Professional Documents
Culture Documents
Charaka 00
Charaka 00
Charaka 00
إن البعد اإلستراتيجي لإلقتصاد الجزائري يتوقف أساًس ا على مستقبل الشراكة األجنبية في
الجزائر ،وفعاليتها من خالل مساهمة الشركاء األجانب في تمكين مؤسساتنا اإلقتصادية
(عامة أم خاصة) اكتساب التكنولوجيا بدون عقدة ،وهو ما سنتطرق له من خالل اإلمكانيات
المتاحة لإلقتصاد الجزائري واألولويات الواجب القيام بها مرحليا لكسب رهانات المستقبل،
مع تقديم بعض اإلقتراحات التي تمكن اإلقتصاد الجزائري جاذبية أكثر.
-308-
-تعديل النظام الضريبي عبر توسيع القاعدة الضريبية وتوجيه اإلدخار نحو
التوظيف المنتج ،واعتماد الضرائب المباشرة ألنها أكثر عدالة من الضرائب على
اإلستهالك ،وتفعيل الجباية للحد من التهرب الضريبي؛
-تطوير النظام المصرفي ليتالءم مع األهداف اإلقتصادية ،ولينشط أكثر في تجميع
المدخرات وتحويلها إلى تمويل القطاعات ذات األولوية؛
-تطوير الفالحة والصيد البحري؛
-مكافحة التعقيدات اإلدارية ،وتطوير الرقابة،
-تعزيز وسائل جمع ونشر المعلومات اإلقتصادية واإلحصائية.
* إعادة الهيكلة :وتضمنت النقاط التالية:
-تحديد المؤسسات التي تملك فرصا للنمو ،مثل قطاع الغاز ،البيتروكيمائيات،
وتعزيز صادرات الغاز
-المضي في برنامج الخوصصة ،وهذا ال يعني تخلي الدولة كليا عن دورها ،وإ نما
بهدف إعادة تأهيل المؤسسات العامة في جميع القطاعات ،واستقطاب اإلستثمار
المحلي واألجنبي.
-تنشيط القطاع الصناعي العام من خالل برامج حكومية لقطاع األشغال العمومية
وخاصة بناء الوحدات السكنية.
* ترقية القطاع الخاص الذي سيكون محرك النمو اإلقتصادي وذلك من خالل:
-تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تّؤ من قيام نسيج صناعي ،وخلق
فرص العمل ،ورفع من وتيرة التصدير
-تفعيل مسار الشراكة األجنبية.
هذه التوجيهات تترجمها األهداف التي تبنتها اإلصالحات اإلقتصادية ،التي تنطوي
()1
تحت إطار ما يسمى بالجيل الثاني ،والموضحة في الجدول أدناه.
)1نقال عن عرابي فتحي ،االستثمار األجنبي المباشر ،المرجع السابق ،ص .271
-309-
الجيل الثاني الجيل األول
تسيير األزمة :تقليص التضخم واسترجاع النمو التقدم اإلجتماعي وتحسين التنافسية، أهم األهداف
المحافظة على إستقراء اإلقتصاد الكلي
إصالح الوظيف العمومي ،إصالح إجراءات متعسفة لتخفيض الميزانية، الوسائل
اإلصالحات الجبائية ،تحرير التجارة واإلستثمار قوانين العمل ،إعادة هيكلة الوزارات
ذات المصلحة العمومية ،إصالح األجنبي ،إزالة التنظيمات ،الصناديق
القضاء ،تدعيم المصالح المكلفة اإلجتماعية ،بداية الخوصصة.
بالتنظيم ،تحديث الجهاز التشريعي،
تحسين تحصيل الضرائب ،الخوصصة
على نطاق واسع ،إعادة هيكلة العالقة
بين اإلدارة المركزية والجماعات
المحلية
رئاسة الجمهورية ،الجهاز التشريعي، رئاسة الجمهورية ،الوزارات ذات الطابع المتدخلون
الوظيف العمومي ،القضاء ،النقابة، اإلقتصادي ،البنك المركزي ،المؤسسات المالية
المتعددة األطراف ،المجموعات المالية الخاصة ،األحزاب السياسية ،اإلعالم ،الجماعات
المحلية ،القطاع الخاص ،المؤسسات مستثمرين الحافظة لألجانب
المالية متعددة األطراف
تسيير إقتصادي كلي من قبل مجموعة من الفنيين تنمية مؤسساتية مبنية أساسا على أهم الصعاب
اإلطارات المتوسطة للقطاع العمومي ( )technocratesبعيدا عن التدخالت (
)ingérence
* Source : Naim Moiss, « latin Americas Journey to the market : From
Macroeconomics Shocks to Institutional thrpy » ICEG, Occasional Payer N° 62
cité dans Banque Mondiale, « rapport sur le développement dans
le monde 1977 : l’Etat dans un monde en mutation », 1998, P.171.
إن برنامج اإلصالح اإلقتصادي الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية وجد أمامه ،جملة من
العقبات تمثلت في الرشوة ،وغياب الشفافية ،والتهرب الضريبي ،وبالتالي فإن إعالن رئيس
الجمهورية محاربة هذه اآلفة التي تغلغلت في جسم الجزائر( ،)1ناتجة إنطالقا من استجابة
-310-
شعبية دفاعا عن المال العام ،باإلضافة إلى الرغبة الدولية في التصدي لهذه الظاهرة التي
تشكل عائقا أمام اإلستثمار األجنبي في الجزائر.
وفي رسالة وجهها رئيس إدارة بنك التصدير واإلستراد األمريكي "إكزيم بنك" السيد "جيمس
هارمون" إلى رئيس الجمهورية يؤكد فيها أن دخول إستثمارات أمريكية للجزائر ،يتوقف
على اعتماد مبدأ الشفافية في اتخاذ القرارات ،وتسريح قنوات اتخاذها ،هو الشرط الوحيد
الذي نؤكد عليه ،مع تقديم الدعم الالزم والكافي لقطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة
()2
وخاصة القطاع الخاص.
وفيما يخص مشكل التمويل الذي تعاني منه الجزائر منذ أمد بعيد ،فإن ثاني عقبة أثقلت كاهل
اإلقتصاد الجزائري هي التطور السريع للقطاع الطفيلي غير المنتج ،والذي ساهم إلى حّد
بعيد في اّتساع نطاق ظاهرة الغش الجبائي ،وتكريس التهرب الضريبي الذي أضحى ظاهرة
خطيرة.
فخالل جرد جزء للتهربات الضريبية للنشاطات الممتدة بين سنوات 1995-1998سجل
3,18مليار دينار ،مع إحصاء بلغ نسبة 32 %من مجموع تجار الجملة فقط ،فيما قدر
حجم التهرب والغش الضريبي والجبائي ما بين 250إلى 800مليار دينار دون إمكانية
()3
تحديد الرقم الحقيقي.
إن الجبهة اإلجتماعية تمثل أكبر عائق يجب التحكم فيه ،ولعل أهم مشكل في هذا اإلطار
تعانيه الجزائر ،هو البطالة والسكن.
إذا كانت البطالة تمثل الخطر األول الذي يجب على الدولة تقليصه ،فإن معالجتها تمكن من
إمتصاص اليد العاملة المتسربة من المتمدرسين ،وهو ما تقوم به السياسة الجديدة في
التكوين المهني ،هذا من جهة ،وتقوية مسار الشراكة في مجال الصناعات الصغيرة
والمتوسطة من جهة أخرى.
1) Déclaration de M. Le Président de la République à Tipaza cité dans le journal El Watan du 07/07/99, P 3.
جريدة الصحافة بتاريخ 2000-01-19تصريح رئيس "إكزيم بنك" األمريكية ص .04 )2
عن جريدة الخبر بتاريخ ،2000-01-07العدد .2985 )3
علما أن هذه األخيرة يشجعها أغلب الشركاء األجانب.أما الخطر الثاني ويتمثل في الطلب
()1
العالي على السكن وهو ما يثبته معدل األشغال األكثر ارتفاعا في العالم.
