Professional Documents
Culture Documents
مجموع شرح الحكم
مجموع شرح الحكم
كتاب
شرح احلكم العطائية
للش يخ
لي بن عبدهللا باراسع
1094-1027ه
اعتىن به
أحمد بن عمر بن طالب العطاس
1
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
2
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
3
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
السود واملنت ابللون المحر ،اال آن بعض اللكامت التوجد فهيا نقط مما
يصعب قرآئهتا وكتابهتا اال بعد اعادة امجلةل اكمةل عدة مرات مما يسبب يل
التوقف .ويف نفس الوقت الكتاب التوجد به آبواب والفصول امنا اكن
الرشح رسد ومس متر دون توقف آووقف فتجده عندما ينهتي من احلمكة
السابقة يربطها ابحلمكة اليت تلهيا بقوهل :وذلا قال املؤلف ،آوقال املؤلف
وهكذا ،وقد نسخهتا حسب مايه موجودة يف الكتاب دون اضافة
ماعدى فواصل بني املواضيع حىت يسهل التوقف عندها .وليس يل فامي
كتبته اال النقل ،فان آصبت فهذا من فضل هللا وان آخطأت فأس تغفر
هللا عىل جرآيت عىل الكم الصاحلني ومؤلفاهتم ،امنا هذا حملبيت فهيم
ورغبيت االنضامم يف سلكهم ،ونرش مؤلفاهتم لالنتفاع هبا ،وقد من هللا
عيل بطباعة املتوفر من مؤلفات احلبيب عيل بن حسن العطاس ومؤلفات
آهلنا وآجدادان وغريمه آسأل هللا الكرمي آن الحيرمنا بركهتم ويفيض علينا
من فائضات فهوهمم .
واكن معيل فهيا عىل النحو التايل :
ترمجة مؤجزة للمؤلف
ترمجة خمترصة للش يخ آمحد بن عطاء هللا السكندري
نساخة منت احلمك
معل احلمك يف الرشح خبط عريض ووضعها بني قوسني هاللني .
الايت وضعهتا بني قوسني مزخرفني ووضع رمق الية والسورة .
معل فهرس يف آخر الكتاب .نسأل هللا التوفيق واالعانة .
آمحد بن معر بن طالب العطاس الحساء 1438/5/17 :ه
4
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
سريانك اىل دُهر وعرما ( بضم ادلال املهمةل وكرس العني املهمةل ) فامتثل
آمره ،وآمره بنرش ادلعوة يف هجات دوعن ،فأقبل الناس اليه من لك
انحية ،وخترج به جامعة من آهل دوعن ،وقصده الناس للزايرة من آهل
حرضموت وغريمه ؛ من السادة القادة آل آيب علوي وسائر الناس ،
واكنت جهرته من حريضه اىل اخلريبة س نة 1045ه .
ش يوخه :
تتلمذ عىل كثري من العلامء مهنم :
االمام الكبري القطب احلبيب معر بن عبدالرمحن العطاس .
االمام احلسني بن الش يخ آيب بكر بن سامل .
الفقيه الش يخ العارف ابهلل :آمحد بن عيل ابحبري .
تالميذه :وقد آخذ عنه الكثري مهنم :
االمام احلبيب احلسني بن معر بن عبدالرمحن العطاس .
الش يخ محمد بن آمحد ابمشموس .
احلبيب العالمة عبدالرمحن بن معر البار .
احلبيب عيل بن محمد ابهارون .
الفقيه الش يخ عبدهللا ابعباد .
الش يخ العالمه عبد هللا بن آمحد ابهرمز .
الش يخ االمام سهل بن آمحد بن سهل المتمي بن احساق .
مؤلفاته :
هل الكثري من املؤلفات ،مهنا :
رشح احلمك العطائية ( هذا اذلي بني آيدينا )
6
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
8
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
11
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
– 29ش تان بني من يس تدل به آويس تدل عليه ؛ املس تدل به عرف
احلق لههل ،فأثبت المر من وجود آصهل ؛ واالس تدالل عليه من عدم
الوصول اليه .واال مفىت غاب حىت يس تدل عليه ؟ ومىت بعد حىت تكون
الاثر يه اليت توصل اليه ! ؟
– 30لينفق ذو سعة من سعته :الواصلون اليه ،ومن قدر عليه رزقه :
السائرون اليه .
– 31اهتدى الراحلون اليه بأنوار التوجه ،والواصلون هلم آنوار املواهجة
.فالولون للنوار ؛ وهو النوار هلم لهنم هلل اللىشء دونه { .قل هللا م
ذرمه يف خوضهم يلعبون } .
– 32تشوفك اىل مابطن فيك من العيوب ؛ خري ك من تشوفك اىل
ماجحب عنك من الغيوب .
– 33احلق ليس مبحجوب ؛ وامنا احملجوب آنت عن النظر اليه ،اذ
لوجحبه ىشء لسرته ماجحبه .ولو اكن هل ساتر لاكن وجود حارص ،ولك
حارص لىشء فهوهل قاهر ،وهو القاهر فوق عباده .
– 34آخرج من آوصاف برشيتك عن لك وصف مناقض لعبوديتك ؛
لتكون لنداء احلق جميبا ،ومن حرضته قريبا .
– 35آصل لك معصية وغفةل وشهوة الرضا عن النفس ،وآصل لك
طاعة ويقظة وعفة عدم الرضا منك عهنا .ولن تصحب جاهال اليرىض
عن نفسه خري ك من آن تصحب عاملا يرىض عن نفسه ،فأي عمل لعامل
يرىض عن نفسه ؟ وآي هجل جلاهل اليرىض عن نفسه !؟
12
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
– 45ما قل معل من قلب زاهد ،والكرث معل برز من قلب راغب .
– 46حسن العامل نتاجئ حسن الحوال ،وحسن الحوال من التحقق
يف مقامات االنزال .
– 47الترتك اذلكر لعدم حضورك مع هللا فيه ؛ لن غفلتك عن وجود
ذكره آشد من غفلتك يف وجود ذكره ،فعىس آن يرفعك من ذكر مع وجود
غفةل ؛ اىل ذكر مع وجود يقظه .ومن ذكر مع وجود يقظة اىل ذكر مع
وجود حضور ،ومن ذكر مع وجود حضور اىل ذكر مع وجود غيبة ؛ عام
سوى املذكور ،وماذ ك عىل هللا بعزيز .
– 48من عالمات موت القلب عدم احلزن عىل مافاتك من املوافقات ؛
وترك الندم عىل مافعلته من وجود الزالت .
– 49اليعظم اذلنب عندك عظمة تصدك عن حسن الظن ابهلل تعاىل ؛
فان من عرف ربه اس تصغر يف جنب كرمه ذنبه .
– 50الصغرية اذا قابكل عدهل ؛ والكبرية اذا واهجك فضهل .
– 51المعل آرىج للقلوب من معل يغيب عنك شهوده ؛ وحيتقر عندك
وجوده .
– 52امنا آورد عليك الوارد لتكون به عليه واردا .
– 53آورد عليك الوارد ليس تعمكل من يد الغيار ،وحيررك من رق
الاثر .
– 54آورد عليك الوارد ليخرجك من جسن وجودك اىل فضاء شهودك .
– 55النوار مطااي القلوب والرسار .
14
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
– 56النور جند القلب ؛ كام آن الظلمة جند النفس ،فاذا آراد هللا آن
ينرص عبده آمده جبنود النوار ،وقطع عنه مدد الظمل والغيار .
– 57النور هل الكشف ،والبصرية لها احلمك ،والقلب هل االقبال واالدابر
.
– 58التفرحك طاعة لهنا برزت منك ؛ وافرح هبا لهنا برزت من هللا
اليك { قل بفضل هللا وبرمحته فبذ ك فليفرحوا هو خري مما جيمعون }
– 59قطع السائرون هل والواصلني اليه عن رؤية آعامهلم وشهود آحواهلم
.آما السائرون فلهنم مل يتحققوا الصدق مع هللا فهيا ؛ وآما الواصلون
فلنه غيهبم بشهوده عهنا .
– 60مابسقت آغصان ذل اال عىل بذر طمع .
– 61ماقادك ىشء مثل الومه .
– 62آنت حر مما آنت عته آيس ،وعبد ملا آنت هل طامع .
– 63من مل يقبل عىل هللا مبالطفات االحسان ؛ قيد اليه بسالسل
االمتحان .
– 64من مل يشكر النعم فقد تعرض لزوالها ،ومن شكرها فقد قيدها
بعقالها .
– 65خف من وجود احسانه اليك ؛ ودوام اساءتك معه آن يكون
ذ ك اس تدراجا ك { سنس تدرهجم من حيث اليعلمون }
– 66من هجل املريد آن يس ئي الدب فتؤخر العقوبة عنه فيقول :لواكن
هذا سوء آدب لقطع االمداد ؛ وآوجب االبعاد ،فقد يقطع املدد عنه من
15
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
حيث اليشعر ،ولو مل يكن اال منع املزيد .وقد يقام مقام البعد وهو
اليدري ،ولومل يكن اال آن خيليك وماتريد .
– 67اذا رآيت عبدا آقامه هللا تعاىل بوجود الوراد وآدامه علهيا مع
طول االمداد ؛ فال تس تحقرن مامنحه مواله ،لنك مل تر عليه س امي
العارفني ،والهبجة احملبني ،فلو ال وارد مااكن ورد .
– 68قوم آقاهمم احلق خلدمته ،وقوم اختصهم مبحبته { الك مند هؤالء
وهؤالء من عطاء ربك ومااكن عطاء ربك حمظورا }
– 69قلام تكون الواردات االلهية اال بغتة ؛ لئال يدعهيا العباد بوجود
االس تعداد .
– 70من رآيته جميبا عن لك ماس ئل ؛ ومعربا عن لك ماشهد ؛ وذاكرا
لك ماعمل ،فاس تدل بذ ك عىل وجود هجهل .
– 71امنا جعل ادلار الخرة حمال جلزاء عباده املؤمنني ؛ لن هذه ادلار
التسع مايريد آن يعطهيم ،ولنه آجل آقدارمه عن آن جيازهيم يف دار
البقاء لها .
– 72من وجد مثرة معهل عاجال ؛ فهو دليل عىل وجود القبول آجال .
– 73اذا آردت آن تعرف قدرك عنده ؛ فانظر فامي يقميك .
– 74مىت رزقك الطاعة والغىن به عهنا ؛ فاعمل آنه قد آس بغ عليك نعمه
ظاهرة وابطنة .
– 75خري ماتطلبه منه ؛ ماهو طالبه منك .
76احلزن عىل فقدان الطاعة مع عدم الهنوض اليه من عالمات االغرتار .
16
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
– 77ما العارف من اذا آشار وجد احلق آقرب اليه من اشارته ؛ بل
العارف من ال اشارة هل لفنائه يف وجوده ،وانطوائه يف شهوده .
– 78الرجاء ماقارنه معل ؛ واال فهو آمنية .
– 79مطلب العارفني من هللا الصدق يف العبودية ،والقيام حبقوق
الربوبية .
– 80بسطك كيال يبقيك مع القبض ؛ وقبضك كيال يرتكك مع البسط ،
وآخرجك عهنام كيال تكون لىشء دونه .
– 81العارفون اذا بسطوا آخوف مهنم اذاقبضوا ،واليقف عىل حدود
الدب يف البسط اال قليل .
– 82البسط تأخذ النفس منه حظها ،والقبض الحظ للنفس فيه .
– 83رمبا آعطاك مفنعك ؛ ورمبا منعك وآعطاك .
– 84مىت فتح ابب الفهم ؛ عاد املنع عني العطاء .
– 85الكوان ظاهرها غرة ؛ وابطهنا عربة .فالنفس تنظر اىل ظاهر
غرهتا ؛ والقلب ينظر اىل ابطن عربهتا .
– 86ان آردت آن يكون ك عز اليفىن ؛ فال تس تعز بعز يفىن .
– 87الط احلقيق آن تطوي مسافة ادلنيا عنك ؛ حىت ترى الخرة
آقرب منك .
– 88العطاء من اخللق حرمان ،واملنع من هللا احسان .
– 89جل ربنا آن يعامهل العبد نقدا ؛ فيجازيه نسيئة .
– 90كفى من جزائه اايك عىل الطاعة آن رضيك لها آهال .
17
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
19
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
22
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
23
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
24
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
– 169عنايته فيك ال لىشء منك .وآين كنت حني واهجتك عنايته ،
وقابلتك رعايته ؟ مل يكن يف آزهل اخالص العمل ؛ والوجود آحوال ،بل
مل يكن هناك اال حمض االفضال ،وعظمي النوال .
– 170عمل آن العباد يتشوفون اىل ظهور رس العناية ،فقال { خيتص
برمحته من يشاء } وعمل لوخالمه وذ ك ؛ لرتكوا العمل اعامتدا عىل الزل ،
فقال { ان رمحة هللا قريب من احملس نني }
– 171اىل املشيئة يستند لك ىشء ؛ والتستند يه اىل ىشء .
– 172رمبا دهلم الدب عىل ترك الطلب اعامتدا عىل قسمته ،واش تغاال
بذكره عن مسألته .
– 173امنا يذكر من جيوز عليه االغفال ؛ وامنا ينبه من ميكن منه االهامل
.
– 174ورود الفاقات آعياد املريدين .
– 175رمبا وجدت من املزيد من الفاقات ماالجتده يف الصوم والصالة .
– 176الفاقات بسط املواهب .
– 177ان آردت ورود املواهب عليك ؛ حصح الفقر والفاقة دليك { امنا
الصدقات للفقراء }
– 178حتقق بأوصافك ميدك بأوصافه ،حتقق بذ ك ميدك بعزه ،حتقق
بعجزك ميدك بقدرته ،حتقق بضعفك ميدك حبوهل وقوته .
– 179رمبا رزق الكرامة من مل تمكل هل االس تقامة .
– 180من عالمات اقامة احلق ك يف الىشء ؛ اقامته اايك فيه مع
حصول النتاجئ .
25
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
27
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
30
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
– 238من آثبت لنفسه تواضعا فهو املتكرب ؛ اذ ليس التواضع اال عن
رفعة ،مفىت آثبت لنفسك تواضعا فأنت املتكرب حقا .
– 239ليس املتواضع اذلي اذا تواضع رآى آنه فوق ماصنع ،ولكن
املتواضع اذلي اذا تواضع رآى آنه دون ماصنع .
– 240التواضع احلقيق هو مااكن انش ئا عن شهود عظمته ؛ وجتيل
صفته .
– 241الخيرجك عن الوصف اال شهود الوصف .
– 242املؤمن يشغهل الثناء عىل هللا عن آن يكون لنفسه شاكرا ؛
وتشغهل حقوق هللا عن آن يكون حلظوظه ذاكرا .
– 243ليس احملب اذلي يرجو من حمبوبه عوضا ؛ آويطلب منه غرضا ،
فان احملب من يبذل ذ ك ؛ ليس احملب من تبذل هل .
– 244لوال ميادين النفوس ماحتقق سري السائرين .اذ ال مسافة بينك
وبينه حىت تطوهيا ،والقطعة بينك وبينه حىت متحوها وصلتك .
– 245جعكل يف العامل املتوسط بني ملكه وملكوته ؛ ليعلمك جالةل
قدرك بني خملوقاته ،وآنت جوهرة تنطوي عليك آصداف مكوانته .
– 246امنا وسعك الكون من حيث جسامنيتك ؛ ومل يسعك من حيث
ثبوت روحانيتك .
– 247الاكئن يف الكون ومل تفتح هل ميادين الغيوب ؛ مسجون
مبحيطاته ،وحمصور يف هيلك ذاته .
– 248آنت من الكوان مامل تشهد املكون ،فاذا شهدته اكنت الكوان
معك .
31
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
32
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
– 255ذاكر ذكر ليس تنري قلبه ؛ وذاكر استنار قلبه فاكن ذاكرا .واذلي
اس توت آذاكره وآنواره فبذكره هيتدى ؛ وبنوره يقتدى .
– 256مااكن ظاهر ذكر ؛ اال عن ابطن شهود وفكر .
– 257آشهدك من قبل آن يستشهدك فنطقت ابالهيته الظواهر ،
وحتققت بأحديته القلوب والرسائر .
– 258آكرمك بكرامات ثالث :جعكل ذاكر هل ؛ ولوال فضهل مل تكن
آهال جلراين ذكره عليك ،وجعكل مذكورا به اذ حقق نسبته دليك ،
وجعكل مذكورا عنده فمتم نعمته عليك .
– 259رب معر اتسعت آماده وقلت آمداده ،ورب معر قليةل آماده
كثرية آمداده .
– 260من بورك هل يف معره ؛ آدرك يف يسري من الزمن من منن هللا
تعاىل ماال يدخل حتت دوائر العبارة ،والتلحقه االشارة .
– 261اخلذالن لك اخلذالن آن تتفرغ من الشواغل م التتوجه اليه ،
وتقل عوائقك م ال ترحل اليه .
– 262الفكرة سري القلب يف ميادين الغيار .
– 263الفكرة رساج القلب ؛ فاذا امتنعت فال اضاءة هل .
– 264الفكرة فكراتن :فكرة تصديق واميان ؛ وفكرة هجود وعيان .
فالوىل لرابب االعتبار ،والثانية لرابب الشهود واالستبصار .
متت وابخلري معت
اكن الفراغ من نقلها صباح امخليس 1437/12/7ه ابلحساء
33
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
34
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
كتاب
شرح احلكم العطائية
لس يدان الش يخ العالمة بركة السلف ومعدة اخللف
ش يخ الطريقة وحبر احلقيقة الش يخ
عيل بن عبدهللا ابراس
نفعنا هللا به وسائر علومه آمني
وصىل هللا عىل س يدان محمد وآهل وحصبه وسمل تسلامي كثريا
اعتىن به
آمحد بن معر بن طالب العطاس
35
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
36
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
هللا آن جيعلنا ممن مسع اخلطاب فوعى ؛ وشهد التحقيق فدعا اىل هللا عىل
بصرية ،وصفو رسيرة ،وحمجة منرية .ويوفقنا حلسن االتباع ،وجينبنا
الزيغ واالبتداع .وآن جيعلين مرتجام المتحكام بنفيس ،وآن ينفعين
واملسلمني مبا آوردته يف هذا الكتاب وغريه من لك فعل وخطاب ،وآن
جيعهل لنا جحة يوم احلساب ،وحمجة اىل كشف احلجاب .وآن جيعلنا
انطقني ابلصواب ،وآن جيمعنا مع الحباب ؛ مع النبيني وخواص املقربني
من القطاب ،والمئة والواتد والبدالء والجناب ،ومشاخينا يف ادلين ،
ومن والاان فيك وواليناه والقراابت والصهار والنساب ،وآن يعم بنفعه
لك طالب منيب آواب .ويل يف ذ ك شعرا :
لك الوجـــــود مشري ان رآيت اىل حنو الحبة دونك هذه اخلـــــمي
وامسع خطاب نداء احلق املبني وال يدخكل ريب مبا يف مجمع اللكـــم
فف الصدور سطور النور منه عـىل صفاحئ النفس آرسار من القـدم
اذا بدا ذاك انر الكون منه فـــــال غري يرى عزه من سائـر المــــم
واكن هذا آوان ابتداؤان يف رشح الكم املؤلف ريض هللا عنه ،
مس تعينا ابهلل ومتوالك عليه ،ومستندا يف آموري اليه .مفن وجد يف
كتايب هذا لفظا آومعىن خمالفا ملا عليه آهل الس نة وامجلاعة ؛ فأان برئ عن
ذ ك املقال ،وهذا آس املقال ؛ اذ قال املؤلف ريض هللا عنه :
( من عالمات االعامتد عىل العمل ؛ نقصان الرجاء عند وجود الزلل )
هذه عالمة اكفية ،ودالةل وافية .وهذه آحد عالمات االعامتد عىل
العمل ؛ وهل عالمات ودالئل يطول تعدادها ؛ ومن مجلهتا :االدالل
وازدراء من مل يعمل مبثهل ،اىل غري ذ ك .والفرق بني من يعمتد عىل هللا
38
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
دون علمه ومعهل آنه لو ابت قامئا وغريه انمئا اىل الصباح مل ير نفسه عليه
مبزيد ،ويه للواقف عىل معهل وعلمه ومجيع ما منه دون االعامتد عىل هللا
؛ عالمة جحابه ،ووقوفه دون حمض العبودية عىل مقتىض طبعه .وطلب
حظه من نيل ثواب ؛ والهروب من العذاب .وهذه العلل تناقض
العبودية .
وآما العارفني والسادات املقربني قرصوا نظرمه وعكفوا هبممهم عىل
امتثال آمرس يدمه دون حظ عاجل وجزاء آجل ،فهم مع هللا ذاات وصفاات
وآفعاال ،ويف مجيع حراكهتم اكئنة مااكنت ،فان اكن مايصدر مهنم من
قبيل املوافقات اس تغرقهم جامهل وحسن آفعاهل ،ومع ذ ك تصحهبم هيبة
سطوات جالهل .لنه حيث ظهر وصف امجلال فاجلالل ابطن ،وحيث
ظهر سلطان اجلالل فامجلال ابطن ؛ ذل ك الينفك جالهل .فأورث هلم
حاالت سنية ،ومقامات عليه ؛ اكحلياء والرهبة وااللتجاء واخلش ية ،
واالنطواء حتت سلطان الرهبوت .وان آقاهمم يف جتيل جامهل آسكرمه
رشاب جامهل ،وآذهلهم ذليذ وصاهل ،وآدهشهم كامهل .فانبعثت مهنم
القوى الباطنة ،واحلراكت الظاهرة مبقتىض الشكر من خالص ذكر وصايف
فكر ،بني روح مشاهدة امجلال وهتذيب اجلالل .وحيث مسعت بزةل
آوهفوة صدرت يف عبارة ؛ فاعمل آن زالت العارفني وهفواهتم غالبا يف
الرخص واملباحات ،وعىل الندور تكون يف كبرية .وحيث اكنت فهم
يطالعون سابق العمل عىل عمل مهنم قبل وقوعها عىل يدمه آهنا س تكون ،
والبد آما بأن يشهدون ذ ك يف آم الكتاب مسطرا وحيدثون به بال امرتا ،
ولكن هللا يقرن هلم البرشى بقبول توبهتم ،وغفران ذنوهبم .فذل ك جح آدم
39
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
موىس كام ورد عن رسول هللا صىل هللا عليه وسمل .ولو مل يكن ذ ك
ذلابت آرواهحم وتالشت آش باهحم حبا وتعظامي .وحال وقوعهم فهيا
وصدورها عهنم حيجبون عن شهود العمل ،واال مل يمتكنوا من فعلها ليقيض
هللا آمرا اكن مفعوال .مفراتهبم تعطهيم التعظمي واالجالل ؛ كام يكون لغريمه
من اخلوف واالذالل ،خارجني عن كوهنم بأنفسهم قامئني ،وعن حوهلم
وقوهتم متربئني ؛ يف مجيع مايصدر مهنم وعهنم .وكيف يشهدون ذواهتم
وصفاهتم ؛ فضال عن آفعاهلم ومه متالشني بني مرشقات جامهل ،
ومضمحلني حتت حمرقات جالهل ،فان آشهدمه ذاته غيهبم عن ذواهتم ،
فيكون مقاهمم الهيبة والنس ،وان آشهدمه صفاته آخذمه عن صفاهتم
حفاهلم القبض والبسط ،وان آوقفهم حتت آحاكم آسامئه قاموا حبمك اخلوف
والرجاء ،هذه مقامات الرجال ،والسادات البدال .
وآما عامة اخللق فواقفون يف مضيق احلجاب عندما يتومهون
صدوره مهنم آوكونه مهنم من طاعة آوعصيان ،آوعطاء آوحرمان ،فال
يفارقون الرشك اخلف آو اجليل ؛ وآما اخلف آواجليل فاذا نظروا اىل مايربز
مهنم يف صورة طاعة عدوه آرجاء بضاعهتم ،ومعدة نفاعهتم ،وغابوا عن
معونة هللا هلم وسابق هدايته هلم ،وعظمي منته علهيم ،وآجلها اجيادمه بعد
آن مل يكونوا ،وتوايل امداده وارسال آنبيائه ،وانزال كتبه ،وبسط آرضه
،ورفع مسواته ،وتسخري موجوداته { وان تعدوا نعمة هللا الحتصوه} [
الية 18النحل ] ومن مجلهتا طاعهتم املنسوبة الهيم جمازا وان وقعت مهنم زةل
؛ وحصلت مهنم هفوة ،مااكن عندمه من الرجاء لشهودمه صدورها عهنم
،واستنادمه اىل حوهلم وقوهتم ،فرؤيهتم حوهلم وقوهتم يف اجياد شئ آشد
40
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
من معصيهتم .واحلزن املطلوب للعباد اللكوهنم هلم فهيا حقيقة اجياد
واخرتاع ،ولكن لكوهنا برزت عىل آيدهيم فهي من نوازل البالء ،
وسطوات القضاء .فاذا فهمت ذ ك تبني ك حاالت العامة ؛ ومقامات
اخلاصة ومايعطهيم احلال من الفناء عن آفعاهلم وآوصافهم وذواهتم ؛ وحال
العامة ومايعط من احلجاب ،ومايقاسونه من رؤية آنفسهم من النصب
والعذاب ؛ فالعذاب فرع من رضب احلجاب .قال هللا جل ذكره { الك
اهنم عن رهبم يوميئذ حملجوبون * م اهنم لصالوا اجلحمي } [ الايت 16-15
املطففني ] والعارف آما متحقق ممتكن ؛ وآما مصطمل متلون ،فاملمتكن
يعط لك ذي حق حقه ،ويؤيف لك مقام مس تحقه .مفع كونه فانيا عن
آفعاهل وآوصافه وذاته ؛ فهو ابق بربه ،يأمتر لمره وينهتي لهنيه ،ويعرف
حمكة هللا يف اثبات العبد مع هللا ،مع آن هللا قال { آال هل اخللق والمر
لها ماكسبت وعلهيا { } [ الية 54العراف ] وقال يف مقام آخر
مااكتسبت } [ الية 286البقرة ] وهنا علوم خترجنا عن رشح الكتاب ،
ولكن كن وقاية هل فامي اليليق اضافته اليه ،واجعهل وقايتك فامي حيسن آن
يضاف اليه من احملامد ،ولك مايف اطالقه ذم آواشارة اىل ذم ولو من
بعض الوجوه تكن وقايته فهيا ،مفا اكن من اجملهودات فاليه خلقا واجيادا ،
آومااكن فيه ذم آويتوصل فيه اىل ذم ولو من بعض الوجوه فاليك اضافة
واستنادا ،ومااكن فيه من وجه مدح ومن وجه ذم فوجه املدح اليه ،
ووجه اذلم اليك ؛ هذا مشهد الدابء .وآما العامة فاهنم ابلضد من ذ ك
41
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
يضيفون مااكن ممدوحا الهيم ،ومااكن مذموما تربآوا منه وآضافوه اىل هللا .
فهذا بعض ما آبرزته اشارة الوقت ،ووراء هذه علوم وآرسار اليسع
كشفها لغري آهلها .شعرا :
فكن عىل كرم الرمحن معمتدا التستند ال اىل عمل والمعـــــــل
ففضل ربك المتنعه معصــية واليضاف اىل االعراض والعلل
فنسأل هللا هداية وتوفيقا ،وصوااب وحتقيقا .وقال املؤلف ريض
هللا عنه :
( ارادتك التجريد مع اقامة هللا اايك يف الس باب من الشهوة اخلفية
وارادتك الس باب مع اقامة هللا اايك يف التجريد احنطاط عن اهلمة العلية )
االرادة حاةل من حاالت القلب ،ووصف من صفات العبد ،ويه
جائزة كهو ،ويه ختصيص المور وتدبريها ،وقد علمت ما العبد عليه
من القصور والعجز جلههل بتقدير المور ،والعجز من لوازم ارادته الش ياء
واختيارها .واملطلوب من العبد حيث اكن كذ ك آن يكون بتدبري هللا
واخنياره اتراك الرادته وسائر آوصافه وآفعاهل ،ويبقى بتدبري من هل االرادة
الاكمةل ،والقدرة النافذة ،يف حراكته الظاهرة والباطنة .فعىل ذ ك لوآبيح
هل آن خيتار لاكن من حقه ترك االختيار ؛ فكيف والعبد مأمور برتك
االختيار لقوهل تعاىل { وربك خيلق مايشاء وخيتار مااكن هلم اخلرية } [
الية 68القصص ] وبعض المور آظهر من بعض يف ظهور احلمكة .فطلب
التجريد مع اقامة هللا اايك يف الس باب الشهوة فيه خفية غامضة جدا من
حيث آهنا طاعة ،لكن بدقيق النظر يف دقائق احلقائق يتبني ك شهوة
النفس وخمادعة الش يطان ،آما شهوة النفس مفن حيث اس تعجال الراحة
42
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
،وآما خمادعة الش يطان مفن حيث اخراجك عن تدبري هللا اذلي مل يقرتن
به مذموم رشعا اىل تدبريك لنفسك املشوب ابحلظوظ ،وآما طلب
اخلروج من التجريد اىل الس باب فقبحه ظاهر جيل .واعمل آن الس باب
يه لكام يوصل اىل غرض دنيوي ،والتجريد هو التفرغ عن لك شاغل
يشغل عن هللا ،وعائق عن طاعة هللا .
واعمل آن التجريد حال رشيف ومقام منيف ،يقمي هللا فيه خاصة
آصفيائه وصفوة آوليائه .وعالمة من آقامه هللا فيه كرثة الرضا وعدم
الشكوى ،وعدم الركون اىل املعلوم ،وجيتنب لك فعل ملوم وخلق
مذموم ،واالس تغناء ابهلل ،وانزال مجيع حاجاته وهمامته ابهلل ،والبذل
عند الوجد ،والصرب عند الفقر ،والرآفة بعباد هللا والشفقة ،ورفع اهلمة
عن التشوف الهيم يف آمر من المور ،واذا نزلت به احلاجة مل يتوجه يف
قضاهئا اىل غريهللا .
ومه يف ذ ك ثالثة :مهنم من يسأل واليأخذ ،ومهنم :من يسأل
واذا آعط قبل ،ومهنم :من يسأل عند ماتزنل به الفاقة .فالول روحاين
،والثاين اترك االختيار ؛ قامئ مقام االفتقار ،والثالث كفارة سؤاهل صدقه
يف فاقته ،واملتجرد جترد عن آس باب وتلبس آحوال ؛ مفا يتجردون
ليتفرغون ولكن يتجردون عن آس باب دنية لحوال سنية .مفن مل يكن يف
حال جتريده ذو مهة عالية ،وعلوم وافية ،وآخالق رضية ،وعلوم سنية ،
وآذواق روحية ؛ فتجريده بطاةل ،وطريقه ضالةل .واذا اكن هبذه
الرشوط توىل هللا رعايته ،ونرش عليه رس واليته ،وتوهجت اليه
الاكئنات بسرت التسخري ،وكف مه التدبري .فاذا توهجت مهته اىل غريهللا
43
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
اكئنا من اكن ذ ك الغري ؛ فقد احنط عن هذه الرتبة العلية ،ونزل عن
هذه اهلمة السامية العلوية ،وجحب عن هذه احلاةل السنية ؛ مفا آعظم
مصيبته وآشد عقوبته ،وما آقبح حامقته حيث عاد من اليقني اىل الومه ،
وتلبس ابجلهل عوضا عن الفهم ان مل يتداركه هللا بتوبة ورسعة آوبة .فان
مل يتدارك بذ ك اكن من مل يسكل آمحد حاال منه ،لن من مل يسكل مل
يطلق عليه آن سكل طريق ورجع عهنا .والخيفى ضالل رآي من خطب
اىل مقام املكل والتراب ،ورجع اىل س ياسة ادلواب ،ويف مثل ذ ك
آقول شعرا :
كيف ابلس باب يقنع من محلا التجريد قد طلــــــبا
من مبواله توثـــــــــــــــقه م يرجع يطـلب السبــــبا
اكنت الس باب تطلبـــــه وهو ابلنوار حمتجـــــــبا
فرتى التزنيل خيـــــــــربان حبديث العمى قوم سبــا
ان فهيا آية ظــــــــــهرت خترب الطالب ابلعجـــــبا
برغيد العيش آنكـــــــــده يطلبون البعد والتعـــــبا
ان يف ذ ك لية وكفاية ،والحتسنب هللا يقص عليك هذا احلديث
عبثا ولكن آنت املراد ،فاايك م اايك والتصامم عن هذا اخلطاب ،فيكون
آيرس آحوا ك العقاب ،بشنيع اخلطاب ،هذا اذلي رجع عن الباب ،
واس تخار البعد عىل االقرتاب ،وآثر جمالسة الجناب عىل مشاهدة
الحباب ،وآشد حالته الطرد واحلجاب ،وآلمي العذاب .فهذه بعض
اشارة اىل تقبيح حال من احنط عن التجريد اىل الس باب .
44
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
45
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ويلكيه الكءة مرية ،وحيييه حياة طيبة ،ويغذيه بعيشة هنية ؛ بأن مييل
قلبه نورا وفرحا وحبورا ،ويوصل اليه ماقدره هل ،ويكفيه مه ذ ك بأن
ييرس هل من يوصهل اايه ؛ آما من آبناء جنسه وآما آن ميد هل موائد الغيب
،آوتكون هل آرزاقا معنوية وآقواات خادية قربية تتلون هل كام تتلون لهل
اجلنة ،فقد تكون من ذ ك يف ادلنيا لبعض املرادين كام اكن البنة معران
{ لكام دخل علهيا زكراي احملراب وجد عندها رزقا قال ايمرمي آىن ك هذا
قالت هو من عندهللا ان هللا يرزق من يشاء بغري حساب } [ الية 37
آل معران ] والنصب والعقاب فهكذا يعامل الحباب :
من قام هلل يف الحوال قام هل لك الوجود بتسخري وتيسريي
ولرنجع اىل رشح الكم املصنف بال تطويل وال اكثار ،قال ريض
هللا عنه :
( سوابق اهلمم الخترق آسوار القدار )
اهلمة قوة يف النفس تتحصل عند توهجها اىل الشئ ابذن هللا تأثري
،وقد آشار ابلس بق يشري اىل قوة التأثري ورسعته .وحيث آطلقت
فتعلقها ابلفضائل واس تعامل لك وس يةل من وسائل اخلريات ؛ لطلب
املنازل العالية ورفيع ادلرجات وس ين احلاالت ،والزنوع عن مواطن
الرذائل والغفالت ،اىل فس يح املاكرم ونيل املقامات وبواهر الكرامات .
ولك مهة اىل غري ذ ك فهي من املكر ؛ ولكن من حيث حد اهلمة .ومع
ذ ك ؛ آي كوهنا مؤثرة رسيعة التأثري فهي موقوفة عىل مشيئة هللا وقدرته ،
مفىت مل جتد نفوذا يف سور القدر االلهي مل يكن تأثري يف ىشء البتة .
46
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
47
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
املسكني والتدبري يف آمورك وقد كفاكها عنك غريك ،ومع كونك تتعب
وتنصب فاليغين عنك تدبريك ،ومل ينفعك تقديرك ،فكن بتدبري هللا ك
البتدبريك لنفسك .فالتدبري واالختيار ملن هل االرادة والتدبري وذ ك هللا
احلكمي القهار ،فشان العبد آن اليزامح مواله فامي انفرد به .ولك تدبري
ندبك الرشع اليه فليس يدخل حتت مطلق اذلم عىل التدبري ،فلك
تدبريات الرشع المنك وال اليك فامسع وآطع ،وامنا التدبري املذموم آن
تدبر يف املقسوم آوتهتم يف املعلوم ،مفا قدر فال بد آن يكون ،وماال فال .
مفا ذا يغين تدبريك ،وماذا جيدي اختيارك وتقديرك وربك خيلق مايشاء
وخيتار و{ مااكن هلم اخلرية س بحان هللا عام يرشكون } [ الية 68القصص
] معه من تدبريمه واختيارمه .ويل يف ذ ك شعرا :
ايمن يدبر آمرا وهــــو ليس هل يف خرية هللا تدبري والقدر
ان كنت البد خمـتارا خفرية من بيده المر والتدبري والقدر
فدبر آن التدبر يف المور وكن اكمليت الفان العني والآثــر
فشأنك آهيا املسكني آن يكون فكرك وتدبريك فامي ندبك اليه
يسدك من القرابت ،ودعاك اليه من املوافقات ،وتذر مامىض والهتمت مبا
هو آت من الس باب ادلنيوايت ان كنت ذا بصرية انظرة ،ورسيرة
صافية ،وروح حارضة ،فذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( اجهتادك فامي مضن ك ؛ وتقصريك فامي طلب منك ؛ دليل عىل
انطامس البصرية منك )
االجهتاد هو بذل اجملهود يف طلب املقصود ،وليس مقصودا
غريهللا ،آومايقرب اىل هللا .مفن بذل جمهوده ملقصود غري هللا فهو ذا
48
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
الرب ،حيث عرب يطلب بصيغة ما مل يسمى فاعهل ،اشعارا منه برشف
الطالب ،فبني عبارة طلب وطلب ماالخيفى عىل من هل آدىن ذوق يف فن
الدب ،لن طلبه عىل سبيل التعبد ،واملكل والسلطان العىل سبيل
التلق واالسرتفاد ،وطلبه ك الحلاجته اليك ؛ ولكن من عظمي منته
عليك وس بوغ نعمته دليك آن عرفك طريق جناتك ومافيه سعادتك يف
حياتك ومعادك .وقوهل :اجهتادك ليس تقبيح عىل طلب املضمون عىل
االطالق ولكن ان اقرتن به تقصري فامي طلب .شعرا :
ايمن سعى يف طلب مااكن يطلبــه عام تضمنه الرزاق يف القـــــــدم
يأتيك رزقك من الحيث حتســـبه ان تتق هللا تعطى مزيدا الكــرم
فبادرن مبا يف الوقت تطلـــــــــــبه والتطالب مبا قد خط ابلقـــــــمل
فأمكه القلب من يطلب مأربــــــــه ومطمس النور حمبوس يف الظمل
حفيث اجهتدت فامي مضن ك ؛ وتركت ماطلب منك ؛ حفقيق آن
ينوه عليك بطمس البصرية ،واالزورار عن احملجة املنرية .فاملضمون هو
مايقوم ابلود ،واليتقيد بوقت دون وقت والطعام دون طعام ،واليقدر
من كرثة آوقةل وقد قدر هللا الرزاق وآوقاهتا وآقدارها وآوصافها يف آي
وقت وحال وماكن ،ومايه قبل بروز املرزوقني اىل عامل اخللق .وكذ ك
لكام وعدك به من اجابة دعاء هو آعمل بوقته وماكنه ،فاايك واستبطائه فقد
وعد عباده ابجابة دعاهئم كام وعدمه ابيصال آرزاقهم ،فذل ك قال املؤلف
ريض هللا عنه :
50
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وذلمك ظنمك اذلي ظننمت بربمك } [ الية 23فصلت ] فاالجابة لها آوجه
ومقاصد ،مفهنا :مايؤخر لخرتك وهو النفع ك .ويف بعض الخبار "
يبعث هللا رجال فيقول هللا هل :ايعبدي مل التدعين وقد آمرتك بدعايئ ،
فيقول :قد دعوتك ،فيقول :آمل آمرك برفع حواجئك ايل ؟ فيقول :بىل ؟
وقد رفعهتا اليك ،فيقول هللا :ماسألت شيئا اال آجبتك فيه ؛ لكن آجنزت
ك البعض يف ادلنيا ومامل آجنزه يف ادلنيا فهو مدخر ك خفذه الن ،فيقول
ذ ك العبد :ليته مل يقض يل حاجة يف ادلنيا "
وعن آنس عن النيب صىل هللا عليه وسمل آنه قال :مامن داع اال
اس تجاب هللا دعوته مامل يدع ابم آوقطيعة رمح .فاذا علمت ذ ك فاعمل
آن ادلعاء آيضا قد يتلقا من البالاي ويدفع من اذلنوب واخلطااي مالو حتققت
بعض ذ ك لكنت تود عىل الكشف آهنا مل تقيض ك حاجة كام يراد ك يف
الخرة عياان .
ومن ادلعاء مايظهر آثره يف املدعو فيه اال آنه قد يكون عاجال وقد
اليأيت وقته اال بعد ،كام يف دعاء موىس صىل هللا عليه وسمل عىل آل
فرعون حيث قال { ربنا اطمس عىل آمواهلم واشدد عىل قلوهبم } [ الية
88يونس ] قال هللا جل ذكره { قد آجيبت دعوتكام فاس تقامي } لكن مل
يأت اال بعد آابن وقت نفوذها وظهور تأثريها { والتتبعان سبيل اذلين
52
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
53
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وآما الطبقة الثالثة فهم خاصة اخلاصة ،فالباعث هلم عىل ادلعاء منازةل
س يدمه وتعطف مليكهم حيث يقول موالان جل ذكره " لبيك ايعبدي اذا
قال العبد ايرب " كام ورد ذ ك يف بعض الخبار آن موىس صىل هللا
عليه وسمل قال :ايرب ،قال هللا لبيك ،فقال ايرب هذا يل خاصة
آولعبادك عامة ؟ قال :بل للك من دعاين هبذا االمس ،آوكام قال .فهؤالء
ليس هلم غرض يف مطلوب والخوف من مرهوب اال حب تلبية رهبم ،
وتعرضا حملاورته وذليذ جماورته ،وصايف مواصلته ؛ فأي عطاء آفضل من
ذ ك ! وآي حاجة آجنح مما هنا ك ،وفقنا هللا ذل ك ،وآحتفنا مبا هنا ك ،
وسكل بنا آرشف املسا ك ،ورصفنا عن املعاطب واملها ك ،انه ويل
ذ ك .فاليأس من روح هللا وصف الكفر ونعت اجلاحدين ،حيث آخربان
عىل لسان نبيه يعقوب حيث قال { التيأسوا من روح هللا } [ الية 87
يوسف ] وهو تفرجي مامه فيه من الكروب ،والظفر ابملطلوب ،ونيل
املرغوب عىل آرس حال وآهناه ،وذ ك مثرة حسن ظنه ابهلل ،حيث آمر
به من مل ينال ماانهل بأسا ،ومل يلحقه يأسا .فعىل مثل هذه احلاةل فكن ،
وآما مع مساعدتك بقضاء حواجئك ونيل مأربك فمل تتحقق بذ ك اال هناك
،شعرا :
فف دعا العبد اىل مواله مكرمـــــــة ونيل حاجته من لك مرغــــــوب
فكن طرحيا عىل آبواب عـــــــــــزته عن اختيارك وعن حالتـك مسلوب
الييأس العبد من اتخري حاجـــــــته فالعبد للرب ابلتسلمي مطلــــوب
54
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
55
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
به فليعمل العبد عند ذ ك آن هلل يف المورعلام اس تأثر به دون خلقه ،
وليعمل آن هناك حمكة اقتضت التأخري آوعدم الوقوع ؛ آما لتأخر رشط قد
قدر مقارنته هل يف سابق علمه وانفذ حمكه فال تتغري احلمكة االلهية لجل
حظك وحتقيق مرادك ،مفىت شككت يف وعدهللا وآردت غري مراد هللا
اكن ذ ك قادحا يف بصريتك ،مخمدا نور رسيرتك .والبصرية يه للقلب
اكلبرص للقالب ،والرسيرة يه نور ذ ك البرص القامئ بذ ك البرص ،
وامخلود خبوء اضائهتا وانتشارها يف آرجاء القلوب ،وكوهنا حتت استتار
كثائف الشهوات وظمل القلوب ،مع بقاء آصلها .فالشك يف الطرف
القرب اىل جانب اليقني من اليأس ،كام آن الظن آقرب آيضا من الشك
،فكنك تيقنت وعدهللا لكن حيث مل يأت عىل ماظننت ،س امي وقد
وجدت خمائل اابن وقوعه اكضطرار ووجود اعسار ،واحتباس آمطار ،
وصرب عند مقابةل عدو لطلب االنتصار ،وغري ذ ك مما وعد به من اليرس
مع العرس ،والنرص مع الصرب ،والفرج مع الكرب .مفع عدم وقوع ذ ك
عند تعني آزمانه فال ينبغ ملن اكن ذا بصرية وصفو رسيرة آن يشك يف
وعدهللا ،فاملوعد صادق ،والوعد حق ،فال يشك العبد يف وعد س يده
ومواله ،وليطمنئ اىل وعده ،ويعمل يقينا آنه واقع ليس هل مانع .قال هللا
جل ذكره { آال ان نرص هللا قريب } [ الية 214البقرة ] فاايك آن
تس ئي الدب فينا ك التعب والنصب .شعرا :
فال تشكن يف املوعود ان هل وقت مىت حان جاء ابلفتح والفرج
الختمدن لنور الرس واعزلــــه من مهتك آوشك املقــرون ابحلرج
مك ماتضيق آمر العرس اكن هل من الفرج خمرج والضـــــيق منفرج
56
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
57
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
يف الفعال ونوافهل السامء والصفات ،وغاية مطلبه وحمتد مهته اذلات ،
كام آن فرائض العموم الصلوات والصيام والصدقات ،ونوافلهم سائر طرق
اخلريات ،فاذا تقرب اخللق بصيام وصدقة وصالة تقربوا العارفني مبحو
صفاهتم ؛ واس هتالك ذواهتم .مفن اكنت حالته الفناء واالمضحالل فال يبايل
وان قلت منه العامل ؛ كيف يبايل مبا فات وهو مطالع مجلال اذلات يف
مجيع اذلوات وجتيل الصفات عىل دوام الوقات ،ووجدان املواصالت ،
والصالت املوهبيات يف املالمئات واملؤملات .فاذا طالع حسن التدبري
وبديع التصوير وجعائب التقدير ؛ عمل آن تدبري هللا واختياره هل آمت من
تدبريه لنفسه ،وحتقق امنا آورده هللا عليه من صنوف البالء متضمن هل
عىل منن وآلطاف واسعاف بعطااي جزيل ،وعمل يقينا آن املنع عني العطاء
.
وتعبري املصنف رمحه هللا ابلفتح من بديع حمكته وذاكء فطنته ،وابلوجه
وابلتعرف ،فان الفتح يعط الشهود ،ومعرفة حقائق الوجود .فلقد
آحسن وآتقن .وتعبريه آيضا بفتح ابستتار مضري الفاعل ينئب آيضا آن ذ ك
من قبل هللا ال للعبد فيه عةل ،وال يتوصل اليه حبيةل ؛ بل ذ ك من ابب
املنة اليت اليرتقب بوقت خمصوص آومعل ،بل السبيل اىل فتوح املعارف
وارشاق وجوه اللطائف وحمو ظلامت الكثائف اال مبساعدة عناية رابنية ،
وجذبة اختصاصية ،ونفحة الهية ،وتعريضة وقتية ،ونفس رحامنية ذرية
غيبية ،يف الايم امجلالية الزلية .
والفتح يكون يف لك مقام حبس به ؛ فيكون يف آرسار الرشائع والعامل ،
ويف دقائق طرائق الحوال ،ويف مطالع صفاء الرسار ،وفس يح تزنه
58
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
59
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
به مثر جشرة االصطفاء ،وحتقيق طريق االجتباء ؛ اذ ذكر فهيا آبواخلري
ريض هللا عنه ونفعنا به ومن والاه من البدالء الصفياء الخفياء ؛ مكحمد
الس بخ وماحاكه عن ش يخ طرسوس حيث قال :آرشفنا عىل خزائن
العطاء فمل جند عند هللا شيئا آقرب وال آرشف من البالء ،فسألناه اايه ،
م قال ابثر ذ ك مس تحقرا مانزل به راواي عن من هو آعظم منه حال ،
وآعال مقاما وآشد بالء ؟ كيف بك لو رآيت س يد الزهاد وقطب العباد ،
وامام الولياء والواتد ،يف غار بأرض طرسوس وجبالها محله يتناثر ،
وجسده يس يل قيحا وصديدا ،وقد آحاط به اذلابب والقمل ،فاذا اكن
الليل مل يقنع بذكر هللا وشكره عىل ما آعطاه من الرمحة ،وآسكن جسده
من العاهة حىت يشد نفسه ابحلديد فيس تقبل القبةل ،فيصيل عامة ليهل
حىت يطلع الفجر .انهتيى ما آردان ايراده يف هذه ،فهذا تصدق قوهل صىل
هللا عليه وسمل " حنن معارش النبياء آشد بالء والمثل فالمثل " فانظر
كيف اس تذلوا ما تأمل منه غريمه ،واس تالنوا مااس توعره البطالني ،ومل
يروا آن ذ ك بالء بل رآوه منة وعطاء ،جيب علهيم القيام ابلشكر عليه ،
فهذا وجه التعرف فامي يأيت من املنغصات واملؤملات ،عىل خالف ماتطلبه
النفس من السكون اىل الراحات واملس تذلات ،فاذا آشهدمه ذ ك
وحققهم به حفري آن اليبايل وان قلت العامل ادلينيات .شعرا :
من بعد مايفتح املوىل تعرفـــه فال تبال اذا قللت يف العــــــــمل
مفا من هللا تطهري مبنـــــــــته وما من العبد منسوب اىل اخلطل
فلك مامنه حمفوظ بـال ريب ولك ما منك الينفك عن خلـــــل
61
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فال فالح وال جناح للعبد اال يف اخلروج عن املرادات النفسانية ،
والشهوات احليوانية .وذ ك حاصل فامي يتعرف به اليك ،ومرادها آن
تعيش عيش املرتفني ،وتتوصل بصاحل آعاملها اىل سعادة الخرة ،فقل آن
تصفو تكل العامل مع ماذكر من االتراف واسعادها مبراداهتا وحظوظها ،
فاكن اختيار هللا لعبده آن خيرجه عن مراده اىل مراد س يده ومواله .ويف
ذ ك منهتيى الصالح وغاية الفالح .قال ريض هللا عنه اكملفرع اىل ما
آشار اليه من التعرف ،وآن تكل التعرفات آاثر عن السامء ،فذل ك قال
:
( تنوعت آجناس العامل لتنوع واردات الحوال )
فالعامل فروع ،والحوال آصول تكل الفروع ،والسامء آصول فروع
الحوال ،والصفات آصول السامء ،والسامء فروع ،وآاثر السامء تظهر
عىل القلوب ،وآاثر الصفات تتجىل عىل الرسار ،والقلوب تظهر آاثرها
عىل العامل الظاهرة ،والرسار تظهر آنوارها عىل النفوس الطاهرة .فغاية
االفاضة القلبية العامل القالبية ،ومنهتيى التجليات الرسية الخالق السنية
؛ واحلاالت السنية .فلك فرع من العامل حبسب ماشالكه من الحوال ،
والحوال حبسب ماتقتضيه مظاهر السامء .مفن ذ ك تنوعت آجناس
العبادة ؛ فالعبادات آنواع ،ويه للحوال آتباع ،كام آن الحوال حتت
حمك السامء ،فلك امس يقتيض ظهوره عباده ،فاذلكر ابللسان ،والصالة
ابلراكن ،والزاكة يف الموال ،والصيام بكف الشهوات واجتناب الاثم ،
واحلج آيضا ابلراكن ؛ فهي عبادة واختلفت آنواعها ملا علمت من افرتاق
الحوال حبسب اختالف وظهور السامء ،فالحوال آاثر للسامء ،وان
62
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
شئت قلت آنوارها ،فلك امس يطلب مقتىض الفكر من العبادات غري
مايطلبه غريه ،فذل ك تنوعت العامل حبسب تنوع الحوال اليت يه آاثر
السامء ،مفن السامء مايقتيض مظهره من العبد اذلةل واخلضوع واخلشوع
والمتسكن والمتلق ،فهل من العامل الصالة ،ومن الحوال الهيبة والتعظمي
.ومهنا مايقتيض ظهوره من العبد :الصرب والكف واخلروج عن الوصف
والهيلك التجويف اىل التعلق .والتخلق ابالمس الصمداين ،فهل من
العبادات الصوم ،ومن الحوال االس تغناء .ومهنا :مايقتيض ظهوره
وارشاق نوره التوجه واالقبال والقصد .واالمتثال فهل من العبادات احلج .
ومن الحوال االس تغراق واالقبال بلكيته اىل املعبود ،واالنطامس حتت
مظاهر الشهود ،فهذا تنوع جتليات السامء واختالف آجناس العامل ،
وافرتاق آنواع العامل .
وحال ماتلقى السامء عىل القلوب آاثرها ،وتتجىل علهيا آنوارها تسمى
آحوالا ،وحال بروزها مبقتضاها ؛ آي ماتقضيه من التعبد تسمى آعامال .
ومايرد عىل الرواح من آنوار الصفات فتسمى مقامات من حيث العبد
ومايتأثر به من آاثرها ،فهي تقتيض قيام القلب مبقتىض وارداهتا ،كام قام
القالب مبقتىض جتليات السامء .حفاالت القلب آيضا متنوعة ،ومقامات
الرواح مامتيزة وان اجمتعت من حيث الشهود ،حفاالت القلب اكلبسط
وهل آنواع من جنسه ،وللقبض وهل آنواع من جنسه .ومقامات الرواح
كذ ك مامتيزة ؛ اكلهيبة والنس وماتتلقاه الرواح عن الرسار فليس هذا
حمهل ،وس يأيت ان شاء هللا .شعرا :
تنوع آعامل الورى فهم لهــــــــا حبسب ماتمثر آحوال كذا آنواع
63
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
64
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
اليشهدوا هلم فعال وال وصفا ،وعند شهود الحدية آن اليشهدوا هلم ذاات
والنعتا والمقاما ،فمك بني العامل هلل مع وجود نفسه ،وبني القامئ ابهلل مع
غيبته عن نفسه ،فالول مطالب ابالخالص يعمل عىل خروج اخللق عن
رؤيته ،فهو يرتىق يف مرايق االخالص ،والثاين طالب اخالص عن
شهود نفسه ؛ يتزنه يف رايض خالصه ،فبان ك تنوع العامل بتنوع
آجناس الحوال اىل آبرار يتقربون بأنواع القرب هلل ،واىل مقربني
يتوصلون بتحقيق الفناء عن آفعاهلم وآوصافهم وذواهتم .فانظر ماذاترى يف
قوم فارين اىل هللا عن اخللق ،ويف قوم الئذين ابهلل وعائذين به عىل آن
اليشهدوا لنفسهم مع هللا وجود ،وال لفعاهلم مع آفعاهل شهود حس نات
آواقرتاف سيئات .شعرا :
العامل آشاكل واالخالص حاالت والسابقني هلم يف القـــرب آايت
فلك حال هل يف العاملني بـــــــــــه ختليص آعامل آوحتقيق حـــاالت
شواهد ظهرت يف العاملـــــني كام ترى يف العامل العـــــال دالالت
اخالص آرابب حاالت اليقني لها يف مشهد العمل حتقيق الهداايت
وآرواح آجساد آعامل العباد هنــــا كام لحوال آحصاب املقامـــــات
م ملا اكن يف امخلول ماحيمد لك صاحب مقام عال مقامه ؛ ويثبت فيه
آقدامه ويعينه عىل بغيته ،وحيصل به يف آقىص منيته ،قال يف اثر ذ ك :
( آدفن وجودك يف آرض امخلول ؛ مفا نبت مما مل يدفن مل يمت نتاجه )
قوهل هنا :آدفن ؛ فيه اشارة جعيبة وترش يحة بديعة ،بل نقول :غب عن
شهودك بوجود معبودك .ومتثيهل ابدلفن يشري اىل آن الوىل ابملريد ايثار
امخلول عىل االش هتار ،لكونه معينا هل عىل االخالص ،ووس يةل اىل
65
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
اخلالص ،وآزىك لخالقه وآعامهل ،وآصفا لحواهل ،واالش هتار غالبا آبعد
عن ذ ك يف حق املبتدئني ،مفا يقوم ويثبت مع شهرة احلال اال مكل
الرجال وسادات البدال ،الراخسني يف املعارف ،املمتكنني من الحوال ،
فذل ك حث املشاخي عىل امخلول ملا فيه من السالمة من القواطع عن هنج
الوصول ،مع ماحيصل من صفاء الوقت عن املكدرات واحملرقات لكوامن
الخالق املذمومة والحوال امللومة ،فذل ك حذروا لك مريد وسا ك ،
ومعلوا كتب ورسائل نصحا وشفقة عىل عباد هللا ،وخذوا يف طريق
الاكبر ملا فيه من الراحة العاجةل والسالمة .وحب امخلول هو صنعة
النفس يف املنازل عندما يتكرع القلب يف املناهل ،فيتحرونه ويس تدميون
التخلق به حىت يكون هلم التواضع خلقا وحاال ،فالجيدون آمل ضعة النفس
،بل يس مترونه ويس تحلون ذوق اذلةل ،فتتغري حاالهتم لفقدها ،ووجود
العز واجلاه حىت رويت عندمه يف ذ ك آحوال ينكرها علهيم ظاهر العمل ،
وجوز هلم ذ ك تداواي ملا آمل قلوهبم وكدر حاالهتم ،وآمرض آحداق
بصائرمه حىت يتوهجون الهيم اخللق ابذلم وعدم املزنةل عندمه ،فيعودون
حينئذ اىل آحواهلم ابذلم وااليذاء مبحو صفات النفس املذمومة ،بل بعدم
رؤيهتا ابللكية تصفو هلم الوقات ،وتتجىل هلم آرسار الصفات .مثل
مارآيت فامي يروون عن السادات كويس القرين وآيب تراب ممن جعلوا
الفلوات واملفازات واخلراابت هلم مأوى ،فعاد تراهبا هلم حلوى ،وصاروا
للسالكني قادة يف حمو الهوى وقبيح العادة ،فيحنون اىل امخلول واخللوة ،
ملا فأجا قلوهبم من اجللوة ،فعلت مهنم الحوال ،وصفت مهنم العامل ؛
من شوائب الرايء وهماوي الضالل ،اكلعجب والفخر واالدالل ،بعكس
66
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ماعليه آبناء ادلنيا املغرورين اجلهال ،املس تدرجني الضالل ،من طلب
العلو والظهور من غري نية هلم يف ذ ك اال جمرد هوى ،وحمض دعوى .
فرتى نفوسهم اللئمية تسرتوح اىل رفع الصيت ابملنصب واملال ،وخييل آهنا
من آهل املقام واحلال ،من العارفني والعلامء البطال ،وهو راكب للمحال
،مقتحم جلة ضالل .فانصح نفسك آهيا املسكني والتذحبها بغري سكني .
فف امخلول حتت آذايل اذلةل غاية املأمول ،ويف دفن وجودك يف تراب ذةل
العبودية وسكونك حتت سلطان السكينة ،وانطراحك يف تراب فناك
وترك دعواك ،فعند ذ ك تتفتق احلبة القلبية ؛ املعرب عنه ابللطيفة الرابنية
يف الرض القالبية ،فهي البذرة الزلية يف الفطرة االنسانية ،فتنفتح فهيا
ابابن :ابب يعلو ويسمو ويتسع ويمنو ،وابب يزنل اىل آرض العبودية يف
العوامل الشهادية .وجتري يف ذ ك الباب انزةل تدور عىل الطرق السنية ،
واخراج الخالق النفسانية وادلواع الهوائية ،كام تدور العروق يف
الرض .فال يزال الباب العايل يس تقوي منوه وارتقاه ؛ وتتفتق الزهار ،
وترشق منه النوار ،وتنبع آلوان الامثر ،وتكرث منه الشعب العرفانية ،
والزهار االميانية ،وتتعاىل وتتسع يف هوى امللكوت احلقاين آغصانه ،
وتظهر يف الفس يح الرابين آعيانه ،وتتلون يف حقائق السامء آفنانه .
والتزال هذه البواب امللكية تتسع يف طرق العبودية ،ومتتد اىل آصلها
وتربهتا ،فتمنو تكل الصاعدة حبسب متكن هذه ورسوخها ،وتربوا هذه
النازةل حبسب صعود تكل ومسوها .
ولك نبت مل يدفن كذ ك مل يمت نتاجه اهنا مل تنفتح الباابن فتبقى يف رتق
اجلهل والعدم وان انفطرت آبواهبا فال جتد نزول اىل الرض البتة ؛ لهنا مل
67
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
تدفن فهيا ،والترىق اىل سامء احلقيقة لعدم منوها وقعود سريها ،فمل تسعد
يف سامء احلقائق آغصان ،ومل تنفتح هل يف آرض الرشيعة آعيان ! فانظر ما
آبدعها من اشارة وآوحضها من عبارة ،وما آس ناها من بشارة ملن سرت
وجوده بوجوده ،وغاب عن شهوده بوجود معبوده ،وما آدري ذ ك مراد
للمؤلف آم ال ؟
وآما فضل امخلول قبل آوان التحقق ابلصول والتحيل مبالبس الوصول فهل
فضائل ودالئل من الكتاب والس نة ،قال هللا جل ذكره { تكل ادلار
الخرة جنعلها لذلين اليريدون علوا يف الرض والفسادا } [ الية 83القصص ]
اىل غري ذ ك من الايت ادلاةل عىل فضيةل امخلول ،والتقلل من ادلنيا
واذلبول عن رونق الشهرة قبل حتقق املأمول .ومل يتحقق ذ ك اال مبفارقة
ادلنيا والعبور عىل الرصاط ولك همول .وآما ادلالئل من احلديث املنقول
عن الرسول صىل هللا عليه وسمل فأكرث من آن حترص ،مفن ذ ك حديث
آيب هريرة ريض هللا عنه عن رسول هللا صىل هللا عليه وسمل اذلي نوه
فيه بأويس القرين ريض هللا عنه ونبه عىل عظمي آمره ريض هللا عنه آنه
قال :بيامن حنن عند رسول هللا صىل هللا عليه وسمل يف حلقة من آحصابه
اذ قال :ليصلني غدا معمك رجل من آهل اجلنة .قال آبوهريرة ريض هللا
عنه :فطمعت آن آكون آان هو ذ ك الرجل ،فغدوت فصليت خلف
النيب صىل هللا عليه وسمل فأمقت يف املسجد حىت انرصف الناس وبقيت
آان وهو ،فبيامن حنن كذ ك اذ آقبل رجل آسود مزتر خبرقة ومرتدي برقعة
؛ جفاء حىت وضع يده يف يد رسول هللا صىل هللا عليه وسمل م قال :
68
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
اينيب هللا آدع هللا يل ابلشهادة ،فدعا النيب صىل هللا عليه وسمل هل
ابلشهادة ،واان لنجد منه رحي املسك الذفر ،فقلت ايرسول هللا :هو
هو ! قال نعم ؛ وانه ململوك بين فالن ،فقلت آفال تشرتيه فتعتقه اينيب
هللا ،فقال :وآىن يل بذ ك ؛ ان اكن هللا يريد آن جيعهل من ملوك اجلنة
وساداهتم ،اي آاب هريرة :ان هللا عز وجل حيب من خلقه الصفياء
الخفياء البرايء الشعثة رؤسهم ،املغربة وجوههم ،امخلصة بطوهنم من
كسب احلالل ،اذلين اذا اس تؤذنوا عىل المر مل يؤذن هلم ،وان خطبوا
املنعامت مل ينكحوا ،وان غابوا مل يفقدوا ،وان حرضوا مل يدعوا ،وان
طلعوا مل يفرح بطلعهتم ،وان مرضوا مل يعادوا ،وان ماتوا مل يشهدوا .
قالوا ايرسول هللا :كيف برجل مهنم ؟ قال :آويس القرين .احلديث
بطوهل ؛ قال فيه :وانه لرجل آشعث ذو صهوبة بعيد مابني املنكبني ،
آوكام قال .
وحديث :رب آشعث آغرب ذي طمرين تنبوا عنه آعني الناس ،مدفوع
عن البواب ؛ لو آقسم عىل هللا لبره .احلديث .وحديث آبوآمامة ريض
هللا عنه عن النيب صىل هللا عليه وسمل آنه قال :يقول هللا عز وجل ( ان
آغبط آوليايئ عندي املؤمن خفيف احلاذ ذو حظ من الصالة ،آحسن
عبادة ربه وآطاعه يف الرس ،واكن غامضا يف الناس اليشار اليه ابلصابع ،
واكن رزقه كفافا فصرب عىل ذ ك ،م نفض يده فقال :جعلت منيته ،قلت
بواكيه ،قل تراثه ) احلديث .
قلت :وهللا آعمل آن هذه حاةل املالمتية من الولياء ،وبذ ك االمس عند
الطائفة عرفوا بذ ك الرتمس بني الولياء ومسوا .مفن مجةل مايعرفون به آن
69
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
عبادهتم فامي بيهنم وبني هللا مل يطلع علهيم ،حيبون لوظهرت عهنم مايسقطهم
عند الناس ،والحيبون الشهرة ابلطاعات والورع ،فرتامه اليسألون عن
ورعهم ملا عندمه من الشاهد القليب ،فلكام حال عندمه تركوه ومل حيتاجون
اىل من خيربمه اجلواز آخذه آم ال ،وذ ك ملا رشبت قلوهبم من رصف
الصدق ،فهم النيابون ابصطالح القوم اذلين تكشف هبم عن اخللق
آزمات المور ،واليظهرون خري واليبطنون رشا ،مه بني الناس وقلوهبم
عاكفة بني الرفيق العال ،صالهتم يف الماكن املعطةل عن اخللق يف آماكن
غيبيه ،حتت آكناف الغرية واستتار الغيب ،هلم الترصف النافذ يف
الوجود ابلروح والقلب واجلسد ،قد نزع عهنم الغل واحلسد ،حملهم
الصفيح المين من العرش ،ريض هللا عهنم ونفعنا هبم .ولو رشحنا بعض
حاالهتم خلرجنا عن مقصود الكتاب .
وعن معاذ ابن جبل ريض هللا عنه عن النيب صىل هللا عليه وسمل آنه
قال :يسري من الرايء رشك ؛ وآن ماعادى آولياء هللا فقد ابرزهللا ابحملاربة
،وهللا تعاىل ليحب التقياء الخفياء اذلين اذا غابوا مل يفقدوا ،وان
حرضوا مل يدعو ومل يعرفوا ،قلوهبم مصابيح آهل الهدى ،خيرجون من
لك غربا مظلمة .احلديث .فيكيفك هذا القدر يف مدح امخلول وايثاره
وطلبه ابلتسرت بأثواب اذلةل واملسكنة ،هذا ومااكد آن خيرج عن احلرص
من حاكايت الصاحلني يف شان ذ ك .
واعمل آن امخلول وماورد فيه من الفضائل ،وماورد يف آفضليته عىل
الشهرة العىل االطالق اال اذا اقرتن ابمخلول فضيةل خال عهنا يف الشهرة
وذم الشهرة ،اال اذا اقرتن هبا مذموم ،ولكن امخلول آقرب اىل جانب
70
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ومن تتبع آخالق رسول هللا صىل هللا عليه وسمل وآحواهل وآخالق اخللفاء
الراشدين من بعده عمل ما آرشان اليه ،وحتقق ما آوماان اليه .ومن ذ ك
ماروي آنه صىل هللا عليه وسمل اكن يطوي الايم املتتابعة حىت قالت هل
بعض نسائه قبل آن يتوفاه هللا بأايم :لو دعوت هللا آن يوسع عليك ؟
فقال :ما آحب اال آن يلحقين ابخواين من آويل العزم ،آوحنو ذ ك .
وماروي عن معران بن احلصني ملا زار رسول هللا صىل هللا عليه وسمل
ابنته فاطمة واكن معه معران ،فاس تأذن علهيا ،فلام دخل هو ومعران
فقالت :ما آجد ما آواري به جسدي ،ولفت عىل جسدها بعباءة
ووارت رآسها مبلة خلقة .فانظر هذا التواضع مع شامخ عايل منصبه
وشهرة مقامه .فهذا فاهنم يف عايل شهرهتم ورفعة منصهبم ،ومع ذ ك مه
يف غاية التواضع واذلةل هلل ،ومغوض العني عن ادلنيا وزهرهتا .شعرا :
آدفن وجودك وغب يف آرض مسكنه منكس الراس ابيك العني ذا حزن
وفارق الهل واجلريان منــــــــزتح عن التأنس ابملألوف والوطـــــــــن
التلو عن جرية الوادي فان بـــــــه حور املعارف خيطهبا ذوي الفطـن
حفيث عرفت رشف امخلول وايثاره ورضورة طلب االش هتار وآفاته ،قال
:
( ماعرف القلب شئ مثل عزةل يدخل هبا ميدان فكرة )
فاعمل آنه ال آعون عىل امخلول من العزةل ،فهي ذوي مرض اخللطة املرضة
،ويه خلطة من مل يتقيد ابلدب ومه الحداث املثبطني عزمات املريدين
،اذلين مل حتتنكهم الرايضة ،والعوام الغافلني املهتورين يف العادات ،
املعرضني عن العبادات ،املنهتكني آعراض اخللق ابلغيبة والش مت والتحقري
72
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
:آن محمدا خيلو بربه يف حرا حىت فاجأه الويح وهو فيه .والعزةل عزلتان :
عزةل ابلبدان وعزةل ابجلنان ،فأما عزةل البدان فهي للعباد السالكني
والزهاد واملريدين ،ولها رشوط ظاهرة وهو ماقدمنا ،وآراكن ابطنة ويه
حتقيق االرادة ابلصدق ورصحي االميان .
واعمل آن هلل عىل االنسان هل حقوق وللنفس واخللق كام ورد اخلرب ،ومن
احلقوق ما ميكن آن تقىض بدون مبارشة االنسان ،وبعضها اليقىض اال
ابملبارشة .ومن احلقوق ماميكن آن تقىض بدون مبارشة االنسان ،وبعضها
اليقع اال ابملبارشة ؛ ومل تسقط عنه هذه احلقوق بوجه مادام بني آظهر
اخللق اال آن يغلبه حال وحيمك عليه ،فمل يبق هل ترصف من ترصفات
نفسه لغيبته عن حسه وفناه عن آنسه ،آويكون صاحيا لكن جعل دليه
منازةل حقية عرفها هللا اايها بتعريف الهي اليدخهل ريب يف آنه آمرهللا
اخلاص ،فذ ك حبمك حالته ،وموكول اىل صدقه يف مقالته ،فان اكن
صادقا فهو قامئ هلل بأمت طاعة فاليداىن ،فذ ك مما اختص به آنبياه
وخواص خالصة آصفياه ،وان اكن عىل غري ذ ك فليتق هللا يف دعواه ،
وليزنع عن متابعة هواه اىل متابعة رسول هللا صىل هللا عليه وسمل فامي
ندبه اليه ودعاه ،وان تغريت حالته مبخالطة الناس يف ذ ك فطريقه آن
خيرج من بني آظهرمه اىل حمل يسقط عنه ذ ك ،وهللا آعمل ؛ مامحل
العباد والزهاد والصاحلني عىل اخلروج اىل الفلوات ،وسكون اجلبال
وبطون الودية والفرار عن الوطان وهماجرة القران .لكن ذ ك حيتاج
معه اىل قوة يقني وحقيقة تولك ومتكني وحسن تويل من هللا ،واال
فالبادية ميدان فرسان الش ياطني .فان مل تكن معه قوة تعينه عىل ذ ك ،
74
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
،يف لك حني وآوان .يف الفطر والعيان متجليا ،وعلهيا متوليا ،
مش تغال بذكره ابللسان ،وطاعته ابلراكن ،كيف ماتقلبت به احلاالت فهو
جليسه ،ومن بني جلسائه آنيسه ،كام قالت رابعة ريض هللا عهنا يف
بعض مايروى عهنا من القوال ،يف طفحات الحوال شعرا :
ولقد جعلتك يف الفؤاد حمديث وآحبت جسم مؤنس جللييس
مفن اكن كذ ك خفلطته عزةل وعزلته خلطة ،ومعىن ذ ك آنه اذا خالط
اخللق مبايهنم بقلبه ،معزنل عهنم بوجوده لربه ،واذا اعزتهلم اكن مصاحهبم
بربه لشهوده الكرثة اخللقية ؛ يف الوحدة احلقية ،امضحالال واندراجا ،
والوحدة يف الكرثة اخللقية احاطة وعلام وشهودا وحفظا وقياما والكية
وترصفا واحتاكما .واعمل آنه وان اكن كذ ك فينبغ هل وان بلغ من القرب
مبلغا فال غىن هل عن ساعة ووقتا خيلو فيه ليعود بركة خلوته عىل تفرق
جلوته ،فيكون يف اخللوة ملحوظا ،ويف اجللوة حمفوظا .ومن ذ ك
ماروي عنه صىل هللا عليه وسمل آنه قال :يل وقت اليسعين فيه اال ريب
.شعرا :
بعزةل املرء يسمل من معاطبه وتربئ القلب من المراض والعلل
بصايف الفكر يدرك من مأربه ويبلغ السؤل واملطلوب والمــــــل
فلام اكن القلب اليصفو بدون ماذكر من العزةل عن مكدرات القلوب ،
ومؤبقات اذلنوب ،قال :اكملتعجب من حال من يطلب آن ترشق
القلوب ويه ملتبسة بقباحئ العادات ،ومشؤمات العيوب .قال ريض هللا
عنه :
( كيف يرشق قلب وصور الكوان منطبعة يف مرآته )
76
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ورود هذه النوار ،وظهور تكل الرسار فعليك بتخلية القلب عن ظلامت
الغيار ،وكسح غبار الان ،وكنس الوساخ الشهوانية والقذار .وذل ك
معامةل ومعاجلة ؛ مفن آجنح املعامةل وآوجز املعاجلات عن كشفها من
القلوب ابذلكر التلقيين ،وهو ذكر النف واالثبات املعهود عند آههل ،مع
القيام ابلوظائف الرشعية ،والسلوك يف مجيع مايأخذ ويذر عىل يد ش يخ
بصري بأفات النفوس ،مؤيدا بأنوار القدوس .وعند ما تنجيل عنه هذه
الظمل يرىج هل ان تنجيل هل هذه النوار ،وتبدو هل هذه الرسار ،فميحو
عن مرآة قلبه مبصقهل الاهل اال هللا طوابع املكوانت ،وجيلوها بصايف الفكر
يف بدائع املصنوعات .فعند ذ ك تقابل مرآة القلب الصقيةل العوامل
العلوايت ،والرسار امللكوتيات ،فتبدو فهيا جعائبه فيفيض آاثر ذ ك عىل
ظواهر العامل ،وزوايك الخالق وسوايم الحوال ،وبسط ماتضمنته
عبارته ،وآومت اليه اشارته ،وآسع الحنا غزير املعىن ،فلنقترص عىل
مايفهم ما اشار اليه .فارشاق القلوب مشوس املعارف ؛ وبدور اللطائف
الجيمتع مع ظلامت الكثائف الكونية .شعرا :
اليرشق النور يف قلب اذا انطبعت بصورة فيه طابـع ظلمة العــــدم
اال اذا زال ليل الطــــــبع وانبعثت بصحبة اذلكر م الفكر يف احلمك
ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( آم كيف يرحل اىل هللا وهو مكبل بشهوته )
يفهم من قوهل هنا :يرحل اىل هللا ،آن الشهوات عوائق عن السري يف
منازل السلوك العلمية ،وعبارته يف الوىل يفهم التعرث يف البقااي الظلامنية
عن الرسار القلبية ،وعبارته داةل عن التنصل عن القيود العادية ،
78
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
آم كيف يطمع بعد ماعمل بأن حرضة هللا اخلاصة بأنبيائه وآوليائه ويه
حرضة االحسان ،وحمل اجليل العيان عند ذهاب صور الكوان وفناء
العيان ،آنه اليدخلها من مل تمكل طهارته من جناابت غفالته ،كنه ملا
اجهتد يف تلطيف كثائف ظلامته ؛ وطرح شهواته ؛ وترك مقعدات عاداته
،ظهر منه راحئة طمع آنه بذ ك دخل حرضة هللا وهو بعد مل يدخل ،
وهو يرى يف نفسه ذ ك حىت يغيب عن كونيته ،ويتطهر مباء التقديس من
جناابت ادلعوى وجناسات التلبيس .فال يدخل ذ ك احلرضة وهو يرى هل
من نفسه بقية ،مفىت حصل عىل تكل احلرضة وحظ بتكل النظرة حفينئذ
يرى ظهور جنابته ،وقد منعك رشعا حرضته احلس ية حال قيام اجلنابة
احلس ية بك ،فأوىل آن مينعك عن احلرضة اخلاصة حال تلبسك ابجلنابة
اخلاصة .فف عبارته اشارة لطيفة اىل آن حرضة االحسان خاصة يف
املقامات القربية ،اكختصاص املسجد يف احلرضات املاكنية .فاملسجد
حرضة صورة العبادة ،واالحسان حرضة جتيل املعبود ؛ وآين هذه من
تكل .وقد حرض الرشع دخول هذه احلرضة مع وجود اجلنابة ،وما
مسيت جنابة اال لجناهبا مبن قام به عن حرضة القرب ،ومس توى
االس تقامة اىل البعد حتت كثيف غطاء الشهوة عىل مجيع اجلوارح .
فالغسل حياهتا وردها اىل مواطن اقبالها ،فيعم مجيع اجلوارح لتحيا لن
يف املاء رس احلياة فتحيا بعد موهتا ،واحرتاقها بنريان بعادها .فامحلد هلل
اذلي من بلطفه ،وتفضل بعطفه ،مفا احلياة للجنابة املعنوية جتيل امسه
احل عىل من آمات احلجاب من وجود الشهوة ،فاملاء آثر امسه احل ،
فاحل حتيا آموات الصور ؛ كام حتيا الرض بوابل املطر ،وبوجود املؤثر
80
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وشهوده حييا املعىن القامئ يف االنسان بصورة ذ ك التجيل اذلي املاء آثره ،
وحبياة املعىن يغيب عن شهود كونيته وظهور آينيته ،جفنابة الصورة
احلس ية اذلي هو آثر ذ ك املعىن حييا ابملاء اذلي هو آثر عنه آيضا .
واملعىن املذكور هو وجود احلق القامئ هبا ،فباملاء حييي الصورة من آجناب
جناابهتا ،ويتجىل امسه احل حييي ذ ك املعىن ،وحياته رجوعه اىل آصهل
،واجامتعه بعد فرقه ،واحتاده بأصهل بعد فصهل .شعرا :
ومل تطهر عن االعراض واجلنب فكيف تطمع آن تدخل حلرضته
وآنت يف غفةل حمفوف ابحلجب وكيف تطلب آن تدنو لوصلته
وملا اكنت ظلامت اجلناابت واذلنوب مانعة عن ارشاق القلوب ؛ وصادة
عن السلوك اىل احملبوب ،وحاجبة عن نيل املراد واملطلوب ؛ حىت تعود
عن اعراضك وتتوب .قال املؤلف ريض هللا عنه :
( آم كيف ترجو آن يفهم دقائق الرسار وهو مل يتب من هفواته )
الرجاء هنا ضد القنوط ،وهو يف آصهل محمود حيث اقرتن ابلتقوى عن
اخملالفات ،واجتناب املهنيات ،واالتيان ابملأمورات ،واال فهو آمنية .
واذا حصح التوبة يرىج آن يفتح هل آبواب العلوم ،وتظهر من آكنهتا دقائق
آرسار الغيوب ،وترسي اليه الحوال الوهبيات ،وتلقى عليه العلوم
الوهبيات ،ودقائق احلمك الغيبيات ،وترتاءى هل الرسار امللكوتيات ،يف
احلقائق اجلربوتيات ،والشواهد امللكيات .قال هللا جل ذكره { واتقوا
هللا ويعلممك هللا } [ الية 282البقرة ]
81
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
والتوبة عن الهفوات آول مقامات التقوى وهل مراتب ،وللك مقام رتبة يف
التقوى ،فمل يدرك دقائق العلوم يف رقائق املقامات حىت يتوب عن
اخلطرات فضال عن الهفوات الظاهرات ؛ وبعد ذ ك مقامات ورتب .
وآراكن التوبة ثالثة اذا مل يتعلق هبا حق للخلق واال فأربعة ،وللك آهل
مقام توبة عىل حسب مقامه ،فلكام لطف املقام لطف رس التوبة وظهرت
هل ذنوب خفيات ،واليزال يلطف حىت يتوب مما يصدر منه من سائر
الحوال والقوال واحلراكت والسكنات ،ومما يعد من الطاعات ،وذ ك
يعرفه من حتقق به .فالتوبة مفتاح اخلريات ،ولك آهل مقام يفتح يف
توبهتم حبسب مقاهمم وفهمهم عن هللا ،والتوبة يه الرجوع اىل هللا فتنفتح
فهيا دقائق علوم ولطائف آرسار ،ولواحئ آنوار .فالعوام يعطون الفهم يف
الرشائع والحاكم ،واخلاصة يعطهيم مقاهمم يف التوبة الفهم يف احلقائق
والمتكن يف الحوال .وخاصة اخلاصة يعطهيم مقاهمم يف توبهتم املعارف يف
لطائف الوجود والتحقق ابلوصال ،فهذا من مثرات التوبة لهل لك مقام
يف توبهتم ،وورى ذ ك مامل يكن اذاعته من مكوانت العلوم ،ومصوانت
الرسار ،وبواهر مرشقات النوار ،وحمرقات الغيار ،وآحوال عالية ،
ومعارف سامية .شعرا :
دقائق آرسار مكنون العلـوم ومــــا حتت الكثائف من حمجوبة القدر
مفتاحه التوبة الصدق النصوح كام يكون مفتاح فلق احلب ابملطـــر
فاذا علمت اس تحاةل اجامتع الضدين ؛ وهو الظلمة والنور فاعمل آن العبد
ذاات ووصفا وفعال دون هللا عدما حمضا ،وهو املشار اليه ابجلنابة ،وهو
82
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
آيضا اجلهل .فلقرب هذه املعاين مجع املؤلف مشلهن ونظم سلكهن يف
س بك لفظه ابلتواتر .م قال اكلشارح ذل ك :
( الكون لكه ظلمة ؛ وامنا آانر ظهور احلق فيه ،مفن رآى الكون ومل
يشهده فيه آوعنده آوقبهل آوبعده فقد آعوزه وجود النوار ،وجحبت عنه
مشوس املعارف بسحب الاثر )
الكون هو لك ماسوى هللا عز وجل ،وماهو صادر عن تكوينه ،وهو
جبملته وتفصيهل دون مكونه ظلمة ؛ كام علمت يف العدم ،والنور هو
الوجود .فالكون من عرش وكريس ،وسامء وآرض ،وجنة وانر ،
وانس وجان ،ومعدن ونبات ،وحيوان وهوى ،وماء وآمالك ،وآفالك
وجبال ،ومعل وحال ،وحياة وموت ،وطمس وظهور ،وفروع وآصول
،وظلمة ونور ،وجنس ونوع ،وليل وهنار ،ومشوس وآمقار ،وجنوم
وعلوم ،ومعلوم وموهوم ،وغري ذ ك ممايطول تفصيهل من مجةل الاكئنات
وتفاصيلها واختالف آعياهنا وآلواهنا عدم ابطل دون وجود احلق ،حفقق
آن لك مااكن وجوده البنفسه فهو عدم ،وحقيقة الوجود ملن هو موجود
به ،وذ ك هو هللا اذلي شهدت بوجوده آعيان موجوداته { هللا نور
والسموات والرض } [ الية 35النور ] والنور هو الوجود كام قدمنا آن
النور هوالوجود ،والظلمة هو العدم .فهذا من مقام من شهده فيه ،ومن
شهده عنده ،يصدق عليه قوهل { سرنهيم يف الفاق ويف آنفسهم حىت
يتبني هلم آنه احلق آومل يكف بربك آنه عىل لك يش شهيد }[ الية 53فصلت
83
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
] ومن شهد بعده مفشهده قوهل تعاىل { آفال ينظرون اىل االبل كيف
خلقت } اىل قوهل { فذكر }[ الايت 20-18الغاش ية ] والتذكري اليكون اال
بعد س بق نس يان ،مفن مل يشهد املكون قبل الكون ،ومل يعرث عىل
املصون قبل الصون ؛ فال خيلو آما آن يكون من اذلين يشهدونه عند
الش ياء عندية مزنهة عن اجلهة ؛ ولكن عندية اس تغراق وقيام .وآما آن
يشهده بعده فيس تدل ابلثر وحبسن اخلرب ،فيس تدل ابلثر عىل املؤثر ،
وابلصنعة عىل الصانع .وهذه آخر مقامات املوحدين .
