You are on page 1of 3

‫حكم اإلحرام من جدة‬

‫من خالل فتوى الشيخ حماني والشيخ بيوض‬


‫رسالة المسجد | السنة الرابعة | العدد الثاني | ذي القعدة ‪1427‬هـ ‪ /‬نوفمبر ‪2006‬م‪.‬‬

‫د‪ .‬محند أو إدير مشنان‬

‫فقد ثبت من هذين الحديثين ما يلي‪:‬‬ ‫(رضي ال ّله عنهما) بأن النبي ﷺ وقت ألهل‬ ‫للحج ميقات مكاني وميقات زماني‪ ،‬أما‬
‫·ميقات أهل المدينة ومن م ّر عليها ذو‬ ‫المدينة "ذا الحليفة" وألهل اليمن "يلملم"‬ ‫الميقات الزماني فهو الوقت الذي تقع فيه‬
‫الحليفة‪.‬‬ ‫لهن ولمن أتى عليهن من غيرهن ممن‬ ‫هن ّ‬ ‫واألصل في ذلك هو قول َ ال ّله‬
‫َ‬ ‫العبادة‪ٌ َ ُ ْ َّ ٌ ُ ْ َ ُّ َ ،‬‬
‫ْ‬ ‫هذه‬
‫·ميقات أهل الشام ومن م ّر عليها هو‬ ‫أراد الحج والعمرة‪ ،‬ومن كان دون ذلك‪ ،‬فمن‬ ‫َتعالى‪﴿ :‬الج أ َشهر َ معلوم ُات َفمن‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ ْ َ َّ َ‬ ‫َ‬
‫الجحفة‪.‬‬ ‫حيث أنشأ‪ ،‬حتى أهل مكة فمن مكة‪.‬‬ ‫الج فل َرفث َول ف ُسوق َول‬ ‫ف َرض ِف ِيه ْن‬
‫َ ِّ‬ ‫َ َ‬
‫·ميقات أهل نجد هو قرن المنازل‪.‬‬ ‫وأخرج البخاري أيضا من حديث ابن عمر‬ ‫ِجدال ِف الج﴾‪ ،‬وتبدأ هذه األشهر من أول‬
‫·ميقات أهل اليمن هو يلملم‪.‬‬ ‫(رضي ال ّله عنهما) قال‪ :‬سمعت رسول‬ ‫شهر شوال وتستمر إلى اليوم العاشر من ذي‬
‫·أما ميقات أهل العراق ومن م ّر عليها‪ ،‬فهو‬ ‫ال ّله ﷺ يقول‪{ :‬مهل أهل المدين�ة "ذو‬ ‫الحجة‪.‬‬
‫"ذات عرق"‪ ،‬ولكن اختلف العلماء هل‬ ‫الحليفة"‪ ،‬ومهل أهل الشام "مهيعة"‬
‫ثبت ذلك بنص من النبي ﷺ أو باجتهاد‬ ‫(وهي الجحفة)‪ ،‬ومهل أهل نجد "قرن"}‪.‬‬ ‫أما الميقات المكاني فيراد به المكان الذي‬
‫من عمر رضي ال ّله عنه‪.‬‬ ‫قال ابن عمر (رضي ال ّله عنهما)‪ :‬زعموا‬ ‫يَشرع فيه الحاج في أعمال مناسكه‪ .‬وال‬
‫هذا‪ ،‬وقد اتفق العلماء على أنه ال يجوز للحاج‬ ‫أن النبي ﷺ قال ولم أسمعه‪{ :‬ومهل أهل‬ ‫يعرف هذا الميقات المكاني إال بنص شرعي‪،‬‬
‫أو المعتمر أن يتجاوز األماكن التي حددها‬ ‫اليمن "يلملم"}‪.‬‬ ‫فقد أخرج البخاري من حديث ابن عباس‬

