Professional Documents
Culture Documents
الفصل الأول
الفصل الأول
ماهيــة الرقابــة
اإلداريـــة
سوف نتناول في هذا الفصل ماهية الرقابة اﻹدارية من خالل تقسيمه إلى مبحثين يتمثل المبحث
األول في مفهوم الرقابة اﻹدارية وأساسها القانوني ٳضافة إلى مبرراتها وخصائصها ،أما
المبحث الثاني فقد تعرضنا فيه إلى نطاق الرقابة اﻹدارية ومختلف الطرق التي تقوم بتحريكها.
الفرع األول :تعريف الرقابة اﻹدارية :تعددت تعاريف الرقابة اﻹدارية وتنوعت ﺁراء الفقهاء
فيها ،حيث عرفها كل منهم من زاوية تخصصه.
هنا نجد ٳلزاما علينا أن نتعرض لبيان الماهية اللغوية واإلصطالحية لكلمة الرقابة.
أوال :الرقابة :لغة :2لكلمة رقابة في اللغة عدة معاني ومنها مايلي:
-1رقابة مصدرها راقب وضعه تحت الرقابة الصحية ،وكذلك مهنة من يراقب المطبوعات
قبل إصدارها ،ورقابة البريد أي عمل من يراقب المراسالت.
-2أما في اﻹقتصاد فكلمة رقابة العرض تعني الرقابة على سعر العملة الوطنية بالنسبة للعملة
األجنبية.
1محمد محمد عبده إمام ،القضاء اإلداري (مبدأ المشروعية وتنظيم مجلس الدولة -دراسة مقارنة) ،دار الفكر الجامعي،
ثانيا :الرقابة ٳصطالحا :يميل معظم الباحثين ٳلى استعمال تعبير الرقابة ليفيد معنى المراجعة
والمراقبة وليس للرقابة إستعمال محدد فهي تفيد أحيانا بمعنى الفحص أو بمعنى المالحظة
والمتابعة ،وغاية الرقابة دائما مقارنة ماهو كائن وبين النتائج أو األداء المتوقع.1
كما تعرف الرقابة بأنها "التأكد من مدى ٳنسجام ما يحدث في العمل مع الخطة الموضوعة
والتعليمات الصادرة في ضوئها ،ومن ثم التعرف على نقاط الضعف واألخطاء لتصحيحها ومنع
تكرار حدوثها".2
وتعرف الرقابة أنها "العملية التي تسعى اﻹدارة من خاللها إلى التحقق من أن ما حدث هو
3
الذي كان يفترض أن يحدث وٳذا لم يحدث ذلك فال بد من ٳجراء التعديالت الالزمة"
كما عرفها بعض علماء اﻹدارة على أنها ":وظيفة من وظائف اﻹدارة تعني بقياس
وتصحيح أداء المسؤولين لغرض التأكد من أن األهداف والخطة الموضوعة قد تم تحقيقها فهي
وظيفة تمكن الرئيس من التأكد من أن ما تم مطابق لما خطط له.4
وعليه فيمكننا تعريف الرقابة استنادا إلى التعريفات السابقة على أنها :نشاط يختص
بمواكبة عمليات تنفيذ الخطط والسياسات ويركز على توقع حدوث األخطاء ومحاولة تجنبها
مسبقا عن طريق قياس النتائج المحققة أوال بأول ،ومقارنتها من ثمة بالمعايير الموضوعة مقدما
لتحديد االختالفات والتمييز فيما بينها ،إضافة إلى معرفة أسبابها بطريقة تأخذ في اإلعتبار
1عبد الرحمان الصباح ،مبادئ الرقابة اإلدارية،عمان،دار زهران للنشر والتوزيع،1997 ،ص.17
2حسين عبد العال محمد،الرقابة اإلدارية بين علم اإلدارة والقانون اإلداري(دراسة مقارنة) ،دار الفكر الجامعي ،2004 ،ص
.71
4زاهر عبد الرحيم عاطف ،الرقابة على األعمال اإلدارية ،عمان،دار الراية ،الطبعة األولى،2009،ص.35
29
الفصــل األول .....................................................ماهيــة الرقابــة
اإلداريـــة
طبيعة وحجم الهيئة التي تتم مراقبتها ،والعمل على تصحيح مسار التنفيذ عن طريق معالجة
اإلنحرافات وتنمية اإليجابيات بأسلوب يدفع العاملين على تحسين األداء وتطويره ،تحقيق
التعاون فيما بينهم من أجل تحقيق األهداف المرجوة.1
الفرع الثاني :األساس القانوني للرقابة اﻹدارية :إذا كان من المسلم أن ﻠﻺدارة الحق في سحب
وٳلغاء وتعديل قراراتها اﻹدارية غير المشروعة أو غير المالئمة فإنه من الضروري تحديد
األساس القانوني لهذا الحق لماله من نتائج هامة تؤثر في تنظيم حدود هذا الحق ﻠﻺدارة وتحديد
مجاله ونطاقه.
