You are on page 1of 20

‫‪1‬‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ملخص السيرة ‪2023\2022‬م‪ :‬العهد المدني(من الهجرة إلى صلح الحديبية)‬

‫الهجرة لغة واصطالحا \ وشرعا‬

‫الهجرة فى اللغة‪ :‬لها أصالن ‪:‬‬

‫هاجر القوم من ٍ‬
‫دار إلى دار‪ :‬إذا تركوا األولى وفارقوها‬ ‫َ‬ ‫أولهما هو‪ :‬المصارمة والقطع‪ ،‬والمفارقة والترك والبعد‪ ،‬يقال‪:‬‬
‫إلى الثانية‪ ،‬وكذا فعل األولون من الهاجرين‪ ،‬حين هاجروا من مكة إلى المدينة فرًا‬
‫ار بالدين‪ .‬والهجر بهذا المعنى‪ :‬منه‬
‫ما يكون حسيا‪ ،‬ومنه ما يكون معنويا‪ ،‬ومنه ما يكون بالبدن‪ ،‬ومنه ما يكون باللسان‪ ،‬ومنه ما يكون بالقلب‪ .‬ولذا قال‬
‫غيره‪ ،‬إما البدن‪ ،‬أو باللسان‪ ،‬أو بالقلب‪.‬‬
‫العالمة المناوي‪ :‬الهجر‪ :‬مفارقة اإلنسان َ‬
‫شيء آخر‪ ،‬من‪" :‬ال ِهجار" على وزن ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫يسوى في َ‬
‫طرَفيه ُعروتان‪ ،‬تُشد أحداهما في‬ ‫حبل َّ‬
‫كتاب‪ٌ :‬‬ ‫َُ‬ ‫شيء في‬ ‫ط‬‫وثانيهما‪ :‬رب ُ‬
‫فرس َه ِجٌر‪.‬‬ ‫الخ ِ‬
‫طو‪ ،‬فيقال فيه‪ٌ :‬‬ ‫متقارب َ‬
‫َ‬ ‫(ر ْجله األمامية) واألخرى في ِر ْجله حتى يتمشى ُمثَقال‬
‫يد الفرس ِ‬

‫ثانيا‪ :‬الهجرة اصطالحا وشرعا‪ :‬تعددت التعريفات في ذلك‪:‬‬


‫ً‬
‫‪ )1‬وللمناوي‪ :‬ترك الوطن الذي بين الكفار‪ ،‬واالنتقال إلى دار اإلسالم‪ ".‬وكذا عرفها الجرجاني‪ .‬ولكن هذا التعريف ال‬
‫يشمل الهجرة إلى الحبشة؛ ألنها لم تكن دار إسالم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫منتقل إلى قو ٍم آخر‪،...‬‬ ‫‪ )2‬والبن منظور اإلفريقي‪ ":‬خروج البدوي من باديته إلى المدن وكذلك كل ُم ْخ ٍل بمسكنه‬
‫ومحاضرهم ولم يلحقوا بالنبي ﷺ ‪-‬وإن كانوا مسلمين‪ -‬فهم غير مهاجرين‪،‬‬ ‫أقام من البوادي بمباديهم َ‬
‫وكل َمن َ‬
‫ويسمون األعراب‪ ".‬ولكن هذا التعريف غير دقيق ألمرين‪:‬‬
‫أ) ألن قوله‪" :‬خروج البدوي من باديته إلى المدن" ال يصح إطالقه على الصحابة الذي هاجروا من بالد‬
‫متحضرة‪.‬‬
‫كمن أذن لهم النبي في اإلقامة‬
‫أقام من البوادي بمباديهم" ‪...‬إلخ‪ :‬هذا ليس على إطالقه َ‬
‫ب) وقوله‪ " :‬وكل َمن َ‬
‫بأوطانهم‪.‬‬

‫والتعريف الجامع المانع‪ :‬ما ذكره ابن األثير في «النهاية» حيث قال‪" :‬واشتهرت الهجرة في لسان الشرع اإلسالمي‬
‫في انتقال المؤمن من بلد الفتنة والخوف على دينه إلي حيث يأمن على دينه" هذا يشمل طرق الهجرة المختلفة‬
‫فيشمل‪:‬‬

‫هاجر من المدينة إلى مكة لبيعة العقبة‬


‫َ‬ ‫ومن‬
‫‪ - 1‬من هاجر إلى الحبشة‪ - 2 ،‬ومن هاجر إلى المدينة‪َ - 3 ،‬‬
‫‪2‬‬

‫طالئع المهاجرين وأوائلهم‬

‫من فوائد معرفة األوائل‪ :‬أنه يفيد عند التحقيق فى معرفة الناسخ والمنسوخ‪ .‬وقد ورد قوالن فى أول من هاجر كالتالي‪:‬‬

‫‪ )1‬ذكر موسى عقبة وابن إسحاق صاحب المغازي‪ :‬أن أبا سلمة بن عبد األسد هو أول من هاجر من مكة إلى‬
‫آذته قريش إثر عودته من هجرة الحبشة‪ ،‬فتوجه إلى المدينة قبل بيعة العقبة ٍ‬
‫بسنة‪.‬‬ ‫المدينة بعد أن ْ‬
‫َ‬ ‫ٌ َ‬
‫ُم َم ْكتُو ٍم َوَك َانا ُيْق ِرَئ ِ‬
‫ص َع ُب ْب ُن ُع َم ْي ٍر‪َ ،‬و ْاب ُن أ ِ‬ ‫ِ‬
‫ان‬ ‫‪ )2‬وأخرج البخاري عن البراء بن عازب قال‪ :‬أََّو ُل َم ْن َقد َم َعَل ْي َنا ُم ْ‬
‫النِب ِي ﷺ ثَُّم َق ِد َم‬ ‫اب َّ‬ ‫ين ِم ْن أَصح ِ‬
‫ْ َ‬
‫ط ِ ِ ِ‬
‫اب في ع ْش ِر َ‬
‫اس ٍر‪ ،‬ثُ َّم َق ِدم عمر بن الخ َّ‬
‫َ ُ َُ ْ ُ َ‬ ‫الناس‪َ ،‬فَق ِدم ِب َالل وسعٌد وع َّمار بن ي ِ‬
‫َ ٌ َ َ ْ َ َ ُ ُْ َ‬ ‫َّ َ‬
‫النِب ُّي ‪ ...‬الحديث‪.‬‬‫َّ‬

‫ام ِة ِباْل َم ِد َين ِة‪َ ،‬ب ْل ِف َرًا‬


‫ار‬ ‫َن أََبا سَلم َة َخ َرَج َال لَِق ِ ِ‬
‫صد ْاإلَق َ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫جمع بينهما الحافظ ابن حجر فقال في «الفتح» ‪َ :‬ف ُي ْج َم ُع ِبأ َّ‬ ‫وقد َ‬
‫النِب ِي ا َفلِ ُك ٍل‬
‫َم ِر َّ‬ ‫ْلَقام ِة ِبها وتَ ْعلِي ِم م ْن أَسَلم ِم ْن أ ْ ِ ِ‬‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫فم ِ‬ ‫ِمن اْلم ْش ِرِك ِ ِ ِ‬
‫َهل َها بأ ْ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ص َعب ْب ِن ُع َم ْي ٍر َفإَّن ُه َخ َرَج إَل ْي َها ل ْ َ َ َ‬
‫ين‪ ،‬بخ َال ُ ْ‬‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫أََّولَِّيةٌ ِم ْن ِج َه ٍة‪.‬‬

‫محاوالت فاشلة إلعاقة الهجرة ‪ :‬من محاوالت قريش لمنع هجرة المسلمين‪ - 1 :‬منع أموالهم‪ - 2 ،‬وحجز زوجاتهم‬
‫وأطفالهم‪ - 3 ،‬وباالحتيال إلعادتهم‪ ،‬ومن النماذج ذلك ما يلي عن هجرة أبي سلمة‪.‬‬

‫بيت أبي سلمة أول من هاجر إلى المدينة‬

‫بعيره وحملها عليه ومعها ابنه سلمة‪ ،‬ثم خرج ولكن لما رأته‬
‫‪ )1‬لما عزم أبو سلمة للخروج إلى المدينة جهز ألم سلمة َ‬
‫خطام البعير من يده‪ ،‬وأخذوا منه أم سلمة‬
‫َ‬ ‫رجال بني المغيرة بن عبد هللا من بني مخزوم ‪-‬منهم أم سلمة‪ -‬نزعوا‬
‫وحده إلى المدينة‪.‬‬ ‫ابنه سلمة‪ ،‬وانطلق أبو سلمة َ‬ ‫وحبسوها عندهم‪ ،‬وأخذ بنو عبد األسد‪ -‬ومنهم أبو سلمة‪َ -‬‬
‫ٍ‬
‫ال أ َْب ِكي َحتَّى‬ ‫طح‪ ،‬فال أ ََز ُ‬ ‫َجلِ ُس باألب َ‬ ‫ِق َب ْيِني َوَب ْي َن َزْو ِجي َوَب ْي َن ْابِني‪َ ،‬ف ُك ْن ُت أ ْ‬
‫َخ ُرُج ُك َّل َغ َداة َفأ ْ‬ ‫‪ )2‬قالت أم سلمة‪َ :‬فُفر َ‬
‫ال لَِبِني اْل ُم ِغ َيرِة‪ :‬أ ََال تُ ْخ ِر ُجو َن‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫َم َسى‪َ ،‬س َن ًة أ َْو َق ِر ًيبا م ْن َها‪َ ،‬حتى َم َّر بي َر ُج ٌل م ْن َبني َعمي‪َ ،‬ف َأرَى َما بي َف َرح َمني َفَق َ‬ ‫أْ‬
‫شئت‪َ .‬قاَل ْت‪َ :‬وَرَّد َب ُنو َع ْب ِد‬ ‫ه ِذِه اْل ِمس ِكين َة‪َ ،‬ف َّرْقتُم بينها وبين َزو ِجها وبين وَل ِدها! َقاَلت‪َ :‬فَقالُوا لِي‪ :‬اْلح ِقي ِب َزو ِجك إن ِ‬
‫ْ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ََْ َ َ َْ َ ْ َ َ َْ َ َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫َس ِد َّ‬
‫إلي ِع ْن َد َذلِ َك ْابِني‪.‬‬ ‫ْاأل َ‬
‫‪ )3‬ثم أخذت ابنها وارتحلت إلى المدينة‪ ،‬ولم يكن معها أحد‪ ،‬حتى إذا كانت بـ"التنعيم" لقيت عثمان بن طلحة‬
‫تطوع لمصاحبتها وإحسان ُرفقتها في تلك الرحلة الشاقة الطويلة‪ ،‬فكان يمشي‬ ‫العبدري‪ ،‬بعد ما علم حال أم سلمة َّ‬
‫ّللَاِ‬
‫ول‪َ :‬وَ َّ‬
‫انصرف راجعا إلى مكة‪َ ،‬ف َك َان ْت تَُق ُ‬
‫َ‬ ‫بعيرها الذي تركبه هي وابنها‪ ،‬حتى أوصلها إلى المدينة‪ ،‬ثم‬ ‫يقود لها َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ ِ‬
‫ان بن‬
‫ان أكرَم م ْن ُع ْث َم َ‬
‫صاحًبا َقط َك َ‬ ‫آل أَبي َسَل َم َة‪َ ،‬و َما َأرَْي ُت َ‬
‫اب َ‬
‫َص َ‬
‫َص َاب ُه ْم َما أ َ‬
‫أهل َب ْيت في ْاإل ْس َال ِم أ َ‬
‫َعَل ُم َ‬
‫َما أ ْ‬
‫طلحة‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ )4‬يستفاد مما سبق سالمة الفطرة عند بعض العرب كعثمان بن طلحة‪ ،‬وقد أسلم عثمان بعد صلح الحديبية في أول‬
‫مفتاح الكعبة‪.‬‬
‫َ‬ ‫العام الثامن الهجري مع خالد بن الوليد وعمرو بن العاص‪ ،‬ثم شهد َ‬
‫فتح مكة‪ ،‬وأعطاه النبي ا‬

‫أول من فقه األنصار مصعب بن عمير رضي هللا عنه‬

‫‪ )1‬وذكر ابن إسحاق‪:‬أن النبي بعث مع االثنى عشر رجال مصعب بن عمير العبدري‪ ،‬ليفقههم ويقرئهم‪ ،‬فنزل على‬
‫أسعد بن ز اررة‪ .‬فأسلم خلق كثير من األنصار على يده بمعاونة أسعد بن ز ارره حتى فشا اإلسالم بالمدينة‪ .‬فكان‬
‫السنة المقبلة حتى وافى منهم العقبة سبعون مسلما وزيادة‪.‬‬
‫ذلك سبب رحلتهم فى َّ‬
‫‪ )2‬وروى أبو داود من طريق عبدالرحمن بن كعب بن مالك قال‪ :‬كان أبى إذا سمع األذان للجمعة استغفر ألسعد‬
‫بن ز اررة‪ ،‬فسألته‪ ،‬فقال‪ :‬كان أول من جمع بنا بالمدينة‪.‬‬
‫‪ )3‬وقد كان مصعب أحد السابقين‪ ،‬أسلم قديما والنبي في دار األرقم وكتم إسالمه خوًفا من أمه‪ ،‬فعلم بإسالمه‬
‫محبوسا إلى أن هرب مع من هاجر إلى الحبشة األولى‬‫ً‬ ‫عثمان بن طلحة فأخبر أهله بإسالمه فأوثقوه‪ ،‬فلم يزل‬
‫بدرا‪ ،‬ثم أحدا‪ ،‬وكان معه لواء المسلمين يومئذ إلى أن استشهد بها‪.‬‬ ‫ثم رجع إلى مكة‪ ،‬وهاجر إلى المدينة‪ ،‬وشهد ً‬
‫ص َع ُب‬
‫طَل َع ُم ْ‬
‫ِ‬
‫المسجد‪ِ ،‬إ ْذ َ‬ ‫ّللَاِ في‬
‫ول َّ‬ ‫‪ )4‬أخرج الترمذي وحسنه من حديث على بن أبي طالب قال‪ِ :‬إَّنا جلُوس مع رس ِ‬
‫ُ ٌ ََ َُ‬
‫الن ْع َم ِة َو َّال ِذي ُه َو اْل َي ْوَم‬
‫يه ِمن ِ‬
‫ان ف ْ‬
‫ّللَاِ ب َكى لَِّل ِذي َك ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ول َّ َ‬ ‫ْب ُن ُعم ْي ٍر ما َعَل ْي ِه ِإ َّال ُب ْرَدةٌ َل ُه م ْرُق َ ِ‬
‫وع ٌة بَف ْرو َفَل َّما َرآهُ َرُس ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫يه‪..‬إلخ‪.‬‬ ‫ِف ِ‬

