلم بن يزيد عن حذيفة" :الزيادة :النظ إلى وجه الَّلِه
ُر
تبارك وتعالى" (. )3
قوُل عبد الَّله بن مسعود وعبد الَّله بن عباس:
ذكر أبو عوانة عن هالل عن عبد الَّله بن ُعَك يم قال :سمعُت عبد الَّله ابن مسعود يقول :في هذا
المسجد -مسجد الكوفة -يبدأ باليمين قبل أْن ُيحِّدثنا فقال" :والَّله ما منكم من إنساٍن إاَّل إَّن
ربه سيخلو به يوم
__________
( )1وقع في "أ ،ب ،هـ"" :عبيد" وفي "د" ونسخٍة على حاشية "أ" "عبيدة" والتصويب من التاريخ
الكبير ( ،)501 /6وتهذيب الكمال (.)253 - 252 /21
( )2ذكره اَّلاللكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة رقم ( )859عن ابن أبي حاتم.
وفي سنده عمارة بن عبٍد الكوفي سمع من علي بن أبي طالب ،تفَّر د بالرواية عنه أبو إسحاق
السبيعي.
قال أبو حاتم الَّر ازي" :شيخ مجهول ،ال يحتج بحديثه" ،وقال اإلمام أحمد" :مستقيم الحديث،
ال يروي عنه غير أبي إسحاق" .انظر :تهذيب الكمال (.)253 /21
قلُت :صالح بن أبي خالد :لم أقف عليه.
( )3تقدم الكالم عليه ص (.)613
()2/686
القيامة كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدِر .قال فيقول :ما غَّر ك بي يا ابن آدم ثالَث مَّر اٍت ،ماذا
أجبَت المرسليَن ثالًثا ،كيف عملَت فيما َعِلْم َت " (. )1
وقال ابن أبي داود :أخبرنا أحمد بن األزهر حدثنا إبراهيم بن الحكم حدثنا أبي عن عكرمة قال:
قيل البن عباس :كل من دخل الجَّنة يرى الَّلَه عَّز وجَّل؟ قال :نعم" (. )2
وقال أسباط بن نصر :عن إسماعيل الُّس دي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس رضي الَّله
عنهما ،وعن ُمَّر ة الهمداني عن ابن مسعود رضي الَّله عنه" :الزيادة :النظُر إلى وجه الَّله" (. )3
قوُل معاذ بن جبل:
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم ،أخبرنا إسحاق بن أحمد الخراز حدثنا إسحاق بن سليمان الَّر ازي
عن المغيرة بن مسلم عن ميمون أبي ( )4حمزة قال :كنُت جالًس ا عند أبي وائل ،فدخل علينا
رجل يقال
__________
( )1أخرجه الطبراني في الكبير ( )204 /9رقم ( ،)8899واَّلاللكائي في شرح أصول االعتقاد
رقم ( ،)860وأبو نعيم في الحلية (.)131 /1
-ورواُه شريك القاضي عن هالل الوزان به نحوه.
أخرجه ابن المبارك في الزهد رقم ( ،)38وعبد الَّله في السنة رقم ( ،)485 ،474وابن خزيمة
في التوحيد رقم ( )217وغيرهم.
وهو أثٌر ثابت صحيح.
( )2تقدم ص (.)624
( )3تقدم ص (.)615
( )4في "ب ،د" "بن أبي" هو خطأ ،انظر :تهذيب الكمال (.)238 - 237 /29
()2/687
له أبو عفيٍف ،فقال له شقيق بن َس َلَم ة :يا أبا عفيف ،أال تحدثنا عن معاذ ابن جبل؟ قال :بلى
سمعته يقولُ" :يحشُر الَّناُس يوم القيامة في صعيٍد واحٍد ،فينادى أين الُم َّتُقون ،فيقومون في َك َنف
من الَّر حمن ال يحتجب الَّله منهم ،وال يستتر ،قلُت :من المتقون؟ قال :قوم اتَّق وا الشرَك ،وعبادة
األوثان ،وأخلصوا لَّله بالعبادة فيُم ُّر ون إلى الجَّنة" (. )1
قول أبي هريرة:
قال ابن وهب :أخبرنا ابن لهيعة عن أبي النضر أَّن أبا هريرة -رضي الَّله عنه -كان يقول" :لن
تروا ربكم حَّتى تذوقوا الموت" (. )2
قول عبد الَّله بن عمر:
قال حسين الجعفي ،عن عبد الملك بن أبجر عن ثوير عن ابن عمر رضي الَّلُه عنهما قال" :إَّن
أدنى أهِل الجَّنة منزلًة من ينظُر إلى
__________
( )1ذكره اَّلاللكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السَّنة والجماعة رقم (.)864
وسنده ضعيف ،فيه ميمون أبو حمزة األعور القَّص اب الكوفي :ضعيف الحديث ،وبعضهم :تركه.
انظر :تهذيب الكمال (.)240 - 238 /29
وأيًض ا :أبو عفيف لم أقف عليه.
( )2ذكره اَّلاللكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السَّنة والجماعة رقم (.)865
وسنده ضعيف ،لضعف ابن لهيعة ،ولالنقطاع بين أبي النضر سالم مولى عمر بن عبيد الَّله بن
معمر القرشي وبين أبي هريرة.
انظر :تهذيب الكمال (.)129 - 127 /10
()2/688
ملكه ألفي عام يرى أدنا كما يرى أقصا ،وإَّن أفضلهم منزل لمن ينظ إلى وجه الَّلِه في ك يوٍم
َّل ُر ًة ُه ُه
مَّر تين" (. )1
قول فضالة بن عبيد:
ذكر الدارمي عن محمد بن مهاجر عن ابن َح ْلَبس عن ُأِّم الدرداء أَّن فضالة بن عبيد كان يقول:
"اَّللهم إِّني أسألك الِّر ضا بعد القضاء ،وبرَد العيش بعد الموِت ،ولَّذ َة الَّنظِر إلى وجهك" وقد تقَّدم
(. )2
قوُل أبي موسى األشعري:
قال وكيع :عن أبي بكر الهذلي عن أبي تميمة عن أبي موسى -رضي الَّله عنه -قال" :الزيادُة:
النظُر إلى وجه الَّله" (. )3
وروى يزيد بن هارون وابن أبي عدي وابن ُعلَّية ( ، )4عن التيمي عن أسلم العجلي عن أبي ُمراية
عن أبي موسى األشعري رضي الَّله عنه أَّنه كان يحدث الَّناس فشخصوا بأبصارهم ( )5فقال :ما
صرَف أبصاركم عِّني؟ قالوا :الهالل ،قال :فكيف بكم إذا رأيتم الَّله جهرة؟ " (. )6
__________
( )1تقدم ص ( ،)323 - 322وراجع ص (.)671
( )2تقدم ص (.)683
( )3تقدم ص (.)614
( )4قوله "وابن ُعَلَّية" من "ب ،د" ونسخٍة على حاشية "أ".
( )5في "د ،هـ" ونسخٍة على حاشية "أ" "بأبصارهم عنه".
( )6أخرجه الدارمي في الرِّد على الجهمية رقم ( ،)196وعبد الَّله في السنة ( ،)465واآلجري
في الشريعة رقم ( ،)609وابن خزيمة في التوحيد رقم =
()2/689
()2/690
قال الطبري" :فتحَّصل في الباب مَّم ن روى عن رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -من الصحابة
حديث الرؤية ثالثٌة وعشرون نفًس ا :منهم علي ،وأبو هريرة ،وأبو سعيد ،وجرير ،وأبو موسى،
وصهيب ،وجابر ،وابن عباس ،وأنس ،وعمار ابن ياسر ،وُأبي بن كعب ،وابن مسعود ،وزيد بن
ثابت ،وحذيفة بن اليمان ،وعبادة بن الصامت ( ، )1وعدي بن حاتم ،وأبو رزين العقيلي ،وكعب
بن عجرة ،وفضالة بن ُعبيد ،وبريدة بن الحصيب ،ورجٌل من أصحاب الَّنبي -صلى الَّله عليه
وسلم. )2( "-
وقال الَّدارقطني" :أخبرنا محمد بن عبد الَّله حدثنا جعفر بن محمد ابن األزهر حدثنا مفضل بن
غَّس ان ،قال :سمعُت يحيى بن معين يقول :عندي سبعة عشر حديًثا في الرؤية ،كلها صحاح" ()3
.
وقال البيهقي" :روينا في "إثبات الرؤية" عن أبي بكر الصديق وحذيفة بن اليمان وعبد الَّله بن
مسعود وعبد الَّله بن عباس وأبي موسى وغيرهم ،ولم ُيرو عن أحٍد منهم نفيها ،ولو كانوا فيها
مختلفين ،لُنِق َل اختالفهم في ذلك ( )4إلينا ،كما أَّنهم لما اختلفوا في الحالل والحرام والشرائع
واألحكام ُنِق َل اختالفهم في ذلك إلينا ،وكما أَّنهم لما اختلفوا في رؤية الَّله سبحانه باألبصار في
الدنيا نقل اختالفهم في ذلك إلينا،
__________
( )1عند اَّلاللكائي ُه نا إضافة "وأبو ُأمامة" ،وال يوجد في جميع النسخ.
( )2انظر :شرح أصول اعتقاد أهل السَّنة والجماعة ( ،)495 /2ويالحظ -في المطبوعة -لم
ُيذكر "ابن عمر" بعد "ابن عباس".
( )3انظر :شرح أصول االعتقاد لاللكائي رقم (.)857
( )4قوله "في ذلك" من "أ".
()2/691
فلما ُنِق لت ( )1رؤية الَّله سبحانه باألبصار في اآلخرة عنهم ،ولم ينقل عنهم في ذلك اختالف،
كما نقل عنهم فيها اختالف في الدنيا = علمنا أَّنهم كانوا على ( )2القول برؤية الَّلِه تعالى
باألبصاِر في اآلخرة ُمَّتفقين مجتمعين" (.)3
فصل
وأَّما التابعون وَيَز ك ( )4اإلسالم ،وعصابة اإليمان :من أئمة الحديث والفقه والتفسير وأئمة
التصوف ،فأقوالهم أكثر من أْن يحيط بها إاَّل الَّلُه عَّز وجَّل.
* قال سعيد بن المسيب" :الزيادة :النظُر إلى وجه الَّلِه" (.)5
رواه مالك ،عن يحيى عنه.
* وقال الحسن" :الزيادة :النظُر إلى وجه الَّله" (.)6
رواُه ابن أبي حاتم عنه.
__________
( )1في نسخة على حاشية "أ" "ُنقلت في".
( )2جاء في نسخٍة على حاشية "أ" "محل" ،وفي "ج"" :على محل".
( )3انظر االعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد للبيهقي ص (.)144 - 142
( )4الَيَز ك :كلمة فارسية ،معناها :طالئع الجيش.
انظر :المعجم الذهبي ( )619للتونجي ،والمجموع اللفيف ( )91للسامرائي.
( )5أخرجه الاللكائي رقم (.)789
( )6أخرجه الطبري في تفسيره ( ،)106 /11والبيهقي في االعتقاد ص ( ،)132والاللكائي رقم
( .)790من طريق عوف األعرابي وأبي بشر الحلبي عن الحسن فذكره .وسنده حسن.
()2/692
* وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى" :الزيادة :النظر إلى وجه الَّلِه تعالى" ( . )1رواُه حماد بن زيد
عن ثابت عنه.
* وقاله عامر بن سعد البجلي ،ذكره سفيان عن أبي إسحاق عنه (. )2
* وقاله عبد الرحمن بن سابط .رواه جرير عن ليث عنه (. )3
__________
( )1أخرجه الدارمي في الرِّد على الجهمية رقم ( ،)192وعبد الَّله في السنة رقم (،)445
والطبري في تفسيره ( ،)106 /11وابن خزيمة في التوحيد رقم ( )261( )260وغيرهم.
وسنده صحيح.
هكذا رواُه حماد بن زيد وسليمان بن المغيرة ومعمر وحماد بن واقد كلهم عن ثابت عن ابن أبي
ليلى قوله.
وخالفهم حماد بن سلمة.
فرواُه عن ثابت عن ابن أبي ليلى عن صهيب مرفوًعا.
أخرجه مسلم في صحيحه رقم ( )181وغيره.
وقد أشار الَّدارقطني وأبو مسعود إلى هذه العَّلة ،لكن حماد بن سلمة من أعلم الَّناس بثابت كما
نَّص عليه جماعة ولهذا صحيح هذا الحديث :مسلم والَّدارقطني وابن حبان وأبو عوانة والبزار.
انظر :تحفة األشراف (.)198 /4
( )2تقدم في حاشية ص (.)613
( )3أخرجه الدارمي في الرِّد على بشر المريسي رقم ( ،)233وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة (
،)347والطبري ( ،)107 /11والدارقطني في الرؤية ( ،)222 ،221واَّلاللكائي رقم (.)795
من طريق ليث عن ابن سابط فذكره.
وخالفه فطر بن خليفة= .
()2/693
()2/694
ما حملك الَّلُه من دينه ،واْسَتْح َف َظك من كتابه ،فإَّن بتقوى الَّله نجا أولياء الَّلِه من سخطه ،وبها
رافقوا أنبياءه ،وبها نضرت وجوههم ،ونظروا إلى خالقهم ،وهي عصمة في الدنيا من الفتن ،ومن
كبت ( )1يوم القيامة" (. )2
* وقال الحسُن " :لو علم العابدون في الدنيا أَّنهم ال يرون ربهم في اآلخرة لذابت أنفسهم في
الدنيا" (. )3
* وقال األعمش وسعيد بن جبير" :إَّن أشرَف أهل الجَّنة لمن ينظر إلى الَّلِه تبارك وتعالى غدوًة
وعشية" (. )4
* وقال كعب" :ما نظر الَّله سبحانه إلى الجَّنة قط ( )5إاَّل قالِ :ط يبي ألهلك ،فزادت ضعًف ا على
ما كانت ،حَّتى يأتيها أهلها ،وما من يوٍم كان لهم عيد في الدنيا إاَّل يخرجون في مقداره في
رياض الجَّنة ،فيبرز
__________
( )1في "ب ،د ،هـ" ونسخٍة على حاشية "أ"" :كرب".
( )2أخرجه الَّدارمي في الرِّد على الجهمية رقم ( ،)202وأبو نعيم في الحلية ()278 /5
وغيرهما.
وفي سنده إبراهيم بن أبي حبيبة وهو ضعيف.
( )3أخرجه عبد الَّله في السَّنة ( ،)486والاللكائي ( ،)869وأبو نعيم في الحلية ()159 /2
وغيرهم.
وفيه عبد الواحد بن زيد :قال البخاري :تركوه.
( )4أخرجه عبد الَّله في السنة ( )487عن سعيد فقط ،وابن بطة في اإلبانة "المختار" رقم ()39
"عن سعيد واألعمش".
وسنده ال بأس به.
( )5من "ب ،ج ،د ،هـ" ونسخٍة على حاشية "أ".
()2/695
لهم الرب تبارك وتعالى ،فينظرون إليه ،وَتْس ِف ي عليهم الريُح المسَك ،وال يسألون الَّر َّب تبارك
وتعالى شيًئا إاَّل أعطاهم حَّتى يرجعوا ،وقد ازدادوا على ما كانوا من الحسن والجمال سبعين
ضعًف ا ،ثَّم يرجعون إلى أزواجهم ،وقد اْزَدْد َن مثل ذلك" (. )1
* وقال هشام بن حسان" :إَّن الَّلَه سبحانه وتعالى يتجَّلى ألهل الجَّنة ،فإذا رآه أهل الجَّنة َنُس وا
نعيم الجَّنة" (. )2
* وقال طاووس" :أصحاب المراء والمقاييس ال يزاُل بهم المراء والمقاييس حَّتى يجحدوا
الرؤية ،ويخالفوا السنة" (. )3
* وقال شريك عن أبي إسحاق السبيعي" :الزيادة :النظُر إلى وجه الرحمن تبارك وتعالى" (. )4
* وقال حماد بن زيد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أَّنه َتَلى هذه
__________
( )1أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم ( )37مختصًر ا ،والَّدارمي في الَّر ِّد على الجهمية (
،)201واآلجري في الشريعة رقم ( )573بمثله ،وغيرهم.
ومداره على يزيد بن أبي زياد ،وهو ضعيف.
( )2أخرجه ابن بطة في اإلبانة "المختار" رقم ( )40وهو بدون سند.
-ورواُه مكي بن إبراهيم عن هشام بن حسان عن الحسن بمثله.
أخرجه اآلجري في الشريعة (.)572
وفي سنده عمر بن مدرك :ضعيف ،وقيل :كَّذ اب.
( )3أخرجه اَّلاللكائي ( .)868وفيه إبراهيم بن يزيد الخوزي :وهو متروك.
( )4أخرجه الطبري ( ،)105 /11والَّدارقطني في الرؤية ( ،)223واَّلاللكائي (.)794
وسنده حسن.
()2/696
اآليةِ{ :لَّلِذ يَن َأْح َس ُنوا اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة} [يونس ،]26 :قال" :إذا دخل أهل الجَّنة الجَّنَة أعطوا
فيها ما سألوا ( )1وما شاؤوا ،فيقول الَّله عَّز وجَّل لهم :إَّنه قد بقَي من حِّق كم شيٌء لم تعطوه،
فيتجَّلى لهم رُّبهم ،فال يكوُن ما أعطوا عند ذلك بشيء ،فالحسنى :الجَّنة ،والزيادة :النظُر إلى
ربهم عَّز وجَّلَ{ :و اَل َيْر َهُق ُوُج وَهُه ْم َقَتٌر َو اَل ِذ َّلٌة} [يونس ]26 :بعد نظرهم إلى ربهم تبارك
وتعالى" (. )2
ِل َّل
* وقال علي بن المديني ( : )3سألُت عبد ال ه بن المبارك عن قوله تعالىَ{ :فَمْن َك اَن َيْر ُج و َق اَء
َر ِّبِه َفْلَيْع َمْل َعَم اًل َص اِلًح ا} [الكهف ]110 :قال عبد الَّله" :من أراد النظر إلى وجه خالقه،
فليعمل عماًل صالًح ا ،وال ُيْخ ِبْر به أحًد ا" (. )4
* وقال ُنَعْيم بن حَّم اد :سمعُت ابن المبارك يقول" :ما حجَب الَّلُه عَّز وجَّل أحًد ا عنه إاَّل عَّذ به ،ثَّم
قرأَ{ :ك اَّل ِإَّنُه ْم َعْن َر ِّبِه ْم َيْو َم ِئٍذ َلَمْحُج وُبوَن ()15
__________
( )1قوله "ما سألوا و" من "ب ،د" ،ونسخٍة على حاشية "أ".
( )2أخرجه الَّدارقطني في الرؤية رقم (.)210
من طريق محمد بن عبيد بن حساب عن حماد بن زيد مثله.
وقد تقَّدم ذكر االختالف فيه ص (.)693
( )3كذا في النسخ ،وعند اَّلاللكائي "المديني الغاساني" ولعَّله "الفاشاني" ،وعند البيهقي "علي
الباشاني" وهو محتمل؛ ألَّن "باشان" :قرية من قرى هراة ،و"فاشان" :قرية من قرى مرو .انظر:
األنساب للسمعاني ( )258 /1و ( ،)340 - 338 /4ولعَّل الصواب "الفاشاني"؛ ألَّن الحديث
ُح ِّدث بمرو كما عند اَّلاللكائي.
( )4أخرجه اَّلاللكائي ( ،)895والبيهقي في االعتقاد ص (.)135
()2/697
ُثَّم ِإَّنُه ْم َلَص اُلو اْلَج ِح يِم (ُ )16ثَّم ُيَق اُل َه َذ ا اَّلِذ ي ُك ْنُتْم ِبِه ُتَك ِّذ ُبوَن } [المطففين]17 - 15 :
قال :بالرؤية" .ذكره ابن أبي الدنيا ( ، )1عن يعقوب بن إسحاق عن ُنعيم.
وقال عَّباد بن العَّو امَ" :قِد َم علينا شريك بن عبد الَّله منذ خمسين سنة ،فقلت له :يا أبا عبد الَّله،
إن عندنا قوًم ا من المعتزلة ينكرون هذه األحاديث" :إَّن الَّلَه ينزُل إلى سماء الدنيا"" ،وإَّن أهل
الجَّنة يرون ربهم" .فحَّدثني بنحو عشرة أحاديث في هذا وقال :أما نحُن ،فقد أخذنا ديننا هذا
عن التابعين عن أصحاب رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم ،-فهم عَّم ن أخذوا؟ " (. )2
وقال عقبة بن َقِبْيصة (" : )3أتينا أبا ُنَعيم يوًم ا ،فنزل إلينا من الدرجة التي في َدارِه فجلَس في
وسطها كأَّنه مغضب ،فقال :حَّدثنا سفيان بن سعيد ومنذر الثوري وزهير بن معاوية ،وحدثنا حسن
بن صالح بن حي ،وحدثنا شريك بن عبد الَّله النخعي ،هؤالء أبناء المهاجرين ُيَح ِّدثوننا عن رسول
الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -أَّن الَّله تبارك وتعالى ُيرى في اآلخرة ،حَّتى جاَء ابن يهودٍّي صَّباٍغ
يزعم أَّن الَّلَه تعالى ال ُيرى -يعني بشر المِّر يسّي (.- )4
__________
( )1في صفة الجَّنة رقم ( ،)348والاللكائي رقم (.)894
( )2أخرجه عبد الَّله في السنة رقم ( ،)509والاللكائي ( ،)879والَّدارقطني في الصفات ()65
وغيرهم .وهو ثابٌت عنه.
( )3وقع في "أ ،ج ،هـ"" :قبيصة بن عقبة" ،وهو خطأ ،انظر :تهذيب الكمال (.)218 /20
( )4ذكره اَّلاللكائي ( )887عن ابن أبي حاتم بسنده.
وأخرجه الَّدارقطني في الصفات رقم (.)66
()2/698
فصل :في المنقول عن األئمة األربعة ،ونظرائهم وشيوخهم وأتباعهم على طريقتهم ومنهاجهم
ذكُر قول إمام دار الهجرة مالك بن أنس:
قال أحمد بن صالح المصري :حدثنا عبد الَّله بن وهب قال :قال مالك بن أنس" :الَّناُس ينظرون
إلى الَّلَه عَّز وجَّل يوم القيامة بأعينهم" (.)1
وقال الحارث بن مسكين :حدثنا أشهب قالِ :ئ مالك عن قوله عَّز وجَّل { :وٌه ِئٍذ
ُوُج َيْو َم ُس َل
َناِض َر ٌة (ِ )22إَلى َر ِّبَه ا َناِظ َر ٌة ([ })23القيامة ]23 - 22 :أتنظُر إلى الَّل عَّز وجَّل؟ قال :نعم،
ِه
فقلُت إَّن أقواًم ا يقولون :تنتظُر ما عنده ،قال :بل تنظر إليه نظًر ا ،وقد قال :موسىَ{ :ر ِّب َأِر ِني
ِئٍذ
َأْنُظْر ِإَلْيَك َقاَل َلْن } [األعراف ،]143 :وقال الَّله عَّز وجَّلَ{ :ك اَّل ِإَّنُه ْم َعْن َر ِّبِه ْم َيْو َم
َلَمْحُج وُبوَن ([ })15المطففين.)2( " ]15 :
وذكر الطبري وغيره أَّنُه قيل لمالك" :إَّنهم يزعمون أَّن الَّلَه ال ُيرى ،فقال مالك :السيف السيف"
(.)3
()2/699
عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون ،وسألته عَّم ا جحدت الَج ْه ِم َّية فقال" :لم يزْل يملي لهم
الشيطان حَّتى جحدوا قوله تعالىُ{ :وُج وٌه َيْو َم ِئٍذ َناِض َر ٌة (ِ )22إَلى َر ِّبَه ا َناِظ َر ٌة ([ })23القيامة:
،]23 ،22فقالوا :ال يراه أحٌد يوم القيامة ،فجحدوا -والَّله -أفضل كرامِة الَّله التي أكرم بها
أولياءه يوم القيامة من النظِر إلى وجهه ،ونضرته إَّياهم {ِفي َمْق َعِد ِص ْد ٍق ِع ْنَد َم ِليٍك ُمْق َتِد ٍر }
[القمر ،]55 :فورِّب السماء واألرِض ليجعلَّن رؤيته يوم القيامة للمخلصين له ثواًبا لينِّضر بها
وجوههم دون المجرمين ،وتفلج بها ُح َّج تهم على الجاحدين ،وهم عن رِّبهم يومئٍذ لمحجوبون،
ال يرونه كما زعموا أَّنُه ال يرى ،وال يكلمهم وال ينظر إليهم ،ولهم عذاب أليم" (.)1
()2/700
الهيثم بن خارجة ،قال :سمعت الوليد بن مسلم يقول" :سألت األوزاعي ،وسفيان الثوري ،ومالك
بن أنس ،والليث بن سعد ،عن هذه األحاديث التي فيها الرؤية ،فقالواُ :تَم ُّر بال كيف" (.)1
()2/701
"يا أبا عبد الرحمن خدارا بآن جهان جون ِبْيَنْند ( ،)1ومعناُه :كيَف ُيرى الَّله يوم القيامة؟ فقال:
بالعين" (.)2
وقال ابن أبي الدنيا :حدثني يعقوب بن إسحاق قال :سمعتُ :نَعيم ابن حماد يقول :سعت ابن
ِئٍذ
المبارك يقول" :ما حجب الَّله عَّز وجل عنه أحًد ا إاَّل عَّذ به ثَّم قرأَ{ :ك اَّل ِإَّنُه ْم َعْن َر ِّبِه ْم َيْو َم
َلَمْحُج وُبوَن (ُ )15ثَّم ِإَّنُه ْم َلَص اُلو اْلَج ِح يِم (ُ )16ثَّم ُيَق اُل َه َذ ا اَّلِذ ي ُك ْنُتْم ِبِه ُتَك ِّذ ُبوَن (})17
[المطففين ]17 - 15 :قال ابن المبارك :بالرؤية" (.)3
()2/702
محمد بن إدريس أَّنه يرى الَّله عَّز وجَّل َلَم ا َعَبَدُه" (.)1
وقال ابن بَّطة :حدثنا ابن األنباري ،حدثنا أبو القاسم األنماطي صاحب الُم َز ني قال :قال الشافعي:
{َك اَّل ِإَّنُه ْم َعْن َر ِّبِه ْم َيْو َمِئٍذ َلَمْحُج وُبوَن ([ })15المطففين ]15 :داللة على أَّن أولياءه يرونه يوم
القيامة بأبصار وجوههم" (.)2
()2/704
أليَس يقول الَّله عَّز وجَّلُ{ :وُج وٌه َيْو َم ِئٍذ َناِض َر ٌة (ِ )22إَلى َر ِّبَه ا َناِظ َر ٌة ([ } )23القيامة,22 :
،]23وقال تعالىَ{ :ك اَّل ِإَّنُه ْم َعْن َر ِّبِه ْم َيْو َم ِئٍذ َلَمْحُج وُبوَن (. )1( } )15
وقال أبو داود" :وسمعُت أحمد ،وُذِكَر له عن رجٍل في شيٍء في الرؤية فغضب وقال :من قال:
إَّن الَّلَه ال يرى فهو كافر" (. )2
قال أبو داود" :وسمعُت أحمد وقيل له :في رجل ُيحِّدث بحديث عن رجل عن أبي العطوف :إَّن
الَّلَه ال ُيرى في اآلخرة ،فقال :لَعَن الَّلُه من ُيحِّد ُث بهذا الحديِث اليوم ،ثَّم قال :أخزى الَّلُه ()3
هذا" (. )4
وقال أبو بكر المُّر وذي" :قيل ألبي عبد الَّله :تعرُف عن يزيد بن هارون ،عن أبي العطوف ،عن
أبي الزبير ،عن جابر" :إِن استقَّر الجبل فسوف تراني ،وإْن لم يستقر فال تراني في الدنيا ،وال في
اآلخرة" ( ، )5فغضَب أبو عبد الَّله غضًبا شديًد ا حَّتى تبَّين في وجهه ،وكان قاعًد ا والَّناُس حوله،
فأخَذ نعله وانتعل ،وقال :أخزى الَّله هذا ،ال ينبغي أْن
__________
( )1أخرجه اآلجري في الشريعة رقم ( ،)577وابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (.)253 /1
( )2مسائل أبي داود ص (.)263
( )3سقط من "هـ".
( )4مسائل أبي داود ص (.)263
( )5هذا حديث موضوع .آفته أبو العطوف واسمه الجَّر اح بن المنهال الحَّر اني قال ابن حبان:
"وكان رجل سوء يشرب الخمر ،ويكذب في الحديث" ،وقال أبو حاتم الَّر ازي" :هو متروك
الحديث ،ذاهب الحديث ،ال يكتب حديثه".
انظر :الجرح والتعديل ( ،)523 /2والكامل البن عدي ( ،)161 - 160 /2والمجروحين البن
حبان (.)219 - 218 /1
()2/705
ُيْك َتب ،ودفع أْن يكون يزيد بن هارون رواُه أو حَّدث به ،وقال :هذا َج ْه مي كافٌر خالف قول الَّلُه
( )1عَّز وجَّلُ{ :وُج وٌه َيْو َم ِئٍذ َناِض َر ٌة (ِ )22إَلى َر ِّبَه ا َناِظ َر ٌة ([ } )23القيامة.]23 - 22 :
وقالَ{ :ك اَّل ِإَّنُه ْم َعْن َر ِّبِه ْم َيْو َمِئٍذ َلَمْحُج وُبوَن ([ } )15المطففينَ ]15 :خ َز ى الَّلُه هذا
الخبيث".
قال أبو عبد الَّله" :ومن زعَم أَّن الَّلَه ال ُيرى في اآلخرة فقد كفر" (. )2
وقال أبو طالب" :قال أبو عبد الَّله :قول الَّلُه عَّز وجَّلَ{ :ه ْل َيْنُظُر وَن ِإاَّل َأْن َيْأِتَيُه ُم الَّلُه ِفي ُظَلٍل
ِم َن اْلَغَم اِم َو اْلَم اَل ِئَك ُة} [البقرةَ{ ،]210 :و َج اَء َر ُّبَك َو اْلَم َلُك َص ًّف ا َص ًّف ا ([ } )22الفجر]22 :
فمن قال :إَّن الَّله ال ُيرى فقد كفر" (. )3
وقال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ" :سمعُت أبا عبد الَّله يقول :من لم يؤمن بالرؤية فهو جْه مي،
والجهمي :كافر" (. )4
وقال يوسف بن موسى القطان" :قيل ألبي عبد الَّله :أهُل الجَّنة ينظرون إلى رِّبهم تبارك وتعالى
وُيكَّلمونه ويكِّلمهم؟ قال :نعم ،ينظُر إليهم ،وينظرون إليه ،ويكلمهم ويكلمونه كيف شاء وإذا
شاء" (. )5
وقال حنبل بن إسحاق" :سمعُت أبا عبد الَّله يقول :القوُم يرجعون
__________
( )1قوله "خالف قول الَّله" ،في "د ،هـ"" :خالف ما قال الَّله" ،ووقع في نسخٍة على حاشية "د"
"خالف قول الَّله".
( )2انظر :طبقات الحنابلة (.)59 /1
( )3أخرجه ابن بطة في اإلبانة "المختار" رقم (.)49
( )4مسائل ابن هانئ (.)152 /2
( )5أخرجه ابن بطة في اإلبانة "المختار" رقم (.)48
()2/706
إلى التعطيل في أقوالهم ،ينكرون الرؤية واآلثار كلها ،وما ظننتهم على هذا حَّتى سمعت
مقاالتهم".
قال حنبل" :وسمعُت أبا عبد الَّله يقول :من زعم أَّن الَّلَه ال رى في اآلخرة ( )1فقد رَّد على الَّلِه
ُي
وعلى الرسول ،ومن زعَم أَّن الَّلَه لم يتخذ إبراهيم خلياًل فقد كفر ،ورَّد على الَّله قوله ،قال أبو
عبد الَّله :فنحُن نؤمُن بهذه األحاديث ،وُنِق ُّر بها ونمُّر ها كما جاءْت " (. )2
وقال األثرم" :سمعُت أبا عبد الَّله يقول :فأما من قاَل :إَّنُه ال يرى الَّله في اآلخرة فهو جهمي،
قال أبو عبد الَّله :وإَّنما تكَّلم من تكَّلم في رؤية الدنيا (." )3
وقال إبراهيم بن زياد الصائغ" :سمعُت أحمد بن حنبل يقول :الرؤية من كَّذ ب بها فهو زْنِد ْيق".
وقال حنبل" :سمعُت أبا عبد الَّله يقول :أدركنا الَّناُس وما ينكرون من هذه األحاديث شيًئا -
أحاديث الرؤية -وكانوا يحدثون بها على الجملةُ ،يِم ُّر ونها على حالها غير منكرين لذلك وال
مرتابين" (. )4
وقال أبو عبد الَّله" :قال الَّلُه تعالىَ{ :و َما َك اَن ِلَبَش ٍر َأْن ُيَك ِّلَم ُه الَّلُه ِإاَّل َو ْحًيا َأْو ِم ْن َو َر اِء ِح َج اٍب
َأْو ُيْر ِس َل َرُس واًل } [الشورى .]51 :فكَّلم الَّله موسى
__________
( )1قوله "في اآلخرة" من المطبوعة.
( )2لم أقف عليه ،وجاء نحوه عن حنبل كما في طبقات الحنابلة (.)145 /1
( )3أخرجه ابن بطة في اإلبانة "المختار" رقم (.)51
( )4أخرجه ابن بطة في اإلبانة "المختار" رقم (.)52
()2/707
من وراء حجاب ،فقالَ{ :ر ِّب َأِر ِني َأْنُظْر ِإَلْيَك َقاَل َلْن َتَر اِني َو َلِكِن اْنُظْر ِإَلى اْلَجَبِل َفِإ ِن اْس َتَقَّر
َم َك اَنُه َفَس ْو َف َتَر اِني} [األعراف ،]143 :فأخبر الَّله عَّز وجَّل أَّن موسى يراُه في اآلخرة ،وقال:
{َك اَّل ِإَّنُه ْم َعْن َر ِّبِه ْم َيْو َمِئٍذ َلَمْحُج وُبوَن ([ } )15المطففين ،]15 :وال يكون حجاب إاَّل لرؤية
أخبر الَّله سبحانه أَّن من شاء الَّله ومن أراد يراُه ،والكفار ال يرونه" (. )1
قال حنبل" :وسمعُت أبا عبد الَّله يقول :قال الَّله تعالىُ{ :وُج وٌه َيْو َمِئٍذ َناِض َر ٌة (ِ )22إَلى َر ِّبَه ا
َناِظ َر ٌة ([ } )23القيامة .]23 - 22 :واألحاديث التي ُتْر وى في النظر إلى الَّله تعالى -حديث
جرير بن عبد الَّله وغيره" -وتنظرون إلى رِّبكم" ،أحاديث ِص َح اح ،وقالِ{ :لَّلِذ يَن َأْح َس ُنوا
اْلُحْس َنى َو ِز َياَدٌة} [يونس :]26 :النظُر إلى الَّله تعالى ،قال أبو عبد الَّله :نؤمن بها ،ونعلُم أَّنها
حٌّق :أحاديث الرؤية ،ونؤمن بأَّن الَّلَه ُيَر ىَ ،نَر ى ربنا يوم القيامة ،ال نشُّك فيه وال نرتاب" (. )2
قال" :وسمعُت أبا عبد الَّله يقول :من زعَم أَّن الَّلَه ال يرى في اآلخرة فقد كفر بالَّلِه وكَّذ ب
بالقرآن ،ورَّد على الَّله أمرهُ ،يستتاب؛ فإْن تاَب وإاَّل ُقِتَل" (. )3
قال حنبل" :قلُت ألبي عبد الَّله :في أحاديث الرؤية فقال :هذه صحاح نؤمن بها ،ونقُّر بها ،وكل
ما روي عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -إسنادُه جِّيد
__________
( )1لم أقف عليه ،وجاء بمعناه عن حنبل عند اآلجري في الشريعة (.)578
( )2لم أقف عليه ،وانظر معناه عند اآلجري في الشريعة (.)578
( )3لم أقف عليه ،وانظر معناُه في طبقات الحنابلة (.)145 /1
()2/708
قول المزني:
ذكر الطبري في "السنة" عن إبراهيم بن أبي داود المصري ،قالُ :ك َّنا عند ُنَعيم بن حَّم اد جلوًس ا،
فقال نعيم للُم َز ني :ما تقول في القرآن؟ فقال :أقول ،إَّنُه كالُم الَّلُه ،فقال :غير مخلوق؟ فقال:
غير مخلوق ،قال :وتقول :إَّن الَّلَه يرى يوم القيامة؟ قال :نعم ،فلما افترق الَّناس قام إليه المزني
فقال :يا أبا عبد الَّله ،شهرتني على رؤوس الَّناس ،فقال :إَّن الَّناس قد أكثروا فيك ،فأردت أن
ُأَبِّر ئك" (.)1
()2/710
َعَّنا وَأْر ضاَنا" (. )1
وحديث عبادة وعائشة وأبي هريرة وابن مسعود" :من أحَّب لقاَء الَّلِه أحَّب الَّلُه لقاءُه" (. )2
وحديُث أنس" :إَّنُك م ستلقون بعدي َأثَر ًة فاْص بُر وا حَّتى َتْلَق وا الَّله ورسوَلُه" (. )3
وحديث أبي ذٍّر " :لو لقيتني ِبُقَر اِب األرِض خَطاَياُ ،ثَّم لقيتني ال تشرُك بي شيًئا لقيُتَك بُقرابها
مغفرة" (. )4
وحديُث أبي موسى" :من لقَي الَّلَه ال يشرُك به شيًئا َدَخ َل الجَّنة" (. )5
__________
( )1أخرجه البخاري (.)3864
( )2البخاري ( 6142و ،)6143ومسلم ( )2686 ،2684 ،2683عن عبادة وعائشة وأبي
موسى رضي الَّله عنهم.
-ومسلم ( )2685عن أبي هريرة رضي الَّله عنه.
-والطبراني في الكبير ( )198 /9رقم ( )8882عن ابن مسعود موقوًفا عليه .وسنده صحيح.
( )3أخرجه البخاري رقم ( ،)2978ومسلم برقم (.)1845
( )4أخرجه مسلم برقم ( )2687بلفظ " . . .ومن لقيني بقراب األرِض خطيئة ال يشرك بي
شيًئا ،لقيته بمثلها مغفرة".
-وورد نحوه عند الترمذي رقم ( )3540من حديث أنس.
وقال الترمذي" :حسن غريب ال نعرفه إاَّل من هذا الوجه".
( )5لم أقف عليه من حديث أبي موسى بهذا اللفظ.
وقد جاء هذا المتن عن جماعة من الصحابة :كسلمة بن نعيم وعبد الَّله بن عمر وعبد الَّله بن
عمرو ومعاذ وعقبة بن عامر وعمارة بن رويبة وأبي هريرة =
()2/711
وغير ذلك من أحاديث اِّللقاءه التي أطردت ( )1كلها بلفٍظ واحٍد .
