You are on page 1of 34

28

‫مقدمة ‪:‬‬

‫تطرقنا في الفصل األول من بحثنا إلى كل من المذهب التجاري والمدرسة التقليدية (الكالسيك والنيوكالسيك)‪،‬‬
‫ورأينا أن لكل آراء في التجارة الدولية تختلف عن آراء الفريق الثاني‪ .‬فعلى عكس التقلي<<ديين ال<<ذين ك<<انوا ي<<رون أن‬
‫تحرير التجارة من كل قيد‪ ،‬وترك المجال مفتوحا أمام التنقل الحر للسلع والمنتوجات والخدمات بين الحدود من أجل‬
‫تحقيق أكبر رفاه بالنسبة للمجتمع الدولي‪ .‬يرى التجاريون أن تدخل الدولة من أجل تحقيق الميزان التجاري المواف<<ق‬
‫هو أنجع السبل لتحقيق ثراء الدولة ‪.‬‬
‫هذه المقابلة النظرية لألفكار والنظريات‪ ،‬والتي هي مجال االقتصاد السياسي أو علم االقتصاد‪ ،‬ليست بعيدة‬
‫عما يحدث في الواقع العملي في مجال السياسة االقتصادية‪ ،‬والتي هي مجموعة القوانين والنظم التي تتخذها الدول<<ة‬
‫من أجل التحكم في اقتصادها‪ .‬فقد انعكست هذه النظريات في الواقع العملي إلى سياسات اقتص<<ادية ته<<دف كله<<ا إلى‬
‫تحقيق المصلحة العليا للدولة ‪.‬‬
‫إن حقيقة وجود دول قومية مستقلة عن بعضها سياس<<يا واقتص<<اديا‪ ،‬وبأه<<داف مختلف<<ة ومتناقض<<ة في كث<<ير من‬
‫األحي<<ان‪ ،‬جع<<ل ك<<ل بل<<د يس<<عى إلى تحقي<<ق مص<<الحه ح<<تى ول<<و على حس<<اب مص<<الح ال<<دول األخ<<رى‪ .‬ل<<ذا اختلفت‬
‫السياسات المتبعة من طرف ك<ل دول<ة حس<ب م<ا تقتض<<يه مص<<الحها الوطني<ة‪ ،‬وت<راوحت بين التحري<ر والتقيي<د أو‬
‫الحماية‪ .‬وقد غذى هذا االختالف مناقشات ومناظرات فكرية ح<<ادة تعكس طبيع<<ة وحركي<<ة التج<<ارة الخارجي<<ة حيث‬
‫دافع كل طرف عن أفكاره متحججا بجملة من الحجج التي يتخذها ذريعة لتبرير مبادئه ‪:‬‬
‫‪ -‬فما هي حجج اتباع سياسة معينة؟‬
‫‪ -‬وما هو محتوى كل سياسة؟‬
‫‪ -‬و ما هي األساليب المتبعة من أجل تحقيق هذه السياسات؟‬
‫‪ -‬و ما هي آثارها االقتصادية المتوقعة؟ وما هي عالقة السياسة التجارية بمستوى التقدم االقتصادي للدولة ؟‪.‬‬
‫إن هذا الفصل كفيل باإلجابة عن كل هذه األسئلة و لهذا ‪ ،‬قمنا بتقسيمه إلى ثالثة مباحث‪:‬‬
‫مبحث ‪ : 1‬السياسة التجارية الحمائبة‪.‬‬
‫مبحث ‪ : 2‬أساليب السياسة التجارية وآثارها االقتصادية‪.‬‬
‫مبحث ‪ : 3‬تحرير النجارة و السياسة التجارية الحديثة‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬السياسـة التجارية الحمائية‬
‫مدخل‪:‬‬
‫يعد النشاط التجاري جزء هام من النشاط االقتصادي‪ ،‬لذا فهو يتعرض وفي مختلف البلدان‪ ،‬المتقدم<<ة منه<<ا‬
‫والمتخلفة‪ ،‬إلى تشريعات و ل<وائح رس<مية من ج<انب أجه<زة الدول<ة ال<تي تعم<ل على تقيي<ده بدرج<ة أو ب<أخرى‪ ،‬أو‬
‫تحري<<ره من العقب<<ات المختلف<<ة ال<<تي تواجه<<ه على المس<<توى ال<<دولي أو على المس<<توى اإلقليمي‪ .‬ومجم<<وع ه<<ذه‬
‫التشريعات واللوائح الرسمية وكل ما يلح<ق به<ا من أس<اليب و إج<راءات‪ ،‬تس<مى بالسياس<ة التجاري<ة‪ ،‬فم<ا هي ه<ذه‬
‫السياسة التجارية‪ ،‬وما هي مبررات اللجوء إليها‪.‬‬

‫المطلب ‪ : 1‬تحليل السياسـة التجارية الحمائية‬


‫‪ )1‬تعريف السياسـة التجارية ‪:‬‬
‫السياسة التجارية هي السياسة االقتصادية التي تطبق في مجال التجارة الخارجية‪ ،‬ويقصد بالسياسة االقتصادية‬
‫مجموعة اإلجراءات التي تتخذها السلطات ذات السيادة في المجال االقتصادي لتحقيق أهداف معين<<ة‪ .‬وي<<ترتب على‬
‫ذلك أن السياسة التجارية هي مجموعة اإلجراءات التي تطبقها الدولة في نطاق عالقاتها التجارية مع الدول األخرى‬
‫بقصد تحقيق أهداف معينة‪.‬‬
‫وحسب‪ MAURICE BYE‬تسمى "سياسة تجارية دولية" االختيار الذي تقوم به السلطات العمومية لمجموعة‬
‫متناسقة من الوسائل القادرة على التأثير في التجارة الخارجية للدولة‪ ،‬بغرض الوصول إلى أهداف مح<ددة‪ .‬واله<دف‬
‫المنشود عادة هو تطوير االقتصاد الوطني‪ ،‬إال أنه يمكن أن نجد أهدافا أخرى‪ ،‬التشغيل التام‪ ،‬استقرار الصرف‪.1‬‬
‫تعتبر جزءا من السياسة التجارية كل اإلجراءات المتعلقة بض<<بط ال<<واردات والص<<ادرات‪ ،‬مث<<ل الحص<<ص‬
‫والرسوم الجمركية واإلعانات‪ ،‬وكل اإلجراءات المراد بها التحكم في قرارات المتعاملين االقتصاديين أف<<رادا ك<<انوا‬
‫أو هيئات‪ ،‬فيما يتعلق باستيراد وتصدير السلع والخدمات‪ .‬فقد تريد الدولة تشجيع تصدير نوع من السلع أو الخدمات‬
‫في بعض األحيان‪ ،‬وتعم<<ل على الح<<د من خروجه<<ا في أحي<<ان أخ<<رى‪ ،‬كم<<ا أنه<<ا ق<<د تش<<جع دخ<<ول ن<<وع من الس<<لع‬
‫والخدمات أو أنها تريد الحد من دخولها‪.‬‬
‫‪ )2‬أهداف السياسة التجارية ‪:‬‬
‫تسعى السياسة التجارية إلى تحقي<ق أه<داف وبل<وغ غاي<ات تختل<ف من دول<ة إلى أخ<رى‪ ،‬فهن<اك األه<داف‬
‫االقتصادية الهادفة إلى تنمية االقتصاد الوطني‪ ،‬ومنها حماية الصناعات الوطنية‪ ،‬تحقيق توازن ميزان الم<<دفوعات‪،‬‬
‫تحقيق موارد للخزين<<ة العام<<ة‪ .‬واأله<<داف السياس<<ية حيث تس<<عى بعض ال<<دول إلى توف<<ير أك<<بر ق<<در من االس<<تقالل‬
‫وتحقيق االكتفاء الذاتي‪ .‬واألهداف االجتماعية مثل حماية الصحة العامة عن طري<<ق من<<ع اس<<تيراد الم<<واد المخ<<درة‪،‬‬
‫وتشديد القيود على استيراد المشروبات الكحولية‪ ،‬أو حماية مص<<الح فئ<<ات اجتماعي<<ة معين<<ة ك<<المزارعين بالح<<د من‬
‫استيراد المنتوجات الزراعية‪.‬‬
‫‪ )3‬وسائل السياسة التجارية ‪:‬‬
‫من أجل تحقيق أهداف السياسة التجارية تستعمل الدولة وسائل مختلفة تكفل لها الوصول إلى ما تريد‪ ،‬وتتخذ‬
‫سياسة التجارة الخارجية نوعين من الوسائل‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Maurice Bye, Relation Economique Internationale ,Dalloz, Paris, 1971, ,p341‬‬

‫‪30‬‬
‫أ ‪ -‬الوسائل المشجعة والمحفزة التي تسعى إلى جعل مبادرة المتع<<املين الخ<<واص في مي<<دان التص<<دير أو االس<<تيراد‬
‫إيجابية أو سلبية‪ ،‬وهي تتمثل في الضرائب ( التعريفة الجمركية ) واإلعانات ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الوسائل المقيدة التي تؤدي إلى اإللزام‪ ،‬الحد أو المنع‪.1‬‬
‫ونسمي رقابة غير مباشرة استعمال الوسائل المشجعة‪ ،‬ورقابة مباشرة استعمال الوسائل المقيدة‪ .‬فالسياس<<ة‬
‫التجارية تقتضي أن تحدد الدولة موقفها من شركائها التجاريين‪ ،‬وأن تحدد األه<داف ال<تي تس<عى إلى تحقيقه<ا‪ ،‬وأن‬
‫تختار أنجع الوسائل للوصول إلى هذه األهداف‪ .‬فالسياسة التجارية هي وسيلة "خارجية" من بين وسائل أخرى مثل‬
‫السياسة المالية الخارجية‪ ،‬وسياسة الصرف األجنبي‪ .‬ولهذه الوسائل آثارها على االقتصاد‪ ،‬وهي ليست منعزل<<ة عن‬
‫السياسات الداخلية (السياس<<ة النقدي<<ة‪ ،‬السياس<<ة الض<<ريبية‪ ،‬سياس<<ة االس<<تثمار) الطامح<<ة إلى تحقي<<ق نفس األه<<داف‪،‬‬
‫وبالتالي فهي جزء من سياسة اقتصادية شاملة تسعى الدولة إلى تحقيقها ‪.‬‬

‫المطلب ‪ : 2‬الحمائية في الفكر االقتصادي ‪:‬‬


‫‪ )1‬رأي التجاريين‪:2‬‬
‫تتلخص آراء التجاريين بأن ثروة أي بلد ال تقاس بما يملك من موارد طبيعية‪ ،‬أو بما يستطيع إنتاجه من سلع‬
‫وخدمات‪ ،‬وإنما تقاس بمقدار ما لديه من مخزون من الذهب والفضة‪ .‬والوسيلة الرئيسية للحصول على هذه المعادن‬
‫النفيس<<ة هي التج<<ارة الخارجي<<ة‪ .‬ألن ه<<دف التب<<ادالت التجاري<<ة بالنس<<بة للتج<<اريين ه<<و تحقي<<ق ف<<ائض في الم<<يزان‬
‫التجاري‪ ،‬وهذا ما يؤدي إلى ارتفاع ثروة األمة‪ .‬لذلك كان التجاريون ينادون بت<<دخل الدول<<ة في التج<<ارة الخارجي<<ة‪،‬‬
‫وإتباعها سياسة حمائية تتمثل في وضع القيود على الواردات أو منع استيراد بعض السلع‪ ،‬ومنح صناعات التصدير‬
‫مزايا ضريبية وإعانات ‪.‬‬
‫‪ )2‬رأي فريدريك ليست ‪:‬‬
‫فريدريك ليست (‪ 1789‬ـ‪ )1846‬اقتصادي ألماني‪ ،‬ذو شخصية مؤثرة في زمانه أو فيما بعد‪ ،‬إذ كان دفاعه‬
‫المبكر عن إتباع سياسات تجارية ليبرالية فيما بين الدويالت األلمانية عامال مساعدا على قيام منطقة للتج<<ارة الح<<رة‬
‫لكل ألمانيا‪ .3‬تعرض للسجن بسبب آرائ<<ه‪ ،‬واض<<طر بع<<دها إلى اللج<<وء إلى سويس<<را‪ ،‬فرنس<<ا‪ ،‬إنجل<<ترا ثم الوالي<<ات‬
‫المتحدة األميركية أين عمل محررا صحفيا‪ .‬ووجد أمريكا في نفس الظ<روف االقتص<ادية الس<ائدة في بالده‪ ،‬ث<روات‬
‫اقتصادية غير مستغلة‪ ،‬عدم وجود صناعات بسبب منافسة الصناعة اإلنجليزية التي كانت ترس<<ل بض<<ائعها وتبيعه<<ا‬
‫بأقل األسعار‪ .‬وقد بدأت في الواليات المتحدة‪ ،‬حركة قومية تنادي بحماية الصناعات المحلية‪ ،‬فكان ليست جد متأثرا‬
‫بآراء ألكسندر هاملتن بشأن ضرورة تشجيع التنمية االقتص<<ادية الوطني<<ة والوس<<ائل المؤدي<<ة إلى ذل<<ك‪ .‬وق<<د اش<<ترك‬
‫فريدريك ليست في هذه الحملة بعدة مقاالت هامة كانت نواة لكتاب أصدره في ألمانيا‪.‬‬
‫وعند عودة فريدريك ليست إلى ألمانيا شرع في الدفاع عن فرض الرسوم الجمركية‪ ،‬وأصبح أكبر منظري‬
‫الحماية في عصر تميز بازدهار الليبرالية‪ ،‬وكتب في سنة‪ 1841‬كتابه الشهير" النظام الوطني لالقتصاد السياس<<ي"‬
‫يمكن تلخيص آراء فريدريك ليست فيما يلي ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Maurice Bye, relation économique internationale ,Dalloz, Paris, 1971,p341‬‬
‫‪2‬‬
‫للتفصيل انظر الفصل األول‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫جالبرايت (ج‪.‬ك)‪ ،‬تاريخ الفكر االقتصادي‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.107‬‬

‫‪31‬‬
‫إذا كان لدولة صناعات ناشئة فإن لهذه الدولة الحق في استعمال أسلوب الحماية المربية ‪PROTECTION‬‬
‫‪ EDUCATRICE‬حتى تصبح هذه الصناعات في درجة المنافسة الدولية‪ .‬ه<<ذه السياس<<ة الحمائي<<ة تتمث<<ل في رس<<وم‬
‫على الواردات تعمل على معادلة األسعار الداخلية باألسعار األجنبية‪. 1‬‬
‫إن حماية الدولة لصناعاتها الناشئة من الصناعات المماثلة للدول األك<<ثر تق<<دما س<<ببه أن تف<<وق الص<<ناعات‬
‫األجنبية على الصناعات المحلية راجع لدخول هذه الدولة الصناعة متأخرة عن الدول األخرى‪ .‬فالدول<<ة ال<<تي دخلت‬
‫مجال التصنيع أوال استفادت من أسبقيتها بحيث تحقق الصناعة بها مزايا في التم<<وين‪ ،‬اإلنت<<اج والتس<<ويق‪ ،‬ال تتمت<<ع‬
‫بها الصناعة في الدول األخرى‪ .‬وهذه المزايا يترتب عليها تحقيق تخفيض تكاليف اإلنت<<اج‪ ،‬حيث ال يمكن للص<<ناعة‬
‫الناشئة أن تواجه الصناعات المتقدمة‪.‬‬
‫فحسب ليست دور الحماية في هذه الحالة هي فرض رسوم جمركية بحيث ترتفع األسعار التي تعرض به<<ا‬
‫السلعة األجنبية في األسواق المحلية‪ ،‬ح<تى تص<<بح مس<اوية أو أعلى من مثيالته<ا المحلي<ة‪ ،‬في<تردد المس<تهلكون بين‬
‫السلعة المحلية والسلعة األجنبية‪ .‬وتردد المستهلكين أم<<ر ض<<روري لنج<<اح سياس<<ة الرس<<وم الجمركي<<ة الحامي<<ة‪ ،‬فال‬
‫يجب أن تكون الرسوم الجمركية مرتفعة بدرجة تجعل ثمنها مرتفعا مقارنة بالسلعة المحلية بشكل يمن<<ع المس<<تهلكين‬
‫من شراء الس<<لع األجنبي<<ة‪ ،‬ألن<<ه حينئ<<ذ تعتم<<د الص<<ناعة المحلي<<ة على ه<ذه الحماي<<ة‪ ،‬وال تحم<<ل المنتج على تحس<<ين‬
‫جودتها وتخفيض تكاليفها‪ ،‬وبالمثل ال يجب أن تكون الرسوم الجمركية منخفضة أو ضعيفة بدرجة يبقى معها السعر‬
‫الذي تعرض به في الداخل بعد إضافة الرسوم الجمركية أقل من سعر السلع المحلية‪ ،‬وهنا ال يكون أثر لهذه الرسوم‬
‫الجمركية على تقدم الصناعة المحلية وانتشارها‪ .‬وإنم<<ا تقتص<<ر فائ<<دتها على تموي<<ل الخزين<<ة العام<<ة‪ .‬ومن الب<<ديهي‬
‫يجب مراعاة الفرق بين جودة كل من السلعتين عند تحديد الرسوم الجمركية الحامية على السلعة األجنبي<<ة‪ ،‬ألن<<ه من‬
‫الممكن أن يقبل المستهلكون على السلعة األجنبية األحسن ج<<ودة ح<<تى ول<<و عرض<<ت في ال<<داخل بس<<عر مرتف<<ع عن‬
‫السلعة المحلية‪ ،‬بمعنى أن مقدار الرسوم الجمركية الحامية يجب أن يحدد بما يرفع سعر السلعة األجنبي<<ة المس<<توردة‬
‫إلى سعر السلعة المماثلة لها‪.‬‬
‫ويرى ليست أن الحماية يجب أن تكون مؤقتة ومتناقصة‪ ،‬فهي تكون بالقدر الالزم فقط‪ ،‬وتبقى لفترة محددة‬
‫تسمح بنمو الصناعة الناش<<ئة‪ ،‬وتتن<<اقص ت<<دريجيا إلى أن تلغى عن<<د وص<<ول الص<<ناعة المحلي<<ة إلى مرحل<<ة النض<<ج‬
‫واالكتمال‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ آراء كيندلبرجر ‪: Kindelberger‬‬
‫يميز كيندلبرجر ‪Kindelberger‬بين ثالثة أنواع من الحجج في الحماية وهي‪:‬‬
‫أ ـ حجة الصناعات الناشئة ‪.2‬‬
‫ب ـ حجة البلد الجديد ‪.‬‬
‫ج ـ حجة الدفاع واالفتخار ‪.‬‬
‫‪ -‬بالنسبة للحجة األولى فهي نفس آراء فريدريك ليست حتى يسمح للصناعة الوطنية بالتعلم وإنتاج س<<لع ق<<ادرة على‬
‫المنافسة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Benissad (M.E),economie international,OPU, Alger,p212.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Kindelberger (C.P),Economie International, Economica, Paris,1981, p172.‬‬

‫‪32‬‬
‫‪ -‬إن حجة البلد الجديد‪ ،1‬تخص البلد الذي خرج من أزمة أو تحصل على استقالله ح<<ديثا‪ ،‬ل<<ذا يجب ف<<رض الرس<<وم‬
‫الجمركية على السلع األجنبية من أجل تمويل الخزينة العامة‪ .‬فالرسوم في هذه الدول تشكل مصدر تمويل ال يستهان‬
‫به‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬أما حجة الدفاع واالفتخ<<ار ‪ ،‬فتع<<ني أن الرس<<وم الجمركي<<ة تس<<اعد الدول<<ة على تجمي<<ع مزي<<د من الم<<واد الحيوي<<ة‬
‫لمواجهة الحروب االقتصادية بأش<<كالها المختلف<<ة‪ ،‬وت<<رك الفرص<<ة للمنتجين المحل<<يين إنت<<اج الس<<لع ول<<و ك<<ان ثمنه<<ا‬
‫مرتفعا‪ ،‬المهم هو التمكن من إنتاجها محليا‪ ،‬وهذا لمواجهة الحاالت الطارئة‪ .‬ففي هذه الحالة ال يكون لعنصر التكلفة‬
‫االعتبار األول‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ رأي المدرسة الجديدة لكمبرج متناقضة ‪ CRIPPS‬و‪ :GODLEY‬الحماية محفز للتجارة‬
‫اهتم فوج السياسة االقتصادية للمدرسة الجديدة لكمبرج بالصعوبات االقتصادية إلنجل<<ترا مبك<<را‪ ،‬فك<<انت مح<<ل‬
‫دراسة معمقة‪ ،‬هذه الصعوبات دفعت الحكومة إلي أن تختار بين سياسات إنعاش مؤدي<<ة إلي االختالل الخ<<ارجي‪ ،‬أو‬
‫سياسات تقويم مسببة ارتفاع البطالة‪ ،‬وطرحت مشكل التوازن المزدوج ( التوازن الداخلي والتوازن الخارجي) ‪.‬‬
‫في سنة ‪ ،1976‬نشر‪ GODLEY‬و‪ CRIPPS‬مقاال طرحا من خالله وجهة نظر جديدة‪ ،‬وأعادا بموجبها النظر‬
‫في اآلراء السائدة‪ ،‬وفي المزايا التي تحققها الليبرالية وحرية المبادالت‪ ،‬وحاوال إظه<<ار أن التقيي<<د المنظم لل<<واردات‬
‫وحده ق<<ادر على التقليص من البطال<<ة دون أن يتزاي<<د العج<<ز الخ<<ارجي‪ .‬وأن ه<ذه السياس<<ة المنظم<<ة على المس<<توى‬
‫العالمي من شأنها أن تسمح برفع المبادالت الدولية‪.3‬‬
‫ينطلق تحليل ‪ GODLEY‬و‪ CRIPPS‬من مالحظ<<ة هام<<ة وهي إخف<<اق الليبرالي<<ة على مس<<توى السياس<<ات‬
‫االقتصادية الداخلية والخارجية‪ .‬فعلى المستوى الداخلي كثير من البلدان لم تستطع في ظ<<ل الليبرالي<<ة تحقي<<ق المثلث‬
‫السحري " استقرار األسعار‪ ،‬التوازن الداخلي‪ ،‬التوازن الخارجي" ‪ ،4‬فكل سياسة للتشغيل الكامل تؤدي إلى ظه<<ور‬
‫ضغوط تضخمية وعجز الميزان التجاري‪.‬‬
‫ترى المدرسة الجديدة لكمبرج أن التوازن المثالي يستلزم تحقق التوازن الداخلي والتوازن الخارجي في آن‬
‫واحد‪ .‬وبما أن اكتساح أس<<واق خارجي<<ة جدي<<دة غ<<ير ممكن في الم<<دى القص<<ير‪ ،‬فرف<<ع اإلنت<<اج‪ ،‬وزي<<ادة االس<<تثمار‪،‬‬
‫والمداخيل‪ ،‬لن يتم الحصول عليه إال بإعادة غزو السوق الداخلي‪ ،‬وهذا ال يكون إال بالحد من الواردات كش<<رط أول‬
‫لتوسيع المنافذ أمام الشركات المحلية‪ .‬وأن سياسة حمائية مقيدة للواردات‪ ،‬وحدها قادرة على الرفع المتزامن للنواتج‬
‫الوطنية والمبادالت التجارية الدولية في نفس الوقت‪.‬‬
‫إن التحليل المقترح من طرف ‪GODLEY‬و‪ CRIPPS‬للسياسة الداخلية باالنطواء على الداخل ورفض المنافسة‬
‫الخارجية أفكار يقتسمها الكثير‪ ،‬ولكن التجديد واالبتكار في هذا التحليل هو كون تعميم هذا التقييد (الحماي<<ة) ه<<و في‬
‫نفس الوقت محفز للمبادالت ‪.‬‬