‫تناصح المهاجرين وتعاونهم فى هجرة عمر بن الخطاب رضي هللا عنه‪.‬‬

‫‪ )1‬الراجح أن عمر هاجر س ار وما روى من إعالنه لهجرته وتهديده من يلحق به فغير صحيح‪ .‬اتفق عمر مع اثنين‬
‫من المسلمين على موعد يجتمعون فيه‪ .‬فإذا تأخر عنه أحدهم فليمض الباقون دون أن ينتظروه حتى ال يكشف‬
‫أمرهم‪.‬‬
‫لس ْه ِم ُّي‪.‬‬ ‫اصي ْب ِن و ِ‬
‫ائل ا َّ‬ ‫َ‬
‫َّاش بن أَِبي ربِيع َة‪ ،‬و ِه َشام بن اْلع ِ‬
‫َ َ َ ُ ُْ َ‬ ‫الذين اتفقوا مع عمر‪َ :‬عي ُ ْ ُ‬ ‫‪)2‬‬
‫َض ِاة َبِني ِغَف ِار‪ .‬وصل عمر وعياش إلى المكان لكن حبس عنهم‬ ‫ِ ِ‬
‫المكان المتفق عليه لاللتقاء‪ :‬التناضب م ْن أ َ‬ ‫‪)3‬‬
‫هشام َوُفِت َن‪.‬‬
‫ف بقباء‪َ ،‬و َخ َرَج أ َُبو َج ْه ِل ْب ِن ِه َشا ٍم َواْل َح ِار ُث ْب ُن ِه َشا ٍم‬ ‫قال عمر‪َ :‬فَل َّما َق ِدمنا اْلم ِدين َة ن َزْلنا ِفي بِني عم ِرو ب ِن عو ٍ‬
‫َ َ ْ ْ َْ‬ ‫َْ َ َ َ َ‬ ‫‪)4‬‬
‫َن َال َي َم َّس‬ ‫اال‪ِ :‬إ َّن أ َّ‬
‫ُم َك َق ْد َن َذ َر ْت أ ْ‬ ‫ّللَاِ ِب َم َّك َة‪َ ،‬ف َكَّل َماهُ َوَق َ‬
‫ول َّ‬ ‫َّاش‪ ،‬وَكان ابن عمهما ‪ ،‬حتَّى َق ِدما ِ‬
‫المد َين َة‪َ ،‬وَرُس ُ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ِإَلى َعي ٍ َ َ ْ َ َ‬
‫س َحتَّى تََر َ‬
‫اك‪.‬‬ ‫اك‪ ،‬وَال تَ ْستَ ِظ َّل ِم ْن َش ْم ٍ‬ ‫َأرْسها م ْش ُ َّ‬
‫ط َحتى َتر َ َ‬ ‫ََ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َخ ُذهُ‪.‬‬ ‫حاول عمر أن يمنعه من الذهاب معهما لكن عياشا ذهب معهما قائال‪ :‬أ ََبر َق َس َم أُمي‪َ ،‬ولِي ُه َنال َك َم ٌ‬
‫ال َفأ ُ‬ ‫‪)5‬‬
‫طاهُ‪ ،‬ثُ َّم َد َخ َال ِب ِه َم َّك َة‪َ ،‬وَفتََناهُ أي عذباه‪.‬‬ ‫فرَب َ‬
‫وفى طريقهم إلى مكة َع َد َوا على عياش َ‬
‫‪4‬‬

‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ّللَاَ‪ ،‬ثُ َّم َر َج ُعوا‬
‫ص ْرًفا َوَال َع ْد ًال َوَال تَ ْوَب ًة‪َ ،‬ق ْوٌم َع َرُفوا َّ‬
‫تتن َ‬ ‫ّللَاُ ِبَقاِب ِل َع َّم ْن أُْف َ‬
‫ول‪َ :‬ما َّ‬‫ال‪َ :‬ف ُكَّنا تَُق ُ‬ ‫‪َ )6‬ع ْن ُع َم َر في َحديثه‪َ ،‬ق َ‬
‫ّللَاِ ِإ َّن َّ‬
‫ّللَاَ‬ ‫طوا ِمن َّر ْح َم ِة َّ‬ ‫َنف ِس ِه ْم َال تَْق َن ُ‬
‫َس َرُفوا َعَلى أ ُ‬‫ين أ ْ‬
‫ِ ِ َّ ِ‬
‫(وُق ْل َيع َباد َي الذ َ‬ ‫َص َاب ُه ْم‪ .‬فأنزل هللا تعالى َ‬
‫ِ‬
‫إَلى اْل ُكْف ِر لَبالء أ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫الخ َ ِ‬ ‫الذ ُنوب ج ِميعا َّإنه هو اْل َغُفور َّ ِ‬ ‫ي ْغ ِفر ُّ‬
‫ال‪:‬‬ ‫طاب َفكتبتها‪َ ،‬وَب َع ْث ُت ب َها إَلى ه َشا ِم ْب ِن اْل َعاصي َق َ‬ ‫ال ُع َم ُر ْب ُن َ‬ ‫يم) َق َ‬ ‫الرح ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ً ُ َُ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫اصي َفَل َّما أَتَتني َج َعْل ُت أَ ْق َرُؤ َها ِب ِذي ُ‬ ‫َفَقال ِه َشام بن اْلع ِ‬
‫ّللَاُ‬
‫ال‪َ :‬فأَْلَقى َّ‬ ‫يها‪َ ،‬ق َ‬ ‫ط ًوى َواد بمكة‪َ ،-‬حتى ُقْل ُت ‪ :‬اللهم َف ُه ْمن َ‬ ‫ُ ُْ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫يري‪َ ،‬ف َجَل ْس ُت َعَل ْيه‪،‬‬ ‫ال‪َ :‬ف َر َج ْع ُت ِإَلى َب ِع ِ‬ ‫تَعاَلى ِفي َقْلِبي أَنها ِإَّنما أ ُْن ِزَل ْت ِف َينا‪ ،‬وِفيما ُكَّنا َنُقول ِفي أ َْنُف ِس َنا ويَق ِ‬
‫ال ف َينا‪َ .‬ق َ‬
‫َُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ّللَاِ ﷺ َو ُه َو ِباْل َم ِد َين ِة‪.‬‬ ‫َفَل ِحْق ُت ِبرس ِ‬
‫ول َّ‬ ‫َُ‬
‫رسول هللا ‪ ،‬وكان سالم بن معقل‬ ‫ِ‬ ‫مقد ِم‬
‫صبة‪ ،‬قبل َ‬ ‫الع ْ‬
‫‪ )7‬وقد استقر كثير من المهاجرين في قباء في مكان يسمى‪ُ :‬‬
‫مولى أبي حذيفة يومئذ في مسجد قباء‪ ،‬لكونه أكثرهم قرآنا‪.‬‬

‫هجرة المصطفى صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫سبب تأخر هجرته صلى هللا عليه وسلم‪ :‬تأخرت هجرة المصطفى إلى المدينة؛ حتى هاجر معظم القادرين على‬
‫مستخفيا ليضرب المثل للمستضعفين من المؤمنين‪.‬‬
‫ً‬ ‫الهجرة من أصحابه الذين استجابوا لألمر بالهجرة كما هاجر‬

‫يت َدار ِهجرِت ُكم َذ َ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫اإلذن بالهجرة من هللا تعالى‪َ :‬قال َّ ِ ِ ِ‬
‫النِب ُّي لْل ُم ْسلم َ‬
‫اج َر‬
‫اج َر َم ْن َه َ‬ ‫ات َن ْخل َب ْي َن َال َبتَ ْي ِن) َف َه َ‬ ‫ين‪( :‬إني أ ُِر ُ َ ْ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض اْل َ ِ‬ ‫اج َر ِبأ َْر ِ‬ ‫ِقَب َل اْل َم ِد َين ِة‪َ ،‬وَر َج َع َع َّ‬
‫ول هللا ‪:‬‬‫ال َل ُه َرُس ُ‬ ‫حب َشة إَلى اْل َمد َينة‪َ ،‬وتَ َج َّه َز أ َُبو َب ْك ِر قَب َل اْل َمد َينة‪َ ،‬فَق َ‬ ‫ان َه َ‬ ‫ام ُة َم ْن َك َ‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«ن َع ْم» َف َح َب َس أ َُبو َب ْك ٍر َنْف َس ُه‪.‬‬
‫ال‪َ :‬‬ ‫ال أ َُبو َب ْك ٍر‪َ :‬و َه ْل تَ ْر ُجو َذل َك بأَبي أ َْن َت؟ َق َ‬
‫َن ُي ْؤَذ َن لي‪َ ،‬فَق َ‬ ‫َعَلى ِرْسلِ َك؛ َفِإني أ َْر ُجو أ ْ‬
‫ش‬‫يوم الهجرة‪ :‬من وقائع يوم الهجرة‪ :‬عند أحمد‪ :‬من حديث‪ :‬عبدهللا بن عباس رضي عنهما‪ ،‬قال‪ِ :‬إ َّن المالَ ِم ْن ُق َرْي ٍ‬
‫َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اة الثَّالِثَة األ ْ‬ ‫الحج ِر‪َ ،‬فتَعاَقدوا ِب َّ ِ‬ ‫اجتَمعوا ِفي ِ‬
‫ام‬
‫ُخ َرى‪َ ،‬وَنائَل َة َوإِ َساف َل ْو َق ْد َأرَْي َنا ُم َح َّم ًدا‪َ ،‬لَق ْد ُق ْم َنا إَل ْيه قَي َ‬ ‫الالت َواْل ُع َّزى‪َ ،‬و َم َن َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َُ‬
‫ول َّ ِ‬
‫ّللَا َع ْنها تَْب ِكي‪ ،‬حتَّى َد َخَل ْت َعَلى رس ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ٍ ٍِ‬
‫ال ‪َ :‬يا‬ ‫ّللَا‪َ .‬فَق َ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫َر ُجل َواحد‪َ ،‬فَل ْم ُنَف ِارْق ُه َحتى َنْق ُتَل ُه‪َ .‬فأَ ْقَبَل ْت ْاب َنتُ ُه َفاط َم ُة َرضي َّ ُ َ‬
‫ط ْت أَ ْذَقاتُ ُه ْم‬
‫ص َارُه ْم‪َ ،‬و َسَق َ‬ ‫ضوا أ َْب َ‬ ‫ضاَ‪ ،‬ثُ َّم َد َخ َل َعَل ْي ِه ْم اْل َم ْس ِج َد‪َ ،‬فَل َّما َأرَْوهُ‪َ ،‬قاُلوا‪َ :‬ها ُه َو َذا‪َ ،‬و َخَف ُ‬ ‫ضوءا‪َ ،‬فتََو َّ‬ ‫ُب َنية أ َِريني َو ُ‬
‫ص َب ُه ْم‬ ‫َخ َذ َق ْب َ ِ ُّ ِ‬ ‫وس ِه ْم‪َ ،‬فأ َ‬ ‫ّللَاِ َحتَّى َقام َعَلى ُرء ِ‬ ‫ِفي ص ُد ِ ِ‬
‫«شا َه ْت اْل ُو ُجوهُ) ثُ َّم َح َ‬ ‫ال ‪َ :‬‬ ‫ض ًة م ْن الت َراب‪َ ،‬فَق َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ول َّ‬
‫وره ْم‪َ .‬فأَ ْقَب َل َرُس ُ‬ ‫ُ‬
‫صاةٌ ِإ َّال ُقِت َل َي ْوَم َب ْد ٍر َك ِاف ًرا‪.‬‬ ‫صى َح َ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫اب َر ُجالً م ْن ُه ْم م ْن َذل َك اْل َح َ‬ ‫َص َ‬ ‫ِ‬
‫ب َها‪َ ،‬ف َما أ َ‬
‫ال أ َُبو َب ْك ٍر‪:‬‬
‫لي في الخروج) َق َ‬ ‫ال‪َ« :‬فِإِني َق ْد ِأذ َن‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ )1‬ومن حديث السيدة عائشة‪ :‬أتى النبي يوما في َب ْيت أَبي َب ْك ِر فَق َ‬
‫ط َع ٌة ِم ْن‬
‫اء ِب ْن ُت أَِبي َب ْك ٍر ِق ْ‬
‫َس َم ُ‬
‫أْ‬ ‫ط َع ْت‬ ‫ول هللاِ ِبالثَّ َم ِن‪َ .‬فَق َ‬‫ال َرُس ُ‬
‫ِ‬ ‫َف ُخ ْذ ِبأَِبي أ َْن َت َيا َرسول َّ ِ ِ‬
‫ّللَا إ ْح َدى َراحَلتي َهاتَ ْي ِن‪َ ،‬ق َ‬ ‫ُ َ‬
‫اب‪َ ،‬فِب َذلِك س ِميت َذات ِ‬ ‫ِ‬
‫الحر ِ‬ ‫ط ِاقها َفرب َ ِ‬ ‫ِ‬
‫طاَق ْين‪.‬‬ ‫الن َ‬ ‫َ ُ َْ َ‬ ‫ط ْت ِبه َعَلى َف ِم َ‬ ‫ن َ َ ََ‬
‫ّللَاِ ْب ُن أَِبي َب ْك ٍر‪َ ،‬ف ُي ْدلِ ُج‬
‫يت ِع ْن َد ُه َما َع ْب ُد َّ‬ ‫يه ثَ َال َث َلي ٍ‬
‫ال َيِب ُ‬ ‫َ‬
‫ّللَاِ وأَبو ب ْك ٍر ِبغ ٍار في جب ِل ثَوِر‪َ ،‬ف َكمنا ِف ِ‬
‫ََ‬ ‫ََ ْ‬ ‫َ‬ ‫ول َّ َ ُ َ‬
‫ِ‬
‫‪ )2‬ثُ َّم َلح َق َرُس ُ‬
‫َم ًار ِإ َّال َو َعاهُ َحتَّى َيأِْتَي ُه َما ب َذلِ َك ليال‪َ .‬وَي ْرَعى‬ ‫ٍِ‬ ‫ِم ْن ِع ْن ِد ِهما ِبس َح ٍر‪َ ،‬ف ُيصِب ُح مع ُق َرْي ٍ ِ َّ‬
‫ش ب َمك َة َكَبائت‪َ ،‬ف َال َي ْس َم ُع أ ْ‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫ام ُر ْب ُن ُف َه ْي َرًة َم ْوَلى أَِبي َب ْك ِر ِم ْن َح ٌة ِم ْن َغ َنمٍ‪.‬‬
‫عَلي ِهما ع ِ‬
‫َْ َ َ‬
‫‪5‬‬

‫‪ )3‬واستأجر رسول هللا وأبو بكر رجال من بني الديل خريتا أي الماهر بالهداية وهو كافر وواعداه براحلتيهما بعد‬
‫ثالث‪ ،‬وانطلق معهما عامر بن فهيرة‪ ،‬فأخذ بهم طريق السواحل‪.‬‬
‫‪ُ )4‬يستفاد منه‪ :‬أنه كان يتردد على بيت أبي بكر كل يوم في الصباح وفى المساء‪ ،‬ومن ثُ َّم ترجم له البخاري في‬
‫اح َب ُه ُك َّل َي ْومٍ‪ ،‬أ َْو ُب ْك َرًة َو َع ِشيًّا) واختار الظهيرة‪ :‬ألن الناس تأوى إلى بيوتها‬
‫كتاب األدب بقوله‪« :‬باب‪:‬هل ي ُزور ص ِ‬
‫َ ٌ َْ َ ُ َ‬
‫للقيلولة لشدة الحر‪.‬‬

