Professional Documents
Culture Documents
حجاب المرأة المسلمة ولباسها في الصلاة 4
حجاب المرأة المسلمة ولباسها في الصلاة 4
ولباسها في الصالة
شيخ اإلسالم
ابن تيمية
اللباس يف الصالة
وهو أخذ الزينة عند كل مسجد ،الذي يسميه الفقهاء" :باب سرت الع-ورة يف الص-الة" ،ف-إن طائف-ة من
الفقه--اء ظن--وا أن ال--ذي يس--رت يف الص--الة ه--و ال--ذي يس--رت عن أعني الن--اظرين وه--و الع--ورة ،وأخ--ذوا م--ا
يس--رت يف الص--الة من قول--ه{:وال يب--دين زينتهن إال م--ا ظه--ر منه--ا وليض--ربن خبم--رهن على جي--وهبن} مث
ق--ال{ :وال يب--دين زينتهن} يع--ين الباطن--ة {إال لبع--ولتهن} اآلي--ة ،فق--الوا :جيوز هلا يف الص--الة أن تب--دي
الزينة الظاهرة دون الباطنة.
2ـ وقال ابن عباس ومن وافقه :هي يف الوجه واليدين ،مثل الكحل واخلامت.
فقيل :جيوز النظر لغري شهوة إىل وجهها ويديها ،وهو م--ذهب أيب حنيف--ة والش--افعي ،وق--ول ىف م--ذهب
أمحد.
قال :فإن كل شيء منها عورة حىت ظفرها ،وهو قول مالك.
وحقيقة األمر أن اهلل جعل الزينة زينتني :زينة ظاهرة ،وزينة غري ظاهرة.
وك --انوا قب --ل أن ت --نزل آي --ة احلج --اب ،ك --ان النس --اء خيرجن بال جلب --اب ،ي --رى الرج --ال وجهه --ا وي --ديها،
وكان إذ ذاك جيوز هلا أن تظهر الوجه والكفني ،وكان حينئذ جيوز النظر إليها؛ ألنه حيوز هلا إظهاره.
مث ملا أنزل اهلل ـ عز وجل ـ آية احلجاب بقوله{:يأيها الن-ىب ق-ل ألزوج-ك وبنات-ك ونس-اء املؤم-نني ي-دنني
عليهن من جلبيبهن} حجب النساء عن الرجال.
وكان ذلك ملا تزوج النيب صلى اهلل عليه وسلم زينب بنت جحش ،فأرخى النيب صلى اهلل علي-ه وس-لم
السرت ،ومنع أنسا أن ينظر .
وملا اصطفى صفية بنت حيي بعد ذل-ك ،ع--ام خب-ري ،ق-الوا :إن حجبه--ا فهي من أمه--ات املؤم--نني ،وإال
فهي مما ملكت ميين--ه ،فحجبه--ا .فلم--ا أم--ر اهلل أن ال يس--ألن إال من وراء حج--اب ،وأم--ر أزواج--ه وبنات--ه
ونساء املؤمنني أن يدنني عليهن من جالبيبهن.
واجللب --اب :ه --و املالءة ،وه --و ال --ذي يس --ميه ابن مس --عود وغ --ريه :ال --رداء ،وتس --ميه العام --ة :اإلزار ـ وه --و
اإلزار الكبري الذي يغطي رأسها وسائر بدهناـ.
وق --د حكى عبي --دة وغ --ريه أهنا تدين --ه من ف --وق رأس --ها،فال تظه --ر إال عينيه --ا ،ومن جنس --ه النق --اب ،فكن
النساء ينتقنب.
فإذا كن مأمورات باجللباب لئال يعرفن ،وه-و س-رت الوج-ه ،أو س-رت الوج-ه بالنق-اب؛ ك-ان حينئ-ذ الوج-ه
واليدان من الزينة اليت أمرت أن ال تظهرها لألجانب.
فما بقي حيل لألجانب النظر ال إىل الثياب الظاهرة ،فابن مسعود ذك--ر آخ--ر األم--رين وابن عب--اس أول
األمرين.
وعلى ه-- - -ذا فقول-- - -ه {:أو نس-- - -ائهن أو م-- - -ا ملكت أمينهن} ي-- - -دل على أن هلا أن تب-- - -دي الزين-- - -ة الباطن-- - -ة
ململوكها ،وفيه قوالن:
1ـ قيل املراد اإلماء ،أو اإلماء الكتابيات ،كما قاله ابن املسيب ،ورجحه أمحد وغريه.
2ـ وقيل :هو اململوك الرجل ،كم-ا قال-ه ابن عب-اس وغ-ريه ،وه-ذا م-ذهب الش-افعي وغ-ريه ،وه-و الرواي-ة
األخرى عن أمحد ،فهذا يقتضي جواز نظر العبد إىل موالته.
وقد جاءت بذلك أحاديث ،وهذا ألجل احلاجة؛ ألهنا حمتاجة إىل خماطبة عبدها أكثر من حاجتها إىل
رؤية الشاهد والعامل واخلاطب.
فإذا جاز نظر أولئ-ك ،فنظ-ر العب-د أوىل ،وليس يف ه-ذا م-ا ي-وجب أن بك-ون حمرم-ا بس-افر هبا ،كغ-ري
أويل اإلربة ،فإهنم جيوز هلم النظر ،وليسوا حمارم يسافرون هبا.
فليس ك-ل من ج-از ل-ه النظ-ر ،ج-از ل-ه الس-فر هبا ،وال اخلل-وة هبا ،ب-ل عب-دها بنظ-ر إليه--ا للحاج-ة ،وإن
ك --ان ال خيل --و هبا وال يس --افر هبا ،فإن --ه مل خيل يف قول --ه ص --لى اهلل علي --ه وس --لم ":ال تس --افر املرأة إال م --ع
زوج أو ذي حمرم" .فإن --ه جيز ل --ه أن يتزوجه --ا إذا عت --ق ،كم جيوز ل --زوج أخته --ا أن يتزوجه --ا إذا طل --ق
أختها.
واحملرم :من حترم عليه على التأبيد ،وهلذا قال ابن عمر ( :سفر املرأة مع بعدها ضيعة).
