You are on page 1of 7

‫الدورات االقتصادية مفهومها‪ ،‬أنواعها‪ ،‬وخصائصها‬

‫يبين لنا التاريخ االقتصادي أن االقتصاد ال ينمو أبدا بطريقة سلسة متناسقة‪ ،‬فسنوات من التوسع واالزدهار‬
‫االقتصادي‪ ،‬ستتلوها سنوات من الركود االقتصادي أو حتى الذعر واالنهيار‪ .‬ويطلق على هذه التقلبات المتعاقبة في‬
‫أوضاع االقتصاد الكلي مصطلح" الدورات االقتصادية‪ .‬وهي ظاهرة مالزمة للنشاط االقتصادي منذ القدم‪ 1،‬ولكن مظاهرها‬
‫أصبحت أكثر تعقيداً منذ ظهور الثورة الصناعية في أوربا‪ ،‬وأصبحت سمة مميزة القتصاديات السوق المتقدمة‪.‬‬

‫وبما أن األزمة الدورية تشغل مركز الصدارة بين األزمات االقتصادية التي تعترض االقتصاد الرأسمالي‪ ،‬وأن األزمة‬
‫هي المرحلة التأسيسية للدورة االقتصادية‪ ،‬أي المرحلة التي تحدد‪ ،‬إلى درجة كبيرة‪ ،‬مسار التطور الالحق‪ ،‬والمالمح‬
‫الرئيسة للدورة التالية‪ .‬لذلك ال بد في البداية من الحديث عن طبيعة الدورة االقتصادية)‪(Le Cycle Economique‬‬
‫المالزمة لالقتصاد الرأسمالي‪ ،‬وخصائصها والمراحل التي تمر بها‪ ،‬ومن ثم االنتقال إلى الحديث عن األزمة االقتصادية‬
‫)‪(La Crise Economique‬بوصفها إحدى مراحل هذه الدورة‪.‬‬
‫أوال‪ ،‬مفهوم الدورات االقتصادية‪.‬‬
‫مصطلح الدورات االقتصادية أو ما يسمى بدورات األعمال أو الدورات التجارية هو مصطلح حديث نوعا ما‬
‫مقارنة ببعض المصطلحات االقتصادية ذات الصلة‪ ،‬وقد كان يعبر عنه باألزمات االقتصادية قبل أن تكتشف ظاهرة‬
‫ءغالدورات االقتصادية في القرن التاسع عشر‪ ،‬وربما يرجع هذا التأخر في التسمية كون االقتصاديين لم يهتموا كثيرا بمسار‬
‫النشاط االقتصادي بقدر اهتمامهم باالنحرافات عن هذا المسار‪ ،‬لكن التعاقب والتواتر في هذه التقلبات والتذبذبات أدى‬
‫باالقتصاديين إلى التفرقة بين المصطلحين على اعتبار أنهما مختلفين على الرغم من ارتباطهما الوثيق‪.‬‬
‫‪ .1‬تعريف الدورة االقتصادية‪:‬‬
‫هناك عدة تعريفات للدورة االقتصادية‪ ،‬تختلف باختالف أسباب ظهورها ومراحلها‪ ،‬وأهم هذه التعريفات تعريف‬
‫كل من "آرثر بارن" و"ويسلي ميتشال" )‪ ،(Wesley Mitchell' and Arthur Burns,1946‬حيث يشير هذا التعريف‬
‫إلى أن" ‪ :‬الدورة االقتصادية هي نوع من التقلبات التي تحدث في النشاط االقتصادي الكلي للبلدان التي يتم تنظيم‬
‫العمل فيها أساسا في إطار المؤسسات‪ ،‬وتتألف الدورة من توسعات تظهر تقريبا في نفس الوقت في عديد النشاطات‬
‫االقتصادية‪ ،‬تتبعها حاالت عامة من الركود‪ ،‬االنكماش و االنتعاش والتي تندمج في مرحلة التوسع للدورة القادمة‪ .‬وهذه‬
‫السلسلة من التغيرات تكون متكررة وليست دورية‪ ،‬ومن حيث مدتها تتراوح مدة الدورة االقتصادية بين أكثر من عام إلى‬
‫حوالي اثني عشر عاما‪.‬‬
‫كما يعرفها روبرت لوكا )‪ (Robert Lucas,1977‬بأنها‪ ":‬تلك التحركات في الدخل الوطني اإلجمالي حول االتجاه‬
‫العام للنشاط االقتصادي الكلي‪ ،‬وهذه التحركات غير منتظمة من حيث مدتها وعمقها"‪ .‬فهو يرى أن الدورات االقتصادية‬