أوال :اﻵراء الفقهية حول األساس القانوني :وقد تعددت اﻵراء في هذا الشأن فاستند البعض
إلى عدم تمتع القرارات اﻹدارية بالحجية القانونية مما يتبع ﻠﻺدارة الرجوع فيها ،في حين علل
ﺁخرون بأن القرار غير المشروع يكون مهددا باﻹلغاء عن طريق القضاء ٳذا طعن فيه صاحب
المصلحة ،ولما كان هذا الطريق ممنوعا على اﻹدارة ذاتها فإنه يكون من حقها الرجوع عن
هذا القرار لموازنة حق ذوي المصلحة في الطعن فيه أمام القضاء ،بينما ذهب رأي إلى تأسيس
حق اﻹدارة في الرجوع عن قراراتها إلى السلطات الرئاسية لتقويم وتصحيح وتوجيه وأمر،
وأخيرا يتجه رأي إلى تأسيس الرقابة على فكرة المصلحة العامة وحدها أو باﻹضافة إلى مبدأ
المشروعية.2
ثانيا:مبدأ المشروعية كأساس قانوني :ويعني مبدأ المشروعية تتطابق كل تصرفات الهيئات
المحلية مع أحكام القانون ،بحيث تلتزم باﻹمتثال ألوامر واجتناب نواهيه ،وفي هذا ضمانة
أساسية تحمي األفراد من إستبداد اﻹدارة.3
3رفعت عبد سيد ،مبادئ القانون اإلداري (الكتاب األول :األساسيات العامة-التنظيم اإلداري) ،دار النهضة العربية،2003،
ص.244
30
الفصــل األول .....................................................ماهيــة الرقابــة
اإلداريـــة
وإ ن الرأي الراجح هو أن مبدأ المشروعية وحده هو األساس القانوني لممارسة اﻹدارة حق
الرجوع في قراراتها .فبمقتضى هذا المبدأ يجب على اﻹدارة عند إصدارها لقراراتها أن تتقيد
قبل كل شيء بالقانون تبعا لذلك فإن عليها من باب أولى إذا هي خالفته وحادت عنه أن تحترمه
وذلك بأن ترجع في هذه القرارات المخالفة للقانون.
وعليه يكون للجهة اﻹدارية العليا بما لها من سلطة رئاسية ،بل ويجب عليها من تلقاء
نفسها أو بناء على طلب أصحاب المصلحة ،ٳبطال القرار المخالف للقانون الذي أصدرته
السلطة المرؤوسة الخاضعة ﻹشرافها كما أن لمتخذ اﻹجراء ،بل ويجب عليه من تلقاء نفسه أو
بعد طلب أصحاب الشأن أن يرجع عن اإلجراء فور معرفته أنه غير شرعي وبالتالي يعد
باطال.
