Professional Documents
Culture Documents
تأليف الشيخ
عبد الكريم بن إبراهيم بن عبد الكريم الجيلي
رضي هللا عنه هللا عنه
المتوفى 832هـ
1
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 2
2
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 3
3
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 4
فاختص كل
ه أراد باألسرار :اللطائف اإللهية التي أودعها في ذوات الموجودات ،
ه
الحق تعالى ،بها يرجع إلى ربهه ؛ وهي الحاكمة موجود بلطيفة هي محتده من كمال
ي
مقرب وال نب ه
يطلع عليه ملك هسر ال ه
على روحه وقلبه ،ومن ث هم قيل :بين العبد وربهه ه
مرسل .
ّللا فيه من خصائصه ، وسبب ذلك ،أن ك هل شيء من الموجودات مملوء بما أودعه ه
ّللا ،إال ما هو عليه ذلك
فليس في شيء فضلة يسع بها ما في غيره .فما لكل أحد من ه
سر بعض األشخاص ذاتيا ،فيرجع الشخص منه ،غير هذا ال يكون ؛ ولكن قد يكون ه
إليه في الحكم ،جميع أسرار الموجودات ؛ لضرورة رجوع الصفات إلى الذات ،
فيحوي كل ما حواه الوجود ،إجماال وتفصيال ،وليس له على التفصيل ،إال ما هو
عليه عينا ووجودا .فافهم .
وأراد بالحقائق :ما تقتضيه تلك األسرار من األوصاف والنهسب اإللهية الحقيقية .
وأراد بالمنازل :أطوار المراتب المختلفة ،ألنه ال يمكن أن تجتمع مخلوقات في
ّللا تعالى أوسع من أن يتجلهى مرتبة من المراتب اإلبداعية .هذا ال يكون أبدا ،ألن ه
على عبدين بصفة واحدة ،أو بصفة على عبد مرتين .
مكرر ؛ بل كل شيء له مرتبة مخصوصة به ،وصفة من فليس في الوجود شيء ه
ّللا تعالى يرجع بها إليه ،واسم حاكم له وعليه .
صفات ه
ولوال ذلك الختلطت الجزئيات ورجعت إلى األمر الكلهي ،وانبهم األمر التفصيلي ،
ض هد والنظير ،فاتهحد الماء بالنار ،وبطل حكموالتحق بعض الوجود ببعض ،فزال ال ه
التركيب ،وليس هذا إال في البداية والنهاية ،وأما في البرزخ الفاصل بين األزل
واألبد ،فال بد من رعاية ترتيب الحكمة اإللهية التي بها قامت األحكام وتميهز الكفر
واإلسالم وظهرت الربوبية والعبودية ،إلى غير ذلك من المراتب الخلقية والمظاهر
ّللا عنه -أن يتكلهم عليها في هذا الباب.
الحقهية التي قصد اإلمام -رضي ه
ّللا عنه
فأول ما أنشأ في ذلك ،قال :هّلل في خلقه نذير يعلمهم أنه البشير .أراد رضي ه
ي
بالنذير والبشير :الحقيقة المحمدية الكلية ،التي هي موجودة بجريانه في كل نب ه
ي بالعين والشهود .وفيما عدا هذين الوصفين بالحكم والوجود -فهي على -وول ه
سراج الذي سناه يبهر ألبابنا المنير
.التحقيق روح األرواح ،ولهذا قال :وهو ال ه
ّللا -صلىأي ،الحقيقة المحمدية هي النور الذي يقع به التميهز ،ومن ث هم عبهر رسول ه
ّللا العقل».
ّللا عليه وسلم عن روحه الكريمة بالعقل ،فقال في حديث « :أول ما خلق ه ه
4
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 5
يصرح أنه ال يكون في ه ّللا عنه ،من تعريفه ،أراد أن
ولما فرغ الشيخ ،رضي ه
الزمان ،إال لواحد ،فقال :عيهنه في الوجود فردا ،الواجد العالم البصير.
أي ذكره على التعيين ،أنه يكون فردا في الوجود ،ال منازع له فيه ؛ فعيهنه النهور
ي ،الذي هو روح . ي الجزئ ه
المحمد ه
سره ،
ّللا عنه ،عبهر عنه بالواجد -بالجيم -لكونه وجده كذلك في ه والشيخ رضي ه
ّللا إياه ،ورآه ببصره -فالوجود يتعلق باإلدراك ،واإلعالم بالسمع ، وعلمه بإعالم ه
والرؤية بالبصر ،فلهذا قال :عيهنه الواجد العالم البصير .
***
ولما فرغ الشيخ من التنبيه على ذلك ،استأنف الكالم ،ونادى حقيقة ؛ فقال :يا واجدا
ّللا تعالى ،وجد مجده تعالى ،ليس له في الورى نظير .إعلم أنه ليس كل من عرف ه
عنده تعظيم فم هجده كما ينبغي له ؛ وإنما يحصل ذلك للك همل من أوليائه .ولهذا نبهه على
ّللا تعالى . ذلك من نفسه بقوله « :يا واجدا م هجده » ،أي ه
عظمه ه
يتصرف
ه ولما كان في المحل مظنة لقول من يقول له :كأنك تقول إن القطب كالحق ،
تصرفه ؟ !
ه في العالم
قال في الجواب ،دفعا لذلك السؤال " :ليس له في الورى نظير " ليزول تو ههم السامع
،فال يطعن في اعتقاد الشيخ .
5
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 6
ويحتمل أن يكون قوله « يا واحدا » بالحاء المهملة ،ويكون حينئذ " مجده " مرفوعا
على أنه فاعل تعالى ؛ فيكون تقديره :يا واحدا تعالى مجده .ويكون الخطاب حينئذ
للذات اإللهية ،التي هي ذاته وذات كل ذات ؛ فافهم .
ّللا تعالى .
ثم إنه أراد أن يبيهن أن ذلك التصريف المنسوب إلى القطب ،راجع إلى ه
فقال :ليس ألنواره ظهور ،إال بنا ؛ إذ لنا الظهور
أراد باألنوار :الصفات واألسماء اإللهية التي ال ظهور لها ،إال بوجود الخلق .ألنه
يستحيل ظهور الرازق وال مرزوق ،والخالق ال مخلوق ،والقادر وال مقدور عليه ،
إلى غير هذه المعاني ،مما لمقتضى األسماء والصفات ؛ ولهذا قال :ونحن مجلى لكل
شيء يظهر في عينه األمور .الضمير في عينه ،يرجع إلى « مجلى ».
والمراد :نحن مظهر لكل شيء ،تظهر األمور في عين ذلك المظهر ؛ أي تبدو فينا
الحق الذي هو أصل جميع األشياء ،ه ك هل األمور ،ألنها مجلى كل شيء ومظهره ،ألن
تصور ،وفينا ظهر .ه إنما ظهر بنا من حيث ذواتنا وأعياننا ؛ فبنا
فنحن :محل انجالء كل شيء وظهوره .
لف في هذه األبيات جميع ما أراد
ّللا عنه -ه ّللا وإيهاك ،أن الشيخ -رضي ه إعلم ،أيهدنا ه
نشره في هذا الباب .
ّللا وإياك بروح القدس ،أن هذا
ولما أراد التنبيه على عظم هذا الباب قال :إعلم أيهدنا ه
الباب من أشرف أبواب هذا الكتاب .
هو الباب الجامع لفنون األنوار الساطعة ،والبروق الالمعة ،واألحوال الحاكمة ،
والمقامات الراسخة ،والمعارف اللدنية ،والعلوم اإللهية ،والمنازل المشهودة ،
والمعامالت األقدسية ،واألذكار المنتجة ،والمخاطبات المبهجة ،والنهفثات الروحية ،
الروعية .وكل ما يعطيه الكشف ،ويشهد له الحق الصرف . والقابالت ه
التأييد ،هو المدد .وروح القدس ،هي الحقيقة اإلسرافيلية التي تظهر على هياكل
المحقهقين ،لتقدهس أرواحهم من نقائص أحكام البشرية وغيرها .و « من » زائدة ؛
فتقديره :إن هذا الباب أشرف أبواب الكتاب .لكونه هو الباب الحاوي لفنون -أي
لجنس -األنوار الساطعة ،وهي البوادي والبواده التي تفجأ العبهاد ه
والزهاد من
مطالعات أنوار عجائب الملكوت .
والبروق الالمعة ،هي عبارة عن مبادئ ظهور أنوار التجليهات ؛ وهي ألهل البداية .
واألحوال الحاكمة ؛ يعني على المريدين :كالشوق ،والوله ،والقلق ،والحزن ،
والقبض ،والبسط ،وأمثال ذلك .والمقامات الراسخة ؛ للسالكين :كالرضى ،
والتفويض ،والزهد ،والمراقبة ،والمحاسبة ،وأمثال ذلك .
والمعارف اللدنية ؛ للعارفين :وهي العلوم الواردة عليهم من قبل الحق بال واسطة ،
ألنها من لدنه تعالى .
6
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 7
والنهفثات الروحية ؛ هي التي من شأن سادات المالئكة على التخصيص ،ونودي لهم
ّللا تعالى من عباده ؛ فالنفث هو اإللقاء ،وهو لألنبياء وحي ، أن يلقوا على من أراد ه
ولألولياء إلهام .
والقابالت الروعية ؛ يعني بالقابل :الكون ،وبالروع :النفس .
يريد بذلك :المظاهر الموجوة من نفس الحق فيه .وك هل ما يعطيه الكشف ؛ يريد :من
العلوم التي هي من وراء أطوار العقل والنقل ،فال يدرك إال بالكشف .وما شهد له
سنهة ،وحكم العقل السليم .
الحق الصرف ؛ يعني علم بالكتاب وال ه
فجمع هذا الباب ،أصناف العلوم المتعلهقة بالحق والخلق ،وما في الوجود سوى ذلك ،
فحوى جميع علوم الوجود .
ّللا عنه -على إحاطة هذا الباب بجميع ما في كتاب الفتوحات ، ثم نبهه الشيخ -رضي ه
فقال :ض همنت هذا الباب ما يتعلهق بأبواب هذا الكتاب مما ال بد من التنبيه عليه ،مرتهبا
من الباب األول إلى آخره -يعني آخر الكتاب -فمن ذلك ،أي فمن بعض ما تض همنه
هذا الباب من العلوم المذكورة :سر اإلمام المبين ؛ وهو الروح الذي تكلهم عليه في
الباب األول من الفتوحات ،وهو حقيقة الختم ؛ وهي اللطيفة الذاتية المتعيهنة في
الصورة الجزئية ،بالكماالت الكلية .
س هر هو اللطيفة المذكورة ؛ واإلمام المبين هو الروح اإلضافية ،وقد عبهر عنها بقوله فال ه
:اإلمام المبيهن هو الصادق الذي ال يمين .
لسر ،أن السر هو اللطيفة الذاتية بنظره إلى الكماالت الفرق بين الروح اإلضافية وا ه
اإللهية ،من غير اعتبار المظهر .
والروح اإلضافية ،هي عين تلك اللطيفة الذاتية ،لكن باعتبار المظهر وإضافته إلى
الظاهر فيه .
7
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 8
والحكم المسماة إنسانا وآدميا وعبدا ،لمقتضياته الذاتية له ،الالزمة لصورته الناقصة
المباينة للكمال ،لئال يلزم التناقض بين حاله ومقامه ،إذ ليس ذلك من الشؤون الكمالية
.فكتمه لذلك المعنى من عين أوصاف الرتبة الكمالية فجعل ذلك التحذهي سرا ال جهرا
،لما يقتضيه الكمال من صفة الحق ،وأدب المقام الالزم للخلق .
ثم تكلهم على تلك اللطيفة بعبارة أخرى ؛ فقال :مجلى ما أحاط به العلم ،وتش هكل فيه
الكيف والكم .
هو -أي الروح -مح هل انجالء العلم اإللهي .يعني أن الروح المقدهسة ،التي هي عين
س هر الذاتي ؛ هي عين العقل األول المعبهر عنه بالقلم األعلى .ولهذا الروح اإلضافي وال ه
كان مجلى المعلومات اإللهية ،
مما هو معنى :
كالصفات واألعراض ،أو صورة :كالذوات والجواهر .وعن ذلك عبهر بما " تشك هل
الكيف فيه".
ثم تكلهم عل تلك اللطيفة بعبارة أخرى ؛ فقال :وجلت به األعراض ،وفعل باإلرادات
واألغراض ،فانفعلت به األوعية المراض .
أراد أن يبيهن أن تلك اللطيفة هي الروح اإلنسانية ،التي هي المدبهرة للجسم ،فهي
جوهر يح هل العرض فيه ،ويفعل في عالمه وفي تدبير جسمه باإلرادة متى اختار ،
وتنفعل له األجسام التي تحت تدبيرها . .
وإنما س هماها األوعية المراض ،ألن األجسام كاألرواح ،من حيث أنها عين الحق ؛
فلنقصان تحققها في الظهور بالصفات اإللهية التي تظهر في األرواح ،س هميت مراضا
ألنها ليست في صحة اعتدال األرواح .
ّللا عنه -من العبارة عن أطوار هذه الروح ،تكلهم عنها عند فلما فرغ الشيخ -رضي ه
نهايتها في الرتبة الكمالية .
ّللا عنه ،كان هو اإلنسان الكامل ،وهذه العلوم التي يوردها في كتبه ألنه رضي ه
قاطبة ،مستفادة له ،أخذها من روحه ،
حسبما ذكر ذلك على اإلطالق في الباب األول من الكتاب ؛ فقال يصف حالتها في
الكمال :النور الباهر وجوهر الجواهر .
يعني :الروح الكامل ،هو النور الباهر .يريد بذلك ،صفات األلوهية ،ألن الذات
ظلمة ،والصفات نور .
واعلم أنه من ال يكون في نفسه ذاتا ساذجا يقبل معناه االنطباع بكل صورة من صور
الوجود ،سواء كانت تجليات إلهية أم عينيات كونية أم حكميات علمية ؛ ال يمكنه
8
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 9
تحقيق االتصاف بالصفات اإللهية ،وال يستطيع أن يبرز بالفعل ما هو فيه بالقوة ،وال
ينطلق بالشأن الكلهي ،لكونه مقيهدا بالحصر الجزئي .
ى عبهر عنه بأنه « جوهر الجواهر » ثم وعن ذلك االنطباع بصورة كل صورة ،معن ه
شرحه ،وأوضح ما أبهمه وفتحه ؛
فقال :يقبل اإلضافات الكونية ،واالستتارات الغيبية ،واألوضاع الحكمية ،والمكانات
الحكمية ،رفيع المكانة ،كثير االستكانة ،علم في رأسه نار ،عبرة ألولي األبصار .
يعني :أن روح اإلنسان الكامل ،يقبل جميع أحكام الظهور والبطون . .
فكنهى عن أحكام الظهور ،باإلضافات الكونية .وعن أحكام البطون ،باالستتارات
الغيبية -واالستتارات بالتاء المثناة من فوق والغيبية بالغين المعجمة -وهو العالم
المقابل لعالم الشهادة ؛
ي. ي ،ومع تحقهقه بعالم الشهادة ،غيب ه يعني :إنه مع تمكينه بعالم الغيب ،شهاد ه
الحق والخلق ،قابل لحكميهما . ه فهو في اآلن الواحد والساعة الواحدة :ظاهر بوصف
وكنهى عن ترتيب وضع الحكمة في األكوان ،بقوله " واألوضاع الحكمية " بتحريك
الكاف .
وكنهى عن المكانة اإللهية التي قبلتها هذه الروح الكاملة ،بقوله « والمكانات الحكمية
» بإسكان الكاف .
فاإلنسان " رفيع المكانة " ألنه موصوف الصفات اإللهية « .كثير االستكانة » إلى ما
هو له من ذلك الجناب « .علم في رأسه نار » أي :هي علم على الذات اإللهية .
« في رأسه النار » الموقدة التي تطلع على األفئدة ،المعبهر عنها بالجالل والعظمة
والقهر والكبرياء ،فهي الرياسة اإللهية التي هي آخر شيء يخرج من رؤوس
صدهيقين ،أي تظهر عليهم في نهايتهم ؛ ألن االتصاف بالعظمة والكبرياء والقهر ،ال ال ه
يكون إال في الكمال .
