Charaka 00

You might also like

You are on page 1of 26

‫المطلب الثاني‪ :‬إقتراحات محفزة للشراكة األجنبية‪:‬‬

‫إن البعد اإلستراتيجي لإلقتصاد الجزائري يتوقف أساًس ا على مستقبل الشراكة األجنبية في‬
‫الجزائر‪ ،‬وفعاليتها من خالل مساهمة الشركاء األجانب في تمكين مؤسساتنا اإلقتصادية‬
‫(عامة أم خاصة) اكتساب التكنولوجيا بدون عقدة‪ ،‬وهو ما سنتطرق له من خالل اإلمكانيات‬
‫المتاحة لإلقتصاد الجزائري واألولويات الواجب القيام بها مرحليا لكسب رهانات المستقبل‪،‬‬
‫مع تقديم بعض اإلقتراحات التي تمكن اإلقتصاد الجزائري جاذبية أكثر‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مستقبل اإلقتصاد الجزائري‪:‬‬


‫يمكن التطرق لمستقبل اإلقتصاد الجزائري‪ ،‬والتحوالت الجارية على مختلف األصعدة‪،‬‬
‫واألثر الذي أحدثته الشراكة األجنبية على المستويين الداخلي والعالمي‪.‬‬
‫‪ 1-‬على المستوى الداخلي‪:‬‬
‫إن التحوالت اإلقتصادية والسياسية التي عرفتها الجزائر إتجاه اإلستثمار األجنبي‪ ،‬والذي‬
‫أصبحت الشراكة األجنبية سبيله‪ ،‬ال يمكن فهمها إّال من خالل البرامج اإلقتصادية التي تمنح‬
‫األولوية للنمو اإلقتصادي‪ ،‬واإلدارة الكفأة وتشجيع اإلستثمار الخاص (المحلي واألجنبي)‪.‬‬
‫‪ 1-1-‬أولوية النمو اإلقتصادي‪:‬‬
‫تمكننا األولويات التي جاء بها البرنامج(‪ )1‬اإلقتصادي " لرئيس الجمهورية " من معرفة‬
‫المحاور األساسية التي تفتح المجال أما اإلستثمار الخاص‪ ،‬والمجاالت التي تمكن الشراكة‬
‫األجنبية من التوطن‪.‬‬
‫هذا البرنامج الذي استمدت الحكومة برنامجها منه‪ ،‬والذي صادق عليه البرلمان في ديسمبر‬
‫تحددت محاوره في ثالثة توجهات رئيسية هي‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫‪2000‬‬
‫* دعم األطر الهيكلية والتنظيمية لإلقتصاد والتي تمثلت فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬ضبط وتفعيل اإلنفاق العام من خالل ترشيده‪ ،‬وتفادي الهدر‪ ،‬واعتماد الشفافية‪،‬‬
‫والمناقصات وفي إدارة المرافق العامة؛‬

‫‪ )1‬مشروع البرنامج االنتخابي لرئيس الجمهورية‬


‫‪ )2‬مشروع برنامج الحكومة‪ ،‬جانفي ‪ ،2000‬ص ‪75-42‬‬

‫‪-308-‬‬
‫‪ -‬تعديل النظام الضريبي عبر توسيع القاعدة الضريبية وتوجيه اإلدخار نحو‬
‫التوظيف المنتج‪ ،‬واعتماد الضرائب المباشرة ألنها أكثر عدالة من الضرائب على‬
‫اإلستهالك‪ ،‬وتفعيل الجباية للحد من التهرب الضريبي؛‬
‫‪ -‬تطوير النظام المصرفي ليتالءم مع األهداف اإلقتصادية‪ ،‬ولينشط أكثر في تجميع‬
‫المدخرات وتحويلها إلى تمويل القطاعات ذات األولوية؛‬
‫‪ -‬تطوير الفالحة والصيد البحري؛‬
‫‪ -‬مكافحة التعقيدات اإلدارية‪ ،‬وتطوير الرقابة‪،‬‬
‫‪ -‬تعزيز وسائل جمع ونشر المعلومات اإلقتصادية واإلحصائية‪.‬‬
‫* إعادة الهيكلة‪ :‬وتضمنت النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ -‬تحديد المؤسسات التي تملك فرصا للنمو‪ ،‬مثل قطاع الغاز‪ ،‬البيتروكيمائيات‪،‬‬
‫وتعزيز صادرات الغاز‬
‫‪ -‬المضي في برنامج الخوصصة‪ ،‬وهذا ال يعني تخلي الدولة كليا عن دورها‪ ،‬وإ نما‬
‫بهدف إعادة تأهيل المؤسسات العامة في جميع القطاعات‪ ،‬واستقطاب اإلستثمار‬
‫المحلي واألجنبي‪.‬‬
‫‪ -‬تنشيط القطاع الصناعي العام من خالل برامج حكومية لقطاع األشغال العمومية‬
‫وخاصة بناء الوحدات السكنية‪.‬‬
‫* ترقية القطاع الخاص الذي سيكون محرك النمو اإلقتصادي وذلك من خالل‪:‬‬
‫‪ -‬تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تّؤ من قيام نسيج صناعي‪ ،‬وخلق‬
‫فرص العمل‪ ،‬ورفع من وتيرة التصدير‬
‫‪ -‬تفعيل مسار الشراكة األجنبية‪.‬‬
‫هذه التوجيهات تترجمها األهداف التي تبنتها اإلصالحات اإلقتصادية‪ ،‬التي تنطوي‬
‫(‪)1‬‬
‫تحت إطار ما يسمى بالجيل الثاني‪ ،‬والموضحة في الجدول أدناه‪.‬‬

‫‪ )1‬نقال عن عرابي فتحي‪ ،‬االستثمار األجنبي المباشر‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.271‬‬

‫الجدول رقم (‪ : )22‬الجيل األول والثاني من اإلصالحات اإلقتصادية‪:‬‬

‫‪-309-‬‬
‫الجيل الثاني‬ ‫الجيل األول‬
‫تسيير األزمة‪ :‬تقليص التضخم واسترجاع النمو التقدم اإلجتماعي وتحسين التنافسية‪،‬‬ ‫أهم األهداف‬
‫المحافظة على إستقراء اإلقتصاد الكلي‬
‫إصالح الوظيف العمومي‪ ،‬إصالح‬ ‫إجراءات متعسفة لتخفيض الميزانية‪،‬‬ ‫الوسائل‬
‫اإلصالحات الجبائية‪ ،‬تحرير التجارة واإلستثمار قوانين العمل‪ ،‬إعادة هيكلة الوزارات‬
‫ذات المصلحة العمومية‪ ،‬إصالح‬ ‫األجنبي‪ ،‬إزالة التنظيمات‪ ،‬الصناديق‬
‫القضاء‪ ،‬تدعيم المصالح المكلفة‬ ‫اإلجتماعية‪ ،‬بداية الخوصصة‪.‬‬
‫بالتنظيم‪ ،‬تحديث الجهاز التشريعي‪،‬‬
‫تحسين تحصيل الضرائب‪ ،‬الخوصصة‬
‫على نطاق واسع‪ ،‬إعادة هيكلة العالقة‬
‫بين اإلدارة المركزية والجماعات‬
‫المحلية‬
‫رئاسة الجمهورية‪ ،‬الجهاز التشريعي‪،‬‬ ‫رئاسة الجمهورية‪ ،‬الوزارات ذات الطابع‬ ‫المتدخلون‬
‫الوظيف العمومي‪ ،‬القضاء‪ ،‬النقابة‪،‬‬ ‫اإلقتصادي‪ ،‬البنك المركزي‪ ،‬المؤسسات المالية‬
‫المتعددة األطراف‪ ،‬المجموعات المالية الخاصة‪ ،‬األحزاب السياسية‪ ،‬اإلعالم‪ ،‬الجماعات‬
‫المحلية‪ ،‬القطاع الخاص‪ ،‬المؤسسات‬ ‫مستثمرين الحافظة لألجانب‬
‫المالية متعددة األطراف‬
‫تسيير إقتصادي كلي من قبل مجموعة من الفنيين تنمية مؤسساتية مبنية أساسا على‬ ‫أهم الصعاب‬
‫اإلطارات المتوسطة للقطاع العمومي‬ ‫(‪ )technocrates‬بعيدا عن التدخالت (‬
‫‪)ingérence‬‬
‫‪* Source : Naim Moiss, « latin Americas Journey to the market : From‬‬
‫‪Macroeconomics Shocks to Institutional thrpy » ICEG, Occasional Payer N° 62‬‬
‫‪cité dans Banque Mondiale, « rapport sur le développement dans‬‬
‫‪le monde 1977 : l’Etat dans un monde en mutation », 1998, P.171.‬‬

‫* نقال عن عرابي فتحي‪ ،‬مذكرة نيل ماجيستسير ص ‪( ،271‬مرجع سابق)‪.‬‬

‫إن برنامج اإلصالح اإلقتصادي الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية وجد أمامه‪ ،‬جملة من‬
‫العقبات تمثلت في الرشوة‪ ،‬وغياب الشفافية‪ ،‬والتهرب الضريبي‪ ،‬وبالتالي فإن إعالن رئيس‬
‫الجمهورية محاربة هذه اآلفة التي تغلغلت في جسم الجزائر(‪ ،)1‬ناتجة إنطالقا من استجابة‬

‫‪-310-‬‬
‫شعبية دفاعا عن المال العام‪ ،‬باإلضافة إلى الرغبة الدولية في التصدي لهذه الظاهرة التي‬
‫تشكل عائقا أمام اإلستثمار األجنبي في الجزائر‪.‬‬
‫وفي رسالة وجهها رئيس إدارة بنك التصدير واإلستراد األمريكي "إكزيم بنك" السيد "جيمس‬
‫هارمون" إلى رئيس الجمهورية يؤكد فيها أن دخول إستثمارات أمريكية للجزائر‪ ،‬يتوقف‬
‫على اعتماد مبدأ الشفافية في اتخاذ القرارات‪ ،‬وتسريح قنوات اتخاذها‪ ،‬هو الشرط الوحيد‬
‫الذي نؤكد عليه‪ ،‬مع تقديم الدعم الالزم والكافي لقطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة‬
‫(‪)2‬‬
‫وخاصة القطاع الخاص‪.‬‬
‫وفيما يخص مشكل التمويل الذي تعاني منه الجزائر منذ أمد بعيد‪ ،‬فإن ثاني عقبة أثقلت كاهل‬
‫اإلقتصاد الجزائري هي التطور السريع للقطاع الطفيلي غير المنتج‪ ،‬والذي ساهم إلى حّد‬
‫بعيد في اّتساع نطاق ظاهرة الغش الجبائي‪ ،‬وتكريس التهرب الضريبي الذي أضحى ظاهرة‬
‫خطيرة‪.‬‬
‫فخالل جرد جزء للتهربات الضريبية للنشاطات الممتدة بين سنوات ‪ 1995-1998‬سجل‬
‫‪ 3,18‬مليار دينار‪ ،‬مع إحصاء بلغ نسبة ‪ 32 %‬من مجموع تجار الجملة فقط‪ ،‬فيما قدر‬
‫حجم التهرب والغش الضريبي والجبائي ما بين ‪ 250‬إلى ‪ 800‬مليار دينار دون إمكانية‬
‫(‪)3‬‬
‫تحديد الرقم الحقيقي‪.‬‬
‫إن الجبهة اإلجتماعية تمثل أكبر عائق يجب التحكم فيه‪ ،‬ولعل أهم مشكل في هذا اإلطار‬
‫تعانيه الجزائر‪ ،‬هو البطالة والسكن‪.‬‬
‫إذا كانت البطالة تمثل الخطر األول الذي يجب على الدولة تقليصه‪ ،‬فإن معالجتها تمكن من‬
‫إمتصاص اليد العاملة المتسربة من المتمدرسين‪ ،‬وهو ما تقوم به السياسة الجديدة في‬
‫التكوين المهني‪ ،‬هذا من جهة‪ ،‬وتقوية مسار الشراكة في مجال الصناعات الصغيرة‬
‫والمتوسطة من جهة أخرى‪.‬‬