فاآلي--ة رخص--ت يف إب--داء الزين--ة ل--ذوي احملارم وغ--ريهم ،وح--دي الس--فر ليس في--ه إال ذوو احملارم ،وذك--ر
يف اآلية{ :نسائهن أو ما ملكت أمينهن }و{ غري أوىل اإلربة } وهي ال تسافر معهم.
وقوله { :أو نسائهن} قالوا :احرتاز عن النساء املش-ركات ،فال تك--ون املش-ركة قابل--ة للمس--لمة ،وال
تدخل املشركة معهن احلمام.
لكن ق--د كن النس--وة اليهودي--ات ي--دخلن على عائش--ة وغريه--ا ،ف--ريين وجهه--ا وي--ديها ،خبالف الرج--ال،
فيك--ون ه--ذا يف الزين--ة الظ--اهرة يف ح--ق النس--اء ال--ذميات ،وليس لل--ذميات أن يطلعن على الزين--ة الباطن--ة،
ويكون الظهور والبطون حبسب ما جيوز هلا إظهاره.
وهلذا كان أقارهبا تبدي هلن الباطنة ،وللزوج خاصة ما ليس لألقارب.
وقوله{:وليضربن خبمرهن على جيوهبن} دلي-ل على أهنا تغطي العن-ق ،فيك-ون من الب-اطن ـ ال الظ-اهر ـ
ما فيه من القالدة وغريها.
فصل
فهذا سرت النساء عن الرجال ،وسرت الرجال عن الرجال ،والنساء عن النس-اء ،يف الع-ورة اخلاص-ة ،كم-ا
قال صلى اهلل عليه وسلم":ال ينظر الرجل إىل عورة الرجل ،وال تنظر املرأة إىل عورة املرأة".
وكم--ا ق--ال ":احف--ظ عورت--ك إال عن زوجت--ك أ م--ا ملكت ميين--ك" قلت :ف--إذا ك--ان الق--وم بعض--هم يف
بعض؟ قال":إن استطعت أن ال يرينها أحد فال يرينها" .قلت :فإذا كان أحدنا خاليا؟ ق--ال":فاهلل أح--ق
أن يس--تحيا من--ه" .وهنى أن يفض--ي الرج--ل إىل الرج--ل يف ث--وب واح--د ،واملرأة إىل املرأة يف ث--وب واح--د
وقال عن األوالد":مروهم بالصالة لسبع ،واضربوهم عليها لعشر ،وفرقوا بينهم يف املضاجع".
فه--ذا هني عن النظ--ر واللمس لع--ورة النظ--ري؛ ملا يف ذل--ك من القبح والفحش ،وأم--ا الرج--ال م--ع النس--اء،
فألجل شهوة النكاح ،فهذان نوعان.
ويف الصالة نوع ثالث ،فإن املرأة لو صلت وح-دها ،ك-انت م-أمورة باالختم-ار ،ويف غ-ري الص-الة جيوز
هلا كشف رأسها يف بيتها ،فأخذ الزينة يف الصالة حلق اهلل ،فليس ألحد أن يطوف بالبيت عريانا ول-و
كان وحده بالليل ،وال يصلى عريانا ولو لتحجب عن الناس ،فهذا نوع ،وهذا نوع.
وحينئ--ذ فق--د يس--رت املص--لي يف الص--الة م--ا جيوز إب--داؤه يف غ--ري الص--الة ،وق--د يب--دي يف الص--الة م--ا يس--رته
عن الرجال.
فاألول مثل املنكبني ،فإن النيب صلى اهلل عليه وسلم هنى أن يص--لي الرج--ل يف الث--وب الواح--د ليس على
عاتقه منه شيء ،فهذا حلق الصالة ،وجيوز له كشف منكبيه للرجال خارج الصالة.
وكذلك املرأة احلرة ختتمر يف الصالة ،كما ق-ال الن-يب ص-لى اهلل علي-ه وس-لم":ال يقب-ل اهلل ص-الة ح-ائض
إال خبمار" .وهي ال ختتمر عند زوجها وال عند ذوي حمارمها ،فقد جاز هلا إبداء الزينة الباطنة هلؤالء،
وال جيوز هلا يف الص-- - -الة أن تكش-- - -ف رأس-- - -ها ال هلؤالء وال لغ-- - -ريهم .وعكس ذل-- - -ك الوج-- - -ه والي-- - -دان
والق--دمان ،ليس هلا أن تب--دي ذل--ك لألج--انب على أص--ح الق--ولني ،خبالف م--ا ك--ان قب--ل النس--خ ،ب--ل ال
تبدي إال الثياب.
وأما شرت ذل-ك يف الص-الة ،فال جيب باتف-اق املس-لمني ،ب-ل جيوز هلا كش-ف الوج-ه باإلمجاع ،وإن ك-ان
من الزينة الباطنة ،وكذلك اليدان جيوز إبداؤمها يف الصالة عند مجهور العلماء ،ك--أيب حنيف--ة والش--افعي
وغريمها ،وهو إح-دى الرواي-تني عن أمحد ،وك-ذلك الق-دم جيوز إب-داؤها عن-د أيب حنيف-ة ،وه-و األق-وى،
ف--إن عائش--ة جعلت--ه من الزين--ة الظ--اهرة ،ق--الت( :الفتح :حل--ق من فض--ة تك--ون يف أص--ابع ال--رجلني) رواه
ابن أيب حامت.
فه--ذا دلي--ل على أن النس--اء كن يظه--رن أق--دامهن أوال ،فهي إذا مش--ت ق--د يظه--ر ق--دمها ،ف--إهنن مل يكن
ميش--ني يف خف--اف وأحذي--ة ،وتغطي--ة ه--ذا يف الص--الة في--ه ح--رج عظيم ،وأم س--لمة ق--الت:تص--لي املرأة يف
ثوب سابغ يغطي ظهور قدميها ،فهي إذا سجدت قد يبدو باطن القدم.
وباجلمل --ة فق --د ثبت ب --النص واإلمجاع أن --ه ليس عليه --ا يف الص --الة أن تلبس اجللب --اب ال --ذي يس --رتها إذا
ك-- -انت يف بيته-- -ا ،وإمنا ذل-- -ك إذا وجهه-- -ا وي-- -داها وق-- -دماها ،كم-- -ا كن ميش --ني أوال قب-- -ل األم --ر فإدن --اء
اجلالبيب عليهن ،فليست العورة يف الصالة مرتبطة بعورة النظر ،ال طردا وال عكسا.