وإ ذا كانت كلفة األشغال التي تقوم بها الجزائر في هذا المجال عالية جدا بناء عل تصريح
لوزير المالية ،فإن األعباء المرتبطة بها والمتمثلة في تدعيم 550.000عائلة جزائرية،
-311-
تقطن مساكن إيجارية ،حيث ال يدفعون إيجارهم في الوقت المحدد ،ولهذا فإن وزارة المالية
تخصص شهريا 2,1مليار دينار جزائري لدعم العائالت الجزائرية المستفيدة من السكنات
اإلجتماعية دون دفع اإليجار( ،)2وهو ما يمثل عبئا ،الشيء الذي جعل رئيس الحكومة عند
تعرضه لقانون المالية سنة 2001أمام النواب ،يؤكد " أن الميزانية محدودة اإلستعمال،
وكل محاولة لرفع اإلنفاق محفوفة بالمخاطر ،خاصة الحجم الذي وصلته المديونية العمومية
()3
2650مليار دينار ،وخدمة الدين التي من المنتظر أن تصل إلى 260مليار دينار".
إنطالقا مما سبق فإن العناية بقطاع السكن ،والتحكم في تسييره ،والعمل على وضع برنامج
يجعل من القضاء على البطالة هدفا أساسيا ،ومنه فإن معاقل النمو ال يمكن أن تخرج عن
ترقية اإلستثمارات الخاصة (محلية أو أجنبية) في مجال السكن والفالحة ،والصناعات
الصغيرة والمتوسطة.
2-1اإلدارة الكفأة:
إن إدارة إقتصاد ما تتطلب التحكم في األدوات اإلقتصادية التي تكبح النمو ،وتجعل لعبة
اإلنتاج والمنافسة بدل اإلستيراد كوسيلة لتزويد السوق الداخلية الهدف المنشود لتشجيع
اإلستثمارات األجنبية.
إن عدم التحكم في هذه المعادلة " الصعبة" التي يعيشها اإلقتصاد الجزائري ،يجعل هذا
األخير عرضة لهزات إقتصادية عنيفة خصوصا ،إذا انخفضت أسعار المحروقات ،حيث
يأتي تأكيد وزير مساهمة الدولة وتنسيق اإلصالحات " حميد تمار" أمام النواب " إنها تمثل
)1عن عرابي فتحي ،االستثمار األجنبي المباشر ،المرجع السابق ،ص .272
)2عن جريدة الشعب بتاريخ ،21/04/2001تدخل للسيد وزير المالية "عبد اللطيف بن أشنهو" ،حول تقييم مسار
اإلصالحات االقتصادية
)3عن جريد اليوم 02 ،أكتوبر ،2000تدخل للسيد رئيس الحكومة "علي بن فليس" أمام النواب
الصعوبات األساسية التي تواجهها الحكومة ورئيس الجمهورية في تسيير أمور البالد ،ذلك
()1
أن جماعات الضغط المتمركزة في مؤسسات الدولة ترجح اإلستيراد بدل اإلنتاج.
إن تراجع حدة العنف ،وتسجيل إنتعاش إقتصادي ،جعلت توقعات صندوق النقد الدولي لنسبة
النمو سنة ،2000تحدد بـ %4,3أي حوالي 5 %من الناتج اإلجمالي الخام حسب بنك
الجزائر ،إال أن معظم الخبراء يشيرون بأن الجزائر بحاجة إلى نسبة نمو 7 %خارج قطاع
-312-
المحروقات المتصاص نسبة البطالة ،التي فاقت حاليا ، 33 %كما أن التوازنات الكلية
اإلقتصادية ،يمكن أن تدعم مسار التحوالت في الجزائر.
إن التقرير( )2الذي أكد أن نسبة التضخم تراجعت من 39 %عام 1994إلى أقل من 4 %
عام ، 1999وإ لى أقل من 2 %عام ،2000فيما ستعرف الموازنة العامة فائضا بنسبة
5 %هذه السنة ،وارتفاع إحتياطي الصرف إلى ما يفوق 9,6مليار دوالر للسداسي الثاني
من عام ،)3(2000أما التقرير الصادر عن المجلس الوطني اإلقتصادي واإلجتماعي
( )CNESفي دورته السابعة عسر ،خالل السداسي الثاني من سنة 2000يؤكد أن
الميزان التجاري حقق فائضا إجمالي يقدر ب 11,14مليار دوالر ،وقد سمح الحفاظ على
أسعار الخام في حدود 28,7دوالر للبرميل ،الشيء الذي سمح بإعادة تشكيل
إحتياطات الصرف التي قدرت خالل هذه الفترة بـ 11,9مليار دوالر مقابل 4,4مليار
()4
دوالر سنة .1999
المالحظ أن النمو اإلقتصادي شهد تحسنا ملحوظا مقارنة ببداية التسعينات ،حيث حقق معدل
قياسي في سنة ،)5,2 % ( 1998وإ ذا كان التحرك اإليجابي لمعدل النمو
يدل على إنعاش اإلقتصاد الوطني ،فإن مشكلة اإلقتصاد الجزائري تتمثل في أن عجلة
التنمية ،وأداة الميزانية محدودة اإلستعمال ،الرتباطها بدين عمومي مرتفع ( 77 %من
الناتج الداخلي الخام) ،وجباية تعتمد في معظمها على برميل نفط ،حيث إذا تحرك سعره
باإليجاب أو النقصان بدوالر واحد ،تحركت مداخيل الميزانية ب 35مليار دينار في نفس
()5
اإلتجاه.
)1عن جريدة البالد بتاريخ 05جوان ،2000ص .3
)2تقرير قام بصياغته مكتب االستثمارات العربية لإلتصاالت بمعية صحفية الشرق األوسط
)3عن جريدة الخبر بتاريخ بتاريخ 27سبتمبر ،2000ص .2
)4تقرير عن المجلس الوطني االقتصادي و االجتماعي ،الدورة السابعة عشر من سنة .2000
)5عن جريدة اليوم بتاريخ 2أكتوبر ،2000ص .2
وهو ما يعني أن معدل النمو في هذه الحالة يبقى هشا ،الرتباطه بعوامل ذي تأثير خارجي،
تتمثل في سعر البرميل ومعدل تساقط األمطار.
إن إزالة هذه التأثيرات الخارجية منها والداخلية والمرتبطة بأهم تغيرات اإلقتصاد الكلي(( )1
الناتج المحلي اإلجمالي ،اإلرادات العمومية ،الصادرات ،معدل الصرف ،النمو ،التضخم،
،)...يتوقف على السياسة اإلقتصادية الرشيدة ،التي تمنح فرص لإلستثمار الخاص (المحلي
-313-
واألجنبي) ،من خالل فتح مجال أوسع لهوامش الربح ،وتدعيم التنافسية بين الشريك المحلي
والشريك األجنبي.
3-1تشجيع اإلستثمار الخاص:
يتساءل العديد من المحللين السياسيين عن الركود الحاصل في نسبة الجاذبية لإلستثمار
األجنبي ،رغم المجهودات التي بدلتها الجزائر ،من أجل ترقية هذه الجاذبية ،ولعل حالة "
اإلنتظار" التي يعيشها اإلقتصاد الجزائري فسرها رئيس البنك العالمي
( ،)M.Wolfonsohعندما حل بالجزائر في مارس 1996بقوله " أنه من الواجب على
()2
اإلستثمار الخاص الجزائري أن ينير طريق الرأسمال األجنبي".
إن تجربة اإلستثمار الخاص الذي عرفته العديد من البلدان خصوصا اآلسيوية منها ،جعلت
العديد ن البلدان تقتدي بهذه التجارب ،وهو ما تشهد عليه السياسة الصينية التي أعطت المثل
للمستثمرين األجانب ،سمح بتكوين جاذبية جيدة لإلستثمار األجنبي نحو الصين.
