You are on page 1of 34

‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‬

‫العلم‬
‫ي‬ ‫العال والبحث‬
‫ي‬ ‫وزارة التعليم‬
‫اهيم‪-‬برج بوعريري ج‪-‬‬
‫ي‬ ‫جامعة محمد البشي اإلبر‬
‫كلية العلوم اإلجتماعية واإلنسانية‬

‫قسم العلوم اإلنسانية‬


‫الفوج '‪'1‬‬ ‫قسم السنة الثالثة تاري خ عام‬
‫مقياس‪ :‬اإلستعمار وحركات التحرر‬

‫أستاذ المقياس‪:‬‬ ‫من إعداد‪:‬‬


‫د‪ /‬جمال الدين عمراوي‬ ‫حموش عبد القادر‬
‫بلعباس شعيب‬
‫بوعيس جهاد‬
‫ي‬
‫رحال مراد‬
‫ي‬
‫السنة الجامعية ‪2024 /2023‬‬
‫خطة البحث‬
‫مقدمة‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬لمحة تاريخية عن ليبيا‪.‬‬


‫المطلب األول‪ :‬أصل التسمية‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الموقع والمساحة‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬السكان والديانة‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬دوافع اإلحتالل اإليطالي لليبيا‪.‬‬


‫المطلب األول‪ :‬الدوافع السياسية‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الدوافع اإلقتصادية واإلجتماعية‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬الدوافع الحضارية والثقافية‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬مراحل اإلحتالل اإليطالي لليبيا‪.‬‬


‫المطلب األول‪ :‬مرحلة التوغل السلمي ‪.1911/1880‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مرحلة الغزو العسكري ‪.1934/1911‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬مرحلة اإلستقرار ‪.1943/1934‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬المقاومة الليبية وطرد االحتالل‪.‬‬


‫المطلب األول‪ :‬المقاومة السنوسية‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مقاومة عمر المختار‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬نهاية االحتالل‪.‬‬

‫خاتمة‪.‬‬

‫قائمة المصدر والمراجع‪.‬‬


‫مقدمة‪.‬‬
‫ً‬
‫وحيوية‪،‬‬ ‫ً‬
‫هامة‬ ‫ً‬
‫حقبة‬ ‫تتناول الفترة التاريخية الممتدة بين عامي ‪ 1911‬و‪ 1943‬في تاريخ ليبيا‬
‫حيث شهدت البالد خاللها فترة اإلحتالل اإليطالي والتي تعتبر واحدة من الفصول المظلمة في‬
‫تاريخها‪ .‬كانت هذه الفترة الزمنية مليئة باألحداث الهامة والتحوالت الكبيرة التي أثرت بشكل‬
‫عميق على نسيج المجتمع الليبي وطبيعة الصراعات الوطنية‪.‬‬

‫بدأ االحتالل اإليطالي لليبيا في عام ‪ ،1911‬حيث استندت هذه الحملة العسكرية على مطامع‬
‫اإلمبراطورية اإليطالية في التوسع االستعماري والسيطرة على الموارد االقتصادية والجغرافية‬
‫للمنطقة فتشكلت المقاومة الليبية ضد هذه االطماع ورغبتا في طرد اإلحتالل‪ .‬إستمر هذا‬
‫االحتالل حتى قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية عام ‪ ،1943‬مما أدى إلى تشكيل واقع جديد‬
‫لليبيا وتأثيرات دامت لسنوات عديدة بعد انسحاب القوات اإليطالية تاركتا وراءها حقبة‬
‫تاريخية سوداوية ومعقدة في األرشيف الليبي‪ .‬فكيف كان مسار االحتالل اإليطالي لليبيا؟‬
‫وماهي دوافعه؟ وكيف كان الرد الليبي تجاهه؟‬

‫وإعتمدنا على خطة بحث من أربع مباحث كل مبحث يندرج تحته ثالث مطالب وعناوين‬
‫هاته المباحث على السياق التالي المبحث األول بعنوان لمحة تاريخية عن ليبيا والثاني بعنوان‬
‫دوافع االحتالل اإليطالي لليبيا والذي بعده بعنوان مراحل هذا االحتالل واألخير عنوانه المقاومة‬
‫ونهاية المحتل‪ .‬انتهجنا في هذا البحث المنهج التاريخي السردي واعتمدنا على كثير المصادر‬
‫أهمها حافظ البوري عبد المنصف الغزو اإليطالي لليبيا وكتاب العربي إسماعيل العربي حاضر‬
‫الدول اإلسالمية في القارة اإلفريقية ولم نواجه أية صعوبات تذكر سوى طول البحث‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المبحث األول‪ :‬لمحة تاريخية عن ليبيا‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬أصل التسمية‪.‬‬
‫توصل أحد أبناء ليبيا في بحث له عن أصل هذه التسمية إلى النتيجة التالية‪( :‬ليبيا اسم عريق في قدمه‪...‬‬
‫يرجع إلى أكثر من ألفي سنة قبل الميالد‪ ،‬يستحيل تاريخيا ً ولغويا ً الجزم بصحة رسمه (لوبيا)أو(ليبيا) على ّ‬
‫أحد الوجهين دون اآلخر‪ ،‬إال باالقتصار تحيزا على لغة واحدة في عصر بذاته‪ ،‬وليس هذا مما يرضي منطق العلم‬
‫وال فضول العلماء‪ .‬وهو اآلن شعبيا ً ورسميا ً ودوليا ً ّ قد شاع وقبل وتأكد على أنه (ليبيا) ويجدر بنا منذ البداية‬
‫أن نشير إلى أن المدلول الجغرافي ألسماء األقاليم والدول لم يكن في القديم محددا ً واضحا ً كما هو عليه الحال‬
‫في أيامنا هذه بل كانت البالد تسمى غالبا ً باسم الشعب الذي يسكنها‪ .‬وواضح أن مرت بعصور بدواة تختلف‬
‫طوال وقصرا وأن الشعب طور بداوته لم يكن ليستقر ضمن حدود جغرافية ثابتة‪ ،‬مم ً يجعل رقعة البالد التي‬
‫يسكنها أصال تمتد أو تتقلص تبعا ً لتحركاته وانتصاره أو اندحاره ‪.‬ومن الناحية األخرى فإن مسألة االنتماء‬
‫لوطن معين أو أمة معينة هي ظاهرة حضاري ة متأخرة ال تتولد عند األفراد والجماعات إال بعد خروجهم من‬
‫دور البداوة‪ ،‬وتحررهم من الرابطة القبلية التي تحتم عليهم أن يكون والؤهم وانتماؤهم للقبيلة وليس للوطن‬
‫أو األمة وعلى هذا فإن الداللة الجغرافية السم بلد من البلدان كانت تختلف من عصر إلى آخر قبل عصر‬
‫االستقرار؛ فالمصريون القدماء كانوا يعتبرون ليبيا الصحراء المجاورة لهم من الغرب والتي تمتد بعيدا ً حتى‬
‫(عالم األموات) بينما استعمل المؤرخ اإلغريقي هيرودوتس (القرن الخامس قبل الميالد) كلمة ليبيا ليدل‬
‫بها مرة على كل الشمال اإلفريقي الواقع إلى الغرب من مصر‪ ،‬ومرة على برقة فقط‪ ،‬ومرة على إفريقيا عامة‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى فإن تحركات األفراد والجماعات كانت طليقة إلى حد كبير وال تخضع ألية قيود غير القيود‬
‫التي كانت تفرضها عليها مصالحها وظروفها‪ .‬وستتضح هذه الحقيقة عندما نالحظ مدى الحرية التي كانت‬
‫القبائل الليبية القدمية تتحرك بها عبر الحدود الليبية – المصرية‪ .‬ولهذه الحقيقة أهمية بالغة‪ ،‬كما لما كان‬
‫لها من أثر على المنطقتين‪ .‬ثم هنالك مسألة أخرى هي اتساع ليبيا الهائل وغلبة الطبيعة الصحراوية عليها‬
‫مما يجعل تعيني خط حدود لها في الجنوب بالغ الصعوبة حتى في هذا القرن العشرين فما بالك في األزمنة‬
‫الموغلة في القدم؟ وإذن فإن كلمة ليبيا لم تحمل داللتها الجغرافية الحالية إال في مطلع هذا القرن – أما في‬
‫الماضي فقد غلب استعمال كلمة ( أنطابلس – بنطابولس ) أي المدن الخمس على المحافظات الشرقية في‬
‫برقة وكلمة أطرابلس) طرابلس) أي المدن الثالث على المحافظات الغربية في منطقة طرابلس؛ وكان تاريخ‬
‫هاتين المنطقتين يمثل إلى حد كبير تاريخ ليبيا بمفهومهما الجغرافي المعاصر – أما الدواخل أي المحافظات‬
‫الجنوبية في فزان فقلما سجل تاريخها بنفس المستوى الذي سجل به تاريخ المنطقتين السابقتين بل قلما‬
‫حفظ من حقائقه ما يكفي لرسم صورة مرضية ألحوال هذه المنطقة في مراحل تاريخها القديم – ولهذا السبب‬
‫فإن الدارس أو الباحث لن يستطيع أن يفي تاريخ هذه المنطقة حقها الضروري – والرجاء معقود على أن‬

‫‪2‬‬
‫ينشط علم اآلثار في إجراء الحفريات والدراسات لفتح مغاليق تاريخ هذه المساحة الداخلية الواسعة من‬
‫‪1‬‬
‫ليبيا‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الموقع والمساحة‪.‬‬


‫ليبيا تحتل موقعا ً استراتيجيا ً هاما ً يقع في شمال إفريقيا‪ ،‬وهو يشكل وصلة بين المنطقة الشرقية للعالم‬
‫العربي والمنطقة الغربية‪ .‬تمتد ليبيا بين خطوط العرض ‪ 20‬و‪ 33‬درجة شماال ً‪ ،‬وبين خطوط الطول ‪ 9‬و‪25‬‬
‫درجة شرقاً‪ .‬تطل ليبيا من الشمال على البحر األبيض المتوسط‪ ،‬حيث يمتد الساحل الليبي على طول ‪1850‬‬
‫كيلومتر‪ .‬تحدها من الشرق مصر‪ ،‬ومن الجنوب الشرقي تقاسم الحدود مع السودان‪ .‬وتحدها من الجنوب دول‬
‫تشاد والنيجر‪ ،‬بينما تحدها من الغرب تونس والجزائر‪ .‬وتبلغ مساحة ليبيا تبلغ حوالي ‪ 1.760.000‬كيلومتر‬
‫مربع‪ ،‬وهي تقع في شمال القارة اإلفريقية‪ .‬يمتد اإلقليم الليبي من الجهة الشرقية مع مصر وصوال ً إلى الحدود‬
‫الغربية مع تونس والجزائر غربا‪ ،‬وليبيا ذات موقع متميز وثروة طبيعية هائلة‪ ،‬وصحراء واسعة ‪.‬كما أن أراضيها‬
‫تتوغل جنوبا في الصحراء الوسطى حتى حدود جمهورية النيجر وجمهورية تشاد‪ ،‬وتتألقي حدودها مع حدود‬
‫السودان على طول ‪ 933‬كلم في أراضي‪ ،‬اعتبرت من أكبر الصحاري في العالم حسب توزيع المساحات‬
‫صحراوية قاحلة أما حسب المراتب تعتبر ليبيا رابع أكبر البلدان مساحة في إفريقيا والسادسة عشرة على‬
‫مستوى العالم ‪.‬حيث جعل منها هذا الموقع وهاته المساحة همزة وصل‪ ،‬بين المغرب العربي والشرق‬
‫األوسط وبين إفريقيا الشمالية وإفريقيا السوداء‪ ،‬وبين إفريقيا وأوروبا بسبب شواطئها على طول البحر‬
‫‪2‬‬
‫األبيض‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬السكان والديانة‬


‫‪/1‬السكان‬
‫سكان ليبيا هم مزيج من أعراق وإثنيات عديدة تعايشت فيما بينها طيلة سبعة أالف سنة على األرض‬
‫الليبية مكونة من‪ :‬العرب‪ ،‬واألمازيغ‪ ،‬والطوارق‪ ،‬والتبو‪ ،‬ويتألف من أكثر من ألف وخمسمائة قبيلة‪ ،‬أي أن‬
‫المكون األساسي للشعب الليبي القبائل الليبية تمتد من شرقها‪ ،‬إلى الحدود الغربية على امتداد الساحل‬
‫الليبي‪ ،‬ومن شمالها إلى أقصي جنوبها وتمثل القبائل العربية األغلبية الساحقة لمكونات هذا الشعب‪ .‬إضافة‬
‫‪3‬‬
‫إلى قبائل األمازيغ‪ ،‬والطوارق والتبو في الجنوب‪.‬‬

‫‪ ) 1‬د‪ .‬عبد اللطيف محمود البرغوثي التاريخ الليبي القديم من أقدم العصور حتى الفتح اإلسالمي (الجزء األول( أعده للنشر (تامنغست)‬
‫ص‪18.17‬‬
‫‪ ) 2‬شريفة أمين قاضي االحتالل اإليطالي والمقاومة الليبية ‪ 1951/1911‬شعبة التاريخ قسم العلوم اإلنسانية كلية العلوم اإلنسانية واإلجتماعية‬
‫جامعة محمد خيضر‪ -‬بسكرة‪ -‬السنة الجامعية ‪ 2015/2014‬ص ‪11.10‬‬
‫‪ ) 3‬عبد السالم جمعة زاقود‪ :‬مسار المصالحة الوطنية والسلم االجتماعي ليبيا‪ ،‬دار زهران للنشر والتوزيع عمان األردن ص ‪40,28‬‬

‫‪3‬‬
‫أما السكان المسلمون فيتكونون من عنصرين عربي وبربري مستعرب‪ .‬والبربر كلهم موجودون في والية‬
‫طرابلس وفزان وجبل نفوسة‪ ،‬وواحة أوجلة الواقعة جنوب والية برقة‪ ،‬وفي الساحل الغربي لزوارة وواحة غات‬
‫‪1‬‬
‫وغدامس‪ .‬كما ينقسمون إلى عدد من القبائل العربية‪.‬‬

‫كما يرى هيرودوت أن بحيرة تريتون وهي خليج قابس بتونس على األرجح هي الحد الفاصل بين‬
‫مجموعتين من الليبيين‪ ،‬إحداهما تعيش إلى الغرب ألفو حياة اإلستقرار‪ ،‬والثانية تعيش إلى الشرق من‬
‫البحيرة تتألف من بدو رعاة وعلى حسب هذا القول أخذ البعض بوجود ليبين شرقيين وغربيين‪ .‬ويقول مصدر‬
‫آخر أن سكان ليبيا من األعراب‪ ،‬أي أن في كالمهم فضاضة‪ ،‬وأنهم من قراء القرآن مثل ما وصفهم في قوله‪:‬‬
‫(يقرؤون التراتيل) ويسكنون القفار البرية ولكن لم يكثر ورود الناس عليهم فلم يختلط كالمهم بغيره‪ .‬وهم‬
‫إلى اآلن على عربيتهم ولم يفسد من كالمهم إال قليل‪ .‬ويوصف أهل وسكان برقة بقول‪( :‬عرب برقة اليوم من‬
‫أفصح طرابلس ويقول‪ :‬للجهل مأتم وما للعلم بها غرس ‪.‬أقفرت ظاهرا وباطنا‪ .‬وكأنهم من ضيق أفهامهم لم‬
‫‪2‬‬
‫يخرجوا بعد إلى العالم)‪.‬‬

‫‪ /2‬الديانة‬
‫الليبيون يدينون باإلسالم الذي هو الدين الرسمي في ليبيا‪ ،‬ويتبعون على األغلب المذهب المالكي‪ .‬هناك‬
‫ً‬
‫أيضا أقلية من البربر تقطن في بعض المناطق مثل طرابلس وزواعة وجبل نفوسة‪ ،‬وهؤالء يدينون بالمذهب‬
‫اإلباضي‪ .‬في الماضي‪ ،‬كان هناك ً‬
‫أيضا انتشار للطرق الصوفية والزوايا في ليبيا‪.‬‬

‫بالنسبة للمذاهب اإلسالمية األخرى‪ُ ،‬يظهر النص أن الغالبية العظمى من الليبيين يتبعون المذهب‬
‫المالكي‪ ،‬وليس هناك انقسامات مذهبية واضحة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬هناك بعض األفراد الذين يتبعون المذاهب‬
‫األخرى‪ .‬أما السنة الشاذلية فقد كان لهم تأثير وتواجد في ليبيا منذ القرون السابقة‪ ،‬وكان لديهم تأثير في البالد‪.‬‬

‫بالنسبة للديانات غير اإلسالمية‪ ،‬يبدو أنها ضعيفة في ليبيا‪ ،‬والكاثوليك هم أحد أقليات الديانة النصرانية في‬
‫البالد‪ ،‬حيث يوجد كنيستين لهم في طرابلس وبنغازي‪ .‬ومعظم الليبيين يدينون باإلسالم المعتدل المالكي أو‬
‫‪3‬‬
‫المذهب اإلباضي‪ ،‬وال يوجد انقسامات مذهبية واضحة بينهم‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫‪ ) 1‬إسماعيل العربي‪ :‬حاضر الدول اإلسالمية في القارة اإلفريقية المؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬الجزائر ص‪.59‬‬