وابن مس --عود ـ رض --ي اهلل عن --ه ـ ملا ق --ال :الزين --ة الظ --اهرة هي الثي --اب ،مل يق --ل :إهنا كله --ا ع --ورة ح --ىت
ظفره --ا .ب --ل ه --ذا ق --ول أمحد ،يع --ين ب --ه أهنا تس --رته يف الص --الة ،ف --إن الفقه --اء يس --مون ذل --ك "ب --اب س --رت
العورة" وليس هذا من ألفاظ الرسول ،وال يف الكتاب والسنة أن ما يسرته املصلي فهو ع-ورة ،ب-ل ق-ال
تع--اىل{:خ--ذوا زينتكم عن--د ك--ل مس--جد} .وهنى الن--يب ص--لى اهلل علي--ه وس--لم أن يط--وف ب--البيت عريان--ا
فالص-- -الة أوىل ،وس-- -ئل عن الص-- -الة يف الث-- -وب الواح-- -د ،فق-- -ال"أو لكلكم ثوب-- -ان؟" ،وق-- -ال يف الث-- -وب
الواحد":إن كان واسعا فالتحف به ،وإن كان ضيقا فاتزر به" ،وهنى أن يصلي الرج-ل يف ث-وب واح-د
وليس على عاتق--ه من--ه ش--يء ،فه--ذا دلي--ل على أن--ه ي--ؤمر يف الص--الة بس--رت الع--ورة ،والفخ--ذ وغ--ريه ،وإن
جوزنا للرجل النظر إىل ذلك.
ف--إذا قلن--ا :أح--د الق--ولني ،وه--و إح--دى الرواي--تني عن أمحد :إن الع--ورة هي الس--وأتان ،وأن الفخ--ذ ليس
بع--ورة ،فه--ذا يف ج--واز نظ--ر الرج--ل إليه--ا ،ليس ه--و يف الص--الة والط--واف ،فال جيوز أن يص--لي الرج--ل
مكش --وف الفخ --ذين ،وس --واء قي --ل :مها ع --ورة أو ال ،وال يطوف --ا عريان --ا ،ب --ل علي --ه أن يص --لي يف ث --وب
واحد،والبد من ذلك ،إن كان ضيقا اتزر به ،وإن كان واسعا التحف به ،كما أنه لو صلى وحده يف
بيت كان عليه تغطية ذلك باتفاق العلماء.
وأما صالة الرجل ب-ادي الفخ-ذين م--ع الق--درة على اإلزار ،فه--ذا ال جيوز ،وال ينبغي أن يك-ون يف ذل-ك
خالف ،ومن بىن هذا على الروايتني يف العورة ،كما فعله طائفة فق--د غلط--وا ،ومل يق--ل أمحد وال غ--ريه:
إن املصلي يصلي على هذه احلال ،كيف وأمحد يأمره بسرت املنك-بني؟ فكي-ف ي-بيح ل-ه كش-ف الفخ-ذ؟!
فهذا هذا.
وق --د اختل --ف يف وج --وب س --رت الع --ورة إذا ك --ان الرج --ل خالي --ا ،ومل خيتل --ف يف أن --ه يف الص --الة الب --د من
اللب--اس( ،وأن--ه) ال جتوز الص--الة عريان--ا م--ع الق--درة على اللب--اس باتف--اق العلم--اء،وهلذا ج--وز أمحد وغ--ريه
للع--راة أن يص--لوا قع--ودا ويك--ون إم--امهم وس--طهم ،خبالف خ--ارج الص--الة ،ه--ذا الس--رت حلرم--ة الص--الة،ال
ألجل النظر ،وق-د ق-ال الن-يب ص-لى اهلل علي-ه وس-لم يف ح-ديث هبز بن حكيم عن أبي-ه عن ج-ده ملا ق-ال:
قلت :يا رسول اهلل ،فإذا كان أحدنا خاليا؟ قال" :فاهلل أحق أن يستحيا منه من الناس".
ف--إذا ك--ان ه--ذا خ--ارج الص--الة ،فه--و يف الص--الة أح--ق أن يس--تحيا من--ه ،فتؤخ--ذ الزين--ة ملناجات--ه ـ س--بحانه
وتعالىـ وهلذا قال ابن عمر لغالمه نافع ملا رآه يصلي حاسرا :أرأيت لو خرجت إىل الناس ،كنت خترج
هكذا؟ قال :ال ،قال :فاهلل أحق من يتجمل له.
ويف احلديث الص --حيح ملا قي --ل للن --يب ص --لى اهلل علي --ه وس --لم :الرج --ل حيب أن يك --ون ثوب --ه حس --نا ونعل --ه
حسنا؟ فقال":إن اهلل مجيل حيب اجلمال".
وه --ذا كم --ا أم --ر املص --لي بالطه --ارة والنظاف --ة والطيب ،فق --د أم --ر الن --يب ص --لى اهلل علي --ه وس --لم":أ ،تتخ --ذ
املساجد يف البيوت وتنظف وتطيب" .وعلى هذا ،فيسترت يف الصالة أبل-غ مما يس-ترت الرج-ل من الرج-ل،
واملرأة من املرأة.
وهلذا أم--رت املرأة أن ختتم--ر يف الص--الة ،وأم--ا وجهه--ا وي--داها وق--دماها ،فهي إمنا هنيت عن إب--داء ذل--ك
لألج --انب ،مل تن --ه عن إبدائ --ه للنس --اء ،وال ل --ذوي احملارم ،فعلم أن --ه ليس من جنس ع --ورة الرج --ل م --ع
الرج--ل ،واملرأة ،م--ع املرأة ال--يت هني عنه--ا ألج--ل الفحش وقبح كش--ف الع--ورة ،ب--ل ه--ذا من مق--دمات
الفاحش --ة ،فك --ان النهي عن إب --دائها هني --ا عن مق --دمات الفاحش --ة ،كم --ا ق --ال اهلل تع --اىل يف اآلي --ة {ذل --ك
أزكى هلم} وق--ال يف آي--ة احلج--اب{ :ذلكم أطه--ر لقل--وبكم وقل--وهبن}فنهى عن ه--ذا س--دا للذريع--ة ،ال
أنه عورة مطلقة ،ال يف الصالة وال يف غريها ،فهذا هذا.