‫مجلة العصر‬ ‫‪28‬‬


‫له تأخير اإلحرام حتى ينزل إلى البر‪ ،‬وال‬ ‫في ذلك‪ ،‬وليس عليهم إثم وال هدي‪.‬‬ ‫رسول ال ّله ﷺ‪ ،‬فإن فعل ذلك فقد عصى‬
‫حرج عليه وال هدي‪ ،‬فإن راكب الجوّ مثله‪،‬‬ ‫هذا وقد صرح اإلمام الزرقاني أن الظاهر‬ ‫ووجب عليه جبر ذلك‪ .‬وكما ال يصح تجاوز‬
‫بل هو أشد منه حرجا وضرورة‪ ،‬فإذا رخص‬ ‫من أقوال المذهب هو القول األول‪ ،‬أما اإلمام‬ ‫الميقات المكاني‪ ،‬فال ينبغي له أن يحرم‬
‫للمسافر بحرا تأخير اإلحرام إلى جدة مثال‪،‬‬ ‫الدسوقي فقد نص على أن المعتمد في‬ ‫قبله‪.‬‬
‫فإن المسافر جوا أولى منه بتلك الرخصة‪،‬‬ ‫مذهب اإلمام مالك هو القول الثالث‪.‬‬ ‫وكان اإلمام مالك من المنكرين على من‬
‫وبذلك أفتى الكثير من الفقهاء المعاصرين‪.‬‬ ‫يحرم قبل الميقات كما روى عنه ذلك أبو بكر‬
‫‪ .2‬إن الحاج المسافر في الطائرة التي‬ ‫ويمكن االستدالل للقول الثالث بما يلي‪:‬‬ ‫ابن العربي‪.‬‬
‫تنزل بجدة ينوي قطعا أنه يحج بيت ال ّله‬ ‫‪ .1‬عدم ورود نص من الشرع باإلحرام من‬
‫الحرام على طريق جدة‪ ،‬وهذا يعني أنه ينوي‬ ‫أما من ليس له ميقات معين وال يمر بأحد البحر عند محاذاة الميقات‪ ،‬ومثل هذا لو‬
‫الذهاب إلى جدة قصد الحج منها‪ ،‬ولو سئل‬ ‫المواقيت المكانية المعينة‪ ،‬فيرى مجاهد أنه وجب لبينه النبي ﷺ وأصحابه‪ ،‬ولم ينقل‬
‫أي حاج‪ :‬على أي طريق ستحج؟ فسيجيب‬ ‫يحرم من مكة‪ ،‬ويرى أهل الظاهر أنه يحرم عنهم فيه شيء‪ ،‬وكان السفر في البحر من‬
‫قطعا‪ :‬على طريق جدة‪ .‬فحكمه في اإلحرام‬ ‫من حيث أنشأ الحج‪ ،‬ويرى جمهور الفقهاء وإلى الجزيرة معروفا معلوما للشارع‪.‬‬
‫حكم أهل جدة‪.‬‬ ‫‪ .2‬أن راكب البحر لم يمر بتلك المواقيت‪،‬‬ ‫أنه يحرم من أول ميقات يحاذيه‪.‬‬
‫‪ .3‬إن الذاهب إلى جدة ال يمر بشيء من‬ ‫ومن ثم يطرح تساؤل يتعلق بالحجاج ومن ثم فإن حكمه أن يحرم من حيث أنشأ‬
‫المواقيت المذكورة‪ ،‬فإن قيل‪ :‬إنه يحاذي‬ ‫المسافرين عبر البحر أو الجوّ ممن ال يمرون الحج‪ ،‬وبما أن الحجاج الجزائريين ينزلون‬
‫في طريقه الجوي أحد المواقيت‪ ،‬فإن أهل‬ ‫بميقات من تلك المواقيت المذكورة‪ ،‬ولكنهم في جدة فيمكن اعتبار جدة مكانا إلنشاء‬
‫العلم مختلفون في حكم اإلحرام بالمحاذاة‪،‬‬ ‫يحاذون واحدا منها‪ .‬أي من تلك المواقيت‪ .‬حجهم فيحرمون منها‪ ،‬لما ورد في حديث‬
‫ولو س ّلم بوجوب ذلك‪ ،‬فيعترض على ذلك‬ ‫فمثال‪ :‬إن الحجاج الجزائريين يحاذون ابن عباس‪...":‬ومن كان دون ذلك‪ ،‬فمن حيث‬
‫بأن القيام بواجبات اإلحرام في الطائرة‬ ‫الجحفة‪ ،‬فهل يجب عليهم أن يحرموا أثناء أنشأ حتى أهل مكة ‪...‬من مكة"‪.‬‬
‫متعذر لألسباب التالية‪:‬‬ ‫المرور بمحاذاتها‪ ،‬أم يرخص لهم أن يؤخروا ‪ .3‬أن اإلحرام في البحر فيه نوع مشقة‬
‫أ‪ .‬أن الطائرة تسير بسرعة فائقة‪ ،‬لهذا يعسر‬ ‫اإلحرام حتى ينزلوا إلى مدينة جدة‪ ،‬التي وحرج‪ ،‬فقد رفع الشرع الحرج عن الناس‪،‬‬
‫تحديد وصولها فوق الميقات بالضبط أو‬ ‫قال تعالى (وما جعل عليكم في الدين من‬ ‫ليست بميقات؟‬
‫محاذاة ذلك‪ ،‬ثم هي ال تبقى فوق الميقات‬ ‫ال نجد جوابا عند المتقدمين في حكم حرج) فإذا كان تأخير اإلحرام إلى النزول‬
‫وفي مجاله إال وقتا قصيرا ال يكفي لإلعالن‬ ‫المسافرين جوا‪ ،‬ولكن مصادر الفقه تسعفنا إلى البر يزيل الحرج‪ ،‬فإن الحكم الشرعي‬