‫‪ ) 2‬شريفة أمين قاضي االحتالل اإليطالي والمقاومة الليبية ‪( 1951/1911‬المرجع السابق) ص ‪.17.16‬‬

‫‪ ) 3‬نفسه‬

‫‪4‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬دوافع اإلحتالل اإليطالي لليبيا‬
‫المطلب األول‪ :‬الدوافع السياسية‬
‫شكلت المتغيرات الداخلية والخارجية إليطاليا دافعا رئيسيا في توجهها اإلستعماري حيث حققت وحدتها‬
‫القومية بتوحد مجموعة من الدويالت اإليطالية الصغيرة سنة ‪ 1871‬وأصبحت بذلك قوة جديدة في المحيط‬
‫الدولي لها تطلعاتها التوسعية‪ ،‬فيما يلي أهم الدوافع السياسية التي كانت وراء احتالل ايطاليا لطرابلس‬
‫الغرب ‪ .‬وكان ت إيطاليا بعد تحقيق الوحدة منهكة القوى ومحملة بأعباء كمشكالت داخلية كالفقر والبطالة‪،‬‬
‫باإلضافة إلى انعدام االستقرار في الحكومة‪ ،‬مما أدى إلى نوع من الفوضى واإلرتباك داخل البالد‪ ،‬وفشل سياسة‬
‫اإلصالح في حل المشاكل الداخلية بصورة جذرية‪ ،‬وهو ما دفع بالحكومة اإليطالية إلى التوسع االستعماري‬
‫لحل مشاكلها الداخلية من جهة‪ ،‬وكمحاولة لصرف من جهة أخرى نجد ضياع األطماع اإليطالية في تونس بعد‬
‫أن فرضت عليها فرنسا الحماية ‪1881‬ـ شكل هذا ضربة قاضية على إيطاليا إذ اعتبره ساستها تعد على‬
‫المصالح اإليطالية في البحر المتوسط إذ يعتبرون المتوسط من إيطاليا لشمال إفريقيا بحيرة إيطالية خالصة‬
‫ولهم الحق فيه وهذا ما جذب بأنظارهم باتجاه ليبيا‪ .‬كما من بين األسباب السياسة نجد ضعف القوة اإليطالية‬
‫وتفاقم مشاكلها الداخلية وخاصة بعد الهزيمة التي تلقتها في الحبشة(إثيوبيا) في معركة العدوة إذ هزمهم‬
‫الملك الحبشي منليك عام ‪1896‬م زاد من حدة الردود الداخلية اإليطالية ما أدى بها للتفكير في امتالك أراضي‬
‫‪1‬‬
‫جديدة شمال القارة اإلفريقية خاصة طرابلس الغرب كونها أخر والية عثمانية شمال القارة اإلفريقية‪.‬‬

‫ونجد كذلك سياسيا رغبة اإليطاليين في استرجاع أمجاد الرومان القديمة الغابرة وتأسيس إمبراطورية كبيرة‬
‫في إفريقيا فرأوا حلمهم هذا في ليبيا ونرى ذلك كما صرح كريسبي وهو رئيس للحكومة اإليطالية مرتين في‬
‫احدى خطاباته قائال‪ ):‬إن الحكومة اإليطالية ستعمل الحتالل الحبشة وجنوب السودان ووالية طرابلس الغرب‬
‫لتربط إيطاليا بالبحر األحمر عن طريق بري يكزن له مستقبل عظيم في االتصال ببلدان الشرق األدنى واألقصى‬
‫دون الحاجة للمرور من السويس)‪ .‬كما كان لإليطاليين نية في عزل الوجود الفرنسي من بقية المغرب العربي‬
‫كنوع من التعويض خسارتهم لتونس‪.‬‬

‫ومن الجانب األخر من ضفة البحر المتوسط وفي الداخل الليبي خالل هذه الفترة فقد كانت القوة العسكرية‬
‫الليبية ضعيفة وظهر ذلك في الحصون والقالع والمدافع وعدد الحرس والجنود فلم يبقى في القطر الليبي‬
‫عدد من الجنود عدا ألفين بعدما كانوا عشرين ألفا وذلك راجع للدولة العثمانية التي سحبتهم وذهبت بهم‬
‫لنصرة اليمن ورافق هذا هوان وتراجع الحكم العثماني ونفوذها ومس هذا جميع أرجاء معمورتها ما أدى‬
‫إلحداث الفوضى وانتشار االضطرابات وظهور الثورات وحدوث اإلنفصالت خاصة في أرمينيا ومقدونيا بهدف‬

‫‪ ) 1‬آمــال مكــاوي مساهمة الجزائريين في مقاومة االحتالل اإليطالي لليبيا (‪1935/1911‬م) مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماستر في التاريخ‬
‫الحديث والمعاصر كلية العلوم اإلنسانية واإلجتماعية شعبــــة التـــــــاريخ جامعة الوادي الجزائر ‪2014/2013‬م ص‪7.6‬‬

‫‪5‬‬
‫التخلص من النفوذ العثماني ونفس اإلضطرابات حدثت في ليبيا والدليل على ذلك عدم استقرار الوالة بها‬
‫ففي فترة ما بين ‪1911/1835‬م شهدت تولي ‪ 33‬واليا لزمام األمور بها فضال عن تسلطهم وفرضهم الضرائب‬
‫الباهضة على الساكنة مع تزامن سوء األحوال اإلقتصادية‪ .‬كل هذا سمح بتدخل القناصل والسفراء في األمور‬
‫الداخلية للدولة كما فعل ذلك القنصل اإليطالي ‪ ،‬ماسبب الفوضى وعدم االستقرار‪ .‬ومن بين أهم األسباب‬
‫كذلك حتى ال ننسى وهو الموقع اإلستراتيجي للبالد فهي تعتبر من بين أهم المعابر للداخل اإلفريقي وجنوب‬
‫الصحراء وحلقة وصل بين المشرق والمغرب ودعم هذا أفكار الساسة اإليطاليين ودعاة اإلستعمار التحرك‬
‫‪1‬‬
‫من خالله لتحقيق حلم اإلمبراطورية الكبرى‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الدوافع اإلقتصادية واإلجتماعية‬


‫‪/1‬الدوافع اإلقتصادية‪:‬‬
‫كان لتغيرات الحياة اإلقتصادية واإلجتماعية في إيطاليا الدور الكبير في توجيه سياستها إلى الخارج كفتح‬
‫أبوابها نحو استعمار والية طرابلس الغرب‪ ،‬فكانت هذه األوضاع من أبرز الدوافع المساهمة في هذا اإلستعمار‬
‫والتي كان من أهمها‪:‬‬

‫أ‪/‬التنافس األوروبي على النفوذ في القارتين األسيوية واإلفريقية وكان من نصيب إيطاليا ليبيا التي سعت‬
‫من خاللها تامين المواد الخام وجعلها سوقا لمنتجاتها‬

‫ب‪/‬لم تصل الثورة الصناعية إليطاليا إال متأخرة وجعلت منها تشهد فترة إزدهار وكبير عام ‪1890‬م حتم عليها‬
‫توجيه أنظارها إلى األسواق الخارجية لصرف الفائض من المنتوج وتحقيق اإلستثمارات‬

‫ج‪ /‬المشكلة الفالحية في الجنوب اإليطالي ومطالبة الفالحين باإلصالح الزراعي الذي يعطيهم حقهم في‬
‫األراضي مع تنامي الطبقة الرأس مالية الشمالية فلم يتبقى للحكام اإليطاليين سوى التوسع على حساب‬
‫ليبيا لحل هذه المعضلة وإرضاء هذه الفئة المكونة للوحدة اإليطالية‪.‬‬

‫‪ /2‬الدوافع االجتماعية‬
‫أما عن األحوال االجتماعية فإنها لم تكن بالشيء الجيد في إيطاليا فقد كانت تعاني من انتشار الطبقية داخل‬
‫الشعب اإليطالي والمتمثلة في انخفاض مستوى الدخل الفردي وتدهور الحالة المعيشية وتفشي األمية وكذا‬
‫انتشار األوبئة واألمراض كل هذا أثار القالقل في الداخل السياسي إليطاليا باإلضافة إلى المشاكل األخرى من‬
‫سياسية واقتصادية شكلت دفعة الحتالل ليبيا للتخلص من بعض هذه المشاكل العامة المختلفة‬
‫واالجتماعية منها والتي نذكر بعض األمثلة عنها وتتمثل في ‪:‬‬

‫أ‪ /‬زيادة في الفائض السكاني وللتقليل منه هدفت إيطاليا لتوسيع أراضيها‬

‫‪ ) 1‬نفسه ص ‪.8.7‬‬

‫‪6‬‬
‫ب‪ /‬ارتفاع عدد المساجين ما زاد من نفقاتهم كما أن فرارهم كان يبث الرعب في السكان فسعت للبحث عن‬
‫مستعمرات ونفيهم لها‬

‫ج‪ /‬تباين في طبقات المجتمع اإليطالي وشرائح السكان إذ نجد الصناعيين وأصحاب رؤوس األموال في‬
‫الشمال والوسط يتمتعون بكامل الحقوق بينما طبقة كبار مالك األراضي في الجنوب يعانون التهميش وسوء‬
‫المعاملة وزيادة في عدد ساعات العمل ما أدى لحدوث اضطرابات عمالية وانتشار للفوضى وعدم االستقرار‬

‫د‪ /‬الشمال اإليطالي متطور صناعيا في حين الجنوب متخلف عنه هذا ما سبب اختالل في الداخل دفع باحتالل‬
‫ليبيا‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬الدوافع الحضارية والثقافية‬


‫كان من الدوافع والمبررات التي اعتمدت عليها إيطاليا في غزو ليبيا ادعاء نشر الرسالة الحضارية وحمل‬
‫عبئ الرجل األبيض في تمدين الشعوب وتثقيفها ومن بين ادعاءاتها الحضارية أيضا كما سبق وأشرنا هو‬
‫استعادة أمجاد الرومان كون ليبيا كانت تحت السيطرة الرومانية قديما كما نجد أيضا الرغبة اإليطالية في نشر‬
‫الدعوة المسيحية بين المجتمع الليبي إلحكام قبضتها وكذا بث التفرقة والخالفات من جهة أخرى كما كانت‬
‫إيطاليا تعتبر أن ليبيا مجرد قطعة صحراوية قاحلة يسكنها الرعاة ال يعرفون عن المدينة شيء لذا اعتبرت‬
‫هذا ذريعة لغزو ليبيا وهو نشر التمدن والحضارة في أرجاء ليبيا وإخراج شعبها من ظلمة التخلف والجاهلية‬
‫وترقيته واعتمدت إيطاليا في نشر كل هذا على تراجع وهوان اإلدارة العثمانية وإهمالها للسكان جعل منها‬
‫تصور نفسها أنا جاءت بصفة حضارية تسعى إلنقاذ السكان الليبيين من ظلمة الحكم العثماني ‪.‬وشكلت هذه‬
‫‪1‬‬
‫الظروف واألسباب مجموعة الدوافع الحضارية اعتمدتها الحكومة اإليطالية كذرائع لغزوها ليبيا‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬مراحل اإلحتالل اإليطالي لليبيا‬


‫المطلب األول‪ :‬مرحلة التوغل السلمي ‪1911/1880‬‬
‫تختلف األدوات اإلستعمارية التوغلية السلمية من استعمار ألخر ومن زمن ألخر تسعى الدول اإلستعمارية‬
‫من خاللها إنشاء قناة أو مجموعة من القنوات عبرت بها وتغلغلت في داخل الدولة المستعمرة وصال ألهداف‬
‫عملت على تحقيقها ومن بين هاته الدولة االستعمارية تأتي إيطاليا التي كانت لها مجموعة من اإلستراتيجيات‬
‫السلمية قامت بها قبل توغلها وغزوها الداخل الليبي وهي كاألتي ‪:‬‬

‫أوال‪ :‬حركة الرحالة اإلستكشافية‬

‫‪ ) 1‬آمــال مكــاوي مساهمة الجزائريين في مقاومة االحتالل اإليطالي لليبيا (‪1935/1911‬م) (المرجع السابق) ص ‪13.12.11.10‬‬

‫‪7‬‬
‫عمل االستعمار األوروبي على استغالل حركة الكشوفات الجغرافية التي كانت لها صبغة علمية في بدايتها‬
‫إذ ولدت على أعقاب الثورة الصناعية وسعي الدول الى البحث عن المواد األولية لتشغيل المصانع وكان البد‬
‫للمصالح اإلستعمارية أن تبحث عن وسيلة لتحقيق أطماعها من هنا لجأت إلى التستر خلف الجمعيات‬
‫الجغرافية والعلمية المتعددة األغراض واألهداف وأصبحت هي المحرك الرئيسي لنشاطها‪ .‬ولجأت إيطاليا‬
‫كغيرها من الدول األوروبية عبر هذ الباب وتعتبر الرحالت وتعتبر حركة الرحال من أولى األدوات التي اعتمد‬
‫عليها المستعمر اإليطالي ‪ .‬بدأت رحالت الكشوفات اإليطالية تتعدد تحت أسماء وشعارات مختلفة وحجج‬
‫واغراض ظاهراها علمي والخفي منها هو جمع أكبر عدد ممكن من المعلومات والدراسات حول البالد المزعم‬
‫غزوها‪ .‬كانت معظم البعثات التي وردت على طرابلس في تلك الفترة بإيعاز من الحكومة أو مبادرة من‬
‫الجمعيات اإليطالية لإلستكشاف الجغرافي والتجاري وهي كما يتضح من اسمها انها ليست مقتصرة على‬
‫الكشف الجغرافي فحسب بل شملت كذلك البحث التجاري مما يدل على أهدافها االستغاللية‪ .‬نذكر من بين‬
‫أهم هذه الرحالت‪:‬‬

‫أ‪ /‬مانفيردو كامبيريو الذي كان موفدا من الجمعية اإليطالية لالستكشاف الجغرافي والتجاري عام ‪1880‬م‬
‫حيث زار معظم مناطق إقليم برقة‪.‬‬

‫ب‪ /‬جوزيبي هايمان وكان عام ‪ 1881‬م حيث زار مدينة طرابلس وبعض المناطق الداخلية من الوالية حيث‬
‫كان قد أعد بعض الدراسات عنها‬

‫ج‪ /‬بيترو مامولي في عامي ‪1883/1882‬م رحل الى انحاء متفرقة من البالد وقدم أبحاثه للجمعية المذكورة‬

‫د‪ /‬بنشيتي عام ‪ 1895‬م الذي تحدى السلطات العثمانية التي حظرت دخول الوالية والتجوال فيها لألجانب‬
‫وقام برحلة من مدينة بنغازي متجها شرقا حتى مدينة درنة‪.‬‬

‫ه‪ /‬كما نجد الجيولوجي اإليطالي فينا سادي رينجي الذي قام بدراسات جيولوجية على طول خط الساحل‬
‫الطرابلسي ولم تقتصر هذه الرحالت على الرحالة والعلماء فقط بل شملت حتى السياسيين من مجلس‬
‫السيوخ كدي مارتينو والنائب كاستليني والصحفيين من محرري أكبر الجرائد والصحف اإليطالية‬
‫والعسكريين الذين جاؤوا تحت أسماء مستعارة واعمال مختلفة لدراسة طبيعة الوالية ومعرفة امكانياتها‬
‫‪1‬‬
‫الدفاعية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التنشئة االستعمارية‬

‫‪ ) 1‬عبد المنصف حافظ البوري الغزو اإليطالي لليبيا دراسة في العالقات الدولية الدار العربية للكتاب اإلسكندرية مصر ‪1983‬م ص‪255،259‬‬

‫‪8‬‬
‫عرفت هذه السياسة عند المستعمر الفرنسي واإلنجليزي أيضا والتي اختارت إيطاليا ان تسلك نفس هذه‬
‫السياسة في والية طرابلس حيث حاولت طمس الهوية والمعالم الدينية والقومية للسكان المحليين وخلق‬
‫اتباع يؤمنون بالوالء الذي ال ينفصم للدولة الجديدة وباعتبارهم جزءا ال يتجزأ منها وتحقيقا لهذا الهدف لجأت‬
‫لالستعانة بالبعثات التبشيرية من جهة والمدارس اإليطالية من جهة أخرى‪.‬‬

‫أما من ناحية البعثات التبشيرية‪ :‬فقد اندفع رجال الدين بحماس شديد لتأييد احتالل والية طرابلس كما‬
‫اظهروا استعدادهم إلعداد اهل البالد لقبوله واضعين أنفسهم في خدمة السياسة االستعمارية ويحركهم في‬
‫ذلك ثالث دوافع هي‪:‬‬

‫أولها‪ :‬الرغبة الكامنة لدى المبشريين خاصة ورجال الدين عامة بضرورة استعادة كافة المناطق التي سادتها‬
‫اإلمبراطورية الرومانية المسيحية في محاولة إلعادة نشر الدين المسيحي فيها من جديد‪.‬‬

