You are on page 1of 16

‫حجاب المرأة المسلمة‬

‫ولباسها في الصالة‬

‫شيخ اإلسالم‬

‫ابن تيمية‬
‫اللباس يف الصالة‬

‫وهو أخذ الزينة عند كل مسجد‪ ،‬الذي يسميه الفقهاء‪" :‬باب سرت الع‪-‬ورة يف الص‪-‬الة"‪ ،‬ف‪-‬إن طائف‪-‬ة من‬
‫الفقه‪--‬اء ظن‪--‬وا أن ال‪--‬ذي يس‪--‬رت يف الص‪--‬الة ه‪--‬و ال‪--‬ذي يس‪--‬رت عن أعني الن‪--‬اظرين وه‪--‬و الع‪--‬ورة‪ ،‬وأخ‪--‬ذوا م‪--‬ا‬
‫يس‪--‬رت يف الص‪--‬الة من قول‪--‬ه‪{:‬وال يب‪--‬دين زينتهن إال م‪--‬ا ظه‪--‬ر منه‪--‬ا وليض‪--‬ربن خبم‪--‬رهن على جي‪--‬وهبن} مث‬
‫ق‪--‬ال‪{ :‬وال يب‪--‬دين زينتهن} يع‪--‬ين الباطن‪--‬ة {إال لبع‪--‬ولتهن} اآلي‪--‬ة‪ ،‬فق‪--‬الوا‪ :‬جيوز هلا يف الص‪--‬الة أن تب‪--‬دي‬
‫الزينة الظاهرة دون الباطنة‪.‬‬

‫والسلف قد تنازعوا يف الزينة الظاهرة على قولني‪:‬‬

‫‪1‬ـ فقال ابن مسعود ومن وافقه‪ :‬هي الثياب‪.‬‬

‫‪2‬ـ وقال ابن عباس ومن وافقه‪ :‬هي يف الوجه واليدين‪ ،‬مثل الكحل واخلامت‪.‬‬

‫وعلى هذين القولني تنازع الفقهاء يف النظر إىل املرأة األجنبية‪:‬‬

‫فقيل‪ :‬جيوز النظر لغري شهوة إىل وجهها ويديها‪ ،‬وهو م‪--‬ذهب أيب حنيف‪--‬ة والش‪--‬افعي‪ ،‬وق‪--‬ول ىف م‪--‬ذهب‬
‫أمحد‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬ال جيوز‪ ،‬وهو ظاهر مذهب أمحد‪.‬‬

‫قال‪ :‬فإن كل شيء منها عورة حىت ظفرها‪ ،‬وهو قول مالك‪.‬‬

‫وحقيقة األمر أن اهلل جعل الزينة زينتني‪ :‬زينة ظاهرة‪ ،‬وزينة غري ظاهرة‪.‬‬

‫وجوز هلا إبداء زينتها الظاهرة لغري الزوج‪ ،‬وذوي احملارم‪.‬‬

‫وأما الباطنة‪ ،‬فال تبدى إال للزوج‪ ،‬وذوي احملارم‪.‬‬

‫وك ‪--‬انوا قب ‪--‬ل أن ت ‪--‬نزل آي ‪--‬ة احلج ‪--‬اب‪ ،‬ك ‪--‬ان النس ‪--‬اء خيرجن بال جلب ‪--‬اب‪ ،‬ي ‪--‬رى الرج ‪--‬ال وجهه ‪--‬ا وي ‪--‬ديها‪،‬‬
‫وكان إذ ذاك جيوز هلا أن تظهر الوجه والكفني‪ ،‬وكان حينئذ جيوز النظر إليها؛ ألنه حيوز هلا إظهاره‪.‬‬

‫مث ملا أنزل اهلل ـ عز وجل ـ آية احلجاب بقوله‪{:‬يأيها الن‪-‬ىب ق‪-‬ل ألزوج‪-‬ك وبنات‪-‬ك ونس‪-‬اء املؤم‪-‬نني ي‪-‬دنني‬
‫عليهن من جلبيبهن} حجب النساء عن الرجال‪.‬‬
‫وكان ذلك ملا تزوج النيب صلى اهلل عليه وسلم زينب بنت جحش‪ ،‬فأرخى النيب صلى اهلل علي‪-‬ه وس‪-‬لم‬
‫السرت‪ ،‬ومنع أنسا أن ينظر ‪.‬‬

‫وملا اصطفى صفية بنت حيي بعد ذل‪-‬ك‪ ،‬ع‪--‬ام خب‪-‬ري‪ ،‬ق‪-‬الوا‪ :‬إن حجبه‪--‬ا فهي من أمه‪--‬ات املؤم‪--‬نني ‪ ،‬وإال‬
‫فهي مما ملكت ميين‪--‬ه‪ ،‬فحجبه‪--‬ا‪ .‬فلم‪--‬ا أم‪--‬ر اهلل أن ال يس‪--‬ألن إال من وراء حج‪--‬اب‪ ،‬وأم‪--‬ر أزواج‪--‬ه وبنات‪--‬ه‬
‫ونساء املؤمنني أن يدنني عليهن من جالبيبهن‪.‬‬

‫واجللب ‪--‬اب‪ :‬ه ‪--‬و املالءة‪ ،‬وه ‪--‬و ال ‪--‬ذي يس ‪--‬ميه ابن مس ‪--‬عود وغ ‪--‬ريه‪ :‬ال ‪--‬رداء‪ ،‬وتس ‪--‬ميه العام ‪--‬ة‪ :‬اإلزار ـ وه ‪--‬و‬
‫اإلزار الكبري الذي يغطي رأسها وسائر بدهناـ‪.‬‬

‫وق ‪--‬د حكى عبي ‪--‬دة وغ ‪--‬ريه أهنا تدين ‪--‬ه من ف ‪--‬وق رأس ‪--‬ها‪،‬فال تظه ‪--‬ر إال عينيه ‪--‬ا‪ ،‬ومن جنس ‪--‬ه النق ‪--‬اب‪ ،‬فكن‬
‫النساء ينتقنب‪.‬‬

‫ويف "الصحيح"‪ " :‬أن احملرمة ال تنتقب وال تلبس القفازين"‪.‬‬

‫فإذا كن مأمورات باجللباب لئال يعرفن‪ ،‬وه‪-‬و س‪-‬رت الوج‪-‬ه‪ ،‬أو س‪-‬رت الوج‪-‬ه بالنق‪-‬اب؛ ك‪-‬ان حينئ‪-‬ذ الوج‪-‬ه‬
‫واليدان من الزينة اليت أمرت أن ال تظهرها لألجانب‪.‬‬

‫فما بقي حيل لألجانب النظر ال إىل الثياب الظاهرة ‪ ،‬فابن مسعود ذك‪--‬ر آخ‪--‬ر األم‪--‬رين وابن عب‪--‬اس أول‬
‫األمرين‪.‬‬

‫وعلى ه‪-- - -‬ذا فقول‪-- - -‬ه ‪{:‬أو نس‪-- - -‬ائهن أو م‪-- - -‬ا ملكت أمينهن} ي‪-- - -‬دل على أن هلا أن تب‪-- - -‬دي الزين‪-- - -‬ة الباطن‪-- - -‬ة‬
‫ململوكها‪ ،‬وفيه قوالن‪:‬‬

‫‪1‬ـ قيل املراد اإلماء‪ ،‬أو اإلماء الكتابيات‪ ،‬كما قاله ابن املسيب ‪ ،‬ورجحه أمحد وغريه‪.‬‬

‫‪2‬ـ وقيل‪ :‬هو اململوك الرجل‪ ،‬كم‪-‬ا قال‪-‬ه ابن عب‪-‬اس وغ‪-‬ريه‪ ،‬وه‪-‬ذا م‪-‬ذهب الش‪-‬افعي وغ‪-‬ريه‪ ،‬وه‪-‬و الرواي‪-‬ة‬
‫األخرى عن أمحد ‪ ،‬فهذا يقتضي جواز نظر العبد إىل موالته‪.‬‬

‫وقد جاءت بذلك أحاديث ‪ ،‬وهذا ألجل احلاجة؛ ألهنا حمتاجة إىل خماطبة عبدها أكثر من حاجتها إىل‬
‫رؤية الشاهد والعامل واخلاطب‪.‬‬

‫فإذا جاز نظر أولئ‪-‬ك ‪ ،‬فنظ‪-‬ر العب‪-‬د أوىل ‪ ،‬وليس يف ه‪-‬ذا م‪-‬ا ي‪-‬وجب أن بك‪-‬ون حمرم‪-‬ا بس‪-‬افر هبا ‪ ،‬كغ‪-‬ري‬
‫أويل اإلربة ‪ ،‬فإهنم جيوز هلم النظر‪ ،‬وليسوا حمارم يسافرون هبا‪.‬‬
‫فليس ك‪-‬ل من ج‪-‬از ل‪-‬ه النظ‪-‬ر ‪ ،‬ج‪-‬از ل‪-‬ه الس‪-‬فر هبا‪ ،‬وال اخلل‪-‬وة هبا‪ ،‬ب‪-‬ل عب‪-‬دها بنظ‪-‬ر إليه‪--‬ا للحاج‪-‬ة ‪،‬وإن‬
‫ك ‪--‬ان ال خيل ‪--‬و هبا وال يس ‪--‬افر هبا ‪ ،‬فإن ‪--‬ه مل خيل يف قول ‪--‬ه ص ‪--‬لى اهلل علي ‪--‬ه وس ‪--‬لم‪ ":‬ال تس ‪--‬افر املرأة إال م ‪--‬ع‬
‫زوج أو ذي حمرم"‪ .‬فإن ‪--‬ه جيز ل ‪--‬ه أن يتزوجه ‪--‬ا إذا عت ‪--‬ق ‪ ،‬كم جيوز ل ‪--‬زوج أخته ‪--‬ا أن يتزوجه ‪--‬ا إذا طل ‪--‬ق‬
‫أختها‪.‬‬

‫واحملرم‪ :‬من حترم عليه على التأبيد ‪ ،‬وهلذا قال ابن عمر ‪ ( :‬سفر املرأة مع بعدها ضيعة)‪.‬‬