‫‪ .1‬ورد في سورة يوسف )ترتيبها ‪ 112‬وهي سورة مكية ( من القرآن الكريم وخصوصا في اآليات‪ 44، ،44 ،44 ،44 ،44 ،43،‬بأن الملك آنذاك ( ملك مصر)‪،‬‬

‫رأى رؤية حيث سبع بقرات سمان يأكلهن سبع ‪،‬عجاف‪ ،‬و سبع سنبالت خضر و أخرى يابسات‪ ،‬و أن النبي يوسف عليه السالم هو من فسر الرؤية على أنها سبع‬
‫سنين من الوفرة أو الغلة‪ ،‬تعقبها سبع سنين من القحط تستهلك ما أنتجت السنوات الخصب‪.‬‬
‫ال تتصف بتلك الدورية وذلك االنتظام الذي وصفها به االقتصاديون التقليديون‪ .‬لهذا نجده يأخذ بمصطلح التقلبات‬
‫االقتصادية بدال من مصطلح الدورات االقتصادية‪.‬‬
‫من خالل المفاهيم السابقة يمكن القول أن‪" :‬الدورة االقتصادية تتمثل في التقلبات في اتجاه المتغيرات االقتصادية‬
‫الكلية مثل الناتج الكلي‪ ،‬البطالة والتضخم‪ ،‬حيث تكون هذه التقلبات في صورة موجات متتالية من التوسع)‪(Expansion‬‬
‫تحدث في ذات الوقت لمجموعة كبيرة من األنشطة االقتصادية‪ ،‬تتبعها نقطة التحول العليا (القمة))‪،(Peak‬ثم تليها حالة‬
‫من الركود )‪ (Recession‬ثم نقطة التحول الدنيا (القاع) )‪( Trough‬والتي تدخل النشاط االقتصادي في مرحلة توسع‬
‫جديدة‪ ،‬هذه الموجات متكررة الحدوث ولكن ليس بصورة منتظمة‪ ،‬وتختلف عن بعضها من حيث المدة والحدة في‬
‫التقلبات"‪ ،‬كما أن هذه التغيرات التي تحدث لمستوى النشاط االقتصادي تمتد عبر فترات زمنية وليس خالل مدة‬
‫مؤقتة"‪ .‬وعليه يجب أن نفرق بين تلك التغيرات التي تتسبب في حدوث دورات اقتصادية‪ ،‬والتغيرات األخرى التي يتعرض‬
‫لها النشاط االقتصادي بصفة مؤقتة خالل مواسم معينة‪ ،‬فعلى سبيل المثال هناك رواج قد يصيب بعض االستثمارات‪،‬‬
‫كما يحدث في مواسم الدخول المدرسي‪ ،‬ومواسم األعياد‪ ،‬ال تؤدي إلى دورات اقتصادية لكونها تحدث بصفة مؤقتة‪،‬‬
‫وغالباً ال تتأثر كافة نواحي النشاط االقتصادي‪.‬‬
‫في األخير‪ ،‬تجدر اإلشارة إلى أن االقتصاد الرأسمالي يخضع لقانون التطور الدوري الذي ينتقل فيه من حالة‬
‫االنتعاش إلى الكساد عبر األزمة‪ ،‬ليعود فينهض من جديد‪ ،‬حيث تمثل األزمة نقطة النهاية لدورة اقتصادية مضت ونقطة‬
‫البداية لدورة اقتصادية جديدة‪ .‬وأن هنالك اختالفا بين األزمات االقتصادية والدورات االقتصادية‪ ،‬إذ تعرف األزمات‬
‫االقتصادي بأنها‪" :‬اضطراب عنيف ومفاجئ يطرأ على التوازن االقتصادي في بلد أو عدة بلدان"‪ ،‬في حين أن الدورة تدل‬
‫على "االنتظام في التعاقب التي تخضع له الظواهر الطبيعية"‪.‬‬
‫االقتصادية‪:‬‬
‫‪ .2‬مراحل الدورة‬
‫إن تحديد المراحل المختلفة للدورة االقتصادية قد تطور تطوراً واضحاً‪ ،‬حيث أنه في السنوات األولى من القرن‬
‫العشرين تم تعريف الدورة االقتصادية على أنها تعاقب للمراحل التالية‪ :‬أزمة فكساد ثم انتعاش ورواج‪ ،‬وبعد ذلك أصبح‬
‫مصطلح الركود أكثر استخداما من مصطلح األزمة‪ .‬ومنذ أربعينات القرن العشرين‪ ،‬أصبحت معظم الدراسات تعتبر أن‬
‫الدورة االقتصادية تتكون من مرحلتين أساسيتين‪ ،‬وهما مرحلة التوسع ومرحلة الركود‪ ،‬ونقطتي التحول العليا(القمة) ونقطة‬