يضره
ه ومن ث هم ،هلك الرجل الذي نظر إلى أبي يزيد -وقد كان يرى ربهه كل يوم فال
شيء ولم يصبه سوء -ألنه كان يرى ربهه على قدر قابلية نفسه ،فاستطاع الثبوت
عنده لذلك ،فظهر عليه أبو يزيد بالعظمة والهيبة -ومن وراء قابليته -فهلك ألن
قابليته ال تبلغ قابلية أبي يزيد ،فما استطاع الثبوت عنده .
ْصار[ النهور ] 44 :وقد شرحنا في هذه النبذة ، ولذلك قال فيه إنه لَ ِعب َْرة ً ِألُو ِلي ْاألَب ِ
جميع ما حواه هذا الباب من كتاب الفتوحات ،فافهم .
*
9
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 10
وقد ذكرنا مضاهاتها في كتابنا الموسوم « بالناموس األعظم والقاموس األقدم ،في
وّللا الموفهق . ه
فتفطن لذلك ،ه ّللا عليه وسلم »
ي صلى ه معرفة قدر النب ه
-وحروف معنوية ؛ وهي حركات األشياء وسكناتها ،ينشأ منها حروف ،يتركب من
المتحرك ،كاإلنسان في حال قيامه ،يتركب ه تلك الحروف كلمات مناسبة لحال ذلك
يتصرف
ه منه صورة ألف ؛ وهي في حال منامه صورة الباء ،إلى غير ذلك .حتى أنه
يتصرف بالحروف ،إن كان عارفا بكيفية ه صاحب هذا العلم ،بحركات جسمية كما
التصرف بها .
ه
-وحروف حسية ؛ وهي ما تشاهد رقما وكتابة .
-وحروف لفظية ؛ وهي ما تش هكل في الهواء من قرع الريح ،الخارج من الحلق على
مخارج الحروف .
-وحروف خيالية ؛ وهي صورة تلك الحروف في نفس اإلنسان ،عند تعقهله لها .
ي،ي .أي مظهر لظهور كمال ه وك هل نوع من أنواع هذه الحروف ،ظروف ه
لسر إله ه
ّللا بتجليه عليه ،حين خلقه من المحت هد المقتضي لذلك ،بحكم ما لذلك المحت هدأودعه ه
من معنى الجمال أو الجالل أو الجمع أو الكمال .
ولما كانت األسماء والصفات ،حاملة لما فيها من شؤون الذات الظاهرة عليها لذي
التجليات ؛ قال :الظرف وعاء ،والحرف وطاء .
ّللا على ذات واجب الوجود تعالى ،
يعني بالظرف :األلوهية المفهومة عند إطالق اسم ه
عند اعتبارك لما يوصف به من الكمال والجمال والجالل .
10
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 11
فاالسم -أعني مفهوم هذه الحروف -مح هل لتلك الكماالت المعبهر عنها بحقائق األسماء
والصفات .
وعاء ،أي :األلوهية حاملة للمعاني الكمالية اإللهية .
والحروف -يعني اإلنسان -وطاء ،أي مظهر لتلك المعاني ،تختلف صورته وتحكم
سورته ،يعني :األلوهية تختلف صورتها بحسب تعيهنها في كل فرد من الك همل األفراد
ّللا عليهم وسلهم أجمعين ، ،كما ظهرت في إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى ه
وفيمن سواهم من األنبياء واألولياء على الخصوص ،بالتعيين والوجود ،بل في ك هل
ذرة من ذرات الكائنات على العموم بالحكم والشهود ،فهي على اختالف صورها ه
ومظاهرها ،واحدة العين ،ال تعدهو فيها من حيثها .
وإلى ذلك أشار بقوله « وتحكم سورته »
ّللا -وإن شئت قلت الحرف الذي ولهذا قال :هو .يعني الظرف الذي عبهرنا عنه باسم ه
عبهرنا عنه أنه اإلنسان الكامل -معنى المعاني .
يص هح أن يكون « مغنى » بالعين المعجمة ،فيكون تعبيره :أنه محل المعاني الكمالية
.ويص هح أن يكون
ّللا » معنى معاني األسماء والصفات ، بالعين المهملة ،فيكون معناه :أن االسم « ه
أي مفهوم جميع الكماالت اإللهية .ألن األلوهية هي المظهر الختالف األشكال
والمباني .
المباني -بالباء الموحدة من تحت -تعني :أن األلوهية ،التي هي حقيقة األسماء
والصفات ،هي التي أظهرت صور األشكال الخلقية واألوضاع الكونية .لكونها آثار
تجليات « السبع المثاني » التي هي أمهات الظهور وأئمة المظاهر الحقهية ،فهي الحياة
والعلم واإلرادة والقدر والسمع والبصر والكالم .
سبْعا ً ِمنَ ْال َمثانِي َو ْالقُ ْرآنَ ْالعَ ِظ َ
يم( :ولَقَ ْد آتَي َ
ْناك َ وذلك هو المشار إليه بقوله تعالى لنبيهه َ
[ ) 87الحجر . ] 87 :
والمراد بالقرآن العظيم ،ما ترجع إليه هذه الصفات .
فكانت األلوهية -وإن شئت قلت روح اإلنسان الكامل -جامعة للمظاهر الخلقية
والمظاهر الحقهية عموما على اإلطالق .
ّللا ،بجميع ّللا وجوده .أي يحيط وجود اإلنسان الكامل واسم ه ولهذا قال :يحوي ه
معاني األلوهية تفصيال وإجماال .
ويغني عن شهود الحق شهوده .أي :شهودك لإلنسان الكامل يغنيك عن شهودك
للحق المطلق .
ويحتمل أن يكون المراد :إن شهودك لمعاني األلوهية -باستحضارها في ذهنك
سنهة من العلوم والمعارف ، وتعقهلك لها ،يغنيك عن مطالعة ما نقل إليك بالكتاب وال ه
حق ال ريب فيه .يعني :التي هي ه
11
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 12
أنك تنال بدوام حضورك مع معاني االسم اإللهي ،وتعقهلك له بحكم ما يقتضيه من
الكماالت ؛ تصل إلى ما ال ينال ،وتصل إلى ما ال تصل إليه بواسطة النقل والعقل ؛
على أنهما ه
حق .
ولما بيهن حقيقة اإلنسان الكامل ،من حيث أمره الكلهي ؛ أراد أن يكشف عن كيفية تقلهبه
في األطوار الكلية التي تتحقهق بها له ،حقائق ما هو منطو فيه من األلوهية المحضة ،
فقال منازله معدودة .
وهي سبعة أطوار ،ال بد لكل كامل أن يقطع تلك المنازل ،حتى يبلغ درجة التحقيق .
باّلل ،سافر إلى الطور الثاني ،فيحصل في حقيقة جمع الجمع.فإذا بقي ه
وفي هذا المشهد ،يفنى من كان باقيا بالطور األول ،ويبقى من كان فانيا ،فيتحقهق
حينئذ بالوحدة المحضة ،ويضرب له مثال على الرقيم الحامل للمعاني الكمالية بكأس
مآلن خمرا ،فشرب الخمر ،ورمي بالكأس ،فانكسر وانعدم.
12
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 13
فيعطى مفاتيح غيب الغيب -وهي أمهات األسماء ،وأئمة الصفات -فيصرفها بالذات
،ويتحقهق بها صورة ومعنى في جميع األوقات .
ومن وصل إلى هذا الطور ،ال يتوارى عنه مشهوده بحال أصال ،وال يجوز عليه
االستتار قطعا .
األول ؛ فيتحقهق العبد
ّللا عنه بالمفاتيح ه
وهذه األسماء ،هي التي يسميها اإلمام رضي ه
باالتصاف بها .
ومن هذا المنزل ،يسافر إلى الطور السابع ،المعبهر عنه بنزول الحق في الثلث
األخير من الليل إلى سماء الدنيا .وعندها يطلع الفجر ،وتظهر شمس الكمال على
سائر أعضائه الجسمانية -على حسب ما كان لروحه وقلبه -فيكون جسمه روحا ،
وقلبه عقال ،بالعين والحكم والوجود جملة وتفصيال .
ي بالنوافل حتى أحبهه
يتقرب إل ه
ّللا عليه وسلم « :ال يزال عبدي ه
وهذا معنى قوله صلى ه
،فإذا أحببته ،كنت سمعه الذي يسمع به ،وبصره الذي يبصر به ،ولسانه الذي ينطق
به ،ويده التي يبطش بها ،ورجله التي يمشي بها » « . . » 1فافهم !
وما بعد هذا المنزل ،إال العجز والحيرة في التجليات التي ال نهاية لها .
وهذا العجز ،عين الكمال والقدرة .وهذه الحيرة ،عين الثبوت .ونهاية ما يعبهر به
عن هذه الحيرة وهذا العجز ،
بأن يقال :إنه يجد كماالته اإللهية ،التي هي له ،على ما هي عليه من عدم النهاية
التي يعجز العلم عن اإلحاطة بها ،من حيث أنها ال نهاية لها .
فبالنظر إلى هذا العجز ،قال عليه الصالة والسالم « :ال أحصي ثناء عليك » . .
وبالنظر إلى ما هو من كمال الصفة العلمية له تعالى ،
13
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 14
14
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 15
العجائب والغرائب ،مما يطول شرحه .وسوف أنبههك في األبيات المذكورة هنا ،
ّللا تعالى .
على ما يعينك على معرفة ذلك ،إن شاء ه
قال الشيخ :فمنه نثر ،ومنه نظم ،ومنه أمر ،ومنه حكم .إن للتجليات الحقيقية ،
التي هي لإلنسان الكامل ،نثر تجليات ذاتية منفردة ،غير متعدهد ،ليس لكل تج هل إال
اسم واحد .ومنه نظم تجليات صفاتية ،يجمع ك هل تج هل أسماء متعدهدة وصفات متغايرة
؛ كتجلي القدرة -مثال -يجمع جميع تجليات األفعال ،وكذلك تجلي اإلرادة ،وكذلك
تجلي العلم ،وكذلك تجلي الجمال ،وكذلك تجلي الجالل وتجلي الكمال ،إلى غير ذلك
من تجليات الصفات واألسماء التي لها الهيمنة على ما تحتها .
ولهذا قال « فمنه أمر » أي ،مما يصدر من تجلياته ،أمر بوجود أو تكوين ،أو غير
ذلك من أوامر الحق تعالى على عباده « .ومنه حكم » نافذ ال يتغيهر في العالم ،ألنه
ه
الحق المتعيهن ؛ هذا معناه .
ولما كان ذلك لإلنسان ،الذي هو حرف من الحروف العاليات ؛ كذلك هو لأللف الذي
هو حرف من الحروف الحقيقية أو الروحية أو المعنوية أو الصورية أو اللفظية أو
الرقمية أو الخيالية .
أال تراه يقول « :فمنه نثر ،ومنه نظم » إن اعتبرته في الحروف اللفظية ،وجدت
األمر كذلك « ،ومنه أمر ومنه حكم » كلفظة أفعل ؛ وهذه حروف مركبة .
ولفظة قول وفعل ،وغير ذلك ،كلها أمر ؛ وك هل منها حرف واحد غير مر هكب !
ّللا تعالى .
فاعتبر جميع الباب في أطوار الحروف ،تقع على كنز من كنوز ه
وإنما ضربنا على تبيهن كل ذلك ،لئال يفوت الغرض من تأليف هذا الكتاب ،والمراد
بذلك سعادتك ،وإنما هي في معرفتك لنفسك ،فألجل ذلك تكلهمنا على اإلنسان وحده .
وقال في اللفظية والرقمية والخيالية أنها :ابن اإلمام المبين .الذي هو اللوح المحفوظ
،ألنها تبرز بتلك الحقائق ،كما تبرز المعاني من القلوب .ال ،بل هي أبوه .
يعني :هي أصل لتلك الحقائق المكتوبة في اللوح ،ألنه ال بد من حروف كتبها القلم
في اللوح حتى قرئت .
وتلك الحروف ،ولو كانت على غير هذه الهيئة ،فهي عين هذه الحروف الرقمية ؛
متلوة مقروءة ،ولو بال معنى ؛ فال يخرجها ذلك عن كونها حروفا ،فهي -أعني ألنها ه
الحروف -أصل للمعاني الموضوعة في اللوح المحفوظ ،إذ بها الكمال والتمام .
لكونها مشهودة صورة ومعنى ،والموضوع في اللوح المحفوظ إنما هو مشهود معنى
ال غير ؛ فجمعت هذه الحروف ،حقائق المعنى والصورة . .
وليس ذلك لتلك ،فافهم .
ولكون اإلنسان الكامل ،كلهي التحقيق ؛ قال :إذا أسهب ذهب .أسهب -بالسين المهملة
طول في الحديث . طول وأطنب -يقال « أسهب في الكالم وأطنب » إذا ه -يعني إذا ه
15
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 16
المراد :إذا تمادى وأطال نظره إلى حقائق صفاته -التي ال نهاية لها ،وكلها كمالية -
ذهب عن حكم الكون ،فال يس همى خلقا بوجه من الوجوه ،ألنه قد ذهب عن العالم وما
فيه بالكلية ؛ فليس هو من العالم ،وال هو فيه .
وإذا أوجز أعجز .اإليجاز ض هد اإلسهاب ،يعني :أن اإلنسان إذا اختصر في نفسه ،
فوقع نظره في صفاته ،إلى نظره لذاته ؛ أعجز غيره عن دركه
وإن شئت قلت :أظهر ك هل أمر معجز وإن اعتبرت ذلك في الحرف اللفظي والرقم ،
فمعناه ظاهر . .
ومن ثم قال :فصيح المقال ،كثير القيل والقال .
يعني :أن اإلنسان اإللهي الكامل ،ظاهر التكوين بالكلمة ؛ كثير الكالم ،ألن
متصور بكل صورة خلقية ،ه الموجودات كلها كلمات .تختلف أشكاله ومعارجه ،ألنه
ومتحقهق بكل حقيقة إلهية ؛ فهو مختلف األشكال والمعارج .
ويخفى على المتهبع أثره ومدارجه .ألنه من وراء قوة أطوار الكون ،فيخفى أثره على
كل متهبع ،ألنه ال يبلغه حدهه ،وال يصل إليه دركه .
واعتبر تلك المعاني في الحروف ،فالحرف اللفظي تختلف أشكاله على حسب وضع
كل واضع بكل لغة .
و « يخفى على المتهبع أثره » يعني :على المقتفي له ،معرفة ما جعل ه
ّللا في كل
حرف من أثر -بالخاصية والطبع والفعل -في كل معنى وصورة ،مما لكل حرف
التصرف .
ه من
ألن الحرف ،وإن شئت قلت اإلنسان الكامل :كائن بائن .
الحق ،بائن عن الخلق » ويصح أن ه يص هح أن يقول عن اإلنسان الكامل إنه « كائن مع
يقول « هو كائن مع الخلق ،بائن عما هم فيه » كما أن الحرف كائن في رتبة
اإلحاطة ،بائن عن حكم القيد باإلحاطة ؛ لكونه يفعل بحقيقته في الغيب ،فهو غير
محصور على ما يشهده من صورته .
ومن ث هم ،قال عن الحروف -وإن شئت قلت عن اإلنسان الكامل ،بل هو اإلنسان -
راحل قاطن .
أي راحل عن المراتب الخلقية ،قاطن في المراتب اإللهية .
باّلل .
استوطن الخيال ،فأقام في عالم ؛ معناه :وهو محل العلم ه
وافترش الكتاب ؛ يعني :لما كان في باطنه ساكنا مع ربه ؛ افترش الكتاب ،يعني
اتخذ الصفات واألسماء اإللهية ،فرشا له في موطن كماله ،يتقلهب عليها .
واستوطأ اللسان ،بتحقيق القدرة واإلرادة ،في نفوذ األمر بكلمة ُ :ك ْن[ النهحل ] 40 :
حيث يريد .
واعتبر هذه المعاني للحروف الرقمية واللفظية والخيالية ؛ فالخيالية مستوطنة الخيال ،
ألنها ال تكون إال في عالم الخيال ،فال تخرج عنه ؛ والرقمية افترشت الكتاب ،ألنها
16
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 17
متلوة ،فال تكون إال في الصحف ؛ واللفظية استوطأت اللسان ،فال تظهر إال
ه
بواسطته .وقس على ذلك ،ك هل األقسام الثمانية .
وقد شرحنا في هذه النبذة ،جميع ما حواه الباب الثاني من كتاب الفتوحات ،في
الحروف وغيرها ؛ ونبههناك على ما هو المقصود من ذلك .