‫ثانيه ا‪ :‬نظرة رجال الدين لإلمبراطورية العثمانية المتداعية باعتبارها الممثلة للمسلمين وحاملة لواء الدين‬
‫اإلسالمي وبالتالي فان القضاء عليها أو على أي توجد فيه هو نصرة للديانة المسيحية‪.‬‬

‫ثالثها‪ :‬تقلص نفوذ سلطات الكنيسة ورجال الدين في إيطاليا نفسها فتطلع هؤالء الستعادة نفوذهم ومجدهم‬
‫وسلطانهم في المستعمرات‪.‬‬

‫إن هذا العمل التمهيدي الذي قامت به البعثات التبشيرية ككل أو المبشرون فرادى هو عمل غير مباشر‬
‫يندرج تحت سياسة التوغل اإليطالي داخل التراب الليبي وقد كان يخدم بطريقة أو أخرى الغزو اإليطالي للوالية‬
‫العثمانية‪ .‬ويعود هذا النشاط في البالد للعام ‪1889‬م عندما أنشئت مدرستان ابتدائيتان كانتا تابعتين‬
‫للفرنشيسكان ثم اتسع نشاط هذه البعثات فشمل انحاء متفرقة من الوالية وأسسوا المالجئ وأدخلوا فيها‬
‫األيتام ومن المعيل لهم من السكان فيها لتنشئتهم‪ ،‬كما أقاموا الكنائس بحجة ممارسة نشاطهم الديني‬
‫وعملوا على كسب ود الناس وعدم معارضة السلطات العثمانية لهم كما ادعوا أنهم يقومون بعمل إنساني‬
‫‪1‬‬
‫قصد اخراج وإنقاذ اهل البالد من الجهل والتخلف‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬المدارس اإليطالية‬


‫كانت المدارس اإليطالية التي أنشئت من قبل البعثات التبشيرية في والية طرابلس قبل الغزو العسكري‬
‫أداة أخرى من أدوات التنشئة االستعمارية فقد كانت جسرا لتوطيد الصلة بين الرعايا االيطاليين بالدولة األم‬
‫ويبقى دورها الرئيسي هو غرس الثقافة واللغة اإليطالية لدى الساكنة العرب في الوالية وتعميق الدور‬
‫الحضاري اإليطالي ‪ ،‬في ذات الوقت كانت تسعى لطمس ما يمكن طمسه من معالم قومية أو إسالمية رغبة‬
‫في خلق نشئ يشب في التعلق بحب إيطاليا وبكل مايمت له بصلة عن طريق السيطرة على عقولهم وتهيئة‬

‫‪ ) 1‬نفسه ‪.262،260‬‬

‫‪9‬‬
‫المحيطين بهم بقبول فكرة الوجود االستعماري في أراضيهم كضرورة حضارية‪ .‬تولت إيطاليا اعداد المناهج‬
‫الخاصة التي عنيت فقط بنشر نوع خاص من الثقافة اإليطالية يتالءم مع أهدافها فكانت تعمل على نشر‬
‫األفكار والمبادئ في نفوس األطفال والطالب في هذه المدارس لتقريبهم منها ويهون فيهم امر االنتقال فيما‬
‫بعد من السلطة والحكم العثماني للحكم اإليطالي ويرغبهم فيه‪.‬‬

‫سببت هذه المدارس البلبلة لدى الساسة العثمانيين في إسطنبول والحكومة العثمانية بطرابلس بسبب‬
‫المنافسة الشرسة التي تمثلها هذه المدارس بالنسبة للتعليم العثماني واإلسالمي وحتى للوجود العثماني‬
‫بالبالد خاصة وأن هذه المدارس اإليطالية كانت تتمتع بإمكانيات ضخمة تفوق اإلمكانيات في المدارس‬
‫العثمانية مما يجعلها تتضاءل الى جانبها حتى وأن هذه المدارس ال تعتبر وليد سنوات قليلة سابقة وإنما‬
‫‪1‬‬
‫هي موجودة من فترة طويلة وفي مناطق متعددة‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬األدوات االقتصادية‬


‫أدركت غالبية الدول األوروبية الكبرى أهمية استخدام األدوات االقتصادية في تنفيذ السياسة الخارجية‬
‫وبإنها بالغة الفعالية في تحقيق السيطرة االستعم ارية دونما حاجة للتعرض ألية مخاطر يمكن ان تقود إليها‬
‫األدوات األشد عنفا‪ ،‬فقد بلغ من فعالية هذه السياسة أنها قادرة على توجيه هياكل وانشطة البالد بالصورة‬
‫‪2‬‬
‫المطلوبة وكفيلة في ذات الوقت في تعريضه ألسوء المخاطر والنتائج‪.‬‬

‫حاولت إيطاليا في مرحلتها التمهيدية اتِّخاذ المشاريع اإلقتصادية كقاعدة عامة يمكن االعتماد عليها‬
‫للسيطرة على اإلقتصاد الليبي من جهة‪ ،‬وافتعال الحجج والذرائع الحتالل البالد من جهة ثانية‪ ،‬فبدأت تبحث‬
‫عن جهاز مال يمكنه أداء المهمة ويحمل أعباء القيام بهاته العمليات االقتصادية فوقع الخيار على بنك روما‬
‫الذي أسس له فرع في ليبيا سنة ‪1905‬م‪ .‬عارض انشاءه الولي رجب باشا ألنه أدرك أن من ورائه غايات‬
‫وأهداف سياسية أخرى غير االقتصادية ال تمت لمهامه بأية صلة‪.‬‬

‫أنشئ البنك وأصبح مركزا للدعاية اإليطالية واسندت ادارته إلى براستياني أحد الساسة االيطاليين ثم اتسع‬
‫نطاق البنك فأصبحت له فروع في معظم المدن المهمة بالوالية ثم بدأ استثمار العقارات وشراء األراضي كما‬
‫نجح في شراء أربعمئة ألف أيكر من األراضي والتي تعادل ‪ 4050‬مترا مربعا لأليكر الواحد وهي وحدة قياس‬
‫للمساحات األمريكية أي مايعادل ‪1620‬كلم مربعا‪ .‬كما قام البنك بتوظيف عدد كبير من أصحاب النفوذ في‬
‫طرابلس ومنحهم مرتبات حسب مايقدمونه من خدمات ضد وطنهم‪ ،‬هكذا أصبح إليطاليا شبكة نفوذ وأنصار‬
‫في جميع المصالح الحكومية‪ ،‬كما أسس منشاة الزيوت اإليطالية عام ‪1907‬م في مدينة طرابلس كما افتتح‬
‫في نفس المدينة عام ‪1910‬م مصنعا لعصر الزيوت بواسطة أحد االيطاليين الممولين من قبل البنك‪ ،‬كما قام‬

‫‪ ) 1‬عبد المنصف حافظ البوري الغزو اإليطالي لليبيا دراسة في العالقات الدولية (المرجع السابق) ص ‪.265.264‬‬
‫‪ ) 2‬نفسه ص ‪.267‬‬

‫‪10‬‬
‫البنك بدور هام في مجال االستثمارات المالية االقتصادية لصالح إيطاليا وعمل أيضا كجاسوس عن األوضاع‬
‫‪1‬‬
‫في الوالية العثمانية‪.‬‬

‫استمر نشاط بنك روما في التزايد ليؤكد وجود إيطاليا الدائم في الوالية التي بدأت تخضع تدريجيا للسيطرة‬
‫‪2‬‬
‫االقتصادية اإليطالية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مرحلة الغزو العسكري ‪1934/1911‬‬


‫كان الغزو العسكري احدى أدوات تنفيذ السياسة الخارجية اإليطالية التي لجأ اليها ساسة إيطاليا لتحقيق‬
‫أطماع بالدهم في والية طرابلس بعد أن شعروا أن الوقت قد حان لفعل ذلك‪ ،‬ويجب أخذ العلم أن هذه األداة‬
‫‪3‬‬
‫سبقتها أدوات أخرى مهدت لها الطريق سواء في الداخل الليبي أو مع الهيئات الدولية‪.‬‬

‫كانت االستعدادات الخاصة بعملية الغزو اإليطالي لليبيا تجري في سرية تامة واالجتماعات الدورية للحكومة‬
‫اإليطالية تعقد منذ بداية شهر سبتمبر ‪1911‬م ثم في ‪ 21‬من نفس الشهر عقد وزير الخارجية دي سان جوليانو‬
‫ووزير الحربية بالو سببنقاري ووزير البحرية باسكوالي مع وزير المالية فرنشيسكو اجتماعا سريا الغرض منه‬
‫التطرق لسيرورة إجراءات الحملة ثم في ‪ 25‬من ذات الشهر اجتمع مجلس الوزراء اإليطالي في تمام هيئته‬
‫وكانت عملية غزو والية طرابلس النقطة الرئيسية المدرجة في جدول االعمال‪ ،‬وفي هذه الجلسة بين كل وزير‬
‫وضع الحكومة لديه قبيل االحتالل لوالية طرابلس فتحدث وزير الخارجية عن الوضع الخارجي واستعرض‬
‫الموقف السياسي الدولي وانتهى انه اليعوق إيطاليا القيام باالحتالل‪ ،‬وأفصح كل من وزير الحربية ووزير‬
‫البحرية عما انجزا من ترتيبات عسكرية إلمداد الحملة والخطة المشتركة للقيام بالغزو المنتظر‪ ،‬وحدد وزير‬
‫الخزانة الوضع المالي للدولة و اكد انه اليحول دون االقدام على تنفيذ خطة الغزو وانه في امكان الخزنة العامة‬
‫تحمل اية مصروفات إضافية طارئة قد تستدعيها الظروف وتحتمها‪ ،‬كما تقرر في هذا االجتماع تقديم اإلنذار‬
‫النهائي للحكومة العثمانية‪.‬‬

‫االنذار االيطالي ‪ :‬في مساء يوم ‪ 27-26‬مـن سبتمبر‪1911‬م أرسل وزير الخارجية الى الوزير المفوض والقائم‬
‫بأعمال السفارة االيطالية في اسطنبول نص االنذار االيطالي لتقديمه في صورة مذكرة الى الباب العالي ‪ .‬وقد‬
‫جاءت في هذا االنذار النقاط التالية ‪:‬‬

‫أوال ـ تذكير ايطاليا المستمر للباب العالي ‪ ،‬بالضرورة القصوى لوضع حد لتلك الفوضى واالهمال اللذين تركت‬
‫فيها طرابلس وبرقة من قبل الحكم العثماني وهو وضع ترى ايطاليا ضرورة تعديله وفقا لمقتضيات المدنية‬
‫والمصلحة الحيوية إليطاليا بحكم قرب سواحلها من أراضي الوالية‬

‫‪ ) 1‬آمــال مكــاوي مساهمة الجزائريين في مقاومة االحتالل اإليطالي لليبيا (‪1935/1911‬م) (المرجع السابق) ص ‪.16.15‬‬
‫‪ ) 2‬عبد المنصف حافظ البوري الغزو اإليطالي لليبيا دراسة في العالقات الدولية (المرجع السابق) ص‪.271‬‬
‫‪ ) 3‬نفسه ص ‪.277‬‬

‫‪11‬‬
‫ثانيا ـ ان مساندة الحكومة االيطالية الدائمة لإلمبراطورية العثمانية في كثير من المسائل السياسية حتى في‬
‫الفترة االخيرة «قوبلت بتجاهل رغبات ايطاليا في والية طرابلس وبمعارضة انشطة االيطاليين فيها»‬

‫ثالثا ـ رفض الحكومة االيطالية القتراح اسطنبول بإجراء مفاوضات تمنح بمقتضاها ايطاليا امتيازات اقتصادية‬
‫في الوالية «وتحفظ إلسطنبول شرفها ومصالحها العليا» ألنها تعتقد بأن تجارب الماضي اوضحت عدم جدوى‬
‫مثل هذه المفاوضات التي قد تطرح أمورا تصبح محـل نزاع او احتكاك جدید‬

‫رابعا ـ االدعاء بأن تقرير قناصل ايطاليا في طرابلس وبرقة تصور «خطـورة الحركة السائدة ضد االيطاليين والتي‬
‫خلقها فيما يبدو الضباط وهيئات اخرى من السلطات المحلية»‪ .‬وهـي خـطـورة ليست قاصرة على االيطاليين‬
‫وحدهم بل على جميع االجانب مما دفعهم لمغادرة البالد‬

‫خامسا ـ ان الحركة العثمانية ترسل الناقالت العسكرية لتزيد من تأزم الموقف في الوالية‪ ،‬االمر الذي يدفع‬
‫ايطاليا التخاذ التدابير الالزمة ضد هذا العمل‬

‫سادسا ـ قررت الحكومة االيطالية ـ وقد رأت نفسهـا مضطـرة الى التفكير في شرفها ومصالحها ـ االقدام على‬
‫احتالل طرابلس عسكريـا «باعتبار ذلك هو الحل الوحيد الذي يمكن أن تقبله ايطاليا»‬

‫سابعا ـ تطلب الحكومة االيطالية اصدار االوامر للممثلين والسلطات العثمانية في الوالية بعـدم مقاومـة الغـزو‬
‫ومـن الممكن االتفاق على تنفيذه دون اية عراقيل‪« .‬وستتخذ بعده القرارات الالزمة لتسوية الحالة التي‬
‫ستنتج عنه»‪.‬‬

‫وطلب وزير الخارجية االيطالي من سفارته بإسطنبول إلتماس الرد الحازم في الموضوع من الحكومة العثمانية‬
‫في حدود ‪ 24‬ساعة من تقديم االنذار وفي حالة عدم الرد ستجد الحكومة االيطالية نفسها مضطرة التخاذ‬
‫الخطوات الرامية لتثبيت االحتالل‪ ،‬على ان يصل رد الحكومة العثمانية عبر سفارتها في روما‪.‬‬

‫إن توجيه االنذار االيطالي بهذه الكيفية لم يتعد االجراء الشكلي لدفع اسطنبول لقبول الغزو الالحق فالمدة‬
‫التي حددها ال يمكن ان تكون كافية للحكومة العثمانية لدراسته والرد عليه بل يهدف الى إ رباكها وعدم تمكينها‬
‫من إيقاف أي إجراء ستقوم به إيطاليا وفي الوقت ذاته هو محاولة إلقناع الدول االوربية في حالة إعتراضها بأن‬
‫إنذارها يحمل كافة المبررات لعملها بالشرعية کما يالحظ من اإلنذار أيضا ان ايطاليا قد نصبت نفسها للدفاع‬
‫‪1‬‬
‫عن حقوق الوالية وكأنها مسؤولة عن تحقيق تقدمها وحضارتها‬

‫ح ّ‬
‫ث حقي باشا على اجتماع وزارته‬ ‫بعد تسليم السفير اإليطالي مذكرة اإلنذار لرئيس الحكومة العثمانية‪ُ ،‬‬
‫لمناقشة األمر‪ .‬تم عرض الموقف على السلطان‪ ،‬الذي طلب استشارة سعيد باشا وهو سياسي ذو خبرة إذ‬

‫‪ ) 1‬عبد المنصف حافظ البوري الغزو اإليطالي لليبيا دراسة في العالقات الدولية (المرجع السابق) ‪284،281‬‬

‫‪12‬‬
‫ستسالما وفقدان‬
‫ً‬ ‫أن الحكومة العثمانية كانت تواجه خيارات صعبة بين قبول االحتالل اإليطالي ‪ ،‬مما يعني إ‬
‫المزيد من أراضي اإلمبراطورية‪ ،‬أو الدخول في حرب مع إيطاليا مع كل تبعاتها‪ .‬الصعوبة كانت في اتخاذ قرار‬
‫بين الضعف الذي وصلت إليه القوات العثمانية وخطر اندالع ثورات في مناطق البلقان‪ ،‬باإلضافة إلى األزمة‬
‫وسط‪ ،‬حيث ال يمكن‬
‫ٍ‬ ‫االقتصادية والديون المتر اكمة‪ .‬نصح سعيد باشا رئيس الحكومة بالبحث عن حال‬
‫بشكل مهين‪ .‬وأشار إلى أن التسوية المثلى قد تحقق إما االحتفاظ‬
‫ٍ‬ ‫لإلمبراطورية العثمانية أن تستسلم‬
‫بالسيطرة على طرابلس مع التنازالت‪ ،‬أو تدخل الدول األوروبية لمنع اندالع حرب بعد التنازالت التي قدمتها‬
‫الحكومة العثمانية‪ ،‬مما يقوض مبررات إيطاليا لغزو طرابلس‪ .‬وقبل انقضاء مدة ‪ 24‬ساعة قدمت الحكومة‬
‫العثمانية ردها على االنذار الى السفير االيطالي بإسطنبول والى الحكومة االيطالية في روما عن طريق ممثلها‪،‬‬
‫ثم قدم حقي باشا استقالته ليتولى بعده سعيد باشا رئاسة الوزارة العثمانية‪ .‬وجاء فيه مايلي ‪:‬‬