‫المطلب ‪ : 3‬تبرير الحماية‬


‫‪1‬‬
‫‪Idem,p175.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Idem,p177.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Henner(H.F),commerce international, Montchrestien, paris , 1989,p232.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Idem ,p233.‬‬

‫‪33‬‬
‫يقسم األستاذ جونسن الحجج المبررة للحماية صنفين‪ ،‬حجج اقتصادية‪ ،‬وحجج غير اقتصادية‪.‬‬
‫‪1‬ـ الحجج غير االقتصادية ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬حجة الدفاع و األمن ‪ :‬وهي من الحجج األكثر رواجا وت<<أثيرا لف<<رض قي<<ود على التج<<ارة الخارجي<<ة‪ ،‬فح<<تى آدم‬
‫سميث أبو الليبرالية في الفكر االقتصادي‪ ،‬أعترف بشرعية هذا الهدف للخروج عن مبدأ حرية التجارة‪ ،‬عن<<دما كتب‬
‫يقول "الدفاع أكثر أهمية من الثروة"‪ .1‬فكل البلدان معرض<<ة لخط<<ر الح<<رب‪ ،‬وق<<د تش<<عر الدول<<ة أن أمنه<<ا مع<<رض‬
‫للخط<<ر‪ ،‬ل<<ذا فهي تعم<<ل على إع<<داد نفس<<ها إع<<دادا جي<<دا بحماي<<ة بعض الص<<ناعات ال<<تي تراه<<ا إس<<تراتيجية لبقائه<<ا‬
‫وديمومتها‪ .‬كما قد تتعارض التجارة مع دول<<ة أو ع<دة دول م<<ع أمنه<<ا أو مبادئه<<ا مث<<ل موق<<ف بعض ال<<دول العربي<<ة‬
‫واإلس<<المية من إس<رائيل بحكم الع<داء ال<ديني والسياس<ي‪ ،‬أو بس<بب خالف إي<ديولوجي كحص<<ار الوالي<ات المتح<دة‬
‫األميركية لكوبا‪ ،‬أو أن دولة ما تمثل خطرا أو تهديدا على أمن وسالمة منطقة أو دولة مجاورة‪ ،‬فتفرض القيود على‬
‫التجارة معها‪ ،‬وهي الحجة التي دفعت بمجلس األمن من فرض الحصار على كل من ليبيا والعراق ‪.‬‬
‫كما قد تتخذ بعض الدول إجراءات منع تصدير بعض المنتوجات عالية التكنولوجيا بحجة المحافظة على األمن‬
‫و السالم في العالم‪ ،‬فتمنع تجارة بعض المركبات اإللكترونية‪ ،‬أو بعض األجزاء من المعدات كونها ق<<د تس<<تعمل في‬
‫إنت<<اج أس<<لحة خط<<يرة كاألس<<لحة النووي<<ة‪ .‬إال أن<<ه كث<<يرا م<<ا تس<<تعمل ه<<ذه الحج<<ة ح<<تى تبقى بعض ال<<دول محتك<<رة‬
‫للصناعات ذات التكنولوجية المتقدمة ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬حجة المحافظة على الطابع الوطني و تجنب التبعية ‪ :‬يؤدي تحرير التج<<ارة الخارجي<<ة واالنفت<<اح المف<<رط على‬
‫الخارج إلى ارتباط السوق الوطنية باألسواق األجنبي<<ة‪ .‬وإذا لم يكن للدول<<ة ق<<درات إنتاجي<<ة‪ ،‬وم<<يزات نس<<بية تحس<<ن‬
‫استغاللها تفقد الدولة استقالليتها في تنظيم اقتصادها وتحقي<<ق أه<<دافها الوطني<<ة‪ .‬وح<<تى تتجنب ه<<ذه التبعي<<ة للخ<<ارج‬
‫وتحافظ على سيادتها االقتصادية وطابعها الوطني تطبق سياسة الحماية التجارية‪ .‬فسرعان ما يتح<<ول عج<<ز م<<يزان‬
‫المدفوعات إلى مديونية ويصبح االقتصاد الخارجي الدائن في مركز قوة لف<<رض ش<<روطه على االقتص<<اد الوط<<ني‪،‬‬
‫ويخضع بالتالي لشروط المؤسسات الدولية مثل البنك العالمي وصندوق النق<د ال<<دولي‪ .‬ب<<ل ق<<د تمت<<د خط<<ورة األم<<ر‬
‫أيضا إلى الدول التي تعتمد على الصادرات في بناء اقتصادها‪ ،‬فالتبعي<<ة قائم<<ة للص<<ادرات و ال<<واردات مع<<ا‪ ،‬فدول<<ة‬
‫مثل اليابان‪ ،‬تتمتع بحرية تجارية في مواجهة الوالي<<ات المتح<<دة األميركي<<ة وتحق<<ق فائض<<ا كب<<يرا‪ ،‬يمكنه<<ا أيض<<ا أن‬
‫تتعرض لمخاطر التبعية‪ ،‬فأمريكا بالنسبة لليابان تمثل محتكر شراء‪ .‬أي أن السوق األميركية تستوعب أكثر من ‪30‬‬
‫‪ %‬من صادرات اليابان‪ .‬وإذا أرادت الواليات المتحدة األميركية‪ ،‬أن توقف النمو الياباني أو تحدث اضطرابات في‬
‫الهيكل الصناعي الياباني‪ ،‬وتع<رض ه<ذا االقتص<اد لخط<ر البطال<ة‪ ،‬م<ا عليه<ا إال أن تض<ع القي<ود أم<ام الص<ادرات‬
‫اليابانية‪. 2‬‬
‫فمن أجل أن تحافظ الدولة على طابعها الوطني وتتجنب التبعية المطلقة على الدولة أن تتبع سياسة حمائية من‬
‫أجل المحافظة على حد أدنى من النشاطات االقتصادية والصناعية يؤمن لها حاجاتها اإلستراتيجية على األقل ‪.‬‬
‫ج‪ -‬حجة حماية القطاع الزراعي ‪ :‬يمثل القطاع الزراعي في كثير من البلدان قطاعا هاما ويمثل المزارع<<ون طبق<<ة‬
‫اجتماعية مهم<<ة‪ .‬وت<<رك القط<<اع ال<<زراعي للمنافس<<ة األجنبي<<ة ق<<د يقض<<ي على الزراع<<ة الوطني<<ة مم<<ا يض<<ر بطبق<<ة‬
‫المزارعين‪ ،‬فحماية القطاع الزراعي تمثل حماية لهذه الطبقة االجتماعية للحف<اظ على االس<<تقرار االجتم<<اعي داخ<<ل‬
‫الدولة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫مصطفى رشدي شيحة‪ ،‬المعامالت االقتصادية الدولية‪،‬دراسة في االقتصاد الدولي من منظور اقتصاديات‬
‫السوق والتحرر االقتصادي‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪ ،‬اإلسكندرية‪،1994،‬ص ‪. 68‬‬
‫‪ 2‬مصطفى رشدي شيحة ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.70‬‬

‫‪34‬‬
‫د‪ -‬الحجة الدينية واألخالقية ‪ :‬فقد تكون تجارة بعض السلع والخ<<دمات منافي<<ة ألخالقي<<ات المجتم<<ع وعقيدت<<ه‪ ،‬فتمن<<ع‬
‫مثل هذه التجارة‪ ،‬كتجارة الخمور والمخدرات في البلدان اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الحجج االقتصادية ‪:‬‬
‫أ ـ حجة حماية الصناعات الناشئة ‪ :‬طبقت هذه السياس<<ة في الوالي<<ات المتح<<دة األميركي<<ة‪ ،‬ففي س<<نة ‪ ،1790‬دش<<ن‬
‫ألكسندر ه<املتن ‪ ALEXANDRE HAMILTON‬وزي<ر ج<ورج واش<نطن للخزين<ة سياس<ة حمائي<ة في الوالي<ات‬
‫المتحدة‪ ،‬وكان الهدف المعلن هو تطوير المعام<ل والمص<<انع في البالد‪ ،‬ه<ذه الفك<رة أع<اد طرحه<ا فري<دريك ليس<ت‬
‫‪ F .LIST‬عند عودته إلى ألمانيا من الواليات المتحدة‪ ،‬وصار أكبر منظري الحمائية ‪.‬‬
‫هاملتن و ليست يوصيان بحماية انتقائية في صالح الصناعات الناشئة (في حالة جنيني<<ة)‪ ،‬خاص<<ة في حال<<ة‬
‫البلدان الجديدة ‪.‬‬
‫ب‪ -‬حجة الصناعة في االحتضار ‪ : SENESCENCE:‬وهي عكس الحالة السابقة‪ ،‬فالحماي<ة تك<ون ض<رورية في‬
‫هذه الحالة‪ ،‬من أجل المحافظة على الصناعات القديمة حتى تستطيع إعادة تكييف ظروفها مع المعطي<ات الجدي<دة أو‬
‫استدراك تأخرها التكنولوجي‪ ،‬وتعود تنافسية مرة أخرى‪ ،‬ه<<ذا الن<<وع من الحماي<<ة يك<<ون أيض<<ا م<<ؤقت ومح<<دود في‬
‫الزمن‪.‬‬
‫ج ـ حجة جذب رؤوس األموال األجنبية ‪ :‬إذا كانت الدول<ة في حاج<ة إلى رؤوس األم<وال األجنبي<ة لتخفي<ف عج<ز‬
‫ميزان مدفوعاتها‪ ،‬أو لتمويل تنميتها‪ .‬لها أن تتبع سياسة حمائية لسوقها الداخلي‪ ،‬ح<<تى ت<<دفع الش<<ركات األجنبي<<ة إلى‬
‫االس<<تثمار في ال<<داخل لتتجنب عبء الرس<<وم الجمركي<<ة‪ .‬فالحماي<<ة الجمركي<<ة ت<<ؤدي إلى رف<<ع أس<<عار منتج<<ات ه<<ذه‬
‫الصناعة في الداخل‪ ،‬وبالتالي رفع معدل الربح المتوقع لالستثمار في هذه الصناعة‪ ،‬ويترتب على ذلك إغ<<راء رأس‬
‫المال األجنبي واستجابته لالستثمار في هذا الفرع من اإلنتاج الوطني لكي يستفيد من معدل الربح المرتفع‪ .1‬وتس<تفيد‬
‫الدولة من دخول رؤوس أموال أجنبية إلنعاش اقتصادها وتخفيف اختالل ميزان المدفوعات ‪.‬‬
‫د‪ -‬حجة السياسة التجارية اإلستراتيجية ‪ :‬يقوم مفهوم السياس<<ة التجاري<<ة اإلس<<تراتيجية للدول<<ة‪ ،‬على تب<<ني إج<<راءات‬
‫تهدف إلى تحويل ريع االحتكار في سوق معين من المؤسسات األجنبية إلى المؤسسات الوطنية‪ ،‬وهذا بتدخل الدول<<ة‬
‫عن طري<ق تق<ديم إعان<ات للمؤسس<ات والش<ركات الوطني<ة‪ ،‬تس<مح له<ا باالس<تحواذ على حص<<ة مهم<ة من الس<وق‪.‬‬
‫وإليضاح هذه األطروحة‪ ،‬يقدم االقتصادي األم<<ريكي ‪ KRUGMAN‬مث<<ال المنافس<<ة بين ش<<ركتا الط<<يران بوين<<غ و‬
‫اربيس ‪ BOEING-AIRBUS‬في س<<وق الط<<ائرات متوس<<طة الحجم ذات ‪ 150‬مقع<<د ‪ ،‬وعلى اعتب<<ار أن الس<<وق ال‬
‫يتحمل إال صانعا واحدا فإن الربح في هذه السوق يقتسم حسب الجدول اآلتي‪: 2‬‬

‫جدول رقم (‪ :)1‬توزيع الربح قبل اإلعانة ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫عادل احمد حشيش و آخرون ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص ‪.207‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Daniel Labarone, Economie Générale, Edition Du SEUIL, PARIS,1998, P20.‬‬

‫‪35‬‬
‫شركة أربيس‬
‫ال تدخل السوق‬ ‫تدخل السوق‬
‫اربيس ‪0‬‬ ‫تدخل السوق اربيس ‪5-‬‬
‫‪100‬‬ ‫بوينغ‬ ‫‪5-‬‬ ‫بوينغ‬
‫شركة بوينغ‬
‫ال ت<<<<<<<<دخل‬
‫‪0‬‬ ‫اربيس‬ ‫اربيس ‪100‬‬
‫السوق‬
‫‪0‬‬ ‫بوينغ‬ ‫‪0‬‬ ‫بوينغ‬

‫إذا قررت الشركتان دخول السوق وصناعة هذا النوع من الطائرات فكل منهما يتحمل خس<<ارة ب ‪ ،5‬ف<<إذا‬
‫دفعت إحدى الشركتين األخرى إلى االنسحاب من السوق‪ ،‬فإنها تحقق ربح ب‪ ،100‬من أجل ذل<<ك على الش<<ركة أن‬
‫تبدي رغبتها في دخول السوق مهما كلفها األمر‪ ،‬وبهذا تثبط من عزيمة الشركة المنافس<<ة وت<<دفعها إلى الخ<<روج من‬
‫المنافسة والسوق‪ ،‬وحتى تقدم الشركة على هذه الخطوة‪ ،‬تتدخل الدولة بتقديم إعانات لها‪.‬‬
‫في مثال ‪ ،KRUGMAN‬الحكومات األوروبية قدمت إعانة لشركة ‪ AIRBUS‬ب‪( 10‬هذه اإلعانة تقدم مهما‬
‫كان موقف شركة ‪ ،)BOEING‬فإن الصانع األوروبي سيحقق ربحا في كل الحاالت ويكتسب السوق‪ ،‬وهذه اإلعان<<ة‬
‫تكون لها آثار مهمة‪ ،‬حيث أن إعانة ب‪ 10‬توافق عائد ب ‪ 100‬حسب الجدول اآلتي‪:1‬‬
‫جدول رقم(‪ : )2‬توزيع الربح بعد اإلعانة‬

‫شركة أربيس‬
‫ال تدخل السوق‬ ‫تدخل السوق‬
‫اربيس ‪0‬‬ ‫تدخل السوق اربيس ‪5+‬‬
‫‪100‬‬ ‫بوينغ‬ ‫‪5-‬‬ ‫بوينغ‬
‫شركة بوينغ‬
‫ال ت<<<<<<<<دخل‬
‫‪0‬‬ ‫اربيس‬ ‫اربيس ‪110‬‬
‫السوق‬
‫‪0‬‬ ‫بوينغ‬ ‫‪0‬‬ ‫بوينغ‬

‫هـ ـ حجة معالجة البطالة ‪ :‬إن إتباع سياسة حمائية‪ ،‬تعني االنطواء على الذات في محاولة لالكتفاء الذاتي‪ ،‬وتوف<<ير‬
‫ك<<ل االحتياج<<ات الوطني<<ة محلي<<ا‪ .‬مم<<ا يع<<ني زي<<ادة في الطلب على المنتوج<<ات الوطني<<ة‪ ،‬وعلى منتوج<<ات أخ<<رى‬
‫لتعويض نقص االستيراد‪ ،‬مما يدفع بالص<<ناعات الوطني<<ة إلى اإلنت<<اج أك<<ثر واس<<تعمال طاقاته<<ا القص<<وى‪ ،‬وبالت<<الي‬
‫زيادة في التشغيل‪ ،‬وامتصاص أعداد هائلة من البطالين ‪.‬‬
‫و ـ حجة تنويع اإلنتاج ‪ :‬يرى بعض أنصار الحماي<<ة أن ع<<دم تخص<<ص االقتص<<اد الوط<<ني في إنت<<اج بعض الس<<لع‪،‬‬
‫وتنويع نواحي اإلنتاج يمثل ضمانا ضد مخاطر الهزات االقتصادية العنيفة ال<<تي ق<<د تزع<<زع مرك<<ز الدول<<ة الم<<الي‪،‬‬
‫فاقتصار الدولة على إنتاج بعض السلع فقط‪ ،‬التي تتمتع في إنتاجها بميزة ق<<د يعرض<<ها إلى نكس<<ات كب<<يرة في حال<<ة‬

‫‪1‬‬
‫‪Daniel Labarone, Op.Cit , P20.‬‬

‫‪36‬‬
‫كساد أسواق هذه السلع‪ ،‬وبينما اعتمادها على االستيراد في باقي السلع والخدمات‪ ،‬يجعله<<ا خاض<<عة لحال<<ة األس<<واق‬
‫العالمية وتقلباتها ‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪:‬أساليب السياسـة التجارية و آثارها االقتصادية‬


‫مدخل‪:‬‬
‫حتى تستطيع الدولة التحكم في قطاعها الخارجي ‪ ،‬تتخذ مجموعة إجراءات تؤثر بها في عالقاتها التجارية مع‬
‫شرائها التجاريين‪ .‬لذا فهي تختار مجموعة متناسقة من الوس<ائل الق<ادرة على الت<أثير في تجارته<ا الخارجي<ة‪ .‬كم<ا‬
‫يمكن مالحظة تأثير هذه اإلجراءات على مختلف القطاعات االقتصادية الوطنية‪ .‬في ه<ذا المبحث س<نحاول التط<رق‬
‫إلى هذه األساليب التي تتبعها مختلف الدول‪.‬‬

‫المطلب ‪ :1‬الرسوم الجمركية وآثارها االقتصادية‬


‫‪ -1‬تعريف الرسوم الجمركية‬
‫‪1‬‬
‫الرسم الجمركي هو ضريبة تفرضها الدولة على سلعة بمناسبة عبورها الحدود الوطني<<ة ودخوله<<ا إقليمه<<ا‬
‫الجمركي في شكل واردات‪ ،‬أو خروجها منه في شكل صادرات‪ ،‬ويستثنى من ذل<<ك الس<<لع الع<<ابرة للح<<دود الوطني<<ة‬
‫تحت األنظمة الجمركية الخاصة كنظام العبور ال<<دولي للبض<<ائع‪ ،‬أم<<ا العب<<ور الوط<<ني ف<<إن االس<<تثناء يك<<ون مؤقت<<ا‪،‬‬
‫والسلع تخضع للرسوم‪.‬‬
‫ويكون مجموع الرسوم المطبقة في الدولة‪ ،‬خالل فترة زمنية معينة التعريفة الجمركية‪ ،‬وهي عبارة عن جدول‬
‫أو قائمة توضح لدى كل دولة‪ ،‬الرس<<وم الجمركي<<ة بأنواعه<<ا المختلف<ة ال<<تي تف<رض على مختل<<ف الس<<لع الداخل<<ة في‬
‫التجارة الدولية للبلد‪ ،‬ويتم وضع هذه التعريفة على أساس النظام المنسق حيث يتم ترتيب السلع حسب أصلها‪ ،‬أص<<ل‬
‫حيواني‪ ،‬أصل نباتي‪..،‬الخ ‪ ،‬وحسب استعماالتها ‪.‬‬
‫أما النظام الجمركي‪ ،‬فهو مجموع القواعد واإلجراءات التي تطبقها إدارة الجمارك في الدول<<ة على ك<<ل م<<ا‬
‫يتصل بالمبادالت التجارية مع العالم الخارجي‪ ،‬مستندة في ذل<<ك إلى الق<<وانين والل<<وائح الداخلي<<ة‪ ،‬أو إلى المعاه<<دات‬
‫واالتفاقيات الدولية‪ .‬وعلى ذلك ينصرف النظام الجمركي إلى الرسوم الجمركية وطريقة جبايتها‪ ،‬وما قد ينص علي<<ه‬
‫من منع بعض السلع من الدخول إلى إقليم الدولة‪ ،‬وكذا اإلجراءات الصحية المتعلقة بمرور السلع …‪.‬الخ‪. 2‬‬
‫وتعتبر التعريفة الجمركية من بين األدوات األساسية التي تلجأ إليها الحكومة لتسوية عالقاتها التجارية الدولية‪،‬‬
‫وتستخدمها لتحقيق هدفين على األق<<ل ‪ ،‬ه<<دف م<<الي وه<<دف حم<<ائي‪ .‬ومن بين ك<<ل األدوات المس<<تعملة في السياس<<ة‬
‫التجارية من أجل التأثير على الواردات‪ ،‬يعتبر الرسم الجمركي أكثر هذه األدوات شفافية‪ ،‬أي أن<<ه من الس<<هل تق<<دير‬
‫آثاره ‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Maurice Bye, Relation Economique Internationale, Op.Cit, P342.‬‬
‫‪2‬‬
‫محمود يونس‪،‬أساسيات التجارة الدولية‪،‬الدار الجامعية الجديدة للطباعة والنشر‪،1991،‬ص‪.58‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Jaime De Melo ,Jean-Mariegrether, Commerce International Théorie Et Application, De‬‬
‫‪Boeck, Belgique,1997,P‬‬