‫واالستعداد والقيام بواجبات اإلحرام التي‬ ‫بحكم المسافرين بحرا‪ ،‬وللمالكية في يجري وفق ذلك‪.‬‬
‫تشتمل على أقوال وأعمال‪ ،‬فمثال إن عمالة‬ ‫المسألة ثالثة أقوال‪:‬‬
‫الجحفة التي هي ميقات الجزائريين ال تزيد‬ ‫إذا تقرر ذلك فما حكم المسافر جوا عبر‬
‫على ‪ 15‬كلم‪ ،‬فإذا فرضنا أن الطائرة تسير‬ ‫أولها‪ :‬أن الحاج يحرم في السفينة‪ ،‬إذا حاذى الطائرة؟‬
‫بسرعة ‪900‬كلم‪/‬سا‪ ،‬فإنها ستبقى فوق‬ ‫ميقاتا من المواقيت المكانية المذكورة‪ ،‬وبناء الحجاج المسافرون جوا‪ ،‬إذا نزلوا إلى البر‬
‫الجحفة دقيقة واحدة فقط‪ ،‬وهي ال تكفي‬ ‫على هذا القول فإن الحجاج الجزائريين إذا قبل المواقيت المحددة‪ ،‬فحكمهم أن يحرموا‬
‫ألعمال اإلحرام‪.‬‬ ‫سافروا عبر البحر‪ ،‬فعليهم أن يحرموا إذا من الميقات الذي سيمرون به‪.‬‬
‫حاذوا الجحفة‪ ،‬ومن أخر ذلك فقد أثم ووجب أما إذا كان المطار الذي ينزلون فيه واقعا‬
‫ب‪ .‬إن الوضوء في الطائرة من جماعة‬ ‫عليه الهدي‪ ،‬وهذا القول هو الذي مشى عليه دون تلك المواقيت‪ ،‬فحكمهم كحكم أهل ذلك‬
‫يعدون بالمئات أمر متعذر للغاية‪ ،‬ألنه يمكن‬ ‫المكان الذي يقع فيه المطار‪ ،‬ومن ثم فعليهم‬ ‫الشيخ خليل في مختصره‪.‬‬
‫أن يعرض حياتهم إلى خطر محقق باختالل‬ ‫الثاني‪ :‬التفصيل بين من سافر من الشمال أن يحرموا منه‪ ،‬ألن ذلك صار ميقاتا لهم كما‬
‫التوازن والتزاحم وغير ذلك‪ ،‬وهذا ال يرضى‬ ‫إلى الجنوب فيجب عليه اإلحرام إذا حاذى نص على ذلك رسول ال ّله ﷺ في حديث‬
‫به المسؤولون عن سالمة الطائرة وركابها‪.‬‬ ‫الجحفة‪ ،‬فإن أخر ذلك أثم ووجب عليه ابن عباس السابق ذكره‪ ...{ :‬ومن كان دون‬
‫وإذا فرضنا إمكانية ذلك ‪-‬جدال‪ -‬دون وقوع‬ ‫الهدي‪ ،‬وبين من سافر من الجنوب إلى ذلك‪ ،‬فمن حيث أنشأ‪ ،‬حتى أهل مكة فمن‬
‫خطر فإن العملية تستغرق وقتا طويال‪ ،‬فلو‬ ‫الشمال‪ ،‬فال يجب عليه اإلحرام عند محاذاة مكة}‪.‬‬
‫خصصنا لكل حاج ‪05‬دقائق في وضوئه‪،‬‬ ‫الجحفة‪ ،‬بل له أن يؤخر اإلحرام حتى ينزل والحجاج الجزائريون ينزلون في مطار جدة‪،‬‬
‫وكان عدد الحجاج ‪ 200‬فقط‪ ،‬الستغرقت‬ ‫وهذه المدينة تقع دون تلك المواقيت‪ ،‬وعليه‬ ‫إلى البر‪.‬‬
‫العملية ‪16‬ساعة‪ ،‬وهذا يساوي أكثر من‬ ‫الثالث‪ :‬أنه مخير بين أمرين‪ :‬فله أن يحرم فإن حكم الجزائريين وغيرهم من النازلين‬
‫ضعف مدة الرحلة كلها‪ ،‬فكيف يفعل ذلك‬ ‫إذا حاذى الميقات المكاني وهي رواية ابن في مطار جدة أن يؤخروا اإلحرام حتى‬
‫أثناء المرور بالميقات الذي قد ال يدوم أكثر‬ ‫المواز عن اإلمام مالك‪ ،‬وله أيضا أن ال يحرم ينزلوا إلى البر‪ ،‬وعندئذ يصيرون كأهل جدة‬
‫من دقيقة‪.‬‬ ‫عند محاذاة الميقات‪ ،‬بل يؤخر اإلحرام حتى فيحرمون منها‪.‬‬
‫ينزل إلى البر وهو رواية ابن نافع عن مالك‪،‬‬
‫ج‪ .‬إن اإلحرام عبارة عن نية الدخول في‬ ‫وبناء هذه الرواية فإن للحجاج الجزائريين وقد استدل لهذا القول بما يلي‪:‬‬
‫النسك يصاحبها قول وعمل‪ ،‬كالصالة ثم‬ ‫إذا سافروا عبر السفينة أن يؤخروا اإلحرام ‪ .1‬إذا كان المعتمد في المذهب ‪-‬كما‬
‫الشروع في التلبية وهو في مصاله كما روي‬ ‫حتى ينزلوا إلى مدينة جدة‪ ،‬وال حرج عليهم ذكر الدسوقي‪ -‬أن المسافر بحرا يرخص‬

