المحاضرة الثانية عشرة

You might also like

You are on page 1of 4

‫احملارضة الثانية عرشة‬

‫اإلحياء‬
‫‪ -01‬تعريف اإلحياء‪:‬‬
‫صنف اإلحياء ضمن آليات صياغة املصطلح عامة واملصطلح العلمي بشكل خاص‪ ،‬وهي من‬
‫البدائل املتوفرة عند الباحثين اللغويين‪ ،‬يرادفه كذلك مصطلح " التراث" فـ" اإلحياء أو التراث هو‬
‫ابتع اث اللف ظ الق ديم ومحاكاة معن اه العلمي املوروث بمع نى علمي ح ديث يض اهيه‪ ،‬وه و بتعب ير‬
‫آخ ر مجابه ة الحاض ر ب اللجوء إلى املاضي‪ ،‬للتعب ير بالح دود االص طالحية التراثي ة عن املف اهيم‬
‫الحديثة‪ ،‬من باب أفضلية العودة إلى التراث الستكناه مصطلحاته واالستفادة منها في التعبير عن‬
‫أغراضنا املستجدة"‪.1‬‬
‫يلج أ الكث ير من اللغ ويين إلى ه ذه اآللي ة بسبب ث راء اللغ ة العربي ة وتنوعه ا‪ ،‬وتميزه ا بتراثه ا‬
‫الزاخ ر ب املفردات ال تي يمكن له ا أن تس توعب الحاض ر بمختل ف تطورات ه‪ ،‬خاص ة تل ك املف ردات‬
‫العربية القديمة التي تجاوزها ال زمن‪ ،‬حيث يمكن أن تحمل معاني جديدة بسبب تقاربهما في املعنى‬
‫واملبنى‪ ،‬فعوض أن يلجأ اللغوي إلى االقتراض أو التعريب يعود إلى التراث اللغوي العربي‪ ،‬وفي ذلك‬
‫منفعة لغوية كبيرة عليها وعلى أهلها‪ ،‬وفرصة لالبتعاد عن االحتكاك والهيمنة اللغوية‪.‬‬

‫ب الرغم من كل مقوماته ا إال أنه ا ق د أث ارت الكث ير من الج دل بين الب احثين‪ ،‬فمنهم من يراه ا‬
‫وسيلة ناجحة ناجعة وهم من املحافظين على التراث‪ ،‬و منهم من يتعقد أن االنغماس في التراث كثيرا‬
‫قد ال يخدم املستجدات الحديثة في مختلف امليادين العلمية‪ ،‬تجلت هذه الخالفات في حدثين لغويين‬
‫أولهما " ندوة توحيد منهجيات وضع املصطلح العلمي العربي" سنة ‪ 1981‬قد حرصت حرصا جما‬
‫على ه ذه الوس يلة االص طالحية‪ ،‬وجعلته ا على رأس الوس ائل كله ا‪ ،‬داعي ة إلى اس تقراء وإحي اء‬
‫التراث العربي وخاصة ما استعمل منه من مصطلحات علمية عربية صالحة لالستعمال"‪.2‬‬
‫إذ دافع املجتمعون في هذه الندوة عن هذه اآللية ورأى أصحابها بوجوب العودة إلى التراث‬
‫واستكناه مصطلحاته الكثيرة املتعددة‪ ،‬وهي موجودة فعال‪ ،‬أفضل من االقتباس من لغات أجنبية‪،‬‬
‫والكثير من مصطلحاتها قد تخالف املبنى اللغوي واملعنوي للغة العربية‪ ،‬فتؤدي إلى تشويه صورة‬
‫اللغة العربية‪ ،‬وانحطاطها بسبب الكثير من املفردات اللغوية الدخيلة‪ ،‬إذ تؤثر سلبا على مقومات‬
‫اللغة العربية‪.‬‬
‫وبعد مرور حوالي (‪ )10‬سنوات من الحدث األول املتعلق بظاهرة اإلحياء كآلية من آليات‬
‫وض ع املص طلحات‪ ،‬انعق دت ن دوة الرب اط س نة ‪ ،1991‬واتف ق املجتمع ون من اللغ ويين على ض رورة‬

‫يوس ف وغليس ي‪ ،‬إش كالية المص طلح في الخط اب النق دي الع ربي الح ديث‪ ،‬المرج ع الس ابق‪ ،‬ص ‪ . 85‬وك ذلك ينظ ر‪ :‬عب د الس الم‬ ‫‪1‬‬