‫‪37‬‬
‫وتفرض الرسوم الجمركية عادة على الواردات من دون الصادرات‪ ،‬فالرسوم على الصادرات نادرة الحدوث‪،‬‬
‫إال في بعض ال<دول المتخلف<ة للحص<<ول على إي<رادات مالي<ة للخزين<ة أو به<دف توف<<ير الس<لع التمويني<ة والمنتج<ات‬
‫األساسية والموارد األولية الالزمة للصناعات المحلية‪ ،‬أو لمكافحة التضخم‪ ،‬وتراكم األرصدة األجنبية‬
‫‪ -2‬أنواع الرسوم الجمركية ‪:‬‬
‫تجرى التفرقة بين أنواع كثيرة من الرسوم الجمركية طبقا ألسس مختلفة ‪ .‬فطبقا ألس<<اس احتس<اب الرس<وم‬
‫الجمركية‪ ،‬نفرق بين ثالثة أنواع ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الرسوم القيمية ‪ :ad valorem‬وهي الرسوم التي تفرض وتقتطع كنسبة مئوية من قيمة السلع الخاضعة للرسم‪2.‬ـ‬
‫الرسوم النوعية‪ :spécifique‬وهي التي تفرض وتصدر بمبلغ معين كمبلغ على كل نوع من أنواع السلع على أساس‬
‫الوحدة من السلعة‪ 1‬بالعدد أو الوزن‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ الرسوم المركبة‪ :‬وهي خليط من الرسوم النوعية والقيمية‪،‬حيث تتضمن رسما نوعيا يضاف إليه رسم قيمي‪.‬‬
‫أما من حيث الهدف من فرض الرسم ‪ ،‬فيمكن التمييز بين الرسوم المالية والرسوم الحمائية ‪.‬‬
‫ـ الرس<<وم المالي<<ة‪ :‬وهي الرس<<وم ال<<تي تؤس<<س به<<دف إيج<<اد م<<ورد م<<الي للخزين<<ة العام<<ة‪ ،‬ويس<<ود اله<<دف الم<<الي‬
‫االقتصاديات النامية أين تمثل الرسوم الجمركية مصدرا رئيسيا إليرادات ميزانية الدولة‪ ،‬ل<<ذا ع<<ادة م<<ا تخت<<ار ل<<ذلك‬
‫السلع ال<<تي يتمت<<ع الطلب عليه<<ا بمرون<<ة س<<عرية منخفض<<ة‪ ،‬فانخف<<اض المرون<<ة الس<<عرية يع<<ني أن ف<<رض الرس<<وم‬
‫الجمركية يترتب عليه ارتفاع الثمن بنسبة أكبر من نسبة انخفاض الكمية‪ ،‬مما يترتب عليه ازدياد اإليراد الكلي ‪.‬‬
‫ـ الرسوم الحمائية‪ :‬هي الرسوم المؤسسة بهدف حماية األسواق الوطنية من المنافسة األجنبية‪ ،‬أو تلك الرس<<وم ال<<تي‬
‫تفرض على السلع التي تتمتع في بالدها بإعانات تصدير ‪.‬‬
‫وفي كثير من األحيان يلعب الرسم الجمركي دورا مزدوجا‪ ،‬فهو يمثل مورد مالي لخزينة الدولة إلى جانب‬
‫حمايته لألسواق المحلية‪ ،‬ويصعب تصنيفه ضمن أحد النوعين السابقين‪ ،‬لذا يقترح هابرلر ‪ HABERLER‬أن يكون‬
‫الرسم ماليا إذا كانت الصناعة المحلية المماثلة تخضع لضريبة تضاهي الرسم المف<<روض‪ ،‬أو ك<<انت الس<<لعة ال تنتج‬
‫أصال في الداخل‪ ،‬أما في األحوال األخرى فيعد الرسم حمائيا ‪.‬‬
‫‪ - 3‬اآلثار االقتصادية للرسوم الجمركية‬
‫إن للرسوم الجمركية آثار عديدة على الظواهر االقتصادية ومن أجل تعميق هذا التحليل‪ ،‬تفترض أن الس<<لع‬
‫موضوع المبادلة هي سلع تامة‪ ،‬استهالكية أو استثمارية‪ ،‬وأن الدولة موضوع الدراسة بلد ص<<غير يخض<<ع لألس<<عار‬
‫الدولية‪ ،‬وال يمكنه التأثير فيها‪ ،‬وأن له إمكانيات إنتاج هذه السلع محليا بنفقات متزايدة‪ .‬وبناءا على هذه االفتراضات‬
‫يمكن أن ندرس اآلثار المترتبة على فرض الرسوم الجمركية‪.‬‬
‫أ‪ -‬أثر الرسم الجمركي على االستهالك ‪ :‬من البديهي أن فرض الرسوم الجمركية يكون في غير ص<<الح المس<<تهلكين‬
‫للسلع األجنبية‪ ،‬ألنهم س<<يدفعون أس<<عارا أعلى أو أنهم يحص<<لون على كمي<<ات أق<<ل‪ ،‬أو أنهم يخض<<عون لكال األث<<رين‬
‫فيحصلون على كميات أقل بأسعار مرتفعة وكما يبدو في الشكل ‪:‬‬

‫الشكل رقم (‪ : )5‬اثر الرسم على االستهالك‬

‫االسعار‪p‬‬ ‫العرض الوطني‪S‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Michel Rainelli,Omc,Op.Cit,P35.‬‬

‫‪38‬‬
‫السعر الداخلي بعد فرص الرسم‬

‫الرسم الجمركي‬
‫السعر العالمي‬

‫الطلب الوطني‬

‫فإن العرض يمثل بالمنحنى (‪ ،)S‬والمنحنى (‪ )D‬يعبر عن الطلب الوطني‪ .‬وفي حالة عدم اس<<تيراد ه<<ذه الس<<لعة من‬
‫الخارج‪ ،‬يتوازن السوق عند النقطة‪ .E‬التي يتقاطع فيها منحنى العرض ومنح<<نى الطلب‪ ،‬ويتم اس<<تهالك الكمي<<ة‪OQ‬‬
‫وهي مجموع ما ينتج في الداخل مقابل السعر‪ OP‬السعر السائد في الس<<وق‪ .‬لكن بإمك<<ان المس<<تهلكون الوط<<نيون أن‬
‫يحصلوا على نفس السلع بالسعر العالمي ‪ ، OP1‬فإذا سادت حرية التجارة‪ ،‬وتحت تأثير المنافسة يض<<طر المنتج<<ون‬
‫الوطنيون إلى بيع سلعهم بالسعر العالمي‪ ،OP1‬وفي حدود هذا السعر يحصل المستهلكون على كمية‪ S0‬من اإلنت<<اج‬
‫الوطني‪ ،‬ويستوردون كمية‪ M0‬من السلع األجنبية‪ ،‬ويكون مجموع استهالكهم‪M0+ S0 = D0‬‬
‫عند قيام الحكومة بفرض رسم جمركي بمقدار‪ P0P1‬فإن السعر الداخلي يرتفع بمقدار الرسم ويصبح ‪،OP1‬‬
‫وس<<يدفع المس<<تهلكون أس<<عارا أعلى بالنس<<بة لك<<ل من الس<<لع المحلي<<ة والس<<لع األجنبي<<ة‪ ،‬فعن<<د ف<<رض الرس<<م يح<<اول‬
‫المستهلكون اجتناب دفع السعر اإلضافي على السلع األجنبية ‪ ،P0P1‬وهذا بش<<راء الس<<لع الوطني<<ة‪ ،‬ولكن يس<<تحيل أن‬
‫يرتفع العرض الوطني من دون أن ترتفع التكلفة الحدية‪ ،‬وعرض المنتجون المحليين يرتفع إلى النقطة‪ ( s‬في هذا‬
‫المستوى تتساوى التكلفة الحدية و السعر)‪ .‬ويدفع المستهلك السعر‪" OP1‬أغلى" بالنسبة للسلع المحلية التي يستهلكها‬
‫بكمية‪ ، S1‬ويستورد كميات أقل من السلع األجنبية بمقدار‪ ، M1‬واالستهالك الكلي ‪.S1+M1 =1D‬‬
‫إن فرض رسم جمركي يؤدي إلى ارتفاع األسعار مما يدفع بالمستهلكين إلى تقليص مشترياتهم بمقدار‪M0M1‬‬
‫‪،‬ويقصى عدد منهم من السوق أو أنهم يتحولون إلى إحالل هذه الس<<لعة بس<<لع بديل<<ة والخس<<ارة الص<<افية للمس<<تهلكين‬
‫والناتجة عن فرض الرسم تمث<ل بالمس<احة المض<<للة في الش<كل (‪ .) ABP1P0‬فقب<ل ف<<رض الرس<م الجم<ركي ك<ان‬
‫اإلشباع الكلي الذي يحصل علي<<ه المس<<تهلكون عب<<ارة عن المس<<احة الواقع<<ة أس<<فل منح<<نى الطلب على يس<<ار الخ<<ط‬
‫العمودي (‪ )AM0‬وبتكلفة يعبر عنها مساحة المس<تطيل(‪،)OP0AM0‬أي ثمن الس<لعة مض<روبا في الكمي<ة المس<تهلكة‬
‫منها‪ .‬و معنى ذلك أن فائض المستهلك يقدر بمساحة المثلث (‪ .)ACP0‬أما بعد فرض الرسم الجمركي‪ ،‬ف<<إن اإلش<<باع‬
‫الكلي الذي يحصل عليه المستهلكون يقدر بالمساحة الواقعة أسفل منحنى الطلب على يسار الخط العمودي (‪.)BM1‬‬
‫وبتكلفة يعبر عنها مساحة المستطيل(‪ ،)OM1BP1‬ومن ثم فقد أصبح ف<<ائض المس<<تهلك عب<<ارة عن مس<<احة المثلث (‬
‫‪ ، )BCP‬وهنا يتضح أن الفائض بعد الرسم الجمركي أقل منه قبل فرض هذا الرسم بمساحة شبه المنحرف (‪P0P1B‬‬
‫‪.)A‬‬
‫كما أن تقليص االستيراد يؤدي إلى تخفيض مقدار المدفوعات الخارجية‪ ،‬لذا تقول‪ J. ROBINSON‬أنه يفضل‬
‫اللجوء إلى الحماية الجمركية وتقليص الدخل الحقيقي للمستهلكين بالفرق بين الس<<عر الوط<<ني والس<<عر الع<<المي‪،‬ه<<ذا‬
‫دفاعا عن اإلنتاج والتشغيل الوطنيين والحافظة على احتياطات الصرف‪ .‬فالحماي<<ة تجع<<ل الجم<<اهير تتحم<<ل الزي<<ادة‬

‫‪39‬‬
‫في السعر‪ .‬بينما التبادل الحر يجعل االقتصاد الوطني ه<<و ال<<ذي يتحم<<ل مجم<<وع األس<<عار له<<ذه المنتوج<<ات بالعمل<<ة‬
‫الصعبة‪. 1‬‬
‫ب ‪ -‬األثر على اإلنتاج ‪ :‬إن فرض رسم جمركي‪،‬يعطي مكاسب للمنتجين الوطنيين الخاض<<عين لمنافس<<ة ال<<واردات‪.‬‬
‫فعند فرض رسوم على السلع األجنبية‪ ،‬فإن سعرها يرتفع في الداخل‪ ،‬مما يؤدي بالمس<<تهلكين المحل<<يين إلى التح<<ول‬
‫إلى استهالك سلع منتجة محليا‪ ،‬وبالتالي يحصل المنتج<<ون المحلي<ون أرباح<<ا ناتج<<ة عن المبيع<<ات اإلض<<افية‪ ،‬وعن‬
‫األسعار المرتفعة التي يسمح بها الرسم الجمركي‪ .‬فحس<ب الش<كل أس<فله نالح<ظ أن ف<رض الرس<وم الجمركي<ة على‬
‫الواردات‪ ،‬قد شجع المنتجين المحليين على زيادة الكمية المعروضة من نفس السلع أومن بدائل الواردات من‪ S0‬إلى‬
‫‪،S1‬وفي نفس الوقت فإن ارتفاع السعر المحلي للمنتجات من ‪ P0‬إلى ‪ P1‬قد أدى إلى تخفيض الكمية المطلوبة منها‬
‫من ‪ M0‬إلى‪ M1‬وهو ما يبرر انخفاض حجم الواردات من ‪ D1‬إلى ‪. D2‬‬
‫الشكل رقم(‪ : )6‬أثر الرسم الجمركي على اإلنتاج‬

‫ويتفاعل المنتجون المحليون مع ارتفاع السعر بالرفع من إنتاجهم طالما كانت العملي<<ة مربح<<ة‪ ،‬وج<<راء ه<<ذه الزي<<ادة‬
‫في اإلنتاج يحقق المنتجون المحليون أرباحا هي الفرق بين اإلي<<رادات اإلجمالي<<ة والتك<<اليف اإلجمالي<<ة‪ ،‬وتأخ<<ذ ه<<ذه‬
‫األرباح شكل شبه منحرف الموجود بين مستقيما السعر ومنحنى العرض ‪.‬‬
‫إن اإليرادات اإلجمالية تساوي حاصل ضرب السعر بالكمية المباعة أي ‪ OP0 *S0‬قبل فرض الرسم‪ ،‬أما بعد‬
‫تأسيس الرسم ‪ ،OP1 * OS1‬ويتضح أن الرسم رفع رقم األعمال اإلجمالي للمنتجين المحليين‪ ،‬لكن ليست ك<<ل ه<<ذه‬
‫اإليرادات عبارة عن أرباح‪ ،‬فجزء من اإليرادات والواقعة تحت منحنى العرض تمثل التكاليف المتغيرة الناتج<ة عن‬
‫الزيادة في اإلنتاج ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬األثر على توزيع الدخل ‪ :‬يوضح الشكل السابق المبلغ ال<<ذي يحص<<ل علي<<ه المنتج<<ون من المس<<تهلكين ( المع<<بر‬
‫عنه بمساحة شبه المنحرف ‪ ،)w‬ففرض الرسوم الجمركية على الواردات‪ ،‬يؤدي إلى ارتفاع أسعار الس<<لع المماثل<<ة‬
‫المنتجة محليا‪ ،‬وهذا من شأنه أن يزيد ويرفع من دخل عناصر اإلنت<<اج المس<<تعملة في ه<<ذه الص<<ناعة المتمتع<<ة به<<ذا‬
‫النوع من الحماية‪ ،‬كما أنه يرفع من دخل المنتجين المحليين‪ ،‬ففرض هذه الرسوم قد حول ج<<زء من ال<<دخل الوط<<ني‬
‫من المستهلكين لصالح المنتجين‪ ،‬وهذا ما يعني إعادة توزيع لج<<زء من ال<<دخل الوط<<ني‪ .‬كم<<ا أن الرس<<وم الجمركي<<ة‬

‫‪1‬‬
‫‪Benissad(M.E),Economie International,Op.Cit,p215.‬‬

‫‪40‬‬
‫تعيد توزيع الدخل الوطني بين عوامل اإلنتاج‪ ،‬بينما التبادل الحر يرفع من سعر العامل المتوفر نسبيا بالنسبة للعامل‬
‫النادر‪ ،‬فإن الحماية الجمركية لها تأثيرات معاكسة إذ ترفع من سعر العنصر النادر نسبيا‪.1‬‬
‫د‪ -‬األثر على اإليرادات المالية للدولة ‪ :‬يعتبر فرض الرسوم الجمركية على السلع األجنبي<<ة وس<<يلة س<<هلة للحص<<ول‬
‫على إي<<رادات إض<<افية لخزين<<ة الدول<<ة ويس<<تخدم في ه<<ذه الحال<<ة لنفس األغ<<راض المالي<<ة ال<<تي تس<<تخدم من أجله<<ا‬
‫الضرائب‪ .‬فعلى مر األزمان كانت التجارة الخارجية تمثل مصدرا لمداخيل الدول<<ة‪ ،‬وفي البل<<دان المتخلف<<ة‪ ،‬الرس<<وم‬
‫الجمركية تمثل المصدر األكثر أهمية لميزانية الدولة‪ ،‬وفي بعض األحيان توضع الرس<<وم الجمركي<<ة به<<دف وحي<<د‪،‬‬
‫وهو توفير مصدر للدخل للدولة ‪.‬‬
‫وقد يتعارض هدف تحقيق الموارد المالية مع هدف حماية الصناعة الناشئة‪ ،‬فإذا كان هدف الدولة هو الحماية‪،‬‬
‫فإن الرسوم الجمركية تفشل في تحقيق غرض الحصول على إيرادات مالية للخزينة العمومية‪ ،‬ألن حماية الص<<ناعة‬
‫المحلية تتطلب تخفيض الكميات المس<<توردة بش<<كل كب<<ير‪ ،‬وبالت<<الي اإلي<<رادات‪ ،‬وعلى ذل<<ك‪ ،‬ف<<إن ك<<ان الغ<<رض من‬
‫الرسم هو الحصول على موارد مالية‪ ،‬فيتعين على الدولة فرض ضريبة داخلية على الس<<لع المحلي<<ة المماثل<<ة للس<<لع‬
‫المستوردة‪ .‬ويمكن لإليرادات التي تحصل عليها الدولة جراء تحصيلها للرسوم الجمركية‪ ،‬أن تظهر في شكل نفق<ات‬
‫عمومية إضافية‪ ،‬أو على شكل مشاريع ذات أبعاد اجتماعية تزيد من رفاهية المجتمع ككل‪.‬‬
‫وفي الشكل السابق يعبر عن إيرادات الدولة بمساحة المستطيل (‪ ،) ABCD‬وهي عبارة عن مقدار الواردات‬
‫من السلع مضروبا في مبلغ الرسم عن كل وحدة‪.‬‬

‫المطلب‪ :2‬نظام الحصص و آثارها االقتصادية‬


‫زيادة عن الرسوم الجمركية " التعريفة الجمركية "‪ ،‬يمكن للدولة أن تتخذ وسائل أخرى من أجل التدخل في‬
‫التجارة الخارجية‪ ،‬لكي تحقق ومصلحتها الوطنية‪ ،‬ويعتبر نظام الحصص من أكثر الوسائل شيوعا وتقليدية‪.‬‬
‫‪ -1‬تعريف نظام الحصص‪:‬‬
‫يقصد بنظام الحصص‪ ،‬ذلك النظام الذي تحدد بمقتضاه الدولة سقفا للواردات من سلعة معينة‪ ،‬في فترة زمنية‬
‫معينة‪ ،‬عادة ما تكون سنة‪ ،‬وهذا السقف يح<<دد تقلي<<ديا ب<<الحجم كم<<ا يمكن أن يك<<ون بالقيم<<ة‪ .2‬ويمكن له<<ذا النظ<<ام أن‬
‫يتراوح ما بين المنع المطلق للواردات وتحديد كميات معينة للدخول إلى الحدود الوطنية‪ .‬كم<<ا يش<<مل ك<<ل إج<<راءات‬
‫التحديدات الكمية للدخول للسوق الوطني‪ .‬ويمكن لهذه الحص<ص أن تك<ون مفروض<ة من ج<انب واح<د أو متف<اوض‬
‫حولها كاتفاقية األلياف المتعددة أو التحديدات اإلرادية عند التصدير‪ .3 RVE‬وبهذا الشكل تف<<رض الدول<<ة قي<<دا كمي<<ا‬
‫على وارداتها‪ ،‬حيث يأخذ هذا القيد شكل الحد األقصى وال يسمح بتج<<اوز الكمي<<ة المح<<ددة أو تك<<ون حص<<ص قيمي<<ة‬
‫وهي طريقة أقل شيوعا كأن يسمح باستيراد في حدود قيمة معينة وع<<ادة م<<ا يتطلب األم<<ر الحص<<ول على ت<<رخيص‬
‫لالستيراد‪ 4‬بدال من القيد السعري الذي تحدثه الرسوم الجمركية ‪.‬‬
‫وتحدد الحصة المستوردة على أساس القيمة‪ ،‬خاصة عندما يكون الغرض هو تخفيض االستيراد دعما لميزان‬
‫المدفوعات‪ .‬على اعتبار أن الحصة القيمية تبين مقدما مقدار العبء الذي يفرضه االستيراد على هذا الم<<يزان‪ .5‬ف<<إذا‬