‫‪1) Déclaration de M. Le Président de la République à Tipaza cité dans le journal El Watan du 07/07/99, P 3.‬‬
‫جريدة الصحافة بتاريخ ‪ 2000-01-19‬تصريح رئيس "إكزيم بنك" األمريكية ص ‪.04‬‬ ‫‪)2‬‬
‫عن جريدة الخبر بتاريخ ‪ ،2000-01-07‬العدد ‪.2985‬‬ ‫‪)3‬‬

‫علما أن هذه األخيرة يشجعها أغلب الشركاء األجانب‪.‬أما الخطر الثاني ويتمثل في الطلب‬
‫(‪)1‬‬
‫العالي على السكن وهو ما يثبته معدل األشغال األكثر ارتفاعا في العالم‪.‬‬
‫وإ ذا كانت كلفة األشغال التي تقوم بها الجزائر في هذا المجال عالية جدا بناء عل تصريح‬
‫لوزير المالية ‪ ،‬فإن األعباء المرتبطة بها والمتمثلة في تدعيم ‪ 550.000‬عائلة جزائرية‪،‬‬
‫‪-311-‬‬
‫تقطن مساكن إيجارية‪ ،‬حيث ال يدفعون إيجارهم في الوقت المحدد‪ ،‬ولهذا فإن وزارة المالية‬
‫تخصص شهريا ‪ 2,1‬مليار دينار جزائري لدعم العائالت الجزائرية المستفيدة من السكنات‬
‫اإلجتماعية دون دفع اإليجار(‪ ،)2‬وهو ما يمثل عبئا‪ ،‬الشيء الذي جعل رئيس الحكومة عند‬
‫تعرضه لقانون المالية سنة ‪ 2001‬أمام النواب‪ ،‬يؤكد " أن الميزانية محدودة اإلستعمال‪،‬‬
‫وكل محاولة لرفع اإلنفاق محفوفة بالمخاطر‪ ،‬خاصة الحجم الذي وصلته المديونية العمومية‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ 2650‬مليار دينار‪ ،‬وخدمة الدين التي من المنتظر أن تصل إلى ‪ 260‬مليار دينار"‪.‬‬
‫إنطالقا مما سبق فإن العناية بقطاع السكن‪ ،‬والتحكم في تسييره‪ ،‬والعمل على وضع برنامج‬
‫يجعل من القضاء على البطالة هدفا أساسيا‪ ،‬ومنه فإن معاقل النمو ال يمكن أن تخرج عن‬
‫ترقية اإلستثمارات الخاصة (محلية أو أجنبية) في مجال السكن والفالحة‪ ،‬والصناعات‬
‫الصغيرة والمتوسطة‪.‬‬
‫‪ 2-1‬اإلدارة الكفأة‪:‬‬
‫إن إدارة إقتصاد ما تتطلب التحكم في األدوات اإلقتصادية التي تكبح النمو‪ ،‬وتجعل لعبة‬
‫اإلنتاج والمنافسة بدل اإلستيراد كوسيلة لتزويد السوق الداخلية الهدف المنشود لتشجيع‬
‫اإلستثمارات األجنبية‪.‬‬
‫إن عدم التحكم في هذه المعادلة " الصعبة" التي يعيشها اإلقتصاد الجزائري‪ ،‬يجعل هذا‬
‫األخير عرضة لهزات إقتصادية عنيفة خصوصا‪ ،‬إذا انخفضت أسعار المحروقات‪ ،‬حيث‬
‫يأتي تأكيد وزير مساهمة الدولة وتنسيق اإلصالحات " حميد تمار" أمام النواب " إنها تمثل‬

‫‪ )1‬عن عرابي فتحي‪ ،‬االستثمار األجنبي المباشر‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.272‬‬
‫‪ )2‬عن جريدة الشعب بتاريخ ‪ ،21/04/2001‬تدخل للسيد وزير المالية "عبد اللطيف بن أشنهو"‪ ،‬حول تقييم مسار‬
‫اإلصالحات االقتصادية‬
‫‪ )3‬عن جريد اليوم‪ 02 ،‬أكتوبر ‪ ،2000‬تدخل للسيد رئيس الحكومة "علي بن فليس" أمام النواب‬

‫الصعوبات األساسية التي تواجهها الحكومة ورئيس الجمهورية في تسيير أمور البالد‪ ،‬ذلك‬
‫(‪)1‬‬
‫أن جماعات الضغط المتمركزة في مؤسسات الدولة ترجح اإلستيراد بدل اإلنتاج‪.‬‬
‫إن تراجع حدة العنف‪ ،‬وتسجيل إنتعاش إقتصادي‪ ،‬جعلت توقعات صندوق النقد الدولي لنسبة‬
‫النمو سنة ‪ ،2000‬تحدد بـ ‪ %4,3‬أي حوالي ‪ 5 %‬من الناتج اإلجمالي الخام حسب بنك‬
‫الجزائر‪ ،‬إال أن معظم الخبراء يشيرون بأن الجزائر بحاجة إلى نسبة نمو ‪ 7 %‬خارج قطاع‬

‫‪-312-‬‬
‫المحروقات المتصاص نسبة البطالة‪ ،‬التي فاقت حاليا ‪ ، 33 %‬كما أن التوازنات الكلية‬
‫اإلقتصادية‪ ،‬يمكن أن تدعم مسار التحوالت في الجزائر‪.‬‬
‫إن التقرير(‪ )2‬الذي أكد أن نسبة التضخم تراجعت من ‪ 39 %‬عام ‪ 1994‬إلى أقل من ‪4 %‬‬
‫عام ‪ ، 1999‬وإ لى أقل من ‪ 2 %‬عام ‪ ،2000‬فيما ستعرف الموازنة العامة فائضا بنسبة‬
‫‪ 5 %‬هذه السنة‪ ،‬وارتفاع إحتياطي الصرف إلى ما يفوق ‪ 9,6‬مليار دوالر للسداسي الثاني‬
‫من عام ‪ ،)3(2000‬أما التقرير الصادر عن المجلس الوطني اإلقتصادي واإلجتماعي‬
‫(‪ )CNES‬في دورته السابعة عسر‪ ،‬خالل السداسي الثاني من سنة ‪ 2000‬يؤكد أن‬
‫الميزان التجاري حقق فائضا إجمالي يقدر ب ‪ 11,14‬مليار دوالر‪ ،‬وقد سمح الحفاظ على‬
‫أسعار الخام في حدود ‪ 28,7‬دوالر للبرميل‪ ،‬الشيء الذي سمح بإعادة تشكيل‬
‫إحتياطات الصرف التي قدرت خالل هذه الفترة بـ ‪ 11,9‬مليار دوالر مقابل ‪ 4,4‬مليار‬
‫(‪)4‬‬
‫دوالر سنة ‪.1999‬‬
‫المالحظ أن النمو اإلقتصادي شهد تحسنا ملحوظا مقارنة ببداية التسعينات‪ ،‬حيث حقق معدل‬
‫قياسي في سنة ‪ ،)5,2 % ( 1998‬وإ ذا كان التحرك اإليجابي لمعدل النمو‬
‫يدل على إنعاش اإلقتصاد الوطني‪ ،‬فإن مشكلة اإلقتصاد الجزائري تتمثل في أن عجلة‬
‫التنمية‪ ،‬وأداة الميزانية محدودة اإلستعمال‪ ،‬الرتباطها بدين عمومي مرتفع (‪ 77 %‬من‬
‫الناتج الداخلي الخام)‪ ،‬وجباية تعتمد في معظمها على برميل نفط‪ ،‬حيث إذا تحرك سعره‬
‫باإليجاب أو النقصان بدوالر واحد‪ ،‬تحركت مداخيل الميزانية ب ‪ 35‬مليار دينار في نفس‬
‫(‪)5‬‬
‫اإلتجاه‪.‬‬
‫‪ )1‬عن جريدة البالد بتاريخ ‪ 05‬جوان ‪ ،2000‬ص ‪.3‬‬
‫‪ )2‬تقرير قام بصياغته مكتب االستثمارات العربية لإلتصاالت بمعية صحفية الشرق األوسط‬
‫‪ )3‬عن جريدة الخبر بتاريخ بتاريخ ‪ 27‬سبتمبر ‪ ،2000‬ص ‪.2‬‬
‫‪ )4‬تقرير عن المجلس الوطني االقتصادي و االجتماعي‪ ،‬الدورة السابعة عشر من سنة ‪.2000‬‬
‫‪ )5‬عن جريدة اليوم بتاريخ ‪ 2‬أكتوبر ‪ ،2000‬ص ‪.2‬‬

‫وهو ما يعني أن معدل النمو في هذه الحالة يبقى هشا‪ ،‬الرتباطه بعوامل ذي تأثير خارجي‪،‬‬
‫تتمثل في سعر البرميل ومعدل تساقط األمطار‪.‬‬
‫إن إزالة هذه التأثيرات الخارجية منها والداخلية والمرتبطة بأهم تغيرات اإلقتصاد الكلي(‪( )1‬‬
‫الناتج المحلي اإلجمالي‪ ،‬اإلرادات العمومية‪ ،‬الصادرات‪ ،‬معدل الصرف‪ ،‬النمو‪ ،‬التضخم‪،‬‬
‫‪ ،)...‬يتوقف على السياسة اإلقتصادية الرشيدة‪ ،‬التي تمنح فرص لإلستثمار الخاص (المحلي‬

