Professional Documents
Culture Documents
الإحتلال الايطالي لليبيا
الإحتلال الايطالي لليبيا
العلم
ي العال والبحث
ي وزارة التعليم
اهيم-برج بوعريري ج-
ي جامعة محمد البشي اإلبر
كلية العلوم اإلجتماعية واإلنسانية
خاتمة.
بدأ االحتالل اإليطالي لليبيا في عام ،1911حيث استندت هذه الحملة العسكرية على مطامع
اإلمبراطورية اإليطالية في التوسع االستعماري والسيطرة على الموارد االقتصادية والجغرافية
للمنطقة فتشكلت المقاومة الليبية ضد هذه االطماع ورغبتا في طرد اإلحتالل .إستمر هذا
االحتالل حتى قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية عام ،1943مما أدى إلى تشكيل واقع جديد
لليبيا وتأثيرات دامت لسنوات عديدة بعد انسحاب القوات اإليطالية تاركتا وراءها حقبة
تاريخية سوداوية ومعقدة في األرشيف الليبي .فكيف كان مسار االحتالل اإليطالي لليبيا؟
وماهي دوافعه؟ وكيف كان الرد الليبي تجاهه؟
وإعتمدنا على خطة بحث من أربع مباحث كل مبحث يندرج تحته ثالث مطالب وعناوين
هاته المباحث على السياق التالي المبحث األول بعنوان لمحة تاريخية عن ليبيا والثاني بعنوان
دوافع االحتالل اإليطالي لليبيا والذي بعده بعنوان مراحل هذا االحتالل واألخير عنوانه المقاومة
ونهاية المحتل .انتهجنا في هذا البحث المنهج التاريخي السردي واعتمدنا على كثير المصادر
أهمها حافظ البوري عبد المنصف الغزو اإليطالي لليبيا وكتاب العربي إسماعيل العربي حاضر
الدول اإلسالمية في القارة اإلفريقية ولم نواجه أية صعوبات تذكر سوى طول البحث.
1
المبحث األول :لمحة تاريخية عن ليبيا.
المطلب األول :أصل التسمية.
توصل أحد أبناء ليبيا في بحث له عن أصل هذه التسمية إلى النتيجة التالية( :ليبيا اسم عريق في قدمه...
يرجع إلى أكثر من ألفي سنة قبل الميالد ،يستحيل تاريخيا ً ولغويا ً الجزم بصحة رسمه (لوبيا)أو(ليبيا) على ّ
أحد الوجهين دون اآلخر ،إال باالقتصار تحيزا على لغة واحدة في عصر بذاته ،وليس هذا مما يرضي منطق العلم
وال فضول العلماء .وهو اآلن شعبيا ً ورسميا ً ودوليا ً ّ قد شاع وقبل وتأكد على أنه (ليبيا) ويجدر بنا منذ البداية
أن نشير إلى أن المدلول الجغرافي ألسماء األقاليم والدول لم يكن في القديم محددا ً واضحا ً كما هو عليه الحال
في أيامنا هذه بل كانت البالد تسمى غالبا ً باسم الشعب الذي يسكنها .وواضح أن مرت بعصور بدواة تختلف
طوال وقصرا وأن الشعب طور بداوته لم يكن ليستقر ضمن حدود جغرافية ثابتة ،مم ً يجعل رقعة البالد التي
يسكنها أصال تمتد أو تتقلص تبعا ً لتحركاته وانتصاره أو اندحاره .ومن الناحية األخرى فإن مسألة االنتماء
لوطن معين أو أمة معينة هي ظاهرة حضاري ة متأخرة ال تتولد عند األفراد والجماعات إال بعد خروجهم من
دور البداوة ،وتحررهم من الرابطة القبلية التي تحتم عليهم أن يكون والؤهم وانتماؤهم للقبيلة وليس للوطن
أو األمة وعلى هذا فإن الداللة الجغرافية السم بلد من البلدان كانت تختلف من عصر إلى آخر قبل عصر
االستقرار؛ فالمصريون القدماء كانوا يعتبرون ليبيا الصحراء المجاورة لهم من الغرب والتي تمتد بعيدا ً حتى
(عالم األموات) بينما استعمل المؤرخ اإلغريقي هيرودوتس (القرن الخامس قبل الميالد) كلمة ليبيا ليدل
بها مرة على كل الشمال اإلفريقي الواقع إلى الغرب من مصر ،ومرة على برقة فقط ،ومرة على إفريقيا عامة.
ومن ناحية أخرى فإن تحركات األفراد والجماعات كانت طليقة إلى حد كبير وال تخضع ألية قيود غير القيود
التي كانت تفرضها عليها مصالحها وظروفها .وستتضح هذه الحقيقة عندما نالحظ مدى الحرية التي كانت
القبائل الليبية القدمية تتحرك بها عبر الحدود الليبية – المصرية .ولهذه الحقيقة أهمية بالغة ،كما لما كان
لها من أثر على المنطقتين .ثم هنالك مسألة أخرى هي اتساع ليبيا الهائل وغلبة الطبيعة الصحراوية عليها
مما يجعل تعيني خط حدود لها في الجنوب بالغ الصعوبة حتى في هذا القرن العشرين فما بالك في األزمنة
الموغلة في القدم؟ وإذن فإن كلمة ليبيا لم تحمل داللتها الجغرافية الحالية إال في مطلع هذا القرن – أما في
الماضي فقد غلب استعمال كلمة ( أنطابلس – بنطابولس ) أي المدن الخمس على المحافظات الشرقية في
برقة وكلمة أطرابلس) طرابلس) أي المدن الثالث على المحافظات الغربية في منطقة طرابلس؛ وكان تاريخ
هاتين المنطقتين يمثل إلى حد كبير تاريخ ليبيا بمفهومهما الجغرافي المعاصر – أما الدواخل أي المحافظات
الجنوبية في فزان فقلما سجل تاريخها بنفس المستوى الذي سجل به تاريخ المنطقتين السابقتين بل قلما
حفظ من حقائقه ما يكفي لرسم صورة مرضية ألحوال هذه المنطقة في مراحل تاريخها القديم – ولهذا السبب
فإن الدارس أو الباحث لن يستطيع أن يفي تاريخ هذه المنطقة حقها الضروري – والرجاء معقود على أن
2
ينشط علم اآلثار في إجراء الحفريات والدراسات لفتح مغاليق تاريخ هذه المساحة الداخلية الواسعة من
1
ليبيا.
) 1د .عبد اللطيف محمود البرغوثي التاريخ الليبي القديم من أقدم العصور حتى الفتح اإلسالمي (الجزء األول( أعده للنشر (تامنغست)
ص18.17
) 2شريفة أمين قاضي االحتالل اإليطالي والمقاومة الليبية 1951/1911شعبة التاريخ قسم العلوم اإلنسانية كلية العلوم اإلنسانية واإلجتماعية
جامعة محمد خيضر -بسكرة -السنة الجامعية 2015/2014ص 11.10
) 3عبد السالم جمعة زاقود :مسار المصالحة الوطنية والسلم االجتماعي ليبيا ،دار زهران للنشر والتوزيع عمان األردن ص 40,28
3
أما السكان المسلمون فيتكونون من عنصرين عربي وبربري مستعرب .والبربر كلهم موجودون في والية
طرابلس وفزان وجبل نفوسة ،وواحة أوجلة الواقعة جنوب والية برقة ،وفي الساحل الغربي لزوارة وواحة غات
1
وغدامس .كما ينقسمون إلى عدد من القبائل العربية.
كما يرى هيرودوت أن بحيرة تريتون وهي خليج قابس بتونس على األرجح هي الحد الفاصل بين
مجموعتين من الليبيين ،إحداهما تعيش إلى الغرب ألفو حياة اإلستقرار ،والثانية تعيش إلى الشرق من
البحيرة تتألف من بدو رعاة وعلى حسب هذا القول أخذ البعض بوجود ليبين شرقيين وغربيين .ويقول مصدر
آخر أن سكان ليبيا من األعراب ،أي أن في كالمهم فضاضة ،وأنهم من قراء القرآن مثل ما وصفهم في قوله:
(يقرؤون التراتيل) ويسكنون القفار البرية ولكن لم يكثر ورود الناس عليهم فلم يختلط كالمهم بغيره .وهم
إلى اآلن على عربيتهم ولم يفسد من كالمهم إال قليل .ويوصف أهل وسكان برقة بقول( :عرب برقة اليوم من
أفصح طرابلس ويقول :للجهل مأتم وما للعلم بها غرس .أقفرت ظاهرا وباطنا .وكأنهم من ضيق أفهامهم لم
2
يخرجوا بعد إلى العالم).
/2الديانة
الليبيون يدينون باإلسالم الذي هو الدين الرسمي في ليبيا ،ويتبعون على األغلب المذهب المالكي .هناك
ً
أيضا أقلية من البربر تقطن في بعض المناطق مثل طرابلس وزواعة وجبل نفوسة ،وهؤالء يدينون بالمذهب
اإلباضي .في الماضي ،كان هناك ً
أيضا انتشار للطرق الصوفية والزوايا في ليبيا.
بالنسبة للمذاهب اإلسالمية األخرىُ ،يظهر النص أن الغالبية العظمى من الليبيين يتبعون المذهب
المالكي ،وليس هناك انقسامات مذهبية واضحة .ومع ذلك ،هناك بعض األفراد الذين يتبعون المذاهب
األخرى .أما السنة الشاذلية فقد كان لهم تأثير وتواجد في ليبيا منذ القرون السابقة ،وكان لديهم تأثير في البالد.
بالنسبة للديانات غير اإلسالمية ،يبدو أنها ضعيفة في ليبيا ،والكاثوليك هم أحد أقليات الديانة النصرانية في
البالد ،حيث يوجد كنيستين لهم في طرابلس وبنغازي .ومعظم الليبيين يدينون باإلسالم المعتدل المالكي أو
3
المذهب اإلباضي ،وال يوجد انقسامات مذهبية واضحة بينهم.
.
.
) 1إسماعيل العربي :حاضر الدول اإلسالمية في القارة اإلفريقية المؤسسة الوطنية للكتاب ،الجزائر ص.59
) 2شريفة أمين قاضي االحتالل اإليطالي والمقاومة الليبية ( 1951/1911المرجع السابق) ص .17.16
) 3نفسه
4
المبحث الثاني :دوافع اإلحتالل اإليطالي لليبيا
المطلب األول :الدوافع السياسية
شكلت المتغيرات الداخلية والخارجية إليطاليا دافعا رئيسيا في توجهها اإلستعماري حيث حققت وحدتها
القومية بتوحد مجموعة من الدويالت اإليطالية الصغيرة سنة 1871وأصبحت بذلك قوة جديدة في المحيط
الدولي لها تطلعاتها التوسعية ،فيما يلي أهم الدوافع السياسية التي كانت وراء احتالل ايطاليا لطرابلس
الغرب .وكان ت إيطاليا بعد تحقيق الوحدة منهكة القوى ومحملة بأعباء كمشكالت داخلية كالفقر والبطالة،
باإلضافة إلى انعدام االستقرار في الحكومة ،مما أدى إلى نوع من الفوضى واإلرتباك داخل البالد ،وفشل سياسة
اإلصالح في حل المشاكل الداخلية بصورة جذرية ،وهو ما دفع بالحكومة اإليطالية إلى التوسع االستعماري
لحل مشاكلها الداخلية من جهة ،وكمحاولة لصرف من جهة أخرى نجد ضياع األطماع اإليطالية في تونس بعد
أن فرضت عليها فرنسا الحماية 1881ـ شكل هذا ضربة قاضية على إيطاليا إذ اعتبره ساستها تعد على
المصالح اإليطالية في البحر المتوسط إذ يعتبرون المتوسط من إيطاليا لشمال إفريقيا بحيرة إيطالية خالصة
ولهم الحق فيه وهذا ما جذب بأنظارهم باتجاه ليبيا .كما من بين األسباب السياسة نجد ضعف القوة اإليطالية
وتفاقم مشاكلها الداخلية وخاصة بعد الهزيمة التي تلقتها في الحبشة(إثيوبيا) في معركة العدوة إذ هزمهم
الملك الحبشي منليك عام 1896م زاد من حدة الردود الداخلية اإليطالية ما أدى بها للتفكير في امتالك أراضي
1
جديدة شمال القارة اإلفريقية خاصة طرابلس الغرب كونها أخر والية عثمانية شمال القارة اإلفريقية.