‫?‬ ‫‪1‬‬
‫‪Benissad (M.E),Cours D'economie Internationale, op.cit, p‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Antoine Bouet ,Le Protectionnismes, analyse économique ,Vuibert ,Paris,1998,p18.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Michel Rainelli,OMC,Op.Cit,P38 .‬‬
‫‪4‬‬
‫جي ‪.‬هوجينندرون‪،‬ب‪.‬براون‪،‬االقتصاد الدولي الحديث‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.514‬‬
‫‪5‬‬
‫محمد الناشد ‪،‬التجارة الداخلية والخارجية ماهيتتها وتخطيطها‪،‬منشورات جامعة حلب‪،1977،‬ص‪255‬‬

‫‪41‬‬
‫كانت الدولة تواجه مشكلة عدم توافر النقد األجنبي فإنها تستطيع عن طريق أجهزتها المعنية تق<<دير كمي<<ة ال<<واردات‬
‫التي يسمح باستيرادها بما يتماشى وحصيلة العمالت األجنبية‪ .‬لذا لجأت أغلب الدول إلى هذا اإلجراء بعدما الحظت‬
‫أن الرسوم الجمركية ال توفر الحماية الكافية القتصادياتها‪.1‬‬
‫إذا كان فرض الرسوم الجمركية يبقي نوعا من العالقة بين األسواق ويترك جهاز الثمن يلعب دورا في توجيه‬
‫المتعاملين في السوق (مستهلكين ومنتجين)‪ ،‬فإن نظام الحصص والرقاب<<ة الكمي<<ة يلغي تمام<<ا ه<<ذا ال<<دور‪ .‬ففي حين‬
‫يبدو األثر الحمائي والتقيي<دي للتج<ارة الدولي<ة للرس<وم الجمركي<ة من خالل تأثيره<ا على أس<عار الس<لع المس<توردة‬
‫فتص<<بح أك<<ثر ارتفاع<<ا‪ ،‬وهي به<<ذا تقلص من الطلب ال<<داخلي‪ ،‬إال أنه<<ا ال تض<<ع ح<<دودا مباش<<رة ومطلق<<ة للتج<<ارة‬
‫الخارجية‪ ،‬فبالرغم من ارتفاع أسعار السلع المس<<توردة إال أنه<<ا تبقى مطلوب<<ة داخلي<<ا‪ .‬وتبقى طائف<<ة من المس<<تهلكين‬
‫المحليين تطلب وتستهلك السلع األجنبية لعدة أسباب‪ ،‬كالبحث عن الجودة العالية لهذه السلع‪ ،‬أو لكونها تلبي رغب<<ات‬
‫ال تستطيع السلع المحلية تلبيتها‪ ،‬أو ألسباب غير اقتصادية كحب ه<<ذه الفئ<<ة ص<<احبة الق<<درة الدخلي<<ة على االس<<تيراد‬
‫ورغبتها في التميز والتفرد باستهالكها كل ما هو مستورد للداللة على المكانة االجتماعية‪.‬‬
‫ولوضع حواجز حازمة وفعالة أمام تدفق السلع األجنبية وغزوها للسوق الوطني‪ ،‬تلجأ ال<<دول إلى اس<<تخدام‬
‫أسلوب كمي مباشر لتقييد المبادالت الدولية‪ ،‬يتمثل في نظام الحصص ‪.‬‬
‫‪ -2‬أصل الحصص واألسباب ‪:‬‬
‫ظهر نظام الحصص وللمرة األولى بفرنسا‪ ،‬حيث كانت تبحث عن أس<عار مرتفع<ة للقمح لحماي<ة فالحيه<ا‪،‬‬
‫وتوفير دخول مناسبة لهم‪ .2‬ثم انتشر العمل بهذا النظام إلى ب<<اقي بل<دان أوروب<<ا والع<<الم‪ .‬ففي س<<نوات الثالثين<<ات من‬
‫القرن الماضي‪ ،‬ونتيجة للسياسة الحمائية األميركي<<ة‪ ،‬تح<<ولت ص<<ادرات القمح األس<<ترالية إلى أوروب<<ا‪ ،‬حيث ك<<انت‬
‫أسعاره منخفضة جدا بش<<كل يه<<دد دخ<<ول منتجي القمح المحل<<يين في فرنس<<ا‪ ،‬ولم يكن أم<<ام فرنس<<ا من وس<<يلة لرف<<ع‬
‫أسعار القمح‪ ،‬ومن ثم حماية دخول المزارعين‪ ،‬سوى فرض قيود كمية في شكل تحديد حصة إلس<<تيراد القمح ح<<تى‬
‫ترتفع األسعار في الداخل ‪.‬‬
‫في البداية خص هذا النظام السلع التي تتميز بع<رض غ<ير م<رن‪ ،‬حيث أن ف<رض الرس<وم الجمركي<ة على‬
‫استيرادها ال يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة أو الحد من انسيابها إلى الداخل‪ ،‬ويتحق<ق ذل<ك غالب<ا بالنس<بة‬
‫للمنتجات الزراعية‪ ،‬التي تتميز منحنيات عرضها بضآلة مرونتها‪،‬كما أن غالبية الدول تطبق سياسات زراعية تدعم‬
‫بموجبها األسعار و الدخول ‪.‬‬
‫ومن األسباب الرئيسية التي تفسر اللجوء إلى نظام الحصص هو عدم معرفة ظروف طلب وعرض السلع‪ ،‬لذا‬
‫يتعذر تحديد المستوى الذي يجب أن ترتفع إليه الرسوم الجمركية إلحداث االنخفاض المطل<<وب في حجم ال<<واردات‪،‬‬
‫كما أن تحديد مستوى كثير من الرسوم الجمركي<<ة يخض<<ع التفاق<<ات تجاري<<ة يتطلب تع<<ديلها ال<<دخول في مفاوض<<ات‬
‫طويلة وعسيرة مع أطرافها‪ .‬السبب اآلخر الذي يفس<ر لج<وء الدول<ة إلى اتب<اع نظ<ام الحص<ص‪ ،‬ه<و ع<دم معرفته<ا‬
‫وجهلها برد فعل المصدرين األجانب‪ ،‬حيث باستطاعتهم الرد على السياسة التعريفية بتخفيض أسعار منتجاتهم‪ ،‬مم<<ا‬
‫يؤدي إلى اإلضرار بالنشاط االقتصادي الوطني ‪.3‬‬
‫‪ -3‬أنواع الحصص‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫بورويس عبد العالي ‪ ،‬دور النظام الجمركي في تحرير التجارة الخارجية‪،‬رسالة ماجستير‪،‬معهد العلوم‬
‫االقتصادية‪،‬الجزائر‪،1997،‬ص‪.98‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Benissad(m.e),cours d'économie international,op.cit,p190‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Benissad(M.E),cours d'économie international,op.cit,p119‬‬

‫‪42‬‬
‫إن فرض نظام الحصص يمكن أن يكون تمييزي‪ ،‬فيخص الواردات من بلد معين‪ ،‬أو مجموعة بلدان‪ ،‬أو غير‬
‫تمييزي‪ .1‬فإذا كان توزيع الحصص على أساس تمييزي‪ ،‬فيتم تحدي<<د حص<<ة لك<<ل دول<<ة‪ ،‬بن<<اءا على ع<<دة عوام<<ل يتم‬
‫على أساس<<ها التمي<<يز أو التفض<<يل‪ ،‬أو بن<<اءا على م<<ا ج<<رى علي<<ه التعام<<ل س<<ابقا خالل الس<<نوات الماض<<ية وطبيع<<ة‬
‫العالقات االقتصادية التجارية التي تربط هذه الدول‪ .‬أما إذا ك<<ان نظ<<ام الحص<<ص غ<<ير تمي<<يزي فيف<<رض على س<<لع‬
‫معينة مهما كان مصدرها‪ ،‬ويترك الحرية للمستوردين في اختيار أو تفضيل سلع دولة دون األخرى‪ ،‬و هذا عادة م<<ا‬
‫يكون على أساس اقتصادي‪ ،‬وقدرة السلعة على االستجابة لمتطلبات الجودة والسعر‪.‬‬
‫وقد تعددت صور تطبيق هذا النظام ‪ ،‬و من أهمها‪.2‬‬
‫أ‪ -‬الحصص اإلجمالية ‪ :‬تحدد الدولة وفق هذا النظام الكمية الكلي<<ة ال<<تي سيس<<مح باس<<تيرادها من س<<لعة معين<<ة خالل‬
‫ف<<ترة زمني<<ة معين<<ة‪ ،‬دون توزي<<ع ه<<ذه الكمي<<ة على ال<<دول المختلف<<ة المص<<درة للس<<لعة أو تقس<<يمها بين المس<<توردين‬
‫الوطنيين‪ .‬ويتم توزيع هذه الحصة اإلجمالية على مدار السنة‪ ،‬وإال ت<<رتب على ذل<<ك ترك<<يز كاف<<ة طلب<<ات االس<<تيراد‬
‫على الشهور األولى من السنة‪ .‬ويتم اس<تهالك ك<ل الكمي<ة في ه<ذه الف<ترة‪ ،‬مم<ا ق<<د يع<رض االقتص<اد الوط<ني إلى‬
‫إختالالت في التموين ‪.‬‬
‫ومن عيوب نظام الحصة اإلجمالية أنها تؤدي إلى إنفراد إحدى ال<<دول المص<<درة بالحص<<ة جميعه<<ا حيث تتمكن‬
‫هذه الدولة من التصدير قبل غيرها بسبب قربها من الناحية الجغرافية إلى الدول<<ة المس<<توردة‪ .‬أو بس<<بب كفاءته<<ا في‬
‫إنتاج السلعة‪ .‬وأيضا تسابق المستوردين الوطنيين لإستنفاذ الحصة جميعها في بداية كل عام‪ ،‬وي<<ترتب على ه<<ذا‬
‫تراكم السلعة في وقت معين من السنة‪ ،‬مع إحتمال نقصها في وقت الحق‪.‬‬
‫‪-‬إستئثار كبار التجار والمستوردين بمعظم الحصة‪ ،‬وذلك لتوفرهم على اإلمكانيات الخاصة بالقيام بعملي<<ة االس<<تراد‬
‫كلها أو معظمها دفعة واحدة‪ ،‬وقد يؤدي ذلك إلى جعل المستورد محتكرا يستطيع أن يفرض األثمان التي تعود علي<<ه‬
‫بأكبر األرباح الممكنة ‪.‬‬
‫ب) الحصة الموزعة ‪ :‬في ظل هذا النظام تقوم الدولة المستوردة بتحديد الحجم الكلي أو القيم<<ة اإلجمالي<<ة المس<<موح‬
‫إسترادها من الخارج‪ ،‬وتقوم بتوزيع هذه الحصة بين مختلف الدول أو المناطق المصدرة للسلعة‪ ،‬حيث تحص<<ل ك<<ل‬
‫دولة أو منطقة على نسبة مئوية من الكمية الكلية‪ .‬ويراعى في هذا التوزيع طبيعة كل من عالقات الدولة مع الخارج‬
‫واتفاقاتها الدولية المحددة لحجم التبادل التجاري‪ .‬أما عن توزيع الحصص بين المستوردين الوطنين‪ ،‬فانه ال يستطيع‬
‫أي منهم االستيراد بدون الحصول على رخصة مسبقة‪ ،‬ويحدد نص<<يب ك<<ل مس<<تورد على أس<<اس نص<<يبه في الف<<ترة‬
‫السابقة‪ ،‬وال تخلو هذه الطريقة من االنتقاد كونها تشل المنافسة وتح<<رم المش<<روعات والمس<<توردين الج<<دد وتض<<من‬
‫أرباحا احتكارية كبيرة لمن استفاد منها‪ .‬لذا يمكن أن يأخذ توزيع حصص اإلستراد عدة أشكال‪:3‬‬
‫‪ -‬يمكن أن تباع الرخص بالمزاد العلني لألكثر عرضا‪.‬‬
‫‪ -‬يمكن أن توزع لطالبيها‪ ،‬على أساس الطالب األول‪.‬‬
‫إن توزيع تراخيص االستيراد على أساس البيع بالمزاد العلني يبعد كل الشبهات عن الجهاز اإلداري الموزع‬
‫لهذه الرخص‪ ،‬والذي في كثير من األحيان يتهم بالرشوة والمحسوبية‪ .‬ويضمن للدولة مداخيل إضافية ناتجة عن هذه‬

‫‪1‬‬
‫‪Antoine Bouet, le protectionnisme, op.cit, p16.‬‬
‫‪2‬‬
‫محمود يونس ‪ ،‬مصدر سبق ذكره ص‪.268‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Antoine Bouet ,le protectionnisme,op.cit,p17.‬‬

‫‪43‬‬
‫الرخص‪ .‬ويقترح األستاذ ميد ‪ MEAD‬أن يوسع نظام المزاد حتى يشمل كافة الواردات‪ ،‬األمر الذي يجله في الواقع‬
‫مزاد عن النقد األجنبي المتاح االستيراد‪.1‬‬
‫ويعاب على هدا النظام كونه ‪:‬‬
‫‪ -‬يؤدي توزيع الحصة على عدد محدود من الدول المصدرة إلى ارتباط االقتصاد الوطني‪ ،‬وتفويت فرص<<ة التنوي<<ع‬
‫في مصادر الحصول على السلع والخدمات ‪.‬‬
‫‪-‬إن اعتماد االقتصاد على عدد محدود من المصدرين‪ ،‬قد يؤدي إلى القضاء على المنافسة كما أنه قد يمنع من دخول‬
‫مصدرين أكثر كفاءة إلى السوق الوطني‪.‬‬
‫‪ -‬االحتجاج الذي قد يصدر من بعض الدول نتيج<ة توزي<ع الحص<ص‪ ،‬فق<د ت<رى بعض ال<دول أنه<ا ع<وملت بص<فة‬
‫تمييزية‪،‬أو أن الحصة الممنوحة غير عادلة في حقها‪ ،‬وقد تتخذ إجراءات ردعية على أساس المعاملة بالمث<<ل‪ ،‬وه<<ذا‬
‫يؤثر على االقتصاد الوطني‪ ،‬وعلى االقتصاد العالمي بالتراجع ‪.‬‬
‫‪ -‬صعوبة توزيع الحصص على المصدرين في الدول المصدرة‪ ،‬ولذا فإن الدولة المستوردة عادة ما تتفق مع الغرف‬
‫التجارية أو الصناعية أو اتحادات المصدرين في الدول المصدرة على توزيع الحص<<ص بين ال<<ذين يقوم<<ون بعملي<<ة‬
‫التصدير مع االحتفاظ بنسبة للمصدرين الجدد‪.2‬‬
‫‪ -4‬اآلثار االقتصادية لنظام الحصص ‪:‬‬
‫يترتب على تطبيق نظام حصص اإلستراد آثار اقتصادية‪ ،‬فمنها ما ينعكس على األسعار‪ ،‬ومنه<ا م<ا يتص<<ل بتوزي<ع‬
‫األرباح اإلضافية الناتجة عن الحصص‪.‬ففي حالة تحديد حصص اإلستراد عند نفس المستوى الذي يؤدي إليه الرسم‬
‫الجمركي‪،‬فيكون لنظ<<ام الحص<<ص نفس اآلث<<ار الناتج<<ة عن الرس<<م الجم<<ركي المك<<افئ‪ ،‬على االس<<تهالك‪ ،‬اإلنت<<اج‪،‬‬
‫وتوزيع المداخيل‪ .‬ويكون الفرق بخصوص اإليرادات الجبائية‪ ،‬التي ال تتزايد بمجرد فرض نظام الحصص‪ ،‬ل<<ذا ق<<د‬
‫تلجأ الدولة إلى تأسيس نظام لبيع رخص اإلستراد للحصول على اإليرادات المالية‪. 3‬‬
‫لدراسة انعكاس نظام الحصص على النشاط االقتصادي علينا أن نجيب على السؤالين ‪:‬كيف ترتفع األسعار الداخلي<ة‬
‫؟ومن المستفيد من هذا االرتفاع؟‬
‫أ‪ -‬األثر على األسعار ‪:‬‬
‫لدراسة أثر نظام الحصص على األسعار ‪ ،‬يمكن أن نفرق بين حالتين ‪ :‬حالة التبادل بين دول<<تين‪ ،‬وحال<<ة التب<<ادل في‬
‫األسواق العالمية ‪:‬‬
‫حالة التبادل بين دولتين ‪:‬‬
‫نفترض ما يلي ‪:‬‬
‫وجود دولتين ‪ ،‬ينحصر التبادل بينهما في ظروف عادية للغ<<رض والطلب بس<<عر ص<<رف ث<<ابت‪ ،‬م<<ع إهم<<ال نفق<<ات‬
‫النقل ‪.‬‬

‫الشكل رقم( ‪ :) 8‬اثر الحصص على االسعار‬

‫االسعار‬
‫البلد المستورد‬
‫‪ 1‬عادل أحمد حشيش و آخرون‪ ،‬أساسيات االقتصاد الدولي‪،‬المرجع السابق‪،‬ص‪.241‬‬
‫‪2‬‬
‫محمود يونس ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪269‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Benissad (m.e), cours d'économie international,op.cit,p189.‬‬

‫‪44‬‬
‫البلد المصدر‬

‫ب‬ ‫أ‬

‫ج‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫هـ‬ ‫ز‬

‫ل‬
‫ق‬ ‫ن‬

‫الكمية‬

‫في ظل سوق مفتوح‪ ،‬وتبادل حر للسلع بين الدولتين‪،‬يس<<ود الس<<عر (أد)‪،‬وعن<<د ه<<ذا المس<<توى من الس<<عر نالح<<ظ أن‬
‫الدولة المصدرة "ص"‪ ،‬تنتج هذه السلعة بالكمية (دج) ‪ ،‬فتستهلك منها الكمية (دو) محليا‪ ،‬وتصدر الكمي<ة (وج) إلى‬
‫الدولة المستوردة "س" ‪ ،‬التي بدورها تنتج محليا الكمية (ده) وتستهلك الكمية (دز)‪ ،‬وهذا يعني أنها تستورد الكمي<<ة‬
‫(ه ز) من الدولة "ص" وهي كمية مساوية للكمية (وج) ‪ .‬ف<<إذا رغبت الدول<<ة "س"في أن تش<<جع الص<<ناعة الوطني<<ة‬
‫من هذه السلعة‪ ،‬أو رغبت في أن تحافظ على توازن حساباها الدولية فقد تحدد كمية إسترادها فتنقصها إلى الكمية (م‬
‫ن) ال<<تي تس<<اوي (هـ ز\‪ ،)2‬وعن<<دها يرتف<<ع الثمن في ال<<داخل إلى (أ ك) وي<<زداد الع<<رض المحلي إلى(ن ك)‪،‬كم<<ا‬
‫ينخفض الطلب إلى(م ك) ويغطى الفرق (م ن) بين العرض والطلب المحلي عن طريق اإلستراد‪.1‬‬
‫إن فرض الدولة المستوردة" س" نظام الحصص على إستراد السلع من ال<<دول المص<<درة "ص" ي<<ؤدي إلى ارتف<<اع‬
‫األسعار الداخلية في الدول<<ة المس<<توردة ‪ ،‬كم<<ا أن الكمي<<ات المنتج<<ة محلي<<ا ت<<زداد فتص<<بح تس<<اوي ( دن)‪ ،‬وينخفض‬
‫االستهالك الكلي من (دز ) إلى ( دم ) ‪.‬‬
‫كم<<ا يحق<<ق المس<<توردون المحلي<<ون أرباح<<ا إض<<افية ناتج<<ة عن ارتف<<اع األس<<عار الداخلي<<ة ‪ ،‬وانخفاض<<ها في الدول<<ة‬
‫المصدرة‪ ،‬فيشترون السلعة بالسعر (أل) و يبيعونها في الداخل بسعر ( أك ) ‪ ،‬ويكون مقدار ربحهم اإلضافي الن<<اتج‬
‫عن التفاوت في األسعار بين الدولتين مساويا ‪:‬م ن * ل ك ‪.‬‬
‫*التبادل في السوق الدولية ‪:‬‬
‫سنفترض بداية أن الدولة المستوردة‪ ،‬دولة صغيرة وال يمكنها التأثير في العرض أو الطلب الدوليين‪ ،‬وهذا ما يجعل‬
‫منحنى العرض العالمي أفقيا بالنسبة لهذه الدولة ‪ ،‬كما في الشكل التالي‪.‬‬