وآما من يشهده بل يثبت الكوان عرية عن وجوده فقد طمس عىل عني
بصريته ،وآظلمت عليه نور رسيرته عن شهوده وحقيقة شهوده .فيبقى
اتيه يف ظلامته ،غافل عن شهود آايته ،مقهور عن شهود النوار ،
حمجوب عن مشوس املعارف وبدور الرسار ،وجنوم العلوم بسحب
العوايد وكثائف الاثر .فظهر عليه سلطان العدل وجتيل اجلبار كام ورد
آن جحابه النار .وماذكره مما يومه الظرفية آواملثلية ،آووجود زمان القبل
والبعد آوهجة ،فليس عىل مايفهم من ذ ك يف الزمان واملاكن والن
والوان ؛ حادث موسوم بومس احلداثن ؟ ولكن جتليات وتزنالت
وتلطفات يعرف ذ ك آرابب الشهود والعيان ،فليس هل يف ذاته والوصفه
والفعهل رشيك ونظري والاثن .فاذلي يشهده قبل الكوان مس هتكل بنفسه
؛ خمتطف عن حسه ،ووجوده متالش حتت جلباب الوصاف فناب
عنه فتسمى به ،وهذه رتبة يف احملبة القربية والنيابة الوصفية ،فقام عنه
فأخرب عن شهوده لنفسه بنفسه .وهذا الشهود هل دميوميا الينفك عنه ،
84
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
مس متر الشهود لنفسه بنفسه ؛ آزال ووجودا وآبدا .واذلي شهده عند
الكون شاهد ظهور صفاته من حتت آس تار حمكته ،واذلي شهده بعده
يطلب ادلليل عىل وجود املكون لغلبة شهود املكوانت عىل قلبه ،فال
يمتكن من غيبهتا عن نظره اال بعد امعان نظر .فهذا وهللا آعمل مراد
املؤلف بقبل وبعد ويف ،العىل عىل مايفهم من ظاهر الالكم .فالولون
آرابب الكشف والعيان ،واذلين يلوهنم آرابب النور والبيان ،واذلين من
بعدمه آهل ادلليل ابللسان واالميان ابجلنان .ومن مل يشهده بعد ذ ك فقد
آعوزه ؛ آي آعدمه وجود النوار { ومن مل جيعل هل نورا مفاهل من نور }
[ الية 40النور ] حفجب عن النوار العرفانية ،والهداية االميانية ،وادلالةل
البيانية .وجحبت عنه هذه الشموس الظاهرة ،والبدور الباهرة ،والنجوم
الزاهرة ؛ فهو حائر يف ظلامت البرشية ،والعوائد الطبيعية .والسحب
الرضية يه الشهوات احليوانية اذلي تنشأ عن آرض النفس الطمأنينة
الهوائية ،فلكام اكنت متكهنا من النفس آقوى اكنت حسب هجلها عىل
مشوس املعارف آكثف وآظمل ،فاذا ارتفع عهنا حسائب طبائعها بعواصف
هواهئا جحبت املعارف القلبية ؛ والشموس االميانية ،والخالق الروحانية
الساموية .شعرا :
من يشهد احلق قبل الكون اكن هل من املعارف آعىل رتبة فـــــــــهيا
ومن شهد ذاك عند الكون عاملـــه من حاةل الصدق ماعزت مراقهيا
من اكن مشهده بعد فليس لـــــــه اال ادلالئل والقــــوال حيكـــــهيا
ومن ختلف عن هذا تقابــــــــــــهل حسائب آاثر عادات توافـــــــهيا
85
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
مشهده آفعال اخللق دون هللا فهو بعد مل خيرج من حزي املبعدين ،ومل يعد
يف آحصاب الميني فضال عن آن يكون من املقربني السابقني ،ومن شهد
آن الفعل هلم دون هللا فهو معدود يف غامر عامة املؤمنني ،ومن مجةل
آحصاب الميني ،فهو موحد يف الفعال ،وذ ك متعني عىل لك مسمل
متدين .حفيث حص هل ذ ك فقد جنا حبمدهللا من ورطة اجلحود ،وانتظم
يف نظام االميان ،وتكفل هل ابلمان من مجةل عباد الرمحن ،ومن ترىق عن
ذ ك بأن شهد آن الحياة هلم فذ ك رتبة يف التوحيد ،ومقام يف التفريد
اخلاص ابملقربني وهو آول رتبة يف طريق االرادة ،ورشوق مشس السعادة
،وقد آذن هل يف ادلخول وآذن هل ابلوصول والظفر ابملأمول .
ورتبة القرب اخلاص يف اخلاص آن يشهد وجودمه عني العدم الس تغراق
روحه يف شهود القدم مبطالعة آنوار اذلات احملرقة ،وآرسار الصفات
املرشقة ،فهذا هو الواصل واالمام الاكمل ،فلو لكف عىل رؤية الغري مل
يس تطع اىل ذ ك سبيال ،ومل يظهر هل وجود ،فكيف يرى الكوان مع
شهود العيان ؟ آم كيف حتجبه العيان عن التحقق بلك من علهيا فان ،
فمل تزل الكوان يف فناهئا آزال ،ووجودا وابدا هالكة من حيث نس بة
غرييهتا ابقية من حيث حقيقهتا ،فالوجد احلق هو الظاهر عىل صفحات
الكوان ،املشهود به العيان ،القامئة به اذلوات والوصاف والفعال
والبدان ،تزنه عن آن حيجبه كون ،آويطلق عليه ابتصال آوبون .فهو
س بحانه مباين الش ياء من حيث ذاته ووصفه ،حميط هبا من حيث علمه
،مدبرها حبمكه ،مس تغرقا مجليع آفعالها وصفاهتا وذواهتا من حيث قيوميته
وشهوده وقيامه .شعرا :
87
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
مما يدل عىل قهـــــــــــــــر االهل مبـا جحبك عنه مبا هو ابطل عـدم
ان احلجاب من احملجوب ليس كام يظنه اجلاهل الغر الغيب الفدم
فلام حتقق وجوده ؛ واس تغراق الش ياء بشهوده قال املؤلف ريض هللا عنه
:
( كيف يتصور آن حيجبه شئ وهو اذلي آظهر لك شئ )
كيف حيجبه الشئ وهو اذلي آظهره ،وبلطيف حمكته وبديع صنعته دبره
وقدره ،ومن العدم آبرزه ،ومبا آرشق عليه من نور وجوده آوجده ،
وابلشيئة عرفه ،فكيف حتجبه الش ياء وليس من الوجود اال ما آظهره
فهيا .شعرا :
مثل الزجاجة ينظر من تأملها آن ليس موجود اال نور ابرهيا
فلام اكن الظاهر فهيا نوره ،واحلامك علهيا سلطان ظهوره ؛ قال املؤلف
ريض هللا عنه :
( كيف يتصور آن حيجبه شئ وهو اذلي ظهر للك شئ )
فلك شئ تراه ظهر به وجود موجده وكامل مبدعه وحمكة صانعه حىت
اس تدل املس تدلون عليه ،واهتدى هبا السالكون اليه ،فقال عز وجل
{ ويف آنفسمك آفال تبرصون } [ الية 21اذلارايت ] شعرا :
وجود الش ياء تدل العاقل الفطن وتوجد الطالب املش تاق للوطن
فهذه احلمكة تدل عىل شهود جتيل وصفه ،واليت تلهيا تنيب عن ترصفه يف
الش ياء بنافذ قدرته وابلغ حمكته ،ذل ك قال :
( كيف يتصور آن حيجبه شئ وهو اذلي ظهر يف لك شئ )
88
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
90
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ثبوت وحدانيته مل تبق لغريه معه وجود ،وظهور جتليه مل يبق لغريه شهود
.واذا قرنت احلادث ابلقدمي امضحل وجوده وانطمس شهوده ،فكيف
يكون معه وقد وجب تزنهيه عن الثاين يف ذاته وصفاته وآفعاهل ؟ { قل
لو اكن معه آلهة كام يقولون اذا لبتغو اىل ذي العرش سبيال * س بحانه
وتعاىل عام يقولون علوا كبري } [ الايت 42االرساء ] { لواكن فهيام آلهة اال
هللا لفسدات فس بحان هللا رب العرش عام يصفون } [الايت 22النبياء ]
والالكم عىل الوحدانية يقتيض البسط والتطويل ،ويف االشارة بذ ك
كفاية ملن رشح هللا صدره بنور اليقني .شعرا :
هللا واحد اليثبت هل اثين فليس هل جل آمثال وآقراين
( كيف يتصور آن حيجبه شئ وهو آقرب من لك شئ )
كام نطق بذ ك الكتاب ،وشهدت به الس نة ،قال هللا عز وجل {
وحنن آقرب اليه منمك } [ الية 85الواقعة ] وقال آيضا { آومل يكف بربك
آنه عىل لك شئ شهيد * آال اهنم يف مرية من لقاء رهبم آال انه بلك شئ
حميط } [ الايت 54 - 53فصلت ] وآقربيته ال تش به آقربية الجسام بل هو
القامئ عىل لك نفس مبا كسبت ،بل قربه قرب شهود واحاطة والكءة
وقدرة وعمل بل وبذاته ،وامنا عربان ابلصفة لن الصفة التفارق املوصوف ،
واس تغراق مجيع الحوال والقوى ،الحول والقوة اال ابهلل كزن حتت
العرش آوكام قال .شعرا :
هلل قرب اىل الش ياء بقدرته فليس يش به قرب اخللق ابلصور
91
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
92
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
93
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
س بعني جحااب من النور " اوماهذا معناه .فلام آهنيى الالكم عىل ذ ك آخذ
يتلكم يف حمك العبد مع هللا فامي يقتضيه منه ربوبيته فقال ريض هللا عنه :
( ماترك من اجلهل شئ من آراد آن حيدث يف الوقت غري ما آحدثه هللا فيه
)
فلك من انزع هللا يف آحاكمه واعرتض عليه يف اقتداره ؛ فقد برز يف حةل
اجلهل اليت يه آقبح لبسة كام روي آن هللا خلق اجلهل يف آقبح صورة
فقال هل :وعزيت وجاليل ماخلقت خلقا آحط مزنةل عندي منك ،
لجعلنك يف آبغض خلق ،وآحطهم مزنةل عندي .فالاكفرين ذوونفوس
وهجل ،واملؤمنون ذوو قلوب وعقل .فلك من آراد غري مراد هللا هل فقد
مجع اجلهل ،ومن هجل ابهلل فهو بغريه آهجل .وحمك العبد التسلمي
لمرهللا فامي قىض ،والسكون حتت ما آبرزه وآمىض ،كام قال القائل
شعرا :
خلييل لودارت عىل رآيس الرىح من اذلل مل آجزع ومل آتلكم
حفيث آقمي العبد يف آمر مل يكن للرشع عليه فيه اعرتاض ومل يطالبه احلق
بنقيضه ؛ حفقه الرضا بعمل هللا دون علمه ،لن هللا عامل من لك الوجوه ،
والعبد جاهل من لك الوجوه ،فالالئق به آن اليطلب غري ما آقامه فيه
س يده ومواله ان اكن مرضيا ،واال يكن كذ ك بأن اكن مما خيالف المر ؛
كن ريض ابلكسل والوقوع يف املنايه فذ ك من املكر اخلف وتلبيس من
الش يطان املغوي ،بأن جيعل القضاء جحة هل ،ويظن آنه حبمك مواله وامنا
هو حبمك هواه .فالرضا ابلقضاء من حيث كونه قضاء ؛ والقضا آيضا من
حيث كونه قضاء دون املقيض من حيث كونه معل ،فهنا آمور غلط فهيا
94
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
مجةل من ينمت اىل التصوف دون عمل ،مبجرد الزي دون التحقق مبقامه ،
فرتامه حيتجون ابلقضاء ويربءون نفوسهم عىل ذ ك ،فالالئق عكس ذ ك
،وابلول اذلي هو وقوف عىل رؤية الش ياء دون هللا ،وبذ ك هكل
اجلم الغفري ابعرتاضهم عىل هللا فامي قىض ،وتربهمم مما يف مملكته آمىض من
احاةل آفعاهل امللومة عىل التقدير ،وجعهل ذريعة هل اىل التقصري ؛ فقد آخطأ
احلمكة .
والوقت عند الصوفية هل اطالقات :مفهنم من ذهب اىل آنه ماطلبه احلق
منك ،ومهنم من ذهب اىل آنه لك جتيل فيه من الش ئون االلهية ،
والوقت آيضا عندمه مراعاة النفاس واعطاها ما تس تحقه من عبادة
آوعبودية آوعبودة ،فيس تغرقهم ذ ك عن املايض واملس تقبل ،ذل ك يقال
:الصويف ابن وقته ،آي لك ما اقتضاه جتيل الوقت عليه كن نعته ذ ك
التجيل ،فلك من مل يقطع النفاس فامي طلبه احلق منه اكنت عليه حرسة ،
حفري آن يندم عىل فواهتا ،ويتحرس عند انكشاف خزائهنا .فالوقت اذا
مل تقطعه مبا طلبه احلق منك قطعك عن الطاعات ابملوت .شعرا :
الوقت در مثـــــــــــــني المرد هل واملوت يقطع عنا غــــــــــايل ادلرر
كن ابن وقتك اايك آن تصاولــــه فال ترد غري مايربزه مقــــــــــــتدر
فسمل ان كنت ذا عقل فليس هل مرد مينــــــــــــــعه من سائر البرش
مفن يرد غري ماقدره فاعلــــــــــه فوصفه اجلهل حيىك ذا عن الثــــر
فاذا علمت آن الوقت س يف قاطع ،رسيع املرور يفوت نفائس العامل
وسنيات الحوال ،قال املؤلف ريض هللا عنه :
( احالتك العامل عىل وجود الفراغ من رعوانت النفس )
95
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
العبد مركزه اجلسامين يف دار ادلنيا ؛ وحمتده الروجاين يف دار الخرة .
واملركز اجلسامين فاين ومطالبه ش ىت ،واحملتد الروحاين ابيق ومطلبه واحد
.فالعامل وان كرثت آجناسها وتعددت آنواعها مفرجعها اىل شئ واحد ؛
هو هللا عز وجل .فاذا طالبه هذا العامل الروحاين ابلعمل بسائر آنواعه
سواء اكن العمل ابلراكن آوابجلنان فالواجب عليه اجابته ،وقطع دواع
آشغاهل اجلسامنية ،فاذا آجاب العامل الروحاين وترك آشغال العامل اجلسامين
فذ ك هو الكيس الفطن ؛ بشهادة رسول هللا صىل هللا عليه وسمل بذ ك
،وثناء هللا عليه بقوهل { اهنم اكنوا يسارعون يف اخلريات } [ الية 90
النبياء ] وقول رسول هللا صىل هللا عليه وسمل " الكيس من دان نفسه
ومعل ملا بعد املوت " والرعونة يه امحلاقة ،قال صىل هللا عليه وسمل يف
شطر احلديث " والمحق من اتبع نفسه هواها ،ومتىن عىل هللا الماين "
ومن مجةل ذ ك آنه مهنمك يف آشغاهل ادلنياوية ،ولك شغل مهنا تتودل منه
آشغال كثرية ،فاذا مل يهنض عن فرتته ويستيقظ من رقاد غفلته جفدير آن
تطول حرسته ،وتتواىل عليه مدهلامت ضاللته ؛ اما آن خيتطفه املوت
عىل حني غفةل آويركن اىل ادلنيا ونيس قرب نقلته .واملوفق املميون من
اس تغمن فرصة االهمال ،وقطع عالئق الشغال ،وابدر الايم والليال ،ومل
يلهه عن ذكر هللا مال والعيال ،وقام بعبادة هللا عىل لك حال ؛ مرض
آوحصة ،فقر آوغىن ،صيف آوش تاء ،سفر آوحرض ،اىل غري ذ ك من
تقلب الحوال فمل يدر مىت تفجأه قواصف الجال ،وتغريات الحوال .
شعرا :
ايمن يريد خروجا من مــــــــــأربه عالم تطلب جماال ليس تدركــــــــه
96
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ان شئت تفرغ عن شغل فأتـركــــه فاهنض عىل ضعفك املقدور فأت به
غريه :
رعونة النفس آن توعدك ابلعمل وتستبد اىل الشهوات والكسل
وتنيس املرء منا رسعة الجـــل ويعرتيه بذاك اهلم واملــــــــــــلل
فاذا آقامك احلق يف عبادته ،واس تعمكل بأعامل طاعته فمل تمت عبوديتك
اال ابلتسلمي هل يف آمر ربوبيته ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( التطلبه آن خيرجك من حاةل يس تعمكل فامي سواها ،فلو آرادك
الس تعمكل من غري اخراج )
التطلب آهيا املؤمن الرايض بتدبريه واختياره ؛ اخلاضع حتت آمره واقتداره
آن خيرجك من حاةل هو مرتضهيا ك ومقدرها عليك ،وان خالفت مرادك
وانقضت طبعك ،وانفرت هواك ،فهو آعمل مبافيه منفعتك ،فال ينبغ
ك آن تعرفه مبا يصلحك وتذكره مبا ينفعك .فاذا طلبت منه فاطلب آن
يرزقك حسن الدب معه ،وترك االعرتاض عليه .فافهم ماعىل من
الدب مع هللا س امي فامي اس تأثر بعلمه دون خلقه ،فاذا آقامك يف حاةل
دينية آودنيوية مل يطالبك العمل ابخلروج عهنا ومل يذهما منك ،فالدب آن
التتحمك وتتخري عىل هللا ابخلروج عهنا ،فلو آراد ذ ك الس تعمكل فامي
طلبت من غري اس تعامل خروج منك ؛ كام آدخكل واس تعمكل فامي آنت
فيه ومل تكن طلبت ادلخول فهيا قبل ،فطلب العبد ذل ك لفرط غباوته
وهجهل بربه ،حيث اس تدرك عليه يف علمه .وان اكنت تكل احلاةل غري
مالمئة هل ومنغصة لذلته ؛ حفق العبودية آن اليتعرض واليتربم بل يقبل لكام
97
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
آبرزته الربوبية ،وتكون حالته الرضا ،فان مل يقوى عىل ذ ك فالصرب ،
فهو رخصة يف العبودية .
واحلاةل يه لك مااكن العبد فيه سواء اكن من قبيل احلراكت اجلسامنية
ومن قبيل اخلطرات واالرادات القلبيات .وآما اذا اكنت تكل مما فيه
مناقضة للعمل ؛ ومباينة للمر فينبغ آن يرضع اىل هللا ويبهتل يف اخراجه
،فليس ذ ك مما هنيى عن الطلب فيه املصنف ،بل ذ ك مما يقتضيه
الكمه ،آويف حاةل قصور آوفتور فينبغ آن يطلب من هللا املزيد كام
ندب نبيه صىل هللا عليه وسمل املتخلق بأعىل مراتب العبودية ،اذلي
خص من الدب بأمكهل ،ومن العمل بأفضهل ،حيث قال هللا عز وجل يف
حقه ،وتنبهيا لدابء آمته { وقل رب زدين علام } [ الية 114طه ] وقال
يف حق من طلب اخلروج من املأم { ربنا آخرجنا من هذه القرية الظامل
آهلها واجعل لنا من دلنك وليا واجعل لنا من دلنك نصريا } [ الية 75
النساء ] فالطلب احملضور هو آن تطلب اخلروج من حاةل مرضية اىل حاةل
آخرى مل ينص هللا والرسوهل عىل تفضيلها عىل ما آنت علهيا ،فتكون
اكملس تدرك عليه يف علمه ،ومعرتض يف حمكه ،فالخيفى مايف ذ ك من
سوء الدب .شعرا :
اليطلب العبد آن خيرجه س يده من حاةل يرتضهيا قامه فـــــــــــهيا
فلو آرادك لن احلمك يف يــــــده الس تعمكل قبل آن تظهر مبادهيا
فنسأل هللا حسن العافية فامي قىض ،واخلرية فامي اس تعمل وآمىض ،فشأن
العبد آن مييض يف مراد س يده ،والترشف نفسه اىل جزاء عاجل من
98
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
99
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
قريب يرفع عنك جحاب الغري ،ويقول بعد الضري ،وآين الوصول وآنت
ابق بأوصافك ،مفىت بق ك وصف فأنت حمجوب ،فعند حتقيق
الوصول تفىن ارادتك ومتحى نعوتك ،فاايك والوقوف مع وصفك فتكون
حمجواب مبا تظن انه كشف ومبعد مبا تظن آنه قرب ،فأمامك املقصد حىت
يكون آمامك وراك ،وصباحك مساك ،فأنت مادمت بني هجاتك ويف
مضيق صفاتك ،وحتت جحاب ذاتك ،فأنت بعد مل تصل اىل بغيتك ومل
تنل آمنيتك وال تربجت ظواهر املكوانت اال اندته حقائقها .التربج هو
التكشف عن الزينة ،آي ماانكشفت للسا ك الصادق ظواهر زينة
املكوانت ادلنياوايت ،واملدرجات الخروايت ،واملقامات امللكوتيات ،
والعوامل الساموايت ،والكواكب العلوايت ،والفالك الروحيات ،والصور
الكرس يات ،والعلوم اللوحيات ،والرسار العرش يات ،والكرايس
اجلربوتيات ،اىل غري ذ ك مما يسع كشفه لغري آههل اال اندته حقائقه اذلي
هبا حسنت ،وهبا وجدت ،ومن بديع س ناها اش هترت .لهنا هلل انطقة
،وهلم مفاوضة :امنا حنن دون موجدان ،ومبدع حسننا ،ومظهر نوران ،
وما ك آمران ،ومدبر خلقنا ،ومعريان من ابيه جامهل جاملنا ؛ فتنة
واختبار ملن وقف به عند ظهوران .فاايك والوقوف .
فهذه وما آش هبها من نصاحئ هواتف احلقائق ملن س بقت هل من هللا هداية
،ومن عليه بنور الوالية ،فلك من اكن هللا معه ابلعون والتويل ؛ اكنت
سائر الكوان تناديه بأرسارها ،وترشق عليه بأنوارها ،وختربه مبنافعها
ومضارها .فال يزال يرتىق يف مراتب الوجود ومنازل الشهود ،ويه
تكسوه علوما ومتنحه فهوما آبدا كذ ك حىت خيرج عن العوامل الكونية ساملا
100
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
من فتهنا ،معافا من وبيل حمهنا .ويلقى يف مي التوحيد وجلة التفريد وقضاء
تفرقة التعديد .مفن وقف مع شئ دون هللا فهو اكفر ،آي ساتر ،مبعىن
آنه ساتر وجود احلق بثبوت شئ معه .وقد علمت آنه اليثبت مع ظهوره
شئ ،مفا آثبت شئ اال وقد سرت عنه وجود وحدانية احلق .شعرا :
فال تقف مهــــة من دون مقصدها اال آجاب دلهيا السع والمــل
شفان ومه ومرص الظن ابلوشل فكيف من وابل التحقيق يقنــــعها
هال ختاطبك الرسار ابملقــــــل ايمن تربج هل الكوان ظاهرهــــــا
ان كنت تطلب من القوال آحس هنا فامسع نصاخئ التغـــــــــرت ابللكل
فان اكنت الزينة دنيوية ففتنهتا ظاهرة جلية ،وان اكنت من قبيل
ادلرجات الخروية والحوال السنية ففتنهتا ابطنة حقية .فالوقوف مع
زينة ادلنيا غرور ،والمتسك هبا قطيعة .وان اكنت من قبيل ادلرجات
والحوال فالوقوف جحاب عن منازل الشهود واالقرتاب ،فالنظر اىل زينة
ادلنيا حال الضالل واجلهال ،والنظر اىل هبجة الحوال والوقوف دون
مراتب الكامل شان من مل يؤهل للوصال ؛ ومل يطالع مرشقات امجلال
وحمرقات اجلالل ،ومل جيتىل لروحه خمدرات احلقائق من آفق مشارق
مشوس الرسار .فنسأل هللا هداية وتوفيقا وصوااب وحتقيقا .شعرا :
فليس للسا ك احملفوظ من آرب اال اقتناص رصحي الكشف والدب
ان احلقائق نـــادت لك مكتسب اىل سلوك طريق احلــــــق والسبب
فال تقف فاذلي تطلــــبه مغرتب وراخب الكون جز الكوان واقرتب
101
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فاذا اكن المر كذ ك ،آي مل يصل رتبة الوصل اخلاص اال مبحو
الوصاف ،وحمو الوصاف يقتيض احلضور ؛ ومع هذا فالعبد مطالب
ابلدب يف الطلب ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( طلبك منه اهتام هل ،وطلبك هل غيبة عنه ،وطلبك لغريه لقةل حيائك
منه ،وطلبك من غريه لوجود بعدك منه )
فهذه آربعة آقسام :قسامن ظلامنية كثيفة لهل البعد والضالل ،وجحب
نورانية لهل الوقوف مع الس باب .ولك جحاب آكثف من قس ميه ،
فطلبك منه مامضنه ك ووعدك اايه اهتام هل يف وعده واس تعجال ملا مضنه
،فذ ك ذنب عند العارفني وقةل آدب عند املوحدين .والخيفى مايف ذ ك
من املناقضة حلاةل العبودية ،فال ينبغ للعبد آن يعرف س يده اذلي
اليعزب عنه مثقال ذرة يف الرض وال يف السامء وال آصغر من ذ ك وال
آكرب ،واذلي تطلبه آما آن يكون نفع آودفع ،ولك صادر عن جتيل امسه
وظهور وصفه ،فكيف تطلبه رفع ما آنزهل وهو مل يربزه اال وقد قدر وقته
وحمهل وعينه وماهيته ووضعه ،اللهم ال آن يكون طلبك الظهار وصف
ضعفك وحتقيق فقرك ،وتعلقا بقوته وغناه ،وامتثاال لمره حيث ندبك
اىل دعائه الكراهة وتربما لقضاه ،وكذ ك دعاك جللب منافعك وانزال
مصاحلك .كذ ك الينبغ آن تكون يف دعائك هل متحكام عليه ،بل تدعوه
مع تفويض اخلرية اليه فامي هو النفع ك من حصول غرضك آوعدمه ،
واظهارا لفاقتك اليه وقةل حيلتك يف ايصال منافعك ومنال مأربك ،فليكن
العبد يف دعائه مراع الدب ،فال يكون الباعث هل غري امتثال المر ؛
ال لغراضه فهو آعمل بوقت حصولها ،ففوض ذ ك اىل علمه ،وليكون
102
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وهو يطلبك فرتغب اىل سواه وهو يقربك ! ماهذا اجلفاء وقةل الوفاء !
آتطلب من اذا رآى ك عورة هتكها ؛ ولوبيده نعمة عنك آمسكها ،ومع
ذ ك هو عاجز عن ايصال منافعه لنفسه وعن دفع مضاره ،وهو عن
ايصال املنافع ودفع املضار عن غريه آجعز ! فكيف تطلب وتدعو من هو
عنك غافل وجنم وجوده آفل ،آما يطرقك احلياء من هللا آنه يطلبك
حلرضته وحمل رضوانه وشهوده يف فس يح جنانه وآنت شارد رشود البعري
عن آههل ؟ وتطلب ماليس ينفعك دونه وهو آيضا غافل عن دعاك يف
صباحك ومساك ،وماتريد شئ دون وصاهل ،وماذا يغيبك عن شهود
جامهل وظهور كامهل ،وهو يريد آن تكون من اخلدام ويزن ك يف داره دار
السالم ،وحيييك فهيا ابلسالم ،ويتحفك بذليذ الالكم ،وجيعكل من
آهل حرضته وخواص حمبته .فاذا علمت ذ ك جفدير بك آن التطلب
سواه يف آرضه وسامه ،واال نودي عليك ابلمة يف يف عرصات القيامة ،
وتومس ابلمه حيث طلبت غريه .
يروى عن الش يخ اجلنيد ريض هللا عنه آنه اكن جالسا يف آحصابه اذ آتته
امرآة ختامص زوهجا اليه ،فقالت :ايش يخ آان زوجة هذا الرجل وقد تزوج
عيل امرآة غريي ؟ فقال لها الش يخ :هل ثالث غريك ،آوكامقال ،فقالت
هل :ايش يخ لوجيوز كشف وجه الجنبية لكشفت ك عن وهجي ،فلو
رآيتين حلمكت بأن مثيل اليؤثر عليه ،فصاح الش يخ عند ذ ك حىت غيش
عليه .شعرا :
من طلب غــريه بأء منه بعتب ووبيل قبح وشني مـــــالم ؟
لك شئ دونه من قصوروغرب وفتوح و.......نيل مقــــــام ؟
104
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
105
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فاذا طلبت فاطلب من هللا ،واذا اس تعنت فاس تعن ابهلل .وآمه ذ ك آن
تطلب منه آن ييرس عليك ويقميك فامي هو طالبك به من آداء حق
العبودية ،والقيام ابحلقوق ونس يان احلظوظ ،ذل ك قال ريض هللا عنه :
(ما من نفس تبديه اال وهل قدر فيك ميضيه )
النفاس ظروف ورسل حامةل اىل العبد من هللا ما آودعه فهيا من آرسار
قدره وآصناف غريه ،والرسول راجع اىل مرسهل ؛ آما مكرما شاكرا ملن نزل
به اذا آكرمه واحرتمه ،وكرامته ابس تعامهل فامي خلقت من آجهل ،واحرتامه
صيانته عن اس تعامهل يف قاذورات املعايص ورذائل الشهوات ،فاذا
اس تعمهل حبسب مايعطيه الوقت آن جيىل عليه ابلنعم ،فبالشكر
آوابلطاعة فبشهود املنة ،آوابلبلية فبالصرب ،آوابملعصية فباالس تغفار ،
فيعود مبقابةل ما آهداه بعمل مريض آوخلق س ين آوحال س ئي ،فيشكرك
بني املالء العىل ويكون ذ ك العمل خزانة مدخرة عند هللا ،اليتطرق
الهيا تغيري ،ويصري ذ ك النفس يح يف صورة نورانية قامئ هلل اىل آن
يعيده هللا اليك يف يوم امجلع ،فيعود اليك شاكرا لفضكل ذاكرا ،فيذكرك
عند هللا كذ ك ويشفع فيك من مجةل الشفعاء ،ويثين عليك غاية الثناء ؛
حيث آكرمته يف دار ادلنيا آن يكرمك يف لك موقف من مواقف الخرة ،
وحيث آجبته آن جييبك ،وحيث آنس ته آن يؤنسك ،وحيث رفعته آن
يرفعك كذ ك جزاء وفاقا .هذا ان اكن مما يقابل الشكر ،وان اكن من
قبيل الصرب آوشهود املنة آو ٍاالس تغفار اذا مقت هبذا كذ ك حيث اقتضاها
وارد الوقت ؛ ان اكن الصرب عاد مس بحا ،آوشهود املنة عاد مشاهدا ،
آواالس تغفار عاد مس تغفرا .م يعود يف يوم اجلزاء يودي اىل صاحبه ما
106
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
آمتنه فيه من رس ذ ك العمل ،حفق عىل العبد آن اليش تغل اال بأداء
حقوق واردات القدار ـ فللرسول حق عىل من نزل به آن يكرمه وحيرتمه
لكرامة مرسهل وحرمته ،كيف وذ ك عائد عليك وراجع رسه اليك ،
فالهيمل النفاس اال الغافلني الجناس ،اذلين حيوهيم االبالس عند ظهور
الباس ،كام قال هللا عز وجل { وآنذرمه } آي حذرمه { يوم احلرسة
} وهو يوم يعود عليك ما آسلفته { اذ قيض المر } وهو املوت
احملتوم والجل املعلوم { ومه يف غفةل } عن هللا وعن حقوق هللا {
ومه اليؤمنون } [ الية 39مرمي ] مبا وعد هللا وآوعد .فاذا مل تكرهما كذ ك ؛
وقتلهتا ابلغفةل وآهنهتا ابس تعاملها يف غري ما حيمد فرتجع اىل هللا ويه ذامة
،و ك خمامصة ،وتعود عليك يف يوم اجلزاء مبا آودعته عندها ؛ آما حية
آوعقرب آوانر آوظلمة آوغري ذ ك من آصناف الناكل حسب ذ ك العمل
اذلي آودعهتا اايه { ان هللا اليظمل الناس شيئا }[ الية 44يونس ] قال
صىل هللا عليه وسمل فامي يرويه عن ربه تبارك وتعاىل " ابن آدم امنا آعاملمك
آحصهيا م آوفيمك اايها مفن وجد خريا فليحمد هللا " يعين اذلي وفقه لها
وحفظها هل ومناها عنده وآعانه عىل القيام هبا ومدحه عىل ذ ك وآجزاه ،
وآهلمه اايها بعد مل يكن يعرف مقاصدها " .ومن وجد غري ذ ك فال يلومن
اال نفسه " فهو آمات آنفاسه ابلغفةل ،وضيع آمانة هللا دليه ،فأمات
النفاس ابملعايص وعطلها ابلغفةل ،مفا آجدره ابلندامة حيث آتته آمانة هللا
وآضاعها ،وهدية هللا ومل يكرهما بل تركها خزائن فارغة عن متاعها .
107
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فالنفاس قيام ابلعبد ثالثة :آماجوهرة القمية لها لنفاس هتا ؛ وهو لك نفس
آحياه بذكر هللا ،آومعل من آعامل الطاعة ،وآما بعرة القمية لها خلس هتا ،
وهو لك نفس خرج مع غفةل ،وآما حرسة الآخر لها وهو لك نفس
اس تعمهل يف معصية .فهذه الثالثة الحوال الزمة للك نفس من آنفاس
االنسان .وهل من النفاس يف اليوم والليةل آربعة وعرشون آلف جوهرة
من جواهر احلقائق االلهية ،والرسار الرابنية ،وادلرجات الخروية اذلي
انهتيى صاحهبا اىل دار السالم ،موضع سوط مهنا خري من ادلنيا ومافهيا ،
فكيف حال من استبدل هبا آربعة وعرشون آلف نوع من آنواع الناكل
وادلراكت الظلامنية العدلية .شعرا :
ان النفائس يف النفاس مودعــــــة فليقتنصها آويل اللباب والفطـن
فمك حوت من جعائب رس مكــرمة يذوقها من جتـــــــاىف ذلة الوسن
يف طهيا عمل تكوين ومعـــــــــــــرفة من انلها قام مهناجه عىل السـنن
مفن يرى ذا يرى الكوان حممكــــــة عىل دوائر آنفاس من املــــــــنن
فال يقوم النفاس اال آقطاهبا اذلين كشف هلم عن مراد هللا فهيم وهبم يف
لك نفس ،فيتلقوهنا ابالكرام قبل بروزها عندمه ،وعند بروزها يقومون
حبق عبودية احلق فيكتس بون من عمل التكوين والتعرف مايرحج بأعامل
املتقني ،وذ ك هلم يف لك نفس كام يرى آن مشتة من عارف توازي معل
الثقلني ،وهو اذلي رحج آبوبكر الصديق ريض هللا عنه المة ومه آرابب
احلقائق ،وهلم عالمات يعرفون هبا آقطاب هذا املقام .مفن مجلهتا :آهنم
يف عامل الربزخ آحياء حبياة خاصة هبم يشهد هبا آرسار العامل ،ويتذلذون
بذ ك اليقطعها علهيم املوت كام يقطعها عىل غريمه ممن اكن هيمل النفاس
108
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
واليعبأ هبا ،واليعرف زايدته فهيا من نقصانه مهنا ،مفا يقوم هبا غري من
خرج عن آوصاف البرش .كام يروى عن بعض سادتنا العلوية ريض هللا
عهنم ،وذ ك س يدان وموالان معر بن عبدالرمحن السقاف ريض هللا عنه
آنه قال :ان يل يف لك نفس آلف من ايحفيظ .آنظر كيف وسع هللا هل
نفسه حىت يقيض فيه حق هللا اذلي يقتضيه منه .وآمه ماهناك حفظ
املقام عىل ادلوام ،ذل ك اكن تعلقه ابالمس احلفيظ ،هذا ملن شهد دقة
املقام عىل النفاس ونفاس هتا ،فأقل قامئ عندمه من قام بشكر ظاهرها
وهو آربعة وعرشون آلف محد ،فأين من اكن هذا مقامه وحال من
حاالت احملتبلني حببائل البرشية اذلين شغلهتم الشهوات احليوانية عن القيام
ابلوظائف احلقية .فنسأل هللا آن يلحقنا بأوليائه ،وينظمنا يف سكل
آصفيائه ،انه ويل ذ ك ،واملأمول ملا هنا ك .فلام اكن املطلوب من العبد
مراعات النفاس يف لك آن من غري انتظار زمان والماكن ؛ قال املؤلف
ريض هللا عنه :
( الترتقب فراغ الغيار ؛ فان ذ ك يقطعك عن وجود املراقبة هل فامي هو
مقميك فيه )
وذ ك لن فراغ الغيار وانقطاع الاثر الينقطع عنك مادمت مقامي يف هذه
ادلار ،مفن راقب فراغها ضيع ماهو املطلوب منه ؛ وذ ك مراقبة هللا فامي
يقميك ،فال جتمتع مراقبة هللا ومراقبة غريه ،فاملراقبة ملا يتجىل به من
الوصاف والنعوت ،واحملاس بة عىل ما يظهر عىل العبد من الالكم
والسكون يف سائر العامل .مفن فاته مقام احملاس بة فاته حق العبادة
ظاهرا ،ومن فاتته املراقبة فاتته العبودية ابطنا ،مفىت خيلون عن املطالبة
109
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فلام اكنت شواغل ادلنيا التنقيض ،وآفاهتا التنهتي ،قال املؤلف ريض هللا
عنه :
( التس تغرب وقوع الكدار مادمت مقامي يف هذه ادلار ،فاهنا ما آبرزت ك
اال ماهو مس تحق وصفها وواجب نعهتا )
وآنه اليس تغرب وقوع املكدرات ووجود املنغصات للعيش ،املؤملات
للقلب والبدن ،ووقوع املصائب ،ونزول البالاي وحدوث املعاطب اال
مغرور خبيل ،وذو عقل قليل .فاملكدرات للعيش يف هذه ادلنيا من
قبيل املصائب ادلنياوية ،واحلوادث الكونية ؛ وذ ك اما بفراق حمبوب
آونزول مرهوب آوقصور عن مطلوب ،حاصل العبد منه املقاساة والتعب
اذا مل يعتد هل بعدة الرضا والتسلمي ،وفوات الثواب والجر اذا مل يتلقاه
ابلصرب .ومع كونه يفوته ذ ك احلال الرشيف فالمرد هل عنده حبيةل ،
والتفريق ،مفن آعون الس باب عىل حصول هذه الحوال اليت يه الرضا
والتسلمي الغنا عن آوصافك بأوصافه ؛ فعند فناك عن وصفك والتعلق
بوصفه يس تذل البال وتس تحليه ،لنك بوصفه البوصفك ،فال تستبعد
ذ ك ،كيف ودالل احلبيب آعظم ذلة من اقباهل كام يرى ذ ك من ذاق يف
هذا املشهد ،وحتقق بذ ك املقصد ،وحاكايهتم يف ذ ك تاكد خترج عن
احلرص .شعرا :
ودالهل عطف ولطف يشمل بالء احلبيب اىل احلبيب عطية
تثنيه عن وجه احلبيب املقبل اليلهي املشغوف نيل هــــــدية
وآما الصرب فأحسن مايس تعان به عىل احامتل البالء بذكر ما آعد هللا
للصابرين من عظمي املدح وجزيل العطاء يف الجل ،والثناء يف العاجل ،
111
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وتوطني القلب عىل نزول تكل املصائب قبل نزولها ،ويعطى هذا املقام
الفناء يف الفعال ،والتحقق من المتكن يف الحوال ،وانتظار اللطف من
دقائق الوقات .شعرا :
فليس سوى الصرب امجليل يعينه من اكن من حتت القضاء آمره
فاليرس يتبعه بنور يقيــــــــــــــنه ان املصائب وان تشدد عرسه
هذا يف املصائب ادلنياوية ،وآما آن يكون ذ ك التكدر من قبيل الحوال
مما يعرض للسالكني يف طريقهم من العوائق عن مقاصدمه ونيل مطالهبم
وذ ك ملا ركب فهيم من الشهوات ،فيلحقهم من الغفالت ،مفاداموا يف
هذه ادلار مفا تنفك عهنم هذه احلاالت ولو عىل الندور يف الوقات ،
ولكهنا هلم سابقة اىل اللجاء اليه اذلي هو آرشف حاالت العبودية .شعرا :
التوحشن اذا آمل بك البـــــــالء فالصرب يعقبه الهــــــنا واملغـمن
فاس تصحنب الصرب ماعشت انه ماخاب ذو صرب واليتـــــندم
هال ترى من عارف تسألـــــــنه عام هناك من املاكرم تغــــــمن
من علقم الصرب املرير لنــــــــــه صعب عىل العز اذلي اليعمل
فالق البالء بصرب ساعة انـــــــه البد جيىل ليهل املتــــــــــــعمت
فلن صربت لتحمدن يف غـــبه ان املصائب الهتني املكــــرم
هذا يف الصرب عىل البالء ادلنياوي املفيض بعد ماذكر هللا من كرامة
الصابرين ،وماورد من الخبار والاثر يف ذ ك .وآما عمل ما ادلنيا حمتوية
من مكدرات العيش وذ ك حمكه لئال يرغب فهيا ويسكن الهيا عباده ،
فهي تضيق عام آعد هلم وما يريد آن يكرهمم به من عظمي الكرامة اليت
التدخل حتت عمل عامل ،ومل خيطر عىل قلب برش من خف اللطاف
112
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
.مفا رجع من رجع عن هللا اال لقةل مس تصحبه هل يف بدايته ؛ حفزم جنح
هنايته ،مفن ابهلل تعلقه وحسن تولكه اكن اىل هللا هنايته ،وتواله حبسن
واليته ،ورعاه والكه يف مصادره وموارده ،واكن مع هللا بالعالقة ،وفر
اليه من مجيع آحواهل وقواه وعلمه ومعهل ،وخرج عن حوهل وقوته ،ومل
يستند اىل سواه ،واليأوي اال اليه ،واليتولك اال عليه .جفدير آن ينال
بغيته ويظفر مبنيته ،وحيمل عنه لك ما يعبأ به غريه .ومن اكن عىل غري
هذا الوصف خيف عليه آن يولك اىل مأمنه فاليفلح اال آن يتداركه هللا
فيفتح هل ابب الفهم عنه ،فيعود من مشهده هذا ويرجع عن زلته .ويل يف
ذ ك شعرا :
فارجع اىل هللا فامي آنت طالبه تظفر بغاايت آقىص السؤل والمل
والترى النفس يف شئ تقابـهل واترك دعاويك يف عــمل ويف معــــل
فاذا اكن الرجوع اىل هللا يف البداية عالمة عىل النجح يف الهناية عرب
املؤلف ريض هللا عنه لهذا املعىن فقال :
( من آرشقت بدايته آرشقت هنايته )
فارشاق البداية ابلفناء عن آفعا ك وشهود فعهل ،والتربئ عن احلول والقوة
يف لك فعل ،واالعامتد عىل حول هللا وقوته ،وارشاق الهناية ؛ فناك عن
وصفك بوصفه ،وذهاب ذ ك عند لوامع جتليات ذاته ،وفقد آاننيتك
عند توايل ظهور مرشقات جامهل ،واحرتاق آوصافك مبحرقات جالهل ،
وذهابك وفقدك عند جتيل سلطان كامهل .فهذا وماشالكه من مجةل ارشاق
الهناايت ومبادهيا .وآما لكياهتا وهناايهتا فال تف به العبارة ،ومل تؤيم اليه
االشارة لقرص الفهام عن ذ ك ،فالفناء عن الفعال هو ارشاق ،
115
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
واالرشاق اليكون اال عبارة عن النور اذلي علمت فامي تقدم آنه الوجود ،
والظلمة يه العدم .مفا مل يرشق نور آفعال هللا عىل ظلمة آفعا ك بقيت
رؤية آفعا ك جحب ظلامنية ،ومامل ترشق آوصافه عىل وجود آوصافك
بقيت حمجواب حبجب كونية ،ويل يف ذ ك شعرا :
ارشاق آفعاهل نور يشاب به وجــــود وصفك فاخرج عنه وارحتل
اىل شهود كامل اذلاهبني بـه عن لك وصف وعن ذات وعن علــل
فلام اكن الهناايت غيب والبداايت شهادة ظهر يف شهادة البداايت ما
اس تودع يف غيب الهناايت ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( مااس تودع يف غيب الرسائر ظهر يف شهادة الظواهر )
مااس تودع من نور اذلكر وحقيقة الصدق وبدر الهداية ورس الوالية ولطيفة
االميان ،وجتيل االيقان ،وارشاق مشوس االحسان ،وشهود العيان يف
رسيرة االنسان وفطرته ،فال بد وآن يلوح عىل هيلكه آاثره ،وترشق
عليه آنواره ،وتزىك ظواهر آعامهل ،وتصفو رسائر آحواهل ،وتنغمر بنور
القبول يف مسامع اخللق آقواهل ،وجتال دلهيم اشارته ،وتفصح ابلصواب
عبارته ؛ وذل ك دالالت وظهور آايت يعرف هبا من آودع هللا نور االميان
يف رسيرته كام س نذكره قريبا ان شاء هللا عند قوهل :لو آرشق نور اليقني .
ومن مجلهتا الطمأنينة بذكر هللا والنفرة عن معايص هللا ،والتولك عىل هللا
،والرضا عن هللا ،والصرب يف ممرات المور هلل ،والتعلق عىل دوام
الوقات بذكر هللا ،والتوهل يف شهود جامل هللا ،والتحري يف جالل هللا ،
واس تعامل اجلوارح ابس تفراغ اجلهد يف طاعة هللا ،واتباع حماب هللا ،
واحرتام حرمات هللا ،واتباع رسول هللا واجالل هللا ،وحمبة اولياء هللا
116
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
117
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
عامل الرواح يظهر خشوعها يف الش باح ،فلكام آكنته الرسائر فال بد وآن
يلوح عىل صفاحئ الظواهر .ويل يف ذ ك شعرا :
آش باح حتيك مبا يف الرس منـــــكمت كام الزجاجة للنوار حتكـــــهيا
مفا بكن يف مصون الغيب من حمك ال بد آن يشهد التحقيق رائهيا
فلام اكن المر مبين عىل غيب وشهادة وهو عامل الغيب والشهادة ؛ ولكن
الغيب شهود احلق مقرون يف نظر اخللق بوجود الس باب خطب من
رسادقات الغيب قلوب الحباب ،عربه احملبة آرسار اجملذوبني احملبوبني ،
واس تخلصت حرضة الزل آرواح اجملذوبني املرادين ،ونفيت قلوب
السالكني حتت حمك سلطان امسه الطاهر ،يف متعددات املظاهر .قال
املؤلف ريض هللا عنه :
( ش تان بني مس تدل به آويس تدل عليه ،فاملس تدل به عرف احلق لههل ؛
فأثبت المر من وجود آصهل ،واالس تدالل عليه من عدم الوصول اليه ،
واال مىت غاب حىت يس تدل عليه ؟ ومىت بعد حىت تكون الاثر يه اليت
توصل اليه ؟ )
ش تان ،آي بعد مابني الفريقني ،وبون ما بني الطرفني ،آي طريق
املس تدلني به عىل وجود الش ياء ،لهنم موجودين عن رق الغيار ،
وشهود الاثر ،بظهور وحدانية الواحد القهار ،ومتالشني يف متالطامت
حبار النوار ،ومس تغرقني يف شهود الرسار ؛ فأىن يثبت يف مشاهدمه
رؤية مليكهم ،آويلوح هلم غريه ومه عاكفني يف حرضة القدم ،غائبني عن
احلدوث والقدم .فأرسارمه عىل كرايس الوالية مل تلوي اىل رؤية مريئ
حيس آومعنوي دنيوي آوخروي ،مليك آوملكويت وان تعاقبت عىل
118
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
119
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
الكم ،وللك حال رجال ،وللك حال مقال ،فالمشاحة يف اللفظ ،
فاللفظ الواحد قد يوضع ملعان كثرية ،واملعاين الكثرية قد تعرب بعبارة
واحدة .وقد يكون الالكم واحد ويأخذ لك انسان مايناسب حاهل ويليق
بأفعاهل .شعرا :
فكيف يفقد من هو ظاهر وبنا قيوم قامئ الخيفى ومل يــزل
هو آول يف بطون قبل مظه نرــا وظاهر آخر بال انهتاء تيل
ودامئ كيف مااكن الزمان بــــــنا الزاد مظهران شئ والقلــل
فلام اكن اجملذوبني احملبوبني آخذ هبم طريقة املنة من غري اكتساب ،
والترقب والاحتساب ،اكن انفاقهم من خزائن معارفهم عىل الطالبني ،
كذ ك ما آمدمه هللا به .والسالكون احملبوبون ليسوا كذ ك لنه سكل هبم
طريق الكد والتلكيف ؛ فيكون انفاقهم من وسع مامه عليه ،ذل ك قال
املؤلف ريض هللا عنه :
( لينفق ذوسعة من سعته :الواصلون اليه ،ومن قدر عليه رزقه :
السائرون اليه )
هذه اشارة جعيبة ،وترحشة بديعة ؛ حيث عرب ابالنفاق ،واالنفاق اليكون
اال يف خري واخلسارة ضده ،وانفاق الواصل من خزائن املنح الرابنية ،
والنفحات الرحامنية ،عىل آطفال التلقيات الفهمية ،والراكن العملية ،
واملشاهدة العلمية التخلقية ،وآهل االقتداء والتبعية .فالولون ومه
اجملذوبون احملبوبون ينفقون من سعة وسع املواهب ،والسالكون ينفقون
من قدر املاكسب ؛ من وراء الفحص وحتري املذاهب .فالولون
خارجون عن مضيق عقوهلم احملصورة القارصة عن درك احلقائق اىل فضاء
122
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
123
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
بقوهل " االحسان آن تعبدهللا كنك تراه " وحمال آن تراه وترى معه سواه .
ومن اكن هللا معه اكنت الش ياء معه وهل ،الهو معها اذا هللا معه فمل
يكن فيه معية آخرى ،فهو غائب عن شهود وجوده فضال عن فعهل مع
فعل موجوده وهو هللا س بحانه وتعاىل ،مفن مل يكن كذ ك مفن الزمه
شهود الغيار ،والتقيد يف خمايل الخطار ،ويشهد الوسائط ويراع
الرشائط ،فيطالب مبقتىض مشهده ،ويرتىق اىل حمتده .شعرا :
لك الوجود بعون هللا حمــــــــــتمك من اكن مشهده االحسان اكن هل
آن حيتمك حتت مايشهده من عـمل ومن تعـــــــــرث يف الذايل آن لـه
م استشهد املؤلف عىل مقام الواصلني المكل املوحدين هبذه الية ملا فهيا
من الترصحي اخلايل عن التلوحي ببطالن ماسوى هللا عز وجل بقوهل
س بحانه لنبيه صىل هللا عليه وسمل وملن فهم عنه رس خطابه من خواص
آصفيائه وجنائب آحبابه { قل هللا م ذرمه يف خوضهم يلعبون } [ الية
91النعام ] فف هذه ال ية كفاية ملن فهمها وعمل رسها ،آشارت اليه ( قل
هللا ) فليس بعد هللا ،فهذا فيه مرتبة توحيد االشارة ،وهو خمتص بنبينا
صىل هللا عليه وسمل وهو قوهل ( قل ) حفارت احلقائق القربية ،واللطائف
احلبية يف هذا البحر اذلي الساحل هل ،واليعرف لوليته ابتدآ ،وان
تعددت مظاهره ،فقال لها هاداي حلريهتا ،وآخذا بأزمة بصائرها { هللا
} لكام رآيته فليس سواه ،وال مشهود اال اايه ،والبعد ذ ك اال خوض
ولعب ،لنه اذا ظهر احلق مفا فائدة التطلب اال اخلوض يف الباطل .
واللعب هو كرثة ترديد ماالجدوى هل ،وهو كرثة ترديد بال غرض ،ومن
124
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
125
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فتحلية الوصاف حبلية االتباع هو فرع ابب احملبة اذلي يكون هبا التحلية
،قال هللا منهبا عىل ذ ك { قل ان كنمت حتبون هللا } ووجدمت ذ ك يف
مرااي اميانمك ،وظننمت آن ذ ك صادر عنمك { فاتبعوين } [ الية 31آل
معران ] مبحو آفعالمك ،وفنا آوصافمك يظهر لمك آصل حمبتمك ،ويبني لمك من
آين وجدمت ذ ك ،فعند فنائمك عن آفعالمك وآوصافمك يتحقق لمك آنه اذلي
آحبمك ،وتبدوا لمك مثرة االتباع ما آودع فهيا من رس احملبة السابقة ،فيعود
المر عودا عىل بدوه ،فهذا مقام التحلية .وشاهد ذ ك احلديث القديس
حديث النوافل حيث قال " اليزال عبدي يتقرب ايل ابلنوافل حىت آحبه
" والانفةل اال ماصدرت عنه صىل هللا عليه وسمل قوال وفعال ؛ وآمرا
رصحيا آومضنا وتلوحيا ،ولكن مل تصل اىل صفاء النوافل عن الشوائب اال
بطهارة النفس عن رذائلها ،ومل يعرث عىل ذ ك اال ان عرضهتا عىل بصري
بعيوهبا ،فيجري آمورها عىل يد عامل بهتذيهبا ،فارغ عن هتذيب نفسه ،
متفرغ لصالح غريه .حفينئذ يعرفك بدسائس النفوس وخمادع الش يطان ،
ومعاطب الهوى ،وكوامن الشهوات ،وقبح ادلنيا وهبجة الخرة ،وحسن
الخالق وسبهبا ،وتكون حالتك بني يديه كحاةل امليت بني يدي الغاسل
مسلوب االختيار مطموس العالم والاثر ،الخري ك عنك .وما آعز
يف هذا الزمان ش يخ يوجد كذ ك ،وما آعز املريدين من يطلب ذ ك ،
فاهللا املس تعان وعليه التالكن .
واذا صدق هللا املريد يف ارادته اكن الوجود لكه هل آس تاذ ؛ ان اكن عدوا
ساقه اىل هللا ابللجاء من رشه ،ونهبه عىل دسائس خفااي عيوب مل يطلع
126
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
هو علهيا ،يرى قبح اجلهل فيجتنبه ،آوصديق حمب يثين فيشهد ثناء هللا
فزيداد ذل ك شكره هلل حيث آظهر مجيهل ذل ك املثين ،وسرت عنه قبيحه
.وما آحسن من اكن نفسه آرضا وقلبه سامء ،وآحواهل جنوما ،وروحه
مشسا ،وعقهل قلام ،ونفسه لوحا .شعرا :
تشوف املرء عيب فيه مس ترت آمت هل من ترقب عائب القدر
فرؤية النقص توقفه عىل احلذر ويف ظهور غيوب احلق يعترب
فلام اكن احلق ظاهرا وامنا جحبت عنه مبا قام بك من الوصاف الظلامنية ،
والكثائف الرضية ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( احلق ليس مبحجوب وامنا احملجوب آنت عن النظر اليه ،اذ لوجحبه شئ
لسرته ماجحبه ،ولواكن هل ساتر لاكن لوجوده حارص .ولك حارص لشئ
فهو هل قاهر ،وهو القاهر فوق عباده )
هذه براهني عقلية ،وشواهد نقلية مجعها يف هذه اللفاظ املتقاربة حتتوي
عىل مجل من معاين التزنيه ،وتشري اىل نف التشبيه ،وتبطل اعتقاد
التجس مي والتحليل واجلهة ،وتبني آن مجيع حراكت املكوانت دائرة عىل
مقتىض علمه ،وجارية حتت سلطان قهره .فقوهل :ليس مبحجوب ؛
اذماسوى هللا ابطل واحلق هو هللا فليس مبحجوب ،اذ الباطل الحيجب
احلق ،وماسوى هللا فهو ابطل .وامنا احملجوب آنت من حيث آنيبتك
ووصفك وفعكل ،فلوفنيت عن آنيبتك وتبت عن ثنيتك لرآيت احلق
ظاهرا ،ورآيت الاكئنات من حيث ذواهتا وآوصافها وآفعالها دونه مل خترج
عن العدم ،فاحلجاب عليه تعاىل حمال .مفن الرباهني آن احلاجب لشئ
قاهره ،وقد علمت وجوب قهره س بحانه ملا سواه .وآيضا فاحلجاب دالةل
127
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وبرهان حدوهثا مشاهدة انعداهما ،لن ماوجب قدمه اس تحال عدمه ،
وهذا حبمد هللا ظاهر الحيتاج اىل زايدة بسط ،وتكل الفوقية ؛ فوقية
حمك ووالية ،وقهر والية الرب للمربوب ،والس يد للعبد ،واحملكوم عليه
للحامك ،واالس تيئالء واالس تعالء والتويل ،ويل يف ذ ك شعرا :
احلق ظاهر الحتجبه صنعـــته والكون يف غبية من ظلمة العدم
فكيف من بعد ماشهدت آدلته ان احلوادث التثبت مع القــــــدم
حفيث علمت آن احلق ليس مبحجوب وامنا احملجوب آنت عنه ،علمنا آيضا
آن ليس هناك جحاب سوى آوصافك وما آنت عليه من الرتكيب البرشي ،
فان آردت كشف ذ ك احلجاب فاخرج عن آوصافك ،وفارق مقتضياتك
.ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( آخرج من آوصاف برشيتك عن لك وصف مناقض لعبوديتك ؛ لتكون
لنداء احلق جميبا ،ومن حرضته قريبا )
اخلروج عن الوصاف البرشية املناقضة لوصف العبودية من آنفع الوسائل
لكشف احلقائق اليت يه حلية الرسار ،وهبجة الرواح ،وروح القلوب
،ورشح الصدور .واخلروج عن هذه الوصاف البرشية آول مبادئ
ارادة مريدين سلوك الطريق اىل هللا ،والوصاف هذه مهنا مايكون
ظاهرا يف قوالب الفعال ،ومهنا ماهو ابطن يف القلوب .والظاهرة يه
لك فعل آوقول ندبك الرشع اىل تركه من حمرم آومكروه بسائر آنواعه ،
ومجموعها س بعة آبواب يف ظاهر اجلسم ،مفهنا :اللسان ويه آشدها
رضرا ،والعينان والذانن والفرج والبطن واليدان والرجالن .وحد لك
عضو من هذه العضاء من احملرمات واملكروهات معروف عند مريدين
129
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
سلوك طريق هللا ،ويه مواضع ظهور املقدورات ،ومظهر ما انهبم يف
غيب القبضيات :قبضة الميني والشامل .فهذه عىل اجاملها قسم ماجيب
عىل املريد اخلروج منه من الوصاف البرشية املناقضة للعبودية .والقسم
الثاين يه آوصاف القلوب احلاجبة لها عن آرسار الغيوب ويه آيضا كثرية
وصعب عالهجا اال عىل ذي بصرية ،مفهنا :الكرب واحلسد والرايء والعجب
ومايتودل عن ذ ك من رذائل الخالق ،فاخلروج عن لك وصف العبودية
وهو اذلي يشريون اليه الصوفية ابلتخلية ،والتحيل بأضداد هذه الظاهرة
،بصفو العامل الظاهرة عن الشوائب الهوائية ،وتصفية العامل الباطنة
عن املكدرات الظلامنية ،والتصفية الظاهرة س امي رشيعة ودنيا ،والخذ
يف العامل الباطنة وتصفيهتا عن كدورهتا س امي طريقة وتصوفا ،وعند
صفاء العامل الظاهرة والحوال الباطنة والخذ يف طريق املواهب
والحوال س امي حقيقة ومشاهدة ،والغيبة عن االحساس اس تغراقا وفنا ،
والثبوت معه عىل مقتىض المر والهني س امي حصوا وبتا ،فاذا فين عن
الوصاف البرشية فقد صفا عن مناقضات العبودية ،واذا صفت العبودية
توالت عليه آلطاف الربوبية .واذا اكن كذ ك اكن لنداء احلق جميبا حتقيقا
بقوهل { ايعبادي الخوف عليمك اليوم وال آنمت حتزنون } [ الية 68الزخرف
130
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
اكن اىل ربه آقرب .وليس حرضة ربه اال فنائه عن فعهل ووصفه وذاته
وبقائه بوصف عبوديته ،خفرج عن هذا ماال يطالبك احلق ابخلروج عنه
من آوصاف البرش ،فليس من ذ ك يف شئ لنه آابح ك مهنا ما تتوصل
به اليه ؛ من لك فعل آوقول آونظر آومسع .ورتبة املباح بني المر
واحلرص وتتحاد هبا احلرضتني ،ويتناولها املقامني ،فان اكن يف الغالب عىل
االنسان المر فال بد آن يسكل مبباحاته مسلكها .مفن الصادقني من
يسكل ابملباحات البرشية طريق الواجبات المرية حبسن النية وصدق
الطوية ،ومن السالكني من يسكل ابملباحات طريق املندوابت ملا هو
عليه من احملافظة للمطلوب ،والتباعد عن ورطات اذلنوب .ومن
املهتورين املهنمكني من يسكل هبا مسكل كبائر اذلنوب ملا هو الغالب عليه
من الهتور وعدم احلضور مع هللا يف المور .ومن بدل املباحات واحملرمات
ابلواجبات واملندوابت اس تحق آن يسمى بدال .ومن هنا يسمى البدال
لهنم بدلوا الوصاف البرشية ابلنعوت الروحية ،وهذه بعض اطالقات
امس البدال .وآما امس البدل اخلاص فهو من فين عن اذلات الغريية ،
وبق مس تغرق الرس يف املشاهد القربية ،والصفات الزلية ،الشعور هل
بسوى الواحد احلق النفسه والغريه .ويل يف ذ ك شعرا :
ايمن يريد دنـــــــــوء القرب فابتدر اخلع عذار قــيود احلس والبرش
وابدرن تدرك املأمول والظــــــــفر ولك وصف يرده حصة النـــــظر
فاترك ورس يف طريق السادة الغرر تلقا من اللطف فهيا آلطف العرب
وآصل لك خلق مذموم وطبع ملوم ؛ هو الرضاء عن النفس ورؤية الكامل
لها ،فالرضاء عن النفس آصل لك بلية دينا ودنيا ،مفا آهكل عامة اخللق
131
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
اال الرضاء عن آنفسهم ،واس تحسان آفعالها ،ورؤيهتا بعني التعظمي .
ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( آصل لك معصية وغفةل وشهوة الرضاء عن النفس ،وآصل لك طاعة
وعفة ويقظة عدم الرضاء منك عهنا )
هذا آصل لك ؛ اذ مجموع املعايص الظاهرة والباطنة كبرية آوصغرية رضاء
االنسان عن نفسه بعد س بق تقدير هللا وارادته ،فاذا س بق عىل العبد
آن جتري عىل يديه شؤم املعايص وظلمة الغفةل وحترقات نريان الشهوة
جحب عن رؤية نقص النفس وعيهبا ،وضاللهتا وغهيا ورى حسن
مايصدر عهنا وان اكن قبيحا ،فعند ذ ك اليفيد فيه نصحا وال يبني هل من
ليل غفلته صبحا ،فاذا اس تحسن آفعالها غفل عن تفقد آحوالها ،وعند
غفلته عن آحواهل تس تويل عليه دواع الشهوات يف مواطن الغفالت
وكبائر الضالالت ،فال حيق حقا واليبطل ابطال ،منقاد بقياد الهوى ،
اتهئا يف هماممة اجلهل .ومن آشلك عليه ذ ك فلينظر اىل آصفياء وخريته
من خلقه من النبياء وسادات العلامء وخواص الولياء ،هل رضوا من
آنفسهم فعال ؟ آواس تحس نوا لها حاال ؟ مفن عرف نفسه مل يأمن من آن
تلقيه يف هملكة ،فاليزال كثري التيقظ .ومن اكن حالته اليقظة رآى مايرد
عليه من دواع الهوى ،وتسويالت الغوى ،وسمل قلبه عن ورود
ظلامت الشك ،واستنار بأنوار االميان ،وآرشقت عليه مشوس االحسان
،وطلعت عىل رسه طالئع الكشف والعيان .وآصل ذ ك عدم رضاه عن
نفسه حيث اهتمها ومل يرض عهنا ،فأمعن التفقد يف آحواهل ،وصفا عن
كدر الهوى آعاملها ،فصار يتعفف عن سفساف دواعهيا ،وجيتنب وخمي
132
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
مراعهيا ،وآلزهما مافيه فالهحا ،وجرعها مافيه جناهحا ،فأكرهما بكرامة ال
اهانة بعدها ،وطهرها طهارة التدنس بعدها ؛ وذ ك بنظر االميان .لن
نوراالميان آن يريه احلق حقا فيتبعه ،والباطل ابطال فيجتنبه .
ومر آن النفس من حيث مركزها اجلبيل ،وطبعها احليواين ابطال .ومن
حيث حمتدها القديس ومظهرها الرويح وجتلهيا الرسي ووسعها االمس
حق فيتبعه .فاملسمى بلسان اذلم نفس هو املركز اجلبيل احليواين ،
فالرضا عن هذا املركز والهبوط اىل هذا احملتد آصل لك معصية .لن
املعايص التظهر اال فيه ،والتعرف الشهوات وظلامت الغفالت اال به .اذ
العامل الهبوط حمل املظهر الهوى ،والعامل العلوي بطبعه اليقبل ذ ك لكه ؛
ال املعصية وال الغفةل والالشهوة اليعصون هللا ما آمرمه ،يس بحون الليل
والهنار اليفرتون ،طعاهمم التسبيح ،ورشاهبم الهتليل .وجعل هللا ببالغ
حمكته االنسان مجمع العاملني ،العلوي بقلبه والسفيل بنفسه ،فاىل آهيام
اكن ميهل ورضاه اكن احلمك هل وادلوةل عىل من سواه ،فاذا ريض عن
النفس آثرها عىل القلب فاس تعملت يف عاملها وقادته اىل طبعها ،وحيث
اكن ساخطا علهيا مل يكن احلمك لها بل علهيا وآثر القلب يف اس تعاملها يف
حمابه .وقد علمت آن العامل العلوي مامه عليه من الصفاء واليقظة واحلذر
من اخملالفة ،حفينئذ تتصف بوصفه ويعود فرعها لصهل ؛ فتسمى مطمئنة
،وتدخل يف مجةل عباده اخلاصني حبرضته الصاحلني خلدمته .ويل يف ذ ك
شعرا :
الترض عن نفسك ان النفس مركزها حييد ابلقلب عن مشهوده السايم
وكن علهيا معينا يك يكون لـــــــــها من رهبا من شهود القرب انـعــــايم
133
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وآكرث من يرىض عن نفسه ويس تحسن آحواهل من انامت اىل حاهل من
مايرتفع به ؛ آما عمل آوحسب وهوى ،آما ظاهر جيل وآما ابطن ،فقل
من قام به شئ من ذ ك آن خيال عن الرضا عن النفس ولو يف بعض
الحوال ،اال من حفظ رسه وآلبسه احلفظ وحفه بالكية العناية وجلهل
بنور الوالية .فاليغرت بذ ك ومل خيدع ملا هنا ك ،وحصبة املغرورين غرور
لن للصحبة يف املصحوب آثر ظاهر ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( ولن تصحب جاهال اليرىض عن نفسه خري ك من آن تصحب عاملا
يرىض عن نفسه ! فأي عمل لعامل يرىض عن نفسه ؟ وآي هجل جلاهل
اليرىض عن نفسه )
فالصحبة عند املشاخي لها آصل آصيل ،بل يه معدة الطريق ،ويه الركن
العظم .لن للصحبة تأثري يف امجلاد والهوى ؛ فكيف يف النفوس املقابةل
مايلقاها مشاهدة وفعال ونظرا ومسعا ،وفائدهتا تريق الصاحب اىل حاةل
املصحوب وانتقال آوصافه اىل آوصافه وآفعاهل ،كذ ك اىل آفعاهل وآخالقه
ومجيع هباته بواسطة احملبة ورابطة التألف الرويح حىت يصري اذلاتني
والوصفني والفعلتني والهيأتني كشئ واحد ،الينفك آحدهام عن الخر من
حيث اس تحاةل كون الفردين فرد ،فاذا صاحبت من يرىض عن نفسه
وقد علمت آن الرضا عن النفس آصل لك معصية وغفةل وشهوة .فأي
خري يف حصبة من تأصلت فيه املعايص ،وحتمكت عليه الغفةل ،ورخست
فيه الشهوة .
واعمل آن امس العمل ملن هذا الوصف وصفه جمازا الحقيقة ،والعمل عىل
احلقيقة امنا هو من عرف الطريق املوصل اىل سعادة البد ،واجلهل امنا
134
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
هو لكام غرك ابهلل وصدك عن عبادة هللا ،وقد علمت آن آصل لك طاعة
وعفة ويقظة عدم الرضاء عهنا ،فأين اجلهل ملن تأصلت فيه الطاعة ،
وحمكت عليه العفة ومغرته اليقظة .فصحبة من هذا حاهل آصل لك
اخلريات ،ومجمع املرسات ،ومفتاح الرباكت والسعادات ،وسمل القرابت
،فهو حقيق بأن يتخذ اماما ،ويالزم شهورا وآعواما ،ليرسي اىل
املصحوب براكت حصبته .
وآما من اكن حالته االغرتار ابهلل ،واالعراض عن آوامر هللا ،وانهتاك
حمارم هللا فصحبته آرض الش ياء س امي اذا اكن مرتسام مبرامس العلامء ،
ومزتئي بزئي احلكامء وهو غافل عن عيوب نفسه ،وحمجوب عن حرضة
قدسه ،متطاول يف الالكم متاكلب عىل احلطام ؛ فرضورة حصبته آشد
من رضورة حصبة من مل يرتمس بذ ك الرمس ،ومل يعرف بذ ك االمس .
لن من مل يدع ذ ك ترىج توبته وتعرف هل ولغريه زلته فال يتبع فهيا .
قال االمام ريض هللا عنه يف بدايته :آرض الش ياء حصبة عامل غافل
وصويف جاهل .واصل رضر هؤالء رضامه عن نفسهم مبا مه عليه هذا من
العمل ،وهذا من املنصب واالنتساب اىل آويل الفضائل ،وعبارة املصنف
يف هذا السلوب جعيب اذ جعل الرضا عن النفس آصل للمعايص
الظاهرة والباطنة ،واملعايص آصل الغفةل لهنا حصلت بسبب ظلمة
املعايص .والغفةل آصل للشهوات لهنا نتيجة الغفةل ،فلقد آحسن يف ذ ك
جفزاه هللا خريا .ويل يف ذ ك شعرا :
معايص هللا جيمعها وينتـــــجها رضاك عن نفسك الزوراء ايانسان
الختدعنك يف تزوير غــــــرهتا وكن ذيك الفهم ان احلـــــــر يقضان
135
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
136
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
تدرك عنده رتبة البني ،فهذا شعاع البصرية الفائض من ارشاق نور
الرسيرة .
وآما عني البصرية فهي عني القلب اذلي تدرك به املعارف ومتزي به اللطائف
عن الكثائف ،فيشهد اللطائف آهنا آنوار من آنوار هللا ؛ آما من آنوار
ذاته وآما من ارشاق صفاته وآما من جتليات آسامئه ،وآسامءه وصفاته
وذاته حق ،والكثائف ظلامت عدمية وصورة ومهية .فيتحقق عند ذ ك
رضورة وجود احلق من حيث اللطيفة الوصفية آواالمسية ،آوالقبضة
اذلاتية وعدم وجود هذه الصورة الومهية ،وذ ك ظاهر ابلعيان ،ومشهود
ابلبيان ،ومتحقق ابدلليل والربهان .
وآما حق البصرية وهو نور احلق الظاهر ورسه الباهر وصبح وجوده
السافر فاليشهدك سواه { وقل جاء احلق وزهق الباطل ان الباطل اكن
زهوقا } [ الية 81االرساء ] مفا ذا بعد احلق اال الضالل ،والضالل هو
الباطل العدم فال يشهد بنور احلق سواه ،فهو الشاهد والشهود واملشهود
{ سرنهيم آايتنا يف الفاق } لهل الشعاع { ويف آنفسهم } لهل
العيان وظهور البيان { حىت يتبني هلم آنه احلق }[ الية 53فصلت ] فهنا
تفىن وجود ومه الشأن ،وخترس اللسان ،ويقبض العنان ،وحيقق معىن
قوهل { لك يوم هو يف شأن } فتس تغرق هويته جزئيات العيان ،
وتنطمس عند وجوده امللوان .فاذا ظهرت الحدية وهبت تنويه الثان ،
والبصري ة من حيث يه نور وجودي يقبل االفاضات احلقية ،ويرشق
137
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
شعاعها عىل العوامل اخللقية ،ويه تقابل عامل الشهود من الوجود ،ويه
المانة املعنية .وهللا آعمل .ويل يف ذ ك شعرا :
شعاع نور البصــــــرية يس تضاء به من ظلمة اجلهل من هو سا ك الس بل
بعني مشهدها يعطى مأربــــــــــــــه ويغتين عن عبــــــور الشئ ابملثل
وحق ذاك وجودا اليشاربــــــــــــه وتنطوي دونه اللباب واملقــــــــل
فاذا حتققت ماهو عليه من صفات الكامل ،وآنه العامل بلك حال ،وآن
دليه وعنده من صنوف االفضال مااليدخل حتت حرص مقال ،وهو
متصف به من مجيل الفعال .فالتتعداه املطالب واليرى من غريه
الرغائب ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( التتعد مهتك اىل غريه ،فالكرمي التتخطاه المال )
الكرمي هو اذلي يعط من مل يرىج نفعه والخياف رشه ،واليبال مبن
آعطى والمبا آعطى ،لثبوت غناه عن ايصال املنافع اليه ،وتعاليه عن آن
يدرك كهنه سواه ،آويثين عليه حق ثناه اال اايه .فهو الكرمي املفضال
اذلي التتخطاه المال ،ومل تعرتيه مغريات الحوال .حفيث علمت آنه
كذ ك فالينبغ ك آن تتعدى هبمتك يف حواجئك اىل سواه ،والتقصد
يف همامتك اال اايه .فال لغريه حقيقة وجود يف ذاته وصفاته فضال عن آن
يكون عنده ماتطلب ودليه ماتقصد ،واليرضاك تقصد غريه والتعرض عن
معروفه وخريه .كيف وقد علمك ذ ك ود ك عليه ،ونهبك عىل ماعنده
من عظمي الفضل فقال { وهللا ذو الفضل العظمي } [ الية 74آل معران ]
وذ ك عىل انك اليوحش نك عظمي جرمك وكثري ذنبك ،فهو اذلي اذا
138
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
قدرعفا ،واذا اعتذر اليه قبل وما اس تقىص فقال { آدعوين آس تجب لمك
} [ الية 60غافر] وقال { واسألوا هللا من فضهل } [ الية 32النساء] وقال
{ مفن اتب من بعد ظلمه وآصلح فان هللا يتوب عليه } [ الية 39املائدة ]
وقال { اال من اتب وآمن ومعل معالصاحلا فأولئك يبدل هللا سيئاهتم
حس نات } [ الية 70الفرقان ] اىل غري ذ ك .ومن لطفه بعبده آن جعل
لعباده من لك امس من آسامئه خلقا ،فامحلدهلل .فقل من جتد من آهل
دائرة االسالم مل يتخلق بواحد من آسامئه ،فكل من امسه الكرمي آن تكرم
نفسك وتصوهنا عن رذائل آخالقها ،وتكرهما ابلتقوى ،وتكرم لك عضو
من آعضائك ابحيائه ابلعامل املقربة اىل هللا زلفى ،ويل يف ذ ك شعرا :
ان كنت ترجو دليه الفضل والمل فالتعــــــــــــداه للنساب واحليل
ان الكرمي اذا مانيل مل يــــــــــــنل يعط ويغيض عن االجـرام والزلل
فكيف تعرفه يوما وتبــــــــــــــتذل اىل اخلالئق آوتلجاء اىل العــــــلل
فلام اكن هو اذلي يورد احلاجات عليك كام آنه هيديه الزلفى دليك نعمة منه
لريدك اىل اببه لتقرع بكف الفقر واالضطرار ابب الغىن ،وخزائن العطاء
املودوعة حتت وجود االنكسار واالضطرار .قال املؤلف ريض هللا عنه :
( الترفعن اىل غريه حاجة هو موردها عليك ،فكيف يرفع غريه مااكن هو
هل واضعا ؟ من اليس تطيع آن يرفع حاجة عن نفسه ،فكيف يس تطيع آن
يكون لها عن غريه رافعا !؟)
139
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
الرفع هو الطلب وعكوف اهلمة عىل ابب املرفوع اليه ،آما يف رفع انزةل يف
احلال ؛ آوخوف يف املأل ،آوعطية آودفع بلية .فاذا علمت ذ ك ،
واعطاء نور التوحيد آن الفاعل اال هللا علمت آن وجود املنافع ودفع
املضار آاثر ملؤثرات ،وتكل املؤثرات آما من ظاهر الفعال الظاهرة آاثرها
يف ظواهر العامل والقوال ،وآما من آاثر جتيل الصفات اليت تظهر آاثرها
يف امللكوتيات واملقامات الخروايت .واذا حتققت آن ال فاعل والمؤثر
والحمرك والمسكن والانفع والضار والواضع والرافع اال هللا ،
والموصوف بصفات الكامل والظاهر ابمجلال واجلالل اال هللا ،علمت يقينا
آنه اليرفع مانزل بك سواه ،وعلمت آن غريك مثكل يف جعزه عن رفع
مانزهل ،آوتبديل ماقدره ،مفاجاز عليك جاز عىل غريك ،فاذا مل تقدر
عىل رفع مانزل بك فغريك آجعز .كيف تزنل احلواجئ آوترفع املطالب اىل غريه
؟ آم كيف جيمل بك آن تقيض مطلبا لطلب اىل سواه ،وقد علمت فقر
غريه وثبوت غناه ،وجعز غريه وثبوت عزه واقتداره ،آم كيف تنترص مبن
هو مفتقر يف وجود غناه ؟ ايعحبا آترى يرفع غريه ما آنزهل ؟ آويطلب من
سواه مااليوجد اال يف خزائنه ! ؟ آترى لغريه من القدرة ماليس هل ؟
آويوجد معه من هو ما ك يف وجوده وغائب يف شهوده ؟ ويكفيك من
العتب آن آثبت الباطل مع احلق ،فكيف وقد آثبت الباطل وآمنت به
وكفرت احلق آي سرتته .قال هللا { واذلين آمنوا ابلباطل وكفروا ابهلل
آولئك مه اخلارسون } [ الية 52العنكبوت ] ومن آخرس حاال وآخيب
سؤالا ممن رفع حواجئه مبن هو غافل عن دعائه ،ومتربئا عن والئة .فاذا
140
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
اكنت المور صادرة عنه ،وقد علمت كامل علمه وغناه ،ونفوذ حمكه ،
وآنه الراد لمره والمعقب حلمكه ،فكيف تراك تقصد غريه وهو اليرىض
ذ ك ك ،آليس يف ذ ك غاية اجلفاء وعدم االنصاف وترك املباالة ابجلناب
االلهي ؟! مفا ترجع اىل اببه اال وقد حاولت لك حيةل ،وتلوذت بلك
وس يةل .آترى للوسائل من جلب النفع ودفع الرض ماليس هل ؟ آم تراه
اليسمع بذ ك ويعمل رضاك اال بتذكري املذكرين ؟ كيف وهو اذلي نصب
ادلالئل وآابن الوسائل .هذا العتب اذا غفلت عنه وغفلت بسواه ،ومل
تشهد رس هللا يف الوسائط والوسائل ،واال اذا كنت ذل ك شاهدا وهل يف
المور ذاكرا فالحرج آن تتوسل اليه بوسائهل ،وتترضع اليه بأصفيائه
وخواص آوليائه وشعائره ،ومااحرتم حلرمته فهو اذلي نصب الس باب ،
وعرفك البواب ،فقال { وآتوا البيوت من آبواهبا } [ الية 189البقرة ]
فسامه برا ،وقد علمت ما آمرك آن هللا تشفع اليه وتدعوه به من آسامئه ،
وماعرفك يف كتابه اذا قال { وهلل السامء احلس ىن فادعوها هبا } [ الية
180العراف ] وقد ثبت آن شفاعة النبياء والعلامء لك عىل حسب جاهه
عنده ،لكن بعد االذن يف ذ ك فقال { واليشفعون اال ملن ارتىض } [
141
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وآصل االعامتد عىل هللا حسن الظن ابهلل ،وآصل االعامتد عىل غري هللا
سوء الظن ابهلل آعاذان هللا منه .وحسن ظنك به يلزمك ان مل حتسن
ظنك به لكونه آهل الفضل ،ولوصافه الغىن ،ونعوته الفضال ،فلام
يصل اليك من الالء واالحسان ،وعظم االمتنان ،فذ ك مالزمك عىل
ممر الزمان ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( ان حتسن ظنك به لجل حسن وصفه ؛ حفسن ظنك به لجل معاملته
معك ؛ فهل عودك اال حس نا !؟ وهل آسدى اليك اال مننا !؟)
حسن الظن ابهلل آصل لك خري ،ومنبع لك فضيةل ،وآجنح لك وس يةل .
وبه انل ذوي الفضائل ،واعمتده لك حمقق واصل ،وعنده يكون ك لك
ما آنت آمل ،وتصلح معامةل لك عامل .فاذا آراد هللا آن ينيل عبده
فضيةل ويوليه مجيةل جعل حسن الظن ابهلل هل اليه سلام .
واخللق يف حسن ظهنم ابهلل عىل قسمني ؛ بل آقسام كثرية ،مفن خاصة
وعامة ،ومه آيضا صنوف وآقسام عديدة :فاخلاصة ملا عرفوا ما هو عليه
س بحانه من النعوت العلية والصفات امجليةل ،حس نوا ظهنم به ملا ترحش يف
مشاهد آرسارمه من آنوار صفاته ،وجتليات آلطاف ذاته ،فمل تغريمه
اختالفات العوارض الكونية والالم البدنية ـ مامتكن يف آرسارمه من
لطيف جامهل ،وعيل كامهل .فهؤالء حسن ظهنم به ال لشئ والبشئ ،بل
هو عليه وبه الحبدوث عرض .والعامة ملا مل يشهدوا ذ ك ،ومل حيظوا مبا
هنا ك ولكن حس نوا ظهنم به لكون آايدي فضهل علهيم متواصةل ،ومزااي
بره دلهيم مزتايدة ،ومل يعودمه اال لطفا واحساان وفضال وامتناان .فالولون
مأمونون االنقالب عام مه عليه ،لهنم حس نوا ظهنم اللعةل والبعةل .