()2/712
بلى ،فيقوُل :أفظننَت أَّنَك ُمالقَّي ؟ فيقول :ال ،فيقول :فإِّني أنساَك كما نسيتني ،ثَّم يلقى الثاني،
فيقول :أي ُفل ،ألْم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيَل واإلبل ،وأَذْر َك ترأس وترَبُع
فيقول :بلى ،أي رِّب ،فيقول :أفظننَت أَّنَك ُمالقَّي فيقول :ال ،فيقول إِّني أنساَك كما نسيتني ،ثَّم
يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك ،فيقول :يا رِّب آمنت بك ،وبكتابك وبرسلك ،وصليت وصْم ُت
وتصدقُت ،ويثني بخيٍر ما استطاع ،فيقول :ها هنا إًذا ،ثَّم ُيقال :اآلن نبعث شاهدنا عليك،
فيتفكر في نفسه من اَّلذي يشهُد علَّي ؟ فُيختُم على فيه ،ويقال لفخذه :انطقي ،فتنطق فخُذ ه
ولحمه وعظامه بعمله ،وذلك ليعذر من نفسه ،وذلك المنافق ،وذلك اَّلذي يسخط الَّلُه عليه".
فاْج َم ْع بين قوله" :إَّنكم سترون رَّبكم" ،وقوله لمن ظَّن أَّنه غيَر مالقيه" :فإِّني أنساَك كما
نسيتني" ،وإجماع أهل اللغة أَّن اللقاء :المعاينة باألبصاِر = يحصْل لك العلُم بأَّن منكر الرؤية
أحُّق بهذا الوعيد.
ومن تراجم أهل السَّنة على هذا الحديث :باٌب :في الوعيد لمنكر ( )1الرؤية ،كما فعل شيخ
اإلسالم وغيره ،وبالَّله التوفيق.
فصل
قد دَّل القرآن والسَّنة المتواترة وإجماُع الصحابة وأئمة اإلسالم وأهل الحديث عصابة اإلسالم،
وَيَز ك اإليمان ،وخاَّصة رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم = -على
__________
( )1في "ب ،د"ِ" :لُم نكري".
()2/713
أَّن الَّله سبحانه وتعالى ُيرى في القيامة باألبصاِر ِع َياًنا ،كما ُيرى القمُر ليلَة البدِر َصْح ًو ا ،وكما
ُترى الشمس في الظهيرة ،فإْن كان لما أخبر به الَّله ورسوله عنه من ذلك حقيقة -وإَّن له والَّله
حَّق الحقيقة -فال يمكن أْن يروُه إاَّل من فوقهم ،الستحالة أن يروُه أسفل منهم ،أو خلفهم ،أو
أمامهم ،أو عن يمينهم وشمالهم ،وإْن لم يكن ِلَم ا أخبر به حقيقة -كما يقوله :أفراخ الصابئة،
والفالسفة والمجوس ،والِف رعونية -بطل الشرع والقرآن ،فإَّن اَّلذي جاء بهذه األحاديث ،هو
اَّلذي جاء بالقرآن والشريعة ،واَّلذي بَّلغها هو اَّلذي بَّلغ الِّدين ،فال يجوُز أْن جعل كالم الَّلِه
ُي
ورسوله ِع ِض ين ،بحيث ( )1يؤمن ببعض معانيه ،وُيْكفر ببعضها ،فال يجتمع في قلب العب بعد
ِد
االطالع على هذه األحاديث ،وفهم معناها إنكارها ،والشهادة بأَّن محمًد ا رسول الَّله أبًد ا :و
{اْلَحْم ُد ِلَّلِه اَّلِذ ي َه َد اَنا ِلَه َذ ا َو َم ا ُك َّنا ِلَنْهَتِد َي َلْو اَل َأْن َه َد اَنا الَّلُه َلَق ْد َج اَءْت ُرُس ُل َر ِّبَنا ِباْلَح ِّق}
[األعراف.]43 :
والمنحرفون في باب رؤية الرِّب تبارك وتعالى نوعان:
أحدهما :من يزعم أَّنه ُيرى في الدنيا ،ويحاضر وُيَس امر.
والثاني :من يزعم أَّنه ال ُيرى في اآلخرة ألبَّتة ،وال ُيكِّلم عباده.
وما أخبر الَّلُه به رسوله وأجمع عليه الصحابة واألئمة ُيكِّذ ُب الفريقين ،وبالَّله التوفيق.
__________
( )1من "ب ،ج ،د ،هـ" ونسخة على حاشية "أ".
()2/714
الباب السادس والستون :في تكليمه سبحانه ألهل الجَّنة ،وخطابه لهم ومحاضرته إَّياهم ،وسالمه
عليهم
قال تعالىِ{ :إَّن اَّلِذ يَن َيْش َتُر وَن ِبَعْه ِد الَّلِه َو َأْيَم اِنِه ْم َثَم ًنا َقِلياًل ُأوَلِئَك اَل َخ اَل َق َلُه ْم ِفي اآْل ِخ َر ِة َو اَل
ُيَك ِّلُم ُه ُم الَّلُه َو اَل َيْنُظُر ِإَلْيِه ْم َيْو َم اْلِق َياَمِة َو اَل ُيَز ِّك يِه ْم } [آل عمران.]77 :
وقال في حِّق اَّلذين يكتمون ما أنزَل الَّلُه من الُه َد ى والبِّيناتَ{ :و اَل ُيَك ِّلُم ُه ُم الَّلُه َيْو َم اْلِق َياَم ِة}
[البقرة.]174 :
فلو كان ال يكِّلم عباده المؤمنين ،لكانوا في ذلك هم وأعداء الَّله ( )1سواء ،ولم يكن في
تخصيص أعدائه بأَّنه ال يكلمهم فائدًة أصاًل ،إْذ تكليمه لعباده عند الفرعونية والمعِّطلة مثل أْن
ُيقال :يؤاكلهم ويشاربهم ،ونحو ذلك ،تعالى الَّلُه عَّم ا يقولون.
وقد أخبر سبحانه أَّنه يسِّلُم على أهل الجَّنة ،وأَّن ذلك السالم حقيقة ،وهو قوٌل من رٍّب رحيم (
،)2وتقَّدم تفسيُر الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -لهذه اآلية في حديث جابر في الرؤية ،وأَّنه
يشرف عليهم من فوقهم ،ويقولَ" :س اَل ٌم عليكم يا أهل الجَّنة" ( )3فيرونه عياًنا ،وفي هذا إثبات
الرؤية
__________
( )1قوله "وأعداء الَّله" في "ب ،ج ،د ،هـ"" :وأعداؤه".
( )2وقع في نسخٍة على حاشية "أ"َ{ :س اَل ٌم َقْو اًل ِم ْن َر ٍّب َر ِح يٍم ([ })58يس ]58 :بدل ُج ملة
"قول من رب رحيم".
( )3ص (.)663
()2/715
والتكليم والُعلو ،والمعطلة تنكر هذه األمور الثالثة وتكِّف ر القائل بها.
وتقدم حديث أبي هريرة رضي الَّله عنه في سوق الجَّنة وقول الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم:-
"وال يبقى أحٌد في ذلك المجلس إاَّل حاضره الَّله محاضرة ،فيقول :يا فالن أتذكر يوَم فعلت كذا
وكذا" الحديث (. )1
وتقدم حديث عدي بن حاتم" :ما منكم إاَّل َمْن سُيكِّلمه رُّبُه يوَم القيامة" (. )2
وحديث أبي هريرة في الرؤية وفيه "فيقول تبارك وتعالى للعبِد " :ألم أكرمك وأسودك" ()3
الحديث.
وحديث بريدة" :ما منكم من أحٍد إاَّل سيخلو به رُّبه ليس بينه وبينه َترُج ماٌن وال ِح جاٌب " ()4
الحديث.
وحديث أنس في يوم المزيد ،ومخاطبته فيه ألهل الجَّنة مراًر ا (. )5
وبالجملة فتأَّمل أحاديث الرؤية تجد في أكثرها ِذ ْك ُر الَّتْك ِليم.
قال البخاري في "صحيحه" (" : )6باُب كالِم الرب تبارك وتعالى مع أهل الجَّنة" .وساق فيه عَّدة
أحاديث.
__________
( )1انظر :ص (.)572
( )2انظر :ص ( ،)246وليس فيه هذا اللفظ ،ولعله يريد المعنى.
( )3ص (.)713
( )4ص (.)658
( )5انظر :ص (.)656 - 652
( )6في كتاب التوحيد (.)2732 /6
()2/716
فأفضل نعيم أهل الجَّنة رؤية وجهه تبارك وتعالى ،وتكليمه لهم ،فإنكار ذلك إنكار لروح الجَّنة،
وأعلى نعيمها وأفضله ،اَّلذي ما طابت ألهلها إاَّل به ،والَّله المستعان.
()2/717
الباب السابع والستون :في أبدية الجنة وأنها ال تفنى وال تبيد
َّلِذ
هذا مما ُيْع َلم باالضطرار أن الرسول -صلى الَّله عليه وسلم -أخبر به ،قال تعالىَ{ :و َأَّما ا يَن
ُس ِعُد وا َفِف ي اْلَج َّنِة َخ اِلِد يَن ِفيَه ا َم ا َداَمِت الَّس َم اَو اُت َو اَأْلْرُض ِإاَّل َم ا َش اَء َر ُّبَك َعَطاًء َغْيَر َمْج ُذ وٍذ (
[ })108هود ]108 :أي :غير مقطوع.
وال تنافي بين هذا وبين قولهِ{ :إاَّل َم ا َش اَء َر ُّبَك } [هود ،]108 :واختلف السلف في هذا
االستثناء:
* فقال معمر عن الضحاك" :هو في الذين يخرجون من النار ،فيدخلون الجنة ،يقول سبحانه:
إنهم خالدون في الجنة ما دامت السماوات واألرض ،إال ُمَّدة مكثهم في النار" (.)1
قلت :وهذا يحتمل أمرين:
أحدهما :أن يكون اإلخبار عن الذين ُس ِعُد وا وقع عن قوم مخصوصين ،وهم هؤالء.
والثاني - :وهو األظهر -أن يكون وقع عن جملة السعداء ،والتخصيص بالمذكورين هو في
االستثناء ،وما دل عليه.
وأحسن من هذين التقديرين :أن ُترَّد المشيئة إلى الجميع ،حيث
__________
( )1أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ( )2088 /7رقم ( ،)1244والطبري في تفسيره (/12
.)120وسنده صحيح.
()2/718
لم يكونوا في الجنة في الموقف .وعلى هذا فال يبقى في اآلية تخصيص.
* وقالت فرقة أخرى :هو استثناٌء استثناُه الرب تعالى وال يفعله ،كما تقول :والَّله ألضربنك إال أن
أرى غير ذلك .وأنت ال تراه؛ بل تجزم بضربه.
* وقالت فرقة ُأخرى :العرب إذا استثنت شيًئا كثيًر ا مع مثله ،ومع ما هو أكثر منه ،كان معنى
"إاَّل " في ذلك ومعنى الواو سواء.
والمعنى على هذا :سوى ما شاء الَّله من الزيادة على مدة دوام السماوات واألرض .هذا قول
الفَّر اء ( ، )1وسيبويه ( : )2يجعل "إاَّل " بمعنى لكن.
قالوا :ونظير ذلك أن يقول :لي عليك ألف إال األلفين الذين قبلها :أي سوى األلفين .قال ابن
جرير" :وهذا أحب الوجهين إلَّي ؛ ألن الَّله تعالى ال ُخ ْلف لوعده ،وقد وصل االستثناء بقوله:
{َعَطاًء َغْيَر َمْج ُذ وٍذ ([ } )108هود. )3( ]108 :
قالوا :ونظيره أن يقول :أسكنتك داري حواًل إال ما شئت ،أي :سوى ما شئت ،أو لكن ما شئت
من الزيادة عليه.
__________
( )1في معاني القرآن (.)28 /2
( )2في الكتاب ( 325 /2و 328و .)342
( )3انظر :تفسير الطبري ( 119 /12و )121بمعناه.
()2/719
* وقالت فرقة أخرى :هذا االستثناء إنما هو ُمَّدة احتباسهم عن الجَّنة ،ما بين الموت والبعث،
وهو البرزخ إلى أْن يصيروا إلى الجَّنة ،ثَّم هو خلوُد األبد ،فلم يغيبوا عن الجَّنة إاَّل بقدر إقامتهم
في البرزخ.
* وقالت فرقة أخرى :العزيمة قد وقعت لهم من الَّله بالخلود الَّدائم ،إاَّل أْن يشاء الَّله ( )1خالف
ذلك = إعالٌم لهم بأنهم مع خلودهم في مشيئته ،وهذا كما قال لنبيهَ{ :و َلِئْن ِش ْئَنا َلَنْذ َه َبَّن ِباَّلِذ ي
َأْو َح ْيَنا ِإَلْيَك } [اإلسراء ،]86 :وقولهَ{ :فِإ ْن َيَش ِإ الَّلُه َيْخ ِتْم َعَلى َقْلِبَك } [الشورى،]24 :
وقولهُ{ :قْل َلْو َش اَء الَّلُه َم ا َتَلْو ُتُه َعَلْيُك ْم } [يونس ،]16 :ونظائره .يخبر عباده سبحانه أَّن األمور
كَّلها بمشيئته ،ما شاء كان ،وما لم يشأ لم يكن.
* وقالت فرقة أخرى :المراد بُم َّدة دوام السموات واألرِض في هذا العالم .فأخبر سبحانه أَّنهم
خالدون في الجَّنة ُمَّدة دوام السموات واألرِض إاَّل ما شاء الَّلُه أْن يزيدهم عليه.
ولعَّل هذا قول من قال :إَّن "إاَّل " بمعنى "ِس وى" ،ولكن اختلفت عبارته ،وهذا اختيار ابن قتيبة (
. )2قال" :المعنى :خالدين فيها ُمَّدة العالم سوى ما شاء أْن يزيدهم من الخلود على مَّدة العالم".
* وقالت فرقة أخرى (" : )3ما" بمعنىَ" :مْن "،
__________
( )1من "د".
( )2في تأويل مشكل القرآن ص (.)77 - 76
( )3من "د ،هـ".
()2/720
كقولهَ{ :فاْنِكُح وا َما َطاَب َلُك ْم ِم َن الِّنَس اِء } [النساء ]3 :والمعنى :إاَّل من شاء ربك أن يدخله
الَّنار بذنوبه من السعداء.
والفرُق بين هذا القول ،وبين أَّو ل األقوال :أَّن االستثناء على ذلك القول من الُم َّدة ،وعلى هذا
القول من األعيان.
* وقالت فرقة أخرى :المراد بالسماوات واألرض :سماُء الجَّنة وأرضها ،وهما باقيتان ابًد ا،
وقولهِ{ :إاَّل َم ا َش اَء َر ُّبَك } [هود ]107 :إْن كانت "ما" :بمعنىَ" :مْن " فهم اَّلذين يدخلون الَّنار،
ثَّم يخرجون منها ،وإْن كانت بمعنى" :الوقت" فهو ُمَّدة احتباسهم في البرزخ والموقف.
قال الُج ْع ِف ي" :سألُت عبد الَّله بن وهب عن هذا االستثناء؟ ،فقال :سمعُت فيه أَّنه َقْد َر وقوفهم في
الموقف يوم القيامة إلى أْن يقضى بين الَّناس".
* وقالت فرقة أخرى :االستثناء راجٌع إلى مَّدة لبثهم في الدنيا.
وهذه األقوال متقاربة ،ويمكن الجمع بينها بأْن ُيقاَل :أخبر سبحانه عن خلودهم في الجَّنة كَّل
وقٍت ،إاَّل وقًتا يشاُء أاَّل يكونوا فيها ،وذلك يتناول وقَت كونهم في الدنيا وفي البرزخ ،وفي
موقف القيامة ،وعلى الصراط ،وكون بعضهم في الَّنار مَّدة ،وعلى كِّل تقدير فهذه اآلية من
ِم ٍذ
المتشابه ،وقوله تعالى فيهاَ{ :عَطاًء َغْيَر َمْج ُذ و } ُمْح كم ،وكذلك قولهِ{ :إَّن َه َذ ا َلِر ْز ُقَنا َما َلُه ْن
َنَف اٍد ([ })54ص ،]54 :وقولهُ{ :أُك ُلَه ا َداِئٌم َو ِظ ُّلَه ا} [الرعد ،]35 :وقولهَ{ :و َما ُه ْم ِم ْنَه ا
ِبُم ْخ َر ِج يَن } [الحجر.]48 :
وقد أَّك َد الَّله سبحانه خلود أهل الجَّنة بالتأبيد في عَّدة مواضع من
()2/721
القرآن ،وأخبر أَّنهم{ :اَل َيُذ وُقوَن ِفيَه ا اْلَمْو َت ِإاَّل اْلَمْو َتَة اُأْلوَلى} [الدخان ،]56 :وهذا االستثناء
منقطع ،وإذا َض َمْم َته إلى االستثناء في قولهِ{ :إاَّل َم ا َش اَء َر ُّبَك } [هود ]107 :تبَّين لك المراد من
اآليتين ،واستثناء الوقت اَّلذي لم يكونوا فيه في الجَّنة من مَّدة الخلود ،كاستثناء الموتة األولى
من جملة الموت ،فهذه موتٌة تقدمت على حياتهم األبدية ،وذاك مفارقة للجَّنة تقَّدم على خلودهم
فيها .وبالَّله التوفيق.
وقد تقَّدم قول الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم" :-من يدخل الجَّنة ينعم ال يبؤس ،ويخلد ال يموت"
(. )1
وقوله" :ينادي مناٍد يا أهل الجَّنة ،إَّن لكم أْن َتِص ُّح وا فال تسقموا أبًد ا ،وأْن تشبوا فال تهرموا
أبًد ا ،وأْن تحيوا فال تموتوا أبًد ا" (. )2
وثبت في "الصحيحين" ( )3من حديث أبي سعيد الخدري عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم-
قالُ" :يجاُء بالموِت في صورة كبٍش أملح ،فيوقُف بين الجَّنة والَّناِر ،ثَّم ُيقال :يا أهل الجَّنة،
فيَّطلعون مشفقين ،وُيقال :يا أهل الَّنار ،فيطلعون فرحين ،فيقال ( : )4هل تعرفون هذا ،فيقولون:
نعم ،هذا الموُت ،فيذبح بين الجَّنة والَّنار ،وُيقال :يا أهل الجَّنة ،خلوٌد فال موت ،ويا أهل الَّنار
خلوٌد فال موت".
__________
( )1ص (.)428
( )2أخرجه مسلم برقم (.)2837
( )3البخاري برقم ( ،)4453ومسلم رقم ( ،)2849واللفظ لمسلم.
( )4في نسخٍة على حاشية "أ"" :فيقال لهم".
()2/722
فصل
وهذا موضع اختلف فيه المتأخرون على ثالثة أقوال:
أحدها :أَّن الجَّنة والَّنار فاِنيَتاِن غير أبدَّيتين ،بل كما هما َح اِد َثَتان ،فهما فانيتان.
والقول الثاني :إَّنهما باقيتان ،دائمتان ال يفنيان أبًد ا.
والقول الثالث :إَّن الجَّنة باقية أبدَّية ،والنار فانية.
ونحن نذكر هذه األقوال ،ومن قالها ،وما احتَّج به أرباب كِّل قول ،ونرُّد ما خالف كتاب الَّله
وسَّنة رسوله -صلى الَّله عليه وسلم.-
* فأَّما القوُل بفنائهما فهو قول قاله :جهم بن صفوان ،إمام المعطلة الجهمية ،وليس له فيه سلف
قُّط من الصحابة وال من التابعين ،وال أحٌد من أئمة اإلسالم ،وال قال به أحٌد من أهل السَّنة ،وهذا
القول مَّم ا أنكرُه عليه وعلى أتباعه أئمة اإلسالم وكَّف روهم به ،وصاحوا بهم من أقطار األرِض ،
كما ذكر عبد الَّله بن اإلمام أحمد في كتاب "السنة" ( )1عن خارجة بن مصعب أَّنه قال :كفرت
الجهمية بثالث آيات من كتاب الَّله عَّز وجَّل :يقول الَّلُه سبحانهُ{ :أُك ُلَه ا َداِئٌم} [الرعد]35 :
وهم يقولون :ال يدوم ،ويقول الَّله تعالىِ{ :إَّن َه َذ ا َلِر ْز ُقَنا َم ا َلُه ِم ْن َنَف اٍد ([ })54ص ]54 :وهم
يقولونَ :يْنَف ُد ،ويقول الَّلُه عَّز وجَّلَ{ :ما
__________
( )131 /1( )1رقم ( )77وفيه بدل آية النحل آيتي هود ( ،)108والواقعة ( ،)33بأطول مما
ساقه المؤلف.
()2/723
()2/724
وكأنهم لم يفرقوا بين ُمحاالت العقول وَم حاراتها ( ، )1فالسمع يجيء بالثاني ال باألول ،فالسمع
يجيء بما تعجز العقول ( )2عن إدراكه ،وال يستقل به ،وال يجيء بما يعلم العقل إحالته.
واألكثرون اَّلذين وافقوا جهًم ا وأبا الهذيل على هذا األصل ،فَّر قوا بين الماضي والمستقبل،
وقالوا :الماضي قد دخَل في الوجود بخالف المستقبل ،والممتنع إَّنما هو دخول ما ال يتناهى في
الوجود ،ال تقدير دخوله شيًئا بعد شيء.
قالوا :وهذا نظير أن يقول القائل :ال أعطيَك درهًم ا إاَّل وأعطيك بعده درهًم ا آخر ،فهذا ممكن،
واألَّو ل نظير أْن يقول :ال أعطيك درهًم ا إاَّل وأعطيك قبله درهًم ا ،فهذا محال ،وهؤالء عندهم
وجود ما ال يتناهى في الماضي محال ،ووجوده في المستقبل واجب.
ونازعهم في ذلك آخرون وقالوا :بل األمر في الماضي كهو في المستقبل ،وال فرق بينهما ،بل
الماضي واالستقبال أمٌر ِنْس بٌّي ،فكُّل ما يكون مستقباًل يصيُر ماضًيا ،وكُّل ماٍض فقد كان
مستقباًل ،فال ُيْع َق ل إمكان الَّدوام في أحد الطرفين ،وإحالته في الطرف اآلخر.
قالوا :هذه مسألة دوام فاعلية الرب تبارك وتعالى ،وهو لم يزل رًّبا قادًر ا فَّعااًل ،فإَّنه لم يزل حًّيا
عليًم ا ( )3قديًر ا ،ومن المحال أْن يكون
__________
( )1في "ب ،هـ"" :ومجازاتها".
( )2في "ب ،ج ،د ،هـ"" :يعجز العقل".
( )3في "ج"" :عالًم ا".
()2/725
الفعل ممتنًعا عليه لذاته ،ثَّم ينقلب فيصير ُممكًنا ( )1لَّذ اته من غير تجُّدد شيء ،وليس لألَّو ل حٌّد
محدود حَّتى يصير الفعل ممكًنا له عند ذلك الحِّد ،ويكون قبله ممتنًعا عليه.
فهذا القوُل تصوره كاٍف في الجزِم بفساده ،ويكفي في فساده أَّن الوقَت اَّلذي انقلب فيه الفعل
من اإلحالة الَّذ اتية إلى اإلمكان الَّذ اتي ،إَّما أْن يصَّح أْن ُيْف َر َض قبَلُه وقٌت يمكن فيه الفعل أو ال
يصح.
فإْن قلتم :ال يصُّح ،كان هذا تحُّك ًم ا غير معقول ،وهو من جنس الَه َو س.
وإن قلتم :يصح ،قيل :وكذلك ما يفرض قبله ال إلى غاية ،فما من زمن محَّق ٍق أو مقَّد ٍر إال والفعل
ممكن فيه ،وهو صفة كمال وإحسان ومتعَّلق حمد الرب تعالى وربوبيته وملكه ،وهو لم يزل رًّبا
حميًد ا ( )2ملًك ا قادًر ا ،لم تتجدد له هذه األوصاف ،كما أنه لم يزل حًّيا مريًد ا عليًم ا .والحياة
والعلم واإلرادة والقدرة تقتضي آثارها ومتعلقاتها ،فكيف يعقل حي قدير عليم مريد ليس له مانع
وال قاهر يقهره يستحيل عليه أن يفعل شيًئا البتة؟
فكيف يجعل هذا أصل أصول ( )3الدين ،وُيْجَعل معياًر ا على ما أخبر الَّله سبحانه به ورسوله،
ويفَّر ق به بين جائزات العقول ومحاالتها؟
__________
( )1من هنا سقط من "ج" إلى ص (.)733
( )2في نسخٍة على حاشية "أ"" :جمياًل ".
( )3ليس في "ب".
()2/726
()2/727
الرب سبحانه فَّعااًل ِلَم ا ُيريد ،ولم يزل وال يزال موصوًفا بصفات الكمال منعوًتا بنعوت الجالل،
وليس المتمِّك ن من الفعل كَّل وقٍت كاَّلذي ال يمكنه الفعل إاَّل في وقٍت معيٍن ،وليس من َيْخ ُلق
كمن ال َيْخ ُلق ،ومن ُيْح ِس ن كمن ال يحِس ن ،ومن يدبر األمر كمن ال يدبر ،وأُّي كماٍل في أْن
يكون رب العالمين معطاًل عن الفعل مَد ٍد مقدرة ،أو محَّق قٍة ال تتناهى ،يستحيل منه الفعل،
وحقيقة ذلك أَّنه ال يقدر عليه.
وإْن أبيتم هذا اإلطالق وقلتم :إَّن المحال ال يوصف بكونه غير مقدور عليه ،فجمعتم بين
محالين :الحكم بإحالة الفعل من غير موجٍب إلحالته ،وانقالبه من اإلحالة الذاتية إلى اإلمكان
الَّذ اتي من غير تجُّدد سبٍب ،وزعمتم أَّن هذا هو األصل اَّلذي تثبتون به وجود الصانع ،وحدوث
العالم ،وقيامة األبدان ،فجنيتم على العقل والشرِع ،والرُّب تعالى لم يزل قادًر ا على الفعِل
والكالم بمشيئته ،ولم يزل فَّعااًل ِلَم ا ُيريد ،ولم يزل رًّبا ُمْح سًنا" (. )1
"والمقصوُد :أَّن القوَل بفناء الجَّنة والَّناِر قوٌل مبتدع ليقله أحٌد من الصحابة وال التابعين ،وال أحٌد
من أئمة المسلمين ،واَّلذين قالوه إَّنما تلَّق وُه عن قياٍس فاسٍد اشتبه أصله على كثيٍر من الَّناِس
فاعتقدوه
__________
( )1انظر :رسالة الرد على من قال :بفناء الجَّنة والَّناِر البن تيمية ص ( )49 - 44بتصرف
وزيادة من ابن القيم على ما جاء في هذه الرسالة.
وانظر درء تعارض العقل والنقل ( ،)347 - 345 /8ومجموع الفتاوى (،)154 - 153 /8
ومنهاج السنة النبوية (.)446 - 432 /1
()2/728
حًّق ا ،وبنوا عليه القول بخلق القرآن ،ونفي الصفات ،وقد دَّل القرآن والسَّنة والعقل الصريح
على أَّن كلمات الَّله وأفعاله ال تتناهى ،وال تنقطع بآخٍر ،وال ُتحُّد بأَّو ل ،قال الَّلُه تعالىُ{ :قْل َلْو
َك اَن اْلَبْح ُر ِم َد اًدا ِلَك ِلَم اِت َر ِّبي َلَنِف َد اْلَبْح ُر َقْبَل َأْن َتْنَف َد َك ِلَم اُت َر ِّبي َو َلْو ِج ْئَنا ِبِم ْثِلِه َمَدًدا}
[الكهف.]109 :
وقال تعالىَ{ :و َلْو َأَّنَم ا ِفي اَأْلْر ِض ِم ْن َش َج َر ٍة َأْقاَل ٌم َو اْلَبْح ُر َيُم ُّد ُه ِم ْن َبْع ِدِه َس ْبَعُة َأْبُح ٍر َم ا َنِف َدْت
َك ِلَم اُت الَّلِه ِإَّن الَّلَه َعِز يٌز َح ِكيٌم} [لقمان ]27 :فأخبر عن عدم نفاٍد لكلماته ِلِعَّز ته وحكمته،
وهذان وصفان ذاتيان له سبحانه وتعالى ال يكون إال كذلك.
وذكر ابن أبي حاتم في "تفسيره" ( )1عن سليمان بن عامر قال :سمعت الربيع بن أنس يقول:
"إن مثل علم العباد كلهم في علم الَّله عز وجل كقطرة من هذه البحور كلها ،وقد أنزل سبحانه
في ذلك {َو َلْو َأَّنَم ا ِفي اَأْلْر ِض ِم ْن َش َج َر ٍة َأْقاَل ٌم} اآلية".
وقوله تعالىُ{ :قْل َلْو َك اَن اْلَبْح ُر ِم َد اًدا ِلَك ِلَم اِت َر ِّبي} اآلية؛ يقول سبحانه لو كان البحر مداًدا
لكلمات الَّله ،والشجر كلها أقالم النكسرت األقالم ،وفني ماء البحر ،وكلمات الَّله تعالى باقية
ال يفنيها شيء؛ ألن أحًد ا ال يستطيع أن يقدر قدره وال يثني عليه كما ينبغي ،بل هو كما أثنى على
نفسه ،إن ربنا كما يقول وفوق ما يقول ،ثم إن مثل نعيم الدنيا أَّو له وآخره في نعيم اآلخرة كحبة
من ( )2خردل في خالل األرض كلها" (. )3
__________
( )1ليس في المطبوع ،وهو ناقص .انظر :تفسير ابن كثير (.)460 /3
( )2ليس في "د" ،ووقع في "أ" "في" وهو خطأ.
( )3انظر :رسالة الرد على من قال :بفناء الجَّنة والَّنار ص (.)49
()2/729
فصل
وأما أبدَّية النار ودوامها :فقال شيخ اإلسالم" :فيها قوالن معروفان عن السلف والخلف ،والنزاع
في ذلك معروف عن التابعين" (.)1
قلت :ها هنا أقوال سبعة:
أحدها :أن من دخلها ال يخرج منها أبًد ا ،بل كل من دخلها مخلد فيها أبد اآلباد ،وهذا قول
الخوارج والمعتزلة.
والثاني :أن أهلها يعذبون فيها ُمَّد ًة ،ثم تنقلب عليهم ،وتبقى طبيعٌة نارية لهم ،يتلَّذ ذون بها
لموافقتها لطبيعتهم .وهذا قول إمام اإلتحادية ابن عربي الطائي.
قال في "فصوصه" (" :)2الثناء بصدق الوعد ال بصدق الوعيد ،والحضرة اإللهية تطلب الثناء
المحمود بالذات ،فيثنى عليها بصدق الوعد ،ال بصدق الوعيد ،بل بالتجاوز {َفاَل َتْح َس َبَّن الَّلَه
ُمْخ ِلَف َو ْع ِدِه ُرُس َلُه} [إبراهيم ]47 :لم يقل :وعيده ،بل قالَ{ :و َنَتَج اَو ُز َعْن َس ِّيَئاِتِه ْم }
[األحقاف ]16 :مع أنه توَّعَد على ذلك ،وأثنى على إسماعيل بأنه كان صادق الوعد ،وقد زال
اإلمكان في حق الحق ،لما فيه من طلب المرِّج ح:
__________
( )1انظر المصدر السابق ص ( ،)52وفيه زيادة "ومن بعدهم".
( )2ص (.)94 - 93
()2/730
فلم يبق إال صادق الوعد وحده ...وما لوعيد الحِق عيٌن ُتَعاين
وإن دخلوا دار الشقاء فإنهم ...على لذة فيها نعيم مباين
نعيم جنان الخلد واألمر واحد ...وبينهما عند التجِّلي تباين
ُيَس َّم ى عذاًبا من عذوبة طعمه ...وذاك له كالقشر والقشُر صاين"
وهذا في طرف ،والمعتزلة الذين يقولون :ال يجوز على الَّله أن ُيْخ ِلَف وعيده ،بل يجب عليه
تعذيب من توعده بالعذاب= في طرف ،فأولئك عندهم ال ينجو من النار من دخلها أصاًل ،وهذا
عنده ال يعذب بها أحد أصاًل .والفريقان مخالفان لما ُعِلَم باالضطرار أن الرسول جاء به ،وأخبر
به عن الَّله عز وجل.
الثالث :قول من يقول :إن أهلها يعذبون فيها إلى وقت محدود ،ثم يخرجون منها ،ويخلفهم فيها
قوم آخرون .وهذا القول حكاه اليهود للنبي -صلى الَّله عليه وسلم -فأكذبهم فيه ( ، )1وقد
أكذبهم الَّله تعالى في القرآن فيه:
ِل ِع
فقال تعالىَ{ :و َقاُلوا َلْن َتَم َّس َنا الَّناُر ِإاَّل َأَّياًم ا َمْع ُد وَدًة ُقْل َأَّتَخ ْذ ُتْم ْنَد الَّلِه َعْهًد ا َفَلْن ُيْخ َف الَّلُه
َعْهَدُه َأْم َتُقوُلوَن َعَلى الَّلِه َما اَل َتْع َلُم وَن (َ )80بَلى َمْن َك َسَب َس ِّيَئًة َو َأَح اَطْت ِبِه َخ ِط يَئُتُه َفُأوَلِئَك
َأْص َح اُب الَّناِر ُه ْم ِفيَه ا
__________
( )1أخرجه الطبري في تفسيره ( ،)382 /1وابن أبي حاتم في تفسيره ( )155 /1رقم (،)813
والحاكم في المستدرك ( )654 /2رقم ( ،)4171والواحدي في أسباب النزول ص (- 26
)27وغيرهم.
وفيه محمد بن أبي محمد األنصاري مولى زيد بن ثابت ،تفَّر د بالرواية عنه ابن إسحاق .قال
الذهبي :وقد ورد معناُه عن غير واحٍد من التابعين.
()2/731
()2/732
الخامس :قول من يقول :بل ( )1تفنى بنفسها؛ ألنها حادثة بعد أن لم تكن ،وما ثبت حدوثه
استحال بقاؤه وأبديته.
وهذا قول جهم بن صفوان وشيعته ،وال فرق عنده في ذلك بين الجنة والنار.
السادس :قول من يقول :تفنى حياتهم وحركاتهم ويصيرون جماًد ا ،ال يتحركون وال يحُّس ون
بألم.
وهذا قول أبي الُه َذ يل العاَّل ف إمام المعتزلةَ ،طْر ًد ا المتناع حوادث ال نهاية لها .والجنة والنار
عنده سواء في هذا الحكم.
السابع :قول من يقول :بل يفنيها ربها وخالقها تبارك وتعالى ،فإنه جعل لها أَمًد ا تنتهي إليه ثم
تفنى ويزول عذابها.
قال شيخ اإلسالم" :وقد ُنِق َل هذا القول عن عمر ،وابن مسعود ،وأبي هريرة ،وأبي سعيد
وغيرهم.
وقد روى َعْبد بن ُحَم يد -وهو من أجل علماء الحديث -في "تفسيره" المشهور :حدثنا سليمان
( )2بن حرب ،حدثنا حماد بن سلمة ،عن ثابت ،عن الحسن قال :قال عمر" :لو لبث أهل النار
في النار كقدر رمل عالج ( ، )3لكان لهم على
__________
( )1من "ب ,هـ" ،ونسخٍة على حاشية "أ".
( )2إلى هنا انتهى السقط من "ج".
( )3هو َم َثٌل ُيضرب للمبالغة في الَك ْثرة ،وعاِلج :رمال بين فيد والقريات ينزلها ُبْح تر من طيء،
وهي متصلة بالثعلبية على طريق مكة ،ال ماء بها= . . . .
()2/733
()2/734
قال :وال ريب أَّن َمْن قال هذا القول عن عمر ،ونقله عنه إنما أراد بذلك جنس أهل النار الذين
هم أهلها ،فأما قوم أصيبوا بذنوبهم ،فقد علم هؤالء وغيرهم أنهم يخرجون منها ،وأنهم ال يلبثون
قدر رمل عالج ،وال قريًبا منه.
ولفظ "أهل النار" ال يختص بالموِّح دين ،بل هو مختص بمن عداهم ،كما قال -صلى الَّله عليه
وسلم" :-أما أهل النار الذين هم أهلها ،فإنهم ال يموتون فيها وال يحيون" ( ، )1وال يناقض هذا
قوله تعالىَ{ :خ اِلِد يَن ِفيَه ا} ،وقولهَ{ :و َم ا ُه ْم ِم ْنَه ا ِبُم ْخ َر ِج يَن } [الحجر ]48 :بل ما أخبر الَّله به
هو الحق والصدق الذي ال يقع خالفه ،لكن إذا انقضى أجلها وفنيت كما تفنى الدنيا لم يبق ناًر ا
ولم يبق فيها عذاب.
قال أرباب هذا القول :في "تفسير علي بن أبي ( )2طلحة الوالبي" :عن ابن عباس في قوله تعالى:
{َقاَل الَّناُر َم ْثَو اُك ْم َخ اِلِد يَن ِفيَه ا ِإاَّل َم ا َش اَء الَّلُه ِإَّن َر َّبَك َح ِكيٌم َعِليٌم ([ } )128األنعام.]128 :
قال" :ال ينبغي ألحد أن يحكم على الَّله في خلقه ،وال ينزلهم جنة وال ناًر ا" (. )3
قالوا :وهذا الوعيد في هذه اآلية ليس مختًّص ا بأهل القبلة ،فإنه سبحانه قالَ{ :و َيْو َم َيْح ُش ُر ُه ْم
َج ِم يًعا َياَمْع َش َر اْلِج ِّن َقِد اْسَتْك َثْر ُتْم ِم َن اِإْل ْنِس
__________
( )1أخرجه مسلم رقم ( )185مطَّو اًل من حديث أبي سعيد الخدري رضي الَّله عنه.
( )2سقط من "أ ،هـ".
( )3أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ( )1388 /4رقم ( ،)7897والطبري ( .)34 /8وسنده
حسن.
()2/735
()2/736
فاالستثناء وقع في اآلية التي أخبرت عن دخول أولياء الشيطان ( )1النارَ .فِم ْن ها هنا قال ابن
عباس" :إنه ال ينبغي ألحد أن يحكم على الَّله في خلقه".
قالوا :وقول من قال إن "إال" بمعنى "سوى" ،أي :سوى ما شاء الَّله أن يزيدهم من أنواع العذاب
وزمنه = ال تخفى منافرته للمستثنى والمستثنى منه ،وإن الذي يفهمه المخاطب :مخالفة ما بعد
"إال" لما قبلها.
قالوا :وقول من قال :إنه إلخراج ما قبل دخولهم إليها من الزمان؛ كزمان البرزخ والموقف،
ومَّدة الدنيا أيًض ا = ال يساعد عليه وجه الكالم ،فإَّنه استثناء من جملة خبرَّية مضمونها :أَّنهم إذا
دخلوا الَّناَر لبثوا فيها مَّدة دوام السماوات واألرِض إاَّل ما شاء الَّلُه ( ، )2وليس المراد االستثناء
قبل الدخول ،هذا ما ال يفهمه المخاطب ،أاَل ترى أَّنه سبحانه يخاطبهم بهذا في الَّنار حين
يقولونَ{ :ر َّبَنا اْسَتْم َتَع َبْعُضَنا ِبَبْع ٍض َو َبَلْغَنا َأَج َلَنا اَّلِذ ي َأَّج ْلَت َلَنا} [األنعام ،]128 :فيقول لهم
ِلِد ِف ٍذ
حينئ { :الَّناُر َم ْثَو اُك ْم َخ ا يَن يَه ا ِإاَّل َما َش اَء الَّلُه} [األنعام ،]128 :وفي قولهمَ{ :ر َّبَنا اْسَتْم َتَع
َبْعُضَنا ِبَبْع ٍض َو َبَلْغَنا َأَج َلَنا اَّلِذ ي َأَّج ْلَت َلَنا} نوُع اعتراٍف واستسالم وتحُّس ر ،أي :استمتع الجن
بنا ،واستمتعنا بهم ،فاشتركنا
__________
( )1في "ب"" :الشياطين".