‫‪-313-‬‬
‫واألجنبي)‪ ،‬من خالل فتح مجال أوسع لهوامش الربح‪ ،‬وتدعيم التنافسية بين الشريك المحلي‬
‫والشريك األجنبي‪.‬‬
‫‪ 3-1‬تشجيع اإلستثمار الخاص‪:‬‬
‫يتساءل العديد من المحللين السياسيين عن الركود الحاصل في نسبة الجاذبية لإلستثمار‬
‫األجنبي‪ ،‬رغم المجهودات التي بدلتها الجزائر‪ ،‬من أجل ترقية هذه الجاذبية‪ ،‬ولعل حالة "‬
‫اإلنتظار" التي يعيشها اإلقتصاد الجزائري فسرها رئيس البنك العالمي‬
‫(‪ ،)M.Wolfonsoh‬عندما حل بالجزائر في مارس ‪ 1996‬بقوله " أنه من الواجب على‬
‫(‪)2‬‬
‫اإلستثمار الخاص الجزائري أن ينير طريق الرأسمال األجنبي"‪.‬‬
‫إن تجربة اإلستثمار الخاص الذي عرفته العديد من البلدان خصوصا اآلسيوية منها‪ ،‬جعلت‬
‫العديد ن البلدان تقتدي بهذه التجارب‪ ،‬وهو ما تشهد عليه السياسة الصينية التي أعطت المثل‬
‫للمستثمرين األجانب‪ ،‬سمح بتكوين جاذبية جيدة لإلستثمار األجنبي نحو الصين‪.‬‬
‫إن النتائج الحسنة التي وصل إليها القطاع الخاص خالل السداسي األول والثاني من سنة‬
‫‪ ،2000‬تؤكد‪ ،‬أن عامل التنافسية قد أعطى ثماره‪ ،‬حيث ارتفع رقم األعمال للقطاع‬
‫الصناعي الخاص من ‪ 96,7‬مليار دينار عام ‪ 1999‬إلى ‪ 120,9‬مليار دينار عام ‪،2000‬‬
‫مما مكن إضافة ‪ 3488‬منصب عمل يسجل ‪ 58130‬أجير نهاية ‪ 2000‬مقابل ‪54642‬‬
‫(‪)3‬‬
‫أجير نهاية ‪.1999‬‬
‫فإذا كانت النتائج المحصل عليها تمثل قفزة نوعية في مجال اإلستثمار الخاص‪ ،‬فإن الجوانب‬
‫المتعلقة بتحقيق هذه النتائج مازالت ضعيفة ‪ ،‬فعنصر اختيار التقنيات التي تعد عامل داخلي‬
‫للمؤسسة (إختيار الكفاءات‪ ،‬األموال‪ ،‬دراسات الجدوى ‪ )...‬يمثل أهم النقاط‬
‫‪ )1‬عرابي فتحي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪273‬‬
‫‪2) La Tribune du 23 Mars 1996‬‬
‫‪ )3‬نقال عن جريدة الخبر بتاريخ ‪ 11‬أبريل ‪ ،2001‬ص ‪2‬‬

‫التي تشكل ضعف القطاع الخاص في الجزائر‪ ،‬التي يجب عليه تقويتها حتى تمكنه من‬
‫اكتساب المهارات‪.‬‬
‫كما أن عدم القدرة عل تقييم المخاطر‪ ،‬جعل الكثير من المتعاملين الخواص يتجهون إلى‬
‫إنشاء شركات خاصة بالتصدير واإلستيراد‪ ،‬وهو ما يفسر تزايدها عدديا‪ ،‬حيث وصل العدد‬
‫(‪)1‬‬
‫إلى ‪ 11000‬شركة تم إنشاؤها منذ عام ‪ 1994‬إلى غاية ‪.1997‬‬

‫‪-314-‬‬
‫وفي إطار فرضية العالقة الموجودة بين عائد الفرد واإلستثمار الخاص‪ ،‬التي يؤكدها بعض‬
‫اإلقتصاديين (‪ ،)2‬فإنه ال يمكن الحديث عن هذه الفرضية دون مساعدة مالية‪ ،‬من قبل الدولة‪،‬‬
‫ومنه فإن المحفزات التي قدمتها (دفع مؤجل على ‪ 20‬سنة مع سنة إعفاء) الدولة في مجال‬
‫الخوصصة لصالح عمالها‪ ،‬والتي كانت حتى نهاية ‪ 1999‬تمثل الثمرة األولى للتحول‬
‫(‪)3‬‬
‫اإليجابي نحو الخوصصة‪ ،‬حيث تم إنشاء ‪ 1697‬مؤسسة ل ‪ 33000‬عامل مساهم‪.‬‬
‫تجدر اإلشارة إلى أن التقرير الذي أعّد ه البنك العالمي عام ‪ 1990‬تم إحصاء ‪ 1450‬حالة‪،‬‬
‫حيث تم تشخيص ‪ 3 %‬من المؤسسات التي تم شراؤها من قبل العمال‪ ،‬وهو ما يعني أن‬
‫فرضية العالقة الموجودة بين عائد الفرد واإلستثمار الخاص‪ ،‬هي عالقة مربوطة لتقوية‬
‫العائد التي تتحكم فيه جملة من العوامل ( الكفاءة‪ ،‬المستوى التكنولوجي‪ ،)...،‬ووضعية‬
‫المؤسسة المراد شراؤها من قبل العمال‪.‬‬
‫‪ 2-‬على المستوى العالمي‪:‬‬
‫إذا كانت التحوالت اإلقتصادية العالمية اليوم تترجمها " التجارة واإلستثمار األجنبي"‬
‫باعتبارهما محفزا رئيسيا للعولمة(‪ ،)4‬فإن انعكاسات هذين العاملين على اإلقتصاد الجزائري‬
‫يمكن فهمه من خالل مستقبل الشراكة األجنبية في الجزائر‪ ،‬التي يجب أن تتركز على‬
‫(‪)5‬‬
‫محورين أساسيين هما‪:‬‬

‫‪ )1‬نقال عن عرابي فتحي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.275‬‬


‫‪2) Joshna Greene et Delano Vilano Villa Neuve, Détermination de l'investissement privé dans les‬‬
‫‪PED Finances et développement, 1990‬‬
‫‪3) La tribune du 07/12/1999, P14.‬‬
‫‪ )4‬محمد رؤوف حامد‪ ،‬ظاهرة العولمة‪ ،‬كراسات عروض‪ ،‬سلسلة صادرة من المكتبة الكاديمية – القاهرة‪،‬‬
‫ص ‪12‬‬
‫‪ )5‬نقال عن مجلة االقتصاد و العمال "الصدمة اإليجابية" عدد خاص بالجزائر‬

‫‪ -‬إبراز المزايا التفاضلية ( النسبية) على الساحة الدولية‪ ،‬وخصوصا أثناء تفاوضها‬
‫مع المنظمة العالمية للتجارة‪ ،‬كما عليها تفعيل مشاركتها داخل المنظمات الدولية‪،‬‬
‫‪ -‬توطيد التعاون مع بلدان اتحاد المغرب العربي ومع محيطها العربي‪ ،‬وبلدان‬
‫القارة اإلفريقية‪ ،‬والمنطقة المتوسطية‪.‬‬
‫وإ ذا كان الطابع المميز لإلستثمار األجنبي كونه عالميا‪ ،‬فإن إرساء قواعد تعاون على‬
‫المستوى الجهوي أو اإلقليمي بين عدة مناطق هو الهدف األساسي الذي ينبغي تفعيله في‬
‫المرحلة الراهنة والمستقبلية‪.‬‬
‫‪-315-‬‬
‫وبناء عليه‪ ،‬فإن مقتضيات المرحلة تتطلب تنمية هذا التعاون على أساس إرساء منطقة‬
‫التبادل الحر بين الواليات المتحدة األمريكية من جهة‪ ،‬وبين هذا اإلتحاد‪ ،‬واإلتحاد األوروبي‬
‫من جهة أخرى‪.‬‬
‫‪ 1-2-‬إنشاء منظمة التبادل الحر بين إتحاد المغرب العربي والواليات المتحدة األمريكية‪:‬‬
‫إن التقرير(‪ )1‬الصادر عن مركز الدراسات اإلستراتيجية للخارجية األمريكية‪ ،‬الذي يعتبر أن‬
‫منطقة إفريقيا تظل إحدى المناطق الجوهرية في خريطة اإلهتمام األمريكي‪ ،‬فيما يتعلق‬
‫بالسياسة الخارجية األمريكية‪.‬‬
‫وقد أثار التقرير* أن " المصلحة القومية واألمنية ألمريكا تفرض عليها العمل على استقرار‬
‫شمال القارة اإلفريقية والعمل على ازدهارها‪ ،‬خاصة وأنها تعرف تحوالت عميقة"‪.‬‬
‫من هذا المنطلق أوضح التقرير‪ ،‬أن أمريكا يجب أن تعمل في اتجاه تعزيز العالقات‬
‫وتطويرها‪ ،‬وفتح قنوات التعامل المباشر مع الدول الثالث المعنية‪ ،‬الجزائر – تونس –‬
‫المغرب‪ ،‬وتشجيع اإلصالحات السياسية واإلقتصادية‪.‬‬
‫إن مبادرة "إيزنستان"(‪ )2‬الرامية إلى ترقية الشراكة األجنبية بين الواليات المتحدة األمريكية‬
‫واتحاد المغرب العربي تسعى إلى تطوير المبادالت التجارية وترقيتها وتحفيز اإلستثمارات‬
‫(‪)3‬‬
‫األمريكية‪.‬‬

‫‪ )1‬نقال عن مجلة الصحافة بتاريخ ‪ 22‬جانفي ‪ ،2000‬ص ‪ ،1‬ص ‪.2‬‬


‫* علما أن التقرير إستثنى "ليبيا" باعتبارها مازالت تشكل مصدر إنشغال أمني ألمريكا‬
‫‪2) Déclaration de M. Stuart Einzentat, sous secrétaire d'état américain aux affaires économiques‬‬
‫‪3) El Watan du 19-05-1999, P 04.‬‬

‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬تنوي الحكومة األمريكية إعداد برنامج عمل مغاربي مع خبراء‬
‫إقتصاديين‪ ،‬حيث يتم تقديمه إلى الشريك األمريكي لبلورته في برنامج‪ ،‬علما أن هذه المبادرة‬
‫ترتكز على جملة من اإلجراءات المستقبلية التي ستتخذها أمريكا لدخول السوق المغاربية‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫والتي تمثل بالنسبة ألمريكا كتلة واحدة بحوالي ‪ 80‬مليون مستهلك‪.‬‬
‫وإ ذا كان قرار " إيكزيم" أكد على رفع تحديد سقف القروض‪ ،‬والذي كان سابقا مقدرا‬
‫بـ ‪ 2‬مليار دوالر‪ ،‬لتمكين المستثمرين األمريكيين من دخول السوق الجزائرية وإ يجاد منافذ‬
‫جديدة لهم‪ ،‬فإن هذا القرار يأتي في إطار اإلهتمام العام للمنطقة وذلك من أجل إذابة الجليد‬
‫بين الجزائر والمغرب‪ ،‬حيث تؤكد بعض "المصادر" أن الواليات المتحدة األمريكية ترغب‬

‫‪-316-‬‬
‫في تسوية شاملة للخالفات القائمة بين الجزائر والمغرب كشرط رئيسي لبعث تعاون نشط‬
‫(‪)2‬‬
‫وفّعال في المنطقة المغاربية‪.‬‬
‫وإ ذا كان المغرب وتونس قد استفادا من حالة اإلستقرار‪ ،‬التي يعيشانها لرسم معالم التعاون‬
‫وفتح مجال الشراكة مع أمريكا‪ ،‬فإن الجزائر وطيلة عشرية كاملة (بسبب األوضاع الداخلية)‬
‫ضيعت فرصا حقيقية لبعث اقتصادها واإلندماج في سيرورة وحركية اإلقتصاد العالمي‪،‬‬
‫بالنظر إلى عوامل اإلغراء واإلمكانات اإلقتصادية والطبيعية التي تمتلكها‪.‬‬
‫‪ 2-2-‬إنشاء منظمة التبادل الحر بين الجزائر واإلتحاد األوربي‬
‫تمثل المجموعة األوروبية الشريك األول للجزائر في إطار اتفاقيات التعاون‪ ،‬التي دامت‬
‫قرابة الربع قرن‪ ،‬هذا التعاون مس محاور أساسية‪،‬كانت على رأسها‪:‬‬
‫‪ -‬المبادالت التجارية التي وصلت قيمتها ما يقارب ‪ 190‬مليار وحدة نقدية أوروبية‬
‫‪ -‬التعاون اإلقتصادي التقني والمالي والذي خّص مبلغ يقدر بـ ‪ 854‬مليون وحدة‬
‫نقدية أوروبية بين الفترة ‪ ،1996-1977‬وكل المساعدات المالية المقدمة‬
‫للجزائر‪ ،‬والتي قدرها اإلتحاد األوروبي كما يلي‪:‬‬
‫‪ 55‬مليون وحدة نقدية أوروبية قدمت في إطار برنامج التصحيح الهيكلي‬