ونجد كذلك سياسيا رغبة اإليطاليين في استرجاع أمجاد الرومان القديمة الغابرة وتأسيس إمبراطورية كبيرة
في إفريقيا فرأوا حلمهم هذا في ليبيا ونرى ذلك كما صرح كريسبي وهو رئيس للحكومة اإليطالية مرتين في
احدى خطاباته قائال ):إن الحكومة اإليطالية ستعمل الحتالل الحبشة وجنوب السودان ووالية طرابلس الغرب
لتربط إيطاليا بالبحر األحمر عن طريق بري يكزن له مستقبل عظيم في االتصال ببلدان الشرق األدنى واألقصى
دون الحاجة للمرور من السويس) .كما كان لإليطاليين نية في عزل الوجود الفرنسي من بقية المغرب العربي
كنوع من التعويض خسارتهم لتونس.
ومن الجانب األخر من ضفة البحر المتوسط وفي الداخل الليبي خالل هذه الفترة فقد كانت القوة العسكرية
الليبية ضعيفة وظهر ذلك في الحصون والقالع والمدافع وعدد الحرس والجنود فلم يبقى في القطر الليبي
عدد من الجنود عدا ألفين بعدما كانوا عشرين ألفا وذلك راجع للدولة العثمانية التي سحبتهم وذهبت بهم
لنصرة اليمن ورافق هذا هوان وتراجع الحكم العثماني ونفوذها ومس هذا جميع أرجاء معمورتها ما أدى
إلحداث الفوضى وانتشار االضطرابات وظهور الثورات وحدوث اإلنفصالت خاصة في أرمينيا ومقدونيا بهدف
) 1آمــال مكــاوي مساهمة الجزائريين في مقاومة االحتالل اإليطالي لليبيا (1935/1911م) مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماستر في التاريخ
الحديث والمعاصر كلية العلوم اإلنسانية واإلجتماعية شعبــــة التـــــــاريخ جامعة الوادي الجزائر 2014/2013م ص7.6
5
التخلص من النفوذ العثماني ونفس اإلضطرابات حدثت في ليبيا والدليل على ذلك عدم استقرار الوالة بها
ففي فترة ما بين 1911/1835م شهدت تولي 33واليا لزمام األمور بها فضال عن تسلطهم وفرضهم الضرائب
الباهضة على الساكنة مع تزامن سوء األحوال اإلقتصادية .كل هذا سمح بتدخل القناصل والسفراء في األمور
الداخلية للدولة كما فعل ذلك القنصل اإليطالي ،ماسبب الفوضى وعدم االستقرار .ومن بين أهم األسباب
كذلك حتى ال ننسى وهو الموقع اإلستراتيجي للبالد فهي تعتبر من بين أهم المعابر للداخل اإلفريقي وجنوب
الصحراء وحلقة وصل بين المشرق والمغرب ودعم هذا أفكار الساسة اإليطاليين ودعاة اإلستعمار التحرك
1
من خالله لتحقيق حلم اإلمبراطورية الكبرى.
أ/التنافس األوروبي على النفوذ في القارتين األسيوية واإلفريقية وكان من نصيب إيطاليا ليبيا التي سعت
من خاللها تامين المواد الخام وجعلها سوقا لمنتجاتها
ب/لم تصل الثورة الصناعية إليطاليا إال متأخرة وجعلت منها تشهد فترة إزدهار وكبير عام 1890م حتم عليها
توجيه أنظارها إلى األسواق الخارجية لصرف الفائض من المنتوج وتحقيق اإلستثمارات
ج /المشكلة الفالحية في الجنوب اإليطالي ومطالبة الفالحين باإلصالح الزراعي الذي يعطيهم حقهم في
األراضي مع تنامي الطبقة الرأس مالية الشمالية فلم يتبقى للحكام اإليطاليين سوى التوسع على حساب
ليبيا لحل هذه المعضلة وإرضاء هذه الفئة المكونة للوحدة اإليطالية.
/2الدوافع االجتماعية
أما عن األحوال االجتماعية فإنها لم تكن بالشيء الجيد في إيطاليا فقد كانت تعاني من انتشار الطبقية داخل
الشعب اإليطالي والمتمثلة في انخفاض مستوى الدخل الفردي وتدهور الحالة المعيشية وتفشي األمية وكذا
انتشار األوبئة واألمراض كل هذا أثار القالقل في الداخل السياسي إليطاليا باإلضافة إلى المشاكل األخرى من
سياسية واقتصادية شكلت دفعة الحتالل ليبيا للتخلص من بعض هذه المشاكل العامة المختلفة
واالجتماعية منها والتي نذكر بعض األمثلة عنها وتتمثل في :
أ /زيادة في الفائض السكاني وللتقليل منه هدفت إيطاليا لتوسيع أراضيها
) 1نفسه ص .8.7
6
ب /ارتفاع عدد المساجين ما زاد من نفقاتهم كما أن فرارهم كان يبث الرعب في السكان فسعت للبحث عن
مستعمرات ونفيهم لها
ج /تباين في طبقات المجتمع اإليطالي وشرائح السكان إذ نجد الصناعيين وأصحاب رؤوس األموال في
الشمال والوسط يتمتعون بكامل الحقوق بينما طبقة كبار مالك األراضي في الجنوب يعانون التهميش وسوء
المعاملة وزيادة في عدد ساعات العمل ما أدى لحدوث اضطرابات عمالية وانتشار للفوضى وعدم االستقرار
د /الشمال اإليطالي متطور صناعيا في حين الجنوب متخلف عنه هذا ما سبب اختالل في الداخل دفع باحتالل
ليبيا.
) 1آمــال مكــاوي مساهمة الجزائريين في مقاومة االحتالل اإليطالي لليبيا (1935/1911م) (المرجع السابق) ص 13.12.11.10
7
عمل االستعمار األوروبي على استغالل حركة الكشوفات الجغرافية التي كانت لها صبغة علمية في بدايتها
إذ ولدت على أعقاب الثورة الصناعية وسعي الدول الى البحث عن المواد األولية لتشغيل المصانع وكان البد
للمصالح اإلستعمارية أن تبحث عن وسيلة لتحقيق أطماعها من هنا لجأت إلى التستر خلف الجمعيات
الجغرافية والعلمية المتعددة األغراض واألهداف وأصبحت هي المحرك الرئيسي لنشاطها .ولجأت إيطاليا
كغيرها من الدول األوروبية عبر هذ الباب وتعتبر الرحالت وتعتبر حركة الرحال من أولى األدوات التي اعتمد
عليها المستعمر اإليطالي .بدأت رحالت الكشوفات اإليطالية تتعدد تحت أسماء وشعارات مختلفة وحجج
واغراض ظاهراها علمي والخفي منها هو جمع أكبر عدد ممكن من المعلومات والدراسات حول البالد المزعم
غزوها .كانت معظم البعثات التي وردت على طرابلس في تلك الفترة بإيعاز من الحكومة أو مبادرة من
الجمعيات اإليطالية لإلستكشاف الجغرافي والتجاري وهي كما يتضح من اسمها انها ليست مقتصرة على
الكشف الجغرافي فحسب بل شملت كذلك البحث التجاري مما يدل على أهدافها االستغاللية .نذكر من بين
أهم هذه الرحالت:
أ /مانفيردو كامبيريو الذي كان موفدا من الجمعية اإليطالية لالستكشاف الجغرافي والتجاري عام 1880م
حيث زار معظم مناطق إقليم برقة.
ب /جوزيبي هايمان وكان عام 1881م حيث زار مدينة طرابلس وبعض المناطق الداخلية من الوالية حيث
كان قد أعد بعض الدراسات عنها
ج /بيترو مامولي في عامي 1883/1882م رحل الى انحاء متفرقة من البالد وقدم أبحاثه للجمعية المذكورة
د /بنشيتي عام 1895م الذي تحدى السلطات العثمانية التي حظرت دخول الوالية والتجوال فيها لألجانب
وقام برحلة من مدينة بنغازي متجها شرقا حتى مدينة درنة.
ه /كما نجد الجيولوجي اإليطالي فينا سادي رينجي الذي قام بدراسات جيولوجية على طول خط الساحل
الطرابلسي ولم تقتصر هذه الرحالت على الرحالة والعلماء فقط بل شملت حتى السياسيين من مجلس
السيوخ كدي مارتينو والنائب كاستليني والصحفيين من محرري أكبر الجرائد والصحف اإليطالية
والعسكريين الذين جاؤوا تحت أسماء مستعارة واعمال مختلفة لدراسة طبيعة الوالية ومعرفة امكانياتها
1
الدفاعية.
) 1عبد المنصف حافظ البوري الغزو اإليطالي لليبيا دراسة في العالقات الدولية الدار العربية للكتاب اإلسكندرية مصر 1983م ص255،259
8
عرفت هذه السياسة عند المستعمر الفرنسي واإلنجليزي أيضا والتي اختارت إيطاليا ان تسلك نفس هذه
السياسة في والية طرابلس حيث حاولت طمس الهوية والمعالم الدينية والقومية للسكان المحليين وخلق
اتباع يؤمنون بالوالء الذي ال ينفصم للدولة الجديدة وباعتبارهم جزءا ال يتجزأ منها وتحقيقا لهذا الهدف لجأت
لالستعانة بالبعثات التبشيرية من جهة والمدارس اإليطالية من جهة أخرى.
أما من ناحية البعثات التبشيرية :فقد اندفع رجال الدين بحماس شديد لتأييد احتالل والية طرابلس كما
اظهروا استعدادهم إلعداد اهل البالد لقبوله واضعين أنفسهم في خدمة السياسة االستعمارية ويحركهم في
ذلك ثالث دوافع هي:
أولها :الرغبة الكامنة لدى المبشريين خاصة ورجال الدين عامة بضرورة استعادة كافة المناطق التي سادتها
اإلمبراطورية الرومانية المسيحية في محاولة إلعادة نشر الدين المسيحي فيها من جديد.
ثانيه ا :نظرة رجال الدين لإلمبراطورية العثمانية المتداعية باعتبارها الممثلة للمسلمين وحاملة لواء الدين
اإلسالمي وبالتالي فان القضاء عليها أو على أي توجد فيه هو نصرة للديانة المسيحية.
ثالثها :تقلص نفوذ سلطات الكنيسة ورجال الدين في إيطاليا نفسها فتطلع هؤالء الستعادة نفوذهم ومجدهم
وسلطانهم في المستعمرات.
إن هذا العمل التمهيدي الذي قامت به البعثات التبشيرية ككل أو المبشرون فرادى هو عمل غير مباشر
يندرج تحت سياسة التوغل اإليطالي داخل التراب الليبي وقد كان يخدم بطريقة أو أخرى الغزو اإليطالي للوالية
العثمانية .ويعود هذا النشاط في البالد للعام 1889م عندما أنشئت مدرستان ابتدائيتان كانتا تابعتين
للفرنشيسكان ثم اتسع نشاط هذه البعثات فشمل انحاء متفرقة من الوالية وأسسوا المالجئ وأدخلوا فيها
األيتام ومن المعيل لهم من السكان فيها لتنشئتهم ،كما أقاموا الكنائس بحجة ممارسة نشاطهم الديني
وعملوا على كسب ود الناس وعدم معارضة السلطات العثمانية لهم كما ادعوا أنهم يقومون بعمل إنساني
1
قصد اخراج وإنقاذ اهل البالد من الجهل والتخلف.