‫فاآلي‪--‬ة رخص‪--‬ت يف إب‪--‬داء الزين‪--‬ة ل‪--‬ذوي احملارم وغ‪--‬ريهم‪ ،‬وح‪--‬دي الس‪--‬فر ليس في‪--‬ه إال ذوو احملارم‪ ،‬وذك‪--‬ر‬
‫يف اآلية‪{ :‬نسائهن أو ما ملكت أمينهن }و{ غري أوىل اإلربة } وهي ال تسافر معهم‪.‬‬

‫وقوله ‪ { :‬أو نسائهن} قالوا ‪ :‬احرتاز عن النساء املش‪-‬ركات‪ ،‬فال تك‪--‬ون املش‪-‬ركة قابل‪--‬ة للمس‪--‬لمة‪ ،‬وال‬
‫تدخل املشركة معهن احلمام‪.‬‬

‫لكن ق‪--‬د كن النس‪--‬وة اليهودي‪--‬ات ي‪--‬دخلن على عائش‪--‬ة وغريه‪--‬ا‪ ،‬ف‪--‬ريين وجهه‪--‬ا وي‪--‬ديها‪ ،‬خبالف الرج‪--‬ال‪،‬‬
‫فيك‪--‬ون ه‪--‬ذا يف الزين‪--‬ة الظ‪--‬اهرة يف ح‪--‬ق النس‪--‬اء ال‪--‬ذميات‪ ،‬وليس لل‪--‬ذميات أن يطلعن على الزين‪--‬ة الباطن‪--‬ة‪،‬‬
‫ويكون الظهور والبطون حبسب ما جيوز هلا إظهاره‪.‬‬

‫وهلذا كان أقارهبا تبدي هلن الباطنة‪ ،‬وللزوج خاصة ما ليس لألقارب‪.‬‬

‫وقوله‪{:‬وليضربن خبمرهن على جيوهبن} دلي‪-‬ل على أهنا تغطي العن‪-‬ق‪ ،‬فيك‪-‬ون من الب‪-‬اطن ـ ال الظ‪-‬اهر ـ‬
‫ما فيه من القالدة وغريها‪.‬‬
‫فصل‬

‫فهذا سرت النساء عن الرجال‪ ،‬وسرت الرجال عن الرجال‪ ،‬والنساء عن النس‪-‬اء‪ ،‬يف الع‪-‬ورة اخلاص‪-‬ة‪ ،‬كم‪-‬ا‬
‫قال صلى اهلل عليه وسلم‪":‬ال ينظر الرجل إىل عورة الرجل‪ ،‬وال تنظر املرأة إىل عورة املرأة"‪.‬‬

‫وكم‪--‬ا ق‪--‬ال‪ ":‬احف‪--‬ظ عورت‪--‬ك إال عن زوجت‪--‬ك أ م‪--‬ا ملكت ميين‪--‬ك" قلت‪ :‬ف‪--‬إذا ك‪--‬ان الق‪--‬وم بعض‪--‬هم يف‬
‫بعض؟ قال‪":‬إن استطعت أن ال يرينها أحد فال يرينها"‪ .‬قلت‪ :‬فإذا كان أحدنا خاليا؟ ق‪--‬ال‪":‬فاهلل أح‪--‬ق‬
‫أن يس‪--‬تحيا من‪--‬ه"‪ .‬وهنى أن يفض‪--‬ي الرج‪--‬ل إىل الرج‪--‬ل يف ث‪--‬وب واح‪--‬د‪ ،‬واملرأة إىل املرأة يف ث‪--‬وب واح‪--‬د‬
‫وقال عن األوالد‪":‬مروهم بالصالة لسبع‪ ،‬واضربوهم عليها لعشر‪ ،‬وفرقوا بينهم يف املضاجع"‪.‬‬

‫فه‪--‬ذا هني عن النظ‪--‬ر واللمس لع‪--‬ورة النظ‪--‬ري؛ ملا يف ذل‪--‬ك من القبح والفحش‪ ،‬وأم‪--‬ا الرج‪--‬ال م‪--‬ع النس‪--‬اء‪،‬‬
‫فألجل شهوة النكاح‪ ،‬فهذان نوعان‪.‬‬

‫ويف الصالة نوع ثالث‪ ،‬فإن املرأة لو صلت وح‪-‬دها‪ ،‬ك‪-‬انت م‪-‬أمورة باالختم‪-‬ار‪ ،‬ويف غ‪-‬ري الص‪-‬الة جيوز‬
‫هلا كشف رأسها يف بيتها‪ ،‬فأخذ الزينة يف الصالة حلق اهلل‪ ،‬فليس ألحد أن يطوف بالبيت عريانا ول‪-‬و‬
‫كان وحده بالليل‪ ،‬وال يصلى عريانا ولو لتحجب عن الناس‪ ،‬فهذا نوع‪ ،‬وهذا نوع‪.‬‬

‫وحينئ‪--‬ذ فق‪--‬د يس‪--‬رت املص‪--‬لي يف الص‪--‬الة م‪--‬ا جيوز إب‪--‬داؤه يف غ‪--‬ري الص‪--‬الة‪ ،‬وق‪--‬د يب‪--‬دي يف الص‪--‬الة م‪--‬ا يس‪--‬رته‬
‫عن الرجال‪.‬‬

‫فاألول مثل املنكبني‪ ،‬فإن النيب صلى اهلل عليه وسلم هنى أن يص‪--‬لي الرج‪--‬ل يف الث‪--‬وب الواح‪--‬د ليس على‬
‫عاتقه منه شيء‪ ،‬فهذا حلق الصالة‪ ،‬وجيوز له كشف منكبيه للرجال خارج الصالة‪.‬‬

‫وكذلك املرأة احلرة ختتمر يف الصالة‪ ،‬كما ق‪-‬ال الن‪-‬يب ص‪-‬لى اهلل علي‪-‬ه وس‪-‬لم‪":‬ال يقب‪-‬ل اهلل ص‪-‬الة ح‪-‬ائض‬
‫إال خبمار"‪ .‬وهي ال ختتمر عند زوجها وال عند ذوي حمارمها‪ ،‬فقد جاز هلا إبداء الزينة الباطنة هلؤالء‪،‬‬
‫وال جيوز هلا يف الص‪-- - -‬الة أن تكش‪-- - -‬ف رأس‪-- - -‬ها ال هلؤالء وال لغ‪-- - -‬ريهم‪ .‬وعكس ذل‪-- - -‬ك الوج‪-- - -‬ه والي‪-- - -‬دان‬
‫والق‪--‬دمان‪ ،‬ليس هلا أن تب‪--‬دي ذل‪--‬ك لألج‪--‬انب على أص‪--‬ح الق‪--‬ولني‪ ،‬خبالف م‪--‬ا ك‪--‬ان قب‪--‬ل النس‪--‬خ‪ ،‬ب‪--‬ل ال‬
‫تبدي إال الثياب‪.‬‬

‫وأما شرت ذل‪-‬ك يف الص‪-‬الة‪ ،‬فال جيب باتف‪-‬اق املس‪-‬لمني‪ ،‬ب‪-‬ل جيوز هلا كش‪-‬ف الوج‪-‬ه باإلمجاع‪ ،‬وإن ك‪-‬ان‬
‫من الزينة الباطنة‪ ،‬وكذلك اليدان جيوز إبداؤمها يف الصالة عند مجهور العلماء‪ ،‬ك‪--‬أيب حنيف‪--‬ة والش‪--‬افعي‬
‫وغريمها‪ ،‬وهو إح‪-‬دى الرواي‪-‬تني عن أمحد‪ ،‬وك‪-‬ذلك الق‪-‬دم جيوز إب‪-‬داؤها عن‪-‬د أيب حنيف‪-‬ة‪ ،‬وه‪-‬و األق‪-‬وى‪،‬‬
‫ف‪--‬إن عائش‪--‬ة جعلت‪--‬ه من الزين‪--‬ة الظ‪--‬اهرة‪ ،‬ق‪--‬الت‪( :‬الفتح‪ :‬حل‪--‬ق من فض‪--‬ة تك‪--‬ون يف أص‪--‬ابع ال‪--‬رجلني) رواه‬
‫ابن أيب حامت‪.‬‬

‫فه‪--‬ذا دلي‪--‬ل على أن النس‪--‬اء كن يظه‪--‬رن أق‪--‬دامهن أوال‪ ،‬فهي إذا مش‪--‬ت ق‪--‬د يظه‪--‬ر ق‪--‬دمها‪ ،‬ف‪--‬إهنن مل يكن‬
‫ميش‪--‬ني يف خف‪--‬اف وأحذي‪--‬ة‪ ،‬وتغطي‪--‬ة ه‪--‬ذا يف الص‪--‬الة في‪--‬ه ح‪--‬رج عظيم‪ ،‬وأم س‪--‬لمة ق‪--‬الت‪:‬تص‪--‬لي املرأة يف‬
‫ثوب سابغ يغطي ظهور قدميها‪ ،‬فهي إذا سجدت قد يبدو باطن القدم‪.‬‬

‫وباجلمل ‪--‬ة فق ‪--‬د ثبت ب ‪--‬النص واإلمجاع أن ‪--‬ه ليس عليه ‪--‬ا يف الص ‪--‬الة أن تلبس اجللب ‪--‬اب ال ‪--‬ذي يس ‪--‬رتها إذا‬
‫ك‪-- -‬انت يف بيته‪-- -‬ا‪ ،‬وإمنا ذل‪-- -‬ك إذا وجهه‪-- -‬ا وي‪-- -‬داها وق‪-- -‬دماها‪ ،‬كم‪-- -‬ا كن ميش ‪--‬ني أوال قب‪-- -‬ل األم ‪--‬ر فإدن ‪--‬اء‬
‫اجلالبيب عليهن‪ ،‬فليست العورة يف الصالة مرتبطة بعورة النظر‪ ،‬ال طردا وال عكسا‪.‬‬