وأمر املرأة يف الصالة بتغطية يديها بعيد جدا ،واليدان تسجدان كما يسجد الوجه ،والنساء على عهد
الن--يب ص--لى اهلل علي--ه وس--لم إمنا ك--ان هلن قمص ،وكن يص--نعن الص--نائع والقمص عليهن ،فتب--دي املرأة
ي-ديها إذا عجنت وطحنت وخ-بزت ،ول-و ك-ان س-رت الي-دين يف الص-الة واجب-ا لبين-ه الن-يب ص-لى اهلل علي-ه
وسلم ،وكذلك القدمان ،وإمنا أمر باخلمار فقط مع القميص ،فكن يصلني يف فمصهن ومخرهن.
وأم-ا الث-وب ال-ذي ك-انت املرأة ترخي-ه ،وس-ألن عن ذل-ك الن-يب فق-ال":ش-ربا" فقلن:إذا تب-دو س-وقهن؟
فقال":ذراعا وال يزدن عليه" وقول عمر بن ربيعة :كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر
الذيول
فه-ذا ك-ان إذا خ-رجن من ال-بيوت ،هلذا س-ئل عن املرأة جتر ذيله-ا على املك-ان الق-ذر؟ فق-ال":يطه-ره م-ا
بعده" .وأما يف نفس البيت فلم تكن تلبس مثل ذلك .
كما أن اخلف--اف أختذها النس-اء بع-د ذل-ك لس-رت الس-وق إذا خ-رجن ،وهن ال يلبس-نها يف ال-بيوت ،وهلذا
قلن :إذا تبدو سوقهن ،كأن املقصود تغطية السوق؛ ألن الثوب إذا كان فوق الكعبني ب-دا الس-اق عن-د
املشي .
وقد روي":أعروا النساء يلزمن احلجال" يعين إذا مل يكن هلا ما تلبسه يف اخلروج لزمت بيتها.
وكن نساء املسلمني يصلني يف بيوهتن ،وق-د ق-ال الن-يب ":ال متنع-وا إم-اء اهلل مس-اجد اهلل ،وبي-وهتن خ-ري
هلن" ومل يؤمرن مع القمص إال باخلمر ،مل تؤمر مبا يغطي رجليها ،ال خف وال ج--ورب ،وال مبا يغطي
يديها ،ال بقفازين وال غري ذلك.
ف --دل على أن --ه ال جيب عليه --ا يف الص --الة س --رت ذل --ك إذا مل يكن عن --دها رج --ال أج --انب ،وق --د روي أن
املالئك--ة ال تنظ--ر إىل الزين--ة الباطن--ة ،ف--إذا وض--عت مخاره--ا أو قميص--ها ،مل ينظ--ر إليه--ا ،وروي يف ذل--ك
حديث عن خدجية ،فه-ذا الق-در ـ القميص واخلمارـ وه-و املأمور ب-ه حلق الص-الة ،كم-ا ي-ؤمر الرج-ل إذا
صلى يف ثوب واحد واسع أن يلتحف به ،فيغطي عورته ومنكبيه.
واملنكب--ان يف حق--ه ،ك--الرأس يف ح--ق املرأة؛ ألن--ه يص--لي يف قميص ،أو م--ا يق--وم مق--ام القميص ،وه--و يف
اإلح-- - -رام ال يلبس على بدن-- - -ه م-- - -ا يق-- - -در ل-- - -ه ،ك-- - -القميص وجلب-- - -ة ،كم-- - -ا أن املرأة ال تنتقب ،وال تلبس
القفازين ،وأما رأسه فال خيمره.
ووجه املرأة فيه قوالن يف مذهب أمحد وغريه :قيل :إنه كرأس الرجل فال يغطى.
وقي--ل :إن--ه كيدي--ه ،فال يغطى بالنق--اب ،وال--ربقع ،وحنو ذل--ك مما ص--نع على ق--دره ،وه--ذا ه--و الص--حيح،
فإن النيب مل ينه إال عن القفازين والنقاب.
وكن النساء يدنني على وجوههن ما يسرتها من الرجال من غري وضع ما جيافيه--ا عن الوج--ه ،فعلم أن
وجهه-ا كي-دي الرج-ل وي-ديها ،ذل-ك أن املرأة كله-ا ع-ورة كم-ا تق-دم ،فله-ا أن تغطي وجهه-ا وي-ديها،
ولكن بغ --ري اللب --اس املص --نوع بق --در العض --و ،كم --ا أن الرج --ل ال يلبس الس --راويل ،ويلبس اإلزار ،واهلل
سبحانه وتعاىل أعلم.اهـ.
ومن كالم--ه ـ رمحه اهلل تعالىـ يف جواب--ه واس--تنباطه من مع--اين س--ورة النورـ يف مع--ىن م--ا تق--دم قول--ه :ق--ال
تعاىل{:قل للمؤمنني يغضوا من أبص-رهم وحيفظ-وا ف-روجهم ذل-ك أزكى هلم} اآلي-ة ،إىل قول-ه{:وتوب-وا
إىل اهلل مجيع --ا أي --ه املؤمن --ون لعلكم تفلح --ون( })31ف --أمر اهلل ـ س --بحانه ـ الرج --ال والنس --اء ب --الغض من
البصر ،وحفظ الفرج ،كما أمرهم مجيعا بالتوبة.
وأم--ر النس--اء خصوص--ا باالس--تتار ،وأن ال يب--دين زينتهن إال لبع--ولتهن ومن اس--تثناه اهلل تع--اىل يف اآلي--ة،
فم--ا ظه--ر من الزين--ة ه--و الثي--اب الظ--اهرة؛ فه--ذا ال جن--اح عليه--ا يف إب--دائها ،إذا مل يكن يف ذل--ك حمذور
آخر ،فإن هذه البد من إبدائها ،وهذا قول ابن مسعود وغريه ،وهو املشهور عن أمحد.
وقال ابن عباس :الوجه واليدان من الزينة الظاهرة .وهي الرواية الثانية عن أمحد ،وهو قول طائفة من
العلماء ،كالشافعي وغريه.