) 1نفسه .262،260
9
المحيطين بهم بقبول فكرة الوجود االستعماري في أراضيهم كضرورة حضارية .تولت إيطاليا اعداد المناهج
الخاصة التي عنيت فقط بنشر نوع خاص من الثقافة اإليطالية يتالءم مع أهدافها فكانت تعمل على نشر
األفكار والمبادئ في نفوس األطفال والطالب في هذه المدارس لتقريبهم منها ويهون فيهم امر االنتقال فيما
بعد من السلطة والحكم العثماني للحكم اإليطالي ويرغبهم فيه.
سببت هذه المدارس البلبلة لدى الساسة العثمانيين في إسطنبول والحكومة العثمانية بطرابلس بسبب
المنافسة الشرسة التي تمثلها هذه المدارس بالنسبة للتعليم العثماني واإلسالمي وحتى للوجود العثماني
بالبالد خاصة وأن هذه المدارس اإليطالية كانت تتمتع بإمكانيات ضخمة تفوق اإلمكانيات في المدارس
العثمانية مما يجعلها تتضاءل الى جانبها حتى وأن هذه المدارس ال تعتبر وليد سنوات قليلة سابقة وإنما
1
هي موجودة من فترة طويلة وفي مناطق متعددة.
حاولت إيطاليا في مرحلتها التمهيدية اتِّخاذ المشاريع اإلقتصادية كقاعدة عامة يمكن االعتماد عليها
للسيطرة على اإلقتصاد الليبي من جهة ،وافتعال الحجج والذرائع الحتالل البالد من جهة ثانية ،فبدأت تبحث
عن جهاز مال يمكنه أداء المهمة ويحمل أعباء القيام بهاته العمليات االقتصادية فوقع الخيار على بنك روما
الذي أسس له فرع في ليبيا سنة 1905م .عارض انشاءه الولي رجب باشا ألنه أدرك أن من ورائه غايات
وأهداف سياسية أخرى غير االقتصادية ال تمت لمهامه بأية صلة.
أنشئ البنك وأصبح مركزا للدعاية اإليطالية واسندت ادارته إلى براستياني أحد الساسة االيطاليين ثم اتسع
نطاق البنك فأصبحت له فروع في معظم المدن المهمة بالوالية ثم بدأ استثمار العقارات وشراء األراضي كما
نجح في شراء أربعمئة ألف أيكر من األراضي والتي تعادل 4050مترا مربعا لأليكر الواحد وهي وحدة قياس
للمساحات األمريكية أي مايعادل 1620كلم مربعا .كما قام البنك بتوظيف عدد كبير من أصحاب النفوذ في
طرابلس ومنحهم مرتبات حسب مايقدمونه من خدمات ضد وطنهم ،هكذا أصبح إليطاليا شبكة نفوذ وأنصار
في جميع المصالح الحكومية ،كما أسس منشاة الزيوت اإليطالية عام 1907م في مدينة طرابلس كما افتتح
في نفس المدينة عام 1910م مصنعا لعصر الزيوت بواسطة أحد االيطاليين الممولين من قبل البنك ،كما قام
) 1عبد المنصف حافظ البوري الغزو اإليطالي لليبيا دراسة في العالقات الدولية (المرجع السابق) ص .265.264
) 2نفسه ص .267
10
البنك بدور هام في مجال االستثمارات المالية االقتصادية لصالح إيطاليا وعمل أيضا كجاسوس عن األوضاع
1
في الوالية العثمانية.
استمر نشاط بنك روما في التزايد ليؤكد وجود إيطاليا الدائم في الوالية التي بدأت تخضع تدريجيا للسيطرة
2
االقتصادية اإليطالية.
كانت االستعدادات الخاصة بعملية الغزو اإليطالي لليبيا تجري في سرية تامة واالجتماعات الدورية للحكومة
اإليطالية تعقد منذ بداية شهر سبتمبر 1911م ثم في 21من نفس الشهر عقد وزير الخارجية دي سان جوليانو
ووزير الحربية بالو سببنقاري ووزير البحرية باسكوالي مع وزير المالية فرنشيسكو اجتماعا سريا الغرض منه
التطرق لسيرورة إجراءات الحملة ثم في 25من ذات الشهر اجتمع مجلس الوزراء اإليطالي في تمام هيئته
وكانت عملية غزو والية طرابلس النقطة الرئيسية المدرجة في جدول االعمال ،وفي هذه الجلسة بين كل وزير
وضع الحكومة لديه قبيل االحتالل لوالية طرابلس فتحدث وزير الخارجية عن الوضع الخارجي واستعرض
الموقف السياسي الدولي وانتهى انه اليعوق إيطاليا القيام باالحتالل ،وأفصح كل من وزير الحربية ووزير
البحرية عما انجزا من ترتيبات عسكرية إلمداد الحملة والخطة المشتركة للقيام بالغزو المنتظر ،وحدد وزير
الخزانة الوضع المالي للدولة و اكد انه اليحول دون االقدام على تنفيذ خطة الغزو وانه في امكان الخزنة العامة
تحمل اية مصروفات إضافية طارئة قد تستدعيها الظروف وتحتمها ،كما تقرر في هذا االجتماع تقديم اإلنذار
النهائي للحكومة العثمانية.
االنذار االيطالي :في مساء يوم 27-26مـن سبتمبر1911م أرسل وزير الخارجية الى الوزير المفوض والقائم
بأعمال السفارة االيطالية في اسطنبول نص االنذار االيطالي لتقديمه في صورة مذكرة الى الباب العالي .وقد
جاءت في هذا االنذار النقاط التالية :
أوال ـ تذكير ايطاليا المستمر للباب العالي ،بالضرورة القصوى لوضع حد لتلك الفوضى واالهمال اللذين تركت
فيها طرابلس وبرقة من قبل الحكم العثماني وهو وضع ترى ايطاليا ضرورة تعديله وفقا لمقتضيات المدنية
والمصلحة الحيوية إليطاليا بحكم قرب سواحلها من أراضي الوالية
) 1آمــال مكــاوي مساهمة الجزائريين في مقاومة االحتالل اإليطالي لليبيا (1935/1911م) (المرجع السابق) ص .16.15
) 2عبد المنصف حافظ البوري الغزو اإليطالي لليبيا دراسة في العالقات الدولية (المرجع السابق) ص.271
) 3نفسه ص .277
11
ثانيا ـ ان مساندة الحكومة االيطالية الدائمة لإلمبراطورية العثمانية في كثير من المسائل السياسية حتى في
الفترة االخيرة «قوبلت بتجاهل رغبات ايطاليا في والية طرابلس وبمعارضة انشطة االيطاليين فيها»
ثالثا ـ رفض الحكومة االيطالية القتراح اسطنبول بإجراء مفاوضات تمنح بمقتضاها ايطاليا امتيازات اقتصادية
في الوالية «وتحفظ إلسطنبول شرفها ومصالحها العليا» ألنها تعتقد بأن تجارب الماضي اوضحت عدم جدوى
مثل هذه المفاوضات التي قد تطرح أمورا تصبح محـل نزاع او احتكاك جدید
رابعا ـ االدعاء بأن تقرير قناصل ايطاليا في طرابلس وبرقة تصور «خطـورة الحركة السائدة ضد االيطاليين والتي
خلقها فيما يبدو الضباط وهيئات اخرى من السلطات المحلية» .وهـي خـطـورة ليست قاصرة على االيطاليين
وحدهم بل على جميع االجانب مما دفعهم لمغادرة البالد
خامسا ـ ان الحركة العثمانية ترسل الناقالت العسكرية لتزيد من تأزم الموقف في الوالية ،االمر الذي يدفع
ايطاليا التخاذ التدابير الالزمة ضد هذا العمل
سادسا ـ قررت الحكومة االيطالية ـ وقد رأت نفسهـا مضطـرة الى التفكير في شرفها ومصالحها ـ االقدام على
احتالل طرابلس عسكريـا «باعتبار ذلك هو الحل الوحيد الذي يمكن أن تقبله ايطاليا»
سابعا ـ تطلب الحكومة االيطالية اصدار االوامر للممثلين والسلطات العثمانية في الوالية بعـدم مقاومـة الغـزو
ومـن الممكن االتفاق على تنفيذه دون اية عراقيل« .وستتخذ بعده القرارات الالزمة لتسوية الحالة التي
ستنتج عنه».
وطلب وزير الخارجية االيطالي من سفارته بإسطنبول إلتماس الرد الحازم في الموضوع من الحكومة العثمانية
في حدود 24ساعة من تقديم االنذار وفي حالة عدم الرد ستجد الحكومة االيطالية نفسها مضطرة التخاذ
الخطوات الرامية لتثبيت االحتالل ،على ان يصل رد الحكومة العثمانية عبر سفارتها في روما.
إن توجيه االنذار االيطالي بهذه الكيفية لم يتعد االجراء الشكلي لدفع اسطنبول لقبول الغزو الالحق فالمدة
التي حددها ال يمكن ان تكون كافية للحكومة العثمانية لدراسته والرد عليه بل يهدف الى إ رباكها وعدم تمكينها
من إيقاف أي إجراء ستقوم به إيطاليا وفي الوقت ذاته هو محاولة إلقناع الدول االوربية في حالة إعتراضها بأن
إنذارها يحمل كافة المبررات لعملها بالشرعية کما يالحظ من اإلنذار أيضا ان ايطاليا قد نصبت نفسها للدفاع
1
عن حقوق الوالية وكأنها مسؤولة عن تحقيق تقدمها وحضارتها
ح ّ
ث حقي باشا على اجتماع وزارته بعد تسليم السفير اإليطالي مذكرة اإلنذار لرئيس الحكومة العثمانيةُ ،
لمناقشة األمر .تم عرض الموقف على السلطان ،الذي طلب استشارة سعيد باشا وهو سياسي ذو خبرة إذ
) 1عبد المنصف حافظ البوري الغزو اإليطالي لليبيا دراسة في العالقات الدولية (المرجع السابق) 284،281
12
ستسالما وفقدان
ً أن الحكومة العثمانية كانت تواجه خيارات صعبة بين قبول االحتالل اإليطالي ،مما يعني إ
المزيد من أراضي اإلمبراطورية ،أو الدخول في حرب مع إيطاليا مع كل تبعاتها .الصعوبة كانت في اتخاذ قرار
بين الضعف الذي وصلت إليه القوات العثمانية وخطر اندالع ثورات في مناطق البلقان ،باإلضافة إلى األزمة
وسط ،حيث ال يمكن
ٍ االقتصادية والديون المتر اكمة .نصح سعيد باشا رئيس الحكومة بالبحث عن حال
بشكل مهين .وأشار إلى أن التسوية المثلى قد تحقق إما االحتفاظ
ٍ لإلمبراطورية العثمانية أن تستسلم
بالسيطرة على طرابلس مع التنازالت ،أو تدخل الدول األوروبية لمنع اندالع حرب بعد التنازالت التي قدمتها
الحكومة العثمانية ،مما يقوض مبررات إيطاليا لغزو طرابلس .وقبل انقضاء مدة 24ساعة قدمت الحكومة
العثمانية ردها على االنذار الى السفير االيطالي بإسطنبول والى الحكومة االيطالية في روما عن طريق ممثلها،
ثم قدم حقي باشا استقالته ليتولى بعده سعيد باشا رئاسة الوزارة العثمانية .وجاء فيه مايلي :
أوال :عدم مسؤولية حكومة االتحاد والترقي عن الوضع المتخلف في والية طرابلس والقاء تبعة ذلك على
الحكومات السابقة.