‫الشكل رقم(‪:)9‬التبادل في السوف الدولية‬

‫‪1‬‬
‫محمد الناشد ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.260‬‬

‫‪45‬‬
‫و‬
‫ز‬

‫هـد‬
‫)ع(‬
‫ع‬

‫)ط(‬

‫أ‬
‫ب‬
‫ج‬
‫يعبر المستقيم (ع ع) عن العرض العالمي بالنسبة للدولة‪ ،‬ويدل على أن الدولة يمكنها أن تستورد الكمية ال<<تي تش<<اء‬
‫بثمن ثابت مقداره (أ ع)‪ ،‬وعند هذا الثمن‪ ،‬تستورد الكمية (أ ج)‪ .‬فإذا ق<<ررت الدول<ة تخفيض الكمي<ة المس<توردة إلى‬
‫النصف فحددتها بالكمية (أب)‪ ،‬فإن الثمن العالمي يظل ثابتا‪ ،‬أما الثمن في السوق الوطني<<ة فإن<<ه يرتف<<ع ليس<<اوي (ب‬
‫و)‪ ،‬حيث تعت<بر النقط<ة "و" على منح<نى الطلب عن الثمن ال<ذي يواف<<ق المش<تري على دفع<ه عن<دما تك<ون الكمي<ة‬
‫المعروضة (ب أ)‪ .‬وبذلك يحقق المستورد الوطني ربحا إضافيا مقداره وهـ* أ ب ‪ .1‬ويظهر هذا الربح في المس<<احة‬
‫المظللة في الشكل ‪.‬‬
‫ب = األثر على توزيع األرباح ‪:‬‬
‫يؤدي فرض نظام الحصص على سلعة من السلع المستوردة إلى إيج<<اد تف<<اوت بين الس<<عر في الخ<<ارج والس<<عر في‬
‫الداخل‪ ،‬مما ينتج عنه أرباحا إضافية‪.‬لكن ما هي األطراف المستفيدة من هذه األرباح‪.‬‬
‫يميز األستاذ ميد ‪ ، James mead‬في هذا الشأن خمس إمكانيات‪: 2‬‬
‫‪-‬في حالة وجود ت<<راخيص اإلس<<تراد ‪،‬ي<<ذهب بعض ال<<ربح إلى من بي<<ده أم<<ر توزي<<ع ال<<تراخيص‪ ،‬وذل<<ك على ش<<كل‬
‫هدية(رشوة)يقدمها التاجر المستورد حتى يبت في أمر توزيع الحصة في صالحه‪.‬‬
‫_ في حالة عدم وجود نظام التراخيص‪ ،‬وكانت اإلدارة فوق الشبهات فإن الربح اإلضافي يك<<ون من نص<<يب الت<<اجر‬
‫المستورد‪.‬‬
‫_ حالة قيام الدولة بتحديد سعر السلعة المستوردة بغية الحد من استغالل المس<<تهلك‪ .‬غ<ير أن ه<<ذا اإلج<<راء ال يمكن<<ه‬
‫منع االستغالل إذ يضطر المشتري الثاني على دفع الربح اإلضافي إلى المشتري األول ال<ذي تمكن‪ ،‬لس<بب م<ا ك<أن‬
‫تربطه عالقة مع المستورد‪ ،‬من الحصول على السلعة ‪.‬‬
‫‪ -‬قد تفرض الدولة رسما على إستيراد السلعة بحيث تستولي على الربح اإلضافي بدال من تركه لألفراد ‪.‬‬
‫‪ -‬قد يعمل المصدر األجنبي على استغالل هذه الحالة فيرفع من ثمن البيع ويستولي بنفسه على الربح اإلضافي ‪.‬‬

‫المطلب‪ : 3‬اإلعانات و آثارها االقتصادية‬


‫‪1‬‬
‫محمد الناشد ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪260‬‬
‫‪2‬‬
‫عادل احمد حشيش و اخرون ‪،‬المرجع السابق ‪،‬ص‪237‬‬

‫‪46‬‬
‫‪ - 1‬تعريف اإلعانات‪:‬‬
‫يقصد باإلعانات كأحد أدوات السياسة التجارية تلك المساعدات والمنح المالية المباشرة وغير المباشرة التي‬
‫تقدمها الدولة لصناعة أو منتجات معينة‪ ،‬وكذا كل اإلجراءات التي يكون الغرض منها تشجيع المص<<درين المحل<<يين‬
‫على مزاولة نشاطهم في األسواق العالمية‪ ،‬وتدعيم مركزهم التنافسي‪،‬سواءا من الناحية الكمية (حجم الصادرات) أو‬
‫الكيفية(نوع المنتجات) أو الخدمات المقدمة ‪.‬‬
‫واإلعانة لإلنتاج ( التصدير) هي مساعدة مالية من الدولة لصناعة معينة‪ ،‬بنسبة مئوية من القيمة المنتجة أو‬
‫المصدرة (إعانة قيمية)‪ ،‬أو بمبلغ معين عن كل وحدة منتجة أو مصدرة ( إعانة نوعية)‪ .1‬وتعرف المنظم<<ة العالمي<<ة‬
‫‪2‬‬
‫للتجارة اإلعانة بأنها كل تدخل للسلطات العمومية من شأنه أن يمنح ميزة للمستفيد من هذا التدخل‬
‫‪ - 2‬أنواع اإلعانات ‪:‬‬
‫يمكن أن نصنف اإلعانات إلى صنفين ‪:‬‬
‫ا‪ -‬اإلعانات المباشرة ‪ :‬وهي اإلعانات والمساعدات المقدمة مباشرة إلى المشروع بغرض تحسين دورة االس<<تغالل‪،‬‬
‫وتقدم في شكل مبالغ مالية محسوبة على أساس قيمي أو نوعي ‪ .‬و تحس<<ب ه<<ذه النس<<بة عن<<د التص<<دير على أس<<اس‬
‫سعر ‪ ، FOB‬كما يمكن للسلطات العمومية أن تح<<دد س<<عر ه<<دف‪ ،‬واإلعان<<ة الوحدوي<<ة تس<<اوي الف<<رق بين الس<<عر‬
‫الهدف والسعر العالمي‪.3‬‬
‫ب ‪ -‬اإلعانات غير المباشرة ‪ :‬وتتمث<<ل ه<<ذه اإلعان<<ات في منح المش<<روع بعض االمتي<<ازات بغ<<رض تحس<<ين حالت<<ه‬
‫المالية‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك‪:‬‬
‫* اإلعفاءات الضريبية ‪ :‬ومنها االستثناء من بعض الضرائب أو الخفض من معدالتها أو رد ما دفع منها‪ ،‬أو إعفاء‬
‫جزء من األرباح من الضرائب إذا ما استخدم في أغراض معينة هدفها زيادة إنتاجية المشروع ‪.‬‬
‫* التسهيالت اإلئتمانية‪ :‬سواء ما تعلق منه<<ا ب<<القروض قص<<يرة األج<<ل أو الق<<روض طويل<<ة األج<<ل‪ ،‬وذل<<ك بخفض‬
‫أسعار الفائدة‪ ،‬وزيادة حجم السلفيات‪ ،‬والتسامح في آجال الدفع ‪.4‬‬
‫* تقديم بعض الخدمات التي تسهل للمص<<درين من الوص<<ول إلى األس<<واق العالمي<<ة‪ ،‬كالدعاي<<ة‪ ،‬تس<<هيل اإلتص<<االت‬
‫بالمستوردين المحليين‪ ،‬وإقامة المعارض ‪.‬‬
‫‪ - 3‬اإلعانات كأداة للسياسة التجارية ‪:‬‬
‫اإلعانة التصدير هي إجراءات حمائية تسمح للشركات والمنتجين المحليين بالبيع في الخارج بس<<عر أق<<ل من الس<<عر‬
‫الوطني‪ ،‬كما يمكن للدولة أن تدعم استعمال س<لع وطني<ة ب<دال من اس<تعمال الس<لع المس<توردة‪ ،‬ل<ذا تعم<د العدي<د من‬
‫الدول إلى تقديم إعانات مباشرة‪ ،‬وغير مباشرة للمؤسسات المحلية‪.‬‬
‫اإلعانات المباشرة أو إعانات االستغالل هي األكثر ظه<ورا‪ ،‬وهي ال<تي له<ا أث<ر مباش<ر على تك<اليف اإلنت<اج‪ ،‬لكن‬
‫اإلعانات األخرى عادة ما تكون له<ا آث<ار غ<ير مباش<رة على األس<عار والتنافس<ية ويمكن ذك<ر المس<اعدات المقدم<ة‬
‫لالس<<تثمار‪ ،‬تخفيض الض<<رائب‪ ،‬تخفيض األعب<<اء االجتماعي<<ة‪ ،‬اإلعف<<اءات من الرس<<وم الجمركي<<ة عن<<د التص<<دير‪،‬‬
‫الحصول على أسعار فائدة مخفضة‪ .5‬وبما أن إعانات االنتاج ليست ب<<إجراءات عن<<د الح<<دود‪ ،‬فهي تعت<<بر إج<<راءات‬
‫داخلية‪ ،‬ولكل دول<<ة كام<<ل الحري<<ة في التص<<رف في ش<<ؤونها الداخلي<<ة‪ ،‬وتنظيم اقتص<<ادها‪ ،‬له<<ذا فق<<د أغفلت منظم<<ة‬
‫‪1‬‬
‫‪Antoine Bouet, le protectionnisme,op.cit,p15‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Antoine Bouet, le protectionnisme,op.cit,p16‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Antoine Bouet, le protectionnisme,op.cit,p15‬‬
‫‪4‬‬
‫عادل احمد حشيش واخرون ‪،‬المرجع السابق ‪،‬ص‪223‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Henner(h.f),commerce international,op.cit,p217‬‬

‫‪47‬‬
‫‪ GATT‬التط<رق إلى ه<ذا الن<وع من السياس<ة التجاري<ة‪ .‬إال أن<ه وفي س<نوات الس<بعينات‪ ،‬ش<هدت ه<ذه اإلج<راءات‬
‫الداخلية الموجهة لمساعدة اإلنتاج المحلي زيادة كبيرة‪ ،‬فحسب دراسة‪ P. MESSERLIN‬فإن هذه النسبة تطورت‬
‫من ‪ %2‬إلى ‪ %3‬من الناتج الداخلي الخام ‪ PIB‬ما بين سنوات ‪ 73‬و ‪ 77‬في بلدان ‪.1 OCDE‬‬
‫وفي جولة طوكيو تم التطرق إلى أسلوب اإلعانات ك<<أداة للسياس<<ة التجاري<<ة‪،‬حيث تم التط<<رق إلى إعان<<ات‬
‫التصدير‪ ،‬وإعانات اإلنتاج‪ ،‬وكذا كل اإلجراءات الموجهة مباشرة إلى مس<<اندة ومس<<اعدة اإلنت<<اج المحلي وال<<تي له<<ا‬
‫تأثيرات مباشرة أو غير مباشرة على تيار التبادل الدولي من أجل الحد منها كونها عج<<زت‪ ،‬وفي كث<<ير من األحي<<ان‬
‫عن تقويم الصناعة الوطنية المدعمة ‪.‬‬
‫أ‪ -‬أثر اإلعانات على المستهلكين و المنتجين‪ :‬في كثير من ال<<دول تق<<وم الحكوم<<ة بتق<<ديم ال<<دعم لتش<<جيع الص<<ناعات‬
‫التصديرية بها‪ ،‬ويعد هذا الدعم بمثابة رسوم جمركية س<<البة على الص<<ادرات‪ .‬بالنس<<بة القتص<<اد ص<<غير ال يس<<تطيع‬
‫التأثير على أسعار صادراته أو واردات<ه ف<إن ه<ذا ال<دعم ي<ؤدي إلى ارتف<اع الس<عر ال<ذي يحص<ل علي<ه المص<درين‬
‫المحليين ‪.2‬‬
‫الشكل رقم(‪ : )10‬اثر االعانات على المستهلكين‬

‫يظهر وضع التوازن في سوق إنتاج السلعة عند الكمي<<ة التوازني<<ة ن ‪.‬وعن<<د الس<<عر الت<<وازني أ‪ .‬وه<<و س<<عر أق<<ل من‬
‫السعر العالمي س‪.‬مما يعني أن لهذه الدولة ميزة نسبية في إنتاج السلعة وتستطيع تصديرها‪ .‬وعند هذا المس<<توى من‬
‫السعر العالمي تكون الكمية المعروضة أكبر من الكمية المطلوبة محليا‪ ،‬ويقاس فائض العرض بالمس<<افة ق ب‪ ،‬ه<<ذا‬
‫الفائض يتم تصديره إلى الخارج‪ ،‬ف<<إذا أرادت الدول<ة تش<جيع الص<<ادرات ودف<<ع المص<<درين إلى تص<<دير المزي<د من‬
‫السلع و توجيه إنتاجهم للسوق العالمي بدال من السوق المحلي‪ ،‬فإنها تس<<تطيع تنفي<<ذ ذل<<ك من خالل تق<<ديم دعم نق<<دي‬
‫مباشر للمنتجين‪ ،‬بمقدار أ هـ ‪ ،‬وعند هذا السعر الجديد‪ ،‬فإن المنتجين المحليين يعرضون كمي<<ات أك<<بر ( من ب إلى‬
‫ج)‪ ،‬في حين يتراجع الطلب المحلي (من ق إلى د ) ‪ ،‬و يزداد بالتالي فائض الع<<رض ( ج د ) حيث ( ج د ) > (ب‬
‫ق )‪ ،‬هذه الزيادة يتم توجيهها للتصدير للخارج ‪.‬‬
‫تتسبب اإلعانات الموجه<<ة ل<<دعم الص<<ناعات التص<<ديرية في رف<<ع الس<<عر المحلي ‪ ،‬مم<<ا ي<<ؤدي إلى انخف<اض الطلب‬
‫المحلي على السلعة‪ ،‬ويتم استهالك كميات أقل منها محليا‪ ،‬مما يؤدي إلى نقص رفاهي<<ة المس<<تهلك ويتم تحوي<<ل ه<<ذا‬
‫الفائض من المستهلك إلى المنتج الذي يتحصل على أرباح إضافية نتيجة ارتفاع الكميات المصدرة من السلعة ‪.‬‬

‫المطلب ‪ : 4‬اإلغراق والمعايير و آثارها االقتصادية‬

‫‪1‬‬
‫‪Antoine Bouet,le protectionnisme,op.cit,p16‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد سيد عابد ‪،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪239‬‬

‫‪48‬‬
‫‪ - 1‬تعريف ‪:‬‬
‫اإلغراق هو سياسة تنتهجها الدول أو الشركات اإلحتكارية‪ ،‬قصد اكتساب حصة أكبر في األسواق‪ ،‬أو الدخول‬
‫إلى أسواق جديدة‪ .‬وهو أحد الوسائل التي تتبعها الدولة أو المشروعات االحتكاري<ة للتمي<يز بين األس<<عار في ال<داخل‬
‫وتلك السائدة في الخارج‪ ،‬حيث تكون األخيرة منخفضة عن السعر الداخلي للسلعة مضافا إليه نفقات النقل و غيره<<ا‬
‫من النفقات المرتبطة بانتقال السلعة من السوق الوطنية إلى األسواق األجنبية‪.1‬‬
‫تختلف تعاريف اإلغراق من كاتب اقتصادي آلخر‪ ،‬أو بالنظر إلى الزاوية التي يحلل منها‪ ،‬والتعريف الشائع‬
‫لإلغراق هو محاولة بيع السلعة في األسواق الدولية بأقل من تكلفتها‪ ،‬أو على األقل بيع السلعة دوليا بس<<عر يق<<ل عن‬
‫السعر المحلي‪ .2‬و ينطوي هذا التعريف على صعوبة تحديد تكلفة السلعة‪ ،‬فه<ل يقص<<د به<ا تكلف<ة اإلنت<اج الحدي<ة‪ ،‬أم‬
‫المتوسطة‪ ،‬أم هل هذه التكلفة تخص كل اإلنتاج‪ ،‬أم الفائض المصدر للخارج فقط ؟ كما أن الظروف المحيطة بعملية‬
‫البيع لها دور أيضا فهل يرجع اختالف األسعار الداخلية والخارجية لظروف معينة أو أنها مقصودة‪ ،‬فقد تلج<<أ بعض‬
‫الدول إلى التخلص من بعض السلع بأسعار أقل من السعر الداخلي أو الدولي‪ ،‬نظرا للمرحلة التي تمر بها ‪ ،‬كأن تمر‬
‫بمرحلة كساد أو تدفعها حاجتها الماسة للعمالت األجنبية‪ ،‬بأن ترضى بسعر أقل ‪.‬‬
‫ولعل أشمل التعريفات وأدقها‪ ،‬بأنه بيع السلعة في األسواق األجنبية بثمن يقل عن الثمن الذي تب<<اع ب<<ه نفس‬
‫السلعة وبنفس الشروط في الس<<وق الداخلي<<ة‪ .‬أهمي<<ة ه<<ذا التعري<<ف يظه<<ر عن<<د وض<<ع التش<<ريعات الخاص<<ة بف<<رض‬
‫ضرائب اإلغراق‪ ،‬فيجب على المشرع أن يتأك<<د من أن<<ه يق<<ارن نفس الس<<لعة ( الس<<لع تنقس<<م إلى أص<<ناف مختلف<<ة)‪.‬‬
‫كذلك البد أن يكون مقارنة األثمان في وقت واح<<د‪ ،‬فمن الج<<ائز أن تتغ<<ير األثم<<ان في الف<<ترة المنقض<<ية بين الس<<لعة‬
‫ووصولها‪ ،‬كذلك يجب أن نتأك<<د من أن س<<عر ال<<بيع في الس<<وق المحلي والع<<المي يتض<<من نفس الش<<روط فكث<<يرا م<<ا‬
‫يتساوى السعر إال أن الشروط تختلف كأن يكون البيع بالنقد في ألحد السوقين‪ ،‬وباألجل في السوق اآلخر‪. 3‬‬
‫ويمكن أن نميز بين ثالثة أشكال من اإلغراق‪: 4‬‬
‫*اإلغراق االقتصادي ‪ :‬ويظهر عندما تقوم الدول بدعم المصدرين المحليين عن طريق إعانات اإلنتاج‪ ،‬التي تس<<مح‬
‫بتخفيض مصطنع لتكاليف اإلنتاج ‪.‬‬
‫*اإلغراق االجتماعي ‪ :‬يقصد ب<<اإلغراق االجتم<<اعي اعتم<<اد بعض البل<<دان في ص<<ناعتها على ي<<د عامل<<ة رخيص<<ة‪،‬‬
‫وك<<ذلك ض<<عف أو انع<<دام الحماي<<ة االجتماعي<<ة‪ ،‬ففي مث<<ل ه<<ذه الح<<االت تتغلب الص<<ناعات المعتم<<دة على األج<<ور‬
‫المنخفضة‪ ،‬والتكاليف االجتماعية الزهيدة ‪.‬‬
‫*اإلغراق النق<<دي ‪ :‬ويواف<<ق المحافظ<<ة على مع<<دل ص<<رف منخفض مقاب<<ل العمالت األخ<<رى‪ ،‬وه<<ذا بتق<<ييم العمل<<ة‬
‫الوطنية بأقل من قيمتها الحقيقية ‪ ،‬دعما للصادرات المحلية ‪.‬‬
‫‪ -2‬أنواع اإلغراق ‪:‬‬
‫ينقسم اإلغراق إلى أنواع هي ‪:‬‬
‫أ ـ اإلغراق المستمر ‪ :‬يشترط لقيام ه<<ذا الن<<وع من اإلغ<<راق ‪ ،‬أن يتمت<<ع المنتج باحتك<<ار ق<<وي‪ ،‬نتيج<<ة حص<<وله من‬
‫السلطات العمومية على امتياز إلنتاج السلعة‪ ،‬أو أن<<ه يحتك<<ر تكنولوجي<<ة جدي<<دة‪ ،‬وك<<ذا تمت<<ع المش<<روع تزاي<<د العل<<ة‬

‫‪1‬‬
‫زينب عوض اللـه‪،‬االقتصاد الدولي‪،‬الدار الجامعية للطباعة والنشر‪،‬بيروت‪،1998،‬ص‪302‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد سيد عابد ‪،‬المرجع السابق ‪،‬ص‪247‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد عبد العزيز عجمية‪،‬النقود البنوك والعالقات االقتصادية الدولية‪،‬دار النهضة العربية‪،‬بيروت‪،‬ص‬
‫‪387‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Daniel Labaronne, Economie générale, le Seuil, Paris,1998,p11.‬‬