وأمرـ سبحانه وتعالىـ بإرخاء اجلالبيب لئال يعرفن وال يؤذين ،وه--ذا دلي-ل على الق--ول األول ،وق-د ذك-ر
عبيدة السلماين وغريه :أن نساء املؤمنني كن ي--دنني عليهن اجلالبيب من ف--وق رؤوس--هن ح--ىت ال يظه--ر
إال عيوهنن ألجل رؤية الطريق.
وثبت يف"الص --حيح" :أن املرأة احملرم --ة تنهى عن االنتق --اب والقف --ازين ،وه --ذا مما ي --دل على أن النق --اب
والقفازين كانا معروفني يف النساء الاليت مل حيرمن ،وذلك يقتضي سرت وجوههن وأيديهن.
وق--د هنى اهلل تع--اىل عم--ا ي--وجب العلم بالزين--ة اخلفي--ة ،بالس--مع أو غ--ريه .فق--ال{:وال يض--ربن ب--أرجلهن
ليعلم م --ا خيفني من زينتهن} وق --ال{:وليض --ربن خبم --رهن على جي --وهبن} فلم --ا ن --زل ذل --ك عم --د نس --اء
املؤمنني إىل مخرهن ،فشققنهن وأرخينها على أعناقهن.
واجليب :هو شق يف طول القميص ،فإذا ضربت املرأة باخلمار على اجليب سرتت عنقها.
وأم--رت بع--د ذل--ك ت--رخي من جلباهبا ،واإلرخ--اء إمنا يك--ون إذا خ--رجت من ال--بيت ،فأم--ا إذا ك--انت يف
البيت فال تؤمر بذلك.
وق--د ثبت يف"الص--حيح" أن الن--يب ملا دخ--ل بص--فية ،ق--ال أص--حابه :إن رخى عليه--ا احلج--اب فهي من
أمهات املؤمنني ،وإن مل يضرب عليها احلجاب فهي مما ملكت ميينه .فضرب عليها احلجاب.
وق --ال تع --اىل{:والقواع --د من النس --اء آل --يت ال يرج --ون نكاح --ا فليس عليهن جن --اح أن يض --عن ثي --اهبن غ --ري
متربجت بزينة وأن يستعففن خري هلن}.
ف --رخص للعج --وز ال --يت ال تطم --ع يف النك --اح أن تض --ع ثياهبا ،فال تلقي عليه --ا جلباهبا وال حتتجب ،وإن
كانت مستثناة من احلرائر؛ لزوال املفسدة املوجودة يف غريها ،كما استثىن التابعني غ--ري أويل اإلرب-ة من
الرجال يف إظهار الزينة هلم؛ لعدم الشهوة اليت تتولد من الفتنة.
وك--ذلك األم--ة إذا ك--ان خياف هبا الفتن--ة؛ ك--ان عليه--ا أن ت--رخي من جلباهبا وحتتجب ،ووج--وب غض
البصر عنها ومنها.
وليس يف الكت --اب والس --نة إباح --ة النظ --ر إىل عام --ة اإلم --اء ،وال ت --رك احتج --اهبن وإب --داء زينتهن ،ولكن
الق --رآن مل ي --أمرهن مبا أم --ر احلرائ --ر ،والس --نة ف --رقت بالفع --ل بينهن وبني احلرائ --ر ،ومل تف --رق بينهن وبني
احلرائر بلفظ عام ،بل كانت عادة املؤمنني أن حتتجب منهم احلرائر دون اإلماء.
واس--تثىن الق--رآن من النس--اء احلرائ--ر :القواع--د ،فلم جيع--ل عليهن احتجاب--ا ،واس--تثىن بعض الرج--ال ،وهم
غ--ري أويل اإلرب--ة ،فلم مين--ع من إب--داء الزين--ة اخلفي--ة هلم ؛ لع--دم الش--هوة يف ه--ؤالء وه--ؤالء ،ف--أن يس--تثين
بعض اإلم --اء أوىل وأح --رى ،وهن من ك --انت الش --هوة والفتن --ة حاص --لة ب --رتك احتجاهبا وإب --داء زينته --ا،
وكما أن احملارم أبناء أزواجهن وحنوه ممن فيهن ش-هوة وش-غف مل جيز إب-داء الزين-ة اخلفي-ة ل-ه؛ فاخلط-اب
خرج عاما على العادة،فما خرج به عن العادة خ-رج ب-ه عن نظ-ائره ،ف-إذا ك-ان يف ظه-ور األم-ة والنظ-ر
إليها فتنة؛ وجب املنع من ذلك ،كما لو كانت يف غري ذلك.
وهكذا الرجل مع الرجال ،واملرأة مع النساء ،لو كانت يف املرأة فتنة للنساء ،ويف الرجل فتنة للرجال؛
لكان األمر بالغض الناظر من بصره متوجها ،كما بتوجه إليه األمر حبفظ فرجه.
فاإلم--اء والص--بيان إذا كن حس--انا ختش--ى الفتن--ة ب--النظر إليهم ،ك--ان حكمهم ك--ذلك ،كم--ا ذك--ر ذل--ك
العلماء.
ق--ال املروذي :قلت أليب عب--د اهلل ـ يع--ين أمحد ابن حنب--ل ـ :الرج--ل ينظ--ر إىل اململ--وك؟ ق--ال :إذا خ--اف
الفتنة مل ينظر إليه ،كم نظرة ألقت يف قلب صاحبها البالء.
وق --ال املروذي :قلت أليب عب --د اهلل :الرج --ل ت --اب وق --ال :ل --و ض-- -رب ظه-- -ري بالس --ياط م-- -ا دخلت يف
معص --ية ،إال أن --ه ال ي --دع النظ --ر ،فق --ال :أي توب --ة ه --ذه؟! ق --ال جري --ر :س --ألت رس --ول اهلل عن نظ --رة
الفجأة ،فقال"اصرف بصرك".