‫وابن مس ‪--‬عود ـ رض ‪--‬ي اهلل عن ‪--‬ه ـ ملا ق ‪--‬ال‪ :‬الزين ‪--‬ة الظ ‪--‬اهرة هي الثي ‪--‬اب‪ ،‬مل يق ‪--‬ل‪ :‬إهنا كله ‪--‬ا ع ‪--‬ورة ح ‪--‬ىت‬
‫ظفره ‪--‬ا‪ .‬ب ‪--‬ل ه ‪--‬ذا ق ‪--‬ول أمحد‪ ،‬يع ‪--‬ين ب ‪--‬ه أهنا تس ‪--‬رته يف الص ‪--‬الة‪ ،‬ف ‪--‬إن الفقه ‪--‬اء يس ‪--‬مون ذل ‪--‬ك "ب ‪--‬اب س ‪--‬رت‬
‫العورة" وليس هذا من ألفاظ الرسول‪ ،‬وال يف الكتاب والسنة أن ما يسرته املصلي فهو ع‪-‬ورة‪ ،‬ب‪-‬ل ق‪-‬ال‬
‫تع‪--‬اىل‪{:‬خ‪--‬ذوا زينتكم عن‪--‬د ك‪--‬ل مس‪--‬جد}‪ .‬وهنى الن‪--‬يب ص‪--‬لى اهلل علي‪--‬ه وس‪--‬لم أن يط‪--‬وف ب‪--‬البيت عريان‪--‬ا‬
‫فالص‪-- -‬الة أوىل‪ ،‬وس‪-- -‬ئل عن الص‪-- -‬الة يف الث‪-- -‬وب الواح‪-- -‬د‪ ،‬فق‪-- -‬ال"أو لكلكم ثوب‪-- -‬ان؟"‪ ،‬وق‪-- -‬ال يف الث‪-- -‬وب‬
‫الواحد‪":‬إن كان واسعا فالتحف به‪ ،‬وإن كان ضيقا فاتزر به"‪ ،‬وهنى أن يصلي الرج‪-‬ل يف ث‪-‬وب واح‪-‬د‬
‫وليس على عاتق‪--‬ه من‪--‬ه ش‪--‬يء‪ ،‬فه‪--‬ذا دلي‪--‬ل على أن‪--‬ه ي‪--‬ؤمر يف الص‪--‬الة بس‪--‬رت الع‪--‬ورة‪ ،‬والفخ‪--‬ذ وغ‪--‬ريه‪ ،‬وإن‬
‫جوزنا للرجل النظر إىل ذلك‪.‬‬

‫ف‪--‬إذا قلن‪--‬ا‪ :‬أح‪--‬د الق‪--‬ولني‪ ،‬وه‪--‬و إح‪--‬دى الرواي‪--‬تني عن أمحد‪ :‬إن الع‪--‬ورة هي الس‪--‬وأتان‪ ،‬وأن الفخ‪--‬ذ ليس‬
‫بع‪--‬ورة‪ ،‬فه‪--‬ذا يف ج‪--‬واز نظ‪--‬ر الرج‪--‬ل إليه‪--‬ا‪ ،‬ليس ه‪--‬و يف الص‪--‬الة والط‪--‬واف‪ ،‬فال جيوز أن يص‪--‬لي الرج‪--‬ل‬
‫مكش ‪--‬وف الفخ ‪--‬ذين‪ ،‬وس ‪--‬واء قي ‪--‬ل‪ :‬مها ع ‪--‬ورة أو ال‪ ،‬وال يطوف ‪--‬ا عريان ‪--‬ا‪ ،‬ب ‪--‬ل علي ‪--‬ه أن يص ‪--‬لي يف ث ‪--‬وب‬
‫واحد‪،‬والبد من ذلك‪ ،‬إن كان ضيقا اتزر به‪ ،‬وإن كان واسعا التحف به‪ ،‬كما أنه لو صلى وحده يف‬
‫بيت كان عليه تغطية ذلك باتفاق العلماء‪.‬‬

‫وأما صالة الرجل ب‪-‬ادي الفخ‪-‬ذين م‪--‬ع الق‪--‬درة على اإلزار‪ ،‬فه‪--‬ذا ال جيوز‪ ،‬وال ينبغي أن يك‪-‬ون يف ذل‪-‬ك‬
‫خالف‪ ،‬ومن بىن هذا على الروايتني يف العورة‪ ،‬كما فعله طائفة فق‪--‬د غلط‪--‬وا‪ ،‬ومل يق‪--‬ل أمحد وال غ‪--‬ريه‪:‬‬
‫إن املصلي يصلي على هذه احلال‪ ،‬كيف وأمحد يأمره بسرت املنك‪-‬بني؟ فكي‪-‬ف ي‪-‬بيح ل‪-‬ه كش‪-‬ف الفخ‪-‬ذ؟!‬
‫فهذا هذا‪.‬‬
‫وق ‪--‬د اختل ‪--‬ف يف وج ‪--‬وب س ‪--‬رت الع ‪--‬ورة إذا ك ‪--‬ان الرج ‪--‬ل خالي ‪--‬ا‪ ،‬ومل خيتل ‪--‬ف يف أن ‪--‬ه يف الص ‪--‬الة الب ‪--‬د من‬
‫اللب‪--‬اس‪( ،‬وأن‪--‬ه) ال جتوز الص‪--‬الة عريان‪--‬ا م‪--‬ع الق‪--‬درة على اللب‪--‬اس باتف‪--‬اق العلم‪--‬اء‪،‬وهلذا ج‪--‬وز أمحد وغ‪--‬ريه‬
‫للع‪--‬راة أن يص‪--‬لوا قع‪--‬ودا ويك‪--‬ون إم‪--‬امهم وس‪--‬طهم‪ ،‬خبالف خ‪--‬ارج الص‪--‬الة‪ ،‬ه‪--‬ذا الس‪--‬رت حلرم‪--‬ة الص‪--‬الة‪،‬ال‬
‫ألجل النظر‪ ،‬وق‪-‬د ق‪-‬ال الن‪-‬يب ص‪-‬لى اهلل علي‪-‬ه وس‪-‬لم يف ح‪-‬ديث هبز بن حكيم عن أبي‪-‬ه عن ج‪-‬ده ملا ق‪-‬ال‪:‬‬
‫قلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬فإذا كان أحدنا خاليا؟ قال‪" :‬فاهلل أحق أن يستحيا منه من الناس"‪.‬‬

‫ف‪--‬إذا ك‪--‬ان ه‪--‬ذا خ‪--‬ارج الص‪--‬الة‪ ،‬فه‪--‬و يف الص‪--‬الة أح‪--‬ق أن يس‪--‬تحيا من‪--‬ه‪ ،‬فتؤخ‪--‬ذ الزين‪--‬ة ملناجات‪--‬ه ـ س‪--‬بحانه‬
‫وتعالىـ وهلذا قال ابن عمر لغالمه نافع ملا رآه يصلي حاسرا‪ :‬أرأيت لو خرجت إىل الناس‪ ،‬كنت خترج‬
‫هكذا؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فاهلل أحق من يتجمل له‪.‬‬

‫ويف احلديث الص ‪--‬حيح ملا قي ‪--‬ل للن ‪--‬يب ص ‪--‬لى اهلل علي ‪--‬ه وس ‪--‬لم‪ :‬الرج ‪--‬ل حيب أن يك ‪--‬ون ثوب ‪--‬ه حس ‪--‬نا ونعل ‪--‬ه‬
‫حسنا؟ فقال‪":‬إن اهلل مجيل حيب اجلمال"‪.‬‬

‫وه ‪--‬ذا كم ‪--‬ا أم ‪--‬ر املص ‪--‬لي بالطه ‪--‬ارة والنظاف ‪--‬ة والطيب‪ ،‬فق ‪--‬د أم ‪--‬ر الن ‪--‬يب ص ‪--‬لى اهلل علي ‪--‬ه وس ‪--‬لم‪":‬أ‪ ،‬تتخ ‪--‬ذ‬
‫املساجد يف البيوت وتنظف وتطيب"‪ .‬وعلى هذا‪ ،‬فيسترت يف الصالة أبل‪-‬غ مما يس‪-‬ترت الرج‪-‬ل من الرج‪-‬ل‪،‬‬
‫واملرأة من املرأة‪.‬‬

‫وهلذا أم‪--‬رت املرأة أن ختتم‪--‬ر يف الص‪--‬الة‪ ،‬وأم‪--‬ا وجهه‪--‬ا وي‪--‬داها وق‪--‬دماها‪ ،‬فهي إمنا هنيت عن إب‪--‬داء ذل‪--‬ك‬
‫لألج ‪--‬انب‪ ،‬مل تن ‪--‬ه عن إبدائ ‪--‬ه للنس ‪--‬اء‪ ،‬وال ل ‪--‬ذوي احملارم‪ ،‬فعلم أن ‪--‬ه ليس من جنس ع ‪--‬ورة الرج ‪--‬ل م ‪--‬ع‬
‫الرج‪--‬ل‪ ،‬واملرأة ‪ ،‬م‪--‬ع املرأة ال‪--‬يت هني عنه‪--‬ا ألج‪--‬ل الفحش وقبح كش‪--‬ف الع‪--‬ورة‪ ،‬ب‪--‬ل ه‪--‬ذا من مق‪--‬دمات‬
‫الفاحش ‪--‬ة‪ ،‬فك ‪--‬ان النهي عن إب ‪--‬دائها هني ‪--‬ا عن مق ‪--‬دمات الفاحش ‪--‬ة‪ ،‬كم ‪--‬ا ق ‪--‬ال اهلل تع ‪--‬اىل يف اآلي ‪--‬ة {ذل ‪--‬ك‬
‫أزكى هلم} وق‪--‬ال يف آي‪--‬ة احلج‪--‬اب‪{ :‬ذلكم أطه‪--‬ر لقل‪--‬وبكم وقل‪--‬وهبن}فنهى عن ه‪--‬ذا س‪--‬دا للذريع‪--‬ة‪ ،‬ال‬
‫أنه عورة مطلقة‪ ،‬ال يف الصالة وال يف غريها‪ ،‬فهذا هذا‪.‬‬