‫‪49‬‬
‫وتناقص التكلفة أي أن زيادة اإلنت<<اج ت<<ؤدي إلى تخفيض التك<<اليف‪.‬ويتحق<<ق ه<<ذا الن<<وع من اإلغ<<راق من خالل قي<<ام‬
‫المنتج المحتكر بتمييز سعر سلعته في األسواق الدولية حسب درجة مرونة الطلب عليها بحيث يق<<وم ببيعه<<ا بأس<<عار‬
‫منخفضة ويفرض أسعار مرتفعة محليا ‪.‬‬
‫ب‪-‬اإلغراق المؤقت ‪ :‬يع<<ني المنتجين بي<<ع س<<لعهم بأس<<عار أق<<ل من التكلف<<ة‪ ،‬و ذل<<ك بف<<رض الس<<يطرة على الس<<وق‪،‬‬
‫واستبعاد المنافسين المحليين أو األجانب من المنافسة‪ ،‬وبعد التأكد من اكتساب السوق يتجه إلى رفع أس<<عار منتجات<<ه‬
‫لتعويض ما تحمله من خسائر‪.1‬‬
‫ج‪ -‬اإلغراق الدوري‪ :‬وهو اإلغراق ال<ذي يح<دث عن<دما يتم بي<ع الس<لعة دولي<ا بس<عر منخفض عن الس<عر المحلي‪،‬‬
‫بغرض التخلص من سلع فائضة من موسم معين وه<<و ع<<ادة يح<<دث م<<ع الس<<لع الزراعي<<ة في المواس<<م ال<<تي تس<<جل‬
‫فائض إنتاج معتبر حتى تتفادى انخفاض األسعار المحلية وبالتالي المحافظة على دخل مناسب للمزارعين ‪.‬‬
‫‪ -3‬اإلغراق كأداة للسياسة التجارية ‪:‬‬
‫كثيرا ما تلجأ الدول و المؤسسات الراغبة في اكتساب أسواق جديدة إلى اإلغراق كأداة من أدوات السياسة التجارية‪،‬‬
‫في محاولة منها لفرض سلعها في البلدان المستوردة بأسعار أق<<ل مم<<ا أنتجت ب<<ه‪ ،‬وفي الحقيق<<ة هن<<اك دواف<<ع عدي<<دة‬
‫تجعل المؤسسات تتبع مثل هذه السياسة‪ ،‬منها محاولة االستفادة من اإلنتاج الكب<ير‪ ،‬فق<د تج<د المؤسس<ة في اإلغ<راق‬
‫الوسيلة المناسبة لحل مشكل ضيق السوق المحلية‪ .‬فإذا أص<<بحت المؤسس<<ة تنتج بأق<<ل من طاقته<<ا القص<<وى‪ ،‬يص<<بح‬
‫اللج<<وء إلى األس<<واق األجنبي<<ة أك<<ثر من ض<<روري فتزي<<د من اإلنت<<اج وتس<<تعمل طاقته<<ا القص<<وى‪ .‬فزي<<ادة اإلنت<<اج‬
‫لمواجهة السيطرة على األسواق الجديدة بأسعار منخفضة سوف تنقص التكاليف‪ ،‬وتحول االنخفاض في األسعار من‬
‫حقيقة مؤقتة إلى حقيقة دائمة‪ .‬ويعتبر اإلغراق المؤقت أك<ثر أش<كال اإلغ<راق خط<ورة ويوص<ف بأن<ه في كث<ير من‬
‫األحيان باإلغراق الشرس‪ ،‬ألنه يبدأ متخفيا في صورة إنخفاض في األسعار ثم ما يلبث أن يظهر في صورة إرتف<<اع‬
‫حاد في األس<<عار بع<<د أن يتأك<<د المنتج<<ون من تمكنهم من الس<<وق وس<<يطرتهم عليه<<ا‪ ،‬ل<<ذا فه<<و يعت<<بر من السياس<<ات‬
‫العدوانية‪ ،‬الهادفة إلى إضعاف المؤسسات المنافسة‪ ،‬وإخراجها من األسواق‪ ،‬أو من<<ع دخوله<<ا لألس<<واق الجدي<<دة ل<<ذا‬
‫يتجه المزيد من الدول إلى مكافحة مثل هذه األشكال من المنافسة غير الشريفة‪ ،‬وتفرض رس<<وم جمركي<<ة تعويض<<ية‬
‫أو رسوم مكافحة اإلغراق‪ .‬وتفرض إجراءات عقابية على ال<<دول أو المؤسس<<ات ال<<تي تم<<ارس اإلغ<راق‪ ،‬بإخض<<اع‬
‫سلع هذه الدول والمؤسسات إلى رسوم جمركية تعويضية أو رسوم مكافحة اإلغراق ‪.‬‬
‫‪ -4‬اآلثار االقتصادية لإلغراق ‪:‬‬
‫ونستطيع أن نميز بين اآلثار الناتجة عن هذه السياسة في كل من الدولة المطبق لإلغراق و الدولة المغ<<رق في<<ه‪.‬فأم<<ا‬
‫في البلد المطبق لإلغراق‪ ،‬فإنه يستفيد من زيادة حجم الصادرات‪ ،‬وبالتالي زيادة مستوى الدخل الوطني‪ ،‬كما يستفيد‬
‫المنتجون المحليون من إتساع السوق‪ ،‬ويمكنهم اإلغ<<راق من اس<<تغالل الطاق<<ات المتاح<<ة بالكام<<ل‪ ،‬وال تبقى طاق<<ات‬
‫معطلة أما المستهلكون المحليون فإنهم لن يتضرروا طالما بقية األسعار ثابتة‪ ،‬بالرغم من أنهم لن يستفيدوا من زيادة‬
‫اإلنتاج وانخفاض التكاليف ‪.‬‬
‫أما عن األثر في الدولة المغ<رق فيه<ا‪ ،‬ف<إذا ك<ان اإلغ<راق مؤقت<ا فإن<ه يض<ر بمص<الح المنتجين المحل<يين و يحملهم‬
‫خسائر كبيرة‪ ،‬قد تؤدي إلى القضاء على الص<<ناعة المحلي<<ة‪ ،‬كم<<ا ان<<ه يض<<ر بالمس<<تهلكين‪ ،‬ألن<<ه س<<رعان م<<ا ترتف<<ع‬
‫األسعار بعد سيطرة المنتجون األج<<انب على الس<<وق المحلي<<ة‪ ،‬أم<<ا إذ ك<<ان اإلغ<<راق مس<<تمرا فإن<<ه يمكن الدول<<ة من‬

‫‪1‬‬
‫‪kindelberger ,economie international,op.cit,p204.‬‬

‫‪50‬‬
‫الحصول على المنتجات بأسعار منخفضة تفيد المستهلك الوطني‪ ،‬بل و ق<<د تفي<<د المنتجين الوطن<<يين أيض<<ا إذا ك<<انت‬
‫المنتجات المغرقة تساعد على قيام صناعة تحتاج إلى مثل هذه الواردات ‪.‬‬
‫‪ -5‬المعايير الصحية ‪ ،‬التقنية ‪ ،‬البيئية و اإلجراءات اإلدارية ‪:‬‬
‫من واجب الدولة بص<فتها القائم<ة على المص<الح العام<ة‪ ،‬أن تحاف<ظ على ص<حة وس<المة مواطنيه<ا‪ ،‬ونظ<را لنقص‬
‫المعلومات المتوفرة لدى المس<<تهلكين عن المنتج<<ات العدي<<دة والمختلف<ة‪ ،‬ف<<إن الدول<<ة تش<<ترط ت<<وفر ع<دة مع<<ايير في‬
‫المنتوجات المستوردة لحماية المستهلكين المحليين ‪.‬‬
‫فه<<ذه المع<<ايير وض<<عت أص<<ال لحماي<<ة المس<<تهلك والمحافظ<<ة على ص<<حته‪ .‬ولن<<ا أن ن<<ذكر هن<<ا م<<ا وق<<ع بع<<د حادث<<ة‬
‫تشرنوبيل‪ ،‬وتلوث كل المواد باإلشعاعات‪ ،‬وانتقال اإلشعاع إلى بعض الدول المجاورة‪ ،‬فبعض الدول التي ال تطب<<ق‬
‫مثل هذه المعايير ظنت بأنها عقدت صفقات‪ ،‬وهي في الواقع استوردت مواد سامة ‪.‬‬
‫لكن يمكن أن تتخذ بعض الدول هذه المعايير كأداة من اجل التدخل في التج<ارة الخارجي<ة‪ ،‬وتك<ون ك<ذلك إذا طبقت‬
‫هذه المعايير على السلع المستوردة فقط‪ .‬فيمكن إلج<<راءات مراقب<<ة موافق<<ة المنتوج<<ات لمع<<ايير الص<<حة و األمن أن‬
‫تحد من تدفق الواردات‪ ،‬إذ يمكن لعمليات المراقبة المطبقة على بعض المواد القابلة للتل<<ف‪ ،‬أن ت<<دوم من ال<<وقت م<<ا‬
‫يكفي لجعل هذه المواد فاسدة وغير قابلة لالستهالك ‪.‬‬
‫أما بالنسبة للمعايير التقنية‪ ،‬فهذه الرقابة تتعلق أساسا بالكيف أو خصائص السلعة أو مواصفاتها‪ ،‬فلكل دولة أن تضع‬
‫المواصفات الخاصة بها‪ ،‬والتي تتفق مع ظروف الصناعة المماثلة الداخلية‪ ،‬لتحقيق المنافسة المتكافئة أو التي تش<<بع‬
‫االحتياج<<ات على أعلى مس<<توى‪ ،1‬ويمكن أن تك<<ون مطلوب<<ة على مس<<توى األداء أو أن تك<<ون مع<<ايير خصوص<<ية‬
‫‪ SPECIFIQUE‬ويمكن أن يعطى مثال العوازل الحراري<<ة والكهربائي<<ة‪ ،‬فيمكن الحص<<ول على نفس مس<<توى األداء‬
‫في العزل باستعمال تقنيات متعددة‪ ،‬فإذا كانت المعايير الموضوعة مبنية على مستوى األداء تظه<<ر أق<<ل حمائي<<ة من‬
‫المعايير الخاصة‪ ،‬ألن في األخيرة‪ ،‬كل المنتوجات التي تستعمل نفس تقنية العزل المطلوبة محليا تس<<تعبد وتمن<<ع من‬
‫الدخول إلى السوق الوطني‪ ،‬حتى و إن كان مستوى األداء نفسه‪ ،‬فما على المص<<در األجن<<بي س<<وى أن ينس<<حب من‬
‫السوق أو يغير التقنية المستعملة التي تتطلب تكاليف إضافية في المال والوقت‪. 2‬‬
‫كما يمكن للسلطات العمومية أن تجعل من بعض اإلجراءات اإلدارية‪ ،‬حواجز في وجه المبادالت التجارية الدولي<<ة‪،‬‬
‫فبطؤ اإلجراءات اإلدارية‪ ،‬والتضييق على المندوبين التجاريين‪ ،‬أو التعسف في اإلجراءات الجمركية‪ ،‬ك<<ل ه<<ذا من‬
‫شأنه التأثير على المصدر األجنبي وتجعله ينفر ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫مصطقى رشدي شيحة ‪،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪89‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Henner (h.f),op.cit,p….‬‬

‫‪51‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬تحرير التجارة و السياسة التجارية الحديثة ‪:‬‬
‫مدخل‪:‬‬
‫أدى لجوء كثير من الدول إلى الحد من حرية التجارة الدولي<<ة‪ ،‬وف<<رض القي<<ود عليه<<ا‪ ،‬إلى توزي<<ع الم<<وارد‬
‫اإلنتاجية على مختلف فروع اإلنتاج على نحو ال يتفق مع اعتب<<ارات الكف<<اءة اإلنتاجي<<ة في ال<<داخل والخ<<ارج‪ ،‬وأدت‬
‫التدخالت المستمرة للدول والحكومات في المجال التج<اري ال<دولي إلى تف<ويت ف<<رص الرف<اه ال<تي يوفره<ا الس<وق‬
‫الحر للدولة والعالم ككل ‪.‬‬
‫إن سياسة حرية التجارة تعني عدم تدخل الدولة في العالقات التجارية الدولية‪ ،‬وترك الحرية لعوامل اإلنت<<اج‬
‫للتوزع حسب معايير السوق والكفاءة االقتصادية والمردودية المالية‪.‬وسياسات حرية التجارة‪ ،‬هي عودة مرة أخرى‬
‫إلى تطبيق المبادئ المثالية النظرية االقتصادية‪ ،‬والتي ترى أن أهم وظيفة للسوق هي تحقي<<ق المنافس<<ة ‪ ،‬والمنافس<<ة‬
‫تتضمن بذاتها الكفاءة االقتصادية والعدالة االجتماعية‪ .‬والكفاءة االقتصادية ب<دورها تحق<ق الح<د األدنى من اإلنت<اج‪،‬‬
‫والتوزيع األمثل للموارد و الجودة المرتفعة للسلعة‪ ،‬واإلنتاجية المرتفعة بالنسبة للمشروعات والصناعة‪ ،‬أما العدال<<ة‬
‫االجتماعية فهي تحقق بتوافر الثمن العادل المنخفض والتنافس واتساع نط<<اق االختي<<ار‪ ،‬وت<<وافر الب<<دائل للمس<<تهلك‪.‬‬
‫وتحقيق التجارة العادلة بين المشروعات ‪ ،‬والبقاء لألصلح واألكفأ ‪.‬‬

‫المطلب ‪ : 1‬حجج حرية التجارة‬


‫ينظر مؤيدو سياسة تحرير المبادالت التجارية الدولية‪ ،‬للتجارة الخارجية بنفس نظرتهم إلى التجارة الداخلية‪ ،‬من‬
‫على أنها من مظاهر التعاون والتكامل‪ ،‬بصرف النظر عن الحدود الجغرافي<<ة والسياس<<ية‪ ،‬ل<<ذا فهم ي<<دعون إلى رف<<ع‬
‫كل الحواجز و القيود التي قد تعيق تدفق السلع والخدمات عبر الحدود‪ ،‬ويقدمون لذلك حجج من أهمها ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ منافع التخصص و تقسيم العمل ‪:‬‬
‫إذا كانت هناك حرية في التبادل فإن السوق تصبح واسعة وشاملة ألسواق عدد كبير من الدول‪ ،‬ويتحول الس<<وق من‬
‫سوق صغير إلى سوق كبير‪ ،‬متسع‪ ،‬و متعدد ومتنوع‪ ،‬ومن الممكن في هذه الحالة أن يكون تقسيم العمل على نط<<اق‬
‫دولي‪ ،‬وتتخصص كل دولة في اإلنت<اج لم<ا يناس<ب ظروفه<ا الطبيعي<ة والتاريخي<ة ف<يزداد إنتاجه<ا ويرتف<ع مس<توى‬
‫رفاهيتها‪ ،‬وبالتالي تتحقق الرفاهية لدول العالم‪.‬‬
‫إن تحرير التجارة من كل القيود‪ ،‬يؤدي إلى التوزيع العقالني للجهد و المهارات والمع<<ارف اإلنس<<انية في ك<<ل ف<<رع‬
‫من فروع اإلنتاج‪ ،‬واالستفادة من الف<<روق والمه<<ارات الطبيعي<<ة والتاريخي<<ة في خل<<ق ظ<<روف إنتاجي<<ة مواتي<<ة لك<<ل‬
‫إقتصاد وصناعة ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ منافع المنافسة ‪:‬‬
‫إن مناخ المنافسة الذي تحققه حرية التجارة‪ ،‬يؤدي منافع جمة على المستهلكين والمنتجين معا‪ ،‬فالمنافسة تعمل على‬
‫االرتفاع بمستوى اإلنتاجية‪ ،‬نتيجة تنافس المنتجين في استخدام وسائل اإلنتاج األكثر تطورا وفعالية‪ ،‬فيستفيدون من‬
‫مزايا اإلنتاج الكبير وتنخفض النفقات‪،‬فيعود هذا بالفائدة على المستهلكين الذين تت<<وفر لهم أج<<ود أص<<ناف المنتج<<ات‬
‫بأسعار معقولة فتعظم بذلك منفعتهم‪ ،‬وتتيح لهم االختيار بين السلع والبدائل المتاحة‪.‬‬
‫‪ -3‬الحرية تشجع التقدم الفني ‪:‬‬
‫حيث تتنافس الدول في إنتاج السلع‪ ،‬وهذا بدوره يعمل على زيادة حركة و تنقل عوام<<ل اإلنت<<اج بين ف<<روع اإلنت<<اج‪،‬‬
‫وهذا مهم جدا لكفاءة الصناعة حيث تستطيع األخيرة أن تختار ظروف اإلنتاج المالئمة‪ ،‬والتقنيات الحديثة والفعال<<ة‪،‬‬

‫‪52‬‬
‫مما يشجع التقدم الفني وتحسين وسائل اإلنتاج بإدخال التجديدات الفني<<ة و التكنولوجي<<ة‪ .‬وب<<ذلك يض<<من الع<<الم أج<<ود‬
‫المنتجات بأرخس األثمان‪ .‬ويتاح إنتقال التكنولوجية دون عوائق‪ ،‬وتسعى كل دولة إلى تطبيق التغيرات التكنولوجية‬
‫الجديدة‪ ،‬فيرتقي الهيكل الصناعي بها‪،‬كما تستطيع كل دولة أن تستفيد من التقدم الفني المحقق في الدول األخرى ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ الحرية تحد من قيام اإلحتكارات ‪:‬‬
‫فالحرية والمنافسة تؤدي إلى الحد من قيام االحتكارات‪ ،‬والممارسات الهادفة للسيطرة على األسواق المحلية‪ ،‬وبه<<ذا‬
‫نتجنب مساوئ االحتكار من تحديد الكميات‪ ،‬وفرض المحتكرللسعر‪ ،‬وكذا فرض نوعية المنتوج وعدم توافر فرص‬
‫اإلختيار أمام المستهلك‪ .‬إن عزل السوق الوطني على السوق العالمي‪ ،‬تساعد على قيام مشروعات وصناعات غ<<ير‬
‫كفأة‪ ،‬ال تستطيع خفض التكاليف إلى حدها األقصى‪ ،‬وبس<<بب ش<<عورها باألم<<ان من المنافس<<ة‪،‬فإنه<<ا ال تكل<<ف نفس<<ها‬
‫عناء إدخال التجديدات و االستثمارات لتحسين النوعي<<ة والكمي<<ة المنتج<<ة‪ ،‬وهك<<ذا تعم<<ل اإلحتك<<ارات المحلي<<ة على‬
‫إضعاف اإلقتصاد الوطني ‪.‬‬

‫المطلب ‪ : 2‬تحرير التجارة والمنظمات الدولية‬


‫كان لالضطرابات الكبيرة التي ميزة االقتصاد الدولي ما بين الح<ربين الع<المتين‪ ،‬كانع<دام اس<تقرار أس<عار‬
‫الصرف وتدهور نظام المدفوعات الدولية وما نتج عنه من تراجع في مستويات التنمية وتراجع في التج<<ارة الدولي<<ة‬
‫نتيج<ة اتخ<اذ ال<دول األس<اليب الحمائي<ة المتش<ددة مم<ا عرق<ل انتع<اش االقتص<اد الع<المي‪ .‬ك<ل ه<ذه األس<باب دفعت‬
‫بالمجموعة الدولية إلى العمل للخروج من هذا الوضع االقتصادي الحرج بالتعاون فيما بينها‪ .‬وتجلى ذلك في ظه<<ور‬
‫مجموع<<ة من المنظم<<ات المالي<<ة والتجاري<<ة كص<<ندوق النق<<د ال<<دولي والبن<<ك ال<<دولي واتفاقي<<ة الغ<<ات إلع<<ادة تنظيم‬
‫المبادالت الدولية سواء فيما يتعلق بالتبادل السلعي‪ ،‬أو فيما يخص الموارد النقدية الالزمة لهذه الحركة‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ صندوق النقد الدولي و دوره في تحرير التجارة‪:‬‬
‫أنشئ صندوق النقد الدولي‪ ،‬وفقا التفاقيات بربتون وودز‪ ،‬في جويلية ‪ ،1944‬وأمضت على االتفاقية ‪ 44‬دولة‪،‬‬
‫وأكثر مهامه أهمية هي تسير سعر الصرف‪ ،‬حيث يهدف إلى تجنب التعديالت العنيفة‪ .1‬وقد تمثلت أهداف الصندوق‬
‫كما نصت عليها المادة األولى من اتفاقية إنشائه في‪:‬‬
‫‪ -‬تعزيز التعاون النقدي الدولي‪.‬‬
‫‪ -‬تيسير التوسع والنمو المتوازن للتجارة الدولية‪.‬‬
‫‪ -‬تحقيق قدر مناسب من االستقرار في أسعار الصرف‪.‬‬
‫‪ -‬المساعدة على إنشاء نظام متعدد األطراف للمدفوعات الدولية المتعلقة بالمعامالت الجارية بين األعض<<اء وإزال<<ة‬
‫القيود المفروضة على تحويل النقد التي تعوق نمو التجارة الدولية‪.‬‬
‫‪ -‬تقديم المساعدة لألعضاء عن طريق جعل الموارد العامة للص<ندوق متاح<ة الس<تخدامهم بص<فة مؤقت<ة بض<مانات‬
‫كافية‪ ،‬وإتاحة الفرصة أمامهم لتصحيح االختالالت في موازين مدفوعاتهم دون اللجوء إلى اتخ<<اذ ت<<دابير من ش<<أنها‬
‫تقويض دعائم االستقرار والنمو والتجارة الدولية‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬العمل على تقصير مدة االختالالت في موازين مدفوعات وتخفيف حدتها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Michel Rainelli,O.M.C,edition Casbah,1997,p16‬‬
‫‪2‬‬
‫فخر الدين الفقي‪ ،‬الجوانب االساسية لعالقة صندوق النقد الدولي بالدول العربية‪ ،‬بنك الكويت الصناعي‪،‬‬
‫الكويت‪،1996،‬ص‪11‬‬