‫ليلة الهجرة‪ :‬من وقائع ليلة الهجرة‬

‫‪ )1‬أخذ النبي صلى هللا عليه وسلم حفنة من تراب فنثره على رؤوس الكفار كما سبق وهو يتلوا من بداية سورة يس‬
‫إلى قوله تعالى (فأغشيناهم فهم ال يبصرون)‪ .‬فلما أفاقوا جعلوا يتطلعون فيرون عليا على فراشه صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫‪ )2‬بعث المشركون فى الصباح على أثر النبي صلى هللا عليه وسلم‪ :‬ف أروا على بابه نسيج العنكبوت فتركوه‪ ،‬وهذه‬
‫رويت من طرق حسان‪ .‬ولم يعارض نقال وال عقال‪.‬‬

‫يستفاد مما سبق‬

‫‪ )1‬التوكل على هللا مع األخذ باألسباب‪ :‬حيث اختار المكوث فى غار حتى ينقطع طالبوه‪ .‬وهذا الغار عند الصعود‬
‫يأخذ أكثر من ثمانين دقيقة حتى الوصول إليه‪ ،‬وهو بعيد عن المسجد الحرام‪.‬‬
‫‪ )2‬ومنه أيضا االستعانة بذكر هللا من اآليات وغيرها‪ .‬وممن أكرمه هللا بالحفظ من العدو بفضل تالوة آية الحفظ‬
‫كأول يس اإلمام القرطبي ت ‪671‬ه كما ذكر القصة فى تفسيره‪.‬‬
‫‪ )3‬فضل أبي بكر رضي هللا وتحمله الشدائد مع النبي صلى هللا عليه وسلم‪ .‬وقد حمل أبو بكر رضي هللا عنه فى‬
‫ف ِدره ٍم أَو ِستَّ ُة آ َال ٍ‬
‫ف يساوي‬ ‫آال ِ‬
‫احتَ َم َل أ َُبو َب ْك ٍر َماَل ُه ُكَّل ُه‪َ ،‬و َم َع ُه َخ ْم َس ُة َ‬
‫َْ ْ‬ ‫تلك الليلة ثروته تحت تصرف رسول هللا ْ‬
‫نصف الدية‪..‬‬
‫وروي أن المشركين َذ َه ُبوا لطلبه على باب أبي بكر وفي ِه ْم أَبو جهل‪ ،‬فخرجت إليهم أسماء بنت أبي بكر َفَقالُوا‬ ‫‪ُ )4‬‬
‫َل َها‪ :‬أ َْين أبوك؟ فقالت‪َ :‬ال أ َْد ِري‪ ،‬فلطمها أبو جهل لطمة خرج منها ُقرطها وسقط‪.‬‬
‫ّللَاِ!‬
‫‪ )5‬معية هللا‪ :‬من شدة خوف أبي بكر على رسول هللا عند رؤيته ألقدام المشركين عند باب الغار‪ ،‬قال‪َ :‬يا َنِب َّي َّ‬
‫ِ َّ‬ ‫ان َّ ِ‬ ‫اس ُك ْت َيا أََبا َب ْكر! ا ْث َن ِ‬
‫نص ُروهُ‬ ‫ّللَاُ ثَالثُ ُه َما‪ .‬وإليه يشير قوله تعالى (إال تَ ُ‬ ‫ال ‪ْ :‬‬ ‫ص َرهُ َر َآنا‪َ ،‬ق َ‬
‫طأَ َب َ‬
‫طْل َ‬
‫ض ُه ْم َ‬‫َل ْو أَ َّن َب ْع َ‬
‫اح ِب ِه‪َ ،‬ال تَ ْح َزْن ِإ َّن َّ‬
‫ّللَاَ َم َع َنا)‪.‬‬ ‫َخرجه َّال ِذين َكَفروا ثَ ِاني ا ْث َني ِن ِإ ْذ هما ِفي اْل َغ ِار ِإ ْذ يُقول لِص ِ‬
‫َ ُ َ‬ ‫َُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ّللَاُ ِإ ْذ أ ْ َ َ ُ َ ُ‬ ‫ص َرهُ َّ‬‫َفَق ْد َن َ‬
‫التاريخ ببداية الهجرة‬
‫‪6‬‬

‫‪ )1‬تواترت األخبار بورود النبي صلى هللا عليه وسلم قباء يوم االثنين لثمان َخَل ْو َن من ربيع األول فى عام ‪1‬ه‪.‬‬
‫الموافق ‪ 16‬سبتمبر ‪622‬م‪ ،‬وكانت بداية العام الهجري فى ليلة الجمعة أول شهر هللا المحرم للعام األول من‬
‫الهجرة الموافق ‪ 14‬يوليو ‪622‬م‪ .‬والنبي يومئذ ثالثة وخمسون عاما‪.‬‬
‫‪ )2‬والرحلة من الغار إلى قباء اثنا عشر يوما‪.‬ومكث النبي بقباء خمسة أيام أسس فيها مسجد قباء‪ ،‬ثم استقر فى‬
‫المدينة ظهر يوم الجمعة ‪ 12‬ربيع األول الموافق ‪ 22‬سبتمبر ‪622‬م‪.‬‬
‫‪ )3‬ولقد ولد رسول هللا وبعث‪ ،‬ولحق بالرفيق األعلى دون أن يؤرخ الناس بشيء‪ ،‬هو معنى الحديث الذى أخرجه‬
‫النِبي َوَال ِم ْن َوَف ِات ِه‪َ :‬ما َعُّدوا ِإ َّال ِم ْن َمْق َد ِم ِه المدينة‪( .‬أي التاريخ‬
‫صحيحهما َعُّدوا ِم ْن َم ْب َع ِث َّ‬
‫َ‬ ‫البخاري في‬
‫اإلسالمي)‬
‫‪ )4‬وروى الحاكم فى اإلكليل أن النبي صلى هللا عليه وسلم قدم المدينة وأمر بالتاريخ فكتب فى أول ربيع األول‪ .‬لكن‬
‫المشهور أن ذلك فى خالفة عمر عام ‪ 17‬من الهجرة‪.‬‬
‫‪ )5‬أخرجه أبو نعيم ‪ :‬أن أبا موسى كتب إلى عمر رضي هللا عنهما‪ :‬أنه يأتينا منك ُكتب ليس لها تاريخ‪ ،‬فجمع عمر‬
‫الناس‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬أَرخ بالمبعث‪ ،‬وبعضهم‪ :‬أَرخ بالهجرة‪ ،‬فقال عمر‪ :‬الهجرة فرقت بين الحق والباطل‪َ ،‬فأ َْر ُحوا‬
‫بها‪ .‬وذلك سنة سبع عشرة‪ ،‬فلما اتفقوا‪ ،‬قال بعضهم‪ :‬ابدءوا برمضان فقال عمر بل بالمحرم؛ فإنه منصرف الناس‬
‫من حجهم فاتفقوا عليه‪.‬‬
‫‪ )6‬وقيل‪ :‬أرجعوا البداية إلى المحرم دون ربيع األول ألن ابتداء عزمه صلى هللا عليه وسلم على الهجرة كان فى‬
‫المحرم‪ .‬أو ألن المحرم منصرف الناس من حججهم‪ .‬والذين أشاروا إلى البداية بالمحرم عمر وعثمان وعلي رضي‬
‫هللا عنهم‪.‬‬
‫‪ )7‬أربعة وقائع يمكن أن يؤرخ بها وهي‪ :‬المولد‪ ،‬البعثة‪ ،‬الهجرة والوفاة‪ .‬ومن أسرار بداية التاريخ من الهجرة ما يأتي‪:‬‬
‫• ما استفادوا من قوله تعالى (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم)‪.‬‬
‫• ألن فى الهجرة الفرقان بين الحق والباطل‪.‬‬

‫استقبال األنصار لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬

‫‪ )1‬إن أهل المدينة حينما سمعوا بقدوم رسول هللا‪ ،‬كانوا يخرجون إلى الحرة وهى أرض ذات حجارة سود‪ ،‬ينتظرونه‬
‫فيظلون كذلك‪ ،‬حتى يردهم حر الظهيرة‪ ،‬كل يوم‪ ،‬فانقلبوا يوما بعد أن طال انتظارهم‪،‬‬
‫‪ )2‬فلما أ ََوْوا إلى بيوتهم أبصر رجل من اليهود رسول هللا فنادى بأعلى صوته يا معاشر العرب هذا حظكم الذي‬
‫تنتظرون‪ ،‬فأسرع إليه أشراف بنى النجار فى المدينة وهم أخوال جده عبدالمطلب‪ .‬وركب رسول هللا ناقته القصواء‪،‬‬
‫وأبو بكر خلفه‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫‪ )3‬وكل يريد نزول ناقة رسول هللا بداره‪ .‬فيقول رسول هللا ‪( :‬دعوها فإنها مأمورة) حتى وصلوا إلى بيت أبي أيوب‪،‬‬
‫وفى فناء البيت بركت الناقة‪ ،‬فأخذ َجبَّار بن صخر ينخسها برجله لتقوم‪ :‬يبغى أن تصل إلى داره ورآه أبو أيوب‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا جبار أعن منزلى تنخسها؟ أما والذي بعثه بالحق لوال اإلسالم لضربتك بالسيف‪.‬‬

‫بناء المسجد ‪-‬النبوي ‪-‬وصفته‬

‫‪ )1‬المسجد النبوى الشريف هو المسجد الثانى الذى بنى في المدينة بعد مسجد قباء؛ وكالهما يصدق فيه قول الحق‬
‫جل في عاله‪ْ﴿ :‬ل َم ْس ِج ُد أ ُْي َس َعَلى التَّْق َو ٰى ِم ْن أََّو ِل َي ْومٍ}وهو الثاني في الفضل والمنزلة وكثرة الثواب‪.‬‬
‫صلِي‬ ‫‪ )2‬وفي صحيح البخاري ‪ :‬أن رسول هللا كان قد اعتزم بناء مسجد في المكان الذي بركت فيه ناقته‪ ،‬وكان ُي َ‬
‫َس َع َد ْب ِن ُزَرَارَة‪ ،‬ثُ َّم‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ َّ ِ ِ‬ ‫يه يومِئ ٍذ ِرجال ِمن اْلمسلِ ِمين‪ ،‬وَك ِ‬ ‫ِِ‬
‫تيم ْي ِن في َح ْج ٍر أ ْ‬ ‫الم ْي ِن َي َ‬
‫ان م ْرَب ًدا للت ْم ِر ل ُس َهْيل َو َس ْهل ‪ُ :‬غ َ‬‫ف َْ َ َ ٌ ْ ُ ْ َ َ َ‬
‫َن‬ ‫ّللَاِ اْلغ َالمي ِن‪َ ،‬فساومهما ِباْلمرب ِد ليتَّ ِخ َذه مس ِجدا‪َ ،‬فَقاال‪ :‬ال بل نهبه َلك يا رسول هللاِ‪َ ،‬فأَبى رسول َّ ِ‬
‫ّللَا أ ْ‬ ‫َ َُ ُ‬ ‫َ ْ ََُ ُ َ َ َ ُ َ‬ ‫َْ َ ُ َ ْ ً‬ ‫َ َ ََُ‬ ‫ول َّ ُ َ ْ‬ ‫َد َعا َرُس ُ‬
‫مال ال‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫الل ِ‬ ‫َّ‬ ‫ط ِفق رسول َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ول‪َ :‬ه َذا الح ُ‬ ‫ين في َبَيانه َوَيُق ُ‬ ‫ّللَا َينُق ُل َم َع ُه ُم َ‬ ‫َيْقَبَل ُه هب ًة حتى ابتاعه منهما ثُ َّم َبَناهُ َم ْسج ًدا‪َ ،‬و َ َ َ ُ ُ‬
‫الم َها ِج َرهُ‪ .‬ثمثال‬ ‫ِِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ص َار َو ُ‬ ‫َج ُر اآلخ َرة َف ْار َح ُم األ َْن َ‬
‫َج َر أ ْ‬‫ول‪« :‬الل ُه َّم ِإ َّن األ ْ‬ ‫ال َخ ْي َب ُر ‪َ ##‬ه َذا أََب ُّر َرب ََّنا َوأَ ْ‬
‫ط َه ُر َوَيُق ُ‬ ‫ح َم َ‬
‫بشعر رجل لم يسم‪.‬‬
‫‪ )3‬وصف المسجد ‪ :‬أمر رسول هللا بقطع النخل ونبش قبور المشركين‪ ،‬وغيبت عظامها وترابها في باطن األرض‪،‬‬
‫فصفوا النخل حائطا جهة القبلة‪ ،‬جهة المسجد األقصى ببيت المقدس‪ .‬وهو مربع الشكل‪ ،‬أى ما يقارب ‪16٠٠‬‬
‫مت ار مربعا على تقدير طول الذراع ‪4٠‬سم‪.‬‬
‫‪ )4‬وجعل للمسجد ثالثة أبواب‪ :‬باب في مؤخره من جهته الجنوبية‪ ،‬وباب الرحمة جهة الغرب‪ ،‬والباب الذى كان‬
‫وجعل ُعمد المسجد من جذوع‬ ‫يدخل منه صلى هللا عليه وسلم من جهه الشرق‪ ،‬وهو الذي ُع ِر َ‬
‫ف بباب جبريل‪ُ .‬‬
‫النخل‪ ،‬وسقفه من الجريد‪ ،‬وكان النبي ينقل معهم الحجارة واللبن بنفسه حتى اغبر صدره الشريف‪.‬‬

‫فائدة‪ :‬وروي أنا عمار بن ياسر أراد أن يمازح النبي صلى هللا عليه وسلم عند البناء فقال ‪ :‬يا رسول هللا! ما لي‬
‫وألصحابك؟ فقال ‪ :‬مالك ولهم ؟‪ ،‬قال عمار‪ :‬يريدون قتلى ! يحمل كل واحد منهم لبنة لبنة‪ ،‬ويحملون علي اللبنتين‬
‫والثالث‪ ،‬فأخذ بيده رسول هللا وطاف به في المسجد يمسح مؤخرة رأسه من التراب وهو يقول‪” :‬ويح عمار! تقتله الفئة‬
‫الباغية‪ ،‬يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار“‬

‫تتابع المهاجرين إلى المدينة‬

‫بعد هجرة النبي ﷺ كادت تخلوا مكة من المسلمين وأغلقت بعض الدور كدار بني جحش‪ .‬كل ذلك ما بين موسم الحج‬
‫وربيع األول‪ ،‬وبعد أن استقر النبي فى المدينة بأيام قالئل‪ :‬وصل إليها على بن أبي طالب بعد أن أدى الودائع التي‬
‫‪8‬‬

‫كانت عند رسول هللا إلى أصحابها‪ .‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وتالحق المهاجرون إلى رسول هللا فلم يبق بمكة منهم أحد‪ ،‬إال‬
‫مفتون أو محبوس‪.‬‬