‫وأمر املرأة يف الصالة بتغطية يديها بعيد جدا‪ ،‬واليدان تسجدان كما يسجد الوجه‪ ،‬والنساء على عهد‬
‫الن‪--‬يب ص‪--‬لى اهلل علي‪--‬ه وس‪--‬لم إمنا ك‪--‬ان هلن قمص‪ ،‬وكن يص‪--‬نعن الص‪--‬نائع والقمص عليهن‪ ،‬فتب‪--‬دي املرأة‬
‫ي‪-‬ديها إذا عجنت وطحنت وخ‪-‬بزت‪ ،‬ول‪-‬و ك‪-‬ان س‪-‬رت الي‪-‬دين يف الص‪-‬الة واجب‪-‬ا لبين‪-‬ه الن‪-‬يب ص‪-‬لى اهلل علي‪-‬ه‬
‫وسلم‪ ،‬وكذلك القدمان‪ ،‬وإمنا أمر باخلمار فقط مع القميص‪ ،‬فكن يصلني يف فمصهن ومخرهن‪.‬‬

‫وأم‪-‬ا الث‪-‬وب ال‪-‬ذي ك‪-‬انت املرأة ترخي‪-‬ه‪ ،‬وس‪-‬ألن عن ذل‪-‬ك الن‪-‬يب ‪ ‬فق‪-‬ال‪":‬ش‪-‬ربا" فقلن‪:‬إذا تب‪-‬دو س‪-‬وقهن؟‬
‫فقال‪":‬ذراعا وال يزدن عليه" وقول عمر بن ربيعة‪ :‬كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر‬
‫الذيول‬
‫فه‪-‬ذا ك‪-‬ان إذا خ‪-‬رجن من ال‪-‬بيوت‪ ،‬هلذا س‪-‬ئل عن املرأة جتر ذيله‪-‬ا على املك‪-‬ان الق‪-‬ذر؟ فق‪-‬ال‪":‬يطه‪-‬ره م‪-‬ا‬
‫بعده"‪ .‬وأما يف نفس البيت فلم تكن تلبس مثل ذلك ‪.‬‬

‫كما أن اخلف‪--‬اف أختذها النس‪-‬اء بع‪-‬د ذل‪-‬ك لس‪-‬رت الس‪-‬وق إذا خ‪-‬رجن‪ ،‬وهن ال يلبس‪-‬نها يف ال‪-‬بيوت‪ ،‬وهلذا‬
‫قلن‪ :‬إذا تبدو سوقهن‪ ،‬كأن املقصود تغطية السوق؛ ألن الثوب إذا كان فوق الكعبني ب‪-‬دا الس‪-‬اق عن‪-‬د‬
‫املشي ‪.‬‬

‫وقد روي‪":‬أعروا النساء يلزمن احلجال" يعين إذا مل يكن هلا ما تلبسه يف اخلروج لزمت بيتها‪.‬‬

‫وكن نساء املسلمني يصلني يف بيوهتن‪ ،‬وق‪-‬د ق‪-‬ال الن‪-‬يب ‪":‬ال متنع‪-‬وا إم‪-‬اء اهلل مس‪-‬اجد اهلل‪ ،‬وبي‪-‬وهتن خ‪-‬ري‬
‫هلن" ومل يؤمرن مع القمص إال باخلمر‪ ،‬مل تؤمر مبا يغطي رجليها‪ ،‬ال خف وال ج‪--‬ورب‪ ،‬وال مبا يغطي‬
‫يديها‪ ،‬ال بقفازين وال غري ذلك‪.‬‬

‫ف ‪--‬دل على أن ‪--‬ه ال جيب عليه ‪--‬ا يف الص ‪--‬الة س ‪--‬رت ذل ‪--‬ك إذا مل يكن عن ‪--‬دها رج ‪--‬ال أج ‪--‬انب‪ ،‬وق ‪--‬د روي أن‬
‫املالئك‪--‬ة ال تنظ‪--‬ر إىل الزين‪--‬ة الباطن‪--‬ة‪ ،‬ف‪--‬إذا وض‪--‬عت مخاره‪--‬ا أو قميص‪--‬ها‪ ،‬مل ينظ‪--‬ر إليه‪--‬ا‪ ،‬وروي يف ذل‪--‬ك‬
‫حديث عن خدجية‪ ،‬فه‪-‬ذا الق‪-‬در ـ القميص واخلمارـ وه‪-‬و املأمور ب‪-‬ه حلق الص‪-‬الة‪ ،‬كم‪-‬ا ي‪-‬ؤمر الرج‪-‬ل إذا‬
‫صلى يف ثوب واحد واسع أن يلتحف به‪ ،‬فيغطي عورته ومنكبيه‪.‬‬

‫واملنكب‪--‬ان يف حق‪--‬ه‪ ،‬ك‪--‬الرأس يف ح‪--‬ق املرأة؛ ألن‪--‬ه يص‪--‬لي يف قميص‪ ،‬أو م‪--‬ا يق‪--‬وم مق‪--‬ام القميص‪ ،‬وه‪--‬و يف‬
‫اإلح‪-- - -‬رام ال يلبس على بدن‪-- - -‬ه م‪-- - -‬ا يق‪-- - -‬در ل‪-- - -‬ه‪ ،‬ك‪-- - -‬القميص وجلب‪-- - -‬ة‪ ،‬كم‪-- - -‬ا أن املرأة ال تنتقب‪ ،‬وال تلبس‬
‫القفازين‪ ،‬وأما رأسه فال خيمره‪.‬‬

‫ووجه املرأة فيه قوالن يف مذهب أمحد وغريه‪ :‬قيل‪ :‬إنه كرأس الرجل فال يغطى‪.‬‬

‫وقي‪--‬ل‪ :‬إن‪--‬ه كيدي‪--‬ه‪ ،‬فال يغطى بالنق‪--‬اب‪ ،‬وال‪--‬ربقع‪ ،‬وحنو ذل‪--‬ك مما ص‪--‬نع على ق‪--‬دره‪ ،‬وه‪--‬ذا ه‪--‬و الص‪--‬حيح‪،‬‬
‫فإن النيب ‪ ‬مل ينه إال عن القفازين والنقاب‪.‬‬

‫وكن النساء يدنني على وجوههن ما يسرتها من الرجال من غري وضع ما جيافيه‪--‬ا عن الوج‪--‬ه‪ ،‬فعلم أن‬
‫وجهه‪-‬ا كي‪-‬دي الرج‪-‬ل وي‪-‬ديها‪ ،‬ذل‪-‬ك أن املرأة كله‪-‬ا ع‪-‬ورة كم‪-‬ا تق‪-‬دم‪ ،‬فله‪-‬ا أن تغطي وجهه‪-‬ا وي‪-‬ديها‪،‬‬
‫ولكن بغ ‪--‬ري اللب ‪--‬اس املص ‪--‬نوع بق ‪--‬در العض ‪--‬و‪ ،‬كم ‪--‬ا أن الرج ‪--‬ل ال يلبس الس ‪--‬راويل‪ ،‬ويلبس اإلزار‪ ،‬واهلل‬
‫سبحانه وتعاىل أعلم‪.‬اهـ‪.‬‬
‫ومن كالم‪--‬ه ـ رمحه اهلل تعالىـ يف جواب‪--‬ه واس‪--‬تنباطه من مع‪--‬اين س‪--‬ورة النورـ يف مع‪--‬ىن م‪--‬ا تق‪--‬دم قول‪--‬ه‪ :‬ق‪--‬ال‬
‫تعاىل‪{:‬قل للمؤمنني يغضوا من أبص‪-‬رهم وحيفظ‪-‬وا ف‪-‬روجهم ذل‪-‬ك أزكى هلم} اآلي‪-‬ة‪ ،‬إىل قول‪-‬ه‪{:‬وتوب‪-‬وا‬
‫إىل اهلل مجيع ‪--‬ا أي ‪--‬ه املؤمن ‪--‬ون لعلكم تفلح ‪--‬ون(‪ })31‬ف ‪--‬أمر اهلل ـ س ‪--‬بحانه ـ الرج ‪--‬ال والنس ‪--‬اء ب ‪--‬الغض من‬
‫البصر‪ ،‬وحفظ الفرج‪ ،‬كما أمرهم مجيعا بالتوبة‪.‬‬

‫وأم‪--‬ر النس‪--‬اء خصوص‪--‬ا باالس‪--‬تتار‪ ،‬وأن ال يب‪--‬دين زينتهن إال لبع‪--‬ولتهن ومن اس‪--‬تثناه اهلل تع‪--‬اىل يف اآلي‪--‬ة‪،‬‬
‫فم‪--‬ا ظه‪--‬ر من الزين‪--‬ة ه‪--‬و الثي‪--‬اب الظ‪--‬اهرة؛ فه‪--‬ذا ال جن‪--‬اح عليه‪--‬ا يف إب‪--‬دائها‪ ،‬إذا مل يكن يف ذل‪--‬ك حمذور‬
‫آخر‪ ،‬فإن هذه البد من إبدائها‪ ،‬وهذا قول ابن مسعود وغريه‪ ،‬وهو املشهور عن أمحد‪.‬‬

‫وقال ابن عباس‪ :‬الوجه واليدان من الزينة الظاهرة ‪ .‬وهي الرواية الثانية عن أمحد‪ ،‬وهو قول طائفة من‬
‫العلماء‪ ،‬كالشافعي وغريه‪.‬‬

‫وأمرـ سبحانه وتعالىـ بإرخاء اجلالبيب لئال يعرفن وال يؤذين‪ ،‬وه‪--‬ذا دلي‪-‬ل على الق‪--‬ول األول‪ ،‬وق‪-‬د ذك‪-‬ر‬
‫عبيدة السلماين وغريه‪ :‬أن نساء املؤمنني كن ي‪--‬دنني عليهن اجلالبيب من ف‪--‬وق رؤوس‪--‬هن ح‪--‬ىت ال يظه‪--‬ر‬
‫إال عيوهنن ألجل رؤية الطريق‪.‬‬

‫وثبت يف"الص ‪--‬حيح"‪ :‬أن املرأة احملرم ‪--‬ة تنهى عن االنتق ‪--‬اب والقف ‪--‬ازين‪ ،‬وه ‪--‬ذا مما ي ‪--‬دل على أن النق ‪--‬اب‬
‫والقفازين كانا معروفني يف النساء الاليت مل حيرمن‪ ،‬وذلك يقتضي سرت وجوههن وأيديهن‪.‬‬