‫التحول الدنيا (القاع)‪ ،‬حيث اكتسبت الدورة االقتصادية سمات جديدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية نتيجة لتدخل‬
‫الدولة في النشاط االقتصادي‪ ،‬اذ تم استبعاد حاالت انخفاض اإلنتاج الحادة وكذلك تخفيف حدة األزمة‪ .‬وفيما يلي‬
‫نتناول أهم مراحل الدورة االقتصادية‪:‬‬
‫أ‪ .‬مرحلة الرواج (‪:)Boom‬‬
‫ويطلق عليها نقطة التحول العليا (القمة)‪ ،‬وهي أعلى نقطة في الدورة االقتصادية‪ ،‬تتسم بارتفاع مطرد في األسعار‪،‬‬
‫وتزايد حجم اإلنتاج الكلى وحجم الدخل والتوظيف بمعدل سريع‪ ،‬وتكون توقعات المستهلكين والمنتجين حول المستقبل‬
‫القريب متفائلة إلى حد كبير‪ .‬وعندها يتم استغالل كافة الطاقات اإلنتاجية (التوظف الكامل)‪ ،‬بل قد تظهر الحاجة إلى‬
‫أنواع معينة من العمالة (الماهرة)‪ ،‬وكذلك نقص في بعض أنواع المواد الخام األساسية‪ ،‬وتسعى البنوك المركزية حينها لرفع‬
‫أسعار الفائدة وبيع السندات الحكومية لكبح جماح التضخم وسحب الفائض النقدي من االقتصاد‪.‬‬
‫ب‪ .‬مرحلة الركود أو االنكماش)‪: (Recession‬‬
‫يعرف الركود بأنه فترة تراجع كير في النشاط االقتصادي‪ .‬وتشهد هذه المرحلة انخفاضا ملحوظاً في الطلب‬
‫الكلي مما يؤدي إلى حدوث تراكم في المخزون السلعي يدفع المنتجين إلى خفض االنتاج وبالتالي هبوط االستثمار‪،‬‬
‫وانخفاض مستويات األسعار‪ ،‬والتشغيل‪ ،‬والمداخيل واألرباح‪ ،‬وتتراكم الطاقات اإلنتاجية غير المستغلة‪ ،‬وتبدأ بعض‬
‫االستثمارات في مواجهة صعوبات مالية‪ .‬وكثيراً من فترات الركود تنقضي بسرعة لتفسح المجال لفترة التوسع‪ ،‬وبعض‬
‫فترات الركود إذا لم يجد لها عالج سريع قد تطول وتتحول إلى كساد‪.‬‬
‫ج‪ .‬مرحلة الكساد)‪:(Depression‬‬
‫وتسمى نقطة التحول الدنيا (القاع) )‪ (Trough‬وهي أدنى نقطة في الدورة االقتصادية‪ ،‬حيث تتجاوز نسبة‬
‫التراجع في الناتج المحلي اإلجمالي ‪ ،%10‬وعندها تنتهي مرحلة الركود لتبدأ مرحلة التوسع‪ ،‬وتشهد هذه المرحلة أعلى‬
‫المستويات من البطالة‪ ،‬مع انخفاض حاد في مستويات الطلب الكلي‪ ،‬وتكون مستويات األرباح منخفضة‪ ،‬أو سالبة‪،‬‬
‫وتصبح توقعات المستهلكين والمنتجين حول المستقبل القريب متشائمة‪ ،‬وهو ما يجعل رجال األعمال غير مستعدين‬
‫للقيام باستثمارات جديدة‪ ،‬باإلضافة إلى كساد التجارة وانخفاض مستويات األسعار‪.‬‬
‫د‪ .‬مرحلة التوسع‪:‬‬
‫وقد سماها البعض مرحلة االستعادة (‪ )Recovery‬وفي هذه المرحلة يميل مستوى النشاط االقتصادي إلى النمو‬
‫ببطء‪ ،‬وينخفض سعر الفائدة مع زيادة ملحوظة في االئتمان المصرفي‪ .‬كما يتضاءل المخزون السلعي‪ ،‬تزايد مستويات‬
‫اإلنتاج‪ ،‬انخفاض مستوى البطالة وارتفاع ضئيل في األسعار‪ ،‬وتصبح التوقعات جيدة حول تحقيق األرباح في المستقبل‬
‫القريب‪ ،‬مما يدفع المنتجين إلى تنفيذ مزيد من االستثمارات‪ ،‬وعندما يستمر التوسع في النشاط االقتصادي يدخل في‬
‫مرحلة تسمى االزدهار (‪ )Prosperity‬إلى أن يصل إلى القمة‪.‬‬
‫الشكل رقم ‪ :1‬مراحل الدورة االقتصادية‪.‬‬