142
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ماحقيقة العبد عليه منطوية ،فال آدل عىل سابقة احلس ىن من هللا للعبد
من حسن الظن ابهلل ،واليكون حسن الظن وهو خمالف للمر ومنهتك
للمحارم .وآما اذا اكن كذ ك آي منهتك للمحارم اتراك للوامر فهو زندقة
وخروج عن احلد املطلوب ،فان متادى وتدين به ونبذ آوامر هللا فذ ك
دليل املكر ،فلك من اكن ظنه ابهلل آحسن اكن لمره آحفظ ،وعىل
حمابه آحرص ،ومن مكره واس تدراجه آخوف .وذ ك دليل القرب
اذخاصة املكل آشد خوفا وهيبة من آهل البوادي والقاصني يف آابعد
النوايح .ومع كوهنم آشد اخللق خوفا منه مه آرىج الناس لفائضات
عطاايه ،وآحرامه مبنته ومزاايه ،وهلل املثل العىل وهو العزيز احلكمي .
ويل يف ذ ك شعرا :
حفسن الظن يك حتظى بــه وكــــذا يكون ك لك ماترجو وحتتسب
ان مل تنل من شهود الواصــلني فذا ملا اليك من االنعـــــــام والنسب
فكيف ترجع عن ابب الكرمي اذا قصدته عند فقد احلول والسبب
فاذا آردت حسن كامل الظن ابهلل فعليك يف عامة ليكل وهنارك بتعلق
قلبك بوحدانية هللا ،واس تعامل جوارحك وهجدك فامي يقربك اليه زلفى ،
وابذل الوسع فامي يبعدك من القواطع عنه ،فعند ماتصفوا ك املشارب ؛
وتتحقق ك املطالب ترى يقينا آن لك ماسوى هللا عز وجل مفارقك
ومتخلف عنك ومتربئا منك ،وآن اذلي اليفارقك وال يتخلف عنك هو
س يدك وموالك عز وجل ،وذ ك السوى اكئن مااكن من دنيا وآهل
وآقرابء وآصدقاء .فعند ما يتحقق ذ ك ختلف اللك عنه ،وانفاكك لك
مقارن وعينة لك معاين .قال املؤلف ريض هللا متعجبا بعد حتقق ذ ك :
144
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
( العجب لك العجب ممن هيرب مما الانفاكك عنه ،ويطلب ماالبقاء معه ،
{ فاهنا التعمى البصار ولكن تعمى القلوب اليت يف الصدور } [ الية 46
احلج ]
العجب هو التعجب من حسن الشئ ومن قبحه ،فاذا بلغ غاية احلسن
تعجب من بداعة الصنع وكراهة القابل ،ومن ذ ك " جعب ربك من شاب
ماصبا ،وجعب ربك من قوم يقادون اىل اجلنة بسالسل " .ومن قبح
الشئ اذا بلغ الغاية يف القبح وامحلاقة ومنه ذ ك .م مل يرىض ابلعجب
جمردا بل آكده بقوهل :لك العجب ممن هيرب مما الانفاكك هل عنه وهو هللا
س بحانه الانفاكك للعبد عنه ،فكيف عن من اليظهر وجود يف ممر وجوده
اال به ،ومل تنفك عنه معيته آزال وآبدا ووجودا آولك من سواه من سائر
حمبوابته من مجيع شهواته ومذلوذاته متخلف عنه ومنفك عنه ابملوت ،
وبعوارض آخرى تعرض هل ،وهو اذلي آظهرها هل من خبوء العدم ،م
بعد ذ ك هيرب عنه ويسكن الهيا ،فذ ك دليل عىل معى قلبه وانطامس
نوره .وقد علمت آن نظر القلب يف عواقب المور ومكنوانت املعاين
ومشاهدة العجائب امللكوتية ،والتظهر جعائب امللكوت عىل من سكنت
نفسه اىل الشهوات ،وحارت فكرته يف مرتادف الظلامت ،فاذا هربت
عن من الانفاكك ك عنه ،واس توحشت وطلبت من آنت غين عنه وهو
اذلي يطلبك ،واس تأنست مبن هو عني وحش تك ،ويريد فرقتك ؛
فذ ك دليل عىل انطامس النور ومعى القلب ،واالس تئناس ابملرهوب {
فاهنا التعمى البصار } لن معى البصار مع نظر القلوب قربة وحتفة لهنا
145
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
معينة عىل مجعك عىل نظر القلب ،وآبعد عن التفرقات الشاغةل عن ذليذ
الفكر وخف الفكر .مع ماورد يف ذ ك من جزيل املواهب ونيل الرغائب
،كحديث " من آخذت حبيبتيه وريض عين مفا جزاؤه اال النظر اىل
وهجي " هذا معى البصار اذا استنارت القلوب .والعمى لك العمى هو
آن يعمى القلب عن هللا ،وعن شهود مظاهر آايته وجعائب مصنوعاته ،
ويس تأنس ويس تذل احملرمات ،ويس توطن مواطن الغفالت .فاشارته
ابلقلوب اليت يف الصدور احرتازا عن القلوب املدبرة والظواهر احملجوبة عن
النوار ،التاهئة يف ظلامت الاثر اليت يه مواضع التدبريات ادلنياوية ،
والشهوات احليوانية .فان الصدر هو املشاكة والقلوب املعنية اليت املعول
علهيا يف الكم هللا والكم رسول هللا ،واشارات آولياء هللا يه املصباح ،
فهذه القلوب اليت يف الصدور ،فاذا فقد ذ ك النور وآنكسفت هذه
البدور تؤدي بأهنا التعمى البصار ولكن تعمى القلوب اليت يف الصدور .
ويل يف ذ ك شعرا :
ان العجب منك آن هترب اىل الغري من ابرئ الكون واملوجود يف الثر
لو كنت شاهدت مايف الكون من عرب غنيت ابلقلب عن منظرك ابلبرص
ولو اس تأنست به مل تس توحشك املصائب ،ومل تسرتقك مذلوذات
الرغائب ،ولغنيت عهنا وافتقرت اليك ،ولكن ملا اس تأنست هبا
واس تذلذهتا توحشت عليك واس توعرت ،ونفرت عنك الش ياء لهنا مع
هللا حيث اكن هللا مع عبده ابلعون والنرص والهداية اكنت الش ياء كذ ك
،وحيث اس توحشت من هللا آوحش ته الش ياء آوانفرته وخذلته آحوج
مايكون الهيا .فلام اكنت الش ياء من حيث غرييهتا متساوية يف آنه الينبغ
146
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
للعبد آن يساكهنا وآن يرضاها دون هللا قبح حال من يرحل من كون اىل
كون .فقال ريض هللا عنه :
( الترحل من كون اىل كون فتكون كحامر الرىح ،يسري واملاكن اذلي
ارحتل اليه هو اذلي ارحتل منه ،ولكن ارحل من الكوان اىل املكون {
148
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
قوهل :فانظر ،فالنظر يف آرسار املعاين وبواطن اللفاظ دآب آويل االنتباه
،وهو اول مبادي الفتوح القلبية ،النظر والخذ فيه ابلحسن .وآحسن
ماينبغ آن يدقق النظر وحيرر فيه العرب بعد الكم الكم رسوهل صىل هللا
عليه وسمل ،اجلامع لش تات املعاين ،فال آمجع منه بعد الكم هللا الكما ،
وال آبني منه برهاان .كيف ال وهو صىل هللا عليه وسمل اذلي آويت جوامع
اللكم ،واخترص هل الكون اختصارا .واستشهاده عىل الكمه هبذا احلديث
مريض موافق لغاية املراد .مفن جهرته ؛ الهجرة يه مفارقة الوطن ،وقد
علمت ما النفوس جمبوةل عليه من حب الوطن مبوانسة اجلار والسكن ،
مفا يفارق حمبوبه اال لنيل مطلوب .واملطالب آما مطلب س ين ومراد عيل
،وآما مطلب دين .فاملطلب العيل هو طلب هللا ورسوهل ،وال آعالمن
هللا ورسوهل ،وماسوى ذ ك فهو دين ،وصاحبه آدىن منه ،مفن فارق
حمبوابته واجتنب شهواته فقد هاجرعهنا ،وذل ك قال صىل هللا عليه
وسمل " املهاجر من جهر ماهنيى هللا عنه ،واجملاهد من جاهد هواه " فال
يعد فتح مكة جهرة اال هماجرة حمارم هللا ،ولك عائق يعوق عن هللا .مفن
مل يفارق ذ ك ومل هياجر عام هنا ك مما لمك من واليهتم من شئ حىت
هياجروا .فاذا علمت رشف الهجرة فرشفها حبسب املقصد ،فان اكن هلل
ورسوهل الحلظ عاجل وال جلزاء آجل فنعم الهجرة ،ومن اكن حلظ من
حظوظه دون ذ ك من شهواته فقد خرست صفقته وخابت بيعته وحتققت
عيبته ،مفجمع الشهوات ادلنياوية مجموعها ماذكر يف هذا احلديث ،ويه
ادلنيا والتنعم مبطامعها ومشارهبا ومالبسها ومراكهبا وجاهها ،ومجيع املأرب
العاجةل واحلظوظ الفانية ،وخص ذلة من مذلوذاهتا ابذلكر ،اذ يه
149
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
151
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
والصحبة مع هللا ومع رسول هللا ومع آولياء هللا ومع خواص عبادهللا ،
ومع معوم خلق هللا .
وللك حصبة آدب وحد ،فالصحبة مع هللا يه الصل وعلهيا يبين آساس
ادلين وعامد اليقني .آما آن تصحبه ابمتثال المر واجتناب الهني ،ويكون
نصب عيناك ،وعند مسعك ولسانك ،فتحفظ مااس تودعك ،وترعى
مااسرتعاك يف مجيع آحوا ك وآقوا ك ،فهذا يف حصبة العموم هلل .وآما
حصبة اخلصوص هو آن تفىن عن آفعا ك ،وتغيب عن آوصافك ،فتكن
دليه حارضا واليه انظرا ،وتمنحق بقااي شعورك بذاتك وآنيتك ،وظهور
آثنيتك مع ما آنت عليه من الصحو والقيام بوظائف العبودية ،واالنطواء
حتت توليات الربوبية ،والغيبة عن ظهور احلدثية ،ومضادة الثنوية
بظهور الولية والخرية ،هو الول والخر .والصحبة مع رسول هللا
حبفظ وصيته وحتكمي رشيعته ،وحسن متابعته يف مجيع آخالقه ومنورات
آفعاهل ،وابهرات آقواهل عىل الامتم ؛ اال مااختص به دون غريه .والحتمك
رآيك عىل سنته بل يكون هواك تبع ملاجاء به دون تعقل آوتأمل واجالهل
وحمبته ،وحمبة آحصابه وآهل بيته وموادهتم ،واجالل من قام برشيعته
وحمبة الفقراء ،وايثار الخرة عىل ادلنيا ـ واحياء مشاعر ادلين ،
والنصيحة لاكفة املسلمني ،وعدم الغش ،وتثبيت مااليرىض من القول
والعمل .اىل غري ذ ك مما ال ميكن حرصه ،ولو اكنت اخللق كتااب
والجشار آقالما ،والبحار مدادا من كرمي آحواهل وعظمي آخالقه صىل هللا
عليه وسمل ،وآن حيفظه يف مجيع ما وصل اليك من آمره وهنيه بعد مماته
كام يف حياته ،ليكون ك من الصحبة اخلاصة حظ ونصيب ؟ مفن حفظ
152
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ذ ك آىت يف يوم امجلع بعد طول االشتياق اىل التالق مبزيتني :مزية
الصحبة عىل الغيب ،ومزية اشتياقه صىل هللا عليه وسمل حيث قال "
واشوقاه اىل االخوان ،مؤمنون آخر الزمان " فينال من االكرام رتبة
احلبيب القادم من الغيبة عىل آهل املاكن ،فيالها من بشارة ملن حصب
صىل هللا عليه وسمل من آهل آخر الزمان ،ذل ك ضاعف هل املثوبة ،
وخفف عليه العقوبة ،حيث قال " العامل مهنم كخمسني منمك " قالوا بل
مهنم قال :بل منمك :وقال آيضا يف التحقيق :من معل بعرش ما آمر جنا .
فامحلدهلل .
وآما حصبة آولياء هللا فهي املواصةل املوصةل اىل هللا س امي من مكلت فيه
مظاهر الس نة ،وتوفرت فيه ماكرم الخالق ،واستنارت بصريته وطابت
رسيرته ونرشت دعوته ،وظهرت حمبته ،وانترشت يف القوابل معرفته ،
ومعرت حارضوه بركته ،واكن متجايف عن ادلنيا عاملا مباكمن الهوى .مفا
آرسع تأثريه يف القلوب ،وآكشفه حلقائق الغيوب ،وآوصهل للمحب
ابحملبوب ،وما آعز من يوجد قامئ عىل طريق االس تقامة قدمه ،وراخس
يف علوم احلقيقة ورسوم الطريقة ،يعط لك طالب وفق مزاج حقيقته ،
فهم الطباء اذلين طالعوا عامل الزل بنور مل يزل ،فيزنلون لك من آاتمه
مزنلته ،ويقميونه عىل حسب مقامه ،ويبلغونه فوق مرامه ،فصحبهتم
دوى لمراض الهوى انفع ،ورؤيهتم ترايق لدواء القلوب انجع .فاذا
تنفس مهنم عارف يف زمان ،فبشارة آههل ابلمان ،واملغفرة والرضوان .
فصحبتك معهم بعدم االعرتاض علهيم ابطنا وظاهرا ،وقبول مشورهتم
وتوقريمه واحرتاهمم ،وخترج عن عقكل ونقكل وفعكل وقو ك ،ويكون
153
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فانيا عنك ،مبادرا ملا يأمرون ،حماذرا عام يهنون .مفا آقرب الفتوح اليك
،وآجزل املواهب دليك اذا كنت كذ ك ،متصفا مبا هنا ك .واذا مل جتد
من هو عىل هذه احلاةل ،ومل تظهر بكاملها فال ترتك نفسك تتبطل ،ويف
هواها تتعلل ،ولكن آنظر من االخوان من اتصف بوصف حسن فال
تس تقهل فانه ما آعط وصف مريض اال وهو عند هللا مريض .وان مل
يبلغ الكامل ،ومل يظهر عليه عالمات الوصال ،ومل تلوح عليه سامت
الولياء وعالمات البدال .فيكون ك عىل آمرك معينا ،ويف همامك
قرينا .واخلطاء عىل االثنني آبعد منه عىل الواحد لكن تراع فيه ادلين
والعقل واملروءة والزهد والمانة وحفظ الرس ،وآن اليكون آمحق
والفاسق والكذاب والجاهل .ولو آن يتصف ببعض هؤالء الوالت ،
وجيتنب بعض هذه املذكورات .مفا ترك البعض اال ملا عنده من االميان
واال فعل البعض ،آي اتصف اال ملا عنده من االميان وبرشطه آن يرتك
املهني عند تيسري فعهل ،ويتصف ابملأمور مع تيرس ضده ،واال اكن
عاجزا الاتراك والمتصفا .فهذه حده وآدب حصبتك معه اذا آشار بأمر
الينقضه عليك العمل آن تمتثل مشورته ،فف املشورة بركة ،حيث اكنت
ممن اكنت ،واحلرص عىل حفظه وايثاره يف الس باب ادلنيوية ،وتنهبه
عىل املعايب ابلتلطف وترك مماراته ،ورعايته بعد موته يف ادلعاء هل ،
وبرآهل مودته اىل غريذ ك من وجوه الرب .
وآما حصبة عامة اخللق مفع اجلهال ابلتعلمي وترك ادلخول يف مداخلهم ،
وحفظ العني عن النظر اىل آفعاهلم ،وصون السمع عن سامع آراجيفهم ،
وعدم احلضور يف حمافلهم اال مااكن خريا ،والتحرز عن االجامتع هبم لغري
154
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
رضورة ،وادلعاء هلم بظهر الغيب ،واالهامتم ملهاهمم ،وسرت مساوهيم ،
وعدم التكرب علهيم والتضجر ملا جيري من سوء آخالقهم ،وآن تنظرمه
بعني الرمحة والشفقة ،فهذه حصبة عامة اخللق ،والنطيل يف ذ ك .ولو
ذهبنا نبتغ طبقات اخللق لطال بنا ،وقصدان رشح الكم املصنف ويف
ذ ك كفاية .
وللصحبة رشائط وضوابط ،مفن الضوابط آن تكون هلل ال لعةل والبعةل ،
بل يكون االجامتع عليه والتفرق عليه .ومعىن التفرق عليه آن يفرتقا ومه
جممتعني عليه ،مل تعرتهيم عام مه عليه احلوادث .وآمه الصحبة حصبة من مل
يفارقك يف حياتك وموتك وخلوتك ويقظتك ونومك ،لكن مل تصل اىل
حسن الدب معه اال بصحبة رسوهل صىل هللا عليه وسمل اذ هو آعرف
ابلدب معه ،ومل تصل اىل حسن الدب مع رسول هللا صىل هللا عليه
وسمل اال ابلتأدب بأداب آولياء هللا الوارثني حماسن آخالقه :السادات
العارفني والعلامء احملققني ،فبالتأدب بأداهبم تصل اىل التأدب بأداب رسول
هللا ،وابلتأدب بأداب رسول هللا واقتفاء آاثره والتخلق بشامئهل تصلح
المور مع هللا .ولو اكن االنسان يدرك مقام الصحبة مع هللا من ابتداء
نشأته ملا رشع حصبة نيب والويل ،ولكن هللا بلطيف حمكته جعل ودائع
الرتبية االلهية يف الوسائط اخللقية ،وجعل الوسائط اخللقية اكحلقيقة
النبوية ؛ ظاهرها من عامل املكل واخللق ،وابطهنا من عامل امللكوت .
واحلق ذل ك قبلت احلقائق بباطهنا وآدهتا اىل اخللق بظاهرها ،فقبلت
اخللق مايلقى الهيا من احلقائق امللكوتية بواسطة ظواهر خلقة النبياء
االرسالية .لن احلقائق ولو جتردت لعامل اخللق من غري واسطة مل يكن فهيا
155
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
آهلية لقبولها ،فأدهتا الهيا ماهو ظاهر من جنسها { لقد جاءمك رسول من
آنفسمك } [ الية 128التوبة ] واعطاء لك قابلية مايليق هبا " آمرت آن آلكم
الناس عىل قدر عقوهلم " وهذه اجازة الولياء بقدر آنصبهتم من الوراثة ،
والعلامء ورثة النبياء .فتحقق آن الوارث من آخذ علمه من حيث آخذ
مورثه ،وهو من آخذ العلوم العن تعمل بل يأخذها عن هللا ،وان جرت
هل لسان معمل آخذه عنه كخذ رسول هللا صىل هللا عليه وسمل عن جربيل
صىل هللا عليه وسمل ما آدى اليه اال ما قد علمه هللا حقيقيته ،ذل ك اكن
صىل هللا عليه وسمل يسابق جربيل يف التالوة حىت آنزل هللا عليه {
والتعجل ابلقرآن من قبل ان يقىض اليك وحيه } [ الية 114طه] وهنا رس
دقيق ومشهد رقيق يفهمه ذوي التحقيق من لك مقرب صديق .فلو
آخذان يف كشف هذه النوار وحتقيق هذه الرسار لثار اثئر االناكر من
طوائف الغامر ،وال اس تطار من ظلامت النفوس رشر وكثيف خبار .
ولكن هللا حد للك قوم الكم وللك انس مقام .
وآما رشائط الصحبة اذا اكنت هلل آن اليزيد عندك بطاعة والبيقني هبفوة
لن هذه علل ،وقد علمت آن الصحبة هلل اللعةل والبعةل .ومن رشائطها
ما آسلفناه يف آول الالكم عىل هذه احلمكة .ويل يف ذ ك شعرا :
من التد ك عىل هللا مقـالــــته وليس يهنضك منه احلال يف اهلمم
التصحبنه فال ترىج سالمته ان البال حصبة اجلايف الغيب الفـدم
فلام اكن فائدة الصحبة اخلروج عن آوصاف برشيتك اال برؤية قصورك
عن آحوال الرجال ،ومل تر قصورك وظهورفتورك وانطامس نورك اال عند
156
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ارشاق آنوار البدال الاكرعني مناهل احلمكة املتبوئني منازل الوصال ،
املمتكنني يف املقامات واملترصفني يف الحوال ،فعند رؤيهتم والتعلق بأذايل
سريهتم ،يتبني ك قبح ما آنت عليه من االغرتار ،وما آنت متلبس به
من آخالق الرشار ،فصحبهتم تريك قصورك ،وترفع بك عن حضيض
تعرثك مبحبطات برشيتك وكثائف س تورك .وآما حصبة من هو دونك يف
املقام ،ومل خيرج عن رق العادات ،ومل حيظى بصفو العبادات ،فهو
دليل البعد عن التأهل لالرادة ،وآبعد عن درك السعادة ،ذل ك قال
املؤلف ريض هللا عنه :
( رمبا كنت مسيئا فأراك االحسان منك حصبتك اىل من هو آسوآ حاال
منك )
رب تأيت للتعليل غالبا كنت رمبا كنت مسيئا يف حا ك خملطا يف آفعا ك
مقرصا يف آعام ك ،فأراك احسانك ورفعة شأنك ،وعلو ماكنك عىل
آقرانك ،وظهور نفسك يف طول لسانك وبذل بنانك ،من هو آسوآ حاال
منك ،فرتى قصوره عن مقامك وهجهل بالكمك ،فتغرت بذ ك وتظن
آنك قد حصلت من الطريق عىل شئ .فأكرث ما توقف الطالبني وتعرتي
السالكني هذه الفة اجلامعة لفات الحتىص ،وهما ك التس تقىص .ولو
اكن مميوان واىل الهناية مطلواب ملا سلط عليه الرشار وجحب عنه
الخياروقنع بزخرف هذه ادلار ؛ من رفع الصيت وظهور املنصب
واالش هتار .وريض عن حصبة احملققني مبجالسة البطالني .مفا آعظم
مصيبته وما آشد بليته ،آعاذان هللا من سوء القدر ،والوقوع يف مصائد
احلذر .فنسأل هللا آن يعافينا من هذه البلية وسائر البالاي يف ادلين .
157
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ويلطف بنا ولنا يف لك حال ،ويوالينا بسائر آنواع املنن وتزايد النعم
واالفضال ،ويل يف ذ ك شعرا :
فرمبا رآيت ممن دونــــــك احلس نا ولو حصبت الرجال السادة المـــــنا
ملا اغرترت بظن فيك قد مكـــــنا يريك آنك فوق ادلون حني ثــــــــنا
فلام اكن الزهد عزوف القلب والتجايف عن املزهود فيه ملاهو آرشف منه
حسا آومعىن ،واكن منبع العامل وقطب رحاها هو القلب لن القلب
مدار النيات ،والعامل ابلنيات اكن حقا آن يزنه ويصفا عن مكدرات
الشغال ،لتصلح العامل وتزكوا الحوال ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا
عنه :
( ماقل معل برز من قلب زاهد ،والكرث معل برز من قلب راغب )
العامل مقاديرها حبسب صفاء القلوب ،وطهارهتا عن شوائب العيوب .
فقلوب الزهاد صافية ،وآحواهلم وافية ،فأعامهلم كثرية ،وآحواهلم مس تنرية
.فأي قةل يف معل خرج حمفوفا ابلنوار ،ساملا عن الكدار ،بنس بة قلب
طاهرذا نورظاهر .ومعل الراغبني حبسب ماقلوهبم متلبسة من ظلامت
الشغال ،وتكدير الحوال ،مبصائب املال والعيال .فال ياكد يصفو قلبه
ساعة ،والتزكو هل طاعة ،والزهد منه واجب ومندوب .وزهد اثلث
لهل املقام الثالث فالواجب يف احلرام واملندوب يف الش هبة والفضول ،
والثالث هو الزهد يف الزهد هو آن يكون يف الش ياء بالاختيار ،ويدخل
يف الس باب مبسبب الس باب ،واليكون ذ ك اال ملن آحمك مقام البقاء
بعد استيفاء مقام الفناء حقه ،فريجع اىل الش ياء ابهلل بعد آن خرج عهنا
هلل .فالزهد عىل حسب تفاوت مقاماهتم تكون زاكة آعامهلم وصفاء آحواهلم
158
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
،فأعامهلم مأمونة عن دخول القوادح فهيا والشوائب دلهيا ملا مه عليه من
االعراض عن الغيار ،والتعلق ابهلل يف مجيع حراكهتم وسكناهتم فال يزنع
قلوهبم اىل غريه ،والترسح مهمهم اىل سواه ،والراغبون الينفكون عن
الشوائب ودخول الفات علهيم ملا مه عليه من التعلق ابلغيار ،وطلب
العراض يف سائر احلراكت ،ذل ك قل مايصدر عهنم لعدم االخالص فيه
هلل ،وكرث آعامل الزهاد وان اكن قليال خللوصه عن الشوائب اليت يه
سبب عدم قبول العامل :اكلرايء والسمعة وحب الثناء وطلب العلو
واالجعاب وغري ذ ك من رذائل الوصاف وقبح الحوال اليت يه نتاجئ
حب ادلنيا ،فاذا اكن رغبة ادلنيا يف القلب قل آن يسمل معل وان خرج
حب ادلنيا عن القلب خلصت منه النيات ،وصفت احلاالت وتزكت
الحوال وبورك يف الوقات .فاذا حصل زهد وعمل ومعل فقد اس تمكل
آنواع اخلريات ،وتوالت دليه صنوف املرسات والرباكت ،فلو وزنت يف
جنب معهل آعامل سائر آهل العبادات خلفت يف جنب معهل .ويل يف
ذ ك شعرا :
ماقلت آعامل ذو زهد وذو ورع والبكرث العمل مقرون ابلعــــــلل
فليس راغب يف ادلنياء مكــــرتع موارد القرب ذي يه خانه العمل
فلام اكن متعلق الحوال القلوب ،ومتعلق العامل اجلوارح ،وقد علمت
آن الصاةل للقلوب يف ظهور العامل ،فالعامل نتاجئ ،والحوال آصول ،
وحبسب الصل تظهر النتيجة ،وحسن احلال حبسب ماينازهل احلق من
املقامات يف العلوم الوهبية .قال املؤلف ريض هللا عنه :
159
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
من الرتاب بأجساد علهيا نور البقاء مرشق ،رىم اذلكر آوزارمه فوردوا
القيامة خفافا ،قائلني " امحلد هلل اذلي آذهب عنا احلزن " آوكام قال .
ويقال :آن رفع الصوات ابذلكر حيل ماعقدته الفالك ادلائرة وغري ذ ك ،
فاذا عرفت فضيةل اذلكر وعظم شأنه عىل سائر العبادات كنك تقول :قلمت
فامي تقدم آن العمل ابللسان دون القلب الجدوى هل والطائل مفا ذا يغين
معل بالجدوى ،فاترك العمل رآسا ،يقال هل :الترتك العمل لعدم
حضورك مع هللا فيه ،لن هللا يكون جليس جارحتك اليت ذكرته هبا ،
فأوىل بك آن يكون ك مع هللا جمالسة ببعض آعضائك وان ختلفت بقية
آعضائك من آن تنسد آبواب سائر آعضائك وقواك ،فاذا واظبت عىل
ذ ك وآدمت قرع الباب حفري آن جتاب ،لن غفلتك عن اذلكر ابللكية
دليل عىل طمس حقيقتك وقطع وثيقتك ،فهذا آشد من كونك ذاكر غري
حارض .فكونك غري ذاكر آشد بعدا من كونك ذاكر غري حارض ،فاذا
كنت ذاكر غري حارض فقد ثبت ك امس اذلاكرين ،ودخلت يف غامرمه ،
ومه القوم اليشقى هبم جليسهم كام ورد :آن هللا يبايه املالئكة ابذلاكرين
فيقول " ماتركمت عبادي ؟ فيقولون :يذكرونك وحيمدونك ،فيقول :وماذا
خيافون وماذا يرجون ومايريدون ؟ فيقولون :خيافون النار ويرجون اجلنة
ويريدونك ،فلكام قالوا خصةل قال :هل رآوها آوهل رآوين ؟ فيقولون ال !
فيقول :آرآيمت لورآوها ؟ قالوا :لاكنوا آشد شوقا اليك وخوفا من النار
وطمعا يف اجلنة ،فيقول هللا هلم :آشهدمك آين قد غفرت هلم ،فيقولون :
ان فهيم فالان مل يأت اال حلاجة ؟ فيقول هللا :مه القوم اذلي اليشقى هبم
جليسهم ،آوكام قال .شعرا :
161
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
162
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
163
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
164
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
واالميان النازل من سامء الرس يسمى امياان وبه حياة تكل الرض واهزتازها
،وهل عالمات تظهر عىل الراكن القلبية والصفات النفسانية ،كام تظهر
عىل وجه الرض نتاجئ املطر من حياة الشجر وظهور المثر ،وموته آيضا
هل عالمات ؛ مفوته خيلوه عن االميان .ومعىن آنه ميت آومظمل آومعدوم ،
فاذا خيل عن االميان مات ،ومعىن مات عدم ،اذ حياته ابالميان ،
وعالمة موته عدم احلزن وهو ضد الفرح ،اذ لواكن حيا حلزن عىل فوات
املوافقات لهنا قوامه ،وفهيا راحته وفرحته لهنا دليل الرضا عن هللا ،
وذ ك غاية مطالب املؤمنني ورضا رب العاملني ،وعدم الندم عىل فعل
اخملالفات دليل عىل موته ؛ اذ يه من مؤملاته لن فهيا البعد عن هللا
والسخط من هللا .وآي آشد عىل االميان من ذ ك .فاذا مل يتأمل بذ ك دل
عىل موته ،لن امليت الجيد آمل املؤملات وذلة املالمئات .ويف الفرح
ابملوافقات من حيث دليل الرضا من هللا عىل عبده ،ووجود الروح
بعدم اس تعامهل يف اخملالفات آيضا يس تلزم ذ ك ،لن يف احلديث " من
رسته حسنته وساءته س يئته فهو مؤمن " دليل عىل وجود االميان وحياة
القلب .
ومن فوائد احلزن عىل فوت املوافقات االنبعاث يف االتيان هبا ،وعالمة
الندم عىل فعل اخملالفات شدة احلذر من الوقوع فهيا والتباعد عن
الس باب املوصةل الهيا ،وليس آنه حيزن ومل ينبعث يف الطلب ،وال آنه
يندم واليتباعد عن العطب .ويل يف ذ ك شعرا :
حياة قلبك ابالميان تعــرفها اذا رسرت بفعل املريض احلسن
وضد ذ ك اليدري ترصفها يف آي فعل خيالف واحض الســنن
165
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فاذا عرفنا آن احلزن عىل فوات املوافقات هو االنبعاث عىل فعلها ،والندم
عىل اذلنب تركه ؛ ال المن وال القنوط .ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه
:
( اليعظم اذلنب عندك عظمة تصدك عن حسن الظن ابهلل تعاىل ،فان
من عرف ربه اس تصغر يف جنب كرمه ذنبه )
اليعظم عند العارف شئ وان اتسع ظهوره ،لن هللا س بحانه هو الظاهر
بأوصافه وبواهر آايته ،واذلنب آثر من آاثرقدرته وحمك من آحاكم مش يئته
.واذلنب اذا قرنته بعظمي فضهل ومعمي كرمه رآيته الكشئ ،واذا عرفت
ذ ك فاعمل آن اس تعظام اذلنب عىل وهجني :آحدهام حياء وهيبة من
عظمة هللا وخوف وبيل عقاب هللا ،ولكن هللا بعممي فضهل قد وعد
ووعده احلق ؛ التائبني ابملغفرة ،وآحتفهم ابحملبة ،وبني هلم طرق ذ ك ،
وآن ذ ك اذا رجعوا اليه ابلتوبة واالنكسار اليرضمه .فاذا العظمة احلامةل
للعبد عىل التوبة والرجوع اىل هللا محمودة ،ويه دآب املؤمنني وآاكبر
العلامء وخواص املقربني ،واس تعظام اذلنب رشط من رشائطها ،اذ هو
احلامل لها عىل الندم والعزم عىل آن اليعود اىل مثهل .وآما اس تعظام
يفيض بصاحبه اىل القنوط واليأس من رمحة هللا فهذا اس تعظام مذموم ،
وصاحبه ملوم ،لنه جبههل اس تعظم الثر عىل املؤثر ،وكيف تس تعظم
ذنب آوغريه مع وصف هللا س بحانه ،اذ وصفه الكرم والفضل ! كيف وقد
وقد علمت آن اذلنب مظهر آوصاف فضهل ومشول رمحته وعفوه ،فاذا مل
يعيص فعىل من تظهر آوصاف الكرم ومشول الرمحة وعظمي العفو .ويف
احلديث " :لو مل تذنبوا ذلهب هللا بمك وجلاء بقوم يذنبون فيس تغفرون هللا
166
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فيغفر هلم " ويف احلديث آيضا " اذا آذنب العبد ذنبا فقال ايرب اغفريل ،
يقول هللا تبارك وتعاىل ،عبدي آذنب ذنبا عمل آن هل راب يغفر اذلنب ويأخذ
ابذلنب ،اذهب فقد غفرت ك ،فافعل ماشئت " آي مادمت تذنب
فتس تغفرين ،فاان آغفر ك .ويف احلديث القديس " ابن آدم لو آتيتين
بقراب الرض خطااي ومل ترشك يب شيئا لتيتك بقراهبا مغفرة " وقراهبا
مالها آومايقارب مالها .والتائب راجع اىل ربه مدبر عن نفسه منكرس
مفتقر ،وهذه آخص آوصاف العبودية .وآما اذا مل حيمهل عىل الرجوع اىل
هللا بل بق مرص عليه غري مزنجر عنه ،ومس تخف ابذلنب وحمتقره ،
ومس تكرث مايظهر عليه من الطاعة ومعجب هبا فهذه آوصاف املنافقني ،
لن املؤمن يرى ذنبه اكجلبل خياف آن يقع عليه ،واملنافق يراه اكذلابب
قال به هكذا عن وهجه ،كام ورد ذ ك عن ابن مسعود ريض هللا عنه .
وما يعامل هللا به آهل االنكسار من الكرم آعظم من طاعاهتم ،ومايعامل
به آهل اليأس والقنوط آعظم من سيئاهتم ،حفسن الظن ابهلل وان كرثت
اخلطااي وعظمت البالاي بشأن آهل االميان وضده شأن آهل الكفر
والطغيان .
يروى آن بعض اخلطائني ملا حرضته الوفاة آوىص اىل آمه اذا آان مت
فالتعلمني يب اجلريان فاهنم يشمتون مبويت ،وهذا خامت مكتوب عليه الاهل
اال هللا اذا مت فاجعليه يف انحية قربي لعل هللا يرمحين ،واذا مت
فضع رجكل عىل خدي وقويل :هذا جزاء من عىص هللا ،واذا مت
فابهتيل اىل هللا وقويل :اللهم اين رضيت عنه فارض عنه .قال الراوي :
خفرجت من عند آنس بن ما ك ابلبرصة فاذا جبنازة حيملها آربعة من الزجن
167
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وامرآة تتبعها ،فقلت :س بحان هللا جنازة يف البرصة حيملها آربعة من
الزجن لكونن خامسهم ،فدنوت فقلت هلم :تقدموا وصلوا علهيا ،قالوا لكنا
فهيا سوى امنا حنن اس تأجرت حنن هذه املرآة ،فتقدمت فصليت علهيا ،
فلام فرغنا من دفنه اذهبذه املرآة قد حضكت ومحدت هللا وآرادة االنرصاف
،فقلت لها :الينجيك اال الصدق ؛ مم تضحكني ؟ فأخربتين اخلرب ،
قالت :ففعلت مجيع ما آوصاين به ،فلام دفن مسعت صواتال آشك فيه آنه
صوته يقول :اذهيب اي آماه قدمت عىل رب كرمي راض غري غضبان .
فانظر رمحك هللا معاملته مع آهل االنكسار اذلين مل تصدمه عنه كثري
اجلرامئ والوزار ،بل اكن اعامتدمه عىل كرمه وعظمي عفوه ،وقاموا مقام
الذال البائسني بني يدي املوىل الغين الكرمي احملسن الرب الرحمي .مفاذاترى
مايكرم به من آاته بذلته وانكساره ،وخضوعه واس تاكنته وافتقاره ؟ ويل
يف ذ ك شعرا :
كرثن منك خطيات وآوزار فال يصدك عن ابب الكـرمي وان
اكنت عظام فان الـرب غفار فليس يعظم عند العفو ذنب وان
فاذا جتىل بفضهل صغرت الكبائر ،وان واهجك بعدهل عظمت الصغائر .
قال املؤلف ريض هللا عنه اكملفرس ملا آسلفه يف هذه احلمكة :
( الصغرية اذا قابكل عدهل ،والكبرية اذا واهجك فضهل )
الصغرية من اذلنب لكام كفر ابلطاعات عند آهل الفروع ،والكبرية لكام
آوجبت حدا آونص علهيا الشارع ،وبيهنام آوساط للنظر فهيا جمال .وعند
آهل الصول آنك اذا نظرت اىل كربايء من عصيت اكنت لكها كبائر ،
والدةل الرشعية تفضل وحتد للك حد .وحيث علمت آن الصغائر يه
168
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
اليت تكفر بفعل الطاعات وابلتوبة اجملمةل .وعلمت آيضا آنه اذا حصل
االرصار عىل الصغائر حلقت ابلكبائر ،وآنه آيضا اذا قابكل بعدهل اكنت
صغائرك كبائر عىل ما قاهل من قال :عند نظرك كربايء من عصيته تصري
كبائر ،واذا تفضل عليك ابلتوبة واحسان العمل واصالح اخللل وجتىل
عليك بوصف الفضل صغرت الكبائر ،وصارت يف جنب العفو كغربة يف
رمال ،وقطرة يف جنب حبار ،بل آقل من ذ ك وآحقر ،بل الشئ .
وعرب ابلعدل ابملقابةل ،لنه اذا قابكل ابلعدل كفاك ،وآوبقك آقل شئ من
اذلنوب ،واس تغرق طاعاتك آقل شئ من النعم واملواهجة من االكرام ومن
قبيل االنعام .فاذا آحب هللا عبدا تقبل حس ناته وادخرها ،وحمى سيئاته
وغفرها .واذا آبغضه وانقشه آحىص قباحئه ،وعدد عليه فضاحئه ،وفتش
عليه يف العمل ،وبنث من حس ناته مواضع اخللل ،فيس تقيل مهنا كام
يس تقيل من السيئات ،ويس تغفر مهنا كام يس تغفر من الهفوات .ويل يف
ذ ك شعرا :
صغرية مثل شفاف عىل حدب ان واجه الفضل صارت لك معصية
صغرية مثل آعظمـها يف النسب آوقابل العدل عادت لك معصــــــية
فاذا اكن اعامتد العبد عىل فضل هللا تعاىل وكرمه صغر عنده لك شئ دون
ذ ك ،بل اذا اس تحمك رؤية الفضل آمثر رؤية املفضل الكرمي ،وعند
رؤية الوصاف الزلية تضمحل الصفات البرشية ،فضال عن آن يكون لها
معال آوعلام آووصفا ،فعند ذ ك تزكوا آعامل العبد ويفيض عىل القلوب
آنوارها ،وتكىس الحوال آرسارها ،وتنشط اجلوارح والقوى ،ويصحو
من سكر الهوى .وذ ك مثرة غيبة العبد عن كونه عامال فيكون اكلةل يف
169
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
170
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فلام اكنت الواردات تبعث عىل الهنوض وتعني عىل آداء النوافل والفروض
،اكن ايرادها عليك من هللا لتكون عليه هبا واردا اللتكون عنه شاردا .
ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( امنا آورد عليك الوارد لتكون عليه واردا )
امنا ؛ لكمة حرص يريد امنا آورد عليك الوارد سواء اكن ذ ك الوارد من
قبيل املالمئات ورضوب املرسات اكلنعم وصنوف الطاعات ،لتكون عليه
وارد من طريق الشكر وشهود املنة ،آومن املؤملات واملنغصات وسائر
وجوه التعرفات لتكون عليه واردا من طريق الصرب ،آوآورد عليك وارد
من طريق الحوال ؛ اكلرجاء واخلوف والقبض والبسط والهيبة والنس ،
لتكون عليه وارد ،فالرجاء بزايدة العامل وحسن الخالق وصفو
الحوال واخلوف لرتد عليه من طريق الفرار من اخملالفات واحلذر من
الوقوع يف الهفوات .آوآورد البسط لرتد عليه من ابب الدب واالنكامش
،آوآورد عليك وارد القبض لرتد عليه به من ابب االلتجاء وصدق االفتقار
ووجود االضطرار ،آوآورد عليك وارد النس لتكون وارد عليه من
طريق الفناء حتت مرشقات امجلال فارغ الرس عن سائر الشغال ،آوآورد
عليك وارد الهيبة لتتالىش وتضمحل عند ظهور سلطان اجلالل ؛ فانيا
عن سائر املقامات والحوال ،فقري عن العامل .وغري ذ ك من رضوب
الواردات لرتد عليه هبا اللتقف معها دونه .فالوقوف معها آما غرور وآما
دعوى وزور،عافاان هللا من الفنت يف ادلين .
ومراد املؤلف رمحه هللا ابلوارد ؛ الوارد العرفاين والفيض الادين االمتناين ،
وما آورد عليك اال ليصح ك دخول حرضته ،وتمتىش ك آفعال خدمته
171
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
،ومل يورده عليك لتنصب نفسك وتظهر به عىل اخللق لتس تقمي اجلاه ،
وتنال به احلشمة والتقدمة ،فهذه لكها وماحنا حنوها من حمبطات العامل ،
شاردة بك عن اببه ،وجاحنة بك عن جنابه .شعرا :
فلك وارد اليدخل بصاحــبه عىل االهل فان املكر يصحبه
فرد عليه مبا اختصيت جانبه فذاك مل به كامي يقـــــــــــــربه
وامنا آورد عليك من آحسن عطاايه وآفضل مواهبه وهداايه اال
ليس تخلصك ويس تفديك من رق الغيار وظلامت الاثر ،فال تعود الهيا
بعد آن آخرجك عهنا مس تحقا لصناف العقوابت وآنواع الناكل ،لنك
رجعت الهيا بعد آن اس تخلصك مهنا ،واس تخرت عليه بعد آن اس تخارك
.والخيفى مايف ذ ك من قل الدب معه .ذل ك قال املؤلف ريض هللا
عنه :
( آورد عليك الوارد ليس تعمكل من يد الغيار ،وحيررك من رق الاثر )
آورد عليك مواهب قدس ية ليخرجك من مضايق حس ية ،آورد عليك
عطائه ليشهدك كرمه ووفائه ،آورد عليك الواردات ليس تلمك من رق
العادات .فالغيار اس تأرستك عن سعة التوحيد وروح التفريد ،
وجسنتك يف مضيق التعديد ،وقهرتك الاثر عن شهود النوار ،
فاسرتقتك واس تعبدتك مبا فيك من الطمع فهيا والركون الهيا واالقبال علهيا
،فتداركك بلطيف فضهل ومعمي كرمه ،فأورد عليك من آنواره ،وآنزل
عليك آرساره ،واس تخلصك خلدمته ،ومن عليك مبحبته .جفذبك من
بني آعدائك ،وآوالك فضهل وامتنانه ،وعرفك قبح ادلنيا وفناء الش ياء ،
فافتداك وجعكل هل عبدا خالصا بعد آن كنت بني تشاكس ادلواع
172
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
173
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فهذا الالكم يشري اىل معىن واحد .م آخذ يف تعبريه بقوهل :
( النور جند القلب كام آن الظلمة جند النفس ،فاذا آراد هللا آن ينرص
عبده آمده جبنود النوار ؛ وقطع عنه مدد الظمل والغيار )
النور هنا عبارة عن وجدان احلق آما بعمل اليقني آوبعني اليقني آوحبق
اليقني ،ذل ك وحد امس النور م عدد مظاهره فقال :جنود مجع جند ،
مفن تكل اجلنود الواردة عن طريق العمل وهو آضعفها تأثريا يف قهر العدو
ومقع الهوى .ومهنا الوارد بطريق العني وهو آقوى من الوارد بطريق العمل
يف التأثري يف ذ ك وآضعف ابلنس بة اىل احلق .فاحلق اليبق للباطل
وجود ،والعني اليبق للشك جمال .والعمل ينف الرشك واجلحود ،والعني
تكسب الفناء يف الشهود ،واحلق يلحق ابلبقاء الرسمدي .فهذه جنود .
ويف لك مرتبة من هذه املراتب تعداد مقامات وس ين حاالت ،واجلنود
يه آراكن اململكة العظم ،فالينتظم آمر اململكة االنسانية بدونه .
فاململكة االنسانية قرصها العظم القلب ،وسلطان تكل اململكة االميان ،
ووزيرها العظم العقل وبوابه العمل ،وريئس اجليش اذلكر .والتغاير بني
تعبريان ابالميان عن القلب وبني عبارة املصنف رمحه هللا تعاىل ابلقلب .
وعرب ابلقلب اذ هو املكل اذا اعترب كون القلب املعين النور الرابين ابالميان
ليمتزي عن القلب اللحم .وعربانابلقلب اللحم بأنه قرص املكل لتعرف
القلب اذلي نسبته اىل هللا ،والقلب اذلي نسبته اىل العبد ،ووزيره
العظم التقوى ابلنور ،وسالحه الزهد ،وترسه ودرعه الورع ،وحامكه
الس نة ،وخدامه احلواس ،ومطاايه العزامئ ،وخيوهل اهلمم .كام آن جند
النفس الظلمة ،ووزيرها العظم الهوى ،وقائدها الش يطان ،وحامكها
175
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فالعمل هو جنوم ليل هذا القلب ،والعني مقره ،واحلق مشسه ؛ وان قلت
النجوم رشيعته ،والقمر طريقته ،والشمس حقيقته .فاذا كشف عن عني
القلب ظلمة اجلهل بأي نور من هذه النوار آبرص ما انطوى عليه املقام
من الرسار ،فذل ك حيمك به فال يدخهل شك والميرتيه تردد .فاذا اكن
كذ ك اكن للقلب االقبال عىل حمك بصحته ،واالدابر عام حتقق بطالنه ،
وتبني ضاللته .فالقلب كشخص قامئ وهل آوصاف ش ىت ،فاملوصوف
بترصف الوصاف هو الشخص جبملته الالصفة جمردة عن آداهبا ،والقلب
آيضا مسع وحياة وقدرة وارادة وعمل والكم ،فهو الواسطة بني املكل
وامللكوت .فالصفات اخللقية تس تنشق من وراء هذه الصفات القلبية ،
والصفات القلبية واهجة ،ومقابهل الصفات الزلية .ذل ك اكن هل االقبال
عىل هللا واالدابر من حيث مايفيض عنه اىل عامل اخللق .
ولو آخذان نبني لك صفة وماتقبهل ومايفيض عهنا عىل الصفات اخللقية
القالبية النكشف رس حنن بصدد صونه عن االذاعة ،لن القوابل التطيق
سامعه ،ويف االشارة اىل ذ ك كفاية ملن فتح عني بصريته ،واطلع بشمس
رسيرته ،ويل يف ذ ك شعرا :
النور يفتح ابب القلب ابملدد ويف البصرية يظهر رسه الصمد
فلام اكنت الطاعات ابرزة عىل الظواهر مااس تنشقته القلوب من الرسائر ؛
يفرح هبا من وهجني :وجه من حيث كوهنا من هللا ،ووجه من حيث
كوهنا منك .ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
177
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
( التفرحك الطاعة لهنا برزت منك ؛ وافرح هبا لهنا برزت من هللا اليك
{ قل بفضل هللا وبرمحته فبذ ك فليفرحوا هو خري مما جيمعون } [ الية
58يونس] )
الفرح هو ابهتاج القلب بأمر محمود عاجال وآجال ،وفرح اجلهال ابلمور
العاجاةل ليس هو من هذا القبيل ،لكن الفرح هنا ابلطاعة عىل رضبني :
آما بوجودها من حيث يه طاعة ومتوبة وسالمة من عقوبة ،المن حيث
آنه آبرزها من خزائن فضهل ،فذ ك فرح احملجوبني ،والعامة اجلهال
الغافلني .ذل ك هنيى املؤلف رمحه هللا عن الفرح هبا من حيث كوهنا برزت
منك ،لنك التفرح اال مبا تيقنت بقاءه ،ومىت تتيقن براءة آعام ك من
مفسداهتا والقوادح فهيا واخالصها .وآعظم من ذ ك آنك جحبت هبا معن
آبرزها ،فلو كنت ذا كشف واهتداء لرآيت من آهلم ذ ك وآعان عليه
ووعد ابجلزاء .فاذا كنت كذ ك ؛ آي علمت من آين صدرت وملا ذا آنت
معلته آهنا من مجةل عنايته بك وآنت بعد مل هتتدي اليه اال هبدايته ،ومل
تقوى علهيا اال ابعانته ،فعند ذ ك تفرح هبا لكوهنا دليةل عىل عناية س يدك
بك ،فيكون فرحك بفضهل وقد آمربذ ك { قل بفضل هللا} وهدايته
من آعظم الفضائل عليك { ،وبرمحته } ويه اعانته من آحتف الهدااي
دليك ،وفرحك بفضهل ورمحته خري مما جيمعون من مايصدر مهنم من
مجموع آعامل ،وحتسني آحوال .فأين ماجتمعه مما متنحه ،فلو اكن عدد
آنفاس العامل زوايك آعامل وسنيات آحوال وآنت فرح هبا معمتدا علهيا مل تغن
عنك من هللا شيئا قدره ،من عارف ابهلل معمتد عىل فضل هللا فرح
178
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
بنعمة هللا التوازهيا آعامل العاملني ،وآحوال السالكني مع رؤيهتم لها دون
موجدها .ويل يف ذ ك شعرا :
فافرح بفضهل فان الفضل مقصود ملن هل املن واالحسان واجلود
والتكن به دون هللا مــــــــردود يكن بالشئ ان الغري مفـــقود
فلام اكن الغيبة عن رؤية العامل دآب السالكني الجناب ،والواصلني
الحباب ؛ قال املؤلف ريض هللا عنه :
( قطع السائرون اليه والواصلون اليه عن رؤية آعامهلم وشهود آحواهلم ،آما
السائرون فلهنم مل يتحققوا الصدق مع هللا تعاىل فهيا ،وآما الواصلون
فلنه غيهبم بشهوده عهنا )
قطع مل ميكهنم السائرون ،مه السالكون عىل قدم الصدق يف بيداء االرادة
وميادين العامل عىل جنائب الحوال ،وقد قطعهم عن رؤية آعامهلم وصفو
آحواهلم عدم حتقق الصدق اذ هو رشط قبولها ومه بعد مل خيرجوا عن رؤية
النفس فهيا ،فذل ك مل يعتدوا هبا ومل يعمتدوا علهيا .وذ ك آنك الترى اال
ماخلص عن شوائبه وتظهر من معائبه ،ومل تأمن من دخول الفات
مادامت النفس ظاهرة .
وآما الواصلون حفجهبم عن رؤيهتا شهوده ،واذا حتقق شهوده مل يبق لغريه
فعل والوصف ،فالعامل مصادر الفعال ،والحوال مصادر الوصاف ،
فمل يبق لغريه فعل فريى هل معل ،والبق لغريه وصف فريى هل حال ،
فهذا يعطيه مقام الشهود والتحقق ابلوجود الترى معه موجود ،فصح آن
رؤية العامل دون هللا حال احملجوبني اذلين مل حيظوا بعزيز الصدق ،ومل
يشهدوا راحئة نس مي الوصل .فالواصل اذلي يشهد جمري العامل ومنش هيا
179
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
،والصادق اذلي يهتم نفسه فامي يصدر عهنا ؛ ويرى عدم االخالص
وشهود النقص والتقصري عن اجلد والتشمري ،حىت لورآى مارآى من
العامل والحوال مل يرها اال بعني ادلعوى ،
ويف ذ ك املعىن كرثت حاكايهتم كام روي عن الواسط مع آحصاب
آابعامثن حيث قال هلم :امنا آمرمك ابجملوس ية احملضة حيث قالوا :اكن يأمران
ابلعامل ورؤية التقصري فهيا ،وقال :هل ال آمرمك ابلغيبة عهنا برؤية
منش هيا ،هذا يف مقام الواصلني .وآما مايروى يف ذ ك املعىن يف طريق
السالكني فكثري ،يروى عن بعض سادتنا العلوية ريض هللا عنه وهو
س يدان معر احملضار ريض هللا عنه آنه قال :لوتقبلت يل تسبيحة لفعلت
مجليع آهل بادي دعوة ،آوكام قال .
وآفة السالكني رؤية آعامهلم ،واالعامتد يف سلوكهم عىل مايصدر من آفعاهلم
،ومنه ينتج االدالل واالجعاب ،ورضوب من الفات سمل مهنا املوفقون ،
وحتصن عهنا املتقون .شعرا :
فالواصلون قطع عن عــــني رؤيهتم شهود س يدمه عن لك منـــــظور
والسالكون سبيل الصدق مهنجهم آن ال يروا صور العامل مسطور
فلام انهتيى الالكم عىل ذ ك آخذ يتلكم عىل مايعتوي املريدين من مقاطع
الطريق ومايلتبس عىل اجلهال املغرورين فقال ريض هللا عنه :
( مابسقت آغصان ذل اال عىل بذر طمع )
عرب حباةل اذلل للمخلوقني ؛ كشجرة الزقوم اليت خترج يف آصل اجلحمي ،
طلعها كنه رؤس الش ياطني ،وابلبسوق اىل الطول يف العامل الهبوط ،
فان طولها معنوي تتصل مثرته ابلرعيل الظلامين واحملتد القايص عن هللا .
180
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ان اذلين حيادون هللا ورسوهل آولئك يف الذلني } [ الية 20اجملادةل ] والفرقة
القلني يوم القيامة ،والطامع آبدا يف عنا وقةل غىن اذ منشأه الشك يف
هللا واليأس من روح هللا .والطامع اليش بع ،واحلريص اليقنع كيف
ماتقلبت به الحوال .والطمع عىل رضبني :طمع ظاهر جيل يعرفه لك
آحد ؛ اكلطمع يف الغراض الفانية فالخيفى قبحه ،واالعراض عنه محمود
للك آحد ،والتزنه عنه مطلوب عند لك آحد ؛ حىت عند من يتعاطاه من
اجلهال والغواة الضالل .وطمع ابطن خف اليعرفه آكرث اخللق ؛ اكلطمع يف
املس تذل الخروي فال يرتك الطمع فيه اال حمجوب دنيوي آومقرب مبقام
الشهود حظ ،فاليطمع يف شئ دون س يده والقرب منه والشهود هل ،
واليرتك الطمع يف الفضل الخروي احتقارا ؛ ولكن ملا ظهر هل وبدآ قلبه
181
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
عىل حقيقة المر ،ونزلوا عىل بصرية ترتائ هلم يف لك شئ عالمة تدهلم
عىل آخذه آوتركه ،لن هللا ولهيم { ومن يتوىل هللا ورسوهل واذلين آمنوا
فان حزب هللا مه املفلحون } [ الية 56املائدة ] الهيجمون ابلظنون
والحيجمون ،كام يكون لحصاب الظواهر اذلين مل تس تنري مهنم القلوب ،
ومل تصفوا هلم الضامئر بل واقفون مع مايتومهون ،ومتبعون مايظنون {
ان يتبعون اال الظن وماهتوى النفس } [ الية 23النجم ] وقرصوا عن
الهدى اذلي جاءمه من رهبم { ولقد جاءمه من رهبم الهدى } [ الية 23
النجم ] ومن ادلالالت القرآنية واملعجزات النبوية ،فوقفوا عن رمسهم
احملصور وحدمه املقصور ،ومل حيظوا ابلشاهد القليب اذلي آرشدمه اليه
رسول هللا صىل هللا عليه وسمل حيث قال " اس تفت قلبك وان آفتوك "
فالفتوى القلبية يه الهدى اذلي جاءمه من رهبم ،هذا يف حال من يتحرى
الورع .وآما املهنمكون اذلين مل يبالوا من آي شئ آخذوا ،والبأي فعلوا
فال يتوجه الهيم هذا اخلطاب ،ومل يعنهيم يف هذا اجلواب ،بل نقول كام
قال ربنا فهيم { فاعرض عن من توىل عن ذكران ومل يرد اال احلياة ادلنيا *
ذ ك مبلغهم من العمل } [ الايت ] 30-29وآحوال السلف يف الورع
مشهورة ويه آكرث من آن حترص ،وآظهر من آن تشهر .ويكفيك يف
ترك احلرام زاجر قوهل س بحانه { ان اذلين يألكون آموال اليتاىم ظلام امنا
يألكون يف بطوهنم انرا } [ الية 10النساء ] وآموال غريمه كمواهلم ،واكللك
183
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
184
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
185
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فأينعت عن مثار العلوم الادنية :اذا رآيمت زهد الرجل فادنوا منه فان احلمكة
تلقى عليه ،واملواهب تدنوا اليه .ويل يف ذ ك شعرا :
الومه آكذب مايلقى اليك فكــــن عىل يقني فان الومه معدوم
من انزهل رصف آنوار اليقني يكن بربه الحببل الومه خمطـــــوم
وانقياد املنقاد آما عىل سبيل الرغبة يف املنقاد آوعىل سبيل الرغبة ،والك
المرين يقتيض العبودية من املنقاد للمنقاد هل ،ذل ك قال املؤلف ريض
هللا عنه :
( آنت حر عام آنت عنه آيس ،وعبد ملا آنت هل طامع )
ذكر احلرية آوال لهنا الصل ،اذ الصل آنك حر عن الغيار ومنطلقا عن
واثق الاثر ،فاذا عدت اىل آصكل علمت آن الش ياء طالبة ك ومتوهجة
ابالقبال عليك ؛ وذ ك قبل طرواجلهل اجلبيل ،لكونك متصف ابلعمل ،
ومتحيل ابلشهود ،فأنت يف ذ ك املشهد آيس عام سوى الواحد احلق .
لن الومه الظلامين مل يظهر بعد فمل تتوجه انصية العبودية لغري ،فاذا عاد
السا ك اىل ذ ك وحتقق مباهنا ك وصف ابحلرية عن الغريية ،وعبوديته
للغيار متومهة الحقيقة كهي اذ مل تكن العبودية لغريه يف آي معبود ،ومل
يشهد سواه يف لك مشهود .وامنا سبب الغيث يف ذ ك تومه الغريية
بكثيف جحاب البرشية ،عافاانهللا واملسلمني من التوجه اىل غريه ،
والعبادة لسواه .فاملوحدون عن الغيار آيسون ،وابهلل مس تأنسون ،
وعليه متولكون .قد سقط عن قلوهبم الطمع ،وآحصهبا الورع ،وذ ك ملا
كشف عن قلوهبم ظلمة الوهام والشكوك ،بصدق اجملاهدة يف فيايف
السلوك .فرآو جعز من سواه من ايصال مايرىج ،ودفع ماخيىش .
186
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وتعلقت مطامعهم فمين بيده ملكوت لك شئ واليه ترجع مصادر المور ،
وبه تطمنئ وجالت القلوب ،وعنده خزائن اخلريات ومفاتيح املرسات ،
ودفع املرضات دنيا وآخرى .فأيئسوا عن الغيار ،وحترروا عن رق
الاثر .واكنوا هل عبيدا فوجوده واجدا جميدا لطيفا حلامي ،غافرا متفضال
كرميا .اىل غري ذ ك من صفات جامهل وفضائل نعوته ومننه ،وسوابغ نعمه
وغوامر رحامته ،ومن آيس عن هللا وتعلق طمعه ابلغيار وسأل مأربه
وعلق رغائبه وآنزل حواجئه ابخلياالت الكونية ،والظلامت الهوائية {مكثل
العنكبوت اختذت بيتا وان آوهن البيوت لبيت العنكبوت لو اكنوا يعلمون
} [ الية 41العنكبوت ] ويل يف ذ ك شعرا :
ان الطمع ميكل احلر الكرمي اذا رام التوصل منه احناز وامتـــنعا
ومن يكن آيسا يأيت الـيه كــــذا لك اذلي اكن يف الوهام ممتنعا
فلام نظر العارفون اىل الغيار بنور اليقني ؛ حتقق زوال نعميها وذهاب
طراوهتا واس مترار حالوهتا ،وواهجهم هللا بعظمي فضهل وحتىل هلم جبميل
نعته ؛ مل تسرتقهم الكوان ،ومل حتمك علهيم الشهوات ،بل حترروا عهنا
وآعرضوا عهنا وركبوا الفلوات وآنسوا بذكره ،وجعلوه عوضا عن لك
حمبوب ،ونسوا يف دونه لك مطلوب .اذا سرتهتم الغياهب افرتشوا هل
القدام ،ومتلقوا هل متلق موانسة واكرام ،واجالل واعظام .فأفاض عىل
قلوهبم مواهب االنعام ،وخاطهبم من آرسارمه خطاب حبيب حلبيبه ،
ودنو قريب اىل قريبه .فعادوا الكوان ذل ك ،وخرجوا عن لك مايعوقهم
عن خدمته ،ويعرث عن نيل حمبه .وآخبارمه مأ ثورة وحاكايهتم يف ذ ك
187
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
مشهورة ،وآعالهمم منشورة .فأقبلوا اليه بطريق احملبة واملنة المن طريق
االضطرار واحملنة .وهللا س بحانه يريد توجه عباده اذلين س بقت هلم منه
الرمحة ،وآفيضت علهيم املنة .وآن يوصلهم اليه اما بطريق االختيار واما
بطريق االضطرار ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( من مل يقبل عىل هللا مبالطفات االحسان ؛ قيد اليه بسالسل االمتحان )
فهذا خطاب لفريقني وبيان طريقني ؛ آما الطريق الول مه آهل االقبال
اذلين آقبلوا اليه بطريق الطوع والفرح ومه اذلين اس تجابوا هلل من غري
توقف والتعوق والتعرث كام آشار اليه ابالقبال ،واالقبال اليكون اال عن
رىض وفرح واس تيئناس وطرب ،وذ ك ملا رآمه من مجيل وصفه ومعمي
فضهل وسابق منته وتوايل نعمته ،فهم الشاكرون هلل اذلين تعرضوا لزايدة
انعامه وتوايل افضاهل .وقوم آخرون مل يرجعوا اليه كذ ك ومل يقبلوا ،وقد
س بقت هلم من هللا عناية ،قيدوا اليه بسالسل االمتحان ،والقود اليقع
اال عن قهر ،س امي ابلسالسل فاهنا آبلغ يف ظهور القهر اذ القود
ابلسالسل آبلغ مايقهر به املس تعيص عن االنقياد ،فعرب ابملصائب
ورضوب املتاعب يف ادلنيا للمؤمن يف ادلنيا ابلسالسل لريده اىل حرضته
وليختصه برمحته " جعبا للمؤمن آمره لكه خريا هل وليس ذ ك اال للمؤمن "
وتكل السالسل يه مايبتىل به املؤمن يف هذه ادلنيا من املصائب يف
الهل واملال والعرض وتغري الحوال ،فرتده اىل هللا ابلترضع واالبهتال
وانكسار النفس بذ ك ،وماينالها من التعب مما يقلل رغبهتا ويزجعها عن
الركون والطمأنيتة يف ادلنيا يف ذ ك غاية السعادة وجزيل الزايدة ،
فس بحانه من كرمي ما آلطفه بعباده وآرمحه هبم .فلو تركهم وماحيبونه لهلكوا
188
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
هالك البد كام يكون ذ ك لهل البعد حيث قال { نوف الهيم آعامهلم
فهياومه فهيا اليبخسون * آولئك اذلين ليس هلم يف الخرة اال النار } [
الايت 16-15هود ] فاحلق س بحانه يس تدع عباده اىل عبادته وحمبته بورود
النعم والرزاق والعافية ،ومالطفات الحوال .فان مل جييبوا بذ ك دعامه
عن طريق االبتالء { من اخلوف واجلوع ونقص من الموال والنفس
والمثرات } م قال { وبرش الصابرين } [ الية 155البقرة ] آعقب ماابتلوا
به مع وجود الصرب ابلبرشى واملدح من هللا عز وجل ،كام مدح من قام
بصنوف الطاعات ووظائف الوقات .م بني قوهلم ما هو احلال فقال {
اذلين اذا آصابهتم مصيبة قالوا اان هلل } ملاك وخلقا وعبودية { واان اليه
راجعون } [ الية 156البقرة ] يف مجيع الحوال والقوال والفعال حقيقة .
فانظر ماذا حصل عليه من قيد اىل هللا بسالسل االمتحان كيف صاروا
يف مرجعهم اليه حموا ؛ الحول والفعل والوصف .وهذه مرتبة العبودية
اخلاصة فوصلوا اىل مقام الشكر ؛ وهو رجوعهم اليه يف مجيع مامهنم .
وهذه طريقة السالكني طريق الرتيق يف مدارج السلوك ،ومعارج الحوال
يف بروج الوصال ،يف ساموات الوصاف وكريس القرب وعرش املس توى
الرحامين .فاذا علمت آن ابتداء السلوك الصرب عىل ممرات كوؤس اجملاهدة
وانهتاؤه الشكر عىل الكشف واملشاهدة ،عقب ذ ك بقوهل شارحا ملا
آسلفه يف احلمكة قبل ،ومبينا لحوال الشاكرين ،وحااث عىل ماهو
189
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
املطلوب الغر وهو الشكر عىل النعم املؤذن بدواهما ،واجلالب لشأهنا ،
فقال ريض هللا عنه :
( من مل يشكر النعم فقد تعرض لزوالها ،ومن شكرها فقد قيدها بعقالها )
الشكر هو الثناء اال آنه آمع من ذ ك ،اذ هو الثناء ابللسان واالعرتاف
ابجلنان ،واس تعامل الراكن ،فامي هو املطلوب من خلق االنسان ،اذ قال
آعز من قائل { وماخلقت اجلن واالنس اال ليعبدون } [ الية 56اذلارايت]
والشكر مورده عام ومتعلقه خاص ،فامحلد بذ ك االعتبار فرد من آفراده
،ويه آي امحلد ابلضد من ذ ك خاص املورد عام املتعلق .والشكر
حبسب آحوال اخللق هل ثالث مراتب :شكر العموم وشكر اخلصوص
،وشكر خصوص اخلصوص .فاملرتبة الوىل آن التعصيه بنعمته اليت آنعم
هبا عليك ،والرتبة الثانية آن ترصف مجيع نعمه فامي خلقت لجهل ،والرتبة
الثالثة آن يشغكل شهود املنعم عن رؤية النعمه .
والنعم آما خاصة وآما عامة ،وآما ظاهرة وآما ابطنة ،وآما دينية وآما
دنيوية ،وآما حس ية وآما معنوية .فأما النعمة العامة فنعمتان مل خيرج مهنام
موجود ويه نعمة االجياد آوال بعد آن مل تكن شيئا مذكورا فذكرك ،ومن
ذايقوم بنعمة من ذكره قبل آن يذكر ،وآي عقل يقوم بشكر ذكر احلق هل
وهو مل يكن .ويف هذا اذلكر دخل لك موجود توجه اليه االجياد مبجموع
العمل البالغ ،واالرادة النافذة والقدرة الاكمةل .فأي نقص يف هذه الوصاف
؟ ومن آنت حىت تتوجه اليك هذه الصفات الكاملية بعد ذكر اذلات ك ،
ولو آخذان فامي انطوت عليه هذه النعمة الس تغرق الوقت .
190
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
والنعمة الخرى يه نعمة االمداد ،آي امداد ابلقيام عىل ممر النفاس ،
مفا من نفس اال واحلق س بحانه ميد العامل به حس ية ومعنوية ابمداد حبسب
مراتب الوجود ،فللروحانيني امداد ،ولطوار اخللق من انس وجان
وحيوان ونبات ومعادن وجامد امداد ،وتكل االمدادات يه ماتلقيه
المالك عىل دوائر الفالك ،ويتصل من الفالك حبسب اختالفها عىل
مراتب عامل املكل .والراكن الربعة فلها آرواح آربعة عىل آربع مراتب من
مراتب العامل اخللق ،ولك عني من آعيان احليواانت تلقى مجموع الربع
املراتب .وهذه النعم العامة يكرث تعداد مراتهبا بنسب استنادها ،ولك
من وصل اليه شئ من هذه االمدادات ماعدى الثقالن فهو شاكر ،لنه
مل يصنع ماوصل اليه يف غري املراد منه ،فبق طالب ابلشكر هذا النوع
االنساين ،لنه اذلي آعط الترصف يف الش ياء كيف شاء ،وركبت فيه
طبائع آرضية ولطائف ساموية ،فالسامء من شأهنا الطوع والمتكن ،
والرض من شأهنا الكره والتلون ،مفا اكن الفعال ابلوضع الساموي فهو
الشكر ،ومااكن من الفعال ابلوضع الريض الظلامين فهو الكفر .
وآما النعم الظاهرة فيعجز عن عدها احلرص ،مفهنا ماهو يف تركيبك ومهنا
ماهو يف ترتيبك ن مفن مجةل ماهو يف الرتكيب السمع والبرص والشم
واذلوق ،وتسوية اخللق عىل آعدل هيئة وآمت بنية ،واحلركة والسكون
والنطق وسائر نعم اجلسم القامئ برتكيبه ،وايصال الغذية وسائر املنافع
اخملتصة ابجلسم .وآما النعم الرتتيبية اكلعقل والعمل والقابلية والوصاف
القلبية ،واملقامات الروحانية واملراتب امللكوتية .وآما الباطنة مفا ادخره
واس تأثر به من ماهو الصلح ،ومااختص به روحانيتك من بني اذلرات
191
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
يف معى اجلهل ،وظلمة العدل من الباسها وحتليهتا بفيض جتيل آوصافه ،
وآودع يف تكل اللبسة سائر املقامات ادلينية ،وقابلها جبميع آسامئه ؛
فعرفته بلك مظهر من مظاهر مرايئ الوجود فمل جتههل يف لك معاين
مشهود ،فتكون يف لك ماجتال علهيا من السامء حبمكه المبا يعطهيا الطبع
احليواين واملشهد الظلامين ،وهذه النعمة المطمع يف احصاهئا لن جتليات
احلق يف مراتب الوجود الهناية هل .وقد علمت آن يف لك جتيل نعمة آما
ظاهرة واما ابطنة .وتعبريه ابلقيد هو اشارة اىل ادامة النعمة بوجود
الشكر واملزيد مهنا .قال هللا جل ذكره { لنئ شكرمت لزيدنمك } [ الية 7
ابراهمي ] اذ ثواب لك طاعة غري ماوعدبه من التضعيف والتمنية طاعة آعظم
مهنا ،فيكون تضعيف يف الظاهر بذ ك وتضعيف يف الباطن ماادخر
عنده حيث يربهيا كام يريب آحدمك فلوه ،اذا القيد هو ماميسك به الشئ
املغتبط به ،وللك شئ قيد .
وقيد النعم ابلشكر هلل لن املكل اذا آهدى اىل آحد خاصة هديته وقبلها
عىل آحسن وجه ومعل هبا فامي يرضاه منه املكل معهل ،حفري آن يزيده من
نعمه ،ويسدي هللا من مننه ،وان مل يقبلها كذ ك ومل يرصفها فامي هنا ك
مفا آجدره ابلعقوبة ،وما آبعد عطااي املكل عنه ،والعقال هو آبلغ يف احلفظ
من القيد آوزايدة عليه ،حفيث مل يعصه بنعمه فقد قيدها ،وحيث آطاعه
هبا ورصفها يف حماب س يده فقد عقلها ،فهو .آحرى ابلزايدة ،وآجدر
بعدم االنفالت وسوء االنقالب .والشكر عىل لك نعمة دينية آودنيوية ،
واذا اكن النعم دينية فالشكر من آجل النعم .فلعمري لقد جعز العبد عن
192
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
شكر هللا اذا اكن شكره هلل نعمة تقتيض ابنفرادها شكرا ،فغاية الشكر
من العبد آن يعرتف بأن مابه من نعمة مفن هللا .
ويف آخبار داود عليه السالم :ايرب كيف آشكرك وشكري ك نعمة
منك ؛ قال :ايداود اذا عرفت ذ ك فقد شكرتين .فأبلغ الشكر شكر
رسول هللا صىل هللا عليه وسمل حيث قال " ال آحيص ثناء عليك آنت كام
آثنيت عىل نفسك " والكف عن اس تعامل اجلوارح اذ يه من هجة النعم
بل من آعظمها ،ورصف النعم يف معايص هللا آول مراتب الكفر كام
قرران ذ ك ،وشكر الوسائط من الشكر .قال صىل هللا عليه وسمل "
من مل يشكر القليل مل يشكر الكثري ،ومن مل يشكر الناس مل يشكر هللا "
وشكر الناس بأن تدعو هلم يف مقابةل ما آوصهل هللا من النعم عىل آيدهيم .
كذ ك وترامه آس باب نصهبا هللا الهلم والمهنم والهبم .والغر ينسب
الش ياء الهيم نفعا ودفعا ويغيب عن هللا ،فهذا رشك ظاهر جيل ،ومن
مثرته اذلةل هلم وحتسني آفعاهلم وان اكنت قبيحة ،فهذا نفاق المرية فيه .
وآما رجل مصطمل اليرى للوسائط آثر واليشهد لها عني واليسمع لها خرب
غاب عن الكوان ورآى آن ليس معه اثن ،حفجب عن الكوان ومل يطلع
عىل ما آودع هللا يف املوجودات من رس القدرة ،وآبدع فهيا من غرائب
احلمكة والكامل يعط هذا املقام عىل الامتم ،فريى انفراد هللا يف المر يف
سائر العيان ،فيشهد الوحدة يف الكرثة والكرثة يف الوحدة ،فالتطغى
حقيقته رشيعته ،والحيجب رشيعته ظهور حقيقته .فامحلد هلل عىل ما آهلم
،ونشكره عىل ما آنعم .ويل يف ذ ك شعرا :
الشكر قيد وجيلب غائب النعم من مل يقيدها فليقــــــبل النقم
193
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
اذا علمت آن الشكر قيد النعمة والكفر مفتاح النقمة كنك تقول :اان نرى
من يتعاطى املعايص واليعمل الطاعات تزايد عليه سوابغ النعمة ،فاعمل آن
ذ ك من عالمات املكر كام قال املؤلف ريض هللا عنه :
( خف من وجود احسانه اليك ودوام اساءتك معه آن يكون ذ ك
اس تدراجا { سنس تدرهجم من حيث اليعلمون } ) [ الية 44العراف ]
اخلوف من آحوال املؤمنني ،والمن من صفات الغافلني .فأرابب القلوب
خيافون من االس تدراج ابلنعم آكرث مما خيافون بغريها ،كام عرفوا ذ ك من
آحوال املبعدين وس امي املطرودين ،حيث قال هللا فهيم خموفا لعباده
وزاجرا عن التش به بأفعاهلم ،وحمذرا عن االقتداء بأحواهلم من الفرح
ابلعراض الفانية ادلنياوية ،واالهنامك يف املالذ البرشية ،فلام اهنمكوا مبا
آوتوا من النعم واحلظوظ العاجةل ،ونسوا احلقوق الرابنية ،ونسوا هبا
القسام الجةل ؛ فتحنا علهيم آبواب لك شئ من املطالب الشاغةل عنا ،
وعن آداء حقنا اليت توصلهم الينا ويودون هبا حق شكران ،فاغرتوا بذ ك
وآنسوا اىل ماهنا ك من املالذ الفانية ،وقالوا :ان هللا ما آعطاان هنا اال
وس يعطينا ان اكن رجعنا اليه ،فاس تطالوا بذ ك عىل الفقراء وظنوا آن
هللا ما آعطامه ،وردوا الفقر اال حلظهم وهوان الفقراء ،فرغبوا عن طريق
العبودية اليت قطب دائرهتا االفتقار اىل هللا يف مجيع الحوال .واذلةل اليت
يه مقتىض حال العبيد ،وانزعوا يف آوصافه من االس تغناء والعظمة
والكربايء ،فبذ ك سلطت علهيم دواع الهواء ،وانفتحت طرائق ،
فأخذوا آخذ ذي قوة متني بغتة من حيث اليظنون ذ ك ،فاذامه مبلسون
.فانظر واعترب ؛ فلو اكن اذلي يعطى حظوظه ادلنياوية آحظى ممن مينعها
194
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
195
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
مقابل احلس نات ،فيثبت عندمه ذ ك ،فهذا من آشد وجوه االس تدراج
واملكر ،آعاذان هللا من ذ ك .
مقن هنا اش تد خوف الاكبر عند جتدد النعم ادلنياوية علهيم ،ودوام
العوايف البدنية دلهيم ،وعظم فرهحم بوجود املصائب من حيث آهنا
مصائب .ولكن ملا ترتب علهيم من العواقب فاذا الح هلم من هذا الحئ
طاشت العقول وانزجعت القلوب من خوف املقام املرهوب .ويل يف ذ ك
شعرا :
حق لك احسان يسديه اليك عىل ما آنت جمرتح من فعكل الزلل
ولك مكروه انل العبد مـــــــنه فال جيزع ذل ك ان املثل ابملـــــــثل
فاذا عرفت ذ ك فاعمل آن االحسان اذلي قد يكون به االس تدراج واملكر
آما آن يكون من قبيل النعم الظاهرة فذ ك ظاهر قد يبتيل به معوم اخللق
ويعرفه لك آحد ،وآما آن يكون من قبيل الايت والعلوم والكرامات فهذا
مما يبتيل به املريدين وطوائف السالكني املبتدين ،وهذا آشد من لك بلية
غريه ،وآخفى مما ذكر من االبتالء ابلنعم الظاهرة ،ذل ك عقب بذكر هذا
املصنف وآبلغ يف كشفه وحقق وصفه ،فقال ريض هللا عنه :
( من هجل املريد آن يس ئي الدب فتؤخر العقوبة عنه فيقول :لواكن هذا
سوء آدب لقطع االمداد وآوجب االبعاد ،فقد يقطع املدد عنه من حيث
اليشعر ،ولومل يكن اال منع املزيد .وقد يقوم مقام البعد من حيث اليدري
،ولومل يكن اال آن خيليك وماتريد )
من هنا تبعيضة ،واجلهل هل وجوه ظاهرة ووجوه ابطنة ،واجلهل
مبجموعه آقبح حاالت العبد ؛ فظاهره حاالت الكفار والعتاة الفجار ،
196
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
198
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
199
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ابالس تدراج يقام مقام البعد ،وهو ماوصفنا من اتباع الشهوات ،
والترشب يف قلبه حبب العادات ،وينىس الرتيق يف املقامات ،والتذلذ
ابلواردات املوهبيات من حيث اليدري ،ولكن عىل الندور ،كام يف حال
من قطع عنه املدد من حيث اليشعر .
ومقام البعد هو قطع املدد الرابين والفتح االمتناين نفسه .وعرب يف املدد
حبيث اليشعر ،وهنا يف مقام البعد بال تدري ،وفرق مابني الشعور
وادلرية ،فالشعور آبعد عن ادلرية ،لن الشعور يعم احلس واملعىن ،
وادلرية التكون اال يف املعىن ،والشعور قد تشعر ابلشئ والتدريه
والعكس ،آي اليدري الشئ واليشعر فاكن عدم الشعور يقطع املدد
آظهر عىل بعد من قام به من عدم ادلراية والتحلية .والنفس من آعظم
املصائب فلو اكن هل عند هللا قدم مل خييل ومايريد ،ولاكن مبراد هللا
المبراد نفسه .فعالمات املقربني فراغ قلوهبم عن مجيع اراداهتم يف حراكهتم
وسكناهتم اال عند لك مراد ندهبم احلق اليه ،واجتناب مهني زجرمه احلق
عن االقدام عليه ،فهم آشد الناس اعتناء وآكرثمه اهامتما بذ ك .فالدب
آساس مبىن االرادة ،ومفتاح ابواب السعادة .ولك اهامتم آهل هللا
وخاصته بتحقيق النظر يف طريقه ،وال آوفر حظا وآعظم قسام يف ذ ك
من رسول هللا صىل هللا عليه وسمل اذ اذلي توىل تربيته وآحسن هتذيبه
هو س يده ومواله ،ذل ك قال صىل هللا عليه وسمل " آدبين ريب فأحسن
تأدييب " فقال { خذ العفو وآمر ابلعرف وآعرض عن اجلاهلني } [ الية
199ا] كسائر النبياء ،فان هللا مؤدهبم وويل تربيهتم وهمدهيم ؛ لكن
الكتأديب رسول هللا صىل هللا عليه وسمل لن هللا مجع هل آدب مجيعهم
200
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
201
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
والتنايئ عن الوطان ،فقال لها :عندي لمك ادلالةل والرجوع اىل آوجمك
العلوي ،والتزنه يف مشهدمك القدس ؛ واحملل النفس .ففتح هلم يف لك
رتبة اباب ،وآفصح هلم يف لك مس ئول عنه جوااب ،وقال هلم :اتبعوا هذه
املقاةل ،واقتدوا هبذه ادلالةل ،فقالوا :ومن لنا بعد آفول هذه الشمس
احملمدية دليال ،وملا تطلبه منيال ؟ فأبرز تكل احلقائق املودوعة من خبوء
آرض النفوس الظاهرة ،وآشهدمه آين قد اس تخلفت فيمك من يدلمك عىل
طريقيت ؛ وهيديمك اىل حمجيت :علامء آميت كنبياء بين ارسائيل ،ومن قام
ابدلعوة قام ابلرساةل انئبا .فاكن االقتداء مبن حتال بتكل النفائس ،
وتلبس بتكل املالبس اقتداء ابملس تخلف .واذا نظرت عالماهتا وطلبت
دالالهتا وجدهتا عىل آمئة الصوفية الحئة ،وعىل آلسنهتم الداب فاحئة ،
وبأحواهلم يرتىق لك سا ك آواب .فلك من مل يأخذ من املؤدبني بق بطال
،وذ ك لن جل آداهبم يف التفتيش عن آخالق النفس واهتاهما ،ومن
صدقها يف دعواها ،وانقاد ابنقيادها ؛ دعته الحماةل اىل مرادها ،فال يقف
عىل غوائلها ،واليس تكسب فضائلها اال ابالقتداء ابمام بصري بعيوب
النفس ،ينظر بنظر آويل البصائر املطلعني من هللا ماتكن الضامئر .فان
مل جتد من هذا وصفه فاجعل ك صديقا دينيا وآديبا مشفقا هينا ليينا ،
فاذا وجدت فارغا عن هتذيب نفسه متفرغا الصالح غريه فقد عرثت عىل
كزن مجيل ونعمة سابغة ،ورمحة صابغة ؛ فاشدد عليه يديك .مفا آعز
وصفه ،وآغرب من هذا نعته .فالتغرت بكرثة العامل من غري آدب فاهنا
الطائل لها دون التأدب يف الحوال والقوال والعامل .
202
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
مفن اغرت حباةل صدرت منه من غري اقتداء فهيا بش يخ من مشاخي الطريق ،
وامام من آمئة التحقيق ،فقد عدم التوفيق .فلك من مل جيرب آفعاهل عىل
يد غريه فهو مردود من حيث يظن الوصول ،ومن ال هل ش يخ فش يخه
الش يطان .واايك وحصبة من ينمت اىل الطريق من غري حتقق بأداب
السلف ،والسلوك عىل منواهلم واقتفاء آاثرمه .