‫‪ )1‬نقال عن جريدة الصحافة بتاريخ ‪ 19‬جانفي ‪.2000‬‬


‫‪ )2‬نقال عن جريدة الصحافة بتاريخ ‪ 22‬جانفي ‪ 2000‬ص ‪.2-1‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ 40‬مليون وحدة نقدية أوروبية قدمت كمساعدة مالية لفائدة ميزان المدفوعات‪.‬‬
‫وعلى غرار اإلتفاقيات التي احتضنتها كل من تونس والمغرب واإلتحاد األوربي‪ ،‬أبدت‬
‫الجزائر رغبتها دخول هذا المعترك تزامنا مع فتح حوار‪ ،‬كان ذلك في أكتوبر سنة ‪1993‬‬
‫حيث جعلت من هذا الحوار وسيلة للوصول إلى تطوير منطقة التبادل الحر‪.‬‬
‫وإ ذا كان اإلتحاد األوروبي يراهن على السوق الدول المغاربية‪ ،‬فإن السوق الجزائرية‪ ،‬تمثل‬
‫قطب إستراتيجي للمزايا المرتبطة بهذه السوق‪ ،‬من حيث حجمها وسهولة ربطها مستقبال‬
‫باألسواق اإلفريقية المجاورة لها‪ ،‬تمكن اإلتحاد األوروبي التوغل إلى أسواق دول إفريقيا‬
‫بسرعة وبأقل كلفة‪.‬‬
‫إن المفاوضات التي تديرها الجزائر مع اإلتحاد األوروبي‪ ،‬والخاصة بإبرام اتفاق شركة‬
‫توجهها عقبات‪ ،‬باعتبار أن الطرف الجزائري يطالب اإلتحاد مراعاة خصوصيتها‬
‫اإلقتصادية المختلفة تماما عن جيرانها‪ ،‬ذلك ألن الجزائر تمتلك نسيج صناعي المتسم " بثقله"‬

‫‪-317-‬‬
‫حيث يضم مركبات صناعية كبرى (عكس ما هو عليه الحال في تونس‪ ،‬والمغرب)‪ ،‬أين‬
‫تشكل الصناعات الصغيرة والمتوسطة قاعدة صناعية وهو ما يسهل عملية التصدير‪ ،‬حيث‬
‫تشكل هذه األخيرة انشغال الجزائريين في مفاوضاتهم‪ ،‬ألنها تقتصر حاليا على المحروقات‬
‫فقط بنسبة ‪ ،%95‬في الوقت الذي توجد فيه أغلب المؤسسات اإلقتصادية في حالة ال تسمح‬
‫بمنافسة مثيالتها في أوروبا‪ ،‬وهو ما جعل مسألة تأهيل المؤسسات الجزائرية أمرا حتميا‬
‫ضمن برنامج يتطلب غالفا عاليا معتبرا‪ ،‬يساهم اإلتحاد األوروبي فيه كشرط أساسي لإلتجاه‬
‫نحو رفع الحواجز الجمركية‪ ،‬وفتح السوق الجزائرية أمام السلع األوروبية وهو المبلغ الذي‬
‫(‪)2‬‬
‫تم تحديده سابقا بأربعة مليار دوالر‪.‬‬
‫وإ ذا كان اإلتحاد األوربي قد أعرب عن " إرتياحه " لبرنامج التفتح اإلقتصادي‪ ،‬الذي‬
‫أعدته الحكومة الجزائرية في هذا المجال‪ ،‬واعتبر أنه " كفيل بتسهيل المفاوضات " فإنه‪،‬‬
‫وفي هذا اإلطار قامت وزارة الصناعة وإ عادة الهيكلة بتحضير برنامجا لتأهيل ‪650‬‬
‫مؤسسة صناعية عمومية سيتم الشروع فيه ابتداء من سنة ‪ ،2000‬حيث يتم تطبيق هذا‬
‫البرنامج على ثالثة مراحل(‪ )3‬وهي ‪:‬‬

‫‪ )1‬نقال عن عرابي فتحي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.277‬‬


‫‪ )2‬جريدة المساء بتاريخ ‪ 16‬أبريل ‪ ،2000‬ص ‪.3‬‬
‫‪3) Ministère de l'industrie et de la restructuration, "Développement de la compétitivité industrielle : Avant-‬‬
‫‪projet", 1999.‬‬

‫المرحلة األولى‪ :‬وتمس ‪ 150‬مؤسسة صناعية عمومية وخاصة إضافية في إطار برنامج‬
‫نموذجي (‪ )PILOTE‬يمتد على ثالثة سنوات؛‬
‫المرحلة الثانية ‪ :‬وتمس ‪ 200‬مؤسسة صناعية عمومية وخاصة إضافية في إطار برنامج‬
‫يمتد على سنوات؛‬
‫المرحلة الثالثة تقوم على أساس التوسع وتمس ‪ 300‬مؤسسة عمومية وخاصة إضافية‪ ،‬أيضا‬
‫في إطار برنامج يمتد على ثالثة سنوات‪.‬‬

‫إن المشكل األساسي الذي كان قائما أمام هذا البرنامج‪ ،‬هو حجم التحويالت الخارجية‬
‫والتي قدرتها وزارة الصناعة وإ عادة الهيكلة بـ ‪ 170‬مليار دينار‬
‫جزائري(‪ ،)1‬والذي وجد حله بعد قرار تسريح المبالغ المخصصة لتأهيل الصناعات‬
‫الجزائرية والمقدرة بـ ‪ 250‬مليون أورو (‪ )Euro‬من أصل ‪ 300‬مليون أورور(‪ )Euro‬سنة‬

‫‪-318-‬‬
‫‪ ،1999‬والموضوعة في إطار برنامج "ميدا"(‪ ،)Meda‬والذي يمثل أهم جهاز خاص بتوقيع‬
‫(‪)2‬‬
‫اتفاقية التبادل الحر بين الجزائر واإلتحاد األوروبي‪.‬‬
‫وإ ذا كانت الجزائر متجهة نحو إمضاء عقد الشراكة مع اإلتحاد األوروبي‪ ،‬فإنها أصرت‬
‫على ربط هذا اإلتفاق بخصوصية اإلقتصاد الجزائري‪ ،‬ألن فتح السوق الجزائرية كما هي‬
‫عليه اآلن أمام المنتوج األوروبي سوف يؤثر على مستقبل الشراكة األجنبية في الجزائر‪.‬‬
‫هذه الخصوصية يقول وزير التجارة السيد "مدلس" تكمن في ضرورة‪ ،‬أن تأخذ المجموعة‬
‫األوروبية بعين اإلعتبار القاعدة الصناعية الكبيرة التي يحوز عليها اإلقتصاد الجزائري‪،‬‬
‫ومن هنا تكمن ضرورة حمايتها وتطويرها‪ ،‬هذه الخصوصية هي الحلقة األساسية التي‬
‫(‪)3‬‬
‫ترتكز عليها المفاوضات مع اإلتحاد األوروبي‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن التفكيك التعريفي المقرر في اإلتفاق مع اإلتحاد األوروبي‬
‫يمثل نقطة أساسية يجب حلها‪ ،‬وإ ال سيتحمل اإلقتصاد الجزائري خسارة تقدر‬
‫في حوار أجرته معه جريدة‬ ‫(‪)5‬‬
‫بـ ‪ 1,4‬مليار دوالر(‪ ،)4‬الشيء الذي دفع وزير المالية‬
‫الشعب" التأكد على أنه "ما دمنا قد دوّنا في مذكرات المستقبل هذه الخسارة‪ ،‬يجب التفكير‬
‫‪1) Ministère des Finances "Proposition Algérienne pour un partenariat avec l'union européenne à l'horizon‬‬
‫‪2000", 1994.‬‬
‫نقال عن جريدة الخبر بتاريخ ‪ 15‬أفريل ‪ ،2000‬ص ‪.2‬‬ ‫‪)2‬‬
‫مجلة االقتصاد و األعمال "االنفتاح االقتصادي" عدد خاص‪ ،‬تدخل للسيد وزير التجارة‪ ،‬مراد مدلسي‪ ،‬ص ‪.18-17‬‬ ‫‪)3‬‬
‫تصريح محافظ بنك الجزائر أشار له وزير المالية "السيد عبد اللطيف بن أشنهو"‪.‬‬ ‫‪)4‬‬
‫نقال عن جريدة الشعب بتاريخ ‪ 21‬أبريل ‪ ،2001‬حوار مع وزير المالية "عبد اللطيف بن أشنهو"‪ ،‬ص ‪.7‬‬ ‫‪)5‬‬
‫منذ اآلن في استبدال هذه اإليرادات الجبائية‪ ،‬بإيرادات جبائية أخرى‪ ،‬وذلك عن طريق‬
‫توسيع النشاط اإلقتصادي أوال‪ ،‬وثانيا أن تكون اإليرادات الجبائية أكثر فعالية"‪.‬‬

‫جدول رقم (‪ )23‬حسابات النقص الجبائي الواجب تحصيله لدول‬


‫المغرب العربي سنة ‪1995‬‬

‫تونس‬ ‫المغرب‬ ‫الجزائر‬


‫الحقوق والرسوم على الواردات‬

‫‪33,0‬‬ ‫‪19,0‬‬ ‫‪10,2‬‬ ‫‪ % -‬اإليرادات الجبائية‬

‫‪8,2‬‬ ‫‪5,0‬‬ ‫‪2,9‬‬ ‫‪ % -‬للناتج المحلي اإلجمالي‬

‫‪-319-‬‬
‫الواردات التي مسها التفكك‬
‫‪73,5‬‬ ‫‪58,3‬‬ ‫‪53,2‬‬
‫‪ %‬من الواردات‬

‫نقص جبائي واجب التحصيل‬

‫‪24,3‬‬ ‫‪11,1‬‬ ‫‪5,4‬‬ ‫‪ %‬إيرادات إدارة الضرائب‬

‫‪6,0‬‬ ‫‪2,9‬‬ ‫‪1,5‬‬ ‫‪ %‬للناتج المحلي اإلجمالي‬


‫‪Source : lettre de CEP II N° 147 Juin 1986 Cité dans Azikara « adhésion de l’Algérie à‬‬
‫‪une ZDLE mémoire de 3ème Cycle à l’IEDF, 1999.‬‬

‫إن اإلصالحات البنيوية األولى التي تمت على إثر التحرير التدريجي لألسعار شملت‬
‫الشروع ف تفكيك الحواجز الجمركية‪ ،‬وإ صالح النظام الضريبي‪ ،‬تحديث النظام المالي‪،‬‬
‫فمثال‪ ،‬أصبح الدرهم المغربي والدينار التونسي قابلين للصرف بالنسبة للعمليات الجارية سنة‬
‫‪ ،1993‬أما فيما يتعلق بالجزائر‪ ،‬فإن انهيار المداخيل من العملة نتيجة للصدمة البترولية‬
‫ومقاومة البنيات اإلقتصادية أدت إلى كبح حركة التحرير‪ ،‬على جانب عدم استقرار‬
‫(‪)1‬‬
‫األوضاع الثانية‪.‬‬