إن النتائج الحسنة التي وصل إليها القطاع الخاص خالل السداسي األول والثاني من سنة
،2000تؤكد ،أن عامل التنافسية قد أعطى ثماره ،حيث ارتفع رقم األعمال للقطاع
الصناعي الخاص من 96,7مليار دينار عام 1999إلى 120,9مليار دينار عام ،2000
مما مكن إضافة 3488منصب عمل يسجل 58130أجير نهاية 2000مقابل 54642
()3
أجير نهاية .1999
فإذا كانت النتائج المحصل عليها تمثل قفزة نوعية في مجال اإلستثمار الخاص ،فإن الجوانب
المتعلقة بتحقيق هذه النتائج مازالت ضعيفة ،فعنصر اختيار التقنيات التي تعد عامل داخلي
للمؤسسة (إختيار الكفاءات ،األموال ،دراسات الجدوى )...يمثل أهم النقاط
)1عرابي فتحي ،المرجع السابق ،ص 273
2) La Tribune du 23 Mars 1996
)3نقال عن جريدة الخبر بتاريخ 11أبريل ،2001ص 2
التي تشكل ضعف القطاع الخاص في الجزائر ،التي يجب عليه تقويتها حتى تمكنه من
اكتساب المهارات.
كما أن عدم القدرة عل تقييم المخاطر ،جعل الكثير من المتعاملين الخواص يتجهون إلى
إنشاء شركات خاصة بالتصدير واإلستيراد ،وهو ما يفسر تزايدها عدديا ،حيث وصل العدد
()1
إلى 11000شركة تم إنشاؤها منذ عام 1994إلى غاية .1997
-314-
وفي إطار فرضية العالقة الموجودة بين عائد الفرد واإلستثمار الخاص ،التي يؤكدها بعض
اإلقتصاديين ( ،)2فإنه ال يمكن الحديث عن هذه الفرضية دون مساعدة مالية ،من قبل الدولة،
ومنه فإن المحفزات التي قدمتها (دفع مؤجل على 20سنة مع سنة إعفاء) الدولة في مجال
الخوصصة لصالح عمالها ،والتي كانت حتى نهاية 1999تمثل الثمرة األولى للتحول
()3
اإليجابي نحو الخوصصة ،حيث تم إنشاء 1697مؤسسة ل 33000عامل مساهم.
تجدر اإلشارة إلى أن التقرير الذي أعّد ه البنك العالمي عام 1990تم إحصاء 1450حالة،
حيث تم تشخيص 3 %من المؤسسات التي تم شراؤها من قبل العمال ،وهو ما يعني أن
فرضية العالقة الموجودة بين عائد الفرد واإلستثمار الخاص ،هي عالقة مربوطة لتقوية
العائد التي تتحكم فيه جملة من العوامل ( الكفاءة ،المستوى التكنولوجي ،)...،ووضعية
المؤسسة المراد شراؤها من قبل العمال.
2-على المستوى العالمي:
إذا كانت التحوالت اإلقتصادية العالمية اليوم تترجمها " التجارة واإلستثمار األجنبي"
باعتبارهما محفزا رئيسيا للعولمة( ،)4فإن انعكاسات هذين العاملين على اإلقتصاد الجزائري
يمكن فهمه من خالل مستقبل الشراكة األجنبية في الجزائر ،التي يجب أن تتركز على
()5
محورين أساسيين هما:
-إبراز المزايا التفاضلية ( النسبية) على الساحة الدولية ،وخصوصا أثناء تفاوضها
مع المنظمة العالمية للتجارة ،كما عليها تفعيل مشاركتها داخل المنظمات الدولية،
-توطيد التعاون مع بلدان اتحاد المغرب العربي ومع محيطها العربي ،وبلدان
القارة اإلفريقية ،والمنطقة المتوسطية.
وإ ذا كان الطابع المميز لإلستثمار األجنبي كونه عالميا ،فإن إرساء قواعد تعاون على
المستوى الجهوي أو اإلقليمي بين عدة مناطق هو الهدف األساسي الذي ينبغي تفعيله في
المرحلة الراهنة والمستقبلية.
-315-
وبناء عليه ،فإن مقتضيات المرحلة تتطلب تنمية هذا التعاون على أساس إرساء منطقة
التبادل الحر بين الواليات المتحدة األمريكية من جهة ،وبين هذا اإلتحاد ،واإلتحاد األوروبي
من جهة أخرى.
1-2-إنشاء منظمة التبادل الحر بين إتحاد المغرب العربي والواليات المتحدة األمريكية:
إن التقرير( )1الصادر عن مركز الدراسات اإلستراتيجية للخارجية األمريكية ،الذي يعتبر أن
منطقة إفريقيا تظل إحدى المناطق الجوهرية في خريطة اإلهتمام األمريكي ،فيما يتعلق
بالسياسة الخارجية األمريكية.
وقد أثار التقرير* أن " المصلحة القومية واألمنية ألمريكا تفرض عليها العمل على استقرار
شمال القارة اإلفريقية والعمل على ازدهارها ،خاصة وأنها تعرف تحوالت عميقة".
من هذا المنطلق أوضح التقرير ،أن أمريكا يجب أن تعمل في اتجاه تعزيز العالقات
وتطويرها ،وفتح قنوات التعامل المباشر مع الدول الثالث المعنية ،الجزائر – تونس –
المغرب ،وتشجيع اإلصالحات السياسية واإلقتصادية.
إن مبادرة "إيزنستان"( )2الرامية إلى ترقية الشراكة األجنبية بين الواليات المتحدة األمريكية
واتحاد المغرب العربي تسعى إلى تطوير المبادالت التجارية وترقيتها وتحفيز اإلستثمارات
()3
األمريكية.
وفي هذا اإلطار ،تنوي الحكومة األمريكية إعداد برنامج عمل مغاربي مع خبراء
إقتصاديين ،حيث يتم تقديمه إلى الشريك األمريكي لبلورته في برنامج ،علما أن هذه المبادرة
ترتكز على جملة من اإلجراءات المستقبلية التي ستتخذها أمريكا لدخول السوق المغاربية،
()1
والتي تمثل بالنسبة ألمريكا كتلة واحدة بحوالي 80مليون مستهلك.
وإ ذا كان قرار " إيكزيم" أكد على رفع تحديد سقف القروض ،والذي كان سابقا مقدرا
بـ 2مليار دوالر ،لتمكين المستثمرين األمريكيين من دخول السوق الجزائرية وإ يجاد منافذ
جديدة لهم ،فإن هذا القرار يأتي في إطار اإلهتمام العام للمنطقة وذلك من أجل إذابة الجليد
بين الجزائر والمغرب ،حيث تؤكد بعض "المصادر" أن الواليات المتحدة األمريكية ترغب
-316-
في تسوية شاملة للخالفات القائمة بين الجزائر والمغرب كشرط رئيسي لبعث تعاون نشط
()2
وفّعال في المنطقة المغاربية.
وإ ذا كان المغرب وتونس قد استفادا من حالة اإلستقرار ،التي يعيشانها لرسم معالم التعاون
وفتح مجال الشراكة مع أمريكا ،فإن الجزائر وطيلة عشرية كاملة (بسبب األوضاع الداخلية)
ضيعت فرصا حقيقية لبعث اقتصادها واإلندماج في سيرورة وحركية اإلقتصاد العالمي،
بالنظر إلى عوامل اإلغراء واإلمكانات اإلقتصادية والطبيعية التي تمتلكها.