‫يظهر من الشكل أعاله أن الدورات االقتصادية المتتالية تمر بذات المراحل ونقاط التحول‪ ،‬ولكنها تختلف في‬
‫عمق نقاط التحول‪ ،‬وكذلك في السرعة التي تمر بها الدورة االقتصادية لالنتقال من مرحلة إلى أخرى‪ ،‬وهذا االختالف‬
‫يمكننا من القول أنه ال توجد دورتان اقتصاديتان متماثلتان‪.‬‬

‫االقتصادية‪:‬‬ ‫‪ .3‬مظاهر ومؤشرات الدورة‬


‫هناك عدة مؤشرات اقتصادية مستخدمة في معرفة نوع الدورة االقتصادية ومراحلها‪ ،‬وهناك من يقسمها إلى مؤشرات‬
‫رئيسية (ممثلة بالمؤشرات الثالث األولى) وأخرى فرعية (بقية المؤشرات)‪ ،‬كما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬التغير الحاصل في الناتج المحلي الخام‪ ،‬والمقصود بذلك معدالت النمو االقتصادي؛‬
‫‪ ‬التضخم‪ :‬غالباً ما يتزامن مع مرحلة التوسع االقتصادي زيادة مطردة في األسعار‪ ،‬والتي تنتهي بالتضخم‪.‬‬
‫‪ ‬البطالة‪ :‬وهي من أهم مؤشرات الدورات االقتصادية التي يمكن مالحظتها في مرحلة الركود االقتصادي‪.‬‬
‫‪ ‬تقلبات معدالت الفائدة؛‬
‫‪ ‬اضطرابات مؤشرات األسواق المالية؛‬
‫‪ ‬التغيرات الكبيرة في ميزان المدفوعات والميزان التجاري؛‬
‫‪ ‬التغيرات المعتبرة في أسعار صرف العملة؛‬
‫‪ ‬التغير في مستوى االنفاق االستهالكي الكلي؛‬
‫‪ ‬التغير في مستوى اإلنفاق االستثماري الكلي‪.‬‬
‫ثانيا‪ ،‬أنواع الدورات االقتصادية‪:‬‬
‫من خالل تناول األدبيات المختلفة الخاصة بالدورات االقتصادية‪ ،‬نجد أن هناك ثالث أنواع رئيسية من الدورات‬
‫االقتصادية‪ ،‬هي الدورات طويلة األجل‪ ،‬الدورات متوسطة األجل‪ ،‬والدورات قصيرة األجل وهي مرتبطة بأسماء العلماء‬
‫الذين يرجع لهم الفضل في التوصل إليها وتحديد مداها‪:‬‬
‫أ‪ .‬دورة كوندراتيف‪:‬‬