‫‪29‬‬ ‫مجلة العصر‬


‫عن النبي ﷺ‪ ،‬فال يقتصر اإلحرام بالحج‬
‫على مجرد النية وحدها‪ ،‬وراكب الطائرة غير‬
‫مستطيع لعمل أكثرها‪.‬‬
‫وبعد هذا‪ ،‬فقد ثبت يقينا أن اإلحرام من‬
‫الطائرة متعذر‪ ،‬فال يبقى إال القول بتقديم‬
‫اإلحرام عن الميقات أو تأخيره‪.‬‬

‫أما تقديم اإلحرام فينبغي أن يستبعد لما يلي‪:‬‬


‫أ‪ .‬القول بتقديم اإلحرام إيجاب لما لم يقم‬
‫عليه دليل‪.‬‬

‫ب‪ .‬اإلحرام قبل الميقات المكاني وقع في‬


‫عهد الخلفاء الراشدين واألئمة المجتهدين‪،‬‬
‫فغضبوا منه وأنكروا إنكارا شديدا على‬
‫فاعله‪ ،‬فعن الحسن البصري قال‪" :‬أحرم‬
‫عمران بن الحصين من البصرة فعاب ذلك‬
‫عمر بن الخطاب‪ ،‬وقال‪ :‬أردت أن يقول‬
‫الناس أحرم رجل من أصحاب رسول ال ّله‬
‫من مصر من األمصار"‪ .‬وفي رواية‪ :‬فبلغ‬
‫ذلك عمر‪ ،‬فغضب‪ ،‬وقال‪" :‬يتسامع الناس أن‬
‫رجال من أصحاب رسول ال ّله ﷺ أحرم من‬
‫مصر"‪.‬‬
‫وعن محمد بن سيرين قال‪" :‬أحرم عبد‬
‫ال ّله بن عامر من "حيرب" فقدم على‬
‫مع ما علم من إنكار الصحابة على مثل ذلك‬ ‫عثمان بن عفان فالمه‪ ،‬فقال له‪ :‬غررت الطائرة من مشاق‪ ،‬بما في ذلك من حمل‬
‫وألنه يوافق ما ورد عن رسول ال ّله ﷺ من‬ ‫وهان عليك نسكك"‪ ،‬وروي مثل هذا عن ابن األمتعة على الظهور‪ ،‬واقتحام صفوف‬
‫حديث ابن عباس‪...{ :‬ومن كان دون ذلك‬ ‫المودّعين والحراس‪ ،‬واجتياز مراكز الجمارك‬ ‫عمر وابن عباس (رضي ال ّله عنهم)‪.‬‬
‫فمن حيث أنشأ‪ ،‬حتى أهل مكة فمن مكة}‪،‬‬ ‫ومكاتب جوازات السفر عند الركوب‪ ،‬وأخطر‬
‫إذ يمكن اعتبار النازلين بمطار جدة في حكم‬ ‫وبهذا أخذ اإلمام مالك‪ ،‬فقد روى ابن العربي منه وأشد حرجا عند النزول بمطار جدة‪،‬‬
‫أهلها‪ ،‬كما سبق بيان ذلك‪.‬‬ ‫في "أحكام القرآن" بسنده إلى سفيان بن واجتياز كل المشاق التي تقتضيها طبيعة‬
‫عيينة أنه قال‪" :‬سمعت مالك بن أنس‪ ،‬وأتاه هذه العملية‪ ،‬يدرك هذا كل من حجّ على‬
‫وهذه الفتوى هي التي رجّ حها الشيخ أحمد‬ ‫رجل فقال‪ :‬يا أبا عبد ال ّله من أين أحرم؟ قال طريق البحر أو الجو‪ ،‬زد على هذا ما يستقبل‬
‫حماني والشيخ إبراهيم بيوض رحمهما‬ ‫من ذي الحليفة حيث أحرم رسول ال ّله ﷺ‪ ،‬النازل بجدة من أعمال مختلفة شاقة كتهيئة‬