2-2-إنشاء منظمة التبادل الحر بين الجزائر واإلتحاد األوربي
تمثل المجموعة األوروبية الشريك األول للجزائر في إطار اتفاقيات التعاون ،التي دامت
قرابة الربع قرن ،هذا التعاون مس محاور أساسية،كانت على رأسها:
-المبادالت التجارية التي وصلت قيمتها ما يقارب 190مليار وحدة نقدية أوروبية
-التعاون اإلقتصادي التقني والمالي والذي خّص مبلغ يقدر بـ 854مليون وحدة
نقدية أوروبية بين الفترة ،1996-1977وكل المساعدات المالية المقدمة
للجزائر ،والتي قدرها اإلتحاد األوروبي كما يلي:
55مليون وحدة نقدية أوروبية قدمت في إطار برنامج التصحيح الهيكلي
-317-
حيث يضم مركبات صناعية كبرى (عكس ما هو عليه الحال في تونس ،والمغرب) ،أين
تشكل الصناعات الصغيرة والمتوسطة قاعدة صناعية وهو ما يسهل عملية التصدير ،حيث
تشكل هذه األخيرة انشغال الجزائريين في مفاوضاتهم ،ألنها تقتصر حاليا على المحروقات
فقط بنسبة ،%95في الوقت الذي توجد فيه أغلب المؤسسات اإلقتصادية في حالة ال تسمح
بمنافسة مثيالتها في أوروبا ،وهو ما جعل مسألة تأهيل المؤسسات الجزائرية أمرا حتميا
ضمن برنامج يتطلب غالفا عاليا معتبرا ،يساهم اإلتحاد األوروبي فيه كشرط أساسي لإلتجاه
نحو رفع الحواجز الجمركية ،وفتح السوق الجزائرية أمام السلع األوروبية وهو المبلغ الذي
()2
تم تحديده سابقا بأربعة مليار دوالر.
وإ ذا كان اإلتحاد األوربي قد أعرب عن " إرتياحه " لبرنامج التفتح اإلقتصادي ،الذي
أعدته الحكومة الجزائرية في هذا المجال ،واعتبر أنه " كفيل بتسهيل المفاوضات " فإنه،
وفي هذا اإلطار قامت وزارة الصناعة وإ عادة الهيكلة بتحضير برنامجا لتأهيل 650
مؤسسة صناعية عمومية سيتم الشروع فيه ابتداء من سنة ،2000حيث يتم تطبيق هذا
البرنامج على ثالثة مراحل( )3وهي :
المرحلة األولى :وتمس 150مؤسسة صناعية عمومية وخاصة إضافية في إطار برنامج
نموذجي ( )PILOTEيمتد على ثالثة سنوات؛
المرحلة الثانية :وتمس 200مؤسسة صناعية عمومية وخاصة إضافية في إطار برنامج
يمتد على سنوات؛
المرحلة الثالثة تقوم على أساس التوسع وتمس 300مؤسسة عمومية وخاصة إضافية ،أيضا
في إطار برنامج يمتد على ثالثة سنوات.
إن المشكل األساسي الذي كان قائما أمام هذا البرنامج ،هو حجم التحويالت الخارجية
والتي قدرتها وزارة الصناعة وإ عادة الهيكلة بـ 170مليار دينار
جزائري( ،)1والذي وجد حله بعد قرار تسريح المبالغ المخصصة لتأهيل الصناعات
الجزائرية والمقدرة بـ 250مليون أورو ( )Euroمن أصل 300مليون أورور( )Euroسنة
-318-
،1999والموضوعة في إطار برنامج "ميدا"( ،)Medaوالذي يمثل أهم جهاز خاص بتوقيع
()2
اتفاقية التبادل الحر بين الجزائر واإلتحاد األوروبي.
وإ ذا كانت الجزائر متجهة نحو إمضاء عقد الشراكة مع اإلتحاد األوروبي ،فإنها أصرت
على ربط هذا اإلتفاق بخصوصية اإلقتصاد الجزائري ،ألن فتح السوق الجزائرية كما هي
عليه اآلن أمام المنتوج األوروبي سوف يؤثر على مستقبل الشراكة األجنبية في الجزائر.
هذه الخصوصية يقول وزير التجارة السيد "مدلس" تكمن في ضرورة ،أن تأخذ المجموعة
األوروبية بعين اإلعتبار القاعدة الصناعية الكبيرة التي يحوز عليها اإلقتصاد الجزائري،
ومن هنا تكمن ضرورة حمايتها وتطويرها ،هذه الخصوصية هي الحلقة األساسية التي
()3
ترتكز عليها المفاوضات مع اإلتحاد األوروبي.
باإلضافة إلى ذلك ،فإن التفكيك التعريفي المقرر في اإلتفاق مع اإلتحاد األوروبي
يمثل نقطة أساسية يجب حلها ،وإ ال سيتحمل اإلقتصاد الجزائري خسارة تقدر
في حوار أجرته معه جريدة ()5
بـ 1,4مليار دوالر( ،)4الشيء الذي دفع وزير المالية
الشعب" التأكد على أنه "ما دمنا قد دوّنا في مذكرات المستقبل هذه الخسارة ،يجب التفكير
1) Ministère des Finances "Proposition Algérienne pour un partenariat avec l'union européenne à l'horizon
2000", 1994.
نقال عن جريدة الخبر بتاريخ 15أفريل ،2000ص .2 )2
مجلة االقتصاد و األعمال "االنفتاح االقتصادي" عدد خاص ،تدخل للسيد وزير التجارة ،مراد مدلسي ،ص .18-17 )3
تصريح محافظ بنك الجزائر أشار له وزير المالية "السيد عبد اللطيف بن أشنهو". )4
نقال عن جريدة الشعب بتاريخ 21أبريل ،2001حوار مع وزير المالية "عبد اللطيف بن أشنهو" ،ص .7 )5
منذ اآلن في استبدال هذه اإليرادات الجبائية ،بإيرادات جبائية أخرى ،وذلك عن طريق
توسيع النشاط اإلقتصادي أوال ،وثانيا أن تكون اإليرادات الجبائية أكثر فعالية".
-319-
الواردات التي مسها التفكك
73,5 58,3 53,2
%من الواردات
إن اإلصالحات البنيوية األولى التي تمت على إثر التحرير التدريجي لألسعار شملت
الشروع ف تفكيك الحواجز الجمركية ،وإ صالح النظام الضريبي ،تحديث النظام المالي،
فمثال ،أصبح الدرهم المغربي والدينار التونسي قابلين للصرف بالنسبة للعمليات الجارية سنة
،1993أما فيما يتعلق بالجزائر ،فإن انهيار المداخيل من العملة نتيجة للصدمة البترولية
ومقاومة البنيات اإلقتصادية أدت إلى كبح حركة التحرير ،على جانب عدم استقرار
()1
األوضاع الثانية.
)1العربي الجعيدي :أثر األورو على اقتصاديات دول المغرب العربي ،ص .145
-320-
معايير األفضلية للمواد المتوسطة أصبحت اليوم موضوع إعادة للنظر هذه من جهة،
واندماج دول أوروبا الشرقية والوسطى في المجال األوروبي.
إن تراجع توعل الدول المغاربية في السوق األوروبية يتناقض مع الوجود القوي آلسيا مما
أحدث اختالال في المبادالت بين اإلتحاد األوروبي والدول المغاربية وصل إلى حد التفاقم،
: ()1
هذا اإلختالل يفسر
-كون صادرات الدول متأخرة في مبادات اإلتحاد األوروبي
-كون الصادرات تتنامى في اتجاه المنطقة المغاربية ،بينما صادرات هذه األخيرة،
اتجاه أوروبا تعاني ركود مما جعلها في وضعية عجز بنيوي ،ذلك أن الدول
المغاربية تتزود بنسبة 51,1 %من السوق األوروبية بينما تدخل صادراتها في
اقتصاد دول المجموعة إّال بنسبة 2,2 %من مجموع مشتريات اإلتحاد
األوروبي ،علمًا أن هناك دول من اإلتحاد األوروبي (الدانمارك ،إيرلندا ،المملكة
المتحدة ،هولندا) عالقتها مع البلدان المغاربية محدودة جّد ا تكاد تنعدم.
-321-
4-2 -آفاق منطقة التبادل الحر:
لقد وضع مؤتمر برشلونة – كقرار مؤسس للسياسة المتوسطية لمنطقة البحر األبيض
المتوسط – أسس شراكة طموحة ،هدفها بناء مجال " السلم واإلستقرار واإلزدهار
المشترك".