‫‪ )1‬العربي الجعيدي ‪ :‬أثر األورو على اقتصاديات دول المغرب العربي‪ ،‬ص ‪.145‬‬

‫‪ 3-2‬إقتصاديات مندمجة بقوة مع أوروبا وعالقات غير متوازنة‪:‬‬


‫تبين العالقات اإلقتصادية بنية اإلتحاد األوروبي والدول المغاربية ‪ -‬سواء المبادالت‬
‫التجارية أو التدفقات المالية منها – إندماجا قويا لهذه الدول مع أوروبا‪ ،‬وفي الوقت نفسه‬
‫إختالال قويا في العالقات‪ ،‬وتشكل أوروبا المجال الطبيعي الندماج الدول المغاربية في‬
‫اإلقتصاد العالمي‪ .‬ولقد تمت تقوية هذا اإلندماج الطبيعي بواسطة إتفاقيات التعاون‬
‫أو الشراكة التي أقرت الولوج التفضيلي للمواد المتوسطية للسوق األوروبية‪ ،‬وتجدر اإلشارة‬
‫إلى أن نتائج هذه السياسة التجارية لم تكن في مستوى تطلعات الدول المغاربية‪ ،‬فأوروبا‬
‫قلصت من ولوج سوقها أينما كانت منافسة جيرانها محسوسة(‪ ،)1‬وبدورها‪ ،‬فإن الدول‬
‫المغاربية لم تحسن دائما اإلستفادة من اإلمتيازات التجارية التي منحت لها‪ ،‬وهو ما جعل‬
‫اإلتفاق المتعلقة بالشراكة مع اإلتحاد األوروبي أكثر تعقيدا مع الطرف الجزائري ذلك أن‬

‫‪-320-‬‬
‫معايير األفضلية للمواد المتوسطة أصبحت اليوم موضوع إعادة للنظر هذه من جهة‪،‬‬
‫واندماج دول أوروبا الشرقية والوسطى في المجال األوروبي‪.‬‬

‫جدول رقم (‪ )24‬تجارة البضائع بين الدول المغاربية واإلتحاد األوروبي‬


‫‪ % ( 1996-90‬الكلية للصادرات والواردات)‬

‫الواردات *‬ ‫الصادرات نحو *‬


‫البلدان‬
‫المجموعة ‪11‬‬ ‫مجموعة ‪ 11‬اإلتحاد األوروبي‬ ‫اإلتحاد األوروبي‬

‫‪61,4‬‬ ‫‪64,8‬‬ ‫‪66,8‬‬ ‫‪70‬‬ ‫الجزائر‬


‫ليبيا‬
‫‪54,2‬‬ ‫‪65,8‬‬ ‫‪77,9‬‬ ‫‪84‬‬
‫المغرب‬
‫‪50,1‬‬ ‫‪55,6‬‬ ‫‪57,8‬‬ ‫‪62,4‬‬ ‫تونس‬
‫مجموعة دول اإلتحاد المغاربي‬
‫‪66,9‬‬ ‫‪71,2‬‬ ‫‪74,9‬‬ ‫‪77,9‬‬

‫‪40,1‬‬ ‫‪47,9‬‬ ‫‪38,4‬‬ ‫‪42,9‬‬

‫المصدر‪ :‬صندوق النقد الدولي‪ ،‬مدير اإلحصاءات التجارية‪ ،‬قاعدة المعطيات‬


‫الصادرات والواردات‪ :‬باستثناء الدانمارك‪ ،‬اليونان‪ ،‬المملكة المتحدة‪ ،‬السويد‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ )1‬العربي الجعيدي ‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.156-87‬‬

‫إن تراجع توعل الدول المغاربية في السوق األوروبية يتناقض مع الوجود القوي آلسيا مما‬
‫أحدث اختالال في المبادالت بين اإلتحاد األوروبي والدول المغاربية وصل إلى حد التفاقم‪،‬‬
‫‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫هذا اإلختالل يفسر‬
‫‪ -‬كون صادرات الدول متأخرة في مبادات اإلتحاد األوروبي‬
‫‪ -‬كون الصادرات تتنامى في اتجاه المنطقة المغاربية‪ ،‬بينما صادرات هذه األخيرة‪،‬‬
‫اتجاه أوروبا تعاني ركود مما جعلها في وضعية عجز بنيوي‪ ،‬ذلك أن الدول‬
‫المغاربية تتزود بنسبة ‪ 51,1 %‬من السوق األوروبية بينما تدخل صادراتها في‬
‫اقتصاد دول المجموعة إّال بنسبة ‪ 2,2 %‬من مجموع مشتريات اإلتحاد‬
‫األوروبي‪ ،‬علمًا أن هناك دول من اإلتحاد األوروبي (الدانمارك‪ ،‬إيرلندا‪ ،‬المملكة‬
‫المتحدة‪ ،‬هولندا) عالقتها مع البلدان المغاربية محدودة جّد ا تكاد تنعدم‪.‬‬

‫‪-321-‬‬
‫‪ 4-2 -‬آفاق منطقة التبادل الحر‪:‬‬
‫لقد وضع مؤتمر برشلونة – كقرار مؤسس للسياسة المتوسطية لمنطقة البحر األبيض‬
‫المتوسط – أسس شراكة طموحة‪ ،‬هدفها بناء مجال " السلم واإلستقرار واإلزدهار‬
‫المشترك"‪.‬‬
‫إن إعالن برشلونة يشمل‪ ،‬باإلضافة إلى البعد اإلقتصادي والمالي‪ ،‬وسع ليشمل أبعاد أخرى‬
‫منها السياسية‪ ،‬إجتماعية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬وأمنية‪.‬‬
‫إن الهدف األساسي من تشكيل منطقة للتبادل الحر في أفق سنة ‪ ،2010‬واإلعداد لها بواسطة‬
‫التحرير التدريجي للمبادالت بين اإلتحاد األوروبي والدول المغاربية الراغبة في المشاركة‬
‫هو توفير الشروط الضرورية للتنمية اإلقتصادية واإلجتماعية‪ ،‬ومواكبة إندماج هذه الدول‬
‫في اإلقتصاد العالمي ولكن بعد أن مرت ثالثة سنوات على مؤتمر برشلونة‪ ،‬ال بد من‬
‫المالحظة أن النتائج ظلت دون الطموحات(‪ ،)2‬حيث أنه رغم اإلقتراحات في مؤتمر برشلونة‬
‫سنة ‪ 1995‬والمتعلقة بـ‪:‬‬

‫‪ )2-)1‬العربي الجعيدي ‪ :‬أثر األورو على اقتصاديات دول المغرب العربي‪ ،‬ص ‪165-163-158‬‬

‫‪ -‬رفع اإلستثمار األجنبي وتوسيع مجال الشراكة نحو جنوب حوض البحر األبيض‬
‫المتوسط؛‬
‫‪ -‬وضع الميكانيزمات المؤسساتية للحوار السياسي واإلقتصادي؛‬
‫‪ -‬إنشاء منطقة للتبادل الحر بين اإلتحاد األوروبي ودول الجنوب؛‬
‫‪ -‬التدعيم المالي من طرف اإلتحاد االوروبي‪.‬‬
‫فإن نتائج مسار برشلونة خيبت اآلمال والتوقعات‪ ،‬حيث أثار رئيس الجمهورية في مداخلته‬
‫بتاريخ ‪ 10‬مارس ‪ 2001‬عند افتتاح الندوة المتوسطية األوروبية بفندق األوراسي حيث‬
‫أشار أن خيبة اآلمال ال تعود على البطء المسجل في تجسيد مبادئ المسار بقدر ما يرجع إلى‬
‫المقاربة األوروبية التي عمدت إلى تحجيم مجاالت الشراكة من بعدها اإلستراتيجي‪ ،‬إلى‬
‫اإلعتبارات التجارية البحتة‪ ،‬هذا المسار بمسعاه الحالي سيؤدي إلى اختالالت خطيرة‬
‫ومضاعفة الفوارق بين ضفّي المتوسط‪ ،‬وأشار أيضا أنه إذا كانت إزالة الحواجز الجمركية‬
‫إيجابية ألوروبا‪ ،‬فإنها ال تقابلها سوى تدفقات ضئيلة لإلستثمارات المباشرة‪ ،‬مقابل ذلك فإن‬
‫الركود القطاعي الناتج عن التفتح التام على المنافسة بالنسبة لبلدان الجنوب تقابلها توجهات‬

‫‪-322-‬‬
‫حمائية أوروبية ال سيما في القطاع الفالحي‪ ،‬وهو ما يتناقض مع ما يتم اإلعالن عنه من‬
‫(‪)1‬‬
‫مبادئ‪.‬‬
‫فإذا افترضنا أن التبادل الحر سيقود على المدى البعيد إلى تحسين تنافسية الدول المغاربية‬
‫وإ نجاز سلسلة من اإلصالحات الهيكلية‪ ،‬ال يجب أن ننكر مع ذلك‪ ،‬أن هذا المشروع سيتطلب‬
‫تقويمات‪ ،‬وستكون له تأثيرات سلبية على المدى المتوسط (تدهور ميزان األداءات تنافي‬
‫العجز العمومي‪ ،‬اإلنعكاسات اإلجتماعية)‪ ،‬وعليه‪ ،‬فإن بعض القضايا اإلقتصادية التي لم‬
‫توجد في صلب المشروع لم تناقش المسألة المتعلقة بتبادل المواد الفالحية‪ ،‬واستقرار‬
‫العمالت‪ ،‬كما يخشى أن يؤدي تحرير التجارة إلى انخفاض فرص العمل في القطاعات‬
‫الموجهة لألسواق الداخلية‪ ،‬وأن ال يتم تعويض ذلك مباشرة في القطاعات المصدرة‪.‬‬

‫‪ )1‬نقال عن جريدة الخبر بتاريخ ‪ 11‬مارس ‪ 2001‬العدد ‪.3113‬‬

‫إن التبادل الحر يقتضي المضي في التقويمات بعمق‪ ،‬وتسريع اإلصالحات الهيكلية‬
‫لإلقتصادات المغاربية‪ ،‬ففي الميدان الضريبي مفروض أن يعوض انخفاض المداخيل‬
‫الجمركية خاصة بالرفع من المداخيل األخرى‪ ،‬لكن أكثر من اإلصالح الضريبي‪ ،‬ويقتضي‬
‫اإلنفتاح المضي قدمًا في إصالح النظام المالي قصد الرفع من اإلدخار المحلي‪ ،‬وتسهيل‬
‫(‪)1‬‬
‫تمويل المقاوالت العمومية لمنافسة قوية‪.‬‬
‫إن هذه اإلصالحات مرهونة في آخر المطاف بقدرة األنظمة السياسية للدول المغاربية على‬
‫قيادة هذه التحوالت‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬إختيارات أساسية لترقية الجاذبية اإلستثمارية‬


‫إن األعباء اإلقتصادية واإلجتماعية التي تحملتها الجزائر خالل عشرية كاملة ال يمكن حلها‬
‫في فترة وجيزة سنة أو سنتين‪ ،‬ولكن العملية تتطلب استراتيجية تأخذ بعين اإلعتبار بعدين‬
‫أساسيين غير منفصلين عن بعضهما البعض‪ ،‬األول يتعلق بالبرامج اإلستراتيجية التي تؤهل‬
‫القطاعات اإلقتصادية العمومية وترقية اإلستثمارات الخاصة ‪ ،‬والثاني يتعلق باإلجراءات‬
‫الواجبة على الدولة الجزائرية اتخاذها لجذب اإلستثمار األجنبي وتحسينه‪ ،‬علما أن هذين‬
‫البعدين ال يمكن أن يتحققا إال في ظل استقرار سياسي غير متباين‬
‫( إستقرار مؤسسات الدولة)‪.‬‬