ثانيا :عدم تعرض هذه الحكومة للمشاريع االيطالية في الوالية ،بل كانت تشجع قيامها «وتطيع رغبات ايطاليا
في هذا الخصوص من اجل المحافظة على صداقتهـا وثقتها .وانطالقا من احساسها بهذا الشعور اقترحت
مؤخرا على السفارة الملكية تسوية تقوم على منح تسهيالت اقتصادية تهدف إلعطاء النشاط االيطالي ميدانـا
فسيحا في طرابلس وبرقة جاعلة قيدها الوحيد الشرف والمصالح العليا لإلمبراطورية»
ثالثا :ت سامح الحكومة العثمانية باستمرار ولكن دون انتهاك لما ترتبط به من معاهدات او اتفاقيات مع الدول
األخرى والتي ال يمكن ان تضمحل قيمتها الدولية بناء على رغبة من جهة واحدة.
رابعا :حرص الحكومة العثمانية التام على االمن والنظام وحسن تقديرها لما يجري في الوالية فضال عدم وجود
اي مبرر يدعو للقلق على مصير االيطاليين واألجانب على حد سواء.
خامسا :نفي قيام اسطنبول بإرسال ناقالت عسكرية الى الوالية فيما عدا ناقلة صغيرة ال تحمل جنودا ،ولكنها
كانت قد ارسلت في محاولة إلضفاء الطمأنينة.
سادسا :إستعداد الحكومة العثمانية لتقديم الضمانات التي تراها إيطاليا كفيلة بتحقيق مصالحهـا االقتصادية
إذ لم تقدم على احتالل ليبيا.
سابعا :الطلب من إيطاليا توضيح تلك الضمانات التي أعربت عن استعدادها للرضوخ لها مادامت ال تمس
أراضي الدولة ومع تعهدها بعد تغيير األوضاع القائمة في والية طرابلس السيما األوضاع العسكرية .وفي األخير
ناشدت اإلمبراطورية العثمانية إيطاليا ان تثق في حسن نواياها.
13
عرى هذا الرد العثماني االطماع اإليطالية وحصره في النواحي االقتصادية وابدى استعداده لتسوية الخالفات
بينهما بصورة جذرية وإثبات عدم مقاومتها للنشاط االقتصادي اإليطالي في الوالية .أمال أن تتجاوب معها.
وخالصة هذا يوضح في نقطتين رئيسيتين هي:
.سلب إيطاليا أي مبرر يدعوها للغزو بعد إبداء حسن النية من الجانب العثماني .
1
.التشبث العثماني بالتسوية السلمية أبدى مدى ضعف اإلمبراطورية العثمانية.
وصل الرد العثماني للجانب اإليطالي قبل انقضاء المهلة ولكن تصميم إيطاليا على غزو والية طرابلس لم تبدي
2
أي اهتمام له وكان أمرا ال عالقة له بالرد
إعالن الحرب:
وفي أواخر شهر سبتمبر سنة 1911م بدأت ايطاليا فجأة تتحرش بتركيا ووجهتها سواحل طرابلس الغرب
وبرقة .وأدرك الباب العالي الخطر الناجم عن خلو البالد من المدافع الضخمة والجند والسالح .ففكر في العمل
3
بكل الطرق الدبلوماسية الممكنة إلبعـاد الغزو االيطالي بقدر المستطاع .ولكن مساعيه اخفقت
>> بما أن الحكومة العثمانية لـم تقبل المطالب التي احتواها اإلنذار اإليطالي ،فإن ايطاليا واالمبراطورية
العثمانية ابتداء من تاريخ 29سبتمبر 1911م ـ ومن الساعة الثانية والدقيقة الثالثين تصبحان في حالة حرب،
وتتكفل الحكومة الملكية بحماية جميع الجاليات في طرابلس وبرقة أيا كانت جنسيتها ( )...وتحاط الدول
4
المحايدة سريعا بأمر حصار سواحل طرابلس وبرقة <<
خالل التخطيط لغزو الشمال األفريقي ،كانت روما قد قررت في البداية أن يكون جيش الحملة مؤلفا ً من 22
ألف مقاتل ،وكان من شأن هذا التفوق العددي على القوات التركية أن يسمح باالستيالء فورا ً على الجزء
الساحلي من ليبيا واحتاللها في أقصر فترة ممكنة .ولتفادي أي نوع من المفاجآت تم زيادة عدد القوات إلى
40ألفا ً .وتشير الخطة التي وضعتها القيادة اإليطالية إلى أن عملية االستيالء على طرابلس وبرقة كانت تقسم
إلى مرحلتين ،يتم اإلنزال في المرحلة األولى على الشاطئ ،ويتم اخضاع األهالي وطرد األتراك .وكان من
المفروض أن تقوم بهذه المهمة قوات عددها 22,5ألف مقاتل من المشاة ،وبطاريتان جبليتان ،و 6آالف
خيال ،باإلضافة إلى فرقتين من المدفعية الثقيلة والخفيفة ( 72مدفعاً) ،وفرقة نقل مكونة من 200سيارة
أما المرحلة الثانية ،فكانت الحم لة تخطط خاللها للقضاء على آخر جيوب المقاومة والتطهير الكامل للمنطقة
) 1عبد المنصف حافظ البوري الغزو اإليطالي لليبيا دراسة في العالقات الدولية (المرجع السابق) ص.289،285
) 2نفسه ص 289
) 3محمد إبراهيم لطفي المصري تاريخ حرب طرابلس مؤسسة األمير فاروق الطبعة األولى 1946م ص .30
) 4آمــال مكــاوي مساهمة الجزائريين في مقاومة االحتالل اإليطالي لليبيا (1935/1911م) (المرجع السابق) ص.18.17
14
المحتلة من األتراك لضمان وتأمين الحماية خلف جيوشهم الزاحفة .ولحل هذه المهام ،كان يجب أن تشارك
الفرقة الثانية ( 13,5ألف جندي 30 ،بطارية ميدان).
في 4أكتوبر 1911وجه األسطول البحري العسكري اإليطالي الذي كان يحاصر سواحل ليبيا منذ الـ 27من
سبتمبر نيران مدافعه على طرابلس وطبرق .ولم يالق اإلنزال البري مقاومة تذكر من جانب القوات المسلحة
التركية .فاحتل اإليطاليون طبرق ،إال أن حامي ة المدينة والفرق المسلحة التي هرعت لمساندتها من برقة،
قامت بدفاع مستميت عنها .وفي 20أكتوبر احتلت القوات اإليطالية مدينة الخمس .وفي 21منه مدينة درنه.
وبدءا ً من 19أكتوبر .بدأت المعارك العنيفة الحتالل بنغازي ،فالسكان العرب إلى جانب الحامية التركية وقفوا
يصدون ببسالة هجمات الطليان داخل المدينة وفي ضواحيها .ولم يتمكن اإليطاليون من إرغام الحامية التركية
والفرق العربية الرديفة على االنسحاب في 21من أكتوبر ،أو إلى بعد ( )12كيلومتر إلى الشرق من بنغازي نحو
(بنينه) إال بعد أن قصفوا المدينة بنيران مدفعيتهم المتواصلة.
وعلى الرغم من أن اإليطاليين قد تمكنوا في غضون شهر أكتوبر من احتالل المدن الساحلية الكبرى في ليبيا،
فان القوات النظامية التركية التي كان األهالي يساندونها ،كانت ما تزال بعيدة عن الهزيمة الكاملة .ومع كل
هذا فإن عدم استعداد تركيا للحرب كان من الوضوح إلى درجة أنه أثار عاصفة من االستياء ضد حكومة حقي
باشا حتى أنها اضطرت إلى االستقالة وطالب مندوبو ليبيا وضع أعضائها امام المسؤولية القضائية نظير
1
اهمالهم المجرم الذي حرم ليبيا من وسائل الدفاع الضرورية.
وكان سكان طرابلس وبرقة يواجهون واحدا ً من خيارين :إما االستسالم للمستعمرين اإليطاليين ،أي ابدال
السيد السابق المتمثل في اإلمبراطورية العثمانية بسيد جديد هو إيطاليا وإما مقاومة الغزاة األوروبيين،
2
والدفاع عن كل شبر من أرض الوطن .وقد اختار الشعب الليبي الطريق الثاني
وفي 17/10/1911م كانت السفن الحربية تواجه شواطئ الخمس وتطلب استسالم الحامية التركية ،وبعد
رفض هذه األخيرة االستسالم أخذت السفينة الحربية "فاريسي" بقصف المدينة وتمكنت من السيطرة عليها
يوم 1911/10/21م
ظلت القوات االيطالية خالل هذه الفترة تبحث عن السبيل الذي يمكنها من توسيع رقعة احتاللها ،فتمكنت
يوم 1911/12/13م من احت الل تاجوراء وكان ذلك أقصى امتداد وتوسع تحققه ايطاليا نحو الشرق .يتبين
لنا من كل هذا كيف تحول الساحل الليبي بكل مواقعه الهامة إلى ميادين للمعارك ،والواضح أن اإلستراتيجية
الحربية االيطالية قد تعمدت فتح هذه الجبهات المتعددة بقصد السيطرة السريعة والعاجلة على الشاطئ
) 1نيكوالي إيليتش بروشين تاريخ ليبيا من نهاية القرن 19حتى العام 1969م ترجمة د .عماد حاتم ط 2دار الكتاب الجديدة المتحدة 2001م
ص.120-118
) 2نفسه ص .124
15
ومدنه العامة ،ومع ذلك لم تستطع أن تحقق ما كانت تحلم به إال بعد توقيع معاهده أوشي .لوزان في
(18/10/1912م) التي اعترفت فيها الدولة العثمانية لإليطاليين بالسيادة على ليبيا مع الحفاظ على حقوق
السكان .هكذا عجزت والية طرابلس الغرب شأنها شان الجزائر وتونس والمغرب من إنقاذ نفسها ،فوقعت
فريسة إلحدى الدول األوروبية التي أخذت تنهض بأعباء إدارتها واستعمارها وصار يطلق عليها اسم " ليبيا
1
االيطالية".
اتفاقية الزويتينة :في هذه الفترة ،كانت إيطاليا تعاني من آثار الحرب العالمية األولى واضطرابات داخلية ،مما
دفعها إلى السعي لإلتفاق مع السنوسيين لتحقيق االستقرار في ليبيا .كان الهدف من هذا اإلتفاق تأمين
الهدوء في ليبيا ،خاصة بعد تضاؤل مقاومة السيد أحمد الشريف ضد اإلنجليز .بدأ السيد إدريس السنوسي
هذه المفاوضات بشكل فردي دون استشارة ممثل الحكومات التركية أو أي من الزعماء الطرابلسيين .وتم
توقيع اتفاقية الزويتينة في أوائل عام 1917بين السيد إدريس والوفد اإليطالي ،في حين كان الوفد اإلنجليزي
يقوم بمهمة التسوية بين الطرفين ،وكان معه أحمد حسنين بك .ومع ذلك ،لم تستمر هذه االتفاقية بسبب
التوتر بين اإلنجليز والسيد إدريس واإليطاليين .أُجلت االتفاقية إلى وقت الحق وتم تحديد مكان المفاوضات
في عكرمة من قبل المفوضين بعد شهرين.