وبصفة عامة فإن اﻹدارة تلتزم أيضا بالحرص على أن تظل قراراتها متفقة مع القانون،
فإذا مالحقها بعد صدورها عيب قانوني كان عليها الرجوع عن هذا القرار نزوال على مبدأ
المشروعية وخضوع الدولة للقانون.1
إن هذا القدر من حرية التصرف الممنوح ﻠﻺدارة ،والذي يجعلها في حل من وجود وسائل
مفروضة عليها هو ما يسمى " بالسلطة التقديرية ﻠﻺدارة" ،وهو واحد من اﻹمتيازات التي
تتمتع بها اﻹدارة بهدف تحقيق أهدافها ،ولكنه امتياز تمارسه اﻹدارة في نطاق مبدأ المشروعية
من حيث الهدف دون الوسيلة ألن الهدف يظل دائما واحدا ال خيار لإلدارة فيه فهو محدد سلفا
في النظام القانوني للدولة ومرتبط في الواقع بالغرض من وجود الدولة.2
إذ أن األص\\ل في الرقاب\\ة اﻹداري\\ة أن تنص\\ب على الق\\رارات اﻹداري\\ة غ\\ير المش\\روعة ،أم\\ا
الق\\رارات المش\\روعة فإنه\\ا ليس\\ت محال له\\ذه الرقاب\\ة ح\\تى ول\\و ك\\انت غ\\ير مالئم\\ة ،ولكن ﻠﻺدارة
في ه\\ذه الحال\\ة األخ\\يرة أن تص\\در ق\\رارات ٳداري\\ة جدي\\دة لتتواف\\ق تص\\رفاتها م\\ع م\\ا يس\\تجد من
ظروف تطبيقا لقاع\\دة وج\وب مالئم\\ة اﻹدارة لقراراته\\ا م\\ع الظ\\روف الجدي\\دة ،ول\\ذلك األص\\ل أن
نطاق ومجال الرقابة اﻹدارية يقتصر على القرارات غير المشروعة فحسب
2فهد عبد الكريم أبو العثم ،القضاء اإلداري (بين النظرية والتطبيق) ،عمان ،دار الثقافة للنشر والتوزيع ،2011 ،ص.93
31
الفصــل األول .....................................................ماهيــة الرقابــة
اإلداريـــة
وهو ما يوجب علين\ا دراس\ة ه\ذا النط\اق وبحث م\دى ٳمكاني\ة م\د ه\ذه الرقاب\ة إلى الق\رارات
غير المالئمة بالرغم من مشروعيتها.1
الفرع األول :مبررات الرقابة اﻹدارية :نجد مبررات الرقابة اﻹدارية تتمثل فيما يلي:
أوال :احترام المشروعية :تستهدف الرقابة اﻹدارية ضمان إحترام مبدأ المشروعية الذي تلتزم
به السلطات المركزية بالنسبة لجميع أعمالها شأنها في ذلك شأن السلطات العامة.
وهو األمر الذي يوجب على السلطات الالمركزية إحترام القانون وذلك بمعناه الواسع الذي ال
يقتصر على القانون العادي وٳنما يتسع ليشمل مختلف القواعد القانونية أيا كان مصدرها
وشكلها.
ومن أهم هذه القواعد القانونية التي تلتزم بها الهيئات الالمركزية هي قاعدة التخصص
التي تفرضها طبيعة الشخصية المعنوية.
1صالح فؤاد ،مبادئ القانون اإلداري الجزائري ،بيروت ،دار الكتاب اللبناني ،مكتبة المدرسة ،1983 ،ص.101
ثانيا :حماية المصلحة العامة :وهي محور الرقابة ،وذلك بمراقبة النشاطات وسير العمل وفق
خططه وبرامجه في شكل تكاملي يحدد األهداف المرجوة ،والكشف عن اإلنحرافات والمخالفات
وتحديد المسؤولية اإلدارية.3
كما تهدف الرقابة اإلدارية إلى حماية المصلحة العامة التي تتمثل بمعناها الواسع في
مصلحة الدولة ومصلحة األشخاص الالمركزية ومصلحة المواطنين على أساس أن المصلحة
العامة تشمل وتتألف من مجموعة المصالح الوطنية والمصالح اإلقليمية والمرفقية والمصالح
الفردية( 4المواطنين).
أوال :رقابة إدارية :هذه الصفة اإلدارية تقوم على أن هذا النوع من الرقابة يصدر عن جهة
إدارية ومن ثمة تحدث بقرارات إدارية ،وهذه الرقابة تتم بطريقة تلقائية من جانب جهة
الوصائية أو بناء على طلب من ذوي الشأن .