وق --ال ابن أيب ال --دنيا :ح --دثين أيب وس --ويد ق --اال :ح --دثنا إب --راهيم بن هراس --ة ،عن عثم --ان بن ص --احل عن
احلسن ،عن ذكوان قال :ال جتالسوا أوالد األغني-اء ،ف-إن هلم ص-ورا كص-ور النس-اء ،وهم أش-د فتن-ة من
الع--ذارى .وه--ذا االس--تدالل والقي--اس ،والتنبي--ه ب--األدىن على األعلى …،إىل أن ق--ال :وك--ذلك املرأة م--ع
املرأة ،ك--ذلك حمارم املرأة م--ع ابن زوجه--ا ،وابن--ه ،وابن أخيه--ا ،وابن أخته--ا ،ومملوكه--ا عن--د من جيعل--ه
حمرما ،مىت كان خياف عليه الفتنة أو عليها؛ توجه االحتجاب ،بل وجب.
وه--ذه املواض--ع ال--يت أم--ر اهلل باالحتج--اب فيه--ا ،مظن--ة الفتن--ة ،وهلذا ق--ال تع--اىل{:ذل--ك أزكى هلم} فق--د
حتص --ل الزك--اة والطه --ارة ب--دون ذل--ك ،لكن ه --ذا أكى .وإذا ك--ان النظ--ر وال--ربوز ق--د انتفى في--ه الزك--اة
والطه --ارة ملا يوج --د يف ذل --ك من ش --هوة القلب والل --ذة ب --النظر ؛ ك --ان ت --رك النظ --ر واالحتج --اب أوىل
بالوجوب .اهـ.
وق --ال رمحه اهلل :واهلل ـ س --بحانه ـ ق --د أم --ر يف كتاب --ه بغض البص --ر ،نوع --ان :غض البص --ر عن الع --ورة،
وغضها عن حمل الشهوة.
فاألول :كغض الرج-ال بص-ره عن ع-ورة غ-ريه ،كم-ا ق-ال الن-يب ": ال نيظ-ر الرج-ل إىل ع-ورة الرج-ل،
وال املرأة إىل عورة املرأة".
وجيب على اإلنسان أن يسرت عورته ،كما قال ملعاوية بن حيدة ":احفظ عورتك إال من زوجتك ،او
ما ملكت ميينك " .قلت :فإذا كان أحدنا مع قومه؟ قال ":إن استطعت أن ال يرينها أح--د فال يرينه--ا"
.قلت :فإذا كان أحدنا خاليا؟ قال ":فاهلل أحق أن يستحيا منه".
وهلذا إذا اغتس--ل الرج--ل وح--ده ،حبيث جيد م--ا يس--رته ،فل-ه أن يغتس--ل موس--ى عريان--ا وأي--وب ،وكم--ا يف
اغتساله يوم الفتح واغتساله يف حديث ميمونة.
وأما النوع الثاين من النظر ،كالنظر إىل الزينة الباطنة من املرأة األجنبية ،فهذا أش--د من األول ،كم--ا أن
اخلمر أشد من امليتة والدم وحلم اخلنزير ،وعلى صاحبها احلد.
وتلك احملرمات إذا تناوهلا مستحال هلا كان عليه التعزي-ز؛ ألن ه-ذه احملرم-ات ال تش-تهيها النف-وس؛ كم-ا
تش--تهي اخلم--ر ،وك--ذلك النظ--ر إىل ع--ورة الرج--ل ،ال يش--تهى كم--ا يش--تهى النظ--ر إىل النس--اء وحنوهن،
كذلك النظر إىل األمرد بشهوة ،هو من هذا الباب.
وقد اتفق العلماء على حترمي ذلك ،كما اتفقوا على حترمي النظر لألجنبية وذوات احملارم بش--هوة… إىل
أن قال :فصار النظر إىل املردان ثالثة أقسام:
والثاين :م-ا جيزم أن-ه ال ش-هوة مع-ه ،كنظ-ر الرج-ل ال-ورع إىل ابن-ه احلس-ن ،وابنت-ه احلس-نة ،وأم-ه احلس-نة،
فهذا ال تقرتن به شهوة ،إال أن يكون الرجل من أفجر الناس ،ومىت اقرتن به الشهوة؛ حرم.
وعلى ه --ذا نظ --ر من ال ميي --ل قلب --ه على املردان ،كم --ا ك --ان الص --حابة ،ك --األمم ال --ذين ال يعرف --ون ه --ذه
الفاحشة ،فإن الواحد من هؤالء ال يفرق من هذا الوجه بني نظره إىل ابنه ،وابن جاره ،وصيب أجن--يب،
ال خيطر بقلبه شيء من الشهوة؛ ألنه مل يعتد ذلك ،وهو سليم القلب من قبل ذلك.
وق--د ك--انت اإلم--اء على عه--د الص--حابة ميش--ني يف الطرق--ات متكش--فات ال--رؤوس ،وخيدمن الرج--ال م--ع
سالمة القلوب ،فلو أراد الرجل أن يرتك اإلماء الرتكي-ات احلس-ان ميش-ني بني الن-اس يف مث-ل ه-ذه البالد
واألوقات ،كما كان أولئك اإلماء ميشني؛ كان هذا من باب الفساد.
وك --ذلك املرد احلس --ان ال يص --لح أن خيرج --وا يف األمكن --ة واألزق --ة ال --يت خياف فيه --ا الفتن --ة هبم ،إال بق --در
احلاج--ة ،فال ميكن األم--رد احلس--ن من الت--ربج ،وال من اجلل--وس يف احلم--ام بني األج--انب ،وال من رقص--ه
بني الرجال ،وحنو ذلك مما فيه فتنة للناس ،والنظر إليه كذلك.
وإمنا وق --ع ال --نزاع بني العلم --اء يف القس --م الث --الث من النظ --ر ،وه --و النظ --ر إلي --ه بغ --ري ش --هوة ،لكن خ --وف
ثوراهنا ،ففي--ه وجه--ان يف م--ذهب أمحد :أص--حهما وه--و احلكي عن نص الش--افعي وغ--ريه :أن--ه ال جيوز،
والثاين :جيوز؛ ألن األصل عدم ثوراهنا ،فال حيرم بالشك ،بل قد يكره.
واألول ه--و ال--راجح ،كم--ا أن ال--راجح يف م--ذهب الش--افعي وأمحد :أن النظ--ر إىل وج--ه األجنبي--ة من غ--ري
حاجة ال جيوز ،وإن كانت الشهوة منتفية ،لكن ألنه خياف ثوراهنا ،وهلذا ح--رم اخلل--وة باألجنبي--ة؛ ألهنا
مظنة الفتنة.