‫وق‪--‬د هنى اهلل تع‪--‬اىل عم‪--‬ا ي‪--‬وجب العلم بالزين‪--‬ة اخلفي‪--‬ة‪ ،‬بالس‪--‬مع أو غ‪--‬ريه‪ .‬فق‪--‬ال‪{:‬وال يض‪--‬ربن ب‪--‬أرجلهن‬
‫ليعلم م ‪--‬ا خيفني من زينتهن} وق ‪--‬ال‪{:‬وليض ‪--‬ربن خبم ‪--‬رهن على جي ‪--‬وهبن} فلم ‪--‬ا ن ‪--‬زل ذل ‪--‬ك عم ‪--‬د نس ‪--‬اء‬
‫املؤمنني إىل مخرهن‪ ،‬فشققنهن وأرخينها على أعناقهن‪.‬‬

‫واجليب‪ :‬هو شق يف طول القميص‪ ،‬فإذا ضربت املرأة باخلمار على اجليب سرتت عنقها‪.‬‬

‫وأم‪--‬رت بع‪--‬د ذل‪--‬ك ت‪--‬رخي من جلباهبا‪ ،‬واإلرخ‪--‬اء إمنا يك‪--‬ون إذا خ‪--‬رجت من ال‪--‬بيت‪ ،‬فأم‪--‬ا إذا ك‪--‬انت يف‬
‫البيت فال تؤمر بذلك‪.‬‬

‫وق‪--‬د ثبت يف"الص‪--‬حيح" أن الن‪--‬يب ‪ ‬ملا دخ‪--‬ل بص‪--‬فية‪ ،‬ق‪--‬ال أص‪--‬حابه‪ :‬إن رخى عليه‪--‬ا احلج‪--‬اب فهي من‬
‫أمهات املؤمنني‪ ،‬وإن مل يضرب عليها احلجاب فهي مما ملكت ميينه‪ .‬فضرب عليها احلجاب‪.‬‬

‫وإمنا ضرب احلجاب على النساء؛ لئال ترى وجوههن وأيديهن‪.‬‬


‫واحلج ‪--‬اب خمتص ب ‪--‬احلرائر دون اإلم ‪--‬اء‪ ،‬كم ‪--‬ا ك ‪--‬انت س ‪--‬نة املؤم ‪--‬نني يف زمن الن ‪--‬يب ‪ ‬وخلفائ ‪--‬ه أن احلرة‬
‫حتتجب‪ ،‬واألمة تربز‪ ،‬وكان عمرـ رضي اهلل عنه ـ إذا رأى أم‪-‬ة خمتم‪-‬رة ض‪-‬رهبا وق‪-‬ال‪ :‬أتتش‪-‬بهني ب‪-‬احلرائر‬
‫أي لكاع؟! فيظهر من األمة رأسها ويداها ووجهها‪.‬‬

‫وق ‪--‬ال تع ‪--‬اىل‪{:‬والقواع ‪--‬د من النس ‪--‬اء آل ‪--‬يت ال يرج ‪--‬ون نكاح ‪--‬ا فليس عليهن جن ‪--‬اح أن يض ‪--‬عن ثي ‪--‬اهبن غ ‪--‬ري‬
‫متربجت بزينة وأن يستعففن خري هلن}‪.‬‬

‫ف ‪--‬رخص للعج ‪--‬وز ال ‪--‬يت ال تطم ‪--‬ع يف النك ‪--‬اح أن تض ‪--‬ع ثياهبا‪ ،‬فال تلقي عليه ‪--‬ا جلباهبا وال حتتجب‪ ،‬وإن‬
‫كانت مستثناة من احلرائر؛ لزوال املفسدة املوجودة يف غريها‪ ،‬كما استثىن التابعني غ‪--‬ري أويل اإلرب‪-‬ة من‬
‫الرجال يف إظهار الزينة هلم؛ لعدم الشهوة اليت تتولد من الفتنة‪.‬‬

‫وك‪--‬ذلك األم‪--‬ة إذا ك‪--‬ان خياف هبا الفتن‪--‬ة؛ ك‪--‬ان عليه‪--‬ا أن ت‪--‬رخي من جلباهبا وحتتجب‪ ،‬ووج‪--‬وب غض‬
‫البصر عنها ومنها‪.‬‬

‫وليس يف الكت ‪--‬اب والس ‪--‬نة إباح ‪--‬ة النظ ‪--‬ر إىل عام ‪--‬ة اإلم ‪--‬اء‪ ،‬وال ت ‪--‬رك احتج ‪--‬اهبن وإب ‪--‬داء زينتهن‪ ،‬ولكن‬
‫الق ‪--‬رآن مل ي ‪--‬أمرهن مبا أم ‪--‬ر احلرائ ‪--‬ر‪ ،‬والس ‪--‬نة ف ‪--‬رقت بالفع ‪--‬ل بينهن وبني احلرائ ‪--‬ر‪ ،‬ومل تف ‪--‬رق بينهن وبني‬
‫احلرائر بلفظ عام‪ ،‬بل كانت عادة املؤمنني أن حتتجب منهم احلرائر دون اإلماء‪.‬‬

‫واس‪--‬تثىن الق‪--‬رآن من النس‪--‬اء احلرائ‪--‬ر‪ :‬القواع‪--‬د‪ ،‬فلم جيع‪--‬ل عليهن احتجاب‪--‬ا‪ ،‬واس‪--‬تثىن بعض الرج‪--‬ال‪ ،‬وهم‬
‫غ‪--‬ري أويل اإلرب‪--‬ة‪ ،‬فلم مين‪--‬ع من إب‪--‬داء الزين‪--‬ة اخلفي‪--‬ة هلم ؛ لع‪--‬دم الش‪--‬هوة يف ه‪--‬ؤالء وه‪--‬ؤالء‪ ،‬ف‪--‬أن يس‪--‬تثين‬
‫بعض اإلم ‪--‬اء أوىل وأح ‪--‬رى‪ ،‬وهن من ك ‪--‬انت الش ‪--‬هوة والفتن ‪--‬ة حاص ‪--‬لة ب ‪--‬رتك احتجاهبا وإب ‪--‬داء زينته ‪--‬ا‪،‬‬
‫وكما أن احملارم أبناء أزواجهن وحنوه ممن فيهن ش‪-‬هوة وش‪-‬غف مل جيز إب‪-‬داء الزين‪-‬ة اخلفي‪-‬ة ل‪-‬ه؛ فاخلط‪-‬اب‬
‫خرج عاما على العادة‪،‬فما خرج به عن العادة خ‪-‬رج ب‪-‬ه عن نظ‪-‬ائره‪ ،‬ف‪-‬إذا ك‪-‬ان يف ظه‪-‬ور األم‪-‬ة والنظ‪-‬ر‬
‫إليها فتنة؛ وجب املنع من ذلك ‪ ،‬كما لو كانت يف غري ذلك‪.‬‬

‫وهكذا الرجل مع الرجال‪ ،‬واملرأة مع النساء‪ ،‬لو كانت يف املرأة فتنة للنساء‪ ،‬ويف الرجل فتنة للرجال؛‬
‫لكان األمر بالغض الناظر من بصره متوجها‪ ،‬كما بتوجه إليه األمر حبفظ فرجه‪.‬‬

‫فاإلم‪--‬اء والص‪--‬بيان إذا كن حس‪--‬انا ختش‪--‬ى الفتن‪--‬ة ب‪--‬النظر إليهم‪ ،‬ك‪--‬ان حكمهم ك‪--‬ذلك‪ ،‬كم‪--‬ا ذك‪--‬ر ذل‪--‬ك‬
‫العلماء‪.‬‬

‫ق‪--‬ال املروذي‪ :‬قلت أليب عب‪--‬د اهلل ـ يع‪--‬ين أمحد ابن حنب‪--‬ل ـ ‪:‬الرج‪--‬ل ينظ‪--‬ر إىل اململ‪--‬وك؟ ق‪--‬ال‪ :‬إذا خ‪--‬اف‬
‫الفتنة مل ينظر إليه‪ ،‬كم نظرة ألقت يف قلب صاحبها البالء‪.‬‬
‫وق ‪--‬ال املروذي‪ :‬قلت أليب عب ‪--‬د اهلل‪ :‬الرج ‪--‬ل ت ‪--‬اب وق ‪--‬ال‪ :‬ل ‪--‬و ض‪-- -‬رب ظه‪-- -‬ري بالس ‪--‬ياط م‪-- -‬ا دخلت يف‬
‫معص ‪--‬ية‪ ،‬إال أن ‪--‬ه ال ي ‪--‬دع النظ ‪--‬ر ‪ ،‬فق ‪--‬ال‪ :‬أي توب ‪--‬ة ه ‪--‬ذه؟! ق ‪--‬ال جري ‪--‬ر‪ :‬س ‪--‬ألت رس ‪--‬ول اهلل ‪ ‬عن نظ ‪--‬رة‬
‫الفجأة‪ ،‬فقال"اصرف بصرك"‪.‬‬

‫وق ‪--‬ال ابن أيب ال ‪--‬دنيا‪ :‬ح ‪--‬دثين أيب وس ‪--‬ويد ق ‪--‬اال‪ :‬ح ‪--‬دثنا إب ‪--‬راهيم بن هراس ‪--‬ة‪ ،‬عن عثم ‪--‬ان بن ص ‪--‬احل عن‬
‫احلسن‪ ،‬عن ذكوان قال‪ :‬ال جتالسوا أوالد األغني‪-‬اء‪ ،‬ف‪-‬إن هلم ص‪-‬ورا كص‪-‬ور النس‪-‬اء‪ ،‬وهم أش‪-‬د فتن‪-‬ة من‬
‫الع‪--‬ذارى‪ .‬وه‪--‬ذا االس‪--‬تدالل والقي‪--‬اس‪ ،‬والتنبي‪--‬ه ب‪--‬األدىن على األعلى‪ …،‬إىل أن ق‪--‬ال‪ :‬وك‪--‬ذلك املرأة م‪--‬ع‬
‫املرأة‪ ،‬ك‪--‬ذلك حمارم املرأة م‪--‬ع ابن زوجه‪--‬ا‪ ،‬وابن‪--‬ه‪ ،‬وابن أخيه‪--‬ا‪ ،‬وابن أخته‪--‬ا‪ ،‬ومملوكه‪--‬ا عن‪--‬د من جيعل‪--‬ه‬
‫حمرما‪ ،‬مىت كان خياف عليه الفتنة أو عليها؛ توجه االحتجاب‪ ،‬بل وجب‪.‬‬