ثانيا :رقابة إستثنائية :تتميز الرقابة اإلدارية بالصفة اإلستثنائية وذلك على أساس أنها ال
تفرض وذلك على عكس الرقابة الرئاسية بوصفها رقابة مفترضة تتم بقوة القانون ،2ويترتب
على ذلك:
/1وجود نصوص قانونية :فإنها ال تمارس إال أ وجد نص يقررها صراحة وفي الحدود
وبالوسائل التي يقررها القانون ،وذلك على أساس إستقالل الهيئات المشمولة بالرقابة مما يمتنع
معه تقييد هذا اإلستقالل إال بنص صريح من المشرع فهو وحده الذي يملك النص على بعض
القيود على اإلستقالل المذكور.
فمثال إذا لم ينص القانون على إخضاع عمل معين صادر من جانب هيئة المركزية لرقابة
اإللغاء فإن جهة الرقابة ال تملك في هذه الحالة إجراء هذا اإللغاء و إن كان لها أن تلجأ إلى
القضاء لطلب الحكم بإلغاء العمل الالمركزي المعيب.
وإ ذا نص القانون على تخويل جهة الرقابة اإلدارية سلطة إتخاذ إجراء وصائي معين فإنه
ال يجوز للسلطة الوصائية أن تستعمل إجراء رقابي آخر بدال من اإلجراء المسموح به قانونا.
1محمد فؤاد مهنا ،مبادئ وأحكام القانون اإلداري ،مصر ،دار المعارف ،1978 ،ص.181
2أحمد صقر عاشور،اإلدارة العامة ،لبنان ،دار النهضة العربية ،1979 ،ص .204
35
الفصــل األول .....................................................ماهيــة الرقابــة
اإلداريـــة
/2التحديد الدقيق لتفسير النصوص القانونية :يتعين تفسير النصوص المتعلقة بهذه الرقابة
تفسيرا ضيقا وذلك على أساس أن النصوص المذكورة تعتبر إستثناءا واردا على أصل عام وهو
إستقالل الهيئات الالمركزية الذي يستلزم عدم التوسع في تغيير هذه النصوص إحتراما
إلستقالل هذه الهيئات الالمركزية.
/3مبدأ حرية الشخص الالمركزي :ال يجوز للشخص الالمركزي أن يتنازل لجهة الرقابة ولو
جزئيا عن حريته المقررة قانونا وذلك على أساس أن هذا النزول عن إختصاصه يخالف القانون
الذي يأخذ بالالمركزية اإلدارية من أجل تحقيق مصلحة الدولة وليس فقط من أجل تحقيق
مصلحة الهيئات الالمركزية ،هذا فضال عن أنه ال يجوز ممارسة الرقابة اإلدارية إال إستنادا إلى
نصوص صريحة صادرة من المشرع الذي يختص وحده بتغير حرية الهيئات الالمركزية. 1
ثالثا :رقابة خارجية :تتصف بهذه الصفة ،وذلك على أساس إستقالل الهيئات الالمركزية
المشمولة بالرقابة اإلدارية عن جهة الرقابة عليها وهذا عكس الرقابة الرئاسية بوصفها رقابة
داخلية.2
وتتم بين طرفين تابعين لشخصية معنوية واحدة.
أما الرقابة اإلدارية فتتم بين شخصين مستقلين وهما شخص جهة الرقابة والشخص
اإلداري الالمركزي الخاضع لها.
المبحث الثاني :نطاق الرقابة اإلدارية وطرق تحريكها
األصل أن الرقابة اإلدارية تنصب على التصرفات اإلدارية غير المشروعة ،فتستطيع
اإلدارة إلغاء هذه التصرفات أو سحبها أو اإلكتفاء بتعديلها ،أما التصرفات اإلدارية الصحيحة
فالقاعدة العامة أنه ال يجوز سحبها أو إلغائها حتى ولو كانت مخالفة لمقتضيات مالئمة إصدارها
إال إستثناءا إلعتبارات معينة.
1أحمدي رشيد ،نظرية اإلدارة العامة ،القاهرة ،دار المعارف،1977 ،ص .75
2أحمدي رشيد ،مرجع سابق،ص .75
36
الفصــل األول .....................................................ماهيــة الرقابــة
اإلداريـــة
المطلب األول :نطاق الرقابة اإلدارية
ويتمثل في دراسة وتحديد المجال الذي تمارس فيه جهة الوصاية رقابتها اإلدارية على
األجهزة التي تخضع لرقابتها.1
حيث تمارس رقابتها على مشروعية األعمال اإلدارية ،أو على مالئمة القرارات اإلدارية
الصحيحة.