*
17
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 18
تنزهه عن معنى التشبيه المنزه .ألنك عندما تريد أن ه ه وألجل ذلك ،قال :التنزيه تحديد
،ليحصل بذلك ما تريده من التنزيه ؛ وبهذا الفعل تحصره على ما يضاد التشبيه ،
فتحدهه وتقيهده بذلك المعنى ؛ فالتنزيه تحديد وتقييد .والتشبيه تثنية المشبهه ،ألنك إذا
قلت « هو كذا وكذا » على التقييد بصورة واحدة دون غيرها ،فقد أشركته مع تلك
الصورة في معنى واحد ؛ وهذا هو عين التثنية .
تنزهه في عين فكال األمرين على انفرادهما ،خطأ ؛ والصواب جمعهما بحيث أن ه
التشبيه ،وتشبههه في حكم التنزيه .
وإلى هذا أشار ونبهه بقوله :فيا ولدي .يخاطب تلميذه بدر الحبشي بقوله ،ليسمع غيره
نزه وشبهه .يعني :تأ همل فيمن جمع بين الوصفين ؛ هل حاد عن :تنبهه وتف هكر فيمن ه
سواء السبيل ؟ كلمات االستفهام إذا صدرت عن العارف بما يستفهم عنه ،تكون إما
نفيا وإما إثباتا ؛ ألن المتكلهم يعرف المعنى ،فال فائدة لالستفهام .
و « هل » هنا بمعنى النفي ،
يعني :أن كل من جمع بين التشبيه والتنزيه ،ما حاد عن سواء السبيل .
ّللا في نفسه .
ّللا ،الذي هو صراط ه
أي ،ما مال عن طريق ه
وذلك هو المعبهر عنه بتجليات ذاته في حقائق أسمائه وصفاته ؛ فما حاد عن ذلك ،من
كان على هذا الوصف ؛ ألنه عرفه على ما هو األمر عليه .
وهل هو من علمه في ظ هل ظليل .ولفظة « هل » هنا بمعنى اإلثبات ،
ه
المنزه في التشبيه والمشبهه في التنزيه ،في ه
الحق هو وتقديره :نعم هو من علمه أن
ظ هل .
يعني :في ستر مانع ،مستور بصفات الحق عن صفات الخلق ؛ ولهذا كان ظلهه ظليال
،وإلى هذا أشار القائل ،بقول أبو نواس الحسن ابن هانئ:
تستهرت في دهري بظ هل جناحه * فعيني ترى دهري وليس يراني
فلو تسأل األيهام ما اسمي ما درت * وعن موضعي لم تدر أين مكاني
فمن هو بهذه الصفة على التحقيق :هو في خير مستقر وأحسن مقيل .ألنه يتنعهم
بتجليات ربهه بين الصورة والعروج والمعنى .
18
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 19
فال يخرج عنها بوجه من الوجوه ،بل يجدها في كل حال من الغيبة والحضور ،
والنزول والصعود ،والعروج والهبوط ؛ على اختالف الظهور ،فأمره نور على نور
.
ولما فرغ الشيخ من تعريف حال من له الجمع ،رجع إلى تعريف حال من له الفرق ،
المنزه يخلي ،بالخاء المعجمة ، ه ليميهز بينهما .فقال :
فيعطله .والمشبهه يحلي ،بالحاء المهملة ، ه يعني :يخلهي الحق عن صفة التشبيه ،
الحق حلية غيره ،فيقصره على صورة الخلق . ه المعنى :أنه يلبس
والذي بينهما ال يخلي وال يحلي .
ه
الحق عما هو له ،وال يحليه يعني :والعارف الذي بين التشبيه والتنزيه ،ال يخلي
بصورة غيره .
بل يقول :هو عين ما بطن وظهر ،وأبدر واستتر.
يعني :إن العارف بوصفه ،يصف البطون والظهور ؛ فبصفة الكمال الحكمي له
البطون ،وبصفة تعيهن الوجود له الظهور .
فهو -أي الحق -عين ما أبدر ،أي صارت بدرا بالكمال والجمال والجالل ؛ وعين ما
استتر ،أي استتر باللباسات الخلقية .
الحق تعالى .الشمس والقمر ،أي العبد والرب .والعالم له ،أي هّلل تعالى . ه فهو ،أي
ه
والحق معنى الخلق ؛ فال ه
الحق ، كالجسد للنفس ،وكالصورة للمعنى ،فالخلق صورة
خلو للمعنى عن الصورة ،وال للصورة عن المعنى .
ولهذا ،قال :فما ث هم هإال جمع .
ه
بالحق ؛ فال وجود إال للحق إال بالخلق ،وال ظهور للخلق إال ه يعني :ما ثم ظهور
ّللا عين ك هل موجود . . لصورة الجمعية بينهما ،ألن ه
حق خال عن وجود الخلق ، الحق ،وال ه ه ول هما لم يوجد في الوجود خلق خال عن وجود
ي الجدار ؛ ه
الشق الفاصل بين جزئ ه قال :ما في الكون صدع .الصدع في اللغة ،هو
استعاره هنا ،للثنوية المتو ههمة بين الخلق والحق .
ّللا وبين العالم ،بل هو عين العالم والعالم عينه ! فإن وتقديره :ما ث هم أمر فاصل بين ه
تو ههمت فاصال ،فإنما هو من حيث وهمك ال غير .ألن العالم له ،كهيكل اإلنسان
للنفس الناطقة .
إن لم يكن األمر كذلك .يعني :إن لم تكن حقيقة األمر ،على أنه عين العالم ،وأن
العالم عينه .
فما ث هم شيء هنالك ،فما ث هم شيء زائد على العالم وحقيقته ؛ فاترك ما توهمته من أنه
خارج عن حقيقة العالم ،وأن وجوده أمر زائد على الكون ؛ واعلم أنه عينك وأنت
عينه .
ي العين « -موجود » في جميع ما واألمر موجود .يعني :ذات الباري تعالى -أحد ه
الحق والخلق ،فهو واحد العين في كثرة تعدادات األين . ه يتصوره من صفتيه
ال بل وجود .نفى الكثرة ،ألنه عين الوجود المطلق ،فال تعدهد في الوجود .
19
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 20
ومن هنا ن هكره فقال « وجود » ولم يقل « الوجود » لكون الكثرة عين الواحدية ،من
غير تعقهل مباينة ،ألنه عين التباين والتطابق .
والحكم .يعني :آثار الصفات اإللهية في الذوات المخلوقة .مشهود ال بل شهود ؛
يعني :أنها مرئية وهي عين الرؤيا التي نراها بها ،فهي المشهود والشاهد والشهود .
وبالنهسب ص هح النهسب .
أي :بالربوبية وجدت العبودية ،وبالعبودية وجدت الربوبية ،فال تعقهل إلحداهما إال
باألخرى -كالمعلومية ؛ ال تحقهق بها إال بالعالمية ،وال تحقهق للعالمية إال بالمعلومية .
.وكال المرتبتين ال وجود لهما إال بتعقهل الصفة العلمية ،وال وجود للصفة العلمية إال
بتعقهلهما .
وك هل واحد من العلم والعالم والمعلوم نسبة ؛ فما وجدت النهسب إال بالنهسب .
سبب . ولوال المسبهب ،ما ظهر حكم ال ه
المسبب يجوز أن يكون بالفتح والكسر ؛ فإن قلنا بالكسر ،كان اسم الفاعل ،وتقديره :
ّللا الذي أوجد األسباب ،لما ظهر حكمها » وإن قلنا إنه بالنصب ،كان اسم « لوال ه
المفعول ،
يعني « :المسبهب ،الذي هو مفعول السبب ،أعطي السبب حكم السببية » فكما أن
القلم ،الذي هو سبب الكتابة ،علة لوجود المكتوب ؛ كذلك المكتوب علة لنسبة السببية
إلى الكتابة ،كما أن كال منهما علة لنسبة السببية إلى الكاتب .
وكذلك الكاتب علة لنسبة السببية إلى القلم ،كنسبة السببية إلى المكتوب -فبالمسبهب -
الذي هو فاعل -وبالمسبهب -الذي هو مفعول -ظهر حكم السبب عنهما ؛ فكان هذا به
فاعال ،وكان هذا به مفعوال . .فارتبط األمر بعضه ببعض .
شورى ] 11 :زال الظ هل والفيء ،والظ هل ْس َك ِمثْ ِل ِه َ
ش ْيء[ ال ه ولهذا قال :فإن قلت :لَي َ
ممدود بالنص ،فعليك بالفحص .
فيكون المعنى :ليس مثل الحق شيء ،ألنه عين الوجود كله ،فال مثل للوجود -ألنه
لو كان للوجود مثل ،لص هح أن يطلق عليه اسم الوجود -فالواجد أمر واحد ،ال مثل له
على الحقيقة .
ه
الحق ويحتمل أن تكون الكاف تشبيهية ،فيكون معناه :ليس كاإلنسان ،الذي هو مثل
،شيء .
وّللا تعالى عين الحق والخلق .فهو -أي اإلنسان - ألن اإلنسان نسخة الحق والخلق ،ه
موصوف بكل ما يوصف به الحق ،ومنعوت بكل ما ينعت به الخلق .
شورى . ] 11 : ْس َك ِمثْ ِل ِه َ
ش ْيء[ ال ه فهو المثل الذي ال مثل له ،وهذا معنى لَي َ
20
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 21
المنزهة عن الكثرة ،انعدم وجود الخلق عندك ،وزاله فإن غلب عليك شهود األحدية
الظ هل والفيء .
ّللا ،فيزول ؛ ألنك لم تشهد شيئا سوى الوحدة المحضة ،فال ظهور ألن العالم ظ هل ه
للظ هل ،ألن الظ هل يحتاج إلى نور مفيض وظالم قابل للصورة المتوسطة بين النور
وبين المحل ،وبظهور الوحدة ،ينعدم ذلك ؛ فال كثرة بوجه من الوجوه ،لقولنا إن
الوجود شيء واحد في كل موجود ،فال تعدهد للوجود ،وإذن فال تعدهد للموجودات .
ألن الوجود على الحقيقة ،هو عين الموجودات ؛ فظهرت الواحدية ،وبظهورها
ّللا .
بطنت الكثرة ،فزال الظل والفيء المعبهر به عما سوى ه
والسوى موجود ،والظ هل ممدود .فعليك بالفحص والبحث ،لتجمع في الحقيقة بين
ير"[
ص ُس ِمي ُع ْالبَ ِ ْس َك ِمثْ ِل ِه َ
ش ْيء[ ال ه
شورى ] 11 :وبين أنه " َو ُه َو ال َّ القول بأن األمر لَي َ
شورى ] 11 : ال ه
ّللا
وحينئذ تجمع بين التنزيه والتشبيه .فعليك بالكشف عن هذه النكتة ،لتجدها إن شاء ه
تعالى ،وقد شرحنا لك في هذه النبذة ،جميع ما في الباب الثالث من كتاب الفتوحات ؛
رب غيره . وّللا الموفق ،ال ه
ه
*
21
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 22
الباب الرابع ما هذه المظاهر المشهودة هإال عين ال هظاهر فيها وهو ه
ّللا
ّللا عنه :ومن ذلك .أي ،ومن بعض ما تض همنه هذا الباب . قال الشيخ رضي ه
سر بداء العالم .واللطيف صفة سر البدء اللطيف ،وما جاء فيه من التعريف .يريد :ه ه
س هر .
سر البداء ،والضمير راجع إلى ال ه ه
وسوف أنبههك على مقدمة ،تعرف بها معنى كل ما يرد في هذه النبذة التي جمعت
جميع ما في الباب الرابع من كتاب الفتوحات المكية .
أحب في شأن ذاته البطوني ،أن يظهر في كنزيته ،لما ه ّللا تعالى لما
وذلك :أن ه
وتصور
ه يقتضيه شأن ذاته الظهوري من الظهور على حكم شؤونه الذاتية .فتش هكل
بأشكال العالم وصوره ونسبه وإضافاته وأحكامه جميعا ؛ صورة ومعنى ،بطونا
وظهورا ،فناء وبقاء ،عينا وحكما ،وجودا وشهودا .
وّلل المثلى األعلى -كمثل النفس الناطقة في هيكل فمثله تعالى في هذا المعنى -ه
اإلنسان ،إذا حدهثت نفسها بنفسها ،فتكون هي المتكلهمة والسامعة ،وهي عين كالمها ؛
ألنها تتصور لنفسها بصورة مفهوم ما تكلهمت به .
فهي الكالم والمتكلهم والسامع ،وكذلك الحق تعالى ،عين العالم المس همى بالخلق ،
وعين الخالق له المس همى بالحق .يبدءان ألسمائه وصفاته ،ترتيبا تقتضيه كل صفة ،
لما هي عليه في شأنها .
فلكل اسم مرتبة في ظهور العالم ،فهو ناظر إلى العالم ،من حيث تلك المرتبة
والمقتضى ،إليجاد الكون من جهة تلك الصفة .
فنقول -مثال -إن الصفة العلمية أول متوجهة إليجاد العالم ،وإن الصفة اإلرادية أول
متوجهة لتخصيص كل شيء على ما هو عليه من الهيئة والترتيب ،وإن الصفة
الحس .
ه القادرية أول متوجهة لظهور العالم في
لكن تو هجه كل صفة من هذه الثالثة المذكورة ،على ترتيب ذكرها ؛ فالعلم له التقدهم ،
ثم اإلرادة ،ثم القدرة ،وعلى ذلك فقس واحكم ،إلى أن تستوفي جميع األسماء
والصفات ؛ فإن أحكامها المتعلهقة أعيان وجودية ،يسمعها الكاشف ويراها .
فاعتبر ذلك حتى تستوفي مقتضياتها ،إلى أن يت هم األمر بظهور كل المراتب الكونية ،
علوا وسفال ،لطيفا وكثيفا .
ه
22
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 23
حيث كونه مسموعا ،أثر اسمه السميع ،وقس على ذلك ؛ فهذه األسماء هي المظهرة
ألعيان هذه اآلثار ،وإن شئت قلت :هذه اآلثار هي التي أظهرت هذه األسماء .
وعلى الحقيقة ،هو واحد في واحد لواحد .
فلهذا قال :بدؤه م همن فهو عالمة على من .
يعني :إذا كان الحق عين العالم ،فمن أين بدأ العالم ؟ بل هو في نفسه ،كما كان عليه
فإذن :ليس هو عالمة على شيء ،ألنه ما ث هم غيره .فال يقال إن الشيء الواحد ،
يكون عالمة على نفسه لنفسه .
ه
الحق هو إذ ال مغايرة في نفسه لنفسه ،فال بدأ ،وال ظهر ،وال بطن ،وال استتر ؛ إذ
الكل .
وإلى هذا المعنى ،أشار بقوله :ما استتر عين حتى يظهر كون .يعني :ما استترت
ذاته ،ليظهر غيره .
ّللا عنه -بشهود واحدية الحق تعالى في كثرة الموجودات ولما تحقهق الشيخ -رضي ه
،وعاين كثرة تنوعات تجلياته في األسماء والصفات ؛ قال :رأينا رسوما ظاهرة .
أراد بالرسوم ،األسماء والصفات التي هي الظاهرة في العالم بحقائقها وآثارها .
ورأينا ربوعا .
يعني بذلك ،المظاهر الكونية .دائرة ،فانية لظهور الحق تعالى .وقد كانت تلك
المظاهر الكونية ،التي يعبهر عنها بالسوى والعالم .قبل ذلك.
ه
ونظن أن لها وجودا ؛ ه
الحق .عامرة ،لكوننا كنا نراها ، أي ،قبل شهودنا فيها أحدية
فكانت من حيثنا ،وجودية وناهية وآمرة ،
فسألناها :ما وراءك يا عصام ؟ .
تكلهم الشيخ على لسان حال الوجود .
ّللا وراء الموجودات ،من حيث استنادها إليه االستناد فك هل من نظر بعين اليقين ،وجد ه
اإليجادي ؛
وإن شئت قلت :من حيث كونها مظاهر ،وهو الظاهر .وألجل ذلك ،قال إن الحال
ّللا في
أجابه ؛ فقالت :ما يكون به االعتصام .االعتصام هو االحتفاظ ،فلوال نظر ه
فباّلل عصمة العالم وحفظه . العالم وجوده ،لعدم العالم ؛ ه
ّللا وحبله ،وما ال يسع أحدا جهله .يعني :ما هذه ولهذا قال :فقلت ما ث هم إال ه
ّللا .