‫المسدي‪ ،‬المصطلح النقدي‪ ،‬ص ‪105‬‬


‫يوسف وغليسي‪ ،‬إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي الحديث‪ ،‬ص ‪.85‬‬ ‫‪2‬‬
‫إع ادة النظ ر في ه ذه اآللي ة حيث ‪ " :‬ح ذر كث ير من املش اركين فيه ا‪ ،‬من مغب ة االن زالق الق ومي‬
‫والحماس ة املفرط ة والج ري املتس رع وراء تل ك ال دعوة التراثي ة‪ ،‬إذ رأى املفك ر الكب ير ال دكتور‬
‫محم د عاب د الج ابري أن اس تعمال املص طلح ال تراثي‪ ،‬أو إعمال ه‪ ،‬للتعب ير عن معطي ات الحض ارة‬
‫الحديث ة عملي ة محفوف ة باملخ اطر إذا م ا تمت على وج ه االس تعجال وتحت ض غط الظ روف‪،‬‬
‫فاملص طلح ال تراثي – في ه ذه الحال ة املش دود إلى مرجعي ة خاص ة تختل ف تمام ا عن مرجعي ة‬
‫املعطيات الحض ارية الحديثة‪ ،‬ق د يفق د ه ذه املعطي ات ح داثتها ويفرغه ا من مض امينها الجديدة‬
‫‪3‬‬
‫ليشدها إلى مضامين مغايرة تماما"‬
‫تسببت هذه الندوة الثانية في تغيير الرؤية تماما اتجاه هذه اآللية من آليات إحياء التراث‪،‬‬
‫ف اجتمع اللغوي ون على ع دم ج دواها‪ ،‬ب ل تسيء إلى اللغ ة العربي ة أك ثر من إفاداته ا له ا‪ ،‬بسبب –‬
‫حس ب املجتمع ون‪ -‬الش رخ الحاص ل زمني ا بين املف ردات اللغوي ة العربي ة القديم ة واملس تجدات‬
‫الحديثة‪ ،‬قد ال تؤدي املعنى املراد تأدية علمية دقيقة‪ ،‬فشكلت هذه الندوة منعرجا حاسما في قضية‬
‫البحث عن آليات وضع املصطلحات العربية‪.‬‬
‫أثار موضوع إحياء التراث في معالجة مستجدات العلم جدال واسعا بسبب حرص بعض من‬
‫علماء اللغة العربية على نقاء وصفاء اللغة العربية‪ ،‬وغيرتهم عليها وما ينجر عنه من مخالطة للغات‬
‫األخ رى‪ ،‬ف دافعوا بش دة عم ا تزخ ر ب ه اللغ ة العربي ة من ت راث فك ري ولغ وي يمكن أن تجاب ه ب ه‬
‫مس تجدات العص ر‪ ،‬حفاظ ا على روحه ا‪ ،‬وبين من ي رى ض رورة مخالط ة اللغ ات األخ رى واس تفادة‬
‫اللغة العربية منها‪ ،‬وهذا الصراع في طريقة إيجاد املصطلحات الجديدة وما يتعلق منها باإلحياء سببه‬
‫التطورات الكبيرة التي أصابت العالم ‪ " ،‬وأدت هذه التطورات إلى نشوء تغييرات كبيرة في اللغة‬
‫العربي ة على املس تويات اللغوي ة املختلف ة‪ ،‬الص وتية والص رفية‪ ،‬والداللي ة والتعبيري ة‪ ،‬ف أدى إلى‬
‫إش كاالت تمس خصوص ية اللغة‪ ،‬فقد وج دت اللغة العربية نفسها أم ام مواجه ات بين ضرورة‬
‫مواكبة عناصر التغيرات الطارئة والوافدة ما قد يؤثر على خصوصية اللغة العربية في خضم‬
‫ه ذا التس ارع الكب ير ال ذي يش هده الع الم‪ ،‬وبين أن تبقى عناص ر العربي ة ثابت ة ومحافظ ة على‬
‫أنس اقها الثقافي ة والقومي ة‪ ،‬فيجعله ا تت أخر عن مواكب ة التط ورات‪ ،‬أو أن تجم ع بين ط رفي ه ذا‬
‫الص راع‪ ،‬بإثب ات ق دراتها على مواكب ة التقان ات والتط ور‪ ،‬من خالل النه وض باألنس اق الثقافي ة‬
‫والقومية‪ ،‬وإثراء مستوياتها اللغوية واالصطالحية واالتصالية‪ ،‬مع املحافظة على خصوصيتها" ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ب الرغم من الج دل املث ير بين الت وجهين‪ ،‬بقيت مس ألة إحي اء ال تراث في وض ع املص طلحات‬
‫والعلمي ة منه ا بالخص وص مهم ة ج دا‪ ،‬حرص ا على روح اللغ ة العربي ة من جه ة‪ ،‬واالع تزاز به ا‬
‫وبمقوماتها اللغوية من جهة أخرى‪ ،‬وهي ضرورة حضارية قبل أن تكون لغوية‪.‬‬

‫يوسف وغليسي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪85‬‬ ‫‪3‬‬

‫علي لطفي علي قش مرو هن ادي عب د اله ادي أب و حجل ة‪ ،‬إش كالية مص طلحات ال تراث الع ربي اإلس المي وطرائ ق معالجته ا‪ ،‬مجل ة آف اق‬ ‫‪4‬‬

‫للبحوث والدراسات‪ ،‬العدد ‪ ، 04‬جوان ‪ ،2019‬المركز الجامعي إليزي‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ص ‪77‬‬

You might also like