وهذا ما سنتطرق إليه من خالل الفرعين التالين:
الفرع األول :الرقابة اإلدارية على مشروعية األعمال اإلدارية :ويجوز لإلدارة الرجوع في
األعمال اإلدارية غير المشروعة إستنادا إلى مقتضيات مبدأ المشروعية ،ويختلف مدى هذا
الحق المعترف به لإلدارة باختالف درجة عدم مشروعية العمل ،فقد تكون مخالفة المشروعية
شاملة مما يدفع اإلدارة إما سحب العمل أي إبطاله بأثر رجعي منذ لحظة صدوره ،إما إلى
إلغاء العمل أي إبطاله بالنسبة للمستقبل فحسب ،وقد تكون المخالفة للمشروعية جزئية ومن ثمة
تكتفي اإلدارة بتعديل عملها بما يزيل الجوانب غير المشروعة في العمل مع اإلبقاء عليه
صحيحا ،ولما كانت أعمال اإلدارة إما أن تكون أعماال مادية أو أعماال قانونية فإن الواقع يشير
إلى إستحالة سحب األعمال المادية ،إذ أن األثر الرجعي المترتب على السحب إنما يقوم على
مجرد خيال قانوني ،فإذا إصطدم هذا الخيال بالواقع فإنه البد من تغليب هذا الواقع ،وبناء عليه،
فإن األثر الرجعي للسحب ال يمكن أن يؤدي إلى إعتبار أحد األفعال المادية التي وقعت في
الماضي وكأنها لم تحدث ،ألن هذا المجاز القانوني ال يمكن أن يهدم في الواقع ماتم فعال من
أعمال مادية .وعليه فال يتصور بالنسبة لألعمال المادية أن تسحب بأثر رجعي ،وإ نما يمكن
إلغاء هذه األعمال وهو ما يعني في حقيقة األمر وقفها بالنسبة للمستقبل أي التوقف عن إتمامها
مع جواز إزالة ماقد يكون قد تم من أعمال قابلة لإلزالة .وتبعا لما تقدم فإن المجال الطبيعي
أوال :سحب القرارات غير مشروعة :نعني بسحب القرارات اإلدارية غير المشروعة وهو
إنهاء و إعدام األثار القانونية بأثر رجعي ،كأنه لم توجد إطالقا ،أي القضاء على األثار القانونية
للقرارات اإلدارية بالنسبة للماضي والحاضر والمستقبل " عملية قلع لجذور اآلثار القانونية
للقرارات اإلدارية نهائيا" ،وتتم عملية سحب القرارات اإلدارية من طرف السلطات اإلدارية و
الوالئية والرئاسية المختصة ،بحيث يكون لها حق أصيل ومقرر.
فهكذا تملك السلطات اإلدارية المختصة سحب القرارات اإلدارية لتصحيح األخطاء
المادية وإلعدام القرارات اإلدارية غير المشروعة بسبب عيوب عدم الشرعية (عيب إنعدام
السبب ،عيب عدم اإلختصاص ،عيب مخالفة قواعد الشكل و اإلجراءات ،عيب مخالفة
القانون ،وعيب اإلنحراف في إستعمال السلطة)
يجب أن تنصب عملية سحب القرارات اإلدارية غير المشروعة فقط ،ألن القرارات
اإلدارية المشروعة تخلق حقوق ذاتية "فردية" مكتسبة ال يجوز المس بها و اإلعتداء عليها
بواسطة عملية سحب القرارات اإلدارية.
و أساس سحب القرارات اإلدارية غير المشروعة هو فكرة أن القاعدة الباطلة ال يمكن أن
تولد حقا مكتسبا ،وفكرة حتمية إلغاء و إبطال األعمال غير المشروعة.2
وقد يكون السحب كليا شامال للقرار اإلداري برمته ،وذلك إذا كانت عدم المشروعية تشمل
القرار كله ،وقد يكون السحب جزئيا إذا كانت عدم المشروعية تقتصر على جزء من القرار
ومن ثم تصدر جهة اإلدارة قرار بالسحب الجزئي للقرار غير المشروع ،إذا كان قابل للتجزئة،
أما إذا كان غير قابال للتجزئة فتصدر قرارا بالسحب الكلي للقرار غير المشروع.