المظاهر المشهودة ،إال عين الظاهر فيها ،وهو ه
وحبله الذي به االعتصام ،هو صفاته الحاكمة بتنوع الموجودات .
فشبهه االعتصام بالحبل ،لالرتباط المعقول بين األثر والمؤثر ؛ وعن ذلك كنهى بقوله «
ما ال يسع أحدا جهله » لظهور آياته في مصنوعاته .
23
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 24
يعني :المخلوقات التي هي حجب على صانعها ،ألن الحجاب من طبعه أن يكون
كثيفا ،وإال لما حجب
.فلوال هذه الحجب الكثيفة ،ما علمت اللطائف .أراد باللطائف ؛ حقائق األسماء
والصفات .
ولوال آثارها .الضمير راجع إلى اللطائف ،
يعني :ولوال آثار األسماء والصفات .ما ظهر منارها .
أي منار الكثائف التي هي المخلوقات على اإلطالق ؛
ّللا وصفاته ،لما
يعني :لوال العالم ،ما عرفت أسماء الحق وصفاته ؛ ولوال أسماء ه
ظهر العالم .فمن خبت ناره ،انهد مناره .
يعني :فك هل مظهر سكنت ناره -لبطون تجلي االسم الحاكم عليه -انهدم وفني من
الحس ،فصار له حضرة القدس ،على ما ؟ ؟ ؟ عليه ؛ ألنه كان ث هم قبل ظهوره ه حيث
،وصار إليه بعد بطونه .
فما ازدادت حضرة القدس بدخوله فيها ،وما انتقصت بخروجه عنها .
الحس .
ه الحس .يعني :وما ين هم بوجود الموجودات ،إال مراتب
ه وما ين هم به إال
الحس .أي ،العالم المحسوس الدا هل على ه
ّللا .بشهود األثر .برؤية أثر األسماء ه لوال
ّللا ،
اإللهية ،والصفات الكمالية ،فلوال ذلك .ما عرف للطيف خبر .اللطيف هو ه
24
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 25
بالحس ،لظهر بالفعل ما هو باطن فيها بالقوة من أوصاف ه ولوال اشتغالها عن المعنى
الكمال ونعوت الجالل والجمال .
وإلى ذلك أشار بهذه األبيات :
سرى اللهطيف من اللهطيف فناسبه * وبدا له منه الخالف فعاتبه
اللطيف األول هو النفس ،واللطيف الثاني هو ذات واجب الوجود .
يعني :
أن النفس على الحقيقة ،مخلوقة من نور ذات الواجب بذاته ؛ ولهذا وجدت فيها من
ه
الحق به -وقد بيهنا كيفية مضاهاتها للحق والخلق على الكماالت ،جميع ما وصفت
التفصيل ،في كتابنا الموسوم " بإنسان عين الوجود ،ووجود عين اإلنسان الموجود "
فمن شاء أن يعلم ذلك ،فليطالع فيه -وحوت من النقائص جميع ما في الوجود ؛
الحق والخلق ،ما استوعب األمر على ما هو عليه . ه فجمعت من كال وصفي
ق تعالى جامع لذلك ،فحصلت المناسبة بين النفس - ولهذا قال « فناسبه » ألن الح ه
ه
الحق ،الذي هو روح العالم. التي هي روح العالم اإلنساني -وبين
وأما قوله « بدا له منه الخالف » فهو إشارة إلى ما يقع للنفس من النزول والركون
إلى المقتضيات األرضية التي ألجلها يكون العتاب ،وإليه اإلشارة بقوله " فعاتبه " ،
ثم قال :
وتو هجهت منه إليه حقوقه * فدعاه للقاضي العليم وطالبه
يعني :واقتضى الحال أن يتو هجه على النفس حقوق كثيرة لموجدها ،إذ للصانع ه
حق
على مصنوعه ال ينكره العقل طبعا ،والقاضي هو العقل ،
ه
الحق للنفس إلى العقل -لتعرفه النفس -بقوله « فدعاه للقاضي العليم فعبهر عن إرجاع
حق الصانع عليه .»فطالبه ،بأداء ه
ونعت القاضي -المعبهر به عن العقل -أنه عليم ،ألن العقل من طبعه درك األمور
ّللا فيه من مكنون علمه ،كما سبق بيانه .كلها ،لما أودع ه
فعندما رجعت النفس إلى مقتضى العقل ،عرفت بحكم العقل ،أن نزولها إلى مقتضى
حكم الجسم وبال عليها ،فعبهر عن هذا المعنى بقوله :نادى عليه .
يعني :نادى العقل على النفس .
تجرسا .التجريس ،التعزيز على سبيل اإلهانة ته هكما إذ العقل يقضي أن يكون :هذا ه
جزاء من عامل الجنس البعيد وصاحبه .
اإلشارة بقوله "هذا " إلى النزول واالنحصار والتقييد والعجز واالحتباس بحكم سجن
الطبع ،فذلك جزاء كل نفس اشتغلت بالظاهر عن حكم الباطن ؛ ألنها تألفه وتنسى ذلك
المعنى طبعا .
فما أنزلها عن التحقهق بحقائق الكمال ،إال فعلها ،فإذن نزولها جزاء ما صنعت .
25
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 26
وعن الجسم ومقتضياته ،عبهر بالجنس البعيد .فنزول النفس إلى العجز ،ألمرين :
أحدهما ،العمل بمقتضى الجسم ؛ والثاني ،مصاحبة الجسم .فاألول عارض ،والثاني
الزم .
فينبغي أن يسعى المرء أوال في زوال حكم العارض ،حتى إذا ه
انفك عن الجسم ،
حصل له الالزم أيضا ،فيخلص إلى الكمال المطلق من كل وجه .
وعن الرجوع عن المقتضيات البشرية عبهر بقوله :
ليتوب من سمع النهداء فيرعوي * عنه ويعلم أنهه إن جانبه
تظفر يداه بك هل خير شامل * فاستعمل اإلرسال فيه وكاتبه
الالم في « ليتوب » للتعليل ،
مجرسا للنفس ،لتحصل منها التوبة ،وهي الرجوع عن حكم ه يعني :إنما نادى العقل
الحق ؛ فتلزم مشاهدته منها فيها -ولتعلم النفس ،بما أوضحه ه الجسم ومقتضاه ،إلى
العقل ،أنها إن جانبت الجسم -المعبهر عنه بالجنس البعيد -فتركت العمل بمقتضاه ،
وخالفت أحكامه ؛ ظفرت يداها بالصفات اإللهية ،التي هي في قوة النفس وقابليتها ،
فتستعمل االسترسال في ذلك بشهودها لحقائقها الحقيقية ؛ ألنها عين المعبهر عنه بالذات
اإللهية،
وإلى النفس أشار بقوله :هو اللطيف في أسمائه الحسنى ،وبها ظهر المأل األعلى
واألدنى .
يعني :أن النفس المعبهر عنها بالذات ،ظاهرة في األسماء الحسنى والصفات العليا
التي ظهرت بواسطتها الموجودات ؛ فالضمير في قوله « بها » راجع إلى األسماء
سطت في إيجاد هذا الحسنى .وقد شرحنا لك في أول هذه النبذة ،عن كيفية كونها تو ه
العالم .
وعبهر عن ذلك بقوله :لما تجاوزت تحاورت ،األول بالجيم ،والثاني بالحاء المهملة .
يعني :لما حصلت المجاورة بين األسماء اإللهية والصفات الربانية ،ألنها كانت في
مح هل واحد فخاطبت بعضها بعضا بحكم المقتضى ؛ وعن ذلك عبهر بقوله « تحاورت
» .وقد قلنا لك إنها طلبت ظهور آثارها ،وإن الكالم على الحال .
وذلك واقع صورة في اآلزال ،علم تحقهقه .
وعن لسان حالها المطالب بمقتضى آثارها ،عبهر بقوله :ولما تكاثرت ،تسامرت .
فرأت أنفسها على حقائق ،ما لها من طرائق .
يعني :رأت األسماء والصفات أنفسها على حقائق مختلفة ،فلتلك الحقائق ظهور في
الوجود .
فكان األمر :سماؤها ما لها من فروج .
كنهى عنها بالسماء ،ألن السماء لها العلو على األرض ،كما أن المؤثهر له العلو على
ما أثهر فيه ؛ وإنهي بقوله َوما لَها ِم ْن فُ ُروج( [ ) 6ق ] 6 :عن عدم ظهور مؤثراتها
في ذلك الموطن ،فاقتضاه حالها ؛
26
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 27
وعن ذلك عبهر بقوله :فطلبت أرضا تنبت فيها من كل زوج بهيج .يعني :طلبت
األسماء والصفات اإللهية ،المعبهر عنها بالسماء ،أرضا ؛ أي محال تظهر فيه آثارها .
وعن ذلك عبهر بقوله َوأ َ ْنبَتْنا فِيها ِم ْن ُك ِهل زَ ْوج بَ ِهيج( [ ) 7ق ] 7 :
يعني :فاشتاقت أن تظهر هذه األسماء والصفات ،ك هل معنى لطيف من معاني آثارها
،في الموجودات .
فقالت .أي لسان حال األسماء والصفات عند اقتضاء الظهور :المفتاح في النكاح .
يعني :فتح باب اإليجاد ،بظهور الكون في تناكح األسماء ،أي توالج بعضها في
بعض ،لظهور هذا العالم .فعبهر عن دخول حكم األسماء بعضها على بعض ،
بالنكاح .
وال ب هد من ثالثة ،ليصح النكاح المعنوي .وألجل ذلك بني عليه النكاح الصوري ،فال
يص هح النكاح في ظاهر األمر ،إال بثالثة .
ي عدل ،لهذا القضاء الفصل . ي ،وشاهد هوهم :ول ه
فالثالثة المتصدرة المشروطة في نكاح األسماء اإللهية ،هم :
ّللا . االسم الذاتي ،وهو ه
واالسم الرحمن ،ألنه يرحم أسماءه وصفاته فيظهر آثارها .
ي! .
ي ،وث هم نكاح قدس ه
واالسم الرحيم ،ألنه به ترحم الموجودات .هذا نكاح أقدس ه
والثالثة المشروطة في األسماء ،لنكاحها الثاني وتداخل بعضها في بعض لظهور
العالم كله -أعاله وأسفله ،أوله وآخره -هو :العلم واإلرادة والقدرة .
صة وجود األسماء والصفات . فالعلم هو محل ظور المعلومات ،ومن ه
صصة لكل موجود ،على حكم ما يقتضيه حال الكمال . واإلرادة هي المخ ه
والقدرة هي المبرزة له من العلم إلى العين ،فهذه شروط صحة النكاح المعنوي
األسمائي األزلي األبدي .
فالنكاح األول ،لتعلهق األسماء والصفات بحقائقها ،ولكمال ظهورها .
والنكاح الثاني ،لظهور الموجودات وتحقيق بروزها ،ليتم به مقتضى الكمال ،فافهم .
ولما كانت الكلمة اإللهية ،التي هي مجلى العلم واإلرادة والقدرة ،وهي :كن ،متعلقة
ش ْيء ِإذا أ َ َر ْدناهُ
عز وج هل ِ :إنَّما قَ ْولُنا ِل َ
بالمعلوم ،لشمول معاني الكمال له تعالى ،لقوله ه
ون( [ ) 40النهحل . ] 40 :أ َ ْن نَقُو َل لَهُ ُك ْن فَيَ ُك ُ
فالشيء هو معلوم بالصفة العلمية ،ومراد بالصفة اإلرادية .
وكلمة ُك ْن[ النهحل ] 40 :هي المتعلقة بعين ذلك المعلوم في العلم ،وصفة القدرة هي
المخرجة له من العلم إلى العين .
عبهر عن ذلك بقوله :
فقال العليم ،يعني الصفة العلمية أعطت أنه :ال بد من كلمة ُك ْن[ النهحل ] 40 :
لظهور هذه األعيان الثابتة في العلم ،وخروجها من محلها إلى العالم العيني .
وعن كلمة ُك ْن[ النهحل ] 40 :
27
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 28
ّللا
ّللا الرحمن الرحيم .ومن ث هم قال بعض العارفين « :بسم ه عبهر بقوله :بسم ه
ّللا » . .
الرحمن الرحيم من العارف ،ككن من ه
ّللا تعالى -ولوال أن الكالم
وسوف يذكره الشيخ فيما يلي في هذا الفصل -إن شاء ه
من ال َّر ِح ِيم( [ ) 1الفاتحة ] 1 :في أثناء هذا الباب ،لتحدثنا
الر ْح ِ يأتي على ِب ْس ِم َّ ِ
ّللا َّ
ّللا عنه .
هنا حسبما أراده الشيخ رضي ه
ّللا عنه :فهذا .يعني ما عبهرنا عنه من لسان حال الكمال في األزل قال الشيخ رضي ه
:كان أول تركيب األدلة .أراد باألدلة ؛ المصنوعات وبروزها .
يعني :بذلك المعقول آنفا ،كان سبب تركيب المصنوعات وبروزها على لسان العموم.
وأما على الخصوص ،فاألدلة هي األسماء والصفات اإللهية ؛ لما اقتضاه الشأن
اإللهي ،من حيث ما هو األمر عليه ،ليكون ذات واجب الوجود ،منعوتا بنعوت
الكمال والجالل والجمال.
صة ،على شأن إلهي صته ؛ وتركيب كل صفة من ه فركوب كل اسم علما ،على صفة من ه
ّلل ْاأل َ ْسما ُء ْال ُح ْسنى[ األعراف . ] 180 :
،فقال تعالى َ :و ِ َّ ِ
ألن الشيء في نفسه ،ال يحتاج إلى اسم يميهز به نفسه لنفسه .
هذا إذا كان ث هم موجود آخر ،فكيف إذا لم يكن ث هم غيره ؟ فباألولى .
ولما الح هذا المعنى لبصائر المعتزلة ،من حيث أنهم لم يشعروا به ،ذهبوا إلى أن
القدم للذات فقط ،ليس لشيء من الصفات عندهم قدم في القدم ؛ فقالوا بأن جميع
األسماء والصفات اإللهية مخلوقة .
باّلل ،كما فات من قال بأنها قديمة على اإلطالق ،لقدم الذات ، وفاتهم نصف المعرفة ه
باّلل .
ولم يجمع بين الحكمين ،إال عارف ه
ّللا حقائق األشياء ،فعرفها ،وعرف مجاليها -على ما وال يكون ذلك ،إال لمن أشهده ه
ّللا ،فيحكم بأنه
هي عليه جملة وتفصيال -فعرف كيف ينسب كل اسم أو صفة إلى ه
قديم ؛ وكيف ينسبه إليه ،فيعرف بأنه -أي االسم والصفة -محدث .
ه
الحق هو الجمعية . ولم يقف على وجه دون آخر ،ألن
شبه المضلهة .
وبعد هذا ،عرضت ال ه
بالحق ،فضلهت أهل تلكه يعني :عرضت على العقول أمور ،يعطي بعضها االشتباه
العقول عن الطريق اإللهي الذي هو له تعالى .على أن الطريق المضلهة ،أيضا ،له
28
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 29
وإليه ،لكن هذه على العموم وبحكم الوسائط البعيدة ،وتلك على الخصوص وبالوسائط
ّللا عنه ،ونبهه عليه
القريبة ،وقد شرحنا لك في هذه النبذة جميع ما أراده الشيخ رضي ه
في الباب الرابع من كتاب الفتوحات .
وّللا الموفق .
ه
*
29
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 30
وقد وضعنا للبسملة كتابا ،شرحناها فيه أيام البداية ،وسميناه بالكهف والرقيم في
الر ِح ِيم( [ ) 1الفاتحة .]1:
من َّ
الر ْح ِ شرح بِ ْس ِم َّ ِ
ّللا َّ
وهذا الكتاب المذكور ،أول كتاب صنهفناه في علم الحقيقة ،فالحمد لمن جعل أول
الر ِح ِيم ) [( 1الفاتحة . ] 1 :
من َّ
الر ْح ِ تصنيفاتي في ِ :ب ْس ِم َّ ِ
ّللا َّ
ليقع كمال النسبة اإللهية في إظهار الحقائق صورة ومعنى.
ولوال ما شرحناه من أمر البسملة ،ألوردنا لك ذلك كله ،على التفصيل واإلجمال ،
وزبدة األمر كله ؛ رجوع أمر جميع أفعال العباد ،إلى أنها أفعال هّلل .