‫صهيب رضي هللا عنه وقصة هجرته‪.‬‬

‫من جملة المحبوسين فى مكة صهيب الرومي‪ ،‬والصحيح أنه لم يكن روميا وإنما كان عربيا خالصا‪ُ ،‬نميرى األب‬
‫تميمى األم‪.‬‬

‫قصة انتسابه إلى الروم‪:‬‬

‫‪ )1‬أن أباه سنان بن مالك النميري كان يتولى األبلة ‪-‬مدينة دخلت في البصرة وأصبحت جزءاً منها‪-‬من قبل كسرى‬
‫ملك‪.‬‬
‫‪ )2‬مضى صهيب مع أمه ابنها الصغير وطائفة من خدمها إلى قرية «الثني» من أرض العراق طلبا للراحة‪ ،‬فأغارت‬
‫عليهم سرية من سرايا جيش الروم‪ ،‬فقتلوا وأسروا وممن أسروا صهيب‪.‬‬
‫‪ )3‬بيع صهيب في أسواق الرقيق ببالد الروم‪ ،‬وجعلت تتداوله األيدى فينتقل من ‪ :‬سيد إلى خدمة آخر‪ .‬هكذا نشأ فى‬
‫الروم لكن كره ذلك المجتمع لكثرة الرذائل فيها‪.‬‬

‫عودته إلى مكة‪ :‬ولم تفتر أشواقه لحظة إلى اليوم الذى يرجع فيه إلى بالد العرب‪ ،‬وقد زاده شوقا أنه سمع كاهنا من‬
‫كهنة النصارى يقول لسيده‪ :‬يخرج من مكة في جزيرة العرب نبي ُيصدق رسالة عيسى ابن مريم َعَل ْي ِه َّ‬
‫الس َال ُم‪ ،‬ثم‬
‫أتيحت الفرصة لصهيب فولى هارًبا من رق أسياده‪ ،‬وتوجه شطر مك َة‪ ،‬واستقر بها‪ .‬أطلق الناس عليه اسم صهيب‬
‫الرومى للكنة لسانه وحمرة شعره‪ ،‬وقد حالف صهيب سيدا من سادات مكة هو عبدهللا بن جدعان وطفق يعمل فى‬
‫التجارة‪ ،‬فدرت عليه الخير الوفير والمال الكثير‪.‬‬

‫لقاؤه مع رسول هللا ﷺ‪ :‬لما أُخبر صهيب بمبعث النبي ﷺ ذهب خفية إلى دار األرقم ليرى رسول هللا‪ .‬فلقي عما ار عند‬
‫باب الدار فدخال معا فأسلما‪ .‬ولما ِأذ َن الرسول بالهجرة إلى المدينة‪،‬‬

‫هجرته إلى المدينة‪ :‬عزم صهيب على أن يمضى في صحبة الرسول صلى هللا عليه وسلم لكن أقامت قريش عليه‬
‫من يرقبه‪ .‬خرج يوما من بين الرقباء كأنه ذهب ليقضي حاجته‪ ،‬فتوجه شطر المدينة‪ ،‬فركب الرقباء فى إثره حتى‬
‫فقير فاغتنيت وبلغت ما بلغت‪ ،‬فقال‪ :‬أرأيتم إن تركت لكم مالى‪ ،‬أَتُ َخُلو َن‬
‫صعلوكا ًا‬
‫ً‬ ‫أدركوه‪ .‬فقالوا له لقد أتيت مكة‬
‫سبيلي؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬فدلهم على موضع ماله فتركوه‪ .‬ولما وصل قباء ورآه الرسول قال ثالثا (يا أبا يحيى ربع البيع)‬
‫فقال‪ :‬يا رسول هللا ما سبقني إليك أحد وما أخبرك إال جبريل عليه السالم‪ .‬وقوله ربح البيع إشارة إلى قوله تعالى‪:‬‬
‫(ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات هللا)‬
‫‪9‬‬

‫المؤاخاة فى عهد النبوة‬

‫أوال‪ :‬المؤاخاة في العهد المكي‪ :‬اختلف العلماء في وقوع المؤاخاة قبل الهجرة على قولين‪:‬‬
‫ِ‬
‫البال ُذري وابن عبد البر وابن سيد الناس‪ :‬ودليلهم‪ :‬ما روى الحاكم من‪ :‬حديث ْاب ِن ُع َم َر َرض َي هللاُ‬ ‫األول وقوعه‪ :‬قاله َ‬
‫آخى َب ْي َن أَِبي َب ْك ٍر َو ُع َم َر ‪َ ،‬وَب ْي َن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان ْب ِن‬ ‫طْل َح َة و ُّ‬
‫الزَب ْي ِر ‪َ ،‬وَب ْي َن ُع ْث َم َ‬ ‫َ‬ ‫َص َحا ِبه ‪َ ،‬ف َ‬
‫آخى َب ْي َن أ ْ‬
‫ِ‬
‫ال ‪ :‬إ َّن َرُس َ‬
‫ول هللا ﷺ َ‬ ‫َع ْن ُه َما َق َ‬
‫الرحم ِن ب ِن عو ٍ‬ ‫ِ‬
‫المتآخين وارتفاق األدني باألعلى‪ ،‬ولم يترتب‬ ‫َ‬ ‫ف‪ .‬وهذه المؤاخاة مقتصرة على المؤازة بين‬ ‫ان َو َع ْبد َّ ْ َ ْ َ ْ‬ ‫َعَّف َ‬
‫عليها حقوق التوارث‪.‬‬

‫الثاني عدم وقوعه‪ :‬قاله ابن كثير‪ ،‬بدليل أن المهاجرين كانوا مستغنين بأخوة اإلسالم وأخوة الدار وقرابة النسب عن‬
‫عقد مؤاخ ٍاة‪ ،‬بخالف المهاجرين مع األنصار‪ ،‬وألن كتب السيرة األولى لم تذكر هذه المؤاخاة‪( .‬رجحه المؤلف)‬

‫ان أَ ْق َوى ِم ْن‬ ‫اخ ِاة؛ ِأل َّ‬ ‫ِ‬ ‫ص ِباْل ِق َي ِ‬


‫ين َك َ‬ ‫ض اْل ُم َها ِج ِر َ‬‫َن َب ْع َ‬ ‫ال َع ْن ِح ْك َمة اْل ُم َؤ َ‬‫اس َوِإ ْغَف ٌ‬ ‫وتعقبه الحافظ ابن حجر‪ :‬و َه َذا َرد لِ َّلن ِ‬
‫َ‬
‫َعَلى ِب ْاأل َْد َنى‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ال َواْل َع ِش َيرِة َواْلُق َوى‪َ ،‬ف َ‬
‫ض ِباْلم ِ‬
‫ين ْاأل ْ‬ ‫َعَلى َوَي ْستَع ُ‬ ‫َعَلى َو ْاأل َْد َنى؛ لَي ْرتَف َق ْاأل َْد َنى ِب ْاأل ْ‬
‫آخى َب ْي َن ْاأل ْ‬ ‫َ‬
‫َب ْع ٍ‬

‫أجمع العلماء عليها‪ ،‬وبيانها كالتالي‪:‬‬


‫َ‬ ‫ثانيا‪ :‬المؤاخاة في العهد المدني بين المهاجرين واألنصار‪ :‬قد‬
‫ً‬
‫‪ )1‬أسباب المؤاخاة‪ :‬لدفع المشكالت التى واجهت المهاجرين في الجوانب االقتصادية واالجتماعية والصحية‪:‬‬
‫أ) الجانب االقتصادي‪ :‬حيث إن المهاجرين تركوا معظم ثرواتهم بمكة‪ ،‬كما أن مهارِاتهم كانت في التجارة‪،‬‬
‫ولم تكن لهم خبرةٌ في الزراعة والصناعة‪ ،‬وهما أساسان مهمان في االقتصاد‪.‬‬
‫ب) الجانب االجتماعي‪ :‬حيث إن المهاجرين تركوا أهليهم ومعارَفهم بمكة‪ ،‬وانقطعت صلتهم بهم بالكلية‪ ،‬مما‬
‫اسا بالوحشة والحنين إلى بلدتهم مكة‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ول َد إحس ً‬
‫بالح َّمي‪ .‬فأصبحت الحاج ُة إلى‬
‫اخ المدينة عن مكة‪ ،‬وإصابة المهاجرين ُ‬ ‫ت) الجانب الصحي‪ :‬ذلك باختالف ُم َن ِ‬
‫ٍ‬
‫شعور بأنهم عاَل ٌة على األنصار‪.‬‬ ‫أي‬
‫العيش َة الكريم َة‪ ،‬ويدفع عنهم َّ‬
‫يع يكفل للمهاجرين َ‬ ‫تشر ٍ‬
‫أثناء بناء المسجد أو‬
‫اب السير على أن المؤاخاة قد وقعت في العام األول من الهجرة َ‬ ‫‪ )2‬زمانها مكانها ‪ :‬قد أجمع ُكتَّ ُ‬
‫بعده ٍ‬
‫بقليل‪ ،‬وكان إعالن هذا التشريع في دار أنس بن مالك‪.‬‬
‫‪ )3‬عدد الذين شملتهم المؤاخاة ‪ :‬آخى رسول هللا بين كل مهاجرٍي وأنصارٍي اثنين اثنين‪ ،‬وشملت خمس ًة وأربعين‬
‫اخاة وقعت بين المهاجرين‬
‫رجال من األنصار‪ ،‬وقال ابن سعد‪ :‬إن هناك مؤ ً‬ ‫رجال من المهاجرين‪ ،‬وخمس ًة وأربعين ً‬
‫أنفسهم‪ .‬وذكر البال ُذري مؤ َ‬
‫اخاة حمزَة لكلثوم بن الهدام‪ ،‬وزيد بن حارثة ألسيد بن حضير‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫ِ‬
‫كالمعونة والرعاية‪ ،‬أو‬ ‫العون‪ً ،‬‬
‫ماديا‬ ‫‪ )4‬الحقوق المترتبة على المؤاخاة‪ :‬قد ترتب عليها المواساة المطلقة في كل ُ‬
‫أوجه َ‬
‫تقت إلى ما هو أعلى وأعمق من أخوة النسب والدم‪ ،‬فيتوارث المتآخون دو َن ذوي‬
‫معنويا كالنصيحة والتزاور‪ ،‬بل ار ْ‬
‫أرحامهم‪.‬‬

‫العفة واإليثار بين المهاجرين واألنصار‬

‫األنصار المهاجرين بأغلى اإليثار فى التاريخ وقد قابله المهاجرون بأحلى العفة‪ ،‬ومن صور ذلك ما‬
‫ُ‬ ‫‪ )1‬لقد استقبل‬
‫يلي‪:‬‬
‫يقسم بساتين النخيل بينهم وبين المهاجرين؛ ألن النخل مصدر معيشة‬‫‪ )2‬اقترح األنصار على الرسول ﷺ أن ِ‬
‫الكثيرين‪ ،‬ولكن الرسول ﷺ طلب األنصار أن يحتفظوا بها ألنفسهم على أن ُي ِ‬
‫شركوا المهاجرين في التَ ْمر‪.‬‬
‫يشتغل المهاجرون بالزراعة لقلة خبرتهم فيها‪ ،‬حتى ال يؤدي إلى خفض اإلنتاج‬
‫َ‬ ‫والظاهر‪ :‬أن الرسول ﷺ لم ُي ِرد أن‬
‫وضعف االقتصاد‪ ،‬كما أنه ا يحتاج المهاجرين في مهام الدعوة والجهاد‪.‬‬
‫خيرا‪ ،‬وابتنى‬ ‫شئت فخذ َّ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫منا منازَلنا‪ ،‬فقال لهم ً‬ ‫فضل في حظها‪ ،‬وقالوا له إن َ‬ ‫كل‬
‫‪ )3‬كما وهب األنصار للرسول ﷺ َّ‬
‫ملكا ٍ‬
‫ألحد‪.‬‬ ‫اض ليست ً‬ ‫األنصار‪ ،‬وأر ٍ‬ ‫وهبتها لهم‬
‫اض ْ‬ ‫بيوتًا ألصحابه في أر ٍ‬
‫ُ‬
‫ومن النماذح الفريدة لهذا اإليثار والعفة ما حدث بين عبد الرحمن بن عوف المهاجري وسعد بن الربيع األنصاري‪:‬‬
‫َه ِل‬ ‫أن رسول هللا ﷺ آخى بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع األنصاري‪َ ،‬فَقال َله سعٌد‪ :‬أ ِ‬
‫َي أَخي‪ ،‬أََنا أَ ْكثَ ُر أ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ َْ‬
‫الر ْح َم ِن‪:‬‬‫ال َع ْب ُد َّ‬ ‫ظر أَيُّهما أَعجب ِإَليك حتَّى أُ َ ِ‬
‫طلَق َها‪َ ،‬فَق َ‬ ‫ان‪َ ،‬ف ْان ُ ْ ُ َ ْ َ ُ ْ َ َ‬ ‫ام َأرَتَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ط َر َمالي‪َ ،‬ف ُخ ْذهُ‪َ ،‬وتَ ْحتي ْ‬ ‫ظ ْر َش ْ‬ ‫اال‪َ ،‬ف ْان ُ‬‫اْل َم ِد َين ِة َم ً‬
‫اء ِب َشي ٍء ِم ْن أ َِق ٍط‬ ‫السو ِق‪ ،‬فذهب فاشترى وباع وربِح‪ ،‬فج‬ ‫السو ِق‪َ ،‬ف َدُّلوهُ َعَلى ُّ‬ ‫َهلِ َك َو َمالِ َك‪ُ ،‬دُّلوِني َعَلى ُّ‬ ‫ِ‬
‫ك هللاُ َل َك في أ ْ‬ ‫َب َار َ‬
‫َ َ َ َ َ ْ ََ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ‬
‫ال‪َ :‬يا‬ ‫ِ َّ‬ ‫ان‪َ ،‬فَقال رسول هللاِ َّ‬ ‫َن َيْل َب َث‪َ ،‬ف َجاء َو َعَل ْي ِه َرْدعُ َز ْعَف َر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم‪َ " :‬م ْه َي ْم " َفَق َ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ ُ‬ ‫َ‬ ‫اء هللاُ أ ْ‬
‫َو َس ْمن‪ ،‬ثُ َّم َلب َث َما َش َ‬
‫ال‪ " :‬أ َْولِ ْم َوَل ْو ِب َش ٍاة‪".‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪َ :‬وْزَن َن َواة م ْن َذ َهب‪َ ،‬ق َ‬ ‫َص َد ْقتَ َها؟ " َق َ‬‫ال‪َ " :‬ما أ ْ‬ ‫ام َأرَةً‪َ ،‬فَق َ‬
‫ول هللا تََزَّو ْج ُت ْ‬ ‫َرُس َ‬
‫َ َٰ ۡ َ َ ۡ َ َٰ ۡ َ ۡ َ ُ َ َ ۡ ٗ َ َّ َ ۡ َ َٰ ٗ‬ ‫َ َّ َ ُ ۡ ُ ْ‬ ‫ُۡ َ َٓ ُۡ َ‬
‫ج ِرين ٱلذِين أخ ِرجوا مِن دِي ِرهِم وأمول ِ ِهم يبتغون فضلا مِن ٱَّللِ ورِضونا‬ ‫وإلى ذلك يشير قوله تعالى‪ :‬ﵟل ِلفقرا ِء ٱلمه َٰ ِ‬
‫َ‬ ‫َ ۡ ۡ ُ ُّ َ َ ۡ َ َ َ‬ ‫ٱلد َار َوٱلۡإ َ‬ ‫ون ‪َ ٨‬وٱلَّذ َ‬
‫ِين َت َب َّو ُءو َّ‬ ‫َ َ ُ ُ َ َّ َ َ َ ُ َ ُ ٓ ُ ْ َ َٰٓ َ ُ ُ َّ َٰ ُ َ‬
‫اج َر إِل ۡي ِه ۡم َولا‬ ‫يم َٰ َن مِن قبل ِ ِهم يحِبون من ه‬ ‫ِ‬ ‫وينصرون ٱَّلل ورسوله ۚٓۥ أولئِك هم ٱلصدِق‬
‫ُ‬
‫َ ْ َ َٰٓ َ‬ ‫ۡ َ َ ٗ َّ ٓ ُ ُ ْ َ ُ ۡ ُ َ َ َ َٰٓ ُ ۡ َ َ ۡ َ َ ۡ َ َ َ َ َ ُ َ ُ َّ َ ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ‬
‫ك ُهمُ‬ ‫ُ ُ‬
‫ي ِجدون فِي صدورِهِم حاجة مِما أوتوا ويؤث ِرون على أنفسِ ِهم ولو كان ب ِ ِهم خصاصة ۚٓ ومن يوق شح نفسِ هِۦ فأولئ ِ‬
‫َ‬ ‫ۡ ۡ‬
‫ٱل ُمفل ُِحونﵞ‬