2عمار عوابدي ،نظرية القرارات اإلدارية بين علم اإلدارة العامة والقانون اإلداري ،الجزائر ،دار الهومة ،الطبعة الخامسة،
،2009ص .170
38
الفصــل األول .....................................................ماهيــة الرقابــة
اإلداريـــة
ويترتب على سحب القرار اإلداري إعدامه بأثر رجعي أي اعتباره كأن لم يكن ،فالقرار
الساحب يلغي القرار المسحوب من تاريخ صدوره أي أن القرار الساحب يكون له أثر رجعي،
وبذلك يعتبر استثناءا من مبدأ عدم رجعية القرارات اإلدارية.1
يبدوا أنه يجب مالحظة أن بطالن القرارات اإلدارية قد يتمثل في إنعدام القرار أو بطالنه
بطالنا مطلقا أو بطالنا نسبيا.
لذا فمن الصواب االعتراف لإلدارة بحق سحب قراراتها المنعدمة أو على األقل إعالن
إنعدامها ومن ثمة فهي تعد عملية مادية ترمي إلى تطهير ما ترتب على القرار الباطل من
أوضاع خاصة وأنها تهدف إلى إزالة عمل فقد صفته اإلدارية وتعبيرا عن إرادة اإلدارة ومن
ثمة إنتفت عنه طبيعة العمل القانوني.2
و لكي تكون عملية سحب القرارات اإلدارية صحيحة ومشروعة يجب أن تتم هذه العملية
بواسطة السلطات اإلدارية المختصة في اإلدارة العامة للدولة والسلطات اإلدارية هي المختصة
بعملية السحب اإلداري للقرارات اإلدارية.3
ثانيا :بطالن (إلغاء) القرارات اإلدارية غير المشروعة :إذا نشأ القرار اإلداري صحيحا فليس
هناك من مبرر إلبطاله عن طريق اإلدارة بسحبه ،إال أنه قد يشوب هذا القرار عيب الحق
يجعله غير مشروع وفي هذه الحالة ينبغي على اإلدارة إبطاله ولكن دون حاجة إلى تقرير أثر
البطالن منذ إنشائه ولذلك تكتفي اإلدارة بإبطال هذا القرار بالنسبة للمستقبل فقط.
وذلك عن طريق بطالن هذا القرار وليس سحبه ولما كان الحق في إبطال القرار اإلداري
يترتب نتيجة إصابة القرار بعد صدوره صحيحا بعيب عدم المشروعية.
فإنه مهما طالت المدة التي تمر على القرار منذ صدوره ونفاذه يكون لإلدارة أن تقوم بهذا
اإلبطال حينما يصاب القرار بالعيب القانوني وهو ما يعني أن إحتساب مدة الطعن القضائي
1شريف يوسف حلمي خاطر،القرار اإلداري (دراسة مقارنة) ،القاهرة،دار النهضة العربية ،2006 ،ص .109
2سليمان الطماوي،النظرية العامة للقرارات اإلدارية ،القاهرة ،دار الفكر العربي ،1966 ،ص .275
3عمار عوابدي ،نظرية القرارات اإلدارية بين علم اإلدارة العامة والقانون اإلداري ،مرجع سابق ،ص .172
39
الفصــل األول .....................................................ماهيــة الرقابــة
اإلداريـــة
والتي يجوز لإلدارة إبطال القرار اإلداري خاللها يبدأ منذ تعييب القرار المشروع بأحد أوجه
البطالن وليس من تاريخ نفاذه.