‫أوال‪ :‬عدم مسؤولية حكومة االتحاد والترقي عن الوضع المتخلف في والية طرابلس والقاء تبعة ذلك على‬
‫الحكومات السابقة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬عدم تعرض هذه الحكومة للمشاريع االيطالية في الوالية‪ ،‬بل كانت تشجع قيامها «وتطيع رغبات ايطاليا‬
‫في هذا الخصوص من اجل المحافظة على صداقتهـا وثقتها‪ .‬وانطالقا من احساسها بهذا الشعور اقترحت‬
‫مؤخرا على السفارة الملكية تسوية تقوم على منح تسهيالت اقتصادية تهدف إلعطاء النشاط االيطالي ميدانـا‬
‫فسيحا في طرابلس وبرقة جاعلة قيدها الوحيد الشرف والمصالح العليا لإلمبراطورية»‬

‫ثالثا‪ :‬ت سامح الحكومة العثمانية باستمرار ولكن دون انتهاك لما ترتبط به من معاهدات او اتفاقيات مع الدول‬
‫األخرى والتي ال يمكن ان تضمحل قيمتها الدولية بناء على رغبة من جهة واحدة‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬حرص الحكومة العثمانية التام على االمن والنظام وحسن تقديرها لما يجري في الوالية فضال عدم وجود‬
‫اي مبرر يدعو للقلق على مصير االيطاليين واألجانب على حد سواء‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬نفي قيام اسطنبول بإرسال ناقالت عسكرية الى الوالية فيما عدا ناقلة صغيرة ال تحمل جنودا‪ ،‬ولكنها‬
‫كانت قد ارسلت في محاولة إلضفاء الطمأنينة‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬إستعداد الحكومة العثمانية لتقديم الضمانات التي تراها إيطاليا كفيلة بتحقيق مصالحهـا االقتصادية‬
‫إذ لم تقدم على احتالل ليبيا‪.‬‬

‫سابعا‪ :‬الطلب من إيطاليا توضيح تلك الضمانات التي أعربت عن استعدادها للرضوخ لها مادامت ال تمس‬
‫أراضي الدولة ومع تعهدها بعد تغيير األوضاع القائمة في والية طرابلس السيما األوضاع العسكرية‪ .‬وفي األخير‬
‫ناشدت اإلمبراطورية العثمانية إيطاليا ان تثق في حسن نواياها‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫عرى هذا الرد العثماني االطماع اإليطالية وحصره في النواحي االقتصادية وابدى استعداده لتسوية الخالفات‬
‫بينهما بصورة جذرية وإثبات عدم مقاومتها للنشاط االقتصادي اإليطالي في الوالية‪ .‬أمال أن تتجاوب معها‪.‬‬
‫وخالصة هذا يوضح في نقطتين رئيسيتين هي‪:‬‬

‫‪ .‬سلب إيطاليا أي مبرر يدعوها للغزو بعد إبداء حسن النية من الجانب العثماني ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ .‬التشبث العثماني بالتسوية السلمية أبدى مدى ضعف اإلمبراطورية العثمانية‪.‬‬

‫وصل الرد العثماني للجانب اإليطالي قبل انقضاء المهلة ولكن تصميم إيطاليا على غزو والية طرابلس لم تبدي‬
‫‪2‬‬
‫أي اهتمام له وكان أمرا ال عالقة له بالرد‬

‫إعالن الحرب‪:‬‬
‫وفي أواخر شهر سبتمبر سنة ‪ 1911‬م بدأت ايطاليا فجأة تتحرش بتركيا ووجهتها سواحل طرابلس الغرب‬
‫وبرقة‪ .‬وأدرك الباب العالي الخطر الناجم عن خلو البالد من المدافع الضخمة والجند والسالح‪ .‬ففكر في العمل‬
‫‪3‬‬
‫بكل الطرق الدبلوماسية الممكنة إلبعـاد الغزو االيطالي بقدر المستطاع‪ .‬ولكن مساعيه اخفقت‬

‫وفي ‪ 29‬سبتمبر ‪1911‬م أصدر الملك اإليطالي مرسوما جاء فيه‪:‬‬

‫>> بما أن الحكومة العثمانية لـم تقبل المطالب التي احتواها اإلنذار اإليطالي ‪ ،‬فإن ايطاليا واالمبراطورية‬
‫العثمانية ابتداء من تاريخ ‪ 29‬سبتمبر ‪1911‬م ـ ومن الساعة الثانية والدقيقة الثالثين تصبحان في حالة حرب‪،‬‬
‫وتتكفل الحكومة الملكية بحماية جميع الجاليات في طرابلس وبرقة أيا كانت جنسيتها ( ‪ )...‬وتحاط الدول‬
‫‪4‬‬
‫المحايدة سريعا بأمر حصار سواحل طرابلس وبرقة <<‬

‫خالل التخطيط لغزو الشمال األفريقي‪ ،‬كانت روما قد قررت في البداية أن يكون جيش الحملة مؤلفا ً من ‪22‬‬
‫ألف مقاتل‪ ،‬وكان من شأن هذا التفوق العددي على القوات التركية أن يسمح باالستيالء فورا ً على الجزء‬
‫الساحلي من ليبيا واحتاللها في أقصر فترة ممكنة‪ .‬ولتفادي أي نوع من المفاجآت تم زيادة عدد القوات إلى‬
‫‪ 40‬ألفا ً ‪.‬وتشير الخطة التي وضعتها القيادة اإليطالية إلى أن عملية االستيالء على طرابلس وبرقة كانت تقسم‬
‫إلى مرحلتين‪ ،‬يتم اإلنزال في المرحلة األولى على الشاطئ‪ ،‬ويتم اخضاع األهالي وطرد األتراك‪ .‬وكان من‬
‫المفروض أن تقوم بهذه المهمة قوات عددها ‪ 22,5‬ألف مقاتل من المشاة‪ ،‬وبطاريتان جبليتان‪ ،‬و‪ 6‬آالف‬
‫خيال‪ ،‬باإلضافة إلى فرقتين من المدفعية الثقيلة والخفيفة (‪ 72‬مدفعاً)‪ ،‬وفرقة نقل مكونة من ‪ 200‬سيارة‬
‫أما المرحلة الثانية‪ ،‬فكانت الحم لة تخطط خاللها للقضاء على آخر جيوب المقاومة والتطهير الكامل للمنطقة‬

‫‪ ) 1‬عبد المنصف حافظ البوري الغزو اإليطالي لليبيا دراسة في العالقات الدولية (المرجع السابق) ص‪.289،285‬‬
‫‪ ) 2‬نفسه ص ‪289‬‬
‫‪ ) 3‬محمد إبراهيم لطفي المصري تاريخ حرب طرابلس مؤسسة األمير فاروق الطبعة األولى ‪1946‬م ص ‪.30‬‬
‫‪ ) 4‬آمــال مكــاوي مساهمة الجزائريين في مقاومة االحتالل اإليطالي لليبيا (‪1935/1911‬م) (المرجع السابق) ص‪.18.17‬‬

‫‪14‬‬
‫المحتلة من األتراك لضمان وتأمين الحماية خلف جيوشهم الزاحفة‪ .‬ولحل هذه المهام‪ ،‬كان يجب أن تشارك‬
‫الفرقة الثانية (‪ 13,5‬ألف جندي‪ 30 ،‬بطارية ميدان)‪.‬‬

‫في ‪ 4‬أكتوبر ‪ 1911‬وجه األسطول البحري العسكري اإليطالي الذي كان يحاصر سواحل ليبيا منذ الـ ‪ 27‬من‬
‫سبتمبر نيران مدافعه على طرابلس وطبرق ‪.‬ولم يالق اإلنزال البري مقاومة تذكر من جانب القوات المسلحة‬
‫التركية‪ .‬فاحتل اإليطاليون طبرق‪ ،‬إال أن حامي ة المدينة والفرق المسلحة التي هرعت لمساندتها من برقة‪،‬‬
‫قامت بدفاع مستميت عنها‪ .‬وفي ‪ 20‬أكتوبر احتلت القوات اإليطالية مدينة الخمس‪ .‬وفي ‪ 21‬منه مدينة درنه‪.‬‬
‫وبدءا ً من ‪ 19‬أكتوبر ‪.‬بدأت المعارك العنيفة الحتالل بنغازي‪ ،‬فالسكان العرب إلى جانب الحامية التركية وقفوا‬
‫يصدون ببسالة هجمات الطليان داخل المدينة وفي ضواحيها‪ .‬ولم يتمكن اإليطاليون من إرغام الحامية التركية‬
‫والفرق العربية الرديفة على االنسحاب في ‪ 21‬من أكتوبر‪ ،‬أو إلى بعد (‪ )12‬كيلومتر إلى الشرق من بنغازي نحو‬
‫(بنينه) إال بعد أن قصفوا المدينة بنيران مدفعيتهم المتواصلة‪.‬‬

‫وعلى الرغم من أن اإليطاليين قد تمكنوا في غضون شهر أكتوبر من احتالل المدن الساحلية الكبرى في ليبيا‪،‬‬
‫فان القوات النظامية التركية التي كان األهالي يساندونها‪ ،‬كانت ما تزال بعيدة عن الهزيمة الكاملة ‪.‬ومع كل‬
‫هذا فإن عدم استعداد تركيا للحرب كان من الوضوح إلى درجة أنه أثار عاصفة من االستياء ضد حكومة حقي‬
‫باشا حتى أنها اضطرت إلى االستقالة وطالب مندوبو ليبيا وضع أعضائها امام المسؤولية القضائية نظير‬
‫‪1‬‬
‫اهمالهم المجرم الذي حرم ليبيا من وسائل الدفاع الضرورية‪.‬‬

‫وكان سكان طرابلس وبرقة يواجهون واحدا ً من خيارين‪ :‬إما االستسالم للمستعمرين اإليطاليين‪ ،‬أي ابدال‬
‫السيد السابق المتمثل في اإلمبراطورية العثمانية بسيد جديد هو إيطاليا وإما مقاومة الغزاة األوروبيين‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫والدفاع عن كل شبر من أرض الوطن‪ .‬وقد اختار الشعب الليبي الطريق الثاني‬

‫وفي ‪ 17/10/1911‬م كانت السفن الحربية تواجه شواطئ الخمس وتطلب استسالم الحامية التركية‪ ،‬وبعد‬
‫رفض هذه األخيرة االستسالم أخذت السفينة الحربية "فاريسي" بقصف المدينة وتمكنت من السيطرة عليها‬
‫يوم ‪1911/10/21‬م‬

‫ظلت القوات االيطالية خالل هذه الفترة تبحث عن السبيل الذي يمكنها من توسيع رقعة احتاللها‪ ،‬فتمكنت‬
‫يوم ‪1911/12/13‬م من احت الل تاجوراء وكان ذلك أقصى امتداد وتوسع تحققه ايطاليا نحو الشرق‪ .‬يتبين‬
‫لنا من كل هذا كيف تحول الساحل الليبي بكل مواقعه الهامة إلى ميادين للمعارك‪ ،‬والواضح أن اإلستراتيجية‬
‫الحربية االيطالية قد تعمدت فتح هذه الجبهات المتعددة بقصد السيطرة السريعة والعاجلة على الشاطئ‬

‫‪ ) 1‬نيكوالي إيليتش بروشين تاريخ ليبيا من نهاية القرن ‪ 19‬حتى العام ‪1969‬م ترجمة د‪ .‬عماد حاتم ط‪ 2‬دار الكتاب الجديدة المتحدة ‪2001‬م‬
‫ص‪.120-118‬‬
‫‪ ) 2‬نفسه ص ‪.124‬‬

‫‪15‬‬
‫ومدنه العامة‪ ،‬ومع ذلك لم تستطع أن تحقق ما كانت تحلم به إال بعد توقيع معاهده أوشي‪ .‬لوزان في‬
‫(‪18/10/1912‬م) التي اعترفت فيها الدولة العثمانية لإليطاليين بالسيادة على ليبيا مع الحفاظ على حقوق‬
‫السكان‪ .‬هكذا عجزت والية طرابلس الغرب شأنها شان الجزائر وتونس والمغرب من إنقاذ نفسها‪ ،‬فوقعت‬
‫فريسة إلحدى الدول األوروبية التي أخذت تنهض بأعباء إدارتها واستعمارها وصار يطلق عليها اسم " ليبيا‬
‫‪1‬‬
‫االيطالية‪".‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬مرحلة الهدنات واإلستقرار‪1943/1934‬‬


‫في هذه الفترة التاريخية (‪ ،)1922-1917‬شهدت ليبيا فترة من الهدنة بعد هزيمة القوات اإليطالية ودخولها‬
‫في الجانب اإلنجليزي الفرنسي خالل الحرب العالمية األولى ‪ .‬وقعت الدولة اإليطالية عدة اتفاقيات مع القيادات‬
‫المحلية في طرابلس وبرقة‪ ،‬التي فرضتها الظروف الدولية كان مجملها بين القوات اإليطالية والمقاومات‬
‫الداخلية في ليبيا وهي كالتالي ‪:‬‬

‫اتفاقية الزويتينة‪ :‬في هذه الفترة‪ ،‬كانت إيطاليا تعاني من آثار الحرب العالمية األولى واضطرابات داخلية‪ ،‬مما‬
‫دفعها إلى السعي لإلتفاق مع السنوسيين لتحقيق االستقرار في ليبيا‪ .‬كان الهدف من هذا اإلتفاق تأمين‬
‫الهدوء في ليبيا‪ ،‬خاصة بعد تضاؤل مقاومة السيد أحمد الشريف ضد اإلنجليز‪ .‬بدأ السيد إدريس السنوسي‬
‫هذه المفاوضات بشكل فردي دون استشارة ممثل الحكومات التركية أو أي من الزعماء الطرابلسيين‪ .‬وتم‬
‫توقيع اتفاقية الزويتينة في أوائل عام ‪ 1917‬بين السيد إدريس والوفد اإليطالي ‪ ،‬في حين كان الوفد اإلنجليزي‬
‫يقوم بمهمة التسوية بين الطرفين‪ ،‬وكان معه أحمد حسنين بك‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬لم تستمر هذه االتفاقية بسبب‬
‫التوتر بين اإلنجليز والسيد إدريس واإليطاليين‪ .‬أُجلت االتفاقية إلى وقت الحق وتم تحديد مكان المفاوضات‬
‫في عكرمة من قبل المفوضين بعد شهرين‪.‬‬

‫معاهدة عكرمة‪ :‬من أجل مواجهة التحدي السنوسي‪ ،‬اعتمدت بريطانيا على سياسة الخديعة والتفاوض مع‬
‫زعماء السنوسيين‪ .‬قام الكولونيل اإلنجليزي تالبرت‪ ،‬المندوب السامي في مصر‪ ،‬بإرسال بعثة إيطالية إلى‬
‫السيد إدريس السنوسي للتفاوض معه وإقناعه بتجنب العداء لكل من إيطاليا وبريطانيا لضمان مستقبل‬
‫ليبيا وحريتها‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬عقدت معاهدة طبرق‪ ،‬أو عكرمة‪ ،‬في ‪ 17‬أبريل ‪ .1917‬احتوت المعاهدة على‬
‫‪ 13‬بندًا كشروط تمهيدية لتحقيق هدف تهدئة األوضاع في ليبيا‪ .‬من بين أهم بنود المعاهدة‪:‬‬

‫_ إيقاف الحرب والعمليات العسكرية في برقة في المستقبل مع احترام الدين اإلسالمي‪.‬‬

‫_ االعتراف بالسيد إدريس السنوسي أمير اإلدارة الحكم الذاتي التي يشمل نطاقها واحات الجغبوب وجالو‬
‫والكفرة ويكون مقرها في أجدابيا‪.‬‬

‫‪ ) 1‬آمــال مكــاوي مساهمة الجزائريين في مقاومة االحتالل اإليطالي لليبيا (‪1935/1911‬م) (المرجع السابق) ص‪.19‬‬

‫‪16‬‬
‫_ تعهد إيطاليا في اإلبقاء على المحاكم الشرعية في المناطق التي تخضع لسلطانها‪.‬‬

‫_ إعفاء الزوايا السنوسية من الضرائب‪.‬‬

‫_ تجريد القبائل من السالح في فترة أقصاها عام‪.‬‬

‫ً‬
‫إحالال للسلم وسبيال ً لتوطيد سيطرتهم المستقبلية‬ ‫يمكن القول أن معاهدة عكرمة كانت بالنسبة لإليطاليين‬
‫في ليبيا وتعزيز توغلهم في هذا اإلقليم‪.‬‬