( )2انظر :رسالة الرد على من قال بفناء الجَّنة والَّنار البن تيمية ص ( )60 - 53بتصرف مع
زيادة أحياًنا.
()2/737
في الشرك ودواعيه وأسبابه ،وآثرنا االستمتاع على طاعتك وطاعة رسلك ،وانقضت آجالنا،
وذهبت أعمارنا في ذلك ،ولم نكتسب فيها رضاك ،وإَّنما كان غاية أمرنا في ُمَّدة آجالنا استمتاع
بعضنا ببعض.
فتأمل ما في هذا من االعتراف بحقيقة ما هم عليه ،وكيف بدت لهم تلك الحقيقة ذلك اليوم،
وعلموا أن الذي كانوا فيه في مدة آجالهم ،هو حظهم من استمتاع بعضهم ببعض ،ولم يستمتعوا
بعبادة ربهم ،ومعرفته وتوحيده ،ومحبته وإيثار مرضاته.
وهذا من نمط قولهمَ{ :لْو ُك َّنا َنْسَمُع َأْو َنْع ِق ُل َم ا ُك َّنا ِفي َأْص َح اِب الَّس ِعيِر (.})10
وقوله تعالىَ{ :فاْع َتَر ُفوا ِبَذ ْنِبِه ْم } [الملك.]11 ,10 :
وقولهَ{ :فَعِلُم وا َأَّن اْلَح َّق ِلَّلِه} [القصص ،]75 :ونظائره.
والمقصود أَّن قوله {ِإاَّل َما َش اَء الَّلُه} عائد إلى هؤالء المذكورين مختًّص ا بهم ،أو شاماًل لهم
ولعصاة الموِّح دين ،وأما اختصاصه بعصاة المسلمين دون هؤالء فال وجه له.
ولَّم ا رأت طائفة ضعف هذا القول ،قالوا :االستثناء يرجع إلى ُمَّدة البرزخ والموقف .وقد تبَّين
ضعف هذا القول.
ورأت طائفة أخرى :أَّن االستثناء يرجع إلى نوع آخر من العذاب غير النار.
قالوا :والمعنى :أنكم في النار أبًد ا إال ما شاء الَّله أن يعذبكم
()2/738
()2/739
حدثنا أبو نضرة ،عن جابر أو أبي سعيد أو بعض أصحاب الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال:
"أتت هذه اآلية على القرآن كله (ِ{ : )1إاَّل َم ا َش اَء َر ُّبَك ِإَّن َر َّبَك َفَّعاٌل ِلَم ا ُيِر يُد } [هود]107 :
" .قال المعتمر :قال أبي :كل وعيد في القرآن" (. )2
حدثنا عبيد الَّله بن معاذ ،حدثنا أبي ،حدثنا شعبة ،عن أبي َبْلج ( )3سمع عمرو بن ميمون يحدث
عن عبد الَّله بن عمرو ،قال" :ليأتين على جهَّنم يوم تصطفق فيه أبوابها ،ليس فيها أحد ،وذلك
بعد ما يلبثون فيها أحقاًبا" (. )4
__________
( )1في "د" "هذه اآلية تأتي على القرآن كله" ،وهو موافق لما ذكره المؤِّلف في شفاء العليل (
،)705 /2وليس في مسائل حرب المطبوعة كلمة "أتت".
( )2أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ( )273 /1رقم ( ،)1251والطبري ( ،)118 /12والبيهقي
في األسماء والصفات رقم (.)337
وسنده صحيح.
-ورواُه جعفر بن سليمان عن الُج ريري عن أبي نضرة قوله.
أخرجه البيهقي في األسماء والصفات رقم ( ،)336وابن أبي حاتم في تفسيره رقم ()11239
معَّلًق ا.
والجريري اختلط ،وال ُيدرى هل سمع منه جعفر الضبعي قبل اختالطه أم بعده؟
انظر :الكواكب النِّيرات ص (.)185
( )3في "ب"" :صالح" وهو خطأ.
( )4أخرجه الفسوي في المعرفة والتاريخ (.)103 /2
من طريق الطيالسي عن شعبة به مثله إلى قوله "أحد".
قال الطيالسي :وحدثنا حماد بن سلمة عن ثابت قال :سألت الحسن عن هذا الحديث فأنكره".
وهذا الحديث جعله الذهبي من باليا أبي َبْلج فذكره وقال" :هذا منكر" =
()2/740
حدثنا عبيد الَّله ،حدثنا أبي ،حدثنا شعبة ،عن يحيى بن أيوب ،عن أبي زرعة ،عن أبي هريرة -
رضي الَّله عنه -قال :ما أنا بالذي ال أقول :إنه سيأتي على جهنم يوم ال يبقى فيها أحد ،وقرأ" :
{َفَأَّما اَّلِذ يَن َش ُقوا َفِف ي الَّناِر َلُه ْم ِفيَه ا َز ِفيٌر َو َش ِه يٌق ([ } )106هود. )1( " ]106 :
قال عبيد الَّله :كان أصحابنا يقولون :يعني به الموِّح دين.
حدثنا أبو َمْع ٍن ،حدثنا وهب بن جرير ،حدثنا شعبة ،عن سليمان التيمي ،عن أبي نضرة ،عن جابر
بن عبد الَّله ،أو بعض أصحابه في قوله تعالىَ{ :خ اِلِد يَن ِفيَه ا َم ا َداَمِت الَّس َم اَو اُت َو اَأْلْرُض ِإاَّل َما
َش اَء َر ُّبَك } [هود .]107 :قال" :هذه اآلية أتت ( )2على القرآن كله" (. )3
__________
= الميزان (.)189 /7
قلُت :إنكار الحسن البصري يحتمل عَّدة احتماالت ،لكْن تقدم قريًبا ص ( )735 - 734رواية
ثابت البناني وحميد الطويل عن الحسن أَّن عمر بن الخطاب قال :لو لبثت أهل الَّنار." . . .
وأبو بلج الفزاري واسمه يحيى بن ُس ليم ،وقيل غير ذلك ،وَّثقه جماعة ،وله حديث منكر .انظر:
تهذيب الكمال (.)162 /33
فإْن كان حفظه فاإلسناد ال بأس به.
( )1سنده ال بأس به ،ويحيى بن أيوب هو البجلي الكوفي مختلٌف فيه.
تهذيب الكمال (.)232 /31
وأخرجه إسحاق بن راهويه ،كما في الدر المنثور ( )635 /3بلفظ "سيأتي على جهَّنم يوٌم ال
يبقى فيها أحد ،وقرأ {َفَأَّما اَّلِذ يَن َش ُقوا }. .اآلية.
( )2من "أ ،هـ" فقط ،وليست في باقي النسخ ،وال في مسائل حرب المطبوعة.
( )3انظر في مسائل حرب ص ( ،)430وتقدم الكالم عليه.
()2/741
وقد حكى ابن جرير هذا القول في "تفسيره" ( )1عن جماعة من السلف ،فقال :وقال آخرون:
عنى بذلك أهل النار ،وكل من دخلها .ذكر من قال ذلك -ثم ذكر اآلثار التي نذكرها:-
وقال عبد الرزاق :حدثنا ابن التيمي ،عن أبيه ،عن أبي نضرة ،عن جابر أو أبي سعيد ،أو عن رجل
من أصحاب رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -في قولهِ{ :إاَّل َم ا َش اَء َر ُّبَك ِإَّن َر َّبَك َفَّعاٌل ِلَم ا
ُيِر يُد ( } )107قال" :هذه اآلية تأتي على القرآن كله" ،يقول :حيث كان في القرآن "خالدين
فيها" تأتي عليه" .،قال" :وسمعت أبا مجلز يقول :جزاؤه جهنم ( ، )2فإن شاء الَّله عز وجل
تجاوز عن عذابه" (. )3
وقال ابن جرير" :حدثنا الحسن بن يحيى ،أخبرنا عبد الرازق ،فذكره .قال :وُح ِّدثت عن
المسيب عمن ذكره عن ابن عباسَ{ :خ اِلِد يَن ِفيَه ا َم ا َداَمِت الَّس َم اَو اُت َو اَأْلْرُض ِإاَّل َم ا َش اَء َر ُّبَك }
قال" :ال يموتون وما هم منها بمخرجين ما دامت السماوات واألرض إال ما شاء ربك .قال:
استثنى الَّله ،قال :أمر النار أن تأكلهم".
قال :وقال ابن مسعود" :ليأتين على جهنم زمان تخفق أبوابها ليس فيها أحد بعدما يلبثون فيها
أحقاًبا".
__________
(.)118 /12( )1
( )2من "أ" ،وليس في باقي النسخ ،وال عند عبد الرزاق وال الطبري.
( )3أثر أبي مجلز موصول بالسند المتقدم ،وهو عند عبد الرزاق والطبري كما تقدم.
تنبيه :وقع في "هـ" "مخلد" بدل "مجلز" وهو تصحيف.
()2/742
حدثنا ابن ُحَم يد ،حدثنا جرير ،عن بيان ،عن الشعبي ،قال" :جهنم أسرع الدارين عمراًنا،
وأسرعهما خراًبا" (. )1
وحكى ابن جرير في ذلك قواًل آخر ،فقال" :وقال آخرون :أخبرنا الَّله سبحانه بمشيئته ألهل
الجنة ،فعرفنا معنى ثنياه بقولهَ{ :عَطاًء َغْيَر َمْج ُذ وٍذ ( } )108أَّنها في الزيادة على مقدار مدة
السماوات واألرض ،قالوا :ولم يخبرنا بمشيئته في أهل النار ،وجائز أن تكون مشيئته في الزيادة،
وجائز أن تكون في النقصان.
حدثني يونس ،أخبرنا ابن وهب قال :قال ابن زيد في قوله تعالىَ{ :خ اِلِد ي ِفيَه ا ا َدا ِت
َم َم َن
الَّس َم اَو اُت َو اَأْلْرُض ِإاَّل َم ا َش اَء َر ُّبَك } حَّتى بلغ {َعَطاًء َغْيَر َمْج ُذ وٍذ ( } )108فقال :أخبرنا بالذي
يشاء ألهل الجنة فقالَ{ :عَطاًء َغْيَر َمْج ُذ وٍذ ( } )108ولم يخبرنا بالذي يشاء ألهل النار" (. )2
وقال ( )3ابن مردويه في "تفسيره" :حدثنا سليمان بن أحمد ،حدثنا خير بن عرفة ،حدثنا يزيد بن
مروان الخالل ،حدثنا أبو خليد ،حدثنا سفيان -يعني :الثوري -عن عمرو بن دينار ،عن جابر -
ِف َّلِذ
رضي الَّله عنه -قال :قرأ رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلمَ{ -فَأَّما ا يَن َش ُقوا َف ي الَّناِر َلُه ْم
ِفيَه ا َز ِفيٌر َو َش ِه يٌق ()106
__________
( )1تفسير الطبري (.)118 /12
وأثرا ابن عباس وابن مسعود :ضعيفا اإلسناد كما تقَّدم.
وأثر الشعبي أيًض ا ضعيف جًّدا :شيخ الطبري هو محمد بن ُح ميد وهو ضعيف جًّدا.
( )2تفسير الطبري ( .)119 - 118 /12وأثر ابن زيد صحيح.
( )3من هنا سقط من "ج" إلى ص (.)747
()2/743
َخ اِلِد يَن ِفيَه ا َما َداَمِت الَّس َم اَو اُت َو اَأْلْرُض ِإاَّل َم ا َش اَء َر ُّبَك } [هود .]107 - 106 :قال رسول
الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-إن شاء الَّله أن يخرج ناًس ا من الذين شقوا من النار فيدخلهم
الجنة َفَعل" (. )1
وهذا الحديث يدل على أن االستثناء إنما هو للخروج من النار بعد دخولهم خالًفا لمن زعم :أنه
لما قبل الدخول؛ ولكن إنما يدل على إخراج بعضهم من النار ،وهذا حق بال ريب ،وهو ال ينفي
انقطاعها وفناء عذابها ،وأكلها لمن فيها ،وأنهم ُيَعَّذ بون فيها دائًم ا ما دامت كذلك ،وما هم منها
بمْخ َر جين ،فالحديث دل على أمرين:
أحدهما :أَّن بعض األشقياء إن شاَء الَّلُه يخرجهم من النار -وهي نارَ -فَعَل ،وأن االستثناء أنما
هو فيما بعد دخولها ،ال فيما قبله.
وعلى هذا ،فيكون معنى االستثناء :إال ما شاء ربك من األشقياء ،فإنهم ال يخلدون فيها ،ويكون
األشقياء نوعين :نوًعا يخرجون منها ،ونوًع ا يخلدون فيها ،فيكونون من الذين شقوا أّو اًل ،ثم
يصيرون من الذين ُس ِعدوا ،فتجتمع لهم الشقاوة والسعادة في وقتين.
قالوا :وقد قال تعالىِ{ :إَّن َجَه َّنَم َك اَنْت ِم ْر َص اًدا (ِ )21للَّطاِغ يَن َم آًبا ( )22اَل ِبِثيَن ِفيَه ا َأْح َق اًبا (
ِم ِف
)23اَل َيُذ وُقوَن يَه ا َبْر ًدا َو اَل َش َر اًبا (ِ )24إاَّل َح يًم ا َو َغَّس اًقا (َ )25جَز اًء
__________
( )1سنده ضعيف جًّدا.
فيه يزيد بن مروان الخالل :قال ابن معين "كَّذ اب" الجرح ( ،)291 /9وضعفه الدارمي وأبو
داود وقال الدارقطني" :ضعيف جًّدا".
انظر :اللسان (.)380 /6
()2/744
ِو َفاًقا (ِ )26إَّنُه ْم َك اُنوا اَل َيْر ُج وَن ِح َس اًبا (َ )27و َك َّذ ُبوا ِبآَياِتَنا ِكَّذ اًبا} [النبأ.]28 - 21 :
فهذا صريح في وعيد الكفار المكذبين بآياته ،وال ُيَق َّدر األبدي بمدة األحقاب ( )1وال غيرها،
كما ال يقَّدر به القديم ،ولهذا قال عبد الَّله ابن عمرو :فيما رواه ( )2شعبة ،عن أبي بلج ،سمع
عمرو بن ميمون يحدث عنه" :ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد ،وذلك بعد
ما يلبثون فيها أحقاًبا" (.)3
فصل
والذين قطعوا بدوام النار لهم ست طرق:
أحدها :اعتقاد اإلجماع ،فكثير من الناس يعتقدون أَّن هذا مجمع عليه بين الصحابة والتابعين ال
يختلفون فيه ،وأن االختالف فيه حادث ،وهو من أقوال أهل البدع.
الطريق الثاني :أن القرآن دل على ذلك داللة قطعية ،فإنه سبحانه وتعالى أخبر :أنه عذاب مقيم،
وأنه ال ُيَف َّتر عنهم ،وأنه لن يزيدهم إال عذاًبا ،وأنهم خالدين فيها أبًد ا ،وما هم بخارجين من النار،
وما هم منها بمخرجين ،وأن الَّله حرم الجنة على الكافرين ،وأنهم ال يدخلون الجنة حتى يلج
الجمل في سِّم الخياط ،وأنهم ال يقضى عليهم
__________
( )1في "د"" :ال أحقاب".
( )2قوله" :فيما رواُه" ،وقع في "أ"" :فيها" بدل "فيما رواُه".
( )3تقدم الكالم عليه في ص (.)740
()2/745
فيموتوا ،وال ُيَخ َّف ف عنهم من عذابها ،وأن عذابها كان غراًم ا ،أي :مقيًم ا الزًما.
قالوا :وهذا يفيد القطع بدوامه واستمراره.
الطريق الثالث :أن السنة المستفيضة أخبرت بخروج َمْن في قلبه مثقال ذرة ِم ْن إيماٍن دون
الكفار ،وأحاديث الشفاعة من أولها إلى آخرها صريحة بخروج عصاة الموحدين من النار ،وأن
هذا حكم مختص بهم ،فلو خرج الكفار منها لكانوا بمنزلتهم ،ولم يختص الخروج بأهل
اإليمان.
الطريق الرابع :أَّن الرسول وَّقْف َنا على ذلك وَعِلْم َناُه من دينه بالضرورة من غير حاجة بنا إلى نقٍل
معيٍن ،كما َعِلْم نا من دينه دوام الجنة وعدم فنائها.
الطريق الخامس :أن عقائد السلف وأهل السنة مصرحة بأن الجنة والنار مخلوقتان ،وأنهما ال
تفنيان ،بل هما دائمتان ،وإنما يذكرون فناءهما عن أهل البدع.
الطريق السادس :أَّن العقَل يقضي بخلود الكفار في الَّناِر .
وهذا مبنٌي على قاعدٍة وهي :أَّن المعاد ( )1وثواب النفوس المطيعة ،وعقوبة النفوس الفاجرة هل
هو مَّم ا ُيعلم بالعقل ،أو ال ُيْع َلم إاَّل بالسمِع ؟
__________
( )1في "أ ،هـ"" :النار".
()2/746
فيه طريقان لنَّظار المسلمين ،وكثير منهم يذهب إلى أَّن ذلك ُيعَلم بالعقل مع السمع ،كَّم ا دَّل
عليه القرآن في غير موضع ،كإنكارِه سبحانه على من زعم أَّنه ُيَس ِّو ي بين األبرار والفجار في
المحيا والممات ،وعلى من زعم أَّنه خلق خلقه عبًثا ،وأَّنهم إليه ال ُيرجعون ،وأَّنه يتركهم ُس دى،
أي :ال يثيبهم وال يعاقبهم ،وأَّن ذلك يقدُح في حكمته وكماله ،وأَّنه ِنْس بُة له ( )1إلى ما ال يليُق
به ،وربما قَّر روُه بأَّن النفوس البشرية باقيٌة ،واعتقاداتها وإراداتها صفة الزمٌة لها ال تفارقها وإن
ندمت عليها ،لَّم ا رأت العذاب ،فلم تندم عليها لقبحها وكراهة ربها لها ،بل لو فارقها العذاب
رجعت كما كانت أَّواًل .
ِم ِب ِت ِق
قال تعالىَ{ :و َلْو َتَر ى ِإْذ ُو ُف وا َعَلى الَّناِر َفَق اُلوا َياَلْيَتَنا ُنَر ُّد َو اَل ُنَك ِّذ َب آَيا َر ِّبَنا َو َنُك وَن َن
اْلُم ْؤ ِم ِنيَن (َ )27بْل َبَد ا َلُه ْم َما َك اُنوا ُيْخ ُفوَن ِم ْن َقْبُل َو َلْو ُر ُّدوا َلَعاُدوا ِلَم ا ُنُه وا َعْنُه َو ِإَّنُه ْم َلَك اِذ ُبوَن
([ } )28األنعام. )2( ]28 - 27 :
فهؤالء قد ذاقوا العذاَب وباشروه ،ولم يزل سببه وُمْق تِض ْيِه من نفوسهم ،بل خبثها وكفرها قائم
بها ،لم يفارقها بحيث لو ُر ُّدوا لعادوا كفاًر ا كما كانوا ،وهذا يدّل على أن دوام تعذيبهم يقضي به
العقل ،كما جاء به السمع.
قال أصحاب الفناء :بالكالم على هذه الطرقَ :يِبْيُن الصواُب في هذه المسألة.
__________
( )1ليس في "ب ،د".
( )2إلى هنا انتهى السقط من "ج".
()2/747
فأما الطريق األول :فاإلجماع الذي ادعيتموه غير معلوم ،وإنما يظن اإلجماَع في هذه المسألة من
لم يعرف النزاع -وقد ُعِر َف النزاُع فيها قديًم ا وحديًثا -بل لو كلف ُمَّد ِع ي اإلجماع أن ينقل
عن عشرة من الصحابة فما دونهم إلى الواحد أَّنه قال :إن النار ال تفنى أبًد ا ،لم يجد إلى ذلك
سبياًل .
ونحن قد نقلنا عنهم التصريح بخالف ذلك فأْو ِج دوا لنا ( )1عن واحد منهم خالف ذلك ،بل
التابعون حكي عنهم هذا وهذا.
قالوا :واإلجماع الُم ْع تُّد به نوعان متفق عليهما ،ونوع ثالث مختلف فيه ،ولم يوجد واحد منها (
)2في هذه المسألة.
النوع األول :يكون معلوًم ا من ضرورة الدين ،كوجوب أركان اِإل سالم ،وتحريم المحرمات
الظاهرة.
الثاني :ما ينقل عن أهل االجتهاد التصريح بحكمه.
الثالث :أن يقول بعضهم القول ،وينتشر في األمة ،وال ينكره أحد.
فأين معكم واحد من هذه األنواع؟! ولو أن قائاًل ادعى اإلجماع من هذا الَّطَر ِف واحتج بأن
الصحابة صح عنهم ذلك ولم ينكر أحد منهم عليه = لكان أسعد باإلجماع منكم.
__________
( ) 1قوله "فأوجدوا لنا" في "ب ،د" "فما وجدنا" ،وفي نسخة على "د" "فأوجدنا" ،وفي "أ ،هـ":
"فأوجدونا".
( )2قوله "يوجد واحد منها" وقع في "ب ،د"" :يوجد واحدا منهما" ،وفي "هـ"" :يوجد واحد
منهما".
()2/748
قالوا :وأما الطريق الثاني :وهو داللة القرآن على بقاء النار وعدم فنائها ،فأين في القرآن دليل
واحد يدل على ذلك؟! نعم ،الذي دّل عليه القرآن أن الكفار خالدين في النار أبًد ا ،وأنهم غير
خارجين منها ،وأنهم ال ُيَف َّتر عنهم عذابها ،وأنهم ال يموتون فيها ،وأن عذابهم فيها مقيم ،وأنه
غرام الزم لهم ،وهذا كله مما ال نزاع فيه بين الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين ،وليس هذا
مورد النزاع ،وإنما النزاع في أمر آخر ،وهو :أَّنه هل النار أبدية أو مما ُك ِتَب عليها الفناء؟ وأما
كون الكفار ال يخرجون منها ،وال يفتر عنهم من عذابها ،وال ُيْق َض ى عليهم فيموتوا ،وال يدخلون
الجنة حتى يلج الجمل في سِّم الخياط = فلم يختلف في ذلك الصحابة وال التابعون وال أهل
السنة ،وإنما خالف في ذلك من قد حكينا أقوالهم من اليهود واإلتحادية ،وبعض أهل البدع.
وهذه النصوص وأمثالها تقتضي خلودهم في دار العذاب ما دامت باقية ،وال يخرجون منها مع
بقائها البتة ،كما يخرج أهل التوحيد منها مع بقائها .فالفرق بين من يخرج من الحبس -وهو
حبس على حاله -وبين من يبطل حبسه بخراب الحبس وانتقاضه.
قالوا :وأما الطريق الثالث :وهو مجيء السنة المستفيضة بخروج أهل الكبائر من النار دون أهل
الشرك ،فهي حق ال شك فيه ،وهي إنما تدل على ما قلناه من خروج الموِّح دين منها ،وهي دار
عذاب لم َتْف َن ،ويبقى المشركون فيها ما دامت باقية ،والنصوص دلت على هذا وعلى هذا.
قالوا :وأما الطريق الرابع :وهو أن رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -وقفنا على ذلك
()2/749
ضرورة ،فال ريب أَّنه من المعلوم من دينه بالضرورة ،أن الكفار باقون فيها ما دامت باقية ،هذا
معلوم من دينه بالضرورة ،وأما كونها أبدية ال انتهاء لها وال تفنى كالجنة ،فأين في القرآن والسنة
دليل واحد يدل على ذلك؟
قالوا :وأما الطريق الخامس :وهو أن في عقائد أهل السنة :أن الجنة والنار مخلوقتان ال تفنيان
أبًد ا .فال ريب أن القول بفنائهما قول أهل البدع من الجهيمية والمعتزلة ،وهذا القول لم يقله
أحد من الصحابة وال التابعين ،وال أحد من أئمة المسلمين ،وأما فناء النار وحدها فقد أوجدناكم
من قال به من الصحابة ،وتفريقهم بين الجنة والنار ،فكيف يكون القول به من أقوال أهل البدع،
مع أَّنه ال ُيْع َر ف عن أحد من أهل البدع التفريق بين الدارين ،فقولكم :إنه من أقوال أهل البدع
كالُم من ال ِخ ْبَر ة له بمقاالت بني آدم ،وآرائهم واختالفهم.
قالوا :والقول الذي ُيَعُّد من أقوال أهل البدع :ما خالف كتاب الَّله ،أو سنة رسوله ،أو إجماع
األمة ،إما الصحابة ( )1أو من بعدهم ،وأما قول يوافق الكتاب والسنة وأقوال الصحابة ،فال ُيَعُّد
من أقوال أهل البدع ،وإن دانوا به واعتقدوه ،فالحق يجب قبوله ممن قاله ،والباطل يجب رُّدُه
على من قاله ،وكان معاذ بن جبل يقول" :الَّله َح َك م قسط ،هلك المرتابون ،إن من ورائكم فتًنا
يكثر فيها المال ،ويفتح فيها القرآن حتى يقرؤه المؤمن والمنافق ،والمرأة والصبي ،واألسود
واألحمر،
__________
( )1قوله "أو سنة رسوله أو إجماع األمة ،إَّما الصحابة" وقع في "ج" "والسنة أو إجماع الصحابة
أو من بعدهم ،ووقع في "أ" "و" بدل "أو".
()2/750
فيوشك أحدهم أن يقول :قرأت القرآن ،فما أظن أن يتبعوني حتى أبُتِد َع لهم غيره ،فإياكم وما
ابُتِد َع ،فإن كل بدعة ضاللة ،وإياكم وزيغة الحكيم؛ فإن الشيطان قد يتكلم على لسان الحكيم
بكلمة الضاللة ،وإن المنافق قد يقول كلمة الحق ،فتلقوا الحق عمن جاء به ،فإن على الحق
نوًر ا ،قالوا :وكيف زيغة الحكيم؟ قال :هي الكلمة تروعكم وتنكرونها ،وتقولون :ما هذه؟
فاحذروا زيغته ،وال يصدنكم عنه ،فإَّنه يوشك أن يفيء ،ويراجع الحق ،وإن العلم واإليمان
مكانهما إلى يوم القيامة" (. )1
فالذي أخبر به أهل السنة في عقائدهم ،هو الذي دّل عليه الكتاب والسنة ،وأجمع عليه السلف:
أن الجنة والنار مخلوقتان ،وأن أهل النار ال يخرجون منها ،وال ُيَخ َّف ف عنهم عذابها ،وال ُيَف َّتر
عنهم ،وأنهم خالدون فيها ،ومن ذكر منهم أن النار ال تفنى أبًد ا؛ فإنما قاله لظنه أن بعض أهل
البدع قال بفنائها ،ولم تبلغه تلك اآلثار التي تقدم ذكرها.
قالوا :وأما الطريق السادس :وهو حكم العقل ( )2بتخليد أهل النار فيها ،فإخبار عن العقل بما
ليس عنده ،فإن المسألة من المسائل التي ال تعلم إال بخبر الصادق.
__________
( )1أخرجه أبو داود رقم ( ،)4611وعبد الرزاق رقم ( ،)20750واَّلاللكائي في شرح أصول
االعتقاد رقم ( ،)116وأبو نعيم في الحلية ( 232 /1و ،)333وغيرهم .وسنده صحيح.
( )2جاء في "أ ،ب ،ج ،د"" :وأَّم ا حكم العقل" بدل "وأَّما الطريق السادس :وهو حكم العقل"،
والمثبت من "هـ".
()2/751
وأما أصل الثواب والعقاب :فهل يعلم بالعقل مع السمع ،أو ال ُيْع لم إال بالسمع وحده؟ ففيه
قوالن ِلنَّظار المسلمين من أتباع األئمة األربعة وغيرهم.
والصحيح أن العقل دّل على المعاد والثواب والعقاب إجمااًل ،وأما تفصيله فال ُيْع َلم إال بالسمع،
ودوام الثواب والعقاب مما ال يدّل عليه العقل ( )1بمجرده ،وإنما ُعِلم ( )2بالسمع ،وقد دّل
السمع داللة قاطعة على دوام ثواب المطيعين ،وأما عقاب العصاة فقد دّل السمع أيًض ا داللة
قاطعة على انقطاعه في حق الموِّح دين ،وأما دوامه وانقطاعه في حق الكفار ،فهذا ُمْع َتَر ك الِّنَز ال،
فمن كان السمع من جانبه فهو أسعد بالصواب ( .)3وبالَّله التوفيق.
فصل
ونحن نذكر الفرق بين دوام الجنة والنار شرًعا وعقاًل ،وذلك يظهر من وجوه:
أحدها :أن الَّله سبحانه وتعالى أخبر ببقاء نعيم أهل الجنة ودوامه ،وأنه ال نفاد له وال انقطاع،
وأنه غير مجذوذ .وأما النار فلم يخبر عنها بأكثر من خلود أهلها فيها ،وعدم خروجهم منها،
وأنهم ال يموتون فيها وال يحيون ،وأنها موصدة عليهم ،وأنهم كلما أرادوا أن يخرجوا منها
__________
( )1ليس في "أ".
( )2في نسخٍة على حاشية "أ"ُ" :يْع َلم".
( )3في "ج"" :بالجواب".
()2/752
أعيدوا فيها ،وأن عذابها الزم لهم ،وأنه مقيم عليهم ال يفتر عنهم ،والفرق بين الخبرين ظاهر.
الوجه الثاني :أن النار قد أخبر سبحانه وتعالى في ثالث آيات عنها بما يدّل على عدم أبديتها.
األولى :قوله سبحانه وتعالىَ{ :قاَل الَّناُر َمْثَو اُك ْم َخ اِلِد يَن ِفيَه ا ِإاَّل َما َش اَء الَّلُه} [األنعام.]128 :
الثانية :قولهَ{ :خ اِلِد يَن ِفيَه ا َما َداَمِت الَّس َم اَو اُت َو اَأْلْرُض ِإاَّل َم ا َش اَء َر ُّبَك } [هود.]107 :
الثالثة :قوله{ :اَل ِبِثيَن ِفيَه ا َأْح َق اًبا ([ })23النبأ.]23 :
ولوال األدلة الَق ْطِعية الدالة على أبِد َّية الجنة ودوامها لكان حكم االستثناء في الموضعين واحًد ا،
كيف وفي اآليتين من السياق ما يفرق بين االستثناءين ،فإَّنه قال في أهل النارِ{ :إَّن َر َّبَك َفَّعاٌل
ِلَم ا ُيِر يُد ( ،})107فعلمنا أَّنه سبحانه وتعالى يريد أن يفعل فعًال لم يخبرنا به ،وقال في أهل
الجنةَ{ :عَطاًء َغْيَر َمْج ُذ وٍذ ([ })108هود ]108 :فعلمنا أن هذا العطاء والنعيم غير مقطوع
عنهم أبًد ا .فالعذاب مؤَّقت ُمعَّلق ،والنعيم ليس بمؤقت وال معلق.
الوجه الثالث :أَّنه قد ثبت أن الجنة يدخلها من لم يعمل خيًر ا قط من الُم َعَّذ بين الذين يخرجهم
الَّله من النار ،وأما النار فال يدخلها من لم يعمل سوًءا قط ،وال يعذب بها إال من عصاه.
الوجه الرابع :أَّنه قد ثبت أن الَّله سبحانه ينشئ للجنة خلًق ا آخر يوم
()2/753
القيامة يسكنهم إياها ،وال يفعل ذلك بالنار ،وأما الحديث الذي ورد في "صحيح البخاري" ()1
في قوله" :وأما النار فينشئ الَّله لها خلًق ا آخرين" فغلط وقع من بعض الرواة ( ، )2انقلب عليه
الحديث ،وإنما هو
__________
( - 7449( )1فتح) كتاب التوحيد ( ،)25باب :ما جاء في قول الَّله تعالى {ِإَّن َت الَّلِه
َر ْح َم
َقِر يٌب ِم َن اْلُم ْح ِس ِنيَن ( })56ولفظه . . ." :وأَّنُه ينشئ للَّناِر من يشاء فيلقون فيها . .حَّتى يضع
فيها قدمه فتمتلئ." . . .
( )2وبيان ذلك باختصار:
أَّن الحديث يرويه يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري عن أبيه عن صالح بن كيسان عن األعرج
عن أبي هريرة كما تقدم عند البخاري.
-ورواُه شعيب بن أبي حمزة وورقاء وابن عيينة وابن أبي الزناد كلهم عن أبي الزناد عن األعرج
به.
وفيه " ..وأَّما الَّنار فال تمتلئ ،فيضع قدمه" لفظ شعيب وورقاء.
أخرجه مسلم ( ،)2846والنسائي في الكبرى ( ،)7740والحميدي ( ،)1136وأبو يعلى (
)6290وغيرهم.
وقد رواُه جماعة عن أبي هريرة" :أَّن الجَّنة ينشئ الَّله لها خلًق ا ،وأَّما النار فيضع قدمه عليها".
-منهم "همام بن منِّبه ،ومحمد بن سيرين ،وعبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة ،وزياد مولى
بني مخزوم ،وعمار بن أبي عمار ،وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف -لكَّنه مختصر ،-وعون
بن عبد الَّله بن عتبة -إْن كان محفوًظا ،-وعبيد الَّله بن عبد الَّله بن عتبة".
أخرجه البخاري ( 4849و ،)4850ومسلم ( ،)2846وابن خزيمة في التوحيد رقم (- 121
،)137 ,132 ،131 ،123وأحمد ( ،)450 /2واآلجري في الشريعة ( )920وغيرهم= .
()2/754
ما ساقه البخاري في الباب نفسه" :وأما الجنة فينشئ الَّله لها خلًق ا آخرين" وذكره البخاري
رحمه الَّله ُمَبِّيًنا أن الحديث انقلب لفظه على من رواه بخالف هذا ،فذكر هذا وهذا (، )1
والمقصود أَّنه ال تقاس النار بالجنة في التأبيد مع هذه الفروق .يوِّضحه:
الوجه الخامس :أن الجنة من موجب رحمته ورضاه ،والنار من غضبه وسخطه ،ورحمته سبحانه
تغلب غضبه وتسبقه ،كما في الصحيح من حديث أبي هريرة عنه -صلى الَّله عليه وسلم -أَّنه
قال" :لما خلق ( )2الَّله الخلق كتب في كتاب فهو عنده موضوع على العرش إَّن رحمتي تغلب
غضبي" ( ، )3وإذا كان رضاه قد سبق غضبه ،وهو
__________
= وقد ورد عن غير واحٍد من الصحابة ،منهم:
- 1أنس بن مالك عند البخاري ( - 7384فتح".
- 2وأبو سعيد الخدري عند أحمد ( ،)13 /3وابن خزيمة ( )134وغيرهما.
ُ - 3أبي بن كعب عند الَّدارقطني في الصفات رقم ( )5وال يثبت.
وهذا يدُّل على الغلط في تلك الرواية كما قال المؤِّلف.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح" :وقد قال جماعة من األئمة :إَّن هذا الموضع مقلوب"ُ ،ثَّم نقل
كالم ابن القيم والبلقيني.
( )1لم يذكر البخاري في كتاب التوحيد مع الحديث المتقدم هذا الحديث "وأَّما الجَّنة فينشئ
الَّله لها ،" . . .وإَّنما ذكره البخاري في كتاب التفسير /سورة "ق" ،باب "وتقول هل من مزيد" (
- 595 - 594 /8الفتح) ،فأسند حديث همام وابن سيرين عن أبي هريرة ،وأسند حديث أنس
فقط.
( )2في "ب ،ج ،د ،هـ" ونسخٍة على حاشية "أ" "قضى" ،وكالهما في البخاري ومسلم.
( )3أخرجه البخاري ( ،)6969ومسلم (.)4751
()2/755
يغلبه ،كان التسوية بين ما هو من موجب رضاه ،وما هو من موجب غضبه = ممتنًعا .يوضحه:
الوجه السادس :أن ما كان بالرحمة وللرحمة ،فهو مقصود لذاته قصد الغايات ،وما كان من
موجب الغضب والسخط ،فهو مقصود لغيره قصد الوسائل ،فهو مسبوق ومغلوب مراد لغيره،
وما كان بالرحمة فغالب سابق مراد لنفسه .يوضحه:
الوجه السابع :وهو أَّنه سبحانه قال للجنة" :أنت رحمتي أرحم بِك من أشاء" وقال للنار" :أنت
عذابي ُأعِّذ ُب بك من أشاء" ( ، )1وعذابه مفعول منفصل ،وهو ناشٌئ عن غضبه ،ورحمته ها هنا:
هي الجنة ،وهي رحمة مخلوقة ناشئة عن الرحمة التي هي صفة الرحمن ،فها ُه نا أربعة أمور:
رحمة هي وْص ُفُه سبحانه ،وثواب منفصل هو ناشٌئ عن رحمته ،وغضب يقوم به سبحانه ،وعقاب
منفصل ينشأ عنه .فإذا غلبت صفة الرحمة صفة الغضب ،فألْن يغلب ما كان بالرحمة لما كان
بالغضب أولى وأحرى ،فال تقاِو م الناُر التي نشأت عن الغضب الجنَة التي نشأت عن الرحمة.
يوضحه:
الوجه الثامن :أن النار خلقت تخويًف ا للمؤمنين ،وتطهيًر ا للخَّطائين المجرمين ( ، )2فهي ُطْه رة
من الخبث اَّلذي اكتسبته النفس في
__________
( )1تقدم من حديث أبي هريرة قريًبا.
( )2قوله "للخَّطائين المجرمين" في "ب ،ج" ونسخٍة على حاشية "د" "للخاطئين والمجرمين"،
ووقع في "د" "للخَّطائين والمجرمين".
()2/756
هذا العالم ،فإْن تطَّهر ها هنا بالتوبة النصوح ،والحسنات الماحية ،والمصائب المكِّف رة لم تحتج
إلى تطهير هناك ،وقيل لها مع جملة الَّطيبينَ{ :س اَل ٌم َعَلْيُك ْم ِط ْبُتْم َفاْدُخ ُلوَه ا َخ اِلِد يَن } [الزمر:
.]73وإْن لم تتطهر في هذه الَّدار ،ووافقت الَّدار األخرى ِبَد َر ِنَه ا ونجاستها وخبثها ُأْد خلت الَّنار
ُطْه رة لها ،ويكوُن مكثها في الَّنار بحسب زوال ذلك الَّدرن والخبث والنجاسة التي ال يغسلها
الماء ،فإذا تطَّهرت الُّطهر التام ُأخرجت من الَّناِر ،والَّلُه سبحانه خلق عباده ُح َنفاء ،وهي فطرة الَّله
التي فطر الَّناَس عليها ،فلو ُخ ُّلوا وِفَطرهم لما نشؤوا إاَّل على التوحيد ،ولكن َعَر ض ألكثر الِف َطر
ما غَّيرها ،ولهذا كان نصيب الَّناِر أكثر من نصيب الجَّنة ،وكان هذا التغيير مراتب ال يحصيها إاَّل
الَّله ،فأرسل الَّله رسوله ،وأنزل كتبه ُيذِّك ر عباده بفطرته التي فطرهم عليها ،فعرف الموَّفقون
اَّلذين سبقت لهم من الَّلِه الحسنى ِص َّح ة ما جاءت به الرسل ،ونزلت به الكتب بالفطرة األولى،
فتوافق عندهم شرع الَّلِه ودينه اَّلذي أرسل به رسله وفطرته التي فطرهم عليها ،فمنعتهم الشريعة
المنزلة ،والفطرة المكِّم لة ،أْن تكتسب نفوسهم ُخ بًثا ونجاسة ودرًنا يعلق بها وال يفارقها ،بل
كلما ألَّم بهم شيء من ذلك وَمَّس هم طائف من الشيطان غاروا عليه بالِّش ْر عة ( )1والفطرة،
فأزالوا موجبه وأثره ،وكمل لهم الرب تعالى ذلك بأقضية يقضيها لهم مما يحبون أو يكرهون،
تمحص عنهم تلك اآلثار التي َش َّو شت الفطرة ،فجاء مقتضى الرحمة ،فصادف مكاًنا قاباًل مستعًّدا
لها ليس فيه شيء ُيدافعه ،فقال :ها هنا ُأِم ْر ت ،وليس لَّله
__________
( )1في "ج ،هـ" ،ونسخٍة على حاشية "أ"" :بالشريعة".