‫‪-323-‬‬
‫إن المزايا النسبية التي تمنحها الجزائر ( يد عاملة رخيصة) سوق إستهالكية متنوعة‪ ،‬قاعدة‬
‫صناعية في حاجة إلى تأهيل‪ ،‬بنية تحتية يمكن استغاللها‪ ،‬موقع إستراتيجي إلفريقيا ‪)..‬‬
‫مقارنة بجيرانها من حيث الكم والكيف تجعلنا نطرح تساؤالت حول سّر جاذبية اإلستثمار‬
‫األجنبي نحو المغرب وتونس‪ ،‬والضعف الذي تتميز به اتجاه الجزائر‪.‬‬
‫إن الجواب على هذه التساؤالت ال يمكن حصره في المسار السياسي واألمني فحسب‪ ،‬وإ نما‬
‫في المواقف الحاسمة والتي يجب فتح حوار موضوعي وبناء بشأنها والمتعلقة بالشفافية‬
‫والبيروقراطية‪ ،‬والرشوة والضرائب‪ ،‬وأسعار الصرف‪ ،‬وقضية التمويل‪ ،‬واألعباء التي‬
‫تتحملها البنوك ‪...‬إلخ )‪.‬‬

‫‪ )1‬العربي جعيدي ‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.165‬‬

‫‪ 1-‬البعد اإلستراتيجي‪:‬‬
‫إن البعد اإلستراتيجي الذي تتوخاه الجزائر وتعمل جاهدة للوصول إليه‪ ،‬يتحقق من خالل‬
‫تأهيل اإلقتصاد الجزائري المتمثل في ترقية قطاعات النشاط اإلقتصادي اإلستراتيجية وتنمية‬
‫قدرات القطاع الخاص‪ ،‬حق تتمكن من جلب اإلستثمارات األجنبية‪ ،‬وإ ن تكون طرفا فاعال‬
‫في إبرام عقود شراكة‪.‬‬
‫أ – تأهيل اإلقتصاد الوطني‪:‬‬
‫إن التحدي الواجب على الدولة الجزائرية اتخاذه يتمثل في التدبيرات واإلجراءات العملية‬
‫التي يجب وضعها من أجل تنمية القدرات الصناعية والبشرية والتكنولوجية والتي تمكن‬
‫رهانات يجب على رفع التحدي بشأنها‪.‬‬
‫إن المشاكل التي تواجه اإلقتصاد الجزائري تتمثل في التأخر المسجل في القطاع الصناعي‬
‫الذي أصبح عاجزا على تحقيق أي نمو إيجابي من جراء تدني مستوى اإلنتاجية‪ ،‬الناتج عن‬
‫استعماله لوسائل إنتاج قديمة‪ ،‬حيث تم اهتالكها‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق فإن القطاع اإلقتصادي العمومي ضعيف‪ ،‬لذا يجب تأهيله(‪ )1‬حيث طالبت‬
‫الجزائر أخذه بعين اإلعتبار في مفاوضاتها مع اإلتحاد األوروبي‪.‬‬
‫إن غياب إستراتيجية صناعية لدى أصحاب القرار‪ ،‬كما خلص إلى ذلك المجلس الوطني‬
‫اإلقتصادي واإلجتماعي(‪ ،)2‬باإلضافة إلى الضعف الذي تميز به القطاع الصناعي أّد ى إلى‬
‫تردد المستثمرين المحليين أو األجانب في األخذ بزمام المبادرة إتجاه تحريك هذا القطاع‪.‬‬

‫‪-324-‬‬
‫وتأكيدا لذلك فإن األسباب التي أدت إلى هذا "الجمود" كما يقول " عبد المجيد مناصر" وزير‬
‫الصناعة وإ عادة الهيكلة يعود إلى ضعف اإلستثمارات العمومية‪ ،‬التي لم تتعد‬
‫‪ 4,6‬مليار دينار سنة ‪ ، 2000‬مما أّد ى إلى عدم تجسيد مشاريع الشراكة‬
‫(‪)3‬‬
‫( ‪ 20‬مشروعًا جاهزًا) وتباطؤ عمليات الخوصصة‪.‬‬
‫ولعل اإلشكالية المطروحة اليوم أمام السلطات العمومية هي األوضاع التي آل إليها القطاع‬
‫الصناعي العمومي على ضوء اإلصالحات الجارية اليوم‪ ،‬الشيء الذي جعل السلطات‬
‫العمومية نلجأ إلى انطالق المشاريع اإلستثمارية الكبرى (السكن‪ ،‬الفالحة‪،‬‬

‫‪1) BOUZIDI Abdelmadjid, "Les années 9 de l'économie Algérienne : les limites des politiques conjoncturelles",‬‬
‫‪ENAG Editions, 1999, P 85.‬‬
‫‪ )2‬نقال عن جريدة الخبر ‪ 11‬سبتمبر ‪ ،2000‬ص ‪.2‬‬
‫‪ )3‬نقال عن جريدة الخبر ‪ 11‬سبتمبر ‪ ،2000‬ص ‪.2‬‬

‫األشغال العمومية‪... ،‬إلخ)‪ ،‬التي من خاللها ينتعش القطاع الصناعي‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫ضرورة تخصيص جزء من مداخيل المحروقات لدعم القطاع الصناعي الذي تراهن عليه‬
‫الجزائر‪ ،‬في إمضائها العقد النهائي للشراكة مع اإلتحاد األوروبي‪.‬‬
‫إن البرنامج اإلقتصادي الذي أعدته الحكومة يشير إلى فتح عدد أقصى من القطاعات‬
‫واألنشطة على المبادرة الخاصة المتمثلة في إنعاش البناء والتعمير‪ ،‬وتكثيف النشاط‬
‫الفالحي‪ ،‬الخدمات المقدمة للمؤسسات‪ ،‬وترقية الصورة السياحية للجزائر في الخارج‬
‫ووضع المتوج السياحي الوطني في الدوائر التجارية مما يسمح بجلب إستثمار وتحقيق‬
‫(‪)1‬‬
‫الشراكة‪.‬‬
‫إن هذا التوجه لترقية الصادرات خارج قطاع المحروقات يمكن اإلقتصاد الجزائري من‬
‫إحداث ميزة ثانية ألن هذا اإلندماج اإلقتصادي العالمي يتطلب فتح معامل أخرى يجب‬
‫تحريكها من أجل فتح مجاًال أوسع لتوطن اإلستثمارات الخاصة (محلية وأجنبية) يكون‬
‫القطاع الخاص المبادر األول لتحريكها‪.‬‬
‫ب – تنمية قدرات القطاع الخاص‪:‬‬
‫إن التوحيات العامة لإلستثمار األجنبي اليوم مرتبطة أساسا باإلصالحات اإلقتصادية التي‬
‫تقوم بها الدول المضيفة‪ ،‬والمتمثلة في تحسين األداء اإلقتصادي للقطاعات الوطنية وتأهيلها‪،‬‬
‫فتح مجال أوسع للقطاع الخاص ورفع القيود عنه‪:‬‬

‫‪-325-‬‬
‫ولعل من العوائق التي حالت دون إقبال المستثمرين األجانب نحو البلدان المضيفة لرأسمال‬
‫األجنبي هي ضعف مساهمة القطاع الخاص من خالل عدم قدرته على اإلستثمار أو من‬
‫خالل القيود والحواجز التي تحد من عزمه إتجاه اإلستثمار في بالده‪.‬‬
‫إن اإلنفتاح اإلقتصادي الذي عرفته الجزائر إتجاه اإلستثمار الخاص ( محلي أو أجنبي‬
‫( يمثل نقلة نوعية‪ ،‬ذلك أن القطاع الخاص ضمن هذا القول التحول خفق نتائج إيجابية‬
‫خصوصا في المجال الصناعي‪.‬‬
‫إن اإلصالحات اإلقتصادية التي باشرتها الدولة الجزائرية إتجاه المؤسسات العمومية من‬
‫خالل عمليات التأهيل وإ ن أدت إلى يعض النتائج حفاظًا على مناصب عمل‪ ،‬فإنها كلفت‬
‫خزينة الدولة الماليير من الدينارات‪.‬‬

‫‪ )1‬نقال عن جريدة الخبر ‪ 17‬سبتمبر ‪ ،2000‬ص ‪.3‬‬

‫تجدر اإلشارة أن النتائج التي سجلت خالل السداسي الثاني من سنة ‪ 2000‬أكدت أن القطاع‬
‫الصناعي العمومي سجل نتائج سلبية تصل إلى ‪ ، % -1‬في حين أحرز القطاع الخاص‬
‫على نتائج جد إيجابية تفوق ‪ ، 50 %‬إال أن هذه النتائج ال يمكن أخذها كمقياس ألن وضعية‬
‫القطاع الخاص ببالدنا مازلت هشة (نتيجة صغر حجم مؤسساته التي يسيرها نظام العائلة‪،‬‬
‫تمركز القطاع الخاص في قطع السلع والخدمات الموجهة أساسا لإلستهالك العائلي ‪...‬إلخ)‪.‬‬
‫إن غياب الشفافية والوضوح لدى القطاع الخاص من جراء القرارات المتخذة من قبل اإلدارة‬
‫بشأن عملية اإلستثمار هذه‪ ،‬وما يحيط بها من غموض (خصوصا عمليات التمويل)‪،‬‬
‫باإلضافة إلى التناقض الصارخ بين نوعية اإلستثمار المراد إقامته من قبل المستثمر وكمية‬
‫الطلب على القروض من البنوك التجارية في غياب قدرة هذه األخيرة على تقييم المخاطر‪،‬‬
‫أدت كل هذه النتائج في كثير من األحيان إلى حاالت اإلنتظار والترقب من قبل المستثمرين‬
‫األجانب‪.‬‬
‫وإ ذا كان الشركاء األجانب يترقبون القفزة النوعية التي يمكن أن يحدثها القطاع الخاص‬
‫المحلي في ظل اإلصالحات اإلقتصادية‪ ،‬وهي الحالة التي أصبحت تميز اإلستثمار األجنبي‪،‬‬
‫فإنه يجب على السلطة أن تعمل على إزالة كل العوائق التي تحد من عزيمة اإلستثمار‬
‫الخاص كي تتمكن من استقطاب اإلستمار األجنبي وبالتالي ترقية مجال الشراكة بين القطاع‬
‫الخاص والشركاء األجانب‪ ،‬ذلك أن ترقية القطاع الخاص اليوم أصبحت حافزا مهما‬
‫لإلستثمار األجنبي‪.‬‬
‫‪-326-‬‬
‫إن الخطوات التي يجب على السلطة العمومية اتخاذها من أجل ترقية القطاع الخاص يمكن‬
‫حصرها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬إذا كان صغر حجم الخاص وافتقاره إلى الهياكل المؤسسية وأساليب‬
‫اإلدارة الحديثة يقف حائال أمام خوصصة المؤسسات العامة‪ ،‬والشكوك في عدم‬
‫تمكنه من استيعاب الصناعات التابعة للدولة‪ ،‬فإنه ومن أجل ترقية القطاع الخاص‬
‫يجب على الدولة توسيع نطاق آليات الخوصصة (مثل تطبيق نظام القسائم‪ ،‬شراء‬
‫العاملين للشركات‪ ،‬تسجيل الشركات في سوق األوراق المالية ‪ ....‬إلخ) حتى يتمكن‬
‫القطاع الخاص من الدخول في شراكة مع القطاع العمومي‪ ،‬أو شراء مؤسسات وفق‬
‫آليات تمكنه من ذلك‪ ،‬هذه الخطوات ال يمكن تحقيقها إّال من خالل إدارة إقتصادية‬
‫ذات كفاءة عالية خالية من السلوكات الّال أخالقية أهمها الرشوة‪.‬‬
‫‪ -‬تحديث الجهاز المصرفي بمساعدة الشريك األجنبي أو المحلي‪ ،‬ذلك أن تردد‬
‫البنوك في تحمل المخاطر أدى إلى إبطاء جهود القطاع الخاص‪ ،‬ومن أجل رفع هذه‬
‫العوائق يمكن العمل باتجاه إنشاء مؤسسات مالية تتحمل المخاطرة وتحفز البنوك‬
‫على تخصيص جزء من أموالها الستعماله إتجاه هذا المسعى‪ ،‬وذلك من أجل ترقية‬
‫التنافسية‪.‬‬
‫‪ -‬فتح المجال للقطاع الخاص من خالل إعادة توجيه تسليم مشاريع اإلسكان من‬
‫الدولة إلى القطاع الخاص وذلك من خالل توفير مناخ شفاف‪.‬‬
‫‪ 4-‬إن المضاربة في العقار الصناعي أدى في كثير من األحيان عدول المستثمرين‬
‫الخواص على القيام بفعل أي شيء إتجاه اإلستثمار‪ ،‬ولهذا يجب على الدولة التدخل‬
‫بشأن العقار الصناعي من خالل تقييم أسعاره السوقية‪ ،‬والعمل على تخفيض أسعاره‬
‫يشترط أن يكون في خدمة التنمية اإلقتصادية‪.‬‬
‫(‪ 2‬تحسين الجاذبية وترقية الشراكة‪:‬‬
‫إن ترقية الشراكة األجنبية في ظل التحوالت اإلقتصادية اليوم أصبحت عمال موضوعيا‬
‫يجب أن تعتمده الدول النامية‪ ،‬إال أن هذا المسعى يتطلب سياسة إقتصادية حكيمة تعتمد في‬
‫جوهرها على اإلستقرار اإلقتصادي (سعر الصرف‪ ،‬التضخم‪ ،)... ،‬والسياسي (إستقرار‬
‫مؤسسات الدولة)‪ ،‬وكل المؤشرات المحيطة بذلك‪ ،‬مرفوقا بدرجة عالية من التأييد والشفافية‪.‬‬