‫إعالن الجمهورية الطرابلسية‪ :‬بعد توقف الحرب العظمى واستسالم تركيا في نوفمبر ‪ ،1918‬تم توقيع هدنة‪،‬‬
‫وانسحب العثمانيون األتراك مرة أخرى من ليبيا‪ ،‬ما رحلوا تاركين ألهلها مسؤولية المقاومة ضد الغزو‬
‫اإليطالي ‪ .‬أثر سقوط تركيا تأثيرا ً كبيرا ً على البالد‪ ،‬وتغيرت أحوالها‪ .‬انتقل كل زعيم من زعماء المقاومة الوطنية‬
‫إلى إدارة منطقته وتحمل مسؤوليتها‪ .‬في هذا السياق‪ ،‬حين بدأت عملية إعادة وجالء الجنود والضباط األتراك‬
‫عن التراب الليبي‪ ،‬حاول األمير عثمان عبد الرحمن الحاكم التركي مغادرة البالد‪ .‬ولكن‪ ،‬رفض زعماء المقاومة‬
‫وأعيان البالد في مصراتة طلبه بالبقاء‪ .‬اجتمع هؤالء القادة واألعيان وطرحوا فكرة إقامة حكومة وطنية تجمع‬
‫مناطق إقليم طرابلس بشكل وحدة‪ ،‬بالتعاون مع الحركة السنوسية في برقة‪ .‬تم التحضير لعقد اجتماع في‬
‫ً‬
‫معروفا‬ ‫وع ِق َد مؤتمر في ‪ 1918‬بمسلة‪ ،‬والذي أصبح‬
‫مدينة المسالتة لتبادل اآلراء حول إقامة حكومة جمهورية‪ُ ،‬‬
‫بـ "مؤتمر مسالتة"‪ .‬في هذا المؤتمر‪ ،‬تم إعالن "الجمهورية الطرابلسية"‪ ،‬وتم انتخاب مجلس رئاسته يضم‪:‬‬

‫‪ -‬رمضان الشتيوي السويحلي (مصراتة)‬

‫‪ -‬سليمان عبد هللا الباروني (الجبل)‬

‫‪ -‬أحمد المريض (ترهونة)‬

‫‪ -‬عبد النبي بلخير (أورفلة)‬

‫كما انتخب مجلس شورى الجمهورية يتألف من ‪ 24‬عضو برئاسة محمد سوف المحمودي واتخذت مدينة‬
‫العزيزية مقرا لهذا المجلس‪ .‬وتعتبر هذه الجمهورية اول جمهورية في شمال افريقيا ألجل اثبات وجودهم‬
‫وتنظيما للمقاومة‪.‬‬

‫اتفاقية الرجمة‪ :‬في أعقاب انتهاء الحرب العالمية األولى ‪ ،‬كانت إيطاليا منهكة وعاجزة عن إرسال قوات إضافية‬
‫إلى ليبيا لتأكيد سيطرتها‪ .‬لذلك‪ ،‬قررت إيطاليا تبني سياسة جديدة تتناغم مع مبادئ الحكم الذاتي إلرضاء‬
‫الشعب الليبي‪ .‬في ‪ 31‬أكتوبر ‪ ، 1919‬أعلنت إيطاليا عن قانونين مختلفين لطرابلس وبرقة‪ ،‬يشمالن إنشاء‬
‫برلمان ومجلس حكومة‪ .‬استنادًا إلى هذه العالقات الجديدة بين اإليطاليين والسنوسيين‪ ،‬تم توقيع اتفاقية‬
‫الرجمة في ‪ 25‬أكتوبر ‪ .1920‬هذه االتفاقية التي تنص على ‪:‬‬

‫‪17‬‬
‫‪ -‬منح السيد إدريس لقب "أمير" بصفة وراثية في أسرته‪ ،‬مع االعتراف به كرئيس للحكومة ذات الحكم الذاتي ‪.‬‬

‫‪ -‬إعفاء األراضي السنوسية من الضرائب‪.‬‬

‫‪ -‬تقسيم القطر البرقاوي إلى قسمين‪ :‬قسم ساحلي يرفع فيه العلم اإليطالي ‪ ،‬وقسم داخلي يخضع إلمارة‬
‫السيد محمد إدريس‪.‬‬

‫_ إيقاف الحرب بين الطرفين وإلغاء المعسكرات السنوسية وتجريد العرب من سالحهم‪.‬‬

‫هذه االتفاقية كانت محاولة لتحديد العالقات السياسية بين الجانبين‪ ،‬مع إعطاء درجة من الحكم الذاتي للسيد‬
‫إدريس‪ .‬غير أنها لم تنهي االزمة بين الطرفين بسبب عدم تنفيذ السنوسيين بما تعهدوا عليه في فترتهم‬
‫المحددة‪.‬‬

‫اتفاقية بومريم‪ :‬نتيجة لعدم تنفيذ السنوسيين لما جاء في اتفاقية الرجمة‪ ،‬حاول الحاكم اإليطالي دي مارتينو‬
‫حل هذا اإلشكال‪ ،‬فعقد اتفاقية أخرى مع السنوسيين عرفت باتفاقية بومريم وذلك في ‪ 11‬نوفمبر ‪،1921‬‬
‫والتـي تـم بموجبهـا االتفاق بين إدريس السنوسي واإليطاليين على بقاء األدوار (المعسكرات) وأن يشترك‬
‫السنوسيين والطليان في إدارتها وان تكون نسبة المنخرطين فيها بين الطرفين ‪ 8‬إيطاليين و‪ 10‬ليبيين‪ ،‬وذلك‬
‫لضمان االستقرار وعدم تجدد المقاومة‪ .‬وهنا يمكننا القول أن إيطاليا استمرت في محاوالت كسب الليبيين‬
‫‪1‬‬
‫من أجل تلبية مصالحها‪.‬‬

‫من ثم دخلت ليبيا في مرحلة استقرار بين عامي ‪ 1934‬و‪ 1943‬بعد أن تمكن االحتالل اإليطالي من إخضاع‬
‫البالد وقمع حركة المقاومة‪ .‬بدأ االحتالل في تنفيذ مشاريعه االستيطانية بهدف تثبيت سيطرته وترسيخ‬
‫وجوده في ليبيا‪ .‬وفي العقد األخير من حياة االستعمار‪ ،‬تم تنفيذ سياسة الطلينة بال هوادة‪ ،‬مع إعالن ليبيا جز ًءا‬
‫ال يتجزأ من الكيان اإليطالي ‪ .‬كما قامت إيطاليا بتفريع السكان الوطنيين من خالل عمليات التهجير واإلبادة‬
‫الجماعية‪ ،‬مع استهداف األراضي الخصبة‪ .‬وشملت هذه الجهود جلب مليون إيطالي لالستثمار في األراضي‬
‫الصالحة للزراعة‪ ،‬وكانت شركة التعمير االيطالية ‪ Ente‬تقوم بإعداد وتهيئة األرض وحفر اآلبار وبناء كل‬
‫المرافق االجتماعية بهدف تسهيل عملية توطين المعمرين‪ ،‬وجذبهم للقدوم إلى ليبيا كوسائل إغرائية‪ ،‬وكانت‬
‫أول دفعة من المعمرين المهاجرين قد وصلت إلى ليبيا في أواخر الثالثينات حوالي سنة ‪1938‬م وبلغ عدد‬
‫أفرادها ‪120‬ألف اتجه نصفهم إلى برقة والنصف االخر إلى طرابلس حيث بلغ عدد االسر التي استقرت‬
‫‪2‬‬
‫بطرابلس حوالي ‪ 4000‬اسرة فيما كانت هناك حوالي ‪ 2500‬اسرة استقرت ببرقة‬

‫‪ ) 1‬نسرين بوطبة االحتالل اإليطالي لليبيا وموقف الجزائريين منه ‪ 1922-1911‬مذكرة لنيل شهادة الماستر تاريخ المغرب العربي المعاصر‬
‫جامعة العربي بن مهيدي ام البواقي السنة الجامعية ‪2019-2018‬م ص ‪.71،66‬‬
‫‪ ) 2‬آمــال مكــاوي مساهمة الجزائريين في مقاومة االحتالل اإليطالي لليبيا (‪1935/1911‬م) (المرجع السابق) ص‪.21.20‬‬

‫‪18‬‬
‫‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬المقاومة الليبية وطرد االحتالل‬


‫المطلب األول‪ :‬المقاومة السنوسية‬
‫أ‪ /‬تعريف الحركة السنوسية‪:‬‬
‫الحركة السنوسية هي طريقة دينية ودعوة إسالمية إصالحية أسسها محمد بن علي السنوسي الملقب‬
‫بالسنوسي الكبير وسم السنوسي نسبة لقبيلة بني سنوس الواقعة بتلمسان التي نزل عليها جده فنسب‬
‫اليها وتعزى بجبل هناك يسمى أسنوس‪ .‬تهدف إلى دعوة الناس للعودة إلى أصول اإلسالم الصحيحة وتحفيز‬
‫اإلصالح في العصر الحديث‪ .‬تأسست هذه الحركة على يد محمد بن علي السنوسي (‪ .)1859-1787‬تشترك‬
‫الحركة السنوسية مع الحركة الوهابية في البعث الثقافي ‪ ،‬وتركز على االرشاد لمعرفة الدين الصحيح ومحاربة‬
‫البدع والدفاع عن كيان اإلسالم‪ .‬تعتمد الحركة على االنطواء تحت لواء الدولة العثمانية‪ ،‬في حين كانت بعض‬
‫الحركات األخرى تدعو إلى االنفصال عن العثمانيين‪ .‬تتميز دعوة الحركة بالمحبة واإلقناع‪ ،‬وقد نجحت في‬
‫تحقيق أهدافها باعتماد وسائل سليمة‪ ،‬وذلك باالعتماد على المؤسسات الصوفية مثل الزوايا‪ .‬كما انتقد‬
‫السنوسي بعض الحركات الصوفية األخرى التي انصرفت عن الحياة الدنيوية وانقطعت في التصوف‪ ،‬وسعى‬
‫إلى إيجاد نهج جديد من الطرق الصوفية يسهم في تجديد شباب األمة‪ .‬نجحت الحركة السنوسية في نشر‬
‫اإلسالم في مناطق غير معروفة في وسط أفريقيا بين القبائل الوثنية‪ ،‬وتنافست مع التيجانية في هذا السياق‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫خاصة في عصر خلفاء الشيخ التيجاني ‪.‬‬

‫ب‪ /‬مقاومة الحركة السنوسية لإلحتالل اإليطالي‪:‬‬


‫على إثر توقيع معاهدة لوزان وانسحاب العثمانيين من ليبيا‪ ،‬وجدت القيادات المحلية نفسها وحيدة في‬
‫مواجهة القوات اإليطالية‪ .‬في برقة‪ ،‬قام أنور باشا بتسليم ما تبقى من األسلحة والمؤن العثمانية ألحمد‬
‫الشريف‪ .‬نتيجة لذلك‪ ،‬أعلن أحمد الشريف الحكومة السنوسية والجهاد ضد اإليطاليين‪ .‬في طرابلس‪ ،‬انقسمت‬
‫السكان إلى فريقين‪ ،‬أحدهما يرفض االستسالم ويصر على مواصلة القتال‪ ،‬بينما ينادي اآلخر بالدخول في‬
‫مفاوضات مع اإليطاليين بنا ًء على معاهدة لوزان‪ .‬رغم محاوالت سليمان الباروني في توحيد الشعب خلف‬
‫قيادته‪ ،‬إال أن تفوق المقاومة لم يتحقق‪ .‬بدأ أحمد الشريف في تشكيل حكومته في الجغبوب‪ ،‬وجعلها مق ًرا‬
‫رسم ًيا للحكومة السنوسية‪ .‬تبنت الحكومة شعا ًرا يحمل عبارة "الجنة تحت ظالل السيوف"‪ ،‬ودعت الشريف‬
‫العرب الذين تتراوح أعمارهم بين ‪ 14‬و‪ 65‬إلى االنضمام إلى القتال‪ .‬رغم الظروف الصعبة التي مرت بها البالد‬
‫في عام ‪ ،1913‬شهدت هذه الفترة عدة معارك ضد اإليطاليين في مختلف مناطق برقة‪ ،‬مثل معركة شتوان في‬
‫بنغازي ومعركة قاريونس‪ 26‬مارس ومعركة الرجمة ‪ 22‬أفريل ومعركة األبيار‪ 26‬أفريل والبويرات ‪ 18‬جويلية‬

‫‪ ) 1‬دالل رداوي الحركة السنوسية ودورها في محاربة االحتالل اإليطالي في ليبيا ‪1932-1911‬م مذكرة لنيل شهادة الماستر جامعة محمد‬
‫بوضياف المسيلة الجزائر ‪2016-2015‬م ص‪.14.13‬‬

‫‪19‬‬
‫بالجبل األخضر ومعركة الصفصاف ‪ 1‬جوان وغيرها من المعارك المسجلة‪ .‬وقد حاول االيطاليون اتباع أسهل‬
‫الطرق لقتل الحركة في مهدها وذلك عن طريق التصالح مع أحمد الشريف والتعرف عليه‪ ،‬فأرسلوا اليه‬
‫المندوب (عمر منصور الكيخيا)‪ ،‬كما جرت محاوالت أخرى لكنها باءت بالفشل ومع بداية سنة ‪ 1914‬أحاطت‬
‫بالمجاهدين صعوبات شديدة منها انقطاع الموارد عنهم من األسلحة والذخائر والمؤن واستدعاء تركيا لبقية‬
‫قواتها العاملة في برقة فتح الحدود المصرية أمام المجاهدين بإيعاز مـن اإليطاليين إال أن المجاهدين استمروا‬
‫بنفس الروح النضالية األولى ودارت المعارك في الكثير من المناطق خاصة في الفترة من مارس إلى نوفمبر‬
‫‪ 1914‬من أهمها غزوة الزيدن وغزوة الفاتية وغزوة بونجيم‪ ،‬ولعل واقعة القرضابية ‪ 1915‬قد كانت بمثابة‬
‫فاتحة عهـد لسلسلة من الهزائم التي لحقـت بالجيش االيطالي فكان رده أن قام مجزرة في حق السكان حكم‬
‫فيها باإلعدام على الكثيـر وفـي مقدمتهم األعيان والرؤساء‪ ،‬كمـا أصـدر أمـرا بالقتـل الـعـام كمـا شـن االيطاليون‬
‫في هذه المرحلة هجوما شامال على السنوسيون في الجبل األخضر واحتلـوا عدة أماكن‪ .‬في تلك الفترة شهد‬
‫العالم وقوع الحرب العالمية األولى ‪ ،‬ورأى الليبيون أن يقفوا إلى جانب المعسكر المعادي إليطاليا‪ ،‬وانضموا‬
‫إلى معسكر الوسط‪ ،‬خاصة أنه كان يضم الدولة العثمانية‪ ،‬دولة الخالفة اإلسالمية‪ .‬برز هذا االتجاه بشكل‬
‫خاص في إقليم برقة‪ .‬حينما دخلت الدولة العثمانية الحرب‪ ،‬حاولت االعتماد على العناصر المخلصة في البالد‬
‫اإلسالمية لدفعها نحو الحركة ومهاجمة قواعد البريطانيين‪ ،‬خاصة في وادي النيل‪ .‬بعثت الدولة العثمانية أنور‬
‫باشا إلى أحمد الشريف إلبالغه بتعيينه نائ ًبا للسلطان العثماني في شمال أفريقيا‪ .‬أرسلت الدولة العثمانية‬
‫أنور باشا لتحقيق الهدف المنشود‪ ،‬الذي كان يتضمن تكبيد إنجلترا الخسائر وتحويل جزء من قواتها إلى‬
‫الحدود المصرية الغربية‪ .‬قام أحمد الشريف بالهجوم على حدود مصر الغربية والواحات المصرية في الصحراء‬
‫الغربية‪ .‬لكن بعد فشلهم في دخول مصر‪ ،‬انسحبوا وعادوا إلى ليبيا‪ .‬في برقة‪ ،‬أعلن أحمد الشريف نفسه نائ ًبا‬
‫هجوما على حدود مصر الغربية والواحات المصرية‪ .‬وعلى الرغم‬
‫ً‬ ‫للسلطان العثماني في إفريقيا الشمالية‪ ،‬وقاد‬
‫من انهزامهم عند الحدود المصرية وتعقيد الظروف‪ ،‬قرر أحمد الشريف التخلي عن مواصلة الكفاح‪ ،‬وقام‬
‫بتسليم السلطة لمحمد إدريس السنوسي‪ .‬وفي طرابلس الغرب كانت األوضـاع مختلفة عن برقـة فقد عينت‬
‫السلطة العثمانية سليمان الباروني واليـا علـى طـرابلس سنة ‪ 1915‬وأصدر هذا األخير في ‪ 17‬أكتوبر ‪1916‬‬
‫فرمانا والتي تعني حكما او اصدار دستور يوقعه الحاكم وهو لفظ فارسي حيث أعلن في هذا الفرمان الحـاق‬
‫طرابلس الغرب بالواليات العثمانية‪ ،‬وتم انشـاء جمهورية طرابلسية‪ ،‬كما تم انتخاب مجلس الجمهورية وأصـدر‬
‫مجلس الجمهورية في ‪ 18‬نوفمبر ‪ 1918‬بالغا أعلن فيه عن قيام حكومة األمة الطرابلسية المستقلة وكونت‬
‫لها ثالث هيئات رسمية للحكومة والشورى والقضاء ويمكن القول بأن المقاومة السنوسية في مرحلتها هذه‬
‫قد شهدت تطورا كبيرا نظرا لعدة عوامل ساهمت في ذلك لعل أبرزها الحرب العالمية األولى والتي لعبت‬
‫‪1‬‬
‫فيها الحركة السنوسية دورا كبيرا وهو ما يؤكد على قوتها ودورها في هذه المرحلة‪.‬‬