‫كفالة بعض المهاجرين بأنفسهم ‪ :‬وبيان ذلك فيما يلي‪:‬‬

‫تاجر وقد مارس التجارَة في المدينة‪،‬‬


‫‪ )1‬سبق أن عمر بن الخطاب خرَج بأمواله‪ ،‬وهو كان ًا‬
‫أيضا‪،‬‬
‫تاجر ً‬
‫حمل أبو بكر معه ستة آالف درهم‪ ،‬وكان ًا‬
‫‪ )2‬وكذلك َ‬
‫‪11‬‬

‫جميع أمواله‪ .‬فتكفلوا بنفقات نفسه وعياله دون أن يكلف ً‬


‫أحدا من األنصار‪ ،‬بل ساهمو في‬ ‫َ‬ ‫ان‬
‫حمل عثم ُ‬
‫‪ )3‬وكذلك َ‬
‫الصَّفة‪.‬‬
‫نفاقات الفقراء من المهاجرين كأهل ُّ‬

‫إبطال التوارث بين المتآخين بعد غزوة بدر‪:‬‬

‫وعرفوا مسالك الرز ِق فيها‪ ،‬وأصابوا من غنائ ِم بدر الكبرى ما كفاهم‪ُ ،‬نسخ‬ ‫ف المهاجرو َن َّ‬ ‫‪ِ َّ )1‬‬
‫جو المدينة‪َ ،‬‬ ‫لما أل َ‬
‫اإللغاء كان بعد‬ ‫ظروف استثنائية‪ ،‬وذكر ابن سعد‪ :‬أن ذلك‬ ‫ٍ‬ ‫مشروعا لمعالجة‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ارث بين المتآخين‪ ،‬ألنه كان ُ ً‬ ‫التو ُ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ﵟوأ ْولوا ٱلأ ۡر َح ِ َ ۡ ُ ُ ۡ ۡ َ ۡ‬
‫غزوة بدر‪ ،‬بنزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ب ٱَّللِﵞ [األنفال‪]75 :‬‬ ‫ام بعضهم أول َٰي بِبع ٖض فِي كِتَٰ ِ‬
‫َ ُ َ َ ۡ َ َ َ َٰ َ َّ َ َ َ ۡ َ َٰ َ َ ۡ َ ۡ َ ُ َ‬ ‫ٍ‬
‫نسخت‬
‫َ‬ ‫]‬‫‪33‬‬ ‫[النساء‪:‬‬ ‫ﵞ‬ ‫ون‬
‫ان وٱلأقرب ۚٓ‬ ‫عباس رضي هللا عنه أن آي َة‪ :‬ﵟول ِك ٖل جعلنا مولِي مِما ترك ٱلول ِد ِ‬ ‫‪ )2‬ويرى ُ‬
‫ابن‬
‫ك ۡمﵞ هم المهاجرون الذين يرثون‬ ‫َ َّ َ َ َ َ ۡ َ ۡ َ َٰ ُ ُ‬
‫الورثة‪ ،‬والمراد بـ ﵟوٱلذِين عقدت أيمن‬ ‫ارث بالمؤاخاة‪ ،‬فالمراد بـموالى‪َ :‬‬
‫التو َ‬
‫بالمؤاخاة‪.‬‬
‫‪ )3‬الخالصة‪ :‬أن المؤاخاة التي شرعت بين المؤمنين لم تُنسخ‪ ،‬سوى ما يترتب عليها من تو ٍ‬
‫ارث فإنه منسو ٌخ‪ ،‬يمكن‬
‫يتآخوا بينهم على المواساة واالرتفاق ويترتب عليها حقو ٌق ُّ‬
‫أخص من المؤاخاة العامة‬ ‫ٍ‬
‫عصر أن َ‬ ‫للمؤمنين في كل‬
‫بين المؤمنين‪.‬‬

‫أهم ما يستفاد من مؤاخاة الرسول ‪:‬‬

‫‪ )1‬فيها أقوى مظهر من مظاهر عدالة اإلسالم اإلنسانية األخالقية البناءة‪ ،‬فالمهاجرون قوم تركوا في سبيل هللا‬
‫أموالهم وأراضيهم‪ ،‬واألنصار قوم أغنياء بزروعهم وأموالهم وصناعتهم‪ ،‬فليحمل األخ أخاه‪.‬‬
‫‪ )2‬وفيها أن أساس الدولة اإلسالمية قائم على العدالة االجتماعية‪ ،‬وأن أساس العالقة بين المسلمين وغيرهم السلم‬
‫ِ‬
‫ودفع أذى األشرار عن المجتمع‪.‬‬ ‫الحق والعدل‪ :‬التعاو َن على البر والتقوى و َ‬
‫العمل لخير الناس‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫‪ )3‬وفيها أن من مبدأ‬
‫‪ )4‬وفيها دليل على إنهاء الصراع الطبقي بين األغنياء والفقراء في اإلسالم‪ ،‬حيث إنهم كلهم إخوة‪ ،‬وهم في ٍ‬
‫صف‬
‫و ٍ‬
‫احد‪.‬‬

‫اإلسالم وتربيته ألمثل مجتمع وإقامته ألكمل دولة فى التعامل مع الغير‪.‬‬

‫من مظاهر هذه التربية‬

‫رسول هللاِ كتابا بين المهاجرين‬ ‫ُ‬ ‫اق ‪ :‬وكتب‬ ‫ال ْاب ُن ِإ ْس َح َ‬‫‪ )1‬معاهدة اليهود فى المدينة بقوله صلى هللا عليه وسلم َق َ‬
‫ط َعَل ْي ِه ْم‪ ...‬لِ َلي ُهوِد ِد ُين ُه ْم‬
‫اشتََر َ‬
‫ط َهم َو ْ‬ ‫اهم َو َش َر َ‬ ‫أقرهم عَلى ِد ِين ِهم وأَمو ِ‬
‫َ َْ‬ ‫واألنصار‪ ،‬ودعا فيه يهود وعاهدهم و َّ ُ َ‬
‫َولِْل ُمسلِ َم ْي ِن ِد َين ُهم َم َوالِي ِهم َوأ َْنُف ُس ُه ْم إال َم ْن َ‬
‫ظَل َم َوأ َْي َم َفِإَّن ُه َال ُيوِت ُع ِإال َنْف َس ُه َوأ ْ‬
‫َه َل بيته‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫‪ )2‬وبهذه المعاهدة أصبحت المدينة المنورة دار إسالم‪ ،‬وصار من فيها من اليهود أهل ذمة‪ .‬فيحرم إيذاؤهم أو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الجَّنة‪َ ،‬وإِ َّن ِر َ‬
‫يع َها‬ ‫االعتداء عليهم‪ .‬ومن خالف فقد استحق الوعيد الوارد في قوله ‪َ :‬م ْن قتل معاهدا‪َ :‬لم َبرْح َرائ َح َة َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اما‪ ،‬أخرجه البخاري‪.‬‬ ‫وج ُد م ْن َمس َيرِة أ َْرَبع َ‬
‫ين َع ً‬ ‫تُ َ‬
‫‪ )3‬ومثل هذه األخوة تسمى أخوة المواطنة بين النبي وبين اليهود قد سبق فى األنبياء عليهم الصالة والسالم وإليها‬
‫يشير قوله تعالى (وإلى عاد أخاهم هودا) وما أشبه ذلك‪.‬‬

‫فاألخوة إذن أنواع‪ :‬األخوة النسبية وهي األصل عند إطالق األخوة \ اإلخوة اإلنسانية تشمل جميع بني آدم\ األخوة‬
‫الدينية‪ :‬وهي األخوة الحقة التى تنفع صاحبها فى الدارين‪ .‬وتطلق لفظ األخ أيضا على كل من تجمعهم صفة أو‬
‫هدف كقوله تعالى (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين)‪.‬‬

‫خالصة الهجرة النبوية ‪ :‬هي خالصة كل ما سبق‪ .‬لكن نشير إلى نقاط موجزة ‪:‬أن الناس بعد الهجرة أقسام‪ :‬تشير إلى‬
‫قس َمت المجتمعات البشرية إلى أربعة أقسام‪:‬‬
‫ذلك خاتمة سورة األنفال حيث َ‬
‫‪ )1‬الكفار بكافة أصنافهم‪،‬‬
‫‪ )2‬والمؤمنون الذين لم يهاجروا‪،‬‬
‫‪ )3‬والمؤمنون الذين هاجروا وجاهدوا وآووا ونصروا‪،‬‬
‫‪ )4‬والمؤمنون الذين جاءوا بعد ذلك‪.‬‬

‫ض‬‫ض ُهم أ َْولِ َياء َب ْع ٍ‬ ‫يل َّ ِ َّ ِ‬‫سِب ِ‬ ‫َنف ِس ِه ْم ِفي‬


‫َم َوالِ ِه ْم َوأ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َّ َّ ِ‬
‫ُ‬ ‫ئك َب ْع ُ ْ‬ ‫ْأوَل َ‬ ‫ص ُروا‬‫ين َء َاووا َوَن َ‬
‫ّللَا َوالذ َ‬ ‫َ‬ ‫اج ُروا َو َج َه ُدوا بأ ْ‬
‫ام ُنوا َو َه َ‬ ‫ين َء َ‬ ‫(إن الذ َ‬
‫ص ُر ِإ َّال‬ ‫ِفي ِ‬
‫الد ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ام ُنوا َوَل ْم ُي َها ِج ُروا ما َل ُكم ِمن َوَلـٰيت ِهم ِمن َشي ٍء‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َف َعَل ْي ُك ُم الن ْ‬ ‫وك ْم‬
‫نص ُر ُ‬
‫استَ َ‬‫َحتى ُي َهاج ُروا َوإِ ِن ْ‬ ‫ْ‬ ‫ين َء َ‬ ‫َوالذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ير)‬‫ّللَاُ ِب َما تَ ْع َمُلو َن َبص ٌ‬
‫اق َو َّ‬ ‫َعَلى َق ْو ٍم َب ْي َن ُك ْم َوَب ْي َن ُهم ميثَ ٌ‬
‫لمحات حول بعض الغزوات‬

‫فصل القرآن الكريم أحداثًا كثيرًة في بعض الغزوات كغزوة بدر في سورة األنفال‪ ،‬وغزوة أحد وما تبعها من وقائع‬
‫قد َّ‬
‫فى سورة آل عمران وغزوة الخندق وإجالء يهود بني قريظة في سورة األحزاب‪ ،‬وإخراج يهود بني النضير وخذالن من‬
‫عاونهم من المنافقين في سورة الحشر‪ .‬وأحداثًا أخرى تُذكر فى حينها في آيات متفرقة في أكثر من سورة كما وقع‬
‫مع يهود بني قينقاع ومن عاونهم من المنافقين في اآليات‪ 12 :‬و‪ 13‬من سورة آل عمران واآليات ‪ 56 :51:‬من‬
‫سورة المائدة‪ ،‬وبحمد هللا كان النصر فيها للمؤمنين والعاقبة للمتقين‪.‬‬

‫غزوة بدر الكبرى وما يستفاد منها‬


‫‪13‬‬

‫سبب هذه الغزوة‪ :‬السبب الرئيسي لوقوع غزوة بدر إلى سماع النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬بقدوم قافلة لكفار قريش‬
‫محملة بالبضائع والنقود؛ فطلب رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬من مجموعة من‬
‫من الشام‪ ،‬يقودها أبو سفيان‪َّ ،‬‬
‫المسلمين أن يذهبوا ألخذ هذه القافلة بدالً من القافلة التي استولى عليها كفار قريش من المسلمين عندما هاجروا من‬
‫مكة إلى المدينة‪.‬‬

‫وهو المسمى يوم الفرقان يوم التقى الجمعان أي جمع المؤمنين والمشركين‪.‬‬

‫عدد المسلمين في غزوة بدر ثالثمائة وبضعة عشر رجالً‪ ،‬معهم َف َرسان وسبعون جمالً‪ ،‬وكان‬
‫عدد الفريقين‪ :‬كان ُ‬
‫ألف ٍ‬
‫رجل معهم مئتا فرس‪.‬‬ ‫تعداد جيش قريش َ‬
‫ُ‬
‫وهذه بعض النماذج المثلى التى تجسد ما كان عليه الصحابة من قيم وصدق فى الدين‪:‬‬