إن إعالن برشلونة يشمل ،باإلضافة إلى البعد اإلقتصادي والمالي ،وسع ليشمل أبعاد أخرى
منها السياسية ،إجتماعية ،ثقافية ،وأمنية.
إن الهدف األساسي من تشكيل منطقة للتبادل الحر في أفق سنة ،2010واإلعداد لها بواسطة
التحرير التدريجي للمبادالت بين اإلتحاد األوروبي والدول المغاربية الراغبة في المشاركة
هو توفير الشروط الضرورية للتنمية اإلقتصادية واإلجتماعية ،ومواكبة إندماج هذه الدول
في اإلقتصاد العالمي ولكن بعد أن مرت ثالثة سنوات على مؤتمر برشلونة ،ال بد من
المالحظة أن النتائج ظلت دون الطموحات( ،)2حيث أنه رغم اإلقتراحات في مؤتمر برشلونة
سنة 1995والمتعلقة بـ:
)2-)1العربي الجعيدي :أثر األورو على اقتصاديات دول المغرب العربي ،ص 165-163-158
-رفع اإلستثمار األجنبي وتوسيع مجال الشراكة نحو جنوب حوض البحر األبيض
المتوسط؛
-وضع الميكانيزمات المؤسساتية للحوار السياسي واإلقتصادي؛
-إنشاء منطقة للتبادل الحر بين اإلتحاد األوروبي ودول الجنوب؛
-التدعيم المالي من طرف اإلتحاد االوروبي.
فإن نتائج مسار برشلونة خيبت اآلمال والتوقعات ،حيث أثار رئيس الجمهورية في مداخلته
بتاريخ 10مارس 2001عند افتتاح الندوة المتوسطية األوروبية بفندق األوراسي حيث
أشار أن خيبة اآلمال ال تعود على البطء المسجل في تجسيد مبادئ المسار بقدر ما يرجع إلى
المقاربة األوروبية التي عمدت إلى تحجيم مجاالت الشراكة من بعدها اإلستراتيجي ،إلى
اإلعتبارات التجارية البحتة ،هذا المسار بمسعاه الحالي سيؤدي إلى اختالالت خطيرة
ومضاعفة الفوارق بين ضفّي المتوسط ،وأشار أيضا أنه إذا كانت إزالة الحواجز الجمركية
إيجابية ألوروبا ،فإنها ال تقابلها سوى تدفقات ضئيلة لإلستثمارات المباشرة ،مقابل ذلك فإن
الركود القطاعي الناتج عن التفتح التام على المنافسة بالنسبة لبلدان الجنوب تقابلها توجهات
-322-
حمائية أوروبية ال سيما في القطاع الفالحي ،وهو ما يتناقض مع ما يتم اإلعالن عنه من
()1
مبادئ.
فإذا افترضنا أن التبادل الحر سيقود على المدى البعيد إلى تحسين تنافسية الدول المغاربية
وإ نجاز سلسلة من اإلصالحات الهيكلية ،ال يجب أن ننكر مع ذلك ،أن هذا المشروع سيتطلب
تقويمات ،وستكون له تأثيرات سلبية على المدى المتوسط (تدهور ميزان األداءات تنافي
العجز العمومي ،اإلنعكاسات اإلجتماعية) ،وعليه ،فإن بعض القضايا اإلقتصادية التي لم
توجد في صلب المشروع لم تناقش المسألة المتعلقة بتبادل المواد الفالحية ،واستقرار
العمالت ،كما يخشى أن يؤدي تحرير التجارة إلى انخفاض فرص العمل في القطاعات
الموجهة لألسواق الداخلية ،وأن ال يتم تعويض ذلك مباشرة في القطاعات المصدرة.
إن التبادل الحر يقتضي المضي في التقويمات بعمق ،وتسريع اإلصالحات الهيكلية
لإلقتصادات المغاربية ،ففي الميدان الضريبي مفروض أن يعوض انخفاض المداخيل
الجمركية خاصة بالرفع من المداخيل األخرى ،لكن أكثر من اإلصالح الضريبي ،ويقتضي
اإلنفتاح المضي قدمًا في إصالح النظام المالي قصد الرفع من اإلدخار المحلي ،وتسهيل
()1
تمويل المقاوالت العمومية لمنافسة قوية.
إن هذه اإلصالحات مرهونة في آخر المطاف بقدرة األنظمة السياسية للدول المغاربية على
قيادة هذه التحوالت.
-323-
إن المزايا النسبية التي تمنحها الجزائر ( يد عاملة رخيصة) سوق إستهالكية متنوعة ،قاعدة
صناعية في حاجة إلى تأهيل ،بنية تحتية يمكن استغاللها ،موقع إستراتيجي إلفريقيا )..
مقارنة بجيرانها من حيث الكم والكيف تجعلنا نطرح تساؤالت حول سّر جاذبية اإلستثمار
األجنبي نحو المغرب وتونس ،والضعف الذي تتميز به اتجاه الجزائر.
إن الجواب على هذه التساؤالت ال يمكن حصره في المسار السياسي واألمني فحسب ،وإ نما
في المواقف الحاسمة والتي يجب فتح حوار موضوعي وبناء بشأنها والمتعلقة بالشفافية
والبيروقراطية ،والرشوة والضرائب ،وأسعار الصرف ،وقضية التمويل ،واألعباء التي
تتحملها البنوك ...إلخ ).
1-البعد اإلستراتيجي:
إن البعد اإلستراتيجي الذي تتوخاه الجزائر وتعمل جاهدة للوصول إليه ،يتحقق من خالل
تأهيل اإلقتصاد الجزائري المتمثل في ترقية قطاعات النشاط اإلقتصادي اإلستراتيجية وتنمية
قدرات القطاع الخاص ،حق تتمكن من جلب اإلستثمارات األجنبية ،وإ ن تكون طرفا فاعال
في إبرام عقود شراكة.
أ – تأهيل اإلقتصاد الوطني:
إن التحدي الواجب على الدولة الجزائرية اتخاذه يتمثل في التدبيرات واإلجراءات العملية
التي يجب وضعها من أجل تنمية القدرات الصناعية والبشرية والتكنولوجية والتي تمكن
رهانات يجب على رفع التحدي بشأنها.
إن المشاكل التي تواجه اإلقتصاد الجزائري تتمثل في التأخر المسجل في القطاع الصناعي
الذي أصبح عاجزا على تحقيق أي نمو إيجابي من جراء تدني مستوى اإلنتاجية ،الناتج عن
استعماله لوسائل إنتاج قديمة ،حيث تم اهتالكها.
ومن هذا المنطلق فإن القطاع اإلقتصادي العمومي ضعيف ،لذا يجب تأهيله( )1حيث طالبت
الجزائر أخذه بعين اإلعتبار في مفاوضاتها مع اإلتحاد األوروبي.
إن غياب إستراتيجية صناعية لدى أصحاب القرار ،كما خلص إلى ذلك المجلس الوطني
اإلقتصادي واإلجتماعي( ،)2باإلضافة إلى الضعف الذي تميز به القطاع الصناعي أّد ى إلى
تردد المستثمرين المحليين أو األجانب في األخذ بزمام المبادرة إتجاه تحريك هذا القطاع.
-324-
وتأكيدا لذلك فإن األسباب التي أدت إلى هذا "الجمود" كما يقول " عبد المجيد مناصر" وزير
الصناعة وإ عادة الهيكلة يعود إلى ضعف اإلستثمارات العمومية ،التي لم تتعد
4,6مليار دينار سنة ، 2000مما أّد ى إلى عدم تجسيد مشاريع الشراكة
()3
( 20مشروعًا جاهزًا) وتباطؤ عمليات الخوصصة.
ولعل اإلشكالية المطروحة اليوم أمام السلطات العمومية هي األوضاع التي آل إليها القطاع
الصناعي العمومي على ضوء اإلصالحات الجارية اليوم ،الشيء الذي جعل السلطات
العمومية نلجأ إلى انطالق المشاريع اإلستثمارية الكبرى (السكن ،الفالحة،
1) BOUZIDI Abdelmadjid, "Les années 9 de l'économie Algérienne : les limites des politiques conjoncturelles",
ENAG Editions, 1999, P 85.