‫يشير االقتصادي الروسي' نيكوال كوندراتيف (‪ )N .Kondratieff ,1892-1938‬إلى أن االقتصاديات الرأسمالية‬
‫تخضع إلى موجات طويلة من القمة إلى القاع تتراوح مدتها ما بين خمسين إلى ستين عاما‪ ،‬وقد نسبها معظم االقتصاديين‬
‫إلى أحداث مختلفة مثل الحروب‪ ،‬اكشاف الذهب‪ ،‬التغيرات الديموغرافية‪ ،‬والتغيرات التكنولوجيا واالختراعات‬
‫واالبتكارات‪ .‬وفي إطار أعمال ماركس حول الدورات الكالسيكية‪ ،‬وضع كوندراتييف تفسير للدورات الطويلة كنتيجة‬
‫لطبيعة الرأسمالية‪.‬‬
‫والمالحظ‪ ،‬فعال وجود "موجات طويلة" (دورات كندراتيف) على امتداد كل الفترة التي دشنتها الثورة الصناعية‪ .‬وهنا‬
‫نالحظ أربع موجات متعاقبة امتدت كل منها حوالي نصف قرن‪.‬‬
‫أزمة‬ ‫‪0444-0404‬‬ ‫‪ 0404-0471‬نهوض‬
‫أزمة‬ ‫‪0471-0441‬‬ ‫‪ 0441-0444‬نهوض‬
‫أزمة‬ ‫‪0744-0704‬‬ ‫‪ 0704-0471‬نهوض‬
‫أزمة‬ ‫‪-0744‬‬ ‫‪ 0744-0744‬نهوض‬
‫والمالحظ أيضا‪ ،‬أن كل مرحلة نهوض تتطابق بدقة مع قيام أنظمة إنتاجية جديدة كبرى‪ ،‬من جهة‪ ،‬ومع تحوالت‬
‫سياسية أدت إلى توسيع األسواق‪ ،‬من جهة ثانية‪ .‬نذكر بالتتالي‪ .0 :‬الثورة الصناعية األولى والحروب النابليونية‪.1.‬‬
‫السكك الحديدية والوحدتين األلمانية واإليطالية ‪ .1‬الكهرباء واالمبريالية االستعمارية‪ .4 .‬حضارة السيارة وإعادة بناء‬
‫أوروبا واليابان وتحديثهما‪.‬‬
‫ب‪ .‬دورة' كوزنتس لالستثمار العقاري (طويلة األجل)‪:‬‬
‫يرجع الفضل لالقتصادي الروسي "سايمون كوزنتس" (‪ )Simon Kuznets, 1901-1985‬في اكتشاف‬
‫هذه الدورة االقتصادية‪ ،‬والتي تتراوح مدتها بين خمسة عشر إلى عشرين عاما‪ .‬وهي تصنف ضمن الدورات القطاعية التي‬
‫تختلف بحسب القطاع‪ ،‬حيث ترتبط بمجال االستثمار العقاري‪ ،‬وبالتالي فهي ترتبط بالتغيرات الديموغرافية‪.‬‬