‫وه‪--‬ذه املواض‪--‬ع ال‪--‬يت أم‪--‬ر اهلل باالحتج‪--‬اب فيه‪--‬ا‪ ،‬مظن‪--‬ة الفتن‪--‬ة‪ ،‬وهلذا ق‪--‬ال تع‪--‬اىل‪{:‬ذل‪--‬ك أزكى هلم} فق‪--‬د‬
‫حتص ‪--‬ل الزك‪--‬اة والطه ‪--‬ارة ب‪--‬دون ذل‪--‬ك‪ ،‬لكن ه ‪--‬ذا أكى‪ .‬وإذا ك‪--‬ان النظ‪--‬ر وال‪--‬ربوز ق‪--‬د انتفى في‪--‬ه الزك‪--‬اة‬
‫والطه ‪--‬ارة ملا يوج ‪--‬د يف ذل ‪--‬ك من ش ‪--‬هوة القلب والل ‪--‬ذة ب ‪--‬النظر ؛ ك ‪--‬ان ت ‪--‬رك النظ ‪--‬ر واالحتج ‪--‬اب أوىل‬
‫بالوجوب‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫وق ‪--‬ال رمحه اهلل ‪ :‬واهلل ـ س ‪--‬بحانه ـ ق ‪--‬د أم ‪--‬ر يف كتاب ‪--‬ه بغض البص ‪--‬ر‪ ،‬نوع ‪--‬ان‪ :‬غض البص ‪--‬ر عن الع ‪--‬ورة‪،‬‬
‫وغضها عن حمل الشهوة‪.‬‬

‫فاألول‪ :‬كغض الرج‪-‬ال بص‪-‬ره عن ع‪-‬ورة غ‪-‬ريه‪ ،‬كم‪-‬ا ق‪-‬ال الن‪-‬يب ‪ ": ‬ال نيظ‪-‬ر الرج‪-‬ل إىل ع‪-‬ورة الرج‪-‬ل‪،‬‬
‫وال املرأة إىل عورة املرأة"‪.‬‬

‫وجيب على اإلنسان أن يسرت عورته‪ ،‬كما قال ملعاوية بن حيدة‪ ":‬احفظ عورتك إال من زوجتك ‪ ،‬او‬
‫ما ملكت ميينك "‪ .‬قلت‪ :‬فإذا كان أحدنا مع قومه؟ قال‪ ":‬إن استطعت أن ال يرينها أح‪--‬د فال يرينه‪--‬ا"‬
‫‪ .‬قلت‪ :‬فإذا كان أحدنا خاليا؟ قال ‪":‬فاهلل أحق أن يستحيا منه"‪.‬‬

‫وجيوز كشفها بقدر احلاجة‪ ،‬كما تنكشف عند التخلي‪.‬‬

‫وهلذا إذا اغتس‪--‬ل الرج‪--‬ل وح‪--‬ده‪ ،‬حبيث جيد م‪--‬ا يس‪--‬رته‪ ،‬فل‪-‬ه أن يغتس‪--‬ل موس‪--‬ى عريان‪--‬ا وأي‪--‬وب‪ ،‬وكم‪--‬ا يف‬
‫اغتساله ‪ ‬يوم الفتح واغتساله يف حديث ميمونة‪.‬‬

‫وأما النوع الثاين من النظر‪ ،‬كالنظر إىل الزينة الباطنة من املرأة األجنبية‪ ،‬فهذا أش‪--‬د من األول‪ ،‬كم‪--‬ا أن‬
‫اخلمر أشد من امليتة والدم وحلم اخلنزير ‪ ،‬وعلى صاحبها احلد‪.‬‬
‫وتلك احملرمات إذا تناوهلا مستحال هلا كان عليه التعزي‪-‬ز؛ ألن ه‪-‬ذه احملرم‪-‬ات ال تش‪-‬تهيها النف‪-‬وس؛ كم‪-‬ا‬
‫تش‪--‬تهي اخلم‪--‬ر‪ ،‬وك‪--‬ذلك النظ‪--‬ر إىل ع‪--‬ورة الرج‪--‬ل‪ ،‬ال يش‪--‬تهى كم‪--‬ا يش‪--‬تهى النظ‪--‬ر إىل النس‪--‬اء وحنوهن‪،‬‬
‫كذلك النظر إىل األمرد بشهوة‪ ،‬هو من هذا الباب‪.‬‬

‫وقد اتفق العلماء على حترمي ذلك‪ ،‬كما اتفقوا على حترمي النظر لألجنبية وذوات احملارم بش‪--‬هوة… إىل‬
‫أن قال‪ :‬فصار النظر إىل املردان ثالثة أقسام‪:‬‬

‫أحدها‪ :‬ما تقرتن به الشهوة‪ ،‬فهو حمرم باالتفاق‪.‬‬

‫والثاين‪ :‬م‪-‬ا جيزم أن‪-‬ه ال ش‪-‬هوة مع‪-‬ه‪ ،‬كنظ‪-‬ر الرج‪-‬ل ال‪-‬ورع إىل ابن‪-‬ه احلس‪-‬ن‪ ،‬وابنت‪-‬ه احلس‪-‬نة‪ ،‬وأم‪-‬ه احلس‪-‬نة‪،‬‬
‫فهذا ال تقرتن به شهوة‪ ،‬إال أن يكون الرجل من أفجر الناس‪ ،‬ومىت اقرتن به الشهوة؛ حرم‪.‬‬

‫وعلى ه ‪--‬ذا نظ ‪--‬ر من ال ميي ‪--‬ل قلب ‪--‬ه على املردان‪ ،‬كم ‪--‬ا ك ‪--‬ان الص ‪--‬حابة‪ ،‬ك ‪--‬األمم ال ‪--‬ذين ال يعرف ‪--‬ون ه ‪--‬ذه‬
‫الفاحشة‪ ،‬فإن الواحد من هؤالء ال يفرق من هذا الوجه بني نظره إىل ابنه‪ ،‬وابن جاره‪ ،‬وصيب أجن‪--‬يب‪،‬‬
‫ال خيطر بقلبه شيء من الشهوة؛ ألنه مل يعتد ذلك‪ ،‬وهو سليم القلب من قبل ذلك‪.‬‬

‫وق‪--‬د ك‪--‬انت اإلم‪--‬اء على عه‪--‬د الص‪--‬حابة ميش‪--‬ني يف الطرق‪--‬ات متكش‪--‬فات ال‪--‬رؤوس‪ ،‬وخيدمن الرج‪--‬ال م‪--‬ع‬
‫سالمة القلوب‪ ،‬فلو أراد الرجل أن يرتك اإلماء الرتكي‪-‬ات احلس‪-‬ان ميش‪-‬ني بني الن‪-‬اس يف مث‪-‬ل ه‪-‬ذه البالد‬
‫واألوقات‪ ،‬كما كان أولئك اإلماء ميشني؛ كان هذا من باب الفساد‪.‬‬

‫وك ‪--‬ذلك املرد احلس ‪--‬ان ال يص ‪--‬لح أن خيرج ‪--‬وا يف األمكن ‪--‬ة واألزق ‪--‬ة ال ‪--‬يت خياف فيه ‪--‬ا الفتن ‪--‬ة هبم‪ ،‬إال بق ‪--‬در‬
‫احلاج‪--‬ة‪ ،‬فال ميكن األم‪--‬رد احلس‪--‬ن من الت‪--‬ربج‪ ،‬وال من اجلل‪--‬وس يف احلم‪--‬ام بني األج‪--‬انب‪ ،‬وال من رقص‪--‬ه‬
‫بني الرجال‪ ،‬وحنو ذلك مما فيه فتنة للناس ‪ ،‬والنظر إليه كذلك‪.‬‬

‫وإمنا وق ‪--‬ع ال ‪--‬نزاع بني العلم ‪--‬اء يف القس ‪--‬م الث ‪--‬الث من النظ ‪--‬ر‪ ،‬وه ‪--‬و النظ ‪--‬ر إلي ‪--‬ه بغ ‪--‬ري ش ‪--‬هوة‪ ،‬لكن خ ‪--‬وف‬
‫ثوراهنا‪ ،‬ففي‪--‬ه وجه‪--‬ان يف م‪--‬ذهب أمحد‪ :‬أص‪--‬حهما وه‪--‬و احلكي عن نص الش‪--‬افعي وغ‪--‬ريه‪ :‬أن‪--‬ه ال جيوز‪،‬‬
‫والثاين‪ :‬جيوز؛ ألن األصل عدم ثوراهنا‪ ،‬فال حيرم بالشك‪ ،‬بل قد يكره‪.‬‬

‫واألول ه‪--‬و ال‪--‬راجح‪ ،‬كم‪--‬ا أن ال‪--‬راجح يف م‪--‬ذهب الش‪--‬افعي وأمحد‪ :‬أن النظ‪--‬ر إىل وج‪--‬ه األجنبي‪--‬ة من غ‪--‬ري‬
‫حاجة ال جيوز‪ ،‬وإن كانت الشهوة منتفية‪ ،‬لكن ألنه خياف ثوراهنا‪ ،‬وهلذا ح‪--‬رم اخلل‪--‬وة باألجنبي‪--‬ة؛ ألهنا‬
‫مظنة الفتنة‪.‬‬
‫واألص ‪--‬ل‪ :‬أن م ‪--‬ا ك‪--‬ان س‪--‬ببا للفتن‪--‬ة ف‪--‬إن ال جيوز؛ ف‪--‬إن الذريع ‪--‬ة إىل الفس‪--‬اد جيب س‪--‬دها إذا مل يعارض ‪--‬ها‬
‫مصلحة راجحة‪.‬‬