)2نقال عن جريدة الخبر 11سبتمبر ،2000ص .2
)3نقال عن جريدة الخبر 11سبتمبر ،2000ص .2
األشغال العمومية... ،إلخ) ،التي من خاللها ينتعش القطاع الصناعي ،باإلضافة إلى
ضرورة تخصيص جزء من مداخيل المحروقات لدعم القطاع الصناعي الذي تراهن عليه
الجزائر ،في إمضائها العقد النهائي للشراكة مع اإلتحاد األوروبي.
إن البرنامج اإلقتصادي الذي أعدته الحكومة يشير إلى فتح عدد أقصى من القطاعات
واألنشطة على المبادرة الخاصة المتمثلة في إنعاش البناء والتعمير ،وتكثيف النشاط
الفالحي ،الخدمات المقدمة للمؤسسات ،وترقية الصورة السياحية للجزائر في الخارج
ووضع المتوج السياحي الوطني في الدوائر التجارية مما يسمح بجلب إستثمار وتحقيق
()1
الشراكة.
إن هذا التوجه لترقية الصادرات خارج قطاع المحروقات يمكن اإلقتصاد الجزائري من
إحداث ميزة ثانية ألن هذا اإلندماج اإلقتصادي العالمي يتطلب فتح معامل أخرى يجب
تحريكها من أجل فتح مجاًال أوسع لتوطن اإلستثمارات الخاصة (محلية وأجنبية) يكون
القطاع الخاص المبادر األول لتحريكها.
ب – تنمية قدرات القطاع الخاص:
إن التوحيات العامة لإلستثمار األجنبي اليوم مرتبطة أساسا باإلصالحات اإلقتصادية التي
تقوم بها الدول المضيفة ،والمتمثلة في تحسين األداء اإلقتصادي للقطاعات الوطنية وتأهيلها،
فتح مجال أوسع للقطاع الخاص ورفع القيود عنه:
-325-
ولعل من العوائق التي حالت دون إقبال المستثمرين األجانب نحو البلدان المضيفة لرأسمال
األجنبي هي ضعف مساهمة القطاع الخاص من خالل عدم قدرته على اإلستثمار أو من
خالل القيود والحواجز التي تحد من عزمه إتجاه اإلستثمار في بالده.
إن اإلنفتاح اإلقتصادي الذي عرفته الجزائر إتجاه اإلستثمار الخاص ( محلي أو أجنبي
( يمثل نقلة نوعية ،ذلك أن القطاع الخاص ضمن هذا القول التحول خفق نتائج إيجابية
خصوصا في المجال الصناعي.
إن اإلصالحات اإلقتصادية التي باشرتها الدولة الجزائرية إتجاه المؤسسات العمومية من
خالل عمليات التأهيل وإ ن أدت إلى يعض النتائج حفاظًا على مناصب عمل ،فإنها كلفت
خزينة الدولة الماليير من الدينارات.
تجدر اإلشارة أن النتائج التي سجلت خالل السداسي الثاني من سنة 2000أكدت أن القطاع
الصناعي العمومي سجل نتائج سلبية تصل إلى ، % -1في حين أحرز القطاع الخاص
على نتائج جد إيجابية تفوق ، 50 %إال أن هذه النتائج ال يمكن أخذها كمقياس ألن وضعية
القطاع الخاص ببالدنا مازلت هشة (نتيجة صغر حجم مؤسساته التي يسيرها نظام العائلة،
تمركز القطاع الخاص في قطع السلع والخدمات الموجهة أساسا لإلستهالك العائلي ...إلخ).
إن غياب الشفافية والوضوح لدى القطاع الخاص من جراء القرارات المتخذة من قبل اإلدارة
بشأن عملية اإلستثمار هذه ،وما يحيط بها من غموض (خصوصا عمليات التمويل)،
باإلضافة إلى التناقض الصارخ بين نوعية اإلستثمار المراد إقامته من قبل المستثمر وكمية
الطلب على القروض من البنوك التجارية في غياب قدرة هذه األخيرة على تقييم المخاطر،
أدت كل هذه النتائج في كثير من األحيان إلى حاالت اإلنتظار والترقب من قبل المستثمرين
األجانب.
وإ ذا كان الشركاء األجانب يترقبون القفزة النوعية التي يمكن أن يحدثها القطاع الخاص
المحلي في ظل اإلصالحات اإلقتصادية ،وهي الحالة التي أصبحت تميز اإلستثمار األجنبي،
فإنه يجب على السلطة أن تعمل على إزالة كل العوائق التي تحد من عزيمة اإلستثمار
الخاص كي تتمكن من استقطاب اإلستمار األجنبي وبالتالي ترقية مجال الشراكة بين القطاع
الخاص والشركاء األجانب ،ذلك أن ترقية القطاع الخاص اليوم أصبحت حافزا مهما
لإلستثمار األجنبي.
-326-
إن الخطوات التي يجب على السلطة العمومية اتخاذها من أجل ترقية القطاع الخاص يمكن
حصرها فيما يلي:
-إذا كان صغر حجم الخاص وافتقاره إلى الهياكل المؤسسية وأساليب
اإلدارة الحديثة يقف حائال أمام خوصصة المؤسسات العامة ،والشكوك في عدم
تمكنه من استيعاب الصناعات التابعة للدولة ،فإنه ومن أجل ترقية القطاع الخاص
يجب على الدولة توسيع نطاق آليات الخوصصة (مثل تطبيق نظام القسائم ،شراء
العاملين للشركات ،تسجيل الشركات في سوق األوراق المالية ....إلخ) حتى يتمكن
القطاع الخاص من الدخول في شراكة مع القطاع العمومي ،أو شراء مؤسسات وفق
آليات تمكنه من ذلك ،هذه الخطوات ال يمكن تحقيقها إّال من خالل إدارة إقتصادية
ذات كفاءة عالية خالية من السلوكات الّال أخالقية أهمها الرشوة.
-تحديث الجهاز المصرفي بمساعدة الشريك األجنبي أو المحلي ،ذلك أن تردد
البنوك في تحمل المخاطر أدى إلى إبطاء جهود القطاع الخاص ،ومن أجل رفع هذه
العوائق يمكن العمل باتجاه إنشاء مؤسسات مالية تتحمل المخاطرة وتحفز البنوك
على تخصيص جزء من أموالها الستعماله إتجاه هذا المسعى ،وذلك من أجل ترقية
التنافسية.
-فتح المجال للقطاع الخاص من خالل إعادة توجيه تسليم مشاريع اإلسكان من
الدولة إلى القطاع الخاص وذلك من خالل توفير مناخ شفاف.
4-إن المضاربة في العقار الصناعي أدى في كثير من األحيان عدول المستثمرين
الخواص على القيام بفعل أي شيء إتجاه اإلستثمار ،ولهذا يجب على الدولة التدخل
بشأن العقار الصناعي من خالل تقييم أسعاره السوقية ،والعمل على تخفيض أسعاره
يشترط أن يكون في خدمة التنمية اإلقتصادية.
( 2تحسين الجاذبية وترقية الشراكة:
إن ترقية الشراكة األجنبية في ظل التحوالت اإلقتصادية اليوم أصبحت عمال موضوعيا
يجب أن تعتمده الدول النامية ،إال أن هذا المسعى يتطلب سياسة إقتصادية حكيمة تعتمد في
جوهرها على اإلستقرار اإلقتصادي (سعر الصرف ،التضخم ،)... ،والسياسي (إستقرار
مؤسسات الدولة) ،وكل المؤشرات المحيطة بذلك ،مرفوقا بدرجة عالية من التأييد والشفافية.
-327-
ففي هذا اإلطار يجب على الجزائر أن تعزز جاذبيتها من خالل مراجعة سياسة الجذب عن
طريق فتح قنوات للقطاع الخاص من خالل عرض المزايا الممكنة يشارك فيها كطرف
معني ،وبالتالي يحفز المستثمرين األجانب عن توطين أنشطتهم بصفة دائمة بالجزائر.