ومن سوء آدب املريد عذر النفس فامي يصدر عهنا ،ومعادات القران
لجل اس تحقارمه اايها ،ومنه اتباع شهواهتا واجابهتا اىل مادعت اليه من
شهواهتا ،وطلب املعاذير لها من الرخص يف تناول مباحات الشهوات ،
وترك العزمية والركون اىل ادلعة والراحات ،واالهنامك يف احلظوظ العاجةل
من غري مباالة .مفن تتبع آحوال السلف ونظر يف سريمه وشاهد آحواهلم
،عمل يقينا آن لك مريد يطلب ادلعة والراحة ويرتك اجلد واالجهتاد ،
ويؤثر املالذ ادلنياوية آنه مل جي منه شئ يف طريق االرادة ،وان بق عىل
الطلب فعىل رمس العادة .فأول قدم خيطوه املريد ادلنيا وماحوهل ،والقدم
الثاين الخرة حىت يكون معشعش روحه احلرضة الوصفية ،وقىض طريان
رسه يف فضاء الوسع اذلايت .مفىت يكون هل اىل هذا العامل الضنك التفات
فضال آن ينافس فيه ويطمأن اليه .
وعوارض املريد يف طريق ارادته كثرية ،وهمالكه ومعاطبه آكرث وآخطر .
الس امي اذا اكن مقامي بني آظهر اخللق ؛ مفهنا :االفتتان بطلب القبول عندمه
واحلشمة ،وقبول القول ،وارتفاع الصيت ،واالكرام والتربك ،وقضاء
الوطار واالعرتاض عىل القدار ،بل يه آعظمها ،لنه اس تدراك عىل
اجلناب االلهي ،ومنازعة يف الرس الرابين .ومهنا :السخط يف القضية
203
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
اجلارية لنه مناقض للعبودية اليت من آجلها آنزلت الكتب ودونت الصحف
،والركون اىل آبناء ادلنيا الراغبون النتان والحداث والنسوان ،اليت هنيى
رسول هللا صىل هللا عليه وسمل عن جمالس هتم ،فقال صىل هللا عليه
وسمل " اايك وجمالسة النتان ،فف حصبهتم مبدآ البعد والهجران " ومباينة
لحوال االخوان ،آهل الصفاء واليقني والصدق واالميان .وقد انعزل عن
ميدان فرسان اجملاهدة يف طريق العرفان ،وركن اىل آوهام وآراء ختذهل يف
جمالس آهل الصدق ،وحتقره عند مواهجة عند مواهجة آهل احلق ،مفا
آقبح من استبدل بصحبة الصادقني والسادات املقربني ؛ حصبة البطالني ،
والغبياء املغرورين .
وحاالت الصادقني التعود من الصفاء يف الحوال ،واالخالص يف العامل
؛ ومباينة مرادات النفس اىل الظلمة ،والتخليط واتباع النفس اال الطرد
وعدم آهلية آزلية ملقام القرب ،وعدم اخالص يف ابتداء الطلب .واكن
من آحوال السلف آهنم اذا وقفوا فامي يناقض العزمية اس تأنفوا االرادة وعد
ذ ك من آعظم ذنوهبم فيجددون هل توبة ،ويتوسلون اىل رجوعهم اىل
مواطن العزامئ مبجاهدات وآعامل ،وتبدوا هلم عقوبة االسرتسال مع
الشهوات املباحة ،كام يعاقب غريمه عىل اذلنوب احملضورة .فالزةل يف
القرب تعدل س بعني زةل مع احلجاب ،يغفر للمجاهد س بعني ذنبا قبل آن
يغفر للعامل ذنبا واحدا .احلديث .
واكنوا يواخذون نفوسهم عىل اخلطرات وخفااياخلطيات ،ودقائق النظرات
،وحياس بوهنا عىل خليات الشهوات .فهؤالء اليقرن هللا علهيم حسابني ،
والجيمع علهيم عتابني .لهنم حاس بوا آنفسهم وآوقفوها بني يديه ابالختيار
204
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
،فمل يقمي علهيم احلساب يف مقام االضطرار ،فمل جيمع عىل عبده
حسابني والموتتني .مفن مات عن الشهوات وطوى بساط الذلات مل
تكن عليه اال املوتة الوىل ،والوقاية من عذاب اجلحمي .كام وقوا اجلناب
االلهي بنفوسهم ،وآثروه علهيا ووقامه عذاب اجلحمي .فانظر قوهل صىل
هللا عليه وسمل " موتوا قبل آن متوتوا " مفن مل يفهم دقائق اخلطاب ورقائق
حفوى املعاين فليس من االرادة يف شئ .فهمنا هللا عنه ،ورزقنا حسن
التلق عنه ،وجعل لقلوبنا يف لك ابب من آبواب التزنيل مفتاح ،انه
املفضل الفتاح .ويل يف ذ ك شعرا :
اجلهل آقبح حال العبد يعرف من مش الوجود بنور العمل ايفـــــــــطن
ويل آيضا يف ذ ك :
ان الديب بنــــــــــور هللا مقتبس يدرك اتئيد عون هللا واملـــــــــــنن
ومن يكن ذا يقني فهو حمــــــــرتس يف حصن آمن من الخطار والفـــنت
من ساء تأديبه فالنــــــــور خمتلس منه كام خيتلس ثوب عن البـــــدن
قد اكن حمـفوف آلطــــاف وحمتبس عنه العناء الضائر املفيض عن الوطن
فاصبح كام يصبح احلــريان مبتلس انء عن احل بعــد النس ابخلــــدن
فهذا لكه يف حال املريد السا ك ،وهذه الداب من وظائفه والسلوك
والرتيق يف حاةل آكرث آهل هذه الطريق ،فذل ك ملا عرفوا العارفني ذ ك
تدلوا عن آعال مقاهمم اذلي يعطى فنامه عن آحواهلم وآقواهلم وآفعاهلم
وصفاهتم وذواهتم اىل مقام املعامةل ،وهتذيب الخالق .وراثة محمدية ،
ترشيع لعامة السالكني ،مناجه الطريق وتبيني ملعامل التحقيق .ومقام
املقربني اليسوغ للمبتدي الخذ فيه اال بعد احاكم آساس طريقته ،لن
205
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
لك مقام االبراز مقام رشيف ،وهو معدة السالكني ،ومقام املقربني ،
يقتيض آن ذ ك سيئة حيث رآى نفسه ،فرمبا تقف عىل آحوال آجالء
املقربني ،وآمئة العارفني واخملطوبني احملبوبني من س امي آحوال مايقلل عندك
هذه املعامةل ،ويصغر يف عينيك ما آقام هللا فيه عامة هذه الطائفة .فاعمل
آن اللك حمبوبني ،فلوال حمبته وسابق منته مااس تعملهم يف آصناف خدمته
،وآدام دلهيم واردات موارد القرابت ،ووعدمه علهيا جزيل املثوابت .
ذل ك قال املؤلف :
( اذا رآيت عبدا آقامه هللا بوجود الوراد ،وآدامه علهيا مع طول االمداد
،فالتس تحقرن مامنحه مواله .لنك مل تر عليه س امي العارفني ،والهبجة
احملبني ،فلوال وارد مااكن ورد )
اذا رآيت آهيا املتفرس يف آحوال القوم ومتحري الحسن من مسالكهم ،
فالختلوا آما آن تكون من املقربني مسلوك بك طريق احملبوبني ،خمطوب
ملواهب العارفني ،متزنه يف حضائر اجملذوبني ؛ فالجرم آنك اذا رآيت
مامه عليه من البقاء برهبم ؛ وموافقة ارادته والسكون حتت جراين مقاديره
؛ ومايفاض عليه من غري طلب مهنم ؛ والمزيد تعب وطول نصب آنك
تس تحقر آحوال من يتجرون يف طريق العامل ابلتخلص عن رؤية الناس
،والتحرز عن ورطة االجعاب ،فالينبغ ك آن تس تحقر مامنحوا من
دوام الوراد ،وورود االمداد ؛ فلو مل يكن وارد من هللا اختصايص
مااكن ورد .
ويف تكل احلمكة تسكني وتطمني لقلوب املريدين مما آزجعها من عظمي
العتب وخوف وبيل املكر .فال ياكد سا ك اال ويوجد منه سوء آدب ،
206
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ومن اذلي وفا الدب مع هللا حقه فتزنجع القلوب ذل ك .ورمبا تس تحقر
العامل فال تلتفت اليه لهنا التؤمن من دخول الفات علهيا ،فعقهبا هبذه
احلمكة تسكينا لنزعاهجا ،وتقوميا مليلها واعوجاهجا ،فاس تحقار العامل
هجل واغرتار .ومايوجد به يف طريق العارفني واملقربني واحملبوبني اجملذوبني
اال القليل .وانهتاء سري السالكني وحمتد مقصد املريدين هذا املقصد
الرشيف ،فال بد آن يوصل لك سا ك مقصده ،ولك صادق حمتده .
وآقل حاالهتم الجر اجلزيل حيث قال هللا فهيم { ومن خيرج من بيته
هماجرا اىل هللا ورسوهل م يدركه املوت فقد وقع آجره عىل هللا } [ الية
100النساء ] فقد مغر امجليع بعممي فضهل ،وآحاطت هبم دائرة احسانه
وامتنانه .والوراد يه آصناف وظائف العبادات من صالة وتالوة وذكر
ورسد وهو الصوم ،وآفضل الوراد البدنية الصالة ،وآفضل الوراد
القولية ذكر الاهل اال هللا ،آوهللا هللا ،آوهو هو ،وهذا يف طريق الفتح
والرتيق يف املعارج الروحية ،والربوج الساموية ،واملدارج النفس ية .وآما
يف طريق الكسب والتضعيف فيجمع فضائلها ويمل متفرقاهتا مجموع الباقيات
الصاحلات وهو عند العلامء " س بحان هللا وامحلد هلل والاهل اال هللا وهللا
آكرب والحول والقوة اال ابهلل العيل العظمي " والصالة عىل رسول هللا صىل
هللا عليه وسمل وفهيا فتح آيضا وتقوية عىل الورادات احلقية ،يس تعني به
من غلبته وقهرته .وفهيا من الفضائل ادلينية وادلنيوية واحلالية والربزخية
واحلرشية وللجواز ما حيىص كرثة .
207
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
مفن ذ ك كفاية العموم وتفرجي الكروب ودفع الغموم .ومهنا الشفاعة ومهنا
احملبة يف القلوب ،ومهنا قضاء احلواجئ ادلينية وادلنيوية والخروية ،ومهنا
الربكة يف الرزق وقرب املناس بة النبوية يف اجملالس العلوية وادلرجات
الفردوس ية وغري ذ ك كام حصت به الحاديث .وتركنا ايراد الحاديث
الواردة يف ذ ك لطول اس نادها وتعديد وجوهها وعد رجالها .وليس هذا
الرشح موضوع ذل ك .
واالس تغفار وقد ورد فيه آيضا آحاديث مهنا :من لزم االس تغفار جعل
هللا هل من لك مه فرجا ،ومن لك ضيق خمرجا وغري ذ ك .وآما الصوم
ففيه من تنوير القلب وضعف جحاب النفس وارغام الش يطان وجمازفة
الجر مما اليرغب عنه اال لك بطال مهتاون يف الطلب لطريق الخرة .
وآما الوراد القلبية فاكلفكر يف ابهر صنع هللا وحماس بة النفس عىل دقائق
اخلطرات ،واملراقبة عىل ممر الوقات ،واملشاهدة للرواح ،
واالس تغراق للرسار ،واالمداد يه هذه الوظائف القلبية واملشاهد
الروحية والتزنالت الوصفية ،فهذه يه االمدادات الواردة عىل آرسار
العارفني .وآرواهحم وقلوهبم من هللا تعاىل بال معةل يف ذ ك ،لن هذه
من ابب الحوال ،والحوال وهبية الكسبية ،والوراد من طريق
الكسب ،والعبد خماطب ابلسع فهيا ،فتنسب اليه حبسب ورود
اخلطاب هل ،واال فاللك حقيقة من ابب الوهب .
وعالمة آنه مراد من هللا هبا آي الوراد ادامته علهيا وحصول النتيجة ،
ومن آقامه يف خدمته فقد آظهر عليه آاثر عنايته ،ومنح رس واليته .
فلوال آنه من هللا مباكنه ما آقامه يف خدمته .اذا آردت آن تعرف ما آنت
208
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
عند هللا فانظر اىل ما آقامك فيه فانه الخيتص خلدمته اال صفو بريته وآهل
تقيته ومه آولوا التقية اذلين يهنون عن الفساد يف الرض .والنطيل يف
ذ ك فف االشارة اىل بيان الكم املصنف كفاية ،ويل يف ذ ك شعرا :
فضل ومكرمة من جود منـان اقامة هللا ك يف الورد اي انسان
لوال العناية ملا آهل ذلا الشان الحتقرن ما منح من بر واحسان
م آخذ يف بيان حال الفريقان املسلوك هبم سبيل التعرف ،واملسلوك هبم
طريق التلكيف ،ومه العباد وعامة السالكني الزهاد ،ريض هللا عنه :
( قوهمم آقاهمم احلق خلدمته ،وقوم اختصهم مبحبته ومعرفته { الك مند
هؤالء وهؤالء من عطاء ربك ومااكن عطاء ربك حمظورا } [ الية 20االرساء
])
قوم آي جامعة كثرية ومه من قاموا من غري مقوم هلم من جنسهم لكرثهتم
وغلبهتم وشدة اس تقامهتم عىل حمجهتم آقامه احلق وهو هللا ،واشارته
ابحلق لينف الوسائط والس باب ،لن احلق مااليبق للباطل معه ذكر يف
اجياد وال اعدام ،وال اجحام وال اقدام بل يذهب ويضمحل ،قال هللا
عز وجل { قل جاء احلق وزهق الباطل } [ الية 81االرساء ] وآىت بلفظ
االقامة للقامئني يف مقامات اخلدمة هلل ،الياكشفون بعد طريق االختصاص
واملنة واالقامة ؛ فهيا اشارة اىل راحئة قهرية وبقية آرضية ،فهم السالكني
طريق التلكيف ،هيذهبم خبوف سلطان جالهل ،ويرهيم بلطيف تعطف
جامهل .وقوم اختصهم مبحبته ومعرفته ،فاالختصاص من غري اس تحقاق
وتقدم س بق طلب وهو من ابب املنة واللطف ،واملنة والوس يةل هلم اىل
209
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ما اختصوا به اال حمض تكرم سابق املشيئة .واحملبة آرشف خةل وآرفع رتبة
خمتص آفراد الرجال ،ذل ك اكنت نصيب احلبيب مقام محمدي .واحملبة لها
مقام عظمي عند آرابب الكشف ،وحمبة هللا فردانية المناس بة بيهنا وبني
حمبة اخللق ،كام المناس بة بني هللا وبني خلقه .واليزال يرتىق اىل هللا
وهللا يتدىل اليه ويوايل احلق وهللا يتواله .فاحلق انئبا عنه يف عظم خلقته
،والعبد انئبا عن هللا يف ظهور حقيقته وهكذا .
واملعرفة فرع احملبة للمحبوبني ،واحملبة فرع احملبة للسالكني .وبني علامء
هذا الشان خالف يف آن الصل املعرفة واحملبة متفرعة عهنا ،واحلق
وهللا آعمل آنه ينظر يف ذ ك اىل ما آرشان اليه من حاةل السا ك واجملذوب
واحملب واحملبوب واحملبة من احلب ،وهو االانء اذلي جيمتع فيه املاء واحملبة
تشري اىل رتبة امجلع وذهاب الوصاف احلداثنية من البرص والسمع ،والك
الفريقني القامئني بعامرة تكل الطريقني ممدود ابلعطاء الرابين ،ومجموعني
حتت جتيل االمس املعط الصادر عنه لك عطاء وهيب آوكس يب { ومااكن
عطاء ربك حمظورا } فلك مربوب هل عطاء خمصوص ونصيب غري
منقوص ،فال حرص لعطائه كام الحرص لوصفه كام ال حرص ذلاته ،لكن
التفاوت من حيث املعطيني المن حيث املعط وال من حيث العطاء
ابلنس بة اليه .فالكثري اكلقليل اليه ،لن الوصف توجه اىل اللك احلقري
واخلطري والتفاوت يف وصفه ،وامنا التفاوت من حيث مراتب اخمللوقني
من حيث نسبته الهيم .وهنا لواحئ تلوح ورواحئ تفوح تشم من قوهل عزمن
قائل { ماترى يف خلق الرمحن من تفاوت } [ الية 3املكل ] من حيث
210
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
نسبهتا اىل الوصف وقيام الرمحة هبا ،فأضاف العطاء اليه وآىت بنون امجلع
لنفهم مارمزان اليه ،ونتحقق ما آرشان اليه { وهللا يقول احلق وهو هيدي
السبيل } [ الية 4الحزاب ] فصدور مدد اجملذوبني احملبوبني بتجيل وصف
،وصدور عطاء السالكني بتجيل فعيل ممزوج مبظهر خلق ،عمل ذ ك من
علمه وهجهل من هجهل ،ويل يف ذ ك شعرا :
لك الوجود بتعظمي واكـــــــــرام من خصه هللا ابلتعريف قام هل
اال بتوفيق حمــفوف ابنعــــــــــام وانل من ربه ماالينال لــــــــــه
اىل مقام الرضا والصدق اقـــدام ومن يكن يف مقام الكد اكن هل
من رتبة احسان واميان واسالم فاللك مشمول ابلتوفيق انئلـــه
وذ ك حلمكة منه ابلغة ،اللعةل والبعةل { اليسأل عام يفعل ومه يسألون
} [ الية 23النبياء ] فال للعبد فامي يرد من هللا تعمل .ذل ك قال املؤلف
ريض هللا عنه :
( قلام تكون الواردات االلهية اال بغتة ؛ صيانة لها آن يذيعها العباد بوجود
االس تعداد )
قل ماتكون عىل املوجودين احملجوبني ابلكون الواردات اال بغتة ؛ يعين
غالبا اتياهنا بغتة من غري تربص وترقب ،والواردات يه مايرد عىل القلوب
والرواح والرسار من هللا من اللطاف ،والفتوح الوهبية واملنوح الوقتية
،ويه آما من طريق جتيل الفعال آو من طريق الصفات آو من جتيل
اذلات .ويه خمتلفة التأثري واحدة املورد ،مفن الوارد عليه من يتجىل هل
االمس البصري آوالسميع آوالعامل آوالقادر آواحل آواملتلكم آواملريد آومن بقية
211
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
السامء .آما آسامء النعوت وآسامء الفعال فاذا ورد وارد االمس البصري
نقلت بصريته لسائر املدراكت واملتخيالت واملعاين املتجسدات
املتشالكت ابلصور احلس يات ،آوورود وارد جتيل االمس السميع فيسمع
لك املسموعات ابحلس واملعىن بسمع اليشك فيه والميرتي ،بل يسمع
نطق امجلادات بفصيح التسبيح انطقات ،ورصير القالم العلوايت عىل
اللواح السفليات ،ويفهم سائر اللغات الكونيات واالشارات الغيبيات .
وهكذا يسمع اخلطاب الزيل اثبت من غري آصوات حرفيات ،وكذا
ورود جتيل االمس القادر واملريد فتنفعل هل سائر املقدورات ومتتثل ارادته
سائر املرادات املكوانت .واذا ورد جتيل االمس العامل يعمل لك املعلومات
من حيث القدر الالئق علمه ابالنسان وهو عمل لكيات العامل ال جزئياهتا
وهللا آعمل .فالتعزب عنه علوم املكوانت امللكيات وامللكوتيات
واجلربوتيات ،ويعمل رس اللكامت اليت ينفد البحر لو اكن لها مدادا ،
والشجر لواكنت آقالما دون احصاهئا والوقوف عىل غاايت هناايهتا ومبادهيا
.وكذا املتلكم يفصح عن غرائب اللكم ومجموعها بتعبري قديس ولسان آزيل
،وكذا احل اذا ورد من جتيل االمس احل حييي موات النفوس واجلهل ،
وكذا لك ماتوجه اليه حيي فتحيا به العباد والبالد .وهكذا اختالف
مواجيدمه ابختالف هذه التأثريات .
وقد تتعاقب عىل الواحد هذه الواردات ويطلق هل الترصف بسائر هذه
الصفات ،وكذا اذا ورد وارد امس نعت آوامس فعل اكن حاةل من ورد
عليه ذ ك االمس ،والحتىص الواردات لعد حرص السامء التوقيفيات ،وما
اس تأثر به عىل عامل الغيب والشهادات فال حتىص متعلقاهتا والتنهتي آايهتا
212
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فأوردها هللا بغتة رمحة منه بعباده ،ليعرفوا بذ ك عناية هللا هبم ومتام
نعمته علهيم ،وورود منته الهيم ،فيقرعون اىل هللا ابلشكر عىل ذ ك
فزيدادون من اللطاف املتوالية مااليتناىه من الضعاف .ويل يف ذ ك
شعرا :
لها مظاهر واجملموع توحــــــيد الواردات عىل حسب املواجــيد
لهنا من خزين الفضل واجلـود فال ترد يف مظاهرها بتوريــــــد
ولك غري سوى املفضال مفقود فليس فهيا سوى املنان محمــــود
فاذا علمت آن املواهب النفس ية تصان والتذاع لهنا من آرسار القدر
واالبداع ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( من رآيته جميبا عن لك ماس ئل ؛ ومعربا عن لك ماشهد ؛ وذاكرا لكام عمل
،فاس تدل بذ ك عىل وجود هجهل )
اذا آردت آن تعرف حا ك آين آنت من آهل العمل والمانة ؟ آم آنت من
آرابب اجلهل واخليانة ؟ فاعرض نفسك عىل مثل هذه العبارة ،فاالجابة
عن مصوانت العلوم ونفائس املعارف ولطائف احلقائق وجواهر ادلقائق
وغوايل الرقائق اليسمح ابالجابة هبا للك من سأل عهنا من غري آهلها ،اال
اذا آريد التشويق الهيا وادلعوة هبا جبواب يليق ابلسائل ،وحيسن عنده
طلهبا .والجييب عىل هذه النية لك سائل اال جاهل هبا ،اذ لوعرف
قدرها وحتقق رسها لظن هبا وغار عىل ظهورها ،فلك من عرف نفاسة
شئ اليسمح بظهوره بل يغيبه ما آمكنه بتورية وتغييب ،وان اكن
عنده من جيههل .فرتى الوحوش وسائر احليواانت يغيب ودله ما آمكنه
لنه آنفس ما عنده وآحب مادليه ،ومعربا عن لك ماشهد ابالجابة عن
214
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
المن حيث هو ؛ ولكن من حيث ماجتىل عليه واس تغرقه عن وجوده ،
فالعمل ابق عىل وصفيته هلل عز وجل اللغريه ،وامنا ظهر عىل من جتىل
عليه اال من حيث املقابةل واالستشفاف ،كام يقابل الصورة املرآة الصقيةل
فتحيك الصورة من غري انتقال للصورة عن ماهيهتا ،والخروج للمرآءة عن
كونيهتا .ولكام ازدادت املرآءة صفاء اختفى جرهما وظهرت الصورة حىت
يظن من العمل هل آن الظاهرة الصورة جمردة من غري واسطة ،ويظن
انعدام املرآءة فال وجود لها والكان املرآءة عىل صورهتا والصورة عىل
ماهيهتا .وهنا قال من قال من آهل الشطح واالصطالم مبا قال ،وفاه مبا
فاه ،وعمل من عمل من آهل الكامل والمتكني ـ فأعطى لك شئ حقه ،ووفا
لك حق مس تحقه ،ويل يف ذ ك شعرا :
نعم وال لك تعبــــــــــــــري مبشهود مالك مس ئول حيسن آن جييب به
وامنعه عن غريه ان الفضل حمسود ولك معلوم فاذكره لصاحــــــــــبه
واذا رآيت آنك مل تظهر ك الكرامات ،ومل تساحمك املقدورات ،ومل
تواتيك املرسات ادلنياوية ،ووردت عليك صنوف املصائب وآنواع
املتاعب والرضورات ،فال حتزن ذل ك ،والهتن ملا هنا ك .ذل ك قال
املؤلف ريض هللا عنه :
( امنا جعل ادلار الخرة حمال جلزاء عباده املؤمنني ،لن هذه ادلار التسع
مايريد آن يعطهيم ،ولنه آجل آقدارمه عن آن جيازهيم يف دار البقاء لها )
امنا هذه يؤىت هبا للحرص ،واحلمكة يف تأخري الخرة الصافية عن املكدرات
،والساملة عن التغيريات ادلامئة ،املأمونة االنقطاع والفناء ،وآخرها عن
هذه ادلار املوصوفة هبذه الصفات اال ليجازي هبا عباده اخلاصني به دون
216
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
غريه اذلين مل تس تعبدمه الهوى ،وجيعلها حمل ملا ادخره هلم من الكرامة
وآخفاه من قرة العني مما التسمعه آذن ومل تره العني ،وذ ك من آجل
كراماته وآعظم عطياته .ان آخر املس تحسن وقدم الكربة لزنول كراهته
بوجود راحته فكنه مل متسه الرضاء حيث عقهبا الرساء من عظمي عذابه
ووبيل عقابه ،آن يقدم املس تحسن املس تذل ،ويعقبه املؤمل املس تقبح ،
فكن مل يكن ملا تقدم وجود ابلنس بة للمتأخر عنه .كام ورد ذ ك آن آشد
الناس بؤسا يف ادلنيا من آهل اجلنة يغمس يف اجلنة مغسة فيقال هل :ابن
آدم هل مر بك بؤسا قط ؟ هل رآيت بؤسا قط ؟ فيقول الوعزتك
وجال ك مامر يب بؤسا قط والرآيت بؤسا قط ،وان آنعم آهل ادلنيا من
آهل النار يغمس يف النار مغسة ،فيقال هل :ايبن آدم هل مر بك خريا
قط ؟ فيقول :الوعزتك وجال ك مامر يب خري قط والرآيت خريا قط .
احلديث آوكامقال .
ومسيت ادلار وهللا آعمل لهنا دورة من دورات الفكل الطلس ،فهل
دورات عرش ية ودورات ساموية وملكوتية ،ودورات آرضية شهادية
ملكية دنياوية ،ودورات برزخية خيالية ،ودورات آخراوية نرشية
حرشية حتقيقية ،ودورات حسابية ،ودورات رصاطية جوازية ،
ودورات دميومية خادية فضلية آوانرية عدلية ،ودورات جاملية وجتليات
كشفية التتناىه دوراهتا يف العوامل الوصفية واخلزائن الرمحوتية ،والهيا
االنهتاء كام بدآان آول خلق نعيده .ولو آخذان يف بيان تدوار هذا الفكل يف
الطوار ؛ النقضت العامر دون الوصول اىل بيانه العامل .لنه الحد
ملبتدعات القدار من ابتداء نقطة هذا البياكر اىل منهتيى ما اليه اس تدار ،
217
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
218
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
219
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
الوجدان خمتلفة ،مفن وجدان يف العامل بطريق االميان عىل صدق الوعد
ابملوعود فيسهل اليه عسريه ،وهتون عليه وعوره ،ويتحقق دليه ظهوره
،ويرشق عليه نوره .وآما بطريق الشهود والعيان ؛ فتنكشف هل س توره
،وتس تويل عليه تباشريه ،وتزف اىل العامل عرائسه وحوره ،وتتغشاه
آنوار القرب ،وتشوقه لوامع احلب .وآول ذ ك ماكبدة وجماهدة {
واذلين جاهدوا فينا لهنديهنم س بلنا } [ الية 69العنكبوت ] وهو طريق الفناء
فينا ،ونعوضهم مبا ذهب مهنم معيتنا ،ونشهدمه حسننا واحساننا ،
فنصفهم به وجنعهل هلم نعتا فنعهتم حمس نني ،وذ ك ملا ظهر علهيم من حسن
معيتنا اليت مل تبق علهيم من آوصافهم وصفا ،ومل تدع فهيم معل من رؤية
نعوهتم نعتا .
وورد يف ذ ك " :اذا آخلص معل هلل واليقبل هللا اال مااكن خالصا " مثل
قوهل يف احلديث " من آخلص هلل آربعني يوما جالت روحه يف امللكوت
العىل ،وعادت بطرائف احلمك فنطق هبا قلبه عىل لسانه " فهذا من مثرات
العمل املقبول ،واليقبل هللا اال من املتقني ،ذل ك قال { واتقوا هللا
ويعلممك هللا } [ الية 282البقرة ] فهذا من مثرات التقوى .والتقوى مهنا
ماهو معل ومهنا ماهو عمل واللك معل .وقوهل صىل هللا عليه وسمل " :من
معل مبا عمل آروثه هللا عمل مامل يعمل "
واذا علمت آن ليس م مثرة للعمل اال العمل الادين اذلي يظهر ك وجه
الصواب يف لك معل وحال من هللا ،بال تعمل والتعمل بل يكون احلق
لصاحبه يدا ومؤيدا وقلبا وعقال ،فهذا وماشالكه من مثرات العمل املقبول
221
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
معرتفا ،وعىل رصوف قضائه صابرا ،وعىل لك مايقرب منه مثابرا ،
فليعمل آن هللا هل معظام ،ولقدومه مكرما ،وعن لك مايكرهه صارفا ،فان
هللا يويف عبده مبا عامهل { هل جزاء االحسان اال االحسان } [ الية 60
الرمحن ] واللك حقيقة من هللا ابتداء ،واليه يعود انهتاء ،فهو املتفضل مبا
عامهل به عبده ،فهو اذلي آوجده ووفقه وآعانه وتقبهل وآههل ،ومنه جزاه
يف دنياه وآخراه .واذا اكن العبد عن طاعات هللا متباطيا ،واىل معاصيه
مسارعا ،وحملارمه منهتاك ،وبأوليائه مس هتينا ،ولعدائه مواليا ومكرما ،
فليس تدل بذ ك عىل آنه عند هللا هماان ،وبعالمة البعد موسوما ،وعن
اخلريات حمروما مامل يتدراكه بتوبة وعفو وغفران .وهو املرجو من فضهل
آن هيدينا ويعفو عام حنن عليه من اجلرامئ ،وانهتاك احملارم ،وآن يوفقنا
ملرضاته ،ويسكل بنا طريق خواص آهل تقاته ،انه اجلواد الكرمي الرب
الرحمي .وكذ ك سائر آحبابنا ومشاخينا وسائر املسلمني ،وجينبنا واايمه
مضالت الفنت ،ويقينا من شؤم املعايص ورصوف احملن .ويل يف ذ ك
شعرا :
اذا آردت آن تقف يوما عىل قدر هل آنت من آهل قرب هللا يف الزل
فانظر اىل مايقميك فيه مقــــــتدر من فعل مكروه آومن خالص العمل
ان السالمة تظــــهر لك مس ترت يف ط مكنون ماقــــد اكن يف الزل
مفن يكن يف طريق اخلـري منترش فذاك حمبوب مثل املثل يف املثـــــل
م قال ممتام ملا قدمه :لئال يغرت ذي رآي ضعيف ابلطاعة دون هللا تعاىل
،فذل ك قال :
224
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
( مىت رزقك الطاعة والغىن به عهنا ؛ فاعمل آنه قد آس بغ عليك نعمه ظاهرا
وابطنا )
مىت رزقك آهيا الطالب واملتعبد اليب الطاعة ويه لك آمر حمبوب
موافق مريض .والطاعة رزق القلوب ،ورزق الرواح مشاهدة احملبوب
،ورزق الرسار االس تغراق يف متالطامت حبار النوار ،ورزق النفوس
مبس تذلات الطعمة .والطاعة يه رزق القلوب الساموية والنفوس الزكية ،
والطعام رزق النفوس الرضية احليوانية .ومىت رزقك االس تعانة ويه
رزق الرواح هو االس تعانة عن لك شئ القبالها عليه دون لك شئ وهو
الفناء به عن الش ياء ،وهذا هو العبادة الظاهرة ؛ آي الطاعة واالس تغناء
به يه العبودية ابطنا ،وهذا املطلوب من العبد آن يكون قامئا هلل ظاهره
مبا يقتضيه المر ظاهرا ،فانيا عنه ابطنه مبا يقتضيه احلق ابطنه .فاذا اكن
كذ ك فقد آمكل هللا عليه نعمته وآس بغها ،وآفاض عليه منته وآوسعها .
ومع العمل بذ ك يكون هل شاكرا ولالئه ذاكرا ،فتس تحق املزيد مما دليه .
ومع اجلهل بذ ك رمبا تنىس الشكر عىل هذه النعمة اجلليةل ،والتذكر هذه
املنن النبيةل فتتعرض لسلهبا .ويل يف ذ ك شعرا :
رزق القلوب يف الطاعات يعرف ذا من اكن ذا قلب للعلــــياء خمطوب
مىت رزق ذاك فليعــــــــــمل بأنه ذا ماقام ابلشكر صار اخلري جملــوب
وهذه من آجل نعم هللا عىل عبده حيث آقامه يف عبادته واختاره خلدمته
،وشغهل به عن رؤيته ،فاكن هلل ظاهرا وابهلل ابطنا .وهذا هو مطلب
الصفوة الخيار ،والنجباء البرار .لن خري ماعندمه آن يقميهم يف خدمته
ويسلمها عن الفات القادحة فهيا ،ومن اكن حاهل االس تغناء ابهلل عن
225
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
الش ياء فقد سلمت عبادته ،ومتت سالمته .ذل ك قال املؤلف ريض
هللا عنه :
( خري ماتطلبه منه ماهو طالبه منك )
خري مطلب للعبد من هللا آن ينال رضا س يده ،ورضاه متعلق بطاعته
برشط سالمته عن حمبطاهتا ،فليكن العبد ذل ك مراعيا يف مجيع آحواهل
وآعامهل وآقواهل لينال رضا ربه .ورتبة القرب منه اذلي يلهيا تطاولت آاكبر
النبياء وسادات املقربني الصفياء ،ولك مطلوب دون ذ ك فهو مشوب
وموسوم ابحلظ ،ولن يطلب العبد حق مواله اذلي هو العبادة ظاهرا
والفناء عن الوصاف والحوال والعامل ابطنا ؛ آوىل به وآمت من آن
يطلب مااليدري عاقبة آمره ومصدر وروده ؛ آفيه اخلري آم ال ؟ واذا اكن
فانيا عن اختياره وقامئا بأمر هللا توىل هللا رعايته ،واختار هل ما هو
الصلح يف آفضل المور ،فال تعلمه مبا يصلحك ومق هل مبا آمرك .واعمل
مىت كنت كذ ك كنت من العبيد الدابء ،فيصلح من يكون حاهل ذ ك
آن يكون من آخص الوزراء ،فيدعى ذل ك املقام وخيطب وحيظى ويزداد
يف املالء ذكرا .ومن مس تغال حبظه غافال عن س يده منازعا هل يف تقديراته
،ومشاراك هل بتدبرياته ؛ فيوشك آن يبعد عن احلرضة واليثبت هل يف
ديوان الوزراء اسام ،واليرفع هل هناك ذكرا بل يدخل يف غامر العوام
واجلهال الطغام .اال آن يس تأنف املقام ويعود يقتدي ابمام ذامقام اتم ،
فريىج آن تس تقمي آحواهل وهتذب آخالقه وتصفو آعامهل ،فأحسن ماطلب
الدب واش تغب به النجباء قرص الطلب عىل ماهو مطلوب احلق مهنم ،
فاكنوا يس تعيذون من آن يكون طلهبم ملقتىض حظوظهم العاجةل ،بل لك
226
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
االغرتار ،ودليل املكر من هللا ،وهو اكذب وهو باكء املغرورين ،فاذا
منع ماينفعه وآعط مايغرت به فال مرية آنه حمروم .
وآما احلزن اذلي يبعث عىل الهنوض فهو من آرشف آحوال السالكني ،
وآحسن سامت املريدين .وكيف والقلب اذا خرج منه احلزن خرب .
واحلزن من عالمات اخلائفني وشعار العلامء والزهاد ،وداثر الناسكني
والعباد ،ولليةل من حزين تعدل قيام آعوام من الفرحني آهل الرفاهة
املرتفني املطمئنني اىل زهرة ادلنيا ،الراغبني فهيا املش تغلني هبا عن التعلق
برب العاملني اهل الولني والخرين .وحاكايهتم يف ذ ك كثرية ،وآحواهلم
فهيا شهرية .كام يروى عن بعض زهاد هذه المة وآحبارها اكلفضيل بن
عياض ومن حذا حذوه وحنا حنوه ،يقال آنه مل يرى ضاحاك آربعني س نة .
وال آحق ابالتباع وآوصل ملريد االنتفاع من االقتداء برسول هللا صىل هللا
عليه وسمل ،مفن شامئهل آنه متواصل الحزان ،دامئ الفكر .ويقال :آنه
اذا آحب هللا عبدا نصب يف قلبه انحئة ،واذا آبغضه نصب يف قلبه
مزمارا .ويروى آن هللا حيب لك قلب حزين .ويل يف ذ ك شعرا :
احلزن حاةل آرابب السلوك ومــن خال عن احلزن حيرم لك مطلوب
يطلب اىل هللا يف الجوال مرغوب ان قارن احلزن عزم فهو بغية من
فلام انهتيى الالكم عىل ماتقدم آخذ يف تبيني حاةل العارف احملقق من غريه
ممن ينمت اىل املعرفة دون حقيقهتا ،فقال ريض هللا عنه :
( ليس العارف من اذا آشار وجد احلق آقرب اليه من اشارته ،بل العارف
من ال اشارة هل لفنائه يف وجوده ،وانطوائه يف شهوده )
228
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ليس العارف احملقق والعارف ابمس التعريف هو هذا ،وهو اذلي ينطق
عن وجوده ويشري عن شهوده ،قد انطوى يف مشهده آعيان الوجود ،
وامضحلت دليه تعديدات احلدود ،اذ االشارة جحاب عن امجلع اذلي
تذهب فيه ظهور الغيار ،لنه االشارة واملشري واملشار اليه ،فالخيفى
ما يف ذ ك من ظهور التفرقة والبعد عن مقام امجلع اذلي هو نعت العارف
احملقق والواصل املقرب ،كيف تكون هل اشارة آو افصاح عبارة وقد غاب
عن وجوده ،وفين عن شهوده ،فانطوى واندرج ليل آفعاهل ،وجنوم
علومه وسائر آفعاهل وآعامهل وآوصافه ،وتالشت ذاته بظهور مشوس
املعارف من آفق االحسان اذلي تنطوي حتت ظهوره مقامات االميان
ومعامل االسالم انطواء النجوم والمقار عند ظهور الهنار ،مفن التحق ذاات
ووصفا وفعال ابلعدم عند جتيل آرسار القدم ؛ فأين هل االشارة واالفصاح
ابلعبارة .
ويف اصطالح الطائفة آن االشارة االفصاح عام يتضمنه الوجد قوال يف
القوال ،وفعال يف الفعال ،وحاال يف الحوال ،ومقاما يف املقامات .
مفهنم من جيد املشار قبل االشارة ومه العارفون ،ومهنم من جيد مع
االشارة ومه الواصلون اىل مبادي املعرفة ،ومهنم من جيده بعدها ومه
السالكون الخذون يف طريق السلوك ومل يصلوا بعد .ويل يف ذ ك شعرا
:
ان االشارة تفصــــح لك منهبم من املعاين مكنون عن الغـــــــري
والعارفون هلم من فوق ذا مهم انلوا مقاما خيل عن ذ ك النظـــر
ومن يكن دون ماقلــــناه حمتمك يف حيطة العمل حمتوس يف الصور؟
229
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
واالشارة عىل رضبني :فاشارة حق ويه االشارة اىل احلق ابحلق ،واشارة
مردودة غري مقبوةل ويه اشارة اخللق اىل احلق لنه { س بحانه وتعاىل عام
يقولون علوا كبري } [ الية 43االرساء ] اذ ال آين وال كيف وال مل .م آخذ
يف بيان الرجاء احلق من الرجاء الباطل الصادق عليه ابلمنية ،فقال
ريض هللا عنه :
( الرجاء ماقارنه معل ؛ واال فهو آمنية )
الرجاء مقام رشيف من مقامات السالكني ،وحال مريض من آحوال
البرار والعلامء الخيار ،ويلتبس به حاةل غارة وخصةل ضارة تسمى المنية
،ويه تلبيس عىل من العمل عنده بطريق الرجال ،والحتقيق سنيات
الخالق ورفيعات الحوال ،فيظن جبههل ويتخيل آن الرجاء احملمود
واخلري املوعود هو المنية الاكذبة اليت يتخذوهنا املفاليس من العامل عدة
،فيعدون نفوسهم المارة بوسع الرمحة وعظمي العفو مع مامه مقارفون من
انهتاك احملارم ،والتبذخ ابملأم والتظاهر ابجلرامئ من غري مباالة ابمجلال
االلهي ،فيجعلون جنابه آهون الش ياء عندمه ؛ ويقولون نرجو حيث مل
يواخذان يف ادلنيا والقطع عنا الرزق ،وآنعم علينا بأصناف النعم وآلبس نا
العوايف يف ادلنيا آن يكون لنا يف الخرة آحسن من ذ ك ،وحنن عبيده
وهو يعط الخرة كام يعط ادلنيا ،وماشالك ذ ك من الماين والتغريرات
الاكذبة .وماعلموا آن ادلنيا حمل التكديرات غالبا اال من مل يؤهل للنعمي
الخراوي والرسور الرسمدي .
230
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
231
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ماس يحل هبم من العقاب وآلمي العذاب { وقالوا حنن آكرث آموالا وآوالدا
وماحنن مبعذبني } [ الية 35س با ] فقال س بحانه ردا علهيم خطامه ورادعا
هجلهم وسوء رآهيم { وما آموالمك وال آوالدمك ابليت تقربمك عندان زلفى } [
الية 37س با] م بني آن نيل الكرامة والزلفى ابالميان اجلازم والرآي احلازم
والعمل الصاحل ،فقال جل ذكره { اال من آمن ومعل صاحلا فأولئك هلم
جزاء الضعف مبا معلوا } [ الية 37س با ] اجلزاء الوىف مقابةل العامل ،
وتصفية الحوال ابالميان ،وهتذيب الخالق والقوال والعامل ،فبني
للك عامل جزاء ،وللك معل من جنسه ردا .ويل يف ذ ك شعرا :
ان الرجايبعث الطالب عىل العمل ويزجع السا ك الصادق عن الكسل
فال تظن الرجاء تزوير خمـــــــتدع يدعو اىل فعل حمضور من العمــل
ورمبا يقول اين حسن الظن بريب ،ولواك ن به حسن الظن لاكن هل حسن
املعامةل ،ومعه همذب الخالق صف الداب ،متبع ماهو به آمر ،
وجمتنب ماهو عنه هل انه .وهذا مقام يف اليقني وقدم يف التحقيق ،ولكن
العارف هل الكم رفيع ومثال منيع فوق ذ ك ،وعنده حيصل حسن الظن
عىل الامتم ،وبراءة عىل الكشف والعيان ،بال تلبيس فيه والغرور ،بل
عىل احملجة البيضاء ،يعط المور حقها ،قد خرج عن احلظوظ
والغراض ،وقام ابحلقوق ،اليعرتيه فتور والميازجه اعرتاض ،ذل ك قال
املؤلف ريض هللا عنه :
232
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
واملثول عىل اببه ،واالقبال عىل جنابه ،اليتلفتون اىل عاجل حظ وال
آجل جزاء .والعارفني مه احلكامء ؛ واملعرفة يه احلمكة ،ومه املهذبني
الدابء وامليامني المناء ،غرابء الوقات حميني من الس نة مافات ،
واملتداركني من الوقات مافات .واملعرفة يه اخلري الكثري واحل املطري{
ومن يؤت احلمكة فقد آويت خريا كثريا } [ الية 269البقرة ] واذلكرى يه فهم
الرسار وحتقيق املعارف بزوال الس تار الكونية ،وفنا مظاهر الغيار
وانطامس معامل الاثر .مفن خلص من رؤية ذ ك وختلفت عنه مقاطع
االغرتار فقد قام التذاكر ،وحصل من لك شئ عىل لبابه { ومايذكر اال
آولوا اللباب } [ الية 269البقرة ] فش تان بني من مهته القيام حبقوق ربه
وبني من يريد حظه من ربه .شعرا :
مهوم العارفني كذا وقــــــوف عىل مايريض املوىل تعـــاىل
ومطلب غريمه دامئ عكــوف عىل نيل ثواب وصفو حاال
ومه يف نيل مطلهبم صــــنوف ولكن الشهود هل رجـــــــاال
م آخذ اكملفرس لحوال البرار ،ومشريا اىل حاالت املوحدين وخواص
العارفني ،فالقبض والبسط آحوال ترد عىل قلوب الواجدين من هللا تعاىل
،وهل يف لك وارد حمكة يرتىق يف سلمها السا ك ،والقبض آثر من آاثر
جالهل ،والبسط آثر من آاثر جامهل ،وهو املسمى ابلقابض والباسط ،
ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( بسطك يك اليبقيك مع القبض ،وقبضك يك اليرتكك مع البسط ،
وآخرجك عهنام يك التكون لشئ دونه )
234
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
يسطك آوال من قبض اجلهل وظلمة احلجاب بأن كشف عنك غطاء
الطبع وآشهدك فس يح امجلع ،وآخرجك من ظلمة الهوى اىل نور العمل
ووس يع املشهد الرفيع ،م قبضك بشهود الاثر اجلاللية والسطوة
االنتقامية والزواجر احلجابية املؤذنة ابلبعد والطرد واملكر ،وذ ك يك
اليبقيك مع البسط فيفوتك من املعرفة به حسب مايفوتك من هذه
املظاهر .فكامل املعرفة يقتيض آن الجتههل يف شئ بل تعرفه جبميع آوصافه
والهناية لها ،فالهناية لرتيق العارف يف ادلنيا والخرة ،وما آظهرها علهيم
يف هذه ادلار االرمحة هبم يف دار القرار مفا آن تنقيض هذه ادلار تنقيض
علهيم هذه املظاهر وتندرج معارفها هلم ،وتنفتح علهيم اخلزائن الرمحوتية ،
وتزف الهيم املواهب االمتنانية ،ويظهر رس التضعيف الرسمدي .
والقبض والبسط حاالن يردان عىل قلوب السالكني يتودل عهنام اخلوف
والرجاء ،وعند ماترد عىل السا ك بسط املواهب خياف عليه من برد
المن املفيض بصاحبه اىل آن يدل عىل هللا ويصول عىل عباده ويزنل عن
علو العزمية اىل حظيظ الرخصة فيتداركه هللا بأن يورد عليه وارد القبض
فال يبقيه مع البسط بل يفنيه عن الوجود ،وتنطمس معامله فاليرى هل
بقية ،واليشهد لنفسه قدرا ،واليسمع عهنا خربا بل يكون حاهل االنطامس
واالنكامش يف العامل ،وترك ادلعاوي ملا يرد عىل قلبه من حمرقات
اجلالل املزجعة عن ادلعة ،فهذه من نعم هللا عىل عبده .وآشار بقوهل :
اليبقيك ،وتعبريه بقوهل :بسطك يك يبقيك مع القبض لن القبض يقتيض
بقاك ومعرفتك ،وبقوهل :يك اليرتكك مع البسط ؛ لن البسط يقتيض
فناك ومجعك ،فاذا تركك كذ ك فاتك من مقام العبودية حظا وافيا ،
235
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فعرب بيك اليرتكك فانيا عنك ،وعرب بقوهل :يك اليبقيك لريحيك عن ظلمة
جحابك ومغة عتابك يف اايبك ومأبك .م قال :وآخرجك عهنام ،آي
القبض والبسط لهنام من مقتىض التغيري ،والبقاء معهام حبس عن مقام
عدم التقيد ابلغيار ،وقيد عن اذلهاب فيه والوصول اليه ،فالمتكني رتبة
العارفني ومسة املوحدين ،والتلوين حاةل السالكني ومسة املريدين املبتدئني
،فاخلروج عن مضيق الوجود اىل فضاء الشهود اليكون للعبد فيه مدخل
والمنه تعمل ،وظهور عناية عىل من يدوربه واختص به ،لن العطااي
الوهبية واملنازل القربية مل يكن للعبد هبا شعور واللها يف خميلته ظهور وان
اكن اليسمع هبا لكنه يسمع بذ ك ،فاذا ظهر هل حتقق بعد آنه مل يكن ذ ك
ماحيتس به ونظر ماال يتخيهل .فالقبض والبسط آاثر ومظاهر آسامء الفعال
،واخلروج عهنام اىل فضاء الوصف اذلي الحرص هل والهناية ،ويكون
حالته الهيبة بدل القبض ،والنس بدل البسط .والهيبة يكون الشئ من
الس باب والبشئ من العراض ،ولكن يكون مقتىض املقام من غري شئ
يزيد عىل ذ ك ،والنس آيضا كذ ك البشئ والجبنس من الجناس ونوع
من النواع بل املقتيض املقام ،فال يعطيك غريه يف حال جتليه عليك
وتدليه اليك ،لن امجلال مأنوس واجلالل هياب .وان ظهر يف اجلالل
مايقتيض النس ويف امجلال مايقتيض الهيبة فال يكون حال العبد يف ذ ك
املقام اال مقتىض املقام ،والحمك بعد ملا يظهر من الاثر ،اذ احلمك هلل
العيل الكبري .
ومن اكن كذ ك اليكون حتت حمك الاثر واليتغري بتعاقب الطوار ،
واليتكدر برؤية الغيار ،والينبسط جبنة والينقبض من انر ؛ بل يكون
236
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
مع ربه فانيا عن الغيار كام يروى يف مثل ذ ك املعىن عن ابراهمي بن آدمه
ملا رؤي منقبضا جفعل يقول هل السائل :من كذا من كذا ؟ وهو يقول :
ماكذا ماكذا .والهيئة والنس آصل القبض والبسط لن القبض والبسط
يظهر آثره يف عامل الفعال ،والهيبة والنس غيب تظهر عن جتيل
الوصاف القدس ية والنعوت الزلية يف عوامل االجامل ،وابلنظر اىل تفاوت
هذين املشهدين يكون امجلع والفرق .فالنظر يف عامل التفصيل يقتيض
الفرق والتغاير الحماةل ،والنظر يف عامل االجامل يقتيض امجلع الحماةل .
فذل ك مل يكن للغيار ظهور يف عامل االجامل بل مل يكن م اال موصوف
بوصف ،ومنعوت بنعت وذ ك اليقتيض التعدد .فذل ك قال :آخرجك
عهنام يك التكون لشئ دونه ،ومىت نظرت لسبب وجود يف اجياد شئ
آواعدامه آي سبب يف آي شئ فأنت هل حىت تتخلص عن رؤيته آن هل
آومنه آوبه ،فعند ذ ك تنظر النفراد احلق ابالخرتاع واالبداع ،فتكون هل
لنك مل تر لغريه شهود والحقيقة وجود .ويل يف ذ ك شعرا :
القبض والبسط غري ان وقفت به دون احلقيـــقة ان حققت ايانسان
جز املقامات واحلاالت وافن بــه فمث تشهد بعد احلــــــــــاةل الشان
فان تفرقت يف التفصيل كنت بــه آغىش البصرية يف الكـوان حريان
حمايل الطرف حتمك ان نظرت بـــه آنك ترى منه آن الواحد اثـــــنان
م ملا اكن القبض والبسط حاالن ،وللك حال يف العبد آثر يقتيض آن
يكون العبد متصفا به ،حفاةل القبض تظهر عىل العبد آثرا ابالنكسار
واالنقهار حتت آحاكم القهار ،وهذا هو حاةل العبد القامئ بني يدي الس يد
اجلبار ،ومن هنا اكن خوف العلامء عىل حسب قرهبم وصفا مشهدمه ،
237
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
والبسط حاةل انبساط يف فس يح متسع امجلال يظهر آثره عىل العبد بصوةل
الفرج والرتدد بني رايض احلمك ،وتغين آطيار الرسور عىل آرائك رسير
املقامات ،وتديل آجشار اللكم فاليشك آن العبدعند ذ ك خيىش عليه
صوةل االدالل ،فتنقطع عنه امداد الوصال ،ويسد عنه آبواب االتصال ،
فذل ك اش تد خوف العارفني عند البسط والقبض حق احلق من العبد ،
والبسط حظ العبد من احلق ،وآن يكون حبق س يده آوىل من آن يكون
حبظ نفسه .فاذا اكنوا ابلبسط اكنوا آخوف مهنم اذا اكنوا حباةل القبض ،
والقبض آسمل حلاةل العبد الضعيف ،اذ مل يقف عىل الدب مع البسط اال
القليل من مكل العارفني اذلين ملكوا آزمة الحوال ،وضبط الفعال
والقوال عىل تغاير الحوال .م قال املفرس حلاليت البسط والقبض وحاكام
عند آرابب املواجيد العارفني بأس باب احلقائق ،السائرين عىل آوفق
الطريق .فقال :
( العارفون اذا بسطوا آخوف مهنم اذا قبضوا ،واليقف عىل حدود الدب
يف البسط اال القليل )
العارفون ابهلل وبأوصافه ونعوته وجتليات آسامئه ،واليكون عارف االكذ ك
،واملعرفة آخص من العمل وترادف احلمكة ،بل غالبا مايطلق علهيم بأهنم
احلكامء وآهنا املعرفة ،ويه من آجل منح هللا عىل من قامت به .
والعارف يكون هل المتكن والعامل التلون ،وهو خواص آهل هذا الطريق
وسادات سائر الطوائف ،ومه درجات عندهللا .مفهنم الفاضل ومهنم
الفضل ،ومهنم احملققون ومه املمتكنون اذلين يعرفون هللا يف سائر
املظاهر فيعطونه الدب يف لك معاين ولك متخيل ،ومه الدابء اخلواص
238
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
الغرابء ،حميني ما آمات الناس من السنن ،الناجني عند ظهور الفنت ،
املصلحني من ادلين ما آفسده الناس ،اذلين حيييون يف عافية وميوتون يف
عافية ،ويبعثون يف عافية .ميشون بني الناس ابلنصيحة بأجسام ميتة عن
ادلنيا ،وقلوب عاكفة يف الصفيح العىل ،يأوون اىل جناب احلق كام
تأوي الطري اىل آواكرها ،وحينون اىل لقائه حنني الثالكء ،اليكهنم مأوى
،والتقلهم آرض والتظلهم سامء .تتقلب قلوهبم يف املالء العىل ،ختلع
علهيم مالبس الرمحة العرش ية ،وتزنل علهيم السكينة الكرس ية ،وحييون
من هللا ابلسالم بني الانم .فقليل ماترامه العني بل مه حتت القباب ؛
خمدرين آجساف احلجاب ،اليطلع هللا علهيم اال من اختصه بقربه وآحتفه
حببه ،فيعرف اايمه وحيببه الهيم .
وقد آشار املؤلف يف هذه احلمكة اىل بعض عالماهتم وآهنم اذا بسطوا
آخوف مهنم اذا قبضوا ،وهذه من مجةل سامهتم ،وذ ك خلوفهم الوقوع يف
سوء الدب مع س يدمه ،والسقوط من عني مليكهم .وغاية رسورمه
ومنهنيى حبورمه يف لك فعل يكونون فيه حبق هللا ،ومنهتيى رشفهم ومطمع
نظرمه االنكامش يف خدمته ،وادلوب عىل اتيان حمابه ،وغاية حذرمه من
ضد ذ ك ،والوقوع يف حمذور سوء آدب معه ،وخيافون ذ ك الوقوع فيه
مع البسط آكرث منه يف القبض ،والقيام ابحلقوق الرشعية حباةل القبض
آقرب .فذل ك يكون آخوف يف البسط مهنم يف القبض ذل ك املعىن .
وخوفهم يف البسط الوقوع يف حاةل تضاد حاةل العبودية والدب ،فيخاف
الوقوع يف العطب .وكيف ال وهو مل يقف عىل الدب مع البسط اال
القليل ،فيخافون الحماةل آن يبدر مهنم ماهو خالف الدب مع هللا كام
239
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ماآورد ذ ك البسط اال بسبب من الس باب فال يكون ك به اعتداد من
حيث الحوال ،بل يكون من مجةل النعم اليت جيب الشكر علهيا ،
والفرح الزم البسط ،وقد ذم هللا الفرحني بغريه والغيار كيف مااكنت
سواء اكنت من العراض آم من الحوال ،قال هللا جل من قائل {
241
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فاذا ورد عليك مايوجب البسط من الس باب فالينبغ ك آن تفرح به
جلهكل بعاقبته واندماج رس خامتته ،فرمبا اكن ماتفرح به مما يكون فيه
الرتح وضده كذ ك .قال املؤلف ريض هللا عنه :
( رمبا آعطاك مفنعك ؛ ورمبا منعك فأعطاك )
رب تأيت للتقليل وقد تأيت للكرثة ،وهنا املراد هبا آكرثية لنه اذا آعطاك
مراداتك وماوعدك عىل نيل شهواتك منعك آس باب العطااي الهنية
واملش هتيات املرية اليت اليعقهبا زوال ،واليعرتهيا تغري ،واليعرتهيا كدر .
فاملنع يف مثل ذ ك العطاء ظاهر ،رمبا منعك من شهواتك وبغض عليك
مس تذلاتك ،وعوق عليك آس باب دنياك فأعطاك اجلزاء الوىف ،وآان ك
املقام العىل وآدخكل يف زمرة الكرماء ،ونظمك يف سكل الصفياء ،
فأعطاك آعايل الكرامات ؛ وآي عطاء آوفا من ذ ك ،وآي زلفى آعىل مما
هنا ك ،فاكن العطاء اذلي ابختيارك وبد ك بيان لك تدبريك منعا ،
ويكون لك منع خالف هواك وابين ارادتك عطاء ،فاخرت عطاء يكون
حقيقته منعا ،ومنعا يكون حقيقته عطاء .ويل يف ذ ك شعرا :
ان العطاء خري ماتعطى خبريته ان اكن منعا فذاك آقرب اىل الظفر
ولكام اخرتت آن تعطى خفــريته فذاك منـــــــــعا بال ريب به الرضر
واليعرف وجه املنع يف العطاء والعطاء يف املنع اال بفتح دلين وفهم
اختصايص ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( مىت فتح ك ابب الفهم يف املنع ،عاد املنع هو عني العطاء )
مىت فتح ك من خزائن الفهم املكنون ،واطلعت عىل دقائق العمل املصون
؛ فرآيت مايف املنع من عظمي النفع دنيا وآخرى ،علمت الحماةل آن املنع
242
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
عن مراداتك فهيا ذخائر سعاداتك ،فالجرم آن يعطيك نور الفهم آن املنع
عن ارداتك الفانية ؛ وحظوظك العاجةل عطاء الينفد وذخرا اليفقد .ومن
آمده هللا ابلفهم عنه آراه عواقب المور قبل آن يغرت بأوائلها ،وكشف هل
ابطهنا قبل آن خيتدع بظواهرها .والفهم من آعز علوم الصوفية لنه خيلقه
هللا يف القلب يدرك به الش ياء اصابة وخطاء ،فيعطيه آن اليأخذ واليذر
واليسمع والينظر واليتحرك واليسكن اال مبا اكن حمبواب ؛ موافقا ملا يف
ابطن المر عندهللا ،وان ظهر يف ظاهر المر آنه موافقا آومذموما ،
ويف الباطن عىل العكس من ذ ك ،فياخذ صاحب ذ ك املشهد ماهو
احلق عند هللا ويذر ماسواه وان آفتاه بضده .واليدرك املشهد من اكن
قياده بيد هواه ،وس ياس ته بنفسه دون اقتداء مبن يطلعه عىل كوامن
الهوى ،وخيرجه عن رين حمبة ادلنيا .ان الفهم يف المور اليكون اال عن
صفاء رسيرة ،والتصفا ويه ملوثة بكثائف الهوى ومدنسة مبحبة ادلنيا .
ويل يف ذ ك شعرا :
الفهم يعطيك يف الشــياء آحس هنا وخيرجك عن مضيق اجلهل ابخلرب
اذا علمت آن ذاك الفهم تعمل من ينظر به ان العطاء يف املنع منتظر
فلام اكن الفهم يعط من قام به آن ينظر بواطن المور واليغرت بظواهرها
،وينظر عواقهبا ،والينخدع بأوائلها .ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( الكوان ظاهرها غرة وابطهنا عربة ،فالنفس تنظر اىل ظاهر غرهتا ،
والقلب ينظر اىل ابطن عربهتا )
الكون هو ماعدى املكون ،وهو لك مادخل حتت كن من سائر آصناف
املكوانت احلس يات واملعنوايت ،واملراد هنا لك ماميكن آن يكون للنفس
243
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
اليه نظر وحظ ،والنفس من حيث الطبع واجلبةل جمبوةل ومطبوعة عىل
اجلهل ويه النفس احليوانية ،والقلب هو عبارة عن لطيفة نورانية آلبسها
احلق من آنوار آوصافه ما آخرهجا عن وصف النفس وحالها بنور آوصافه
،وآفاض علهيا من جتليات آسامئه ،فهي آبدا تتقلب يف حلل جتليات
السامء ،وتتزنه يف فس يح الوصاف الزلية ،تتلقى من صفة العمل ومن
صفة الالكم ومن صفة البرص والسمع ،واحلياة والقدرة واالرادة بقدر ما
آعطاها وقسم لها ،ويظهر علهيا من جتيل امس مايظهر به من سلطان
ظهوره ،فهي لوصاف احلق وآسامئه اكملرآة الصقيةل حتيك ما تنجيل به
علهيا ،وتفيض ماتلقيه الهيا .والقلب الصنوبري اللحم اكلعود الكثيف
اذلي تلصق به املرآة جماوزة الممازجة ،ومظهره يف اجلهة اليرسى االنسانية
،ومشهده يف اجلهة الميىن مواهجة .والنفس من حيث يه حيوانية آرضية
آمارية يف اجلهة الميىن ويه مواهجة جلهة الشامل .
ولو آخذان يف تبيني ذ ك خلرجنا عن مقصود الرشح ،فلرنجع وانخذ يف
بيان قوهل :الكوان ظاهرها ،وهو حمل احلظ النفساين والطبع احليواين يف
غرة يغرتهيا من آعوز الفهم يف بواطن المور ،ومل حيظى من النور القليب
مبا خيرجه عن صفة اجلهل ،وينعته بنعت العمل الفهم بل اكن هجل نفيس
وجسم آريض ،يتصفح ظواهر الكوان يف مس تحس نات اللوان ،
ومصقالت البدان ،فتفتنه حبس هنا ومتلكه وتستسخره حتت خدمهتا ،
وتس تعبده مبحبهتا ،ويكون كام قلت يف ذ ك شعرا :
اذا مل ترى ماحتت آثواب حس هنا بقيت هبا مفتون ولهان حـــــــــائرا
ولو كنت ذاقلب بصري بفتــــحها نظرت اىل ما المر يف ذاك صائرا
244
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وابطهنا عربة يعترب هبا ذوي البصائر فريون فناها يف حال وجودها رؤية
كشف وبصرية وجحة منرية بتحقيق قوهل { لك شئ ها ك اال وهجه } [
الية 88القصص] ووهجه يف لك شئ رس وجوده يف الش ياء ،فيعترب آولوا
القلوب مبا يه عليه من االنعدام يف حال وجودها عارية عن وجه احلق ،
فال يكونون مع الكوان بل مع مكوهنا ،فريون وجود احلق يف لك فطرة ،
فيكونون مع الكوان ظاهرا ومع احلق ابطنا ،فان خاطبوا مفعه ،وان
نظروا فاليه ،وان مسعوا فعنه .فتخاطهبم الرسار احلقية من وراء كشف
الس تار اخللقية .كام يروى يف مثل هذا املعىن عن معروف الكريخ
ريض هللا عنه حيث قال :يل حنو من عرشين س نة آخاطب احلق
واخللق يظنون آين آخاطهبم .آوكامل قال .
هذا يف مشهد احملققني ،وآما البرار واملريدين وعامة السالكني فعربهتا آن
يرون تغري آحوالها ورسعة انتقالها وكرثة عناهئا وقةل غناهئا ،وخسة
رشاكهئا ،فيكس بون العزوف عهنا والتزنه مهنا .مفن دعت اليه الهيا النفس
بظاهر غرهتا رصفهم عهنا القلب بباطن عربهتا ،فس بحان من آوصل قوم
مبا قطع به آخرين .فعربة املريدين ابلقلوب بأن ينظر الهيا ابالس تحقار
والتجايف واالس تصغار .وعربة الرسار للعارفني بأن يشاهدون وجود
موجدها عند رؤيهتا ،فهم اذلين يوفون احلقوق ويمكلون يف الداب ،
واليذمون شيئا واليس تصغرونه والحيقرونه .روي آن رسول هللا صىل
هللا عليه وسمل ماذم طعاما والاس تحقر عطاء والحقا ،بل وفا وعفا ،
وذ ك ملا آعطاه املشهد احلق يف املظهر اخللق .وابمجلةل فالعربة بشان
ذوي البصائر ،والعربة يه العبور من الصور اىل املعاين ،مفا من صورة
245
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
خلقية اال ويه تشري اىل لطيفة حقية ،مفظاهر الرتكيب مشرية اىل حقائق
الرتتيب .ويل يف ذ ك شعرا :
ان الشهود يريك احلق موجــــود يف لك مظهر يف الكوان والصور
فالرس خاطب من هل رس موجــود ويف احلقيقة ماخيفى ذوي العـــــرب
ولك شئ دون هللا ها ك ،والها ك الوجود هل ،مفن استند واعزت ابلعدم
فال جرم آن عزه به خذالن ،واستناده اليه حرمان ،ذل ك قال املؤلف
ريض هللا عنه :
( ان آردت آن يكون ك عز اليفىن ؛ فالتس تعزن بعز يفىن )
ان آردت آهيا املسرتشد والطالب املسرتفد عز وهو رفعة وثناء اليفىن ،
وهو العز ابهلل اذ مل يس تحقق س بل هذا الوصف ،وهو الغىن غري هللا
س بحانه ،ولك من سواه فذ ك من الزمه ،فلك عز بفاين فان ،ولك
عز بباق ابق .واذا آردت العز البايق اخملاد والفضل ادلامئ املؤبد فال
تتوصل اليه بضده ،اذ تطلب البايق ابلفاين ،ولكن ان آردت ذ ك
فاس تعز ابلبايق .والعز ابلبايق هو دوام التعلق به واليأس من غريه ،ودوام
االلتجاء اليه ،واالنكامش يف خدمته ،وانتظاره يف لك آزمة وكشف لك
مغة ،فال يكون اىل فاين استنادا ،وال عىل خملوق اعامتدا .ومن آنزل
همام ته بسواه فقد آعوزه ما آراده وفاته ماقصده ،فاذا اس تعزيت ابلكوان
وصلت هبا واعمتدت علهيا آسلمتك آحوج ماتكون الهيا ،فاهنا مع مليكها
وحتت حمكه ،وطائعة لمره .مفن آعزه هللا آعزته ومن آهانه آهانته ،
ومن آكرمه آكرمته ،ومن خذهل خذلته .فعليك ابلتعزز به والتعلق جبنابه .
246
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ومن دعاء رسول هللا صىل هللا عليه وسمل " اللهم اين آنزل بك حاجيت "
ويل يف ذ ك شعرا :
العـــز ابهلل ش مية لك ذي آدب يغين عن الكون يف الحوال ذا برص
ومن تعـــــــــزز ابلكوان اكن هل ذل طويل كام جا ذاك يف اخلــــــــــرب
فاذا اكن عزك ابهلل عن لك شئ مل يقدر آن يذ ك شئ ،وان اس تعزيت
بغريه واس هتونت جبنابه آذ ك لك شئ ،وسلط عليك لك شئ .واعزتاز
املؤمنني بصدق عبوديهتم لس يدمه .وصدق العبودية اليكون مع وجود
حظ النفس ،فلام نظر العارفون اىل ذ ك اكنت جل آشغاهلم يف اخلروج
عن آوصاف النفس لتصفا هلم العبودية من شوب احلظوظ النفسانية ـ
فيطلبون االنطواء واالنطامس عن رؤية نفوسهم وآوصافهم ،ومل يطلبوا آن
تطوى هلم املسافات البعيدة لغنامه عن ذ ك الط ،ذل ك قال املؤلف
ريض هللا عنه :
( الط احلقيق آن تطوي مسافة ادلنيا عنك ؛ حىت ترى الخرة آقرب
اليك منك )
ط مساىف ادلنيا هنا ط معنوي الط حيس ،ويه مسافة ادلنيا برؤية
فناها ورسعة انقالهبا وقرب الخرة ،فتضمحل الس باب ادلنياوية فزتول
املس تحس نات الكونية بفكره ساعة مجيع ادلنيا وذلاهتا وحمبوابهتا برشوق
نور اليقني يف القلب ،وهو اذلي يعطيك رؤية الش ياء عىل مايه عليه
من احلسن والقبح ،فعند رشوقه يف القلب ينظر الخرة وبقاها وحس هنا
ودوام نفعها ،وادلنيا وخس هتا وقرب فناها ورسعة زوالها وكرثة عناهئا وقةل
جدواها وكرثة بلواها ،فتنطوي الحماةل وتزنوي وتتحقق الخرة وترتآء ،
247
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فيغيب الباطن الفاين ويتحقق احلق البايق .وعند متكن اليقني من القلب
يظهر هل امجلال الزيل واملشهد القدس العيل ،فتنطوي الخرة عنده كام
انطوت مسافة ادلنيا عند رشوقه يف ابتدائه .لكن ط ادلنيا ط جحب
ظلامنية ويف مسافة الخرة ط جحب نورانية ،فهذا عندمه هو الط
حقيقة الط املسافة يف حلظة .فقد تكون ك عىل الندور من ابب
املكر ،والط الايم بوصال الصوم فليس هو املراد ،مع ترك القلب
مكبل يف مضيق ادلنيا وآس باهبا ومراداهتا ،بل يكون ذ ك محمودا اذا
آخلص هلل ،واكن حملض العبودية وآعطاها حقها اكن ذ ك مشكورا
وفضهل مشهورا ،ولكن آين السري ابلحوال من السري ابلعامل ؟
فالس يال ابلحوال سري املرادين الواصلني ،والسري ابلعامل سري املريدين
السالكني ،وش تان مابني الفريقني .ويل يف ذ ك شعرا :
حضائر القدس واس تعالمـراقهيا الط ط مسافات النفوس اىل
منازل الرس واس تزنه بواديـــــــها لهين ركب رسى شوقا يسري اىل
فاذا طويت املسافات اخللقية وابنت ك الفتوحات الوهبية ،ابن ك يقينا
آن ما آشار اليه املؤلف هاهنا من قوهل :
( العطاء من اخللق حرمان ،واملنع من هللا احسان )
وذ ك آن رؤية العطاء مهنم جحاب عن هللا كثيف ،ورؤيهتم دون آن
يكون مهنم آوهلم جحاب ؛ لكنه آلطف من اضافة آن هلم فعل معه ،فاذا
رآيت العطاء مهنم فقد حرمت من اليقني بقدر ما آضفت الهيم .وذلرة من
اليقني ماتقوم لها ادلنيا وماحوته من مجيع نعميها وحمبوابهتا ،وذ ك يتودل
منه آي عدم اليقني تقاد منهنم واس تعبادمه اايك ،وسقوط مزنلتك
248
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وابتذا ك .وآي منع آعظم من منع العطاء اذلي اذا نلته نلت مجيع خريات
ادلنيا والخرة ،والعز الرسمدي اذلي اليعقبه ذل وهو اليقني ،فاذا
فقدت اليقني فقد حرمت خري ادلنيا والخرة .واملنع من هللا احسان لنه
يوقفك عىل هللا واللجاء اليه ،واالفتقار دليه ،واذلةل واالنكسار بني يديه
.وآي عطاء آفضل من ذ ك ،وآي فضل آعظم مما هنا ك .
فأعياد الصادقني وموامسهم وجود فاقاهتم اليه ،ووقوفهم بني يديه ،فأي
احسان يزيد عىل ذ ك .واذا آحببته اكن لكام يصدر منه حمبوب عندك ،
واذا آعدمك اليقني كنت ابلضد من ذ ك بأنك تؤثر حمبة الغيار ،
والوقوف عىل اخللق عند ورود احلاجات وحصول نوازل املهامت ،فتقف
عىل من اليغنيك ،وتستند اىل من اليأويك .ويل يف ذ ك شعرا :
ان العطاء حيث مل يصدر من هللا حرمان حيرم ماهو رصف احسان
ولك منع من املوىل فان بـــــــــــه لك العطـاء ولك الفضــــل ايانسان
واذا علمت ما آرشدانك اليه من آن العطاء من اخللق حرمان واملنع من
هللا احسان ؛ علمت آن هللا س بحانه جيازي عباده يف ادلنيا والخرة عىل
آعامهلم ،جفزامه يف ادلنيا ماجيدونه من اليقني واالنرشاح والرتيق يف س ين
احلاالت ورفيع املقامات ،ومايوصهل الهيم من صنوف النعم ورضوب املنن
اليت الحتىص ،مع مايدخره هلم يف العقىب ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا
عنه :
( جل ربنا آن يعامهل العبد نقدا فيجازيه نسيئة )
آي ترفع وتعاىل وتعظم عن ذ ك الوصف ،الن ذ ك ينبين من العجز
والعدم ،وهو مزنه عن آن يعجزه ذ ك بل هل ،وهو الغلب آن يفيض
249
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
عىل عباده جزامه يف ادلنيا ،ويثيهبم يف العقىب .ان خزائن جوده التتوقف
عىل حمل دون حمل ،بل فائضة اجلود مس مترة الوجود كيف مااكنت
الحوال وتغايرت الزمان والوان ،فهو اذلي جيازي عباده بأعامهلم يف
ادلنيا مبا جيدونه من مثرات العامل من تضعيف الطاعات عىل الطاعة
وزايدة اليقني ،والرتيق يف مراتب االميان ومقامات االحسان ،ومااليقدر
قدره غريه من فواضل املنن وفوائد االمتنان ،مع ما يدخره هلم من الثواب
يف العقىب ،وما آعد هلم من رضوب النعم واالحسان ،وما آعد هلم يف
اجلنان ومل تفصح به لسان والحتده عيان ،وسوف يعمل ويرى وتشاهده
العني ويعلمه اجلنان .ويل يف ذ ك شعرا :
جفل ذا اجلود واالفضـال واملــــنن آن الجيازي يف ادلارين ابحسان
هو الكرمي اذا ما س يل ايانسان جيده طالبه فرد ومـــــــــــــــنان
مفن مجةل جزائه وفيض عطائه آن رضيك خلدمته ،وآهكل لطاعته كام قال
املؤلف ريض هللا عنه :
( كفى من جزائه اايك عىل الطاعة آن رضيك لها آهال )
آي يكفيك من جزاء الطاعة من هللا ،لو مل يكن غري آنه رضيك لها آهل
،كيف وهذا جزء من مجةل آصناف اجلزاء العاجةل والجهل .وهذا من
آعظم النعم وآوفر القسم آن آهكل لها قبل ظهور وجودك وآنت بعد مل
يأت اابن ظهورك ،وقد جعكل من آهل طاعته ،وكتبك يف جريدة آهل
حمبته ،ورمسك يف مرسوم خاصيته .ومل يكن ك هناك اخالص معل
والوس يةل والترضع وطلب .بل ابتداك ابلنعم ابتداء ،وخو ك املام ك
انهتاء ،وآمدك ابالمداد قبل ظهورك يف االجياد ،فيكف تطلب جزاء
250
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
،وآهنار مخرية لطفية .اىل غري ذ ك مما يفتح عىل قلوهبم يف لك سورة
ويف لك لكمة ويف لك حرف من مناحي الفتوح مما يندرج فيه نعمي اجلنان ،
وختتف عند ظهوره حسيس النريان .واليقدر آحد آن يصف مايفاحت به
قلوب العاملني عىل البصرية البيضاء واحملجة السمحاء ،ومامل جيد العامل
شيئا مما وصفنا ،بل فوق ما آرشان .فهو بعد مل خيرج عن مضيق الهوى
ودهلزي ادلعوى ،ومل ختلص طاعته عن شوب احلظوظ .
وآما مايورده من املوانسة فال يقدر آحد عىل وصفه ،لنه اليكون غاية
كامهل ولكية وصاهل اال بعد اس تقرار آهل ادلارين حني سأهلم احلق س بحانه :
اسألوين عبادي ،فيقولون ماذا نسأ ك وقد آعطيتنا ما مل تعط آحد ،
فيقول :رضاي عنمك فال آخسط عليمك بعده آبدا .فهذا وماشالكه من ذليذ
اخلطاب وشهي اجلواب من املوانسة ،وقد جيد آهل هللا يف ادلنيا طرف
من ذ ك ،ونس مي لطف مماهنا ك ،فيتذلذون به ويرتوحون من عناء
البعد .وذل ك يقولون :ليس شئ يش به نعمي اجلنة اال ماجيده احملبون من
المتلق مع احلبيب ،وتديل القريب ،ويل يف ذ ك شعرا :
فتح جيده آولوا اللباب والفـــــطن ان اجلزاء يف قلوب العاملني به
من اكن ذا شغف يف الرس والعلن وذلة احلب يف ادلنيا حياولـــــــه
م بني آن عبادة احملجوبني معلوةل ،ونياهتم مدخوةل ،فقال :
( من عبده لشئ يرجوه منه ،آوليدفع بطاعته ورود العقوبة عنه ،مفا قام
حبق آوصافه )
من عبده وقام بعبوديته عىل حسب امتثال المر واجتناب الهني ؟
والعبادة يه هذه لن هللا س بحانه تعبد عباده عىل آن يعبدوه اليرشكون
252
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
به شيئا ،ومن آرشك حظ نفسه يف انبعاثه عىل العبادة مفا آدا حق وصف
احلق ،لن حقه الطاعة عىل العباد جمردا من غري جزاء ،لنه س يدمه
وخالقهم ومالكهم ،واليس تحق اململوك عىل مالكه جزاء ،وان جازاءه
مفحض تكرم .واذا طلب العبد عىل عبادته جزاء وسالمة من عقاب
فأوىف حبق العبودية .ومنشأ ذ ك اجلهل بأوصاف هللا وماهو عليه من
الغىن ،وما العبد عليه من االفتقار .
وقد وردت آحاديث داةل عىل آن العبد اليكون ابعثه عىل العبادة اال
حمض احملبة هلل ،كحديث " اليكون آحدمك كجري السوء ان آعطى معل
وان مل يعطى مل يعمل ،وال كعبد السوء ان خاف معل وان مل خيف مل
يعمل " والقلب اذا امتال مبحبة هللا مل يبق فيه متسع ذلكر اجلزاء ،فغاية
مطلب العارفني ومنهتيى نظر احملققني اىل ختليص العبادة هلل اللشئ من
احلظوظ العاجةل وال الجةل .وماورد من طلب اجلنة واالس تعاذة من النار
فليس يناقض هذا املعىن ،لن طلب الفضل من مجةل وظائف العبودية ،
والفرار من االنتقام آيضا من مجلهتا ،فالطلب حيقق مقام الفقر والفاقة
والفرار من االنتقام حيقق مقام الضعف ،ويظهر اذلةل وقةل الطاقة ملقاومة
آوصاف اجلالل ،وهذا الخيفى آنه من مجةل مقامات الرجال يف مقام
الحوال .وآما عند خلوصهم عن رؤية الغيار وارتفاع الس تار عن
مصوانت الوصاف العلية ،فاليكون للعبد شعور ابلغيار والطلب جلنة
والهرب من انر ،الندراج لك ذ ك حتت آوصاف جامهل وجالهل ،فذل ك
قائل مهنم يف حال اخلطاب ومراجعة اجلواب :العبدتك جلنتك والخوف
من انر ،بل حبا ك وقياما بربوبيتك ،ووفاء مبا آنت هل آهل ،فأنت
253
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
آهل بأن تطاع والتعىص ،وتشكر فالتكفر ،وتذكر والتنىس .مفن آقمي
يف مقام احملبة وفا هذا املقام حقه عىل اذلوق الرصحي والكشف الصحيح ،
ومن مل حيظ من مقام احملبة حباهل فال ميكنه الوفاء بذ ك ،بل البد من عةل
تبعثه وخوف ينشطه ،والعلل سواء اكنت دنيوية آوآخروية ،ومن اكن
ابعثه اجلزاء آواحلظ فال خيلو ا آما آن ينبعث هلل لينيهل ذ ك .فاملرجو من
فضل هللا آن جيزيه اجلزاء الوفا ،وبقية ماهو خائف منه .وآما آن
الخيطر هل غري ذ ك احلظ املرغوب آوالعقاب املرهوب ؛ فالتصح عبادته
عىل الفتوى عند العلامء .واذلين قاموا هلل متفاوتون :مفهنم القريب
والقرب .ومهنم من يرغب اىل هللا ويفزع اليه يف حتقيق مطلوبه والمان
من مرهوبه ؛ فهذا من البرار .ومهنم من يرغب يف حتقيق الصدق يف
عبادته هل ال لشئ .ومهنم من يفزع اليه ويرغب ويرضع يف فناء وصفه
وغيبته عن رؤية معهل ،واخراجه عن مضيق وجوده اىل فضاء شهوده ،
قد شغفه عشق احلبيب عن آن نرجو آوخناف غريا ،ويطمح نظره اىل
سواه ،آويشهد اال اايه ،فهذه رتبة يف القرب ويه آوائل مقامات املقربني
.ومهنم من لو لكف عىل رؤية الغيار ونفسه من مجلهتا مل جيد اىل ذ ك
سبيال ،فهذا هو اذلاهب يف هللا عن نفسه ،واملاخوذ عن حسه ،
املفارق حببه وآنسه ،الغائب عن الوجود ،اخملتطف يف الشهود .والخفا
آن ذ ك لك الوجود هل لنه هلل اللشئ دونه ،تلك عن وصفه الفهوم ،
وتعجز عن حتقيق حالته الرسوم ،فاليقدر قدره ،والحيقق آمره سوى
من بيده ملكوت الش ياء ،وحتت حمكه حقائق الخرة وادلنيا .وآما من
سوى ذ ك فهم الخذين يف التفاين اذلين تغاير فهيم احلقائق واملعاين .
254
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
والقيام هلل اليكون اال ابهلل اذ مل يقم حبق وصفه من بقيت فيه من البقااي
الغريية والنعوت البرشية ،كيف واذلين خلقوا من عامل الصفاء اجملبولني عىل
الوفاء من النبياء والصفياء والعرفاء وآهل احملل الرفيع واملزنل املنيع .
مالئكة القرب يقولون :ماعبدانك حق عبادتك ،وس يد النبياء ومقدم
الصفياء آ كرم آهل الرض والسامء يقول " س بحانك ال آحيص ثناء عليك
" ولكن حبسب منازل القرب ونتاجئ احلب يكون حبس هبا القيام .فلكام اكن
مزنلته آقرب وحتقيقه يف احملبة آصوب اكن قيامه حبق العبودية آمت ،ونتيجة
حمبته آعظم .ولك من الصوفية يف هذه املشاهد تلكم وآعرب عام س نح هل
وترمج عام منح ،مفهنم من قال :اين آس تح آن آعبده لشئ ،ومهنم من
يقول :ماعبدانك جلنتك والخوف من انرك بضمري احلارض .ومهنم جعهل
ذ ك بضمري الغائب عىل مواجيدمه .
وآما حتقيق هذا المر مفاقام حبقه سواه ،والقدر حق قدره اال اايه .