‫وهلذا ك ‪--‬ان النظ ‪--‬ر ال ‪--‬ذي ق ‪--‬د يفض ‪--‬ي إىل الفتن ‪--‬ة حمرم ‪--‬ا‪ ،‬إال إذا ك ‪--‬ان حلاج ‪--‬ة راجح ‪--‬ة‪ ،‬مث ‪--‬ل نظ ‪--‬ر اخلاطب‬
‫والط‪--‬بيب وغريمها ‪ ،‬فإن‪--‬ه يب‪--‬اح النظ‪--‬ر للحاج‪--‬ة‪ ،‬لكن م‪--‬ع ع‪--‬دم الش‪--‬هوة‪ ،‬وأم‪--‬ا النظ‪--‬ر لغ‪--‬ري احلاج‪--‬ة إىل حمل‬
‫الفتنة‪ ،‬فال جيوز‪.‬اهـ‪.‬‬

‫وق‪--‬ال ـ رمحه اهلل ‪:‬وأم‪--‬ا األبص‪--‬ار فال ب‪--‬د من فتحه‪--‬ا والنظ‪--‬ر هبا‪ ،‬وق‪--‬د يفج‪--‬أ اإلنس‪--‬ان م‪--‬ا ينظ‪--‬ر إلي‪--‬ه بغ‪--‬ري‬
‫قص‪--‬د‪ ،‬فال ميكن غض‪--‬ها مطلق‪--‬ا‪ ،‬وهلذا أم‪--‬ر تع‪--‬اىل عب‪--‬اده ب‪--‬الغض منه‪--‬ا‪ ،‬كم‪--‬ا أم‪--‬ر لقم‪--‬ان ابن‪--‬ه ب‪--‬الغض من‬
‫صوته‪.‬‬

‫وأم‪--‬ا قول‪-‬ه‪{:‬إن ال‪-‬ذين يغض‪--‬ون أص‪--‬وهتم عن‪-‬د رس‪-‬ول اهلل} اآلي‪-‬ة ‪ ،‬فإن‪-‬ه م‪--‬دحهم على غض الص‪--‬وت عن‪-‬د‬
‫رسوله مطلقا‪ ،‬فهم مأمورون بذلك‪ ،‬ينهون عن رفع الصوت عنده ‪ ، ‬وأما غض الصوت مطلق‪-‬ا عن‪-‬د‬
‫رس‪--‬ول اهلل ‪ ، ‬فه‪--‬و غض خ‪--‬اص ممدوح‪ ،‬وميكن العب‪--‬د أن يغض ص‪--‬وته مطلق‪--‬ا يف ك‪--‬ل ح‪--‬ال‪ ،‬ومل ي‪--‬ؤمر‬
‫العبد به ‪ ،‬بل يؤمر برفع الصوت يف مواضع ‪ ،‬إما أمر إجياب ‪ ،‬أو استحباب‪.‬‬

‫فلهذا قال‪{:‬واغضض من صوتك} فإن الغض يف الصوت والبص‪--‬ر‪ :‬مجاع م‪--‬ا ي‪--‬دخل إىل القلب وخيرج‬
‫منه‪ ،‬فبالسمع يدخل القلب‪ ،‬وبالصوت خيرج من‪-‬ه‪ ،‬كم‪-‬ا مجع العض‪-‬وين يف وقول‪-‬ه‪{:‬أمل جنع‪-‬ل ل‪-‬ه عي‪-‬نني(‬
‫‪ )8‬ولس‪-- -‬انا وش‪-- -‬فتني(‪})9‬فب‪-- -‬العني والنظ‪-- -‬ر يع‪-- -‬رف القلب األم‪-- -‬ور‪ ،‬ه‪-- -‬ذا رائ‪-- -‬د القلب وص‪-- -‬احب خ ‪--‬ربه‬
‫وجاسوسه‪ ،‬وهذا ترمجانه‪.‬‬

‫مث قال تعاىل‪{:‬ذلكم أزكى لكم وأطهر} وقال تعاىل‪{:‬خذ من أمواهلم ص‪-‬دقة تطه‪-‬رهم وت‪-‬زكيهم هبا}‬
‫وق‪--‬ال‪{:‬إمنا يري‪--‬د اهلل لي‪--‬ذهب عنكم ال‪--‬رجس أه‪--‬ل ال‪--‬بيت ويطه‪--‬ركم تطه‪--‬ريا} وق‪--‬ال يف آي‪--‬ة االس‪--‬تئذان‪:‬‬
‫{وإن قي ‪--‬ل لكم ارجع ‪--‬وا ف ‪--‬ارجعوا ه ‪--‬و أزكى لكم} وق ‪--‬ال‪{:‬فس ‪--‬ئلوهن من ورآء حج ‪--‬اج ذلكم أطه ‪--‬ر‬
‫لقلوبكم وقلوهبن} وقال‪{:‬فقدموا بني يدى جنوكم صدقة ذلك خري لكم وأطهر}‪.‬‬

‫وقال النيب ‪": ‬اللهم طهر قليب من خطاياي باملاء والثلج والربد" وقال يف دع‪-‬اء اجلن‪-‬ازة‪ " :‬واغس‪-‬له مباء‬
‫وثلج وبرد‪ ،‬ونقه من خطاياه كما ينقى الثوب األبيض من الدنس"‪.‬‬

‫فالطهارةـ اهلل أعلم ـ هي من الذنوب اليت هي رجس‪.‬‬


‫والزك‪--‬اة تتض‪--‬من مع‪--‬ىن الطه‪--‬ارة ال‪--‬يت هي ع‪--‬دم ال‪--‬ذنوب‪ ،‬ومع‪--‬ىن النم‪--‬اء باألعم‪--‬ال الص‪--‬احلة‪ ،‬مث‪--‬ل املغف‪--‬رة‬
‫والرمحة‪ ،‬ومثل النجاة من العذاب‪ ،‬والفوز بالثواب‪ ،‬ومثل عدم الشر وحصول اخلري‪.‬ا‪.‬هـ‪.‬‬

‫وق‪--‬ال ـ رمحه اهلل ـ وأم‪--‬ا نظ‪--‬ر الفج‪--‬أة‪ ،‬فه‪--‬و عف‪--‬و إذا ص‪--‬رف بص‪--‬ره‪ ،‬كم‪--‬ا ثبت يف "الص‪--‬حاح" عن جري‪--‬ر‬
‫قال‪ :‬سألت رسول اهلل ‪ ‬عن نظرة الفجأة‪ ،‬فقال‪":‬اص‪-‬رف بص‪-‬رك"‪ .‬ويف "الس‪-‬نن" أن‪-‬ه ق‪-‬ال لعلي ـرضي‬
‫اهلل عنه ـ ‪":‬يا علي ال تتبع النظرة النظرة‪ ،‬فإمنا لك األوىل وليست لك الثانية"‪.‬‬

‫ويف احلديث الذي يف "املسند" وغريه‪":‬النظر سهم مسموم من سهام إبليس" وفيه‪":‬من نظ‪-‬ر إىل حماس‪-‬ن‬
‫امرأة مث غض بصره‪ ،‬أورث اهلل قلبه حالوة عبادة جيدها إىل يوم القيامة" أو كما قال‪.‬‬

‫وهلذا يق ‪--‬ال‪ :‬إن غض البص ‪--‬ر عن الص ‪--‬ورة ال ‪--‬يت ينهى عن النظ ‪--‬ر إليه ‪--‬ا‪ ،‬ك ‪--‬املرأة واألم ‪--‬رد احلس ‪--‬ن‪ ،‬ي ‪--‬ورث‬
‫ذلك ثالث فوائد جليلة القدر‪:‬‬

‫إح ‪--‬دامها‪ :‬حالوة اإلميان ولذت ‪--‬ه ال ‪--‬يت هي أحلى وأطيب مما ترك ‪--‬ه هلل‪ ،‬ف ‪--‬إن من ت ‪--‬رك ش ‪--‬يئا هلل عوض ‪--‬ه اهلل‬
‫خريا منه‪.‬‬

‫وأم ‪--‬ا الفائ ‪--‬دة الثاني ‪--‬ة من غض البص ‪--‬ر‪ :‬فه ‪--‬و ي ‪--‬ورث ن ‪--‬ور القلب والفراس ‪--‬ة‪ ،‬ق ‪--‬ال تع ‪--‬اىل عن ق ‪--‬وم ل ‪--‬وط‪:‬‬
‫{لعم ‪--‬رك إهنم لفى س ‪--‬كرهتم يعمه ‪--‬ون(‪ })72‬ف ‪--‬التعلق بالص ‪--‬ور ي ‪--‬وجب فس ‪--‬اد العق ‪--‬ل‪ ،‬وعمى البص ‪--‬رية‪،‬‬
‫وسكر القلب‪ ،‬بل جنونه‪.‬‬

‫وذك‪--‬ر اهلل س‪--‬بحانه آي‪--‬ة الن‪--‬ور عقيب آي‪--‬ات غض البص‪--‬ر فق‪--‬ال‪*{:‬اهلل ن‪--‬ور الس‪--‬موات واألرض} وك‪--‬ان‬
‫شاه بن شجاع الكرماين ال ختطئ له فراسة‪ ،‬وكان يقول‪":‬من عمر ظاهرة باتباع السنة‪ ،‬وباطنه بدوام‬
‫املراقبة‪ ،‬وغض بص‪-‬ره عن احملارم‪ ،‬وك‪-‬ف نفس‪-‬ه عن الش‪-‬هوات ـ وذك‪-‬ر خص‪-‬لة خامس‪-‬ة‪ ،‬أظن‪-‬ه‪ :‬ه‪-‬و أك‪-‬ل‬
‫احلالل ـ مل ختطئ له فراسة"‪.‬‬

‫واهلل تعاىل جيزي العب‪-‬د على عمل‪-‬ه مبا ه‪-‬و من جنس عمل‪-‬ه‪ ،‬فيطل‪-‬ق ن‪-‬ور بص‪-‬ريته‪ ،‬ويفتح علي‪-‬ه ب‪-‬اب العلم‬
‫واملعرفة والكشوف‪ ،‬وحنو ذلك مما ينال ببصرية القلب‪.‬‬