أ – تحسين الجاذبية:
يعتبر تحسين الجاذبية الشغل الشاغل للكثير من الدول النامية منها أو المتقدمة ،فهي تمثل
اليوم إحدى أشكال التنافس بين الدول من أجل استقطاب اإلستثمارات األجنبية لها.
إن القرار اإلقتصادي الذي يميز العالم اليوم صنعته العولمة .ذلك ألن درجة اإلنفتاح
اإلقتصادي تمثل ميزة نسبية لتوطين اإلستثمارات ،إال أن هذه الدرجة بقدر ما تمثل فرصة
لجذب اإلستثمار األجنبي ،بقدر ما تمثل من مخاطر تحطم ك خصوصية مميزة لهذا
اإلقتصاد أو ذاك .تلكم هي العولمة.
لقد أفرزت عملية اإلنفتاح اإلقتصادي الذي طبع اإلقتصاد الجزائري ميزة تنافسية ،أنتجت
صراعا إقتصاديا سياسيا تتقاسم أدواره أوروبا الشرقية واإلتحاد األوروبي من جهة،
والشركات المتعدد الجنسيات من جهة ثانية.
ففي الشق األول :سّبب الهجوم الذي فرضته أوروبا الشرقية على اإلتحاد األوروبي من
خالل دخول مجاله ،الشيء الذي أّد ى إلى نتائج السياسة التجارية لم تكن في مستوى تطلعات
دول المغرب العربي .ألن أوروبا قّلصت في سوقها أينما كانت منافسة جيرانها محسوسة(.)1
وهو ما أكدناه سابقا (والخطر قد يستعمل هذا الصراع اإلقتصادي إلى صراع سياسي في
المنطقة)
أما الشق الثاني :ويتعلق بالشركات المتعددة الجنسيات التي تمارس اإلستثمار اإلنتقائي
كاستراتيجية شاملة (قطاع المحروقات مثال).
إنطالقا مما سبق ،ورغم المجهودات التي بذلتها الجزائر من أجل استقرار اإلقتصاد الوطني،
والتحكم في بعض مؤشراته ( التضخم ،مستوى اإلنفاق العام ،إستقرار أسعار الصرف ...
إلخ).
إّال أن الجزائر لم تصل بعد إلى معدل النمو ( )7 %الذي يسمح لها بانطالقة حقيقية ،يمكنها
من تغطية حجم الطلب المتزايد الناتج عن الزيادة السكانية ،هذا الطلب يمكن اعتباره ميزة
تسمح بتدفق رأسمال األجنبي نحو الجزائر.
-328-
إن التجارب اإلقتصادية التي مارستها الجزائر في إطار سياسة اإلقتصاد الكلي ،وإ ن حققت
بعض علة مستوى قطاع المحروقات ،فإنها ليست بالجودة الكافية خصوًص ا خارج قطاع
المحروقات ،وهو ما يعني أن اللجوء إلى الخوصصة وترقيتها يمثل عامال أساسيا في
تحسين الجاذبية.
إن تحسين جاذبية اإلستثمار األجنبي ال يتوقف على قرار يتم اتخاذه فحسب ،وإ نما على جهد
يجب بذله ،وهو ما نتج عن عدم شجاعة المسؤولين الجزائريين في تسيير المديونية
الخارجية ،مثلما فعلت دول أخرى بلجوئها إلى مبادلة ديونها بأسهم في شركات عمومية،
مثل هذه الوضعية شّك لن 44 %من برامج أدت إلى الخوصصة من الدول النامية ما بين
1985-1993بمبلغ وصل 35مليار دوالر ،فلقد تم في الجزائر ما بين 96-98حل
1011شركة عمومية .ولو كان هناك جهد في التفاوض ألمكن المحافظة على بعضها ببيع
جزء من أصولها مقايضة بالديون الخارجية بما يضمن جزء من مناصب العمل ويخفف من
()1
حجم الديون.
في الوقت الذي تجتهد فيه الدولة إلى وضع سياسات للمضي نحو تنفيذ برامج الخوصصة
فإن هذه األخيرة ،وفي إطار تحسين الجاذبية يجب على الدولة الجزائرية أن تهتم برفع
مستوى اإلطار من خال ل تكوين اليد العاملة وذلك بربط عمليات اإلستثمار المراد تحقيقها
في إطار المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومراكز البحث البحث العالي والجامعي .أو في
إطار نظام التكوين المهني ،علما أن هذا األخير أولته الدولة عناية كبيرة سيساهم مستقبال في
تطوير سوق العمل وامتصاص البطالة .وهي فرصة لإلستثمار الخاص (األجنبي والمحلي).
ب – ترقية الشراكة:
لقد أصبحت الشراكة األجنبية الشغل الشاغل للتوجهات اإلقتصادية المتبعة من قبل
الحكومات المتعاقبة في الجزائر ،ولعل تحقيقها يرتبط أساسا بترقيتها ،إذ أصبح فتح القطاع
العام أمام التنافسية عملية حتمية يفترض أنها ستجلب موارد إضافية للميزانية وبتحسن األداء
اإلقتصادي للمؤسسات المعنية ،وقد أجمع مسؤولوا الحكومات المتعاقبة أن هذه التنافسية ال
بد أن تمر إما عن طريق الخوصصة أو الشراكة( ،)2في ظل الوضعية التي يمر بها االقتصاد
-329-
الجزائري ،و إذا كانت الخوصصة تمثل حافزا لترقية الشراكة فإن هذه األخيرة تواجهها
عقبات يجب إزالتها وقد أشرنا إليها في هذا الفصل األخير.
إن ثمة مسائل عديدة يجب التركيز حولها ،والتي يجب على السلطة الجزائرية أن تأخذها
بعين اإلعتبار ألنها تساهم بشكل فعال في ترقية الشراكة األجنبية في الجزائر والتي يمكن
حصرها فيما يلي:
1-باإلضافة إلى ترقية القطاع الخاص وفتح قنوات اإلستثمار أمامه يجب تخفيف األعباء
على اإلقتصاد الجزائري ،من خالل معالجة المديونية بلجوء الدولة إلى مبادلة ديونها بأسهم
في شركات عمومية وذلك بشكل جزئي تدريجي ،هذه العملية تسمح دخول المؤسسات
العمومية المؤهلة إلى الشراكة من جهة والحفاظ على مناصب العمل وترقيته ونوعيته في
إطار نظام تكويني خاص.
2-ترقية الشراكة مع الدول التي تقترح مشاريع شراكة مع الجزائر خارج قطاع
()1
المحروقات سواء تعلق األمر بدول من اإلتحاد األوروبي .وفي هذا الصدد نجد ألمانيا
التي دخلت السوق الجزائرية بـ 15مشروعا للشراكة قابلة للتنفيذ وقد تحّس ن بعضها
(مؤسسة هنكل األلمانية مثال ) أو دول عربية مثل تونس ودول اإلمارات العربية ،وفي هذا
الصدد نجد الوفد اإلماراتي الذي يتكون من 24شخصية أهمها وزير اإلقتصاد والتجارة،
()2
الذي يعمل مع الطرق الجزائرية على دراسة السبل الكفيلة لتعزيز الشراكة بين البلدين
والتي تخص إزالة بعض العقبات منها اإلزدواج الضريبي ،عقد اللجنة المشتركة ،إعادة
النظر في الضرائب المفروضة على الواردات القادمة من دبي ،تدليل العقبات البيروقؤاطية.
3-ترقية التكوين المهني وذلك من خالل تدعيم تجربة الصندوق الوطني لتطوير التمهين
والتكوين المتواصل الذي نشأ عام 1998م وذلك من خالل معرفة ميكانيزمات وتجارب
بلدان اإلتحاد األوروبي من ميدان التكوين المهني ،وهي القاعدة التي ستؤطر المفاوضات
()3
المستقبلية بين اإلتحاد األوروبي والجزائر.