ولذلاهبني عن رؤية وجودمه املس تغرقني يف حرضة شهوده ،واملتعلقني
بوصف معبودمه هلم نصيب من ذ ك .ويل يف ذ ك شعرا :
من اكن يعبده لنيل مطلـــــــــبه من حظ عاجل آومرغوب يف الجل
آو آمن خوف فذاك احلظ حيجبه عن رتبة القرب منضاف اىل العلــــل
كن عبده التكن تطلب سواه وال ترغب والجتزعن من صــوةل السل
مفا وفا حق مـــــــــــواله وس يده من اكن يطلب منه احلــــظ ابلصل
لكن يكن يطلب الفضل العممي مفا يف ذاك لــــــــــــوم والعتب والزلل
255
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
256
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
والسامء آما آسامء جامل آوآسامء جالل ،والبد للك من ظهور مبقتىض
حتليه يغاير غريه .فينبغ للعبد آن يكون طلبه ملعرفة ربه جبميع آسامئه وان
خالفت طبعه وابينت جبلته ليكون هلل اللنفسه .واذا علمت آن هللا
تعاىل قد توجه اليك ابللطف قبل وجودك ،وخزائن العطاء دليه ودفع
البالء موقوف عليه ،وآنت تعمل نفوذ قدرته وبلوغ حمكته علمت آنه مل
يزنل بك بلية والمنعك عطية اال ملصلحة تعود عليك ،علمت الحماةل
وجود اللطف يف الك احلالني ،فقد يكون العطاء سبب ملنع العطاء ،وقد
يكون البالء سبب دلفع البالء ،واليعرف ماقلنا اال من مارس مطالعة
كتب احملققني ،ووقف عىل آحوال العارفني ومامه عليه من الثبات عند
تغري الحوال .وآما من اسرتقه الهوى واس تعبده فال ياكد يصدق بذ ك
فضال عن آن يتحققه ،فان آردت آن تعرف لطفه بعباده يف مجيع مايتجيل
به علهيم ويورده من صنوف التعرفات دلهيم فامعل عىل جالء مرآتك ،
واخرج عن مرادك ،وافن وجودك حتت تراب الاثر احلقية ترى ذ ك
عياانوحتقيقا وبياان .واال مفن الزمك طلب احلظوظ ؛ وطلب احلظوظ
حاجبة عن صفو العبودية .ويل يف ذ ك شعرا :
ان العطا يشهد العبـد اللبيب اذا رآى من الرب مايــــــــــورد من النعم
ومشهد القهر هيديه ويكشف عن وصف االهل يف الزال والقـــــــــــدم
اذا شهد ذا حتقق الحماةل ان اللــ ـطف يف ذاك مصحوب فال يســـأم
فاذا حتققت آن العطاء نعمة ظاهرة ويف املنع نعمة ابطنة مل تتأثر بتغايرهام ،
اذ هام نعمتان من هللا .ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( امنا يؤملك املنع لعدم فهمك عن هللا فيه )
257
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
قد تقدم يف قوهل :اذا فتح ك ابب الفهم يف املنع عاد املنع هو عني العطاء
،واذا تأمل العبد عند ورود صفات القهر وجتليه عليه مبثل املنع وسائر
الاثر اجلاللية دل ذ ك عىل عدم فهمك عن هللا يف ذ ك الوارد ،ووجود
جحابه عن آوصاف هللا تعاىل وماهو عليه من الكامل ؛ فليس تأنف االرادة
ان اكن مريدا ،ويتخذ هل يف طريقته دليال ،وليعمل عىل تلطيف مرآه
قلبه بأنواع الرايضات وآصناف اجملاهدات .فعند ذ ك يرىج هل من هللا
آن يفتح عليه ابب الهداية ،والفهم عنه يف مجيع مايواهجه من تعاقب
الحوال .
والفهم كام علمت آن يريك ما آعد هللا فيه للراضني وماينيل الصابرين ان مل
تكن من املوحدين ،اذلين غاية مطوهبم من هللا آن يعرفوه جبميع آوصافه
،وآن حيققوا وجوده يف مجيع الاثر الصادرة يف مجيع الحوال لئال جيهلوه
يف شئ ،فاذا اكن مراده املعرفة كام وصفنا اكن لكام ظهر عليه هل فيه
الزايدة الكربى واملزنةل الزلفى .فالشك آن تس توي دليه الحوال ،
واليشمأز من منع ،والايخذه العطاء بل يكون مع هللا كيف مااكنت احلاةل
،ان منع اكن مشهده االمس املانع ،وآن آعط اكن مشهده لالمس املعط
وهو آحدي اذلات وآحدي الصفات .واملريد ذل ك السبيل دامئ يتصفح
وجود احلق يف آعيان الوجود فرياه موجود بكامهل يف لك موجود ،فال
غرو آن يعط هللا الدب يف مجيع مظاهر آسامئه ومبادئ آايته .ويل يف
ذ ك شعرا :
والتـرى غريه يف لك مشهود فللتأمل ان مل البــــــــــــــــالء اذا
سرته عنك مجود الطبع محمود فالفهم عنه يف الش ياء يكشف ما
258
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
والفقري املعمتد عىل هللا يكون جل مرما نظره اىل عواقب المور ومصادر
الفعال ،واملغرور اجلاهل ابلضد من ذ ك ،آي ينظر اىل حاصل مايفعهل
والينظر اىل ماتتضمنه العاقبة .ذل ك نبه املؤلف عىل هذهه اخلصةل بقوهل
:
( رمبا فتح ك ابب الطاعة ومافتح ك ابب القبول ،ورمبا قىض عليك
ابذلنب ،فاكن سببا يف الوصول )
رب تأيت للتقليل كام قدمنا االشارة اليه ،وقد تأيت للتكثري فهذا تنبيه منه
للمريدين ونصيحة للطالبني وحتقيقا لقصد العاملني ،فينبغ للبصري آن
الينظر اىل صور العامل آحس هنا وسيهئا ،فلرمبا يصحب مايفعهل من
العامل احلس نة ماحتجبه عن القبول مثل اخلصال القادحة ؛ اكالجعاب
واالدالل ،ورؤية آنه خري ممن ال يفعهل فيوجب احباطه ورده ،واحباط
لك معل يعمهل وهو مستشعر ملاذكرانه من اجعابه آورايئه آوادالهل .فان
العامل حال معهل وهو مستشعر ذل ك يكون ابب القبول منه مسدود ،
وسبيل الوصول عنه مردود .فالتنظر اىل معل حىت تعمل آن قد قبل وآىن
ك بذ ك .ومىت آراك تقف عىل خفااي الرايء ودقائق االجعاب ودقائق
احلسد وبقااي املنازعات للوصاف الرابنية مثل التكرب والتعظمي .فاذا
علمت ذ ك فامعل واعمتد عىل فضهل وخف من اقرتاف شئ من هذه
احملبطات فاهنا عىل من ظهرت عليه العامل واش هترت منه الحوال آقرب
ممن اليكون هبذه املثابة ،ذل ك اش تد خوف العاملني العباد ،واجملاهدين
والزهاد ،فاهنا ترد يف بعض الحيان عىل حني غفةل منه عهنا .
واليوحشك آيضا وجود اذلنب وحشة تفيض بصاحهبا اىل آن يقطع ابلبعد
259
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
260
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
سعادته فيتلك ويرتك العمل ،ولئال يطلع الشق فزيداد يف غيه وابيق
الش ياء من غري مباالة والتوقف ولغري ذ ك مما اليطلع هللا عليه من خف
احلمكة .فقد ورد :واذلي نفيس بيده آن آحدمك ليعمل بعمل آهل اجلنة
حىت اليكون بينه وبيهنا اال ذراعا ،آوقال شربا فيس بق عليه الكتاب فيعمل
بعمل آهل النار فيدخلها ،وان آحدمك ليعمل بعمل آهل النار حىت مايكون
بينه وبيهنا اال ذراع آوقال :شربا فيس بق عليه الكتاب فيعمل بعمل آهل
اجلنة فيدخلها .مفن ذ ك مل يقطع بسعادة والشقاوة ولكن للك شئ دالةل
وللك رمس عالمة .ويل يف ذ ك شعرا :
فرمبا يفتح العامل خالقـــــــــــــــــها ومافتح ابب مايصلح به العـــــــمل
وايضا املعايص التوجب لصاحبـــها بعدا اذا صلحت الحوال واخللـــل
اذا حصب صاحب العامل رؤيـــهتا اكنت كام مجةل الوزار والزلــــــــل
وصاحب اذلنب يقنط عند رؤيهتا ان سال من حزنه الجفان واملقـل
اذا علمت آن حمكة الطاعة اظهار العبودية ويه لزوم آوصافك ومعرفة
نفسك والتعلق بأوصاف هللا فهيا حيصل معرفة هللا عز وجل ،فاذا
حصب الطاعة مايناقض ذ ك وحصب املعصية ذ ك اكن ماقاهل املصنف
هاهنا وهو قوهل ريض هللا عنه :
( معصية آورثت ذال وافتقارا ؛ خري من طاعة آورثت عزا واس تكبارا )
هذا زايدة بيان ملا آسلفه ،معصية جرت وقضية حمكت وهفوة س بقت ،
م حصهبا الندم واالنكسار ،واذلةل واالفتقار واس تصغار النفس ،مفعصية
آعقبت هذه الحوال وآمثرت هذه الداب وآقامت صاحهبا عىل جادة
العبودية اليت يه سمل اىل حتقيق كامل الربوبية خري بالشك والريب من
261
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وعدم االرصار ،واكنت منه عىل غري معاندة وآمانة يرتكب املعايص
ويطلب التقرب ،فاليقول بذ ك قائل .
والطاعة آيضا اذا حصهبا العزة واالس تكبار املناقضة لها واملباينة حلمكها اذلي
آقميت ،ومن آجلها طلبت .واال فالطاعة اليقول عاقل آهنا تكون دون
املعصية ،آوآن صاحهبا هيان ،بل يه اذلي هبا الزلفى والكرامة دنيا
وآخرى .وتعظمي آهلها من آجل القرب ،واهانة آهل املعايص املقميني علهيا
واملرصين املهتورين يف معايص هللا كذ ك من آعظم الرتب .فالود واحلب
لهل الطاعة من رصحي االميان ،والبغض واملنابذة لهل املعايص
والطغيان دليل عىل كامل االيقان ،لقوهل تعاىل { الجتد قوما يؤمنون ابهلل
واليوم الخر يوادون من حاد هللا ورسوهل } [ الية 22اجملادةل ] وقال يف
وصف آهل االميان { رحامء بيهنم } وقال فهيم آيضا { حيبون من
هاجر الهيم والجيدون يف صدورمه حاجة مما آوتوا } [ الية 9احلرش] فينبغ
ملريد سلوك الخرة آن يتحرى آخالء الصدق والوفاء ،وجيانب آهل
اخليانة .فان موانسة آهل الغفلو ظلمة ،ومباينة آهل الصدق وحشة
ومغة .فاايك والركون اىل الفساق ،والفرار من آهل احلق وآهل التفرد
واالشفاق ،فان ذ ك من الغرور .وماذكر اال لئال يركن مريد اىل نفسه
ومايصدر عنه فيكون حمجواب بفعهل ومبعود ،فاليظن آن املقصود بذ ك
نفس الطاعة واملعصية ولكن املمدوح مايصدر من الخالق السنية ،
واملذموم مايظهر من الحوال املذمومة والخالق امللومة .ويل يف ذ ك
شعرا :
263
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
تراه يتقلب يف نعم هللا وهو اليشعر بكونه يف نعمة ،ولو خيل عنه املدد
االلهي والقيام الرمحويت ،واللطف الرابين المضحل والانعدم .شعرا :
عىل الوجود بفيض الفضل والكرم فمك من هللا امداد جيــود هبا
عىل الــــــربية يف الش باح والنسم فنعمة هللا مابرحت جيود هبا
فنعمة االجياد يه الصل ويه اليت قبلت االمداد ،ذل ك قال املؤلف
ريض هللا عنه :
( آنعم عليك آوال ابالجياد ،واثنيا بتوايل االمداد )
آنعم عليك وتفضل ومن وتطول ابالجياد قبل آن التكون شيئا مذكورا ،
بل كنت شيئا منس يا ،مل تكن آهال اليراد مدد والحتويل عدد .م آمدك
بأمداد عظمية وآالء جس مية ،وتفضيل امداد النعم لك شئ عىل حدته
مماالمطمع فيه ولكن االشارة اىل البعض مهنا تدل عىل اللك ،واملعرفة
ابمجلةل تغين عن التفصيل .مفن النعم مااكنت نعم آزلية رسية ،ومن النعم
مايه نعم روحية ملكوتية ،ومن النعم مايه نعم قلبية علمية ،ومن النعم
مايه ملكية حس ية .
فالنعمة الزلية يه آن رش من نوره وجوده عىل ظلمة عدمك فوجدت
وهتيأت فيك القابلية للك ما يلقى اليك من الرسار التوحيدية احلقية ،
وآما النعمة الروحية فهو آنه توجه اليك ابخلطاب وآهلمك الصواب يف
اجلواب .وآما النعمة القلبية فهي آنه آنزل يف قلبك نور االميان مبا س بق
من خطابه وآنتج فيه نتاجئ الزينة والثبوت عليه من غري تردد والتوقف ،
وفتح فيه خزائن العلوم الغيبية وروازن الرحامت العرش ية ،والصور
النورانية اللوحية عىل الصفاحئ الكرس ية ،وجعهل مرآة تظهر جتليات
265
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
السامء اللهية ،ففيه يظهر هيوال احلقيقة ؛ الهيويل آصل الشئ اكلفضة يف
ادلرمه فاهنا آصهل ،ومنه تفيض س بل الطريقة ،وجتري آهنار العلوم
وخلجان الفهوم ،وعليه يكون مس تقر اململكة االنسانية ؛ والسلطنة
االميانية .
وآما النعم امللكية احلس ية فهو ما من به من القيام عىل ما آرشدك اىل
القيام به والقوة عىل القيام ابلوظائف الرشعية وادلوام علهيا ،والصرب عن
مناقضاهتا واجتناب قوادهحا ،ورصف النفس عن شهواهتا ودواع
تزويراهتا ويه التنحرص .ومع كونه من عليك بذ ك وآنعم مدحك عليه ،
وآاثبك ووعدك عليه جزيل العطاء وعظمي الفضل ،ووجه اليك مجيع
الس باب ،وجعلها ك برس التسخري متوهجة واليك مقبةل ،فالحتىص
نعمه ،والتنحرص آايدي جوده .مفن مل يتفقدها مل يشكرها ،ومن
يشكرها فقد تعرض لزوالها وانتقالها عنه .مفن آين للقوى البرشية الرتابية
آن تتأهل الشئ من هذه النعم لوالفضهل ومعمي جوده ،وحفظها والثبوت
علهيا مما اليقدر ضعف البرش عليه .فان الحوال معرضة للتغيريوالزوال
ورسعة االنتقال .فينبغ للعبد آن يرضع اىل هللا ويدمي اللجاء بني يديه
يف حفظ ذ ك عليه ،ودوام توهجه اليه ،ورصفه عن ضده وتقربه منه .
ولوآخذان يف عد ما يف صورة االنسان من النعم االمدادية عىل ممر
النفاس يف سائر احلواس الس تدعا اىل طول يف تقس مي آصنافها وتعديد
آنواعها .ويل يف ذ ك شعرا :
آنعم عليك ابجياد وتصـــــوير ومد من فضهل اميان وتــــنوير
فمل تزل تتواىل اصناف نعمته مقدر اللك من الش يا بتدبري
266
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فاذا عرفت هذه النعمتني ؛ نعمة االجياد آوال ونعمة االمداد اثنيا ودواما ؛
تبني عندك حقيقة افنقارك ،وظهر ك وجود اضطرارك اليه آبدا رسمدا ،
اذ اليس تغين وجود عن املدد اذلي يكون به موجودا دنيا وآخرى .ذل ك
قال املؤلف ريض هللا عنه :
( فاقتك ك ذاتية ،وورود الس باب مذكرات ك مباخف عليك مهنا ،
والفاقة اذلاتية التدفعها العوارض )
فاقتك آهيا االنسان ذاتية ك ،والفاقة يه شدة االحتياج اىل مدد يدفع
عنه مايناقض حاةل الوجود وهو مايدفع عنه العدم .فاقتك آهيا االنسان
اىل وجود اللطف واالحسان من احملسن املنان ذاتية ؛ آي آصل ذاتك
تطلب ذ ك واالنفاكك لها عنه ،فذاتك آبدا طالبة مس متدة الغىن لها ،
وان وجدت دلهيا الس باب العرضية فال ترفع هذه الفاقة اذلاتية ،اذ
الس باب خارجة عهنا التغين عهنا لهنا آيضا آي الس باب مفتقرة ومس متدة
،فكيف ترفع عن غريها آومتد غريها مايه حمتاجة اىل من يدفع عهنا وميدها
،فثبت معوم افتقار مجيع املسببات وآس باهبا يف ذواهتا وآوصافها وسائر
آفعالها من حراكهتا وسكناهتا دنيا وآخرى وبرزخا ومقرا .والغىن هلل ذايت
يف آوصافه وآفعاهل ومجيع مقدوراته ومراداته .وعىل هذا السلوب فاعمل
مباينة هللا ملكوانته يف مجيع آوصافه وآفعاهل فهل الوجوب ،ولها اجلواز وهل
الكامل ،ولها النقص وهل الغىن ،ولها االفتقار وهل القدم ولها احلدوث .
وآوصاف احلق التفارقه فال تتغري بتغري الحوال والختتلف ابختالف
املظاهر ،وآفعاهل آيضا الحتتاج وتفتقر اىل الالت واالرتباطات كام تكون
267
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
يف العوايف ،وساق الهيم من ادلنيا ماينس هيم الرجوع اليه والوقوف بني
يديه حىت اذا انقىض آمرمه وانهتا عددمه فسلط علهيم من رس القهر
مااليقدرون عىل دفعه ،ومل يتفرغوا اىل معرفة من آورده علهيم وسلطه ،
بل آخذ عىل القلوب آن تفقه ،واللسن آن تنطق ،والعني آن تبرص ،
والذان آن تسمع .فوردوا الخرة هبذا الوصف مص بمك مع .فانظر اىل
حمكة هللا يف ايراد الس باب عىل العباد آهنا هلم نعمة ،ووجودها دلهيم
رمحة هلم ولكن اخللق يف وجودها يتفاوتون بتفاوت آحواهلم ؛ مفهنم من
يتلقاها ابلرىض والفرح ورؤية املنة هلل فهيا كام يرى غريه ذ ك يف املالمئات
،ومهنم من يتلقاها ابلصرب والتحمل هلل ،ومهنم من يتلقاها ابلتربم
والتضجر ؛ فللول الرضا وللثاين العطاء وللثالث نفوذ القضاء .ولكن اذا
نظرت يف فاقتك اذلاتية علمت آن الس باب العرضية التدفعها فالتس تغين
وان آعطاك ووقاك ،فاليفارقك وصفك واليزايكل نعتك يف ادلنيا وال يف
الخرة ،ولكن قد يفيض عىل وجودك فائضات االمتنان فيغمرك وجود
االحسان فتضمحل آوصافك وتبقى هذه املالبس االحسانية واخللع
االمتنانية ،فالتاكد تظهر آوصافك اال ابلعمل هبا ؛ وذ ك يف العامل
الخراوي حىت يلبسهم مالبس فضهل وامتنانه ،يف حمل رضوانه وجتيل
احسانه يف دار جنانه .ويل يف ذ ك شعرا :
منه العطااي اىل آقىص هنايــهتا الفـــــــقر للعبد ذايت وان بلغت
قد يورد آس باب تؤمل من تمل به لكن هبا يعرف االنسان غايهتا
وترجعـــــه الصل فاقته وحاجته ويذكر آوصاف يف ذاته بدايهتا
269
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فاذا علمت آن خري آوقاتك وقت تعرف فيه مقام عبوديتك لس يدك ،
وتشهد فيه كامل ربوبيته ،سلط عليك من الس باب مايثري ذ ك من
الوصاف القهرية ليقميك يف خري مقاماتك ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا
عنه :
( خري آوقاتك وقت تشهد فيه وجود فاقتك ،وترد فيه اىل وجود ذلتك )
خريآوقات العبد مثوهل بني يدي س يده ،ممتليا مبحبته ،مبهتجا بقربه ،
راض عنه يف قضائه ،ساكنا خاضعا حتت جراين آحاكمه ،منطرحا يف
آرض عبوديته ،يرى اخلري فامي خيتاره هل الفامي خيتار هو لنفسه ،خارجا
عن حوهل وقوته ،واثقا حبول هللا وقوته .فهذا وماشالكه من لك مايكون
خارجا عن مالمئة طبعه ومقتىض هواه ،ومباينا ملراده من مطلوابته
النفسانية وشهواته احليوانية ،واثقا بربه معمتدا عليه ،وانظرا اليه ،
ومس تكينا بني يديه .فهذه آعياده وموامسه وغاية رغبته فامي يعامل به ربه
من نفسه ،فال آحسن من حاةل العبد اذا اكن فرحه بقرب س يده ،
وادلخول يف غامر آهل حرضته الدابء ؛ وخاصته المناء .خفري آوقاهتم
آوقات الرضورات لهنا خترهجم عن االعامتد عىل الغيار ،وتباين هلم
الس باب احلاجبة هلم عن شهود مليكهم .مفىت زالت عهنم ووقعوا يف
رضورة االلتجاء اىل اجلناب االلهي ،ومصدت هبم الفاقات وملامت
احلاجات اىل من يصمد يف احلواجئ اال اليه ،واليطلب املواهب اال منه ؛
فأي وقت آحسن من هذا وقد آوقفهم مع هللا وردمه من بعد الس باب
الغريية والوهام العدمية اىل اليقني والتحقق مبقامات القرب والمتكني .
270
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
274
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
275
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وآما عامة اخللق ومه العبيد ؛ عبيد التعديد فهم حمبوسون يف مضيق
احلس الغالب علهيم كوهنم مع ماوافق حمسوسهم والمي نفوسهم ،فاذا
وجدوا ذ ك آعرضوا عن هللا .وان اضطروا اليه رجعوا ابلرصاخ والعويل
واالستشفاع اليه ابلس باب والوسائل ،فهم آبدا حمجوبني يف الك احلالني .
خبالف العارفني فهم مضطرين اليه آبدا رسمدا ،آغنياء معن سواه ،
اليرجعون يف هماهمم اىل غريه ،واليزنلون حواجئهم بسواه .ويل يف ذ ك
شعرا :
فاليزال اضطرار العـــــــارفني وان نــــالوا من احلظ مايقيض به الوطر
فالتقـــــــــــــــــرهبم من دونه ارب واليروق هلم يف غـــــــــــــريه نظر
قد ابينوا لك مألوف كذاك فان الـ ـمرء يفرق بني العني والثـــــــــــر
فالتزايل ذوي العرفان حاجـــــهتم يروى عن العارفني السادة الغـــرر
ومن عالمة العارف وبعض مشاهده آن يكون مع هللا ابطنا وظاهرا ،
فريى مجيع القوى الظاهرة آاثر نور االمس الظاهر ،والقوى الباطنة آاثر
االمس الباطن .ومن مل يتحقق ذ ك مل تصح معرفته ؛ فمل يعرف نفسه ومل
يشهد ربه .فأرشد املؤلف اىل آنه مل يتحقق ابالضطرار مامل يعرف ذ ك ،
فيتحقق بالحول والقوة اال ابهلل العيل العظمي اذلي هو كزن من كنوز
العرش فقال :
( آانر الظواهر بأنوار آثـاره ،وآانر الرسائر بأنوار آوصافه )
اانرة الظواهر احملسوسات اخللقيات بأنوار آاثره ؛ آي آفعاهل ،وهو لكام
توهجت اليه القدرة واالرادة والعمل ،فلك مقدور مراد معلوم فهو آثر مبؤثر
فيه ،ولك مؤثر فيه فهو حادث مبحدث .وماحص حدوثه جاز عدمه ،
276
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ولك ماسوى هللا فهو حمدث ابحداثه وموجود ابجياده .فالوجود لكه آثر
ملؤثره ومدبر حتت حمك مدبره ،ومرصف بترصيف مرصفه .فالفناء
واالنعدام متطرق اليه ،وآوصاف هللا قدمية بقدمه ابقية ببقائه ،واجبة
بوجوبه .وآنوار الظواهر هو وجودها .
وقد علمت آهنا من آنوار الاثر ،وموسومة بسمة الغيار .وآنوار
الرسائر من نور الوصاف الزلية ذل ك مل يتطرق الهيا تغري ،واليتوجه
الهيا االنعدام بل يه آزلية رسمدية ادلوام .وآنوار الظواهر يه احلواس
الظاهرة اكلسمع والبرص والشم واذلوق واحلس ،وتعلقها ابلظواهر
ومايتعلق هبا فالتتعلق ابلمور الغيبية والصفات العلية ،وامنا يه قارصات
عن ادراك المور اخللقية حسا ومعىن ،وآنوار الرسائر يه من آنوار
الصفات فتعلقها هبا ويه ابقية الفناء لها ،والزوال والغيبة والارحتال ،
بل يه دامئة بدوام ما يه متعلقة به وموجودة منه وهو الوصف االلهي ،
فالرسائر يه اللطائف االنسانية اكلقلب والروح والرس واانرهتا مبا آفاضه
علهيا من نور ذاته وصفاته وآسامئه ،فالرس ابالس تغراق ،والروح ابلشهود
واالستبصار ،والقلب ابفاضات العلوم ولطائف الفهوم ،والظواهر امنا
تتعلق ابلتدبريات الكونية واالدرااكت احلس ية اخللقية ،ذل ك تطرق اليه
بزوال متعلقها وغيبته ،ذل ك آي لجل آن تعلق آنوار الظواهر ابلعيان
الظاهرة احملسوسة احملكوم علهيا ابلفناء والزوال ؛ آفلت النوار الظاهرة
وغابت مشوسها لتبدل آرضها وانكشاط سامها ،ومل تأفل النوار الرسية
واملشاهد احلقية لثبوت مشهدها ودوام حقيقهتا .م آنشد املؤلف لنفسه
ريض هللا عنه مشريا اىل هذا املعىن ومؤيدا لهذا املبىن فقال شعرا :
277
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
واستبرص رآى لك حمبوب عنده مصيبة ،ولكام اكن آشد حبا اكنت
املصيبة عنده آعظم .فلك مصيبة تصيبه يف دنياه فهو عندها :آما ذو
فرحة ملا حيتس به عندهللا من عظمي الجر بوعده الصادق عىل ذ ك ،وآما
متخلص من وبيل تفجعه لك حني بتوقع املصيبة هبا .ويل يف ذ ك شعرا :
خيفف آالم مايــــــزنل بذي المل علمه بأن االهل احلق خمــــــــتار
فذا اذلي آنزل املقــدور واحتمك هو اذلي آورد آرسار وآنـــــوار
ليحملن مـــــــرير الرض والسقم حسن انتظار لفضل منه مدرار
واذا اكن للعبد بصرية وصفو رسيرة محل عنه مايشهده من لطف هللا يف
قضاايه ،فال قضية ينفك عهنا اللطف ،واللطف هو وجود احلق يف ذ ك
الوارد آما بطريق اجلالل ان اكن مما يالمئ البرش ،وآما بطريق امجلال
والعطف واالحسان ان اكن ،فلك من نظر بذ ك النظر واستبرص بذ ك
املعترب عمل ما آشار اليه املصنف رمحه هللا بقوهل هنا ريض هللا عنه :
( من ظن انفاكك لطفه عن قدره ،فذ ك لقصور نظره )
من ظن وحمك ظنه بأن اللطف مل يقرتن ابملقدور وينفك عنه فذ ك الظن
الفاسد صادر عن قصور النظر عىل ماهو احلاةل الراهنة يف الوقت دون
آن يرمق عواقب المور ،آو ميعن النظر فامي قارنه من املصاحل ،ودفع
ماهو آعظم منه رضرا وآكرث خطرا ،ومل يعطى النظر يف العواقب
وخفيات اللطاف اال ثواقب آنوار اليقني .واذا اكن قارص النظر عن ذ ك
فاس تدل به عىل ضعف يقينه بقدر مايفوته من شهوده يف املقدورات من
اللطاف .فذل ك ملا مكل يقني النبياء وآاكبر الصديقني وخواص املقربني
الصفياء ،اس تالنوا البالاي ورآوها من مجةل الفضائل والعطااي ،كام قال
281
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
صىل هللا عليه وسمل " حنن معارش النبياء آشد بالء م المثل فالمثل "
مفن البالء ماهو يف العرض والبدن ،ومهنا مايكون يف املال والهل والودل
،فاذا تتبعت آحوال النبياء صلوات هللا وسالمه علهيم لقيهتم آعظم
الناس ابتالء وآشد مصايبا ،وآكرثمه عىل ذ ك صربا وآمجلهم جتادا وحتمال
.مفن العرض ما رآيت ماينس بوهنم اليه من اجلنون والسحر والتكذيب
والتسفيه والسخرية ،وغريذ ك من آنواع القلب .ويف املال مايروى آن
مهنم بل آمكلهم وآعظمهم عصب احلجر عىل بطنه ،ومات ودرعه رهني ؟
ويقال :آن س بعني نبيا ماتوا يف السجود من اجلوع ،ومهنم من قتهل القمل
،والودل آما ترى آوالد نبينا محمد صىل هللا عليه وسمل لكهم قبضوا يف
حياته ومل يقل اال خريا .ومل حيملهم عىل حتمل ذ ك اال وفور اليقني
والثبوت يف ماكن المتكني ورؤية ما آودع هللا فهيا من خفااي اللطاف .
وآما آحوال الصحابة والتابعني فأكرث من آن حترص وآظهر من آن تشهر مع
مامه عليه من الصرب امجليل اذلي يرامه من اليعرف مانزل هبم يف زي من
ترد عليه صنوف النعم ؛ من آنعم عليه ابملنة آودع مهنا من الطاقة
مايس تحقر اىل جنهبا لك نعمة ،فاكنوا الحيبون زوال مانزل هبم من البالء
،كام الحيب من نزل هبا الرخاء زواهل عنه والحتويل منه ،وماصري البالء
عندمه مبزنةل الرخاء عند غريمه مايرد عىل قلوهبم من اللطاف ،
ومايبارشها من روح اليقني وما آمرها عند غريمه اال قصور النظر عن
ذ ك ،وخلو القلب مما هنا ك ،فاللطف املقارن للبالاي آما آن يكون من
طريق االميان والعمل ،وآما آن يكون من طريق اليقني والكشف .فالول
آما آن يكون فامي وعد هللا الصابرين من اجلزاء وما آعد هلم من املثوبة
282
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
واملدحة عىل ذ ك ،آوما يدفعه عهنم مما هو آعظم مما هو فيه .فعند
ارسال النظر يف ذ ك امليدان يعمل ما هلل عليه فيه من املنة واللطف اذلي
اليوازيه معهل واليبلغه مطمعه اال بذ ك االبتالء ،فيتحمل ويصرب بل
يشكر هللا فيه عليه من عظمي الجر وخف اللطف ،فهذا وماشالكه من
حسن النظر من نتاجئ العمل واالميان .وآما مااكن من طريق اليقني
والكشف فهو مايتعرف هللا به اىل قلوب آوليائه من خفيات آالئه ،
ومامينح به آرسارمه من لطيف والئه ،فيكشف هلم خزائن القرب والعطاء
فيخريمه ماخيتارون ،فريون دنوه يف حاةل اضطرارمه وعندية انكسارمه ،
فيختارون ذ ك اختيارا ،وقد محل عهنم آثقال مايزنل هبم من البالاي مايرد
عىل قلوهبم من املنح والعطااي ،فيتذلذون بذ ك ويفرحون به فرح غريمه
ابلنعم الظاهرة بل آعظم ،لن هذه نعم دامئة والانقطاع لها والنفاد .والنعم
الظاهرة انفذة منقطعة ،فأين مابني النعمتني ؟وفرق مابني املنتني !
والتظن آن ثواب املتحملني وآجر الصابرين يفوت هذه الفرقة ،بل آعظم
املثوابت مع ماانلوا من التعرفات وآنواع القرابت .وآعظم مثوبة وآكرم هبا
من حتفة آن احلق س بحانه ينازل قلوهبم بذليذ اخلطاب وشهي اجلواب ،
ويكرهمم ويبجلهم بني آهل حرضته ،ويبايه هبم آهل مملكته .فانظر مايف
واردات القدار من اللطاف ونيل االسعاف .فأهل العمل واالميان
يتذكرون ما آصيب به ذووا املقامات العلية ومانزل هبم ومايصدر عهنم عند
ذ ك ،فاليرون مهنم اال صربا مجيال ،فيكون عزاء عىل ما آصاهبم ،
وجربا ملا آمل قلوهبم ،فهم آبدا يتتبعون الاثر ويتحسسون الخبار من نيب
آوويل آوصديق آوشهيد ،فتكون هلم آسوة وهبم عربة ،فالشك عند
283
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
284
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
الهوى ،واس تولت عىل منظره املكدرات النفسانية واحلاجبات الش يطانية
؛ والس باب ادلنياوية ورؤية اخللق وامتاله مبا فيه من فس يح العادة ،
فاختذ لنفسك بصريا هتتدي هبديه ،وتقتدي حبسن آسوته ،وتهتذب
بصافيات آحواهل ،وتتأدب بصائبات آقواهل لتعمل عىل جالء بصرييتك
وتنوير رسيرتك ،ويزاح عنك الهوى وتلبيسه اذلي يعم عن رؤية احلق
وآههل ،ومىت معلت عىل ماذكران واجنال عن عني قلبك صدى الهوى
وظلمة اجلهل رآيت الطريق قد اتضح ،والباب قد انفتح .ذلا قال املؤلف
ريض هللا عنه :
( الخياف عليك آن تلتبس الطرق عليك ،وامنا خياف عليك من غلبة
الهوى عليك )
الخياف عليك آهيا السا ك لطريق احلق ،والطالب مهنج الهدى آن تلتبس
وتشتبه عليك الطرق لوضوح احلق وبيان الهدى ،لن هللا س بحانه آنزل
كتبه وآرسل رسهل مبينني ومبرشين ومنذرين { لئال يكون للناس عىل
هللا جحة بعد الرسل } [ الية 165النساء ] وقال تعاىل { لقد جاءمك من هللا
نور وكتاب مبني * هيدي به هللا من اتبع رضوانه س بل السالم وخيرهجم
من الظلامت اىل النور ابذنه وهيدهيم اىل رصاط مس تقمي } [ الايت 16-15
املائدة ] وما ضل من ضل وغوي من غوي اال ابتباع الهوى وغلبة الغفةل
واجلهل ،فرمح هللا ابن الفارض حيث قال :
وهنج سبييل واحض ملن اهتدى ولكامن الهواء معت فأمعت
285
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وما آعز فىت يف ذا الزمان لـــــــه اىل العــــــــــال مهة تأاب عن الكسل
ايطالبا من رغيد العيش آحسـنه اتبع رجاال مسوا عن نفـــــــــةل المل
م ملا اكن الهوى من مقتىض البرش وهو مضاد ظهوره لظهور احلق ،علمنا
آن هللا س بحانه ببديع حمكته وسابق لكمته سرت احلق بظهوره ،وقد
علمت آن ماسوى احلق ابطل عدم فكيف يسرت احلق ،فعلمنا آن ذ ك
جتيل رس قهره وغلبة آمره ،ذل ك قال املؤلف متعجبا ذل ك ومزنها آن
يسرته العدم آويدخل حتت غلبة ظهور الباطل ،قتحقق آن الباطل مل
يسرت احلق وامنا سرت احلق ابحلق ،وامنا جحب الباطل ابلباطل ؛ ذل ك
صدر هذه احلمكة ابلتسبيح فقال :
( س بحان من سرت رس اخلصوصية بظهور البرشية ،وظهر بعظمة الربوبية
يف اظهار العبودية )
التسبيح هو لتزنيه احلق س بحانه عن آن يتصف بوصف يناقض الكامل ،
آوحيول يف ماهيته املثال ،آوحيده ابحلدود ،آوحتويه آكناف الوجود ،
آوخيىل عنه موجود ؟ والسرت هو الصون واحلفظ ،المن القهر واالحاطة
هنا ،ورس اخلصوصية هو ما آودعه هللا من رس توحيده آرسار خواص
عبيده ،فاكنوا بذ ك االختصاص عرفاء آدابء ،وآفادمه لك حال س ين
ريض ومقام علوي .واالختصاص هو امتنان اليف مقابةل معل والوس يةل
والمعةل والحيةل ،بل لطيفة من نور كامهل فهيا مجموعات جتليات جامهل
وجالهل ،ومجموع عليات آوصافه ،آهل لها يف سابق علمه وابطن آمره
قوابل اس تخرهجا من ظلمة العدم ،م آودع تكل القوابل وعني تكل
العيان ذ ك الرس االختصايص والوهب االمتناين والفيض الرابين والنفس
287
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
الرحامين ،م غار عىل رسه آن يذاع ملن ليس هل آهال ،فألبس تكل
اللطائف مبحيطات كثائف البرشية فافتقرت اىل مقمي يقميها ،ورب يربهيا ،
ورزاق يطعمها ويسقهيا ،فظهر عظمة الربوبية يف ظهور رس العبودية
وعظمة الربوبية يه آسامء القهر ،ولو مل يفتقر الهيا مل يظهر سلطان تكل
السامء ،والتغيبت مظاهرها ،فس بحانه ما آلطفه يف ظهور عظمته ،وما
آعظمه يف لطيف حمكته ،فهذا رس العبودية ،ولكام اكنت آصفا اكن
الظهور فهيا آمكل ،فاليرىق اىل مقامات الكامل ومل يعرج اىل س ين الوصال
اال يف سمل العبودية ،وسلمها هل اىل الكامل طرقان اليمت آحدمه اال
ابس تصحاب الخر ،فأحدهام اىل العلو ويسمى قلبا ،والخر اىل امخلول
واذلبول واالنكامش واالنطامس ويسمى نفسا ،فلكام نزلت النفس مزنال
صفا للقلب مهنال ،وعىل الروح مقاما ،واكتىس الرس جتليا .فهكذا
فالعبودية ابلقلوب وجود التعظمي واالجالل ،واالنطواء حتت حمرقات
اجلالل .والعبودية ابلرواح حسن التأدب واالطراق واحلياء وصيانة
اجلناب االلهي ،وعبودية الرسار ابالحرتاق بنريان التجيل واذلهاب يف
صفات احلق ،وعبودية النفس ابذلةل واالفتقار ودوام االنكسار
واالس تغفار ،وصفو اخلدمة عن شائبات االغرتار ،وغري ذ ك مما الينقيض
ابنقضاء العامر .ولو ظهر رس الربوبية الحنل نظام العبودية ،مفن هنا
الجيوز ملا انكشف هل اظهاره ؛ بل يصونه ويسرته لبقاء هذا النظام والتحام
هذا املقام .ويل يف ذ ك شعرا :
فف العبودية آرسار ظــــهرت هبا آسامء االهل ورشع ادلين واحلمك
فلو ظهر مل يقم ديــن كــــذاك وال تغيبت صـــــور الحاكم واللكم
288
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ومثابرا عليه ،ومجموع اهلم وفارغ القلب اليه ،مبادرا اىل ما ندبت اىل فعهل
،متباعدا عام هنيت عن االقدام عليه ،حريصا عىل اكتساب احملامد
واملاكرم ،مس تصحب الس نة يف مجيع ماتأخذ وتذر .وقوهل :جعكل ؛
يشري اىل خلقك وفطرتك واقامتك ،لن اجلعل مبعىن اخللق ؛ آي اقامك
يف عام خلقيتك وجبل خلقك وجسيتك ،اذ هو اذلي طلب من العباد
من غري التفات اىل جزاء عىل ذ ك بل حمض تعبد ملن هو آهل ذل ك .
ورزقك االستسالم وهو االنقياد للحاكم ابطنا وعدم التعرض يف القضية
القهرية ،بل كام آنفذت ابالسالم ظاهرا اذلي هو امتثال الوامر واجتناب
املنايه من غري توقف .
كذ ك تكون منقادا للحاكم القهرية ابطنا فهو االسالم االبراهمي
اذلي قال هللا لنبيه ابراهمي صىل هللا عليه وسمل آسمل قال :آسلمت لرب
العاملني ،فافهم آنه مل يكن قبل ورود ذ ك اخلطاب غري مسلام ظاهرا بل
املراد من ذ ك االستسالم للربوبية ابطنا ،فوفا مبا قال ظاهرا اذ قال
ممتثال حيث آخذ ليطرح يف النار :حس يب هللا ،فهذا امتثاال لمر ظاهر
،فوفا مبعىن قوهل ذ ك وهو االستسالم ابطنا ملا تلقاه جربيل يف الهوى
فقال هل :آ ك حاجة ؟ فقال :آما اليك فال ،فهذا معىن االستسالم
للحمك يف حال وروده عليه ،فامتحن ليظهر صدق اسالمه يف استسالمه
مع ما هو عليه يف تكل الساعة من االحتياج اىل السالمة من التلف ،
وآظهر رس افتقاره اىل هللا وعدم اغتناه يف وقت اضطراره اليه ،ومل يقطع
طمعه يف هذا الوقت فقال :وآما اىل هللا فبىل ،فامتحن ابللطف من
ذ ك وآخفى س امي يف حاةل ورود احلمك ،فقال هل :سهل آن ينجيك ؟ فقال
291
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
292
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
اليكرتثون هبا اغتناء بوجود احلق عهنا ،واكتفاء بنظره الهيم دوهنا
فاليسترشفون الهيا ،وان وقعت عىل آيدهيم كفاحا مل يزدادوا هبا فرحا
واليوجد مهنم مرحا ،بل يكونون عبيد املعبود ،واليترصفون مقتا
لنفسهم آن تكون معه مزامحة ويف آحاكمه مشاركة .
وآهل التخصيص اذلين آقميوا يف احلال وساعدهتم العناية وترصفت
بترصفهم القدرة الحيمك هلم ابلتخلص ،بل حاهلم آن اليأمنوا من آن يكون
ذ ك هلم اختبارا وامتحاان لصدق عبوديهتم ،فهم مع بروزها عهنم غري
مأمون علهيم من فتهنا والركون الهيا .وآماالعارفون وخواص املقربني
فاليطلبوهنا حتداي وان وقعت عىل آيدهيم فريوهنا من مجةل مقدورات هللا
وان طلبوها يف بعض الحايني فالمور اقتضت مهنم آن يظهروها ،وذ ك
آما آن تظهر هلم يف آنفسهم فذ ك آضعف االرادة والنية فيطلبوهنا تثبيتا
الرادته وتقوية لنيته ،وآما آن تظهر هلم من غري شعور مهنم بل عناية من
هللا هبذا العبد اذلي ظهرت هل ولطفا بوليه ،ويكون احلق يظهر مبثاهل
لهداية عباده ،وهذا يكون للخليفة ومن قرب مقامه من آهل الكامل ،
وآما آن يظهرون الكرامة دلفع رضورة دينية انجزة عن خصوص اخللق
آومعوهمم ،وقليل مايترصفون هبا ملا نزل هبم بل يكونون يف النوازل
ادلنياوية كغريمه بل آعظم حتمال وجتادا ،واليلنفتون اىل آن جيمعوا مههتم
يف رفع ذ ك ،بل يفرحون بزنول البالاي ادلنياوية ويغتبطون هبا وملن هلم
به عناية آيضا من آحصاهبم وخواصهم .وآما عن معوم املسلمني فيبذلون
وسعهم يف ايصال املنافع ودفع املضار عهنم ،فيدخل الواحد مهنم خلوته
فالخيرج مهنا اال وقد شفعه يف من اجمتعت مهته هل ،واذا آراد احلق ما
294
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
295
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
يطلب ختاما غريها فذ ك لقةل حظه وعدم قسمه يف مقام املعرفة ،ومن مل
يقف عندها كذ ك ومل يساكهنا بل بق مس مترا يف طلبه ؛ مشمرا يف
سلوك ارادته ظفر مبراده .واملراد هنا الكرامات اليت يه من طريق
الحوال يف مظاهر الفعال ،وآما الكرامات اليت يه آاثر الصفات فهي
املعرفة بعيهنا ،اال آن مقاماهتا خمتلفة ابختالف متعلقاهتا ،فلكام اكن آوسع
يف ذ ك اكن آمكل يف املعرفة .مفن عرفه من لك صفاته ليس مكن عرفه
من بعضها ،ومن عرفه من بعض آوسع وآمع ليس مكن عرفه من بعض
آخص من حيث خصوص احلرص المن حيث خصوص الترشيف ،فاذا
آطلق اخلصوص يف مقام اخللق فهو الرشف ،واذا ذكر يف مقام احلقيقة
فالعموم فهيا آرشف ،لن معوم احلقيقة اتساع ،وخصوصها حرص ،
وخصوص اخللق ترشيف واختصاص ،ومعوهما اطالق يف معوم آكرثية
اجلهل والغفةل .واذا عرفت آن طلب العارفني القيام حبق عبودية هللا دون
التفات اىل احلظوظ ؛ قال املؤلف ريض هللا عنه :
( اليس تحقر الورد اال هجول )
الوارد يوجد يف ادلار الخرة ،والورد ينطوي ابنطواء هذه ادلار ،
وآول مايعتىن هبم ماخيلف عنك وجوده :الورد هو طالبه منك والوارد
آنت تطلبه منه ،وآين ماهو طالبه منك مما هو مطلبك منه .الس تحقار
اسقاط النظر عن املس تحقر لقلته وعدم جدواه ،فيسقط االهامتم بشأن
املس تحقر واليراه بعني التعظمي .والخفا آن اس تحقار الوراد اليت يه
العامل ابلس نة واالئامتر لوامرها ظاهرا وابطنا نبذ للرشيعة واس تخفافا
بشأهنا واس هتانة مبقاهما ،وذ ك هجل فضيع ومكر شنيع ،فالورد
297
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ذ ك نقص .والعمل من العامل عىل التحقيق آليق من عقد عىل جيد حس ناء
كام حيك ذ ك عن اجلنيد .
وآعامل العارفني مأمونة لخذمه هبا عن هللا وقياهمم هبا ابهلل ،فاليتطرقها
قادح واليداخلها حمبط لفنامه عن آنفسهم فهيا وذهاب رؤية الغيار وجتيل
ظهور الواحد القهار .فالعجب والرايء عهنم اليصدران ،واحلسد مهنم
الميكن ظهوره ،ومامل يصل املريد اىل رصحي املعرفة اليؤمن عليه ورود
هذه احملبطات .ومااكن العارفني اال آمئة للمتقني ومرشدين للطالبني .
فليس املعرفة تقتيض آن يرتك العامل ويطمنئ اىل البطاةل واملالةل ،
فاليظن ذو غباوة آن العارفني وآاكبر الصديقني شأهنم ترك العامل وعدم
التفقد يف تصفية الحوال ؛ فذ ك الظن هبم ميل عن طريق االعتدال ،
واهنامك يف آودية الضالل .فقد يغرت ذو فهم سقمي بظهور صورة كرامة
آوافصاح بصورة معرفة من حتقيق فيقف عند ذ ك .
وقد قالوا :آن التعبري عن املقام قبل العثور عليه واالفصاح عنه قبل
وصوهل من ما يبتيل به كثري من املدعيني ،ويقف عنده مجةل من
املغرورين ،فيطلبون آن ليس ورى مامه عليه مقام حيث تيرس هلم
التشدق ابلالكم وزخارف اخلياالت من حتسني احلاالت ،وذ ك اهنامك
يف حبور الضالالت ،ووقوع يف حبائل املهلاكت ،فاهللا الجيعل
حظناعند القوال دون حتقيق الحوال وتصفية العامل ،واذلي يبقى يف
الخرة هو ماعاملت به هللا س بحانه من العامل احلس نة والخالق
املرضية واحلاالت السنية .والوراد كثرية ولكها محمودة ولكن مهنا مايراد
للفاحت واليت للكسب علهيا تعويل ذوي الرغبات يف نيل ادلرجات يف
299
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
اجلنات ،واذلي للفتح يه اليت علهيا تعويل آهل الصدق واالرادات ،
ولك عرب عن مااكن هل مهنجا ولروحه معراجا ،فواحد قائل آفضل الوراد
الصالة واس تدل بذ ك بدالالت واحضات ،ومهنم من قائل بتالوة القرآن
وهل يف ذ ك آكرب دالةل وآفصح مقاةل ،ومن قائل بأن آفضل الوراد الاهل
اال هللا لهنا لنف الغيار وجلب النوار وحتقيق الرسار معراجا ،ولطريق
املعرفة ابلتوحيد اخلاص مهناجا .ومهنم يف التسبيح والتحميد الس تغراق
روحه يف حبار التزنيه والالء .ومهنم يف االس تغفار لنه لران اذلنوب جال
،ولتفرجي اهلموم آصال .ومهنم يف الصالة عىل رسول هللا صىل هللا عليه
وسمل لهنا لكفاية اهلموم دنيا وآخرى ،ونيل املطلوب برزخا ومقرا ،
وللمقام ثباات وعىل احلب برهاان ،وللقرب يف املنازل الروحية سلام ،ومن
املعضالت آماان ،ولك سا ك عىل طريق من هذه الوراد محمود .ومهنم
من اختار اجلهر يف الذاكر وجحته آنه جلنود الهوى قاهر ،وعىل جنود
الضالل ظاهر .ومهنم من اختار الرسار وجحته آنه آقرب اىل كونه عند
املشاهدة آديبا ،وخلطاب الرس جمنبا .ومهنم جعل جهره آذاكر الروحانيني
الرصف وهو اثبات من غري نف .ومهنم من جعل ذكر الهوى آمامه ،
واندرجت يف ظهور الهوية آعالمه .ومهنم من اكن يف آذاكر االشارات
الدراج العبارات .ومهنم من ورده مراعاة الحوال القلبيات وحتقيق
الورادات الغيبيات والميكن استئصال آوراد مجيع املقامات ،فكيف
يس تحقر هذه املواهب الرابنيات ،آويس تصغر هذه املنن الرابنيات؟
آويس تصف هذه املنن الرابنيات ؟ آم كيف الحيافظ عىل فتح آبواب
السعادات وآوراد العبادات ؛ آبواب الرسار امللكوتيات والايت الغيبيات
300
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
،م اكن ورود فتوحه ومواهب منوحه عىل حسب االس تعداد .مفا
آلطف هللا بعباده ،وما آجعب حمكته يف آقداره ومراده .واالس تعداد هو
اذلي يعرب عنه بلسان آهل التحقيق ابدلعاء الوجودي ويقولون :الفص
عىل حسب اخلامت ،اذا اخلامت ممثنا آومسدسا آومربعا آومثلثا فالفص
حبس به واليتعداه .ويل يف ذ ك شعرا :
ورود امداد رس الغيب يقبــــــلها حبسب ماعنده تأتيه من مـــــــثل
من اكن ذا حسن اس تعداد آنزلها من حيث ماتزنل الرساريف الزل
واالمداد خمتلفة حبسب اختالف االس تعدادات يف آطوار الوجودات ،
وكام يكون االمداد حبسب االس تعداد فكذ ك تكون رشوق النوار
الرابنيات عىل الرسار اخللقيات حبسب مايه عليه من الصفات من
املكدرات ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( رشوق النوار عىل حسب صفاء الرسار )
هذه احلمكة فرع عام قبلها اال آن هذه يف رس التحلية والتصفية عن
املكدرات البرشية والعادات الطبيعية ،وامللومات الهوائية وادلواع
النفس ية .واليت قبلها يف التحلية والتخلية ،فالتخلية هواالس تعداد
والتحلية هو ورود االمداد يف تعبريه ،والتصفية والتخلية آوال عند
السالكني ومارتبوه يف قانون املريدين ،فرشوق النوار اخلفية مثل نور
السامء عىل القلوب ،ونور الوصاف عىل الرواح ،ونور اذلات عىل
الرسار عىل حسب ختليهتا عن احلاجيات الطبيعية والصفات احليوانية
والظلامت الرضية الرتابية ،فبحسب ماتتخىل من هذه ترشق علهيا
وحتلهيا تكل النوار ،وتواهجها تكل الرسار ،وتطلع يف آفق النفس مقر
303
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وذ ك شواهد يف ظواهر الفعال يدل عىل قدر مقامه يف التوحيد ،وقد
علمت آن آول مراتب التوحيد يف الفعال ،فاذا حتقق هبا دل ذ ك عىل
ثبوت مقامه ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( الغافل اذا آصبح نظر فامي ذا يفعهل ،والعاقل اذا آصبح نظر فامي ذا يفعل
به )
الغافل هو احملجوب السابق اليه نظره الغالب عىل قلبه شهود الغيار ،
واملطموس يف ظلمة كثائف الاثر ،ومل حيط من التوحيد الفعال اذلي
هو آول مرتبة يف التوحيد فضال عن آن يتطلع اىل مقام الفناء يف
الوصاف ؛ فضال عام وراء ذ ك من التاليش يف رشوق مشس اذلات
عالمته ،وظاهر دالةل غفلته مايرد عليه عند مبادئ آول يقظته وانتشار
ظهور حركته ،وتأمل ثواقب فكرته .فالغافل آول ماينظر اىل نفسه
وظهور حركته ،فينظر ماذا يفعل وما ذا آبدع ،فتس تغرقه اهلموم وتغريه
العموم ،وترادف عليه مشمومات الحوال ،ويولك نفسه وما يظهر من
ظواهر جنسه من القوال والفعال يف سائر الحوال ،وتتشتت ارادته
وتتشعب مهومه ،وتتضاعف مغومه .وذل ك قال صىل هللا عليه وسمل "
من آصبح وادلنيا مهه شتت هللا مهه " وهذه آحوال الغافلني وامحلقاء
املغرورين النزتاع قلوهبم اىل غري ماهو جل آشغاهلم ويه ادلنيا وآس باهبا
ومتشتتات آشغالها .
وآما العاقل وهو من عقل عن هللا خطابه ،وتأمل حممك كتابه فريى
للش ياء صانعا قادرا عاملا مريدا مسيعا بصريا حيا متلكام ورى تكل القدرة ،
ونفوذ تكل االرادة وكامل ذ ك العمل وشهود ذ ك البصري ،وادراك ذ ك
305
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
السميع ،ودوام تكل احلياة واس مترار الالكم عىل ادلوام .فالجرم آن
يذهل الكامل هذه الوصاف فريى صدور مجيع الاكئنات عهنا ،وفيضاهنا
مهنا ،ويرى نفسه من مجةل املفعوالت ،وخلق من مجةل اخمللوقات ،
مرصفه حتت آحاكم االرادة ،مقهور حتت سطوات هذه القدرة النافذة
املقدرة ،فاليعطيه نظره اال االنكامش والطمس عن آفعاهل ،وسائر اراداته
واختياراته ،ولغلبة نور العقل يف قلبه وايقاده يف آرجائه يظهر هل الحماةل
الس باب املعنوية ،واحلراكت العلوية ،والتدبريات احلقية ،واالختيارات
االلهية ،والترصفات الغيبية .فريى آس باب ساموية ،حبراكت الجسام
خلقية آرضية ،ويريه نور العقل ماورى ذ ك من الرسار ،ومامحلت به
الرض ومسكت به السامء من رس االقتدار ،فريى نفسه وغريه من سائر
الاثر حتت حمك قهار جارية عليه ومترصفة فيه ،فالينظر اال اىل مايفعل
به ذ ك القادر اجلبار ،فيكون فانيا عن التدبري واالختيار ـ وذ ك آول
مرتبة يف التوحيد يدركها العقالء ،وحيظى به السادة النبالء ،فيس توي
حينئذ دليه الشدة والرخاء والنعمة والبالء ،ويكون انظرا اىل حمبوبه
ومايترصف به فيه من احلراكت يف سائر اللحظات واس مترار اخلطرات .
فال يعتب عىل آحد واليلوي عىل آهل والودل ،بل اللك منه يف آمان
وهو من اللك يف آمان ،وهذه عالمة االميان ان رسى منه المان اىل
سائر احليوان ،فالتس توحش منه الوحوش والتفر منه ملا ترى ماهو عليه
من رصحي االميان .وهبذا التوحيد الفعايل حصبوا البوادي والفيايف
متطلبني لظهور كامهل ،اذا واهجهتم كراهية القدار تلقوها ابلرضاء وحصبوها
جبميل الصرب ملواقع القضاء ،فالينال مهنم ماينال من غريمه عند نزول
306
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
القضاء .قال س يدان معر ابن اخلطاب :آصبحت ومايل رسور اال يف
مواقع القضاء .ويل يف ذ ك شعرا :
الغافلني عن احلق الرصحي معــــــوا واكن مههم الكوان والغــــــــــــري
فالقلوب ترى حسن الترصف يف لك الوجود من الرواح والصور
واهل العقول آولوا اللباب مطلهبم آن ينظروا فعل خمتار ومــقــــتدر
اليربحون وقوفا الرادتــــــــــــــــــه اليلمحون اىل الغيار ابلنظــــــر
فلام مل يكن ظاهرا غريه يف الوجود ،والحقيقة لسواه يف الشهود ؛ فهو
الظاهر يف الوجود بأفعاهل وتأثري آسامئه وشوارق آوصافه ،وهو الباطن
بذاته .ذل ك اليس توحش عن الكوان اال حمجوب بومه وجود غرييهتا
ومثبت بثبوهتا ،ومىت مل يرى لها وجود والتأثري يف لك موجود مل
تس توحش مهنا ومل تطمنئ الهيا الشك مبوجدها واملعرث فهيا ،وغناك عهنا
به لنه ما ك آزمهتا .ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( امنا يس توحش العباد والزهاد من لك شئ ،لغيبهتم عن هللا يف لك شئ
،فلوشهدوه مل يس توحشوا من شئ )
امنا اس توحش العباد ومه اذلين آقميوا يف مقام التلكيف ،ومل حيظوا بعد
بشهود التعريف .وحاصل نظرمه آن حيمكوا العامل برشائطها ،ويقميوها
بسائر وظائفها ،وتتبع الاثر والمتسك ابلخيار ،ويتخلصون من كثائف
الغيار بغاية هجدمه ووسع طاقهتم ،لهنا متحمكة فهيم ومرتحشة عندمه يف
شهودمه ،فطرقت آسامعهم الخبار وشوقهتم لوامع النوار الالحئة هلم من
غيب الرسار ،فطلبوا الفرار من ظلامت الغيار ،واس تغاثوا اىل هللا يف
كرور الليل والهنار ،واس تأنسوا اىل الرباري والقفار ،ودوام الترضع
307
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
واالس تغفار يف الحسار ،ومطلهبم كشف هذه الس تار ،وحمو هذه
الغيار عن قلوهبم ،واملثول بني يدي حمبوهبم .
والزهاد آيضا آرفع حاال وآخص مزنةل ومقاما ،قد زهدوا يف ادلنيا وآهلها
رغبة فامي عندهللا من عظمي الكرامة ،وماوعدمه هللا به يف دار املقامة .
واليزال هبم الزهد حىت يكشف عهنم احلجب الظلامنية ،ويفيض هبم اىل
الحوال النورانية حىت يتخلصوا عن شؤم الظمل فيلوح من وراء هذه
الحوال لكامت س ببية ،فعند ذ ك تظهر هلم معامل العرفان ،وتضمحل يف
نظرمه وجود الكوان ،فترشق هلم يف صفحات الوجود بواهر صفاته ،
وجميل من وراء جسف الغيوب لواحئ آنوار ذاته .فالجيهلونه يف شئ كام
يزنهونه عن آن يكون يف شئ آوعىل شئ ،بل قاموا عىل حد قوهل {
ليس مكثهل شئ } تزنيه هل عن مشالكة الش ياء آومماثةل العيان واللوان ،
ومل يعطلوه عن الش ياء ،بل هو السميع بسمع اليش هبه مسع البصري ببرص
المتاثهل البصار ،بل هو ابطنه التدركه البصار ،وآلوهيته ظاهرة الختفى
عىل آويل البصار .فعند مايرون اس تغراق معيته للك موجود ابالحاطة
والشهود ،اس تغراقا اليدع للش ياء معه ظهور ،لن احلادث اذا قرن
ابلقدمي امضحل فمل يبق هل عندمه وجود ،واليف بصائرمه شهود .فذل ك مل
يس توحشوا عهنا وهربوا مهنا لغيبهتم عن كون قيوميته يه اليت قامت هبا
آعيان الوجود .وحبياته حيي لك ذي حياة ،وبسمعه مسع لك سامع ،
وببرصه آبرص لك مبرص ،وبعلمه عمل لك عامل ،وبالكمه تلكم لك متلكم
،وبقدرته وارادته تكون لك متكون .فكيف يغيب احلارض الرقيب ! آم
308
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وبدا هلم من هللا مامل يكونوا حيتس بون } [ الية 47الزمر] فوقفت حىت دان
مين فاذا يه امرآة ،فردت عيل السالم م قالت :من آنت؟ فقلت
غريب ! فقالت :وحيك ايذا النون هل معه غريب ؛ فبكيت فقالت :اين
آرى ك مع هللا حاال ،وماهذا شأن الولياء القواي امنا هذا مست
الضعفاء ،امنا حال القوايء النحيب والزفري ،تعين من غري باك ،فكن
الباك ينفس بعض ماجيده احملزون الكئيب ؛ م ولت عين يف الوادي
وتركتين .فانظر دلته عىل مقام املعرفة فقالت :وهل معه غريب ؟ حيث
اس تغراق املعية مجليع آعيان الوجود .ويل يف ذ ك شعرا :
يس توحشون عن الش ياء لغيبهتم عن رس من قامت الش ياء به علنا
لوزال عهنم ظمل ومه الوجود لهـــا رآوا ملعــــــناه سار يف الفؤاد دنـــــا
فلام مل يكن اىل رؤيته يف هذه من غري النظر يف مرآة الكون سبيال آمرك
آن تنظر اليه يف ادلار الكثيفة الضيقة عن اتساع الرؤية اليت الميارى فهيا ،
آمرك آن تنظر اليه ابطنا يف بدائع اخملرتعات ،وظاهرا يف مظاهر
املصطنعات ،لرتى يف الظواهر آاثر الصفات ؛ ويف البواطن وحدة اذلات
.ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
309
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
310
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
كام امجع عليه آهل الس نة بشاهد قوهل عز وجل { وجوه يوميئذ انرضة *
اىل رهبا انظرة } [ الية 22-21عبس ] وقوهل صىل هللا عليه وسمل " سرتون
ربمك كام ترون البدر المتارون يف رؤيته " فيتجىل لعباده عن كامل ذاته كام
حتىل هلم يف دار ادلنيا مبحاسن صفاته وبواهر آايته ،فف ادلنيا اذلات
ابطنة عن االدراك والصفات ظاهرة ،ويف ادلار الخرة تبطن الصفات
وتظهر اذلات بكاملها .والتظن آن الصفات تبطن وتنعدم وتغيب ،ولكن
عن ظهور املوصوف وحضوره تس تغين عن االستئصاف ،واال
فاملوصوف اليفارقه وصف ،ولكن عند احتجابه تظهر الوصاف ويس تدل
هبا عىل كامل املوصوف هبا .وعندما ينكشف لوليائه عن كامل ذاته
يندرج فهيا مجيع احملاسن ،ويغيب عند ظهورها يف ذلاهتا نعمي اجلنان .
فف اول نظرة حيظون هبا تندرج مجيع النعامئ احملسوسات واملعنوايت ،
وكيف مابعد ذ ك .وقد آخرب ابلتضعيف عند مايكشف خزائن الصفات
لرسار معاين اذلات ،وادراك التفاوت غري منكور ،كام ترى التفاوت بني
من قدهمم املكل اىل جملسه ،وآحرضمه يف حملته يف مجمع واحد ،كيف
ترى ذلة الوزراء عىل من دوهنم يف املزنةل عنده من بقية المراء وآهل
الوظائف عىل غريمه من سائر اخلدم .ويل يف ذ ك شعرا :
آمرك ابلفــــــكر يف ادلنيا لتشهده يف الاكئنات بغري القــلب ايانسان
وسوف يظهر يف الخرى بالجحب لسادة اكن يف العليـــــاء هلم شان
ميشون يف الناس مايدرون ماحدثت يف الاكئنات بروح القدس آخدان
اليصربون عىل الهجـران ماجهعت عيوهنم يف ظالم الليـــــل وس نان
311
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
قلوب املش تاقني اىل حمبوهبم تواقة ،وآرواهحم اىل لقائه مش تاقة .فلام عمل
ذ ك مهنم وعمل آن الصرب هلم رمحهم ،فأنزل نسامت من روح الوصال
خفاقة ،وآهام علهيم من حساب الرسار س يول دفاقة .ومحلهم عىل جنائب
النوار ،وتوهجم بتيجان الوقار ،ذل ك قال املصنف ريض هللا عنه :
( عمل منك آنك التصرب عنه ،فأشهدك مابرز منه )
عمل منك س بحانه وعلمه القدمي الزيل ،وقد عمل بعلمه ماهو احلال منك
قبل بروز روحانيتك ،وخشوص جسامنيتك قبل آن يتوجه خطاب
التكوين اىل املكوانت ،وعلمه وصف من صفاته .وقد عمل س بحانه منك
ومن سواك من لك اكئن مااكن ومايكون وما اليكون لواكن كيف يكون ،
من آنكر س بق العمل ابلش ياء ولوازهما فقد آىت عظمية وارتكب وصمية ،
اكلفالسفة قبح هللا رآهيم ،ومن قال بقدوم الش ياء بالبداية بتخليط
وختبيط ،وعكر عليه رآيه شاهد احلدوث وطرو التغيري ،وذ ك اليصح
عىل القدمي الزيل .ولكن القول الفصل قدم عمل هللا هبا دوهنا ،وذ ك مما
يد ك عليه من غري رضب مثل هلل ولوصافه ،ولكن ليقرب فهمك
الضعيف مبثل فيك لطيف ؛ آنك تريد تبين دارا فرتاها جبميع آجزاهئا
مشهودة لكن قبل بناهئا ،فكن مبا آرشدتك اليه يف هذه يف العمل خبري ،
ولها متحقق وجدير .وقد كسا هللا س بحانه آعيان ذوات املش تاقني حةل
الوجدان ،وغذامه حبالوة الولوع به والتوهل والتبذل يف رايض جامهل
وحياض وصاهل ،وعلو طمع آرسارمه يف شهود كامهل ،فمل تصرب عن
شهود ذ ك امجلال ،ومثال ذ ك الوصال العال ،ومل يطف تعطشها بدون
الكرع يف ذ ك الينبوع ،وهذه ادلار التصلح لطهور كامل احملبوب ،ومل
312
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
يكن فهيا متسع لعذوبة ذ ك املرشوب ،وقد حمك يف علمه علهيا آن تقمي
مدة يسرية كام حمك لها بذ ك ،وذ ك ليمت لها كامل نعميها ،لنه اليعرف
شئ اال بضده .فمل تس تقر آرسارمه يف هذه املدة حىت آظهر هلم آثر من
آاثر قدرته يؤنسهم بوجود القادر ،ويتحفهم بلطيف قربه وذ ك لطفا هبم ؛
اذاتلطف هبم ولطف هبم بوجود رس وجوده يف الش ياء كام جحب به قوم .
فس بحانه ما آلطفه يف عظمته وما آعظمه يف لطفه ،وما آقربه يف علوه ،
وما آعاله يف دنوه ،وما آظهره يف بطونه ،وما آبطنه يف ظهوره .لطف
بقوم فعرفوه ،ولو تلطف بأخرين ملا حجدوه .ويل يف ذ ك شعرا :
قد عمل هللا آن الصرب عنه كــــــذا كام حمك بظهور الكون والغـــــــــري
فابرز شواهد آالء ظـــــــــهرت به فاس تأنس البايس املكروب يف الصور
وملا اكنت النفس يه املطية اىل نيل املطلوب وحصول املرغوب ويه
بطبعها وجبلهتا جمبوةل عىل امللل والسأمة ،واحلدة والشأمة ،وذ ك ملا فهيا
من الرتكيب الرتبيع من احلرارة واليبوسة تكون حدهتا ورشها ،وعن
الربودة والرطوبة تتودل سأمهتا ومللها ،وتكل اخلصال لكها حتت خبطة
الطبع الريض ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( ملا عمل احلق منك وجود امللل لون ك الطاعات ،وعمل مافيك من الرشه
حفجرها عليك يف بعض الوقات ،ليكون مهك اقامة الصالة الوجود
الصالة ،مفا لك مصل مقمي )
هذا تفصيل للحمك العلمية ،وتبيني املعاين الزلية ،ففصل القضااي عىل
حسب املقضيات ،ورتب املقتضيات عىل حسب قيام الهيالك واس تعداد
الالت .فأشار بقوهل عمل العمل اىل عمل احلق س بحانه للش ياء حقا رصفا
313
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
قبل املرح بوسائط اخللقية ،وقد عمل ما آنت عليه من الرتكيب اجلبيل
فوضع حمكته عىل حسب علمه ،فاليأمرك مبا مل يكن يف وسعك ،ومل
يهناك عام مل يكن يف رمسك ،بل آمر وهنيى وآوعد ووعد عىل حسب ما
آنت فاعل ،وما آنت اليه يف ما ك واصل .
وامللل فتور يوجد يف الطبع سببه طول المل وقسوة القلب والرشه حدة
توجد عند ابتداء الخذ يف العمل مع خوف فوت المل ،والقصور يف
العمل ومنشأ هذه الصفتني كام علمت الطبع اجلبيل ؛ واملعدن الرتايب
الريض .والرواح العلوية ملا اكن منشأمه سامل عن تكل الصفتني مل تتلون
هلم ومل حتجر علهيم ؛ بل اكنوا الك مهنم عىل عبادة واحدة الينتقل عهنا ،
مفهنم راكع ومهنم ساجد ومهنم قامئ ومهنم يف ذكر واحد الخيرج عنه آبدا ،
واليطرقهم الفتور ومل تعلومه السأمة وامللل .قال هللا { اليس تكربون عن
عبادته واليس تحرسون * يس بحون الليل والهنار اليفرتون } [ الايت -19
20النبياء ] وذ ك لسالمة شأهنم عن لوث الطبع اجلبيل والثقل الرتايب ،
وقد جعل هللا س بحانه االنسان جامع بني العاملني وذروة النشأتني ،فلكفه
من حيث نشأته الروحانية مجيع وظائف الروحانيني ،مفامهنم آحد يف
وظيفة اال وعىل االنسان كاملها ولوهنا ،وجحرها عليه يف بعض الوقات ملا
فيه من امجلادية الرتابية ،لن عبودية امجلاد هلل سكوهنا وخضوعها
واس تاكنهتا ،واطراهحا يف حظيظ ذلهتا ،وجعل احلركة يف املاء ملا فيه من
الكونية ،فاملاء حبركته ولينه وبرودته قوام عوامل اخللق ،والصالة بصورهتا
جتمع المرين ،جفوارح االنسان وخضوعها وخشوعها واطراقها وركوعها
314
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فالصالة ذروة س نام ادلين وعامد االميان ،وفهيا مجيع صنوف الطاعات
مندرجة قوال وفعال ،ذل ك عرب هبا من مجةل الطاعات ،فقال املؤلف
ريض هللا عنه :
( الصالة طهرة القلوب من آدانس اذلنوب ،واس تفتاح لباب الغيوب )
الصالة صةل للمحبوب ومكفرة لكبائر اذلنوب ،ومطهرة من آدانس
آرجاس العيوب ،وجالية كثائف الظلامت عن القلوب .ومزحية للمحب
عن الرواح ،ومبرشة ابلفالح ومؤذنة ابلنجاح ،ومرحية عن آعباء آثفال
مقاسات الغيار ،ومايغان عىل القلوب من خمتلفات الاثر " آرحنا هبا
ايبالل ؟ احلديث .واشارته ابلطهارة ابلصالة من اذلنوب حسن ،
فالصالة رمحة من هللا لعباده ،وحتفة من حرضة رآفته ووداده .ملا عمل
س بحانه بأن هذا العامل االنساين حمفوف بصنوف املعايص من عليه مبا يزيل
قدرها ،وميحوا عن حمل املناجاة آثرها .وتكل يه الصالة امخلس حلديث
:الصالة اىل الصالة وامجلعة اىل امجلعة ورمضان اىل رمضان مكفرات ملا
بيهنن اذا اجتنبت الكبائر .ويف احلديث آيضا عن رسول هللا صىل هللا
عليه وسمل :امنا مثل الصالة امخلس كهنر بباب آحدمك يقتحم فيه لك يوم
مخس مرات ،مفا ترون ذ ك يبق من درنه شيئا .احلديث .ومتثيهل صىل
هللا عليه وسمل ابلهنر جلراينه من غري لكفة يف سوقه ،ولكن من تعرض هل
مغرته منته ومعته رمحته من غري آن يكون هل فيه احتيال بل تعرض لنواهل
،فكذ ك الصالة يه جمرى الواردات الوهبية والنفحات الوقتية ،
واالختصاصات القربية ،واس تفتاح آبواب الغيوب امللكوتية ،والرسار
اجلربوتية ،والرحامت العرش ية .فالغفةل عن هللا واالهنامك يف العادات
317
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ابلكشف والشهود .وفهيا املصافاة عند جتيل الصفات العال ،فتصفا عند
ذ ك الرسار من كدورات الغيار ،وخترج عن مضيق الاثر اىل التزنه
يف االش باع احلق .
يروى آن املصيل اذا قام اىل الصالة متوهجا اىل حرضة ربه طالبا بعبادته
قربه ومبتغيا به حبه ،رضبت عليه رسادق من نور ومل حيم حوهل ش يطان
،ومل تشغهل الكوان ،فيكرب هللا معظام ،ويتوجه مسلام مسلام ،يرى
حمبوبه قبلته وآوصافه وهجته ،وآفعاهل حمركته ومسكنته ،فيكربه وميجده
ويعظمه مبجده وعظمته ،كام هو آهل ذل ك ومس تحقا هل البه والمنه ،بل
صدر ذ ك من حرضة امسه املاجد العظمي الكبري ،فاذا كرب وعظم صدقه
املكل وتشعشع نور من قلبه اىل العرش ،ويبقى صورة مس مترة الوجود
متصةل ابملقام احملمود .واذا اكن عىل غري ذ ك الوصف وبغري ذ ك النعت
متلبسا وهو آن يكون حمجواب ،وابلظلامت مصحواب ،وال يرى اال ادلنيا
وآشغالها ،والنفس ومطالباهتا ودنيات آحوالها ،احتوشت حوهل
الش ياطني وجنودها ،واس تلبت قلبه وجحبت رسه واسرتقته بامتنهيا ،
وس ندابت خدعها ،فمل تدع هل وهجا والوهجة اال الهيا ،والتعويل اال علهيا
،آغلقت عنه آبواب امللكوت ،وآجسنته يف قفص الناسوت .آعاذان هللا
من ذ ك ،وسكل بنا طريق آصفياه ،وبوآان مقعد آولياه اذلين آووا اىل
جنابه ،والتاذوا حبامه حفاممه ،ولزموا اببه فاجتبامه وآوامه والجعل
للش يطان علينا سلطان .ويل يف ذ ك شعرا :
ان الصالة حتــــــــل النفس ابهلل ومعدن ملصــــــــــــــافاة ملتصف
فادخل حامها بقلب غـري ملتفت اىل الوجود وعن آغيار منرصف
319
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
320
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وان كنت تقول آهنا يف العدد التفصييل شفع وصالة املغرب ثالث ؛ فقد
شفعت صالة الليل ابلوتر وترا ،كام حصت بتكل النقول ،وطابق املنقول
فهيا املعقول .ولرنجع عن ذ ك ؛ فان ادلخول يف آرسار الصالة يطول فيه
اجلوالن ،ويكرث فيه القول وهو حري بأن ترتع يف ساحة الطرس القمل ،
وتبدي ما كتب يف طهيا نون والقمل ،ولكن املراد رشح هذا الكتاب عىل
آوجز مقال وآقرب مثال .ويل يف ذ ك شعرا :
العبد حمتاج اىل وصل احلبيب وما فيه اتساع ملا لكفه من معــــــــــــل
فقربت منه اجلـــــــــود اذلي علام واس تودعت ذاك اكللفاظ يف املثل
فامخلس مخسني يف املعىن اذلي فهام يف رس تضعيف سنبل اثبت العمل
مفىت عقلت عن منة هللا عليك يف اقامته ك يف العمل ،ومل تنل منهتيى
السؤل والمل .ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( مىت طلبت عوضا عىل معل ،طولبت بوجود الصدق فيه ،ويكف
املريد وجدان السالمة )
مىت طلبت عىل معل عوضا فقد فقدت االخالص اذلي هو رشط يف
قبوهل ،مفن رشوط قبوهل االخالص ،واالخالص هو آن التقصد بعمكل
غري وجه هللا فقد االخالص بينا يف طلب االعراض يف مقابةل ما آنت
عامهل ،فيكف املريد من عدم االخالص وتقصري يف مأمور ،واقتحام
مهني آوفعل عىل غري آمر من هللا ،وبصرية السالمة من آفات القوادح
يف االخالص والنقائص يف الحوال ،والتقصري عن كامل ظواهر العامل
فضال عن الوصول اىل اس تقامة بواطهنا .مفا آعظم هجل من يطلب س يده
جبزاء آعامهل اليت برزت من حرضة الفضل الزيل اذلي ابتداه به قبل آن
321
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
يطلبه ،وخوهل اايه قبل آن يسأهل ،فالفضل هل عليه حيث آابحه خدمته
،وآظهر عليه آاثر عنايته ومنته ،فالعراض قيد عن الرتوع عن مواطن
القرب وادلخول يف حضائر احلب ،مفا آعرف من قام هلل لهذه املعاوضات
اال انقص اهلمة فاتر العزمة ،ويل يف ذ ك شعرا :
طولبت فهيا ابالخالص مل جتــــد اذا طلبت عىل العامل آعواضــــا
هبا فال شك آن يعطى اذلي يرد ان احلريص عىل اخلريات معتاضا
وعن حياض الهنا الفياض مل يـرد لكن عن الرتبة العليــــاء يقرص ذا
فالعامل اىل طلب العفو آحوج مهنا لطلب العوض ،وذ ك ملا يلزهما من
القصور والفات القادحة فهيا كام قاهل الش يوخ ريض هللا عهنم ،فارجتاء
فضهل وفيض فضهل خري من آن تطلب جزاء عىل ما صدر عىل صورتك
من النقص والتقصري ،واذا نظرت بنور التوحيد وجدت ما صدر عنك
جمازا الحقيقة .حفقيقة صدور الش ياء من اخرتاع مش يئته وابداع قدرته ،
ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( التطلب عوضا عىل معل لست هل فاعال ،يكف من اجلزاء ك عىل
العمل ان اكن هل قابال )
فاحلمكة الوىل تشري اىل اسقاط رؤية العمل من حيث التقصري فيه وهو
مشهد آهل الصدق يف املعامةل من السالكني بظواهر العمل ،وهذه تشري
اىل اسقاط رؤية العمل بشهود التوحيد ،وبلسان الفناء يف الفعال ويه
طريقة البدال ،الغائبني عن العامل وسائر الفعال ،لتحققهم ابلوصال
والتوهل يف بديع امجلال ،واخلضوع حتت خوف سطوات اجلالل فتسموا
مهنم الحوال وتزكوا مهنم العامل خللوصهم عن رؤية آنفسهم فهيا فضال عن
322
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
آن يرشكوا فهيا غري معبودمه ،آوتتوجه قلوهبم اىل غري مقصودمه ،فكيف
يتصور ممن مشهده هذا احلال آن يطلب عوضا وهو يرى آنه ليس فاعال ،
فيكون جل مه الصادقني خوف رد العامل وعدم صالحيهتا ،لن تعرض
بني يدي هللا .فأعظم به جزاء اذا ارتىض ذ ك مهنم وقبهل ؛ فقبوهل آعظم
جزاء .ولوال حمض كرمه وعفوه عن العاملني ملا صلحت آعامل البرش آن
تذكر يف منرية حرضته ملا علهيا من القصور ،والتلوث بقاذورات الشهوات
وظلامت الغفالت { ولوال فضل هللا عليمك ورمحته مازىك منمك من آحد
آبدا ولكن هللا يزيك من يشاء } [ الية 21النور ] ويل يف ذ ك شعرا :
نزل من آاثر قـدرة منشئ الصور فكيف تطلب آن جتزى عىل معل
وسرت مافيه من نقص ومن رضر كفى جزاء آن يكون هللا قابلـــــه
فنس بة العمل اىل العباد جماز ،واحلمكة يف نسبهتا الهيم ظهور الفضل
والكرم علهيم ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( اذا آراد آن يظهر فضهل عليك ،خلق ونسب اليك )
اذا آراد آن يظهر فضهل عليك آهيا االنسان ؛ واالرادة متفرعة عن س بق
علمه بذ ك ،واالرادة يه اليت ختصصت هبا الش ياء وافرتقت هبا مجمالت
المور ،وبرز عىل وفقها لك اكئن مقدور ،عىل وفقها لك اكئن مقدور .
والفضل هو ماقدره لعبده يف سابق من سابقة احلس ىن بأن خيلق فيه
الفعال احملمودة وجبنبه اخلصال امللومة ،ويلبسه اللطاف وحيليه حبلية
مجيل الوصاف .فتتوجه اليه ماكرم الخالق ،ويعامل يف مجيع آحواهل
مبعامةل احملب املشفق حببيبه ،ويدنيه دنو متقرب لقريبه .فاذا ارتفع بينه
323
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وبينه احلجاب فأذن هل يف اخلطاب ،وابتداه مبا يطلب منه فيه اجلواب ،
انطلق لسانه يف مسامرة حبيبه ،فيقول هل املوىل مبحمك كتابه املزنل عىل
نبيه ابثبات العباد وآفعاهلم { ان هذا اكن لمك جزاء واكن سعيمك مشكورا
} [ الية 22االنسان ] { فالتعمل نفس ما آخف هلم من قرة آعني جزاء مبا
اكنوا يعملون } [ الية 17السجدة ] فلام قرع آسامعهم ذكر اجلزاء عىل ما
آجراه من صاحل العمل ففهموا منه االذن يف نس بة ذ ك الهيم ،فبسطوا
آكف رضاعة القلوب فقالوا :تقبل منا ماحققت نسبته الينا ،وآعربت
آس باب هدايتك علينا .م ملا علموا ما هللا موصوف به من مجيل الصفات
غاروا عىل آن ينس بوا اىل صفته مااليليق برشف رتبهتا من نس بة ماال
يوصف به فقالوا { ربنا ظلمنا آنفس نا وان مل تغفر لنا وترمحنا لنكونن من
اخلارسين } [ الية 23العراف ] فلو مل يطلق نس بة العامل الهيم مل حيتوي
آرسارمه آن خيتلج فهيا آن لها ومهنا ،ولكن نس بة الفعل مل ختتلف فهيا
القول بنسبته اليه .ومااكن من قبيل حتيل العدل فعند آهل الس نة آنه
خمتار لفعلها يف حال اخباره ،وختري يف حال اختياره .فلسان الرشع
التنطق بلسان اذلم اال عىل العبد يف فعهل للمعصية ،ولسان احلق التنطق
اال ابلعدل { ومتت لكامت ربك صدقا وعدال المبدل للكامته } [ الية 115
النعام ] وحق العبد آن يضيف اىل نفسه مااليليق نسبته اىل ربه مع ماهو
متحقق فيه ذ ك ؛ اكللنب بني دم القدر ،وفرث اجلرب ،فالعبد يقول عند
بروز الطاعة عنه :آنت املقدر والهادي واملعني واملادح واملثيب ،فهذه
324
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
عدة نعم تقرص دوهنا ويعجز يف جنهبا شكر الشاكرين .وعند بروز املعصية
عنه يقول :ايرب عصيت وآخطيت فاغفر يل فأنت الغفور الرحمي .ويل
يف ذ ك شعرا :
اذا آراد اهل اخلـــــــــلق يظهر من فضائل جات يف خشص من البرش
خلق هل لك حمبوب ينــــــــال به ثناه عند الـــــــــــــــــه جل مقتدر
فنس بة الفعل يف الش ياء وان حسنت جمازة ليس للغــــــــــــيار مـن آثر
فاذا علمت آن آصل العبد العدم وفصهل العجز ،علمت آن العدم ظلمة
وليس عليه جل وعال آن ينريها اال آن يتكرم ويرمح ،قال جل من قائل
{ وماظلمهم هللا } [ الية 35النحل ] اذا الظامل من ترصف يف حق غريه
ومل يصادف لغريه ملاك ،واذا مل جيعل هلم نورا فال ظمل منه هلم ،واذا مل
جيعل هلم نورا ومل هيهبم من فضهل مفذاهمم غري متناهية ،واذا آلبسهم من
نور وجوده وآظهر علهيم عناية وجوده فال جرم التفرغ مداحئهم والتساىم
مراتهبم ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( الهناية ملذامك ان آرجعك اليك ،والتفرغ مداحئك ان آظهر جوده عليك
)
الهناية توصل الهيا لبعد عنايهتا ومغوض هنايهتا ملذامك لهنا متأصةل فيك ،
والهناية للعدم اذلي هو ظاهر صورته الظلمة ،ومعناه عدم احلقيقة اليت
يرجع الهيا ويعمتد علهيا ،فاملذام ان آرجعك اىل اصالتك الهناية لها ،
والتفرغ مداحئك ان آظهر جوده وهو نور وجوده وحتقيق شهوده ،لنه
اذا آلبس ظلمة وجودك وجالء قباحئ صفاتك فايض فضهل ومعمي جوده
امضحل العدم وبق الصل املوجود ،والظاهر يف العيان الشهود ،واكن
325
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
هو الشاهد واملشهود ،فالتفرغ ملداحئ الصفات العلية والتجليات السنية .