على أنه يجوز لإلدارة أيضا أن تلجأ إلى إبطال القرارات اإلدارية التي تكون غير
مشروعة منذ صدورها بدال من سحب هذا القرارات حتى يمكن أن تقتصر آثار هذا اإللغاء على
المستقبل دون الماضي وهذا مايلزم على اإلدارة أن تقوم بهذا اإلبطال خالل ميعاد الطعن
القضائي.1
ثالثا :تعديل القرارات اإلدارية :إذا كان القرار اإلداري قد شابه عيب عدم المشروعية في بعض
أجزائه دون البعض اآلخر فإن لإلدارة أن تبطل القرار في هذا الجزء الذي شابه العيب القانوني
ويبقى القرار صالحا منتجا آثاره فيما بقي منه مادام هذا الجزء الباقي يشتمل فعال على قرار
إداري صحيح.2
وأخيرا تشير إلى أنه لما كان تعديل القرارات اإلدارية ليس في حقيقته إال سحبا أو إلغاء
جزئيا فإنه يسري عليه ما سبق ذكره عن الميعاد بالنسبة للسحب والبطالن ،وكذلك هو األمر
بالنسبة للتعديل عن طريق التحويل الذي هو في حقيقته ليس إال سحبا إداريا ضمنيا للقرار
المعيب الذي يقوم على أنقاضه القرار الجديد المتحول إليه وعليه يسري على التحويل ما يسري
على سحب القرارات اإلدارية من حيث الميعاد.
الفرع الثاني :الرقابة على مالئمة القرارات اإلدارية الصحيحة :قد ينشأ القرار اإلداري
مشروعا وصحيحا من الناحية القانونية عالوة على مالئمته للظروف المحيطة بإصداره
وفي هذه الحالة ليس لإلدارة أن ترجع في هذا القرار مالم يطرأ عيب قانوني على القرار
فيكون لإلدارة إبطال القرار أو تعديله جزئيا إلزالة هذا العيب القانوني الذي طرأ على القرار
وذلك إستنادا سلطتها في الرقابة الذاتية (الرقابة التلقائية) على أعماله وفقا لمبدأ المشروعية.
1سليمان الطماوي ،النظرية العامة للقرارات اإلدارية ،مرجع سابق ،ص .276
40
الفصــل األول .....................................................ماهيــة الرقابــة
اإلداريـــة
أما إذا طرأ على القرار اإلداري المشروع والصحيح قانونا عيب يتعلق بمالئمته وذلك
نتيجة تغير الظروف التي كانت محيطة به وقت إصداره فإن لإلدارة أيضا الحق إما في إلغاء
القرار أو تعديله ليتالئم مع الظروف الجديدة على أن يقتصر أثر اإللغاء أو التعديل على
المستقبل فحسب دون أن يكون له أي أثر رجعي.
على أن سلطة اإلدارة في إبطال أو تعديل القرارات اإلدارية لتتالئم مع الظروف الجديدة
ال تستند إلى حقها في الرقابة الذاتية على أعمالها وفقا لمبدأ المشروعية وإ نما ترجع في حقيقة
األمر إلى مبدأ ضرورة موافقة أو مالئمة أعمال اإلدارة مع الظروف المتغيرة.
ولما كان مقتضى سحب القرار الصحيح لعدم مالئمته ،إبطال هذا القرار بأثر رجعي منذ
صدوره فإن القرار الساحب يكون غير مشروع لمخالفته لقاعدة عدم جواز الرجعية في
القرارات اإلدارية خاصة و أنه قد يترتب على هذا السحب مساسا بالمراكز القانونية أو الحقوق
المكتسبة التي تكون قد تولدت نتيجة القرار المسحوب وتبعا لذلك يكون لكل ذي مصلحة أن
يتظلم من قرار السحب غير المشروع ،1إما لإلدارة نفسها وإ ما أمام القضاء.