‫الفائ‪--‬دة الثالث‪--‬ة‪ :‬ق‪--‬وة القلب وثبات‪--‬ه وش‪--‬جاعته‪ ،‬فيجع‪--‬ل اهلل ل‪--‬ه س‪--‬لطان البص‪--‬رية م‪--‬ع س‪--‬لطان احلج‪--‬ة‪ ،‬ف‪--‬إن‬
‫الرجل الذي خيالف هواه‪ ،‬يفرق الشيطان من ظله؛ وهلذا يوج‪-‬د يف املتب‪-‬ع ه‪-‬واه من ذل النفس وض‪-‬عفها‬
‫ومهانتها ما جعله اهلل ملن عصاه‪.‬‬
‫وإن اهلل جع‪-- -‬ل الع‪-- -‬زة ملن أطاع‪-- -‬ه‪ ،‬والذل ‪--‬ة ملن عص‪-- -‬اه‪ ،‬ق ‪--‬ال اهلل تع‪-- -‬اىل‪{:‬يقول ‪--‬ون لئن رجعن ‪--‬ا إىل املدين ‪--‬ة‬
‫ليخرجن األع‪-‬ز منه‪-‬ا األذل وهلل والع‪-‬زة ولرس‪-‬وله وللمؤم‪-‬نني} وق‪-‬ال تع‪-‬اىل‪{:‬وال تنه‪-‬وا وال حتزن‪-‬وا وأنتم‬
‫األعلون إن كنتم مؤمنني(‪.})139‬‬

‫وهلذا كان من كالم الشيوخ‪ :‬الناس يطلبون العز بأبواب امللوك‪ ،‬وال جيدونه إال يف طاعة اهلل‪.‬‬

‫وك‪--‬ان احلس‪--‬ن البص‪--‬ري يق‪--‬ول‪ :‬وإن مهلجت هبم ال‪--‬رباذين‪ ،‬وطقطقت هبم البغ‪--‬ال‪ ،‬ف‪--‬إن ذل املعص‪--‬ية يف‬
‫رق ‪--‬اهبم‪ ،‬أىب اهلل إال أن ي ‪--‬ذل من عص ‪--‬اه‪ ،‬ومن أط ‪--‬اع اهلل فق ‪--‬د وااله فيم ‪--‬ا أطاع ‪--‬ه في ‪--‬ه‪ ،‬ومن عص ‪--‬اه ففي ‪--‬ه‬
‫قسط من فعل من عاداه مبعصية‪.‬‬

‫ويف دعاء القنوت‪":‬إنه ال يذل من واليت‪ ،‬وال يعز من عاديت"‪.‬اهـ‪.‬‬

‫وقال ـ رمحه اهلل ـ وأما أهل الفواحش الذين ال يغضون أبصارهم‪ ،‬وال حيفظون ف‪--‬روجهم‪ ،‬فق‪--‬د وص‪--‬فهم‬
‫اهلل بض‪-- -‬د ذل‪-- -‬ك‪ ،‬من الس‪-- -‬كرة‪ ،‬والعم‪-- -‬ه‪ ،‬واجلهال‪-- -‬ة‪ ،‬وع‪-- -‬دم العق‪-- -‬ل‪ ،‬وع‪-- -‬دم الرش‪-- -‬د‪ ،‬والبغض‪ ،‬وطمس‬
‫األبص‪--‬ار‪ ،‬ه‪--‬ذا م‪--‬ع م‪--‬ا وص‪--‬فهم ب‪--‬ه من اخلبث‪ ،‬والفس‪--‬وق‪ ،‬والع‪--‬دوان‪ ،‬واإلس‪--‬راف‪ ،‬والس‪--‬وء‪ ،‬والفحش‪،‬‬
‫والفس ‪--‬اد‪ ،‬واإلج ‪--‬رام‪ ،‬فق ‪--‬ال عن ق ‪--‬وم ل ‪--‬وط‪{:‬ب ‪--‬ل أنتم ق ‪--‬وم جتهل ‪--‬ون(‪ })55‬فوص ‪--‬فهم باجله ‪--‬ل‪ ،‬وق ‪--‬ال‪:‬‬
‫{لعم‪-- -‬رك إهنم لفى س‪-- -‬كرهتم يعمه‪-- -‬ون} وق‪-- -‬ال‪{:‬أليس منكم رج‪-- -‬ل رش‪-- -‬يد(‪ })78‬وق‪-- -‬ال‪{:‬فطمس‪-- -‬نا‬
‫أعينهم} وقال‪{:‬بل أنتم ق‪-‬وم مس‪-‬رفون(‪ })81‬وق‪-‬ال‪{:‬ف‪-‬انظر كي‪-‬ف ك‪-‬ان عقب‪-‬ة اجملرمني(‪ })84‬وق‪-‬ال‪:‬‬
‫{إهنم ك ‪--‬انوا ق ‪--‬وم س ‪--‬وء فس ‪--‬قني(‪ })74‬وق ‪--‬ال‪{:‬أئنكم لت ‪--‬أتون الرج ‪--‬ال وتقطع ‪--‬ون الس ‪--‬بيل وت ‪--‬أتون ىف‬
‫ناديكم املنكر} إىل قوله‪{:‬انص‪-‬رىن على الق‪-‬وم املفس‪-‬دين(‪ })30‬إىل قول‪-‬ه‪{ :‬مبا ك‪-‬انوا يفس‪-‬قون(‪})34‬‬
‫وقوله‪{:‬مسومة عند ربك للمسرفني(‪.})34‬‬

‫وس‪--‬ئل ش‪--‬يخ اإلس‪--‬الم ابن تيم‪--‬ة رمحه اهلل‪ :‬ه‪--‬ل جيوز للنس‪--‬اء لبس العص‪--‬ائب الكب‪--‬ار ال‪--‬يت يتش‪--‬بهن بلبس‪--‬ها‬
‫بالرجال أم ال؟ وهل ورد يف حترم ذلك نص خاص‪ ،‬أم ال؟‬

‫فأجاب‪ :‬احلمد هلل‪ ،‬أما لبس النساء العص‪--‬ائب الكب‪-‬ار فه‪--‬و ح‪-‬رام‪ ،‬فق‪--‬د ثبت يف الص‪--‬حيح عن أيب هريرةـ‬
‫رضي اهلل عنه ـ عن النيب ‪ ‬أنه قال‪ " :‬صنفان من أميت مل أرمها بعد‪ :‬نس‪-‬اء كاس‪-‬يات عاري‪-‬ات‪ ،‬م‪-‬ائالت‬
‫مميالت‪ ،‬على رؤوس ‪--‬هن كأمث ‪--‬ال أس ‪--‬نمة البخت ‪ ،‬ال ي ‪--‬دخلن اجلن ‪--‬ة ‪ ،‬وال جيدن رحيه ‪--‬ا‪ .‬ورج ‪--‬ال معهم‬
‫سياط مثل أذناب البقر يضربون هبا عباد اهلل"‪.‬‬

‫ويف السنن أن النيب ‪ ‬قال ألم سلمة وهي تعتصب‪ ":‬يا أم سلمة! لية ال ليتان"‪.‬‬

‫ويف الصحيح أنه قال‪ ":‬لعن اهلل املتشبهات من النساء بالرجال‪ ،‬واملتشبهني من الرجال بالنساء"‪.‬‬
‫والنصوص عامة وخاصة بتحرمي ذلك ‪ ،‬وقد أخرب النيب ‪ ‬بأن هؤالء من أهل الن‪-‬ار‪ ،‬وأخ‪-‬رب هبم قب‪-‬ل أن‬
‫يكونوا‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫وس‪--‬ئل رمحه اهلل‪ :‬عن لبس النس‪--‬اء ه‪--‬ذه العم‪--‬ائم ال‪--‬يت على رؤوس‪--‬هن‪ :‬ه‪--‬ل هي ح‪--‬رام؟ أو مك‪--‬روه؟ وم‪--‬ا‬
‫العمائم اليت تستحب للنساء؟ وهل جيوز هلن لبس اخلف؟‬

‫فأجاب‪ :‬احلمد هلل وح‪-‬ده‪ ،‬ه‪-‬ذه العم‪-‬ائم ال‪-‬يت تلبس‪-‬ها النس‪-‬اء ح‪-‬رام بال ريب‪ ،‬ففي الص‪-‬حيح عن الن‪-‬يب ‪‬‬
‫أنه ق‪-‬ال ‪":‬ص‪-‬نفان من أه‪-‬ل الن‪-‬ار من أم‪-‬يت مل أرمها بع‪-‬د‪ :‬نس‪-‬اء كاس‪-‬يات عاري‪-‬ات م‪-‬ائالت مميالت‪ ،‬على‬
‫رؤوسهن مثل أسنمة البخت‪ ،‬ال يدخلن اجلنة‪ ،‬وال جيدن رحيها‪ ،‬ورجال معهم سياط مثل أذناب البقر‬
‫يضربون هبا عباد اهلل"‪.‬‬

‫وسئل‪ :‬عن املرأة إذا ظهر شيء من شعرها يف الصالة‪ :‬هل تبطل صالهتا أم ال؟‪.‬‬

‫فأج‪--‬اب‪ :‬إذا انكش‪--‬ف ش‪--‬يء يس‪--‬ري من ش‪--‬عرها وب‪--‬دهنا مل يكن عليه‪--‬ا اإلع‪--‬ادة عن‪--‬د أك‪--‬ثر العلم‪--‬اء‪ ،‬وه‪--‬و‬
‫مذهب أيب حنيفة وأمحد‪.‬‬

‫وإن انكشف شيء كثري اع‪-‬ادت الص‪-‬الة يف ال‪-‬وقت‪ ،‬عن‪-‬د عام‪-‬ة العلم‪-‬اء؛ األئم‪-‬ة األربع‪-‬ة‪ ،‬وغ‪-‬ريهم‪ ،‬واهلل‬
‫أعلم‪.‬‬

‫وسئل‪ :‬عن املرأة إذا صلت وظاهر قدميها مكشوف‪ :‬هل تصح صالهتا؟‪.‬‬

‫فأجاب‪ :‬هذا فيه نزاع بني العلماء‪ ،‬ومذهب أيب حنيفة‪ :‬صالهتا جائزة‪ ،‬وهو أحد القولني‪.‬‬

You might also like