‫‪ )1‬موقف أبي عبيدة مع أبيه‪ :‬ففى المعجم الكبير للطبراني بسند جيد أن والد أبي عبيدة كان يتصدى له يوم بدر‪،‬‬
‫اّللِ‬
‫قص َدهُ أبو عبيدة فقتله‪ ،‬فأنزل هللا تعالى فيه ‪( :‬وال تَ ِج ُد َق ْو ًما ُي ْؤ ِم ُنو َن ِب َّ‬ ‫فجعل أبو عبيدة يحيد عنه‪ ،‬فلما أكثر‪َ :‬‬
‫اء ُه ْم أ َْو ِإ ْخ َو َان ُه ْم أ َْو َع ِش َيرُه ْم‪)..‬‬
‫اء ُه ْم أ َْو أ َْبَن َ‬ ‫َواْل َي ْو ِم ْاآل ِخ ِر ُي َو ُّادو َن َم ْن َح َّاد َّ‬
‫ّللَاَ َوَرُسوَل ُه‪َ ،‬وَل ْو َك ُانوا َءا َب َ‬
‫‪ )2‬موقف أبي حذيفة مع أبيه‪ :‬عن عائشة قالت‪ :‬لما أُْلُقوا ‪ -‬يعني قتلى المشركين يوم بدر‪ ،‬وقف رسول هللا عليهم‬
‫ُّك ْم َحًّقا؛ فقد َو َج ْد ُت َما‬
‫وقال‪« :‬يا عتبة‪ ،‬ويا شيبة‪ ،‬ويا أمية بن خلف‪ ،‬ويا أبا جهل ‪َ -‬ه ْل َو َج ْدتُ ْم َما َو َع َد ُك ْم َرب ُ‬
‫َو َع َدِني َربِي َحًّقا؟» وفى رواية‪ :‬أن رسول هللا نظر عند مقالته هذه في وجه أبي حذيفة بن عتبة فرآه كئيباً قد تغير‪،‬‬
‫فقال رسول هللا ‪ :‬لعلك دخلك من شأن أبيك شيء؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬وهللا ما شككت في أبى وال في مصرعه‪ ،‬ولكنى كنت‬
‫ف من أبى رأيا وحلما وفضالً‪ ،‬فكنت أرجو أن ُيقربه ذلك إلى اإلسالم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أعر ُ‬
‫‪ )3‬موقف مصعب بن عمير مع أخيه الشقيق أبي عزيز بن عمير‪ :‬كان أبو عزيز من أسرى بدر وهو صاحب لواء‬
‫المشركين ببدر بعد النضر بن الحارث‪ .‬روى ابن إسحاق‪ :‬قال أبو عزيز َم َّر بي أخي مصعب بن عمير ورجل‬
‫صاتُك بي؟!! فقال له‬
‫من األنصار يأسرنى فقال‪ :‬اشدد يديك به فإن أمه ذات‪ .‬فقال أبو عزيز‪ :‬يا أخي! هذه َو َ‬
‫الي َسر الذي أسره‪ -‬أخى دونك‪ .‬وقد أكرم هللا أبا عزيز باإلسالم بعد ذلك‪ .‬وليس بصحيح أنه‬
‫مصعب‪ :‬إنه‪-‬أي أبو َ‬
‫قتل يوم أحد كافرا‪.‬‬

‫نتيجة الغزوة‪ :‬بانتصار المسلمين على قريش‪ ،‬وكان قتلى قريش سبعين رجالً‪ ،‬وأُسر منهم سبعون آخرون‪ ،‬وكان‬
‫أكثرهم من قادة قريش وزعمائهم‪ ،‬وُقتل من المسلمين أربعة عشر رجال‪.‬‬

‫خطر النفاق واليهود على الدولة الناشئة‬


‫‪14‬‬

‫‪ )1‬لما انتصر المسلمون في بدر أظهر اليهود الحسد والغضب فجمعهم النبي ونصحهم ودعاهم إلى اإلسالم‪ .‬فقالوا‪:‬‬
‫يا محمد ال يغرنك من نفسك أنك قتلت نف ار من قريش كانوا أغما ار ال يعرفون القتال‪ .‬فأضمرت بنو قينقاع نقض‬
‫العهد الذي بينهم وبين المسلمين وأخذوا يتحينون الفرصة السانحة لمناوشة المسلمين‪.‬‬
‫‪ )2‬حتى جاءتهم فرصتهم الحقيرة عندما جاءت امرأة من العرب قدمت بجلب لها‪ ،‬فباعته بسوق بني قينقاع‪ ،‬وجلست‬
‫إلى صائغ لها‪ ،‬فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت‪ ،‬فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده بشوكة إلى ظهرها‪،‬‬
‫فلما قامت انكشفت سوءتها فضحكوا بها فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهودياً‪ ،‬وشدت اليهود‬
‫على المسلم فقتلوه‪.‬‬
‫‪ )3‬فغضب المسلمون وحين علم رسول هللا ﷺ بذلك سار إليهم على رأس جيش من المهاجرين واألنصار‪ ،‬وذلك‬
‫السبت للنصف من شوال من السنة الثانية للهجرة‪ ،‬وكان الذي حمل لواء المسلمين يومئذ حمزة بن عبدالمطلب‪.‬‬
‫‪ )4‬واستخلف صلى هللا عليه وسلم على المدينة‪ :‬أبا لبابة بن عبد المنذر العمري‪ .‬ونبذ إلى اليهود العهد كما أمره هللا‬
‫﴿وإِما تَ َخاَف َّن ِمن َق ْو ٍم ِخ َي َان ًة َفأ َْنِب ْذ ِإَل ْي ِه ْم َعَلى َس َو ٍاء ِإ َّن َّ‬
‫ّللَاَ َال ُي ِح ُّب الخائنين}‪.‬‬ ‫تعالى في قوله‪َ :‬‬
‫موقف ابن سلول من الحادثة‪ :‬فحاصرهم النبي ﷺ خمس عشرة ليلة‪ ،‬حتى جاء ابن سلول رأس المنافقين واشتد على‬
‫النبي ﷺ فى فك أسرهم‪ .‬فخلى رسول هللا ﷺ سبيلهم‪ ،‬ثم أجالهم من المدينة‪ .‬ثم جاء ابن سلول مرة أخرى ليطلب من‬
‫النبي ﷺ أن يقرهم لكنه لم يستجب له‪ .‬واستجابة النبي ﷺ له فى األولى من باب أسلوب المداراة تجنبا للفتنة وليظهر‬
‫حقيقة ابن سلول‪.‬‬

‫وعلى نقيض ذلك موقف عبادة بن الصامت رضي هللا عنه‪ :‬لقد تب أر عبادة إلى هللا تعالى ورسوله ﷺ من حلف‬
‫َّ ِ‬
‫لهم‬ ‫ض ُهم أ َْولِ َياء َب ْع ٍ‬
‫ض َو َمن َيتََو ُ‬ ‫ُ‬ ‫اء َب ْع ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ص َارى أ َْول َي َ‬
‫الن َ‬ ‫ام ُنوا َال تَتَّ ِخ ُذوا اْلَي ُه َ‬
‫ود َو َّ‬ ‫ين َء َ‬ ‫اليهود وواليتهم ‪ ،‬وفيه نزلت (يأيها الذ َ‬
‫ين)‪ .‬فأمر النبي ﷺ عبادة أن ُي ْجلِي بني قينقاع‪.‬‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫نك ْم َفِإَّن ُه ِم ْن ُه ْم ِإ َّن َّ‬
‫ِم ُ‬
‫ّللَاَ َال َي ْهدى اْلَق ْوَم الظلم َ‬
‫النتيجة‪ :‬خرجوا من المدينة صاغرين قد ألقوا سالحهم وتركوا أموالهم غنيمة للمسلمين‪ ،‬بذلك الذت القبائل اليهودية‬
‫بالصمت والهدوء فترة من الزمن‪.‬‬

‫غزوة أحد وما يستفاد منها‬

‫سبب الغزوة‪ :‬أراد الكفار االنتقام من المسلمين لما أصابهم فى بدر‪ .‬وقتها‪ :‬يوم السبت منتصف شهر شوال العام‬
‫الثالث من الهجرة‪ .‬قائد قريش‪ :‬أبو سفيان‪ .‬عدد المشركين‪ :‬ثالثة آالف‪.‬‬

‫من أهم وقائع غزوة أحد‬


‫‪15‬‬

‫نزول الرماة من المسلمين عن الجبل مخالفين وصية الرسول طلبا للغنيمة‪ .‬قتل سبعون من المسلمين منهم حمزة بن‬
‫عبدالمطلب وبقرت هند بنت عتبة بطنه واستخرجت كبده‪ ،‬فضال عمن جرح وأصيب‪ ،‬ثم أشيع أن الرسول قد قتل‪.‬‬

‫النِب ِي َوَن ْح ُن َن ْبتَ ِغي‬


‫اج ْرَنا َم َع َّ‬ ‫ِ‬
‫استشهاد مصعب بن عمير حامل لواء المسلمين‪ :‬من حديث خباب َرض َي هللاُ َع ْن ُه قال‪َ :‬ه َ‬
‫ص َع ُب ْب ُن ُع َم ْي ٍر‪ُ ،‬قِت َل‬ ‫ْكل ِمن أَج ِِره َشيًئا‪َ ،‬ك ِ‬ ‫ّللَاِ‪َ ،‬فوجب أَجرنا عَلى َّ ِ ِ‬
‫ان م ْن ُه ْم ُم ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ضى أ َْو َذ َه َب َل ْم َيأ ُ ْ ْ ْ‬ ‫ّللَا‪َ ،‬فمَّنا َم ْن َم َ‬ ‫َو ْج َه َّ َ َ َ ْ ُ َ َ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫يوم أ ٍ‬
‫ْس ُه‪،‬‬ ‫ْس ُه؛ َخ َر َج ْت ِر َجالهُ‪َ ،‬وِإ َذا ُغط َي بها ِر َجالهُ‪َ ،‬خ َرَج َأر ُ‬
‫ثوبا ‪ُ -‬كَّنا إ َذا َغط ْيَنا ب َها َأر َ‬‫ُحد‪َ ،‬فَل ْم َي ْت ُر ْك ِإال َنم َرًة ‪ -‬أى ً‬
‫َْ َ ُ‬
‫اج َعلُوا َعَلى ِر ْجَل ْي ِه ِ‬
‫اإل ْذ ِخ َر)‪.‬‬ ‫ْس ُه‪َ ،‬و ْ‬ ‫النِب ُّي ‪ :‬غ ُ ِ‬
‫ال َل َنا َّ‬
‫طوا ب َما َأر َ‬ ‫َفَق َ‬
‫حنظلة غسيل المالئكة‪ :‬هو ابن أبي عامر بن صيفي بن مالك األوسى األنصاري‪ ،‬كان حديث عهد بالزواج‪ ،‬فسمع‬
‫الدعوة للجهاد‪ ،‬فخرج مسرعا دون أن يغتسل من الجنابة إلى غزوة أحد‪ ،‬ثم استُ ْش ِهد بها‪ ،‬فغسلتة المالئكة‪ ،‬وأما أبوه‬
‫الذي كان ُيدعى بالراهب فقد حضر غزوة أحد مع المشركين فاستأذن النبي في قتله فنهاه عن ذلك‪ ،‬وظل أبوه على‬
‫كفره حتى مات بالروم‪.‬‬

‫ين ِإن‬ ‫ِ‬


‫َعَل ْو َن ِإن ُكنتُم ُّم ْؤ ِمن َ‬‫هنوا َوَال تَ ْح َزُنوا َوأَنتُ ُم األ ْ‬
‫(وَال تَ ُ‬
‫لكن هللا نصرهم أخي ار فانتصروا‪ .‬وإليه يشير قوله تعالى َ‬
‫ّللَاُ َال‬
‫اء َو َّ‬ ‫ام ُنوا َوَيتَّ ِخ َذ ِم ُ‬ ‫اس ولِيعَلم َّ َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نك ْم ُش َه َد َ‬ ‫ين َء َ‬‫ّللَاُ الذ َ‬ ‫َّام ُن َداولُ َها َب ْي َن الن َ َ ْ َ‬
‫َي ْم َس ْس ُك ْم َق ْرٌح َفَق ْد َم َّس اْلَق ْوَم َق ْرٌح م ْثلُ ُه َوتْل َك األَي ُ‬
‫ين)‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُيح ُّب الظالم َ‬
‫مما يستفاد من غزوة أحد‬

‫‪ )1‬طاعة الرسول صلى هللا عليه وسلم وعدم عصيانه‬


‫‪ )2‬ليعلم هللا المؤمنين ويتخذ منهم شهداء‪.‬‬
‫‪ )3‬ولتأديب المسلمين أن األيام يداولها هللا بين الناس‪.‬‬
‫‪ )4‬ما كان عليه الجاهليون من أخالق عليا حيث يعتذر أبو سفيان عما صنعته امرأته من تمثيل بالقتلى‪.‬‬

‫شهداء بئر معونة وأصحاب الرجيع‬

‫السبب‪ :‬وبعد ما أصاب المسلمين من ابتالء في أحد‪ ،‬ظنت القبائل خارج المدينة في الجزيرة العربية أنها تستطيع أن‬
‫تُوقع بالمسلمين أمثالها‪ ،‬فأخذوا يكيدون‪ ،‬ويظهرون خالف ما يبطنون‪.‬‬

‫(الرجيع) ماء لقبيلة هذيل قرب مكان وهو موضع بين عسفان ومكة‪ ،‬كانت الوقعة عنده فسميت به‪ .‬و(بئر معونة)‬
‫قبائل ِرعل ‪ -‬بكسر الراء وذكوان وغيرهم‪ ،‬وتعرف‬
‫ُ‬ ‫وح َّرِة بني سليم‪ ،‬حيث غدر بالقراء‪:‬‬
‫هي بين أرض بني عامر َ‬
‫صحابيا‪ .‬و(الرجيع) و (بئر معونة) متقاربتان في الزمان والمكان؛ حتى إن‬
‫ً‬ ‫بسرية القراء الذين كان عددهم سبعين‬
‫بعض مصنفي السير خلط بينهما‪ .‬والرجيع قبل بئر معونة على المشهور‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫فوز القراء بالشهادة فى سبيل هللا‬

‫‪ )1‬ضرورة بث الدعوة جعلت النبي ﷺ ليتسجيب ألبي براء؛ عامر بن مالك الملقب بـ( مالعب األسنة) حين عرض‬
‫عليه أن ُيرسل وفدا من الدعاة ينشرون اإلسالم بين قبائل نجد‪ .‬قال أبو براء للنبي ﷺ‪" :‬أنا لهم جار" كأنه يضمن‬
‫سالمتهم‪.‬‬
‫‪ )2‬وخرج الدعاة من المدينة حتى بلغوا (بئر معونة) وكانوا سبعين من خيار المسلمين ُيعرفون بالقراء‪ .‬غدر بهم وُقتل‬
‫الس َال ُم وأخبره‬ ‫جميعهم إال عمرو بن أمية الضمري أسر ثم ترك‪ .‬ولما قدم عمرو على الرسول َعَل ْي ِه َّ‬
‫الص َالةُ َو َّ‬
‫َخِبر عَّنا ِإ ْخواننا ِبما ر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َينا‬ ‫َ ََ َ َ‬ ‫َص َح َاب ُك ْم َق ْد أُص ُيبوا ‪َ ،‬وإَِّن ُه ْم َق ْد َسأَلُوا َرب ُ‬
‫َّه ْم َفَقالُوا‪َ :‬ربََّنا أ ْ ْ َ‬ ‫الخبر‪ ،‬قال النبي للناس‪« :‬إ َّن أ ْ‬
‫يت َعَّنا) ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َع ْن َك َوَرض َ‬
‫‪ )3‬وفى طريق عمرو إلى المدينة لقي رجلين ظنهما من بني عامر فقتلهما ثائ ار ألصحابه‪ ،‬ثم تبين أنهما من بني‬
‫َديَّن ُهما) وانشغلﷺ بجمع دياتها من‬
‫كالب وأنها معاهدين للمسلمين‪ .‬ثم قال النبي لعمرو‪َ(:‬لَق ْد َق َتْل َت َقتيَل ْي ِن أل َ‬
‫المسلمين وحلفائهم اليهود‪.‬‬