‫وبصفة عامة‪ ،‬يمكن القول أنها دورة اقتصادية طويلة األجل وتسمى' دورة النقل والبناء '‪ ،‬حيث أنها ترتبط بالسلع‬
‫الرأسمالية طويلة األجل مثل المنازل‪ ،‬المصانع‪ ،‬القطارات‪ ،‬والطائرات‪ ،‬والتي يتراوح عمرها االقتصادي ما بين ثمانية عشر‬
‫إلى عشرين عاما‪ ،‬فعندما يتزايد الطلب على السلع الخاصة باإلسكان‪ ،‬والنقل تتزايد فرص تحقيق الربح لمنتجي هذه‬
‫السلع فيزداد الناتج منها‪ ،‬وعندما يحدث تشبع يقل الطلب وبالتالي تقل فرص تحقيق الربح فيقل الناتج‪.‬‬
‫ج‪ .‬دورة' جوغالر لالستثمار (متوسطة األجل)‪:‬‬
‫وهي دورة متوسطة األجل تتراوح مدتها ما بين سبعة أعوام إلى أحد عشر عاما‪ ،‬ويرجع الفضل‬
‫للفرنسي"جوغالر" (‪ )C .Juglar, 1819-1905‬في تحديدها‪ ،‬وهو أول من وصف األزمة على أنها مدة من الدورات‬
‫االقتصادية المتعاقبة‪ ،‬وأن أصل األزمات يرجع إلى الجانب النقدي سواء باإلفراط أو العكس بعدم الكفاية في القروض‪.‬‬
‫فتحليل جوغالر يسجل كمساهمة أولى فيما يخص البرهان على دورية األزمات والتعاقب المنتظم لفترات االنتعاش والركود‬
‫كتجسيد للديناميكية االقتصادية‪ ،‬مبينا أثر العالقات والتركيبة المالية على النظام االقتصادي‪.‬‬
‫د‪ .‬دورة كيتشن للمخزون (قصيرة األجل)‪:‬‬
‫وهي دورة اقتصادية قصيرة األجل تستغرق حوالي أربعين شهراً‪ ،‬اكتشفها االقتصادي البريطاني "جوزيف‬
‫كيتشن" )‪ ،(Joseph Kitchin,1861-932‬والتي أطلق عليها بعد ذلك" دورة كيتشن للمخزون" أو "دورة تصفية‬
‫المخزون"‪ ،‬وهي عادة مرتبطة بالطلب على السلع المعمرة التي يتراوح عمرها االقتصادي بين ثالث وخمس سنوات‪.‬‬
‫فخالل مرحلة التوسع يتزايد فرص تحقيق الربح ويصبح هناك حافز لدى المنتجين إلنتاج المزيد من هذه السلع‪ ،‬وعندما‬
‫يصل المستهلكون إلى حالة التشبع يقل الطلب فيتراكم المخزون وتنخفض األرباح‪ ،‬مما يؤدي إلى توقف اإلنتاج إلى أن‬
‫يصبح هناك توازن بين كمية المخزون والطلب الجديد على السلع المعمرة‪.‬‬
‫الشكل رقم‪ :2‬مخطط ألهم أنواع الدورات االقتصادية‬
‫من خالل الشكل أعاله يتبين أن األنواع أو النماذج الثالثة للدورات االقتصادية يمكن دمجهما معاً‪ ،‬بمعنى أنها ال‬
‫تتحرك بمعزل عن بعضهما البعض‪ ،‬فلقد الحظ' شومبيتر 'أنه إذا حدث اتفاق بين مرحلة انكماش لدورة اقتصادية صغيرة‬
‫مع مرحلة انكماش لدورة اقتصادية كبيرة أدى ذلك إلى انهيار تام وخطير للغاية في النظام االقتصادي‪ ،‬ومن وجهة نظره‬
‫فإن الركود الكبير لسنة ‪ 1929‬حدث نتيجة لتالقي أدنى نقطة لهذه الدورات االقتصادية معاً‪.‬‬