‫‪53‬‬
‫وقد حرص الصندوق على التأكد من قدرة الدول األعضاء على المحافظة‪ ،‬في األجل القص<<ير على أس<<عار ص<<رفها‬
‫ثابتة وأنه لن تجرى أي عملي<<ات لتغي<<ير س<<عر الص<<رف من قب<<ل أي دول<<ة إال بس<<بب حاج<<ة ض<<رورية فعال كإزال<<ة‬
‫اختالل دائم في ميزان المدفوعات‪ ،‬وأنه لن تتم أي عمليات معاملة بالمثل من قبل الدول األخرى‪ ،‬إذا ما قامت إحدى‬
‫الدول بإجراء تخفيض ما في قيمة عملتها الوطنية‪ ،‬حيث أن مصير مثل هذه السياس<<ات أن يلغى بعض<<ها البعض من‬
‫حيث األثر التصحيحي النهائي المطلوب لميزان المدفوعات‪ .1‬كذلك اختص الصندوق بتقديم قروض قص<<يرة األج<<ل‬
‫لحكومات الدول األعضاء‪ ،‬وذلك لتغطية عجز مؤقت في ميزان المدفوعات أو دعم إستقرار أس<<عار الص<<رف فه<<و‬
‫يلعب دورا مهما في معالجة ميزان مدفوعات الدول األعضاء‪ ،‬والحفاظ على إستقرار أسعار صرفها‪ ،‬بالشكل ال<<ذي‬
‫يدعم المركز المالي والنقدي الدولي بما له من تأثير على التجارة الدولية‪ ،‬فضال عن تقديم التسهيالت المختلف<<ة ال<<تي‬
‫تساعد الدولة على لنهوض من األزمة التي قد تقع فيها بسبب ظروف خارجة عن إرادتها‪.‬‬
‫وتحت ضغط التطورات الدولية في مجال الصرف األجنبي التي صاحبت إرتفاع أسعار البترول عالميا في‬
‫السبعينات‪ ،‬واضطراب إقتصاديات عديد من البلدان انتهت إتفاقي<ة بريت<ون وودز‪ ،‬وم<ع ذل<ك اس<تمر ص<<ندوق النق<د‬
‫الدولي الذي تغيرت مهامه مع ذلك تبعا لتغير الظروف‪ .‬ومن أهم ما نذكر هنا أن اتفاقية جاميك<<ا ع<<ام ‪ 1976‬ق<<امت‬
‫بتعديل الئحة الصندوق حتى تسمح بنظام تعويم أسعار الصرف وتؤكد على عدم مالئمة نظام الذهب كأساس لتسوية‬
‫المدفوعات الدولية‪ .2‬إثر اإلنهيار الكبير الذي عرفته التنمي<ة الدولي<ة‪ ،‬وظه<ور أزم<ة الكس<اد التض<<خمي‪ ،‬وأص<<بحت‬
‫العديد من الدول تعاني من عجز مزمن في ميزان مدفوعاتها‪ ،‬تزايد دور صندوق النقد ال<<دولي بش<<كل ملح<<وظ بداي<<ة‬
‫من عقد الثمانينات‪ ،‬خاصة في الدول النامية‪،‬التي عانت باإلضافة إلى عجز موازين مدفوعاتها‪ ،‬من زي<<ادة وارتف<<اع‬
‫م<<ديونيتها الخارجي<<ة ال<<تي أص<<بحت تعي<<ق تنميته<<ا‪ .‬وبداي<<ة من منتص<<ف التس<<عينيات لم يع<<د البرن<<امج اإلص<<الحي‬
‫للصندوق مقتصرا على مقترحات خاصة بأسعار الصرف وكيفية تعويمها بل تعدى ذل<<ك إلى كيفي<<ة تنظيم الق<<روض‬
‫ودف<<ع أقس<<اط ال<<ديون وفوائ<<دها المس<<تحقة أو إع<<ادة ج<<دولتها‪ ،‬وامت<<د فيم<<ا بع<<د ليش<<مل مقترح<<ات خاص<<ة بالسياس<<ة‬
‫اإلقتصادية للدولة الطالبة لمساعدته‪ ،‬كاقتراحه الحد من التضخم في ه<<ذه ال<<دول عن طري<<ق تنظيم اإلص<<دار النق<<دي‬
‫وتنظيم اإلئتمان المصرفي والحد من العجز في الميزانية العامة للدولة‪ ،‬وترك الحرية للقطاع الخ<<اص‪ ،‬والتقلي<<ل من‬
‫تدخالت الدولة في النظام اإلقتصادي‪ .‬لذلك يقوم الصندوق بإعداد البرامج المختلفة وضبط سياسات التكييف الالزمة‬
‫والمتماشية وظروف البلد العضو بعد تشخيص ظروفه اإلقتصادية بالتعاون مع خبراء البلد العضو ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أثر سياسة الصندوق عل تحرير التجارة الخارجية ‪:‬‬
‫يعتمد صندوق النقد الدولي في تدخالته لمساعدة الدول على إع<ادة الت<<وازن لم<<يزان م<<دفوعاتها وإرج<<اع االس<<تقرار‬
‫ألسعار صرفها‪،‬على ثالث سياسات تتمثل في ‪:‬‬
‫‪ -‬سياسة التكييف ‪.‬‬
‫‪ -‬سياسة الرقابة على أسعار الصرف ‪.‬‬
‫‪ -‬سياسة التسهيالت المقدمة من طرف الصندوق ‪.‬‬
‫وحتى يتسنى للدولة استخدام موارد الصندوق‪ ،‬فإنه ينبغي التأكد من حسن إستخدام هذه الموارد بالشكل الذي يقض<<ي‬
‫على أسباب الخلل‪ .‬وحتى يتأكد من إمكانية إستعادة هذه األموال‪ ،‬يعد الصندوق برامج مختلفة تحتوي على ‪:‬‬
‫‪ -‬تشخيص أسباب وطبيعة الخلل الموجود في ميزان المدفوعات؛‬
‫‪1‬‬
‫عبد الرحمان يسري ‪ ،‬االقتصات الدولية ‪،‬الدار الجامعية ‪،‬االسكندرية‪،2000،‬ص‪302‬‬
‫‪2‬‬
‫عبد الرحمان يسري ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.302‬‬

‫‪54‬‬
‫‪ -‬تحديد أهداف اإلدارة االقتصادية التي تسعى إلى عالج هذا الخلل من خالل برنامج زمني محدد؛‬
‫‪ -‬تحديد السياسات المالية والنقدية المختلفة التي تصحب تنفيذ البرنامج‪.1‬‬
‫وفي سنة ‪ 1980‬واستجابة للظروف والتحوالت االقتصادية بالبالد النامية استحدث الصندوق برامج التعديل‬
‫الهيكلي والتي تشمل مزيج من السياسات التي يمكن تلخيص أهدافها النهائية في‪:2‬‬
‫‪ -‬االنفتاح على السوق العالمية بتحرير التجارة الخارجية ؛‬
‫‪ -‬تخفيض وإعادة هيكلة النفقات ؛‬
‫‪ -‬تحرير األسعار ورفع القيود الداخلية على التجارة وتشجيع االستثمار الخاص‪.‬‬
‫ويستعمل من أجل تحقيق وبلوغ هذه األهداف وسائل السياسة االقتصادية التالية‪:‬‬
‫‪ -‬تخفيض قيمة العملة ؛‬
‫‪ -‬رفع الدعم عن األسعار ؛‬
‫‪ -‬ضبط الميزانية بتطوير نظام الجباية؛‬
‫‪ -‬الحد من المستوى الحقيقي لألجور؛‬
‫‪ -‬رفع القيود اإلدارية والكمية على الواردات وإدخال التعريفات الجمركية‪.‬‬
‫تهدف السياسة الخارجية المتضمنة في برامج التصحيح الهيكلي‪ ،‬إلى تخفيض درجة الحماية وتنمي<ة قط<اع‬
‫الصادرات‪ .‬في حين تفرض ضرورة تحرير الواردات نفسها بنفسها لتموين القطاعات االقتصادية بالسلع الوس<<يطية‬
‫والتجهيزات الضرورية غير المتوفرة في السوق المحلية‪ .‬وهكذا يتضح دور الص<<ندوق في تش<<جيع تحري<<ر التج<<ارة‬
‫الدولية وهذا باقتراحه على الدول األعض<<اء تحري<<ر تجارته<<ا الخارجي<<ة‪ ،‬واغتن<<ام مزاياه<<ا النس<<بية وتحس<<ين فعالي<<ة‬
‫جهازها اإلنتاجي وتشجيع التصدير‪ ،‬وتحرير الصرف األجنبي وإعطاء العملة الوطنية قيمته<<ا الحقيقي<<ة‪ ،‬وك<<ذا حث<<ه‬
‫على عقلنة نظام التعريفة الجمركية وتخفيض التقييدات الكمية وتبسيط إجراءات الدفع الخارجي‪.‬‬
‫‪ -3‬البنك العالمي ودوره في تحرير التجارة‪:‬‬
‫أنشئ البنك العالمي لإلنشاء والتعمير‪ ،‬وفقا التفاقية بريتون وودز في عام ‪ ،1944‬وهو مكمل لصندوق النقد‬
‫الدولي‪ .‬ففي حين أن هذا األخير يهدف إلى تنمية التجارة الدولية وتحريرها وإتاحة التمويل المتوسط األجل لمعالج<<ة‬
‫ميزان المدفوعات‪ ،‬فقد كانت أغراض البنك تتلخص في‪:‬‬
‫‪ -‬مساعدة في بناء اقتصاد الدول األوروبية التي دمرتها الحرب العالمية الثانية‪.‬‬
‫‪ -‬تش<<جيع عملي<<ات االس<<تثمار الخ<<ارجي ال<<تي يق<<وم به<<ا األف<<راد والهيئ<<ات الخاص<<ة عن طري<<ق ض<<مان الق<<روض‬
‫واالستثمارات‬
‫‪ -‬يقوم البنك بتقديم المال الالزم لهذه العمليات من رأس ماله‪.‬‬
‫‪ -‬العمل على نمو التجارة الدولية نموا متوازن طويل المدى والمحافظة على موازين المدفوعات الدولية‪.‬‬
‫‪ -‬تنظيم القروض المقدمة من البنك او المضمونة منه‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫دبيش احمد‪،‬دوافع واجراءات تحرير الصرف والتجارة الخارجية في الجزائر‪،‬رسالة ماجستير في العلوم‬
‫االقتصادية‪،1997،‬ص‪84‬‬
‫‪ 2‬دبيش أحمد‪ ،‬المرجع السابق‪،‬ص‪109‬‬
‫‪3‬‬
‫صبحي تادرس قريصة‪ ،‬مدحت محمد العقاد‪ ،‬النقود والبنوك والعالقات االقتصادية الدولية‪ ،‬دار النهضة‪،‬‬
‫بيروت‪ ،1982،‬ص‪330‬‬

‫‪55‬‬
‫وهكذا تمثل الهدف األساسي من إنشاء البنك الدولي في إقراض الدول األعضاء لمساعدتها في إعادة اقتصادها الذي‬
‫دمرته الحرب العالمية الثانية‪ ،‬فقد كانت دول أوروبا الغربية تعاني من الدمار‪ ،‬ومن العجز في م<<وازين م<<دفوعاتها‪.‬‬
‫لكن بعد انتهاء مرحلة إعادة البناء والتعمير األوروبية‪ ،‬ونظرا لمس<<توى التق<<دم االقتص<<ادي ال<<ذي وص<<لت إلي<<ه ه<<ذه‬
‫الدول‪ ،‬اصبح بإمكان أسواقها استرجاع توازنها آليا وتحقيق معدالت نم<و ج<د مرض<ية‪ ،‬ب<دأت ق<روض البن<ك تتج<ه‬
‫بش<كل متزاي<د إلى ال<دول النامي<ة‪ ،‬من أج<ل مس<اعدتها على إص<<الح هيكله<ا االقتص<ادي وتج<اوز أزماته<ا وتحقي<ق‬
‫التنمية‪ .1‬وقد قامت سياسة البنك في إصالح اإلختالالت االقتصادية لل<<دول الطالب<<ة لمس<<اعدته‪ ،‬على تق<<ديم الق<<روض‬
‫الالزم<<ة لتموي<<ل المش<<اريع اإلس<<تثمارية به<<ذه البل<<دان‪ ،‬ثم تط<<ورت لتص<<بح وس<<يلة لتحقي<<ق إص<<الحات في السياس<<ة‬
‫االقتص<ادية تس<تهدف تعبئ<ة الم<وارد الداخلي<ة وتحس<ين اس<تخدامها‪ .‬بع<د فش<ل المش<اريع االس<تثمارية نتيج<ة البيئ<ة‬
‫االقتصادية والظروف المحيطة والسياسة االقتصادية غير السليمة المتبعة‪.‬‬
‫شهد نشاط البنك العالمي في الدول النامية عدة تطورات فمن تركيزه على مشروعات البنى التحتية الضرورية‬
‫لعملية التنمية تحول إلى التركيز على قطاعات اإلنتاج لتصبح سياسة البنك في هذه الدول عبارة عن سياسة لتخفي<<ف‬
‫حدة الفقر والرفع من معدالت النمو وهذا من خالل تركيزه على المش<<روعات ال <تي من خالله<<ا يمكن إع<<ادة توزي<<ع‬
‫المداخيل ‪.‬‬
‫إن دور البنك العالمي في تحرير التجارة الدولي<<ة ح<<تى وان لم يب<<دو واض<<حا‪ ،‬فان<<ه ال يمكن إنك<<اره‪ .‬فمن خالل‬
‫عمل البنك على محاربة االختالالت التي تعانيها اقتصاديات الدول‪ ،‬ومن خالل مده ال<<دول النامي<<ة ب<<الموارد المالي<<ة‬
‫لمساعدتها على تجاوز أزمتها وتحقيق تنميتها يكون البن<<ك مس<<اهم وبطريق<<ة غ<<ير مباش<<رة في الت<<أثير على التج<<ارة‬
‫الدولية ‪.‬‬

‫المطلب ‪ : 3‬السياسة التجارية و درجة التنمية االقتصادية‬


‫جرت العادة على تقسيم السياسات التجارية‪ ،‬إلى نوعين من السياسات‪ ،‬سياسات حمائية وأخرى تعمل على‬
‫تحرير التجارة من كل القيود‪ ،‬إال أن<<ه في الواق<<ع العملي‪ ،‬ونظ<<را للطبيع<<ة المعق<<دة للعالق<<ات االقتص<<ادية والتجاري<<ة‬
‫الدولية‪ ،‬ال ينطبق هذا التقسيم على السياسات المطبقة من طرف مختلف الدول‪ .‬فطبيعة السياسة التجارية أنها توضع‬
‫لتحقيق أهداف وطنية محددة‪ ،‬فهي ال تتمسك عادة باإليديولوجي<<ة‪ ،‬أك<<ثر من ارتباطه<<ا وتمس<<كها بالمص<<الح الوطني<<ة‬
‫للدول‪ .‬لذا فإنه يراعى في وضعها األهداف المراد تحقيقها‪ ،‬والظ<<روف االقتص<<ادية المحيط<<ة بعملي<<ة التنمي<<ة بالبل<<د‪.‬‬
‫ودراسة العوامل المساعدة والمعرقلة ومقارنتها‪ .‬لذا فهي تختلف من دولة ألخ<<رى‪ ،‬ومن مرحل<<ة ألخ<<رى‪ ،‬فق<<د نج<<د‬
‫نفس الدولة في مرحلة أولى تفرض من القيود ما تراه مناسب لنمو اقتصادها‪ ،‬وتطور صناعاتها‪ ،‬ثم تتحول عن هذه‬
‫السياسة إلى أخرى داعية إلى التحرير وهذا خدمة لمصالحها الوطنية ‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ السياسات التجارية بالدول النامية ‪:‬‬
‫تتكون الدول النامية من عدد كبير من الدول الحديثة االستقالل فقد عانت هذه الدول في مرحلة ما من تاريخها‬
‫من االستعمار‪ ،‬ورضخت تحته لمدة طويلة‪ ،‬وقد عملت بشتى الوسائل لتحررها منه‪ ،‬وق<<د ش<<هدت مرحل<<ة الس<<تينات‬
‫تحرر أغلب هذه الدول‪ ،‬ودخل العالم مرحلة تاريخية جدي<<دة‪ ،‬وعملت ه<<ذه ال<<دول بع<<د تحرره<<ا السياس<<ي على بن<<اء‬
‫اقتص<<ادياتها الوطني<<ة المنه<<ارة‪ ،‬بعي<<دا عن المس<<تعمر‪ ،‬واعتم<<ادا على موارده<<ا الذاتي<<ة‪ .‬فش<<جعت اإلنت<<اج الوط<<ني‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫دبيش احمد‪،‬المرجع السابق‪،‬ص‪107‬‬

‫‪56‬‬
‫وعملت على حماية صناعاتها المحلية ألجل حماية العمل الوطني من البطالة‪ ،‬وح<<تى تتمكن منتجاته<<ا من اكتس<<اب‬
‫القدرة التنافسية في األسواق المحلية أوال‪ ،‬ثم العالمية ثانيا‪.‬‬
‫يجمع االقتصاديون على الدور الجوهري الذي يمكن للتجارة الخارجية أن تلعبه في تنمية البالد المتخلفة‪ ،‬كما‬
‫أنهم ال يختلفون في أن نمو الصادرات يشكل عامال أساسيا في تحديد مستوى النمو االقتصادي‪ ،‬ويرج<<ع ه<<ذا إلى أن‬
‫حصيلة الصادرات تمثل المصدر الرئيسي للصرف األجنبي الالزم لتحقيق االس<<تثمارات وقي<<ام الص<<ناعات المحلي<<ة‬
‫الالزمة لعملية التنمية االقتصادية‪ .‬وبذلك تصبح التجارة كما قال دنيس روبرتسون هي "آلة النمو"‪.1‬‬
‫ومما ال شك فيه أن للبالد النامية مصلحة أكيدة في نظام تجاري عالمي مفتوح يمكنها من تحقيق معدالت عالية للنمو‬
‫في ص<<ادراتها‪ ،‬ف<<إن الص<<ادرات تمث<<ل المص<<در الرئيس<<ي الكتس<<اب العمالت األجنبي<<ة الالزم<<ة لتموي<<ل وارداته<<ا‬
‫األساسية‪ ،‬وخدمة ديونها الخارجية‪ .‬كذلك فإن النظام التج<<اري الع<<المي المفت<<وح‪ ،‬ه<<و اإلط<<ار الس<<ليم لتقس<<يم العم<<ل‬
‫الدولي طبقا لمبدأ الميزات النسبية‪ ،‬وهو القناة الرئيسية النتقال التكنولوجيا ورؤوس األموال من البالد الص<<ناعية أو‬
‫بالد الفائض إلى البالد العجز‪ .2‬لكن الدول النامية ال تستطيع االلتزام بمبدأ حرية التجارة على إطالقه نظرا لظروفها‬
‫الخاصة التي ال تمكنها من جني مكاس<ب التحري<ر إال بص<فة جزئي<ة‪ ،‬باإلض<افة إلى مش<كالتها االقتص<ادية القائم<ة‪،‬‬
‫والتي تتمثل أساسا في اختالل الهياكل اإلنتاجية‪ ،‬اختالل هياكل التجارة الخارجي<<ة‪ ،‬ت<<دهور ش<<روط التب<<ادل ال<<دولي‪،‬‬
‫والعجز المستمر في موازين المدفوعات‪ ،‬وعبء المديونية الخارجية الذي يثقل كاهلها‪.‬كل ه<<ذا جع<<ل من السياس<<ات‬
‫المتبعة تتراوح بين التحرير والتقيي<<د‪ ،‬بم<<ا يحق<ق له<<ذه ال<<دول مع<<دالت نم<<و مقبول<<ة‪ ،‬وتحقي<<ق االس<<تقرار‪ ،‬وتحس<<ين‬
‫ظروف المعيشة للسكان‪.‬‬
‫من السياسات التي اتبعتها هذه الدول‪ ،‬سياسة إحالل الواردات وسياسة التوجه نحو التصدير لتحقيق النمو‪.‬‬
‫أ‪ -‬سياس<<ة إحالل ال<<واردات ‪ :‬ب<<الرغم من اختالف غالبي<<ة ال<<دول النامي<<ة في اتجاهاته<<ا السياس<<ية واإليديولوجي<<ة‪،‬‬
‫واختالف مستويات تنميتها‪،‬إال أنها أجمعت على سياسة اقتصادية موحدة في مجال التجارة الدولي<<ة‪ ،‬تحق<<ق أه<<دافها‪،‬‬
‫وتنبع من مفهومها الخاص للتنمية ومقوماته<<ا وهي سياس<<ة إحالل ال<<واردات‪ ،3‬الهادف<<ة إلى إلغ<<اء العج<<ز في م<<يزان‬
‫المدفوعات وتخفيض المديونية حيث تؤدي هذه السياسة إلى توفير النقد األجن<<بي وه<<ذا بع<<دم اس<<تعمالها في اس<<تيراد‬
‫السلع واستعمال هذه العمالت الصعبة في أغراض االستثمار‪ .‬وزيادة التراكم الرأسمالي‪ ،‬وتحقيق معدل نمو مقبول‪.‬‬
‫وسياسة التصنيع عن طريق إحالل الواردات‪ ،‬سياسة تستهدف السوق الداخلي‪،‬حيث تهدف إلى ضمان تنمية‬
‫متوازنة‪ ،‬أين يصبح اإلنتاج الوط<<ني يل<<بي ت<<دريجيا الطلب ال<<داخلي ويع<<وض ال<<واردات وتتن<<اقص التبعي<<ة للخ<<ارج‬
‫ويتعزز توازن ميزان المدفوعات‪ .4‬وهذا بإقامة نسيج صناعي يمكنه<ا من تلبي<ة الحاج<ات الوطني<ة دون اللج<وء إلى‬
‫األسواق العالمية‪ .‬ويتم اإلحالل عن طريق خلق السوق المحلي للصناعة التي تح<<ل مح<<ل ال<<واردات وخل<<ق الحماي<<ة‬
‫الكافية لهذه الصناعة وذلك عن طريق منع استيراد السلع التي نريد إحاللها باإلنتاج المحلي مستخدمين في ذل<<ك إم<<ا‬
‫التعريفة الجمركية أو قيود االستيراد األخرى‪ .5‬ألن زيادة الواردات تؤدي إلى زيادة االستهالك الخ<<ارجي‪ ،‬وبالت<<الي‬

‫‪1‬‬
‫جي هوجيندرون‪،‬ب‪.‬براون‪،‬االقتصاد الدولي الحديث‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪777‬‬
‫‪2‬‬
‫سعيد النجار ‪،‬االقتصاد العالمي و البالد العربية في عقد التسعينات‪،‬دار الشروق‪،‬بيروت ‪،1991،‬ص‬
‫‪169‬‬
‫‪3‬‬
‫مصطفى رشدي شيخة ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص ‪97‬‬
‫‪4‬‬
‫‪J.Brasseul,introdution al'economie de developpement,armond colin, paris,1989,p144‬‬
‫‪5‬‬
‫جمال الدين لعويسات‪ ،‬العالقات االقتصادية الدولية والتنمية‪،‬دار هومة‪،‬الجزائر‪،2000،‬ص‪44‬‬