‫عاصم بن ثابت ورفاقه واالقتداء بصنيعهم‬

‫‪ )1‬كذلك فى أول السنة الرابعة بعث الرسول عيونا إلى مكة وهم عشرة رجال‪ :‬عاصم بن ثابت بن أبى األقلح وهو‬
‫وح َب ْيب بن عدى األنصاري‪ ،‬وزيد بن الدينة األنصاري‪ ،‬وخالد بن بكير حليف‬
‫أميرهم ومرثد بن أبي مرثد الغنوي‪ُ ،‬‬
‫بني عدي بن كعب‪ ،‬وعبدهللا بن طارق بن عمرو بن مالك البلوى‪ ،‬ومعتب بن عبيد أخو عبدهللا بن طارق ألمه‪.‬‬
‫بالس َح ِر فأكلوا تمر عجوة فسقطت نواة باألرض‪ ،‬فجاءت امرأة من هذيل ترعى غنما‪ ،‬فرأت النواة فأنكرت‬
‫‪ )2‬فنزلوا َّ‬
‫صغرها‪ ،‬وقالت‪ :‬هذا تمر يثرب فصاحت في قومها أتيتُم‪ ،‬فجاءوا في طلبهم‪ ،‬وكان ذلك بمكان يسمي (الهداة‬
‫وعسفان على سبعة أميال منها‪.‬‬
‫(‪ )٨5‬بين مكة ُ‬
‫‪ )3‬أما عاصم أميرهم وستة معه منهم لم يستسلموا لألسر بل آثروا القتال‪ .‬فقال عاصم‪( :‬أما أنا فلن أنزل في ذمة‬
‫عهدا من مشرك‪ ،‬اللهم أخبر عنا رسولك‪ ،‬اللهم إني أحمي لك اليوم دينك؛ فاحم لي جسدى) أي‬
‫كافر‪ ،‬وال أقبل ً‬
‫من أيدي المشركين‪.‬‬

‫استجابة هللا لدعوة عاصم‪ :‬أخبر هللا رسوله خبره‪ ،‬فلم يقدروا على مس شيء منه‪ ،‬حيث أرادت هذيل قطع رأسه‬
‫وجالس ابني طلحة العبدري اللذين قتلهما عاصم يوم أحد‪،‬‬ ‫ليبيعوه المرأة يقال لها‪ :‬سالفة بنت سعد؛ أم مسافع ُ‬
‫وكانت نذرت لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن الخمر في قحفه‪ ،‬فأرسل هللا على جسده مثل الظلة من ِ‬
‫الد ْبر ‪-‬‬
‫جماعة النحل والزنابير‪ -‬حتى صارت كالسحابة كلما اقتربوا منه طارت في وجوههم تلدغهم‪ .‬فبعث هللا الوادي سيال‬
‫فاحتمل عاصماً فذهب به‪ ،‬وكان عمر يقول لما بلغه خبره‪ :‬يحفظ هللا العبد المؤمن بعد وفاته كما حفظه في حياته‪.‬‬
‫‪17‬‬

‫أما الثالثة الباقية من العشرة‪ :‬أي عبدهللا بن طارق‪ ،‬وزيد بن الدثنة‪ ،‬وخبيب بن عدي‪ .‬فهم في بادئ األمر قد رضوا‬
‫بالرخصة بدل العزيمة حيث استسلموا لألسر وثوقا بعهد المشركين وميثاقهم‪ .‬لكن المشركين غدروا بهم‪.‬‬

‫‪ )1‬أما عبد هللا بن طارق‪ :‬فقد استشهد عندما أبى أن يصحبهم‪ ،‬سحبوه عنفا وجروه وقيل‪ :‬رموه بالحجارة حتى قتل‪.‬‬
‫ِ‬
‫الدينة‪ :‬فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه أمية بن خلف‪.‬‬ ‫‪ )2‬وأما زيد بن‬
‫‪ )3‬وأما خبيب بن عدى‪ :‬فاشتراه بنو الحارث بن عامر بن نوفل ليقتلوه بأبيهم الحارث الذي قتله خبيب يوم بدر‪.‬‬
‫ال لهم ُخ َب ْي ٌب‪َ :‬د ُعو ِن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الح َرِم ل َيْقُتلُوهُ في الحل ‪-‬فى التنعيم‪َ -‬ق َ‬ ‫• جاء فى حديث أبي هريرة الطويل‪َ :‬فَلما َخ َر ُجوا ِبه م ْن َ‬
‫ص ِه ْم‬‫الله َّم أَح ِ‬
‫َّ‬ ‫َن تَ ْح ِس ُبوا أ َّ ِ‬ ‫أُصلِي رْكعتي ِن‪َ ،‬فترُكوه َفرَكع رْكعتي ِن َفَقال‪ :‬و َّ ِ‬
‫ال‪ْ ُ :‬‬ ‫َن َما بي َج َزعٌ َل ِزْد ُت‪ ،‬ثُ َّم َق َ‬ ‫ّللَا َل ْوال أ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ ُ َ َ َ َ َ ْ‬ ‫َ َ َ َْ‬
‫نب َك ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َرِعي‬ ‫ان َّّلل َم ْ‬‫ين أَ ْق َتل مسلما** َعَلى أَي َج ٍ َ‬ ‫ول‪َ :‬فَل ْس ُت أ ََبالي ح َ‬ ‫َع َد ًدا‪َ ،‬وا ْق ُتْل ُه ْم َب َد ًدا‪َ ،‬وَال تُْب ِق م ْن ُه ْم أ َ‬
‫َح ًدا‪ ،‬ثُ َّم أ َْن َشأَ َيُق ُ‬
‫طب لم يتغير منه شيء‪،‬‬
‫• وأرسل النبي المقداد والزبير في إنزال ُخبيب عن خشبته‪ ،‬فحمله الزبير على فرسه وهو َر ْ‬
‫فلحق بهم المشركون فقذفه الزبير فابتلعت األرض جثمانه فسمي ”بليع األرض“‪.‬‬

‫مما يستفاد من القصة‬

‫‪ )1‬أن لألسير المسلم أال يمكن من نفسه العدو ولو أدى ذلك إلى قتله حياة إذا أراد األخذ بالعزيمة‪ ،‬فإن رغب في‬
‫الرخصة فله أن يقع في األسر‪ ،‬قال الحسن البصري‪ :‬ال بأس بذلك‪ ،‬وكرهه سفيان الثوري‪.‬‬
‫‪ )2‬أن المؤمن يفي للمشركين بالعهد‪،‬‬
‫‪ )3‬وأنهم مع كفرهم كانوا يعظمون الحرم واألشهر الحرم حيث أخرجوا خبيبا من الحرم عند قتله‪.‬‬
‫‪ )4‬قوة اليقين والثبات على المعتقد‪ ،‬حيث صلى ركعتين قبل القتل‪.‬‬
‫‪ )5‬أن هللا عز وجل استجاب دعاء عاصم وأصحابه‪ ،‬وأكرمهم في حياتهم وبعد استشهادهم‪.‬‬

‫غزوة الخندق وبداية االستقرار‬

‫‪ )1‬وهي تسمى بغزوة األحزاب ألن قريشا انضم إليهم قبائل أخرى واليهود والمنافقون‪ .‬وسميت بالخندق‪ :‬ألن المسلمين‬
‫حفروا الخندق حول المدينة‪.‬‬
‫‪ )2‬والسبب‪َّ :‬‬
‫أن مجموعة من يهود بني النضير ممن أجالهم النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬من المدينة‪ ،‬ذهبوا إلى‬
‫مكة‪ ،‬لتحريض المشركين على القتال‪ ،‬بهدفهم القضاء على اإلسالم واستئصاله بشكل نهائي‪.‬‬
‫ّللَاِ ِإَلى الخندق َفِإ َذا اْل ُم َها ِج ُرو َن‬
‫ول َّ‬‫‪ )3‬وفي حديث أنس بن مالك رضي هللا َع ْن ُه المتفق عليه يقول‪َ :‬خ َرَج َرُس ُ‬
‫ص ِب َواْل ُجوِع‬ ‫لهم َف َال َأرَى َما ِب ِه ْم ِم ْن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الن َ‬ ‫يد َي ْع َملُو َن َذل َك ْ‬ ‫معه ْم َعِب ٌ‬
‫ص ُار َي ْحف ُرو َن في َغ َداة َب ِارَدة َفَل ْم َي ُك ْن ُ‬ ‫َواأل َْن َ‬
‫ص ِار َواْل ُم َها ِج َره)‪.‬‬ ‫ش ْاآل ِخره‪َ ،‬ف ْ ِ‬ ‫َقال َّ‬
‫‪(:‬الل ُه َّم ِإ َّن اْل َع ْي َ‬
‫اغف ْر ْلأل َْن َ‬ ‫َُ‬ ‫ش َع ْي ُ‬ ‫َ‬
‫‪18‬‬

‫من نماذج الشدائد التى واجهها المسلمون فى الخندق ‪:‬ما أخرج اإلمام أحمد بسند حسن‪ ،‬من حديث البراء بن‬
‫الخ ْند ِق ال تَأ ُ ِ‬ ‫الخ ْند ِق‪َ ،‬قال‪ :‬وعرض َلنا ص ْخرةٌ ِفي م َك ٍ ِ‬ ‫عازب رضي هللا عنه قال‪ :‬أَمرنا رسول َّ ِ‬
‫يها‬
‫ْخ ُذ ف َ‬ ‫ان م ْن َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ََ َ َ َ َ‬ ‫ّللَا ِب َحْف ِر َ َ‬ ‫َََ َ ُ ُ‬ ‫ُ َْ ُ‬
‫ال‪ِ « :‬ب ْس ِم‬ ‫الص ْخرِة‪َ ،‬فأ َ ِ‬ ‫ول هللاِ ‪َ ،‬فجاء رسول َّ ِ‬ ‫اْلمع ِاول‪َ ،‬قال‪َ :‬ف َش َكو َها ِإَلى رس ِ‬
‫َخ َذ اْلم ْع َو َل َفَق َ‬ ‫ط ِإَلى َّ َ‬ ‫ض َع ثَ ْوَب ُه‪ ،‬ثُ َّم َه َب َ‬‫ّللَا َف َو َ‬ ‫َ َ َُ ُ‬ ‫َُ‬ ‫ْ‬ ‫ََ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يح َّ‬
‫الشامِ‪ ،‬و َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ورَها اْل ُح ْم َر م ْن‬
‫صَ‬ ‫ّللَا إني َأل ُْبص ُر ُق ُ‬ ‫َ‬ ‫يت َمَفات َ‬ ‫ُعط ُ‬ ‫«ّللَاُ أَ ْك َب ُر‪ ،‬أ ْ‬
‫ال‪َّ :‬‬ ‫الح َج ِر‪َ ،‬وَق َ‬ ‫ض ْرَب ًة َف َك َس َر ُثُل َث َ‬
‫ض َر َب َ‬ ‫ّللَا‪َ ،‬ف َ‬
‫ّللَاِ ِإِني‬
‫يح َف ِار َس‪َ ،‬و َّ‬ ‫ِ‬
‫يت َمَفات َ‬ ‫ُعط ُ‬
‫«ّللَا أَ ْكبر‪ ،‬أ ِ‬
‫ال‪ْ ُ َ ُ َّ :‬‬ ‫ُخ َرى َف َك َس َر ُثلُ َث اْل َح َج ِر َفَق َ‬ ‫ض َر َب أ ْ‬
‫ِ‬
‫ال‪ِ« :‬ب ْس ِم هللا‪َ ،‬و َ‬ ‫ان َه َذا‪ ،‬ثُ َّم َق َ‬‫َم َك ِ‬
‫الح َج ِر‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ان ه َذا»‪ ،‬ثُ َّم َقال‪ِ« :‬بس ِم َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُخ َرى َفقَل َع َبقَّي َة َ‬ ‫ض ْرَب ًة أ ْ‬ ‫ض َر َب َ‬‫ّللَا‪َ ،‬و َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ض م ْن َم َك ِ َ‬ ‫قص َرَها ْاأل َْب َي َ‬
‫الم َدائ َن َوأ ُْبص ُر ْ‬ ‫أل ُْبص ُر َ‬
‫ص ْن َعاء ِم ْن َم َك ِ‬ ‫ِ‬ ‫«ّللَا أَ ْكبر‪ ،‬أُع ِطيت مَف ِاتيح اْليم ِن‪ ،‬و َّ ِ ِ‬
‫ان َه َذا»‪.‬‬ ‫اب َ َ‬ ‫ّللَا ِإني أل ُْبص ُر أ َْب َو َ‬ ‫ال‪َ َ َ َ َ ُ ْ ُ َ ُ َّ :‬‬ ‫َفَق َ‬
‫وهذه اللمحة من الشدائد التي تعرض لها المسلمون في هذه الغزوة‪ :‬فيها تعليم وتأديب للخلف بعدم االجتراء بتمني‬
‫يم‬ ‫ِ ِ‬
‫حضور تلك المشاهد يوضحها لنا حذيفة بن اليمان رضي هللا عنه في الحديث الذي أخرجه مسلم بسنده إلى‪ :‬إ ْب َراه َ‬
‫يه‪َ ،‬قال‪ُ :‬كَّنا ِعند ح َذيَف َة‪َ ،‬فَقال رجل‪َ :‬لو أَدرْكت رسول َّ ِ‬ ‫بن ي ِزيد التَّي ِم ِي‪ ،‬عن أَِب ِ‬
‫ال ُح َذ ْيَفةُ‪ :‬أ َْن َت‬ ‫ّللَا َق َاتْل ُت َم َع ُه َوأَْبَل ْي ُت‪َ ،‬فَق َ‬ ‫َ َ ُ ٌ ْ َْ ُ َ ُ َ‬ ‫َْ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ َ‬
‫ول هللاِ ‪ :‬أ ََال‬ ‫ال َرُس ُ‬‫يح َشد َيدةٌ َوُقٌر ‪ -‬أي‪ :‬برد ‪َ ،‬فَق َ‬
‫اب‪ ،‬وأَخ َذ ْتنا ِر ِ‬
‫َح َز ِ َ َ َ ٌ‬
‫ول َّ ِ‬
‫ّللَا َلْيَل َة ْاأل ْ‬
‫نت تَْفعل َذلِ َك؟ َلَق ْد أرَْيتَُنا مع رس ِ‬
‫ََ َُ‬ ‫َ‬ ‫ُك َ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫بر اْلَقو ِم جعَله هللا م ِعي يوم اْل ِقي ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ال النبي‪ُ« :‬ق ْم َيا‬ ‫َحٌد ‪-‬إلى أن قال ‪َ-‬فَق َ‬ ‫امة؟ َف َس َك َتنا َفَل ْم ُي َج ْي ُه مَّنا أ َ‬ ‫َر ُج ٌل َيأْتيني ب َخ ِ ْ َ َ ُ ُ َ َ ْ َ َ َ‬
‫َمشي ِفي‬ ‫َّ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ُح َذ ْيَف ٌة‪َ ،‬فأِْتَنا ِب َخ ِ‬
‫ِ‪،‬وَال تَ ْذ َع ْرُه ْم َعَل َّي أي‪ :‬ال تعلمهم بنفسك‪ .‬قال‪ :‬فلما َول ْي ُت م ْن ع ْنده َج َعْل ُت َكأَنما أ ْ‬ ‫بر اْلَق ْوم َ‬
‫َن أ َْرِم َي ُه‪،‬‬ ‫ض ْع ُت س ْهما ِفي َكِب ِد اْلَق ْو ِ‬
‫س َفأ ََرْد ُت أ ْ‬ ‫الن ِار ‪-‬أي‪ :‬يدفئه‪َ ،‬ف َو َ‬ ‫صِلي َ‬
‫ظ ْه َرهُ ِب َّ‬ ‫َح َّما ِم َحتَّى أَتَ ْيتُ ُه ْم‪َ ،‬ف َأرَْي ُت أََبا ُس ْف َي َ‬
‫ان َي ْ‬
‫َ‬
‫ول هللاِ ‪َ :‬وَال تَ ْذ َع ْرُه ْم َعَل َّي‪...‬الخ‪.‬‬ ‫َف َذ َكر ُت َقول رس ِ‬
‫ْ ْ َ َُ‬
‫وكانت النتيجة ما يأتي‪:‬‬