مفن آرجعه هللا لنفسه آرجعه اىل ظلمة ونقص وقد رمس عليه برمس البعد
،وآظهر عليه عالمة الطرد عن حرضة القرب ،ومن اكن عن حرضة هللا
بعيدا ومن اببه طريدا فالهناية ملذامه وخمازيه ،ومن آحتفه وقربه وجعهل
من خواصه وآهل حرضته فقد آس بغ نعمته عليه ،وآفاض فايض جوده
دليه ،مفىت يفرغ من مدحه وقربه خالقه ومالكه .ويل يف ذ ك شعرا :
فالهناية ذلم العـــــــبد ان بعدت به عن القرب من مواله آس بااب
ومدحه ليس يفرغ منه ان قربت من ربه جل من للفضل وهــــااب
فاذا عرفت ذ ك وحتققت الحماةل آن للمدوح وجود احلق الغري ،وان
وجودك اال بفناك عن وجود آنيتك وحمو ثنويتك ،ذل ك قال املؤلف ريض
هللا عنه :
( كن بأوصاف ربوبيته متعلقا ،وبأوصاف عبوديتك متحققا )
كن بأوصاف ربوبيته متعلقا بأن تكون شاهدا لوجوده ومجيع آوصافه ،غايبا
عن ومهية وجودك ،فانيا عن مظهر شهودك الترى ك برؤية حياة
والمسعا والبرصا والقدرة وال ارادة والعلام والالكما والحركة والسكوان اال
به ،وقامئا بقميومته وحيا حبياته ومريدا وقادرا وعاملا ومتلكام ابرادته وعلمه
والكمه ،ومتحراك حبركته ،ومترصفا بترصيفه .فالتعلق بألوهية االهل للاملوه
،وبربوبية الرب للمربوب نعت ،وهبا يظهر رشفه ويمثر هل ظهوره نس بة .
وحيث تكن القضية بأن تعلق ابلوصاف العدمية ،وغفل عن الصفات
الزلية العلية ؛ فهو احلقيق ابمس اجلحود واملبعد املطرود .آعاذان هللا من
البعدوالطرد ،فلكام كنت متحققا بأوصافك من قصورك وجعزك وفقرك
326
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
اندرس ابللكية اال البقااي اذلين حتت قباب الغرية آولوا البقية .وليت
شعري من ك واحد مهنم ؛ آوهل ترى خمربا عهنم ،وآن يظهر يف زهيم
من يدع رشائف آحواهلم ومبحرف بزتويق آلفاظ حتايك آلفاظهم كذبه
شاهد حاهل ،ومن عليه قبيح فعاهل ،فليتق هللا املتجاهل املتعايم العامل مبا
هو عليه من قبيح احلال وسوء الفعال ،وهو مع ذ ك يدع مقامات
آبطال الرجال ،ويتبجح يف بيد ادلعاوي وهو عن مقامات القرب خايل ،
ويف س ندابن الهوى هاوي .فباهلل ايآيخ واايي هل آحد منا انل ذليذ
وصاهلم ،آوحتىل بصف آحواهلم ،آوتأدب مباكرم آخالقهم .فكيف وقد
وعد احلق من انزعه يف صفاته ،وآرشك غريه يف عبادته بوبيل عذابه وآلمي
عقابه ،فقال عز من قائل حمذرا ،وعن االرشاك معه زاجرا { واايي
فارهبون } عن آن يشاركوين يف صفايت { واايي فاتقون } عن آن
ترشكوا مع يف عباديت .وعىل لسان نبيه يف القدس يات " الكربايء ردايئ
والعظمة ازاري مفن انزعين فهيام آدخلته النار " آشار اىل اختصاصه هبذه
الوصاف اكختصاص الشخص ابلرداء واالزار ،فال آبلغ من هذا االنذار
،والآعظم عىل من انزعه منه اناكر .ان من انزع خشصا يف ردائه وازاره
فقد ابرزه بأعظم اناكره .فانظر واعترب واايك والكرب فانه املصيبة الكربى ،
فان قليهل مانع من دخول اجلنة كام ورد :آنه اليدخل اجلنة من اكن يف
قلبه مثقال ذرة من الكرب ،والخياد يف النار من يف قلبه مثقال ذرة آوحبة
من اميان " ورشح ذ ك غامض عن الفهام عند النظر يف آصهل ومبداه ،
وغايته وانهتاه .فالكرب املهني عنه خلق ابليس لعنه هللا ،وهو خلق من
329
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
انر والنار مادامت متأصةل يف القلب .وان قلت فهي جتذبه اىل آصلها
مااليمتكن من دخول اجلنة ،كذ ك االميان اليزال جيذب صاحبه حىت يرده
اىل آصهل ،وآصهل نور امجلال اذلي نعمي اجلنة مزنهل ،وفهيا سلطانه
ومظهره .ولقد مال بنا الرشح آوجنذب البعض اىل بعض ،ويل يف ذ ك
شعرا :
منعك آن تدع حق العبــــاد مفا للعبد آن يدع وصفا ملـــــــــــــواله
مفا لغريه آن يعبد سواه ومـــــــــا معبود يف املكل وامللكوت اال هــــو
من انزع هللا يف آوصـــــافه قسام آن اليذوق يف الفردوس آحـــــــاله
فاذا مسعت مبن آظهره هللا عليه من آوليائه شئ من ماهو من مقتىض
الترصف االلهي فال خيتلج يف عقكل آن ذ ك بطلب واختيار ،ومع بقاء
رؤية الغيار والتلطخ بكثائف العوائد وظمل الاثر ،وامنا ذاك بعد حتقق
مقام الفنا .وآما مع االقامة عىل العوائد الطبيعية والشهوات احليوانية
الخيرق آس تار الغيوب ،والتبدوا خمبأت الرسار حتت احلمكة ،ورس
القدر اليظهر اال بعد ذهاب وصف البرش ،ذل ك قال املؤلف متعجبا :
( كيف خترق ك العوائد وآنت مل خترق من نفسك العوائد )
كيف يتصور آن خترتق ك آس تار الغيوب وآنت بعد مل تتب من هفوات
اذلنوب !؟ آم كيف خترتق العوائد والقدار وآنت متصف ابلغفةل ومقمي
عىل االرصار؟ آم كيف ترشق عليك شوارق النوار وآنت مل تصفى منك
الرسار عن الظمل والكدار ! كيف تطمع يف نيل آقىص املرام والتحيل
بأعىل مقام وآنت مل تعرف احلقوق عىل الامتم ! ومل تصح منك االانبة عىل
ادلوام ،خفرق العوائد بأن تأيت ويظهر عىل يديه مايس تحيل يف العادة
330
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
االتيان مبثهل ،وذ ك عند انكشاف رس القدر وذهاب ظمل العوائد .
وكثيف البرش وخرق العوائد النفسانية مفتاح البواب الروحانية ،وخرقها
بأن تأيت عىل خالف املعتاد من مايه مقمية عليه ومطمئنة اليه من الركون
والسكون اىل ما اليالمئها ويوافقها من مالذها ،وحيملها عىل االجهتاد
ماخيرهجا عن معتاد طبعها ،فعند ردها عن مرادها ومقتىض حظها ومحلها
عىل غاية الوسع ومنهتيى الطاقة يف عبادة رهبا خترج من حزي النفوس ،
وتلتحق بعامل القدوس ،مع الرواح العلوية واللطائف الساموية الصافية .
فعند ذ ك الجرم آن خترق العادة البرشية بأن تطري يف الهوى وعىل املاء ،
ويس توي عندها البعد املاكين اذ المسافة يف العامل العلوي ماكنية .وتتجىل
عليه الصفات العلوية فتكون مظهرا لها وجمال لرسها .لن لك سامء يتحمك
فهيا رس وصف وروح قديس ،روحانيته مس متدة ومس تعدة ليزنل نور
وصف الهي .وهنا عمل يطلب سرته عن غري آههل فال يذاع واليس تودعه
اال لك قلب قديس يشأ لكه ،فالنطيل فيه .ويل يف ذ ك شعرا :
فكيف تطلب مظهر غاية القـــدر وآنت مكبول يف جسن من البرش
ان ش يئت خترتق الس بع الطباق عىل براق عزم وحرضة منهتيى النظـــر
هذا وبعد انهتيى سري الـوقود اىل عزيز وصل جبنح آطيار ذاك طر
انسان عيين سعدت ان جرت م عىل وجه مجيل بال تكييف منحـــرص
وهذه اخلوارق يه ظهور الايت ووجود الكرامات ،ويه التظهر ملن
بقت عليه من نفسه بقية ،وان ظهرت صورهتا فهي عند الرضا هبا
والسكون الهيا والفرح بوجودها خديعة .فعدم ظهورها عىل من فيه من
بقية الهوى ووجود ادلعوى آمت لصالح حاهل ،فسرت الكرامات وظهور
331
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وآما ابلفعال فطريق الواصلني اليه بعد توفيق هللا وهدايته وعونه بتصفية
الرايضات وترك املألوفات واملعتادات فهيا تنخرق هلم العادات .وابمجلةل
فالسرت يف حق الضعفاء آسمل ،والكشف يف حق القوايء آقوم وآدوم .
والقوايء اليعمتدون عىل مايربز عىل آيدهيم واليرونه كثريجدوى ،
واليزيدمه تبياان ،بل يرونه من مجةل آقدار هللا اجلارية لثبوت يقيهنم ،
وحتقيق متكيهنم .وجل نظرمه يف االس تغراق يف جالل هللا وجامهل .ويل
يف ذ ك شعرا :
يزيد آرواهحم شــــــوق وآجشان العارفون هلم يف القــــدس جوالن
قرىب هلم يف القـــــرب ميدان ؟ فهم يف العال تــدور هبم آحوال ؟
مناقب آايت يف السامء وعرفان ويف مسامر آرجــــاء الوصال هلم
املطلوب مهنم هل اال حمـــو لعيان والسالكني عىل هنج السبيل فال
يف مغرة املوت ركبان وفــــرسان يلقون م جيوش النفس خائضة
واكن خرق عوائد النفس ابلطلب لهنا حق احلق من العبد ،فأوىل
الحوال آن يكون يف الطلب متصفا ابلدب ،والدب هو آن يكون
طلب امتثاال وتعبدا ،الوجود حظه وموافقة مراده ،ذل ك قال املؤلف
ريض هللا عنه :
( ما الشان وجود الطلب ،وامنا الشان آن ترزق حسن الدب )
ما الشان املراد من العبد يف حرضة س يده واعطاء ربوبيته حقها ،بأن
تكون طالبا حلواجئك منه ،ولكن الشان املراد من العارفني والعلامء
احملققني آن تكون متأداب بني يديه اليكون ك مراد غري مراده ،والمطلواب
غري شهود ذاته ،والتحقق بأسامئه وصفاته بأن تدعوه عبودية ،وتفوض
333
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فالدب آن ترى نفسك والترى لها ،بل تكون حمو يف وجود س يدك
وموالك ،وتكون يف دعائك مضطرا فقريا حقريا ذليال ،ذل ك قال املؤلف
ريض هللا عنه :
( ماطلب ك شئ مثل االضطرار ،وال آرسع ابملواهب اليك مثل اذلةل
واالفتقار )
ماطلب بلسان احلال للعبد اذلليل العاجز من س يده الكبري املتعال .ك
آهيا الطالب الراغب فامي عند هللا من املواهب وس ين الرغايب شئ من
الوسائل لذلي يكون هبا وسائل ،وترجو هبا حصول ما آنت آمل وهل
حماول ،من الوصاف اذلي يس تحق هبا نيل مطلوبك وغاية مقصودك ،
مثل حاةل اضطرارك وافتقارك وذلتك ملعبودك .واالضطرار مقني ابالجابة
ومقرون هبا ،كام قال جل ذكره { آمن جييب املضطر } قاهل بلسان
المتدح بذ ك ،مفاذا ترى مايواجه به املضطرين اليه من اللطاف ،
وماينيلهم من االسعاف .واملضطر اذلي اليرى لكشف بالئه سبب
يستند اليه ،والحول يعمتد عليه ،بل يكون طرحيا يف فقره واضطراره ،
وبيد التجائه متدرعا ثياب ذلته ومسكنته ،انظرا يف آرجاء رجائه ،غريقا
يف جلة افتقاره ،الجيد غريا يلتفت اليه ،والمتوسال يلجاء سوى من بيده
ملكوت لك شئ ،ومنه مبتدآ لك شئ واليه منهتاه ،متوسال بكرم مواله
وانظرا اىل جنابه ورامقا اىل فس يح اببه يف ذهابه واايبه .فاذلةل يه
خضوع العبد بني يدي املعبود ويه روح العبادات ومنهتيى القرابت .وهبا
يتدرعون ويف رايضها يتقلبون ،لن آذل الحوال عند احملب المتلق حملبوبه
،ومتسكنه بني يديه .واالفتقار جيلب العطف من الغين بأن ترتادف عليه
335
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
مواهبه ،وجتلب دليه آلطافه ،وتدنوا عليه تعطفاته ،امنا تفتح آبواب
العطااي الرابنية واملنح الرحامنية ملن حص افتقاره وحتققت ذلته واضطراره .
ومن احتجب ابلعزة النفس ية الهوائية واس تغىن ابلغراض العدمية ادلنياوية
،والتجا اىل ما منه ومادليه اكئنا مااكن رد اليه وولك عليه ،وهو سلمه
آحوج مايكون اليه فكل فمين سلف آسوة ،و ك يف مشاهدة الغري عربة ،
فد ك عىل املقصود ،وتوحض ك طريق الهدى ،فاعترب مبن هو املراد من
القربة ومن هو املعين ابلشهوة ،فقال يف آهل السعادة { ولقد نرصمك هللا
ببدر وآنمت آذةل } [ الية 123آل معران ] وقال يف آهل الشقاء واالس تكبار {
} [ الية واان فوقهم قاهرون * قال موىس لقومه اس تعينوا ابهلل واصربوا
128-127العراف ] فانظر كيف ملا اكنوا ابهلل مس تغيثني وعليه متولكني ،
كيف آورهثم الرض وبوآمه نواحهيا ،ودمر من عىل نفسه عول وبأمواهل
ودولته صال وطال ،فقال { ودمران مااكن يصنع فرعون وقومه ومااكنوا
يعرشون } [ الية 137العراف ] ويل يف ذ ك شعرا :
مفا طلب شئ للراجني من سبب مثل اضطرار بصدق ينجح الطلبا
فكن فقريا طرحيـا لست منتسب اىل احتيال والحـــــــــال والنس با
بذةل يعرتي احملـــــــزون يف كئب تأيت مواهب منـــــــــــــان مبا طلبا
يف مضن ذاك منــون طــــهيا آدب هبا انترص من هبا يف بدران غلـــــبا
فاذا حققت اضطرارك وصدقت يف ذ ك وافتقارك توالك بصنوف
اللطاف واملواهب ،وبوآك حضائر القرب والرغايب .وذ ك عند
336
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
مس تحسن فزهد يف الخرة طلبا للمشهد الرفيع والعامل الوس يع ،ويطلب
املطلب اذلي وحدت مهم النبياء وآاكبر الصديقني وحمقق املقربني العارفني
اليه ،وهو طلب القرب من هللا اليه ذلاته ومجيل صفاته اللشئ .فعند
ذ ك يزنل رس احلبيب عىل احملب ،ويكىس حةل االصطفاء ،ويتوج بتاج
االجتباء .وهذا وهللا آعمل هو معىن :غطا نعتك بنعته ،ووصفك بوصفه
.ذ ك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل العظمي .ويل يف ذ ك
شعرا :
لو كنت مل تدن من قرب احلبيب سوا مبحو دعواك مل ختلص من العـــــــلل
لكن اذا راد آن يوصل اليــه فنــــا كساه وصف العيل املوصوف ابلزل
وفاض فياض حبر الفضل منه عىل قلب احملب حفقق غاية المـــــــــــل
يشهدك آنه مبا منه اليك بــــــــدا وآنت حمجوب ابدلعوى وابحلــــــيل
فاستنقذك منه ابلغيار مبتدئـــــا اليك ابحلب قبل الخــذ يف العــــمل
والنعت هوماميدح به من عيل الوصف وحسن الفعل ،فهو آمع من
الوصف ،وملا اكن العبد كام علمت منعوت ابلنقص وموصوف ابلعجز مل
خترج آعامهل اال مشالكة حلاهل ،فلوال آنه كساها جبميل عفوه وكثيف سرته
مل يصلح آن يقابل هبا حرضته ،ومل تعرض يف ميادين خدمته .ذل ك قال
املؤلف ريض هللا عنه :
( لوال مجيل سرته ؛ مل يكن معكل آهال للقبول )
ومجيل السرت هو مايكىس به من نور جامل هللا وحتسينه اايه عىل ماهو
عليه من النقايص ،ومتلبس به من املعايب .فلرمبا يعرث ذوعمل انقص
ويصري عن مقام التحقيق انكص فيفرح مبا يصدر منه من العامل معمتدا
340
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
علهيا ،انظرا بلكيته اليه دون هللا ،ولرمبا اكن يدل هبا اذا اكنت هذه
حالته ،ويرى عىل هللا الفضل هبا وينىس فضل هللا تيسريها عليه واعانته
علهيا ،وهدايته الهيا وماعلهيا من النقص والقوادح املانعة لها عن حرضة
القبول ،احلاجبة لها عن الوصول كام هو شان احملجوبني واجلهال املغرورين
،فالختلوا آعامهل عن شوب رشك آما برؤية اخللق ومسعهتم ،آوبرؤية
النفس وحولها وقوهتا ،ولك ذ ك حمبط للعمل قادح فيه ،فذل ك يكون
اعامتد املريد عىل هللا ال عىل علمه ومعهل ولك صنائعه ،بل يعمل
ويس تحق من هللا من خفااي اليعلمها .فقد يظن آنه آحمك معهل ولرمبا
يعرض عىل هللا وفيه شائبة مما يوجب مقته عنده ،ولكن سرت هللا آعظم
وحلمه آمت وآمجل .
ويقال :آن للك انسان مشهد يف العامل العريش تظهر فيه آعامهل وتعرض
فيه آحواهل بني آهل ذ ك العامل القديس ،فاذا معل معال صاحلا خالصا
آظهره هللا يف ذ ك املشهد وآعلنه بني آهل املالء العىل ،فريى هل نور
كنور الشمس فيغبطونه آهل املالء العىل ،واذا معل سيئة آومعال
غريمقبول آس بل هللا عليه سرته وآضفا عليه وفور حلمه يف مكنون علمه ؛
ان شاء عاقب صاحبه وان شاء غفر هل لئال ينكشف سرت عبده املؤمن
بني آهل ذ ك املالء ويفتضح يف آهل السامء .مفا آعظم كرم هللا عىل
عباده املؤمنني وما آمت فضهل عىل آوليائه املقربني وما آصبغ نعمته عىل
خاصة صفوته العارفني ،وما آوسع عطائه وآجزل وفائه خلواص عباده
املوحدين .واال فكيف يزكوا معل عبد وهو متلبس ابملعايب ابطنا وظاهرا
االبزتكية هللا هل ،والخيلص اال بتخليصه .فنسأل هللا حسن توليه وسرت
341
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
مانرسه ونبديه ،من فضيع جرامئنا وقبيح معايبنا بني يديه ،وآن يتوالان
فامي انخذ ونذر ونرس ونعلن ونتحرك ونسكن ،بل فامي ال اطالع لنا عليه
من خفااي الحوال ودقائق العامل ،وآن الخيلينا عنه يف مجيع الحوال ،
دنيا وآخرى وبرزخا ومقرا ،وفامي بعد ذ ك ومابني ذ ك ،انه اجلواد
املفضال .ويل يف ذ ك شعرا :
للعبد مل خيلص المعـــال واحلاال لوال مجيل س تور هللا اكئـــــنة
مل يسرت هللا آفعاال وآقــــــــوا ال ومل يكن فيه آهال للقبول ومـــا
عيب بصد ونقص منه يف احلاال مل يصف للعبد حال بل ميازجه
وملا اكنت الطاعة فهيا ماالخيفى من الرشف وعلو املزنةل عند هللا وعند
اخللق اكنت معرضة الحماةل لخطار شديدة وهما ك عديدة ،واكنت
املعصية ملن آراد االقالع عهنا معرضة لحوال محمودة ملا يعرتي صاحهبا من
ذلهتا وقبح رؤيهتا .ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( آنت اىل حلمه اذا آطعته ،آحوج منك اىل حلمه اذا عصيته )
آنت يف الطاعة اىل حلمه وعفوه من جرامئك وملومات فضاحئك آحوج
منك وآجدر بطلب االقاةل من معل آدخلت فيه رشك لسواه ،آوغبت
فيه عن شهود منته ،وتقدم حمبته وتيسري قدرته ،وختصيص ارادته
وتوفيق مش يئته وابراز حمكته ذل ك العمل وتسديد ذ ك اخللل ،كيف ال
وقد علمت مايصحب الطاعة من معايص القلوب وكبائر اذلنوب ان مل
يتوىل هللا حاةل العبد فيخلصه من ورطاهتا وهماوي هملاكهتا ؛ اكلرايء
واالجعاب والسمعة وحب الثناء وارتفاع الصيت والشهرة والتصنع وغري
ذ ك مما يطول عده ،واليوقف عند حده .فذل ك يكون العبد آحوج اىل
342
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
العمل خلوفه من آن يتلبس خبصةل من هذه اخلصال ظاهرا ،بأن يغلبه هواه
عىل االرصار عىل فعلها وحمبهتا واملقام علهيا ،حاةل من انتصب لطلب
املزنةل عند اخللق فانه يعمل آنه غري مصيب يف ذ ك ،واليقدر عىل الزنوع
عنه لكونه مرتحش يف قلبه وغالب عىل طبعه .ومع ذ ك هو عامل من قبح
احلال وخسة الفعال .وآما آن يصحبه ابطنا فاليتفطن هل وذ ك جلههل
ابلتفتيش عن دقائق الحوال ولطائف العامل ،وقةل تيقظه للزايرة
والنقصان ،وخفاء آرسار عمل املعامةل عليه وغفلته عن التطلع اىل مبادي
تأسيس العمل وطرائق التقوى ،فيقمي عىل حاهل مس تحس نا لفعاهل ،
فهيكل من حيث يظن السالمة ،وحيصل عىل وبيل احلرسة وحيرتق بنار
الندامة عند معاينة حقائق علمه عند كشف الغطاء عن العامل ،ورفع
الس تور عن الحوال ،هبتك آس تار احلياة ومعاينة عالمات الوفاة .
فكيف اليكون اىل حلمه وعفوه آحوج لصحبته لهذه املها ك اخلطرية
وسلوك هذه الطرق اىل غريه العميقة .
واملعصية عند االقالع عهنا والرجوع اىل هللا مهنا اليصحهبا اال اذلةل
والندامة وااللتجاء واالفتقار واللهوج ابالس تغفار ،وطلب االعتذار .
وذ ك آن هللا جعل اذلل مقرون ابلعصيان ان اس تقصاه يف هذه ادلار ،
وآقام ابالعتذار مقرا ابخلطاء معتذرا من اجلفاء ،فقد بري عنه يف ادلار
الخرة ،وآمن حلول لك بلية وفاقرة ،وان آرص عليه ومتادى وابرز
ابملعايص وعاد ،آظهرت عليه ذلهتا واندته ندامهتا ،وتعلقت به بليهتا يف
دار ادلوام وحمل االنتقام ،واعتذر يف حيث مل ينفع املعذرة ،وندم يف
حيث الجياب اىل االقاةل ،فيخرس خسارة الرحب فهيا ،ويندم ندامة
343
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
اليقال فهيا .فاملعصية عند الرجوع عهنا يف ادلنيا آسمل من حصبة الفات يف
الطاعات مهنا ،وذ ك لئال يأيس عاص واليأمن مطيع ،مفا آعظمه يف
لطفه ،وما آلطفه يف عظمته ،وما آقربه يف علوه ،وما آبعده يف دنوه .
فامعل عىل حذر من هذه الفات ،وارجع عن اذلنوب وابدر من خوف
الفوات .ويل يف ذ ك شعرا :
العبد حيتاج يف طاعـــــاته مفىت مل يصحبه حمل من مواله ذي الكرم
اكنت جنايته تربوا فتوبــــــــــته من ذ ك آن يس تقبل هللا ابلنـــــدم
ومن تقادم يف السوى صناعته فلريجعن اىل االحسان والســـــــــمل
واخللق يف طلب السرت عىل قسمني :خاصة وعامة ،فاخلاصة جل
نظهرمه وغاية حياهئم من س يدمه واملرشف عىل خف ضامئرمه ومكنون
رسائرمه لشهودمه هل ،والعامة ابلضد من ذ ك حفياهئم من اخللق ،لن
الغالب علهيم شهودمه وظهوروجودمه ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( السرت عىل قسمني :سرت عن املعصية وسرت فهيا ،فالعامة يطلبون من هللا
تعاىل السرت فهيا خش ية سقوط مرتبهتم عند اخللق ،واخلاصة يطلبون من هللا
السرت عهنا خش ية سقوطهم من نظر املكل احلق )
السرت كام علمت هو تغطية املعايب اليت تورث حياء وتكسب ذةل وجخال
عند من حيتشم وخيىش ،والسرت عىل قسمني من حيث آحوال اخللق
الطالبني المن حيث كونه سرتا .آما من حيث كونه فهو الينقسم ،فاذلي
يطلبونه العامة احملجوبني واجلهال املسلوبني عن نور العمل ،املوصوفني
ابلكرثة اذلي الفقه يف قلوهبم ،وال آبصار يف آعيهنم والمسع للايت
والخبار يف آذاهنم يرون قبح املعصية وشؤهما ومذلهتا يف آعني اخللق ،
344
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
مراقبة آرسع احلاس بني ،وما آحسن حال من جعهل لك مطلوبه وفامي دليه
جل مرغوبه يصون عن جناب احلق قباحئ عيوبه ،ويتباعد عن مصائدها
وآس باهبا ،وهيرب اليه من الوقوع يف حبائلها ،مفا آسعدها حال من سمل
من شؤهما وبالهئا ،وما آحسن فعال من اس متر طعم مألوف ضريها ،
واستنكر ماعرفه من طريق مساكهنا ،وامشأز من حضورها عىل خميلته ،
واستبدل هبا حالوة الطاعات ،والترضع يف اخللوات ،واس تذل مبناجاة
احملبوب يف غياهب الظمل حني يغفل عنه النوام البطالني .ويل يف ذ ك
شعرا :
السرت منه عىل قسمني يف النظر واخللق يف ذاك حس بك ان تكن خرب
اىل معوم وحمجــــــــــــوبني ابلثر ومن خصوص حظوا من خالق البرش
بنور قرب علهيم يس تضاء بـــــــه ويس تلينوا بنور هللا يف الصـــــــــور
فالطاعة رشيفة ترشف املطاع ،واملعصية قبيحة ومشومة عند اخللق ،
وذ ك آن الفطر فطرت عىل الطاعة فذل ك تكون الطاعة حمبوبه وصاحهبا
حمرتم عند من مل يعملها ،وذ ك ملا يف آصل الفطرة ،واملعصية مذمومة
وصاحهبا ملوم عند من يتعاطاها ،وذ ك ملا يف النشأة الفطرية من النفرة
اىل اخملالفة ،فذل ك يكرم ذوو الطاعة وهيان آهل اخملالفات واملعايب
والزالت .وقد علمت اس تحاةل خلوص آعامل العبد عن الفات اال بتوفيق
هللا وعونه وتأييده ،والخيلو عن العيوب املبعدات اال بسرت هللا ومجيل
عطفه ،واحاطة عنايته ولطفه .ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( من آكرمك فامنا آكرم فيك مجيل سرته ،فامحلد ملن سرتك ليس امحلد ملن
آكرمك وشكرك )
346
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
من آكرمك من العباد واحرتمك وجبكل ونظر اليك بعني التعظمي ،وتقرب
اليك بأصناف التكرمي ؛ فامنا ذ ك االكرام والتقرب ابلتوقري واالحرتام ملا
شهد فيك من مشاهد االحسان ،وظهر عليك من مظاهر االمتنان .
فغطا عيوبك وقباحئ مؤبقات ذنوبك ،وما آكرم من آكرم اال ذ ك ،وما
آعظم اال مبا تفضل به االهل املفضال ذي الكربايء والكامل واجلالل وامجلال .
فاالكرام عىل آصناف :مهنا اكرام ابلثناء واملدح وابلبذل ابحملبوب من
آحرض ماعنده من املال ،وابالحرتام والتعظمي وطلب ادلعاء ورؤية املزنةل
عند هللا ،وآنه من خواص عباد هللا .وغري ذ ك من صنوف االكرام ،
واالكرام نفسه هو بذ ك ملن آكرمته من غري طلب جمازاة ،بل حمبة وطلبا
حلصول املزنةل عند من آكرمته .ولوال مجيل السرت اذلي ظهر عليك جامهل
،ومتم نقائصك كامهل ،وسرت معايبك ابنعامه وافضاهل ،ملا آكرمت وما
عظمت .فعىل احلقيقة ما آكرم اال ما آظهره هللا عليك من لطيف فضهل ،
فامحلد وهو الثناء ملن سرتك فأكرمك املكرم ،وماذاك اال ملا آظهره عليك ،
وآس بغه من كثيف سرته دليك .فامحلد هلل مس تحقا عىل لك حال ،لن
سائر الحوال ولك مظاهر الفعال صادرة عن حرضة واحدة التغاير فهيا
من حيث كوهنا منسوبة اليه ،ولكن من حيث ظهورها عىل صفاحئ
الغيار واكتساهئا مبالبس الاثر .وامحلد والشكر بيهنام خصوص ومعوم
وهجني ؛ حفمد غريه س بحانه عىل اجملاز ،وكذا شكره ومل يكن مس تحقا اال
هل ،فامحلد ثناء ابللسان ،والشكر معل ابلراكن واعرتاف ابجلنان وثناء
ابللسان ،ويه يف مقابةل النعم وغريها ،فهذا وجه معومه وخصوصه ،
واليتصور امحلد من اخللق للخلق اال مبعىن الشكر اال عند غلبة احملبة .
347
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
واليكون آيضا عاما بل خاصا من آفراد اخللق ببعض افراد امحلد وهو آقلها
،اذ لك مايصدر من الناقص اليكون اال انقصا ،وما امحلد الاكمل اال
مااكن من حرضة الكامل وهو محد هللا نفسه بنفسه يف آزهل قبل ظهور
آعيان خلقه وهو قوهل :امحلد هلل رب العاملني ،فأخرب س بحانه خلقه كيف
حيمدون حفمدوه مبا محد به نفسه ،جفمع هلم ش تات متفرقات احملامد يف
هذه اللفظة الوجزية لينالوا هبا كامل الرتبة العزيزة .فامحلد حقيقة ملن سرتك
ومجكل ال ملن آثنا عليك وآنعم ،لنه مل ينث اال ملا آشهده هللا من امجلال ،
وآشعره من الكامل ،فامحلدهلل وما آنعم وآسدا وبذل اال ملا يرى فيك من
آهلية االفضال ،وما آوصهل آيضا ليس حقيقة وصوهل ومنهتيى حصوهل اال
من حرضة فضهل ومعمي كرمه ،وتتابع عطائه وفضهل .فصار امحلد فامي يصل
اليك من االفضال ،آويتحدث به من الثناء وامجلال محد جماز حبمدمه
حبسب ما آمرت به من املاكفأة ابدلعاء وبذل النداء وكف الذى من مجةل
محد هللا وشكره ،مع ما آنت عاقد عليه نفسك آنه هللا مسخره وحمكه
مدبره ليس منه وال اليه ،فالجيمع بني حقيقة امحلد هلل واتيان حقوق هللا
اال مكل الصديقني ،وآاكبر حمقق العارفني .وغالب اخللق آما حمجوب عن
هللا يرى الش ياء من اخللق فيجرد امحلد هلم ويوجه الثناء الهيم عند ايصال
املنافع عىل آيدهيم فالميرتي يف خطاء رآيه وقبح فعاهل ،واذا وصل اذلم
مهنم بوجه ابملعاداة وقباحئ الخالق فهو واقع يف احدى املذمتني فاليدري
آهيام آقبح ؛ آمدح اخللق وشكرمه عىل نعم هللا مع قطع النظر عن هللا كام
هو شان آهل احلجاب ،ويقع سبب ذ ك يف معايص القلوب وكبائر
اذلنوب ،آعاذان هللا مهنا .
348
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وآما املصطمل يف سكر احلال فاليرى للغيار آثرا واليسمع مهنم خربا ،
فلولكف عىل اثبات الغيار ما اس تطاع آن يرى هلم فعال والوصفا والذاات
حقيقة والجمازا ،ولكن قرص عن كوهنم اثبتني ابثبات هللا هلم وهو مغدور
لغيبته عن شاهده ،متالش حتت سلطان امجلال ،ماخوذ عن احساسه
يف حضائر الوصال وشهود الكامل .ومىت عاد اىل احساسه وحرض معه
آانسه فاليكون اال مثبت ما آثبته هللا ،مؤمترا بأوامره منهتيا عن زواجره .
حفمد اخللق جمازا كام آن ثنامه جمازا ،وشكرمه آيضا كذ ك ،كام آهنم
آوصلوه اليك عىل آيدهيم حمكه جمازا .وحقيقة امحلد والشكر ملن ثناه
وانعامه عليك اثبتا وفضهل اليك واصال .ويل يف ذ ك شعرا :
محدا فال يس تحق امحلد اال هو من آكرمك من عباد هللا مبتغيا
وظاهرات تـــــــوىل سرتها هللا مك من عيوب يف االنسان خافية
سوى اذلي معت الكــوان آاله فليس آهال محلد اخللق قاطـــبة
مفن آراد حصبتك وآظهر حمبتك اذا برز منك مايناقض الكامل نقصك عنده
الحماةل ،والعبد آبدا الينفك عن نقص وعيب ،فصحبة اخللق معك عىل
ما ظهر من وصف الكامل وانسرت عهنم من قبيح الفعال ،والظهر ما
ظهر من امجليل واس ترت ما اس ترت من العيوب ،وتغطا من فضاحئ اذلنوب
اال بكثيف سرته ومجيل عفوه وبره .ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( ماحصبك اال من حصبك وهو بعيبك علمي ،وليس ذاك اال موالك الكرمي
)
ماحصبك حقيقة وتكرم عليه تطوال منه اال موالك ،اذ هو اذلي مل يقطع
عنك آفضاهل ،ومل حيرمك فضهل ونواهل ،مايعلمه منك من قباحئ الفعال
349
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
اللشئ يعود عليه منك لنه الغين بذاته وصفاته وآفعاهل ،فاليكون انقصا
فتمكهل ،والحمتاجا فتوازره وتظاهره ،يتعاىل هللا عن االفتقار اىل الغيار
وان تمكهل الاثر ،فندبك لينيكل ،وزجرك ليقيك ،وحذرك نفسه وشدة
بطشه لعظم رآفته عليك .
واذا نظرت ما آس بغ عليك من الالء علمت آن جنابه الهيمل وذكره
اليغفل ،وعلمت آن مجيع ختويفه ك وزجرك من مجةل نعمه الواصةل اليك
ومنته احلارضة دليك .آما تس متع قوهل س بحانه { يرسل عليكام شواظ من
انر وحناس فالتنترصان } م قال بأثر ذ ك { فبأيي آالء ربكام نكذابن }
[ الايت 36-35الرمحن ] فعد ذ ك من مجةل الالء .ويل يف ذ ك شعرا :
ذي الطول والفضل واالحسان والكرم خفري من يصحب االنسان خالقه
فلو رآيت اذلي هو منك طالبـه رآيت ذ ك آجل الفضل والنــــــــعم
ومن آدام اجملالسة مع هللا وراقب الصحبة وآداهبا فالجرم ينكشف عن
قلبه غطاء الغفةل وظلمة اجلهل ،ويرشق فيه نور اليقني ،فعند ذ ك تزكوا
آعامهل وتصلح آحواهل ،فذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( لو آرشق ك نور اليقني لرآيت الخرة آقرب اليك من آن ترحل الهيا ،
ولرآيت حماسن ادلنيا قد ظهرت كسفة الفناء علهيا )
لو آرشق نور اليقني من آفق الفتح املبني .والرشوق هو العمل الكشف
اذلي اليداخهل لبس واليبقى معه داع ش يطان والنفس ،وهو مبزنةل
اضاءة من الشمس احلاصةل ابزا مابسط عليه الشعاع ،فيبني لصاحبه
الاكئن فيه الحماةل احلق من الباطل ،ويتضح دليك العايل عن السافل
352
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
والثابت والفل فيختار الثابت .كام قال اخلليل صىل هللا عليه وسمل عند
رشوق كوكب العمل يف قلبه { الآحب الفلني } وهذا العمل اليقني آول
مبادئ الكشف وعالمته وبيان حاهل من قام به العزوف عن ادلنيا لفناها ،
وامضحاللها وزوال نعميها وذبول رونقها ورسعة تقلهبا ،فعند ماينكشف
عن قلبه هذا الغطاء وتنبسط يف صدره آنوار هذا الضياء ينفسح ويتسع
منه الرجاء .ذل ك قال النيب صىل هللا عليه وسمل " ان النور اذا دخل
الصدر انرشح وانفسح ،قيل ايرسول هللا هل ذل ك من عالمة ؟ قال
نعم ! التجايف عن دار الغرور واالانبة اىل دار اخللود ،واالس تعداد للموت
قبل نزوهل " وذ ك ابحلرص عىل وظائف الطاعات يف ممر الوقات خش ية
الفوات ،والتباعد عن الهفوات وجمانبة الغفالت ،ومبادرة الساعات بأرحب
البضاعات وآغبط التجارات عند عامل اخلفيات .
حفاكايت آهل هذا املشهد آكرث من آن حترص وآبني من آن تشهر من
اختيار النقةل اىل الخرى عىل البقاء يف احلياة ادلنيا ،وتقذير ادلنيا
واس تقاللها يف آعيهنم ،وجمانبة املتلطخني بقاذوراهتا واملتش بكني يف
حبائلها .مفن اذا قيل هل ماذا تريد نشرتيه ك اذاسافران ؟ فيقول املوت
اذا وجدمتوه يل .ومن املس تعدين من مل يألك اخلزب اليابس بل يرشب
السويق ويقول بني ذ ك ومضغ اخلزب س بعني تسبيحة ،وبني من يطلبه
ويش تاق اليه اشتياق الغريب الكئيب اىل وطنه .كام يف رواية حارثة
النصاري وغريه من آجالء الصحابة كنس ابن النرض يف يوم آحد " اكن
مقبال ملا آدبر الناس وهو يقول :ايسعد اجلنة تنفح دون آحد ،ويقول :
اللهم اين آبرآ اليك مما صنع هؤالء ،يعين الكفار ،وآعتذر اليك مما صنع
353
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
هؤالء املسلمني .فدخل العدو ومل يرده ما رآه من شدة بأسهم حىت وجد
قتيال ـ آصيب ببضع ومثانني بني طعنة برمح آونكنة سهم ،وذ ك آنه مل
حيرض بدر فقال :آول غزوة غزاها رسول هللا صىل هللا عليه وسمل مل
آحرضها ،لنئ آشهدين هللا غزوة بعدها لريى هللا صديق .قالوا :واكنوا
يرون آن هذه الية نزلت فيه ويف آش باهه من املؤمنني { رجال صدقوا
ما عاهدوا هللا عليه مفهنم من قىض حنبه ومهنم من ينتظر ومابدلوا تبديال
} [ الية 23الحزاب ] فهذا مثرة رشوق نور اليقني يف صور املتقني اذلين
صابروا العداء وانجزوا النفوس ومعروا معاين التقوى ،وجتنبوا دواع
الهوى ،فأمثر هلم ذ ك العمل اليقيين ،وانزهلم الصدق يف سائر الحوال
والقوال والفعال .وهذا العمل ال للكسب فيه مدخل بل يقذفه هللا يف
قلوب آهل الصدق فريون بواطن المور اذا رآى احملجوبني ظواهرها ،
وينذون ببصائرمه اىل حقائقها اذا وقف املغرورون عىل صورها ،
فزيهدون فامي رغب فيه البطالون ،ويعرفون ماهجهل الغبياء الغافلون ،
فهم يعجبون لغريمه كيف آغرب هيذا الرساب واخللق يروهنم جمانني من
سكر هذا الرشاب ،فاجلهال اذا مروا هبم يضحكون ومه علهيم من حرسة
املوت مشفقون ،فأجعب ذل ك املشهد املصون ،وآعظم بذ ك الرس
املكنون .وبعد ذ ك تنفتح هلم خزائن الرسار ،وتلوح هلم لواحئ النوار
من س نا صفات الواحد القهار .فريجعون ابالعتذار ويلمحون للخلق
العذار ،فتخرتق هلم العوامل ،وتبني هلم املعامل ،فالخيتارون غري ماخيتار
354
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وقل رب زدين علام } فلياخذ يف الرتيق اىل رتبة العيان وفناء رؤية
العيان من سائر احلداثن .فادلنيا جحاب احملرومني واملتعدين والغبياء
اجلهال املغرورين ،ويه جحاب ظلامين تنشأ منه كبائر اذلنوب والوقوع يف
ورطات البعد واجلحود ،والخرة جحاب آيضا عند آرابب الكشف
والشهود ،واملشغوفني حبب االهل املعبود .فهي ابالعتبار عندمه للواقفني
عندها من الصعود اىل رفع احلجاب ،وادلخول يف زمرة الحباب
اخملطوبني املرادين بشهود االقرتاب ،ولكن جحاب نوراين عنده حمتد سري
آحصاب الميني .فلام اكن النفوس عن رؤية الغيار من جنة آوانر مطلب
املقربني الحرار .ذل ك آشار املؤلف ريض هللا عنه :
( ماجحبك عن هللا بوجود موجود معه اذ الشئ معه ،ولكن جحبك عنه
تومه موجود معه )
ماجحبك عن هللا آي عن وجوده وشهوده ذاات ووصفا وفعال وجود موجود
معه اذ الموجود معه ،فيكون هل ندا ورشياك فيكون هل ضدا ،وامنا
جحبك ومه قام يف خميلتك ،واال فيتعاىل عن آن حيجبه شئ ،اذ لو جحبه
355
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
لسرته ولو سرته لقهره وهو القاهر فوق عباده .ولو جحبه لاكن حميطا وهو
بلك شئ حميط ،ولس بق وجود ذ ك لوجوده .وقد علمت وجود قدمه
واس تحاةل عدمه ،ولو اكن كام يظنه من يش هبه ابلجسام احملصورة يف هجة
النعكس احلمك ،آي لصار القدمي حاداث والواجب جائزا واجلائز واجبا ،
والقايل به .بل احلجاب مايقوم ابلعبد من صفة من صفة القصور عن
ادراك حقائق المور ،وعدم قابليته لقوة الظهور ،فكام قويت قابليته
ذل ك ومنا اس تعداده ملا هنا ك انكشف لها من ظهور احلق الظاهر والنور
الباهر حبسب مافهيا من االس تعداد ،وذ ك متوقف عىل ماوصلها من
مواهب االمداد ،والتزال هذه االمداد تتواصل ،والتزال هذه احلجب
تنكشف آبدا يف معر الخرة الطويل ،وتتضاعف حبسب التضعيف
الخروي ،فلكام كشف لها عن حمل ترقت به اىل آمكل ،فالهناية لكامهل
فلكام رشب اكس زاد اىل الرشاب ش بقا ،وثبوت ماسواه رشعا اليناقض
كونه واحدا بالند الثباته آدل عىل توحد موجده وقدرته وارداته ،وابيق
صفاته من قدم الصانع ،والظل الحيجب عن خشصه املنبسط عنه بل
يدل من هل عقل ،اللهم اال آن يكون آمكه البصرية مطموس النور والرسيرة
،آواكن خفاش اليطيق فيضان نور الشمس فقد يفوته حتقيق وجود ذ ك
الالعمل به ،ولكن عمل قهر وعمل آمر ،فعمل المر هو مانزل يف القلوب ،
وعمل القهر هو شهادة آهل اجلحود بنفس الوجود { ولنئ سألهتم من
خلقهم ليقولن هللا } [ الية 87الزخرف ] ويل يف ذ ك شعرا :
قلنا احلجاب تومه صورة احلجب ليس احلجاب وجـــود اثلث فذلا
356
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
الهامه من تفرق يف ومه التغاير .فلو ظهرت الصفات ذلهبت اجلهات ،
واحرتقت بنورها لكام آدركته الس بحات ،بذ ك جاءت الخبار وادلالالت
،فأين البرص واالبصار واملبرص ،وآين التعداد يف ظهور الوحدة ،فمل
يبق اال وصف املوصوف ،وعند جتيل املوصوف يندرج الوصف يف
ظهوره ،وتنطمس النوار يف ارشاق نوره ،ويكون هو املوصوف بوصفه
لنفسه .ويل يف ذ ك شعرا :
لوال ظهور وجود احلق يف الصــور ماابن للكون من عــــني وال آثر
ظهرت حىت جعلت اللك منعدم وابطن آنت حمجوب عن البرص
حبجب عزك حىت ظـن ذو سفه ان م غري تعاىل هللا ذو القــــدر
وعىل احلقيقة مل يكن م وجود اال ما آظهره تأثري امسه الظاهر ،واليظن
اال حقيقة امسه الباطن ،وال آول اال وهو من نور امسه الول ،وال آخر
اال متوجه اىل امسه الخر .ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( آظهر لك شئ لنه الباطن ،وطوى وجود لك شئ لنه الظاهر )
آظهر وجود الكوان وآبدع صور العيان لنه الباطن فاليكون معه بطون
لشئ ،فهويته القامئة وربوبيته ادلامئة تقتيض آن اليكون معه رشيك يف
اختصاصه برتبة الربوبية ،وطوى وجود لك شئ بنور ظهوره وسلطان
قهره وعظمي آلوهيته لنه الظاهر يف آعياهنا ابحلمك والقهر والترصف
واالقتدار ،فلك الش ياء مترصفة حتت حيطة امسه القهار اجلبار ،
ومرشق وجودها بقيومة االهل الس تار ،اذلي سرت وجوده مبا آظهر من
خمرتعات وجوده مبا آظهر من خمرتعات وجوده ،ومعها ابفضاهل وجوده .
ويل يف ذ ك شعرا :
358
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
عبادان ،ومصطنع خلالص ودادان .قوهل :آابح ك ،االابحة لها معان ،
فف لسان الفقهاء آهنا آمر يس توي فعهل وتركه من غري ترجيح لحد
اجلانبني ،ويف لسان احملققني هو االذن يف ادلخول يف حضائر القرب
والوصول واالغراء عىل كزنية الرس املصون الغائب عن بواطن العيون ،
ومل حتم حول شهوده الظنون ،بل آابح وفتح وآذن ك يف ادلخول وذ ك
بأن تنظر مافهيا ،فمل جتد غري ظهور وارشاق جتليات نوره س بحانه من
غري حلول والمالمسة والاس تقرار ،بل ظاهر بأوصافه ،وحامك فهيا
مبقتىض ظهور آسامئه ،مباين الش ياء بذاته وصفاته وآفعاهل .وما آذن ك
آن تقف مع املكوانت دون شهود مكوهنا فتكون حمجواب دون وجود
موجدها ،فقال :آنظروا ما ذا يف السموات من النوار والطوار
والرسار والرض من االنقهار حتت آحاكم الواحد القهار ،فتفهموا عنه
آرسار قدرته ،وتشهدون ثبوت حمكته .فرتون يف صفاء مسواته ومتكهنا
ثبوت آمره ،ومتكنه ،فتفهم رس قوهل { والسموات مطوايت بميينه }
وترى ما اس توىل عىل الرض من بأ مره قبضته ،وان االنفالت ملوجود
من هذه القبضة فتفهم قوهل { والرض مجيعا قبضته } [ الية 67الزمر ]
فتلج ابب قوهل { يدبر المر من السامء اىل الرض م يعرج اليه } [ الية
5السجدة ] { واليه يرجع المر لكه } وقد آرشدانك اىل ابب عظمي من
آبواب العمل املكنون اذلي قال فيه رسول هللا صىل هللا عليه وسمل " ان
من العمل كهيئة املكنون " فان كنت ذا فهم فالية ،فدونك حبار حيار فهيا
ذوي اللباب وينبه فهيا ذوي العقول وينكرها لك مغرور هجول .فلو قال
360
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
:آنظروا السموات لاكن داللته عىل الغيار ،وهدايته اىل الجرام والاثر
،ولكن ذ ك عىل مافهيا من ظهور آايته ودالالت وجوده واقتداره ،وما
آودع فهيا من آنوار وجوده فال تزال تسري يف حبر الوجود يف سفينة
الفاكر اجلارية برايح الذاكر اىل آن يلقى يف ابحات املعارف فتلتقط م
من جواهر الرسار ودرر اللطائف ،ويل يف ذ ك شعرا :
ترى الوجود بنور هللا موجود آنظر اىل ما يف الكوان من حمك
حييك الظالل بنور هللا ممـــدود فذاك من نوره حييك الوجود كام
تريك يف ذاك رس هللا مشهود فافتح من القلب آبوااب مقــــــفةل
يف لك شئ دالالت ومتهـــــــيد ولك من اكن ذا فهم يكـون لــــه
فالوجود لكه من سامء وآرض وكريس وعرش وماحواه امس العامل خمرتع من
قدرته ،ومبدع ببالغ حمكته .ومل يكن غري ذاته ظاهر ،فأراد س بحانه
ظهور صفاته وثبوت آسامئه فبطنت اذلات وظهرت الصفات .فظهرت
تكل الصفات ،فسميت ابلاكئنات .ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( الكوان اثبتة ابثباته ،وممحوة بأحدية ذاته )
فنعت اذلات ابلحدية اليت مل تبق ظهورا للتنويه فهي مبالغة يف نعت
الوحدة ،والحدية وصف اذلات اذا ظهرت وبطنت الصفات .والكوان
من حيث يه آصاةل معدومة الوجود لها عند ظهوراذلات ،لن الكوان
آاثر الصفات .وقد علمت اندراج الصفات عند جتيل اذلات ،فالكوان
الن معدومة ممحوة ،فأحق ما هنا آن يقول الصفات مندرجة والاثر
ممحوة .وحيث بطنت اذلات فظهرت الصفات فالصفات مؤثرات وال بد
لظهورها من آثر توجه الهيا ابالثبات ثبتت ،وحيث خصها ابلتعيني
361
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
تعينت .فالالكم يف ذ ك اتبع للنظر؛ فان نظران اىل اذلات ونعهتا امنحت
الكوان وذهبت العيان وفين املاكن ،ومل يبق اال الواحد الحد .فالواحد
وصفه والحد نعته ،وان نظران اىل الصفات وتعدد مظاهرها قلنا بثبوت
ما آثبتته ،وختصيص ما خصصته واتقان ماعلمته ،وتقدير ما قدرته هذه
الوصاف وغريها من ما آظهره من صفاته وآسامئه ،فال يظهر وصف
واليتحقق امس مامل يشهد آثره ومل يسمع غريه .ويل يف ذ ك شعرا :
احملو نعت للك الكون ان نظرت اليه دون وجود الواحـــــــــد الحد
واثبت ان رآيت هللا مثبــــــــــته فوحدة اذلات تنف كرثة العـــــــــدد
فكن حريصا عىل حتقيق ذاك مفـا يف الكون موجود اال الواحد الصمد
وحمكة ظهور الكون ظهور فامي يظهر جتيل كامل الربوبية عىل رفعة العبودية
،فاذا آثبتك مفقام العبودية يقتيض احملاس بة وتصحيح املعامةل ،ومقتىض
ذ ك آن تكون مهتام لنفسك ومعاتبا لها يف سائر آحوا ك ،فالترىض عهنا
فذ ك مقتىض العبودية .ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( الناس ميدحونك مبا يظنون فيك ،فكن آنت ذاما لنفسك ملا تعلمه مهنا )
الناس مه الرش املأنوس هبم بعضهم ببعض ،وواحدمه انسان ،والناس
ابلرضورة ميدحون من ظنوا منه الفعال امجليةل واخلصال امحليدة ،
فبالرضورة يثنون عليه وميدحونه من آنسوا منه ذ ك .وذ ك كام علمنا آنفا
نعمة من هللا آن سرت عيوبك وقباحئ ذنوبك اليت لو اطلع علهيا آود الناس
اليك ملقتك علهيا ولقا ك وجهرك من آجلها ،فاذا علمت آن ذ ك سرت هللا
هو اذلي مجل آفعا ك وسدد آقوا ك وآصلح آعام ك ؛ حفقك آن تشكر
هللا مبا اظهره عليك من امجليل وسرت من القبيح ،وآنت علمي مبا آنت عليه
362
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
من العيوب ومقارفه من اذلنوب .فكن ذاما لها عىل ماتعلمه من سوء
آفعالها وقبح آحوالها ،واليغرت بظن الناس ويرتك يقني ما عنده اال هجول
الميزي بني حماسن الحوال وقباحئها ،فاليرى ماهو عليه من النقص
واالهامل ملعظم ما ندب اليه من العامل ،وارتاكب ماهني من الفعال ،
وبتقدير احسانه فهو من فضل هللا وسابغ نعمته وسابق منته .فكيف
يس نح اىل مدح اخللق آويطمنئ اىل ثناهئم .ومدح املادح وابل عىل
ضعفاء اليقني اذلين مل ترخس آقداهمم يف حقائق المتكني .
واكن السلف الصاحل يكرهون املدح وينكرون عىل املادح ويرون آن
ذ ك نقص لحواهلم وجالب ملفسدات آعامهلم ؛ اكلرايء والعجب والتصنع
وحب الشهرة ،وهذا اذا اكن فهيم مامدحوا به ،وآما اذا اكن مامدحوا به
غري موجود عندمه فذاك آعظم قبحا وآشد حراب .ومانقل من املدح
والثناء عىل آاكبر الصديقني والعلامء فذ ك مبا فهيم مع مامه عليه من اليقني
،ويرون ذ ك من هللا ابرز ومنه واصل ،لفنامه عن آنفسهم عن آن
تس تحق مدحا ،ويرون اخللق وماجيري علهيم رسل من هللا الهيم ،
فاليزيدمه املدح اال نشاطا ،واليورث عهنم اال شكرا ملن وصل الهيم من
حرضته وثناء .وآما ضعفاء اليقني فمل حيظوا هبذا املقام ومل خيرجوا عن
رؤية نفوسهم ورؤية الغيار ،فاملدح علهيم ضار ومقاهمم يأىب ذ ك ،بل
النفع يف حقهم اجناب اخللق عهنم وازدراهئم هلم ورؤية ذلهتم وذبوهلم
ومخوهلم ،ومن حقهم آن يسكنوا اىل من يذهمم ويغض من مقاهمم آوىل
من سكوهنم اىل من ميدهحم ويكرهمم ،اللهم اال آن يفارقون من تولع بذم
الطائعني لعصيانه وانهتاكه حلرمات هللا ،واس تصغاره لشعائره فالجرم آن
363
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
هيجروه هبذه النية ،واليتحقق هبذا املقام عىل الامتم وحيرز هذه النيات اال
من قد خامر اليقني قلبه ،وامزتج االخالص بلحمه ودمه .وكذ ك
سكونه اىل من يكرمه .وحمبته هل امنا آحبه وواصهل وخاللـه ملا عظم من
شعائر هللا ،وآكرم من انتسب اىل جناب هللا فالحرج يف ذ ك آيضا
عند حصة النية وصدق الطوية .ويصدق ذ ك آنه لو آكرم آحد آقرانه
ووقره آكرث منه مل ينقص مزنلته عنده ،ومل يتغري عام اكن عليه ،وعالمة
كونه جهر الول آنه لومدح واس تصغر آحد آقرانه من آهل ادلين آنه هيجره
ويقاله ذل ك وان اكن به برار وهل مساعدا ،فللصدق دالئل آحوال وقرائن
تبني مااكن هلل مما اكن لغريه .حفق املريد السا ك آن اليسكن اىل املدح
واليرضاه مادام لنفسه عنده وجود ،ويرى من ذمه آنه آهدى اليه معايبه
اليت غفل عهنا ونهبه علهيا ومنارصا هل وموازرا .ومن مل جيد ذ ك ومل يقدر
عليه فال آقل من آن ال يعاديه والحيقد عليه ،فذ ك آقل مراتب الصادقني
.وآما اذا قام لها خماصام ومن آجلها معاداي فالخيفى آنه مل يشم راحئة
الصدق .فاايك واالناكر عىل من رآيته ممن ينسب اىل الطريق هبذه احلاةل
،فقد يكون للصادقني مقاصد محمودة يف مايتعاطونه ،آما رآفة به آي
املعادي لئال يتجرى عىل عبادهللا ،آوليدفعون عنه بردمه عليه ما هو
آعظم من انتقام هللا ،وانتصاره ملن ترك مراده اكتفاء به .فانتقام هللا
ونرصه عىل من انهتك من التجاء اليه واكتفى بنظره آرسع من الس يل اىل
حمهل ،فقد خيامصون لهذه النية فال اعرتاض علهيم فامي تعاطوه .فاذا ثبت
اختصاص هللا هلم ،وتوليه فال يظن آهنم ينتقمون لنفسهم ،وخيامصون
لجلها ؛ فهم آجل من ذ ك .ويل يف ذ ك شعرا :
364
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
تكن فهيم فرحوا وطالت نفوسهم ،وشاركوا احلق يف صفاته ونسوا ماسرته
علهيم من قباحئهم وموابق فضاحئهم ،فاكنوا ذل ك آهجل الناس .ذل ك قال
املؤلف ريض هللا عنه :
( آهجل الناس من ترك يقني ماعنده ،لظن ماعند الناس )
واكن آهجل الناس لنه اغرت مع ظهور اليقني ،والناس هجال حباهل حيث
ظنوا مامدحوا لجهل فيه ،فاكنوا هجال حباهل ،وحاهل غيب عهنم وهو اغرت
مبدهحم وهو متيقن آنه ليس عنده مامدح به وآثين عليه به ،فاكن آهجلهم
ذل ك ،ومن عظم هجهل وشدة حامقته آن يناحص عن نفسه وخيامص لها
ويزكهيا ويربهيا عن العيوب بعد ما مسع من العامل هبا قبل انرباهئا ،املطلع
عىل خفااي عيوهبا ،فقال { ان النفس لمارة ابلسوء } وقال { فالتزكوا
آنفسمك } وآكرث خصال اجلهال ومعاداهتم من آجل مايلحقها من اذلم
والتنقيص من بعضهم بعضا .فاذا آردت آن تعرف آن آكرث الناس
اليعلمون كام وصفهم هللا بذ ك ،فاحبث عن هذا جتده عياان بأوحض جحة
وبرهاان .واملادح آما آن يكون من آهل ادلين فقد حصل خريا بظنه لكن
فاته قصم ظهر آخيه كام جاء يف احلديث .وآما ان اكن من العوام
والرشار فامي مدحوا االماوافقهم ،واليوافقهم اال مااكن من جنس مامه عليه
من الخالق اللئمية واخلصال املذمومة ،فليكن املريد آشد خوفا ذل ك .
ويل يف ذ ك شعرا :
آشد الناس يف اجلهال هجال اذا آثين عليه ريض واس تبرشا ؟
ونيس معايبه وعظــم ذنوبه وسرت فضاحئ واالهل هبا لها يرى ؟
367
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فان قلت آان اكره للمدح ولست آهال هل ،مفا كفارة ذ ك وما اذلي
خيرجين عند ريب ! فاذا آطلق اخللق آلسنهتم بثنائك وآنت تعمل آنك
لست آهال والقدرة ك يف رد مدهحم ،فاعمل آن ذ ك نعمة من هللا عليك
آن سرتك ومجكل ،فاشكره عىل ذ ك وآثن عليه مبا هو آههل كام قال
املؤلف ريض هللا عنه :
( اذا آطلق الثناء عليك ولست بأهل ،فأثن عليه مبا آههل )
اذا آطلق وآثىن جبميل الثناء عليك آهيا املؤمن الاكره ملدح اخمللوقني ،
املبتغ رضا رب العاملني ،املكتف بنظره اليك ،الوجل من اخرتاع
املعايص بني يديه وليس فيك آهلية الثناء لنظر عيوب نفسك ،وسوء
آحوالها وقبح آفعالها ،ورآيت جعزها وتقصريها يف القيام مبا به يثىن وعليه
ميدح .فاعمل آن هذه نعمة من هللا آس بغها وعافية جللها ،فالتغفل عن
شكرها ،فاش تغا ك ابلشكر هلل علهيا آوىل بك من مدافعهتا واابهنا ،فكن
هل شاكرا ولالئه ذاكرا وبنفسك غري مباليا واللها مصغيا ،وعن خدعها
جمانبا ولها معاتبا .فاملؤمن اليزال لنعمه شاكرا ولالئه ذاكرا ولنفسه مهتام ،
واليرى لنفسه آهلية آن يثىن علهيا آو آن تضاف احملامد الهيا ،ويرى آهلية
امحلد ومنهتيى اجملد هلل يف لك حال ومصدر فعال ،فاليتصور منه آن يظمل
آو آن اليتصف بصفات الكامل وخالل اجلالل ،فهو احملمود يف آفعاهل ،
وهو آهل لك نعمة ومنهتيى لك رغبة ومطلب لك منه ،كيف والعامل شاهد
بذ ك حاال ومقاال ،لك هل قانت وهل ساجد وشاكر وحامد .ومىت لغريه
وصف وبصفة من صفات الكامل ،فاللك مس متد وهو مستبد ،فهل امحلد
368
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ذ ك .وجامعة من الصحابة كيب بن كعب ملا قال هل صىل هللا عليه وسمل
" آي آعظم آية يف كتاب هللا ؟ فقال :آية الكريس ،قال هل صىل هللا
عليه وسمل " لهينك العمل آاب املنذر " وماذكر به آيب قتادة وسلمة بن الكوع
يوم آغري عىل رسج املدينة ،وغريمه ملامدحه من مدحه بني يدي النيب
صىل هللا عليه وسمل قال هل " قطعت ظهر آخيك " فهذا اليكون تزنيل
املدح وتركه عىل حسب حاةل املمدوح ان اكن اكمال ممتكنا مل يؤثر عنده
مدح اخللق ظهور نفس واسترشاف اىل حظ ـ فالعليه فيه نقص ،
ومادام جيد به ظهور يف النفس ومل تدع حاجة اىل ذ ك فرتكه وكراهيته
من ش مي الزهاد واملريدين والعباد .ومع كونه مل يؤثر يف االنسان فرتكه آوىل
بلك حال اال يف مواطن حيتاج اليه يطول تعدادها .ويل يف ذ ك شعرا :
الزاهدون هلم حال ومــــــــــزنةل تعطهيم القبض ان فاهت به الغري
لكوهنم خرجوا عن رؤيـــــة البرش والعارفون كذاك املدح يبسطهم
وللموحدين عالمات تعرف هبا آحواهلم ،وتثبت هبا مقاماهتم ،وهبا
خيرجون عن املدعني ملقاهمم من غري حتقق .فذل ك قال املؤلف ريض هللا
عنه :
( مىت كنت اذا اعطيت بسطك العطاء ،واذا منعت قبضك املنع ،
فاس تدل بذ ك عىل ثبوت طفوليتك ،وعدم صدقك يف عبوديتك )
هذا مزيان تعرف به ما آنت عليه من احلال ،مفن نصح نفسه ومل ياكبر
آنصف عند ماتشاهده ادلالةل وتشاهده العالمة من نفسه ،مفىت اكن
حبظه مل خيرج عنه وال انزتع منه فليتق هللا يف دعوى التوحيد واخالص
العبودية ،فليسأل هللا ويلجاء اليه آن حيققه هل ويلحقه بعامر آههل ،فانه
371
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
خري اطمأن به وان آصابته فتنة انقلب عىل وهجه خرس ادلنيا والخرة } [
الية 11احلج ] خرس ادلنيا بفوات مراده والخرة بعدم صدقه يف عبوديته .
ويل يف ذ ك شعرا :
مىت تكون مبا تعـــــــطاه منبسطا وعند منع تكن ابلقبض موصــــوف
فاعمل بأنك طفيـــــــــــيل مبذههبم كام يـــــــرى ذاك بني القوم معروف
وليس ك يف طريق الصدق مرشهبم فعبد حـــــــــق تكن ابهلل مشغوف
اليوحشك قط بلـــوى يف حمبهتم وال العطاء بل دليه اللك مـــــألوف
فاذا اكن اللك فائض من حرضة فضهل آوحرضة عدهل ،فالبد من تعاقب
الحوال عىل العبد حبسب ظهور هذه الوصاف ،فذل ك ملا عمل هللا آنه
س يكون ظهورها مايناقض العبودية لتمنح آاثر ذ ك املظهر الطارئ عىل
حمل الفضل ،فذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( اذا وقع منك ذنب فال يكن سبب ليأسك من حصول االس تقامة مع ربك
،فقد يكون ذ ك آخر ذنب قدر عليك )
اذا وقع منك آهيا املؤمن السا ك لطريق العبودية املتوجه بقلبك اىل حرضة
الربوبية ذنب مما يناقض اس تقامتك عىل سبيل الهفوة والفلتة ؛ واذلنوب
ختتلف ابختالف اخللق ،مفهنا ماهو من ذنوب اخلاصة وتدق عن نظر
العامة ،ومهنا ذنوب العموم وهو ظاهر يعرفه لك آحد ،وهو ماظهر من
قبيل الفعال احلس ية ،وآما ابطن من قبيل اخلطرات والنيات القلبية .
واذلنوب جحاب عن مطالعات آرسار الغيوب ،وهبا يكون التعرف من نيل
لك مطلوب ،وسبب مقارفهتا يكون البعدعن حرضة احملبوب .واذلنوب
مهنا مايكون بني العبد وبني هللا س بحانه وتعاىل ،ومهنا مايكون بني العبد
373
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وبني العباد .ومااكن للعباد آما آن يكون يف دم آوعرض يدخل فيه لك ما
يتأمل منه االنسان ولويف آههل وآصدقائه ،والسبيل للخروج من حقوق
العبادد اال ابلداء آوابالس تحالل ،فبذ ك خيرج عن االرصار اذلي ينايف
وجود حصة التوبة وماتعذرآداؤه ،كن مل يوجد صاحب املال آومل يعرف
عينه فينبغ آن يتصدق بقدره يف وجوه اخلري ،وينوي آنه ان ظهر
صاحبه رده اليه ،فبذ ك يرىج هل حصة التوبة ،آواكن اذلنب يف العرض
مما يورث االس تحالل منه زايدة نفرة فينبغ آن يس تغفر لصاحبه ويكرث يف
مقابلته من الطاعات ،ويرضع اىل هللا بصدق نية آن يرضيه عنه ،
فاملرجو آيضا آن يرضيه وتصح توبته ،هذا اذا مل يبلغه فال بد من
اسرتضائه ،وادلم آما ابلمتكني من استيفائه آوابلعفو عىل مال وعىل غري
مال ،آوابلكفارة ان اكن قاتال .
وآما بني العبد وبني هللا فيكف فيه التوبة برشائطها وهو آن يعزم عىل آن
اليعود اليه وال اىل مثهل ،فيقلع عنه حاال ويندم عىل فعهل ،واليرتك
التوبة لعظم اذلنب عنده ،مفا عندهللا من املغفرة آعظم ،والتائب من
اذلنب مكن الذنب هل ،والتائب حبيب هللا .واليرتكه خلوف العود اليه
فهذه خدعة من خدع الش يطان خيدع هبا اجلهال فيبقون عىل االرصار
خش ية العود علهيا .واالرصار آعظم من اذلنب نفسه ،ولعل ذ ك آخر
ذنب قدره هللا عليك ،فاذلنب مقدور مابق ؛ واال اتئب اندم ،ومرص
قادم .وآما نفس اذلنب فاليشقى من س بقت هل من هللا عناية ،
والحظته رعاية .فقد جعل ك من لك ضيق خمرجا ،جفعل خمرج التوبة
من ضيق املعصية .ووردت آحاديث يف فضائل التوبة وآايت ،مفن
374
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
الايت قوهل س بحانه { ان هللا حيب التوابني } وانهيك هبا رتبة آرفع
املراتب ،ومنهتيى املطالب ،ويه اليت وجدت هبا الطوار والعوامل ،والهيا
ينهتي عمل العارفني ،وتقمي فهيا آرسار املقربني .فهي آول مبادئ الطريق ،
وغايهتا هناية التحقيق .
ومن الحاديث القدس ية " آن العبد اذا آذنب فقال رب اغفر يل يقول
هللا س بحانه وتعاىل :عبدي آذنب ذنبا فعرف آن هل راب يغفر اذلنب
وايخذ به ،اذهب فقد غفرت ك .واثنيا واثلثا كذ ك ؛ قال :فليفعل
عبدي ماشاء ،آي مادام يذنب ويس تغفر فأان آغفر هل حىت يتوىل فيرص
ويس تكرب ،فعند ذ ك جيازى العبد بصنيعه .فاالس تقامة بعد التوبة عىل
حد العبودية غري مستبعد والمستنكر ،والفزع والتفحش حيسن قبل
فعلها ،وآما بعد الفعل فال آحسب ذ ك اال عقوبة فعلها ،وهو آن سلط
عىل العبد خواطر تؤيسه من رمحة هللا ،ويضيق صدره من حمبة هللا .
فالينبغ ال حسن الظن ابهلل فهو بعدها شأن املوفقني من السالكني ،
والعلامء بصفات هللا ،الواقفني عىل نظر تقدير هللا ،وغالب حمكه اذلي
الراد هل والمعقب .
وعرب املؤلف ريض هللا عنه بقوهل :مع ربك ،تأنيس للعبد ابمس الربوبية
اذلي هو آخص آسامء امجلال ،وفيه جمامع العطف والرآفة والرمحة ،فالرب
هو اذلي يريب ،آي يرمح ويتعطف ويرآف ،وهو س بحانه رب العاملني ،
آي ما ك لك العوامل ومافهيا ،فهو رب الرابب ،ولوال ربوبيته وس بوغ
رمحته ومشول حمبته مجليع خلقه لهكل العايص يف مالبسة معصيته ،وذ ك
عدل ،وليت شعري من اذلي مل يبارزه مبعصية ظاهرة آوابطنة غري
375
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
376
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
377
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
{ ( رمبا آفادك يف ليل القبض مامل تس تفده يف ارشاق هنار البسط
التدرون آهيم آقرب لمك نفعا } [ الية 11النساء ] )
رمبا تأيت للتقليل وقد تراد للتكثري ،وهنا املراد رمبا للتقليل ،فأدرك الظفر
مبقصودك ومرادك سكونك يف ليل القبض الكف عن مناقضات العبودية ،
وهو آي الكف قس مي للسع يف ابتغاء حتصيل الوامر ،وقد يؤثرون
الكف عن املهنيات مع السالمة من الفات عىل االتيان بوظائف العبادات
،مع تطرق الفات ،وتوقع مصائد املهلاكت .وهذا اندر حيث عرب برمبا
،والغلب آن االبتغاء يصحبه مزيد الرباكت ومفاتيح آبواب السعادات ،
فالتعبري ابلليل للقبض وابلهنار للبسط من آبدع العبارات وآوحض االشارات
،فالليل نعمته السكون ،والهنار نعمته االبتغاء ،والتدرون آهيم لمك نفعا ،
فرمبا آفاد السكون من السالمة مامل تس تفده يف االبتغاء من الغنمية .ومن
رمحته جعل الليل فهو املقدم يف الرتبة اخللقية ،لن الصل السكون
والمكون ،والصل يف الش ئون احلقية االرشاق والظهور ،فذل ك اكن
اعامتد طريق العبودية الكف ،وجل الصفات احلقية االبتغاء ،والرتيق يف
املعارج الوصفية ،وتعبريه برب حمققة ماذكران ك من تكل احلمكة املصونة
وادلرة املكنونة .ومن فوائد القبض اذلي حيصل للعبد مايورده احلق عىل
غري مقتىض الطبع وخالف الهوى من البالاي واحملن ،من عظمي الجر
وجزيل العطاء ،ويل يف ذ ك :
يف ليل قبض فكن عين بذا خربا ورمبا يس تفيد العبد مكــــــــرمة
مل تدر آهيام خــــــــــــــريا فتنتظرا ويف رشوق الهنار البسط عافية
378
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فالتزال النوار الوصفية عليه مرشقة ،ويف آرجائه مضيئة عىل دوام
ادلميومية احلقية .ويل يف ذ ك :
نور اليقني برس القلب مودعه متدها من ظهور آوصافه احلمك
فيحمل المر يقبهل مشاهـــده بفضهل يف معاين آحرف اللكـم
فالنور منه نور ابطن يف القلب تدرك به آرسار الغيوب ،ونور ظاهر من
آثر امسه الظاهر ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( نور يكشف ك به عن آاثره ،ونور يكشف ك به عن آوصافه )
نور يكشف به عن آاثره يف آرضه وسامئه ،ويف آفاق هجات مبتدعاته ،
وهو من النوار العامة الفلكية ؛ اكلشمس والقمر والنجوم والفجر والشفق
،واما حمصورة خمصوصة من مجةل احلراكت الرضية :اكلنار ،والبد لهذه
النوار من ظاهر يقبلها كنور البرص الظاهر ،ويه آي هذه النوار
الظاهر فهيا اعتبار ودالئل للواقفني عىل مشاهدة الضوء تدل عىل وجود
موجدها ،وتدحض جحة املعاند لبارهيا ،كام قال هللا س بحانه يف جحة
خليهل عىل من ادعى املشاركة يف اللوهية حيث قال { فان هللا يأيت
كفر} [ الية 258 ابلشمس من املرشق فأت هبا من املغرب فهبت اذلي
البقرة ] وندب العباد اىل النظر يف بديع حمكته وابهر قدرته يف غري آية من
كتابه ؛ هذا يف النوار الظاهرة احملسوسة ،ونور ابطن خمصوص به
ذووالرسارالطاهرة والرواح الزاهرة ،والوجوه النارضة اليت اىل رهبا انظرة
،وذ ك النور هو نور وجوده ،وبه يكشف عن حقائق شهوده يف دوام
وجوده ،كام كشف بنور البصرية الظاهر عن النوار الظاهرة ،فاذا مل
381
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
تكن يف العيان الظاهرة آبصار مفا ذا تغين عنه الشموس والمقار ،واذا مل
يكن يف البصائر الباطنة آنوار مفاذا يدركه االستبصار ،وماذا يغين عنه
ظهور احلقائق والرسار { ومن مل جيعل هللا هل نورا مفاهل من نور } [ الية
40النور ] فالنور اجملعول هو اذلي هيأه لقبول نور وجوده ،وآههل لتجيل
شهوده ،مفا يقبل آرسار جتليه اال حقائق آنوار توليه .ويل يف ذ ك :
نور الظواهر يكشف مايؤثـــــــره يف الكون من سائر الجسام والصور
ونور ابطن يكشف غيب قدرتــه ويشهد آوصافه يف ابطن القـــــــــدر
فالنوار الغيبية والرسار القلبية آاثر امسه الباطن ،كام آن الاثر اخللقية
آثر امسه الظاهر فهام يف الغريية سواء ملن يتقيد بظواهر الاثر ،وآوقف
عند مرشقات النوار ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه حاكيا عن
الوقوف مع مايظهر هل من النوار :
( رمبا وقفت القلوب مع النوار ،كام جحبت النفوس بكثائف الغيار )
رمبا للتقليل ؛ فقليل من يقف مع غري هللا بعد مايكشف هل عن رصحي
العمل ووفور املعرفة ،والقلوب وقوفها عند مايظهر لها من الايت ،ويلوح
من الكرامات جحاب ،لكنه جحاب نوراين لطيف ،ووقوف النفوس مع
مقتىض الطبع والهوى واالنغامر يف ظلامت الشهوات ،واالنقياد للعادات
جحاب كثيف ،والنفس من حيث طبعها احليواين الريض ظلمة ،فاكن
جحاهبا مما يشالكها من الشهوات احليوانية ،والعادات البرشية ،والقلب
من حيث وضعه نوراين فاكن جحابه الوقوف مع الغيار وان اكنت من
قبيل املالطفات والنوار ،والوقوف مع غري هللا اكئنا مااكن جحاب عنه ،
ومطلب الصادقني الفناء عام سواه ومن آنفسهم وشهودمه وآحواهلم
382
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
383
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
384
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
اال من آراد آن يوصهل اليه ،آي ابلتحقيق ملعرفته ،والمتتع بشهوده وحمبته
،ويدخهل يف آهل وده ،واجلذب اىل الرتيق اىل فس يح حرضته ،مع
خاصته الصاحلني خلدمته ،والعاكفني بقلوهبم عىل االقبال ابلغدو والصال
،اخملصوصني ابلتويل واالجالل يف مجيع الحوال ،آهل اهلمم العوال ،
والدابء يف مجيع الحوال والقوال والفعال .مفعرفهتم مبعرفته ،وحمبهتم
مبحبته ،ووصلهتم بوصلته ،ولكهنم طبقات :مفهنم من يظهره هللا رمحة
للعباد ،وغيثا ومربعا للبالد ،ويصلح هبم اخلليقة ،ويوحض هبم احملجة عىل
من اس تكرب ،وتوىل عن هللا وآدبر ،فميشون بني الناس ابلنصيحة
اخلالصة ،ويدعوهنم ابللكمة اجلامعة ،ويؤلفون العباد عىل هللا وحيببوهنم
اليه ،وحيببونه الهيم كام ورد بذ ك اخلرب ،فهم البقية اذلين يهنون عن
الفساد يف الرض .ومهنم :من آظهره هللا للخاصة دون العامة ،فبه
تنتعش آرسرامه ،واليه تدنوا وحوهل تطوف وحتنوا ،وتس متد من رواحئه
نسامئ الوصال ،وتدنوا من دوحته مثار احلمكة ،وتقتبس من جذوته
النوار ؛ التعرفه الغامر واليظفر به الغيار ،ومل تستبعده العوائد .يبدوا
ملن آذن احلق هل ابلتقريب ،وهو من الغيار غريب ،وللطالبني قريب ،
قد جعل احلق عليه قبااب ،ونصب يف امللكوت حمرااب ،وجعل جنود
النوار هل احرااب ،والقلوب مأاب ،يسوق هللا اليه من آراد من عباده ،
ويكتنفه برس غريته بني آكناف بالده ،ومه اذلين برؤيهتم يذكر ،وغريه
حبضورمه ينكر ،يفرون مهنم مطموسني البصائر ،كام يفر اخلفاش من
ارشاق الشموس البواهر ،للك آحد عند رؤيهتم مثال يظهر فهيم حقيقته
،وتس تبني به طريقته .
386
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
387
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
388
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
سرت رس اخلصوص عن البصار والعيان ،ومل يظهر منه االقدر حيصل به
االميان ،ملن اختصه من عباده .
واىل ماذكران آشار الش يخ آبو العباس املريس ريض هللا عنه حيث قال :
لو ظهر رس الويل ل ُعبد .فهم العرائس اخملدرون يف جحال النس وخمادع
احلرضة ،ينظر هللا برسعنايته ويوالهيم آنوار نظراته ،وينادون يف
القطار ابلتحيات علهيم من هللا آفضل السالم والرباكت ،حتف هبم املنن
واللطاف يف الرس والعلن ،وتشمل من حرض املواهب السنية ،
والفتوحات الهنية ،ويل يف ذ ك شعرا :
قوم اىل املالء العـــــىل تشوفهم تظهر هلم يف رايض القـرب آيــــات
اذا دىج الليل تلقا حني تسمعهم اىل مليك هلم يف اذلكر رنـــــــــــات
ويف القلوب لواجع شوق سـيدمه والوجد يبدي وجيري فيض عربات
تسمع زفري اذا آرخوا آعنــــــــهتم من النحيب ويف آحــــــــيان آانت
فلهذا الرس العجيب والنازح القريب والهيل الغريب س بح املؤلف يف
ذ ك متعجبا وهل متطلبا ،مع آنه ماغاب فيطلب ،والظهر فيغرب ،بل
هو املوجود وماسواه مفقود .