‫‪ ) 1‬دالل رداوي الحركة السنوسية ودورها في محاربة االحتالل اإليطالي في ليبيا ‪1932-1911‬م (المرجع السابق) ص‪.37.36.35‬‬

‫‪20‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مقاومة عمر المختار‬
‫أ‪ /‬شخصه‪:‬‬
‫ولد الشيخ الجليل عمر المختار من أبوين صالحين عام ‪1862‬م وقيل ‪1858‬م‪ ،‬وكان والده مختار بن عمر‬
‫من قبيلة المنفة من بيت فرحات وكان مولده بالبطنان في الجبل األخضر‪ ،‬ونشأ وترعرع في بيت عز وكرم‪،‬‬
‫تحيط به شهامة المسلمين وأخالقه م الرفيعة‪ ،‬وصفاتهم الحميدة التي استمدوها من تعاليم الحركة‬
‫السنوسية القائمة على كتاب هللا وسنة رسوله ‪  .‬توفي والده في رحلته إلى مكة ألداء فريضة الحج‪ ،‬فعهد وهو‬
‫في حالة المرض إلى رفيقه السيد أحمد الغرياني (شقيق شيخ زاوية جنزور الواقعة شرق طبرق) بأن يبلغ‬
‫شقيقه بأنه عهد إليه بتربية ولديه عمر ومحمد‪ ،‬وتولى الشيخ حسين الغرياني رعايتهما محققا ً رغبة والدهما‪،‬‬
‫فأدخلهما مدرسة القرآن الكريم بالزاوية‪ ،‬ثم الحق عمر المختار بالمعهد الجغبوبي لين ضم إلى طلبة العلم من‬
‫أبناء اإلخوان والقبائل األخرى‪.‬عاش عمر مرارة الفقد وظهر منه نبوغ جعل شيوخه يهتمون به في معهد‬
‫الجغبوب ‪.‬كبر عمر المختار وصار يافعا وأصبح على إلمام واسع بشئون البيئة التي تحيط به وعلى جانب كبير‬
‫في اإلدراك بأحوال الوسط الذي يعيش فيه وعلى معرفة واسعة باألحداث القبلية وتاريخ وقائعها وتوسع في‬
‫معرفة األنساب واالرتباطات التي تصل هذه القبائل بعضها ببعض‪ ،‬وبتقاليدها‪ ،‬وعاداتها‪ ،‬ومواقعها‪ ،‬وتعلم‬
‫من بيئته التي نشأ فيها وسائل فض الخصومات البدوية وما يتطلبه الموقف من آراء ونظريات‪ ،‬كما أنه أصبح‬
‫خبير بمسالك الصحراء وبالطرق التي كان يجتازها من برقة إلى مصر والسودان في الخارج وإلى الجغبوب‬
‫والكفرة من الداخل‪،‬كبر عمر تفوق عمر المختار على اقرانه بصفات عدة منها‪ ،‬متانة الخلق‪ ،‬ورجاحة العقل‪،‬‬
‫وحب الدعوة‪ ،‬ووصل أمره الى الزعيم الثاني للحركة السنوسية محمد المهدي السنوسي فقدمه على غيره‬
‫واصطحابه معه في رحلته الشهيرة من الجغبوب الى الكفرة عام ‪1895‬م وفي عام ‪1897‬م أصدر محمد المهدي‬
‫قرارا ً لزاوية القصور بتعيين عمر المختار شيخا بالجبل األخضر قرب المرج‪ ،‬وقام عمر المختار بأعباء المهمة‬
‫خير قيام فعلم الناس أمور دينهم‪ ،‬وساهم في فض النزعات بين القبائل وعمل على جمع كلمتهم وسعى في‬
‫مصالحهم ‪ ،‬وسار في الناس سيرة حميدة‪ ،‬فظهر في شخصيته أخالق الدعاة من حلم وتأني وصبر ورفق وعلم‬
‫وزهد‪ .‬نظمت الحركة السنوسية نفسها وأعدت للجهاد عدتها‪ ،‬واختارت من القادة من هم أولى بهذا العمل‬
‫الجليل‪ ،‬فكان عمر المختار من ضمنهم فقارع االستعمار الفرنسي مع كتائب الحركة السنوسية المجاهدة في‬
‫تشاد وبذل ما في وسعه حتى لفت األنظار الى حزمه وعزمه وفراسته وبعد نظره وحسن قيادته فقال عنه‬
‫محمد المهدي السنوسي‪( :‬لو كان لدينا عشرة مثل المختار لكتفينا( ‪.‬‬

‫وفي عام ‪1906‬م رجع عمر المختار بأمر من القيادة السنوسية الى الجبل األخضر ليستأنف عمله في زاوية‬
‫القصور‪ ،‬ولكن ذلك لم يستمر طويال فقد بدأت المعارك الضارية بين الحركة السنوسية والبريطانيين في‬
‫منطقة البردى ومساعد والسلوم على الحدود الليبية المصرية‪ .‬ولقد شهد عام ‪1908‬م أشد المعارك ضراوة‬
‫وانتهت بضم السلوم الى األراضي المصرية تحت ضغوط بريطانيا على الدولة العثمانية‪ ،‬وعاد الشيخ عمر‬

‫‪21‬‬
‫المختار الى زاوية القصور وبرزت شخصيته بين زمالئه مشايخ الزوايا‪ ،‬وبين شيوخ وأعيان القبائل‪ ،‬ولدى‬
‫الدوائر الحكومية العثمانية‪ ،‬وظهرت مقدرته في مهمته الجديدة بصورة تلفت النظر‪ ،‬وأصبح ملتزم في حزمه في‬
‫ادارة الزاوية وفي تعاونه مع زمالئه اآلخرين وفي معالجته للمشاكل القبلية‪ ،‬وفي ميدان اإلصالح العام مضربا‬
‫‪1‬‬
‫لألمثال‪.‬‬

‫ب‪ /‬مقاومته لالحتالل اإليطالي‪:‬‬


‫كان عمر المختار صاحب حنكة عسكرية ودهاء‪ ،‬وقد اتفق مع السيد السنوسي الذي بقي بمصر من شدة‬
‫مرضه على كل شيء وأنه سيبقى هذا األخير على علم بمجريات األحداث كما يقوم بضغط على الحكومة‬
‫المصرية واإلنجليزية ألجل السماح للمجاهدين بااللتجاء إلى مصر‪ ،‬ويشرف على إمدادهم بكل المساعدات‬
‫ويرسل التعليمات لعمر المختار عن طريق الحاج التواتي البرعصي‪ ،‬أما عمر المختار فيتولى قيادة المقاومة‬
‫بتراب الوطن مع تشكيل المعسكرات‪ ،‬وتبقى القيادة العليا بيده ليعود عمر المختار إلى أرض الوطن‪ .‬بعد‬
‫استالم عمر المختار زمام األمور والمقاومة بليبيا زادت المواجهات والمعارك خصوصا بعد انقالب الفاشي‬
‫في إيطاليا سنة ‪1922‬م تغيرت األوضاع داخل ليبيا ‪.‬ورغم الحصار الذي عان منه المجاهدين‪ ،‬إال أن األحداث‬
‫‪2‬‬
‫لم تنل منهم‪ ،‬وتوالت االنتصارات‪ ،‬األمر الذي دفع بإيطاليا إلى إجراء تغييرات وإعادة النظر في خططها‪.‬‬

‫شرع عمر المختار في تهيئة النفوس لمجابهة العدو‪ ،‬حيث بدأ جوالته في أنحاء المنطقة لالتصال باألهالي‬
‫وزعمائهم‪ ،‬وفي نفس الوقت قام بفتح باب التطوع للجهاد حيث أقبل عليه أهالي الجبل بقلوب تلهف حماسة‬
‫لمجابهة العدو‪ ،‬وزار معظم مناطق الجبل والبطنان‪ ،‬حاولت إيطاليا إغراء عمر المختار وهو في مصر فاتصلت‬
‫به وعرضت عليه امتيازات عدة إذ لم يقم بأي عمل معاد لها ولمصالحها‪ ،‬لكن الشيخ عمر المختار رفض كل‬
‫اإلغراءات اإليطالية وفضل العودة إلى بالده ‪.‬وعندما قفل عمر المختار راجعا إلى برقة ترصدت له قوة إيطالية‬
‫مكونة من ثالثة سيارات مسلحة في منطقة "أبيار الغبي"‪ ،‬وكانت هذه القوة تحاول إلقاء القبض على الشيخ‬
‫عمر المختار‪ ،‬لكنه انتصر عليهم في هذه المعركة وكان هذا االنتصار حافزا لهم على أن يخوضوا الجهاد بعزيمة‬
‫قوية في مناطق أخرى‪ ،‬وعليه اتجه المجاهدون مباشرة نحو الجبل األخضر ليشرع عمر المختار في تشكيل‬
‫المعسكرات للمجاهدين وكان يشرف هو بنفسه على قيادة هذه المعسكرات وتنظيمها بدأ عمر المختار‬
‫نضاله بين ‪1923‬و ‪ 1925‬م بوقوع عدة معارك ووسع المجاهدون دائرة نشاطهم العسكري في الجبل األخضر‪،‬‬
‫مما خفف الضغط اإليطالي على إخوانهم في معسكرات "برقة " هذا ما زاد من شهرة عمر المختار‪ ،‬فأخذ العرب‬
‫من أهل القبائل الساكنة ينضمون إلى صفوف المحاربين ويمدون إخوانهم بما يحتاجونه من مؤن وأسلحة‬
‫ولم يتمكن الطليان في هذه المرحلة من الجهاد أن يقوموا بأي نشاط حربي ملحوظ في منطقة الجبل األخضر‪،‬‬

‫‪ ) 1‬الشبكة الليبية والدكتور على الصالبي عمر المختار رحمه هللا إهداء إلى القراء الكرام بمناسبة الذكرى الرابعة والسبعون الستشهاده‬
‫‪ 2005‬ص ‪books-library.online-02250946Zc7K3-D985D8ADD988D984.pdf (arab-books.com) .8.7.3‬‬
‫‪ ) 2‬شريفة أمين قاضي االحتالل اإليطالي والمقاومة الليبية ‪( 1951/1911‬المرجع السابق) ص‪66‬‬

‫‪22‬‬
‫فقصروا جهودهم على تدبير احتالل المركز السنوسي العتيد في واحة الجغبوبة كأهم قالع الحركة السنوسية‪،‬‬
‫ومصدر تموين للمجاهدين وقد استطاع الجيش اإليطالي السيطرة على هذه الواحة بعد أن أعدوا حملة كبيرة‬
‫الحتاللها ودخولها من دون مقاومة‪ ،‬ألن أهلها قد رحلوا عنها‪ ،‬وكان احتاللها بتاريخ ‪ 8‬فيفري‪1926‬م وسقوطها‬
‫كان له األثر الكبير على روح المجاهدين باعتبارها المركز الروحي للمقاومة‪.‬‬

‫حاول العدو اإليطالي تفكيك وحدة المجاهدين من خالل استمالة زعماء القبائل بوسائل اإلغراء‪ ،‬مثل المال‬
‫والجاه‪ .‬استجابًا لهذا التحدي‪ ،‬وضع عمر المختار خطة جديدة للتغلب على العدو‪ .‬بدأ بشن غارات على درنة‬
‫ومناطق مجاورة‪ ،‬مما أجبر العدو على الخروج لمواجهته في معركة استمرت يومين‪ ،‬وشهدت نص ًرا لعمر‬
‫المختار وأتباعه‪ .‬استمر المجاهدون في الجبل األخضر في شن هجمات على القوات اإليطالية‪ ،‬وخاضوا معارك‬
‫طاحنة‪ ،‬مثل معركة "الرحيبة" في مارس ‪ ،1927‬ومعركة "بئر الزيتون" في يوليو ‪ ،1927‬ومعركة "أم الشفاتير"‬
‫(عقيرة الدم)‪ .‬في هذه المعركة‪ ،‬حقق المستعمرون اإليطاليون انتصا ًرا للثأر من هزيمتهم في معركة الرحيبة‪،‬‬
‫حيث سقط حوالي ‪ 200‬شهيد‪ ،‬بما في ذلك بعض الزعماء البارزين‪ .‬كانت معركة أم الشفاتير نقطة تحول في‬
‫مسار المقاومة التي اعتمدها عمر المختار‪ ،‬حيث انتقل إلى استراتيجية "حرب العصابات"‪ .‬كما اتخذ إجراءات‬
‫لترحيل النساء واألطفال والشيوخ إلى منطقة السلوم لحمايتهم من الغارات الجوية اإليطالية‪ .‬بعد هذه‬
‫المعركة‪ ،‬أدرك العدو اإليطالي عدم جدوى استمرار العمليات العسكرية ضد المجاهدين‪ ،‬مما أدى إلى توقف‬
‫‪1‬‬
‫عملياتهم الحربية طوال عام ‪.1928‬‬

‫وفي خضم هذه المواجهات والتحديات التي واجهها عمر المختار والمجاهدين‪ ،‬أدرك اإليطاليون أن االستمرار‬
‫في العمليات العسكرية ضد المجاهدين ال يأتي بنتائج جادة نظ ًرا لقدرتهم على الصمود والمقاومة‪ .‬هذا اإلدراك‬
‫ً‬
‫قائال‪ ... " :‬إننا ال‬ ‫دفعهم إلى التوقف عن العمليات الحربية طوال عام ‪ 1928‬م‪ .‬أقر موسوليني بصعوبة المهمة‬
‫نحارب ذئابًا كما يقول غرستيان‪ ،‬بل نحارب أسودًا يدافعون بشجاعة عن بالدهم‪ ".‬هذا االعتراف يبرز استياء‬
‫اإليطاليين من التحديات التي فرضها المجاهدون وقائدهم عمر المختار‪ .‬في محاولة لمنع إمدادات المقاومين‪،‬‬
‫قرروا احتالل الجغبوب وشن حملة كبيرة في ‪ 8‬فبراير ‪1926‬م‪ ،‬وحاصروا المجاهدين في الجبل األخضر‪.‬‬
‫استجاب عمر المختار بتبني استراتيجية حرب العصابات وشن الغارات‪ ،‬حيث نجح في صد هجماتهم عدة‬
‫مرات‪ .‬على الرغم من الحصار‪ ،‬أدرك اإليطاليون أن الموقف يجبرهم على السيطرة على منطقة فزان لقطع‬
‫إمدادات المجاهدين‪ .‬لذا شنوا حملة في يناير ‪1928‬م‪ ،‬لكنها لم تحقق أهدافها في احتالل فزان‪ ،‬ودفعوا ثمنًا‬
‫ً‬
‫باهظا‪ ،‬كما يظهر في معركة ‪ 22‬أبريل التي استمرت يومين كاملين وانتصر فيها المجاهدون وغنموا الكثير‬

‫‪ ) 1‬آمــال مكــاوي مساهمة الجزائريين في مقاومة االحتالل اإليطالي لليبيا (‪1935/1911‬م) (المرجع السابق) ‪.30.29.28‬‬

‫‪23‬‬
‫وبسبب هاته الخسائر المتتالية قررت الحكومة اإليطالية‪ ،‬بل أرغمت على أن تقوم بمفاوضات سالم مع عمر‬
‫‪1‬‬
‫المختار‪ ،‬لنيل هدنة تسترجع من خاللها أنفسها‪.‬‬

‫ج‪ /‬المفاوضات‪:‬‬
‫عرضت إيطاليا المفاوضات على عمر المختار‪ ،‬ووافق هذا األخير على العرض نظ ًرا للموقف الصعب الذي‬
‫وضعه فيه انقطاع المؤن والمواصالت بعد احتالل الجغبوب‪ .‬كان المختار يسعى إلنقاذ شعبه من االستعمار‪،‬‬
‫وكان مستعدًا للمفاوضات إذا كانت تحقق له أهدافه‪ .‬تمت عدة اجتماعات بين الطرفين‪ ،‬وكان أولها في ‪25‬‬
‫دائما بالشروط اإليطالية التي‬
‫ً‬ ‫أبريل ‪ 1929‬في قندولة قرب سيدي رويفع‪ ،‬ولكن كانت المفاوضات تصطدم‬
‫رفضها المختار باعتبارها غير عادلة تجاه المقاومة وزعيمها‪ .‬استمرت المفاوضات لمدة ‪ 6‬أشهر‪ ،‬حيث كان‬
‫ً‬
‫مثاال لإلخالص والوفاء ‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬قام اإليطاليون بنقض كل العهود وأعلنوا الحرب مرة‬ ‫عمر المختار يظل‬
‫أخرى‪ .‬اندلعت المعارك بين الطرفين في الجبل األخضر واستمرت حتى ‪ 28‬مارس ‪ ،1930‬تاريخ تولي‬
‫"رودولفو غراسياني " إدارة شؤون ليبيا‪ .‬كان غراسياني من بين اإليطاليين الذين كانوا أشد حقدًا على اإلسالم‬
‫والمسلمين‪ ،‬وعمل على قمع المقاومة باستخدام حملة اإلبادة‪ .‬أدى هذا التحول في السياسة الحربية إلى‬
‫تبني عمر المختار الستراتيجية حرب العصابات‪ ،‬تعتمد على الكمائن والمباغتة لمواجهة العدو استخدم عمر‬
‫المختار استراتيجية حرب العصابات بنجاح‪ ،‬مما أدى إلى حدوث هزائم كبيرة في صفوف قوات االحتالل‬
‫اإليطالي ‪ .‬خالل هذه الفترة‪ ،‬شهدت المنطقة معارك ومواجهات عنيفة‪ ،‬من بينها معركة "الكرسة" في الجبل‬
‫األخضر في ‪ 20‬ديسمبر ‪1930‬م‪ ،‬وواحة الهواري في ‪ 19‬ديسمبر ‪1931‬م في الكفرة‪ .‬كما ارتكب االحتالل اإليطالي‬
‫دمر المساجد والزوايا‪ ،‬وتجاوز حدود الوحشية بالتنكيل باألطفال والشيوخ‪ ،‬وارتكاب‬
‫أفظع المجازر‪ ،‬حيث ّ‬
‫مجازر فظيعة‪ ،‬بما في ذلك استهداف بطون النساء الحوامل‪ .‬انتبهت العالم العربي واإلسالمي لهذه المجازر‬
‫واستنكر ما قام به االحتالل‪ .‬احتالل الكفرة كان ضربة قوية لحركة الجهاد‪ ،‬حيث دخلت المقاومة في مرحلة‬
‫التراجع‪ ،‬وبدأت تخسر مواقعها تدريج ًيا‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬وقع الشيخ عمر المختار أسي ًرا في يد االحتالل‪ ،‬مما‬
‫‪2‬‬
‫ألحق ضررا كبيرا بحركة المقاومة‪.‬‬