‫‪-327-‬‬
‫ففي هذا اإلطار يجب على الجزائر أن تعزز جاذبيتها من خالل مراجعة سياسة الجذب عن‬
‫طريق فتح قنوات للقطاع الخاص من خالل عرض المزايا الممكنة يشارك فيها كطرف‬
‫معني‪ ،‬وبالتالي يحفز المستثمرين األجانب عن توطين أنشطتهم بصفة دائمة بالجزائر‪.‬‬
‫أ – تحسين الجاذبية‪:‬‬
‫يعتبر تحسين الجاذبية الشغل الشاغل للكثير من الدول النامية منها أو المتقدمة‪ ،‬فهي تمثل‬
‫اليوم إحدى أشكال التنافس بين الدول من أجل استقطاب اإلستثمارات األجنبية لها‪.‬‬
‫إن القرار اإلقتصادي الذي يميز العالم اليوم صنعته العولمة‪ .‬ذلك ألن درجة اإلنفتاح‬
‫اإلقتصادي تمثل ميزة نسبية لتوطين اإلستثمارات‪ ،‬إال أن هذه الدرجة بقدر ما تمثل فرصة‬
‫لجذب اإلستثمار األجنبي‪ ،‬بقدر ما تمثل من مخاطر تحطم ك خصوصية مميزة لهذا‬
‫اإلقتصاد أو ذاك‪ .‬تلكم هي العولمة‪.‬‬
‫لقد أفرزت عملية اإلنفتاح اإلقتصادي الذي طبع اإلقتصاد الجزائري ميزة تنافسية‪ ،‬أنتجت‬
‫صراعا إقتصاديا سياسيا تتقاسم أدواره أوروبا الشرقية واإلتحاد األوروبي من جهة‪،‬‬
‫والشركات المتعدد الجنسيات من جهة ثانية‪.‬‬
‫ففي الشق األول ‪ :‬سّبب الهجوم الذي فرضته أوروبا الشرقية على اإلتحاد األوروبي من‬
‫خالل دخول مجاله‪ ،‬الشيء الذي أّد ى إلى نتائج السياسة التجارية لم تكن في مستوى تطلعات‬
‫دول المغرب العربي‪ .‬ألن أوروبا قّلصت في سوقها أينما كانت منافسة جيرانها محسوسة(‪.)1‬‬
‫وهو ما أكدناه سابقا (والخطر قد يستعمل هذا الصراع اإلقتصادي إلى صراع سياسي في‬
‫المنطقة)‬
‫أما الشق الثاني ‪ :‬ويتعلق بالشركات المتعددة الجنسيات التي تمارس اإلستثمار اإلنتقائي‬
‫كاستراتيجية شاملة (قطاع المحروقات مثال)‪.‬‬
‫إنطالقا مما سبق‪ ،‬ورغم المجهودات التي بذلتها الجزائر من أجل استقرار اإلقتصاد الوطني‪،‬‬
‫والتحكم في بعض مؤشراته ( التضخم‪ ،‬مستوى اإلنفاق العام‪ ،‬إستقرار أسعار الصرف ‪...‬‬
‫إلخ)‪.‬‬
‫إّال أن الجزائر لم تصل بعد إلى معدل النمو (‪ )7 %‬الذي يسمح لها بانطالقة حقيقية‪ ،‬يمكنها‬
‫من تغطية حجم الطلب المتزايد الناتج عن الزيادة السكانية‪ ،‬هذا الطلب يمكن اعتباره ميزة‬
‫تسمح بتدفق رأسمال األجنبي نحو الجزائر‪.‬‬

‫‪-328-‬‬
‫إن التجارب اإلقتصادية التي مارستها الجزائر في إطار سياسة اإلقتصاد الكلي‪ ،‬وإ ن حققت‬
‫بعض علة مستوى قطاع المحروقات‪ ،‬فإنها ليست بالجودة الكافية خصوًص ا خارج قطاع‬
‫المحروقات‪ ،‬وهو ما يعني أن اللجوء إلى الخوصصة وترقيتها يمثل عامال أساسيا في‬
‫تحسين الجاذبية‪.‬‬

‫‪ )1‬العربي الجعيدي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.158‬‬

‫إن تحسين جاذبية اإلستثمار األجنبي ال يتوقف على قرار يتم اتخاذه فحسب‪ ،‬وإ نما على جهد‬
‫يجب بذله‪ ،‬وهو ما نتج عن عدم شجاعة المسؤولين الجزائريين في تسيير المديونية‬
‫الخارجية‪ ،‬مثلما فعلت دول أخرى بلجوئها إلى مبادلة ديونها بأسهم في شركات عمومية‪،‬‬
‫مثل هذه الوضعية شّك لن ‪ 44 %‬من برامج أدت إلى الخوصصة من الدول النامية ما بين‬
‫‪ 1985-1993‬بمبلغ وصل ‪ 35‬مليار دوالر‪ ،‬فلقد تم في الجزائر ما بين ‪ 96-98‬حل‬
‫‪ 1011‬شركة عمومية‪ .‬ولو كان هناك جهد في التفاوض ألمكن المحافظة على بعضها ببيع‬
‫جزء من أصولها مقايضة بالديون الخارجية بما يضمن جزء من مناصب العمل ويخفف من‬
‫(‪)1‬‬
‫حجم الديون‪.‬‬
‫في الوقت الذي تجتهد فيه الدولة إلى وضع سياسات للمضي نحو تنفيذ برامج الخوصصة‬
‫فإن هذه األخيرة‪ ،‬وفي إطار تحسين الجاذبية يجب على الدولة الجزائرية أن تهتم برفع‬
‫مستوى اإلطار من خال ل تكوين اليد العاملة وذلك بربط عمليات اإلستثمار المراد تحقيقها‬
‫في إطار المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومراكز البحث البحث العالي والجامعي‪ .‬أو في‬
‫إطار نظام التكوين المهني‪ ،‬علما أن هذا األخير أولته الدولة عناية كبيرة سيساهم مستقبال في‬
‫تطوير سوق العمل وامتصاص البطالة‪ .‬وهي فرصة لإلستثمار الخاص (األجنبي والمحلي)‪.‬‬
‫ب – ترقية الشراكة‪:‬‬
‫لقد أصبحت الشراكة األجنبية الشغل الشاغل للتوجهات اإلقتصادية المتبعة من قبل‬
‫الحكومات المتعاقبة في الجزائر‪ ،‬ولعل تحقيقها يرتبط أساسا بترقيتها‪ ،‬إذ أصبح فتح القطاع‬
‫العام أمام التنافسية عملية حتمية يفترض أنها ستجلب موارد إضافية للميزانية وبتحسن األداء‬
‫اإلقتصادي للمؤسسات المعنية‪ ،‬وقد أجمع مسؤولوا الحكومات المتعاقبة أن هذه التنافسية ال‬
‫بد أن تمر إما عن طريق الخوصصة أو الشراكة(‪ ،)2‬في ظل الوضعية التي يمر بها االقتصاد‬

‫‪-329-‬‬
‫الجزائري‪ ،‬و إذا كانت الخوصصة تمثل حافزا لترقية الشراكة فإن هذه األخيرة تواجهها‬
‫عقبات يجب إزالتها وقد أشرنا إليها في هذا الفصل األخير‪.‬‬

‫‪ )1‬قدي عبد المجيد ‪ :‬االقتصاد الجزائري و الشراكة األجنبية‪ ،‬المرجع السابق‪.‬‬


‫‪ )2‬مجلة االقتصاد و األعمال ‪ :‬االنفتاح االقتصادي‪ ،‬عدد خاص بالجزائر تصريح رئيس الحكومة األسبق "أحمد بن‬
‫بيتور"‪ ،‬ص ‪.11‬‬