‫‪57‬‬
‫تضعف االدخار الوطني‪ ،‬كما تؤدي إلى العجز في ميزان المدفوعات‪ ،‬والعجز ي<<ؤدي إلى االس<<تدانة وبالت<<الي عج<<ز‬
‫االقتصاد الوطني على تحقيق التنمية االقتصادية ‪.‬‬
‫وقد ظهرت سياسة التصنيع عن طريق إحالل الواردات في بلدان أمريكا الالتيني<<ة في س<<نوات الثالثيني<<ات‪.‬‬
‫فنتيجة لتقلص وارداتها نظ<را لتقلص ص<<ادرات ك<ل من أوروب<ا وأمريك<ا الش<مالية نظ<را لالزم<ة االقتص<<ادية ال<تي‬
‫شهدتها‪ ،‬مما أعطى فرص للمستثمرين المحليين الذين استطاعوا أن يحلو المواد المنتجة داخليا محل تلك التي ك<<انت‬
‫تستورد من قبل‪ .‬ولم تلبث أن استفادت هذه الديناميكية الجديدة من دعم الدولة والمتمثل في فرضها حواجز جمركي<<ة‬
‫مرتفعة على السلع المستوردة‪ ،‬وتقديم كل اإلعانات الممكنة لالستثمارات المحلية‪ .1‬وقد ت<راوحت سياس<ات التص<نيع‬
‫هذه ـ من الناحية الواقعية ـ بين إعطاء األولوية للصناعات الثقيلة واإلنتاجي<<ة (النم<<وذج الس<<وفيتي والص<<يني ) وبين‬
‫إعطاء األولوية للصناعات الخفيفة واالستهالكية ( نموذج الهند )‪.‬‬
‫إن الدول النامية بوصفها دول تتوفر على يد عاملة وفيرة ورخيصة‪ ،‬وقليلة المهارة‪ ،‬فض<<لت في مرحل<<ة أولى‬
‫االنطالق في سياسة التصنيع عن طريق إحالل الواردات الصناعات الخفيفة إلحالل السلع االستهالكية‪ ،‬نظرا لتميز‬
‫هذه الصناعات بأنها كثيفة العمل وال تحتاج إلى اس<<تثمارات ض<<خمة‪ ،‬وال إلى كثاف<<ة في راس الم<<ال‪ ،‬وال إلى فن<<ون‬
‫إنتاجية وتكنولوجية عالية‪ .‬كصناعة النسيج والصناعة الغذائية‪.‬‬
‫أما في المرحلة الثانية من هذه السياسة الصناعية‪ ،‬فقد خصصت إلنتاج السلع الوسيطية ومستلزمات اإلنت<<اج‬
‫والتجهيز‪ ،‬وقد مثلت هذه المرحلة تحديا كبيرا للدول النامية كونها تحتاج إلى كثافة في رأس المال‪ ،‬وإلى التكنولوجيا‬
‫العالية‪ ،‬كما أنها تحتاج إلى هياكل صناعية كبيرة‪ ،‬ومسيرين من المستوى العالي‪ .‬وح<<تى تض<<من الدول<<ة نج<<اح ه<<ذه‬
‫السياسة عليها إتباع سياسة حمائية وتمييزية لمواجهة السلع األجنبية المنافسة للسلع المنتجة محليا‪،‬وتطبيق مجموع<<ة‬
‫من اإلجراءات والقي<<ود التجاري<<ة ( رس<<وم جمركي<<ة ‪ ،‬حص<<ص كمي<<ة ‪ ،‬إج<<راءات كيفي<<ة ) للح<<د من انس<<ياب الس<<لع‬
‫األجنبية للسوق الوطني ‪.‬‬
‫لهذا تقترن سياسة إحالل الواردات بالسياسات التجارية الحمائية( التعريفة الجمركية‪ ،‬نظ<<ام الحص<<ص‪ ،‬اإلج<<راءات‬
‫اإلدارية ) و التشجيعية ( الدعم و اإلعانات ) حتى تكون لهذه السياسة فاعليتها و تأثيرها ‪.‬‬
‫ب‪ -‬سياسة التوجه نحو الصادرات ‪ :‬توجهت العديد من الدول‪ ،‬وخاصة من جنوب شرق آس<<يا إلى إتب<<اع ه<<ذا الن<<وع‬
‫من السياسات القائمة على وضع إستراتيجية لتنمية الصادرات لتكون دافعا للنمو االقتصادي‪ .‬ويتعلق األمر باستبدال‬
‫صادرات المواد األولية بصادرات من منتجات غير تقليدية مثل المنتجات المصنعة أو مواد أولية محولة‪ .2‬ويتم ذلك‬
‫بإقامة صناعات تصديرية تتمتع فيها هذه الدول بميزة نسبية دولية تمكنها من دخول األس<<واق العالمي<<ة له<<ذه الس<<لع‪،‬‬
‫واحتالل مكانة في التقسيم الدولي للعمل‪ ،‬فتزداد الصادرات عن الواردات‪ ،‬فيحصل الفائض في ميزان الم<<دفوعات‪،‬‬
‫هذا الفائض يستخدم داخليا من أجل تحقيق التنمية االقتصادية‪.‬‬
‫وقد انطلقت الدول المطبقة لهذه السياسة من مزاياها الداخلية‪ ،‬فاعتمدت بعضها على اليد العاملة الرخيصة من‬
‫اجل التصدير للدول المصنعة‪ ،‬بينما ركزت دول أخرى على اس<<تغالل موارده<<ا الطبيعي<<ة‪ .‬كم<<ا ش<<اركت الش<<ركات‬
‫متعددة الجنسية في نجاح هذه ال<<دول حيث ح<<ولت ع<<ددا من نش<<اطاتها اإلنتاجي<<ة إلى ه<<ذه ال<<دول لالس<<تفادة من ه<<ذه‬
‫المزايا‪ .3‬وقد حاولت الدول التي اعتنقت هذه السياس<<ة‪ ،‬أن تس<<تفيد وتطب<<ق بعض مظ<<اهر اقتص<<اد الس<<وق‪ ،‬وخاص<<ة‬
‫تحرير االقتصاد‪ ،‬وتحرير التج<<ارة‪ ،‬باعتب<<ار أن ه<<ذه الحري<<ة تنمي الص<<ادرات من خالل المنافس<<ة الدولي<<ة‪ ،‬ولكنه<<ا‬

‫‪1‬‬
‫‪Jaque Adda, la mondialisation de l'economie,t2,casbah édition, Alger,1996, p18.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪J.Brasseul,op.cit,p146.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪J.Brasseul,op.cit,p147.‬‬

‫‪58‬‬
‫اختلفت فيما بينها فيما يتعلق بمدى هذه الحرية‪ ،‬ونوعية اإلجراءات المستخدمة‪ ،‬حسب طبيعة النظام السياس<<ي ال<<ذي‬
‫ينتمي إليه‪ .1‬وقد طبقت سياسات اقتصادية كلية مشجعة للصادرات تركزت أساسا في اتخاذ إجراءات تهدف إلى ‪:‬‬
‫ـ إقامة اقتصاد مفتوح وتحرير التجارة الخارجية بإلغاء كافة القيود ‪.‬‬
‫ـ إقامة سعر صرف حقيقي معبرا عن الحقائق االقتصادية ( العرض ‪ ،‬الطلب ) ‪.‬‬
‫ـ القضاء على عجز الميزانية وتحقيق االستقرار ‪.‬‬
‫وسياسات اقتصادية جزئية تمثلت في إلغاء التفرقة بين السوق الداخلي والسوق الخارجي‪ ،‬فالموارد تتج<<ه إلى تنمي<<ة‬
‫القطاعات األكثر فعالية وكفاءة في المنافسة الدولية‪ .‬وربط األسعار المحلية باألسعار الدولي‪ ،‬واالهتمام برأس المال‬
‫اإلنساني ( التعليم‪ ،‬التمهين‪ ،‬الصحة)‪ ،‬وتسهيل دخول االستثمارات األجنبية الجالب<<ة رأس الم<<ال وللتكنولوجي<<ا‪ .‬له<<ذا‬
‫تقترن هذه السياسة بالسياسات التجارية االنفتاحية على األسواق العالمية‪ ،‬والتي تسهل حركة السلع والخدمات ورفع‬
‫الحواجز المعرقلة لها‪.‬‬
‫‪ - 2‬السياسات التجارية للدولة المتقدمة ‪:‬‬
‫تسعى أغلب الدول المتقدمة إلى إتباع سياسات انفتاحية‪ ،‬فهي جميعها تسعى إلى تحرير التجارة‪ ،‬وتضغط على‬
‫الدول األخرى من أجل المزيد من التحرير‪ .‬وك<انت دائم<ا ت<تزعم المنظم<ات الدولي<ة الداعي<ة إلى خل<ق س<وق دولي‬
‫مفتوح حر ومتكامل‪ ،‬وإلغاء أغلب القي<<ود المفروض<<ة على المب<<ادالت الدولي<<ة‪ ،‬وتوف<<ير الظ<<روف المالئم<<ة واآلمن<<ة‬
‫لالستثمارات األجنبية‪ ،‬ومعاملتها دون تمييز‪ ،‬وإلغاء الحواجز أمام تحركات رؤوس األموال الدولية‪.‬‬
‫وبمبادرة من الدول المتقدمة ظهرت منظمات دولية تعمل في هذا االتجاه‪ ،‬فكان صندوق النقد الدولي والبنك‬
‫العالمي‪ ،‬وكان لهما نصيب كبير في نشر مبادئ الحرية االقتصادية كما سبق ذكره في المطلب السابق‪ .‬وق<<د تجمعت‬
‫هذه الدول المتقدمة في اتفاقية الجات‪ ،‬والتي اعتبرها البعض تجمع األغنياء من أجل فرض سياس<<اتهم‪ ،‬وك<<انت ه<<ذه‬
‫االتفاقية منتدى لدراسة السياسات التجارية للدول األعضاء من أجل االبتعاد عن اإلجراءات الثنائية وتحرير التجارة‬
‫في إطار تفاوضي متعدد األطراف ‪.‬‬
‫وعمليا يختلف سلوك الدول المتقدمة في اتباع السياسات التجارية باختالف مص<<الحها التجاري<<ة والوطني<<ة‪،‬‬
‫فالواليات المتحدة مثال تبدو أك<<ثر دول الع<<الم انفتاح<<ا على التج<<ارة الدولي<<ة وأقله<<ا قي<<ودا‪ .‬فق<<د ك<<انت دائم<<ا تس<<تخدم‬
‫التعريفة الجمركية كأداة رئيسية للحماية‪ ،‬من دون استخدام للوس<ائل الكمي<ة ك<ون التعريف<ة الجمركي<ة أك<ثر ش<فافية‪.‬‬
‫ونظرا للظروف التي مر بها اقتصاد الواليات المتحدة‪ ،‬ومعاناة ميزانها التجاري من العجز‪ ،‬كم<<ا س<<جلت عج<<زا في‬
‫ميزانياتها ولمواجهة مشكلة البطالة والتشغيل‪ ،‬تحول اقتصاد الواليات المتحدة إلى اقتص<<اد خ<<دمات‪ ،‬حيث أن قط<<اع‬
‫الص<<ناعة يمتص‪% 20‬من الق<<وى العامل<<ة فق<<ط‪ .‬في حين أن قط<<اع الخ<<دمات‪ ،‬باس<<تطاعته اس<<تيعاب أك<<بر ق<<در من‬
‫العمالة‪ ،‬كما أن الواليات المتحدة يمكنها أن تتمتع بمزايا نسبية كبيرة على المس<<توى ال<<دولي من خالل ه<<ذا القط<<اع‪.‬‬
‫كما واجهت تحرك راس المال والمشروعات متعددة الجنسيات إلى البالد منخفضة األجور‪ ،‬ب<<برامج متع<<ددة لزي<<ادة‬
‫سعر الفائدة‪ ،‬وتهيئة الظروف الداخلية لتلقي االستثمارات عن طريق تقوية أسواق الم<<ال‪ ،‬فبع<<د أن ك<<انت أك<<بر دائن‬
‫في العالم‪ ،‬تحولت الواليات المتحدة إلى أكبر مدين ومتلقي لرؤوس األموال من اليابان و أوروبا و الش<<رق األقص<<ى‬
‫والشرق األوسط‪.2‬‬

‫‪1‬‬
‫مصطفى رشدي شيخة ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص ‪105‬‬

‫‪2‬‬
‫مصطفى رشدي شيخة ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص ‪117‬‬

‫‪59‬‬
‫إن انفتاح الواليات المتحدة األميركية باعتمادها على رسوم جمركية منخفضة‪ ،‬وعلى أقل القيود المتاحة‪ ،‬جعل منه<<ا‬
‫أكبر سوق مفتوح‪ ،‬وتوفرت به منتجات وسلع مختلف البلدان بأقل األسعار وأعلى جودة‪،‬ف<<ارتفعت األج<<ور الحقيقي<<ة‬
‫داخل الواليات المتحدة وتميزت بنوع من الثبات‪ ،‬وكف العمال عن المطالبة بأي زيادة في األجور‪ ،‬فتحقق ن<<وع من‬
‫االستقرار االقتصادي ‪.‬‬
‫أما الكتلة األوروبية‪ ،‬فبعد تحولها إلى إتحاد أوروبي‪ ،‬فقد خلقت وضعا جديدا‪ ،‬يتمثل في إزالة كافة الحواجز‬
‫الجمركية والقيود بين الدول األعضاء‪ .‬مم<<ا أدى إلى اس<<تفادة المش<<روعات األوروبي<<ة من اتس<<اع الس<<وق‪ ،‬ف<<ازدادت‬
‫تنافسيتها في السوق الدولي‪ ،‬كما طبقت تعريفة جمركية موحدة في مواجهة الدول األخ<<رى‪ .‬وهك<<ذا جمعت السياس<<ة‬
‫التجارية لالتحاد األوروبي بين التحرير المطلق فيما بين الدول األعضاء‪ ،‬والقيود في مواجهة دول خارج االتحاد‪.‬‬
‫أما اليابان فقد عملت دائما على تشجيع الصادرات لكنها كانت أقل انفتاحا فيما يتعلق بالواردات واستطاعت من‬
‫خالل قيود التجارة والعوامل الثقافية أن تجعل السلوك الياباني يميل إلى تفضيل المنتجات المحلية عن المستوردة ‪.1‬‬
‫إن الس<<لوك العملي لل<<دول المتقدم<<ة في الس<<وق الع<<المي‪ ،‬وإن ك<<انت تتف<<ق جميع<<ا في اتجاهاته<<ا الرئيس<<ية‬
‫واالستراتيجية نحو تحرير التجارة إال أنها في كث<<ير من األحي<<ان تخ<<الف المب<<ادئ ال<<تي تن<<ادي به<<ا من أج<<ل تحقي<<ق‬
‫مصالحها‪ ،‬ومن هنا فإن التحرير يتم بمق<<دار محس<<وب وف<<ق المص<<لحة‪ ،‬والحماي<<ة تس<<تمر ويتم التحاي<<ل على إبقائه<<ا‬
‫بشتى الطرق‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬فإن الدول المتقدمة تب<<ذل جه<<ودا معت<<برة من أج<<ل فتح أس<<واق ال<<دول النامي<<ة أم<<ام‬
‫منتجاتها‪ ،‬بينما تحكم إغالق أسواقها إال بمقدار محسوب أمام صادرات ال<<دول النامي<<ة‪ ،‬ففي تقري<<ر البن<<ك ال<<دولي أن‬
‫ثلث الصادرات الصناعية للبلدان النامية تخضع لقيود غ<ير تعريفي<<ة وذل<<ك بالقي<<اس إلى ‪ %18‬من ص<<ادرات البالد‬
‫الصناعية بعضها إلى بعض‪ .‬وقد تنوعت أساليب الحماية في البالد الصناعية وقد تتخذ ص<<ورة نظ<<ام الحص<<ص في‬
‫اتفاق مع البالد المصدرة مث<<ل اتفاقي<<ة األلي<<اف المتع<<ددة أو يتخ<<ذ ص<<ورة تقس<<يم األس<<واق بين البل<<د المص<<در والبل<<د‬
‫المستورد‪ ،‬ومن أكثر الصور شيوعا ما يسمى بالتقييد االختياري للصادرات وفيها يلتزم البلد المصدر بطريق<<ة غ<<ير‬
‫رسمية بأال تزيد الوحدات المصدرة من سلعة معينة عن عدد محدد س<<نويا‪ ،‬ه<<ذه هي الص<<ورة ال<<تي تحكم ص<<ادرات‬
‫السيارات والسلع اإللكترونية إلى الواليات المتحدة األميركية وبالد االتحاد األوروبي‪ ،‬وقد وجدت البالد المس<<توردة‬
‫في هذه الصورة مزايا ال نظير لها في الصور األخرى‪.2‬‬

‫‪1‬‬
‫مصطفى رشدي شيخة ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص ‪.117‬‬
‫‪2‬‬
‫سعيد النجار‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.182‬‬

‫‪60‬‬
‫خاتمة الفصل‬

‫يعبر مفهوم السياسة التجارية عن مجموع<<ة اإلج<<راءات والل<<وائح والتش<<ريعات ال<<تي تطبقه<<ا الدول<<ة في نط<<اق‬
‫تعاملها الخارجي من اجل تحقيق أهدافها االقتصادية في التنمية‪ .‬فكل الدول ـ مهما كان توجهها االقتصادي ودرجة‬
‫تنميتهاـ تتدخل في إدارة وتوجيه تجارتها الخارجية‪ .‬وهذا بحجج متع<ددة‪ ،‬اقتص<ادية منه<ا حماي<ة الص<ناعة الناش<ئة‪،‬‬
‫جذب رؤوس األموال األجنبية‪ ،‬معالجة البطالة وحجة السياسة التجارية االستراتيجية‪ ،‬وغير اقتصادية كحجة الدفاع‬
‫واألمن‪ ،‬المحافظة على الطابع الوطني‪ ،‬والحجج األخالقي<<ة والديني<<ة‪ .‬وتس<<تعمل ل<<ذلك األس<<اليب الس<<عرية كالرس<<وم‬
‫الجمركية ‪ ،‬والكمية كالحصص‪ ،‬واإلدارية كتراخيص االستيراد والمعايير التقنية‪،‬الصحية والبيئي<<ة‪ .‬غ<<ير أن درج<<ة‬
‫هذا التدخل تختلف من دولة ألخرى تبعا لدرجة تنمية هذا البلد وموقعه في التقسيم الدولي للعمل‪.‬‬
‫ويمكن قي<<اس درج<<ة وم<<دى ه<<ذا الت<<دخل من خالل السياس<<ات واألس<<اليب المتبع<<ة في إدارة قط<<اع التج<<ارة‬
‫الخارجي<ة‪ ،‬فتك<ون السياس<ة التجاري<ة اك<ثر انفتاح<ا وش<فافية كلم<ا اعتم<دت على الرس<وم الجمركي<ة‪ .‬بينم<ا تتص<<ف‬
‫بالحمائية كلما اعتمدت األساليب الكمية كالحصص والتراخيص في تنظيم هذا القطاع الحساس‪.‬‬
‫يختلف اثر السياسة التجارية على االقتصاديات الوطنية باختالف الوسائل واألساليب المطبق<<ة في تنظيم وإدارة‬
‫قطاع التجارة الخارجية‪ .‬فك<<ل أس<<لوب من أس<<اليب الت<<دخل كالرس<<وم الجمركي<<ة ‪ ،‬الحص<<ص‪ ،‬اإلعان<<ات‪ ،‬ت<<راخيص‬
‫االس<<تيراد ل<<ه أث<<ره على االس<<تهالك ‪ ،‬أالنت<<ا‪ ،‬توزي<<ع ال<<دخل‪ ،‬األس<<عار‪ ،‬وم<<ا يج<<ره ذل<<ك على القطاع<<ات المنتج<<ة‬
‫والمستهلكة داخل االقتصاد الوطني‪.‬‬
‫لق<<د ارتبطت ال<<دعوة إلى تحري<<ر التج<<ارة على المس<<توى ال<<دولي بالمن<<افع ال<<تي تنجم عن التخص<<ص وتقس<<يم‬
‫العمل ‪ ،‬ومنافع المنافسة والتقدم التقني المرتبط بها‪ .‬كما ارتبطت بالمنظمات الدولية كصندوق النقد ال<<دولي و البن<<ك‬
‫العالمي و منظمة الجان‪ .‬ومع تزايد دور هذه المنظمات في االقتصاد الدولي وخاصة صندوق النقد الدولي والج<<ات‬
‫ثم المنظمة العالمية للنجارة أدى إلى التأثير على السياسات التجارية للدول النامية منها‪ ،‬خاصة تلك المطبقة لمختلف‬
‫برامج التعديل الهيكلي والطامحة لالنضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة‪.‬‬
‫ينطلق تحرير التجارة من نطاق ضيق في ش<<كل اتفاق<<ات ثنائي<<ة ثم تتوس<<ع لتش<<مل دوال أخ<<رى ‪ ،‬ثم تتوس<<ع إلى‬
‫مناطق للتبادل الحر ثم اتحادات جمركية لتصل إلى أعلى مراحلها االتح<<اد االقتص<<ادي‪ .‬ونظ<<را للتغ<<يرات الحاص<<لة‬
‫في نهاية القرن‪ ،‬فقد نميز االقتصاد الدولي الحديث والسياسات التجارية بجنوح الدول إلى تحرير التجارة فيم<<ا بينه<<ا‬
‫في إطار التكتالت اإلقليمية و الجهوية ‪.‬‬

‫‪61‬‬

You might also like