‫د‪ /‬القبض على عمر المختار‪:‬‬


‫في معركة السانية عام ‪ 1930‬م سقطت من الشيخ عمر المختار نظارته‪ ،‬وعندما وجدها أحد الجنود الطليان‬
‫‪3‬‬
‫وأوصلها لقيادته‪ ،‬قال غرتسياني ‪" :‬اآلن أصبحت لدينا النظارة‪ ،‬وسيتبعها الرأس يوما ما‪".‬‬

‫وفي أول أيلول ‪ 1931‬وقع عمر المختار أسيرا)‪ ،‬عندما تعثرت فرسه في أحد المعارك بجندوبة بالجبل األخضر‬
‫فسقط عنها وتعرف عليـه أحـد المرتزقة وأفشى ‪ -‬فسارعت القوات االيطالية للقبض عليه وبعد محاكمته‬

‫‪ ) 1‬شريفة أمين قاضي االحتالل اإليطالي والمقاومة الليبية ‪( 1951/1911‬المرجع السابق) ص ‪.67‬‬
‫‪ ) 2‬آمــال مكــاوي مساهمة الجزائريين في مقاومة االحتالل اإليطالي لليبيا (‪1935/1911‬م) (المرجع السابق) ص‪.32.31‬‬
‫‪ ) 3‬شريفة أمين قاضي االحتالل اإليطالي والمقاومة الليبية ‪( 1951/1911‬المرجع السابق) ص‪.70‬‬

‫‪24‬‬
‫محاكمة صوري ة‪ ،‬أصدرت بحقه حكم االعدام‪ ،‬وكان رده على هذا الحكم‪(( :‬الحكم حكم هللا ال حكمكم المزيف‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫إنا هللا وإنا اليه راجعون))‬

‫وفي صبيحة يوم ‪ 15‬سبتمبر ‪1931‬م وصل غرتسياني وأعلن عن انعقاد " المحكمة الخاصة" ‪ ،‬وفي صبيحة‬
‫ذلك اليوم وقبل المحاكمة رغب غرتسياني في الحديث مع عمر المختار‪ ،‬يذكر‪ " :‬وعندما حضر أمام مكتبي‬
‫تهيأ لي أني أرى فيه شخصية أالف المرابطين الذين التقت بهم أثناء قيامي بالحروب الصحراوية‪ .‬يداه مكبلتان‬
‫بالسالسل‪ ،‬رغم الجروح والكسور‪ ،‬ويجر نفسه بصعوبة نظرا لتعبه أثناء السفر بالبحر‪ ،‬وباإلجمال يخيل لي أن‬
‫الذي يقف أمامي رجل ليس كالرجال له منظره وهيبته رغم أنه يشعر بمرارة األسر‪ ،‬ها هو واقف أمام مكتبي‬
‫نسأله ويجيب بصوت هادئ وواضح ‪".‬‬

‫غراتسياني ‪ :‬لماذا حاربت بشدة متواصلة الحكومة الفاشية؟‬

‫الشيخ‪ :‬ال شيء إال طردكم ‪ ...‬ألنكم مغتصبون‪ ،‬أما الحرب فهي فرض علينا وما النصر إال من عند هللا‬

‫‪.‬غراتسياني ‪ :‬لماذا لم تأمر الثوار بأن يخضعوا لحكمنا ويسلموا أسلحتهم؟‬

‫الشيخ‪ :‬نحن الثوار سبقنا أن نستشهد كلنا الواحد بعد األخر‪ ،‬وال نستسلم أو نلقي السالح‬

‫وبهذا الثبات الذي أظهره الشيخ يقول غرتسياني ‪ " :‬ارتعش قلبي من رهبة الموقف أنا الذي خاض الحروب‬
‫العالمية والصحراوية‪ .‬ورغم هذا فقد كانت شفتاي ترتعشان ولم أستطع أن أنطق بحرف واحد‪ ،‬فأنهيت‬
‫المقابلة وأمرت بإرجاعه إلى السجن لتقديمه للمحاكمة في المساء‪ .‬بعد االستجوابات عقدت للشيخ المحكمة‬
‫الصورية في مكان ببرقة القديم بالقاعة الكبرى بمر اكز إدارة الحزب الفاشيستي في بنغازي‪ ،‬والتي كانت تعرف‬
‫بـ "الليتوريو"‪ .‬كانت هذه القاعة هي نفسها التي كان يجتمع فيها مجلس النواب السابق‪ ،‬وقد حضر الضباط‬
‫الرومان الذين كانوا يقفون أمام القضاة خالل قيامهم بوظائفهم العدلية‪.‬‬

‫عقدت المحكمة جلستها يوم الثالثاء ‪ 15‬سبتمبر ‪ 1931‬في الساعة الخامسة‪ ،‬وكانت تتألف من عدة أعضاء‪.‬‬
‫أصدرت المحكمة حكم اإلعدام شنقا ً في ‪ 15‬سبتمبر ‪ .1931‬كان عمر المختار في سن متقدمة تقارب السبعين‬
‫عاما‪ ،‬وعندما تم ترجمة الحكم له‪ ،‬قال‪" :‬إن الحكم هللا‪ ...‬ال حكمكم المزيف‪ ...‬إنا لله وإنا إليه راجعون"‪ .‬تم‬
‫ً‬
‫إعدامه في اليوم التالي ‪ 16 ،‬سبتمبر ‪ 1931‬في مركز سلوق بحضور األهالي وجميع المعتقلين السياسيين‬
‫خصيصا‪ ،‬حيث تمت مشاهدة تنفيذ الحكم في قائدهم‪.‬‬
‫ً‬

‫إن عمري سيكون أطول من عمر شائقي"‪ .‬وفي تلك اللحظة الحاسمة‪ ،‬كان يردد آيات من القرآن‪ ،‬بما فيها‬
‫قوله تعالى في سورة الفجر‪" :‬يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية‪ .‬فادخلي في عبادي‬

‫‪ ) 1‬دالل رداوي الحركة السنوسية ودورها في محاربة االحتالل اإليطالي في ليبيا ‪1932-1911‬م (المرجع السابق) ص ‪46‬‬

‫‪25‬‬
‫وادخلي جنتي" سورة الفجر‪ .‬ولقد رثاه العديد من فحول الشعراء‪ ،‬بما في ذلك شوقي الذي قال‪" :‬ركزوا رفاتك‬
‫في الرمال لواء سينهض الوادي صباح مساء يا ويحهم نصبوا منارا من دم توحي إلى جيل الغد البغضاء‪ ".‬بهذا‬
‫الشكل‪ ،‬أظهر المختار قوة وإصراره الذي لم يتزعزع حتى في لحظات اإلعتقال واإلستشهاد وكانت آخر كلمات‬
‫الشهيد قبل إعدامه‪" :‬نحن ال نستسلم‪ ...‬ننتصر أو نموت‪ ...‬وهذه ليست النهاية‪ ...‬بل سيكون عليكم أن‬
‫‪1‬‬
‫تحاربوا الجيل القادم واألجيال التي تليه"‬

‫المطلب الثالث‪ :‬نهاية االحتالل‬


‫أ‪ /‬دور جمعية الدفاع عن طرابلس وبرقة في المهجر‬
‫نتيجة للسياسة التعسفية التي كان يمارسها اإليطاليون ضد الشعب الليبي‪ ،‬هاجر بعض الليبيين إلى‬
‫الخارج‪ .‬وكان المهاجرون السياسيون الليبيون البعيدين عن الوطن يسعون للمساهمة في دعم شعبهم‪ .‬في‬
‫عام ‪ ،1928‬تشكلت في دمشق لجنة تنفيذية برئاسة "بشير السعداوي"‪ ،‬وكانت تهدف إلى فضح المؤسسات‬
‫اإليطالية المعادية للشعب الليبي‪ .‬وفي عام ‪ ،1929‬نشرت المنظمة بيانًا يتضمن دعوات لتشكيل حكومة‬
‫وطنية لطرابلس ‪ -‬برقة‪ ،‬وتنظيم جمعية تأسيسية لصياغة دستور‪ ،‬وانتخاب مجلس بموجب الدستور‪ ،‬واعتبار‬
‫اللغة العربية رسمية في الحكومة والتعليم‪ ،‬والمحافظة على شعائر الدين اإلسالمي‪ ،‬والعناية باألوقاف‪ .‬كما‬
‫اعتمدوا على ميثاق اتفاقيتي الرجمة وسرت‪ .‬كانت اللجنة تعمل تحت رعاية "السيد إدريس السنوسي"‬
‫وكانت على اتصال بشكل دائم مع "األمير شكيب أرسالن" والذي دعم القضية الليبية بكتاباته حول فضائع‬
‫االستعمار‪ .‬وكانت اللجنة تنشر مقاالت في الصحافة العربية تكشف عن غزو اإليطاليين وتنتقد نشاطهم‬
‫فرعا في تونس في عام ‪ ،1931‬وكانت تعمل على نشر الوعي حول القضية‬
‫ً‬ ‫الحضاري‪ .‬وقد شكلت اللجنة‬
‫الليبية‪ .‬في مصر‪ ،‬كانت الكتلة األكبر من المهاجرين السياسيين الليبيين‪ ،‬وظهر هناك انقسامان‪ :‬األنصار لـ‬
‫"إدريس السنوسي" الذين كانوا يترددون في التحرك وينتظرون اتفاقيات مع اإلمبرياليين‪ ،‬والذين يتجهون‬
‫نحو "أحمد السويحلي " الذي كان يعمل س ًرا باسم جمعية الدفاع عن طرابلس وبرقة‪ ،‬وكان يدعو الليبيين إلى‬
‫مقاومة السلطات اإليطالية‪.‬‬

‫ب‪/‬إدريس السنوسي وتشكيل الجيش العربي الليبي في المهجر‬


‫‪ .1‬التحضيرات اإلنجليزية والتواصل مع إدريس السنوسي‪ :‬قبيل دخول الحرب العالمية الثانية‪ ،‬بدأت إنجلترا‬
‫جاسوسا إنجليزيًا يتواصل‬
‫ً‬ ‫في تحضير مواقعها في مصر وكانت تهتم باألوضاع في ليبيا‪ .‬العقيد "ج‪ .‬براميل" كان‬
‫بشكل مستمر مع إدريس السنوسي والمقربين منه‪.‬‬

‫‪ ) 1‬شريفة أمين قاضي االحتالل اإليطالي والمقاومة الليبية ‪( 1951/1911‬المرجع السابق) ص‪.73.72.71‬‬

‫‪26‬‬
‫‪ .2‬دعوة إدريس السنوسي لحضور مفاوضات اإلسكندرية‪ :‬بداية عام ‪ ،1936‬دعت إنجلترا إدريس السنوسي‬
‫للمشاركة في مفاوضات اإلسكندرية‪ ،‬حيث تم االتفاق على تشكيل جيش ليبي يشارك إلى جانب اإلنجليز في‬
‫حال نشوب حرب‪.‬‬

‫‪ .3‬تأسيس الجيش العربي الليبي‪ :‬عقب اندالع الحرب العالمية الثانية‪ ،‬توافق زعماء المهاجرين الليبيين على‬
‫تسليم القيادة العامة إلدريس السنوسي وتشكيل الجيش العربي الليبي‪ ،‬الذي شارك مع القوات البريطانية‬
‫في تحرير ليبيا‪.‬‬

‫‪ .4‬مفاوضات تشكيل الجيش‪ :‬تم تنظيم اجتماع في اإلسكندرية في أكتوبر ‪ ،1939‬حضره ممثلون عن األقاليم‬
‫الليبية الثالثة‪ .‬خالل هذا االجتماع‪ ،‬تم التوصل إلى اتفاق ينص على تسليم القيادة إلدريس السنوسي وتشكيل‬
‫الجيش‪.‬‬

‫‪ .5‬دعوة لتشكيل هيئة استشارية‪ :‬تلقى إدريس السنوسي دعوة من زعماء القبائل لتشكيل هيئة استشارية‪،‬‬
‫ولكنه رفض طلبهم‪ ،‬وفشلت محاوالت إلعادة العالقات بينه وبين زعماء طرابلس‪.‬‬

‫‪ .6‬تجنيد الليبيين للقتال‪ :‬في أغسطس ‪ ،1940‬بدأ تجنيد الليبيين في القاهرة‪ ،‬وتم نقلهم إلى الصحراء الغربية‬
‫بمصر للمشاركة في الحرب‪.‬‬

‫‪ .7‬تشكيل الجيش الليبي‪ :‬وصل عدد المقاتلين الليبيين في الجيش العربي الليبي إلى ‪ 14‬أل ًفا‪ ،‬منهم ‪120‬‬
‫ضابطا ليب ًيا‪.‬‬
‫ً‬

‫‪ .8‬اتفاقية مع إنجلترا‪ :‬تم توقيع اتفاقية تنص على تسليم القيادة إلدريس السنوسي وتأليف حكومة مؤقتة‬
‫وتنظيم جيش للمشاركة في تحرير ليبيا إلى جانب القوات البريطانية‪.‬‬

‫ج‪ /‬الحرب العالمية الثانية في ليبيا والجالء اإليطالي‪:‬‬


‫‪ . 1‬تقدم القوات اإليطالية وهجوم إنجلترا‪ :‬في سبتمبر ‪ ،1940‬تقدمت القوات اإليطالية بقيادة المارشال‬
‫هجوما مضادًا في شتاء ‪ ،1940‬أسفر عن خسارة‬
‫ً‬ ‫"غرايستياني " في مصر‪ ،‬لكن القوات اإلنجليزية نظمت‬
‫اإليطاليين ربع جيشهم‪.‬‬

‫‪ .2‬تحرير برقة وتقدم الجيش الليبي‪ :‬في ‪ 7‬فبراير ‪ ،1941‬دخلت الوحدات الليبية مع الجيش اإلنجليزي بنغازي‪،‬‬
‫وشارك الجيش الليبي في تحرير برقة والتقدم نحو فزان‪ .‬تأثرت الحركات الليبية بدور السكان المدنيين وهروب‬
‫المجندين الليبيين من الجيش اإليطالي ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫‪ .3‬تدخل ألمانيا وتراجع القوات اإلنجليزية‪ :‬في ربيع ‪ ،1941‬نقلت ألمانيا فرقة دبابات إلى إفريقيا‪ ،‬وعينت‬
‫الجنرال "رومل" قائدًا للقوات اإليطالية األلمانية‪ .‬تراجعت القوات اإلنجليزية إلى حدود مصر بعد هجوم القوات‬
‫األلمانية‪ ،‬وتم استرداد بعض المواقع خالل هجوم إنجليزي في يناير ‪.1941‬‬

‫‪ .4‬استعادة اإليطاليين للمبادرة‪ :‬في نهاية يناير ‪ ،1942‬أخرجت القوات اإليطالية األلمانية اإلنجليز من بنغازي‪.‬‬
‫قاد الجنرال "رومل" حملة إيطالية المانية جديدة على مصر‪ ،‬استولوا على طبرق وتقدموا داخل مصر‪.‬‬

‫‪ .5‬تراجع القوات األلمانية‪ :‬بعد انتصارات الجيش السوفياتي ‪ ،‬تراجعت القوات األلمانية‪ ،‬ونتيجة لهجوم‬
‫إنجليزي في أكتوبر ‪ ،1942‬نجح الحلفاء في معركة العلمين في نوفمبر ‪ ،1942‬وأدى ذلك إلى انسحاب القوات‬
‫اإليطالية األلمانية من ليبيا‪.‬‬