معاهدة عكرمة :من أجل مواجهة التحدي السنوسي ،اعتمدت بريطانيا على سياسة الخديعة والتفاوض مع
زعماء السنوسيين .قام الكولونيل اإلنجليزي تالبرت ،المندوب السامي في مصر ،بإرسال بعثة إيطالية إلى
السيد إدريس السنوسي للتفاوض معه وإقناعه بتجنب العداء لكل من إيطاليا وبريطانيا لضمان مستقبل
ليبيا وحريتها .وفي هذا السياق ،عقدت معاهدة طبرق ،أو عكرمة ،في 17أبريل .1917احتوت المعاهدة على
13بندًا كشروط تمهيدية لتحقيق هدف تهدئة األوضاع في ليبيا .من بين أهم بنود المعاهدة:
_ االعتراف بالسيد إدريس السنوسي أمير اإلدارة الحكم الذاتي التي يشمل نطاقها واحات الجغبوب وجالو
والكفرة ويكون مقرها في أجدابيا.
) 1آمــال مكــاوي مساهمة الجزائريين في مقاومة االحتالل اإليطالي لليبيا (1935/1911م) (المرجع السابق) ص.19
16
_ تعهد إيطاليا في اإلبقاء على المحاكم الشرعية في المناطق التي تخضع لسلطانها.
ً
إحالال للسلم وسبيال ً لتوطيد سيطرتهم المستقبلية يمكن القول أن معاهدة عكرمة كانت بالنسبة لإليطاليين
في ليبيا وتعزيز توغلهم في هذا اإلقليم.
إعالن الجمهورية الطرابلسية :بعد توقف الحرب العظمى واستسالم تركيا في نوفمبر ،1918تم توقيع هدنة،
وانسحب العثمانيون األتراك مرة أخرى من ليبيا ،ما رحلوا تاركين ألهلها مسؤولية المقاومة ضد الغزو
اإليطالي .أثر سقوط تركيا تأثيرا ً كبيرا ً على البالد ،وتغيرت أحوالها .انتقل كل زعيم من زعماء المقاومة الوطنية
إلى إدارة منطقته وتحمل مسؤوليتها .في هذا السياق ،حين بدأت عملية إعادة وجالء الجنود والضباط األتراك
عن التراب الليبي ،حاول األمير عثمان عبد الرحمن الحاكم التركي مغادرة البالد .ولكن ،رفض زعماء المقاومة
وأعيان البالد في مصراتة طلبه بالبقاء .اجتمع هؤالء القادة واألعيان وطرحوا فكرة إقامة حكومة وطنية تجمع
مناطق إقليم طرابلس بشكل وحدة ،بالتعاون مع الحركة السنوسية في برقة .تم التحضير لعقد اجتماع في
ً
معروفا وع ِق َد مؤتمر في 1918بمسلة ،والذي أصبح
مدينة المسالتة لتبادل اآلراء حول إقامة حكومة جمهوريةُ ،
بـ "مؤتمر مسالتة" .في هذا المؤتمر ،تم إعالن "الجمهورية الطرابلسية" ،وتم انتخاب مجلس رئاسته يضم:
كما انتخب مجلس شورى الجمهورية يتألف من 24عضو برئاسة محمد سوف المحمودي واتخذت مدينة
العزيزية مقرا لهذا المجلس .وتعتبر هذه الجمهورية اول جمهورية في شمال افريقيا ألجل اثبات وجودهم
وتنظيما للمقاومة.
اتفاقية الرجمة :في أعقاب انتهاء الحرب العالمية األولى ،كانت إيطاليا منهكة وعاجزة عن إرسال قوات إضافية
إلى ليبيا لتأكيد سيطرتها .لذلك ،قررت إيطاليا تبني سياسة جديدة تتناغم مع مبادئ الحكم الذاتي إلرضاء
الشعب الليبي .في 31أكتوبر ، 1919أعلنت إيطاليا عن قانونين مختلفين لطرابلس وبرقة ،يشمالن إنشاء
برلمان ومجلس حكومة .استنادًا إلى هذه العالقات الجديدة بين اإليطاليين والسنوسيين ،تم توقيع اتفاقية
الرجمة في 25أكتوبر .1920هذه االتفاقية التي تنص على :
17
-منح السيد إدريس لقب "أمير" بصفة وراثية في أسرته ،مع االعتراف به كرئيس للحكومة ذات الحكم الذاتي .
-تقسيم القطر البرقاوي إلى قسمين :قسم ساحلي يرفع فيه العلم اإليطالي ،وقسم داخلي يخضع إلمارة
السيد محمد إدريس.
_ إيقاف الحرب بين الطرفين وإلغاء المعسكرات السنوسية وتجريد العرب من سالحهم.
هذه االتفاقية كانت محاولة لتحديد العالقات السياسية بين الجانبين ،مع إعطاء درجة من الحكم الذاتي للسيد
إدريس .غير أنها لم تنهي االزمة بين الطرفين بسبب عدم تنفيذ السنوسيين بما تعهدوا عليه في فترتهم
المحددة.
اتفاقية بومريم :نتيجة لعدم تنفيذ السنوسيين لما جاء في اتفاقية الرجمة ،حاول الحاكم اإليطالي دي مارتينو
حل هذا اإلشكال ،فعقد اتفاقية أخرى مع السنوسيين عرفت باتفاقية بومريم وذلك في 11نوفمبر ،1921
والتـي تـم بموجبهـا االتفاق بين إدريس السنوسي واإليطاليين على بقاء األدوار (المعسكرات) وأن يشترك
السنوسيين والطليان في إدارتها وان تكون نسبة المنخرطين فيها بين الطرفين 8إيطاليين و 10ليبيين ،وذلك
لضمان االستقرار وعدم تجدد المقاومة .وهنا يمكننا القول أن إيطاليا استمرت في محاوالت كسب الليبيين
1
من أجل تلبية مصالحها.
من ثم دخلت ليبيا في مرحلة استقرار بين عامي 1934و 1943بعد أن تمكن االحتالل اإليطالي من إخضاع
البالد وقمع حركة المقاومة .بدأ االحتالل في تنفيذ مشاريعه االستيطانية بهدف تثبيت سيطرته وترسيخ
وجوده في ليبيا .وفي العقد األخير من حياة االستعمار ،تم تنفيذ سياسة الطلينة بال هوادة ،مع إعالن ليبيا جز ًءا
ال يتجزأ من الكيان اإليطالي .كما قامت إيطاليا بتفريع السكان الوطنيين من خالل عمليات التهجير واإلبادة
الجماعية ،مع استهداف األراضي الخصبة .وشملت هذه الجهود جلب مليون إيطالي لالستثمار في األراضي
الصالحة للزراعة ،وكانت شركة التعمير االيطالية Enteتقوم بإعداد وتهيئة األرض وحفر اآلبار وبناء كل
المرافق االجتماعية بهدف تسهيل عملية توطين المعمرين ،وجذبهم للقدوم إلى ليبيا كوسائل إغرائية ،وكانت
أول دفعة من المعمرين المهاجرين قد وصلت إلى ليبيا في أواخر الثالثينات حوالي سنة 1938م وبلغ عدد
أفرادها 120ألف اتجه نصفهم إلى برقة والنصف االخر إلى طرابلس حيث بلغ عدد االسر التي استقرت
2
بطرابلس حوالي 4000اسرة فيما كانت هناك حوالي 2500اسرة استقرت ببرقة
) 1نسرين بوطبة االحتالل اإليطالي لليبيا وموقف الجزائريين منه 1922-1911مذكرة لنيل شهادة الماستر تاريخ المغرب العربي المعاصر
جامعة العربي بن مهيدي ام البواقي السنة الجامعية 2019-2018م ص .71،66
) 2آمــال مكــاوي مساهمة الجزائريين في مقاومة االحتالل اإليطالي لليبيا (1935/1911م) (المرجع السابق) ص.21.20
18
.
) 1دالل رداوي الحركة السنوسية ودورها في محاربة االحتالل اإليطالي في ليبيا 1932-1911م مذكرة لنيل شهادة الماستر جامعة محمد
بوضياف المسيلة الجزائر 2016-2015م ص.14.13
19
بالجبل األخضر ومعركة الصفصاف 1جوان وغيرها من المعارك المسجلة .وقد حاول االيطاليون اتباع أسهل
الطرق لقتل الحركة في مهدها وذلك عن طريق التصالح مع أحمد الشريف والتعرف عليه ،فأرسلوا اليه
المندوب (عمر منصور الكيخيا) ،كما جرت محاوالت أخرى لكنها باءت بالفشل ومع بداية سنة 1914أحاطت
بالمجاهدين صعوبات شديدة منها انقطاع الموارد عنهم من األسلحة والذخائر والمؤن واستدعاء تركيا لبقية
قواتها العاملة في برقة فتح الحدود المصرية أمام المجاهدين بإيعاز مـن اإليطاليين إال أن المجاهدين استمروا
بنفس الروح النضالية األولى ودارت المعارك في الكثير من المناطق خاصة في الفترة من مارس إلى نوفمبر
1914من أهمها غزوة الزيدن وغزوة الفاتية وغزوة بونجيم ،ولعل واقعة القرضابية 1915قد كانت بمثابة
فاتحة عهـد لسلسلة من الهزائم التي لحقـت بالجيش االيطالي فكان رده أن قام مجزرة في حق السكان حكم
فيها باإلعدام على الكثيـر وفـي مقدمتهم األعيان والرؤساء ،كمـا أصـدر أمـرا بالقتـل الـعـام كمـا شـن االيطاليون
في هذه المرحلة هجوما شامال على السنوسيون في الجبل األخضر واحتلـوا عدة أماكن .في تلك الفترة شهد
العالم وقوع الحرب العالمية األولى ،ورأى الليبيون أن يقفوا إلى جانب المعسكر المعادي إليطاليا ،وانضموا
إلى معسكر الوسط ،خاصة أنه كان يضم الدولة العثمانية ،دولة الخالفة اإلسالمية .برز هذا االتجاه بشكل
خاص في إقليم برقة .حينما دخلت الدولة العثمانية الحرب ،حاولت االعتماد على العناصر المخلصة في البالد
اإلسالمية لدفعها نحو الحركة ومهاجمة قواعد البريطانيين ،خاصة في وادي النيل .بعثت الدولة العثمانية أنور
باشا إلى أحمد الشريف إلبالغه بتعيينه نائ ًبا للسلطان العثماني في شمال أفريقيا .أرسلت الدولة العثمانية
أنور باشا لتحقيق الهدف المنشود ،الذي كان يتضمن تكبيد إنجلترا الخسائر وتحويل جزء من قواتها إلى
الحدود المصرية الغربية .قام أحمد الشريف بالهجوم على حدود مصر الغربية والواحات المصرية في الصحراء
الغربية .لكن بعد فشلهم في دخول مصر ،انسحبوا وعادوا إلى ليبيا .في برقة ،أعلن أحمد الشريف نفسه نائ ًبا
هجوما على حدود مصر الغربية والواحات المصرية .وعلى الرغم
ً للسلطان العثماني في إفريقيا الشمالية ،وقاد
من انهزامهم عند الحدود المصرية وتعقيد الظروف ،قرر أحمد الشريف التخلي عن مواصلة الكفاح ،وقام
بتسليم السلطة لمحمد إدريس السنوسي .وفي طرابلس الغرب كانت األوضـاع مختلفة عن برقـة فقد عينت
السلطة العثمانية سليمان الباروني واليـا علـى طـرابلس سنة 1915وأصدر هذا األخير في 17أكتوبر 1916
فرمانا والتي تعني حكما او اصدار دستور يوقعه الحاكم وهو لفظ فارسي حيث أعلن في هذا الفرمان الحـاق
طرابلس الغرب بالواليات العثمانية ،وتم انشـاء جمهورية طرابلسية ،كما تم انتخاب مجلس الجمهورية وأصـدر
مجلس الجمهورية في 18نوفمبر 1918بالغا أعلن فيه عن قيام حكومة األمة الطرابلسية المستقلة وكونت
لها ثالث هيئات رسمية للحكومة والشورى والقضاء ويمكن القول بأن المقاومة السنوسية في مرحلتها هذه
قد شهدت تطورا كبيرا نظرا لعدة عوامل ساهمت في ذلك لعل أبرزها الحرب العالمية األولى والتي لعبت
1
فيها الحركة السنوسية دورا كبيرا وهو ما يؤكد على قوتها ودورها في هذه المرحلة.