‫ثالثا‪ ،‬خصائص الدورات االقتصادية‪.‬‬


‫يمكن تقسيم هذه الخصائص إلى خصائص مشتركة وأخرى غير مشتركة‪.‬‬
‫الخصائص المشتركة للدورات االقتصادية‪:‬‬ ‫‪.1‬‬
‫تتميز الدورات االقتصادية بأنها ظاهرة متكررة وليست دورية‪ :‬فالتكرارية تعني أن نمط االنكماش(القاع) والتوسع‬ ‫‪-‬‬
‫(القمة) سيظهر مرة ومرة أخرى‪ ،‬أما عدم الدورية فمعناه أن الدورة ال تظهر في فترات منتظمة وقابلة للتنبؤ‪ ،‬فهي‬
‫ليست موجات ثابتة تصيب النشاط االقتصادي بل هي نتاج لصدمات عشوائية غير متوقعة؛‬
‫الدورة االقتصادية هي تقلبات النشاط االقتصادي الكلي وليس متغيرا مخصوصا بذاته‪ ،‬كما تتسم بخاصية‬ ‫‪-‬‬
‫شمول أو تزامن التقلبات(‪ )Comovement‬حيث أنها تحدث لجميع القطاعات المكونة للنشاط‬
‫االقتصادي‪ ،‬وقد تمتد أثارها عالميا أو دوليا؛‬
‫تتسم الدورات االقتصادية بخاصية التغذية الذاتية أو االستمرارية (‪ )Persistence‬أي أن حالة الركود االقتصادي‬ ‫‪-‬‬
‫تؤدي إلى المزيد من الركود‪ ،‬والتوسع يؤدي إلى مزيد من التوسع إلى أن تحدث نقط التحول ليعكس النشاط‬
‫االقتصادي اتجاهه؛‬
‫يمثل االنتقال المتسلسل بين" قمة "و"قمة "موالية أو بين" قاع "و"قاع "موالي" دورة اقتصادية‪".‬‬ ‫‪-‬‬
‫يصطلح على كل من" القمة "و" القاع "مصطلح" نقاط التحول" )‪(Turning Points‬‬ ‫‪-‬‬
‫للمتغيرات االقتصادية الكلية المختلفة سلوك متوقع‪2‬خالل المراحل المختلفة للدورات االقتصادية‪ ،‬يمكن‬ ‫‪-‬‬
‫تصنيف كل متغير في إحدى الفئات التالية‪:‬‬
‫‪ ‬أن يكون المتغير مسايرا للدورة االقتصادية‪ ،‬وهو المتغير الذي تزيد قيمته في فترة التوسع‪ ،‬وتنخفض قيمته‬
‫في فترة الركود‪ ،‬مثل الناتج الكلى‪ ،‬األرباح‪ ،‬مستوى األسعار؛‬
‫‪ ‬أن يكون المتغير معاكساً للدورة االقتصادية‪ ،‬وهو المتغير الذي تزيد قيمته في فترات الركود‪ ،‬وتنخفض‬
‫قيمته في فترات التوسع‪ ،‬مثل البطالة‪ ،‬المخزون من السلع ‪...‬؛‬
‫‪ ‬قد ال يكون للمتغير نمط محدد مع الدورة االقتصادية‪ ،‬أي أن سلوكه غير مرتبط مراحل الدورة‬
‫االقتصادية‪.‬‬
‫الخصائص غير المشتركة للدورات االقتصادية‪:‬‬ ‫‪.2‬‬