()2/757
ِب ِب
سبحانه غرض في تعذيب عباده بغير موجب ،كما قال تعالىَ{ :م ا َيْف َعُل الَّلُه َعَذ ا ُك ْم ِإْن َش َك ْر ُتْم
َو آَم ْنُتْم َو َك اَن الَّلُه َش اِكًر ا َعِليًم ا ([ })147النساء ،]147 :واستمر األشقياء مع تغيير الفطرة،
ونقلها مما خلقت عليه إلى ِض ِّده ،حتى استحكم الفساد وتم التغيير ،فاحتاجوا إلى إزالة ذلك إلى
تغيير آخر ،وتطهير ينقلهم إلى الصحة حيث لم تنقلهم آيات الَّله المتُلَّو ة والمخلوقة ،وأقداره
المحبوبة والمكروهة في هذه الدار ،فأتاح لهم آيات ُأخر وأقضيًة وعقوباٍت فوق التي كانت في
الدنيا تستخرج ذلك الخبث والنجاسة التي ال تزول بغير النار ،فإذا زال موجب العذاب وسببه؛
زال العذاب ،وبقي مقتضى الرحمة ال معارَض له.
فإن قيل :هذا حق ،ولكن سبب التعذيب ال يزول إال إذا كان السبب عاِر ًض ا :كمعاصي
الموِّح دين ،أَّما إذا كان الزًم ا :كالكفر والشرك ،فإن أثره ال يزول كما ال يزول السبب ،وقد
أشار سبحانه إلى هذا المعنى بعينه في مواضع من كتابه.
منها :قوله تعالىَ{ :و َلْو ُر ُّدوا َلَعاُدوا ِلَم ا ُنُه وا َعْنُه} [األنعام ]28 :فهذا إخباٌر بأَّن نفوسهم
وطبائعهم ال تقتضي غير الكفر والشرك ،وأنها غير قابلة لإليمان أصاًل .
ومنها :قوله تعالىَ{ :و َمْن َك اَن ِفي َه ِذِه َأْع َم ى َفُه َو ِفي اآْل ِخ َر ِة َأْع َم ى َو َأَض ُّل َس ِبياًل (})72
[اإلسراء ]72 :فأخبر سبحانه أَّن ضاللهم وعماهم عن الهدى دائم ال يزول ،حتى مع معاينة
الحقائق التي أخبرت بها الرسل ،وإذا كان العمى والضالل ال يفارقهم ،فإن موجبه وأثره ومقتضاه
ال
()2/758
يفارقهم.
ومنها :قوله تعالىَ{ :و َلْو َعِلَم الَّلُه ِفيِه ْم َخ ْيًر ا َأَلْس َم َعُه ْم َو َلْو َأْس َم َعُه ْم َلَتَو َّلْو ا َو ُه ْم ُمْع ِرُضوَن (
[ } )23األنفال ]23 :وهذا يدلك على أَّنه ليس فيهم خير يقتضي الرحمة ،ولو كان فيهم خير
لما ضَّيع عليهم أثره.
ويدل على أَّنه ( )1ال خير فيهم هناك أيًض ا قولهَ" :أْخ ِر ُج وا من الَّنار من كان في قلبه أدنى مثقال
ذَّر ٍة من خير" ( ، )2ولو كان عند هؤالء أدنى أدنى مثقال ذرة من خير لخرجوا بها مع
الخارجين.
قيل :لعمر الَّله إَّن هذا لمن أقوى ما يتمسك به في المسألة ،وإن األمر لكما قلتم ،وإن العذاب
يدوم بدوام موجبه وسببه ،وال ريب أنهم في اآلخرة في عمى وضالل كما كانوا في الدنيا،
وبواطنهم خبيثة كما كانت في الدنيا ،والعذاب مستمٌّر عليهم دائم ما داموا كذلك ،ولكن هل
هذا الكفر والتكذيب والخبث أمر ذاتي لهم زواله مستحيل ،أم هو أمٌر عارض طارٌئ على الفطرة
قابل للزوال؟ هذا حرف المسألة ،وليس بأيديكم ما يدّل على استحالة زواله وأَّنه أمر ذاتي ،وقد
أخبر الَّله سبحانه أَّنه فطر عباده على الحنيفية ،وأَّن الشياطين اجتالتهم عنها ،فلم يفطرهم سبحانه
على الكفر والتكذيب كما َفَطر الحيوان البهيم على طبيعته ،وإنما فطرهم على اإلقرار بخالقهم
ومحبته وتوحيده.
__________
( )1في "ب ،ج ،د ،هـ" ونسخة على حاشية "أ"" :أَّنهم".
( )2البخاري رقم ( ،)6192ومسلم ( )184من حديث أبي سعيد مطَّو اًل .
()2/759
فإذا كان هذا الحق ( )1الذي قد ُفِط روا عليه ،وخلقوا عليه ،قد أمكن زواله بالكفر والشرك
الباطل ،فإمكان زوال الكفر والشرك الباطل بضده من الحق أولى وأحرى ،ال ريب أنهم لو ُر ُّدوا
على تلك الحال التي هم عليها لعادوا ِلَم ا ُنُه وا عنه ،ولكن ِم ْن أين لكم أن تلك الحال ال تزول،
وال تتبَّدل بنشأٍة أخرى ينشئهم فيها تبارك وتعالى إذا أخذت الَّنار مأخَذ َه ا منهم ،وَحَص لِت
الحكمة المطلوبة من عذابهم؟ فإَّن العذاب لم يكن ُس ًد ى ،وإَّنما كان لحكمٍة مطلوبٍة ،فإذا
حصلت تلك الحكمة لم يبق في التعذيب أمٌر ُيْطَلب ،وال غرٌض ُيقَص د ،والَّله سبحانه ليس َيْش تفي
بعذاب عباده كما يشتفي المظلوم من ظالمه ،وهو ال ُيعِّذ ب عبده لهذا الغرض ،وإَّنما يعذبه طهرًة
له ورحمًة به ،فعذابه مصلحٌة له ،وإْن تأَّلَم به غاية األلِم ،كما أَّن عذابه بالحدود في الدنيا مصلحة
ألربابها.
وقد سَّم ى الَّله سبحانه الحَّد عذاًبا ( ، )2وقد اقتضت حكمته سبحانه أن جعل لكل داٍء دواء
يناسبه ،ودواء الداء العضال يكون من أشق األدوية ،والطبيب الشفيق يكوي المريض بالنار كًّيا
بعد كٍّي لُيْخ ِرج منه المادة الرديئة الطارئة على الطبيعة المستقيمة ،وإن رأى قطع العضو أصلح
للعليل َقَطَع ه ،وأذاقه أشد األلم .فهذا قضاء الرب وقدره في إزالة مادة غريبة َطَر ْت على الطبيعة
المستقيمة بغير اختيار العبد ،فكيف إذا طرأ على الفطرة السليمة مواد فاسدة باختيار العبد
وإرادته؟
__________
( )1في "أ"" :للحق".
( )2فقالَ{ :و ْلَيْش َه ْد َعَذ اَبُه َم ا َطاِئَفٌة ِم َن اْلُم ْؤ ِم ِنيَن ([ })2النور.]2 :
()2/760
وإذا تأمل اللبيب شرع الرب تبارك وتعالى ،وقدره في الدنيا ،وثوابه وعقابه في اآلخرة = َو َج َد
ذلك في غاية التناسب والتوافق ،وارتباط ذلك بعضه ببعض ،فإن مصدر الجميع عن علٍم تاٍّم،
وحكمة بالغة ،ورحمة سابغة ،وهو سبحانه الملك الحق المبين ،وملكه ملك رحمة وإحسان
وعدل.
الوجه التاسع :أن عقوبته للعبد ليست لحاجٍة إلى عقوبته ،وال لمنفعة تعود إليه ،وال لدفع مضرة
وألم يزول عنه بالعقوبة .بل يتعالى عن ذلك ويتنزه كما يتعالى عن سائر العيوب والنقائص ،وال
هي عبث َمْح ض خال عن الحكمة والغاية الحميدة ،فإَّنه أيًض ا يتنزه عن ذلك ويتعالى عنه ،فإما أن
يكون من تمام نعيم أوليائه وأحبائه ،وإما أن يكون من مصلحة األشقياء ومداواتهم ،أو لهذا
ولهذا.
وعلى التقادير الثالث :فالتعذيب أمر مقصود لغيره قصد الوسائل ،ال قصد الغايات ،والمراد من
الوسيلة إذا حصلت على الوجه المطلوب زال حكمها ،ونعيم أوليائه ليس متوِّقًف ا في أصله وال
في كماله على استمرار عذاب أعدائه ودوامه ،ومصلحة األشقياء ليست في الدوام واالستمرار،
وإن كان في أصل التعذيب مصلحة لهم.
الوجه العاشر :أن رضا الرب تبارك وتعالى ورحمته صفتان ذاِتَّيَتان له ،فال منتهى لرضاه كما قال
أعلم الخلق به" :سبحان الَّله وبحمده ،عدد خْلقه ،ورضا نفسه ،وِز َنة عرشه ،ومداد كلماته" (
. )1
__________
( )1أخرجه مسلم رقم (.)2726
()2/761
وإذا كانت رحمته غلبت غضبه ،فإن رضا نفسه أعلى وأعظم ،فإن رضوانه أكثر من الجنات
ونعيمها وكل ما فيها ،وقد أخبر أهل الجنة :أَّنه ُيِح ُّل عليهم رضوانه ،فال يسخط عليهم أبًد ا.
وأما غضبه تبارك وتعالى وسخطه فليس من صفاته الذاتية التي يستحيل انفكاكه عنها بحيث لم
يزل وال يزال غضبان ،والناس لهم في صفة الغضب قوالن:
أحدهما :أَّنه من صفاته الِف ْع ِلَّية القائمة به كسائر أفعاله.
والثاني :أَّنه ِص َف ة فعل منفصل عنه غير قائم به.
وعلى القولين ،فليس كالحياة والعلم والقدرة التي تستحيل مفارقتها له ،والعذاب إنما نشأ من
صفة غضبه ،وما ُس ِّع رت النار إال بغضبه ،وقد جاء في أثر مرفوع" :إن الَّله خلق خلًق ا من غضبه،
وأسكنهم بالمشرق ينتقم بهم ممن عصاه" (. )1
فمخلوقاته سبحانه نوعان :نوع مخلوق من الرحمة وبالرحمة.
__________
( )1لم أقف عليه بهذا اللفظ.
واألثُر ذكره السخاوي في المقاصد الحسنة ص ( )287نقاًل عن ابن القيم ،ولم يعزه ألحد ،وعن
السخاوي نقله العجلوني في كشف الخفاء (.)65 /2
وقد وردت آثاٌر في معناه.
انظر :المقاصد الحسنة ص ( ،)286وكشف الخفا للعجلوني (.)65 - 64 /2
()2/762
()2/763
الرب تعالى وقابلوه بما ال يليق أن يقابل به ،وعاملوه أقبح معاملة ،وكذبوه وكذبوا رسله،
وجعلوا أقل خلقه وأخبثهم وأمقتهم له ِنًّدا له ،وآلهة ( )1معه ،آثروا رضاهم على رضاه،
وطاعتهم على طاعته ،وهو ولُّي اإلنعام عليهم ،وهو خالقهم ورازقهم وموالهم الحق اشتد مْق ُتُه
لهم ،وغضبه عليهم ،وذلك يوجب كمال أسمائه وصفاته التي يستحيل عليه تقدير خالفها،
ويستحيل تخلف آثارها ومقتضاها عنها ،بل ذلك تعطيل ألحكامها ،كما أن نفيها عنه تعطيل
لحقائقها ،وكال التعطيلين محال عليه سبحانه.
فالمعِّطلون نوعان :أحدهما :عَّطل صفاته.
والثاني :عَّطل أحكامها وموجباتها.
وكان هذا العذاب عقوبة لهم من هذا الوجه ،ودواء لهم من جهة الرحمة السابقة للغضب،
فاجتمع فيه األمران ،فإذا زال الغضب بزوال سببه ،وزالت المادة الفاسدة بتغير الطبيعة المقتضية
لها في الجحيم بمرور األحقاب عليها ،وحصلت الحكمة التي أوجبت العقوبة = عملت الرحمة
عملها ،وطلبت أثرها من غير معارض .يوضحه:
الوجه الحادي عشر :وهو أن العفو أحب إليه سبحانه من االنتقام ،والرحمة أحب إليه من العقوبة،
والرضا أحب إليه من الغضب ،والفضل أحب إليه من العذل ،ولهذا ظهرت آثار هذه المحبة في
شرعه
__________
( )1في "ج"" :وألهمه" وهو خطأ.
()2/764
وقدره ،وتظهر كل الظهور لعباده في ثوابه وعقابه ،وإذا كان ذلك أحب األمرين إليه ،وله َخ َلَق
الَخ ْلق ،وأنزل الكتب وشرع الشرائع ،وقدرته سبحانه صالحة لكل شيء ،ال قصور فيها بوجٍه ما،
وتلك المواد الرديئة الفاسدة مرض من األمراض ،وبيده سبحانه الشفاء التام ،واألدوية الموافقة
لكل داء ،وله القدرة التامة ،والرحمة الَّس اِبغة ( )1والغنى المطلق ،وبالعبد أعظم حاجة إلى من
يداوي علته التي بلغت به غاية الضرر والمشقة ،وقد عرف العبد أَّنه عليل ،وأن دوائه بيد الغني
الحميد ،فتضرع إليه ودخل به عليه ،واستكان له وانكسر قلبه بين يديه ،وذل لعزته ،وعرف أن
الحمد كله له ( ، )2وأن الحق كله له ،وأنه هو الظلوم الجهول ،وأَّن ربه تبارك وتعالى عامله
ببعض عدله ال بكِّل عدله ،وأَّن له غاية الحمد فيما َفَعَل به ،وأَّن حْم ده هو الذي أقامه في هذا
المقام ،وأوصله إليه ،وأنه ال خير عنده من نفسه بوجٍه من الوجوه ،بل ذلك محض فضل الَّله
وصدقته عليه ،وأنه ال نجاة له مما هو فيه إال بمجرد العفو والتجاوز عن حقه ،فنفسه أولى بكل
ذم وعيب ونقص ،وربه تعالى أولى بكل حمد وكمال ومدح.
فلو أن أهل الجحيم شهدوا نعمته سبحانه ورحمته وكماله وحمده الذي أوجب لهم ذلك ،فطلبوا
مرضاته؛ ولو بدوامهم في تلك الحال ،وقالوا :إن كان ما نحن فيه رضاك فرضاك الذي نريد ،وما
أوصلنا إلى هذه الحال إال طلب ما ال يرضيك ،فأما إذا أرضاك هذا منا فرضاك غاية
__________
( )1في "أ"" :السابقة" ،وفي "د"" :الشاملة".
( )2في "د"" :لَّله".
()2/765
ما نقصده.
* وما لجرح ( )1إذا أرضاك من ألم (* )2
وأنت أرحم بنا من أنفسنا ،وأعلم بمصالحنا ،ولك الحمد كله ،عاقبت أو عفوت = النقلبت النار
عليهم برًدا وسالًما.
وقد روى اإلمام أحمد في "مسنده" ( )3من حديث األسود بن َس ِر يع (- )4رضي الَّله عنه -أَّن
الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :أربعة يوم القيامة :رجل أصم ال يسمع شيًئا ،ورجل أحمق،
ورجل هرم ،ورجل مات في فترة ،فأما األصُّم فيقول :رب لقد جاء اِإل سالم وما أسمع شيًئا ،وأما
األحمق فيقول :رب لقد جاء اِإل سالم والصبيان يحذفوني بالبعر ،وأما الهرم فيقول :ربي لقد جاء
اِإل سالم وما أعقل شيًئا ،وأما الذي مات في الفترة فيقول :رب ما أتاني لك من رسول .فيأخذ
مواثيقهم لُيِط ْيُعَّنُه فيرسل إليهم :أِن ادخلوا النار ،قال :فوالذي نفس محَّم د بيده لو
__________
( )1في "أ ،ج"" :تخرج".
( )2هذا شطر بيت ألسامة بن منقذ كما في خريدة القصر لألصفهاني ص ( .)2390أوله:
ِض
وما سخطُت بعادي إذ ر يَت به ...وما لجرٍح إذا أرضاُك ُم ألُم
وُنسَب البن النحاس ،وأوله:
إن كان يرضيك تطويح النوائب بي
انظر :البديع في نقد الشعر البن منقذ ص (.)472
(.)24 /4( )3
( )4في "د"" :زريع" وهو خطأ.
()2/766
()2/767
()2/768
بصرفهما إلى النار ،فأما أحدهما فيغدو في أغالله وسالسله حتى يقتحمها .وأما اآلخر فيتلكأ
فيأمر بردهما ،فيقول للذي غدا في أغالله وسالسله حتى اقتحمها :ما حملك على ما صنعت وقد
جربتها؟ فيقول :إني خبرت ( )1من وبال معصيتك ما لم أكن أتعرض لسخطك ثانًيا ،ويقول
للذي تلكأ :ما حملك على ما صنعت؟ فيقول :حسن ظني بك حين أخرجتني منها أن ال تردني
إليها ،فيرحمهما جميًعا ،ويأمر بهما إلى الجنة" (. )2
الوجه الثاني عشر :أن النعيم والثواب من مقتضى رحمته ومغفرته وبره وكرمه ،ولذلك يضيف
ِق
ذلك إلى نفسه ،وأما العذاب والعقوبة ،فإنما هو من مخلوقاته ،ولذلك ال ُيسَّم ى ( )3بالُم عا ُب
والمعِّذ ب ،بل يفرق بينهما ،فيجعل ذلك من أوصافه وهذا من مفعوالته حتى في اآلية الواحدة،
كقوله تعالىَ{ :نِّبْئ ِع َباِد ي َأِّني َأَنا اْلَغُفوُر الَّر ِح يُم (َ )49و َأَّن َعَذ اِبي ُه َو اْلَعَذ اُب اَأْلِليُم (} )50
[الحجر .]50 - 49 :وقال تعالى{ :اْع َلُم وا َأَّن الَّلَه َش ِد يُد اْلِعَق اِب َو َأَّن الَّلَه َغُفوٌر َر ِح يٌم (} )98
[المائدة ]98 :وقال تعالىِ{ :إَّن َر َّبَك َلَس ِر يُع اْلِعَق اِب َو ِإَّنُه َلَغُف وٌر َر ِح يٌم ([ } )167األعراف:
،]167ومثلها في آخر األنعام ( ، )4فما كان من مقتضى أسمائه وصفاته ،فإَّنه يدوم بدوامها [
/225ب] ،وال سيما إذا كان محبوًبا له،
__________
( )1في "أ"" :خِّيرت" ،وفي "د"" :جبرت" ،وفي الحلية "قد ذقت".
( )2أخرجه أبو نعيم في الحلية ( ،)266 /5وسنده ضعيف.
( )3في "ب ،هـ"" :يتسَّم ى".
(( )4آية.)128 :
()2/769
وهو غاية مطلوبة في نفسها ،وأما الشر الذي هو العذاب ،فال يدخل في أسمائه وصفاته ،وإن
دخل في مفعوالته لحكمة إذا حصلت زال وفني ،بخالف الخير ،فإَّنه سبحانه دائم المعروف ،ال
ينقطع معروفه أبًد ا ،وهو قديم اإلحسان أبدُّي اإلحسان ،فلم يزل وال يزال محسًنا على الدوام،
وليس من موجب أسمائه وصفاته أَّنه ال يزال معاقًبا على الدوام ،غضبان على الدوام ،منتقًم ا على
الدوام.
فتأمل هذا الوجه تأُّمَل فقيٍه في باب أسماء الَّله وصفاته = يفتح لك باًبا من أبواب معرفته ومحبته.
يوضحه:
الثالث عشر :وهو قول أعلم خلقه به ،وأعرفهم بأسمائه وصفاته" :والشر ليس إليك" ( ، )1ولم
يقف على المعنى المقصود َمْن قال :الشر ال يتقرب به إليك ( . )2بل الشر ال يضاف إليه
سبحانه بوجٍه ،ال في ذاته وال في صفاته وال في أفعاله وال في أسمائه ،فإن ذاته لها الكمال
المطلق من جميع الوجوه ،وصفاته كلها صفات كمال ُيْح َم د عليها وُيْثَنى عليه بها ،وأفعاله كلها
خير ورحمة وعدل وحكمه ،ال َش َّر فيها بوجه ما ،وأسماؤه كلها حسنى ،فكيف يضاف الشر
إليه؟ بل الشر في مفعوالته ومخلوقاته ،وهو منفصل عنه ،إذ ِفْع له غير مفعوله ،ففعله خير كله،
وأما المخلوق المفعول ،ففيه الخير والشر.
وإذا كان الشر مخلوًقا منفصاًل غير قائم بالرب سبحانه ،فهو ال
__________
( )1أخرجه مسلم رقم (.)771
( )2أخرجه البيهقي في القضاء والقدر رقم ( )400بسنٍد صحيح عن النضر بن ُش َم ْيل.
()2/770
يضاف إليه ،وهو -صلى الَّله عليه وسلم -لم يقل :أنت ال تخلق الشر ،حتى يطلب تأويل قوله،
وإنما نفى إضافته إليه وْص ًف ا وفْع اًل واسًم ا.
وإذا ُعِر ف هذا؛ فالشر ليس إال الذنوب وموجباتها ،وأما الخير فهو اإليمان والطاعات وموجباته،
واإليمان والطاعات متعلقة به سبحانه ،وألجلها خلق خْلَق ه وأرسل رسَله وأنزل كتبه ،وهي ثناء
على الرب ( )1وإجالله وتعظيمه وعبوديته ،وهذه لها آثار يطلبها ويقتضيها ،فتدوم آثارها بدوام
متعلقها.
وأما الشرور فليست مقصودة لذاتها ،وال هي الغاية التي خلق لها الخلق ،فهي مفعوالت ُقِّدرت
ألمٍر محبوب ،وُج ِعلت وسيلة إليه ،فإذا حصل ما ُقِّدرت له اضمحلت وتالشت ،وعاد األمر إلى
الخير المحض.
الوجه الرابع عشر :أَّنه سبحانه قد أخبر أن رحمته وسعت كل شيء ( . )2فليس شيء من األشياء
إال وفيه رحمته ،وال ينافي هذا أن يرحم العبد بما يشق عليه ويؤلمه ،وتشتد كراهته له ،فإن ذلك
من رحمته أيًض ا كما تقدم.
وقد ذكرنا حديث أبي هريرة آنًف ا ( )3وقوله تعالى لذينك الرجلين" :رحمتي لكما أن تنطلقا
فتلقيا أنفسكما حيث كنتما في النار".
__________
( )1وقع في "د"" :على الرب وتحيته".
( )2كما قال تعالىَ{ :و َر ْح َم ِتي َو ِس َعْت ُك َّل َش ْي ٍء } [األعراف.]156 :
( )3ص ( )768وهو ال يصح.
()2/771
وقد جاء في بعض اآلثار" :أن العبد إذا دعا لمبتلًى قد اشتد بالؤه ،وقال :اللهم ارحمه ،يقول
الرب تبارك وتعالى :كيف أرحمه من شيء به أرحمه" (. )1
فاالبتالء رحمة منه لعباده.
وفي أثر إلهي يقول الَّله عز وجل" :أهل ذكري أهل مجالستي ،وأهل طاعتي أهل كرامتي ،وأهل
شكري أهل زيادتي ،وأهل معصيتي ال أقنطهم من رحمتي ،إن تابوا فأنا حبيبهم ،وإن لم يتوبوا فأنا
طبيبهم ،أبتليهم بالمصائب ألطهرهم من المعايب" (. )2
فالبالء والعقوبة أدوية قدرت إلزالة أدواء ال تزول إال بها ،والنار هي الدواء األكبر ،فمن تداوى
في الدنيا أغناه ذلك عن الدواء في اآلخرة ،وإاَّل فال بد له من الدواء بحسب دائه ،ومن عرف
الرب تبارك وتعالى بصفات جالله ونعوت كماله ،من حكمته ورحمته وبره وإحسانه وغناه
وجوده ومحبته إلى عباده ،وإرادة اإلنعام ،وسبق رحمته لهم = لم يبادر إلى إنكار ذلك إن لم
يبادر إلى قبوله ( . )3يوضحه:
الوجه الخامس عشر :أن أفعاله سبحانه ال تخرج عن الحكمة والرحمة والمصلحة والعدل ،فال
يفعل عبًثا وال جوًر ا وال باطاًل ،بل
__________
( )1لم أقف عليه.
( )2لم أقف عليه.
( )3في "ج"" :قوله".
()2/772
()2/773
شاهد ببطالن ذلك.
والثاني :أَّنه لو كان األمر كذلك لكان إبقاؤهم في العذاب ،وانقطاعه عنهم بالنسبة إلى مشيئته
سواء ،ولم يكن في انقضائه ما ينافي كماله ،وهو سبحانه لم يخبر بأبدية العذاب ،وأنه ال نهاية له.
وغاية األمر على هذا التقدير :أن يكون من الجائزات الُمْم ِكَنات الموقوف حكمها على خبر
الصادق.
فإن سلكت طريق التعليل بالحكمة والرحمة والمصلحة لم يقتض الدوام ،وإن سلكت طريق
المشيئة المحضة التي ال تعلل لم تقتضه أيًض ا ،وإن وقف األمر على مجرد السمع فليس فيه ما
يقتضيه.
الوجه السادس عشر :أن رحمته سبحانه سبقت غضبه في المعذبين ،فإَّنه أنشأهم برحمته،
وغذاهم برحمته ،ورباهم برحمته ورزقهم وعافاهم برحمته ،وأرسل إليهم الرسل برحمته،
وأسباب النقمة والعذاب متأخرة عن أسباب الرحمة طارئة عليها ،فرحمته سبقت غضبه فيهم ()1
،وَخ َلَق هم على ِخ ْلَق ٍة تكون رحمته إليهم أقرب من غضبه وعقوبته.
ولهذا ترى أطفال الكفار قد ألقى عليهم رحمته ،فمن رآهم رحمهم ،ولهذا ُنِه َي عن قتلهم (، )2
فرحمته سبقت غضبه
__________
( )1في "ب ،هـ"" :فهم".
( )2أخرجه البخاري رقم ( 2851و ،)2852ومسلم رقم ( )1744عن ابن عمر قال:
"وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم ،-فنهى رسول =
()2/774
فيهم ،فكانت هي السابقة إليهم ،ففي كل حال هم في رحمته في حال معافاتهم وابتالئهم.
وإذا كانت الرحمة هي السابقة فيهم لم يبطل أثرها بالكلية ،وإن عارضها أثر الغضب والسخط
فذلك لسبب منهم ،وأما أثر الرحمة فسببه منه سبحانه ،فما منه يقتضي رحمتهم ،وما منهم
يقتضي عقوبتهم ،والذي منه سابق وغالب ،وإذا كانت رحمته تغلب غضبه ،فألن يغلب أثر
الرحمة أثر الغضب أولى وأحرى.
الوجه السابع عشر :أَّنه سبحانه يخبر عن العذاب أَّنه عذاب يوم عقيم ،وعذاب يوم عظيم،
وعذاب يوم أليم ،وال يخبر عن النعيم أَّنه نعيم يوم ،وال في موضع واحد.
وقد ثبت في "الصحيح" تقدير يوم القيامة بخمسين ألف سنة ( ، )1والمعذبون متفاوتون في مدة
لبثهم في العذاب بحسب جرائمهم ،والَّله سبحانه جعل العذاب على ما كان من الدنيا وأسبابها،
وما أريد به الدنيا ولم يرد به ( )2الَّله فالعذاب على ذلك .وأما ما كان لآلخرة وأريد به وجه الَّله
فال عذاب عليه ،والدنيا قد جعل لها أجاًل تنتهي إليه ،فما انتقل منها إلى تلك الدار مما ليس لَّله،
فهو المعذب به.
وأما ما ُأريد به وجه الَّله والدار اآلخرة ،فقد ُأريد به ما ال يفنى وال
__________
= الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -عن قتل النساء والصبيان".
( )1أخرجه مسلم برقم ( )987من حديث أبي هريرة الطويل في مانع الزكاة.
( )2بياض في "د" فقط بمقدار كلمة ،ووقع في المطبوع مكانه "وجه".
()2/775
يزول ،فيدوم بدوام المراد به ،فإن الغاية المطلوبة إذا كانت دائمة ال تزول لم َيُز ْل ما تعَّلق بها،
بخالف الغاية الُم ْض َم ِح َّلة الفانية ،فما ُأريد به غير الَّله يضمحل ويزول بزوال مراده ومطلوبه ،وما
ُأريد به وجه الَّله يبقى ببقاء المطلوب المراد ،فإذا اضمحلت الدنيا وانقطعت أسبابها ،وانتقل ما
كان فيها لغير الَّله من األعمال والذوات ،وانقلب عذاًبا وآالًم ا = لم يكن له متعلق يدوم بدوامه؛
بخالف النعيم.
الوجه الثامن عشر :أَّنه ليس في ُح ْك ِم ( )1أحكم الحاكمين أن يخلق خلًق ا يعذبهم أبد اآلباد،
عذاًبا سرمًد ا ال نهاية له ،وال انقطاع أبًد ا ،وقد دلت األدلة السمعية والعقلية والفطرية على أَّنه
سبحانه حكيم ،وأنه أحكم الحاكمين ،فإذا عذب ( )2خلقه عذبهم بحكمة ،كما يوجد التعذيب
والعقوبة في الدنيا في شرعه وقدره ،فإن فيه من الِح َك م والمصالح وتطهير العبد ومداواته،
وإخراج المواد الردية عنه بتلك اآلالم مما تشهده العقول الصحيحة ،وفي ذلك من تزكية النفوس
وصالحها وزجرها وردع نظائرها ،وتوقيفها على فقرها ،وضرورتها إلى ربها ،وغير ذلك من
الحكم والغايات الحميدة ،ما ال يعلمه إال الَّله.
وال ريب أن الجنة طيبة ،ال يدخلها إال طيب ،ولهذا ُيْحَبسون ( )3إذا قطعوا الصراط على قنطرة
بين الجنة والنار ،فيقتص لبعضهم من مظالم
__________
( )1في "ب ،د ،هـ" ونسخٍة على حاشية "أ" "ِح ْك َم ة".
( )2سقط من "ج".
( )3وقع في "ج"" :يحسبون" وهو خطأ.
()2/776
كانت بينهم في الدنيا ،حتى إذا ُه ِّذ بوا وُنُّف وا أذن لهم في دخول الجنة (. )1
ومعلوم أن النفوس الشريرة الخبيثة المظلمة التي لو ردت إلى الدنيا قبل العذاب لعادت لما نهيت
عنه ،ال تصلح أن تسكن دار السالم في جوار رب العالمين ،فإذا عذبوا بالنار عذاًبا يخلص
نفوسهم من ذلك الخبث والوسخ والدرن ،كان ذلك من حكمة أحكم الحاكمين ورحمته ،وال
ينافي الحكمة خلَق نفوٍس فيها شر يزول بالبالء الطويل والنار ،كما يزول بها خبث الذهب
والفضة والحديد ،فهذا معقول في الحكمة ،وهو من لوازم العالم المخلوق على هذه الصفة ،أما
خلق نفوس ال يزول شرها أبًد ا ،وعذابها ال انتهاء له ،فال يظهر في الحكمة والرحمة ،وفي وجود
مثل هذا النوع نزاع بين العقالء ،أعني :ذواًتا وهي شٌّر من كل وجه ،ليس فيها شيء من خير
أصاًل .
وعلى تقدير دخوله في الوجود ،فالرب تبارك وتعالى قادر على قلب األعيان ،وإحالتها ،وإحالة
صفاتها.
فإذا وجدت الحكمة المطلوبة من خلق هذه النفوس ،والحكمة المطلوبة من تعذيبها ،فإَّنه ()2
سبحانه قادر أن ينشئها نشأة ُأخرى غير تلك النشأة ،ويرحمها في النشأة الثانية نوًعا آخر من
الرحمة.
__________
( )1كما في حديث أبي سعيد الخدري عند البخاري رقم ( )2308و ( .)6170وقد تقَّدم في
آخر الباب (.)37
( )2في "ب ،د ،هـ" ونسخٍة على حاشية "أ" "فالَّله".
()2/777
يوضحه:
الوجه التاسع عشر :وهو أَّنه قد ثبت أن الَّله سبحانه ُيْنشئ للجنة خلًق ا آخر ،يسكنهم إياها ،ولم
يعملوا خيًر ا تكون الجنة جزاء ( )1لهم عليه ،فإذا أخذ العذاب من هذه النفوس مأخذه ،وبلغت
العقوبة مبلغها ،فانكسرت تلك النفوس ،وخضعت وذلت ( ، )2واعترفت لربها وفاطرها بالحمد،
وأنه عدل فيها كل العدل ،وأنها في هذه الحال كانت في تخفيف منه ،ولو شاء أن يكون عذابها
أشد من ذلك َلَف َعل ،وشاء كتب العقوبة طلًبا لموافقة رضاه ومحبته ،وعلمت أن العذاب أولى
بها ،وأنه ال يليق بها سواه ،وال تصلح إال له ،فذابت منها تلك الخبائث كلها ،وتالشت وتبدلت
بذٍّل وانكساٍر ،وَحْم ٍد وثناء على الرب تبارك وتعالى ،ولم يكن في حكمته أن يستمر بها في
العذاب بعد ذلك ،إذ قد تبدل شرها بخيرها ،وشركها بتوحيدها ،وكبرها بخضوعها وذلها.
وال ينتقض هذا بقوله عز وجلَ{ :و َلْو ُر ُّدوا َلَعاُدوا ِلَم ا ُنُه وا َعْنُه} [األنعام ]28 :فإن هذا قبل
مباشرة العذاب الذي يزيل تلك الخبائث ،وإنما هو عند المعاينة قبل الدخول ،فإَّنه سبحانه وتعالى
ِم ِن ِم ِب ِت ِق
قالَ{ :و َلْو َتَر ى ِإْذ ُو ُف وا َعَلى الَّناِر َفَق اُلوا َياَلْيَتَنا ُنَر ُّد َو اَل ُنَك ِّذ َب آَيا َر ِّبَنا َو َنُك وَن َن اْلُم ْؤ يَن
(َ )27بْل َبَد ا َلُه ْم َما َك اُنوا ُيْخ ُف وَن ِم ْن َقْبُل َو َلْو ُر ُّدوا َلَعاُدوا ِلَم ا ُنُه وا َعْنُه َو ِإَّنُه ْم َلَك اِذ ُبوَن }
[األنعام.]28 ,27 :
__________
( )1ليس في "أ ،ج" ،ووقع في نسخة على حاشية "أ" "خيًر ا".
( )2في "ج" ونسخٍة على حاشية "أ" "وُذِّللت".
()2/778
فهذا إنما قالوه قبل أن يستخرج العذاُب منهم تلك الخبائث ،فأما إذا لبثوا في العذاب أحقاًبا،
والحقب :كما رواه الطبراني في "معجمه" ( )1من حديث أبي أمامة -رضي الَّله عنه -عن الَّنبي
-صلى الَّله عليه وسلم -أَّنه قال" :الحقب خمسون ألف سنة" ( )2؛ فإَّنه من الممتنع أن يبقى
ذلك الكبر والشرك والخبث بعد هذه الُم َد د ( )3المتطاولة في العذاب.
الوجه العشرون :أَّنه قد ثبت في "الصحيحين" ( )4من حديث أبي سعيد الخدري -في حديث
الشفاعة -فيقول الَّله عز وجل" :شفعت المالئكة ،وشفع الَّنبيون ،وشفع المؤمنون ،ولم يبق إال
أرحم
__________
( )1الكبير ( )292 /8رقم (.)7957
من طريق جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي ُأمامة.
( )2وأخرجه ابن أبي عمر العدني في مسنده ( - 3775المطالب) ،وابن أبي حاتم في تفسيره (
- 494 /4ابن كثير) ،وابن مردويه ( - 502 /6الدر).
قال ابن كثير في تفسيره" :وهذا حديث منكٌر جًّدا ،والقاسم هو والراوي عنه وهو جعفر بن
الزبير كالهما متروك".
وال يصح في الباب حديٌث مرفوع "مسند" ،وإَّنما الصحيح أَّن الحقب :ثمانون سنة ،كما جاء
ذلك عن ابن مسعود وأبي هريرة وابن عباس وعبد الَّله ابن عمرو وغيرهم.
انظر :تفسير عبد الرزاق ( ،)276 /2والطبري ( ،)11 /30والزهد لهناد رقم ( 219و ،)220
والمستدرك للحاكم ( ،)3890( )556 /2والدر المنثور (.)503 - 502 /5
( )3في "ب ،هـ"" :الُم َّدة".
( )4البخاري رقم ( ،)700 ،773ومسلم رقم (.)182
()2/779
الراحمين ،فيقبض قبضة من النار ،فيخرج منها قوًم ا لم يعملوا خيًر ا قط ،قد عادوا حمًم ا،
فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة ،يقال له" :نهر الحياة" فيخرجون كما تخرج الِح َّبة في حميل
السيل ،فيقول أهل الجنة :هؤالء عتقاء الَّله الذين أدخلهم الَّله الجنة بغير عمل عملوه ،وال خير
قدموه".
فهؤالء أحرقتهم النار جميعهم ،فلم يبق في بدن أحدهم موضع لم تمسه النار ،بحيث صاروا
حمًم ا :وهو الفحم المحترق بالنار .فظاهر السياق أَّنه لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير ،فإن
لفظ الحديث هكذا" :فيقول :ارجعوا فمن وجدتم في قلبه ذرة من خير فأخرجوه ،فيخرجون
خلًق ا كثيًر ا ثَّم يقولون :ربنا لم نذر فيها خيًر ا ،فيقول الَّله عز وجل" :شفعت المالئكة ،وشفع
الَّنبيون ،وشفع المؤمنون ،ولم يبق إال أرحم الراحمين ،فيقبض قبضة من النار ،فيخرج منها قوًما
لم يعملوا خيًر ا قط".
فهذا السياق يدّل على أن هؤالء لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير ،ومع هذا فأخرجتهم
الرحمة.