) 1دالل رداوي الحركة السنوسية ودورها في محاربة االحتالل اإليطالي في ليبيا 1932-1911م (المرجع السابق) ص.37.36.35
20
المطلب الثاني :مقاومة عمر المختار
أ /شخصه:
ولد الشيخ الجليل عمر المختار من أبوين صالحين عام 1862م وقيل 1858م ،وكان والده مختار بن عمر
من قبيلة المنفة من بيت فرحات وكان مولده بالبطنان في الجبل األخضر ،ونشأ وترعرع في بيت عز وكرم،
تحيط به شهامة المسلمين وأخالقه م الرفيعة ،وصفاتهم الحميدة التي استمدوها من تعاليم الحركة
السنوسية القائمة على كتاب هللا وسنة رسوله .توفي والده في رحلته إلى مكة ألداء فريضة الحج ،فعهد وهو
في حالة المرض إلى رفيقه السيد أحمد الغرياني (شقيق شيخ زاوية جنزور الواقعة شرق طبرق) بأن يبلغ
شقيقه بأنه عهد إليه بتربية ولديه عمر ومحمد ،وتولى الشيخ حسين الغرياني رعايتهما محققا ً رغبة والدهما،
فأدخلهما مدرسة القرآن الكريم بالزاوية ،ثم الحق عمر المختار بالمعهد الجغبوبي لين ضم إلى طلبة العلم من
أبناء اإلخوان والقبائل األخرى.عاش عمر مرارة الفقد وظهر منه نبوغ جعل شيوخه يهتمون به في معهد
الجغبوب .كبر عمر المختار وصار يافعا وأصبح على إلمام واسع بشئون البيئة التي تحيط به وعلى جانب كبير
في اإلدراك بأحوال الوسط الذي يعيش فيه وعلى معرفة واسعة باألحداث القبلية وتاريخ وقائعها وتوسع في
معرفة األنساب واالرتباطات التي تصل هذه القبائل بعضها ببعض ،وبتقاليدها ،وعاداتها ،ومواقعها ،وتعلم
من بيئته التي نشأ فيها وسائل فض الخصومات البدوية وما يتطلبه الموقف من آراء ونظريات ،كما أنه أصبح
خبير بمسالك الصحراء وبالطرق التي كان يجتازها من برقة إلى مصر والسودان في الخارج وإلى الجغبوب
والكفرة من الداخل،كبر عمر تفوق عمر المختار على اقرانه بصفات عدة منها ،متانة الخلق ،ورجاحة العقل،
وحب الدعوة ،ووصل أمره الى الزعيم الثاني للحركة السنوسية محمد المهدي السنوسي فقدمه على غيره
واصطحابه معه في رحلته الشهيرة من الجغبوب الى الكفرة عام 1895م وفي عام 1897م أصدر محمد المهدي
قرارا ً لزاوية القصور بتعيين عمر المختار شيخا بالجبل األخضر قرب المرج ،وقام عمر المختار بأعباء المهمة
خير قيام فعلم الناس أمور دينهم ،وساهم في فض النزعات بين القبائل وعمل على جمع كلمتهم وسعى في
مصالحهم ،وسار في الناس سيرة حميدة ،فظهر في شخصيته أخالق الدعاة من حلم وتأني وصبر ورفق وعلم
وزهد .نظمت الحركة السنوسية نفسها وأعدت للجهاد عدتها ،واختارت من القادة من هم أولى بهذا العمل
الجليل ،فكان عمر المختار من ضمنهم فقارع االستعمار الفرنسي مع كتائب الحركة السنوسية المجاهدة في
تشاد وبذل ما في وسعه حتى لفت األنظار الى حزمه وعزمه وفراسته وبعد نظره وحسن قيادته فقال عنه
محمد المهدي السنوسي( :لو كان لدينا عشرة مثل المختار لكتفينا( .
وفي عام 1906م رجع عمر المختار بأمر من القيادة السنوسية الى الجبل األخضر ليستأنف عمله في زاوية
القصور ،ولكن ذلك لم يستمر طويال فقد بدأت المعارك الضارية بين الحركة السنوسية والبريطانيين في
منطقة البردى ومساعد والسلوم على الحدود الليبية المصرية .ولقد شهد عام 1908م أشد المعارك ضراوة
وانتهت بضم السلوم الى األراضي المصرية تحت ضغوط بريطانيا على الدولة العثمانية ،وعاد الشيخ عمر
21
المختار الى زاوية القصور وبرزت شخصيته بين زمالئه مشايخ الزوايا ،وبين شيوخ وأعيان القبائل ،ولدى
الدوائر الحكومية العثمانية ،وظهرت مقدرته في مهمته الجديدة بصورة تلفت النظر ،وأصبح ملتزم في حزمه في
ادارة الزاوية وفي تعاونه مع زمالئه اآلخرين وفي معالجته للمشاكل القبلية ،وفي ميدان اإلصالح العام مضربا
1
لألمثال.
شرع عمر المختار في تهيئة النفوس لمجابهة العدو ،حيث بدأ جوالته في أنحاء المنطقة لالتصال باألهالي
وزعمائهم ،وفي نفس الوقت قام بفتح باب التطوع للجهاد حيث أقبل عليه أهالي الجبل بقلوب تلهف حماسة
لمجابهة العدو ،وزار معظم مناطق الجبل والبطنان ،حاولت إيطاليا إغراء عمر المختار وهو في مصر فاتصلت
به وعرضت عليه امتيازات عدة إذ لم يقم بأي عمل معاد لها ولمصالحها ،لكن الشيخ عمر المختار رفض كل
اإلغراءات اإليطالية وفضل العودة إلى بالده .وعندما قفل عمر المختار راجعا إلى برقة ترصدت له قوة إيطالية
مكونة من ثالثة سيارات مسلحة في منطقة "أبيار الغبي" ،وكانت هذه القوة تحاول إلقاء القبض على الشيخ
عمر المختار ،لكنه انتصر عليهم في هذه المعركة وكان هذا االنتصار حافزا لهم على أن يخوضوا الجهاد بعزيمة
قوية في مناطق أخرى ،وعليه اتجه المجاهدون مباشرة نحو الجبل األخضر ليشرع عمر المختار في تشكيل
المعسكرات للمجاهدين وكان يشرف هو بنفسه على قيادة هذه المعسكرات وتنظيمها بدأ عمر المختار
نضاله بين 1923و 1925م بوقوع عدة معارك ووسع المجاهدون دائرة نشاطهم العسكري في الجبل األخضر،
مما خفف الضغط اإليطالي على إخوانهم في معسكرات "برقة " هذا ما زاد من شهرة عمر المختار ،فأخذ العرب
من أهل القبائل الساكنة ينضمون إلى صفوف المحاربين ويمدون إخوانهم بما يحتاجونه من مؤن وأسلحة
ولم يتمكن الطليان في هذه المرحلة من الجهاد أن يقوموا بأي نشاط حربي ملحوظ في منطقة الجبل األخضر،
) 1الشبكة الليبية والدكتور على الصالبي عمر المختار رحمه هللا إهداء إلى القراء الكرام بمناسبة الذكرى الرابعة والسبعون الستشهاده
2005ص books-library.online-02250946Zc7K3-D985D8ADD988D984.pdf (arab-books.com) .8.7.3
) 2شريفة أمين قاضي االحتالل اإليطالي والمقاومة الليبية ( 1951/1911المرجع السابق) ص66
22
فقصروا جهودهم على تدبير احتالل المركز السنوسي العتيد في واحة الجغبوبة كأهم قالع الحركة السنوسية،
ومصدر تموين للمجاهدين وقد استطاع الجيش اإليطالي السيطرة على هذه الواحة بعد أن أعدوا حملة كبيرة
الحتاللها ودخولها من دون مقاومة ،ألن أهلها قد رحلوا عنها ،وكان احتاللها بتاريخ 8فيفري1926م وسقوطها
كان له األثر الكبير على روح المجاهدين باعتبارها المركز الروحي للمقاومة.
حاول العدو اإليطالي تفكيك وحدة المجاهدين من خالل استمالة زعماء القبائل بوسائل اإلغراء ،مثل المال
والجاه .استجابًا لهذا التحدي ،وضع عمر المختار خطة جديدة للتغلب على العدو .بدأ بشن غارات على درنة
ومناطق مجاورة ،مما أجبر العدو على الخروج لمواجهته في معركة استمرت يومين ،وشهدت نص ًرا لعمر
المختار وأتباعه .استمر المجاهدون في الجبل األخضر في شن هجمات على القوات اإليطالية ،وخاضوا معارك
طاحنة ،مثل معركة "الرحيبة" في مارس ،1927ومعركة "بئر الزيتون" في يوليو ،1927ومعركة "أم الشفاتير"
(عقيرة الدم) .في هذه المعركة ،حقق المستعمرون اإليطاليون انتصا ًرا للثأر من هزيمتهم في معركة الرحيبة،
حيث سقط حوالي 200شهيد ،بما في ذلك بعض الزعماء البارزين .كانت معركة أم الشفاتير نقطة تحول في
مسار المقاومة التي اعتمدها عمر المختار ،حيث انتقل إلى استراتيجية "حرب العصابات" .كما اتخذ إجراءات
لترحيل النساء واألطفال والشيوخ إلى منطقة السلوم لحمايتهم من الغارات الجوية اإليطالية .بعد هذه
المعركة ،أدرك العدو اإليطالي عدم جدوى استمرار العمليات العسكرية ضد المجاهدين ،مما أدى إلى توقف
1
عملياتهم الحربية طوال عام .1928
وفي خضم هذه المواجهات والتحديات التي واجهها عمر المختار والمجاهدين ،أدرك اإليطاليون أن االستمرار
في العمليات العسكرية ضد المجاهدين ال يأتي بنتائج جادة نظ ًرا لقدرتهم على الصمود والمقاومة .هذا اإلدراك
ً
قائال ... " :إننا ال دفعهم إلى التوقف عن العمليات الحربية طوال عام 1928م .أقر موسوليني بصعوبة المهمة
نحارب ذئابًا كما يقول غرستيان ،بل نحارب أسودًا يدافعون بشجاعة عن بالدهم ".هذا االعتراف يبرز استياء
اإليطاليين من التحديات التي فرضها المجاهدون وقائدهم عمر المختار .في محاولة لمنع إمدادات المقاومين،
قرروا احتالل الجغبوب وشن حملة كبيرة في 8فبراير 1926م ،وحاصروا المجاهدين في الجبل األخضر.
استجاب عمر المختار بتبني استراتيجية حرب العصابات وشن الغارات ،حيث نجح في صد هجماتهم عدة
مرات .على الرغم من الحصار ،أدرك اإليطاليون أن الموقف يجبرهم على السيطرة على منطقة فزان لقطع
إمدادات المجاهدين .لذا شنوا حملة في يناير 1928م ،لكنها لم تحقق أهدافها في احتالل فزان ،ودفعوا ثمنًا
ً
باهظا ،كما يظهر في معركة 22أبريل التي استمرت يومين كاملين وانتصر فيها المجاهدون وغنموا الكثير
) 1آمــال مكــاوي مساهمة الجزائريين في مقاومة االحتالل اإليطالي لليبيا (1935/1911م) (المرجع السابق) .30.29.28
23
وبسبب هاته الخسائر المتتالية قررت الحكومة اإليطالية ،بل أرغمت على أن تقوم بمفاوضات سالم مع عمر
1
المختار ،لنيل هدنة تسترجع من خاللها أنفسها.