30
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 31
فك هل من هؤالء السادة ،منع بحاله أن يسطو عليه أحد ،فأقام ح هجته .
الحق -ولهذا أخذته سيوف الشريعة . ه وكان الحالج دون هذه المرتبة -ولو كان على
وال مؤاخذة على من قام عليه ،ألنهم قاموا بالحق ؛ ولو كان حقهه أعلى من حقههم .
ونهاية األمر ؛ إن الذين فعلوا هذا الفعل ،إذا ظهرت عليهم الحقائق ؛ ن هكسوا رؤوسهم
،وآمنوا بقوله .
ولوال الحقيقة ،ما أخذته سيوف الشريعة ؛ ألنه لما طلب ظهوره بالربوبية في عالم
أعز من وجود النار في قعر البحار -أطلقه لسان الوقت ،عن قيد العبودية -وذلك ه
الهيكل الجسماني ،ليتحقهق بما ادعاه في العالم الالئق بتلك الدعوى ،فجرى عليه ،ما
جرى غيره من الحقائق على الحقائق ؛ لئال يدهعي هذا المقام من ليس له ذلك .
ولو كان متحقهقا بذلك كمال التحقهق ،كما كان عليه غيره من الك همل المذكورين ،المتنع
بحق صفات الربوبية عن تلك القتلة ،كما امتنع غيره . . ه
ّللا ،ولو لم يكن له شاهد تلك البيهنة ؛ وكان من ذكرناهم من الحالج على بيهنة من ه ه فكان
ّللا ،ويتلوه شاهد منه . الك همل ،على بيهنة من ه
ير[ لقمان . ] 19 : ص ْوتُ ْال َح ِم ِ
ت لَ َ ّللا تعالى ِ :إ َّن أ َ ْن َك َر ْاأل َ ْ
صوا ِ ولهذا ،قال ه
يريد بذلك ،كناية عن حال المريد إذا تكلهم قبل أوان الكالم ؛ وفي المثل السائر عند
يعز المرء أو يهان . االمتحان ه
فلكل مقام مقال ،ال يصح دعوى المتكلهم عن ذلك ،إال إذا تم هكن فيه .
ّللا عنه ،واجد الحقيقة ،ما قال غير متم هكن بالحال ؛ فتع هجل الحالج رضي ه ه فلو كان
وتكلهم ،ولو تأ همل في قوله تعالى لنبيه الكريم عليه الصالة والسالم :ال ت ُ َح ِ هر ْك ِب ِه ِلسان ََك[
ّللا في حقههم :ال يَ ْس ِبقُونَهُ القيامة ] 16 :اآلية ،لكان ،كغيره من الك همل الذين قال ه
بِ ْالقَ ْو ِل[ األنبياء ] 27 :اآلية
باّلل مطلقا ؛ ال يعلم هذا ّللا ،والعارف يعمل ه ّللا ،ك هل ما يعلمه ه
فالكامل يعمل بأمر ه
الحق إال الكامل -إال إذا كان عارفا كامال ،وإال ه األمر المخصوص -الذي يتو هجه من
فهو محجوب عنه .
ّللا[ الفاتحة ] 1 :منه باّلل ،لتحقهق ذاته بمعنى صفاته ؛ كان ِب ْس ِم َّ ِي فاعال ه ولما كان الول ه
،بمنزله ُك ْن[ النهحل ] 40 :من ه
ّللا .
إذا قارنت ذلك منه حركة إرادية لصدور ما يريد في الخارج ،كما أن كلمة ُك ْن[ النهحل
الحق مقارنة إلرادته ما يكون على الوجه المخصوص المراد . ه ] 40 :من
31
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 32
ّللا عنه :فخذ التكوين عنه .الضمير في " عنه " راجع إلى ولهذا ،قال الشيخ رضي ه
ّللا المذكور في البسملة ،
اسم ه
المكون ؛ فقل للشيء ُك ْن[ النهحل ] 40 :
ه ّللا
والمراد :خذ علم كيفية التكوين ،عن ه
فيكون ،كما هو القائل تعالى لكل شيء .
تقوى جأشه ،أي قلبه ؛ واستدار عرشه ،باستوائه بذاته وعن ذلك عبهر بقوله :فمن ه
على عرش أسمائه وصفاته ؛ وتم ههد فرشه ،بتمكنه من التحقهق ،صورة ومعنى ؛
فظهر أثر اسم باطنه على ظاهره ،
متصرفا في العالم ،
ه ه
للحق تعالى -كان فكان لجسمه جميع ما هو لروحه -التي لها ما
ّللا عليه وسلم ،قال كن تكون األشياء بكلمته لها ُك ْن[ النهحل ] 40 :كرسول ه
ّللا صلى ه ه
،ولم يبسمل ؛ فكان ،ولم يحوقل.
ّللا عليه وسلم ،لشيخ رآه من بعيد « :كن زيدا » فكان ذلك
أشار إلى قوله صلى ه
ّللا عليه وسلم ،وترقهب
ّللا صلى ه ه
الخطاب ،أرسله رسول ه الشيخ زيدا ،أخو عمر بن
وصوله ؛ وحكايته مشهورة "" .في الحديث « كن أبا خيثمة » صحيح مسلم وصحيح
ابن حبان وروى القصة غيرهما"" .
تكون ذلكوالمراد :أن من كان متحقهقا بربه -روحا وجسما ،وصورة ومعنى -ه
ّللا عليه وسلم ،فقال ُ :ك ْن[ النهحل . ] 40 :
ّللا صلى ه الشيخ فصار زيدا لرسول ه
الر ِح ِيم( [ ) 1الفاتحة . ] 1 :
من َّ
الر ْح ِ ولم يقل ِب ْس ِم َّ ِ
ّللا َّ
ّللا[ الفاتحة ] 1 :مرتبة العارف ،و ُك ْن [ النهحل ] 40 :مرتبة ه
ّللا ، ألن ِب ْس ِم َّ ِ
ّللا[ الفاتحة ] 1 :ليس المراد بهذا االسم غير المحقهق ،وال غير ه
ّللا والمحقهق هو َّ ِ
تعالى .
ّللا عليه وقوله :فَكانَ [ األعراف ] 175 :ضميره راجع إلى ما قاله رسول ه
ّللا صلى ه
ّللا عليه
ّللا صلى هوسلم ُ :ك ْن[ النهحل ] 40 :وفاعل « لم يحوقل » راجع إلى رسول ه
باّلل .
وسلم ،أي :لم يقل ال حول وال قوة إال ه
ّللا تعالى بالفناء عن صفات نفسه وأفعالها ،بل ألن ذلك مرتبة العارف الذي رجع إلى ه
وّللا راجع إلى المحقهق ،رجوع العارف إلى ه
ّللا . وعن ذات نفسه ؛ ه
وّللا قائم بالمحقهق .
باّلل ،ه
فالعارف قائم ه
باّلل ،كما يقول المحقهق .
فلهذا ،لم يقل المحقهق ال حول وال قوة إال ه
فمن ذاق ،من شراب التمكين بالذات في تحقيق إظهار معاني األسماء والصفات ؛
ضاق مسلكه ،ألنه حينئذ يسير بالذات ،والذات ظلمة ال طريق فيها لسالك .
32
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 33
ك هل األولياء ل هما وصلوا إلى القدر وجدوه مصمتا فوقفوا ،إال أنا ،فتحت لي فيه روزنة
ه
بالحق . . ه
الحق ،فولجت فيها ،فدافعت أقدار
الحق ،ضاق عن قبوله بحكمه ه
الحق في هذا معنى ؛ وإن شئت قلت :من ذاق ألوهية
الخلق بالكلية ؛ فإن في ذلك فقدانه للربوبية ،إذ ليس من الكمال ترك الربوبية للعبودية
،فيضيق المحقهق عن كمال التنزيل إلى العالم الخلقي من كل جهة .
فإذن :يكون حقها مع حقيقته بالذات ،وخلقا مع خليقته باألسماء والصفات والشؤون
واالعتبارات والنسب واإلضافات ،فمعيهته مع الحق والخلق ،خير معيهة ،الحق
سبحانه وتعالى ! ولم يقر بهذه النكتة -حاال -إال كامل في هذه الدار ،وحقيقة األمر ؛
رجوع الك هل إلى هذا المعنى.
ّللا عنه :ال تبسمل ،وقل بكن ،مثل ما قاله يكن . ولهذا ،قال الشيخ رضي ه
بكن األولى ،بالباء الموحدة .
ويكن األخيرة ،بالياء المثناة من تحت ؛ وهذا جزاء لقوله :قل .
والمعنى :ال ترجع بك إليه ،كما هو المقصود في البسملة ،بل ارجع باألمر كله إليك
،وقل ُك ْن[ النهحل . ] 40 :
الحق ،يكن ما شئت كما شئت . ه لما تريده ،كما يقوله
فإليه رجوعنا ،ال إلينا .أي :فإلى مقام الربوبية رجوعنا ،ال إلى مقام العبودية .
فالربوبية الزمة لذواتنا ،والعبودية عارضة بحكم المحل .
وترتيب الحكمة ،هو المقتضي للحكمين في المحلين ؛ من أجل هذه الذات الواحدة
الكاملة بجميع تلك المعاني .
فكن عين الذات اإللهية من كل جهة ،وبكل اعتبار ،وعلى كل حال ،ال تخرج عن
ذلك طبعا .تكن ،عينه . .بإظهار األثر من نفوذ كل أمر ،وإدراك كل علم .وما
ع ِظيم ( 35 صبَ ُروا َوما يُلَقَّاها ِإ َّال ذُو َح ه
ظ َ يلقهاها إال الذين صبروا َ ،وما يُلَقَّاها ِإ َّال الَّذِينَ َ
صلت . ] 35 : ) [ف ه
صرح به الشيخ في الباب الخامس من كتاب وقد رمزت لك في هذه النبذة ،جميع ما ه
ّللا تعالى . الفتوحات المكية .فتأمله ،ترشد بمعرفته إن شاء ه
33
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 34
الباب السادس جرى بنا جواد البنان في هذا البيان حتهى أظهر ما لم يخطر إظهاره في
الجنان
ّللا عنه :ومن ذلك .أي ،ومن بعض ما تض همنه هذا الباب من فنون قال الشيخ رضي ه
سر الروح وتشبيهه بيوح . العلم المشار إليه أوال .ه
سر الروح الكلية المشرقة من الهياكل األلف والالم في الروح ،للعهد -وتقديره :ه
الجزئية ،التي يص هح وقوعها على كل فرد من أفراد هذا النوع اإلنساني .
وتشبههت هذه الروح بيوح ،وهو اسم من أسماء الشمس ،والمراد به هنا الحق تعالى ،
ألنه نور السماوات واألرض .
شورى ، .]11 :في األرض وال ش ْيء[ ال هْس َك ِمثْ ِل ِه َ
فاإلنسان ،هو « المثل » الذي لَي َ
في السماء ،لكونه نسخة كاملة جامعة شاملة .
صرحنا في كتاب « الكماالت اإللهية » عن حقيقة هذه النسخة وكيفية معناها ، وقد ه
وكشفنا عن ذلك أيضا على التفصيل -بعبارة مبسوطة -في كتابنا الموسوم " بإنسان
عين الوجود ووجود عين اإلنسان الموجود " فمن أراد تحقيق هذه المعرفة ،فليكشف
عن محلها من هذين الكتابين . .
وسأذكر لك من ذلك طرفا جامعا ،وهو :
سم ذاته قسمين -من أحب الظهور من ذاته لذاته ،بمقتضى ذاته ؛ ق ه ه ّللا تعالى ،لما
إن ه
غير تعدهد في العين -فسمى أحد القسمين بالواجب ،والقديم ،والرب ،والفاعل .
وسمى القسم الثاني بالممكن ،والمحدث ،والعبد ،والمنفعل .
ي سماه بالهباء والهيولى والقدرة ؛ ألن فأول ما أظهر من ذلك القسم الثاني ،محل حكم ه
العالم كله متحيهز ،وال بد للمتحيهز من مكان يحلهه .فإن كان المكان مخلوقا ،فقد دخل
في حكم العالم ،وال بد له من مكان ؛ هكذا إلى أن يتسلسل ،أو يدور ،أو ينتهي لمح هل
حكم ال يقال إنه خلق ( ،لئال لغيره ) « » 1؛ كما أن غيره ال يكون ظرفا له .
ه
الحق هنا بالخلقية في هذه المرتبة ،من أجل ذلك ه
الحق المخلوق ،وتقيهد فالهباء ،هو
االنقسام .
ي بالهباء ،هو الهيولى المعبهر عند المحقهقين عنها بالعقل األول والروحوهذا المعن ه
المحمدية والقلم األعلى .
فكانت الحقيقة المحمدية ،أول مخلوق .وكانت على النسخة اإللهية ،صورة ومعنى.
ه
والحق روحه ؛ ذلك ه
الحق ، أما من حيث الصورة ،فكما أن الوجود المخلوق صورة
ّللا فيه نسخة كل شيء من صور الموجودات وحقائقها -جملة اإلنسان ،قد خلق ه
وتفصيال -فهو على صورة الخلق ،ألن العالم صورته .
وأما كونه على النسخة المعنوية للحق -أيضا -فألنك تجدك قابال لكل اسم وصفة على
التمام والكمال ،فقل في األسماء الذاتية أوال إنك « أحد » ذا أحديهة غير مجهولة في
ي..كل شيء ،ألنها عبارة عن صرافة ذات الشيء ،بالنظر إليه من حيث هو ذات ه
34
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 35
فمتى عرفت أنك هو ،كانت هذه األحدية -التي ذكرتها لك -نفي أحدية الواجب بذاته
؛ وقس على ذلك .
ه
ولعزتها ،منع فليس شيء من تجليات األسماء والصفات ،أعلى من تجلهي األحدية ؛
ّللا قدم في تجلي األحدية .
ّللا أن يكون لغير هأهل ه
وسر المنع ،أن األحديهة -من حيث هي أحديهة -تقتضي عدم التعدهد فيها من كل وجه ه
وبكل اعتبار ،فكيف لخلق فيها قدم مع ه
حق ؟
وذلك مشعر بالتغاير واإلثنينية ،وهذا محال غير ممكن في تجلهي األحدية .
فإذا قد ص هحت لك نسخة منها ،فباألولى أن يص هح لك جميع ما تحتها من الكماالت
المعبهر عنها باألسماء والصفات .
ي ،وأنت العليم ،وأنت القدير ،وأنت المريد ،وأنت السميع ،وأنت فأنت الح ه
البصير ،وأنت المتكلهم .
وهذه السبعة ،هي أمهات الكمال وأئمة األسماء والصفات ؛ قد سميت بها ظاهرا ،
وسوف أكشف لك عن مواقع نجومها باطنا :
الحق سبحانه وتعالى ،كما أنه عين الوجود الساري ه ي ؛ فأنت متصف به ألن أما الح ه
في أعيان الممكنات ،كذلك أنت سار في أعيان الموجودات به همتك ؛ أال تراك إذا
افتكرت في السماء ،كيف تسري روحك فيها ؟ وفي األرض ،وفي جميع ما تفكر فيه
،أنت كذلك سار فيه بروحك ؛ فحياتك هي القائمة بحياة كل ما سرت فيه .
ّللا ،فقس باإلرادة والقدرة على ما ذكرت ،وتأ همل هل تجد حقيقة
إن كنت من أهل ه
فتتكون كما تريد أم
ه تصورك لألشياء في مخيهلتك وتخيهلك ،
ه هذين الوصفين لك في حال
ال ؟
ومتى عرفت ذلك ،لم تفتك معرفة السميع والبصير والمتكلم منك ،وتتحقهق هذه
المعرفة .
فيجب عليك ،أن تسعى في زوال الموانع لك عن تحقيق ما تجده من كمالك ،ليظهر
جسمك بما هو لروحك .
35
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 36
ّللا عنه :أشرقت أرض األجسام بالنفوس ،كما أشرقت األرض قال الشيخ رضي ه
بأنوار النفوس .
ّللا عنه -فيما سبق -أن اإلنسان نسخة للحق ،أراد أن يظهر لما أظهر الشيخ رضي ه
كونه نسخة للخلق ؛ فشبهه روحه بالشمس التي هي روح العالم الدنياوي ،وشبهه
متصرفة في الهيكل اإلنساني ،ومدبهرة له ؛
ه اإلشراق باإلشراق ،ألن النفس الجزئية
مر الدهور .تتصرف الشمس في العالم الدنياوي ،وتدبهره على ه
ه كما
وك هل من النفوس والشموس ،عين ك هل على الحقيقة ؛ إذ هذه الصورة كلها ،راجعة
للوجه الواحد الظاهر في مرائي مختلفة األشكال والمقادير .