‫ود َفأ َْرَسْل َنا‬ ‫ِ‬ ‫‪ )1‬أن هللا نصرهم فانتصروا وفيها يقول تعالى‪( :‬يـٰأيها َّال ِذين ءامنوا ا ْذ ُكروا ِنعم َة َّ ِ‬
‫اء ْت ُك ْم ُج ُن ٌ‬ ‫ّللَا َعَل ْي ُك ْم إ ْذ َج َ‬ ‫ُ َْ‬ ‫َ َ َُ‬
‫ين َكَف ُروا ِب َغ ْي ِظ ِه ْم َل ْم َي َناُلوا‬ ‫َّ ِ‬
‫تعالى(وَرَّد هللاُ الذ َ‬
‫َ‬ ‫ير) إلى قوله‬ ‫ص ًا‬‫ّللَا ِبما تَعمُلو َن ب ِ‬
‫َ‬ ‫ان َّ ُ َ ْ َ‬
‫عَليهم ِريحا وجن َّ‬
‫ودا ل ْم تََرْو َها َوَك َ‬ ‫َ ُُ ً‬ ‫َْ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان هللاُ َق ِويًّا َع ِز ًيزا)‬‫ال َوَك َ‬‫ين اْلقتَ َ‬ ‫ّللَاُ اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫َخ ْي ًار َوَكَفى َّ‬
‫اب ِمن‬ ‫َه ِل اْل ِكتَ ِ‬ ‫ظاهر ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫وهم م ْن أ ْ‬ ‫ين َ َ ُ ُ‬ ‫َنزَل الذ َ‬ ‫(وأ َ‬
‫‪ )2‬كما حلت النقمة بيهود بني ‪ .‬قريظة؛ لنقضهم العهد قال سبحانه‪َ :‬‬
‫ئوها‬
‫ط َ‬ ‫ضا َّل ْم تَ َ‬ ‫اله ْم َوأ َْر ً‬‫َم َو ُ‬
‫ِ‬
‫ض ُه ْم َود َي َارُه ْم َوأ ْ‬ ‫الر ْع َب َف ِريًقا تَْق ُتلُو َن َوتَأ ِْسُرو َن َف ِريًقا َوأ َْوَر ُ‬
‫ثك ْم أ َْر َ‬ ‫ف ِفي ُقلُوبِ ِه ُم ُّ‬ ‫ِ‬
‫ص َياصي ِه ْم َوَق َذ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ّللَاُ َعَلى ُك ِل َشيء َقد ًيرا)‬ ‫ان َّ‬
‫ْ‬ ‫َوَك َ‬
‫‪ )3‬وكان ذلك بحكم سعد بن معاذ بن النعمان‪ :‬أبي عمرو األنصاري‪ ،‬سيد األوس الذي ُرمى بسهم يوم الخندق‪،‬‬
‫َ‬
‫شهر حتى حكم في بني قريظة‪ ،‬وأجيبت دعوته في ذلك‪ ،‬ثم انتقض ُج ْر ُحه فمات شهيدا‪.‬‬ ‫وعاش بعد ذلك ًا‬

‫صلح الحديبية والدعوة العملية داخل وخارج الجزيرة العربية‪.‬‬

‫كان غزوة األحزاب أول بشائر الفتح حيث قال عليه الصالة والسالم‪ :‬اآلن نغزوهم وال يغزوننا نحن نسير إليهم‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫سبب قبول قريش للصلح‪ :‬ما لقوا من الهزيمة فى الخندق جعلهم يطلبون الصلح لما أروا من ضعفهم تجاه المسلمين‪.‬‬

‫والسبب أيضا‪ :‬أنه في شهر ذي القعدة من العام السادس للهجرة‪ ،‬أعلن النبي ﷺ أنه يريد المسير إلى مكة ألداء‬
‫العمرة وذلك بعد رؤيته في منام أنه يطوف بالبيت الحرام‪.‬‬

‫‪ )1‬فلما نزل النبي ﷺ بالحديبية‪ ،‬ثم أرسل عثمان بن عفان إلى قريش وقال له‪"( :‬أخبرهم أنا لم نأت لقتال‪ ،‬وإنما جئنا‬
‫َم َره أن يأتي رجاالً بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات‪ ،‬فيبشرهم بالفتح)‬
‫عمارا‪ ،‬وادعهم إلى اإلسالم‪ ،‬وأ َ‬
‫‪ )2‬فانطلق عثمان‪ ،‬فأتى قريشاً‪ ،‬فأخبرهم بكالم رسول هللا ﷺ ولكن احتبسته قريش فتأخر في الرجوع إلى المسلمين‪،‬‬
‫فخاف النبيﷺ عليه‪ ،‬وخاصة بعد أن شاع أنه قد قتل فدعا إلى البيعة‪ ،‬فتبادروا إليه‪ ،‬وهو تحت الشجرة‪ ،‬فبايعوه‬
‫على أن ال يفروا‪ ،‬وهذه هي بيعة الرضوان‪.‬‬
‫‪ )3‬ثم أرسل قريش سهيل بن عمرو لصلح‪ ،‬فلما رآه النبي قال‪:‬قد سهل لكم أمركم أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل‪.‬‬
‫‪ )4‬فلما اتفق الطرفان على الصلح دعا رسول هللا علي بن أبي طالب فقال له‪ « :‬اكتب‪ :‬بسم هللا الرحمن الرحيم »‪.‬‬
‫‪ )5‬فقال سهيل‪ :‬أما الرحمن‪ ،‬فما أدري ما هو؟ ولكن اكتب‪ :‬باسمك اللهم كما كنت تكتب‪ .‬فقال المسلمون‪ :‬وهللا ال‬
‫نكتبها إال بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬فقال‪« :‬اكتب‪ :‬باسمك اللهم » ثم قال‪ « :‬اكتب‪ :‬هذا ما قاضى عليه محمد‬
‫رسول هللا » فقال سهيل‪ :‬وهللا لو نعلم أنك رسول هللا ما صددناك عن البيت‪ ،‬ولكن اكتب محمد بن عبد هللا‪،‬‬
‫فقال‪ « :‬إني رسول هللا‪ ،‬وإن كذبتموني اكتب محمد بن عبد هللا »‪.‬‬
‫‪ )6‬ثم تمت كتابة الصحيفة على الشروط التالية‪:‬‬
‫• وأن من أراد أن يدخل في عهد قريش دخل فيه‪ ،‬ومن أراد أن يدخل في عهد محمد من غير قريش دخل فيه‪.‬‬
‫• ويمنعوا الحرب لمدة ‪ 1٠‬سنين‪.‬‬
‫• أن يعود المسلمون ذلك العام على أن يدخلوا مكة معتمرين في العام المقبل‪.‬‬
‫• عدم االعتداء على أي قبيلة أو على بعض مهما كانت األسباب‪.‬‬
‫• أن يرد المسلمون من يأتيهم من قريش مسلما بدون إذن وليه‪ ،‬وأال ترد قريش من يعود إليها من المسلمين‪ .‬ودخلت‬
‫قبيلة خزاعة في عهد محمد ﷺ‪ ،‬ودخل بنو بكر بن عبد مناة من كنانة في عهد قريش‪.‬‬

‫فلما فرغ من قضية الكتاب‪ ،‬قال ﷺ ألصحابه‪"« :‬قوموا فانحروا‪ ،‬ثم احلقوا‪ ،‬وما قام منهم رجل‪ ،‬حتى قالها ثالث‬
‫مرات‪ .‬فلما لم يقم منهم أحد‪ ،‬قام ولم يكلم أحدا منهم حتى نحر بدنه ودعا حالقه ؛ فلما أروا ذلك قاموا فنحروا‪ ،‬وجعل‬
‫بعضهم يحلق بعضاً‪ ،‬حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غما"»‪.‬‬

‫الحكمة فى موافقة الرسول على هذه البنود‪ :‬وافق الرسول على شروط المعاهدة‪ ،‬التي بدى للبعض أن فيها إجحافا‬
‫وذالً للمسلمين‪ ،‬ومنهم عمر ـ رضي هللا عنه ـ الذي قال للنبي ـ صلى هللا عليه وسلم ‪( :‬ألسنا على الحق وعدونا على‬
‫‪20‬‬

‫الباطل؟‪ ،‬قال ـ صلى هللا عليه وسلم ـ بلى‪ ،‬فقال‪َ :‬فلِ َم نعطي الدنية في ديننا إذاً؟)‪ ،‬لكن الرسول كان مدركا وموقنا أن‬
‫هذا الصلح سيكون فاتحة خير وبركة على المسلمين بعد ذلك‪ .‬ثم انصرف رسول هللا قاصدا المدينة‪ .‬فأنزل هللا على‬
‫نبيه سورة الفتح‪ ،‬في طريق عودته للمدينة المنورة‪.‬‬

‫انتشار اإلسالم بعد صلح الحديبية‬

‫أميرا‪ ،‬داخل الجزيرة‬ ‫ثم واصل النبي تبليغ دعوة اإلسالم إلى ملوك وأمراء األرض في ذلك الزمان فما ترك ملكا وال ً‬
‫ال‪ِ :‬إ َّن‬‫ّللَاُ َع ْن ُه َق َ‬
‫وخارجها إال أرسل إليه الكتاب تلو الكتاب‪ .‬أخرج مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي َّ‬
‫ّللَاِ تَ َعاَلى‪ :‬أ َْسلِم تَ ْسَل ْم‪ُ ،‬ي ْؤِت َك‬
‫وه ْم ِإَلى َّ‬ ‫الن َجاشي‪َ ،‬وإَِلى ُك ِل َجب ٍ‬
‫َّار‪َ :‬ي ْد ُع ُ‬ ‫ص َر ‪َ ،‬وإَِلى َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫ّللَا ﷺ َكتَ َب إَلى ك ْس َرى‪َ ،‬وإَِلى َق ْي َ‬
‫نِبي َّ ِ‬
‫َ َّ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ك َم َّرتَ ْي ِن‪َ ،‬فِإ ْن تََول ْي َت َف َعَل ْي َك ِإ ْث ُم األ َِريس َ‬
‫يين‪.‬‬ ‫َج َر َ‬
‫هللاُ أ ْ‬
‫بعض أحداث العام السادس‬

‫• فبعد غزوة الخندق بنحو أربعة أشهر ‪ :‬قاد النبي طائفة من أصحابه وغ از بهم بني لحيان الذين غدروا بأصحاب‬
‫الرجيع وقتلوا خبيبا وأصحابه ووصل النبي بأصحابه إلى ُع ْسَفان‪.‬‬
‫• وفى العودة من غزوة بني المصطلق سنة ست نرى موقفاً حدث بين عبدهللا بن أبى ابن سلول‪ ،‬رأس النفاق في‬
‫المدينة‪ ،‬وبين ابنه عبدهللا بن عبد هللا الصحابي البار‪.‬‬
‫• والحاصل‪ :‬أنه حدث سباب بين مهاجر وأنصاري فلما سمع النبي ذلك قال ‪” :‬ما بال دعوى الجاهلية دعوها فإنها‬
‫َع ُّز ِم ْن َها األ َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫م ْنِتنة “‪ .‬ولما سمع عبد هللا بن أبي ذلك قال و َّ ِ ِ‬
‫ال ُع َم ُر‪:‬‬ ‫َذل‪َ ،‬فَق َ‬ ‫ّللَا َلئ ْن َر َج ْع َنا ِإَلى اْل َمد َينة َل ُي ْخ ِر َج َّن ْاأل َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫النِب ُّي ‪َ :‬د ْعها ال َيتَ َحَّد ُث َّ‬ ‫ال َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ال‬
‫َص َح َاب ُه‪َ ،‬فَق َ‬‫َن ُم َح َّم ًدا َيْق ُت ُل أ ْ‬‫اس أ َّ‬
‫الن ُ‬ ‫َض ِر ْب ُعنق َه َذا ُ‬
‫المناف ِق‪َ ،‬فَق َ‬ ‫ول هللا َد ْعني أ ْ‬ ‫َيا َرُس َ‬
‫ول هللاِ اْل َع ِز ُيز‪َ ،‬فَف َعل‪ .‬الترمذي وصححه‪.‬‬ ‫الذليل‪َ ،‬وَرُس ُ‬
‫ُ‬ ‫قر أََّن َك‬ ‫ّللَاِ ال تَ ْنَقلِ ُب َحتَّى تُ َّ‬
‫ّللَاِ‪َ :‬و َّ‬
‫ّللَاِ ْب ُن َع ْب ِد َّ‬
‫نه َع ْب ُد َّ‬
‫َل ُه ْاب ُ‬
‫اب‪َ :‬لِئ ْن ِش ْئ َت َآل َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫تين َك‬ ‫• فلما رأى أباه يؤذى رسول هللا ‪ :‬قال‪ :‬يا رسول هللا َوالذي أَ ْك َرَم َك‪َ ،‬والذي أ َْن َزَل َعَل ْي َك اْلكتَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ص ْحبتَه»‪.‬‬ ‫اك‪َ ،‬وأَ ْحس ُن ُ‬ ‫ول هللا ‪َ :‬ال ‪َ ،‬وَلك ْن ِب َّر أ ََب َ‬ ‫ال َرُس ُ‬ ‫ب َأرْسه‪َ ،‬فَق َ‬
‫والحمد هلل رب العالمين‬

‫الك َتوى النيجيري‬


‫عبد المتين عبد العزيز ُ‬
‫الفرقة الرابعة قسم الحديث ‪2023\2022‬م‪.‬‬

You might also like