‫ال ّله بعد أن أفاضا في المسألة وعرضا أدلتها‪.‬‬ ‫فقال‪ :‬إني أريد أن أحرم من المسجد‪ ،‬فقال‪ :‬منزله‪ ،‬وحمل أمتعته‪ ،‬وصرف شيكاته‪،‬‬
‫قال الشيخ حماني‪" :‬يترجح أن يؤخر راكب‬ ‫ال تفعل‪ .‬قال‪ :‬إني أريد أن أحرم من المسجد وتهيئته لدخول مكة‪ ...‬فهل يعقل أن يكلف‬
‫الجو إحرامه حتى ينزل من الطائرة"‪.‬‬ ‫من عند القبر‪ .‬قال‪ :‬ال تفعل‪ ،‬فإني أخشى الحاج بالقيام بجميع هذه األعمال وهو‬
‫وقال الشيخ بيوض‪" :‬إن الفتوى المطابقة‬ ‫عليك الفتنة‪ .‬قال‪ :‬وأي فتنة في هذا؟ إنما هي محرم‪ ،‬إن هذا ‪-‬وال ّله‪ -‬لعنت شاق وتكليف‬
‫ليسر الشريعة اإلسالمية الغراء وسماحتها‬ ‫بما ال يطاق‪.‬‬ ‫أميال أزيدها‪.‬‬
‫والموافقة لهدي النبي ﷺ وأوامره ونواهيه‬ ‫قال‪ :‬وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت‬
‫هي‪ :‬أن ليس على حجاج الطائرة الذاهبين‬ ‫قصر عنها رسول ال ّله ﷺ ؟ إني فال يبقى إال القول بجواز تأخير اإلحرام إلى‬ ‫إلى فضيلة ّ‬
‫َ ْ َ ْ َ َّ َ َ ُ َ‬
‫ين ُيا ِلفون ميقات أهل جدة‪ ،‬لما في ذلك من تخفيف‬
‫إلى جدة إحرام إال من ميقات أهل جدة‪ ،‬وال‬
‫يقول ﴿ َف ُل ْيحذ ْ ِر َ ٌال ِذ َ‬ ‫ّ‬
‫سمعت الله َ ُ‬
‫َ‬
‫نرى هذا رخصة بل نراه عزيمة‪ ،‬فإنها ال‬ ‫َع ْن أ ْم ِر ِه أن ت ِصيبهم ِفتن�ة أو ي ِصيبهم ورفع للمشقة عن الحجاج‪ ،‬ولما فيه من‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫تعارض دليال معتبرا"‪.‬‬ ‫األمن من الوقوع في اإلحرام قبل الميقات‬ ‫َ َ ٌ َ ٌ‬
‫عذاب أ ِليم﴾"‪.‬‬
‫المراجع‬
‫ج‪ .‬تقديم اإلحرام فيه مشقة كبيرة على‬
‫(‪ )1‬اإلحرام لقاصدي بيت ال ّله الحرام للشيخ أحمد حماني‪ ،‬منشورات وزارة الشؤون الدينية‪ ،‬الجزائر‪،‬‬ ‫الحجاج‪ ،‬تصور أيها القارئ جموع الحجيج‬
‫‪1994‬م‪.‬‬ ‫وقد توضأوا ولبسوا ثياب اإلحرام‪ ،‬وأتوا بما‬
‫(‪ )2‬فتاوى اإلمام الشيخ بيوض للشيخ إبراهيم بيوض‪ ،‬ترتيب وتقديم وتخريج‪ :‬بكير محمد الشيخ بالحاج‪،‬‬
‫المطبعة العربية‪-‬غرداية‪1988‬م‪.‬‬
‫يلزم من أعمال اإلحرام وأقواله‪ ،‬ثم ركبوا‬

‫مجلة العصر‬ ‫‪30‬‬

You might also like