36
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 37
ّللا عنه :ومن ذلك .أي ،ومن بعض ما تض همنه هذا الباب من أنواع قال الشيخ رضي ه
سر الكيف والكم ،وما لهما من الحكم . العلوم :ه
صة األجسام ، لما كان السؤال بكيف وكم ،من لوازم العالم المحسوس ،الذي هو من ه
ومظهر الكثافة واألجرام .
عبهر بهما عن الجسم الكلهي ولوازمه ،والنفس الكلية وعوالمها .
فسر ظهور العالم الجسماني ،هو لتحقهق اإلنسان بالشأن الرحماني ،حتى يظهر بالفعل ه
في صورة جزئية مخصوصة كاملة النشأة ،ما هو ثابت بالقوة في حقيقة الوجود الكلهي
الجامع ؛ لتكون تلك الصورة للوجود الكلهي ،كالروح للهيكل الحيواني ،وكالمعنى للفظ
،وكالملك للمملكة . .
ّللا من عالم األجسام ،العرش . فلهذه الحكمة ؛ أول ما خلق ه
وجعله محيطا بالمحيطات كلها ،كما يحيط الجسم اإلنساني بجميع ما حواه هيكله
المخصوص.
واستوى سبحانه على العرش ،استواء مخصوصا ،هو عليه من غير تغيير لشأنه
الذي كان له قبل خلق العرش وما حواه .
ي
وذلك االستواء -في ضرب المثل -كاستواء الروح على الجسم ؛ فالجسم الجزئ ه
ي للروح الكلية ،المعبهر عنها ي عرش كل ه ي للروح الجزئية ،والجسم الكل ه عرش جزئ ه
بالحقيقة المحمدية من حيث تعيهنها ،وبالحقيقة اإللهية من حيث عينها .
ي صادق على الجزئي . وال شك أن الكل ه
فاعرف بما ذكرته لك ،من أنت ؟ وما محلهك ؟
ي :هو البيت المعمور بالقوى . تعلم حينئذ أن جسمك ،بل الجسم الكل ه
القوى ،عبارة عن المالئكة المو هكلة بتدبير العالم الكبير ،كما أن القوى الحيوانية
مو هكلة بتدبير جسمك ؛ الذي هو العالم الصغير بالنسبة إلى الجرم ،لقوله تعالى :لَخ َْل ُق
ض[ غافر ] 57 :اآلية ، ت َو ْاأل َ ْر ِ
سماوا ِ
ال َّ
وأما بالنسبة إلى القدرة ؛ فإنك أنت العالم األكبر ،والسماوات واألرض بما فيها ،هو
ت َوما فِي ْاأل َ ْر ِ
ض َج ِميعا ً ِم ْنهُ[ س َّخ َر لَ ُك ْم ما فِي ال َّ
سماوا ِ العالم األصغر ،لقوله تعالى َ :و َ
الجاثية .] 13 :
فالسماوات بما أظلهت ،واألرض بما أقلهت ،مس هخرة لك .
أعز قدرا ،وأعظم فخرا ؛ ولهذا تفنى السماوات واألرض يوم القيامة ،وأنت لكونك ه
باق إلى أبد اآلبدين .
فجسمك الذي هو البيت المعمور ،بقواك التي هي مالئكة تسخيرك ؛ هو العرش
ّللا منك . الكريم . .إذ ال موجود أكرم على ه
37
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 38
ي هو العرش المحيط ،ألنه جامع للموجودات الجسمانية ،وليس وراءه إال والجسم الكل ه
عالم الجبروت .
وسيأتي الكالم على العرش العظيم والعرش المجيد ،في موضعه من هذا الكتاب إن
ّللا .
شاء ه
سر خلق العالم . ّللا عنه ،أراد أن يبين لك في هذه النبذة ،ه إعلم أن الشيخ رضي ه
فبدأ بذكر العرش ،ألنه أول متعيهن في الصورة ،وإليه اإلشارة بقوله :والذي كان
عليه االستواء .
علَى ْالعَ ْر ِش ا ْستَوى( [ ) 5طه . ] 5 : الر ْح ُ
من َ إشارة إلى قوله تعالى َّ :
ّللا عنه فيما مضى -وبيهنهاه لك -أن الروح المعبهر عنها بالحقيقة وقد كان الشيخ رضي ه
المحمدية ،وبالعقل األول ،وبالقلم األعلى ؛ هي أول مخلوق .
وهي -أعني هذه الروح -كلية وأرواحنا جزئياتها .
فلهذا المعنى ،أشرقت تلك المعاني الكمالية الموجودة في الحقيقة المحمدية ،في ذواتنا
ّللا أ ُ ْس َوة َح َ
سنَة [ .وإلى هذا المعنى ،أشار بقوله تعالى :لَقَ ْد كانَ لَ ُك ْم ِفي َر ُ
سو ِل َّ ِ
يم[ الممتحنة .] 4 : َت لَ ُك ْم أ ُ ْس َوة َح َ
سنَة فِي ِإبْرا ِه َ األحزاب .] 21 :وقوله تعالى :قَ ْد كان ْ
38
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 39
يعني :أنه نتيجة كلمة ُك ْن[ النهحل ] 40 :ألن األرواح متعيهنة في العلم اإللهي ،فهي
ه
الحق . هناك أعيان ثابتة ،قديمة بقدم
والجسم ،هذا المحسوس ،إنما ظهر بواسطة الكلمة ،على ما كانت الروح عليها من
الصورة في العلم اإللهي .فكان الجسم أصال -من هذا الوجه -لظهور أعيان
الممكنات ،إذ هو المتعلهق به كلمة الحضرة ،لكونه أت هم المجالي ظهورا في المراتب
الكونية .
ومن ث هم ،كان الجسم :مقعد الصدق .ألنه محل ثابت متم هكن بيهن من كل وجه ،وبكل
اعتبار ونسبة .ومعدن اإلرفاق .
وكان الجسم معدن اإلرفاق ،وهي المعاني الكمالية التي تحصل لألرواح بسبب الجسم
. .وقد ذكرنا ذلك في كتابنا الموسوم « بكشف الستور عن مخدرات النور » فمن
أراد معرفة ذلك ،فليطالع هنالك .
ولما كان الجسم هو المتجلهي بجارحة السمع والبصر ،
والصورة في قوله عليه الصالة والسالم " :رأيت ربي في صورة شاب .الحديث "
والذراع كما في قوله عليه الصالة والسالم في الحديث « :إن جلد الكافر أربعين
ذراعا بذراع الجبار » .رواه الحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه ورواه
غيرهما .
فك هل هذه الصفات ،هي للجسم حقيقة .
تأول .ألن الشارع صلىّللا تعالى ،أم لم ه
وقد وافقت ما هو هّلل ،سواء هأولتها في حق ه
ّللا عليه وسلم ،قد نسبها إليه تعالى ؛ فكان الجسم محال لظهور األمور الموافقةه
للنعوت الكمالية .
39
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 40
40
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 41
يحس بخشونة األصوات ه فال يشعر بأوضاع الكلمات ،وال يعرف لذة األنغام ،وال
ش هم ،والذهوق ،واللمس ؛ في معرفة الروائح ،الكريهة . .وقس على ذلك ،ال ه
واألطعمة ،والنعومة والخشونة .
فك هل حاسة من الحواس الخمس ،ينبوع حكم كثيرة مخصوصة بها ،ال تص هح للروح
معرفتها ،إال بواسطة تلك الحاسة ،ولهذا ،احتاجت الروح في نيل الكماالت ،إلى
االمتزاج بالجسم ؛ فالجسم محل ظهور هذه الكماالت .
وتبرز ،يعني :من الجسم .جوامع الكلم ،بواسطة اللسان .يحوي على رموز
النصائح وكنوز المصالح .
أراد برموز النصائح :االعتبار الحاصل للروح ،بواسطة حواس الجسم .وأراد
بكنوز المصالح :األعمال الصالحة من األفعال ،واألقوال ،والعلوم ،والمعارف
اإللهية ؛ الحاصلة للروح بواسطة الجسم .
ّللا بذلك ،فهي كنوز المصالح لها . ألنها تزداد شرفا عند ه
شهادة سخافته ،والغيب كثافته .أراد بالشهادة هنا ،عالم الملك ؛ وبالغيب ،عالم ال ه
الملكوت .
والمراد :أن ظهور عالم الشهادة ،بواسطة رقة سطح األجسام ،ألنها هي المشهودة
من عالم الملك ؛ وبطون عالم الغيب ،بواسطة الكثافة الجسمانية ،ألنها هي المانعة
عن ذلك .
أال تراك إذا رأيت جسما من األجسام ،فإن رقة مسطحة -وهو ظاهره الذي عبهر عنه
الشيخ بسخافته -مشهود ،ذو الغيب والشهادة .
تستهر -أي الجسم بالجسم .للغيرة اإللهية على ذاته تعالى ،إذ هو عين الجسم !
وسبب هذه الغيرة :حتى ال يرى راء غيره .
ه
الحق تعالى -إذ هو عين الجسم - فال يبصر مبصر غير ظاهر الجسم ،صيانة من
صل لجمليات مراتب لباطن الجسم ؛ إذ هو من أشرف مظاهر الوجود ،ألنه المف ه
الوجود ،
حيث أنه :يتقلهب .أي الجسم .في جميع األحوال ،كاللطافة والكثافة ،والصغر
سط ،والحسن والكبر ،والطول والعرض ،والعمق والسمك ،والبعد والقرب ،والتو ه
والقبح ،والفناء والبقاء ؛ إلى غير ذلك من األحوال الالزمة للجسم ،والعارضة له .
فلوال شرفه ،لما كانت له األحوال كلها .
التصرف في جميع
ه فهو يدخل في كل طور من أطوار النقص والكمال ،ويقبل بذاته
األعمال .
يعني :أن للجسم -من حيث هو -قابلية لكل عمل من األعمال المتنوعة ؛ مما يستحيل
عادة ،كقتل العصفور بازا ؛ أو يستحيل عقال ،كحمل النملة جمال .
فإن في قابليتها ،القبول لذلك .فلو حصل االستعداد ،ووافق القدر ،أمكنها فعل ذلك
السر -الذي أودعه في الجسم -من قدرته . ه المستحيل . .وإنما حصل هذا
41
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 42
ّللا عنه -في الباب الذي ذكره في هذه النبذة ،خالصة ما فيه
وقد ذكر الشيخ -رضي ه
.وهو الباب السابع من الفتوحات .
إن عمر األرض ،أحد وسبعون ألف سنة من سني الدنيا ؛ فال تظن أن ذلك على
اإلطالق ،بل عمر العالم الدنياوي من وقت مخصوص وإال ،فعمر هذا العالم أطول
من أن يحصر ،أو يحصى بآالف األلوف من السنين .
ّللا عنه :إن النسر الطائر ال ينتقل من برج إلى غيره ،إال بعد
وقال الشيخ رضي ه
مضي ثالثين ألف سنة ،وهو اليوم في الدلو ؛ فقد قطع عشرة أبراج ،وال يتأتى ذلك
إال بعد ثالثمائة ألف سنة .
وإذا كان هذا عمر األهرام ،فأين أنت من عمر الدنيا ؟
فإذا كانت الدنيا المخلوقة للزوال بهذه المثابة من طول العمر ،فما قولك في الجنة
والنار المخلوقتان للبقاء ؟
ّللا عنه -في الفتوحات ،من أن عمر الجنة أو النار كذا
فال تحمل كالم الشيخ -رضي ه
كذا سنة ،على ظاهره ،بل ذلك من وقت مخصوص .
لما كان الجسم اإلنساني ،كالعالم الدنياوي ،بالوضع والتفصيل .
فإن حكم العالم الدنياوي إلى الزوال والفناء ،ألن ذلك من الزم الجسم اإلنساني ؛ فك هل
منهما نسخة لآلخر ،وعمر ك هل منهما على حسب هيكله ،فكان عمر اإلنسان قصيرا ،
ألن
42
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 43
هيكله صغير ؛ وكان عمر العالم الدنياوي طويال ،لكبر هيكله . .وال بد له من
االنعدام والفناء ،كما أنه ال بد لإلنسان من ذلك .فافهم !
ولما كان العالم األخراوي ،نسخة من باطن اإلنسان وروحه -إذ ك هل منهما نسخة
ّللا تعالى .
لآلخر -فكانت اآلخرة ،كالروح اإلنسانية ؛ باقية بإبقاء ه
فال يتو ههم أن الجنة والنار تفنيان بحال ،وما ورد من أن النار تفنى ،وينبت محلها
شجر الجرجير ،إنما ذلك من حيث أقوات مخصوصة .ففناؤها وزوالها ،فناء مقيهد ،
ال فناء مطلق.
ّللا تعالى
ألن اآلخرة ،محل مشهود األعيان الثابتة -التي هي معلومات العلم -ألن ه
ّللا .
يظهرها يومئذ ،فيرى منها كل أحد ،على حسب حاله ومقامه عند ه
وال شك أن النار معلوم العلم اإللهي ،فال سبيل إلى زوال المعلوم عن العلم .
وقد كشفت بذلك ،عن أسرار شريفة ،لم يسمح بها أحد من المحقهقين ؛ غيرة على
باّلل .
تفاصيل المعرفة ه
وفي هذه النبذة ،زبدة جميع ما أفرده الشيخ في الباب السابع من الفتوحات المكية .
ّللا للصواب .
فافهم ،أرشدك ه
*
43
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 44
فرقوا بين الجسم والجسد ؛ ّللا عنا وعنك ،أن الصوفية هاعلم ،رضي ه
فقالوا :إن الجسم هو كل صورة مرثية قابلة لألبعاد الثالثة ،حالة كونها كثيفة األصل
طبعا .
وقالوا :إن الجسد عبارة عن كل صورة -يتش هكل بها روح -من الصور الجسمانية .
وإذ قد عرفت ذلك ،
سر ظهور األجساد بالطريق المعتاد » هو ّللا عنه « -هفاعلم أن قول الشيخ -رضي ه
ليعلم أن المراد بذلك ،عبارة عن تصويرات الروح في األشكال الحسية ،المشهودة ،
الصورية .
وإنما قال الشيخ « بالطريق المعتاد » ليعلم أن المراد بذلك ،تصورات األرواح
تصور روحه الجزئية ،ه الجزئية ؛ كما يجيء لألشخاص -في حال تف هكرهم -من
تصور روحه ،بالصورة ه بالصورة الخيالية المشهودة له عينا ؛ أو كما يجري للنائم من
سا وشهادة.
المرئية في النوم ،المشهودة له ح ه
ولما كان عالم الخيال وعالم المثال متشابهين ،كأنهما من جنس واحد ،وكان البرزخ
أيضا شبيها لها ؛ قال تنبيها على ذلك :البرزخ ما قابل الطرفين بذاته .
وقد ذكرنا ذلك مفصال -على ما هو عليه -صريحا ،في الجزء التاسع عشر من
ّللا عليه وسلم »
كتاب « الناموس األعظم والقاموس األقدم في معرفة قدر النبي صلى ه
فمن أراد تحقيق الخيال ،والبرزخ ،والمثال ،وأرض الحقيقة -التي ذكرها الشيخ في
الفتوحات -فلينظر في ذلك الجزء ،فإنما وضعت تلك الرسالة لتحقيق ذلك .
44
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 45
فهذه العوالم األربعة ،قريبة بعضها من بعض ؛ وك هل منها برزخ ،ألنه قابل الطرفين
بذاته .وأبدى لذي العينين من عجائب آياته ،ما يد هل على قوته ،ويستد هل به على
وفتوته .
كرمه ه
أراد بذي العينين ،ك هل من كان له نظر في عالم األرواح ،ونظر في عالم األجسام .
احترازا ممن هو مقصود على عالم األجسام ،فكأنه ليس له إال عين واحدة .
ولفظة « ما يد هل » موصولة ،وهي مفعول « أبدى » ؛
وتقديره :إن البرزخ ،ما قابل الطرفين بذاته ،وأبدى أمورا تد هل على قوته ،ك هل من
كان له عينان يبصر بهما في العالمين .