واألص --ل :أن م --ا ك--ان س--ببا للفتن--ة ف--إن ال جيوز؛ ف--إن الذريع --ة إىل الفس--اد جيب س--دها إذا مل يعارض --ها
مصلحة راجحة.
وهلذا ك --ان النظ --ر ال --ذي ق --د يفض --ي إىل الفتن --ة حمرم --ا ،إال إذا ك --ان حلاج --ة راجح --ة ،مث --ل نظ --ر اخلاطب
والط--بيب وغريمها ،فإن--ه يب--اح النظ--ر للحاج--ة ،لكن م--ع ع--دم الش--هوة ،وأم--ا النظ--ر لغ--ري احلاج--ة إىل حمل
الفتنة ،فال جيوز.اهـ.
وق--ال ـ رمحه اهلل :وأم--ا األبص--ار فال ب--د من فتحه--ا والنظ--ر هبا ،وق--د يفج--أ اإلنس--ان م--ا ينظ--ر إلي--ه بغ--ري
قص--د ،فال ميكن غض--ها مطلق--ا ،وهلذا أم--ر تع--اىل عب--اده ب--الغض منه--ا ،كم--ا أم--ر لقم--ان ابن--ه ب--الغض من
صوته.
وأم--ا قول-ه{:إن ال-ذين يغض--ون أص--وهتم عن-د رس-ول اهلل} اآلي-ة ،فإن-ه م--دحهم على غض الص--وت عن-د
رسوله مطلقا ،فهم مأمورون بذلك ،ينهون عن رفع الصوت عنده ، وأما غض الصوت مطلق-ا عن-د
رس--ول اهلل ، فه--و غض خ--اص ممدوح ،وميكن العب--د أن يغض ص--وته مطلق--ا يف ك--ل ح--ال ،ومل ي--ؤمر
العبد به ،بل يؤمر برفع الصوت يف مواضع ،إما أمر إجياب ،أو استحباب.
فلهذا قال{:واغضض من صوتك} فإن الغض يف الصوت والبص--ر :مجاع م--ا ي--دخل إىل القلب وخيرج
منه ،فبالسمع يدخل القلب ،وبالصوت خيرج من-ه ،كم-ا مجع العض-وين يف وقول-ه{:أمل جنع-ل ل-ه عي-نني(
)8ولس-- -انا وش-- -فتني(})9فب-- -العني والنظ-- -ر يع-- -رف القلب األم-- -ور ،ه-- -ذا رائ-- -د القلب وص-- -احب خ --ربه
وجاسوسه ،وهذا ترمجانه.
مث قال تعاىل{:ذلكم أزكى لكم وأطهر} وقال تعاىل{:خذ من أمواهلم ص-دقة تطه-رهم وت-زكيهم هبا}
وق--ال{:إمنا يري--د اهلل لي--ذهب عنكم ال--رجس أه--ل ال--بيت ويطه--ركم تطه--ريا} وق--ال يف آي--ة االس--تئذان:
{وإن قي --ل لكم ارجع --وا ف --ارجعوا ه --و أزكى لكم} وق --ال{:فس --ئلوهن من ورآء حج --اج ذلكم أطه --ر
لقلوبكم وقلوهبن} وقال{:فقدموا بني يدى جنوكم صدقة ذلك خري لكم وأطهر}.
وقال النيب ": اللهم طهر قليب من خطاياي باملاء والثلج والربد" وقال يف دع-اء اجلن-ازة " :واغس-له مباء
وثلج وبرد ،ونقه من خطاياه كما ينقى الثوب األبيض من الدنس".
وق--ال ـ رمحه اهلل ـ وأم--ا نظ--ر الفج--أة ،فه--و عف--و إذا ص--رف بص--ره ،كم--ا ثبت يف "الص--حاح" عن جري--ر
قال :سألت رسول اهلل عن نظرة الفجأة ،فقال":اص-رف بص-رك" .ويف "الس-نن" أن-ه ق-ال لعلي ـرضي
اهلل عنه ـ ":يا علي ال تتبع النظرة النظرة ،فإمنا لك األوىل وليست لك الثانية".
ويف احلديث الذي يف "املسند" وغريه":النظر سهم مسموم من سهام إبليس" وفيه":من نظ-ر إىل حماس-ن
امرأة مث غض بصره ،أورث اهلل قلبه حالوة عبادة جيدها إىل يوم القيامة" أو كما قال.
وهلذا يق --ال :إن غض البص --ر عن الص --ورة ال --يت ينهى عن النظ --ر إليه --ا ،ك --املرأة واألم --رد احلس --ن ،ي --ورث
ذلك ثالث فوائد جليلة القدر:
إح --دامها :حالوة اإلميان ولذت --ه ال --يت هي أحلى وأطيب مما ترك --ه هلل ،ف --إن من ت --رك ش --يئا هلل عوض --ه اهلل
خريا منه.
وأم --ا الفائ --دة الثاني --ة من غض البص --ر :فه --و ي --ورث ن --ور القلب والفراس --ة ،ق --ال تع --اىل عن ق --وم ل --وط:
{لعم --رك إهنم لفى س --كرهتم يعمه --ون( })72ف --التعلق بالص --ور ي --وجب فس --اد العق --ل ،وعمى البص --رية،
وسكر القلب ،بل جنونه.
وذك--ر اهلل س--بحانه آي--ة الن--ور عقيب آي--ات غض البص--ر فق--ال*{:اهلل ن--ور الس--موات واألرض} وك--ان
شاه بن شجاع الكرماين ال ختطئ له فراسة ،وكان يقول":من عمر ظاهرة باتباع السنة ،وباطنه بدوام
املراقبة ،وغض بص-ره عن احملارم ،وك-ف نفس-ه عن الش-هوات ـ وذك-ر خص-لة خامس-ة ،أظن-ه :ه-و أك-ل
احلالل ـ مل ختطئ له فراسة".
واهلل تعاىل جيزي العب-د على عمل-ه مبا ه-و من جنس عمل-ه ،فيطل-ق ن-ور بص-ريته ،ويفتح علي-ه ب-اب العلم
واملعرفة والكشوف ،وحنو ذلك مما ينال ببصرية القلب.