ومن هذا رحمته سبحانه للذي أوصى أهله أن يحرقوه بالنار ،ويذروه في البر والبحر َزْع ًم ا منه
بأَّنه يفوت الَّله سبحانه ،فهذا قد شك في المعاد والقدرة ،ولم يعمل خيًر ا قط ،ومع هذا فقال له:
ِح
"ما حملك على ما صنعت؟ قال :خشيتك وأنت أعلم" ( ، )1فما تالفاه أْن َر َم ُه
__________
( )1أخرجه البخاري رقم ( ،)3291ومسلم رقم ( )2757من حديث أبي سعيد =
()2/780
()2/781
االعتراف المتضمن لنسبة السوء والظلم واللوم إليه من كل وجه ،ونسبة العدل والحمد والرحمة
والكمال المطلق إلى ربه من كل وجه = يستعطف ربه تبارك وتعالى عليه ،ويستدعي رحمته له.
وإذا أراد أن يرحم عبده ألقى ذلك في قلبه ،وال سيما إذا اقترن بذلك جزم العبد على ترك
المعاودة لما يسخط ربه عليه ،وعلم الَّله ذلك داخل قلبه وسويدائه ،فإَّنه ال تتخَّلف عنه الرحمة
مع ذلك.
وفي "معجم الطبراني" ( )1من حديث يزيد بن سنان الرهاوي ،عن سليمان ( )2بن عامر ،عن أبي
ُأمامة -رضي الَّله عنه -قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-إن آخر رجل يدخل
الجنة رجل يتقلب على الصراط ظهًر ا لبطن ،كالغالم يضربه أبوه ،وهو َيِف ُّر منه ،يعجز عنه عمله
أن
__________
( )1الكبير ( )186 - 185 /8رقم (.)7669
والحديث سنده ضعيف :فيه يزيد بن سنان أبو فروة الرهاوي :ضعيف ،وابنه محَّم د بن يزيد بن
سنان أضعف منه ،يروي عن أبيه مناكير ،قاله البخاري.
لكَّنه توبع؛ تابعه عبد الَّله بن عقيل الثقفي عند ابن أبي شيبة في مسنده كما سيأتي عند المصنف
ص ( ،)795وفي البدور السافرة للسيوطي رقم (.)1652
فالحديث مدارُه على يزيد بن سنان ،وهو ضعيف ،وقال فيه ابن عدي" :وعاَّمة حديثه غير
محفوظة".
انظر :تهذيب الكال ( ،)159 - 156 /32والكامل البن عدي (.)272 /7
( )2كذا في جميع النسخ ،وعَّلق عليه ناسخ "أ ،د" بقولهما" :كذا ،ولعلهُ :س َليم الخبائري".
قلُت :وهو الصواب ُس َليم بن عامر الخبائري أبو يحيى الحمصي.
()2/782
يسعى فيقول :يا رب بِّلْغ بي الجنة ،ونجني من النار ،فيوحي الَّله تبارك وتعالى إليه :عبدي ،إن أنا
نجيتك من النار وأدخلتك الجنة ،أتعترف لي بذنوبك وخطاياك؟ فيقول العبد :نعم يا رب،
وعزتك وجاللك إن نجيتني من النار ألعترفن لك بذنوبي وخطاياي ،فيجوز الجسر ،فيقول العبد
فيما بينه وبين نفسه :لئن اعترفت له بذنوبي وخطاياي ليردني إلى النار ،فيوحي الَّله إليه :عبدي،
اعترف لي بذنوبك وخطاياك أغفرها لك ،وأدخلك الجنة ،فيقول العبد :ال وعزتك وجاللك ،ما
أذنبت ذنًبا قط ،وال أخطأت خطيئة قط ،فيوحي الَّله إليه :عبدي إَّن لي عليك َبِّينة ،فيلتفت العبد
يميًنا وشمااًل ،فال يرى أحًد ا ،فيقول :يا رب أرني بينتك ،فيستنطق الَّله تعالى ِج ْلدُه بالمحقرات،
فإذا رأى ذلك العبد يقول :يا رب عندي وعزتك العظائم ،فيوحي الَّله إليه ،عبدي أنا أعرف بها
منك ،اعترف لي بها أغفرها لك وأدخلك الجنة ،فيعترف العبد بذنوبه ،فيدخل الجنة" ،ثَّم ضحك
رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -حتى بدت نواجذه ،يقول" :هذا أدنى أهل الجنة منزلة،
فكيف بالذي فوقه؟ ".
فالرب تعالى يريد من عبده االعتراف واالنكسار بين يديه والخضوع والذل له ،والعزم على
مرضاته ،فما دام أهل النار فاقدين لهذا الروح ،فهم فاقدون لروح الرحمة ،فإذا أراد عز وجل أن
يرحمهم أو من شاء منهم؛ جعل في قلبه ذلك فتدركه الرحمة ،وقدرة الرب تبارك وتعالى غير
قاصرة عن ذلك ،وليس فيه ما يناقض موجب أسمائه وصفاته ،وقد أخبر أَّنه فعال لما يريد.
الوجه الثاني والعشرون :أَّنه سبحانه قد أوجب الخلود على معاصي
()2/783
()2/784
ييأس من الجنة ،ولو يعلم المسلم بكل الذي عند الَّله من العذاب لم يأمن من النار".
الوجه الثالث والعشرون :أَّنه لو جاء الخبر منه سبحانه صريًح ا بأن عذاب النار ال انتهاء له ،وأنه
أبدي ال ينقطع ،لكان ذلك وعيًد ا منه سبحانه ،والَّله تعالى ال يخلف وعده ،وأما الوعيد :فمذهب
أهل السنة كلهم :أن إخالفه عفو وكرم وتجاوز ُيْم َد ُح الرب تبارك وتعالى به ،وُيثنى عليه به ،فإَّنه
حق له إن شاء تركه ،وإن شاء استوفاه ،والكريم ال يستوفي حقه ،فكيف بأكرم األكرمين؟.
وقد صرح سبحانه في كتابه في غير موضع بأنه ال يخلف وعده ،ولم يقل في موضع واحد :ال
يخلف وعيده.
وقد روى أبو يعلى الموصلي :حدثنا هدبة بن خالد ،حدثنا سهيل ابن أبي حزم ،حدثنا ثابت
البناني ،عن أنس بن مالك -رضي الَّله عنه -أَّن رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :من
وعده الَّله على عمل ثواًبا فهو منجزه ،ومن أوعده على عمل عقاًبا فهو فيه بالخيار" (. )1
__________
( )1أخرجه أبو يعلى في مسنده ( )66 /6رقم ( ،)3316وابن أبي عاصم في السنة رقم (
،)960والخرائطي في مكارم األخالق رقم ( ،)189وابن عدي في الكامل في الضعفاء (/3
،)450والبزار ( - 3010المطالب) والبيهقي في البعث ( )48وغيرهم.
والحديث من منكرات سهيل بن أبي حزم ،قال البخاري" :ال يتابع في حديثه" ،وقال البزار:
"سهيل ال يتابع على حديثه" ،وقال اإلمام أحمد" :روى عن ثابت أحاديث منكرة" ،وقال البيهقي:
"تفَّر د به ُس هيل وليس =
()2/785
وقال أبو الشيخ األصبهاني :حدثنا محَّم د بن حمزة ،حدثنا أحمد ابن الخليل ،حدثنا األصمعي
قال :جاء عمرو بن عبيد إلى أبي عمرو ابن العالء فقال :يا أبا عمرو ،أيخلف الَّله ما وعد؟ قال:
أفرأيت من أوعده الَّله على عمله عقاًبا ،أيخلف الَّله وعده فيه؟ فقال أبو عمرو بن العالء :من
الُعْج َم ة ُأِتْيَت يا أبا عثمان ،إن الوعد غير الوعيد ،إن العرب ال تعّد عاًر ا وال ُخ ْلًف ا أْن َتِعَد شًّر ا ثَّم
ال تفعله ،ترى ذلك كرًم ا وفضاًل ،وإنما الُخ ْلف أن َتِعَد خيًر ا ثَّم ال تفعله ،قال :فأْو ِج ْد ني هذا في
كالم العرب ،قال :نعم ،أما سمعت إلى قول األول:
وال يرهُب ابُن العم ما عشُت سطوتي ...وال أختشى من صولة ( )1المتهِّدد
وإِّني وإْن أوعدته أووعدته ...لمخلُف إيعادي ومنجُز َمْو ِع دي" ()2
ِم
قال أبو الشيخ :وقال يحيى بن معاذ" :الوعد والوعيد حق ،فالوعد :حق العباد على الَّلهَ ،ض َن
لهم إذا فعلوا كذا أن يعطيهم كذا،
__________
= بالقوي" .انظر :تهذيب الكمال (.)219 - 218 /12
قلت :ومعنى الحديث ثابٌت في الكتاب والسنة.
( )1في "هـ" ،والخرائطي "سطوة" وهما بمعنى واحد .والبيتان لعامر بن الُّطفيل في ديوانه ص (
)58مع اختالٍف قليل في بعض األلفاظ.
( )2أخرجه الخرائطي في مكارم األخالق رقم ( ،)188وابن عدي في الكامل (،)99 /5
والبيهقي في البعث والنشور رقم ( ،)47والخطيب في تاريخه (.)173 - 172 /12
من طريق سَّو ار بن عبد الَّله القاضي عن األصمعي به.
وهي قصة صحيحة ثابتة.
()2/786
ومن أولى بالوفاء من الَّله .والوعيد :حقه على العباد ،قال :ال تفعلوا كذا فأعذبكم ،ففعلوا ،فإن
شاء عفا ،وإن شاء أخذ ،ألنه حقه ،وأوالهما بربنا تبارك وتعالى ،العفو والكرم ،إنه غفور رحيم" (
. )1
ومما يدل على ذلك ويؤيده خبر كعب بن زهير حين أوعده رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم-
فقال:
ُنِّبْئُت أَّن رسول الَّله أوعدني ...والعفو عند رسول الَّله مْأُموُل ()2
فإذا كان هذا في وعيد مطلق ،فكيف بوعيٍد مقرون باستثناء ُمَعَّق ب بقولهِ{ :إَّن َر َّبَك َفَّعاٌل ِلَم ا
ُيِر يُد ([ } )107هود ]107 :وهذا إخبار منه أَّنه يفعل ما يريد عقيب قولهِ{ :إاَّل َما َش اَء َر ُّبَك }،
فهو عائد إليه وال بد،
__________
( )1لم أقف عليه بهذا اللفظ ،وفي الحلية ( )52 /10معناه مختصًر ا.
( )2أخرجه ابن أبي عاصم في اآلحاد والمثاني ( )169 - 168 /5رقم ( ،)2706وأبو ُنعيم في
المعرفة ( )2379 - 2378 /5رقم (.)5833
من طريق الحجاج بن ذي الرقيبة بن عبد الرحمن بن عقبة بن كعب بن زهير عن أبيه عن جِّده
قال :خرج كعب وبجير . . .فذكره مطَّو اًل .
قلتِ :م ن الحجاج بن ذي الرقيبة إلى كعب :شعراء في َنَس ق ،انظر الجمهرة البن حزم ص (
.)202 - 201
والحجاج وأبوه وجده غير معروفين بالرواية ،فينظر في حالهم ،فإِّني لم أقف على حالهم.
وله شاهد مرسل لعاصم بن عمر بن قتادة :عند الطبراني ( )178 - 176 /19رقم ()403
بمعناُه.
وشاهد آخر مرسل لسعيد بن المسيب.
عند ابن قانع في معجمه ( )1657بمعناه.
()2/787
وال يجوز أن يرجع إلى المستثنى منه وحده ،بل إما أن يختص بالمستثنى ،أو يعود إليهما ،وغير
خاف ان تعُّلقه بقولهِ{ :إاَّل َما َش اَء َر ُّبَك } أولى من تعُّلقه بقولهَ{ :خ اِلِد يَن ِفيَه ا} ،وذلك ظاهر
للمتأمل ،وهو الذي فهمه الصحابه ،فقالوا" :أتت هذه اآلية على كل وعيد في القرآن" ( ، )1ولم
يريدوا بذلك االستثناء وحده ،فإن االستثناء مذكور في األنعام أيًض ا ،وإنما أرادوا أَّنه عقب ()2
االستثناء بقولهِ{ :إَّن َر َّبَك َفَّعاٌل ِلَم ا ُيِر يُد (.} )107
وهذا التعقيب نظير قوله تعالى في األنعام {ِإاَّل َم ا َش اَء الَّلُه ِإَّن َر َّبَك َح ِكيٌم َعِليٌم (} )128
[األنعام .]128 :فأخبر أن عذابهم في جميع األوقات ،وَر ْفَعه عنهم في وقٍت يشاؤه = صادر
عن كمال علمه وحكمته ال عن مشيئة مجردة عن الحكمة والمصلحة والرحمة والعدل ،إذ
يستحيل تجرد مشيئته عن ذلك.
الوجه الرابع والعشرون :أن جانب الرحمة أغلب في هذه الدار الباطلة الفانية الزائلة عن قرب من
جانب العقوبة والغضب ،ولوال ذلك لما ُعِم َر ت ،وال قام لها وجود ،كما قال تعالىَ{ :و َلْو ُيَؤ اِخ ُذ
الَّلُه الَّناَس ِبُظْلِم ِه ْم َم ا َتَر َك َعَلْيَه ا ِم ْن َداَّبٍة} [النحل ،]61 :وقال {َو َلْو ُيَؤ اِخ ُذ الَّلُه الَّناَس ِبَم ا
َك َس ُبوا َما َتَر َك َعَلى َظْه ِرَه ا ِم ْن َداَّبٍة} [فاطر ،]45 :فلوال سعة رحمته ومغفرته وعفوه لما قام
العالم ،ومع هذا فالذي أظهره -من الرحمة في هذه الدار ،وأنزله بين الخالئق -جزء من مئة
جزء
__________
( )1تقدم ص (.)740
( )2في نسخٍة على حاشية "أ"" :عقيب".
()2/788
من الرحمة ،فإذا كان جانب الرحمة قد غلب في هذه الدار ،ونالت الَبَّر والفاجر والمؤمن
والكافر ،مع قيام مقتضى العقوبة به ومباشرته له ،وتمكنه من إغضاب ربه ،والسعي في مَس اِخ ِط ه،
فكيف ال يغلب جانب الرحمة في دار تكون الرحمة فيها مضاعفة على ما في هذه الدار تسعة
وتسعين ضعًف ا ( ، )1وقد أخذ العذاب من الكفار مأخذه ،وانكسرت تلك النفوس ونهكها
العذاب ،وأذاب منها خبًثا ( )2وشًّر ا ،لم يكن يحول بينها وبين رحمته لها في الدنيا ،بل كان
يرحمها مع قيام مقتضى العقوبة والغضب بها فكيف إذا زال مقتضى الغضب والعقوبة ،وقوي
جانب الرحمة أضعاف أضعاف الرحمة في هذه الدار ،واضمحل الشر والخبث الذي فيها فأذابته
النار وأكلته.
وِس ُّر األمر أن أسماء الرحمة واإلحسان أغلب وأكثر وأظهر من أسماء االنتقام ،وفعل الرحمة
أكثر من فعل االنتقام ،وظهور آثار الرحمة أعظم من ظهور آثار االنتقام ،والرحمُة أحب إليه من
االنتقام ،وبالرحمة َخ َلَق خْلقه ولها خلقهم ،وهي التي سبقت غضبه وغلبته ،وكتبها على نفسه،
ووسعت كل شيء ،وما خلق بها فمطلوب لذاته ،وما خلق بالغضب فمراد لغيره ،كما تقدم تقرير
ذلك ( . )3والعقوبة تأديب وتطهير ،والرحمة إحسان وكرم وجود،
__________
( )1يشير إلى ما أخرجه مسلم في صحيحه رقم ( )19( - )2752من حديث أبي هريرة عن
الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :إَّن لَّله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن واإلنس
والبهائم والهوام . . .وأَّخر تسعة وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة".
( )2في "هـ"" :خبثها".
( )3في ص (.)756
()2/789
()2/790
من كمال حمده الذي هو مقتضى أسمائه وصفاته ،وأن هذه النفوس الخبيثة الظالمة الفاجرة ،ال
يليق بها غير ذلك ،وال يحسن بها سواه ،بحيث تعترف هي من ذواتها بأنها أهل ذلك ،وأنها أولى
به = حصلت الحكمة التي ألجلها ُو ِج َد الشر وموجباته في هذه الدار وتلك الدار.
وليس في الحكمة اإللهية أن الشرور تبقى دائًم ا ال نهاية لها ،وال انقطاع أبًد ا ،فتكون هي
والخيرات في ذلك على حٍّد سواء.
فهذا نهاية أقدام الفريقين في هذه المسألة ،ولعَّلك ال تظفر به في غير هذا الكتاب.
فإن قيل :إلى أين انتهى قدمكم في هذه المسألة العظيمة الشأن ،التي هي أكبر من الدنيا بأضعاف
مضاعفة؟
قيل :إلى قوله تبارك وتعالىِ{ :إَّن َر َّبَك َفَّعاٌل ِلَم ا ُيِر يُد ([ } )107هود ]107 :وإلى ها هنا انتهى
قدم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الَّله عنه -فيها ،حيث ذكر دخول أهل الجنِة الجنَة،
وأهل الناِر الناَر ،وما يلقاه هؤالء وهؤالء ،وقال" :ثَّم يفعل الَّله بعد ذلك ما يشاء" (. )1
بل وإلى ها هنا انتهت أقدام الخالئق ،وما ذكرنا في هذه المسألة ،بل في الكتاب من صواب
فمن الَّله سبحانه ،وهو الَم اُّن به ،وما كان من
__________
( )1لم أقف عليه.
()2/791
خطٍإ فِم ِّني ،ومن الشيطان ،والَّله ورسوله بريء منه ،وهو عند لسان كل قائل وقلبه وقصده ،والَّله
أعلم.
()2/792
الباب الثامن والستون :في ذكر آخر أهل الجَّنة دخواًل إليها
في "الصحيحين" ( )1من حديث منصور ،عن إبراهيم عن َعِبْيدة عن عبد الَّله بن مسعود رضي
الَّله عنه قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-إِّني ألعلم آخر أهل الَّناِر خروًج ا منها،
وآخر أهل الجَّنة دخواًل الجَّنة ،رجٌل يخرج من الَّنار َح ْبًو ا ،فيقول الَّلُه له :اذهب فادخل الجَّنة،
فيأتيها فيخيل إليه ( )2أَّنها مألى فيرجع فيقول :يا رِّب وجدتها مألى ،فيقول الَّلُه له :اذهْب
فادخل الجَّنة ،فإَّن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها ،أو إَّن لك عشرة أمثال الدنيا ،قال :فيقول:
أتسخُر بي أو تضحك بي وأنت الملك؟ قال :لقد رأيُت رسول الَّلِه -صلى الَّله عليه وسلم-
ضحك حَّتى بدت نواجذه ،قال :فكان يقال :ذلك أدنى أهل الجَّنة منزلًة".
وفي "صحيح مسلم" ( )3من حديث األعمش عن المعرور بن ُس ويد عن أبي ذٍّر -رضي الَّله
عنه -قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-إِّني ألعلُم آخر أهل الجَّنة دخواًل الجَّنة،
وآخر أهل الَّناِر خروًج ا منها ،رجٌل يؤتى به يوم القيامة فيقال :اعرضوا عليه صغاَر ذنوبه وارفعوا
ِكَباَر َه ا ( ،)4فُتْع َر ض عليه صغار ذنوبه فيقال :عملَت يوم كذا وكذا؛ كذا وكذا ،وعملت يوم
كذا وكذا؛ كذا وكذا ،فيقوُل :نعم ،ال يستطيع أن ينكر
__________
( )1البخاري رقم ( ،)6202ومسلم رقم (.)186
( )2في "ج ،د"" :له".
( )3رقم (.)190
( )4في "ب ،د ،هـ" :ونسخٍة على حاشية "أ" "عنه كبارها".
()2/793
وهو مشفٌق من كبار ذنوبه أْن ُتْع َر ض عليه ،فيقال له :فإَّن لَك مكان كُّل سيئٍة حسنة ،فيقول :رِّب
قد عملت أشياَء ال أراها ها هنا ،فلقد رأيُت رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلمَ -ض ِح َك حَّتى
بدت نواجذه".
وقال الطبراني :حدثنا عبد الَّله بن سعد ( )1بن يحيى الرقي ،حدثنا أبو فروة يزيد بن محَّم د بن
ِس َنان الرهاوي قال :حدثني أبي عن أبيه قال :حدثني أبو يحيى الكالعي ،عن أبي ُأمامة رضي الَّله
عنه قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-إَّن آخر رجٍل يدخُل الجَّنة رجل يتقَّلب على
الصراط َظْه ًر ا لبطن ،كالغالم يضربه أبوه وهو يفُّر منه ،يعجز عنه عمله أْن يسعى ،فيقول :يا رب
بِّلغ بي الجَّنة ،ونِّج ني من الَّناِر ،فيوحي الَّله تبارك وتعالى إليه :عبدي إْن أنا نَّج يتك من الَّناِر
وأدخلتك الجَّنة؛ أتعترُف لي بذنوبك وخطاياك؟ فيقول العبد :نعم يا رِّب وعزتك وجاللك لئن
نجيتني من الَّناِر ألعترفَّن بذنوبي وخطاياي فيُجْو ز الِج ْسَر ،ويقول العبد فيما بينه وبين نفسه :لئن
اعترفت له بذنوبي وخطاياي ليردني إلى الَّناِر ،فيوحي الَّله إليه :عبدي اْع تِر ْف لي بذنوبك
وخطاياك اغفرها لك وأدخلك الجنة ،فيقول العبد ال وعَّز تك وجاللك ما أذنبُت ذنًبا قُّط وال
أخطأُت خطيئًة قُّط ،فيوحي الَّله إليه :عبدي إَّن لي عليك َبِّينة فيلتفت العبد يميًنا وشمااًل فال يرى
أحًد ا ،فيقول :يا رِّب أرني بِّينتك فيستنطق الَّله جلده بالُم حَّق رات ،فإذا رأى ذلك العبد يقول :يا
رب عندي وعَّز تك العظائم فيوحي الَّله إليه :عبدي أنا أعرف بها منك اعترف لي بها أغفرها لك،
وأدخلك الجَّنة ،فيعترف العبد بذنوبه
__________
( )1في "ب ،د" ،ونسخة على حاشية "أ"" :سعيد".
()2/794
فيدخل الجَّنة ،ثَّم ضحك رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -حَّتى بدت نواجذه يقول" :هو أدنى
أهل الجَّنة منزلة فكيف باَّلذي فوقه؟ " (. )1
ورواُه ابن أبي شيبة عن هاشم بن القاسم حدثنا أبو عقيٍل عبد الَّله بن عقيل الثقفي ،عن يزيد بن
سنان به.
وفي "صحيح مسلم" ( )2عن عبد الَّله بن مسعود رضي الَّله عنه أَّن رسول الَّله -صلى الَّله عليه
وسلم -قال" :آخر من يدخل الجَّنة رجٌل فهو يمشي مَّر ة ،ويكبو مَّر ة ،وتسفعُه الَّناُر مَّر ة ،فإذا
جاوزها التفت إليها ،فقال :تبارك اَّلذي نَّج اني منك ،لقد أعطاني الَّله شيًئا ما أعطاُه أحًد ا من
األَّو لين واآلخرين ،فُترفع له شجرة فيقول :أي رِّب أْد ِنني من هذه الشجرة أستظُّل بِظ ِّلها وأشرب
من مائها ،فيقول الَّلُه تبارك وتعالى :يا ابن آدم َلعِّلي إْن أعطيتكها سألتني غيرها؟ فيقول :ال يا
رِّب ،ويعاهده أْن ال يسأله غيرها وربه يعذره؛ ألَّنه يرى ما ال صبر له عليه ،فيدنيه منها فيستظل
بظلها ،ويشرب من مائها ،ثَّم ُيرفع له شجرة هي أحسن من األولى ،فيقول :يا رِّب أدنني من هذه
ألشرب من مائها ،وأستظل بظِّلها ،ال أسألك غيرها ،فيقول :يابن آدم ألم تعاهدني أْن ال تسألني
غيرها؟ ورُّبه يعذره؛ ألَّنه يرى ما ال صبر له عليه فيدنيه منها ،فيستظل بظلها ،ويشرب من مائها،
ثَّم ترفع له شجرة عند باب الجَّنة هي أحسن من األوليين ،فيقول :أي رِّب أدنني من هذه الشجرة
ألستظل بظلها وأشرب من مائها ،ال أسألك غيرها ،فيقول :يا ابن آدم ألم
__________
( )1تقدم ص (.)782
( )2رقم (.)187
()2/795
تعاهدني أْن ال تسألني غيرها؟ قال :بلى يا رِّب ،هذه ال أسألك غيرها ،وربه يعذره؛ ألَّنُه يرى ما ال
صبر له عليه فيدنيه منها ،فإذا أدناُه منها سمع أصوات أهل الجَّنة فيقول :يا رِّب أدخلنيها فيقول:
يا ابن آدم ما يصريني ( )1منك ،أيرضيك أْن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟ قال :يا رِّب أتستهزئ
ِم ِّني ( )2وأنت رُّب العالمين؟ فضحك ابن مسعود فقال :أال تسألوني ِم َّم أضحك؟ قالواِ :م َّم
تضحك؟ قال :هكذا ضحك رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم ،-فقالواِ :م َّم تضحك يا رسول
الَّله؟ قال" :من ضحك رِّب العالمين حين قال :أتستهزئ بي وأنت رب العالمين ،فيقول :ال
أستهزئ بك ولكِّني على ما أشاء قادر".
وفي "صحيح البرقاني" من حديث أبي سعيد الخدري نحو هذه القصة ونحن نسوقه بتمامه من
عنده ،وهو بإسناد مسلم سواء.
قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-إَّن أدنى أهل الَّنار عذاًبا منتعل بنعلين من ناٍر
ِق َّل
يغلي دماغه من حرارة نعليه ( ، )3وإَّن أدنى أهل الجَّنة منزلًة رجٌل َص َر َف ال ه وجهه عن الَّناِر َبَل
الجَّنة ،ومَّثَل له شجرة ذات ظٍّل ،فقال :أي رِّب قِّدمني إلى هذه الشجرة ألكون في ظلها ،فقال
الَّله عَّز وجَّل :هل عسيت إْن فعلت أْن تسألني غيره ،قال :ال وعَّز تك فقَّدمه الَّله إليها،
__________
( )1قال ناسخ "أ"" :أي :يقطعني ،والِص رى :القطع .قال الحربُّي :إَّنما هو تصرك عني ،أي:
يقطعك عِّني من مسألتي".
( )2في نسخٍة على حاشية "أ"" :بي".
( )3إلى هنا انتهى لفظ مسلم في صحيحه رقم ( ،)211وآخره عند مسلم برقم (.)188
()2/796
ومَّثل له شجرة ذات ظٍّل وثمٍر أخرى ،فقال :أي :رِّب قدمني إلى هذه الشجرة أستظل بظلها،
وآكل من ثمرها ،قال :فقال "هل عسيت إْن أعطيتك ذلك أْن تسألني غيره ،قال :ال وعَّز تك
فيقدمه إليها فيمثل له شجرة أخرى ذات ظٍّل وثمٍر وماٍء ،فيقول :أي رِّب قِّدمني إلى هذه
الشجرة ،فأكون في ظلها ،وآكل من ثمرها وأشرب من مائها ،فيقول :هل عسيت إن فعلت ذلك
أْن تسألني غيره؟ فيقول :ال وعَّز تك ال أسألك غيره ،فيقدمه الَّله إليها فتبرز له الجَّنة ،فيقول :أي
رب قدمني إلى باب الجَّنة فأكون ِنَج اف الجنة -وفي رواية :تحت نجاف الجَّنة -أنظر إلى
أهلها ،فيقدمه الَّله إليها فيرى أهل الجَّنة وما فيها ،فيقول :أي رِّب أدخلني الجَّنة فيدخله الجَّنة،
فإذا دخل الجَّنة ،قال :هذا لي ،فيقول الَّله له :تمَّن ،قال :فيتمَّنى وُيَذ ِّك ره الَّله سل كذا وكذا،
فإذا انقطعت به األماني ،قال الَّلُه :هو لك وعشرُة أمثاله ،قال :ثَّم يدخل بيته فتدخل عليه زوجتاُه
من الحور العين ،فيقوالن :الحمُد لَّله اَّلذي أحياك لنا وأحيانا لك ،فيقول :ما ُأعطي أحٌد مثل ما
ُأعطيت".
وفي "صحيح مسلم" ( )1من حديث المغيرة بن شعبة رضي الَّله عنه عن الَّنبي -صلى الَّله عليه
وسلم -قال" :سأل موسى ربه :من أدنى أهل الجَّنة منزلة؟ فقال :هو رجٌل يجيء بعدما دخل أهل
الجَّنة الجَّنة ،فيقال ( )2لهُ :أدخل الجَّنة ،فيقول :أي ربك كيف؟ وقد نزل الَّناس منازلهم وأخذوا
أخذاتهم ،فيقال له :أترضى أْن يكون لك مثل ملك من ملوك
__________
( )1رقم (.)189
( )2في نسخٍة على حاشية "أ"" :فقال".
()2/797
الدنيا ،فيقول رضيت رِّب ,فيقال له :لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله ،فيقول في الخامسة:
رضيُت رب ،فيقول :لك هذا وعشرة أمثاله ،ولك ما اشتهت نفسك ولَّذ ت عينك ،فيقول:
رضيت رِّب ،قال :فأعالهم منزلًة؟ قال :ذلك اَّلذي أردت غرست كرامتهم بيدي ،وختمُت
عليها ،فلم َتَر عيٌن ،وال تسمع أذٌن ،ولم يخطر على قلب بشر ،ومصداقه في كتاب الَّلِهَ{ :فاَل
َتْع َلُم َنْف ٌس َما ُأْخ ِف َي َلُه ْم ِم ْن ُقَّر ِة َأْع ُيٍن } [السجدة." ]17 :
()2/798
الباب التاسع والستون :وهو باٌب جامع فيه فصول منثورة لم ُيْذ كر فيما تقدم من األبواب
فصل في لسان أهل الجَّنة
قال ابن أبي الدنيا :حدثنا القاسم بن هاشم حدثنا صفوان بن صالح حَّدثني َر َّو اد بن الجَّر اح
العسقالني ،حدثنا األوزاعي عن هارون بن رئاب ( ،)1عن أنس بن مالك رضي الَّله عنه قال :قال
رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-يدخل أهل الجَّنِة الجَّنِة على طول آدم ستين ذراًعا بذراع
الملك ،على ُح سن يوسف ،وعلى ميالد عيسى ثالث وثالثين سنة ،وعلى لسان محمد -صلى
الَّله عليه وسلمُ -جْر ٌد ُمرٌد مكحلون" (.)2
وروى داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال" :لساُن أهِل الجَّنة عربي" (.)3
قال ُعَق ْيل :قال الزهري" :لساُن أهل الجَّنة عربي" (.)4
__________
( )1في "ب ،ج ،هـ"" :رباب" وهو خطأ.
( )2تقدم في ص (.)315
( )3أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة رقم (.)218
وفيه :الواقدي محمد بن عمر :متروك.
وروي عن ابن عباس مرفوًعا مثله.
أخرجه أبو نعيم في صفة الجَّنة رقم ( ،)268وهو حديث موضوع.
( )4أخرجه ابن المبارك في الزهد -رواية ُنعيم -رقم ( ،)245وابن أبي الدنيا في =
()2/799
()2/800
فصل :في أَّن الجَّنة يبقى فيها فضل فينشئ الَّله لها خلًق ا دون الَّنار
في "الصحيحين" ( )1عن أنس بن مالك رضي الَّله عنه عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال:
"ال َتَز ال جهَّنم ُيلقى فيها وتقولَ{ :ه ْل ِم ْن َم ِز يٍد } حَّتى يضع رُّب العَّز ِة فيها قدمه فينزوي بعضها
إلى بعض ،وتقولَ :قْط َقْط بعَّز تك وكرمك ،وال يزال في الجَّنة فضٌل حَّتى ينشئ الَّله لها خلًق ا،
فيسكنهم الجَّنِة".
وفي لفظ مسلم (" :)2يبقى من الجَّنة ما شاء الَّلُه أْن يبقى ،ثَّم ينشئ الَّله سبحانه لها خلًق ا مَّم ا
يشاء".
وأَّما اَّللفُظ اَّلذي وقع في "صحيح البخاري" ( )3في حديث أبي هريرة" :وأَّنه ينشئ للَّنار من
يشاء ،فيلقى فيها فتقولَ{ :ه ْل ِم ْن َم ِز يٍد ([ })30ق]30 :؛ فغلط من بعض الرواة انقلب عليه
لفظه ،والروايات الصحيحة ونُّص القرآن يرُّده ،فإَّن الَّله سبحانه أخبر أَّنُه يمأل جهَّنم من إبليس
ِق ِف
وأتباعه ،وأَّنه ال يعِّذ ب إاَّل من قامت عليه ُح َّج ُته ،وكَّذ ب ُرُس َلُه ،قال تعالىُ{ :ك َّلَم ا ُأْل َي يَه ا َفْو ٌج
َس َأَلُه ْم َخ َز َنُتَه ا َأَلْم َيْأِتُك ْم َنِذ يٌر (َ )8قاُلوا َبَلى َقْد َج اَءَنا َنِذ يٌر َفَك َّذ ْبَنا َو ُقْلَنا َم ا َنَّزَل الَّلُه ِم ْن َش ْي ٍء }
[الملك ]9 - 8 :وال يظلم الَّله أحًد ا من خلقه.
__________
( )1البخاري رقم ( ،)6949ومسلم رقم (.)2848
( )2رقم (.)39( - )2848
( )3رقم ( ،)7011وقد تقدم بيان هذا الغلط ص (.)755 - 754
()2/801
فصل :في ارتقاء العبد وهو في الجنة من درجٍة إلى درجٍة أعلى منها
قال اإلمام أحمد :حدثنا يزيد ،أنبأنا حَّم اد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود ،عن أبي صالح عن
أبي هريرة -رضي الَّله عنه -قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-إَّن الَّله ليرفُع
الدرجة للعبِد الصالح في الجَّنة فيقول :يا رِّب أَّنى لي هذه؟ فيقول :باستغفار ولِد ك لك" (.)3
__________
( )1تقدم في ص (.)71 - 70
( )2أخرجه الطبراني في "األوسط" ( ،)919وابن عدي في الكامل ( ،)366 /6وهو حديث
منكر.
( )3أخرجه أحمد في المسند ( )509 /2وابن أبي الدنيا في صفة الجَّنة (= ،)189
()2/802
()2/803
ِذ ِب
إليه في درجته ،وإْن كانوا دونه في العمل ،لتقَّر ِه ْم عينه ،ثَّم قرأ {َو اَّل يَن آَم ُنوا َو اَّتَبَعْتُه ْم ُذِّر َّيُتُه ْم
ِبِإ يَم اٍن َأْلَح ْق َنا ِبِه ْم ُذِّر َّيَتُه ْم َو َم ا َأَلْتَناُه ْم ِم ْن َعَم ِلِه ْم ِم ْن َش ْي ٍء ُك ُّل اْم ِر ٍئ ِبَم ا َك َسَب َر ِه يٌن } قال :ما
نقصنا اآلَباَء ِم َّم ا َأعطينا البنين" (. )1
وذكر ابن مردويه في "تفسيره" من حديث شريك عن سالم األفطس ،عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس رضي الَّله عنهما -قال شريك :أُظُّنه حكاُه عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :إذا
دخل الرجل الجَّنة سأل عن أبويه وزوجته وولده ،فيقال :إَّنهم لم يبلغوا درجتك أو عملك
فيقول :يا رب قد عملت لي ولهم ،فيؤمر باإللحاق بهم ( )2ثَّم َتاَل ابن عباس {َو اَّلِذ يَن آَم ُنوا
َو اَّتَبَعْتُه ْم ُذِّر َّيُتُه ْم } [الطور ]21 :إلى آخر آية" (. )3
__________
( )1أخرجه البزار رقم ( - 2262كشف األستار) ،وابن مردويه ( - 147 /6كما في الدر)،
والواحدي في الوسيط ( ،)187 - 186 /4وابن عدي في الكامل ( ،)42 /6والبغوي في
معالم التنزيل ( )389 /7وغيرهم.
من طريق قيس بن الَّر بيع عن عمرو به نحوه.
-ورواُه شعبة بن الحجاج وسفيان الثوري وسماعة "على الرواية الَّر اجحة عنه" كلهم عن عمرو
عن سعيد عن ابن عباس موقوًفا عليه.
أخرجه عبد الَّر َّزاق في تفسيره ( )200 /2رقم ( ،)3009وهناد في الزهد ( ،)179والطبري (
،)25 ،24 /27والطحاوي في شرح مشكل اآلثار ( )107 /3وغيرهم.
وهذا هو الصواب موقوف ،وحديث قيس وهٌم ،أخطأ في رفعه ،وقد اضطرب فيه فرواُه مرفوًعا
كما تقدم ،وموقوًفا كما عند الطحاوي في المشكل.
( )2قوله "باإللحاق بهم" وقع عند الطبراني "بإلحاقهم به".
( )3أخرجه الطبراني في الكبير ( )441 - 440 /11رقم ( ،)12248وفي الصغير =
()2/804
وقد اختلف المفسرون في الذرية في هذه اآلية ،هل المراد بها الصغار أو الكبار أو النوعان؟ على
ثالثة أقواٍل (. )1
واختالفهم مبنٌّي على أَّن قوله {ِبِإ يَم اٍن } حاٌل من الذرية التابعين ،أو المؤمنين المتبوعين.
* فقالت طائفة :المعنى واَّلذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم ( )2في إيمانهم ،فأتوا من اإليمان بمثل ما
أتوا به ،ألحقناهم بهم في الدرجات.
قالوا :ويدُّل على هذا قراءة من قرأَ{ :و اَّتَبَعْتُه ْم ُذِّر َّيُتُه ْم } ( )3فجعل الفعل في االتباع لهم.
قالوا :وقد أطلق الَّلُه سبحانه الذرية على الكبار ،كما قالَ{ :و ِم ْن ُذِّر َّيِتِه َداُو وَد َو ُس َلْيَم اَن }
ِم ِدِه
[األنعام ،]84 :وقالُ{ :ذِّر َّيَة َمْن َحَم ْلَنا َمَع ُنوٍح } [اإلسراء .]3 :وقالَ{ :و ُك َّنا ُذِّر َّيًة ْن َبْع ْم
ِل ِب
َأَفُتْه ُك َنا َم ا َفَعَل
__________
= ( )382 /1رقم (.)640
قال الطبراني" :لم يروه عن سالم إاَّل شريك ،تفَّر د به ابن غزوان".
وفيه محمد بن عبد الرحمن بن غزوان :وهو متهم بوضع الحديث.
انظر الكامل ( ،)290 /6واللسان (.)254 /5
( )1انظرها في تفسير الطبري ( ،)26 - 24 /27والقرطبي ( ،)67 - 66 /17والماوردي (
،)381 /5وابن الجوزي ( ،)51 - 50 /8والبغوي ( ،)388 /7والسمعاني (،)272 /5
والشوكاني (.)119 - 118 /5
( )2في "د"ُ" :ذِّر َّياتهم".
( )3وهي قراءة القَّر اء العشرة المتواترة عدا أبي عمرو وابن عامر ويعقوب.