سمسمة ، والدليل على أن هذه البرازخ المذكورة -من الخيال ،والمثال ،وأرض ال ه
والبرزخ -لها قوة ،أنها شعبة من القدرة ،وأمورها منوطة بالقدرة المحضة .
تتكون فيها
وليست كأمور الدنيا ،موقوفة على الحكمة واألسباب ،ألن األشياء ه
باإلرادة ؛ فهي قدرة محضة .وإذا ص هح أن لها هذه القوة والقدرة ،ص هح أن لها كرما
وفتوة .
لسر
متحول في الهيئات ؛ هه الحول أي :البرزخ متقلهب في الصور ،
فهو القلهب ه
مقتضيات طرفيه ،واختالف أمورهما .
تمر عليه ،وتذهب عنه ،ولو كانت ولهذا ،ال تدوم الصور المرئية فيه للناظر ،بل ه
باقية ،من حيث هي هي.
يتحول .
ه فلتقلهب أحوال البرزخ على أهله ؛ قال :والذي في ك هل صورة
عولت عليهيتحول .ه
ه تقديره :وهو -أي البرزخ -في كل صورة من صورة طرفيه ،
.أي على البرزخ ؛ األكابر .
ّللا ؛ لرجوعهم آخر األمر إليه ،فكان تعويلهم -لذلك -عليه حين جهلته .
يعني :أهل ه
أي البرزخ ؛ األصاغر .
وأراد باألصاغر ،المحجوبين ؛ وباألكابر ،أهل الكشف .فله .أي للبرزخ ؛ المعنى
في الحكم ،والقدم الراسخة في الكيف والك هم .
إنما كان للبرزخ هذا المعنى ،لتعلهقه بطرفه الروحاني ؛ والكيف والك هم ،لتعلهقه بطرفه
الثاني ،وهو الطرف الصوري الجسماني .
ولهذا ،ك هل برزخ :سريع االستحالة ؛ لكون صوره قليلة الدوام ؛ عند الرائي ،ال من
حيث هي هي .
يعرف العارفون حاله ،بيده مقاليد األمور ؛ لكونه قدرة محضة ،تتكون األشياء فيه
باإلرادة .
اغتر به .
ه تحول صوره ،فمن ركن إلى شيء منها ، وإليه مسانيد الغرور ؛ من أجل ه
له .
45
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 46
وكثيرا ما أرى في النوم أمورا ،أعرف فيه أن تعبيرها في اليقظة غير مالئم لطبع ،
فال أقربها .
وبعض األحيان ،أقلبها إلى غير تلك الصورة المخالفة للطبع ،فأراها كما أريد ! وال
يستطيع ذلك ،إال من قدر على تصريف األمور في المعنى ،وصار خرق العادة له
عادة في العالم الروحاني ،ال يعرف ذلك ،إال من مارسه من العارفين .
يخرجه العقل ببرهانه .أي :يخرج العقل بالفكرة ،صور األمور الخيالية -ألن
الخيال من جملة البرازخ -ببرهانه .وهي الدالئل العقلية ،التي تنتج في الفكر صورا
؛ على حسب مقتضاها .
ويعدهله الشهرع ،بقوة سلطانه .أي :يصرفه الشرع إلى غير ما ظهر في العقل ،ألن
المشرع مرتبط بالوحي اإللهي ،فله الحكم على كل صورة ومعنى .
فلذلك ؛ لم يكن للعقل ،في الشرع ،مجال .
فالخيال :يحكم في كل موجود .ألنك تسري بعقلك في كل شيء ،وألن الخيال
يستحضر ك هل موجود في عالمه ،وإلى صحة األمور المشهودة بحكم الدالئل العقلية ،
أشار بقوله :ويد هل على صحة حكمه ،بما يعطيه الشهود ،
46
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 47
وقد شرحت لك بهذه النبذة ،جميع ما تض همنه الباب الثامن من الفتوحات المكية .
وّللا الموفق للصواب .
فافهم ،وتأ همل ،ه
*
47
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 48
أول من خالف في النههي! أول من خالف في األمر وآدم ه الباب التاسع إبليس ه
ّللا عنه :ومن ذلك .أي ،ومن بعض ما تض همنه هذا الباب ،من قال الشيخ رضي ه
سر الوالج والمارج . فنون العلم .ه
الوالج :إشارة إلى األرواح الطاهرة المختلفة ،من العنصريين العلويين ،وهم مالئكة
الجو ،بين السماء واألرض . ه
ّللا تعالى من امتزاج النار بالهواء ه
الجن ،خلقهم ه والمارج :هو األرواح الخبيثة ،وهي
،كما خلق اإلنسان من امتزاج الماء بالتراب .
ولما كان خلق الجان ،من امتزاج النار بالهواء ،كان االنقالب طبعا له .
ألن الهواء ال ثبوت له ؛ وكذلك النار ،تريد العلو واالرتفاع طبعا ،أال تراك إذا أخذت
ي
شمعة وأقلبتها ،ال تنقلب نارها معك ،بل ترجع إلى فوق بالطبع ؛ ألن الركن النار ه
يتعالى طبعا .
وبعكسه التراب ،ال يطلب إال السفل ؛ فلو أخذت كفها من تراب ،ورميت به إلى فوق
،لرجع إلى أسفل بالطبع .
ولهذا ؛ كان اإلنسان مؤتمرا طيعا ،والجان مخالفا عاصيا .فإن عرضت معصية من
اإلنسان ،كانت تلك الغفلة منه عارضة ،لما يقتضيه طبعه .
كما أنه لو عرضت طاعة من الجان ،كانت تلك الطاعة عارضة ،لما يقتضيه طبعه ،
ّللا على آدم ،ولم يتب على إبليس . ومن ث هم ،تاب ه
ألن إبليس من طبعه المعصية ،أال تراه تكبهر وقال :أَنَا َخ ْير ِم ْنهُ[ األعراف ] 12 :في
حضرة الحق ،ولم يصدر من اإلنسان -الذي هو آدم -إال البكاء ،والندم ،والخوف ؛
لما يقتضيه التراب من الذهلهة وال ه
سفل .
فلهذا المعنى ؛ لعن إبليس ،ألنه محل المعصية والخالف .
وهو المشار إليه بقوله :أول جواد كبا ،حين أمر فأبى .
ّللا .ونعته بأنه « جواد » ،ألنه كان قبل ذلك من يعني :إبليس هو أول من خالف ه
المقربين.
فإبليس أول من خالف في األمر ،وآدم -عليه السالم -أول من خالف في النههي .
ألنه قيل له ال تأكل الحبهة ،فأكل ؛ وإبليس قيل له اسجد ،فما سجد .
فالخالف واقع منهما ،ال من جهة واحدة ،بل من جهتين .
48
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 49
ه
فالجن من النار والهواء ، على أن بقية األركان موجودة في كل جنس منهما ؛
واإلنسان من الماء والتراب ،والخالف واقع بين النار والهواء ،ألن النار « يابس »
والهواء « رطب » ؛ وبين الماء والتراب ،ألن التراب « يابس » والهواء "رطب ".
فغلب حكم الخالف في ذوات هذين الجنسين -دون غيرهما -ألن كل موجود سواهما
،غير مخصوص بركنين ،بل يتساوى فيه األربعة أركان ،جمعا وفردى ،وك هل من
الجان واإلنسان أيضا ،توجد فيه األركان األربعة ؛ لكن الظهور في ك هل منهما ،
لركنين ،كما ذكرنا .
فلهذا خالفوا ،ألن طبع تركيبهم يقتضي المخالفة .
سن الخالف في االئتالف ،فأظهر النقض ّللا عنه بقوله :ه
وإلى ذلك أشار الشيخ رضي ه
ّللا الخالف مسنونا في طبع تأليف اإلنسان والجان ليعرف الحبيب من البغيض .جعل ه
،وطلب منهما ما يناقض طبع ك هل منهما ؛ فطلب من الجان ،الذي أصله الكبر ،أن
يتواضع ،فيسجد ؛ وطلب من اإلنسان ،الذي أصله يقتضي التغذهي بالحبهة ،أن يتركها.
فأظهر لك هل منهما ما يناقض مقتضى طبعه ،مخالفا ؛ ليظهر بذلك شرف الحبيب -
وهو اإلنسان -ونقص البغيض ،وهو العدو الشيطان .
49
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 50
الجن ،إذا اتفق أن يرغب أحد منهم إلى ربهه ،وخالف ما يقتضيه الطبع الناري ه يعني :
من المعصية ،والطبع الهوائي من عدم الثبوت على أمر ،فأطاع وثبت على الطاعة ؛
ي ال كثافة فيه . يخرق في سرادق الحجب ،ألنه روحان ه
ي الكاملفألجل ذلك ،لم يستطع أحد من اإلنس أن يبلغ بجسمه ،ما يبلغه ذلك الجنه ه
المطيع .
إن سمع أنصت .ألنه روح ،إذا تو هجه للشيء ،تو هجه فيه بالكلية .أال تراهم أنصتوا
ه
الجن . ] 1 : ع َجبا ً[
س ِم ْعنا قُ ْرآنا ً َ
للحق ،لما سمعوه ؛ فقال قائلهم ِ :إنَّا َ
ه
ّللا عليه وسلم « :هم أسمع وأنصت منكم » . ولهذا قال صلى ه
الرحمن . ] 13 : آالء َر ِبه ُكما ت ُ َكذه ِ
ِبان( [ ) 13ه يِ ِ أال تراهم لما سمعوا قوله تعالى :فَ ِبأ َ ه
قالوا :وال بشيء من آالء ربهنا نكذهب.
وإن أسمع أبهت ؛ لما يبديه من العجائب التي يصل علمه إليها ،والغرائب التي
يقتضيها طبعه وعالمه ،وقد شرحت بهذه النبذة ،
خالصة ما حواه الباب التاسع من الفتوحات المكية ،فاعلم .
*
50
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 51
51
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 52
كالطبيعة إذا تخلهقت نارا ،أو هواء ،أو ماء ،ترابا -على حسب المقتضى -فتتخلهق
ّللا تعالى .
بصورته ؛ فهي الخالقة لنفسها ،بقدرة ه
ي صورة يتحولون .يعني :أن األرواح الكلية ،تتصور بأ ه ه أي صورة شاؤوا ، وفي ه
تحول جبريل عليه السالم ، فتتحول فيه ،كما ه
ه تقتضي قوابلها -من الصور الجزئية -
في صورة دحية الكلبي .
هم الحدهادون .أي :األرواح المهيهمة ،هم الجاعلون لهم حدودا ،حسب ما تقتضيه
قوابلهم ،فال يتعدهى شيء منهم حدهه .
ّللا تعالى ،ألنهم الفعلة لألمور ،فال والح هجاب .أي :المالئكة المح هكمة ،هم ح هجاب ه
ينظر الناظر ،إال إليهم .وهم ح هجاب ،يمنعون -أيضا -أبصار الناظر ،أن تقع على
ّللا من حجب .ولهم ؛ أي للمالئكة المهيهمة ، الحق تعالى ،وبهم ،حجب عن ه
والمح هكمة .
سا ،وتارة عقال ؛ صورة ،ومعنى .والحجاب :ولهم البطون ،ألن ال هظهور :تارة ح ه
مقامهم يقتضي ذلك .أال ترى إلى الهيولى ،كيف ظهرت بظهور الصور ؛ وهي -
عجاب[ ش ْيء ُ أعني الهيولى -باطنة على الحقيقة ،بعد هذا التعيين والظهور ِ .إ َّن هذا لَ َ
ص .]5 :
يعني :كونهم ظاهرين في بطونهم ،وباطنين في ظهورهم ؛ أمر يحصل منه التع هجب
،لحصول النقيضين بحال واحد يكثرون التكبير ،ويحفهون بالسرير .
أي بالعرش -والمراد به هنا :جميع المظاهر الكونية -فإن هذه المالئكة المهيهمة
والمح هكمة ،حافهون به .
لهم المقام األشمخ .أي المنصب األعلى ؛ ألنهم مخلوقون بغير واسطة ،كالعقل
األول ؛ أو بواسطة قليلة ،كاألرواح الكلية .أو لكونهم أسبابا كلية ،لوجود
الموجودات .
ّللا والعالم ،مثل ومنزلهم ؛ أي منزل المالئكة المهيهمة ،والمالئكة المح هكمة :بين ه
البرزخ .
ّللا عنه -أفضل من البشر الك همل ،فقال إنهم متوسطون بين جعلهم الشيخ -رضي ه
مرتبة األلوهية وبين مرتبة اإلنسان الكامل .
هذا مذهبه ! وال أقول بذلك ؛ بل مرتبة اإلنسان الكامل -عندي -فوق مرتبة المالئكة
،ألنهم له ،كالقوى للجسد ،وكالصفة للذات ،وكالعرض للجوهر.
فأصحاب النسب منهم الخلفاء من البشر .يعني :من كان منسوبا إلى أحد هذه
المالئكة المهيهمة أو المح هكمة ،بحكم ما تحقهق به في المراتب الكمالية الكلية ،الجميلة ،
والجزئية التفصيلية -كما يقال :فالن على قلب إسرافيل ،وفالن على قلب ميكائيل -
كان خليفة للحق ،يعني :نبيها .
واعلم ،أن الخلفاء على أقسام :
ّللا ،على ما هو له ؛ يقومون بصفاته عنه . خلفاء ه
52
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 53
*
53
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 54
تكون من السامع ، القول -من القائل -في السامع ،نكاح .فعين المقول ،عين ما ه
فظهر . .
ظهور المصباح ،لتوجه سبب القول والتكوين -على التعيين -في المحل الظاهر ،
والحس ،واألمر المر هكب والنهفس ؛
ه لنزول الباطن إلى الظاهر .وهذا نكاح بين المعنى
ليجمع بين الكثيف واللطيف ،ويكون به التمييز والتعريف .
وإن خالف تركيب المعاني ،تركيب الحروف ؛ فهو كخالف المعرفة والمعروف .
ي ،من مقام االفتتاح ،إلى مقام األرواح ؛ ومن المنازل الرفيعة ،
ثم ينزل األمر النكاح ه
إلى ما يظهر من نكاح الطبيعة ؛ ومن بيوت األمالك ،إلى نكاح األفالك لوجود
األمالك ؛ ومن حركات األزمان ،إلى نكاح األركان ؛ ومن حركات األركان ،إلى
ظهور المولهدات التي آخرها جسم اإلنسان ،ثم تظهر األشخاص ،بين مباض ومناص.
فالنكاح ثابت مستقر ،ودائم مستمر .
سر إطفاء النبراس باألنفاس ،من الباب الخامس عشر : ومن ذلك ،ه
لما كان القائل له مزاج االنفعال ،كان للنهفس اإلطفاء واإلشعال .فإن أطفأ أمات ،وإن
يعول عليه .
أشعل أحيا ،فهو الذي أضحك وأبكى .فينسب الفعل إليه ،والقابل ال ه
وذلك لعدم اإلنصاف في تحقيق األوصاف ،مع علمنا بأن االشتراك معقول في
األصول .للقابل اإلعانة ،وال يطلب منه االستعانة .فهو المجهول المعلوم ،عليه
صاحب الذوق يحوم ،وحكمه في المحدث والقديم .
يظهر ذلك ،في إجابة السائل ،وهذا معنى قولنا القابل .
لوال نفس الرحمن ،ما ظهرت األعيان .ولوال قبول األعيان ،ما اتصفت بالكيان ،
وال كان ما كان .
الصبح إذا تنفهس ،أذهب الليل الذي كان عسعس .
ص هد ما عذب الوصال
صيد ما نفر الغزال * ولوال ال هفلوال ال ه
شرع ما ظهرت قيود * ولوال الفطر ما ارتقب الهالل ولوال ال ه
صوم ما كان الوصال ولوال الجوع ما ذبلت شفاه * ولوال ال ه
54
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 55
سر النافلة والفرض ،في تعلهق العلم بالطول والعرض ،من الباب ومن ذلك :ه
العشرين :
من كان علته عيسى ،فال يوسي .فإنه الخالق المحيي ،والمخلوق الذي يحيي .
عرض العالم في طبيعته ،وطوله في روحه وشريعته .
صيهور والدهيهور » ،المنسوب إلى الحسين بن منصور . وهذا النور ،من « ال ه
لم أر :متهحدا رتق وفتق ،
وبربهه نطق ،
وأقسم بالشهفق ،واللهيل وما وسق ،والقمر إذا اتهسق
وركهب طبقا عن طبق ،مثله
. .فإنهه نور في غسق .