واعمل آن االطالع عىل آرضب من حيث الكشف ،مفنه ماهو عىل
الايت واملعاين ،ومنه ماهو عىل الغيوب امخلسة :الغيب العريش ،
والغيب الكريس ،والغيب امللكويت ،والغيب اجلربويت ،والغيب
الساموي .ولك غيب من هذه الغيوب يظهر شاهده يف ادلار الخرة
صور متشالكة ،ويف عامل ادلنيا تظهر صور ممزوجة مبا اليعط كشفها عىل
الامتم ،فذل ك مظاهر يف االنسان ،والغيب االنساين اذا انكشف آدركت
389
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فيه سائر العوامل ،وقد يكشف عن العوامل هذه ومل يُ َدرك كنه عامل االنسان
،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( رمبا آطلعك عىل آرسار ملكوته ،وجحب عنك االسترشاف عىل آرسار
العباد )
رمبا فتح ك وآطلعك وكشف غطاك ،ويف رايض امللكوت بواك ،
وبأرسار تدليه وتوليه آسعفك ووالك ،وجحب عنك االسترشاف عىل
آرسار العباد من سوابق القدار ،ولواحق االقتدار ،فيذاع ماسرت وبغيبه
وعلمه اس تأثر .وآرسار العباد حممتل آن يكون ماسرت فهيم من سابقة
القضاء املقدور والعمل املأثور ،وان مهنم تق وكفور ،وبر وجفور ،وشاكر
وكفور ،ومقرب حمبور ،ومبعد مثبور .وقد آودع هللا يف غيب رسائرمه
ومكنون ضامئرمه ذ ك ،فباالسترشاف علهيا ينهتك هذا احلجاب ،
وينحل نظام الرشائع ،ويظهر مس تورات الودائع ،فينظر ابلعمل املوضوع
والمر املرشوع واخلرب املسموع ،كام س يرصح بذ ك .وآما آن يكون
املراد بأرسار العباد من تقدم ذكرمه لعزة ظهوره ؛ فذ ك آيضا جائز آن
يراد ،كيف ولو آطلعك عىل آرسارمه وحققك بشهود آنوارمه م غطا آمرمه
،وكيف لوحتقق رسمه واس هتأن شاهنم لاكن ظهورمه عىل من مل يتأهل
ملقاهمم جحة ،ولكن من رمحته جعل ليل برشيهتم سرت لهنار ظهور هنار
وجودمه ،وغطاء كثيف عىل مشس شهودمه ،وآرسار امللكوت مايف
غيب السموات ،وماحوته آلفاظ العبارات ،وآومت اليه االشارات ،
وتصور يف مرااي اخلياالت من العجائب وصور املعاين ولطائف الرواح ،
فهذا لكه وغري ذ ك مما اليدخل حتت العبارة ملكوت ،والرسار يه
390
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
خياف آن حيمك عليه كام حمك عليه ،وان يقع فامي جرى القدرية عليه حفقه
الرمحة واللجاء واالس تغاثة يف آن حيفظه من الوقوع يف ذ ك ،ويرتك
ادلخول فامي بني العباد وس يدمه ،حفساهبم عليه ،وجزاؤمه عليه ،فهل فهيم
ودائع ،ودلهيم صنائع ،اليعمل العباد ما مه عليه لتخلقه ابلرمحة والرآفة
واحلنان ،والعطف واالمتنان .ولو علموا ذ ك ملا عصوه ولاكنوا لمره
طائعني ،وجلنابه مؤثرين .ولكن جحبوا عن ذ ك بكثيف جحاب اجلهل ،
فهو يطلهبم وان آدبروا ،ويرمحهم وان جفوا ،ويتكرم علهيم وان خبلوا .
وآي فتنة آعظم عىل االنسان من رؤية نفسه عىل خلق هللا ،وآي بلية
ووابل آشد من ادلعوى يف فعل من الفعال دون الكبري املتعال ،فاذا مل
يمتكن املريد يف العرفان ،وكوشف بأرسار العباد ؛ فرمبا يكون كشفه سبب
البعد واالفتتنان ،ويل يف ذ ك شعرا :
رس العباد مصون مل يشاهده اال حفيظ عىل الرسار يكمتها
ففتنة ووابل اخلزي آقـــــــرهبا ومن رآها ومل يرمح مالمسها
وملا اكنت النفس يه احلجاب العظم فامي بني العبد وبني هللا ،وماذاك اال
مبا ابتليت به من احلظوظ الظاهرة والباطنة ،فلها يف لك شئ حظ ،
ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( حظ النفس يف املعصية ظاهر ،وحظها يف الطاعة ابطن خف ،ومداواة
ماخيفى صعب عالجه )
احلظ من حيث هو لك ما اطمأنت اليه النفس وسكنت اليه ،ولك حظ
مانع عن الوفاء حبق فاحلقوق مطالبة هبا النفس هلل ،ويه من شأهنا النفرة
عنه واالستناكف منه ،وان اكن يف ظاهر احلس حمبواب ،والسع فيه
393
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
يسريا ،واحلظ يس تخف وان اكن مؤملا ثقيال .وحظوظ النفس يف
املعايص ظاهرة يعرفها لك آحد ،بل قد تعرف النفس قبحه يف حال
السع فيه ،مفداوته يسرية يعرفه لك آحد ،فأي عالج واهجه ريج
شفاؤه به من سقم املعصية .وحظها يف الطاعة ابطن خف اليعرفه اال
السامرسة احلذاق من آهل الذواق ،اذلين آحرقت كثائف ظلامت قلوهبم
نريان الشواق .فعندما يصفو القلب من لوث الهوى ويتحىل حبلية الوفاء
،وتعلق ابملوىل ظهر هل ما اس تكن فهيا من تالبيس الهوى ،فاليزالون
الصادقون يتفقدون آحواهلم يف تلبسهم بأعامهلم ،فلكام رآوا النفس سكنت
اىل معل نقلوها اىل غريه ،فان اس توت عندها الطاعات واكنت هلل مل
تس تخف آمرا عىل غريه اال لزايدة تظهر لها ؛ آما ابشارة خصه هللا وآما
بنص بيان ودليل وبرهان .ومن ماكئد النفس وخدعها املسارعة اىل
النوافل قبل آداء ما وجب من الفرائض ،وطلب آمر كثري وترك آمر
قليل ،وذ ك حلظ يظهر فيه حبسب ظهورها ،وهذا لنه اليظهر لها فيه
بدوهنا فتس تخف الكثري الشديد ملا فيه من حظها اخلف ،وتستثقل ذ ك
القليل خللوه عن احلظ ،ومن تفقد آحوالها وصدق يف البحث عن قبيح
آفعالها وجد آعظم طاعة مشوبة حبظ ،ومدخوةل هبوى اال ماتفضل املوىل
وتطول به من عفوه الواسع العظمي ،وفضهل الفائض الكرمي .
ولكام اكن ادلاء آخفى وآعضل اكن العالج آصعب وآشلك ،ولكن
للصادقني علهيا شواهد ،ويف سائر العامل مقاصد التزال معايري احلقيقة
علهيا منصوبة ،ونواظرمه الهيا مصبوبة ،فالمتيل عن صوب احلقيقة اال
ظهر هلم اعوجاهجا وان اكنت عام تدعيه طاعة فريدوهنا حبسن س ياسة اىل
394
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
يظهر اخلشوع وهو غري خاشع ،والتكرم وغريه من سائر آعامل الرب ،
فالخفا آن ذ ك من آقبح الحوال آن يرآيئ الناس بأعامل يه هلل ،والرايء
مأخوذ من الرآيئ هو اذلي يعمل مبرآء من اخللق لتكون هل املزنةل يف
قلوهبم ،فال جرم يصدق عليه قوهل تعاىل { يرآءون الناس واليذكرون
هللا اال قليال } [ الية 142النساء ] وقوهل { خيادعون هللا } بصورة
العمل { واذلين آمنوا } ابظهار مامه خبالفه { وماخيدعون اال آنفسهم
ومايشعرون } [ الية 9البقرة ] ويضاده االخالص يف العمل ،آي اخالص
العمل هلل ،فاالخالص مؤذن بقبوهل وموصل اىل لقائه ،والرايء احملض
حمبط وانزل بصاحبه اىل دراكت البعد .واذا توارد المران فالغلب يكون
آقرب ابلعامل اليه وآبعد عن صاحبه ،ولكن حيط يف الرتيق اىل ادلرجات
حبسب ماالبسه ،ويرتفع عن ادلراكت حبسب ماخالطه ،واذا اس توى
المران تساقطا ،لن هللا اليظمل مثقال ذرة ،وللك طبقة رايء يف مايه
فيه عند من يعتد به ،ولكن آكرثه دخوال عىل القراء اذلين يكرمون عند
الناس ويتربك هبم ويسعى خلدمهتم .
وعالمات الرايء اجليل ظاهر الحيتاج اىل كرثة بيان ،وآما الرايء اخلف فهل
عالمات عند آرابب البصائر املنرية ،مفن مجلهتا :حبه بأن يعرفه الناس
آنه حيب آن اليعرفه الناس ،واستشعاره بتعظميه عند الناس ،وآن هل
مزنةل عىل غريه من خلق هللا ،وآنه مس توحش من اخللق ،هارب من
رشمه وماذاك اال لغموض عيوب النفس عليه .فلو تفقد غوائلها لوجد آن
اخللق مل يسلموا من رشه ،مفن ذ ك وهو آعظمها سوء ظنه بعباد هللا ،
396
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
واس تحسانه آحواهل .وقد اكن الصادقني يفرحون مبذمة الناس هلم ونفرهتم
عهنم ،واختذوا ذل ك آش ياء مباحة تسقط مزنلهتم عند العوام .والسالمة
من دقائق الرايء عرس جدا االمن آيده هللا بنورالتوحيد فريى اخللق
اكلعدم ،اليرجو مهنم والخياف مهنم رضا ،فعند اايسه مهنم تصفوا آعامهل
وختلص من الشوائب وان اكن بني آظهرمه ،ومامل يتأيد بنور املعرفة
ويشاهد رصف التوحيد فالخيلوا وان دقق وآنصف وجده مقامي عىل
مقتىض موافقة الطبع والهوى ،وانظر اىل حب املدح والثناء والطلب
والعواض واجلزاء آحسن آحواهل .
وقد علمت آن ذ ك يقدح يف اخالص العبودية هلل س بحانه حىت يكتب
قمل اليقني سطور االيقان يف دست القلب ،فعند ذ ك حيصل التأثري
للروح فيخلص عن رؤية الوهام ،ويوايف العامل عىل الامتم ،ويل يف
ذ ك شعرا :
فرمبا يدخل الرشك اخلف عىل مباين اخللق ابلش باح والصــور
خمالطا للهوى حظ يقوم بــــــه خيامر القلب يطلب رؤية البرش
ومن دالئل الرايء اخلف ماس يذكره بعد حيث قال ريض هللا عنه :
( استرشافك آن يعمل اخللق خبصوصيتك ،دليل عىل عدم صدقك يف
عبوديتك )
استرشاف القلب واستشعاره اعالم اخللق خبصوصيته ،واخلصوصية لكام
اختص هلل به عبده من املواهب واملنح ،ومايفتح به عليه من الفهم يف
العلوم ،ومايفضل به عليه من عطائه واحسانه واجتبائه واصطفائه هل ،
وتقريبه يف غامر آهل حرضته .وآصناف االختصاص الحياط هبا لكرثة
397
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ومن يتولك عىل هللا فهو حس به } [ الية 3الطالق ] وهو آن يكتف بنظر
هللا دون خلقه ،ومن مل يكن وافر املعرفة اكمل التوحيد ومل يتفقد معها
االخالص خيف عليه االخنراط يف سكل املبعدين ،واالنزواء يف حزي
الغافلني ،فيصانع اخللق مبا ليس فيه ،ويدع من الحوال والعامل مامل
يدريه ،ومل خيلص فيه ،فاذا مل يصدق هللا يف العامل وقع يف الرايء
واتباع الهوى .
وقد اكن الصادقون يظهرون ماحيقرمه عند اخللق ،وهمام وجدوا اىل اخفاء
العمل سبيال مل يعلنوه ،ويبالغون يف كمت آحواهلم قدر اماكهنم ،حىت اكن
آحدمه مييض علهيم آعصار مل يطلع علهيم آههل ،ويبالغون يف اسقاط حملهم
عند اخللق ،هذا ماداموا يف شهود اخللق ،وآما بعد حتقيق الفناء فان
آبقامه توالمه واىل كنف واليته آوامه ،وجعل عىل قلوهبم رسادقات عنايته
،وعىل آرسارمه قباب حمبته ،كيال يتطرق اىل آرسارمه هوى ،
والخيامرقلوهبم رايء .فأول ماتلمح آرسارمه رس وجوده يف الش ياء ،
وآجل ما تشهد آرواهحم هبا حس نه وبديع جامهل ،وآعظم ماتنظر قلوهبم
اىل قيوميته وفيض اقتداره وبلوغ حمكته ،فالترى ماليس هل يف نظرها
398
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وجود عند جتيل احلق املشهود ،فيس توي االخفاء واالظهار ،واالعالن
واالرسار .بل قد يكون هبم لغريمه اقتدا واىل طريق احلق اهتدا ،فيكون
اعالن آعامهلم هلم فيه الزلفى ،كام اكن للعمل املتعدي عىل القارص عىل
العمل ماالخيفى من تضعيفه آبدا مامعل به واهتدى .ومن هنا التنقطع
آعامل النبياء وسادات العارفني وآاكبر العلامء ،ومرادمه ان اكن ذ ك الهيم
آومل يكن كقوهل { مااكن هلم اخلرية } يف االخفاء ،ولكن ملا حتققوا بصفو
العبودية مل خيتاروا عليه ،بل مه وقوف عىل اختياره ؛ ان آظهرمه وآظهر
علهيم فهم فانني عن آفعاهلم وآوصافهم وذواهتم ،شاهدين فعل س يدمه
وصفه وجتيل ذاته ،ويل يف ذ ك شعرا :
عند اخلالئق مشهور فذاك ريـــــاء اذا طمعت ابظهار تكون به
آدل من مشس ظهر يف وجود ضيا فال دليل عىل آمر تكون به
فاخللق الخيرجون عن القلب اال بوارد الهي يشهد اخللق ويبطل الباطل
وماسواه ابطل ،ومامل خيرج اخللق عن نظر املريد مل يتخلص من الفات ،
واذا آظهر هللا رس العناية شهد آن ال انفع والضار والمعط والمانع اال
هللا ،فيكون معوهل عىل من بيده مايرجوه ،ودليه مايؤمهل ودفع ماخيشاه
،وآنه عامل برسه وجنواه ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( غيب نظر اخللق اليك بنظر هللا اليك ،وغب عن اقباهلم عليك بشهود
اقباهل عليك )
غيب شهود حتقيقك ودقة علمك ووفور حلمك عن نظر اخللق اذلي
آصالهتم العدم ووصفهم العجز ،وانظر اىل كامل وصفه س بحانه وعظمي
نعته وحقارة من دونه بشهود وحدانيته ،وانفراده يف مملكته ومصدانيته يف
399
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وحدته ،وكامل آلوهيته واحاطة ربوبيته ،وكن عىل نظره اليك معوال ،
ولوحدانيته مشاهدا ،وعىل فضهل معمتدا ،وبألوهيته متعلقا وبصمدانيته
واثقا ،ولربوبيته حمتس با ،وملا منه منتظرا وعن الغيار غائبا ،وعن
احلظوظ فانيا ،وملصائد املهلاكت جمانبا ،وكن بنظره مكتفيا .
واعمل بأن من نظر اىل اخللق وطلب رضامه مل يصل اىل غاية ،واليرجع
اىل هناية ،فمل يفلح من انظرمه ومل ينجح من عاملهم ،فان من طلب
رضامه وآثر جناهبم ومل يرضوا عنه ومل ينرصوه وآسلموه ؛ آحوج مايكون
الهيم والا هلل وانرصه وانظره وعامهل كفاه عهنم ،فرصف آعباء تلكيف
مراضهيم وآرضامه عليه ،والصادق اليبايل اذا صلح حاهل وحسنت آفعاهل
ابقبال من اخللق وال ادابر والمدح والذم ،بل قد يؤثر ذهمم عىل مدهحم
ومباينهتم عىل مواصلهتم وخشونهتم عىل لطفهم وحمبهتم ،ملا يف ذ ك من
املزيد وصفو الوقت عن املكدرات والفات ادلاخةل عىل من انتصب بني
اخللق وعرف هلم منه القبول ،فريد علهيم مع لك انسان حاةل تباين حاةل
الخر ،فيحتاج اىل آن يعامل لك انسان مبا يناسب فيطول يف ذ ك عناه
وتعبه ،وحيتاج اىل عمل وافر مييش عليه يكون هل رصاطا عىل منت هجمن
لك نفس ،ويتحفظ عن شوكها املتخطفة ،وآفاهتا املتلفة ،والغيبة عن
العامل ،فغب عن نظرمه اىل آعام ك بنظر هللا الهيا ومايعلمه مهنا ،
جفردها عنده وحتقيقها دليه ،وغب عن اقباهلم ك عىل ماظهر هلم من
حسن آحوا ك ابقبال هللا اليك ،فأين تعظميهم من تعظميه ،ومايرضك اذا
ذمك اخللق ومدحك اخلالق ،وماعىس ينفعك اذا مدحك اخللق وذمك
400
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
اخلالق ،مفدحه ك جيمع فهيا سائر احملامد ،وذمه جيمع عليك لك املذام .
ويل يف ذ ك شعرا :
غيب شهود وجود اخللق عن نظرك مبشهد الواحد احلق الويل الصــمدا
واليغرك اقبال يكن خـــــــــــربك ان اخلالئق التسدي اليك يــــــدا
فا هللا يدين اىل جنواك يف حسرك كذاك ان كنت تعقل عنه رس هُدا
م آرشد املؤلف اىل برهان الكمه غيبة اخللق بوجود املكل احلق فقال
ريض هللا عنه :
( من عرف احلق شهده يف لك شئ ،ومن فين به غاب به عن لك شئ ،
ومن آحبه مل يؤثر عليه شئ )
هذه براهني العارفني ودالالت املقربني وس امي احملبني ،فأما من عرف احلق
ابلوجود ادلامئ والشهود الالزم ،وعرفه من طريق العمل بوجود ذاته
وصفاته وآفعاهل وغناه ،وافتقارالش ياء اليه افتقار اضطراري يف قيامه اىل
مقمي ،ويف حتريكه اىل حمرك ومسكن ،ويف حياته اىل حميي ،ويف مماته
اىل مميت ،ويف وجوده وبقائه اىل موجد ومبق ويف مجوده ،ولك مااكن
من آحواهل الشك يف آنه اذا حقق ذ ك العمل ونظر اليه بعني التحقيق ،
آن يرى هللا يف لك شئ ابلترصف واالقتدار كيف مااكنت الحوال ،ولكام
اختلفت الطوار والفعال ،ورس آلوهيته حامكة ،واس مترار قيوميته دامئة
.ومن ترىق عن ذ ك ففين عن شهوده ،وان غريه شهد فيكون العبد حموا
يف وجوده ،فيكون هو الشهود والشاهد واملشهود غاب الحماةل عن
الش ياء ،فأين وجود الش ياء عند وضوح جتيل موجدها ومنش هيا ،
فاليقوم العدم اذا جتىل رس القدم فاذا قارنه امضحل وامنحا عن القلب ،
401
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ومهته وجود وتصور شهده ،ومن آحبه مل يؤثر عليه شئ ،فيعول عىل
اقباهل آوادابره بل يكون بلكية مهته مجموع عىل مرضات حمبوبه ،ومنمكشا
يف ادراك منيته ومطلوبه ،فاليؤثر الش ياء ابقبال آوشهود عىل االهل
املعبود ،ويل يف ذ ك شعرا :
من اكن مشهده العـــرفان يشهده يف لك شئ بال حد ومقــــــــــــــدار
بل ذاك عمل وجود احلق فاقصده ان كنت تطلب فاكشف عنه آس تار
ومن به قد فين عن كنه مهـــــته غيب شهود السوى يف جنب قهــار
ومن آحب اهل اخللــــــق يكس به آن اليؤثر عىل حرضته آغــــــــــــيار
فاذا طلبت آن ترى الغيار مل ترى لها وجودا ،فان قلت اذا مل يكن
للش ياء وجود فلام آجحبت عن احلق مبا ليس موجود ؛ فنقول :امنا جحب
احلق عنك شدة القرب كام قال املؤلف ريض هللا عنه :
( امنا جحب احلق عنك شدة قربه منك )
مفا م جحاب اال شدة القرب ،كام احتجب صورة الهوى عن النظر لشدة
قربه ،فالبعد جحاب عن الصور احملسوسة ،والقرب جحاب عن املشاهد ،
واحلق آن ليس م سوى احلق فالغري يطلب ،والوجود ينسب ،والبعد
يقرب ،والقرب يبعد ،بل معيته اس تغرقت سائر املشاهدة ،وفين
الشاهد واملشهود ،فمل يبق اال املوجود الواحد ،فاىل آين تطلب وجود
زائد فالجتد ،فارجع عنك اليه جتده حارضا واليك انظرا ،وفيك آمرا
و ك زاجرا ،فأنت مصدر احلرضات ،واليك انهتت حقائقها ،ومنك
صعود عروج تكويناهتا يف بروج سامهئا وآفالكها ،يف تزنيه صفاهتا
402
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
لوجود عطائه الزيل ،ولكنه عبادة مس تقةل جرت س نة هللا آنه يعطى
عنده ،وقد يكون ادلعاء لمر ويعط ادلاع به غري ذ ك مما هو آصلح هل
،فاذا عرفت آن دعاك هل حمض عبودية فادعه لنه آمرك كام قال املؤلف
ريض هللا عنه :
( اليكن طلبك سببا اىل العطاء فيقل فهمك عنه ،وليكن طلبك الظهار
العبودية ،وقياما حبق الربوبية )
اليكن طلبك آهيا املريد الطالب من هللا املزيد ،ففوض اليه المر فامي
تريد ،وليكن طلبك ودعاؤك وترضعك امتثاال لمره حيث ندبك ذل ك
وآمرك ن فقال { آدعوين } فكن داع هل ،وقال { آمن جييب املضطر
اذا دعاه } فكن مضطرا ايئسا بني يديه ،فانيا عن حظوظك ،فارغا
عن مرادك ،مفوضا اليه مجيع حواجئك ،راض مبا آنزهل بك .وعالمة من
يدعوه كذ ك آن الينهتي دعاؤه ووقوفه بباب س يده ومواله مبا انل من
مأربه ،وظفر به من حواجئه ،فان نقص اضطراره عند ذ ك وانهتيى دعاؤه
فهو داع حلظه القامئا بعبودية س يده ،والمؤداي حلق ربوبيته ،لنه مل يزل
ك راب وآنت هل عبدا .ومىت تنفك عنك ربوبيته ،وآما من اكن عبدهللا
اليزائهل اضطراره اليه وان آعط لك فضيةل ،وبلغ لك وس يةل ،فهو
مضطر اليه وحمتاج دليه ،فهذا مشهد آهل الفهم عنه اذلين آيدوا بتأييده
،ووقفوا لهدايته وتسديده ،فاليزالون وقوف ببابه ،اليرصفهم عنه
وجود غطاء ،واليوثقهم دونه ورود بالء ،فعندمه آكرب العطااي ساعة
يشهدون اضطرارمه بني يديه ،ويتحققون ابفتقارمه اليه ،فاليتقيد بوجد
404
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
والفقد ،ولقد نهبك عىل سوء آدب من يدعوه عندنزول بالئه ،ونس يانه
عند كشفه عنه ،فقال { واذا مسمك الرض يف البحر ضل من تدعون اال
اايه فلام جنامك اىل الرب آعرضمت } [ الية 67االرساء ] وقال { واذا آنعمنا عىل
االنسان آعرض ونأى جبانبه واذا مسه الرش فذو دعاء عريض } [ الية 51
فصلت ] وقال يف وصف من دعاه عبودية هل ووفاء { وآنه ملا قام عبدهللا
يدعوه } [ الية 19اجلن ] فذكره بوصف العبودية ومل يقل دعا لكذا وال من
كذا ،بل قال قام اشارة اىل آنه قياما حبق ربوبية س يده ،وبقوهل عبدهللا
وفاء حبق عبوديته ،فهذا مشهد الفهم عن هللا يف الكمه ،وتلق ورود
الهامة .وآما احملجوبني ابحلظوظ ،املوسومني ابالعراض يف مجيع
مايعاملون به اخلالق واخللق ،فهم بعد حمبوسون يف مضيق اجلهل ؛
حمجوبون العقل .فنسأل هللا حسن الفهم ودوام التلق منه ،ويل يف ذ ك
شعرا :
اذا سألت فكن ابهلل مش تغال عن لك حظ فهـــــذا موضع الدب
وافرغ اليه تكن ابهلل ممتـــــثال دون آن تنال اذلي ترجوه من آرب
فالعبد حادث وما منه حادث موسوم ابحلدوث ،واحلق قدمي وآوصافه
ومجيع آقضيته ومعلوماته معلومة قبل اجياد آعياهنا ،وبروز آلواهنا ،ذل ك
قال املؤلف مستشهدا بأن الفعال احلادثة اخللقية التوجد اال وسبهبا
الفعال القدمية احلقية ،فقال متعجبا ممن يظن ذ ك :
( كيف يكون طلبك الالحق سببا يف عطائه السابق ! ؟)
405
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ينضاف اىل العلل احلادثة !؟ آويستند اىل الراء اخملالفة ! ؟ تقدس عن
ذ ك وتعاىل علوا كبريا .ويل يف ذ ك شعرا :
حمك تقدم يف الزال مظـــــــــهره فكيف ينضاف للعراض والعلل
فاحلمك هلل اليســـــــند اىل سبب جل االلـــــــه عن الالت واحليل
ذو احلول والطول والشان الرفيع وما اليدري اخللـق جل هللا عن مثل
فاحلق س بحانه وهل امحلد يرى مقادير المور وآحاكهما قبل اجيادها ،
وظهور آحوالها وآعاملها ،فكيف تس تجلب حبيةل ،آوتنال بوس يةل ،ذل ك
قال املؤلف ريض هللا عنه :
( عنايته فيك اللشئ منك ،واين كنت حني واهجتك عنايته ،وقابلتك
رعايته !؟ مل يكن يف آزهل اخالص آعامل ،والوجود آحوال ،بل مل يكن
هناك اال حمض االفضال وعظمي النوال )
عنايته فيك اليت خصصتك ودبرت آمورك ،وآظهرتك من حمض العدم
يف سابق القدم ،اللشئ منك مما تظن آنه ك موصال ،ولسعادتك
حمصال من آعام ك وصفو آحوا ك ،واللشئ يرجع اليه منك ،فال يفتقر
يف غناه اىل زايدة اس تكامل بوجود العامل ،بل ثبت غناه عن العاملني لك
مايطلق عليه امس عامل ،وهو ماسوى هللا .فان قلت آن مين اليه معل
زيك ؛ آوحال مريض ،قيل ك وآين كنت حني الحني واهجتك ابالجياد
عنايته ،وقابلتك ابلتخصيص رعايته ،وآنت بعد مل تكن شيئا مذكورا ،
فاايك وادلعوى عىل شئ يكون منك فذ ك آقبح وجوه اجلهل آنك تنىس
كونك عدم ،واعتنابك وآوجدك منك و ك ،م تقول :آان ومين ويل !؟
وقد مسعت شاهد ذ ك يف غري آية من كفاية .مفهنا دليل عدميتك قوهل
407
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
عز من قائل { هل آىت عىل االنسان حني من ادلهر مل يكن شيئا مذكورا
} [ الية 1االنسان] بل مل يكن هناك يعين يف الزل الحال والمعل ،وما
هناك اال حمض ،آي خالص االفضال من غري امزتاج بتومه عةل آوسبب
سامل عن شوائب ادلعاوي وتلبس العلل ،فال آبني من كونه تفضل عليك
وآنت معدوم الروح والسوح ،وعظمي نواهل اذلي اليقابل .ومن مجةل
ذ ك االجياد وصنوف النعم واملنن ،وتوايل االمداد اذلي يعجز عن
احصاهئا غري منيلها ،واملمنت هبا من النعم الظاهرة والباطنة اذلي س بقها
معمي كرمه ،وآوجدها عظمي طوهل واحسانه ،وآبرزها ضايف منته ،قبل
ظهور تركيب خليقته ؛ بروز اليوم اخللق الساموي والريض ،والكواكب
والمقار ،وظالم الليل وآضاء الهنار ،بل مل يكن يف حرضة العندية الزلية
ليل والهنار ،كام آشار اليه احلديث آشار بقوهل " ليس عند ربك ليل
والهنار " ويل يف ذ ك شعرا :
عناية هللا يف االنسان سابقـة قبل الــــربوز ليوم اخللق فاعترب
قد واهجتك عناية منه واصةل وقابلتك مزااي الفضل يف السور
هذا سابق قبل تكونك ،فاذا التفت اخللق اىل هذه العناية احلقية يف
الرقعة البرشية ،دهلم ذ ك عىل ختصيص مش يئته ،وقد عمل هللا العباد
قبل اجيادمه ،وعمل مايكون مهنم ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
408
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
احلراكت اخللقية الدخل لها يف اجياد وال وصول امداد ،فبق علهيم من
اجلهل جحاب خلق يعرتيه من مل يتداركه تأييد ،فيتلك عىل ذ ك فيرتك
العامل املقربة اليت رشعها هللا لعباده ،ويرفض الرشائع ابللكية ،فقال
س بحانه { ان رمحت هللا } اليت قسمها وخصص هبا آرسار العباد {
410
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
من هللا هذه الحوال الدابء .وآما من غفل عن ذ ك فال تصفو آحواهل
عن كدر شوب احلظوظ اجللية واخلفية ،حىت يتداركه هللا فيكشف هل
عن ذ ك فيجدد توبة عن طاعاته كام يتوب العايص عن عصيانه ،ويل يف
ذ ك شعرا :
اىل املشيئة لك اخللق يستندوا فامي برز عهنم من ظاهــــــــــــر القدر
واللها من سواها يف الفعال يـد بل ذاك حمض اختيار هللا ذي القدر
فاذا حتقق العبد آن الس باب غري مؤثرة يف اجياد وال اعدام ،فيتحقق آن
دعاءه من مجةل الس باب ،فرمبا يس تح من دعائه يف اس تجالب ماال
يكتسب حبيةل ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( رمبا دهلم الدب عىل ترك الطلب ؛ اعامتدا عىل قسمته ،واش تغاال بذكره
عن مسألته )
وهذا ملن آمكل يف املعرفة مقامه ،فكرع من التحقيق متامه ،فيكون عند
جتيل الرس والعيل ،ورشوق الصبح الزيل منطوي الرس والروح
والسوح ،اليشعر بغري مشهوده ،واليعرج عىل حظ دون معبوده ،
فيعينه العيان عن اللسان .هذا حتقيق حال من قام مبشهد { واصرب حلمك
ربك فانك بأعيننا } [ الية 48الطور] وآما من اكن عامال عىل مقتىض العمل
،غائبا عن شهود ابطن احلمك ؛ فاليرتك ادلعاء ،كيف وقد ورد آنه مخ
العبادة ،لكن يكون يف دعائه فارغا عن حظوظه مش تغال بوفاء الربوبية
حقها ،واعطاء اللوهية مس تحقها ،وحتققا ابفتقاره ،واظهارا بني س يده
الس تاكنته واضطراره .وبني هاتني احلالتني حاةل تسمى الوقت ،ومرادمه
412
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ماتنجيل به السامء فتكون هذه لهل القلوب ،لن القلب مظهر تقلب
السامء فيكون حبمك ماجتىل عليه مهنا ؛ مفهنا مايقتيض السكون حتت
جراين احلمك ،ومهنا مايقتيض االنبساط يف بساط الكرم ،ويظهر لهؤالء
شاهد ذ ك يف قلوهبم ابشارات ،فيكونون حبمكها ،وهذه ملن كشف هللا
عن جتيل آسامئه ظاهرة يف لك مشهود ،متجلية عن لك موجود ،فريى
اخللق مرصفني حتت هذه ادلائرة ،وآجشار ذواهتم مس متدة من هذه
املشاهرة ،فاختلفت المثار يف الجشار اىل احللو والقار ،مع احتاد مأهبا
واس توى سامهئا ،ويل يف ذ ك شعرا :
فرمبا دل ذو التحقيــــــق والدب عىل السكون عن االمعان يف الطلب
منه اعامتدا عىل اتقـــــــان قسمته وشغل ذكر ملشهود ومقـــــــــــــرتب
فعندما يتحقق ابلكشف والشهود ،ويرى ماهو س بحانه عليه من صفات
الكامل ،يعمل يقينا انه دعاه العبد حلظه ومس تعجال ملراده فذ ك سوء آدب
،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( امنا يذكر من جيوز عليه االغفال ،وامنا ينبه من ميكن منه االهامل )
االعقال واالهامل آمران ينافيان الكامل ،ويؤذانن ابلنقص ومماثةل احلداثن ،
وذ ك حمال يف حقه س بحانه وتعاىل عام تتومهه القلوب احملجوبة عن العيان
،اليت مل تؤيد بنور االميان ،وعن لك ما يتخيل اىل النفوس امللومة ،من
آهنم يذكرون هللا مبا هو خمرتعا هل ،ومعلوما عنده آنه يكون آواليكون ،
فاليذكر اال من جيوزعليه االغفال وهو مس تحيل يف حقه س بحانه ،لن
االغفال نقص ،وقد علمت اس تحاةل النقائص عليه ،واالغفال يكون
للمعلوم ،فبالتذكري يذكر ،واالهامل يكون للموجود احلارض ابلشخص
413
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
واملعىن ،فكيف هيمل وهو مل يقم اال رس قيوميته س بحانه ،آوكيف جيهل
وهو مل خيلق اال خبلقه هل { آال يعمل من خلق } مفا يدعون آهل اليقني
اال مع التفويض والرضا والطمأنينة عند جماري القضاء ،فيكتفون بعلمه ،
ويستسلمون لقضائه ،وعند حقيقة هذا احلال وبلوغ هذا املنال ؛ دعامه
ابحلال من غري سؤال وحتمك يف حال ،فالعليه خيتارون ،واليف مملكته
يتنازعون ،بل يكونون وفق مراده ،ونفوذ مش يئته يف عباده ،يف تقريبه
وابعاده ،واضالهل وارشاده ،مؤمترين لمره ظاهرا ،مس تأصلني حلمكه
ابطنا ،اليريدون غري ما آراد ،يأمترون لمره ،وينهتون لهنيه ،مع تربئهتم
عن الحوال والقوى ،وشهود تفرد احلق ابالخرتاع واالنشاء ،ويل يف
ذ ك شعرا :
جيوز آن يتصف ابلنقص والعلل مفا يذكر اال من عليه كـذا
طرقه آمر سهيى عن حالـه الول وما ينبه اال من يغيب اذا
ومن املريدين الصادقني من اليدعو يف كشف مانزل به لنه يف حال نزوهل
به ،واقف عىل ابب س يده ،متحقق بفقره وذلته ،منكرس حتت سلطان
عظمته ،متخلق بأخص آوصاف عبوديته خلالقه .وآي حاةل آعود عىل
املريدين ابخلريات ،من االتصاف هبذه احلاالت ،ذل ك قال املؤلف ريض
هللا عنه :
( ورود الفاقات آعياد املريدين )
ورود الفاقات عىل املريد لطريق هللا ،الطالب للقرب من هللا عيد
ورسور ،وحتف وحبور ،واليكون كذ ك اال حيث شهد ورودها من
هللا ،وفهم فهيا آن س يده اختصه مبحبته ورضيه آن يكون من آهل
414
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
415
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
لزلفى وحسن مأب } [ الايت 40-39ص ] فاكن السلف الصاحل اذا آقبل
الغىن قالوا ذنب جعلت عقوبته ،واذا آقبل الفقر قالوا مرحبا بشعار
الصاحلني ،وذ ك ملا جيدون من املزيد يف صفاء آحواهلم ،واالنرشاح يف
صدورمه مالو وجده آهل الرثوة واجلد يف ادلنيا لهان علهيم دوهنا فوق مجيع
مامه عليه مكبون ،وهل من ادلنيا حمبون .ويف الفاقات اليت يه التعرفات
من هللا لعبده ماالخيفى من عظمي الزلفى ،وكرمي الوفاء ،ذل ك قال املؤلف
ريض هللا عنه :
( رمبا وجد املريد يف الفاقات ،ماالجيده يف الصوم والصلوات )
رمبا وجد من مثرة الفاقة وورود احملنة ونزول البلية من املزيد املبتدي
املتبق برؤية نفسه ،وما مهنا يف الفاقة اليت تعرف من احلق مباينة للهوى
،مؤملة للنفس من صفو احلال مااليوجد يف كثري من العامل اليت آعظمها
الصوم والصالة ،وذ ك ملا خياف عليه يف ذ ك من دخول الفات
والتباسه عليه فيضل سعيه ،وذ ك مفقود يف البلية مأمون منه فهيا ،
فذل ك اكن وجدانه لمثرهتا آقرب وآبعد عن تطرق الفساد ،وذ ك يف حق
املريدين والعلامء الرابنيني احلكامء العارفني ،فسيئان يف حقهم لكام يرد من
س يدمه ،فلكام ورد علهيم تلقوه مبا يقتضيه الوقت مهنم فيه ،ان اكن بلية
تلقوه ابلصرب ،آونعمة فبالشكر ،وان اكن طاعة فبشهود املنة فية ،وان
اكن معصية فباالس تغفار والترضع يف آانء الليل والهنار ،فهم وقف عىل
مراد س يدمه فامي يفعهل هبم ويورد علهيم ،وقليل مامه ،آولئك معروفة
آسامؤمه وظاهرة آوصافهم ،خافية يف اخللق آعياهنم ،عاكفة يف العال
ذواهتم ،راتعة يف امللكوت آرواهحم ،ساحئة يف اجلربوت قلوهبم ،اكرعة
416
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
يف حياض شهود بديع امجلال آرسارمه ،قد شغلهم شهوده عن ورود
الواردات احللقية علهيم من هللا سالم وحتية ،ويل يف ذ ك شعرا :
فرمبا جيد البـــــــــــادون فاقهتم تربوا عىل ماصدر مهنم من العمــل
آما املرادون آهل القرب اثلهثم من رهبم نفحة تعــــــــلوا عىل زحل
الينظرون اىل الكـوان مهــــهتم آن يدركوا منهتيى الغاايت يف المل
فالفاقة من املريد اىل س يده آجنح ما حيصل عندها نزول الفتوحات الوهبية
،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( الفاقة بسط املواهب )
الفاقة اىل هللا واىل ما منه نعت العباد والزهاد ،والعارفني الفراد .فاقة
العارفني اىل هللا دون شئ آخر ،ذل ك التزايلهم الفاقة واالضطرار ،
والفاقة اىل ما منه من الفضل واالمتنان نعت الصادقني ،وآما غريمه ففاقته
موقوفة عند حظه العاجل ،وغالبا يكون انظرا اىل الغيار حيث رآها
جتري عىل آيدهيم ،آويقارن وجودها وجود موجودا آخر ،فلقرص النظر
تطمس البصرية ،والبرص مع عن الغري واس تغىن دون املؤثر ابلثر .
والفاقة بسط املواهب عىل آرض الفاقة واالضطرار تزنل رمحة آمطار
النوار ،من مسوات الرسار ،عىل ينابيع القلوب ،فتفيض آنوار العلوم ،
وجتري عيون الفهوم ،فتغمر آصالد النفوس فتصبح الرض النفسانية
خمرضة مبا وصل الهيا من اللطاف ،وانلها من االسعاف { فانظر اىل آاثر
رمحة هللا كيف حييي الرض بعد موهتا } [ الية 50الروم ] ويل يف ذ ك
شعرا :
417
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
418
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
والفقري آسود الوجه آبدا ،والفاقة من الزمه ووصفا من صفاته ،بل ركنه
العظم ،ويه آثرة عىل ظاهر العبد ،وهبا يس تبني عىل ماظهرت عليه :
امنا الصدقات الورادات ،واملنح الواصالت ،والرحامت النازالت للفقراء
الهيا ،واملتعرضني لسبيلها " ان هلل يف آايم دهرمك نغحات فكونوا متعرضني
لها .واستشهاده عىل الصدقات احلقية واملنن الوهبية ،هبذه الصدقات
املفرتضة املالية ،مما ينبه آويل اللباب ،ويوقف آهل االستبصار عىل
آرشف االفتقار ،ولطف املكل اجلبار بأهل االضطرار ،وذ ك شاهد
ظاهر وحق سافر ،للك مستنرص انظر .وصفة االفتقار ما س يذكره الن
بأثر هذه من الوصاف اخللقية ،والتعلق ابلصفات احلقية ،ويل يف ذ ك
شعرا :
اذا آردت ورود الوهب واملنن عليك حصح اليه الفقر واعـــــــترب
فامي افرتضه اهل اخللق رازقــــهم يف املال فاعرب اىل مقصودان النرص
فاذا حتققت بوصفك كنت عبدا آديبا ،ومن حرضته قريبا ،ذل ك قال
املؤلف ريض هللا عنه :
( حتقق بأوصافك بأن تعمل ما آنت عليه من االضطرار اليه ،ميدك بأوصافه
بأن جيعل ك بدل لك وصف تكون فيه عنك فانيا ،وصف من آوصافه
آن تكون به متعلقا )
وكذا لك امس من آسامئه تعاىل تكن به متخلقا ،عدى امس الوهبية
فاليكن به اال متعلقا .م فرس آوصافك اذلي طلب منك آن تكون هبا
متحققا وهبا متخلقا ،اذلي من بعضها الضعف واذلةل والفقر والعجز ،فلك
ماحتققت بوصف من آوصافك مدك بوصف من صفاته العلية ،اليت يه
419
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
مس تودع مواهبه السنية ،فقال :حتقق بذ ك ميدك بعزته اليت آعز هللا هبا
عباده املؤمنني .حتقق بعجزك ميدك بقدرته اليت هبا برزت العيان ،
وانربآت الكوان .حتقق بضعفك ميدك حبوهل وقوته اذلي مل يبال بسوء من
اكنت هل ،ومل يعدوا السوى عىل من انتصبت هل ،فلك من اكن كذ ك
طرحيا مسكينا مل يرى هل دون س يده انرص ،واللضعفه معينا اال اايه ؛
اكن هل ابلعون والنرصة واملدد والعزة ممسا ،فناده بلسان عبوديتك وعدم
حو ك وقوتك ،وتلبس آثواب ذلتك ،واطرح يف تراب آرض مسكنتك
،يكون هل بربوبيته متوليا ،وبأرسار حمبته متدليا ،ويل يف ذ ك شعرا :
ان التحقق ابلوصــــف يف البرش ينيكل الرتبــــــــــة العلياء والعمل
ميدك هللا من آوصافه فكــــــــذا يكون لك آديب صاحل العــــــمل
فضعف عبد مع فقر وذلـــــــــته وجعزه سمل التحقيق فانتـــــــــــقل
عن وصف عبد همني الصل مفتقر اىل جامل صفات الساميات تــيل
والتحقق هبذه الصفات التكون اال لعبد خمطوب ،وحظ موهوب ،
يكون متجليا ابطنا ابالميان ،وظاهرا ابالتيان ابلعمل عىل وفق المر ،
ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( رمبا رزق الكرامة من مل تمكل هل االس تقامة )
وهذا اندر ؛ فالكرامة غالبا التنال والتكون اال نتيجة حسن االس تقامة ،
ولك كرامة ظهرت مع االعوجاج عن سنن االس تقامة فهي من ابب املكر
واالس تدراج ،آعاذان هللا مهنا .
فالكرامة يه مايظهر من رس القدر عىل خالف العادة املتبعة ،فالنفوس
لها متشوقة ولشأهنا معظمة ،ويه حقيقة بذ ك ،لكن الشان لك الشان
420
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وتأداب ،رسا وروحا ،وعقال وقلبا وكشفا ،وكاملها القيام مبقتىض االسالم
ظاهرا ،ومبقتىض االميان وهو االستسالم ابطنا ،ومن آعط ذ ك وجعل
يتشوف اىل غريه فهو انقص الفهم آمعى البصرية ،فاالس تقامة حق احلق
منك ،والكرامة حظ النفس وهبا تقيض وطرها من انتشار خربها وظهور
آثرها ،حىت آن بعض العارفني يقول :من مل يكن ظهور الكرامة منه
كظهور املعصية فليس من الصدق يف شئ .آوكام قال .
وحلاةل تكون فهيا حبق هللا آوىل من حاةل تكون فهيا حبظ نفسك كام تقدم
معىن ذ ك آول الكتاب .وكامل االس تقامة ابس تقامة العبد بالك شقهيا
ومجع طرفهيا ،ومن اكن كذ ك اكن من آخص املقرينب ومكل العارفني
وآفراد املوحدين ،ومن قام بطرف الظاهر دون احاكم توحيد اليقني فهو
يعد من زمرة آحصاب الميني ،ومن طمع يف نيل ابطهنا دون احاكم
ظاهرها وقع يف ورطة املعطلني واجلهال املغرورين ،ومن حتقق بباطهنا
وآحمك ظواهرها فهو من العلامء الرابنيني والهداة املهتدين .جعلنا هللا مهنم
،وهنج بنا هنجهم .ويل يف ذ ك شعرا :
فاالس تقامة آقىص مايراد ومن مل يسكل الس بل مل يس تفتح السفر
ان الكرامة وان جلت مراتـهبا عالمة يف سلوك السادة الغــــــــرر
واالس تقامة بدر يه نتاجئــــها كام نتج من فنون الشجرة المثـــــــر
ولالس تقامة املراد هبا املرضية عالمات وآمارات ليكون العبد فهيا قامئا ،
فلك معل تنشأ صورته عن العبد فالاعتبار به دون هللا تعاىل ،ولك ما
آقمي فيه من هللا فهو الكثري وان قل صورة ،فذل ك قال املؤلف ريض
هللا عنه :
422
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
( من عالمة اقامة احلق ك يف الشئ ،اقامته اايك فيه ،مع حصول النتاجئ
)
مفن عالمة اقامة هللا للعبد يف الشئ املالبس هل ،واحلاةل الراهنة عنده
لميزي عن مقام االنسان يف الشئ بنفسه اذلي ال اعتداد به عند ذوي
البصائر ،الناظرين بغري التحقيق يف طرائق التدقيق ،من آقامة احلق
اايك يف الشئ اذلي هو عني ماحيصل به الدب مع هللا حاال وفعال ،وان
تناءت عنه آفهام احملجوبني ابلنظر اىل ظواهرالصوربكثيف طبع البرش ،
دون النظر اىل الرسار الغيبية واملعاين امللكوتية ،وذل ك عالمات
وظواهر آمارات ،فأوحضها وآثبهتا ماذكره املؤلف رمحه هللا من اقامة احلق
ك فيه ،واقامة احلق ال يصحهبا ماخيالف آمره ويتعدى طوره ،لئال
يظن ذو هجل آنه قامئ يف املعايص ابهلل آمرا ورضاء ،ولكن قهرا واقتدارا
،وليس املراد هنا اال االقامة املرضية املوافقة لمره احملبوبة دليه فهيا عىن
ولها آراد يف عبارته وعالمات قبولها ،مفن آقمي فهيا وآهنا عنده مرضية
حصول النتاجئ القربية ،لن ثواب الطاعات يف ادلنيا تيسري احلس نات ،
وفعل القرابت ،وتوايل آفعال اخلريات ،ويف الخرة رفع ادلرجات يف
اجلنات ،وتوايل املثوابت .فان آشلك عىل السا ك حاهل فليفرض هذه
احلمكة عليه ،فان وجد ذ ك فليحمد هللا ،وليتخذ اجلد هل مساقا ،
وليداوم معهل واليطلب اخلروج عنه حىت يكون احلق هو اذلي يتوىل
اخراجه ،وينصب معراجه ،اىل ماهو آرفع وآقرب عنده ،واليزال كذ ك
آبدا ،وليجعل من دعائه { وقل رب آدخلين مدخل صدق وآخرجين
423
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
والعباد ،وتالزهمم الحزان ،فان وعظوا آونصحوا نظروا اىل مامهنم اىل
هللا من اخملالفة وقةل احلياء ،فيصمتون الحماةل ،ويرجعون اىل نفوسهم
ابذلم واملالمة .والعارفون انظرون اىل ما من هللا الهيم فاليرون هلم يف
اجياد الفعال وتقومي الحوال دخال ،فتنطلق آلسنهتم كيف اكنوا لفنامه
عهنم .
قال آبو طالب امليك ريض هللا عنه :حدثت عن بعض هذه الطائفة قال
:اكن قد بق يف نفيس شئ من القدر وكنت آس تكشفه من العلامء
فالينكشف حىت قيض يل بعض البدال فاس تكشفته اايه ،فقال :وحيك
ماتصنع ابالحتجاج ،حنن نكشف رس امللكوت فننظر اىل الطاعات تزنل
صورا من السامء حىت تقع عىل جوارح قوم فتتحرك اجلوارح هبا ،وننظر
اىل املعايص صور مصورة تزنل مبشاهدة القدر .وقال آيضا :كنت قبل
آن ينكشف يل مشاهدة عمل اليقني ،فرآيت يف النوم كن قائال يقول :
القدر من القدرة ،والقدرة صفة القادر ،فيقع القدر عىل احلركة فالتتبني ،
فتظهر الفعال من اجلوارح ،آوقال :فتتحرك اجلوارح ابلفعال والتبني .
انهتيى .
فهذا مشاهدة آهل التعريف وماشالكه من مشاهدة الفعال عىل الكشف
من هللا صادرة ،والعباد فهيا اكلالت املسخرة ،فكيف يصمته شئ ليس
اليه والمنه ،وان نسب فبحمك العدل ومنع الفضل ،لن هل يف اجياد
الفعال قدرة ،واحملجوبون عن شهود ذ ك يف عام يطولون بألسنهتم عند
ماتظهر هلم املوافقات ،وخيجلون ويصمتون اذا برزت عىل آيدهيم
اخملالفات ،وذ ك لهنم شاهدين لفعاهلم ،ومثبتني لوجودمه .فهم وان
425
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فال تعمل نفس ما آخف هلم } مايلك عن وصف الوصاف ،عاينوا رصف
احلق كفاحا ،وآرشق من آفق الشهود صباحا .ويل يف ذ ك شعرا :
تصمت وان اكن يف حال اخلفا آرسا مفن يعرب عن بسط الشهود مفا
يناهل جحـــــــــــــــــهل احلاين عليه ترا ومن يعرب عام منه ذاك مفــــــــا
ولك من اكن ابهلل حقيق آن تطول لسانه واليصمهتا عروض سبب ،
آويصدها حصول آرب ،ومن اكن يرى نفسه وآفعالها وسوء اجرتاهحا
وجرآهتا وتعدهيا عىل حدود س يدها واقتحام شهواهتا ،واتباع هواهئا من
غري مباالة مهنا ،مصت من سوء مايراه من اجرتاء عىل مواله .فهو ان
برزت عنه طاعة تلكم وانبسط ،وان حصلت عنه هفوة مصت وانقبض ،
وهذا حال السا ك قبل عثوره عىل كزن املعرفة ابهلل اليت التتعلل ابلعلل ،
حفري آن اليقبل عنه عند سامعه موعظة ،والتصل اىل قلبه نور حمكة ،
ملا علهيا من بقية رؤية النفس ،والعارف ليس كذ ك يكون ابهلل غائبا عن
نفسه وصفاهتا ،ونس بة آفعالها ،فيتلكم ابهلل فيقبل منه الحماةل قوهل ،
426
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
427
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
429
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ملا وجدت لها حرصا ،وبقيت يف بقية مديت آتصفح الكمه فأجد لها آوجه
،وذ ك ملا هو عليه من كامل المتكني يف مقامات اليقني .
واكن يروي لنا عن ش يخه قدوة الانم ،املشهود هل عند اخلاص والعام بأنه
اخلتام ،حسني بن س يدان الش يخ آيب بكر نفع هللا هبم ،ونظمنا يف
سلكهم ،ومجعنا معهم مع الحبة يف دار السالم ؛ الكما يرويه اس تخرج
منه علوما لطيفة ـ وآحوالا منيفة ،مع آنه اكن ذ ك الالكم مما يتداولونه
العوام ،وقد آفردانه يف نبذة لطيفة ،فليطلب مهنا هناك يعرث عىل صواب
اشاراهتم يف بواطن عباراهتم ،ويل يف ذ ك شعرا :
مايف القلوب من النوار مس تور ان اللسان دليل السامعني عىل
فلك قول جتـــــده السامعون جل يف القلب فاعمل بأن الرس مغمور
ومايرده مسع السامعني لـــــــــــه دليل خيرب بأن القلب مســـــتور
واالذن من هللا لعبده آصل النفع ،واالذن اليعرف اال بدليل يدل عىل
هللا مأذون هل يف الالكم ،مريض هل يف القول ،والكم غري املاذون
الجدوى هل وان متىن وتزخرف ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه منهبا
عىل دالةل االذن :
( من آذن هل يف التعبري فهمت يف مسامع اخللق عبارته ،وجليت الهيم
اشارته )
من آذن هل من الواصلني ،والعلامء احملققني ،والسادات املقربني يف التعبري
عام جيده من كشف العلوم وايضاح احلقائق ،وبيان طرائق الهدى بعد
متكنه مهنا ،وحتققه فهيا عىل احملجة البيضاء ،واحلنيفية السمحاء ـ اذلي
اليدخل فيه ارتياب ،ومل يغطى بكثيف جحاب ،ابيصال النفع وادلعاء اىل
430
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
امجلع ،فذل ك دليل وعالمة ،فعند صاحبه بأن جيد يف رسه من هللا آمرا
الميكنه خالفه ؛ بأخذه عن الكشف واليقني ،فيتلكم ابهلل البنفسه ،وهلل
اللهوى والطلب حظ ،ومن هللا آداب واس تضعافا واستئذاان ،واىل هللا
التجاء ولياذا واعامتدا .ودليل ذ ك للمتلق آمور ظاهرة وآمور ابطنة ،
مفن الظاهرة حسن االس تقامة واتباع الس نة والورع والزهد واالانبة وغري
ذ ك من شعائر ادلين ،وادلليل ابطنا بأن جيد لالكمه اس امتعا وقبوال وفهام
وتعشقا ،ولالشارة فهام وفتوحا .فاذا فهمت العبارة ،وجتلت ك االشارة
؛ فاقبل والتنكر فتكون من حزي آهل العزة ابهلل ،لقوهل صىل هللا عليه
وسمل " ان من العمل كهيئة املكنون اليعرفه اال العلامء ابهلل ،فاذا نطقوا به
الينكره علهيم اال آهل العزة ابهلل ،ويل يف ذ ك شعرا :
عالمة االذن يف اظهار معرفة للسامعني آمور حتـــــــــتوي فهيا
وجود فهم ملا عرب مطـــــــابقة وجتتيل من علوم الكشف خافهيا
واذا مل يكن هناك اذن للمتلكم فاليسوغ لسامع واليروق دليه ،بل خيرج
وعليه سامجة الهوى وظلمة ادلعوى كامقال املؤلف ريض هللا عنه :
( رمبا برزت احلقائق مكسوفة النوار ؛ اذا مل يؤذن ك فهيا ابالظهار )
رمبا وقليل بروزها مع وجود الهوى اال اندرا ،مس تعارة من الكم غريها :
الكبس ثوب مل ينسج عليه ،وجالب حتفة مل هتدى اليه ،فربزت صورة
حقيقية مقبوةل من حيث احلمك ،ولكهنا مكسوفة النوار كام يظمل
الكسوف بضوء الهنار ،وذ ك آن مشس الرس الاكئنة يف برج الروح
ادلائر يف سامء القلب مل يكتىس من نور الكشف مايظهر به استنارته يف
آفاقه ،فالتتبني بوجوده ،ومل يظهر بشهوده آرسار امللكوت ،ومل ترتآء
431
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فيه حقائق اجلربوت ،فيكون مكسف الحماةل ،فال تعرف نفاسة احلقائق
هنا ملا غش هيا من ظلمة آخالق النفس الرضية احليوانية ،وغطا جاملها
من غبار الكثائف الغريية ،فلو برزت هذه احلقائق النفيسة يف آرض
مرشقة بنور رهبا حلصل لها القبول ،وحصلت عىل لكية املأمول ،فرمبا
خترج احلقيقة الواحدة عىل آثنني فتقبل من واحد ملا عليه من نور جامل
الوصال ،وترد عىل الخر ملاعليه من ظلمة الطبع وكثافة الهوى ،وذ ك
مشاهد ابذلوق ملن هل قلب يح جيده دليه عتيد ،فاذا مل يس تمكل
آوصاف العراف ،ومل حيظى بورود اللطاف ،ومل تتيرس هل العبارة ،ومل
تنكشف هل رس االشارة ،فذ ك دليل عىل عدم االذن ،وآنه مل يأذن هل
آن يكشف احلقائق ،ويوحض مشالكت الطرائق ،فيلزم الدب حىت يأيت
هل االذن يف ذ ك ،وعالمة ما آوحضناه آنفا ،ومنه تيسري العبارة هل يف لك
ماتوجه اليه مع السالمة من الفات القادحة يف االخالص ،فاذا حصل هل
ذ ك اكن اكالذن يف ابرازها ،وهو دليل الرضاء من هللا ،فمل مل يراد ذل ك
مل يتيرس هل صعاهبا ،ومل تنكشف هل نقاهبا ،وعند نزولها حينئذ الميرتي
فيه اال ذو حسد وعناد ،مل حيظى بصفو الوداد ،فيقوم معارضا فيحرق
دودة نفسه مكدا ،ومل جيد لباطهل من احلق مسعدا ،فريجع خائبا ،
ويصري جده بنار احلق ذائبا .اللهم آران احلق حقا وارزقنا اتباعه ،وآران
الباطل ابطال وارزقنا اجتنابه ،ويل يف ذ ك شعرا :
ورمبا تــــربز الرسار مكسفــة ملا علهيا من الاثر والغـــــــــــري
وذاك فهيا دليل آرابب معرفة عىل استتار وجود احلق ابلبرش
432
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وعباراهتم ومصوانت اشاراهتم اليكونون فهيا خمتارين ،بل ملعان فهيا ،
فاليس تعجلون وجودها مامل تظهر احلمكة يف ذ ك ،ذل ك قال املؤلف
ريض هللا عنه :
( عبارهتم اما لفيضان وجد ،آولقصد هداية مريد ،فالول حال السالكني
،والثاين حال آرابب املكنة واملتحققني )
عبارة الطائفة فامي يظهرون من مغيبات الرسار ومصوانت النوار لمرين
لفريقني ومه :آما سالكني ومريدين ،وآما واصلني ممتكنني يف آحواهلم
ومقاماهتم ،حيمكون عىل ماجيدونه من املواجيد ،ملا عندمه من الثبوت يف
التوحيد والعبارة عن احلقائق ،وظهور الايت عند السالكني غلبة وحتكام
من الوارد علهيم ،فالجيدون عن التعبري مندوحة فيرتمجون عن احلال
احلامك علهيم ومه عهنم فامي يربز مهنم ،فهم معذورون ويصحهبم التأييد
واحلفظ ،وان اكن عىل غري ماذكران فذ ك من سوء آدب املريد ،والتفات
منه عن هميع املزيد ،فيتخلف عنه التأييد واليصحبه التسديد ،كام يشري
اىل ذ ك حديث عبدهللا بن معر حيث قال هل صىل هللا عليه وسمل "
ايعبدهللا بن معر التطلب االمارة ؛ فانك ان طلبت لها آعنت علهيا ،وان
طلبهتا ولكت اليه " آوكام قال .
وآما آهل المتكني فاهنم فانيني عن آنفسهم ابقني برهبم ،فالتغلهبم الحوال
،واليغرتوا مبا يغرت به الغرار واجلهال ،فمل يتلكموا عنده الظهار تغرر
ودعوى ،بل يكونون عاكفني بأرسارمه يف حرضته ،ابهتني ملا يلقى من
رس اخلطاب ،وذليذ املناجاة وشهور االقرتاب ،فمل يلوون عن ذ ك اال
الرشار العباد ،وايضاح طرق الرشاد ،وادلعاء اىل هللا عىل البصرية
433
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
املنرية ،واحملجة املس تنرية { قل هذه سبييل آدعو اىل هللا عىل بصرية آان
} ومن اتبعين } [ الية 108يوسف ] فافهم هديت قوهل { ومن اتبعين
تعرث عىل رس قوهل صىل هللا عليه وسمل " واشوقاه اىل اخواين يف آخر
الزمان " ويل يف ذ ك شعرا :
عبارة القوم عن حتقيق مشهدمه آما لغلبة حاةل سكر مـــن رشاب
والواصلني لغاية نيـــــل مطلهبم يفوح مهنم عبري هيـــــدي الطلبا
وغري ذ ك عيب عنــــــد سادهتم آويل العزامئ من ساداتنا النجباء
فالعبارة يه مايعرث علهيا من ظاهر الغيب ومن لفظ املعىن ومن صورة
لسورة ،فذل ك افرتقت العبارة حبسب افرتاق القوابل ،ذل ك قال املؤلف
ريض هللا عنه :
( العبارة قوت لعائةل املس متعني ،وليس ك اال ما آنت هل آلك )
العبارة تربز من خزانة الغيب مجمةل ،فيقع عىل القوابل الفهمية بواسطة
آلفاظ حمسوسة ،آوافهام مبعىن غري اللفظ ،آما مشهود آومتخيل ،
آومشلك بصورة احملسوس ،فتوجد عند الواحد لشئ من هذه املعاين غري
معىن لطيف عىل حسب ماعنده من الفهم ،فعرب من ظاهر اللفظ اىل
ابطن املعىن ،وهو آما من عامل الميني والفضل وهو املراد للمصنف هنا ،
وآما من عامل العدل ،وهنا يتجه آن يراد به السامع عند الطائفة واختالفهم
فيه عىل طرق ش ىت .وآفضل مامسع عنه وآنصت القول املعجز البليغ
اذلي احتوى عىل مصوانت احلقائق ،وتضمن نفائس الرقائق ،واجمتعت
فيه متفرقات الطرائق ،وهو الكم هللا اجمليد اذلي من قال به صدق ،
434
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
436
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
( رمبا عرب عن املقام من استرشف عليه ،ورمبا عرب عنه من وصل اليه ،
وذ ك ملتبس اال عىل صاحب بصرية )
رمبا عرب عن املقام ،آي مقام عرب عنه صدق عليه ذ ك فالخيتص مبقام
معلوم ،ولكن الغالب عىل الصوفية االشارة به ملقامات اليقني ؛ لهل
املعارف الواصلني اىل الكشف والعيان ،والمتتع ابلشهود والعرفان .ولرمبا
عرب عنه ذو لطيفة وذاكء وهو بعد مل يصل اىل التحقيق به ،وذ ك ملن
وقف عليه دون آن يطلب حقيقة علمه مكر وغرور ،لنه يقف به دون
آن يطلب مزيد ،وكثري ممن توقف هبم تكل الماين وقصدمه هذه الجشار
الورقة من غري مثار ،فيحرمون املزيد ،فينجر هبم المر اىل الرجوع اىل
طلب املزنةل عند اخللق ،والتقرب الهيم ورفع الصيت دلهيم ،فالتراها
ماتنفتح علهيم من قباحئ الفعال ورذائل الحوال ،فيغمرون يف مغرة
الهوى ،ويتلبسون مبالبس ادلعوى ،ويعرضون عن القرب السنية ،
واهلمم العلية ،ومه يس تدرجون شيئا شيئا واليعلمون ذ ك .آعاذان هللا
من ذ ك ،ولطف بنا مماهنا ك ،فذ ك الينفك عنه سا ك اال من لطف
به اللطيف ،فتعلق قلبه ابمجلال الزيل ،واملشهد الس ىن العيل ،فيقول
لسان حاهل :آال ليس يل يف غري ذ ك مطمع وال آرب دون اللقاء يس نح ،
ورمبا عرب عن املقام من وصل اليه وحتقق به ،وآلقيت مالبسه عليه ،
وذ ك ملتبس عىل معوم اخللق ،فذل ك قل نفعهم وتفرق مجعهم ،لن
املدع للمقام واملتصدي للالكم قبل آوان الهلية ،يقل نفع املس متع هل ،
واليرفع املبتدي عن حظيظه اجلبيل االنظر س ين ،ونفس آقديس ،عن
الغيار نق ،وقليل مامه ،كام آنشد لسان احلال عهنم :
437
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
اىل آوجه العلوي وممتده الس ين فذو مهة علياء يطري بسا ك
عىل دوحة تزهو يف الرحي تنثين عليـــــه سالم لكام الح آيكه
وذوي البصائر سامرسة احلقائق نقاد خالص احلق من ربقة يعرفون املتلكم
يف الالكم ،ويعرفون السا ك يف النظام ،الخيفى علهيم احلق بتلبس
الباطل .فبعضهم يعرف احلديث النبوي من الكم الصحايب ومن الكم
التابع ،وبعضهم يعرف الرشيف العلوي بالكمه وان مل يره ،وميزيون
آهل لك مقام يف حفوى الالكم ،فللصادقني آعالم يعرفها آويل الفهام .
ومن الصدق آن اليتلكم املريد السا ك اال ابذن آوغلبة كام تقدمت االشارة
اليه .قال املؤلف ريض هللا عنه :
( الينبغ للسا ك آن يعرب عن وارداته ،فان ذ ك يقل معلها يف قلبه ،
ومينعه وجود الصدق مع ربه )
الينبغ للسا ك وهو السا ك اىل هللا عىل هنج الصدق اذلي مل يقصد يف
سلوكه سوى هللا س بحانه ،ولك طالب ملقصد مس سا ك يف سبيهل ،
ورشف السا ك والسبيل رشف املقصد ،وآرشف املقاصد وجه هللا ،
آي ذاته الكرمي .وآرشف الطريق طريق هللا ،وآرشف السالكني السا ك
اىل هللا ،واليس تحق آن يسمى سا ك ،ولك سا ك لغريه فهو ها ك
السا ك .فاذا وردت عىل السا ك بشائر الوصال وسوابق االفضال من
الكبري املتعال ،مما جيل عن املثال ،ويكيف مبثال ،ويضيق عن ابرازه
نطاق املقال ،اليزنل من حرضة امجلع واالجامل ،فيحتاج من يريد اظهاره
ومل يقدر عىل اضامره اىل العبارة ليكشف عنه س تاره ،ومادام املريد يف
آوان التخلص عن ظهور النفس ورؤيهتا ،الينبغ هل ان يبادر اىل التعبري
438
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
كذ ك خفذ ما وافق العمل ،هذا معناه ظاهرا يف بيان احلق من التلبيس ،
مبا يتعاطاه اجلهال املفاليس ،اذلين حصبوا ادلعوى واتبعوا الهوى ،
وظنوا آن ذ ك توحيد ؛ وليس كام ظنوا ،فالتوحيد الينايف ثبوت الس نة
بل يؤيدها ،فذل ك بني حال الصادقني عن املدعني بقوهل :المتدن يدك
اىل الخذ من اخللق ان كنت صادق ،لن ذ ك ينايف الصدق يف
التوحيد ،ويناقض الثبوت عىل التجريد ،لنك تطلب املراد وتفتقر اىل
املريد ،وتطلب التوحيد وتثبت التعديد ،فال متد يدك بسؤال اىل غري
الكبري املتعال ،فعنده تقف املطالب والمال ،واليه يرغب العباد يف
السؤال ،فان كنت متجردا ظاهرا دون الباطن فعالمته االفتقار اىل
اخللق والتذلل هلم ،وابتذال املروءة من آجلهم ،والتعبد هلم ،وانتظار ما
يصدر مهنم وعهنم ،فميدهحم ملا جيريه هللا هل عىل آيدهيم ،ويذهمم اذا مل
يقدر هل عندمه ،وينال اعراضهم ابلغيبة والتنقيص والش مت اذا وصهل آذى
عىل آيدهيم ،وذ ك دليل عىل اظالم رسيرته ،وانطامس بصريته .والخيفى
رداءة مهة من هذا وصفه ،وبق قسمني :فسا ك منتسب ظاهرا
ومتجرد ابطنا ،وذ ك لصحة توحيده مل خيتار عىل هللا ،بل اختار ما
اختاره هللا هل يف آي حاةل آقامه فهيا ،ومل يذهما عليه لسان الرشع ،
فاذلي يطلب التجرد من غري آن يراد هل مس تعجل للراحة ،والحيصل هل
املطلوب منه ،لنه قام فيه بنفسه ،ولك ماقام فيه هبا اليمت ،والفرق
عند آرابب الفهم يف الفضل بني القامئ يف الشئ ابهلل واخلارج عنه ابهلل ،
واليف يق آدب اخلارج عن الشئ بنفسه ،والقامئ فيه بنفسه .وذ ك اذا
علمت آن هللا س بحانه قدر يف سابق علمه آنه يقمي خلقا يف دار ويالزهمم
440
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فهيا االحتياج اىل آرزاق قدرها هلم ،وحمك علهيم هبا ،وهبا يظهر رس قهره
وغلبة آمره فهيم ،وهذه الرزاق مهنا مايأيت بتسبب وسع يف طلهبا ،
ومهنا ما يأيت من غري تسبب والسع .فالول يقام فيه املتس ببني وهو
حاهلم فيحتاجون فيه اىل العمل مبا يأخذون ومايذرون ماحيل آخذه وجيب
تركه ،فلك من آراد آن يتسبب بسبب فالبد فيه من عمل يكون فيه
حمس نا وفيه متأداب ،واال وقع يف ورطات احلرام وهما ك اجلهل ،وعالمته
حصول النتاجئ من آعامل الرب ،وايصال ما آمر هللا به آن يوصل .وآما
مايأيت بال سبب والسع وهو رزق املتجردين وهلم آحاكم وآداب ،مفن
حمك املتجرد الصادق آن ال تتعدى مهته مواله الكرمي ،والتسترشف
نفسه اىل اخمللوقني ،فذ ك قدح يف توحيده ورشك يف تفريده ،فقد يأتيه
عدوه وحيظه عىل التعلق ابخمللوقني ،وطلب الرزق من املسرتزقني ،
فيحتاج قوة يقني يدفع هبا تسويالته ،وحيتج هبا حبجج قاطعة هل عن
مناواته ،وليس ذ ك اال لصدق التولك وقوة اليقني ،ونفوذ العزمية وعلو
اهلمة ،اىل جناب من بيده ملكوت لك شئ ،وعنده خزائن السموات
والرض ،ويرى جعز اخللق عن آن ينفعوا نفوسهم فضال عن غريمه ،
فيعمتد الحماةل عىل معمي فضهل ،ويستند اىل منيع جنابه ،وينتظر رفع
مانزل به من الفاقة ،ودفع ما آمل به من البالء من س يده اليتعدى اىل غريه
.ومن عالمة ذ ك ترك الشكوى اىل اخللق والرضا عن املوىل مبا قىض ،
واالكتفاء بنظره يف مجيع الحوال ،فاذا آمكل توحيده ورخس يف املقام
جتريده فالبد من آن يأتيه ماقدر هل من الرزق املقسوم .
441
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وهل يف تناوهل آداب ظاهرة وآداب ابطنة ،مفن الداب الظاهرة آن يراع
ماحرضه العمل عليه من التناول من اليدي واال وقع يف احلرام والش هبة ،
مفهنا مايكون التناول حرام ،ومهنا مايكون ش هبة قوية وش هبة قليةل ،مفن
احلرام التناول من يد من ليس هل كسب اال من حمرم مكعامل امخلر وعامل
الرابء اذلي ليس بيده غريه ـ آوما بأيدي آهل الزان اذلين ليس هلم حرفة
يستندون الهيا ،وآهل الغصب من العامل السلطانية دون مواتهيم ،فان
آمواهلم ش هبة قوية ملا قد يدخل آيدهيم من الموال الضائعة والفئي وغري
ذ ك ممااليبعد وجود احلل يف آمواهلم ،وآما عامهلم فهم اذلين مل يوجد يف
آيدهيم اال حست احلرام فليحذر مهنم آشد احلذر من امللوك نفوسهم ،وممن
تقوى الش هبة فامي آيدهيم اجلند اذلين مل ينتظم هلم بيت املال بل يأخذون ما
بأيدهيم ابلشوكة والتغلب كام هو املوجود يف هذه العصار يف سائر
المصار ،ويلحق هبم اخملالطني هلم واملتش هبني هلم يف الزي والهيئة ،
وآرابب الصناعات املكروهة اكلصياغة ،ومن يبارش حرف الظلمة اكئنة
مااكنت ،ويلحق هبم آعامل العراب ومن اليكرتث ابلس نة ومل يعامل
ابلعمل ،وآرابب الوقاف املهتورين فهيا اذلين اختذوها دوةل وحيس بوهنا من
مجةل آمواهلم ،ويصفرفوهنا حبسب آهواهئم عىل غري مارشطوها الواقفون ،
وسائر الوالايت ادلنياوية :اكحلاكم وقضاة المصار والعراف وآهل
االحتساب ،ومن يألك بدينه ويظهر غري ماهو عليه من التصوف ،
ليعطى مما هو موقوف عىل الصوفية ،آويظهر العمل وليس كذ ك ليعطى مما
هو موقوف علهيم ،آوليعطى من غري وقف ذل ك ،واملتجرد متعرض
ذل ك لكه ،والسبب مع السالمة من هذه املها ك آوىل .فهذا بعض
442
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
الداب الظاهرة ،وان آردت اس تقصاها عىل الكامل فعليك مبطالعة كتاب
احلالل واحلرام من احياء علوم ادلين لالمام الغزايل .
ومن الداب الباطنة عدم التطلع واالسترشاف اىل اخللق والطمع فامي
آيدهيم ،وتعلق الباطن ابقباهلم وادابرمه ،واتباع اشارة القلب الوىل يف
ترك ماجتد نفرته منه يف آول وهةل ،ورد النفس فامي تدعو اليه ،وجيتنب
ارفاق الحداث والنسوان اذلين مل حتتنكهم الداب ما آمكن ،فان قبول
ارفاقهم آدعى ابلقرب واملوادة واخملالطة ،وخمالطهتم مهني عهنا كام علمت
من قواعد آهل الطريق ،وآوقع يف قلب املريد لرساين آخالقهم اليه اذلي
هو مطالب ابجتناهبا ،واخلروج مهنا ،وليس االنسان عىل االسترشاف
عىل الرزق من حالته ملوم ،النه ضعيف حمتاج ،بل فيه اظهار ملا هو
املطلوب منه من اذلةل وقةل احليةل بني يدي ذي القوة املتني ،فاذا قام
حبيةل االضطرار فال حرج يف السؤال ملا يسكن به داعية الطبع ،مفن
مات جوعا وهو يقدر آن يسأل مايرد به رمقه مات قاتل نفسه ،كام ورد
معىن ذ ك احلديث ،هذا اذا مل يؤيده هللا بقوة يف حاةل تغنيه عن ذ ك ،
وآما آهل الصدق اذلين ابرش قلوهبم روح اليقني فالحيتاجون اىل السؤال
،بل مهته الختط جسادته ان اكن جالس ،والختط خطواته ان اكن
سائرا ،يسري عىل همل اليس تفزه احلرص عىل ادراك ماهو غائب عنه ،
وال االس تعجال ملا هو حارض دليه لعلمه آنه ان اكن هل قسام مل يفته وان
تأىن ،وان مل يكن مل يدركه وان تعىن ،مكثل ذ ك اطمأنت القلوب اىل
جناب احملبوب ،وسكنت عن اضطراهبا وسلمت من وابء الشك ،
ووقفت عند حسن االختيار ،وحص لها مقام االنتظار ،وطابت لها
443
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
الوقات ابلذاكر وصفت هبا الفاكر ،آانء الليل والهنار .فاذا حمكت
مقام التجريد ،ورفعت اهلمة عن النظر اىل العبيد ،اىل امحليد اجمليد ،
خفذ ما آاتك من يد موالك ،فان اكن فاضال عن غناك ،زائدا عىل
كفايتك فأخرجه من يدك حاال لئال يكون حائال بينك وبني موالك ،
واحذر آفة الرد بعد ماتس تمكل الدب يف الخذ ،فاذا ساق هللا اليك
غنا فاقبل عطيته وآكرم هديته ،م ضعها يف موضعها .م الفقراء والزهاد
يف االدخال عىل حسب ماعندمه من اليقني ،مفهنم من الحيبس شيئا لغد
،ومهنم من يدخر لربعني يوما ،وآخرمه مقاما من يدخر لس نة ،وفوق
الس نة خيرج به اىل حزي الراغبني يف ادلنيا ،املتاكثرين واملهتورين يف
الس باب ،اذلين مل يبالوا مبوقف احلساب وطول العتاب ،هذا يف آحاكم
املريدين السالكني ،وآما املتحققني والنجباء املوحدين والسادات العارفني
،فهم ثالثة آقسام :قسم اليسألون وان اعطوا مل يقبلوا ،وقسم اليسألون
وان آعطوا قبلوا ،وقسم يسألون عند حتقق الفاقة .فالول مه الروحانيون
،والثاين مه الصادقون ،والثالث مه املتقون .ويل يف ذ ك شعرا :
فذاك رشك خف عند ذي النظر فال متد اىل غري االلــــــــه يد
فاس تعمل العمل تلقا غاية الظـــــفر اذا صفا رصف توحيد مفاجيد
فاذا اكن النظر اىل اخللق رشك فامي يأتيك من آمر الرزق ،فف طريق
العارفني النظر اىل النفس وحظها نقص ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه
:
( رمبا اس تحياء العارف آن يرفع حاجته اىل مواله الكتفائه مبش يئته ،فكيف
اليس تح آن يرفعها اىل خليقته )
444
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
رمبا اس تحيا العارف يف حال جتيل كامل شهود احلقيقة عىل قلبه ،
واس تغراقها لرسه وامتالء روحه يف حملات امجلال ،والحيات اجلالل ،
واستشعار دنو الوصال اىل حرضة الكامل ،وهذا اليكون لكيا يف هذه
ادلار ،فمل يفتقر اىل الغيار ،ومل تظهر عنده الاثر اليت من مجلهتا لهيب
النار ،فاكن شاكر برشب عقار ،فهناك ابنت هل النوار ،وخاطبته
الرواح ،وواصلته الفراح ،فاكن مطلبه وغاية ملمحه الكامل اذلايت
اذلي يعطى البقاء به الغيبة عن النفس ،وامضحالل احلس ،فاكن بعلمه
مس تغنيا عن الرجوع اىل ما منه من ادلعاء ،والعارف هو العارف ابهلل
ولو من بعض وجوه املعرفة ،وبصفاته وآفعاهل معرفة تعطيه ذوق العمل
اذلي اليتطرق اليه هجل فامي علمه ،والريب فامي فهمه العارف بدين هللا
وآحاكمه ذوقا وحتققا ،آيضا يعمل عىل البصرية املنرية واحلجة املس تنرية ،
فف حال اصطالمه يف شهود الكامل يس تحيي الحماةل عن رفع احلواجئ
لتحققه بأنه الينال من مواله غري ماقدرهل ،وان دعا مع ذ ك فهو حبمك
العبودية ال آنه ينال بدعائه غري ماقدرهل ،فهو يف حال حتققه هبذه احلاةل ،
واشارة احلال هل ابلسكون يف هذه تس تحيي من مواله آن يس تدركه عليه
يف علمه ،آويشاركه يف حمكه ،آويذكره ماقدره يف سابق علمه .وكيف
يذكر من الجيوز عليه االغفال وقد علمت آن الغفةل نقص ،وهو مس تحيل
عليه النقائص تعاىل هللا علوا كبريا .فاذا اكن مس تحيا من هللا آن يرفع
اليه حاجته فكيف ال يس تح آن يرفعها اىل غريه ،فذ ك آحرى ،ويف
آغلب آوقات السؤال حبمك االمتثال فيسأل قليل حاجته وكثريها منه ،
فاهنا التوجد عند غريه وان قلت ،والتنال اال منه وان جلت ،فسؤال
445
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
الغيار قبيح عند ذوي البصائر الحرار ،فكيف وقد آمرمه ابلفرار ،
فأرواهحم اىل ظل آحديته ساكنة متسرتة ،وعند رؤية الغريية يف ظلمة
البرشية مفتقرة اىل حربة مس تجرية من صربه ،فعند آويل اهلمم العلية
واملشاهد السنية ،سؤال اخلليقة آشد من لهيب النار ،ملايعرتهيم من
اخلجل والعار ،بني يدي الواحد القهار ،آن يكونوا لغريه مثبتني ،ويف
آحديته مرشكني ،فهم اذلين يلقونه وحواجئهم ختتلج يف صدورمه ،
اليبثون بهثم اىل سواه ،واليزنلون حواجئهم بغريه .
يروى آن بعض الصادقني اذلائقني رشاب املقربني ،اكن يرقبه انسان لكام
خرج طاف ابلبيت ،م نظر اىل رقعة اكنت معه ،فلام اكن يوم من الايم
تنحى م خر لوهجه ميتا ،قال :فنظرت يف تكل الرقعة فاذا فهيا {
واصرب حلمك ربك فانك بأعيننا } [ الية 48الطور ] قال فعرفت آنه اكنت به
فاقة فاس تحيا من خالقه آن يزنلها بغريه حىت قبض .والمنافاة بني هذا
الالكم وماتقدم من معىن احلديث " من مات جوعا وهو قادر عىل آن
يسأل مات قاتل نفسه " فاذا قال قائل :كيف يسوغ هل مع قدرته عىل
السؤال ميوت ،فنقول :موته بذ ك غري حمقق ،وبتقدير ذ ك فاعمل آن
هذا رجل غلبت عليه شهود آحدية الواحد احلق ،فمل يظهر للغيار آاثر
عند غلبته عند جتيل مرشقات النوار حىت آجهل املعلوم وهو فهيا مصطمل
،وهبا عن نفسه منعدم ،الاحساس عنده ابلمل ،بل انطمس كام يتومه
من مؤمل ومالمئ يف مي العدم ،فالحرج وال ام هناك هل ،والعليه يقول
اللوم من عتبا :
446
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
بل عينه رمقت رصف الشهود مفا يف ذاك اال وجود الكون قد ذهــــبا
فان آردت ثبوات الحماولــــــــــــــة عنه تقول هوى فيه شبيه هــــــــــبا
فاحلواجئ التزنل اال عليه ،واملطالب الترفع اال اليه .قال سهل بن عبدهللا
:ان هللا مطلع عىل النفوس والقلوب ،فأميا نفس آوقلب وجد فيه حاجة
اىل غريه سلط عليه ابليس .انهتيى .
وكام آن القلب موضع نظر احلق فاذاجعل فيه غريه فقد جعهل مرصوفا اليه
ومقبال عليه ،لنه آي ابليس مفتاح طريق البعد ،وقائد ركب الضالل
يس هتوي امحلقاء واجلهال ابلشكوك وآماين الغرور ،ويلق قول الزور {
الش يطان يعدمك الفقر } ولك من افتقر اىل شئ دون هللا فهو من وعده
} [ الية 268 الباطل ،وتزويره املائل { وهللا يعدمك مغفرة منه وفضال
البقرة ] فأي الوعدين آنت به آوثق فأنت به آحق ،وبقائهل آصدق ،وبنسهل
آحق ،ولشهوده آرمق .وتعلق املقربني ابهلل دون اخللق مجةل اليرمقون
مرادا دونه ،واليؤثرون حاال والمقاما عليه ،بل مه وقف عىل التعلق
مبليكهم ،قطعوا آطامعهم من ايصال انتفاعهم آودفع مضارمه اال منه وبه .