()2/805
اْلُم ْبِط ُلوَن ([ } )173األعراف ]173 :وهذا قول الكبار العقالء.
قالوا :ويدُّل على ذلك ما رواُه سعيد بن جبير عن ابن عباس يرفعه" :إَّن الَّلَه يرفُع ُذِّر َية المؤمن
إلى درجته ،وإْن كانوا دوَنُه في العمِل لتقَّر بهم عيُنه" (. )1
فهذا يدُّل على أَّنهم دخلوا بأعمالهم ،ولكن لم يكن لهم أعماٌل يبلغوا بها درجة آبائهم فبَّلغهم
إياها ،وإن تقاصر عملهم عنها.
قالوا :وأيًض ا فاإليمان :هو القول والعمل والنية ،وهذا إنما يمكن من الكبار.
وعلى هذا ،فيكون المعنى :أَّن الَّله سبحانه يجمع ذرية المؤمن إليه إذا أتوا من اإليمان بمثل
إيمانه ،إذ هذا حقيقة الَّتَبِعَّية ،وإن كانوا دونه في اإليمان رفعهم الَّله إلى درجته إقراًر ا لعينه،
وتكمياًل لنعيمه ،وهذا كما أن زوجات الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -معه في الدرجة َتَبًعا ،وإن
لم يبلغَن ( )2تلك الدرجة بأعمالهن.
* وقالت طائفة أخرى :الذرية ها هنا الصغار.
والمعنى :والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم في إيمان اآلباء ،والذرية تتبع اآلباء -وإْن كانوا
صغاًر ا -في اإليمان وأحكامه ،من الميراث والدية والصالة عليهم ،والدفن في قبور المسلمين،
وغير
__________
( )1تقَّدم ص (.)804 - 803
( )2وقع في جميع النسخ "يبلغوا" ،وعَّلق ناسخ "أ" بقوله" :صوابه :يبلْغَن ".
()2/806
ذلك؛ إال فيما كان من أحكام البالغين ،ويكون قوله {ِبِإ يَم اٍن } على هذا في موضع نصب على
الحال من الَم ْف ُعوَلْين ،أي :وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان اآلباء.
قالوا :ويدل على صحة هذا القول :أَّن البالغين ( )1لهم حكم أنفسهم في الثواب والعقاب ،فإَّنهم
مستِق ُّلون بأنفسهم ليسوا تابعين اآلباء في شيء من أحكام الدنيا ،وال أحكام الثواب والعقاب،
الستقاللهم بأنفسهم ،ولو كان المراد بالذرية :البالغين؛ لكان أوالد الصحابة البالغون كلهم في
درجة آبائهم ،ويكون أوالد التابعين البالغين كلهم في درجة آبائهم ،وهلم جًّر ا إلى يوم القيامة،
فيكون اآلخرون في درجة السابقين.
قالوا :ويدل عليه أيًض ا ،أنه سبحانه جعلهم معهم تبًعا في الدرجة ،كما جعلهم تبًعا في اإليمان،
ولو كانوا بالغين لم يكن إيمانهم تبعًّيا ( ، )2بل إيمان استقالل.
قالوا :ويدل عليه أيًض ا ،أن الَّله سبحانه جعل المنازل في الجنة بحسب األعمال في حق
المستقلين ،وأما األتباع فإن الَّله سبحانه يرفعهم إلى درجة أهليهم ،وإن لم تكن لهم أعمالهم،
كما تقدم.
وأيًض ا فالحور العين والخدم في درجة أهاليهم وإن لم يكن لهم عمل بخالف المكلفين البالغين،
فإنهم يرفعون إلى حيث َبَّلغتهم
__________
( )1في "أ ،ج ،هـ"" :التابعين" ،والمثبت هو الصواب.
( )2من قوله "في الدرجة" إلى هنا سقط من "ج".
()2/807
أعمالهم.
* وقالت فرقة منهم الواحدي ( : )1الوْجُه أن ُتْح َم َل الذرية على الصغار والكبار؛ ألَّن الكبير يتبع
األب بإيمان نفسه ،والصغير يتبع األب بإيمان األب.
قالوا :والذرية تقع على الصغيِر والكبير ،والواحد والكثير ،واالبن واألب ،كما قال تعالىَ{ :و آَيٌة
َلُه ْم َأَّنا َحَم ْلَنا ُذِّر َّيَتُه ْم ِفي اْلُف ْلِك اْلَم ْش ُح وِن } [يس ]41 :أي :آباءهم ،واإليمان يقع على اإليمان
التبعي ،وعلى االختياري الكسبي ،فمن وقوعه على الَّتبِعي قولهَ{ :فَتْح ِر يُر َر َقَبٍة ُمْؤ ِم َنٍة} [النساء:
.]92فلو أعتق صغيًر ا جاز.
قالوا :وأقوال السلف تدل على هذا .قال سعيد بن جبير :عن ابن عباس" :إَّن الَّله يرفع ُذِّر ية
المؤمن في درجته وإْن كانوا دوَنُه في العمل ،لتقَّر به عيونهم ( )2ثَّم قرأ هذه اآلية" (. )3
وقال ابن مسعود في هذه اآلية" :الرجُل يكون له القدم ،وتكون له الذرية فيدخل الجَّنة ،فُيْر َفعون
إليه لتقَّر به عينه ،وإْن لم يبلغوا
__________
( )1في تفسيره الوسيط (.)186 /4
( )2قوله "به عيونهم" كذا في جميع النسخ ،وعَّلق عليه ناسخ "أ" بقوله "كذا" على الحرفين.
وجاء في مصادر التخريج "ليقَّر الَّله بهم عينه" هذا لفظ شعبة والثوري لكَّنه لم يذكر "الَّله".
( )3تقَّدم الكالم عليه ص (.)804
()2/808
()2/809
ُذِّر َّياِتِه ْم } فهذا في حِّق الصغار اَّلذين َأْتَبَعُه ُم الَّله آباءهم في اإليمان ُح ْك ًم ا ،فدَّلت القراءتان على
النوعين.
قلُت :واختصاص الُّذ رية ها هنا بالصغار أظهر لئال يلزم استواء المتأخرين والسابقين في
الدرجات ،وال يلزم مثل هذا في الِّص غار؛ فإَّن أطفال كِّل رجٍل وذِّر يته معه في درجته ،والَّله أعلم.
()2/810
للمتقين" (.)1
وقال الطبراني :حدثنا أحمد بن علي ،حدثنا هشام بن خالد ،حدثنا بقية ،عن ابن جريج ،عن
عطاء ،عن ابن عباس -رضي الَّله عنهما -قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-لما
خلق الَّله جنة عدن َخ َلَق فيها ما ال عين رأت ،وال أذن سمعت ،وال خطر على قلب بشر ،ثم قال
لها :تكلمي ،فقالت :قد أفلح المؤمنون" (.)2
()2/811
فصل :في أن الحور العين يطلبن أزواَج هن أكثر مما يطلبهَّن أزواُج هّن
قد تقدم حديث معاذ ( )1بن جبل في ذلك ،وقول الحوراء المرأته في الدنيا" :ال تؤذيه فيوشك
أن يفارقك إلينا" (.)2
وحديث عكرمة ،عن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -في قول الحوراء" :اللهم أِع ْنه على دينك،
وأْقِبْل بقلبه على طاعتك" (.)3
وذكر ابن أبي الدنيا ،عن أبي سليمان الداراني قال /184[ :أ] "كان شاب بالعراق يتعبد ،فخرج
مع رفيق له إلى مكة ،فكان إذا نزلوا فهو يصلي ،وإن أكلوا فهو صائم ،فصبر عليه رفيقه ذاهًبا
وجائًيا ،فلما أراد أن يفارقُه ،قال له :يا أخي أخبرني ما الذي َه َّيَج ك إلى ما رأيت؟ قال :رأيت في
النوم قصًر ا من قصور الجنة ،وإذا لبنة من فضة ولبنة ذهب ،فلما تم البناء إذا شرفة من زبرجد،
وشرفة من ياقوت ،وبينهما حوراء من حور العين مْر ِخ َّية شعرها ،عليها ثوب من فضة ينثني معها
كلما َتَّثنْت ،فقالتُ :ج َّد إلى الَّله في طلبي ،فقد والَّله جددت إليه في طلبَك ،فهذا الذي تراه في
طلبها".
قال أبو سليمان" :هذا في طلب حوراء ،فكيف بمن قد
__________
( )1ليس في "أ".
( )2ص (.)512
( )3ص (.)513
()2/812
()2/813
أَّن رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -قالُ" :يدِخ ل الَّله أهَل الجنِة الجنَة ،ويدخل أهَل النار
النار ،ثم يقوم مؤذن بينهم ،فيقول :يا أهل الجنة ال موت ،ويا أهل النار ال موت ،كٌّل خالد فيما
هو فيه".
وعنه قال :قال رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم" :-إذا صار أهل الجنة إلى الجنة ،وصار أهل
النار إلى النار ُأِتَي بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ،ثم يذبح ثم ينادي مناٍد :يا أهل الجنة :ال
موت ،ويا أهل النار ال موت ،فيزداد أهل الجنة فرًح ا إلى فرحهم ،ويزداد أهل النار حزًنا إلى
حزنهم" (. )1
وعن أبي هريرة -رضي الَّله عنه -أَّن رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :إذا دخَل أهل
الجَّنة الجَّنة وأهُل الَّناِر الَّناَر ُأِتَي بالموِت ُمَلَّبًبا فيوقُف على الُّس ور اَّلذي بين أهل الجَّنة وأهِل
الَّناِر ،ثَّم ُيقال :يا أهل الجَّنة فيَّطلعون خائفين ،ثَّم ُيقال :يا أهل الَّنار فيطلعون مستبشرين يرجون
الشفاعة ،فيقال ألهل الجَّنة وأهل الَّناِر :هل تعرفون هذا؟ فيقولون :هؤالء وهؤالء :قد عرفناُه،
هو الموت ،اَّلذي ُو ِّك َل بنا ،فيضجع فُيْذ بح َذْبًح ا على السور ،ثَّم يقال :يا أهل الجَّنة خلوٌد ال
موت ،ويا أهل الَّناِر خلوٌد ال موت" (. )2
__________
( )1البخاري رقم ( ،)6182ومسلم رقم (.)2850
( )2أخرجه الترمذي رقم ( ،)2557والنسائي في الكبرى ( )481 /6رقم ( ،)11569وأحمد
في المسند ( ،)369 - 368 /2وابن خزيمة في التوحيد رقم ( 123و )251وغيرهم.
من طريق العالء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة فذكره مطَّو اًل .
قلت :لفظة "خائفين" غريبة ،لم َتِر ْد في الروايات الصحيحة= .
()2/814
()2/815
الفهم لمراد الرسول -صلى الَّله عليه وسلم -من كالمه ،فظَّن هذا القائل أَّن لفظ الحديث يدُّل
على أن نْف َس الَعَر ض ُيذبح.
وظَّن غالٌط آخر :أَّن الَعَر َض ُيعدم ويزول ،ويصير مكانه جسٌم ُيذبح.
ولم يهتد الفريقان إلى هذا القول اَّلذي ذكرناُه ،وأَّن الَّله سبحانه وتعالى ُينشئ من األعراض
أجساًم ا يجعلها ماَّدًة لها ،كما في الصحيح عنه" :تجيء البقرة وآل عمران يوم القيامة كأَّنهما
غمامتان" ( )1الحديث.
فهذه هي القراءة ينشئها الَّله سبحانه غمامتين.
وكذلك قوله في الحديث اآلخرِ" :إَّن ما تذكرون من جالل الَّله من تسبيحه وتمجيده ()2
وتكبيره ،وتهليله ،يتعاطفن حول العرش ،لُه َّن َدَو ٌّي كدوِّي الَّنحِل ُ ،يَذ ِّك ْر َن بصاحبهن" ( )3ذكره
أحمد.
__________
( )1أخرجه مسلم برقم (.)804
( )2في "ج" ،ومصادر التخريج "وتحميده".
( )3أخرجه أحمد في المسند ( 268 /4و ،)271وابن ماجه رقم ( ،)3809وابن أبي شيبة في
المصنف رقم ( ،)35027 ,29406والطبراني في الدعاء رقم ( ،)1693والبزار في مسنده (
)199 /8رقم ( ،)3236وأبو نعيم في الحلية ( )269 /4وغيرهم.
من طريق موسى بن مسلم عن عون بن عبد الَّله عن أخيه أو عن أبيه عن النعمان بن بشير فذكره.
قال أبو نعيم" :غريب من حديث عون ،تفَّر د به عنه موسى ،وهو =
()2/816
وكذلك قوله في حديث عذاب القبر ونعيمه للصورة التي يراها" :فيقول :من أنَت ؟ فيقوُل :أنا
عملك الَّص الح ،وأنا عملك السيئ" (. )1
وهذا حقيقة ال خيال؛ ولكَّن الَّله سبحانه أنشأ له من عمله صورًة حسنًة ،وصورة قبيحة ،وهل
النور اَّلذي ُيْق َس م بين المؤمنين يوم القيامة إاَّل نفس إيمانهم ،أنشأ الَّلُه سبحانه منه نوًر ا ،يسعى بين
أيديهم ( ، )2فهذا أمٌر معقوٌل لو لم يرد به النص ،فورود النص به من باب تطابق السمع والعقل.
وقال سعيد عن قتادة :بلغنا أَّن نبي الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :إَّن المؤمن إذا خرج من
قبره ُصِّو َر له عمله في صورٍة حسنٍة وشارٍة ( )3حسنة ،فيقول له :من أنَت ؟ فواهلل إِّني ألراك امرأ
الصدق ،فيقول له :أنا عملك ،فيكون له نوًر ا وقائًد ا إلى الجَّنة .وأَّم ا الكافر إذا خرج من قبره،
ُصِّو ر له عمله في صورة سيئة ،وشارة سيئة ،فيقول :ما أنت؟ فواهلل إِّني ألراك امرأ السوء ،فيقول
له :أنا عملك ،فينطلق به حَّتى يدخله الَّنار" (. )4
وقال مجاهد :مثل ذلك (. )5
__________
= أبو عيسى موسى بن مسلم الطحان ،يعرف بالصغير".
( )1تقدم في ص ( ،)145 - 141وراجع ص (.)34 - 33
( )2يشير إلى آية الحديد ( ،)12وآية التحريم (.)8
( )3في "ب ،د"" :إشارة" ،وفي "ج"" :وبشارة" في كال الموضعين.
( )4أخرجه الطبري في تفسيره ( )8 /11وهو مرسل صحيح اإلسناد.
( )5أخرجه الطبري ( )89 /11بلفظ "يكون لهم نوًر ا يمشون به".
وهو صحيح عن مجاهد.
()2/817
وقال ابن ُج ريجُ" :يَم َّثُل له عمله في صورة حسنة ،وريح طيبة ،يعارض صاحبه ويبشره بكِّل خيٍر ،
فيقول له :من أنَت ؟ فيقول :أنا عملك ،فيجعل له نوًر ا بين يديه حَّتى يدخله الجَّنة فذلك قوله:
{َيْه ِد يِه ْم َر ُّبُه ْم ِبِإ يَم اِنِه ْم } [يونس ،]9 :والكافُر ُيَم َّثُل له عمله في صورٍة سِّيئة وريح منتنة ،فيالزم
صاحبه وُيالُّدُه ( )1حَّتى يقذفه في الَّناِر " (. )2
وقال ابن المبارك :حدثنا المبارك بن فضالة ،عن الحسن أَّنه ذكر هذه اآليةَ{ :أَفَم ا َنْح ُن ِبَم ِّيِتيَن (
ِ )58إاَّل َمْو َتَتَنا اُأْلوَلى َو َما َنْح ُن ِبُم َعَّذ ِبيَن ([ } )59الصافات ]59 - 58 :قال" :علموا أَّن كَّل
ِب ِب ِب ِت
نعيٍم بعده الموُت أَّنه يقطعه ،فقالواَ{ :أَفَم ا َنْح ُن َم ِّي يَن (ِ )58إاَّل َمْو َتَتَنا اُأْلوَلى َو َما َنْح ُن ُم َعَّذ يَن
( } )59قيل :ال ،قالواِ{ :إَّن َه َذ ا َلُه َو اْلَف ْو ُز اْلَعِظ يُم (. )3( " } )60
وكان يزيد الَّر قاشي يقول في كالمهَ" :أِم َن أهُل الجَّنة من الموِت ،فطاَب لهم العيش ،وأِم ُنوا من
األسقاِم ،فُه نا هم في جوار الَّلِه طول ( )4المقام ،ثَّم يبكي حَّتى تجري دموعه على لحيته" (. )5
__________
( )1كذا في جميع النسخ ومعناُه الَّس ير بجانبه ،انظر :اللسان ( ،)390 /3ووقع عند الطبري (
- 28 /15ط /شاكر) "ويالُّز ُه" بالَّز اي المشَّددة ،وهي بمعنى المقارنة والمالزمة.
( )2أخرجه الطبري (.)89 /11
( )3أخرجه ابن المبارك في الزهد -رواية ُنعيم -رقم ( ،)278وابن أبي حاتم في تفسيره (/5
- 521الدر المنثور).
وسنده صحيح.
( )4ليس في "ب".
( )5ذكره المزي في تهذيب الكمال (.)73 /32
()2/818
فصل :في ارتفاع العبادات في الجَّنة إال عبادة الذكر فهي دائمة
روى مسلم في "صحيحه" ( )1من حديث جابر بن عبد الَّله -رضي الَّله عنهما -أَّن الَّنبي -صلى
الَّله عليه وسلم -قال" :يأكل أهل الجَّنة فيها ويشربون ،وال َيْم تِخ ُطون وال يتغَّو ُطون ،وال يبولون،
ويكون طعامهم ذلك جشاًء ورشًح ا كرشح المسكُ ،يْلَه مون التسبيح والحمد كما يلهمون
الَّنَف س".
وفي رواية "التسبيح والتكبير كما تلهمون" ( )2بالتاء المثناة من فوق ،أي :تسبيحهم وتحميدهم
يجري مع األنفاس ،كما تلهمون أنتم الَّنَف س.
()2/819
وذكر ابن أبي الدنيا من حديث الربيع بن صبيح ،عن الحسن ،عن أنٍس يرفعه" :إذا دخل أهل
الجَّنِة الجَّنَة ،قال ( : )1فيشتاق اإلخوان بعضهم إلى بعض ،فيسير سرير هذا إلى سرير هذا،
وسرير هذا إلى سرير هذا ،حتى يجتمعا جميًع ا فيتكئ هذا ،ويتكئ هذا ،فيقول أحدهما لصاحبه:
تعلم متى غفر الَّله لنا؟ فيقول صاحبه :نعم يوم كذا وكذا ،في موضع كذا وكذا ،فدعونا الَّله
فغفر لنا" (. )2
وإذا تذاكروا ما كان بينهم ،فتذاكرهم فيما كان ُيْش ِكُل عليهم في الدنيا من مسائل العلم ،وفهم
القرآن والسنة ،وِص َّح ة األحاديث = أولى وأحرى ،فإن المذاكرة في الدنيا في ذلك ألُّذ من
الطعام والشراب والجماع ،فتذاكر ذلك في الجَّنة أعظم لَّذ ة ،وهذه لَّذ ة يختص بها أهل العلم،
ويتميزون بها على من عداهم .والَّله المستعان.
__________
( )1سقط من جميع النسخ.
( )2تقدم الكالم عليه ص ( ،)566وهو ال يثبت.
()2/820
()2/821
()2/822
َو ِإَّنا ِإَلْيِه َر اِج ُعوَن (ُ )156أوَلِئَك َعَلْيِه ْم َص َلَو اٌت ِم ْن َر ِّبِه ْم َو َر ْح َم ٌة َو ُأوَلِئَك ُه ُم اْلُم ْهَتُد وَن (
[ } )157البقرة.]157 - 155 :
وقال تعالىَ{ :و ُأْخ َر ى ُتِح ُّبوَنَه ا َنْص ٌر ِم َن الَّلِه َو َفْتٌح َقِر يٌب َو َبِّش ِر اْلُم ْؤ ِم ِنيَن ([ } )13الصف:
.]13
وقال في الجَّنةُ{ :أِع َّد ْت ِلْلُم َّتِق يَن ([ } )133آل عمران.]133 :
وقالُ{ :أِع َّد ْت ِلَّلِذ يَن آَم ُنوا ِبالَّلِه َو ُرُس ِلِه} [الحديد.]21 :
وقالِ{ :إَّن اَّلِذ يَن آَم ُنوا َو َعِم ُلوا الَّصاِلَح اِت َك اَنْت َلُه ْم َج َّناُت اْلِف ْر َدْو ِس ُنُز اًل ([ } )107الكهف:
.]107
وقال تعالىَ{ :قْد َأْفَلَح اْلُم ْؤ ِم ُنوَن ( }) 1إلى قوله{ :اَّلِذ يَن َيِر ُثوَن اْلِف ْر َدْو َس ُه ْم ِفيَه ا َخ اِلُد وَن (
[ } )11المؤمنون.]11 - 1 :
وفي "المسند" وغيره أَّن الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -قال" :قد ُأْنزلت علَّي عشر آيات من
أقامهَّن دخل الجَّنة ،ثَّم قرأ {َقْد َأْفَلَح اْلُم ْؤ ِم ُنوَن ( })1حَّتى ختم العشر اآليات" (. )1
__________
( )1أخرجه أحمد ( ،)34 /1وعبد الرزاق في المصنف ( ،)6038والترمذي رقم (،)3173
وعبد بن حميد في مسنده ( - 15المنتخب) ،والنسائي في الكبرى ( )450 /1رقم (،)1439
والعقيلي في الضعفاء ( ،)460 /4والحاكم ( )425 /2رقم ( ،)3479والبغوي في شرح السنة
( )177 /5رقم ( ،)1376وابن عدي في الكامل ( )175 /7وغيرهم.
من طريق عبد الرزاق عن يونس بن سليم قال أملى علَّي يونس بن يزيد عن الزهري عن عروة عن
عبد الرحمن بن عبٍد القاِّر ي عن عمر بن الخطاب =
()2/823
وقال تعالىِ{ :إَّن اْلُمْس ِلِم يَن َو اْلُمْس ِلَم اِت } إلى قولهَ{ :أَعَّد الَّلُه َلُه ْم َمْغِف َر ًة َو َأْج ًر ا َعِظ يًم ا (})35
[األحزاب.]35 :
وقال تعالى{ :الَّتاِئ وَن اْل اِبُد وَن اْل اِم ُد وَن الَّس اِئ وَن الَّر اِك وَن الَّس اِج ُد وَن اآْل ِم وَن ِباْل وِف
َم ْع ُر ُر ُع ُح َح ُب َع
َو الَّناُه وَن َعِن اْلُم ْنَك ِر َو اْلَح اِفُظوَن ِلُح ُد وِد الَّلِه َو َبِّش ِر اْلُم ْؤ ِم ِنيَن ([ })112التوبة.]112 :
وقال تعالىِ{ :تْلَك اْلَج َّنُة اَّلِتي ُنوِر ُث ِم ْن ِع َباِد َنا َمْن َك اَن َتِق ًّيا ([ })63مريم.]63 :
وقال تعالىَ{ :و َس اِر ُعوا ِإَلى َمْغِف َر ٍة ِم ْن َر ِّبُك ْم َو َج َّنٍة َعْر ُضَه ا الَّس َم اَو اُت َو اَأْلْرُض ُأِع َّد ْت ِلْلُم َّتِق يَن (
)133اَّلِذ يَن ُيْنِف ُقوَن ِفي الَّسَّر اِء َو الَّضَّر اِء َو اْلَك اِظ ِم يَن اْلَغْيَظ َو اْلَعاِفيَن َعِن الَّناِس َو الَّلُه ُيِح ُّب
ِل ِب ِح ِذ ِس ِن
اْلُم ْح يَن (َ )134و اَّل يَن ِإَذا َفَعُلوا َفا َش ًة َأْو َظَلُم وا َأْنُفَس ُه ْم َذَك ُر وا الَّلَه َفاْس َتْغَف ُر وا ُذ ُنو ِه ْم
َو َمْن َيْغِف ُر الُّذ ُنوَب ِإاَّل الَّلُه َو َلْم ُيِص ُّر وا َعَلى َم ا َفَعُلوا َو ُه ْم َيْع َلُم وَن (ُ )135أوَلِئَك َجَز اُؤ ُه ْم َمْغِف َر ٌة
ِم ْن َر ِّبِه ْم َو َج َّناٌت َتْج ِر ي ِم ْن َتْح ِتَه ا اَأْلْنَه اُر َخ اِلِد يَن ِفيَه ا َو ِنْع َم َأْج ُر اْلَعاِمِليَن ([ })136آل عمران:
.]136 - 133
__________
= فذكره -وفي أَّو له زيادة.
والحديث صَّح ح إسناده الحاكم ،وحَّس نه البغوي.
والحديث مدارُه على يونس بن سليم الصنعاني ،وهو مجهول ،ال يعرف إاَّل في هذا الحديث ،بل
تكَّلم فيه عبد الرزاق ،والحديث منكر كما قال النسائي ،وتكَّلم فيه أبو حاتم والعقيلي وابن معين
وابن عدي والذهبي.
انظر :علل ابن أبي حاتم ( ،)81 /2والكامل ( ،)175 /7وتهذيب الكمال (.)509 /32
تنبيه :كان عبد الرزاق يروي هذا الحديث أحياًنا ،وال يذكر "يونس بن يزيد األيلي" كما في
المصنف ،وعبد بن حميد وغيرهما.
()2/824
وقال تعالىَ{ :ياَأُّيَه ا اَّلِذ يَن آَم ُنوا َه ْل َأُدُّلُك ْم َعَلى ِتَج اَر ٍة ُتْنِج يُك ْم ِم ْن َعَذ اٍب َأِليٍم (ُ )10تْؤ ِم ُنوَن
ِبالَّلِه َو َرُس وِلِه َو ُتَج اِه ُد وَن ِفي َس ِبيِل الَّلِه ِبَأْم َو اِلُك ْم َو َأْنُفِس ُك ْم َذِلُك ْم َخ ْيٌر َلُك ْم ِإْن ُك ْنُتْم َتْع َلُم وَن (
} )11إلى قولهَ{ :و َبِّش ِر اْلُم ْؤ ِم ِنيَن ([ } )13الصف.]13 - 10 :
وقال تعالىَ{ :و ِلَمْن َخ اَف َمَق اَم َر ِّبِه َج َّنَتاِن ([ } )46الرحمن]46 :
وقال تعالىَ{ :و َأَّما َمْن َخ اَف َمَق اَم َر ِّبِه َو َنَه ى الَّنْف َس َعِن اْلَه َو ى (َ )40فِإ َّن اْلَج َّنَة ِه َي اْلَم ْأَو ى ()41
} [النازعات.]41 - 40 :
وهذا في القرآن كثير ،مداره على ثالث قواعد :إيمان ،وتقوى ،وعمل خالص لَّله على موافقة
السنة .فأهل هذه األصول الثالثة هم أهل البشرى دون َمْن َعَد اهم من سائر الخلق ،وعليها دارت
بشارات القرآن والسنة جميعها ،وهي تجتمع في أصلين :إخالص في طاعة الَّله ،وإحسان إلى
خلقه ،وضدها يجتمع في الذين يراؤون ويمنعون الماعون ،ويرجع إلى خصلة واحدة ،وهي
موافقة الرب سبحانه وتعالى في محاِّبه ،وال طريق إلى ذلك إال بتحقيق القدوة ظاهًر ا وباطًنا
برسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم.-
وأما األعمال التي هي تفاصيل هذا األصل ،فهي" :بضٌع وسبعون شعبة :أعالها قول ال إله أال
الَّله ،وأدناها إماطه األذى عن الطريق" (، )1
وبين هاتين الشعبتين سائر الُّش عب التي مرجعها إلى تصديق الرسول في كل ما أخبر به ،وطاعته
في جميع ما أمر به إيجاًبا واستحباًبا ،كاإليمان
__________
( )1أخرجه مسلم في صحيحه رقم (.)35
()2/825
بأسماء الرب وصفاته وأفعاله من غير تحريف وال تعطيل ،ومن غير تكييف وال تمثيل ،بل كما
قال الشافعي رحمه الَّله" :الحمد لَّله الذي هو كما وصف به نفسه ،وفوق ما يصفه به خلقه" ()1
.
وكأَّنه أخذ هذا من قول الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم" -اَّللهم لك الحمد كالذي نقول ،وخيًر ا
مما نقول" (. )2
وقد ذكرنا في أول الكتاب جملة مقاالت ( )3أهل السنة والحديث التي أجمعوا عليها ،كما
حكاه األشعري عنهم ،ونحن نحكي إجماعهم ،كما حكاه حرب -صاحب اإلمام أحمد -عنهم
بلفظه ،في "مسائله" المشهورة (. )4
__________
( )1انظر :كتاب "الرسالة" له ص (.)1
( )2أخرجه الترمذي برقم ( ،)3520وابن خزيمة في صحيحه رقم ( ،)2841والمحاملي في
الدعاء رقم ( )62واَّللفظ لهم ،والطبراني في الدعاء ( )874وفضل عشر ذي الحجة رقم (
.)51
من طريق قيس بن الربيع عن األغر عن خليفة بن حصين عن علي بن أبي طالب فذكره مطَّو اًل .
قال الترمذي" :هذا حديٌث غريب من هذا الوجه ،وليس إسناده بالقوي".
وقال ابن خزيمة . . ." :إْن ثبت الخبر وال أخال؛ إاَّل أَّنه ليس في الخبر حكم ،وإَّنما هو دعاء،
فخَّر جنا هذا الخبر ،وإْن لم يكن ثابًتا من جهة الَّنْق ل ،إذ هذا الدعاء مباح أْن يدعو به على
الموقف وغيره".
( )3في "أ ،ج ،هـ"" :مقالة" ،والمثبت أصوب .وراجع ص (.)26
( )4ص (.)361 - 354
()2/826
"هذا مذهب أهل العلم ،وأصحاب األثر ،وأهل السنة المتمسكين بها ،المقتدى بهم من َلُد ن
أصحاب الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -إلى يومنا هذا ،وأدركت َمْن أدركت ِم ْن علماء أهل
الحجاز والشام وغيرهم ،فمن خالف شيًئا من هذه المذاهب أو طعن فيها ،أو عاب قائلها ،فهو
مخالٌف مبتدٌع خارٌج عن الجماعة ،زائٌل عن منهج السنة وسبيل الحق.
قال :وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد ،وعبد الَّله ابن الزبير الحميدي ،وسعيد بن
منصور ،وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم الِعْلَم ،فكان من قولهم:
"أَّن اإليمان قول وعمل وِنَّية وتمُّس ك بالسنة ،واإليمان يزيد وينقص ،وُيْس تثنى في اإليمان غير أْن
ال يكون االستثناء شًّك ا ( ، )1إَّنما هي سَّنٌة ماضيٌة عند العلماء .فإذا سئل الرجل :أمؤمن أنت؟
فإَّنه يقول :أنا مؤمن إن شاء الَّله؟ أو مؤمن أرجو ،أو يقول :آمنت بالَّله ومالئكته وكتبه ورسله.
ومن زعم أَّن اإليمان قوٌل بال عمل؛ فهو مرجئ ،ومن زعم أَّن اإليمان هو القول واألعمال
شرائع؛ فهو مرجيء .ومن زعم أَّن اإليمان يزيُد وال ينقص ،فقد قال يقول المرجئة ،ومن لم َيَر
االستثناء في اإليمان؛ فهو مرجئ ،ومن زعم أَّن إيمانه كإيمان جبريل والمالئكة
__________
( )1قوله" :ويستثني في اإليمان غير أْن ال يكون االستثناء شًّك ا" ليس في المطبوع من مسائل
حرب.
()2/827
فهو مرجئ .ومن زعم أَّن المعرفة تقع ( )1في القلب وإن لم يتكلم بها؛ فهو مرجئ (. )2
والقدر خيره وشره ،وقليله وكثيره ،وظاهره وباطنه ،وحلوه ومره ،ومحبوبه ومكروهه ،وحسنه
وسيئه ،وأوله وآخره = من الَّله عز وجل ،قضاٌء قضاه على عباده ،وقدٌر قَّدره عليهم ،ال يعدو
أحٌد منهم مشيَة ( )3الَّله عز وجل وال يجاوزه قضاؤه ،بل هم كلهم صائرون إلى ما خلقهم له،
واقعون فيما َقَّدر عليهم ( ، )4وهو عدل منه جل ربنا وعَّز .
والزنى والسرقة ،وشرب الخمر ،وقتل النفس ،وأكل المال الحرام ،والشرك ( )5والمعاصي
كلها بقضاء الَّله ( )6وقدٍر من الَّله ،من غير أن يكون ألحد من الخلق ( )7على الَّله ُح َّج ة ،بل
لَّله الحجة البالغة على خلقه {اَل ُيْس َأُل َعَّم ا َيْف َعُل َو ُه ْم ُيْس َأُلوَن ([ } )23األنبياء.]23 :
__________
( )1وقع في "هـ" ،ونسخة على حاشية "د" ،والمطبوعة من "مسائل حرب" "تنفع".
( )2في المطبوعة من المسائل "جهمي" ،وجاء بعده "ومن زعم أَّنه مؤمٌن عند الَّله مستكمل
اإليمان فهذا من أشنع قول المرجئة وأقبحه" .وليس هذا في جميع النسخ.
( )3في "هـ"" :عن مشيئة".
( )4زادت المطبوعة من المسائل بعد "عليهم"" :ال محالة".
( )5وقع في المطبوعة من المسائل "والشرك بالَّله والذنوب جميًعا".
( )6ليس في المطبوعة من المسائل.
( )7قوله "من الخلق" ليس في المطبوعة من المسائل.
()2/828
وِع ْلُم الَّله عز وجل ماض في خلقه بمشيئة منه ،قد َعِلَم من إبليس ومن غيره -مَّم ن عصاه من
لدن ُعِص ي تبارك وتعالى إلى أن تقوم الساعة -المعصية وخلقهم لها.
وعلم الطاعة من أهل الطاعة وخلقهم لها ،فكل يعمل ِلَم ا ُخ ِلَق ( )1له ،وصائر إلى ما قضى عليه
( ، )2ال َيْع ُد و أحد منهم َقَد َر الَّله ومشيئته ،والَّله الفعال لما يريد.
ومن زعم أَّن الَّله سبحانه شاء لعباده الذين َعَصْو ُه الخير والطاعة ،وأَّن العباد شاءوا ألنفسهم الشر
والمعصية ،فعملوا على مشيئتهم = فقد زعم أَّن مشيئة العباد أغلب من مشيئة الَّله تبارك وتعالى،
وأي افتراء أكبر على الَّله من هذا؟! (. )3
ومن زعم أَّن الزنى ليس بقدر ،قيل له :أرأيت هذه المرأة حملت من الزنى ،وجاءت بولد ،هل
شاء الَّله عز وجل أن يخلق هذا الولد ،وهل مضى في سابق علمه؟ فإن قال :ال ،فقد زعم أَّن مع
الَّله خالًق ا ،وهذا الشرك صراًح ا (. )4
__________
( )1قوله "لما خلق" وقع في المطبوعة من المسائل "بما يخلق له".
( )2جاء في المطبوعة من المسائل هنا زيادة وهي" :وعلم منه".
( )3جاء في المطبوعة من المسائل زيادة "ومن زعم أَّن أحًد ا من الخلِق صائًر ا إلى غير ما خلق
له ،فقد نفى قدرة الَّله عن خلقه ،وهذا إفٌك على الَّلِه وكذب عليه".
( )4قوله "وهذا الشرك صراًح ا" وقع في المطبوعة من المسائل "وهذا قول يضارع الشرك ،بل
هو الشرك".
()2/829
ومن زعم أَّن السرقة ،وشرب الخمر ،وأكل المال الحرام ليس بقضاء وقدر ( )1؛ فقد زعم أَّن
هذا اإلنسان قادٌر على أْن يأكل رزق غيره ،وهذا صراح قول المجوسية ( ، )2بل أكل رزقه
الذي قضى الَّله ( )3أن يأكله من الوجه الذي أكله.
ومن زعم أَّن قتل النفس ليس بقدر من الَّله عز وجل ،فقد زعم أَّن المقتول مات بغير أجله ،وأي
كفر أوضح من هذا؟ بل ذلك بقضاء الَّله عز وجل ( ، )4وذلك عدٌل منه ( )5في خلقه ،وتدبيره
فيهم ،وما جرى من سابق علمه فيهم ( ، )6وهو العدل الحق الذي يفعل ما يريد.
ومن أقَّر بالعلم لزمه اإلقرار بالقدر والمشيئة على الِّص َغر والقماءة (. )7
وال نشهد على أحٍد من أهل القبلة أَّنه في الَّنار لذنب عمله ،وال لكبيرة أتاها ،إال أن يكون ذلك
في حديث [فيروى الحديث] كما جاء،
__________
( )1في المطبوعة من المسائل "وقدر من الَّله".
( ) 2قوله "وهذا صراح قول المجوسية" ،جاء في المطبوعة من المسائل "وهذا القول يضارع
قول المجوسية والنصرانية".
( )3في المطبوعة من المسائل "الَّله له".
( )4في المطبوعة من المسائل " . .بقضاء من الَّله عَّز وجَّل وقدر".
( )5في المسائل "وكل ذلك بمشيئته" بدل "وذلك عدٌل منه".
( )6في المسائل "لهم".
( )7جاء في المسائل بعد "والقماءة" إضافة "والَّله الضار الَّنافع ،المضل الهادي ،فتبارك الَّله
أحسُن الخالقين".
والقماءة :بمعنى الِّص َغر والحقارة .اللسان (.)134 /1
()2/830
وال ننص ( )1الشهادة ،وال نشهد ألحد أَّنه في الجَّنة بصالح عمله ،وال بخير أتاه ( )2إال أن
يكون في ذلك حديث[ ،فيروى الحديث] كما جاء على ما ُر ِو ي ،وال ننص ( )3الشهادة.
والخالفة في قريش ما بقي من الناس اثنان ،ليس ألحد من الناس أن ينازعهم فيها ،وال يخرج
عليهم ،وال يقر لغيرهم بها إلى قيام الساعة.
والجهاد ماٍض قائٌم مع األئمة بروا أو فجروا ،ال يبطله جور جائر ،وال عدل عادل.
والجمعة والعيدين والحج مع السلطان ،وإن لم يكونوا َبَر َر ة عدواًل أتقياء.
ودفع الصدقات والخراج واألعشار والفيء والغنائم إليهم ( )4عدلوا
__________
( )1قوله" :في حديٍث كما جاء ،وال ننص" جاء في المسائل" :في حديٍث فيروى الحديث كما
جاء على ما ُر وي ،ويصدق به ويقبل ،ويعلم أَّنه كما جاء ،وال ينصب" ،وجميع ما بين المعقوفتين
من المسائل.
( )2قوله" :بصالح عمله ،وال بخير أتاُه" في المسائل "لصالح عمله أو لخيٍر أتى به".
( )3قوله" :كما جاء على ما روي وال ننص الشهادة" جاء في المسائل "فيروى الحديث كما جاء
على ما روي ،يصدق به ويقبل ويعلم أَّنه كما جاء ،وال ينصب الشهادة" ،وجاء في "أ ،هـ"
"وننص" ،وفي "ج" "وال نص" بدل "وال ننص".