‫‪ .6‬تحرير ليبيا‪ :‬بفضل مشاركة القوات الليبية‪ ،‬تحررت برقة في يناير ‪ ،1943‬ومصراته في يناير‪ ،‬والخمس في‬
‫يناير‪ ،‬وطرابلس في يناير‪ ،‬وكامل التراب الليبي تحرر في يناير ‪.1943‬‬

‫د‪/‬السيطرة الفرنسية اإلنجليزية على ليبيا‬


‫دعما كبي ًرا لقوات إنجلترا‬
‫ً‬ ‫خالل فترة العمليات الحربية‪ ،‬قدمت القوات الليبية المسلحة والسكان المدنيون‬
‫الفعال مع الحلفاء في‬
‫ّ‬ ‫وفرنسا‪ .‬كان لهم الفضل الكبير في توجيه جيوش الحلفاء‪ ،‬وأظهروا التضامن والتعاون‬
‫مواجهة االحتالل اإليطالي ‪ .‬استشهد آالف الليبيين خالل هذه الفترة‪ ،‬إذ سقط بعضهم في ساحات المعارك‪،‬‬
‫وتعرض البعض اآلخر للعذاب والقتل بسبب مساعدتهم لقوات الحلفاء‪.‬‬

‫شهدت ليبيا خسائر فادحة نتيجة للحرب‪ ،‬حيث أصبحت مدينة بنغازي في حالة خراب بعد تعرضها للقصف‬
‫المتكرر بالقنابل‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬أشادت الشخصيات السياسية والعسكرية اإلنجليزية بجهود الجيش‬
‫الليبي‪ .‬صرح وزير الخارجية البريطاني "أ‪ .‬إيدن" في خطابه في ‪ 8‬يناير ‪ 1942‬بتقديم القوات الليبية لخدمات‬
‫الفعال في الحمالت الناجحة في الصحراء الغربية‪ .‬بعد تحرير التراب الليبي من‬
‫ّ‬ ‫كبيرة‪ُ ،‬مثن ًيا على دورهم‬
‫االحتالل اإليطالي ‪ ،‬سيطرت اإلدارات اإلنجليزية والفرنسية على المناطق الليبية‪ ،‬مع اعتبارها مستعمرات‬
‫‪1‬‬
‫وجسو ًرا عسكرية من الناحية اإلدارية‪.‬‬

‫لقد بقي الليبيون ووضعهم يتأرجحون بين خروج اإليطاليين واستقاللهم بين حكم االدارة البريطانية‬
‫والقوة العسكرية الفرنسية‪ ،‬وفي هذه الحالة اختلف أهل برقة عن أهل طرابلس‪ ،‬وتمسك أهل برقة بزعامة‬
‫محمد ادريس السنوسي‪ ،‬حيث أقام في بني غازي نادي عمر المختار‪ ،‬الذي طالب بدولة ليبية مستقلة تحت‬
‫امارة السنوسيين‪ ،‬لكن ما لبث أن حل هذا النادي وتعطلت صحيفته‪ ،‬وأصبح اسمه الجمعية الوطنية وذلك‬

‫‪ ) 1‬الحواس غربي االحتالل اإليطالي لليبيا (‪ )1951/1911‬مذكرة لنيل شهادة الدكتوراه جامعة الجزائر ‪ 2‬أبو القاسم سعد هللا‬
‫‪.2017/2016‬ص ‪.232،226‬‬

‫‪28‬‬
‫عام ‪1947‬م ورأى االنجليز منح برقة حكومة ذاتية بزعامة محمد ادريس السنوسي وكلفت لجنة خاصة تتابع‬
‫هذا البرنامج تحت اشراف بريطانيا‪ ،‬أما في طرابلس‪ ،‬فكان الوضع مختلفا‪ ،‬حيث أظهر األهالي تخوفا من عودة‬
‫الحكم االيطالي إلى المنطقة‪ ،‬هذا ما أدى اتحاد الليبيين بتكوين دولة متحدة بزعامة محمد ادريس السنوسي‬
‫حليف بريطانيا‪ ،‬حيث ألف هذا األخير حزب المؤتمر الوطني يتحدث باسم األهالي وذلك بعد توقيف‬
‫الجمعيات مثل نادي عمر المختار‪ ،‬وتمسك هذا المؤتمر بأمرين هما اعطاء محمد ادريس السنوسي الملكية‬
‫على ليبيا‪ ،‬و عدم عودة الطليان ‪.‬وفى خضم هذه األحداث حتم األمر على وزراء خارجية الدول الكبرى إلى إرسال‬
‫لجنة رباعية‪ ،‬والتي أقرت باستقالل اقليم برقة تحت لواء محمد ادريس الذي فضل التحالف مع اإلنجليز بعد‬
‫اعتراف اللجنة الرباعية بتدهور األوضاع في ليبيا اجتماع ًيا‪ ،‬قررت بريطانيا تقسيم المناطق الليبية‪ ،‬حيث‬
‫جعلت برقة تحت رعايتها‪ ،‬وطرابلس تحت وصاية إيطاليا‪ ،‬وفزان تحت وصاية فرنسا‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬اقترحت‬
‫الواليات المتحدة أن تكون ليبيا تحت وصايتها لمدة عشر سنوات‪ ،‬باإلضافة إلى االحتفاظ بقاعدة هويلس‬
‫الجوية‪ .‬وافقت بريطانيا على هذا االقتراح‪ ،‬بينما رفضته فرنسا‪ ،‬ووافق عليه االتحاد السوفياتي ‪.‬‬

‫تزايدت التوترات في ليبيا‪ ،‬خاصة في طرابلس‪ ،‬حيث نظمت مظاهرات رافضة للوصاية األمريكية على‬
‫المدينة‪ .‬اتحدت األحزاب الطرابلسية بقيادة بشير السعداوي ضد الوصاية األمريكية‪ ،‬ونظم حزب المؤتمر‬
‫بقيادة هذه المظاهرات‪ .‬أظهر هذا الرفض بشكل واضح في الجمعية العمومية لحزب المؤتمر الوطني في ‪19‬‬
‫مايو ‪ .1949‬نجحت هذه المظاهرات في تغيير قرار األمم المتحدة‪ ،‬حيث تم قناع الوفود العربية بدعم استقالل‬
‫‪1‬‬
‫ليبيا كدولة عربية إسالمية‪ .‬وبهذا أصبح استقالل ليبيا وإنهاء االحتالل أمو ًرا ال بد منها‪.‬‬

‫ه‪ /‬دور هيئة األمم المتحدة في استقالل ليبيا‬


‫تقررت قضية ليبيا في هيئة األمم المتحدة بعد إحالتها من قبل الدول األربع (بريطانيا وإيطاليا وفرنسا‬
‫والواليات المتحدة) التي كانت معنية بالمستعمرات اإليطالية السابقة في إفريقيا‪ .‬المادة العاشرة من ميثاق‬
‫هيئة األمم تسمح للجمعية العامة بتقديم التوصيات بشأن القضايا المطروحة عليها‪ ،‬ولكن قضية‬
‫المستعمرات اإليطالية السابقة في ليبيا كانت تحظى بمكانة خاصة‪ ،‬حيث كانت هناك حاجة إلى اتخاذ قرار‬
‫نهائي ‪.‬‬

‫تمت المفاوضات والمشاورات حتى تاريخ إحالة القضية في سبتمبر ‪ ،1948‬وتمت مناقشتها ألول مرة في‬
‫جلسة الدورة الثالثة في أبريل ‪ . 1949‬كانت هناك توجهات متباينة بين الدول المعنية‪ ،‬حيث كانت بريطانيا‬
‫وبعض دول أمريكا الالتينية ترغب في إعادة بعض المستعمرات إلى إيطاليا‪ ،‬بينما كانت الكتلة األفروأسيوية‬
‫تعارض ذلك‪.‬‬

‫‪ ) 1‬شريفة أمين قاضي االحتالل اإليطالي والمقاومة الليبية ‪( 1951/1911‬المرجع السابق) ص ‪.75.74‬‬

‫‪29‬‬
‫في جلسة الدورة الثالثة‪ ،‬اقترحت روسيا وضع المستعمرات تحت وصاية هيئة األمم‪ .‬قوبل هذا االقتراح‬
‫بتصعيد من بريطانيا ورفض فرنسا‪ .‬في نهاية المطاف‪ ،‬تم تأجيل القضية إلى الدورة الرابعة‪.‬‬

‫وفي جلسة الدورة الرابعة في نوفمبر ‪ ،1949‬اتخذت هيئة األمم قرا ًرا بأغلبية ‪ 48‬صوتًا مقابل صوت واحد‬
‫وتسعة امتنعوا ‪ ،‬يعلن فيه استقالل ليبيا كدولة مستقلة ذات سيادة‪ .‬تم تحديد موعد الستقالل ليبيا قبل‬
‫يناير ‪ .1952‬كما تم تشكيل مجلس وطني يضم ممثلين عن األقاليم الثالثة واألقليات المقيمة في ليبيا‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫وتعيين مندوب لألمم المتحدة للمساعدة في االنتقال إلى االستقالل‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫و‪ /‬إعالن االستقالل‬


‫وصل مندوب األمم المتحدة إلى ليبيا في ‪ 18‬كانون الثاني ‪1950‬م‪ ،‬حيث بدأ في التحقيق في األوضاع في البالد‪.‬‬
‫أجرى اتصاالت مع بريطانيا‪ ،‬الواليات المتحدة‪ ،‬فرنسا‪ ،‬إيطاليا‪ ،‬مصر‪ ،‬وباكستان‪ .‬اجتمع هؤالء الممثلون في‬
‫جنيف في ‪ 5‬نيسان ‪1950‬م‪ ،‬ومن ثم انتقلوا إلى طرابلس‪.‬‬

‫ومندوب األمم المتحدة قام بالتحقيق والبحث حول تشكيل لجنة تحضيرية لمساعدة في صياغة دستور‬
‫بعد االنتهاء من أعمال الجمعية الوطنية‪ .‬انعقدت اللجنة ألول مرة في ‪ 17‬تموز ‪1950‬م‪ ،‬حيث تمت الموافقة‬
‫على تشكيل جمعية وطنية من ‪ 60‬عض ًوا‪ ،‬وأصدرت هذه اللجنة قرا ًرا ينص على إقامة دولة اتحادية في ليبيا‬
‫تحت رئاسة األمير محمد السنوسي‪ ،‬الذي أعلن استقالل ليبيا في حفل رسمي يوم ‪ 24‬كانون األول ‪1951‬م‪.‬‬
‫وأخي ًرا وصل الرأي العام الدولي إلى اعتبار عام ‪ 1951‬م عام استقالل ليبيا‪ ،‬حيث طالب بتسليم جميع األمور‬
‫إلى الشعب الليبي إلدارة شؤونه بنفسه‪ .‬وكانت ليبيا دولة اتحادية ذات سيادة واحدة‪ .‬في عام ‪1953‬م‪ ،‬انضمت‬
‫ليبيا إلى جامعة الدول العربية‪ ،‬وفي عام ‪1955‬م انضمت إلى األمم المتحدة‪ .‬رفض الشعب الليبي االستمرار‬
‫‪2‬‬
‫تحت النظام الملكي القائم على األسرة السنوسية بعدما أدركوا ارتباطه باإلستعمار‪.‬‬

‫‪ ) 1‬الحواس غربي االحتالل اإليطالي لليبيا (‪( )1951/1911‬المرجع السابق) ص‪.257.256.255‬‬


‫‪ ) 2‬شريفة أمين قاضي االحتالل اإليطالي والمقاومة الليبية ‪( 1951/1911‬المرجع السابق) ص‪.80.79.78‬‬

‫‪30‬‬
‫خاتمة‪.‬‬
‫في ختام النظرة الشاملة على تاريخ ليبيا قبل عام ‪ 1911‬ومراحل اإلحتالل اإليطالي ‪ ،‬يظهر‬
‫أن ليبيا قد شهدت فترات متنوعة ومحطات هامة في تشكيل هويتها ومسارها التاريخي‪.‬‬

‫بدأت هذه الرحلة بالنظر إلى أصل التسمية والتركيبة الديموغرافية للسكان وتبوؤ المكانة‬
‫الدينية في حياة الشعب الليبي‪ .‬ثم تناولنا دوافع اإلحتالل اإليطالي الذي استمر لعقود‪ ،‬حيث‬
‫اتضحت الدوافع السياسية واإلقتصادية والحضارية التي قادت إيطاليا نحو استعمار ليبيا‪.‬‬
‫ترتبط هذه الدوافع بالصراعات الدولية والتطلعات االقتصادية والثقافية للقوى األوروبية في‬
‫ذلك الوقت‪.‬‬

‫وفي ثالث مبحث‪ ،‬تم استعراض مراحل اإلحتالل اإليطالي ‪ ،‬بد ًءا من التوغل السلمي الذي‬
‫تحول إلى غزو عسكري وصوال ً إلى مرحلة االستقرار‪ .‬هذه المراحل شكلت تجربة مريرة‬
‫ومؤلمة للشعب الليبي الذي واجه الظلم واالستغالل بكل قوة وصمود‪.‬‬

‫في المبحث الرابع‪ ،‬تم التطرق إلى المقاومة الليبية التي تجلت في حركة السنوسية‬
‫ومقاومة عمر المختار‪ .‬تأكيد على صمود الليبيين واستمرارهم في النضال ضد اإلحتالل حتى‬
‫تحقيق االستقالل في عام ‪.1951‬‬

‫إن نهاية اإلحتالل اإليطالي لليبيا كانت بمثابة تحقيق لحلم الشعب الليبي بالتحرر‬
‫واستعادة سيادته‪ .‬ومع انتهاء فترة االحتالل‪ ،‬انطلقت ليبيا في مسيرة جديدة لبناء دولتها‬
‫وتطوير مجتمعها‪ ،‬وكانت تلك الفترة بداية النضال من أجل تحقيق التنمية والرفاهية‬
‫للمواطنين الليبيين‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬
‫‪ )1‬د‪ .‬البرغوثي عبد اللطيف محمود التاريخ الليبي القديم من أقدم العصور حتى الفتح اإلسالمي (الجزء‬
‫األول( أعده للنشر (تامنغست)‪.‬‬

‫‪ )2‬قاضي شريفة أمين االحتالل اإليطالي والمقاومة الليبية ‪ 1951/1911‬جامعة محمد خيضر‪ -‬بسكرة‪-‬‬
‫السنة الجامعية ‪.2015/2014‬‬

‫‪ )3‬زاقود عبد السالم جمعة‪ :‬مسار المصالحة الوطنية والسلم االجتماعي ليبيا‪ ،‬دار زهران للنشر والتوزيع‬
‫عمان األردن‪.‬‬

‫‪ )4‬العربي إسماعيل العربي ‪ :‬حاضر الدول اإلسالمية في القارة اإلفريقية المؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬الجزائر‪.‬‬

‫‪ )5‬مكــاوي آمــال مساهمة الجزائريين في مقاومة االحتالل اإليطالي لليبيا (‪1935/1911‬م) مذكرة مقدمة‬
‫لنيل شهادة الماستر في التاريخ الحديث والمعاصر جامعة الوادي الجزائر ‪2014/2013‬م‪.‬‬

‫‪ )6‬حافظ البوري عبد المنصف الغزو اإليطالي لليبيا دراسة في العالقات الدولية الدار العربية للكتاب‬
‫اإلسكندرية مصر ‪1983‬م‪.‬‬

‫‪ )7‬لطفي المصري محمد إبراهيم تاريخ حرب طرابلس مؤسسة األمير فاروق الطبعة األولى ‪1946‬م‪.‬‬

‫‪ )8‬نيكوالي إيليتش بروشين تاريخ ليبيا من نهاية القرن ‪ 19‬حتى العام ‪1969‬م ترجمة د‪ .‬عماد حاتم ط‪ 2‬دار‬
‫الكتاب الجديدة المتحدة ‪2001‬م‪.‬‬

‫‪ )9‬بوطبة نسرين االحتالل اإليطالي لليبيا وموقف الجزائريين منه ‪ 1922-1911‬مذكرة لنيل شهادة الماستر‬
‫تاريخ المغرب العربي المعاصر جامعة العربي بن مهيدي ام البواقي السنة الجامعية ‪2019-2018‬م‪.‬‬

‫‪ )10‬رداوي دالل الحركة السنوسية ودورها في محاربة االحتالل اإليطالي في ليبيا ‪1932-1911‬م مذكرة لنيل‬
‫شهادة الماستر جامعة محمد بوضياف المسيلة الجزائر ‪2016-2015‬م‪.‬‬

‫‪ )11‬الشبكة الليبية والدكتور على الصالبي عمر المختار رحمه هللا إهداء إلى القراء الكرام بمناسبة الذكرى‬
‫الرابعة والسبعون الستشهاده ‪.2005‬‬

‫‪ )12‬غربي الحواس اإلحتالل اإليطالي لليبيا (‪ )1951/1911‬مذكرة لنيل شهادة الدكتوراه جامعة الجزائر _‪_2‬‬
‫أبو القاسم سعد هللا ‪.2017/2016‬‬

‫‪32‬‬

You might also like