ج /المفاوضات:
عرضت إيطاليا المفاوضات على عمر المختار ،ووافق هذا األخير على العرض نظ ًرا للموقف الصعب الذي
وضعه فيه انقطاع المؤن والمواصالت بعد احتالل الجغبوب .كان المختار يسعى إلنقاذ شعبه من االستعمار،
وكان مستعدًا للمفاوضات إذا كانت تحقق له أهدافه .تمت عدة اجتماعات بين الطرفين ،وكان أولها في 25
دائما بالشروط اإليطالية التي
ً أبريل 1929في قندولة قرب سيدي رويفع ،ولكن كانت المفاوضات تصطدم
رفضها المختار باعتبارها غير عادلة تجاه المقاومة وزعيمها .استمرت المفاوضات لمدة 6أشهر ،حيث كان
ً
مثاال لإلخالص والوفاء .ومع ذلك ،قام اإليطاليون بنقض كل العهود وأعلنوا الحرب مرة عمر المختار يظل
أخرى .اندلعت المعارك بين الطرفين في الجبل األخضر واستمرت حتى 28مارس ،1930تاريخ تولي
"رودولفو غراسياني " إدارة شؤون ليبيا .كان غراسياني من بين اإليطاليين الذين كانوا أشد حقدًا على اإلسالم
والمسلمين ،وعمل على قمع المقاومة باستخدام حملة اإلبادة .أدى هذا التحول في السياسة الحربية إلى
تبني عمر المختار الستراتيجية حرب العصابات ،تعتمد على الكمائن والمباغتة لمواجهة العدو استخدم عمر
المختار استراتيجية حرب العصابات بنجاح ،مما أدى إلى حدوث هزائم كبيرة في صفوف قوات االحتالل
اإليطالي .خالل هذه الفترة ،شهدت المنطقة معارك ومواجهات عنيفة ،من بينها معركة "الكرسة" في الجبل
األخضر في 20ديسمبر 1930م ،وواحة الهواري في 19ديسمبر 1931م في الكفرة .كما ارتكب االحتالل اإليطالي
دمر المساجد والزوايا ،وتجاوز حدود الوحشية بالتنكيل باألطفال والشيوخ ،وارتكاب
أفظع المجازر ،حيث ّ
مجازر فظيعة ،بما في ذلك استهداف بطون النساء الحوامل .انتبهت العالم العربي واإلسالمي لهذه المجازر
واستنكر ما قام به االحتالل .احتالل الكفرة كان ضربة قوية لحركة الجهاد ،حيث دخلت المقاومة في مرحلة
التراجع ،وبدأت تخسر مواقعها تدريج ًيا .وفي هذا السياق ،وقع الشيخ عمر المختار أسي ًرا في يد االحتالل ،مما
2
ألحق ضررا كبيرا بحركة المقاومة.
وفي أول أيلول 1931وقع عمر المختار أسيرا) ،عندما تعثرت فرسه في أحد المعارك بجندوبة بالجبل األخضر
فسقط عنها وتعرف عليـه أحـد المرتزقة وأفشى -فسارعت القوات االيطالية للقبض عليه وبعد محاكمته
) 1شريفة أمين قاضي االحتالل اإليطالي والمقاومة الليبية ( 1951/1911المرجع السابق) ص .67
) 2آمــال مكــاوي مساهمة الجزائريين في مقاومة االحتالل اإليطالي لليبيا (1935/1911م) (المرجع السابق) ص.32.31
) 3شريفة أمين قاضي االحتالل اإليطالي والمقاومة الليبية ( 1951/1911المرجع السابق) ص.70
24
محاكمة صوري ة ،أصدرت بحقه حكم االعدام ،وكان رده على هذا الحكم(( :الحكم حكم هللا ال حكمكم المزيف،
1
إنا هللا وإنا اليه راجعون))
وفي صبيحة يوم 15سبتمبر 1931م وصل غرتسياني وأعلن عن انعقاد " المحكمة الخاصة" ،وفي صبيحة
ذلك اليوم وقبل المحاكمة رغب غرتسياني في الحديث مع عمر المختار ،يذكر " :وعندما حضر أمام مكتبي
تهيأ لي أني أرى فيه شخصية أالف المرابطين الذين التقت بهم أثناء قيامي بالحروب الصحراوية .يداه مكبلتان
بالسالسل ،رغم الجروح والكسور ،ويجر نفسه بصعوبة نظرا لتعبه أثناء السفر بالبحر ،وباإلجمال يخيل لي أن
الذي يقف أمامي رجل ليس كالرجال له منظره وهيبته رغم أنه يشعر بمرارة األسر ،ها هو واقف أمام مكتبي
نسأله ويجيب بصوت هادئ وواضح ".
الشيخ :ال شيء إال طردكم ...ألنكم مغتصبون ،أما الحرب فهي فرض علينا وما النصر إال من عند هللا
الشيخ :نحن الثوار سبقنا أن نستشهد كلنا الواحد بعد األخر ،وال نستسلم أو نلقي السالح
وبهذا الثبات الذي أظهره الشيخ يقول غرتسياني " :ارتعش قلبي من رهبة الموقف أنا الذي خاض الحروب
العالمية والصحراوية .ورغم هذا فقد كانت شفتاي ترتعشان ولم أستطع أن أنطق بحرف واحد ،فأنهيت
المقابلة وأمرت بإرجاعه إلى السجن لتقديمه للمحاكمة في المساء .بعد االستجوابات عقدت للشيخ المحكمة
الصورية في مكان ببرقة القديم بالقاعة الكبرى بمر اكز إدارة الحزب الفاشيستي في بنغازي ،والتي كانت تعرف
بـ "الليتوريو" .كانت هذه القاعة هي نفسها التي كان يجتمع فيها مجلس النواب السابق ،وقد حضر الضباط
الرومان الذين كانوا يقفون أمام القضاة خالل قيامهم بوظائفهم العدلية.
عقدت المحكمة جلستها يوم الثالثاء 15سبتمبر 1931في الساعة الخامسة ،وكانت تتألف من عدة أعضاء.
أصدرت المحكمة حكم اإلعدام شنقا ً في 15سبتمبر .1931كان عمر المختار في سن متقدمة تقارب السبعين
عاما ،وعندما تم ترجمة الحكم له ،قال" :إن الحكم هللا ...ال حكمكم المزيف ...إنا لله وإنا إليه راجعون" .تم
ً
إعدامه في اليوم التالي 16 ،سبتمبر 1931في مركز سلوق بحضور األهالي وجميع المعتقلين السياسيين
خصيصا ،حيث تمت مشاهدة تنفيذ الحكم في قائدهم.
ً
إن عمري سيكون أطول من عمر شائقي" .وفي تلك اللحظة الحاسمة ،كان يردد آيات من القرآن ،بما فيها
قوله تعالى في سورة الفجر" :يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية .فادخلي في عبادي
) 1دالل رداوي الحركة السنوسية ودورها في محاربة االحتالل اإليطالي في ليبيا 1932-1911م (المرجع السابق) ص 46
25
وادخلي جنتي" سورة الفجر .ولقد رثاه العديد من فحول الشعراء ،بما في ذلك شوقي الذي قال" :ركزوا رفاتك
في الرمال لواء سينهض الوادي صباح مساء يا ويحهم نصبوا منارا من دم توحي إلى جيل الغد البغضاء ".بهذا
الشكل ،أظهر المختار قوة وإصراره الذي لم يتزعزع حتى في لحظات اإلعتقال واإلستشهاد وكانت آخر كلمات
الشهيد قبل إعدامه" :نحن ال نستسلم ...ننتصر أو نموت ...وهذه ليست النهاية ...بل سيكون عليكم أن
1
تحاربوا الجيل القادم واألجيال التي تليه"
) 1شريفة أمين قاضي االحتالل اإليطالي والمقاومة الليبية ( 1951/1911المرجع السابق) ص.73.72.71
26
.2دعوة إدريس السنوسي لحضور مفاوضات اإلسكندرية :بداية عام ،1936دعت إنجلترا إدريس السنوسي
للمشاركة في مفاوضات اإلسكندرية ،حيث تم االتفاق على تشكيل جيش ليبي يشارك إلى جانب اإلنجليز في
حال نشوب حرب.
.3تأسيس الجيش العربي الليبي :عقب اندالع الحرب العالمية الثانية ،توافق زعماء المهاجرين الليبيين على
تسليم القيادة العامة إلدريس السنوسي وتشكيل الجيش العربي الليبي ،الذي شارك مع القوات البريطانية
في تحرير ليبيا.
.4مفاوضات تشكيل الجيش :تم تنظيم اجتماع في اإلسكندرية في أكتوبر ،1939حضره ممثلون عن األقاليم
الليبية الثالثة .خالل هذا االجتماع ،تم التوصل إلى اتفاق ينص على تسليم القيادة إلدريس السنوسي وتشكيل
الجيش.
.5دعوة لتشكيل هيئة استشارية :تلقى إدريس السنوسي دعوة من زعماء القبائل لتشكيل هيئة استشارية،
ولكنه رفض طلبهم ،وفشلت محاوالت إلعادة العالقات بينه وبين زعماء طرابلس.
.6تجنيد الليبيين للقتال :في أغسطس ،1940بدأ تجنيد الليبيين في القاهرة ،وتم نقلهم إلى الصحراء الغربية
بمصر للمشاركة في الحرب.
.7تشكيل الجيش الليبي :وصل عدد المقاتلين الليبيين في الجيش العربي الليبي إلى 14أل ًفا ،منهم 120
ضابطا ليب ًيا.
ً
.8اتفاقية مع إنجلترا :تم توقيع اتفاقية تنص على تسليم القيادة إلدريس السنوسي وتأليف حكومة مؤقتة
وتنظيم جيش للمشاركة في تحرير ليبيا إلى جانب القوات البريطانية.
.2تحرير برقة وتقدم الجيش الليبي :في 7فبراير ،1941دخلت الوحدات الليبية مع الجيش اإلنجليزي بنغازي،
وشارك الجيش الليبي في تحرير برقة والتقدم نحو فزان .تأثرت الحركات الليبية بدور السكان المدنيين وهروب
المجندين الليبيين من الجيش اإليطالي .
27
.3تدخل ألمانيا وتراجع القوات اإلنجليزية :في ربيع ،1941نقلت ألمانيا فرقة دبابات إلى إفريقيا ،وعينت
الجنرال "رومل" قائدًا للقوات اإليطالية األلمانية .تراجعت القوات اإلنجليزية إلى حدود مصر بعد هجوم القوات
األلمانية ،وتم استرداد بعض المواقع خالل هجوم إنجليزي في يناير .1941
.4استعادة اإليطاليين للمبادرة :في نهاية يناير ،1942أخرجت القوات اإليطالية األلمانية اإلنجليز من بنغازي.
قاد الجنرال "رومل" حملة إيطالية المانية جديدة على مصر ،استولوا على طبرق وتقدموا داخل مصر.
.5تراجع القوات األلمانية :بعد انتصارات الجيش السوفياتي ،تراجعت القوات األلمانية ،ونتيجة لهجوم
إنجليزي في أكتوبر ،1942نجح الحلفاء في معركة العلمين في نوفمبر ،1942وأدى ذلك إلى انسحاب القوات
اإليطالية األلمانية من ليبيا.