قال شيخ اإلسالم :لفظ "ننص" هو المشهود عليه ،معناه :وال نشهد على المعَّين؛ وإال فقد قال:
نعلم أنه كما جاء ...مختصر الصواعق المرسلة (ص.)480 /
( )4قوله" :والغنائم إليهم" وجاء في المسائل "والغنيمة إلى األمراء".
()2/831
فيها أو جاروا.
واالنقياد لمن واله الَّله عز وجل أمركم ( ، )1ال ننزع يًد ا من طاعته ،وال تخرج عليه بسيف،
حتى يجعل الَّله لك فرًج ا ومخرًج ا ،وال نخرج على السلطان ،ونسمع ونطيع ،وال ننكث َبْيعتُه،
فمن فعل ذلك فهو مبتدع مخالف ( )2مفارق للجماعة.
وإن أمرك السلطان بأمر هو لَّله معصية ،فليس لك أن تطيعه البتة ،وليس لك أن تخرج عليه ،وال
تمنعه حقه.
ِع ِن ِل
واإلمساك في الفتنة سنٌة ماضيٌة واجٌب لزومها ،فإ اْبُت يت فقِّدم نفسك ( )3دون دينك ،وال ُت ْن
على الفتنة ِبَيٍد وال لسان ،ولكن أكفف يدك ولسانك وهواك ،والَّله المعين.
والكف عن أهل القبلة ،فال نكفر أحًد ا منهم بذنب ،وال نخرجه من اإلسالم بعمل؛ إال أن يكون
في ذلك حديث [فيروى الحديث] كما جاء ،وكما ُر وي ،فنصدقه ونقبله ونعلم أَّنه كما روي:
نحو ترك الصالة ،وشرب الخمر ،وما أشبه ذلك ،أو يبتدع بدعة ينسب صاحبها إلى الكفر،
والخروج من اإلسالم ،فاتبع ذلك ( )4وال تجاوزه (. )5
__________
( )1في المسائل "أمرك" ،وجاء فيه" :يدك" و"بسيفك" بدل "يًد ا" و"بسيف".
( )2في المسائل "مخارق".
( )3في المسائل "نفسك وماَلَك ".
( )4قوله" :فاتبع ذلك" جاء في المسائل "واتبع األثر في ذلك".
( )5في المسائل "وال أحب الصالة خلف أهل البدع ،وال الصالة على من مات =
()2/832
()2/833
()2/834
فمن قال خالف هذا فهو مبتدع ( )1ضل عن سواء السبيل.
وخلق سبع سماوات بعضها فوق بعض ،وسبع أرضين بعضها أسفل من بعض ،وبين األرض العليا
إلى السماء الدنيا مسيرة ( )2خمس مئة عام ،وبين كل سماء إلى سماء مسيرة خمس مئة عام،
والماء فوق السماء العليا السابعة ،وعرش الرحمن عز وجل فوق الماء ،والَّله عز وجل على
العرش ،والكرسي موضع قدميه ،وهو يعلم ما في السماوات واألرضين السبع وما بينهما (، )3
وما تحت الثرى ،وما في قعر البحر ،ومنبت كل شعرة وشجرة ،وكل زرع وكل نبات ،ومسقط
كل ورقة ،وعدد كل كلمة ( ، )4وعدد الرمل والحصى والتراب ،ومثاقيل الجبال ( ، )5وأعمال
العباد وآثارهم ،وكالمهم وأنفاسهم ( ، )6ويعلم كل شيء ،ال يخفى عليه من ذلك شيء.
وهو على العرش فوق السماء السابعة ،ودونه ُحُجٌب من نار ونور وظلمة ،وما هو أعلم به.
فإن احتج مبتدع ومخالف ( )7بقول الَّله عز وجلَ{ :و َنْح ُن َأْقَر ُب ِإَلْيِه ِم ْن َحْبِل اْلَو ِر يِد } [ق:
.]16وبقوله تعالىَ{ :ما َيُك وُن ِم ْن َنْج َو ى
__________
( )1جاء في المسائل إضافة "مخالف ،وقد".
( )2من "ب ،ج ،د ،هـ" والمسائل.
( )3في المسائل "وما بينهَّن وما تحتهَّن " بدل "وما بينهما".
( )4قوله" :كل كلمة" جاء في المسائل" :ذلك كله".
( )5في المسائل إضافة "وقطر األمطار".
( )6في المسائل إضافة "وَتْم َتَم تهم ،وما توسوس به صدورهم".
( )7في المسائل إضافة "أو زنديق".
()2/835
َثاَل َثٍة ِإاَّل ُه َو َر اِبُعُه ْم } إلى قولهِ{ :إاَّل ُه َو َمَعُه ْم َأْيَن َم ا َك اُنوا} [المجادلة .]7 :ونحو هذا من
متشابه القرآن.
فقل :إَّنما يعني بذلك العلم؛ ألَّن الَّله عز وجل على العرش فوق السماء السابعة العليا ،يعلم ذلك
كله ،وهو بائن من خلقه ،ال يخلو من علمه مكان.
ولَّله عز وجل عرش ،وللعرش َحَم َلة يحملونه ،والَّله عز وجل على عرشه ،وله حٌّد (. )1
والَّله عز وجل سميع ال يشك بصير ال يرتاب ،عليم ال يجهل ،جواد ال يبخل ،حليم ال يعجل،
حفيظ ال ينسى وال يسهو ،قريب ( )2ال يغفل ،ويتكلم ( )3وينظر ويبسط ،ويضحك ويفرح،
ويحب ويكره ويبغض ،ويرضى ويغضب ،ويسخط ويرحم ،ويعفو ويغفر ،ويعطي ويمنع،
__________
( )1في "أ" "وليس له جسد" ،وفي باقي النسخ "وليس له حٌّد" وكُّله خطأ ،والتصويب من
المسائل وفيها إضافة "الَّله أعلم بحِّده ،والَّله على عرشه عَّز ذكره".
وإثبات الحِّد لَّله قال به جماعٌة من السلف :كابن المبارك وحماد بن زيد ،واإلمام أحمد وإسحاق
بن راهويه وغيرهم ،بل أَّلف الدشتي رسالة في إثبات الحِّد لَّله .وانظر نقض الدارمي على بشر
المريسي ص (.)58 - 57
( )2في المسائل "رقيب".
( )3في المسائل إضافة "ويتحرك".
وفي لفظة "الحركة" كالٌم من حيث إطالقه وعدمه.
انظر نقض الَّدارمي على بشر المريسي ص ( ،)164 - 162ومجموع الفتاوى ( 423 /16و
)427ومختصر الصواعق المرسلة (.)258 - 257 /2
()2/836
وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف يشاء {َلْيَس َك ِم ْثِلِه َش ْي ٌء َو ُه َو الَّس ِم يُع اْلَبِص يُر (} )11
[الشورى ]11 :وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ،ويوعيها ( )1ما
أراد ،وخلق آدم بيده على صورته ،والسماوات واألرض ( )2يوم القيامة في كفه ( ، )3ويضع
قدمه في الَّنار فتنزوي ،ويخرج قوًم ا من الَّنار بيده ،وينظر إلى وجهه أهل الجَّنة ،ويرونه ()4
فيكرمهم ويتجلى لهم ،وُيْع َر ُض ( )5عليه العباد يوم القيامة ،ويتولى حسابهم بنفسه ،ال يلي ذلك
غيره عز وجل.
والقرآن كالم الَّله تكلم به ليس بمخلوق ،فمن زعم أَّن القرآن مخلوق فهو جهمٌّي كافر ،ومن
زعم أن القرآن كالم الَّله ووقف ،فلم يقل :ليس بمخلوق ،فهو أخبث من القول األول (، )6
ومن زعم أَّن ألفاظنا وتالوتنا له مخلوقة والقرآن كالم الَّله فهو جهمي (. )7
َو كَّلم الَّلُه ُموسى تكليًم ا :منه إليه ( ، )8وناوله التوراة من يده إلى يده ،ولم يزل الَّله عز وجل
متكلًم ا (. )9
__________
( )1في "ب"" :ويعيها".
( )2في المسائل "واألرضون".
( )3في المسائل إضافة "وقبضته".
( )4في المسائل "ويزورونه".
( )5في المسائل "لهم فيعطيهم ،وُيعَر ُض ".
( )6قوله" :فهو أخبث من القول األَّو ل" ،في المسائل "أكفر من األَّو ل ،وأخبث قواًل ".
( )7في المسائل "جهمي خبيث مبتدع ،ومن لم يكفرهم . . .فهو مثلهم".
( )8قوله" :تكليًم ا منه إليه" ليس في المسائل.
( )9في المسائل "متكلًم ا عالًم ا ،فتبارك الَّله أحسن الخالقين".
()2/837
والرؤيا من الَّله ،وهي حق إذا رأى صاحبها في منامه مما ليس ِض ْغًثاَ ،فَق َّص ها على عالم وَص َد َق
فيها ،وأَّو لها ( )1العالم على أصل تأويلها الصحيح ولم يحِّر ف ،فالرؤيا تأويلها ( )2حينئذ حق،
وقد كانت الرؤيا من األنبياء وحًيا ،فأُّي جاهل أجهل ممن يطعن في الرؤيا ،ويزعم أَّنها ليست
بشيء؟ وبلغني أَّن من قال :هذا القول ال يرى االغتسال من االحتالم ( ، )3وقد روي عن الَّنبي
-صلى الَّله عليه وسلم" :-إن رؤيا المؤمن كالم يكلم به الرُّب عبَدُه" ( . )4وقال" :إن الرؤيا
من
__________
( )1في جميع النسخ "تأولها" ،والمثبت من المسائل.
( )2في "هـ"" :ولم يحِّر ف في الرؤيا ،تأويلها".
( )3من قوله "وبلغني" إلى "االحتالم" ليس في المسائل.
( )4أخرجه ابن أبي عاصم في السنة رقم ( ،)486والحكيم الترمذي في نوادر األصول (107
ق /ب) ،وحرب في مسائله ص ( ،)432والطبراني كما في المجمع ( )174 /7وغيرهم.
من طريق جنيد بن ميمون عن حمزة بن الزبير عن عبادة فذكره.
ولفظه "رؤيا المؤمن من كالم يكلم به العبد ربه تبارك وتعالى في المنام".
وجنيد وحمزة مجهوالن ،ولهذا قال الهيثمي" :وفيه من لم أعرفه".
وانظر الفتح (.)354 /12
* ورواُه إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو عن حميد بن عبد الَّله أَّن رجاًل سأل عبادة عن
قوله تعالى {َلُه ُم اْلُبْش َر ى ِفي اْلَحَياِة الُّد ْنَيا} [يونس ]64 :فقال عبادة :سألت عنها رسول الَّله -
صلى الَّله عليه وسلم -فقال" :هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن لنفسه أو ُترى له ،وهو من كالم
يكلم به ربك عبده في المنام".
أخرجه ابن أبي عاصم في السنة رقم ( ،)487والطبراني في مسند الشاميين رقم ( ،)1025وابن
عساكر (= .)21 - 20 /6
()2/838
()2/839
فمن سب أصحاب رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم ،-أو واحًد ا منهم أو َتَنَّق صه ( )1أو طعن
عليهم ،أو عَّر ض بعيبهم ( ، )2أو عاب أحًد ا منهم ( ، )3فهو مبتدع رافضي خبيث مخالف ،ال
يقبل الَّله منه صرًفا وال عداًل ،بل ُح ُّبهم ُس َّنة ،والدعاء لهم قربة ،واالقتداء بهم وسيلة ،واألخذ
بآثارهم فضيلة.
وخير األمة بعد الَّنبي -صلى الَّله عليه وسلم -أبو بكر ،وعمر بعد أبي بكر رضي الَّله عنه،
وعثمان بعد عمر ،وعلي بعد عثمان ( ، )4ووقف قوم على عثمان ،وهم خلفاء راشدون مهديون،
ثم أصحاب رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -بعد هؤالء األربعة خير الناس ،ال يجوز ألحد أن
يذكر شيًئا من مساوئهم ،وال يطعن على أحد منهم بعيب وال نقص ( ، )5فمن فعل ذلك فقد
وجب على السلطان تأديبه وعقوبته ،ليس له أن يعفو عنه ،بل يعاقبه ويستتيبه ( ، )6فإن تاب قبل
منه ،وإن لم يتب أعاد عليه العقوبة ،وخلده
__________
( )1قوله" :أو تنقصه" ليس في المسائل.
( )2في "هـ"" :بغيبتهم".
( )3في المسائل "منهم بقليل أو كثير ،أو دَّق أو جَّل مَّم ا يتطرق إلى الوقيعة في أحٍد منهم".
( )4قوله" :أبو بكر ،وعمر بعد أبي بكر . . .وعلي بعد عثمان" وقع في "هـ" "أبي بكر وعمر
وعثمان ثَّم علي".
وجاء في المسائل "أبو بكر ،وخيرهم بعد أبي بكر :عمر ،وخيرهم بعد عمر :عثمان ،وقال قوٌم
من أهل العلم وأهل السنة :وخيرهم بعد عثمان علي".
( )5في المسائل "وال بنقص وال وقيعة".
( )6في المسائل "ثَّم يستتيبه".
()2/840
()2/841
من ( )1فضل ربه ،فإن ترك ذلك على أَّنه ال يرى الكسب فهو مخالف (. )2
والدين إَّنما هو كتاب الَّله عز وجل ،وآثار وسنن وروايات صحاح عن الثقات باألخبار الصحيحة
القوية المعروفة ( ، )3يصدق بعضها بعًض ا حتى ينتهي ذلك إلى رسول الَّله -صلى الَّله عليه
وسلم ،-وأصحابه رضي الَّله عنهم ،والتابعين وتابعي التابعين ،ومن بعدهم من األئمة المعروفين
المقتدى بهم ،المتمسكين بالسنة ،والمتعلقين باآلثار ،ال ُيْع َر ُفون ( )4ببدعة ،وال يطعن فيهم
بكذب ،وال ُيْر َمْو ن بخالف.
إلى أن قال" :فهذه األقاويل التي وصفت مذاهب أهل السنة والجماعة واألثر ،وأصحاب
الروايات وحملة العلم ،الذين أدركناهم ،وأخذنا عنهم الحديث ،وتعلمنا منهم السنن ،وكانوا
أئمة معروفين ،ثقاٍت أهل صدق وأمانة يقتدى بهم ،ويؤخذ عنهم ،ولم يكونوا أصحاب بدع ()5
وال خالف ،وال تخليط ،وهو قول أئمتهم وعلمائهم الذين كانوا قبلهم ،فتمَّس كوا بذلك،
وتعَّلموه وعِّلموه".
__________
( )1في المسائل "ويبتغي من".
( )2في المسائل إضافة "وكل أحد أحق بماله اَّلذي ورثه أو استفاده ،أو أصابه أو اكتسبه ال كما
يقول المتكلمون المخالفون".
( )3جاء في المسائل إضافة "المشهورة ،يرويها الثقة األَّو ل المعروف عن الثاني الثقة المعروف".
( )4في المسائل "اَّلذين ال يعرفون".
( )5في "ب ,ج ،د"" :بدعة".
()2/842
قلت :حرب هذا هو صاحب أحمد وإسحاق ،وله عنهما مسائل جليلة ،وأخذ عن سعيد بن
منصور ،وعبد الَّله بن الزبير الحميدي .وهذه الطبقة ،وقد حكى هذه المذاهب عنهم واتفاقهم
عليها ،ومن تأمل المنقول عن هؤالء وأضعاف أضعافهم من أئمة السنة والحديث ،وجده مطابًق ا
لما نقله حرب ،ولو تتبعناه لكان بقدر هذا الكتاب ِم راًر ا ،وقد جمعنا منه في مسألة علو الرب
تعالى على خلقه واستوائه على عرشه وحدها سفًر ا متوسًطا ( ،)1فهذا مذهب المستحقين لهذه
البشرى قواًل وعماًل واعتقاًد ا .وبالَّله التوفيق.
فصل :ونختم هذا الكتاب بما ابتدأناه به أَّو ال ،وهو خاتمة دعوى أهل الجَّنة
ِم ِت ِب ِن ِل ِت ِد ِم َّلِذ
قال تعالىِ{ :إَّن ا يَن آَم ُنوا َو َع ُلوا الَّصا َح ا َيْه يِه ْم َر ُّبُه ْم ِإ يَم ا ِه ْم َتْج ِر ي ْن َتْح ِه ُم اَأْلْنَه اُر
ِفي َج َّناِت الَّنِعيِم (َ )9دْع َو اُه ْم ِفيَه ا ُسْبَح اَنَك الَّلُه َّم َو َتِح َّيُتُه ْم ِفيَه ا َس اَل ٌم َو آِخ ُر َدْع َو اُه ْم َأِن اْلَحْم ُد
ِلَّلِه َر ِّب اْلَعاَلِم يَن ([ })10يونس.]10 - 9 :
قال حجاج :عن ابن جريجُ :أخِبْر ُت أَّن قولهَ{ :دْع َو اُه ْم ِفيَه ا ُسْبَح اَنَك الَّلُه َّم} قال" :إذا مَّر بهم
الطير يشتهونه ،قالوا :سبحانك اللهم ،وذلك دعواهم ،فيأتيهم الملك بما اشتهوا ،فُيسَّلم عليهم
فيردون
__________
( )1هو "اجتماع الجيوش اإلسالمية على غزو المعطلة والجهمية" ،وهو مطبوع.
()2/843
عليه ،فذلك قوله تعالىَ{ :و َتِح َّيُتُه ْم ِفيَه ا َس اَل ٌم} ،قال :فإذا أكلوا حمدوا ربهم ،فذلك قوله تعالى:
{َو آِخ ُر َدْع َو اُه ْم َأِن اْلَحْم ُد ِلَّلِه َر ِّب اْلَعاَلِم يَن (. )1( " } )10
وقال سعيد ،عن قتادة :قوله تعالىَ{ :دْع َو اُه ْم ِفيَه ا ُسْبَح اَنَك الَّلُه َّم } يقول" :ذلك قولهم فيها:
{َو َتِح َّيُتُه ْم ِفيَه ا َس اَل ٌم} " (. )2
وقال األشجعي :سمعت سفيان يقول" :إذا أرادوا الشيء قالوا :سبحانك اللهم ،فيأتيهم ما دعوا
به" (. )3
ومعنى هذه الكلمة تنزيه الرب تعالى وتعظيمه وإجالله عما ال يليق به.
وذكر سفيان عن [عثمان بن] ( )4عبد الَّله بن موهب قال :سمعت موسى بن طلحة قال :سئل
رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -عن "سبحان الَّله" ،فقال" :تنزيه الَّله عن السوء" (. )5
__________
( )1أخرجه الطبري في تفسيره (.)89 /11
( )2أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ( )1930 /6رقم ( ،)10242والطبري في تفسيره (/11
.)90وسنده صحيح.
( )3أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ( )1930 /6رقم ( ،)10243والطبري (.)90 /11
وسنده صحيح ،وسفيان هو :الثوري ،انظر :تفسيره ص (.)128
( )4ما بين المعكوفتين من الطبري ،وعلل الَّدارقطني ،وليس في النسخ.
( )5أخرجه الطبري في تفسيره ( )31 /15رقم ( 17567و - 1769شاكر).
-ورواُه سليمان بن عيسى بن موسى بن طلحة عن موسى بن طلحة عن =
()2/844
وسأل ابن الكَّو اء علًّيا عنها ،فقال" :كلمٌة رضيها الَّله لنفسه" (. )1
__________
= أبيه طلحة بن عبيد الَّله فذكره مرفوًعا.
أخرجه الطبري ( )32 /15رقم (.)17571
وهذا خطأ ،ال يتابع عليه ،انظر الكامل البن عدي (.)285 - 284 /3
والصواُب حديث الثوري مرساًل .انظر علل الَّدارقطني (.)209 - 208 /4
-ورواُه عبد الرحمن بن حماد عن حفص بن سليمان عن طلحة بن يحيى عن أبيه عن طلحة بن
عبيد الَّله فذكره مرفوعا كما سيأتي عند المؤِّلف.
أخرجه البزار في مسنده ( )164 /3رقم ( ،)950والطبري في تفسيره ( - 31 /15شاكر)،
والشاشي في مسنده رقم ( ،)10وابن حبان في المجروحين ( ،)60 /2والحاكم في المستدرك
( )680 /1رقم (.)1848
قال الحاكم" :هذا حديث صحيح اإلسناد ولم يخرجاه".
قال الذهبي معِّق ًبا عليه" :بل لم يصح ،فإَّن طلحة منكر الحديث قاله البخاري ،وحفص :واهي،
فالحديث ضعيف جًّدا".
تنبيه :ليس في سند ابن حبان "حفص بن سليمان" وقد قال ابن حبان في ترجمة "عبد الرحمن بن
حماد"" :يروي عن طلحة بن يحيى نسخة موضوعة " . . .ثَّم ذكر حديثين ،هذا أحدهما.
( )1أخرجه الطبري في تفسيره ( )3 /15رقم (.)17568
وفيه قابوس بن أبي ظبيان ،فيه ضعف ،وفي سماع والده من علي ابن أبي طالب اختالف.
-وقد جاء من وجٍه آخر:
رواُه حجاج بن أرطاة عن ابن أبي ُمَلْيكة عن ابن عباس أَّن عمر قال لعلي وأصحابه عنده :ال إله
إاَّل الَّلِه والحمُد لَّله ،والَّله أكبر قد عرفناها ،فما سبحان الَّله؟ فقال علي :كلمة أحبها لنفسه،
ورضيها لنفسه ،وأحب أْن تقال".
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره رقم ( 13و 343و )10251وغيره.
وقد وقع فيه اختالف ،والمثبت الرواية الَّر اجحة ،واألثر مداره على الحجاج بن أرطاة ،وهو
مدَّلس لم يصِّر ح بالتحديث.
()2/845
وقال حفص بن سليمان :حدثنا طلحة بن يحيى بن طلحة عن أبيه ،عن طلحة بن عبيد الَّله قال:
سألت رسول الَّله -صلى الَّله عليه وسلم -عن تفسير "سبحان الَّله"؟ فقال" :هو تنزيه الَّله عَّز
وجَّل عن كِّل سوٍء ".
فأخبر تعالى عن أَّو ل دعواهم إذا استدعوا شيًئا :قالوا :سبحان الَّله ،وعن آخر دعواهم عندما
يحصل لهم ،وهو قولهم{ :اْلَحْم ُد ِلَّلِه َر ِّب اْلَعاَلِم يَن }.
ومعنى اآلية أعُّم من ذلك ،والدعوى :مثل الدعاء ،والدعاُء يراُد به الثناء ،ويراد به المسألة.
وفي الحديث" :أفضُل الُّدعاء الحمُد لَّله" (. )1
__________
( )1أخرجه الترمذي برقم ( ،)3383وابن ماجه رقم ( ،)3800والنسائي في عمل اليوم والليلة
( ،)831وابن حبان ( )126 /3رقم ( ،)846والحاكم في المستدرك ( )676 /1رقم (
)1834وغيرهم.
من طريق موسى بن إبراهيم األنصاري عن طلحة بن خراش عن جابر بن عبد الَّله بمثله وأَّو له
"أفضل الِّذ كر ال إله إاَّل الَّله".
والحديث مدارُه على موسى بن إبراهيم األنصاري روى عنه جمع ،وقال ابن حبان في الثقات (
" :)449 /7كان مَّم ن يخطئ".
وقد وقع في الحديث اضطراب في سنده "حيث جاء موقوًفا على جابر" ،وفي متنه حيث جاء
"أفضل الدعاء ال إله إاَّل الَّله ،وأفضل الذكر الحمد لَّله".
والحديث صححه ابن حبان والحاكم وحسنه ابن حجر ،وقال الترمذي "حسٌن غريب ،ال ُيعرف
إاَّل من حديث موسى بن إبراهيم".
قال الحافظ ابن حجر . . ." :ولم أقف في موسى على جرح وال تعديل ،إاَّل أَّن ابن حبان ذكره
في الثقات وقال" :يخطئ" ،وهذا عجيٌب منه؛ ألَّن =
()2/846
فالدعاء ها هناُ :دعاُء ثناٍء ُيْلَه َم ه أهل الجَّنة ،فأخبر سبحانه عن أَّو له وآخره ،فأَّو له تسبيٌح ،وآخره
حمٌد ُيْلهمونهما ( )1كما ُيْلَه م الَّنَف س.
وفي هذا إشارٌة إلى أَّن التكاليف في الجَّنة تسقط عنهم ،وال تبقى عبادتهم إال هذه الدعوى التي
ُيْلَه ُم ونها.
وفي لفظة "اللهم" إشارة إلى صريح الدعاء ،فإَّنها متضمنٌة لمعنى" :يا الَّله" ،فهي متضمنة للسؤال
والثناء ( ، )2وهذا هو الذي فهمه من قال :إذا أرادوا الشيء قالوا :سبحانك اللهم .فذكروا
بعض المعنى ولم َيْس َتْو ُفوه ،مع أَّنهم قصروا به ،فإنهم أوهموا أنهم إَّنما يقولون ذلك عندما
يريدون الشيء ،وليس في اآلية ما يدُّل على ذلك ،بل يدُّل على أَّن أَّو ل دعائهم التسبيح ،وآخره
الحمد.
وقد دَّل ( )3الحديث الصحيح ( )4على أنهم يلهمون ذلك كإلهام الَّنَف ِس ،فال تختص الدعوى
المذكورة بوقِت إرادة الشيء ،وهذا
__________
= موسى ُمِق ٌّل ،فإذا كان يخطئ مع ِقَّلة روايته؛ فكيف يوَّثق ويصَّح ح حديثه ،فلعَّل من صححه أو
حَّس نه تسَّم ح لكون الحديث من فضائل األعمال".
نتائج األفكار ( .)59 - 58 /1وانظر في معنى حديث جابر :التمهيد البن عبد البر (- 43 /6
.)45
( )1في "ج"" :يلهمونها".
( )2انظر :جالء األفهام ص ( )141 - 140للمؤِّلف.
( )3في "ج"" :دار" وهو خطأ.
( )4المتقدم ص (.)819 - 818
()2/847
كما أنه األليق بمعنى اآلية ( ، )1فهو األليق بحالهم .والَّله سبحانه وتعالى أعلم (. )2
__________
( )1في "هـ"" :اآلية الكريمة".
( )2جاء في خاتمة النسخة "أ" ما يلي" :آخر الكتاب ولَّله الحمد أَّواًل وآخًر ا ،وباطًنا وظاهًر ا،
وأفضل صالته وتسليمه على خيرته من خلقه محمد وآله وصحبه.
فرغ من تعليقه لنفسه الفقير إلى الَّله تعالى محمود بن أحمد بن محمد الحموي مولًد ا ،الَف ُّيومي
نسًبا ،لثالث خلون من شهر جمادى األول سنة ثالث وتسعين وسبعمائة.
-وجاء على يمين الصفحة بخط الناسخ ما يلي" :ذكر المؤلف رحمه الَّله أنه فرغ منه عشية
عرفة عند الثلث اآلخر من الليل سنة خمس وأربعين وسبعمائة".
-وجاء على يسار الصفحة بخط الناسخ ما يلي" :بلغ مقابلًة على أصٍل غير األصل المنقول منه،
مع معارضة [أصله] .فصح إن شاء الَّله تعالى ،وذلك نهار ثالث [عشر] جمادى األول سنة ثالث
وتسعين.
* وجاء في خاتمة النسخة [ب] ما يلي" :آخر الكتاب والَّله الموفق للصواب.
وافق الفراغ من نسخه على يد أفقر عبيد الَّله وأحوجهم إلى رحمته إبراهيم بن عبد الغالب بن
إبراهيم األنصاري الحنبلي عفا الَّله عنهم.
وذلك في اليوم الثامن عشر من شهر رمضان المعظم ،سنة إحدى وستين وسبعمائة .غفر الَّله
لمؤلفه وكاتبه وقارئه ومستمعه ومالكه والناظر فيه ،إنه على ما يشاء قدير .والحمد لَّله رب
العالمين وصلى الَّله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليًم ا كثيًر ا إلى يوم يقوم الناس لرب
العالمين .وحسبنا الَّله ونعم الوكيل.
* وجاء في خاتمة النسخة [ج] ما يلي" :تم الكتاب .والحمد لَّله رب العالمين ،وصلى الَّله على
محمد خاتم النبيين.
وذلك في يوم االثنين من شهر شوال من سنة إحدى وستين وسبعمائة ،على يد أفقر عباد الَّله
تعالى وأحوجهم إلى رحمة الَّله محمد بن الشيخ خليل الناسخ المؤدب ،عفا الَّله عنه ،وغفر له
ولوالديه ولجميع المسلمين إنه على =
()2/848
.........................
__________
= كل شيء قدير".
وجاء على يسار الصفحة بخٍّط مغاير ما يلي" :نقلت هذه النسخة من خِّط المصنف رحمه الَّله
تعالى".
* وجاء في خاتمة النسخة [د] ما يلي" :تم الكتاب .والحمد لَّله رب العالمين ،وصلى الَّله على
سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين .ووافق الفراغ في [] من رجب الفرد سنة
أربعين وتسعمائة .وحسبنا الَّله وكفى".
-وجاء على يمين الصفحة" :بلغ مقابله بحسب الطاقة والَّله المستعان".
-وجاء على يسار الصفحة" :غفر الَّله لكاتبه ولمالكه ولمؤلفه ولجميع المسلمين ،وحسبنا الَّله
ونعم الوكيل".
* وجاء في خاتمة النسخة [هـ] ما يلي" :تم الكتاب والَّله الموفق للصواب ،وإليه المرجع
والمآب" .على يد أضعف عباد الَّله وأحوجهم إلى رحمته :عبد الرحمن بن إسماعيل بن الحسن
بن محمد بن عبد الرحمن المؤدب السنجاري ،المعروف "بابن المسواك الحيالي" غفر الَّله
لمؤلفه وكاتبه والناظر فيه ومستمعه ولمن دعا له بالرحمة والمغفرة ولجميع المسلمين .وذلك
في سلخ رجب الفرد سنة إحدى وسبعين وسبعمائة هاللية ،على صاحبها أفضل الصالة والسالم
[والحمد لَّله].
()2/849
()2/1039
-إثبات صفة العلو :للمقدسي ،لموفق الدين ابن قدامة المقدسي ،حققه وعلق عليه /د .أحمد بن
عطية الغامدي ،الطبعة األولى 1422 ،هـ ،مكتبة العلوم والحكم :المدينة النبوية.
-إثبات عذاب القبر :للبيهقي ،تحقيق /شرف القضاة ،الطبعة األولى 1405 ،هـ ،دار الفرقان:
باألردن.
-األحاديث الطوال :للطبراني ،ويقع في آخر المعجم الكبير للطبراني مجلد ،25تحقيق/
حمدي عبد المجيد السلفي ،نشر مكتبة ابن تيمية :القاهرة.
-اإلرشاد في معرفة علماء الحديث :ألبي يعلى الخليلي ،دراسة وتحقيق /محمد سعيد عمر
إدريس الطبعة األولى 1409 ،هـ -مكتبة الرشد :الرياض.
-األحاديث المختارة :للضياء المقدسي ،تحقيق /عبد الملك بن دهش ،الطبعة األولى1410 ،
هـ ،مكتبة النهضة الحديثة :مكة المكرمة.
-اإلحسان في تقريب صحيح ابن حبان :البن بلبان الفارسي ،تحقيق /شعيب األرناؤوط ،الطبعة
األولى 1408 ،هـ ،مؤسسة الرسالة :بيروت.
-أخبار الفقهاء والمحدثين ،للخشني :أبي عبد الَّله محمد بن حارث الخشني القيرواني ،وضع
حواشيه /سالم مصطفى البدري ،الطبعة األولى 1420 :هـ ،دار الكتب العلمية :بيروت.
-أخبار أصبهان :ألبي نعيم األصبهاني ،تصوير :الدار العلمية :دلهي :الهند.
-أخالق حملة القرآن :لآلجري ،تحقيق /محمد عمرو عبد اللطيف،
()2/1040
()2/1041
-أطراف الغرائب واألفراد ،للدارقطني :لمحمد بن طاهر المقدسي ،تحقيق /محمود محمد
نصار والسيد يوسف ،الطبعة األولى 1419 ،هـ ،دار الكتب العلمية :بيروت.
-أطراف المسند :البن حجر العسقالني ،تحقيق وتعليق /د .زهير بن ناصر الناصر ،الطبعة
األولى 1414 :هـ ،دار ابن كثير ،ودار الكلم الطيب :دمشق ،بيروت.
-اإلعتقاد :ألبي بكر البيهقي ،تحقيق وتعليق /أحمد بن إبراهيم أبي العينين ،الطبعة األولى -
1420هـ -دار الفضيلة :الرياض ،ودار ابن حزم :بيروت.
-األمالي ،ألبي جعفر البختري -ضمن مجموع فيه مصنفات أبي جعفر ابن البختري -تحقيق/
نبيل سعد الدين الجرار ،الطبعة األولى 1422 -هـ ،دار البشائر اإلسالمية :بيروت.
-األمثال :ألبي الشيخ األصبهاني ،تحقيق /عبد العلي حامد ،الطبعة الثانية 1408 ،هـ الدار
السلفية :بومباي :الهند.
-اإلنابة إلى معرفة المختلف فيهم من الصحابة للحافظ عالء الدين مغلطاي ،اعتنى به /قسم
التحقيق بدار الحرمين ،إشراف :محمد عوض المنقوش ،الطبعة األولى 1420 -هـ ،مكتبة
الرشد :الرياض.
-أنساب األشراف ،للبالذري (الشيخان أبو بكر وعمر وولدهما) تحقيق /د .إحسان صدقي
العمد ،الطبعة األولى 1409 -هـ ،مؤسسة الشراع العربي :الكويت.
-األنساب ،للسمعاني -أبي سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور
()2/1042
التميمي ،تقديم وتعليق /عبد الَّله عمر البارودي ،الطبعة األولى 1408 -هـ ،دار الجنان،
ومؤسسة الكتب الثقافية :بيروت.
-األوسط في السنن واإلجماع واالختالف :البن المنذر النيسابوري ،تحقيق /صغير بن أحمد
حنيف ،دار طيبة :الرياض.
-اإليمان :البن مندة ،حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه :علي بن محمد بن ناصر الفقيهي الطبعة
الثالثة 1407 -هـ ،مؤسسة الرسالة :بيروت.
-اإليمان :البن أبي شيبة ،تحقيق وتعليق /محمد ناصر الدين األلباني ،الطبعة الثانية 1405 :هـ
دار األرقم :الكويت.
-بحر العلوم (تفسير السمرقندي) :للسمرقندي :أبي الليث نصر بن محمد بن أحمد ،تحقيق
وتعليق /علي محمد معَّو ض وعادل أحمد عبد الموجود ،والدكتور :زكريا عبد المجيد الُّنوني،
الطبعة األولى 1413هـ .دار الكتب العلمية :بيروت.
-البداية والنهاية ،ألبي الفداء ابن كثير ،دقق أصوله وحققه /د .أحمد أبو ملحم ورفاقه الطبعة
السادسة 1409 -هـ ،دار الكتب العلمية :بيروت.
-بدائع الفوائد ،البن قيم الجوزية ،دار الفكر للنشر والتوزيع :بيروت.
-البدور السافرة في ُأمور اآلخرة :للسيوطي ،خَّر ج أحاديثه أبو محمد المصري الطبعة األولى
1411هـ ،مؤسسة الكتب الثقافية :بيروت.
-البديع في نقد الشعر ،ألسامة بن منقذ ،تحقيق /أحمد أحمد بدوي وحامد عبد المجيد،
مراجعة /إبراهيم مصطفى ،طبع 1380 :هـ ،مكتبة ومطبعة البابي الحلبي :القاهرة.
-برنامج التجيبي :للقاسم بن يوسف التجيبي السبتي ،تحقيق وإعداد/
()2/1043
عبد الحفيظ منصور .طبع 1981 :م ،الدار العربية للكتاب ليبيا -تونس.
-البعث ،البن أبي داود السجستاني ،تحقيق /أبي إسحاق الحويني ،الطبعة األولى 1408 -هـ،
دار الكتاب العربي :بيروت.
-البعث والنشور ،ألبي بكر البيهقي ،تحقيق /أبي هاجر محمد السعيد بسيوني زغلول الطبعة
األولى 1408 -هـ ،مؤسسة الكتب الثقافية :بيروت.
-بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث؛ لنور الدين الهيثمى ،تحقيق /مسعد عبد الحميد
السعدني ،دار الطالئع.
-بيان الوهم واإليهام الواقعين في كتاب األحكام :البن القطان الفاسي ،تحقيق /د .الحسين
آيت سعيد ،الطبعة األولى 1418هـ دار طيبة :الرياض.
-تاريخ بغداد :للخطيب البغدادي ،تحقيق /مصطفى عبد القادر عطا ،الطبعة األولى 1417هـ -
1997م دار الكتب العلمية :بيروت.
-تاريخ األدب العربي ،لبروكلمان ،ترجمة /عبد الحليم النجار ،دار المعارف :القاهرة .طبع
1977 - 1961م.
-تاريخ دمشق :البن عساكر ،تحقيق /عمرو غرامة العمروي ،الطبعة األولى 1415هـ -دار
الفكر :بيروت.
-تاريخ جرجان :ألبي القاسم حمزة بن يوسف بن إبراهيم القرشي السهمي ،طبع تحت مراقبة/
د .محمد عبد المعيد خان ،الطبعة الثالثة 1401 ،هـ ،عالم الكتب :بيروت.
-تاريخ مصر :البن يونس :أبي سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد األعلى الصدفي
المصري ،جمع وتحقيق ودراسة /د .عبد الفتاح فتحي عبد الفتاح ،الطبعة األولى 1421 -هـ
دار الكتب العلمية :بيروت.
()2/1044
-تأويل مشكل القرآن ،البن قتيبة ،شرحه ونشره /السيد أحمد صقر ،الطبعة الثانية 1393 -
هـ ،دار التراث :القاهرة.
-التاريخ األوسط :للبخاري (مطبوع باسم الصغير) تحقيق /محمود إبراهيم زائد ،الطبعة األولى
1406 -هـ ،دار المعرفة :بيروت.
-التاريخ الكبير :للبخاري ،تحقيق /الشيخ عبد الرحمن المعلمي ،الطبعة األولى ،دائرة المعارف
العثمانية :حيدر آباد -الهند ،تصوير دار الكتب العلمية :بيروت.
-تاريخ علماء األندلس ،البن الفرضي :أبي الوليد عبد الَّله بن محمد بن نصير األزدي ،تحقيق/
د .روحية عبد الرحمن السويفي ،الطبعة األولى 1417هـ ،دار الكتب العلمية :بيروت.
-تبييض الصحيفة بأصول األحاديث الضعيفة لمحمد عمرو عبد اللطيف ،الطبعة األولى ،1410
مكتبة التوعية اإلسالمية :القاهرة.
-تحفة األشراف بمعرفة األطراف ألبي الحجاج المزي مع النكت الظراف على األطراف
للحافظ ابن حجر ،تحقيق /عبد الصمد شرف الدين ،إشراف /زهير الشاويش ،الطبعة الثانية
1403هـ ،الدار القيمة :الهند ،والمكتب اإلسالمي :بيروت.
-التذكرة في أحوال الموتى وأمور اآلخرة للقرطبي :محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح
األنصاري الخزرجي األندلسي ،تحقيق /عصام الدين سيد الصبابطي ،الطبعة األولى ،دار الحديث:
القاهرة.