منزلة الحق لديه ،منزلة موسى من التابوت ؛ ولذلك كان يقول بالالهوت والناسوت .
وأين هو ،ممن يقول :العين واحدة ،ويحيل الصفة الزائدة ؟ وأين فاران من الطور
؟ وأين النار من النور ؟
العرض محدود ،والطول ظ هل ممدود ،والفرض والنفل :شاهد ومشهود .
سر الجرس ،واتخاذ الحرس . .من الباب الخامس والثالثين : ومن ذلك ،ه
صل مجمله ،وفتهح مقفله ؛ ه
اطلع الجرس كالم مجمل ،والحرس باب مقفل .فمن ف ه
على األمر العجاب ،والتحق بذوي األلباب ،وعرف ما صانه القشر من اللباب ،
ه
فعظم الحجاب والح هجاب .
اإلجمال حكمة ،وفصل الخطاب قسمة .
إلزالة غ همة ،في أمور مه همة ،محجوبة بليال مدله همة .
والحرس عصمة ،فهم أعظم نعمة ،إلزالة نعمة ،إلزالة نقمة .
55
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 56
سر الحيرة والقصور ،فيما تحوي عليه الخيام والقصور . .من الباب ومن ذلك ،ه
الخمسين :
الخيمة والقصر ،يؤذن بالقهر والقسر .لوال الحيرة ما وجد العجز ،وال ظهر سلطان
ه
العز ،وبالقصور ،علم بحدوث األمور .
القصور يلزم الطرفين ،لعدم االستقالل بإيجاد العين .لوال القبول واالقتدار ،وتكوير
اليل والنهار -باإلقبال واإلدبار -ما ظهرت أعيان ،وال عدمت أكوان ،فسبحان
المتفضهل بالدهور واألمور .
سر الهرب من الحرب ،من الباب األحد والخمسين : ومن ذلك ،ه
متحرفا لقتال ،فما مال .فالهرب من الحرب ،وهو من ه من مال ،متحيهزا إلى فئة أو
قارا ،وال تتهبع ه
فارا . الخداع ،في الفزاع ،كن ه
ال تضطره إلى ضيق ،فيأتيك من تكرهه من فوق .ك هل يجري في قربه إلى أجل ،فال
تق هل بج هل .إذا نزل القدر ،عمي البصر .نزول الحمام ،يقيهد األقدام .
ال جناح ،لمن غلبه األمر المتاح .
من راح ،استراح ،إلى مقر األرواح .
من فتح له باب السماء ،استظ هل بسدرة االنتهاء .
ي.ي ،وإنجازه ل هالشهيد ح ه
سر عبادة الهوى ،لماذا تهوى . .من الباب الثاني والخمسين :
ومن ذلك ؛ ه
وحق الهوى ،ه
إن ه ال احتجار على الهوى ،ولهذا يهوى .بالهوى يجتنب الهوى .
الهوى سبب الهوى .ولوال الهوى في القلب ما عبد الهوى ،بالهوى يتهبع الحق .
والهوى يقعدك مقعد الصدق .
56
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 57
.والنَّ ْج ِم ِإذا هَوى ( ) 1ما الهوى مالذ ،وفي العبادة به التذاذ ،وهو معاذ لمن به عاذ َ
صاحبُ ُك ْم َوما غَوى( [ ) 2النهجم . ] 2 ، 1 :
ِ ض َّلَ
ُ
فبهوي النجم وقع القسم ،بعد ما طلع ونجم *،فَال أ ْق ِس ُم ِب َمواقِ ِع النُّ ُج ِ
وم ( َ ) 75و ِإنَّهُ
عظم من علو قدره ،ما ه ع ِظيم( [ ) 76الواقعة ] 76 ، 75 :فلوال ه سم لَ ْو ت َ ْعلَ ُمونَ َ لَقَ َ
أمره .
سر تعشهق القوم بالنوم ،من الباب السادس والتسعين : ومن ذلك ،ه
الخيال عين الكمال .لواله ما فضهل اإلنسان على سائر الحيوان ؛ به جال وصال
وافتخر وطال ،
األواه .فله الشتات والجمع ّللا ،وبه كان الحليم ه وبه قال من قال :سبحاني ؛ وإنني أنا ه
بين أضداد الصفات حكم على المحال والواجب ،بما شاءه المذاهب .
سدها في عين الناظر ،ويلحق األول يخرق فيهما العادة ،ويلحقهما بعالم الشهادة ،فيج ه
-في الحكم -باآلخر .
ال يثبت على حال ،وله الثبوت على تقلهب األحوال .فله من آي القرآن ،ما جاء في
آالء َر ِبه ُكما ت ُ َك هذ ِ
ِبان( يِ ِسورة الرحمن ،من أنه تعالى ُك َّل يَ ْوم ُه َو ِفي شَأْن ( ) 29فَ ِبأ َ ه
الرحمن ] 30 ، 29 : [ ) 30ه
. .وال بشيء من آالئك ربنا نكذهب ،فإنها من جملة نعمائك !
سر العلم المستقر في النهفس بالحكم ،من الباب األحد ومائة : ومن ذلك ،ه
العلم حاكم ،فإن لم يعمل العالم بعلمه ،فليس بعالم العلم .ال يمهل وال يهمل .العلم
أوجب الحكم ،ل هما علم الخضر حكم ؛ ول هما لم يعلم ذلك صاحبه ،اعترض عليه ،
ونسي ما كان قد ألزمه ،فالتزم !
وتبرز في صدر الخالفة ،وتقدهم ،العلم باألسماء ،العالمةه لما علم آدم األسماء ،علم
على حصول اإلمامة .
العلم يحكم واألقدار جارية * وك هل شيء له ح هد ومقدار
هإال العلوم الهتي ال ح هد يحصرها * لكن لها في قلوب الخلق آثار
فحدهها ما لها في القلب من أثر * وعينها فيه أنجاد وأغوار
فلو تح هد بح هد الفوز ناقضه * ح هد لنجد ،ففي التهحديد إصرار
إفهم قوله تعالى َ :حتَّى نَ ْعلَ َم[ مح همد ] 31 :فتعلم ،إن كنت ذا فهم ،من أعطاه العلم ؟
من علم الشيء قبل كونه ،فما علمه من حيث كونه ،وإنما علمه من حيث عينه ،من
أن العين يكون ،وليس في العدم مكون ؟ أين علم ه
هذا القدر من العلم ،أعطاه جوده ،وحكم به وجوده .
ومن ذلك ،والية البشر عين الضرر ،من الباب الخمسين ومائة :
57
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 58
ض َخ ِليفَةً[ البقرة ] 30 :يؤمن به من كل خيفة ،أعطاه التقليد ، ِإ ِنهي جا ِعل فِي ْاأل َ ْر ِ
وم هكنه من اإلقليد ؛ فتح هكم به في القريب والبعيد .
وجعله عين الوجود ،وأكرمه بالسجود ؛ فهو الروح المط ههر ،واإلمام المدبهر .
شفهع الواحد عينه ،وحكم بالكثرة كونه .وإن كان كل جزء من العالم مثله في الداللة ،
فشرع ما شرع ،وأتبع - ولكنه ليس بظ هل . .فلهذا انفرد بالخالفة ،وتميهز بالرسالة ؛ ه
فهو واسطة العقد ،وحامل األمانة والعهد .
تضرر هو -كما ه حكم فقهر ،حين تح هكم في البشر ؛ فظهر النفع والضرر .فأول من
ذكر -ثم إنه لم يقتصر ،حتى آذى الحق وسبهه ؛ وأعطاه قلبه ،وعلم أنه ربهه ،فأحبهه ،
ول هما حسده وغبطه ،أغضبه وأسخطه .
ثم بعد ذلك هداه ،وأرضاه ،واجتباه .
فلوال قوة الصورة ما عتى ،ولرجوعه إلى الحق سمي فتى .بالجود في إزالة الغرض
،وأزال بزواله المرض .
ق ( ِ ) 29إلى َر ِبه َك
سا ِ س ُ
اق ِبال َّ وقام األمر على ساق ،وحصل القمر في اتساق َ ،و ْالتَفَّ ِ
ت ال َّ
يَ ْو َمئِذ ْال َم ُ
ساق( [ ) 30القيامة . ] 30 ، 29 :
ّللا يزع بالسلطان ،ما ال يزع بالقرآن .فإن السلطان ناطق خالق ،والقرآن ناطق
إن ه
صامت ! فحكمه حكم المائت ،ال يخاف وال يرجى ،وال يطرد وال يزجى .وما استند
عول المؤمنون عليه ؛ إال لصدق ما لديه .
صدهيقون إليه ،وال ه
ال ه
58
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 59
قرب الحبيب باالشتراك في الصفة ،وجنابته في عدم االشتراك فيها ،كما أعطت المعرفة
ي بما ليس لي » لما طلب القرب الولي ، تقرب إل ه
«:ه
ي العزيز الجبار ،والمتكبر خلف باب الدار . والذي ليس له :ال هذلة واالفتقار ؛ فهو الغن ه
أنظر إلى ما أعطاه االشتراك والدعوى ،من البلوى ! هو في النزوح بالجسم الصوري
سبوح .
والعقل والروح ،ولهذا ال يتجلى -لمن هذه صفته -إال القدهوس ال ه
فالنزيه للعين ،ال يقول باالشتراك في الكون .
59
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 60
س هد الذريعة ،لما فيها -بالنظر إلى المخلوق -من األلفاظ الشنيعة التي ال تجيزها لهم
الشريعة .
تقوى في هذا الفتح ،وعلم من نفسه أنه ليس بشاطح ،لم يظهر عليه شيء من فمن ه
الشطح .فال يظهر الشطح ،من صاحب هذا الصف ،إال إذا كان في حاله ضعف . .
أال إن تبيهن ذلك ،عند الواصل والسالك . .
أال ترى إلى ما قال صاحب القوة ،والتمكين في إنفاذ األمر « :أنا سيهد ولد آدم وال
فخر » فانظر إلى أدبه في تحلهيه ،كيف تأدهب مع أبيه ،وما ذكر غير إخوته.
ه
الحق ؛ أنزل الناس منازلهم ،ل هما فاألديب من أخذ بأسوته ،فإن ربهه أدهبه .ومن أدهبه
تحقهق .
60
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 61
ولهذا يقول من أصابه حكمها ،وما أخطأ للشاعر الجاهلي المن هخل بن مسعود
اليشكري:
سدير فإذا سكرت فإنهني * ه
رب الخورنق وال ه
وهو صادق . .وإذا فارقه حكمها ،وعفا عنه رسمها ،يقول -أيضا -ويصدق ،
وقال الحق :
وإذا صحوت فإنهني * ه
رب الشهويهة والبعير
ه
فتفطن لهذا الميزان . رب الحيوان ،
وهذا المقام أعلى ،ألنه ه
61
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 62
62
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 63
ومن ذلك ؛ الفرق في الوحي ،بين التهحت والفوق . .من الباب ( : ) 376
قال :إذا قام المكلهف بما خاطبه به رسوله ،من حيث ما بلهغه عن ربهه -ال من حيث
ه
الحق به في ميزان قيامه ، ما ه
سن له -فما دخل له ،مما أتحفه
63
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 64
فذلك :العلم المكتسب ،وما خرج عن ميزانه ،وال يقبله ميزان عمله ،
فذلك :علم الوهب اإللهي .
ي فتحه . .
ّللا ،والوهب ه
ي نصر ه فالعلم الكسب ه
بحق ما كلهف ؛ وإذا
ه ّللا َو ْالفَتْ ُح( [ ) 1النهصر ، ] 1 :علم أنه قد قام
ص ُر َّ ِفإِذا جا َء نَ ْ
سيهة والعقلية -
انقادت إليه قواه -الح ه
ّللا على ما
ب ؛ فليشكر هالر ه
ّللا ،ال صراط ه فمشت معه على طريقه ،الذي هو صراط ه
خوله به وحباه . ه
ّللا إياه ،كما خفي عنهم موافقة الملك ربهه
وقال :خفي عن الناس طاعة إبليس ،بلعنة ه
ّللا عليهم ورضاه عنهم . -في خالفة آدم -بثناء ه
ومن ذلك ؛ االستقصاء ،هل يمكن فيه اإلحصاء . .من الباب ( : ) 383
قال :إذا رأيت من يتبرأ من نفسه ،فال تطمح فيه ،فإنه منك أشد تبرؤا .فافهم !
ّللا . .فيا لها من مصيبة !
وقال :ما ث هم ثقة بشيء ،لجهلنا بما في علم ه
وقال :ما ث هم هإال اإليمان ،فال تعدل عنه .وإيهاك والتأويل فيما أنت به مؤمن ،فإنك ما
تظفر منه بطائل ،ما لم يكشف لك عينا .
وقال :اجعل أساس أمرك كله على اإليمان والتقوى ،حتى تبين لك األمور ،فاعمل
بحسب ما بان لك ،وسر معها إلى ما يدعوك إليه .
وقال :اجعل زمامك يد الهادي ،وال تتلكأ ،فيسلهط عليك الحادي ،فتشقى شقاء األبد .
وقال :من كانت داره في الدنيا الجنان ،خيف عليه ،وبالعكس ! .
64
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 65
وقال :العقل قيهد موجده ،والشرع والكشف أرسله ،وهو هّلل الحق ! .
ي ،ال يشعر به إال أهل الكشف والوجود . وقال :للهوى في العقل حكم خف ه
ّللا
وقال :أثر األوهام في النفوس البشرية ،أظهر وأقوى من أثر العقول ،إال من شاء ه
.
ّللا بنا ،أنه رفع عنا المؤاخذة بالنسيان ،والخطأ ،وما نحدث به
وقال :من رحمة ه
أنفسنا ،فلو أخذنا بما ذكرنا لهلك الناس .
وقال :ما س هميت العقول عقوال ،إال لقصورها على من عقلته -من العقال -فالسعيد
من عقهله الشرع ،ال من عقهله غير الشرع .
ومن ذلك ،تنبيه :ال تضاهي النور اإللهي . .من الباب ( : ) 420
واحد[
ّللا إِله ِ
شورى ] 11 :إنما ه ْس َك ِمثْ ِل ِه َ
ش ْيء[ ال ه الحق ال يضاهي ،ألنه لَي َ
ه قال :
البقرة ] 163 :فأين المضاهى ؟ .
وقال :صفات التشبيه مضاهاة مشروعة ،فما أنت ضاهيت ! .
وقال :العقل ينافي المضاهاة ،والشرع يثبت وينفي ،واإليمان بما جاء به الشرع هو
ّللا له ! . شرع ه السعادة ،فال يتعدى العاقل ما ه
وقال :العاقل من هجر عقله ،واتهبع شرعه بعقله من كونه مؤمنا .
وقال :أكمل العقول ،عقل ساوى إيمانه ،وهو عزيز .
تصرف العقل ما كان عقال ،فالتصريف للعلم ال للعقل . ه وقال :لو
وقال :
لب ولأللباب أحالم * وللنههى في وجود الكون أحكام للعقل ه
تمضي اللهيالي مع األنفاس في عمه * للخوض فيه ،وأيهام وأعوام
وما لنا منه من علم ومعرفة * هإال القصور وأقدام وإيهام
باّلل نفي العلم عنك به * فك هل ما نحن فيه فهو أوهام العلم ه
وقال :العاقل ،من لعقله أعقل أنه ال يعقل ،فمتى عقلت جهلت .
65
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 66
فإن الذي ذهبوا إليه في ذلك ال يص هح ،والذي ذهبنا إليه يص هح ؛ وهو أن نأخذ العلم به
ه
الحق جميع قوانا فنعلمه به ،فنعلم عند ذلك نفوسنا إيمانا ،ثم نعمل عليه ،حتى يكون
به ،بعد علمنا به . .
باّلل .
ّللا في تقدهم العلم ه
وهذه طريقة أهل ه
ومن ذلك :دين األنبياء واحد ،ما ث هم أمر زائد ؛ وإن اختلفت الشرائع ،فث هم أمر جامع :
الدهين عند األنبياء وحيد * ومقامه بين األنام شديد
تفطنوا لرحيله * عنهم وقام لهم بذاك شهيد الرجال ه فإذا ه
مهطعين لعلهه * يوما بقصدهم إليه يعود ه جاؤوا إليه
66
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 67
67
شرح مشكالت الفتوحات المكية البن العربي ص 68
68