‫إن ثمة مسائل عديدة يجب التركيز حولها‪ ،‬والتي يجب على السلطة الجزائرية أن تأخذها‬
‫بعين اإلعتبار ألنها تساهم بشكل فعال في ترقية الشراكة األجنبية في الجزائر والتي يمكن‬
‫حصرها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ 1-‬باإلضافة إلى ترقية القطاع الخاص وفتح قنوات اإلستثمار أمامه يجب تخفيف األعباء‬
‫على اإلقتصاد الجزائري‪ ،‬من خالل معالجة المديونية بلجوء الدولة إلى مبادلة ديونها بأسهم‬
‫في شركات عمومية وذلك بشكل جزئي تدريجي ‪ ،‬هذه العملية تسمح دخول المؤسسات‬
‫العمومية المؤهلة إلى الشراكة من جهة والحفاظ على مناصب العمل وترقيته ونوعيته في‬
‫إطار نظام تكويني خاص‪.‬‬
‫‪ 2-‬ترقية الشراكة مع الدول التي تقترح مشاريع شراكة مع الجزائر خارج قطاع‬
‫(‪)1‬‬
‫المحروقات سواء تعلق األمر بدول من اإلتحاد األوروبي‪ .‬وفي هذا الصدد نجد ألمانيا‬
‫التي دخلت السوق الجزائرية بـ‪ 15‬مشروعا للشراكة قابلة للتنفيذ وقد تحّس ن بعضها‬
‫(مؤسسة هنكل األلمانية مثال ) أو دول عربية مثل تونس ودول اإلمارات العربية‪ ،‬وفي هذا‬
‫الصدد نجد الوفد اإلماراتي الذي يتكون من ‪ 24‬شخصية أهمها وزير اإلقتصاد والتجارة‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫الذي يعمل مع الطرق الجزائرية على دراسة السبل الكفيلة لتعزيز الشراكة بين البلدين‬
‫والتي تخص إزالة بعض العقبات منها اإلزدواج الضريبي‪ ،‬عقد اللجنة المشتركة‪ ،‬إعادة‬
‫النظر في الضرائب المفروضة على الواردات القادمة من دبي‪ ،‬تدليل العقبات البيروقؤاطية‪.‬‬
‫‪ 3-‬ترقية التكوين المهني وذلك من خالل تدعيم تجربة الصندوق الوطني لتطوير التمهين‬
‫والتكوين المتواصل الذي نشأ عام ‪1998‬م وذلك من خالل معرفة ميكانيزمات وتجارب‬
‫بلدان اإلتحاد األوروبي من ميدان التكوين المهني‪ ،‬وهي القاعدة التي ستؤطر المفاوضات‬
‫(‪)3‬‬
‫المستقبلية بين اإلتحاد األوروبي والجزائر‪.‬‬

‫‪-330-‬‬
‫‪ )1‬جريدة الخبر بتاريخ ‪ 12‬مارس ‪ 2000‬العدد ‪ ،3129‬ص ‪.2‬‬
‫‪ )2‬جريدة الشروق بتاريخ ‪ 31‬مارس ‪ ،2001‬العدد ‪ ،107‬ص ‪.3‬‬
‫‪ )3‬جريدة الخبر بتاريخ ‪ 27‬سبتمبر ‪ ،2000‬العدد ‪ ،2977‬ص ‪.2‬‬

‫‪ 4-‬رفع مستوى قدرة اإلقناع التي يجب على الطرف الجزائري المحاور أن يتحّلى بها في‬
‫بحثه لمقترحات اإلتحاد األوروبي بالنسبة لبرنامج (‪ )MIDA II‬وخصوصا فيما يتعلق‬
‫بخصوصيات اإلقتصاد الجزائري التي يجب أن تؤخذ بعين اإلعتبار من خالل سّلة العناصر‬
‫التي تؤطر سياق الشراكة التجارية األجنبية التي تبدو ضعيفة األثر على مستوى تقريب‬
‫(‪)1‬‬
‫الفوارق اإلقتصادية الهيكلية والجوهرية بين ضفتي البحر األبيض المتوسط‪.‬‬
‫‪ 5-‬إن انضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة سيفتح لها آفاقًا في مجال الشراكة‪،‬‬
‫خصوصا‪ ،‬بعد التقدم الكبير الذي أحرزته المفاوضات المتعددة األطراف‪ ،‬والتي تم في‬
‫إطارها اإلجابة على ‪ 500‬سؤال‪ ،‬بقت بعض المسائل العالقة‪ ،‬والمتعلقة بالدخول إلى سوق‬
‫البضائع وكذلك الزراعة والنظام الجمركي والمؤسسات التجارية العمومية والشفافية‬
‫وإ صالح النظام القضائي‪ ،‬والجوانب الفكرية المتصلة بالتجارة‪ ،‬باإلضافة إلى مفاوضات‬
‫(‪)2‬‬
‫أخرى تخص التعريفة الجمركية واإللتزامات في تجارة الخدمات‪.‬‬
‫‪ 6-‬رغم اإلهتمام الكبير بقطاع الخدمات في بلدان أخرى عربية منها وأجنبية‪ ،‬والمساهمة‬
‫الفعالة التي يبديها هذا القطاع في ميدان الشراكة‪ ،‬وترقية الشغل ( يالحظ تطور ملحوظ لهذا‬
‫القطاع في اإلمارات العربية ومصر على وجه الخصوص)‪ ،‬فإن هذا القطاع في الجزائر‬
‫رغم أنه يحتاج إلى يد عاملة ال تتطلب كلفة عالية من التأهيل‪ ،‬ال زال يعرف تأخًر ا كبيًر ا‪،‬‬
‫معالمه ليست واضحة بالقدر الذي يدفع إلى اإلقبال عليه (علما أن اإلستثمارات الموجهة إلى‬
‫هذا القطاع في المكسيك وفنزويال إلى ‪ 70 % ، 60 %‬على التوالي تخص أساًس ا‬
‫(‪)3‬‬
‫المواصالت والنقل والخدمات المالية)‪.‬‬
‫وبناء عليه‪ ،‬فإن بعث الشراكة األجنبية في الجزائر يجب أّال يتم من معزل عن دول‬
‫إتحاد المغرب العربي‪ ،‬ألن المفاوضات اإلنفرادية تؤدي في غالب األحيان إلى الهيمنة ذلك‬
‫ألن اإلتحاد األوروبي تفاوض مع بلدان اإلتحاد المغرب العربي كأطراف مستقلة ليس‬
‫كإتحاد‪ ،‬الشيء الذي يجعل المنتوج الوطني في أي دولة من دول اإلتحاد المغرب العربي‬

‫‪-331-‬‬
‫دون حماية‪ ،‬مما ينعكس إيجابا على دول اإلتحاد األوروبي وسلبا على دول اإلتحاد المغرب‬
‫العربي‪.‬‬
‫‪ )1‬بشير مصطفى ‪ :‬الشراكة األجنبية و مبدأ حماية المنتوج الوطني‪ ،‬محاضر ألقيت في ندوة الشراكة األجنبية في‬
‫الجزائر‪ ،‬معهد العلوم و االقتصاد‪ ،‬ماي ‪.1999‬‬
‫‪ )2‬مجلة االقتصاد و األعمال‪ ،‬االنفتاح االقتصادي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪13‬‬
‫‪ )3‬قدي عبد المجيد‪ ،‬المرجع السابق‪.‬‬
‫خالصة الفصل الثالث ‪:‬‬

‫لقد أحدثت قوانين االستثمار منذ بداية التسعينات تحوالت عميقة في االقتصاد الجزائري‪،‬‬
‫بحيث سمحت بوجود إطار قانوني خاص يدير و ينظم عمليات االستثمار هذه‪.‬‬
‫كما أفرز هذا التحول اهتمام غير منقطع النظير من قبل هيئات دولية و مستثمرين أجانب‬
‫الشيء الذي سمح انتقال العديد منهم إلى الجزائر إظهار النية لالستثمار و التعرف على‬
‫معطيات االقتصاد الجزائري من شتى المجالت‪.‬‬
‫في بداية ‪ ،1990‬و منذ توليه مهامه باشر مجلس النقد و القرض دراسة مختلف المشاريع و‬
‫الموافقة عليها‪ ،‬بحيث تميزت هذه الفترة بوجود ثالثة أشكال لالستثمار من خالل المشاريع‬
‫المعتمدة و هي أصحاب االمتياز‪ ،‬ز بائعي الجملة‪ ،‬و المستثمرين‪ ،‬و لعل الطابع الذي يميز‬
‫هذه المرحلة توجه أغلب المشاريع للعمل في المجال التجاري‪ .‬رغم أن السلطة العمومية‬
‫كانت تفضل االستثمار عن المشاريع التجارية‪.‬‬
‫تجدر االشارة أنه على الرغم من عدم وجود حوافز بارزة يمكن أن يمنحها قانون ‪90/10‬‬
‫المتعلق بالنقد و القرض‪ ،‬إال أنه لم يمنع المستثمرين المقيمين أو غير المقيمين من تقديم‬
‫ملفات تخص مشاريع يراد من خاللها االستثمار في الجزائر‪.‬‬
‫و بناء عليه‪ ،‬فإن التعهدات الخاصة باالستثمار األجنبي بكل أشكاله بلغت إجماليا ‪،%82‬‬
‫منها الميكانيكية و الكهربائية و مواد البناء و الفالحة و الصيد البحري‪.‬‬
‫لقد أظهرت نوايا االستثمار هذه و تمركزها في القطاعات المذكورة أعاله عزم السلطة‬
‫العمومية على المضي قدما نحو فتح مجاالت االستثمار أوسع من تقديم حوافز جبائية‬
‫و جمركية تسمح بتشكيل مناخ استثماري يمّك ن مختلف قطاعات النشاط عمومية كانت‬
‫أو خاصة إبراز ميزتها النسبية و الدخول في التنافس‪ ،‬و هو الشيء الذي جاء به قانون‬
‫االستثمار ‪ 93/12‬هذا األخير سمح بأحداث قفزة نوعية على مستوى النوايا‪ ،‬و أعطى‬
‫صورة للجزائر على أنها مقبلة على مرحلة تتطلب أحداث جملة من التغيرات إدارية‬
‫و إقتصادية و مالية‪ ،‬و حتى سياسية‪.‬‬

‫‪-332-‬‬
‫إن الشيء المميز لهذا القانون هو نظام الحوافز الذي فتح "الشهية" أمام االستثمار األجنبي‪ ،‬و‬
‫هو ما تميزت به هذه الفترة بدءا من سنة ‪ 1994‬حيث تحسنت نوايا االستثمار األجنبي‪ ،‬هذا‬
‫األخير سمح بتحسن بعض المؤشرات االقتصادية (التضخم‪ ،‬استقرار أسعار الصرف‪،‬‬
‫تقليص المديونية‪.)...‬‬

‫و إذا كانت قوانين االستثمار هذه قد سمحت بإظهار النوايا فقط‪ ،‬فإنه على مستوى التأكيد‬
‫الفعلي أظهرت عجزا مالحظا‪ ،‬حيث لم يتحقق منها إال الشيء القليل خصوصا خارج قطاع‬
‫المحروقات‪ ،‬و تعود األسباب إلى بعض العوائق نذكر منها على سبيل المثال العوائق المالية‪،‬‬
‫و الصعوبة التي تميز السوق الجزائرية‪ ،‬و التردد في الخوصصة‪ ،‬هذه النتائج جعلت السلطة‬
‫العمومية تفكر في تحديد استراتيجية تعطى حرية أكبر للقطاع الخاص‪ ،‬ذلك ألن المستثمرين‬
‫األجانب يفضلون الشراكة مع القطاع الخاص‪ ،‬مما يجب على السلطة الجزائرية أن تعمل‬
‫على ترقيته‪ ،‬باإلضافة إلى تفعيل المزايا النسبية عن طريق جمع عدد أكبر من المؤسسات‬
‫القادرة على المنافسة أمام المستثمرين األجانب‪،‬‬
‫و إدخال هذه المؤسسات في شبكة معلوماتية تمكنها إبراز مزاياها النسبية‪ ،‬و العمل على نقل‬
‫هذه المزايا إلى عين المكان بدل انتظار المستثمرين القدوم‪ ،‬إلى الجزائر‪ ،‬مع فتح حوار‬
‫شفاف مع االتحاد األوروبي من أجل إمضاء العقد النهائي‪ ،‬و بهذه الكيفية تتأكد‬
‫و تتحقق الشراكة األجنبية‪.‬‬

‫‪-333-‬‬

You might also like