الفائ--دة الثالث--ة :ق--وة القلب وثبات--ه وش--جاعته ،فيجع--ل اهلل ل--ه س--لطان البص--رية م--ع س--لطان احلج--ة ،ف--إن
الرجل الذي خيالف هواه ،يفرق الشيطان من ظله؛ وهلذا يوج-د يف املتب-ع ه-واه من ذل النفس وض-عفها
ومهانتها ما جعله اهلل ملن عصاه.
وإن اهلل جع-- -ل الع-- -زة ملن أطاع-- -ه ،والذل --ة ملن عص-- -اه ،ق --ال اهلل تع-- -اىل{:يقول --ون لئن رجعن --ا إىل املدين --ة
ليخرجن األع-ز منه-ا األذل وهلل والع-زة ولرس-وله وللمؤم-نني} وق-ال تع-اىل{:وال تنه-وا وال حتزن-وا وأنتم
األعلون إن كنتم مؤمنني(.})139
وهلذا كان من كالم الشيوخ :الناس يطلبون العز بأبواب امللوك ،وال جيدونه إال يف طاعة اهلل.
وك--ان احلس--ن البص--ري يق--ول :وإن مهلجت هبم ال--رباذين ،وطقطقت هبم البغ--ال ،ف--إن ذل املعص--ية يف
رق --اهبم ،أىب اهلل إال أن ي --ذل من عص --اه ،ومن أط --اع اهلل فق --د وااله فيم --ا أطاع --ه في --ه ،ومن عص --اه ففي --ه
قسط من فعل من عاداه مبعصية.
وقال ـ رمحه اهلل ـ وأما أهل الفواحش الذين ال يغضون أبصارهم ،وال حيفظون ف--روجهم ،فق--د وص--فهم
اهلل بض-- -د ذل-- -ك ،من الس-- -كرة ،والعم-- -ه ،واجلهال-- -ة ،وع-- -دم العق-- -ل ،وع-- -دم الرش-- -د ،والبغض ،وطمس
األبص--ار ،ه--ذا م--ع م--ا وص--فهم ب--ه من اخلبث ،والفس--وق ،والع--دوان ،واإلس--راف ،والس--وء ،والفحش،
والفس --اد ،واإلج --رام ،فق --ال عن ق --وم ل --وط{:ب --ل أنتم ق --وم جتهل --ون( })55فوص --فهم باجله --ل ،وق --ال:
{لعم-- -رك إهنم لفى س-- -كرهتم يعمه-- -ون} وق-- -ال{:أليس منكم رج-- -ل رش-- -يد( })78وق-- -ال{:فطمس-- -نا
أعينهم} وقال{:بل أنتم ق-وم مس-رفون( })81وق-ال{:ف-انظر كي-ف ك-ان عقب-ة اجملرمني( })84وق-ال:
{إهنم ك --انوا ق --وم س --وء فس --قني( })74وق --ال{:أئنكم لت --أتون الرج --ال وتقطع --ون الس --بيل وت --أتون ىف
ناديكم املنكر} إىل قوله{:انص-رىن على الق-وم املفس-دين( })30إىل قول-ه{ :مبا ك-انوا يفس-قون(})34
وقوله{:مسومة عند ربك للمسرفني(.})34
وس--ئل ش--يخ اإلس--الم ابن تيم--ة رمحه اهلل :ه--ل جيوز للنس--اء لبس العص--ائب الكب--ار ال--يت يتش--بهن بلبس--ها
بالرجال أم ال؟ وهل ورد يف حترم ذلك نص خاص ،أم ال؟
فأجاب :احلمد هلل ،أما لبس النساء العص--ائب الكب-ار فه--و ح-رام ،فق--د ثبت يف الص--حيح عن أيب هريرةـ
رضي اهلل عنه ـ عن النيب أنه قال " :صنفان من أميت مل أرمها بعد :نس-اء كاس-يات عاري-ات ،م-ائالت
مميالت ،على رؤوس --هن كأمث --ال أس --نمة البخت ،ال ي --دخلن اجلن --ة ،وال جيدن رحيه --ا .ورج --ال معهم
سياط مثل أذناب البقر يضربون هبا عباد اهلل".
ويف السنن أن النيب قال ألم سلمة وهي تعتصب ":يا أم سلمة! لية ال ليتان".
ويف الصحيح أنه قال ":لعن اهلل املتشبهات من النساء بالرجال ،واملتشبهني من الرجال بالنساء".
والنصوص عامة وخاصة بتحرمي ذلك ،وقد أخرب النيب بأن هؤالء من أهل الن-ار ،وأخ-رب هبم قب-ل أن
يكونوا ،واهلل أعلم.
وس--ئل رمحه اهلل :عن لبس النس--اء ه--ذه العم--ائم ال--يت على رؤوس--هن :ه--ل هي ح--رام؟ أو مك--روه؟ وم--ا
العمائم اليت تستحب للنساء؟ وهل جيوز هلن لبس اخلف؟
فأجاب :احلمد هلل وح-ده ،ه-ذه العم-ائم ال-يت تلبس-ها النس-اء ح-رام بال ريب ،ففي الص-حيح عن الن-يب
أنه ق-ال ":ص-نفان من أه-ل الن-ار من أم-يت مل أرمها بع-د :نس-اء كاس-يات عاري-ات م-ائالت مميالت ،على
رؤوسهن مثل أسنمة البخت ،ال يدخلن اجلنة ،وال جيدن رحيها ،ورجال معهم سياط مثل أذناب البقر
يضربون هبا عباد اهلل".
وسئل :عن املرأة إذا ظهر شيء من شعرها يف الصالة :هل تبطل صالهتا أم ال؟.
فأج--اب :إذا انكش--ف ش--يء يس--ري من ش--عرها وب--دهنا مل يكن عليه--ا اإلع--ادة عن--د أك--ثر العلم--اء ،وه--و
مذهب أيب حنيفة وأمحد.
وإن انكشف شيء كثري اع-ادت الص-الة يف ال-وقت ،عن-د عام-ة العلم-اء؛ األئم-ة األربع-ة ،وغ-ريهم ،واهلل
أعلم.
وسئل :عن املرأة إذا صلت وظاهر قدميها مكشوف :هل تصح صالهتا؟.
فأجاب :هذا فيه نزاع بني العلماء ،ومذهب أيب حنيفة :صالهتا جائزة ،وهو أحد القولني.