.6تحرير ليبيا :بفضل مشاركة القوات الليبية ،تحررت برقة في يناير ،1943ومصراته في يناير ،والخمس في
يناير ،وطرابلس في يناير ،وكامل التراب الليبي تحرر في يناير .1943
شهدت ليبيا خسائر فادحة نتيجة للحرب ،حيث أصبحت مدينة بنغازي في حالة خراب بعد تعرضها للقصف
المتكرر بالقنابل .وفي هذا السياق ،أشادت الشخصيات السياسية والعسكرية اإلنجليزية بجهود الجيش
الليبي .صرح وزير الخارجية البريطاني "أ .إيدن" في خطابه في 8يناير 1942بتقديم القوات الليبية لخدمات
الفعال في الحمالت الناجحة في الصحراء الغربية .بعد تحرير التراب الليبي من
ّ كبيرةُ ،مثن ًيا على دورهم
االحتالل اإليطالي ،سيطرت اإلدارات اإلنجليزية والفرنسية على المناطق الليبية ،مع اعتبارها مستعمرات
1
وجسو ًرا عسكرية من الناحية اإلدارية.
لقد بقي الليبيون ووضعهم يتأرجحون بين خروج اإليطاليين واستقاللهم بين حكم االدارة البريطانية
والقوة العسكرية الفرنسية ،وفي هذه الحالة اختلف أهل برقة عن أهل طرابلس ،وتمسك أهل برقة بزعامة
محمد ادريس السنوسي ،حيث أقام في بني غازي نادي عمر المختار ،الذي طالب بدولة ليبية مستقلة تحت
امارة السنوسيين ،لكن ما لبث أن حل هذا النادي وتعطلت صحيفته ،وأصبح اسمه الجمعية الوطنية وذلك
) 1الحواس غربي االحتالل اإليطالي لليبيا ( )1951/1911مذكرة لنيل شهادة الدكتوراه جامعة الجزائر 2أبو القاسم سعد هللا
.2017/2016ص .232،226
28
عام 1947م ورأى االنجليز منح برقة حكومة ذاتية بزعامة محمد ادريس السنوسي وكلفت لجنة خاصة تتابع
هذا البرنامج تحت اشراف بريطانيا ،أما في طرابلس ،فكان الوضع مختلفا ،حيث أظهر األهالي تخوفا من عودة
الحكم االيطالي إلى المنطقة ،هذا ما أدى اتحاد الليبيين بتكوين دولة متحدة بزعامة محمد ادريس السنوسي
حليف بريطانيا ،حيث ألف هذا األخير حزب المؤتمر الوطني يتحدث باسم األهالي وذلك بعد توقيف
الجمعيات مثل نادي عمر المختار ،وتمسك هذا المؤتمر بأمرين هما اعطاء محمد ادريس السنوسي الملكية
على ليبيا ،و عدم عودة الطليان .وفى خضم هذه األحداث حتم األمر على وزراء خارجية الدول الكبرى إلى إرسال
لجنة رباعية ،والتي أقرت باستقالل اقليم برقة تحت لواء محمد ادريس الذي فضل التحالف مع اإلنجليز بعد
اعتراف اللجنة الرباعية بتدهور األوضاع في ليبيا اجتماع ًيا ،قررت بريطانيا تقسيم المناطق الليبية ،حيث
جعلت برقة تحت رعايتها ،وطرابلس تحت وصاية إيطاليا ،وفزان تحت وصاية فرنسا .وفي هذا السياق ،اقترحت
الواليات المتحدة أن تكون ليبيا تحت وصايتها لمدة عشر سنوات ،باإلضافة إلى االحتفاظ بقاعدة هويلس
الجوية .وافقت بريطانيا على هذا االقتراح ،بينما رفضته فرنسا ،ووافق عليه االتحاد السوفياتي .
تزايدت التوترات في ليبيا ،خاصة في طرابلس ،حيث نظمت مظاهرات رافضة للوصاية األمريكية على
المدينة .اتحدت األحزاب الطرابلسية بقيادة بشير السعداوي ضد الوصاية األمريكية ،ونظم حزب المؤتمر
بقيادة هذه المظاهرات .أظهر هذا الرفض بشكل واضح في الجمعية العمومية لحزب المؤتمر الوطني في 19
مايو .1949نجحت هذه المظاهرات في تغيير قرار األمم المتحدة ،حيث تم قناع الوفود العربية بدعم استقالل
1
ليبيا كدولة عربية إسالمية .وبهذا أصبح استقالل ليبيا وإنهاء االحتالل أمو ًرا ال بد منها.
تمت المفاوضات والمشاورات حتى تاريخ إحالة القضية في سبتمبر ،1948وتمت مناقشتها ألول مرة في
جلسة الدورة الثالثة في أبريل . 1949كانت هناك توجهات متباينة بين الدول المعنية ،حيث كانت بريطانيا
وبعض دول أمريكا الالتينية ترغب في إعادة بعض المستعمرات إلى إيطاليا ،بينما كانت الكتلة األفروأسيوية
تعارض ذلك.
) 1شريفة أمين قاضي االحتالل اإليطالي والمقاومة الليبية ( 1951/1911المرجع السابق) ص .75.74
29
في جلسة الدورة الثالثة ،اقترحت روسيا وضع المستعمرات تحت وصاية هيئة األمم .قوبل هذا االقتراح
بتصعيد من بريطانيا ورفض فرنسا .في نهاية المطاف ،تم تأجيل القضية إلى الدورة الرابعة.
وفي جلسة الدورة الرابعة في نوفمبر ،1949اتخذت هيئة األمم قرا ًرا بأغلبية 48صوتًا مقابل صوت واحد
وتسعة امتنعوا ،يعلن فيه استقالل ليبيا كدولة مستقلة ذات سيادة .تم تحديد موعد الستقالل ليبيا قبل
يناير .1952كما تم تشكيل مجلس وطني يضم ممثلين عن األقاليم الثالثة واألقليات المقيمة في ليبيا،
1
وتعيين مندوب لألمم المتحدة للمساعدة في االنتقال إلى االستقالل.
.
ومندوب األمم المتحدة قام بالتحقيق والبحث حول تشكيل لجنة تحضيرية لمساعدة في صياغة دستور
بعد االنتهاء من أعمال الجمعية الوطنية .انعقدت اللجنة ألول مرة في 17تموز 1950م ،حيث تمت الموافقة
على تشكيل جمعية وطنية من 60عض ًوا ،وأصدرت هذه اللجنة قرا ًرا ينص على إقامة دولة اتحادية في ليبيا
تحت رئاسة األمير محمد السنوسي ،الذي أعلن استقالل ليبيا في حفل رسمي يوم 24كانون األول 1951م.
وأخي ًرا وصل الرأي العام الدولي إلى اعتبار عام 1951م عام استقالل ليبيا ،حيث طالب بتسليم جميع األمور
إلى الشعب الليبي إلدارة شؤونه بنفسه .وكانت ليبيا دولة اتحادية ذات سيادة واحدة .في عام 1953م ،انضمت
ليبيا إلى جامعة الدول العربية ،وفي عام 1955م انضمت إلى األمم المتحدة .رفض الشعب الليبي االستمرار
2
تحت النظام الملكي القائم على األسرة السنوسية بعدما أدركوا ارتباطه باإلستعمار.
30
خاتمة.
في ختام النظرة الشاملة على تاريخ ليبيا قبل عام 1911ومراحل اإلحتالل اإليطالي ،يظهر
أن ليبيا قد شهدت فترات متنوعة ومحطات هامة في تشكيل هويتها ومسارها التاريخي.
بدأت هذه الرحلة بالنظر إلى أصل التسمية والتركيبة الديموغرافية للسكان وتبوؤ المكانة
الدينية في حياة الشعب الليبي .ثم تناولنا دوافع اإلحتالل اإليطالي الذي استمر لعقود ،حيث
اتضحت الدوافع السياسية واإلقتصادية والحضارية التي قادت إيطاليا نحو استعمار ليبيا.
ترتبط هذه الدوافع بالصراعات الدولية والتطلعات االقتصادية والثقافية للقوى األوروبية في
ذلك الوقت.
وفي ثالث مبحث ،تم استعراض مراحل اإلحتالل اإليطالي ،بد ًءا من التوغل السلمي الذي
تحول إلى غزو عسكري وصوال ً إلى مرحلة االستقرار .هذه المراحل شكلت تجربة مريرة
ومؤلمة للشعب الليبي الذي واجه الظلم واالستغالل بكل قوة وصمود.
في المبحث الرابع ،تم التطرق إلى المقاومة الليبية التي تجلت في حركة السنوسية
ومقاومة عمر المختار .تأكيد على صمود الليبيين واستمرارهم في النضال ضد اإلحتالل حتى
تحقيق االستقالل في عام .1951
إن نهاية اإلحتالل اإليطالي لليبيا كانت بمثابة تحقيق لحلم الشعب الليبي بالتحرر
واستعادة سيادته .ومع انتهاء فترة االحتالل ،انطلقت ليبيا في مسيرة جديدة لبناء دولتها
وتطوير مجتمعها ،وكانت تلك الفترة بداية النضال من أجل تحقيق التنمية والرفاهية
للمواطنين الليبيين.
31
قائمة المصادر والمراجع:
)1د .البرغوثي عبد اللطيف محمود التاريخ الليبي القديم من أقدم العصور حتى الفتح اإلسالمي (الجزء
األول( أعده للنشر (تامنغست).
)2قاضي شريفة أمين االحتالل اإليطالي والمقاومة الليبية 1951/1911جامعة محمد خيضر -بسكرة-
السنة الجامعية .2015/2014
)3زاقود عبد السالم جمعة :مسار المصالحة الوطنية والسلم االجتماعي ليبيا ،دار زهران للنشر والتوزيع
عمان األردن.
)4العربي إسماعيل العربي :حاضر الدول اإلسالمية في القارة اإلفريقية المؤسسة الوطنية للكتاب ،الجزائر.
)5مكــاوي آمــال مساهمة الجزائريين في مقاومة االحتالل اإليطالي لليبيا (1935/1911م) مذكرة مقدمة
لنيل شهادة الماستر في التاريخ الحديث والمعاصر جامعة الوادي الجزائر 2014/2013م.
)6حافظ البوري عبد المنصف الغزو اإليطالي لليبيا دراسة في العالقات الدولية الدار العربية للكتاب
اإلسكندرية مصر 1983م.
)7لطفي المصري محمد إبراهيم تاريخ حرب طرابلس مؤسسة األمير فاروق الطبعة األولى 1946م.
)8نيكوالي إيليتش بروشين تاريخ ليبيا من نهاية القرن 19حتى العام 1969م ترجمة د .عماد حاتم ط 2دار
الكتاب الجديدة المتحدة 2001م.
)9بوطبة نسرين االحتالل اإليطالي لليبيا وموقف الجزائريين منه 1922-1911مذكرة لنيل شهادة الماستر
تاريخ المغرب العربي المعاصر جامعة العربي بن مهيدي ام البواقي السنة الجامعية 2019-2018م.
)10رداوي دالل الحركة السنوسية ودورها في محاربة االحتالل اإليطالي في ليبيا 1932-1911م مذكرة لنيل
شهادة الماستر جامعة محمد بوضياف المسيلة الجزائر 2016-2015م.
)11الشبكة الليبية والدكتور على الصالبي عمر المختار رحمه هللا إهداء إلى القراء الكرام بمناسبة الذكرى
الرابعة والسبعون الستشهاده .2005
)12غربي الحواس اإلحتالل اإليطالي لليبيا ( )1951/1911مذكرة لنيل شهادة الدكتوراه جامعة الجزائر __2
أبو القاسم سعد هللا .2017/2016
32