‫‪ .2‬من خالل دراسة مراحل الدورة االقتصادية نجد أن التغيرات في مكونات النشاط االقتصادي تسير في نفس االتجاه التصاعدي أو التنازلي ففي حالة التوسع نجد أن كافة‬
‫المتغيرات أو مكونات النشاط االقتصادي تتجه تصاعدياً ‪ :‬مستوى األسعار يرتفع‪ ،‬التصدير يزداد‪ ،‬األرباح تتصاعد‪ ،‬األجور ترتفع‪ ،‬المشاريع الجديدة تزداد‪ ،‬االئتمان يتسع نطاقه‪،‬‬
‫العمالة في زيادة‪ ،‬اإلنفاق يزداد‪...‬إلخ‪ .‬و في حالة الركود نجد أن كل المتغيرات تسير في نفس االتجاه التنازلي ‪ :‬األسعار تنخفض وكذلك األجور والعمالة أيضاً‪ ،‬ومعدالت الربحية‬
‫تقل‪ ،‬المشروعات الجديدة تنعدم‪ ،‬االئتمان المصرفي ينكمش‪ ،‬و األمر ينعكس على البلدان األخرى أيضاً نتيجة اآلثار التي يحققها الركود على الصادرات و الواردات‪..‬‬
‫‪ -‬إن كل مرحلة من مراحل الدورة االقتصادية السابقة اإلشارة إليها تتسم بسمات خاصة من حيث األسباب‬
‫والنتائج ال تتشابه مع مثيالتها السابقة؛‬
‫‪ -‬تختلف الدورات االقتصادية المتتالية فيما بينها من حيث مدة الدورة االقتصادية‪ ،‬وكذلك حدة مراحلها المختلفة؛‬
‫‪ -‬ليس بالضرورة أن يمر االقتصاد الكلي بجميع مراحل الدورة وبنفس التسلسل‪ ،‬وهذه هي السمة الغالبة في‬
‫اقتصاديات السوق‪ ،‬أي أنها غالباً ما تمر بمراحل ركود وانتعاش بدون أن تصل إلى مرحلة كساد عام أو مرحلة‬
‫االزدهار‪ ،‬بسب التدخل الحكومي في النشاط االقتصادي لتالفي النتائج السلبية التي تظهر عادة في مرحلة‬
‫الركود الحاد كارتفاع معدالت البطالة‪ ،‬أو مرحلة االنتعاش كارتفاع معدالت التضخم؛‬
‫‪ -‬أكد كثير من االقتصاديين أن هناك بعض الجوانب الدولية أو العالمية للدورات االقتصادية‪ ،‬وذلك‬
‫ألن هناك بعض الصدمات تضرب عدداً من الدول في ذات الوقت‪ ،‬مثل حدوث االرتفاع الملحوظ في سعر‬
‫النفط في الفترة (‪ ،)3791 -3791‬وكذلك الفترة (‪ ،)1980 -1979‬و الذي أدى إلى حالة من الركود‬
‫تأثرت بها معظم دول العالم الصناعية في ذات الوقت؛‬

‫وبعد قياس و تحديد الدورات االقتصادية هنالك سؤال يطرح حول ما إذا كانت تلك التقلبات تعزى لعوامل‬
‫محلية أو خارجية ؟ والجواب على ذلك هو أن العوامل التي تحرك الدورات االقتصادية نوعان‪:‬‬
‫‪-‬العوامل المحلية‪ :‬مثل السياسات النقدية والمالية‪.‬‬
‫‪-‬العوامل الخارجية ‪ :‬مثل الصدمات العالمية كحدوث تغيرات كبيرة في أسعار النفط‪ ،‬أو يمكن أن تنبثق من بلد كبير‬
‫مثل أمريكا وتفيض على بلدان أخرى وفقا للمقولة المأثورة" عندما تعطس أمريكا يصاب العالم بنزلة برد‪".‬‬

‫وعالوة على ذلك توجد ما يسمى بظاهرة تزامن (ترابط) الدورات االقتصادية‪(business cycle‬‬
‫)‪ synchronization‬والتي تعني مرور مجموعة من البلدان بدورات اقتصادية متزامنة (متقاربة )‪،‬و ذلك راجع إلى‪:‬‬
‫‪-‬الروابط االقتصادية الكبيرة بينها‪ ،‬والتي تأخذ شكل اندماج تجاري ومالي‪ ،‬فكلما زادت درجة االندماج االقتصادي‬
‫بين بلدين كلما تزايد االرتباط بين دورتيهما االقتصادية ؛‬
‫‪-‬درجة تشابه الهياكل االقتصادية بين البلدان‪ ،‬فكلما زاد التشابه كلما صاحبها ارتباط كبير في تقلبات الناتج‪.‬‬

You might also like