-330-
)1جريدة الخبر بتاريخ 12مارس 2000العدد ،3129ص .2
)2جريدة الشروق بتاريخ 31مارس ،2001العدد ،107ص .3
)3جريدة الخبر بتاريخ 27سبتمبر ،2000العدد ،2977ص .2
4-رفع مستوى قدرة اإلقناع التي يجب على الطرف الجزائري المحاور أن يتحّلى بها في
بحثه لمقترحات اإلتحاد األوروبي بالنسبة لبرنامج ( )MIDA IIوخصوصا فيما يتعلق
بخصوصيات اإلقتصاد الجزائري التي يجب أن تؤخذ بعين اإلعتبار من خالل سّلة العناصر
التي تؤطر سياق الشراكة التجارية األجنبية التي تبدو ضعيفة األثر على مستوى تقريب
()1
الفوارق اإلقتصادية الهيكلية والجوهرية بين ضفتي البحر األبيض المتوسط.
5-إن انضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة سيفتح لها آفاقًا في مجال الشراكة،
خصوصا ،بعد التقدم الكبير الذي أحرزته المفاوضات المتعددة األطراف ،والتي تم في
إطارها اإلجابة على 500سؤال ،بقت بعض المسائل العالقة ،والمتعلقة بالدخول إلى سوق
البضائع وكذلك الزراعة والنظام الجمركي والمؤسسات التجارية العمومية والشفافية
وإ صالح النظام القضائي ،والجوانب الفكرية المتصلة بالتجارة ،باإلضافة إلى مفاوضات
()2
أخرى تخص التعريفة الجمركية واإللتزامات في تجارة الخدمات.
6-رغم اإلهتمام الكبير بقطاع الخدمات في بلدان أخرى عربية منها وأجنبية ،والمساهمة
الفعالة التي يبديها هذا القطاع في ميدان الشراكة ،وترقية الشغل ( يالحظ تطور ملحوظ لهذا
القطاع في اإلمارات العربية ومصر على وجه الخصوص) ،فإن هذا القطاع في الجزائر
رغم أنه يحتاج إلى يد عاملة ال تتطلب كلفة عالية من التأهيل ،ال زال يعرف تأخًر ا كبيًر ا،
معالمه ليست واضحة بالقدر الذي يدفع إلى اإلقبال عليه (علما أن اإلستثمارات الموجهة إلى
هذا القطاع في المكسيك وفنزويال إلى 70 % ، 60 %على التوالي تخص أساًس ا
()3
المواصالت والنقل والخدمات المالية).
وبناء عليه ،فإن بعث الشراكة األجنبية في الجزائر يجب أّال يتم من معزل عن دول
إتحاد المغرب العربي ،ألن المفاوضات اإلنفرادية تؤدي في غالب األحيان إلى الهيمنة ذلك
ألن اإلتحاد األوروبي تفاوض مع بلدان اإلتحاد المغرب العربي كأطراف مستقلة ليس
كإتحاد ،الشيء الذي يجعل المنتوج الوطني في أي دولة من دول اإلتحاد المغرب العربي
-331-
دون حماية ،مما ينعكس إيجابا على دول اإلتحاد األوروبي وسلبا على دول اإلتحاد المغرب
العربي.
)1بشير مصطفى :الشراكة األجنبية و مبدأ حماية المنتوج الوطني ،محاضر ألقيت في ندوة الشراكة األجنبية في
الجزائر ،معهد العلوم و االقتصاد ،ماي .1999
)2مجلة االقتصاد و األعمال ،االنفتاح االقتصادي ،المرجع السابق ،ص 13
)3قدي عبد المجيد ،المرجع السابق.
خالصة الفصل الثالث :
لقد أحدثت قوانين االستثمار منذ بداية التسعينات تحوالت عميقة في االقتصاد الجزائري،
بحيث سمحت بوجود إطار قانوني خاص يدير و ينظم عمليات االستثمار هذه.
كما أفرز هذا التحول اهتمام غير منقطع النظير من قبل هيئات دولية و مستثمرين أجانب
الشيء الذي سمح انتقال العديد منهم إلى الجزائر إظهار النية لالستثمار و التعرف على
معطيات االقتصاد الجزائري من شتى المجالت.
في بداية ،1990و منذ توليه مهامه باشر مجلس النقد و القرض دراسة مختلف المشاريع و
الموافقة عليها ،بحيث تميزت هذه الفترة بوجود ثالثة أشكال لالستثمار من خالل المشاريع
المعتمدة و هي أصحاب االمتياز ،ز بائعي الجملة ،و المستثمرين ،و لعل الطابع الذي يميز
هذه المرحلة توجه أغلب المشاريع للعمل في المجال التجاري .رغم أن السلطة العمومية
كانت تفضل االستثمار عن المشاريع التجارية.
تجدر االشارة أنه على الرغم من عدم وجود حوافز بارزة يمكن أن يمنحها قانون 90/10
المتعلق بالنقد و القرض ،إال أنه لم يمنع المستثمرين المقيمين أو غير المقيمين من تقديم
ملفات تخص مشاريع يراد من خاللها االستثمار في الجزائر.
و بناء عليه ،فإن التعهدات الخاصة باالستثمار األجنبي بكل أشكاله بلغت إجماليا ،%82
منها الميكانيكية و الكهربائية و مواد البناء و الفالحة و الصيد البحري.
لقد أظهرت نوايا االستثمار هذه و تمركزها في القطاعات المذكورة أعاله عزم السلطة
العمومية على المضي قدما نحو فتح مجاالت االستثمار أوسع من تقديم حوافز جبائية
و جمركية تسمح بتشكيل مناخ استثماري يمّك ن مختلف قطاعات النشاط عمومية كانت
أو خاصة إبراز ميزتها النسبية و الدخول في التنافس ،و هو الشيء الذي جاء به قانون
االستثمار 93/12هذا األخير سمح بأحداث قفزة نوعية على مستوى النوايا ،و أعطى
صورة للجزائر على أنها مقبلة على مرحلة تتطلب أحداث جملة من التغيرات إدارية
و إقتصادية و مالية ،و حتى سياسية.
-332-
إن الشيء المميز لهذا القانون هو نظام الحوافز الذي فتح "الشهية" أمام االستثمار األجنبي ،و
هو ما تميزت به هذه الفترة بدءا من سنة 1994حيث تحسنت نوايا االستثمار األجنبي ،هذا
األخير سمح بتحسن بعض المؤشرات االقتصادية (التضخم ،استقرار أسعار الصرف،
تقليص المديونية.)...
و إذا كانت قوانين االستثمار هذه قد سمحت بإظهار النوايا فقط ،فإنه على مستوى التأكيد
الفعلي أظهرت عجزا مالحظا ،حيث لم يتحقق منها إال الشيء القليل خصوصا خارج قطاع
المحروقات ،و تعود األسباب إلى بعض العوائق نذكر منها على سبيل المثال العوائق المالية،
و الصعوبة التي تميز السوق الجزائرية ،و التردد في الخوصصة ،هذه النتائج جعلت السلطة
العمومية تفكر في تحديد استراتيجية تعطى حرية أكبر للقطاع الخاص ،ذلك ألن المستثمرين
األجانب يفضلون الشراكة مع القطاع الخاص ،مما يجب على السلطة الجزائرية أن تعمل
على ترقيته ،باإلضافة إلى تفعيل المزايا النسبية عن طريق جمع عدد أكبر من المؤسسات
القادرة على المنافسة أمام المستثمرين األجانب،
و إدخال هذه المؤسسات في شبكة معلوماتية تمكنها إبراز مزاياها النسبية ،و العمل على نقل
هذه المزايا إلى عين المكان بدل انتظار المستثمرين القدوم ،إلى الجزائر ،مع فتح حوار
شفاف مع االتحاد األوروبي من أجل إمضاء العقد النهائي ،و بهذه الكيفية تتأكد
و تتحقق الشراكة األجنبية.
-333-