-الترغيب والترهيب ،لألصبهاني -أبي القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل ،تحقيق وتعليق/
أيمن بن صالح بن شعبان ،الطبعة األولى
()2/1045
()2/1046
-تفسير القرآن ألبي المظفر السمعاني :منصور بن محمد بن عبد الجبار التميمي الشافعي،
تحقيق /ياسر بن إبراهيم ،وغنيم بن عباس بن غنيم ،الطبعة األولى 1418 :هـ -دار الوطن:
الرياض.
-تغليق التعليق :البن حجر العسقالني ،تحقيق /سعيد القزقي ،الطبعة األولى 1405 :هـ -
المكتب اإلسالمي :بيروت ،دار عمار :األردن.
-تفسير القرآن العظيم البن أبي حاتم الرازي ،تحقيق /أسعد محمد الطيب ،الطبعة األولى،
1417هـ ،مكتبة نزار مصطفى الباز :مكة المكرمة.
-تفسير القرآن من الجامع البن وهب المصري ،تحقيق وتعليق /ميكلوش موراني الطبعة األولى،
2003م ،دار الغرب اإلسالمي :بيروت.
-تقريب التهذيب ،البن حجر العسقالني ،بعناية /عادل مرشد ،الطبعة األولى 1416هـ -
1996م ،مؤسسة الرسالة :بيروت.
-تكملة اإلكمال ،البن نقطة ،تحقيق /د .عبد القيوم عبد رب النبي ،الطبعة األولى 1408هـ -
جامعة أم القرى :مكة المكرمة.
-التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير :البن حجر العسقالني ،تحقيق /شعبان
محمد إسماعيل ،مكتبة الكليات األزهرية :القاهرة.
-التمهيد لما في الموطأ من المعاني واألسانيد؛ البن عبد البر ،تحقيق /جماعة من الباحثين،
بوزارة األوقاف :بالمغرب.
-تهذيب الكمال في أسماء الرجال ألبي الحجاج المزي ،تحقيق /بشار عواد معروف ،الطبعة
السادسة 1415 ،هـ ،مؤسسة الرسالة :بيروت.
()2/1047
-تهذيب التهذيب :البن حجر العسقالني ،اعتنى به /عادل مرشد وإبراهيم الزيبق ،الطبعة
األولى 1416 ،هـ ،مؤسسة الرسالة :بيروت.
-التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل :البن خزيمة ،دراسة وتحقيق /د .عبد العزيز بن
إبراهيم الشهوان ،الطبعة األولى 1408هـ ،دار الرشد :الرياض.
-توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة اإلمام ابن القيم ،تأليف /أحمد بن إبراهيم
بن عيسى ،تحقيق /زهير الشاويش ،الطبعة الثالثة 1406 ،هـ المكتب اإلسالمي :بيروت.
-التوكل :البن أبي الدنيا ،تحقيق /جاسم الفهيد الدوسري ،الطبعة األولى 1407هـ دار البشائر
اإلسالمية :بيروت.
-تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد لسليمان عبد الَّله بن محمد بن عبد الوهاب
بدون تاريخ نشر ،وال دار طبع.
-الثقات :البن حبان ،الطبعة األولى 1393هـ ،دائرة المعارف العثمانية :حيدر آباد -الهند،
تصوير :دار الفكر بيروت.
-الجامع :ألبي عيسى الترمذي ،تحقيق /عادل مرشد ،الطبعة األولى 1422 ،هـ 2001 -م،
مكتبة دار البيان الحديثة ،ودار اإلعالم.
-جامع البيان :البن جرير الطبري ،دار الفكر -بيروت.
-جامع المسانيد والسنن الهادي ألقوم سنن :البن كثير ،تحقيق /د .عبد المعطي أمين قلعجي،
الطبعة األولى 1415هـ ،دار الكتب العلمية :بيروت.
-الجامع ألحكام القرآن :للقرطبي ،تحقيق /مركز تحقيق التراث :أحمد
()2/1048
عبد العليم البردوني ورفاقه ،الطبعة الثالثة 1987 :م ،الهيئة المصرية العامة للكتاب.
-الجامع الصحيح ،للبخاري ،ضبط وترقيم /مصطفى ديب البغا ،الطبعة الرابعة 1410 ،هـ -
1990م ،دار ابن كثير ،واليمامة للطباعة :بيروت.
-جامع التحصيل في أحكام المراسيل ،للعالئي ،تحقيق /حمدي عبد المجيد السلفي ،الطبعة
الثانية 1407هـ 1986 -م ،عالم الكتب ،ومكتبة النهضة العربية :بيروت.
-الجرح والتعديل :البن أبي حاتم الرازي ،اعتنى به /عبد الرحمن المعلمي ،الطبعة األولى
1371هـ ،مجلس دائرة المعارف -الهند ،تصوير :دار الكتب العلمية :بيروت.
-جزء الحسن بن عرفة العبدي ،تحقيق /د .عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي ،الطبعة األولى
1406 -هـ -مكتبة دار األقصى :الكويت.
-جذوة المقتبس في ذكر والة األندلس :للحميدي األندلسي ،تحقيق /د .روحية عبد الرحمن
السويفي ،الطبعة األولى 1417هـ 1997 -م ،دار الكتب العلمية :بيروت.
-جالء األفهام في فضل الصالة والسالم على خير األنام -صلى الَّله عليه وسلم :-البن قِّيم
الجوزية ،تحقيق زائد بن أحمد النشيري ،الطبعة األولى 1425 ،هـ -دار عالم الفوائد :-مكة
المكرمة.
-جمهرة أنساب العرب البن حزم األندلسي ،تحقيق وتعليق /عبد السالم محمد هارون ،الطبعة
الرابعة ،دار المعارف :القاهرة.
-جمهرة اللغة ،ألبي بكر ابن ُدَر يد األزدي ،تحقيق /رمزي بعلبكي ،الطبعة
()2/1049
()2/1050
عبد السالم محمد هارون ،الطبعة الرابعة 1418هـ ،مكتبة الخانجي القاهرة.
-الدر المنثور في التفسير بالمأثور :للسيوطي ،الطبعة األولى 1411هـ 1991 -م ،دار
الكتب العلمية :بيروت.
-درء تعارض العقل والنقل ،لشيخ اإلسالم ابن تيمية ،تحقيق /محمد رشاد سالم ،توزيع مكتبة
ابن تيمية :القاهرة.
-الدعاء ألبي القاسم الطبراني ،تحقيق /د .محمد سعيد بخاري ،الطبعة األولى 1407هـ دار
البشائر اإلسالمية :بيروت.
-الدعاء :للمحاملي ،تحقيق /د .سعيد القزقي ،الطبعة األولى 1992م ،دار الغرب اإلسالمي:
بيروت.
-الدعوات الكبير :للبيهقي ،تحقيق /بدر بن عبد الَّله البدر ،الطبعة األولى 1414هـ مركز
المخطوطات والتراث والوثائق :الكويت.
-دالئل النبوة :للبيهقي ،تحقيق /د .عبد المعطي قلعجي ،الطبعة األولى 1405 ،هـ ،دار الكتب
العلمية :بيروت.
-الديات :البن أبي عاصم ،تحقيق /عبد المنعم زكريا ،الطبعة األولى 1424 :هـ ،دار الصميعي:
الرياض.
-ديوان األعشى الكبير ،شرح وتعليق /د .محمد حسين ،المطبعة النموذجية نشر :مكتبة
اآلداب.
-ديوان جرير ،بشرح /إيليا الحاوي ،الطبعة األولى 1982 ،م ،دار الكتاب اللبناني ،ومكتبة
المدرسة :بيروت.
()2/1051
-ديوان حسان بن ثابت رضي الَّله عنه ،شرح وتقديم /األستاذ :عبدأ مهنا ،الطبعة األولى.
1406هـ ،دار الكتب العلمية :بيروت.
-ديوان زهير بن أبي ُس ْلمى ،شرحه وضبط نصوصه /د .عمر فاروق الطباع ،شركة دار األرقم
بن أبي األرقم للطباعة والنشر والتوزيع :بيروت.
-ديوان ابن الرومي ،شرح /أحمد حسن بسج ،الطبعة األولى 1415هـ دار الكتب العلمية:
بيروت.
-ديوان عامر بن الطفيل -رواية أبي بكر األنباري عن ثعلب ،طبع 1383هـ دار صادر:
بيروت ،دار بيروت :بيروت.
-ديوان العجاج -رواية :األصمعي وشرحه -تحقيق /د .عبد الحفيظ السطلي ،طبع 1971م
المطبعة التعاونية :بدمشق ،توزيع :مكتبة أطلس :دمشق.
-ديوان لبيد -مع شرح الطوسي وغيره -حققه وقدم له /د .إحسان عباس؛ طبع 1962طبع
في مطبعة حكومة الكويت :الكويت.
-الرد على من قال :بفناء الجنة والنار وبيان األقوال في ذلك ،لشيخ اإلسالم ابن تيمية ،تحقيق/
د .محمد السمهري ،الطبعة األولى.
-الرد على الجهمية :لعثمان بن سعيد الدارمي ،قَّدم له وخرج أحاديثه وعلق عليه /بدر البدر،
الطبعة األولى 1405هـ ،الدار السلفيةَ :ح َو ِّلي -الكويت.
-الرد على الجهمية :لمحمد بن إسحاق بن مندة ،تحقيق /د .علي محمد ناصر الفقيهي /الطبعة
الثالثة 1414هـ ،مكتبة الغرباء األثرية :المدينة النبوية.
()2/1052
-الرد على الجهمية :لإلمام أحمد بن حنبل ،تحقيق وتعليق /عبد الرحمن عميرة ،الطبعة الثانية
1402هـ ،دار اللواء :الرياض.
-رسالة رفع الصوت بذبح الموت :للسيوطي -مطبوع :ضمن الحاوي للفتاوى -طبع -
1352هـ ،تصوير /دار الكتب العلمية 1402 ،هـ :بيروت.
-الرسالة الوافية لمذهب أهل السنة في االعتقادات وأصول الديانات ألبي عمرو الداني ،دراسة
وتحقيق /دغش بن العجمي ،الطبعة األولى 1421هـ ،مكتبة دار اإلمام أحمد بن حنبل :الكويت.
-الرسالة لإلمام الشافعي ،تحقيق وشرح /أحمد شاكر ،طبعة دار الفكر.
-الرقة والبكاء :البن أبي الدنيا ،تحقيق /محمد خير رمضان يوسف ،الطبعة األولى 1415 :هـ،
مكتبة العبيكان :الرياض.
-الرؤية :للدارقطني ،تقدير وتحقيق وتعليق /إبراهيم محمد العلي ،وأحمد فخري الرفاعي،
الطبعة األولى 1411هـ ،مكتبة المنار للطباعة والنشر والتوزيع :الزرقاء -األردن.
-الروض البَّس ام بترتيب وتخريج فوائد تَّم ام ،لجاسم بن سليمان الفهيد الدوسري ،الطبعة األولى
1408هـ ،دار البشائر اإلسالمية :بيروت.
-الروض الداني إلى المعجم الصغير للطبراني ،تحقيق /محمد شكور محمود الحاج أمرير،
الطبعة األولى 1405 :هـ ،المكتب اإلسالمي :بيروت ،ودار عَّم ار :عَّم ان -األردن.
-الروح :البن قيم الجوزية ،دراسة وتحقيق /د .السيد الجميلي ،الطبعة الثانية 1406 :هـ ،دار
الكتاب العربي :بيروت.
()2/1053
-زاد المسير في علم التفسير :ألبي الفرج ابن الجوزي ،تحقيق /شعيب األرناؤوط وعبد القادر
األرناؤوط ،وزهير الشاويش ،الطبعة الرابعة 1407 :هـ ،المكتب اإلسالمي :بيروت.
-الزهد :لإلمام أحمد بن حنبل ،تحقيق /محمد بسيوني زغلول ،الطبعة األولى 1406 :هـ ،دار
الكتاب العربي :بيروت.
-الزهد :لعبد الَّله بن المبارك ،تحقيق /حبيب الرحمن األعظمي ،تصوير :دار الكتب العلمية:
بيروت.
-الزهد :لوكيع بن الجراح ،تحقيق /د .عبد الرحمن الفريوائي ،الطبعة األولى 1404 :هـ،
مكتبة الدار :المدينة النبوية.
-الزهد :الهَّناد بن السري ،تحقيق /د .عبد الرحمن الفريوائي ،الطبعة األولى 1406هـ دار
الخلفاء :الكويت.
-الزهد :ألسد السنة -أسد بن موسى -تحقيق /أبي إسحاق الحويني األثري ،الطبعة األولى
1413هـ ،مكتبة التوعية اإلسالمية إلحياء التراث اإلسالمي ،ومكتبة الوعي اإلسالمي :مصر.
-الزهد :ألبي داود السجستاني ،تحقيق /ياسر إبراهيم وغنيم عباس ،الطبعة األولى 1414هـ،
دار المشكاة :القاهرة.
-الزهد :البن أبي عاصم ،تحقيق /عبد العلي عبد الحميد حامد ،الطبعة الثانية 1408هـ الدار
السلفية :بومباي -الهند.
-زوائد تاريخ بغداد على الكتب الستة ،تأليف د .خلدون األحدب ،الطبعة األولى 1417هـ دار
القلم :دمشق.
-سر صناعة اإلعراب :ألبي الفتح عثمان بن ِج ِّني ،دراسة وتحقيق /د.
()2/1054
()2/1055
()2/1056
األولى 1406هـ 1411 -هـ ،الدار السلفية :بومباى -الهند.
-شعب اإليمان :للبيهقي ،تحقيق /محمد بسيوني زغلول ،الطبعة األولى دار الكتب العلمية:
بيروت.
-شرح مشكل اآلثار :ألبي جعفر الطحاوي ،تحقيق /شعيب األرناؤوط ،الطبعة األولى 1415
هـ ،مؤسسة الرسالة :بيروت.
-شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل البن قيم الجوزية ،تحقيق /عمر بن
سليمان الحفيان ،الطبعة األولى 1420هـ ،مكتبة العبيكان :الرياض.
-الشريعة :لآلجري ،تحقيق /عبد الَّله بن عمر الدميجي ،الطبعة الثانية 1420هـ دار الوطن:
الرياض.
-الِّص حاح :إلسماعيل بن حماد الجوهري ،حققه وضبطه /شهاب الدين أبو عمرو ،الطبعة
1418هـ ،دار الفكر :بيروت.
-الصحيح :لمسلم بن الحجاج النيسابوري ،الطبعة األولى 1422 -هـ -مكتبة الرشد:
الرياض.
-الصحيح :البن خزيمة ،تحقيق /محمد مصطفى األعظمي ،الطبعة الثانية 1412 ،هـ ،المكتب
اإلسالمي :بيروت.
-الصفات :للدارقطني ،تحقيق /علي بن محمد الفقيهي ،الطبعة األولى 1403هـ.
-صفة الجنة :البن أبي الدنيا ،تحقيق /عمرو عبد المنعم سليم ،الطبعة األولى 1417هـ ،مكتبة
ابن تيمية :القاهرة.
-صفة الجنة :ألبي نعيم األصبهاني ،تحقيق /علي رضا عبد الَّله ،الطبعة
()2/1057
()2/1058
العبسي ،تحقيق وتخريج /محمد بن حمد الحمود ،الطبعة الثانية 1410هـ ،مكتبة السنة:
القاهرة.
-العظمة ألبي الشيخ األصبهاني ،تحقيق /رضاء الَّله بن محمد بن إدريس المباركفوري ،الطبعة
األولى 1408هـ ،دار العاصمة :الرياض.
-العقود الُّدرية من مناقب شيخ اإلسالم أحمد بن تيمية :البن عبد الهادي ،تحقيق /محمد حامد
الفقي ،تصوير :مكتبة المؤيد :الرياض.
-العلل ومعرفة الرجال لإلمام أحمد -رواية ابنه عبد الَّله ،تحقيق /وصي الَّله عباس الطبعة
األولى 1408هـ ،المكتب اإلسالمي :بيروت.
-العلل الكبير للترمذي -ترتيب أبي طالب القاضي ،تحقيق /صبحي السامرائي ورفاقه ،الطبعة
األولى 1409هـ ،عالم الكتب ،ومكتبة النهضة العربية :بيروت.
-العلل البن أبي حاتم ،تحقيق /محب الدين الخطيب ،تصوير :دار المعرفة :بيروت.
-العلل للدارقطني ،تحقيق /محفوظ الرحمن السلفي ،الطبعة األولى ،دار طيبة :الرياض.
-العلل المتناهية في األحاديث الواهية ،ألبي الفرج ابن الجوزي ،تحقيق /خليل الميس ،الطبعة
األولى 1403هـ ،دار الكتب العلمية :بيروت.
-العلو للعلي العظيم للذهبي ،دراسة وتحقيق /عبد الَّله بن صالح البَّر اك ،الطبعة األولى 1420
هـ -دار الوطن :الرياض.
-عمل اليوم والليلة للنسائي ،تحقيق /فاروق حمادة ،الطبعة الثانية 1406 :هـ ،مؤسسة الرسالة:
بيروت.
-العين للخليل بن أحمد الفراهيدي ،طبعة مرتبة على الترتيب األلفبائي،
()2/1059
()2/1060
-فضائل الخلفاء األربعة وغيرهم ،ألبي نعيم األصبهاني ،تحقيق /صالح بن محمد العقيل :الطبعة
األولى 1417هـ -دار البخاري :المدينة -بريدة.
-فضائل الصحابة لإلمام أحمد ،تحقيق /وصي الَّله عباس ،الطبعة األولى 1403هـ مؤسسة
الرسالة :بيروت.
-فضل الصالة على النبي -صلى الَّله عليه وسلم -إلسماعيل بن إسحاق القاضي ،تحقيق /أسعد
سالم تيم ،الطبعة األولى 1423 :هـ ،دار العلوم اإلسالميةَ :عَّم ان -األردن.
-فهرس ابن خير األشبيلي ،وضع حواشيه /محمد فؤاد منصور ،الطبعة األولى 1419هـ -دار
الكتب العلمية :بيروت.
-فيما روي في الحوض والكوثر :لبقي بن مخلد األندلسي ،تحقيق /عبد القادر بن محمد عطا
صوفي ،الطبعة األولى 1413 -هـ -مكتبة العلوم والحكم :المدينة.
-القضاء والقدر ألبي بكر البيهقي ،تحقيق /محمد بن عبد الَّله آل عامر ،الطبعة األولى 1421
هـ ،مكتبة العبيكان :الرياض.
-الكافي في فقه أهل المدينة ألبي عمر ابن عبد البر األندلسي ،الطبعة الثالثة 1422 :هـ دار
الكتب العلمية :بيروت.
-الكامل في ضعفاء الرجال البن عدي ،تحقيق /سهيل زَّك ار ،الطبعة الثالثة 1409 :هـ ،دار
الفكر :بيروت.
-الكتاب لسيبويه :أبي بشر عمرو بن عثمان بن َقنبر ،تحقيق وشرح /عبد السالم محمد هارون،
الطبعة األولى ،دار الجيل :بيروت.
()2/1061
-الكامل للمبِّر د ،تحقيق /د :محمد أحمد الَّدالي ،الطبعة الثانية 1413هـ مؤسسة الرسالة:
بيروت.
-الكشاف للزمخشري ،وبذيله أربعة كتب ،رتبه وضبطه وصححه /مصطفى حسين أحمد،
الطبعة الثالثة 1407هـ ،دار الريان للتراث ،ودار الكتاب العربي :بيروت.
-كشف الخفا ومزيل اإللباس عما اشتهر من األحاديث على ألسنة الناس /إلسماعيل بن محمد
العجلوني ،أشرف على طبعه وتصحيحه /أحمد القالش .الطبعة الخامسة 1408هـ مؤسسة
الرسالة :بيروت.
-كشف األستار عن زوائد البزار -لنور الدين الهيثمي ،تحقيق /حبيب الرحمن األعظمي،
الطبعة الثانية 1404 -هـ ،مؤسسة الرسالة :بيروت.
-كشف -المشكل من حديث الصحيحين ألبي الفرج ابن الجوزي ،تحقيق /علي حسين
البَّو اب ،الطبعة األولى 1418هـ ،دار الوطن :الرياض.
-الكشف والبيان في تفسير القرآن :ألبي إسحاق الثعلبي ،الطبعة األولى 1423هـ ،دار إحياء
التراث العربي :بيروت.
-كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ،تأليف /حاجي خليفة ،دار الكتب العلمية :بيروت
1413هـ.
-كنز العمال في سنن األقوال واألفعال ،لعلي بن حسام الهندي ،ضبطه وفَّس ر غريبه /بكر
حياتي ،ووضح فهارسه /صفوة السقا 1413 -هـ ،مؤسسة الرسالة :بيروت.
-الكنى واألسماء للدوالبي ،الطبعة األولى :بمطبعة دائرة المعارف العثمانية :بحيدر آباد الدكن
1322هـ ،تصوير :دار الكتب العلمية :بيروت
()2/1062
1403هـ.
-الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات :البن الكَّيال ،دراسة وتحقيق /عبد
القيوم عبد رب النبي ،الطبعة األولى 1401هـ ،دار المأمون للتراث :دمشق -بيروت.
-الأللي المصنوعة في األحاديث الموضوعة ،لجالل الدين السيوطي ،طبع في 1403هـ دار
المعرفة :بيروت.
-لسان العرب البن منظور -محمد بن مكرم اإلفريقي -دار صادر :بيروت.
-لسان الميزان للحافظ ابن حجر العسقالني ،تحقيق /عبد الفتاح أبو غَّدة .الطبعة األولى
1423هـ ،مكتبة المطبوعات اإلسالمية :حلب.
-المؤتلف والمختلف للدارقطني ،دراسة وتحقيق /د .موفق عبد الَّله عبد القادر ،الطبعة األولى
1406هـ ،دار الغرب اإلسالمي :بيروت.
-مجاز القرآن :ألبي عبيدة معمر بن المثنى تحقيق /د .محمد فؤاد سزكين ،طبع 1374هـ،
مكتبة الخانجي :القاهرة.
-المجروحين ،البن حبان ،تحقيق /محمود إبراهيم زائد ،تصوير :دار الوعي :حلب 1402 -
هـ.
-مجمع الزوائد ومنبع الفوائد :لنور الدين الهيثمي ،نشره /حسام الدين قدسي ،تصوير :دار
الكتب العربي :بيروت.
-مجموع فتاوى شيخ اإلسالم أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني ،جمع وترتيب /عبد
الرحمن بن قاسم النجدي ،وابنه محمد 1412هـ ،دار عالم الكتب للطباعة والنشر :الرياض.
()2/1063
-المجموع الَّلفيف :إلبراهيم السامرائي ،الطبعة األولى 1407هـ ،دار َعَّم ان :األردن.
-المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز البن عطية األندلسي ،تحقيق /المجلس العلمي بفاس
1397هـ ،دار الكتب اإلسالمي :القاهرة.
-المحَّلى :البن حزم األندلسي ،تحقيق /أحمد محمد شاكر ،دار التراث.
-مختصر استدراك الذهبي على مستدرك الحاكم :البن الملقن ،تحقيق /د .عبد الَّله اللحيدان،
وسعد الحميد ،الطبعة األولى 1411هـ ،دار العاصمة :الرياض.
-مختصر الصواعق المرسلة :للموصلي ،طبع 1405 :هـ ،دار الندوة الجديدة :بيروت.
-المخصص :البن سْيدة -علي بن إسماعيل -تحقيق /لجنة إحياء التراث العربي ،دار إحياء
التراث العربي :بيروت.
-المراسيل البن أبي حاتم الرازي ،تحقيق /شكر الَّله نعمة الَّله قوجاني ،الطبعة الثانية1418 :
هـ ،مؤسسة الرسالة :بيروت.
-المراسيل ألبي داود السجستاني ،تحقيق /شعيب األرناؤوط ،الطبعة األولى 1408هـ ،مؤسسة
الرسالة :بيروت.
-المرسل الخفي وعالقته بالتدليس ،دراسة نظرية وتطبيقية على مرويات الحسن البصري،
للشريف حاتم العوني ،الطبعة األولى 1418هـ -دار الهجرة.
-المسائل عن اإلمام أحمد -رواية أبي داود السجستاني ،تحقيق /محمد رشيد رضا ،تصوير:
دار المعرفة :بيروت.
()2/1064
-المسائل عن اإلمام أحمد -رواية :إسحاق بن إبراهيم بن هانئ ،تحقيق /زهير الشاويش الطبعة
األولى من 1394هـ 1400 -هـ -المكتب اإلسالمي :بيروت.
-المسائل عن اإلمام أحمد وإسحاق بن راهويه -رواية إسحاق بن منصور الكوسج ،تحقيق/
خالد الرباط ووئام الحوشي ،وجمعه فتحي ،الطبعة األولى 1425هـ ،مكتبة الرشد :الرياض.
-المستخرج على صحيح مسلم ،ألبي عوانة اإلسفراييني ،تحقيق /أيمن بن عارف الدمشقي،
الطبعة األولى 1419هـ ،دار المعرفة :بيروت.
-المستطرف من كل فن مستظرف :لشهاب الدين محمد بن أحمد األبشيهي :طبع 1986م
دار مكتبة الحياة للطباعة والنشر :بيروت.
-المستدرك على الصحيحين للحاكم ،تحقيق /مصطفى عبد القادر عطا ،الطبعة األولى 1411
هـ ،دار الكتب العلمية :بيروت.
-المسند لإلمام أحمد بن حنبل ،تحقيق /شعيب األرناؤوط ومحمد نعيم العرقسوسي وعادل
مرشد وإبراهيم الزيبق ،الطبعة األولى 1421 - 1416هـ ،مؤسسة الرسالة :بيروت.
-مسند البزار (البحر الزَّخار) تحقيق /محفوظ الرحمن السلفي ،الطبعة األولى 1409هـ ،مكتبة
العلوم والحكم :المدينة.
-مسند الروياني ،تحقيق /أيمن علي أبو يماني ،الطبعة األولى 1416هـ مؤسسة قرطبة :القاهرة.
-مسند الشاشي :للهيثم بن كليب ،تحقيق /محفوظ الرحمن زين الَّله ،الطبعة األولى ،مكتبة
العلوم والحكم :المدينة.
()2/1065
-مسند الشاميين للطبراني ،تحقيق /حمدي عبد المجيد السلفي ،الطبعة األولى 1409هـ،
مؤسسة الرسالة :بيروت.
-المسند ألبي داود الطيالسي ،تحقيق /د .محمد التركي ،الطبعة األولى 1419هـ ،دار َه َج ر:
القاهرة.
-مسند الفاروق البن كثير ،تحقيق /د .عبد المعطي قلعجي ،الطبعة األولى 1411هـ ،دار
الوفاء المنصورة.
-المسند ألبي يعلى الموصلي ،تحقيق /حسين سليم أسد ،الطبعة األولى 1412هـ ،دار الثقافة
العربية :دمشق.
-المسند لعبد الَّله بن المبارك ،تحقيق /صبحي السامرائي ،الطبعة األولى 1407هـ ،مكتبة
المعارف :الرياض.
-المسند البن الجعد (الجعديات) ،تحقيق /عبد المهدي عبد الهادي ،الطبعة األولى 1405هـ،
مكتبة الفالح :الكويت.
-المسند للدارمي = سنن الدارمي.
-مسند الشهاب -للقضاعي ،تحقيق /حمدي عبد المجيد السلفي ،الطبعة الثانية ،مؤسسة
الرسالة :بيروت.
-المسند إلسحاق بن راهويه ،تحقيق /عبد الغفور عبد الحق البلوشي ،الطبعة األولى 1410هـ،
مكتبة اإليمان :المدينة.
-المسند لعبد الَّله بن الزبير الحميدي ،حقق أصوله وعَّلق عليه /حبيب الرحمن األعظمي،
الطبعة األولى 1409 :هـ ،دار الكتب العلمية :بيروت.
-المسند لإلمام محمد بن إدريس الشافعي ،ومعه :شفاء العي بتخريج
()2/1066
وتحقيق مسند اإلمام الشافعي :مجدي محمد عرفات ،الطبعة األولى 1416هـ ،مكتبة ابن تيمية:
القاهرة.
-المسند ألبي بكر عبد الَّله بن محمد بن أبي شيبة ،تحقيق /عادل العزازي ،وأحمد فريد
المزيدي ،الطبعة األولى 1418هـ ،دار الجيل :بيروت ،والشركة المتحدة :الكويت.
-المسند الجامع ألحاديث الكتب الستة ومؤلفات أصحابها ،وموطأ مالك ،ومسانيد :الحميدي
وأحمد وعبد بن حميد وسنن الدارمي وصحيح ابن خزيمة ،حققه ورتبه وضبطه /د .بشار عواد
معروف ،ورفقائه ،الطبعة األولى 1413 :هـ ،دار الجيل :بيروت ،والشركة المتحدة :الكويت.
-المشيخة إلبراهيم بن طهمان ،تحقيق /د .محمد طاهر مالك ،الطبعة األولى 1403 -هـ،
مجمع اللغة العربية :دمشق.
-مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه للبوصيري :أحمد بن أبي بكر إسماعيل ،تحقيق /موسى
محمد علي ،ود .عزت علي عطية ،دار الكتب الحديثة :القاهرة.
-المصنف :لعبد الرزاق بن همام الصنعاني ،تحقيق /حبيب الرحمن األعظمي ،الطبعة الثانية:
1403هـ ،المكتب اإلسالمي :بيروت.
-المصنف :البن أبي شيبة ،ضبطه وصححه /محمد عبد السالم شاهين ،الطبعة األولى1416 ،
هـ ،دار الكتب العلمية :بيروت.
-المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية للحافظ ابن حجر العسقالني ،تحقيق /مجموعة من
الباحثين ،تنسيق /د .سعد بن ناصر الشثري ،الطبعة األولى 1419هـ دار العاصمة ودار الغيث:
الرياض.
()2/1067
-المعارف البن قتيبة الدينوري ،الطبعة األولى 1407هـ ،دار الكتب العلمية :بيروت.
-معاني القرآن وإعرابه ،للزجاج ،شرح وتحقيق /د .عبد الجليل عبده شلبي ،وخرج أحاديثه/
علي جمال الدين ،الطبعة األولى 1414هـ ،دار الحديث :مصر.
-معاني القرآن الكريم ألبي جعفر النحاس ،تحقيق /محمد علي الصابوني ،الطبعة األولى 1410
هـ ،جامعة أم القرى :مكة المكرمة.
-معاني القرآن للفَّر اء ،تحقيق /أحمد يوسف نجاتي ومحمد علي النجار -بدون تاريخ نشر وال
دار طبع.
-المعجم الكبير للطبراني ،تحقيق /حمدي عبد المجيد السلفي ،الطبعة الثانية 1404هـ -
العراق ،تصوير :مكتبة ابن تيمية :القاهرة.
-المعجم الصغير للطبراني = الروض الداني.
-المعجم األوسط للطبراني ،تحقيق /محمد حسن محمد الشافعي ،الطبعة األولى 1420هـ دار
الكتب العلمية :بيروت.
-المعجم الوسيط ،أخرجه /إبراهيم أنيس ،وعبد الحليم منتصر وعطية الصوالحي ومحمد خلف
الَّله أحمد ،بإشراف /حسن علي عطية ومحمد شوقي أمين ،الطبعة الثانية 1392هـ.
-المعجم للطبراني (الجزء المفقود قطعة من الجزء )13 :تحقيق /طارق عوض الَّله الطبعة
األولى 1414 ،هـ ،دار الراية :الرياض.
-معالم التنزيل للبغوي ،تحقيق /محمد النمر وعثمان ضميرية وسليمان الحرش ،الطبعة األولى
1409هـ ،دار طيبة :الرياض.
()2/1068
-المعجم في أسامي شيوخ أبي بكر اإلسماعيلي ،ألبي بكر اإلسماعيلي ،تحقيق /د .زياد
منصور ،الطبعة األولى 1410هـ مكتبة العلوم والحكم :المدينة.
-معجم الشيوخ البن عساكر ،تحقيق /د .وفاء تقي الدين ،الطبعة األولى 1421هـ ،دار
البشائر :دمشق.
-معجم تهذيب اللغة لألزهري ،ترتيب وتحقيق /د .رياض زكي قاسم الطبعة األولى 1422هـ
دار المعرفة :بيروت.
-المعجم العربي ألسماء المالبس ،للدكتور /رجب عبد الجواد إبراهيم ،الطبعة األولى1423 ،
هـ ،دار اآلفاق العربية :القاهرة.
-معجم عطية في العامي والدخيل ،تأليف /رشيد عطية ،ضبطه وصححه /خالد عبد الَّله الكرمي،
الطبعة األولى 1424هـ -دار الكتب العلمية :بيروت.
-المعجم الذهبي لمحمد التونجي ،الطبعة األولى 1969م ،دار العلم للماليين :بيروت.
-معجم البلدان لشهاب الدين ياقوت بن عبد الَّله الحموي ،تحقيق /فريد عبد العزيز الجندي،
الطبعة األولى 1410هـ ،دار الكتب العلمية :بيروت.
-معجم ما استعجم من أسماء البلدان والمواضع ألبي عبيد عبد الَّله بن عبد العزيز البكري،
تحقيق /مصطفى السقا ،الطبعة األولى 1364هـ ،عالم الكتب :بيروت.
-معجم اإلسماعيلي = المعجم في أسامي شيوخ أبي بكر اإلسماعيلي.
-معجم الصحابة لعبد الباقي بن قانع ،تحقيق /خليل إبراهيم قوتالي ،الطبعة األولى 1418هـ،
مكتبة نزار الباز :مكة المكرمة.
()2/1069
-المعَّر ب من الكالم األعجمي على حروف المعجم ،ألبي منصور ،موهوب بن أحمد
الجواليقي ،علق عليه /خليل عمران المنصور ،الطبعة األولى 1419هـ دار الكتب العلمية:
بيروت.
-المعرفة والتاريخ للفسوي ،حققه وعَّلق عليه /أكرم ضياء العمري ،الطبعة األولى 1410هـ،
مكتبة الدار :المدينة.
-معرفة الصحابة ألبي نعيم األصبهاني ،تحقيق /عادل العزازي ،الطبعة األولى 1419هـ ،دار
الوطن :الرياض.
-المعونة على مذهب عالم المدينة ،للقاضي /عبد الوهاب البغدادي ،دراسة وتحقيق /حميش
عبد الحق ،الطبعة األولى 1419هـ -دار الفكر :بيروت.
-مغني اللبيب عن كتب األعاريب البن هشام األنصاري ،حققه وعلق عليه /د .مازن المبارك،
ومحمد علي حمد الَّله ،وراجعه /سعيد األفغاني ،الطبعة السادسة 1985م ،دار الفكر :بيروت.
-المفَّضلَّيات ،تحقيق وشرح /أحمد شاكر وعبد السالم هارون ،الطبعة السابعة ،طبع بمطابع
دار المعارف :مصر.
-مفتاح دار السعادة ومنشور والية العلم واإلرادة :البن قيم الجوزية ،تحقيق /علي حسن عبد
الحميد ،الطبعة األولى 1416هـ ،دار ابن عَّف ان :الُخ بر.
-مفاتيح الغيب (التفسير الكبير) لفخر الدين محمد بن عمر الرازي ،قدم له /خليل الميس ،طبعة
1414هـ -دار الفكر :بيروت.
()2/1070
-مقاالت اإلسالميين واختالف المصلين ألبي الحسن األشعري ،تحقيق /محمد محي الدين عبد
الحميد ،الطبعة الثانية 1389هـ ،مكتبة النهضة المصرية :القاهرة.
-المقاصد الحسنة في بيان كثير من األحاديث المشتهرة على األلسنة :للسخاوي ،صححه
وعَّلق عليه /عبد الَّله الصديق ،الطبعة األولى 1407هـ ،دار الكتب العلمية :بيروت.
-المقتضب ألبي العباس المبرد ،تحقيق /عبد الخالق عضيمة ،الطبعة األولى 1415 :هـ ،لجنة
إحياء التراث اإلسالمي :القاهرة.
-مكارم األخالق للخرائطي ،تحقيق /سعاد سليمان الخندقاوي ،الطبعة األولى 1411هـ ،مطبعة
المدني :مصر.
َ -مْن اسمه عطاء للطبراني ،تحقيق /هشام بن إسماعيل السقا ،مراجعة /محمود الحداد الطبعة
األولى 1405هـ ،دار عالم الكتب :الرياض.
-المنتخب من الجزء األول من فوائد خيثمة بن سليمان ،دراسة وتحقيق /د .عمر عبد السالم
تدمري ،طبع 1400هـ ،دار الكتاب العربي :بيروت.
-المنتخب من مسند عبد بن حميد ،تحقيق /مصطفى العدوي ،الطبعة األولى 1405هـ مكتبة
ابن حجر :مكة المكرمة ،دار األرقم :الكويت.
-المنتقى البن الجارود ،مع تخريجه المسَّم ى :غوث المكدود ،ألبي إسحاق الحويني الطبعة
األولى 1408هـ ،دار الكتاب العربي :بيروت.
-منهاج السنة النبوية :لشيخ اإلسالم ابن تيمية ،تحقيق /د .محمد رشاد سالم ،الطبعة الثانية
1409هـ ،تصوير :مكتبة ابن تيمية :القاهرة.
-موافقة الُخ ْبر الَخ َبر في تخريج أحاديث المختصر للحافظ ابن حجر
()2/1071
العسقالني ،تحقيق /حمدي عبد المجيد السلفي ،وصبحي السامرائي ،الطبعة الثانية 1414هـ،
مكتبة الرشد :الرياض.
-موضح أوهام الجمع والتفريق للخطيب البغدادي ،تحقيق /عبد الرحمن بن يحيى المعلمي،
طبعة مجلس دائرة المعارف :الهند ،تصوير :دار الكتب العلمية :بيروت.
-الموضوعات البن الجوزي ،خَّر ج آياته وأحاديثه /توفيق حمدان ،الطبعة األولى 1415 :هـ،
دار الكتب العلمية :بيروت.
-الموطأ لإلمام مالك بن أنس ،رواية :يحيى بن يحيى ،تحقيق /د .بشار عواد معروف ،الطبعة
الثانية 1417هـ ،دار الغرب اإلسالمي :بيروت.
-ميزان االعتدال في نقد الرجال للذهبي ،تحقيق /علي معَّو ض ،وعادل عبد الموجود وعبد
الفتاح أبو سنة ،الطبعة األولى 1416هـ ،دار الكتب العلمية :بيروت.
-نتائج األفكار في تخريج أحاديث األذكار :للحافظ ابن حجر العسقالني ،تحقيق /حمدي عبد
المجيد السلفي ،الطبعة األولى 1421هـ .دار ابن كثير :دمشق.
-نسخة وكيع عن األعمش ،لوكيع بن الجراح ،تحقيق /د .عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي،
الطبعة الثانية 1406هـ ،الدار السلفية :الكويت.
-النشر في القراءات العشر البن الجزري -أبي الخير محمد بن محمد الدمشقي ،اعتنى به/
زكريا عميرات ،الطبعة الثانية 1423هـ ،دار الكتب العلمية :بيروت.
-نصب الراية لتخريج أحاديث الهداية للزيلعي ،تحقيق /المجلس العلمي
()2/1072
()2/1073
- 3تحقيق وتعليق /أحمد عبد الرحيم السايح والسيد الجميلي ،الطبعة األولى 1408 ،هـ ،دار
الريان للتراث :القاهرة.
-وصف الفردوس لعبد الملك بن حبيب السلمي القرطبي ،الطبعة األولى 1407هـ دار الكتب
العلمية :بيروت.
()2/1074