2عبد العزيز صالح بن حبتور ،مبادئ اإلدارة العامة ،دار الميسرة للنشر والتوزيع والطباعة ،الطبعة األولى ،2009 ،ص
.214
41
الفصــل األول .....................................................ماهيــة الرقابــة
اإلداريـــة
وقد تتحرك الرقابة اإلدارية إما بصورة تلقائية من جانب اإلدارة ذاتها أو بناءا على تظلم
يقدم اإلدارة من األفراد ذوي المصلحة الذين أضر بهم العمل اإلداري.1
وهذا ما سنوضحه في الفرعين التاليين:
الفرع األول :الرقابة التلقائية :وهذا النوع من الرقابة تعمد اإلدارة إلى مراجعة تصرفاتها التي
صدرت عنها من تلقاء نفسها فتعيد النظر في بعض التصرفات اإلدارية أو تعدلها أو تقوم
بإلغائها ،وهذا النوع من الرقابة قد يتوالها الرئيس اإلداري بناء على سلطته الرئاسية وقد
يتوالها نفس العضو الذي صدر عنه التصرف اإلداري أو غير ذلك لكنها في النهاية األمر
صادره من جهة اإلدارة بناء على رغبتها في تصحيح مسار العمل اإلداري وهي أوضح صور
الرقابة الذاتية.2
ويمكن كذلك للرئيس اإلداري استنادا لسلطته الرئاسية المقررة له بموجب القانون في
مواجهة مرؤوسيه أن يلغي قرار الموظف التابع له أو يعدله أو أن يستبدل به قرارا آخر.3
فقد يمارس الرئيس اإلداري الرقابة على أعمال مرؤوسيه ،سواء قام به بنفسه أو قام بها
عن طريق معاونيه بحسبان أن مسؤوليه الرئيس اإلداري عن حسن سير العمل في حدود
اإلختصاص التي يقع على عاتقه ،فحيث تكون المسؤولية أن تكون السلطة.
وتأخذ رقابة الرئيس اإلداري على إقدام الموظف على التصرف اإلداري ،كما قد تقع
الحقة على القيام بالعمل اإلداري.4
وقد يعمد هذا الرئيس استعمال سلطته تلك بناءا على مذكرات تقدم إليه من أجهزة ملحقة
بدائرته كموظفي ديوان الرقابة والتفتيش أو ديوان المحاسبة مثال ،فإذا كان القرار الصادر عن
الموظف سليما فال يجوز التعرض له ،أما إذا ورد نص قانوني بأن القرار الصادر عن رجل
4سالم بن راشد العلوي ،القضاء اإلداري(دراسة مقارنة) ،عمان ،دار الثقافة للنشر والتوزيع ،2009 ،ص.65
42
الفصــل األول .....................................................ماهيــة الرقابــة
اإلداريـــة
اإلدارة يعتبر قرارا قطعيا ،أمتنع عليه أن يتعرض له إذ أنه بإصداره القرار يكون قد استنفذ
صالحيته أما إذا نص القانون على قابليته لإلستئناف لجهة إدارية أو قضائية فال يجوز لمصدره
أن يلغي أو يعدل لنفاذ واليته.
وإ ن السلطة التي تملك سحب القرار اإلداري النهائي هي السلطة التي أصدرته أو السلطة
الرئاسية لها.1
وأخيرا نستنتج أن هذه الرقابة تكون نتيجة تقارير يقدمها موظفون مختصون بالتفتيش على
أعمال رجال اإلدارة ويسمون غالبا بالمفتشين وهم إما أن يكونو ملحقين بذات الجهة اإلدارية أو
تجمعهم جميعا جهة إدارية مركزية واحدة.2
الفرع الثاني :الرقابة بناءا على تظلم :وهذا النوع من الرقابة كما هو واضح من اسمه يتمثل
في إعادة النظر من قبل اإلدارة في بعض تصرفاتها بناء على تظلم يرفع إليها من صاحب
المصلحة ،وهذا النوع من الرقابة وإ ن كان أيسر إجراءات وأقل كلفة إال أنه ال يحمل الضمان
الكافي لحقوق األفراد وحرياتهم ألن اإلدارة فيه تكون هي الخصم والحكم في ذات الوقت.3
ويكون التظلم هنا من قبل المتظلم حيث يقدم تظلمه قصد إعادة النظر في القرار المتظلم
منه بسحبه ،أو إلغائه ،أو تعديله من قبل مصدره أو من رئيسه.
كما يتوجب أن يتضمن التظلم على األسباب التي يرتكز إليها ،وتمارس اإلدارة صالحيتها
المحددة قانونا اتجاه القرار المتظلم منه إلغاءا أو سحب أو تعديال.4
ويكون التظلم إلى الهيئة اإلدارية التي أصدرت القرار أو إلى الهيئات الرئاسية.....،إلخ،
وال يشترط في التظلم شكال معينا وال أن يقدم في ميعاد محدد إال إذا نص القانون على خالف
ذلك.