فهم كام قلت :
علقت قلوب الوليـاء برهبم اليؤثرون من الوجـــود مرادا
فهم الرجال القامئون فكن هبم يف س بلهم وسلوكهم مــرتــــادا
ان الوجود بأرسه يف قــرهبم كرساب يشهد من نفوع بعادا
فلرمبا اس تحيوا لغلبة رشهبم آن يرفعوا حاجات م عنــــادا
هذا فكيف تكون نـازةل هبم يف غريه المال اال تعـــــــــادا
447
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
،حبسب مافهيا من العجةل والقوة النارية ،فهي تسارع مايقتيض اجلبةل ،
فاحلق ثقيل علهيا خملالفته لعاملها الظلامين اجلبيل ،كام علمت آن ما فهيا من
النور القلب اللطيف والرس الرويح العايل يطلبان آصلهام ،ومه انزحني
عنه غريبني عن وطهنم ،والغريب اليكون هل من احلمك ماللهل ،فاكن
مطلهبام صعب مادامت القوة الش يطانية النارية والشهوة الرضية متحمكتان
عىل احملل ،فاليتأىت مطلب القلب والروح اال بعد مزيد جماهدة وشدة
عنا ،فاذا غلب احلق زهق الباطل ان الباطل اكن زهوقا ،لن النار وان
اكنت قوية فاذا سلط املاء علهيا قهرها وآذهب سلطاهنا واحتبس ش يطاهنا
،فتحقق آن الباطل اليقوم احلق اال اذا حتمك عىل احملل واكن ابطل رصف
،وآما حيث تقاوما وتصادما فقليل حق يذهب ماظهر يف صوركثري من
الباطل ،والقلب والروح حق ،والنفس والش يطان ابطل ،وللنفس
والش يطان خمادع وغوائل ومبايل يف العامل ،يصادهما امحلقاء اجلهال ،
وميزيها البطال من حفول العلامء وجنباء السالكني حىت يرتقون اىل شهود
عني اليقني ،فيغنون بنور اليقني عن نصب املوازين .والنفس عند الطائفة
لها اطالقات كثرية :فنفس آمارة رضية هوائية حيوانية ،ونفس لوامة
دلنوها من النوار القلبية ،ونفس مطمئنة روحانية ؛ وهل املراد ابلنفس
املذمومة الفعل املذموم آوحمهل ؟ فقائل يقول نفس الفعل ،وقائل يقول :
حمهل .والفائدة يف ترجيح آحد القولني عىل الخر .ومن املوازين احملققة
للباطل من اخلق عرض احلاةل الراهنة عىل املوت ،فلك آمر لو آاتك
املوت وآنت عليه مل تطلب االنتقال اىل غريه فهو حق ،ولك آمر يكون
عىل غري ذ ك فهو ابطل .ويل يف ذ ك شعرا :
449
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
اذا التبس من آمور ادلين آحس هنا عىل املريد سلوك الصدق يف الطلب
فليعرضن عىل النفس امجلوح مفـــا ختتار اال الــــذي هو يعقب العطب
فالنفس يف كرثة الطوار عــــدتـها مع توحدها يف حرضة القـــــــــــرب
مفن مجةل اقرتان الهوى ابلعمل ودخول آفة اجلهل فيه ماذكره املؤلف ريض
هللا عنه حيث قال :
( من عالمة اتباع الهوى املسارعة اىل نوافل اخلريات ،والتاكسل عن
القيام ابلواجبات )
هذه عالمة ظاهرة لهل البصائر الناظرة والعقول الباهرة ،يمتزي هبام
مااكن هلل مما اكن لغريه ،ويعرف العمل املشوب ابلهوى املعمول عىل
حسب مقتىض النفس ،وآبغض اهل عبد يف الرض الهوى ،فالعامل
ابلهوى اليأيت منه اال ماينتجه الهوى من التندح ابدلعوى ،واالدالء عىل
املوىل ،وقباحئ االجعاب وفضاحئ الرايء ،وطلب عاجل حظوظ ادلنيا ،
وداللته عىل من قام به آنه يسارع اىل نوافل اخلريات من التصدق والتكرم
ابملال ،مع آنه مل يؤدي ماهو متعني عليه من الزكوات ،آويطلب ويأخذ يف
نوافل الصلوات ومل يقىض مافرط فيه من الواجبات ،وهيجر اخللق ومل
هيجر اخلطااي ورذائل الهفوات ،وخيرج اجلوائز والصالت وهو يتناول
الغصوابت والش هبات .
ومن آمعن النظر يف ذ ك رآى معظم آحواهل ومجةل آعامهل تفريط وختليط
جيب التوبة مهنا ،وهو يظنه من قسم الطاعات والقرابت ،ذل ك قال
بعض الشارحني :امنا حرموا الوصول لتضييع الصول ؛ فاذا ابتدآ يف
السلوك وآقبل عىل هللا ابلتوبة آخذ يف حتصيل النوافل والسع يف همامه
450
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
القفار ،آانء الليل والهنار ،والرتدد يف السفار اىل املشاعر ورؤية الخيار
،ومل يرد مظلمة وال اس تحل من حرميه وال آدى واجب مافرط فيه ،مع
آنه آمه مما هو ساع فيه ،ومن نظر بنظر آويل البصار ظهرت هل هماوي
االغرتار ،وعرف ماهو النافع يف عالج دائه وماهو الضار ،فاش تغل مبا هو
المه والوىل ،وبعد ماحيمك املقام عىل الامتم ثبت هل القيام ابلتقرب بنوافل
الصالة والصيام والصدقة واحلج وسائر واجبات االسالم ،فهي الساس
اذلي تبىن عليه مراتب السالكني ،والهنج اذلي يسكل عليه املريدين .
والقليل من العمل مع السالمة من دواخل العلل يف العامل خري من
الكثري مع الوقوع يف حبائل الغرور ،وخمايل الزور ،واتباع هوى النفس
وقيام انتصارها ،ورؤيهتا آن لها ومهنا ،وآهنا آهل الفضيةل آوحمل الوس يةل
،فالكثري مع اهامل التفقد يف دقائق آخالقها ورذائل آحوالها غري انفع ،
واليعتد به آهل الفهام الثاقبة .فالتفقد يف تطهري الخالق مفرتض عند
آويل الفهم الصايف عن كدورة الهوى ،فال آمه للمريد من تفقد آخالقه
وتصفية آحواهل .ويل يف ذ ك شعرا :
مكون رس الهوى يف النفس يعرفه من اكن ذا برص يف الــــدين معترب
كسب النوافل دون الفرض يبتدر ومن عالمة ذ ك آن تـــــــراه اىل
حمرم آوواجب جا عنــــــه مقترص فكيف هتدي صنوف الرب وانت عىل
آردت آن تبين الراكن فاعـــــــترب ان الساس هو التقوى عليـه اذا
فاذا علمت آن آفضل ماتقرب به العبد اىل هللا هو آداء مافرتضه هللا
عليه ،وجعل االتيان هبا مقدما عىل لك مايقرب العبد اليه ،فاكنت
آبواب مهنا تدخل لك فضيةل ،وتبتغ لك وس يةل ،حث علهيا عباده حثا
451
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
آكيدا ،وعمل آن مهنم من يس تفزه الرشه ،وهمم من يغلب عليه الكسل ،
فقيد بأوقات ليهنض اليه من غلب عليه الثقل اجلبيل ،ووسع علهيم تكل
الوقات ليبقى هلم فهيا مايتأهبون به ويتفرغون عن الشواغل فيه ،ذل ك
قال املؤلف ريض هللا عنه :
( قيد الطاعات بأعيان الوقات يك المينعك عهنا وجود التسويف ،ووسع
عليك الوقت يك تبقى ك حصة يف االختيار )
قيد ابلمر اجلازم واحلمك الالزم ،والقيد هنا ختصيص لك صنف من
آصناف الطاعات بوقت من الوقات ،وذ ك لن الوقات خزائن تربز
من عامل الغيب فكهنا رسائل آتتك من هللا تودع مضهنا ذخرية تدخر عنده
،وآوسع اذلخائر وآنفسها عندهللا هو ما افرتضه هللا عليك من المر ،
وهو آمر جازم ،وآما غري جازم ،فالمر اجلازم هو الفرائض ،م ملا عمل
مايف جبةل االنسان من التثاقل اذلي هو التسويف جعل هل وقت معني ،
فباخراج ما افرتضه عليه عن ذ ك يكون عاصيا مس تحقا للعقوبة ،
واليتخلص عنه اال بصدق التوبة ،وذ ك رمحة منه وعناية بنا ـ حيث
ندبنا اىل مافيه فالحنا ونيل بغيتنا .
م ملا عمل س بحانه مايغلب عىل النفوس من الغفةل وقةل التحفظ امنت علينا
مبا يمكل ذ ك املفرتض ،لك فريضة نوع مما يش هبها ،فيكون جربا ملا عىس
آنه فرط ،فرتجع تكل اخلزائن الوقتية بذخائرها ،ونفائس ما اس تودع فهيا
من آنوار الطاعات شاكرة لالنسان بصالح الشان وحصة االميان ،فيكون
مس تحقا لالكرام من هللا والرضاء عنه كام آكرم من نزل عليه بأحسن قرى
،م امنت عىل العبد بنعمة آخرى ويه آن وسع عليه الوقت يك اليكون يف
452
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ماساقهم اليه وندهبم وآوجب علهيم وحهثم عىل فعهل لينالوا هذا الفوزالعظمي
واحلظ الوافر العممي .
والسالسل مايوضع يف الرقبة للقود ابلعنوة والزجر ،والعجب من هللا
جائز ابلكتاب والس نة لكنه من السمعيات ،ومن قسم الصفات اليت
حتتار تركها عىل ماجاءت ،فيؤمن هبا ويرتك عىل ماآراد من ذ ك كسائر
ماجاء من ذ ك آسمل اال اذا اضطر اىل التأويل فيبحث عن تأويل العلامء
الرابنيني فهيا ،فيجدها عىل آمكل حمل اثبتة رشعا وعقال ،ويل يف ذ ك
شعرا :
ملا عمل جل موالان وموجـــــــدان اان كام قال مل نهنض اىل العمل
آوجب علينا وحذر سوء عادتنا وقادان قود اجياب نصيح جـيل
فاالجياب من مقتىض قهر اللوهية ومس تحق الربوبية ،مفقهور ظاهر
ابلعدل وابطن ابلفضل وهو القهر عىل الواجبات املفرتضات ،فاذا نظرت
مايعود بسبب ذ ك من الفضل العظمي واجلزاء اجلس مي ،علمت آنه ما
آوجب عليك اال ماهو عائد اليك نفعه ،وصائر اليك غمنه ،ذل ك قال
املؤلف ريض هللا عنه :
( آوجب عليك وجود خدمته ،وما آوجب عليك اال دخول جنته
والتعرض لنفحات منته ،واحتاف نعمته ،وس بوغ رمحته )
فس بحانه ما آلطفه بعباده ،وما آتقنه ملراده ،اذ خزن خزائن الفضل يف
خزائن العدل ،وطوى وبيل العدل يف ما صوره بصورة الفضل .فهذه
عبارة تشري اىل ماقبلها وتفرس معناها ،حفيث علمت آن االجياب والقود
من مقتىض القهر بني مايف ذ ك من عظمي الفضل العممي برضوب العذاب
455
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
456
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
المثار ،واطراد الهنار ،وافتضاض الباكر ،وطمع نظر العارفني اىل رفع
احلجب والس تار ،وجتيل امجلال الهبار ؛ فش تان بني الفريقني وبون بني
املقامني ؛ آهل عليني يروهنم كام ترون الكواكب ادلرية الغائرة يف آفق
السامء كام ورد يف احلديث .فس بحان املتفضل عىل اللك مبا منه وشهوده
،فنعمة العامة مبا آوجبه علهيم وافرتضه ،وجعل الفرائض مفاتيح القرب مل
حيجر علهيا دون التوصل اليه بأصناف القرب ،بل فتح هلم من لك فريضة
اباب هميعا اىل حمبته ،واس تعطاف رمحته ،واس تدرار نعمته " اليزال العبد
يتقرب ايل ابلنوافل حىت آحبه " فامحلد هلل ،فالطرق اليه مطيفة بك
ظاهرا وابطنا ،قوال وفعال ،حركة وسكوان ،نظرا ومسعا ،فأيامن تولوا
فمث وجه هللا ،ان مل يوصكل اليه من طريق تعرفه وابتدآ حديثه ،وس بق
اختياره ومش يئته ،آوصكل اليه شان هدايته ،والرتيق يف معارج ااثبته
{ هللا جيتيب اليه من يشاء وهيدي اليه من ينيب } [ الية 13الشورى ]
فطريق اجلنة هو عينه سبيل االانبة عىل وفق احملبة ،واالعانة عىل القيام
مبقتىض الهداية ،وقد آابح للعبد موامس املغامن وفوز الغنامئ ،وجعلها يف
ط التعبدات .وآصناف املفرتضات مطوية كط النخل يف النوى ،
والزروع يف احلب ،وجعل اللك فرض ممتم من جنسه ليكون جابرا مافيه
من التقصري ،وموفرا مافيه من التخسري ،وممتام مااكن من التحيري ،
ووعد عىل فعهل من الفضل مايتضمن هل لك طالب ،ويقيض به لك مأرب
.وحذر من التقصري وآوعد عىل تركه مبا يزجع به الغافل عن غفلته ،
ويوقظه من س نة شهوته ،هذا ملن غلبت عليه الكثائف الرضية ،
والطبائع احليوانية ،وآما من نور هللا قلبه ورشح صدره بنور هدايته ،
457
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وتوجه بنور واليته ،فاليعبد هللا عىل اخملارجة بل يعبده عىل احملبة ،
فاليربز نفس من الغيب اال آكس به رسا وآوجده علام ،فشهده من حيث
صدر فيبتدره ابالكرام ،ويزنهه عن مقارفة الاثم ،فالوقت لكه هلم وقت
واحد :مهنم آهل الصالة ادلامئة واللكمة اجلامعه ،ويل يف ذ ك شعرا :
ما آوجب احلق من فرض وحث عىل طاعات نفل مفرجع ذ ك الـعــــمل
اليك ان كنت ذا فهم سلمي فـــال حيتاج حىت مىت وهو الغين الزل
آوجب عليك ليك يدخكل جنته ويبلغك فـــوق ماترجو من المل
فباب فضل هللا واسع ،ورمحته عامة ،ومنته اتمة ،وهو الغين عن
آعامل العباد ،املسمى ابلكرمي واجلواد ،ينيل من مل يرجوه ومل يؤمل
ماعنده ؛ فكيف من علقت به مطامعه وانبسطت اليه حواجئه ،ورفعت
اليه شاكيته ،ورضع اليه وتوسل به اليه ،وانبسطت اليه حواجئه ،
ورفعت اليه شاكيته ،ورضع اليه وتوسل به اليه ،وبلك من هل عنده
جاه ،فاليس تغرب واليستبعد آن يقبهل ومينحه غاايت المال ،ذل ك قال
املؤلف ريض هللا عنه :
( من اس تغرب آن ينقذه هللا من شهوته ،وآن خيرجه من وجود غفلته ،
فقد اس تعجز القدرة االلهية { واكن هللا عىل لك شئ مقتدرا } [ الية 45
الكهف] )
من اس تغرب واستبعد وقوع ممكن من املمكنات ،آودفع انزل من
النازالت مما هو من قسم اجلائزات من سائر املقتدرات وان جلت ،
ودفع انزةل من النازالت وان عظمت ،وادراك مسمى من املسميات وان
دقت ،فذاك لقصور فهمه وغلبة سلطان ومهه عىل درك ماهو وصف من
458
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
459
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
آحوال من س بقت مهنم كبائر اذلنوب وفضائع المور وعادوا بفضل هللا
سادة قادة ،وآعالم ملنار السعادة ،فالحيىص عدمه والميكن حرصمه ممن
قد تلبس بزانر وعابد صمن وانر وكوكب من الكفار من اذلين س بقت هلم
من هللا عناية مل يرضمه ماقارفوا ،وممن لبث آزمان عىل ادمان املعايص
وتدورك من هللا وانل آعىل املنازل ؛ كسادة العارفني :خفر ادلين ايب
الغيث وغريه مثل ربيع املافودي كام روى عن نفسه :آنه اكن يف سالف
الزمان مقدما مجلاعة قطاع الطريق فتدورك فأصبح قطب التحقيق ،وغريه
من آاكبر هذه المة ،فاليقطعن عن فضهل يأسك ،والتردن عن اببه
رآسك .فعند ادمان الطلب تدرك الرب ،فعطاؤه الحيجبه السبب ،
والجيلبه النسب واحلسب .فالعبد مامل يغرغر ومل تطلع الشمس من مغرهبا
معرض للتوبة ،ومتسبب للوبة .فريمح هللا البوصريي حيث قال :
اينفس التقنط من زةل عظمت ان الكبائر يف الغفران اكلمل
مفن اس تغرب ذ ك فقد نسب القدرة االلهية اىل العجز املس تحيل عليه
كسائر النقائص ،واستشهاده ابلية اجلامعة لعموم سائر الش ياء من آبلغ
ادلالئل ،وآوحض العالمات وآجنح الوسائل ،فالخيتص هباشئ دون شئ
،بل الش ياء لكها داخةل حتهتا ومل خترج آنت والشهوتك عن الش ياء
فتكون مس تغراب ،وماوصف به نفسه من قوهل { واكن هللا عىل لك شئ
مقتدرا } [ الية 45الكهف ] فقوهل :اكن هللا ،فهذا وصفه والش ياء مل تكن
بعد ،لكهنا هل معلومة ومجيع تفاصيل آحوالها ومعانهيا ،فالاكن وصفه
والكون فعهل وهو قوهل صىل هللا عليه وسمل " اكن هللا والشئ " ومل
460
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
جيهلون ورود الظمل فاليعرفون قدر النعم ،فيقفون دون شكرها فيحرمون
املزيد ،فأورد ضدها ليكون ذ ك سببا لشكرها وهو سبب مزيدها دلهيم
ودواهما علهيم ،ولو مل ترد علهيم هذه الضداد فلرمبا هجلوا ورود االمداد ،
ولوقفوا دون شكرها فاكن ورود الظمل عند االعتبار يف حقهم من مجةل
النعم ،هذا اندر لبعض آفراد اخللق ،آما آصاةل ورود الظمل فاليكون اال
عقوبة عن ذنب آوسوء آدب ،فان مل يزنع عام هو مقارفه خيف آن يتسع
يف القلب آثرها فتصدر عنه آعظم فترتامك كذ ك حىت يعلوا عليه الران ،
نعوذ ابهلل من ذ ك ،ويل يف ذ ك شعرا :
فرمبا وردت شوم اذلنوب ليك يعرف العبد ماقد اكن جيــههل
ويسزتيد كذا شكرا عليه ملـــــا قد اكن يف سابق الزال آههل
ويف احلديث " لو مل يكن اذلنب خري للمؤمن من العجز ماقدر عليه "
آوكامقال .فاذا عرفت آن ورود الظمل منه للشكر عىل وجود النوار ،
وحااث عىل التحفظ من اقرتاف الوزار ،ومامنه آعظم عىل العبد من
االميان العمل مبقتضاه فليحافظ عليه وليجهتد لك اجلهد يف االقبال اليه
واالهامتم به ،وذ ك آن لك فائت عنه خلف اال االميان ،فليجهتد العبد
يف الشكر وهو يف حال تلبسه به ،والعاقل يشكر النعم بوجداهنا ،
واجلاهل اليعرفها اال بفقداهنا كام قال املؤلف ريض هللا عنه :
( من مل يعرف النعم بوجداهنا ،عرفها بوجود فقداهنا )
فأكرث اخللق حاهلم اجلهل ابلنعم والغفةل عن مقتىض الشكر علهيا ،فيقبلون
بفقدها مع عدم الصرب عهنا ،واملعرفة تكون ابلقلب ويه شكر القلب ،
وابجلوارح ويه العمل مبقتىض النعمة وهو شكرها ،قال هللا س بحانه {
462
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
امعلوا آل داود شكرا } [ الية 13س باء] ويف آخبار داود " الهي كيف
آشكرك وشكري ك نعمة منك عيل قال :اذا عرفت هذا فقد شكرتين "
فعرفت آن املعرفة لكية الشكر وعهنا تصدر آس بابه .والنعمة هو لك آمر
حتمد عاقبته يف املأل وان اكن مؤملا ،وماال فليس بنعمة وان اكن مالمئا ،
ومن هنا يقال :ليس هلل نعمة عىل اكفر وامنا مالذه اس تدراجا ،واذا
عرف النعمة يف حال وجودها كام هو حاةل الكياس فقد تعرض لفتح ابب
املزيد اذلي يلهمه لك موفق رش يد ،ويفهمه لك ذي رآي سديد ،بشاهد
قوهل عز من قائل { لنئ شكرمت لزيدنمك ولنئ كفرمت ان عذايب لشديد
} [ الية 7ابراهمي ] فانظر كيف قرن الشدة بتعذيب من كفر ابلنعم ،مفن
ضيع النعم بعدم الشكر علهيا فقد تعرض للنقم ،ومعرفة النعمة بفقداهنا
اليكون شكرا وامنا يه حترسا وتأسفا اليفيد صاحبه اال حرسة اىل حرسة
تتواىل ،وهللا آعمل آن توايل احلرسات يه الشدة اليت آومت الهيا الية يف
قوهل س بحانه { ان عذايب لشديد } ويل يف ذ ك شعرا :
من ليس يشكر رب العاملني عىل مااسداه من فائض النعام واملنن
تغنيه حرسته يف الرس والعـــــلن الشك حيرس عند الفقد مـنه وال
والشكر من آجل النعم من هللا عىل عبده آنه آعطاه ونسب اليه ،مفا
آعظم فضهل وآوسع بره وبذهل ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( التدهشك واردات النعم عن القيام حبقوق شكرك ؛ فان ذ ك مما حيط
من وجود قدرك )
463
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
التدهشك وتعجزك كرثة الالء وترادف النعامء فرتى نفسك عاجزة عن
شكرها والقيام حبقوقها ،فان هللا س بحانه وهل امحلد قد رفع مقدار عبده
وآههل للك فضهل ،وجعل هل اىل لك مقام وس يةل ،فهي وان قلت يف
لفظها فنسبهتا اليه اليوازهنا كثري العطاء ،فامحلد هلل ابهلل اليقوم هل عديل
انهيك آن مجيع مايف اجلنة مااليقدر آحد عىل آن يصف آقل قليل مهنا ،
والمتاثهل ادلنيا مبا فهيا ،وجعل آخر ساكهنا بعد مامن به علهيم { آن امحلد
هلل رب العاملني } فلك نعمة وان جلت فامحلد آجل ،ولك عمل ومعل
حال فباالضافة اىل محده آقل { وقل امحلد هلل وسالم عىل عباده اذلين
اصطفى } [ الية 59المنل ] وورد يف بعض الحاديث القدس ية :خلقت
اخللق لريحبوا عيل " فنعمة امحلد وتيسري العمل آعظم من النعمة اذلي
جعلته ابزاهئا ،وهكذا ،فشكر الورى قارص عن بلوغ امحلد املنعم املفضل
،مفا نشكر عىل نعمة اال وحيتاج شكرها اىل شكر آبلغ منه ،وقصارى
ذ ك آن ترى جعزك عن القيام بشكره ،وترى مابك من نعمة منه ،
وتشهد لطيف نعمه عىل ممر آنفاسك ؛ وسواء كنت يف حاةل مالمئة ظاهرة
آويف حاةل بلية ،فالنعمة فهيا ابطنة تشهدها القلوب ،ويظهر من وراء
آجساف الغيوب ،فشكر من فتح هللا عني قلبه علهيا آعظم من شكر
ماظهر ،ومن زمع آن ليس م اال الصرب فذ ك حلجابه عن النظر ابلقلب
يف لطف احلبيب ،وماجيريه من التعرفات خلواص عباده ،ومايرصف
عهنم به مما هو آشد منه ،فالشكر عىل النعم الباطنة غري منكور عند
آرابب القلوب السلمية والرسار املس تقمية ،فامحلد جيمع آصناف احملامد ،
464
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
مفا ثناء آبلغ منه وان بلغت النعم مابلغت ،مفا يصل مقدارها اىل س ياق
امحلد هلل لنه محد به نفسه يف كتابه ،وجعهل مبتدآ الكتاب وخامتة خطاب
الحباب عند كشف احلجاب ،فأي نعمة توازية ،وآي منة تعادهل ،
فالجتهل قدرك فقد جعكل خليفته يف محده يك جتمع ك الفضائل ،
وتنبسط اليك املنن واملواهب ،ويل يف ذ ك شعرا :
اليدهشك عن مقام الشكر ماوردت عليك من واردات الفضل واملنن
فليس يعدل رس امحلــــد ان عظمت فامحلد يف نعمة املـــــوىل هو المثن
هذا عند فراغ القلب عن الغيار ،وحصته عن آالم الاثر ،وآما
اذا مرض القلب واعرتته آمراض الهوى فرمبا ينعكس المر فيس تحيل
مايس متره آرابب الصحة ،فيجد لمتكن آمل القلب ملرض الهوى حالوة كام
قال املؤلف ريض هللا عنه :
( متكن حالوة الهوى من القلب هو ادلاء العضال )
متكن حالوة الهوى هو اس تحاكمه حىت اليبقى دلاعية االميان بقية
،والحلمك البيان مزية .وعند المتكن يس تحليه ويتحمك هل ،والهوى هو
لك ماجاء من دواع النفس عىل خالف المر واتباع الشهوة عىل حمك
الطبع ،فاذا رخس يف القلب واتسع داؤه فيه فرمبا الجيد دلوائه متسعا ،
ودواءه هو ماس يذكره املؤلف رمحه هللا بأثر هذه احلمكة ،وادلاء املعضل
هو اذلي مل جيد اىل دوائه سبيال ،فيعيا احلكمي يف اس تنباط حيةل اخراجه
عنه لشدة تلبثه وغلبة حتمكه ،ويل يف ذ ك شعرا :
تعينه حيــــةل الطب والحـمك اذا متكن يف قلب املريد مفـــــــــــــا
ذاك الهوى من قلوب السالكني كام الينفع الطب مايس تحمك المل
465
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ومن حمكة هللا وجاري سنته آنه ماخلق داء اال وخلق هل دوى ،
والداء آرض وال آشد عىل االنسان من الهوى لنه مبتدآ لك رش دنيا
وآخرى ،فمك من رصيع من حسام هوائه ،ومك من نعمي زلزلهتا يد الهوى
،وبه يكون هالك روح املرء وخرسانه يف آخرته وفوات غنامئه ،ولكن
لرجاء مايداوي علته ويربي به من وخمي حمنته ش يئني وهو ماقاهل املؤلف
ريض هللا عنه حيث قال :
( الخيرج الشهوة من القلب اال خوف مزجع ،آوشوق مقلق )
فاخراج الشهوة اليت يه مركز الهوى وعهنا تتشعب طرقه اال
خوف وعيده اذلي اليطاق ،وآلمي عقابه آشفق هل لك شامخ صليب ،
وتشقق منه ش ناخيب مص اجلبال ،وذابت هل النفوس وحتولت منه
الحوال .واخلوف عىل مراتب حبسب مقامات الواحدين :خفوف العامة
من هول الطامة { هلم من فوقهم ظلل ومن حتهتم ظلل ذ ك خيوف هللا
به عباده } [ الية 16الزمر ] وخوف اخلاصة من املريدين وآويل العزامئ من
السالكني هو خوف االنقطاع وحرمان االجامتع .وخوف الواصلني من
العتاب وارخاء احلجاب ،والبعد بعد االقرتاب .وخوف املشاهدين من
املكر يف غيب المر ،ومابني ذ ك مقامات من اخلوف حبسب الحوال
والميكن حرصها عىل التفصيل ،فهذا اخلوف فرع عن جتيل جالل لقلع
الهوى من القلب ،ويزيل الشهوة ويقطع آثرها وحيسم مادهتا ابللكية ،
آوشوق مقلق ؛ فقلق الشوق لهل املواجيد اذلائقني حالوة احلب ،
والاكرعني مناهل الوصال ـ فوهجه شديد وانره تلهب تقول هل من مزيد
466
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
،فأىن يبقى للشهوة مع ذ ك آثر آوتسمع لها خرب ،وهذا احلال من
املواهب القربية المن العامل الكسبية ،فاذا وردت عىل احملل قرع عن
لك شئ سواها ،وآصبح فؤاد آم موىس فارغا عن غريه ،والشوق مقدمة
اذلوق وهو منه ،مفن الذوق هل الشوق هل ،لكن يكون المتكن لهن
الوصال ومن رضورة الشوق القلق املفرط ،ومن عالمة اخلوف االنزعاج
عن الخالق اللئاميت ،والركون اىل احملبوابت ،فاليقلع تشبث الشهوة
من القلب اال هذين الواردين وماسواهام الينجع فيه لهنام آول ميادين
الحوال الوهبية ،ودوهنام آعامل كسبية التقوى عىل ازاةل الشهوة من
القلب ،ويل يف ذ ك شعرا :
ورد عليه فتــوح الغـيب ينتهبا القلب مغمور يف شهواته مفــــىت
ورد عليه بسطـــــــوة قهره تهيا وآول الفتح خوف مــــزجع فاذا
وصال حمبوب يف الرواح آنبهتا آوشوق مقلق حياة للقلوب اىل
فالعامل فرع عن صدق الحوال ،مفىت اكنت الحوال صافية
خرجت العامل خالصة ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( كام الحيب العمل املشرتك ؛ كذ ك الحيب القلب املشرتك )
كام علمت آن العمل شيب بشوائب الرايء واالجعاب وحمبته ظهور
الصيت ومسلوب عن احملصول ،وذ ك لغلبة رؤية اخللق وتعظميهم عند
العامل ،واحتجابه عن هللا وعن عظمة هللا كام اكن ذ ك ،آي ارشاك
اخللق يف العامل مانع عن قبول ذ ك ،بل آوىل القلب املشرتك اذلي هو
موضع نظر هللا من االنسان اذا آرشك فيه غريه ابحملبة واالعامتد ،فذ ك
مانع الحماةل من ورود النوار وجتيل الرسار اذلي حيظى هبا الصادقون من
467
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
آويل البصائر الصافية ،والعقول الوافية ،وحمبة هللا رضاه عن العبد يف
العامل ،وجتليه هل يف القلب بورود جتيل السامء من وراء آجساف الغيب
اذلي يعربون عهنا ابلحوال ،فاذا منع عدم االخالص عن القبول اذلي
هو الرضا به اذلي حيصل به املثوبة والقربة املؤدين اىل احملبة ،فالقلب
آوىل آن اليرشك فيه غري من هو حمل نظره واليعمتد عىل سواه ،فالرشك
فيه الحماةل جحاب عن صدق االقبال ،والرشك يف العامل الينتجها رؤية
اخللق يف العامل وعدم القبول ،ونتيجة رؤية عدم النفس عدم االقبال كام
قال املؤلف ريض هللا عنه :
( العمل املشرتك اليقبهل ،والقلب املشرتك اليقبل عليه )
لن رشط القبول يف العامل التقوى ،والتقوى ملن يتق رؤية
اخللق برؤية هللا ،قال هللا { امنا يتقبل هللا من املتقني } [ الية ] 27
واليكون اقبال من هللا عىل القلوب وفهيا غريه حمبوب آومرهوب ،لنه
اليتقاوما الضدان ،فوجود احلق اليقاوم هل الباطل ،وماسوى هللا ابطل
،فأي شئ اكن يف القلب اكئنا مااكن ،فاس تدل عىل آنه مل يقبل هللا عليه
،ومىت فرغ عن الاثر وخيل عن الغيار الجرم آن هللا قد واهجه وآقبل
عليه ،فلتكن من ذ ك عىل بصرية ،ويل يف ذ ك شعرا :
فلك عاقل الخيلص عن الغري اليقبل هللا منه القول والعــــمل
اليقبل هللا كام قد حص يف املثل ولك قلب اليصفو من الكدر
النوار يعرب عهنا حباةل العبد الراهنة ،مفن اخللق من يكون يف مقام
االسالم ،ومهنم من يكون يف مقام االميان ،ومهنم من مقامه االحسان ،
ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه مشريا اىل ذ ك فقال :
468
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
469
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
عىل حمبة هللا ورسوهل فمل خيرهجم ذ ك عن امس االميان .والالكم فيه
حيتاج اىل افراد كتاب مس تقل حافل لقوال العلامء فيه ،واختالف
عباراهتم وتزنيل احامتالهتم ،وقصدان رشح الكم املؤلف وادلخول يف ابطن
القلب آيضا متفاوت ،مفنه ادلاخل اىل التجويف الول من جتويفات
القلب ،ومنه البالغ اىل سويداه ،والواصل اىل لبابته وعنده تتجىل آرسار
الصفات ،وخترتق البصرية العوامل اجلربوتيات ،فهذه آنوار آذن لها يف
الوصول اىل غاية املأمول ،كام آذن لنوار االميان يف ادلخول والنفوذ عن
الوقوف عن حرص املعقول واملنقول ،وعمل تأويل الزنول بال تعطيل
والحلول .فالوصول اىل ظاهر القلب هو مايكون العبد ممتثال به ظاهرا
،وادلخول اىل ابطنه هو مايكون مستسلام لحاكم احلقيقة ابطنا ،
والوصول اىل السويداء هو مايكون عنه فانيا وميكن ذ ك يكون به ابقيا ،
ويعرب عنه ابالحسان اذلي يعبدهللا به عىل العيان .والنور ادلاخل هو
االميان اذلي ابرش اجلنان ،والنور الواصل اىل الظاهر هو االسالم اذلي
هو معل الراكن ،وبه يكون المان عىل الموال والبدان ،ويل يف ذ ك
شعرا :
آنوار آهل الظواهر واصــــالن اىل ظواهر القلب موقوف عىل العمل
ونور آهل الرسائر ذا خالف فـال يبقى من الشك والدران والعـــلل
ونور يظهر من رس الغـــيوب عىل صفاحئ القلب يكشف عــــامل الزل
فالنوار ترد من ابب املواهب الرابنية ال اعامتل للعبد فهيا اال آهنا
اذا وردت ووجدت حمال صاحلا لزنولها قابال للوصول متكنت واس تودعت
470
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فيه اكستيداع املاء يف الرض الطيبة ،واذا مل تتأهل مرت عليه مكرور
املاء عىل الرض الس بخة ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( رمبا وردت عليك النوار فوجدت القلب حمشوا بصور الاثر ،
فارحتلت من حيث نزلت ،فرغ قلبك من الغيار ميله ابملعارف والرسار )
رمبا وردت عىل ندور عليك آهيا االنسان ،وورود ماالخيتص
بوقت دون وقت ،والبزمان دون زمان ،وال ابنسان دون انسان ،
والنوار الوهبية قد ترد عىل العبد وهو غري متأهل لها فال جتد يف القلب
موضعا لغلبة الشهوات احليوانية ،والطبائع الهبميية ،والكثائف الرضية ،
ويه مزنهة مقدسة التصلح جملاورة هذه القاذورات ،ويه ضيف نزل
ومن شأنه االكرام عند الحرار الكرام ،مفن اكرامه تطهري حمهل وتفريغه عن
هذه القاذورات املباينة لعاملها الروحاين ،وختلية احملل مبا يصلح لها كذ ك
مما هو من عاملها من صنوف الطاعات ،وجتري املوافقات يف مجيع الوقات
،فعساها جتمده حال نزولها فارغا عن كثائف الغيار ،ومطهرا من
تلويث الاثر ،فتحفه النوار ومتتيل شهود الرسار .ولهذا آرشدان رسول
هللا صىل هللا عليه وسمل اىل ذ ك وهو الصادق املصدوق حيث قال "
ان هلل يف آايم دهرمك نفحات فكونوا لها متعرضني " وتعرضك لنفحاته
اليكون اال ابملثابرة عىل الطاعات واالقالع عن اخملالفات .وآما عند امتالء
حوايش القلب ابلصور الومهيات والكثائف الرضيات فأين تزنل املعاين
امللكوتيات والرسار القدس يات ،وآين ترمق العلوم الكشفيات وقد
آحاطت بلوح القلب احلروف اجلسامنيات .فان آردت آن ترمق قمل الزل
يف ورق القلب علومه ؛ ففرغه عن هذه بتحري الرايضات واختيار اخللوة
471
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وركوب الفلوات ،فللتحيل آس باب يتوصل هبا اىل فراغ القلب عن
الغيار ،وطهارته هبا عن الاثر معروفة عند آرابب الصدق يف اجملاهدة
اليت يه طريق املشاهدة ،وضعها هللا لعباده حبمكه وسابق علمه آن رزق
بعض املريدين من السالكني ؛ اليأتيه اال بعد مزيد اجهتاد ،وبعضهم يأتيه
رزقه املعنوي بدون ذ ك كام هو مشاهد يف الرزاق الظاهرة ،فيسمى
جمذوب وسا ك ،وآما يف الرزاق الظاهرة يسمى منتسب ومتجرد ،ويل
يف ذ ك شعرا :
فرمبا ترد الرسار واصــــــــةل من عامل القدس مشهد حرضة الزل
فيلتق القلب حمشوا خمائلـــه من عامل احلس والثــــــــار مش تغل
فرتتق بعد من الوطان قافةل وقل مرجعـــــــــــها يف ذ ك الس بل
ففر عنه مفا عن ذاك حائلـــة عىل شهود بال كيف والمــــــــــــثل
فاذا عرفت آن الرسار التبارش القلب عند اش تغاهل ابلصور
والاثر ،وآن النوار الترد اال بعد التفرغ عن الغيار ،قال املؤلف ريض
هللا عنه :
( التستبطئ منه النوال ؛ ولكن استبطئ من نفسك وجود االقبال )
التستبطئ آهيا الطالب املتعرض لنواهل وفيض افضاهل ،آي من
الفضل املنيل لصنوف اللطاف ووجود االسعاف النوال اذلي آنت هل
متعرض وفيه متسبب ،فانه مس متر مدرار ،وماخيلف عنك اال لعدم
تأهكل وهو اقبا ك بلكية مهتك وبذل وسع هجدك ،وليس هناك اال
االقبال اليه ،ودعاء غريه ك مشهود ،ويف مرآة قلبك موجود { ماجعل
472
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
هللا لرجل من قلبني يف جوفه } [ الية 4الحزاب ] فليس للقلب اال وهجة ،
مفىت اكن غريه عندك مشهود فأنت مدبر منه ومعرض عنه ،ومىت قابلته
امضحلت عندك سائر املوجودات ،وفنيت ذل ك سائر املشهودات ،ويل
يف ذ ك شعرا :
عىل دوام جتيل الوصف ابلكــرم نوال ربك فيــــــــــــــاض ومنسجم
فقابل ان شئت وجه المر واحتمك تأتيك آلطاف مايف حرضة القدم
واالقبال هو آن تكون حبقه مبادرا ،واذاكنت كذ ك مل جتد وقت
اال وهل عليك فيه حق ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( حقوق يف الوقات ميكن قضاؤها ،وحقوق الوقات الميكن
قضاؤها ،اذ ما من وقت يرد االوهلل عليك فيه حق جديد وآمر آكيد ،
فكيف تقيض فيه حق غريه وآنت مل تقيض حق هللا فيه !؟ )
احلقوق اليت يف الوقات يه التاكليف املفرتضة عىل العبد حبمك
الرب ،فوسع هللا عىل العباد فهيا لئال يصريون يف احلرج ابملواخذة عىل
مافات اليت تضاد وضع الرص عن هذه المة ،فلك مفرتض رشع يف
وقت خمصوص اذا فات آمكن آن يقىض يف غريه من الوقات ،لن
الزمان الوقيت طرف للمر الرشع وذ ك من لطفه بعباده فهي ممكنة هلم
لكام عادوا ،وآما حقوق الوقات اليت يه معامةل آرابب القلوب حبسن
املراقبة للمحبوب فرتى الوقات لكها خزائن تظهر من حرضة الغيب ،
واخللق يودعون فهيا صنوف العامل ويه راجعة شاهدة ممن آودع فهيا
خري وعىل من آودع فهيا رشا ومن فرعها فتكون بني يدي هللا اىل يوم
املرجع واملأب ،فتنترش تكل الصحائف وتظهر تكل اللطائف ،حفق العبد
473
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
حسن املعامةل هلل فهيا ،فاهنا تطالبه لك حاةل بقيام حبق ،وهو الخيلو آما
يكون من عامل الفضل آومن عامل العدل ،فعامل الفضل جيعل الشكر هل
مقابال ،والشكر آما معل ابلظاهر وآما ابهتاج ابلباطن ،وعامل العدل يقابل
ابلتسلمي واالحتاكم حتت جراين الحاكم وهو ابطنا من آعامل القلوب
ويسمى استسالما ورضا ،ويسمى صربا واس تعبارا ،ولك حاةل من هذه
الحوال مقابةل لوارد من جتليات الغيب ،فالخيلوا العبد حلظة عن هذه
التجليات فال يغفل عن هذه املعامالت واحلقوق يف الوقات خياطب هبا
العموم ،وحقوق الوقات خياطب هبا اخلصوص ،ويف احلديث عن
رسول هللا صىل هللا عليه وسمل " من آعط فشكر ،وابتيل فصرب ،
وظمل فغفر ،وظمل فاس تغفر ؛ فسكت فقيل ماهل ايرسول هللا فقال :آولئك
هلم المن ومه همتدون فهم اذلين مل يلبسوا امياهنم بظمل " وذ ك اليكون اال
لهل الشهود والعيان ،اذلين مل يدنسوا حلل االميان ،ومل يشوبوا شهود
االيقان ،اهتدوا اليه م مه همتدون به ،فأمنوا بتحقيق عن آن يكونوا
متلبسني بظمل ،وهو آن يرصفون نفسا من آنفاسهم يف غري ماخلقوا هل ،
والوقات آساس مباين ادلرجات ملن راعى حقوقها ،والوقات راس مال
الصوفية ففهيا يتجرون البضاعات الخروية ،ويه من آعز ماعندمه ،
فالنبياء يراعون احلقوق يف النفاس ،والشهداء يراعون احلقوق يف
لطائف احلواس ،والصاحلون يراعون احلقوق يف العامل وتطهري الخالق
عن شوب العلل وطرق امللل ،واملؤمنون يراعون احلقوق عىل ممر
الساعات وتعاقب الوقات ،وهللا آعمل .
474
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
475
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وفوا حبق الوقت واكن الوقت هلم وقت .وآما الواقفني عىل رؤية الغيار
واملطموسني حتت ظلمة الاثر فهم صار علهيم مقت ،فذل ك اكن الوقت
عزيزا عند العلامء ابهلل الشاهدين للعامل الخروي اذلي تنعكس فيه ما
آسلفت يف العامل ادلنيوي صورا آخروية ،مفن حافظ عىل العمر اذلي هو
املراد ابلوقت ،وفيه تزرع آصناف السعادات ابقتناء العبادات ،فالترى
ماحيصل هل من عظمي السعادة الخروية ومن فوته ماترى آيضا مايرتادف
عليه من احلرسات عىل الفوات ،والوقوع يف حبائل املعايص والشهوات ،
ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( مافات من معرك فالعوض هل ،وماحصل ك منه القمية هل )
معر العبد هو مدة اماكنه وفسحة زمانه ،وهو مزرعة السعادات
وبذر املاكشفات ،وآصل دوحة القرابت ،ومهنا متتد آفنان ادلرجات ،
ومن اذلي حييط مبا حتت ذ ك فضال عن آن يكون مثنا ؛ كيف وموضع
سوط يف اجلنة خري من ادلنيا ومافهيا ،وآقل جزاء من يدخلها يعطى مثل
ادلنيا مرات كام ورد ،مفن اذلي يقدر مثن ذ ك .وآصل لك ذ ك ما
آسلفه يف هذه الايم والساعات القليالت ،وقد ورد :مايتحرسون آهل
اجلنة اال عىل ساعة مرت هبم يف ادلنيا مل يذكروا هللا فهيا ،وآين عوض
عن الساعة املاضية ،هذا عند عامة آهل الوالية ،وآما خواصهم مفا
يتحرسون علهيا لفوت حظ من احلظوظ العاجةل آوالجةل امنا يتحرسون
عىل فوات جمالسة احملبوب كام ورد :آن داود عليه السالم مازال يبيك
حىت قال هللا هل :ايداود هذا البىك ان اكن من اذلنب فقد غفرته ،وان
اكن من اخلصم فقد آرضيته ،فقال :ايرب ليس من ذ ك لكن من الساعة
476
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
اليت واقعت فهيا ماواقعته هل تعود يل معك ؟ فقال :ايداود فات مافات ،
آوكام قال مما هذا معناه .
واكن السلف الصاحل حيرصون عىل الوقت احلرص الشديد ،
وحيافظون عليه احلفظ الكيد كام روي آن بعض املريدين رآى بثوبه وخس
فقيل هل آال تغسهل ؟ فقال :مافرغت هل .وقال بعض املشاخي :مازالت
عن قليب حالوة قوهل مافرغت هل ،وذل ك سوغوا هلم لبس امللوانت محلل
الوخس لقةل فراغهم عن مراعاة ساعات العمر ،لهنم يبادرون خروهجم عن
حد االماكن لك آن ،س امي وقد طرق آسامعهم قوهل { وآن ليس لالنسان
} [ الايت 39 اال ماسعى * وآن سعيه سوف يرى * م جيزاه اجلزاء الوىف
– 41النجم ] كيف ال ويف مفاوز اجملاهدات لنيل رفع ادلرجات ،ومشاهدة
رب الربايت اذلي هبا حسنت املس تحس نات ،وراقت بوجودها اجلنات
،وتزخرفت وانرت فدخول اجلنة ابلرمحة وادلرجات ،حبسب الخذ يف
الباقيات الصاحلات ،ففهيا اخلري الوافر واملقام الفاخر ،اذلي الحيرصه
حرص حارص املدخر عنه يف خزائن اللطاف العندية ،واذلخائر الوصفية
،ويل يف ذ ك شعرا :
ان كنت ترجو هناك الفوز فابتدر العمر ميدان آرابح فبــــــــــــادره
آذن والينحرص يف خاطـــر البرش حتظى ملا الرآت عــــني والمسعت
يف حرضة القرب واالحتاف ابلنظر وسوف تشهد وتسمع ان ظفرت به
من العال يف سامء التحقيق اكلقــمر فالسابقون دلى العلياء منازلــــهم
477
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
{ مبعىن انقاد هل ابطنه واس تعبد ظاهره ،ويف ذ ك القبيح قال هللا
وحتبون املال حبا جام } [ الية 20الفجر ] ويل يف ذ ك شعرا :
يكون خالص آعامل وتوحيـد من حب شيئا فهو عبد هل فكذا
عبدا عتيدا ابخالص وتفريد فليس يرضاك اال آن تكـون لــــه
واذا اكن الحيب آن يكون لغريه عبدا لن الش ياء متوهجة اليك
برس التسخري اال وآنت مل تندب اال ابالقبال عليه والتوجه ابللكية اليه ؛
علمت آن حمبته اللعةل والبعةل ،بل حمض فضل وانعام وتطول واكرام ،كام
قال املؤلف ريض هللا عنه :
( التنفعه طاعتك والترضه معصيتك ،وامنا آمرك هبذه وهناك عن
هذه ،ملايعود عليك )
التنفعه س بحانه وتعاىل وتزنه عن ايصال النفع اليه منه ،فكيف من
غريه اذ وصفه الغين املطلق ،والعراض والوسائل الجيوز آن يكون مفتقرا
الهيا ،والطاعة عرض تعود منفعته عىل فاعهل ،والرض آيضا الجيوز طروه
عليه لنه مزنه عن النقائص بل عن ما ليس فيه كامقال ،والرض يقهر عىل
من نزل عليه ومبينا جعز من حل به وتسلط عليه ،وهو س بحانه الضار
النافع ،فكيف ترضه معايص العباد ومعاصهيم ؛ صادرون عن فعهل ابرزون
عن خلقه ،فكيف ينفعه آويرضه ماهو من مجةل خمرتعاته ،وصنف من
آصناف مبتدعاته { وهللا خلقمك وماتعملون } وامنا آي احلمكة يف اجيابه
وندبه عباده اىل الطاعات ،وزجره عن املعايص ورضوب اخملالفات مبا
يعود علهيم من نفع الطاعات ورضاخملالفات ،فالطاعات وسائل اىل قربه
479
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وحبه ورضاه ،واملعايص وسائل اىل البعد منه والهتدف لسخطه ،وشدة
آلمي عقابه .
وآي منفعة تعود عىل العبد آعظم وآفضل وآجل من القرب منه
اليه واحملبة والرضا ،وآي مصيبة آعظم وآشد من الطرد عن اببه ورضب
جحابه ،وشدة خسطه وعقابه .عافاان هللا وآحبابنا منه ،وذ ك فضال منه
ونعمة كام تقدم الالكم عليه ،وذ ك من مقتىض تفصيهل العممي وعطائه
اجلس مي وعوائده امجليةل ،اذ قال { لقد من هللا عىل املؤمنني اذ بعث فهيم
{ عن آدانس املعايص } رسوال من آنفسهم يتلوا علهيم آايته ويزكهيم
{ مفتتح العلوم ادلينيات والرسار امللكوتيات } ويعلمهم الكتاب
ويه الرتيق اىل العلوم الكسبيات والرسار اجلالليات } واحلمكة
وامجلاليات ،والزنول يف جماورة املنازل القدس يات { وان اكنوا من قبل
لف ضالل مبني } [ الية 164آل معران ] فامحلد هلل اذلي هداان لهذا وماكنا
لهنتدي لوال آن هداان هللا .ويل يف ذ ك شعرا :
فليس تنفعه الطاعات والعمل والترضه ما نأتيه من زلـــــــــــــل
وامنا ذاك عائد اليك مبتذل ؟ عليك يرجع شؤم اذلنب واخلطل
م ملا آعلمك آنه التنفعه طاعتك لثبوت غناه ،والترضه معصيتك
لوجوب كامهل وعلو جالهل آردف الكمه مبا يزيل ومهك عن تومه زايدة
حتصيل هل بطاعتك مل تكن هل تعاىل هللا عن ذ ك علوا كبريا ،وحصول
480
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
جتيل برز ،وهمل جرا ،ال انهتاء لكامالهتا والوقوف عىل غاايهتا ،وآما
الوصول يف هذه ادلنيا اىل شهود الوجود احلق بعني اليقني ،وقد يرسي
يف لكيات العبد ملح من شهود حق اليقني ،واال جفل ربنا عن ماتتومهه
عقول الزائغني عن طريق احلق واليقني ،اىل تومه احللول والمتكني ،
واملامسة يف حديث االس تواء والزنول ،فهنا مزةل لقدام اجلهال ،فظن
االتصال ابذلوات والصفات ،وكيف يتصل العدم ابلوجود ؟ آم كيف
يامتثل القدم واحلدوث ؟ آم كيف يتصل من الشبيه هل والمثيل مبن هل
شبيه ومثيل ؛ تعاىل هللا عاميقول الظاملون واجلاحدون علوا كبريا ،ويل يف
ذ ك شعرا :
ان قيل وصل فقل عمل ومعـــــرفة آوقيل فضل فغري هللا معدوم
فاليناسب وصل احلق ما مجحت به عقول سرتها طل حيــــمـوم
فاذا علمت اس تحاةل الوصول احملسوس وامنا هو آمر آشار به اىل
مقام من مقامات اليقني ،فالقرب آيضا كذ ك يشريون اليه آهل التحقيق
فال بد من ازاةل ش هبته ،ابلقرب احملسوس ابمللموس ،ذل ك قال املؤلف
ريض هللا عنه :
( قربك منه هو آن تكون مشاهدا لقربة ،واال مفن آين آنت
ووجود قربه ؟ )
القرب هو ادلنو آما حسا وهو مس تحيل يف حق هللا س بحانه ،
وآما معىن وهو املراد هنا .وللقرب مراتب :فأهل الكشف املؤيدين بنور
اليقني يشهدون قرب هللا اىل العباد بس بق املنة وتيسري الهداية ،والعون
والقدرة يف سائر الحوال ،والالكية واحلفظ واملعية الالزمة اذلي الينفك
483
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
484
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
( احلقائق ترد يف حال التجيل مجمةل ،وبعد الوع يكون البيان { فاذا
قرآانه فاتبع قرآنه * م ان علينا بيانه } [ الايت 19-18القيامة ] )
احلقائق القربية والرساراللطيفية والعلوم الغيبية والتجليات الوصفية ؛ ترد
عىل القلوب ويه متصفة بوصفها ومتحلية بنعت مجعها ،الافرتاق يف
وحديهتا ،والقرآن صفته امجلع .واذا آلف عىل صفحات القلوب وصف
بكونه فرقان ،واذا ظهر عىل اللسان يكون بيان ،فأول مايتجىل يف
مظهر الهوية وجتيل الحدية م يتزنل يف حلل الصفات الرابنية ،م يف
املظاهر السامئية والقوابل الروحانية ،م يف الصفاحئ القلبية ،م يف
اللسان البيانية الرشعية .وهذه احلقائق الوهبية قد ترد عىل القلب بصفة
عاملها امجلع وهو ماعليه من وصفه الفريق ،فيتلقى الرتجامن عنه كذ ك ،
م يعض عىل البيان فيجدها موطدة الراكن مش يدة البنيان ،موافقة ملا
شاهده العقل وحمك به البيان ،فتكون اس تفادته حبديثه وتأمهل ،وتكون
حاةل العبد حينئذ ساملة من ادلعوى ،وطاهرة عن لوث الهوى كغريه ممن
يسمعه اليثبت نفسه يف وجوده لنه اليعمل هل فيه ،بل برز من عني املنة
ورصف الرمحة ،وهو عمل الوراثة االلهية اليت يه غري مكتس بة من
دراسة وال مجموعة من آقوال اخللق بل القاء من حكمي محيد .
واحلقائق من حيث يه منسوبة اىل احلق من غريمزج خلق فتسمى لها
ابمسه لهنا ونعهتا بنعته ،فقال احلقائق مجع حقيقة ،وقال :ترد والورود
هو مايأيت من احملبوب من غري اس تعداد هل والشعور به ،وهو القريب
الطارق واحلقائق لعزته ،وبعد منالها عن االدراك اخللق تسمى واردات
485
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
486
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
اذا علمت آن احلقائق ترد بوصف امجلعية ونعت احلقيقة فالجرم آن
تضمحل ذل ك الرسوم اخللقية والوهام الغريية ،ذل ك قال املؤلف ريض
هللا عنه :
( مىت وردت الواردات االلهية عليك ،هدمت العوائد عليك { ان امللوك
اذا دخلوا قرية آفسدوها } [ الية 34المنل ] )
مىت وردت عليك الواردات االلهية ،وجتلت النعوت الزلية ،وآرشقت
الشموس الروحية ،وبرزت الرسار الوصفية ؛ هدمت مباين الغريية ،
وعطلت املوارد النفس ية ،وزلزلت العادات اخللقية ،وحمت الطبائع
اجلبلية ،وحمقت اخلياالت الومهية ،ووضعت ابمللكة وشدة الغلبة والقهر
ملا ضادها وقصمت مادانها ،فاذا دخلت ملوك الرض هدمت سور
الظلامت ،وتقشعت الس تار ،وامضحلت متخيالت الغيار ،وامنحت
علوم الاثر { ملن املكل اليوم هلل الواحد القهار } [ الية 16غافر ] واذا
دخلت النوار احلقية القربية النفس ية ،انطمست الاثر العادية .ان النور
اذا دخل الصدر انرشح وانفسح ،قيل هل ذل ك من عالمة ايرسول هللا
؟ قال نعم :التجايف عن دار الغرور واالانبة اىل دار اخللود ،واالس تعداد
للموت قبل نزوهل " ويل يف ذ ك شعرا :
النور يقهر ما يف النفس حمتمك من العوائد والشهوات يرمهيا
حىت يصري بنــور هللا منرشح وينفسح من ظالم راخس فهيا
واردات النوار التصادهما ظمل الغيار كام الثبات لظلمة الليل عند طلوع
ضوء الهنار ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
487
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وربك خيلق مايشاء وخيتار } فاذا معل العبد معال يكون فيه غري خمتار
بل يفوض ذ ك اىل حسن االختيار ،فرمبا يكون من هللا لعبده اختيار ،
ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
489
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
( التيأس من قبول معل مل جتد فيه وجود احلضور ،فرمبا قبل من العمل
مامل تدرك مثرته عاجال )
التيأس آهيا املريد فان اليأس من عالمات الاكفرين ولكن حسن الظن
ابهلل يف مجيع آفعا ك وآحوا ك ،فانه ورد " آان عند ظن عبدي يب "
والقبول من هللا مأمول لنه ماوفق للعمل اال واملرجو من فضل هللا آن
يقبهل ويتجاوز عن تقصري عبده وتفريطه فامي قرص وفرط ،وكفى العبد
قصد التقرب اىل هللا اكئنا مااكن ،واليقدح فيه اذا مل جيد هل مثره عاجال
من حضور وانرشاح به ورسور وتنعم وحبور ،بل ذ ك آي اذلي مل جيد
ذ ك اذا اكبد العمل صابره آقرب لدب العبودية وآبعد عن شائب احلظ
وامللل ،واكن مثرته مدخرة يف ادلار الخرة فيجدها موفرة ساملة من
االجعاب بذ ك العمل ،لنه اذا مل يدرك مثرته يسقط من عينه قدره ويقل
خطره فسمل هل الحماةل من مفسدات العامل ،وذ ك غاية مطلب
الصادقني سالمة آعامهلم عن دواخل الرشك ،فينبغ آن يعظم رجاء
العامل والييأس من القبول ،ويل يف ذ ك شعرا :
الييأس العبد من روح القبول اذا مل يدرك الروح واالحسان يف العمل
فرمبا اكن يقبل منه مـــــــــــــامل ؟ يدرك العبد من مثراته المـــــــــــــل
فمثر العمل هو الوارد عىل القلوب من آرسار الغيوب ،فاذا ورد عىل
القلب وارد فاليبادر بزتكيته حىت يعمل حصول مثرته ،ذل ك قال املؤلف
ريض هللا عنه :
( التزكني واردا التعمل مثرته ،فليس املراد من السحاب المطار ؛ وامنا
املراد منه وجود الامثر )
490
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
التزكني وتعظم واردا من واجدات الوجدان وآنت بعد مل تعمل مثرته ،
فالوارد هو مايرد عىل القلب من آرسار القرب ،ويتواىل عليه من آنوار
املعرفة وهو مراد لتبديل صفات القلب املذمومة اىل الصفات احملمودة ،
وحمو آاثر النفس وذهاب شهواهتا ،وقلع الهوى وترك ادلعوى ،والقيام
حبق العبودية عىل الكامل ،اذ هذا هو بعض مثرات الواردات .ولك وارد
التصحبه االس تقامة اليؤمن آن يكون من االغرتار ونوع من املكر ،آعاذان
هللا منه ،فتعبريه ابلسحاب اشارة منه اىل جتيل السامء عىل القلب ،
وابلمطار اىل تزنل الرسار الوصفية احمليية ملوات آرض النفوس ،والباعثة
من املعارف من الرموس ،والمطار املتزنةل من سامء الرس عىل آرض
النفس مهنا حسن الخالق وزوايك الحوال والعامل ،كام تثري املطر
مامكن يف الرض من الشجر ،فهتزت وتربوا القلوب وتنبت الرواح الهبيجة
والنفاس العطرة الرجية ،فتنفتح كاممئ االميان بأنوار مشاهدات االحسان
،وتتدىل مثرات املعارف ولطائف االمتنان ،فهذه يه مثرات الواردات .
مفا اكن عىل غري ذ ك فالتزكيه ،وتزكيته بأن تشهد منة هللا عليك وتبهتج
به فرحا { قل بفضل هللا وبرمحته فبذ ك فليفرحوا } [ الية 58يونس ]
الالزتكية اليت يه رؤية النفس عىل عبادهللا وتعظمي النفس وفرهحا ومرهحا
،فذ ك مهني عنه ،قال جل ذكره يف ذم قوم دلوا بعلمهم وفرحوا به دون
النظر اىل ماهو املقصود منه فرحوا مبا عندمه من العمل ،ويل يف ذ ك
شعرا :
يمثر دليك من الخـــــــــالق والش مي فال تزيك وارد لست تعمل ما
من وابل السحب فافهم ذاك واس تقم فليس م سوى المثار تطلهبا
491
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
الوارد هو كام علمت يكسب العبد آحوالا رشيفة ومقامات منيفة ،واذا
ورد عىل العبد وآكس به ذ ك فيأخذ ما آاته ويكون لكية اعامتده عىل مواله
،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( التطلنب بقاء الواردات بعد آن بسطت آنوارها ،وآودعت آرسارها ،فكل
يف هللا غىن عن لك شئ ،وليس يغنيك عنه شئ )
طلبك لبقاء الغيار واس تئناسك ابلاثر وسكونك اىل النوار دون منور
النوار ،وخالق ما آكنه الليل وكشفه الهنار ،وماوراء ذ ك مما تقارص عنه
الفاكر ،مما دارت عليه الاكر ،وما آرشقت عليه مضيئات الرسار من
جنة آوانر ،آوظمل آوآنوار ،ولك داخل حتت دائرة االنقهار ،فهي آغيار
اذا آوقفت الطالب دون منهتيى الرغائب ،فليس اىل غريه سكون ،وال
اىل سواه ركون ،مفىت طلب بقاؤها واس توحش عند فراقها فقد ذ ك
الركون الهيا واالعامتد عليه والنس بغريه دليل الوحشة ودليل كوهنا غري
ايقافك معها دون ،فقد توقف النوار كام حتجب الظمل والغيار ،فاذا
وصلت ماهو املقصود مهنا وهو بسط آنوارها وبث آرسارها عىل عواملك
القلبية وآرجائك النفس ية ؛ فقد حصل املقصود اذلي هل تطلب وفيه
ترغب ،وهو تبديل نعوتك وفناء آفعا ك وآوصافك ،واملثول عىل سبيل
االس تقامة املرضية عند هللا ،فلو دام عىل آرضك وابالت احلقائق
لتعطلت عليك وظائف عبوديتك ،وذ ك يف وقت ضعف السا ك عن
حتمل آعباء هذه الواردات تربز لحداث آوقات نزوهل فيحيي بوجداهنا كام
حييي موات الرايض اجملدبة بزنول الغيث ،فلو داوم علهيا لهلكت آجشارها
لضعفها عن ورود املاء علهيا ،وعند كامل قوهتا وان دامت علهيا المطار
492
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
( تطلعك عىل بقاء غريه دليل عىل عدم وجدانك هل ،واستيحاشك لفقدان
ماسواه ،دليل عىل عدم وصلتك به )
تطلعك حبمك قلبك وتعقهل عىل بقاء غريه يف ادلارين ،والسكون اىل سواه
يف آرضه وسامه ورسه وجنواه ،ومنقلبه ومأواه ،دليل عىل عدم وجدانك
هل اذلي هو غاية المال ،ومنهتيى مطالب آهل الكامل ،فلو وجدته مل
تتطلع اىل غريه ،اذ الغري مع وجوده والظهور مع شهوده ،فلك
مس تحسن ومس تذل وان بلغ غاية مبالغ احلسن والنعمي ،فعن حس نه
صادرة ،ومن فضهل واحسانه ولطفه وامتنانه وجد ،فكيف مبن وجد ذ ك
امجلال ،وآحتف بذ ك الوصال يلتفت اىل مقام آوحال ،آوعاجل آومأل ،
آوجاه آومال ،آوعشرية آوعيال ،فشاهد ذ ك احلال الغين عن املقال ،
آن كيف من ظهر مبوجود الهل شبيه والمثال ،يتطلع اىل من هل شبيه
ومثال ،فغاية مطلب العارفني ومنهتيى رغبات الطالبني وجدان اهل الولني
والخرين بشهود يقني ،وحتقق ومتكني عىل الكشف والعيان ،ومىت
حيظى بذ ك املطلوب وهو يتطلع اىل حمبوب سواه ،آويرتقب مشهود ،
آويلوح لقلبه وجود موجود ،مفن حظ بذ ك فهل دالالت وظهور
عالمات ،ومن داللته االس تغناء بوجود حمبوبه عن لك موجود ،
وامضحالل يف جنب شهوده سائر الوجود ،فاليكون هل سواه مقصود ،
بل مفردا س بق املفردون مس هترتا بذكره غائبا عن فكره ،حارضا يف سكره
،واستيحاشك آيضا بفقدان سواه يدل عىل آنك مس تأنس بذ ك السوى
،ومن اس تأنس بسواه فهو يف وحش ته القطيعة منه س بحانه ،اذ
لواس تأنست هل لس توحشت من الكوان ،ولفررت من االنس واجلان ،
494
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وكنت معه يف حرضة العيان ،مل يأويك ماكن ومل حيويك زمان اكن يف
حرضة اكن هللا والشئ معه ،مس تقر روحك عرش الرمحن ،غائبا عن
امللوان .فهؤالء آقوام آحرقت كثائف غرييهتم بنريان الشهود ،وفنيت
عندمه آعيان الوجود ؛ عند جتيل احلق املوجود ،فكيف تصدق احلب
آوشهود القرب وعاد يف قلبه بقية التفات اىل غري احملبوب .
يروى آن فتاة من العراب اكن انسان يدع صدق احملبة لها ،ويظهر
عظم التودد والتقرب الهيا ،واكن يتلطف الهيا ،فقال لها اين آحبك !
فقالت هل :ان آخيت آحسن مين لورآيهتا لكنت فهيا آرغب ؛ ذات جامل
وهايه ؟ فالتفت فلطمته وقالت :ايكذوب يف دعوى احملبة لوكنت صادقا
مل تلتفت اىل غريي .
فانظر واعترب يف هذه القصة ينب ك افالس آكرث الناس عن وجدان احلق
،وامنا مه مس تأنسني ابلغيار ومتطلعني اىل الاثر ،فمك مدع الوصل
والعشق والنس واحملبة وعند االمتحان بفراق احملبوابت الغريية تكسف
مشسه ،ويتكدر صفاه وآنسه .فمك من مدع الصرب والرضا والتولك
فيفتضح عند تغري احلال مبا يظهر من اجلزع والسخط ،فأين دعوى النس
ملن اليقدر عىل فراق آدىن احملبوابت ادلنياوية الفانية الظاهرة العداوة ملن
ساكهنا ،وآقرهبا نفسك وسائر قواك .فالقوة تعط صاحهبا آن اليكون مع
شئ دون حمبوبه وراثة ابراهميية حيث قال { فاهنم عدو يل اال رب
العاملني } [ الية 77الشعراء] ومن اكن عىل غري هذا فليتق هللا يف دعواه
ووجدان احلق واحملبة هل ،وليصحح مقام التوبة ويسكل عىل يد عارف
495
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
496
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
497
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
498
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
محمودة مل خيرج صاحهبا عن روح الرجاء اىل القنوط .وهذه مراتب الزهاد
والعباد ومعوم العباد ،ومن آول املراتب االميانية اىل رشوق الشموس
الفرقانية ،وظهور التجليات االحسانية العيانية ،فعند ظهورها وارشاق
بدورها تذهب الحزان ،وتتفرج اهلموم ،وتضمحل اهلموم ،فالرواح
العلوية الصافية عن الكثائف الرضية ويه آرواح املقربني مرتوحة بروح
القرب ،متنعمة بنعمي الوصل واحلب ،التمل هبا اهلموم الرديئة ،
والتكدرها الكثائف الرضية ،يتقلبون يف حلل امجلال ويكرعون مناهل
الوصال { فأما ان اكن من املقربني * فروح ورحيان وجنة نعمي } الايت
89-88الواقعة] فالروح لهنم روحانيني ،والرسور والفرح وسائر آصناف
التنعامت اكلنتيجة للروح مفهنا فرحه ابهلل ،وهو غاية مطلبه ومنهتيى اربه ،
وحملبوبه الكامل املطلق والبقاء الرسمد والعز الجمد ،جعلنا هللا وآحبابنا
يف هللا من آولئك ،وبوآان واايمه حضائر قربه وذلاذة حبه ،وتغمدان واايمه
كذ ك بامتم رمحته ومنه ،ويل يف ذ ك شعرا :
فلكام يطرق اللباب من حـــــزن حبسب مامنعت من مشهد املــــــنن
فلو رآيت صفات احلــــق مسفرة ملا اعرتاك ورود اهلم واحلــــــــــــــزن
حبسب مامتتنع من قربه فكـــــــذا تنال من شدة الحزان واحملـــــــــــن
آرواح قرب عن الكدار صافيــــة يف طيب عيش برز من خالص املـــنن
ومن يكن مهه من شؤم معصــــية وفوت عايل نفيس الوقت والزمـــــن
حفال مريض ملن حالته ساملـــــــة من ظلمة الشك والدانس والــدرن
فاهلموم والغموم ان اكنت آخروية فهي درجات ورفع مقامات ،وان اكنت
من المور ادلنياوية املأذون للعبد يف االهامتم هبا فهي كفارات ،كام ورد
499
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
،ومتنعه عام يطغيه من الرثوة امللهية والكرثة املطغية اليت بسط آكنافها عىل
آعدائه ،ورصفها عن آنبيائه وخواص آوليائه كام ترى من فتنة املال
والطغيان ،والطغيان ابلعوان ،والعيال والطغيان ،مركوز يف جبةل
النفس عند مساعدة احلظوظ وموافقة العراض ،وهو سبب مترد
الفراعنة واس تطالهتم واس تكبارمه عن طاعة س يدمه .مفن متام النعمة عىل
املؤمن من آن حامه من تكل املها ك ،وجنبه هذه املسا ك ،املؤدية
لسالكها اىل ما ك ،وهذه مما يتعلق ابلروح دون البدن ،اكحلزن عىل
مفارقة احملبوب ،وتشتت الفكر يف حفظ احلارض والزايدة من املفقود ،
ومدافعة آرابب الوالايت عىل حسهتا واس تدراك فانهيا اىل ماال يتناىه من
الشغال املتعلقة ابلروح .
وآما الشغال املتعلقة بظاهر البدن فال خفا فهيا عند آرابهبا اكلسع يف
طلهبا ابلسفار ،وركوب الرباري ومتون البحار ،والسع آانء الليل
والهنار ،وحتمل مشاق االنتظار ورخص السعار اىل غري ذ ك .آيضا
فاذا رزق العبد الكفاية ومنع الزائد املفيض به اىل هذه املتاعب اخلطرية ،
فقد توفرت اليه النعم ،ومتت هذه يف الرزاق احملسوسة .
وآما الرزاق املعنوية مفن متام النعمة عىل املريد آن يرزق من الداب
القربـية عند مفاجات الواردات احلس ية مامينعه عن آن يطغى بأن يتعدى
عىل ماعنده ،آويدع فوق مادليه ،آويطلب اخلروج عام آقمي فيه حىت
يطلب ذل ك وخيطب هل ،آويتخلف عام هو احلال عنده فيطلب رجوع
ماجاوره كام اكن ذ ك من آجل مارزقه املصطفى وحظ به يف مقامات
االرساء حيث آثىن هللا عليه بذ ك غاية الثناء فقال { مازاغ البرص }
501
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
التقلل من ادلنيا وآس باهبا من شان العقالء الناظرين بنور البصائر اىل
فناهئا ،وكرثة عناها ،وقةل غناها ،ورسعة انقالهبا .وتنكرها عىل آحباهبا
،ومواصةل آحزاهنا بفراق الحباب وتغري الس باب .فلام نظروا ذ ك
وماهو آعظم من فضيع املصائب وفوت الرغائب ،وعاينوا آرشف العقىب
وآهناء احليوان ،تقللوا من مفرحات ادلنيا وزخارفها ،ففارقوها اختيارا قبل
آن يفارقوهنا آوتفارقهم اضطرارا كام هو حال الغبياء املغرتين ،فقلت
آحزاهنم وفارقوا اهلموم ،وابينهتم احملن ونزعت عهنم االحن ،واتصلوا
بروح الروحانية فاكنوا روحانيني ،ورمقت حروفهم يف عليني ،آولئك
السادات البرار ،والعقالء الخيار ،الناظرين بعني االستبصار ،اذلين
نزعوا عن قلوهبم زخارف هذه ادلار ،ورخست قلوهبم يف دار القرار ،
عزفوا عن ادلنيا نفوسهم ،ونزهوا عهنا قلوهبم ،زهدوا حني رغبوا املغرتين
،وسهروا حني انم الغافلون ،وبكوا حني حضك الالعبون ،فمل يفرحوا
مهنا بأرب ،ومل تتعلق قلوهبم بسبب ،فباينهتم الحزان ،واس تأنست هبم
الوطان ،وصلت علهيم مالئكة الرمحن ،وآحهبم هللا وآعد هلم الرضوان ،
وآوقع هلم احلب يف قلوب االنس واجلان ،بشاهد قوهل صىل هللا عليه
وسمل " ازهد يف ادلنيا حيبك هللا ،وازهد فامي آيدي الناس حيبك الناس "
ويل يف ذ ك شعرا :
ما قل من فرح ادلنيا يكـون لــــه قليل حزن عىل فرقاه فاعتـــــــــــــرب
ولك مااكن مفروحا به فكــــــــذا يكــن هل من خطوب ادلهر من رضر
فلك زائل عن قرب يكــــون اذا مامل تدعه شديد اهلم فانتــــــــــــــظر
503
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
506
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
هذه النوار وشهود جعائب الس تار يف دار القرار ،وومسها ابلامتم عىل
ادلوام ليكون االنسان لعامل البقاء ختام ،وذلروة الكامل س نام ،وجعل
هذه ادلار الرسيعة االنرصام والقريبة االنعدام حمل ظهور الغريية اذلي
تعرف بتومه وجودها الرواح عن املشاهدة السنية وادلرجات العلية ،
وذ ك لعدم آصالهتا ،وجعل املصائب آيضا واملكدرات ملناسبهتا لها ،
وجعل س بحانه آمدها قصري ،وعيشها حقري ،وخموفها خطري ،فالميرتي
فهيا ذو عقل سلمي وقلب علمي فزيهد فهيا ،وتنبو مهته عهنا ملا تعلق به من
جامل البقاء ونعمي اللقاء ،هذا ذلوي البصائر النافذة .
وآما معوم املؤمنني والواقفني عىل ظواهر المر ومل ترفع هلم عن احلقائق
الس تور ؛ فزيهدون ملا يرونه مبرآة العقل ،ويشاهدون من جعائب العرب
واس امتع النقل واخلرب ،مما ينفر قلوهبم ويعزف نفوسهم ،من جفائع ادلنيا
بأهلها ،وانقالهبا عىل آهل الثقة هبا ،وورود البالء مع كرور ليلها وهنارها
،وفوات احملبوب مهنا والقصور عن مأمولها ،فزيهدون الحماةل ليسرتحيوا
من آمل فراقها ،وحيمتوا من ذعاف مسوم نوائهبا ،فلك مااكن فهيا من
املرسات آقل اكن من الفجائع والرزااي آميل ،فلك حمبوب مهنا تقارنه
الحماةل حرستني ومصيبتني :حرسة فراقه ومصيبة ذهابه ،وحرسة فوات
فوات النصيب الخروي ومصيبة عدم المتكن من فعهل ،لنه لكام ذهب
يف شغل بأمر دنيوي ذهب مبومس من موامس القرب ،وغنمية من غنامئ
الخرة فاليرجع الفائت من هذه ومل ينل اذلاهب من تكل ،وحق ملن
تأمل هذه العبارات وآنصف آن يزهد يف ما هو سبب حرمانه من نيل
ادلرجات ،وماهو سبب هوانه حبلول املثالت ،فهذا وآمثاهل مما زهد ذوي
507
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
العقول الثاقبة .وآما آهل البصائر اذلين صفت مهنم الرسائر فزهدمه ما
آلها آرسارمه من تليل جامل احملبوب ،وغطا نعوهتم من جالهل ،ال
التفات لقلوهبم اىل الغيار ،والشوق اىل جنة والخوف من انر ،بل
صارت عندمه الاثر حموا ،والوجود حصوا ،فامحلد هلل اذلي جعل لنا الهيم
بتكرير بعض صفاهتم نس بة تكن هلم هبا برشط الصدق ندما ويف معرسهم
خدما .ويل يف ذ ك شعر :
مفا جعل هذه الــــــدار اليت مكنت فهيا سهام البالاي موضع الغــــــــــري
اال حمل البالاي مثــــــــــل ماعلمت ومعدن آفات ليس العني اكخلـــــرب
فزهدت لك ذي عقل مبا ظـــهرت مما حوت من وجـود البؤس والكدر
اذا تأملت انزواء ادلنيا عن آولياء هللا وآصفيائه وآهل وداده ،وتزخرفها
وتزيهنا لعدائه وآهل القطيعة ،علمت يقينا حسن اختياره ك ،ولطفه
فامي زواه عنك مهنا ،فتشكره عىل ذ ك شكر غريك موافقة طبعه ونيل
حظه ،بل آمت شكر لو علمت آنه اختار ك مااختاره لنبيائه وخواص
آوليائه ،فرتاتح وتش تاق اىل لقائه ،ويظهر ك خسة ادلنيا وضيقها ،
فتأخذ يف طلب احملبوب وجتد يف طلب ماهو الوىل بك .ومصائب ادلنيا
وجفائعها نعمة من هللا عىل عباده لئال يس تأنسون هبا دونه ،ويطمئنون
الهيا ،فاكنت هذه املصائب ادلنياوية مزجعة هلم عن الركون والطمأنينة الهيا
،وذ ك ملا علمه آن بعض عباده اليقبل النصح اال ابزعاج وقهر ،ذل ك
قال املؤلف ريض هللا عنه :
( عمل آنك التقبل النصح اجملرد ،فذوقك من ذواقها ماسهل عليك وجود
فراقها )
508
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
عمل س بحانه وعلمه احلق اذلي اليداخهل هجل ،والميرتي فيه شك ،بل
عمل الش ياء قبل اجياد آعياهنا جبملها وتفاصيلها ،فعمل مبا بعض الرسار
عليه من وجود القرب وكامل اليقني ووفور املعرفة وكرامة السجية ،فتجىل
هلم رصف امجلال ،وآملح بصائرمه جتيل الكامل ،وآشعر قلوهبم نيل
الوصال ،وآذاق آرواهحم حالوة االتصال ،فأقبلوا اليه عام سواه من
الكوان ،اتركني لسائر ماطمحت اليه العيان من اللوان ،ومتجردين
عن النفوس ،مقدسني بتقديس املكل القدوس ،فهؤالء مسعوا قوهل {
ايآهيا اذلين آمنوا اس تجيبوا هلل وللرسول اذا دعامك ملا حيييمك } فلام
اس تجابوا علمهم عمل القرب ليشهدوا به اس تغراق معيته فقال { واعلموا
آن هللا حيول بني املرء وقلبه } [ الية 24النفال ] فاالس تجابة ابمتثال
مارشعه ،والعمل نتيجته ،والشهود مثرة العمل اذلي آنتجه صدق االس تجابة
،فهؤالء مل حيتاجوا اىل التجرية اليت تورث غريمه التجايف عن ادلنيا ،
فقبلوا النصيحة من غري توقف عىل اس تدالل عىل فراق ادلنيا وقبحها ،
ورشف الخرة ونفاس هتا .
وملا عمل س بحانه آن يف عباده من مل يقبل النصح جمردا آظهر ما آظهره من
شدائدها وجفائع مصائهبا لينفر عهنا من اغرت بزينهتا من املؤمنني ،فاكن
ذ ك تفضال منه علهيم ورمحة هبم ،فهل امحلد حيث مل يرتكهم وما آرادوا من
تيرس آس باهبا وتزخرف حماهبا ،كام ترك من ال هل عنده حظ ميرح يف نعميها
ويمتتع بزخرف زهرهتا ،قال عز من قائل { ولوال آن يكون الناس آمة
509
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
واحدة جلعلنا ملن يكفر ابلرمحن لبيوهتم سقفا من فضة ومعارج علهيا
يظهرون * ولبيوهتم آبوااب ورسرا علهيا يتكئون * وزخرفا وان لك ذ ك ملا
متاع احلياة ادلنيا والخرة عند ربك للمتقني } [ الايت 35 – 33الزخرف ]
ويل يف ذ ك شعرا :
ملا عمل جل موالان وخالقــــــنا آان كام قد عمل مل يقبل اخلــــــــرب
آذاقنا من مرارات الفراق عنا تسوق من حرب الش ياء ابلغري
وملااكن اس تكشاف المور حس هنا من قبيحها مل يعرث عليه اال بنور العمل
آخذ يف بيان قوهل نفعنا هللا به :
( العمل النافع اذلي يبسط يف الصدر شعاعه ،ويكشف عن القلب قناعه )
العمل احلقيق اذلي يطلق ابملدح عليه ،ونرشت رآايت اجملد دليه ؛ هو
العمل اذلي هو فائض عن الوصف الزيل ،وهو النور التأييدي والنفث
القديس ،والصدر املتلقى هل وهو الروع النق منبع التقوى ،وحمل الفهم
املتلق من عامل المر امللق بواسطته عىل العامل اخللق آعامل الهدى
وآرسار االقتداء عىل احملجة البيضاء واحلنيفية السمحاء ،قال هللا يف رشح
صدر آمكل هذا العامل { م جعلناك عىل رشيعة من المر } [ الية 38
اجلاثية ] فهذا هو العمل امللق عىل من آلق عليه وهو املس تحق آن يسمى
علام جمردا من االضافات املكونية ،م قال جل ذكره مشريا اىل مثرة العمل
ومبينا لرشفه ومنهبا عىل من مل حيظ منه بشئ آنه غري عامل فقال { فاتبعها
والتتبع آهواء { اذ يه املوصةل اىل عني املشاهدة ويقني املواصةل }
510
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
اذلين اليعلمون } [ الية 18اجلاثية ] هذه الرشيعة المرية ،مفن آخذ علمه
ال عن هذه فهو موصوف ابلهوى آومقروان ابدلعوى ،فالعلوم النقلية
املتلقاة من اخللق املتداول لفظها اذا مل يصحهبا من هذه النوار القدس ية ،
ومل حيظى من املراتب العلمية مبزية ،التفارق صاحهبا الفات القادحة يف
اخالص العبودية ،لهنا اتسمت ابمس العمل ،وتلبست بلبسه بني العامل
ومس عاملا عندمه ،مع آنه الحيرم حراما ماعمل حرامه ،ومل يأيت واجب
ماعمل وجوبه ،فاكن عند العموم عاملا وعند اخلصوص مغرا جاهال ،اذا
العمل عند احملققني ماابرشت القلوب آنواره ،وانبسط عىل النفوس شعاعه
،وظهر عىل الراكن حسن اتباعه .وقال جل ذكره يف معىن ذ ك يف
معرض االمتنان مبافسح به احلنان { آمل نرشح ك صدرك } ورشحه
هو اتساعه لقبول فيضان العلوم احلقية ،حىت عمل الولني والخرين ،
وقال يف حق من اختصه ابتباع حمجته واقتفاء آسوته { آمفن رشح هللا
قال للمتبوع { صدره لالسالم فهو عىل نور من ربه } [ الية 18الزمر] كام
م جعلناك عىل رشيعة من المر } [ الية 18اجلاثية ] فلك من آفيض عليه
نور من هذه الرشيعة بواسطة آي امس اكن مشهد الربوبية فيه ظاهر يف
مرآة املربوب انظر ،وسائر السامء يسمى مجموع جتلهيا آمر ،جفعهل قطب
مدارها ومشس هنارها .والصدر هو املشاكة اذلي ينبسط علهيا نور
الزجاجة اليت تقبل نور املصباح من غري واسطة ،وهنا تظهر من العلوم
مالوبدت لضاق عهنا نطاق اخللق ،وطارت اللباب من حمرقات السحاب
511
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وتالطم حبار آنوار اذلات .فلرنجع اىل قوهل :العمل النافع هو اذلي ينتفع به
العامل هو لك عمل ابهلل وبصفاته وآسامئه وآفعاهل وآمره وهنيه ،ومايزيد يف
خوفك من هللا ويزيد يف رجائك ،ولك عمل تعمل به مفرتضات هللا عليك
وماندبك اىل فعهل وزجرك عن اتيانه من رشائعه وسنن آنبيائه ،والعمل
النافع هو اذلي تصل به اىل مرضاة هللا وتتق به خسطه .ويدخل يف ذ ك
لك عمل ابطن آوظاهر خاص آوعام ،لكن برشط حسن النية فيه
واخالص القصد .فيدخل فيه عمل فروض العيان وفروض الكفاايت هبذا
الرشط املذكور ،ولكن املقصود العظم هو عمل الكشف والتجيل ،وعمل
احلال والتحيل ،وعمل الفرض والتخيل .وهذه العلوم اليدركها اال آهل
الصفاء القامئني عىل هنج التحقيق والوفاء ،وآما علامء الرسوم اذلين مل
يعطوا نصيبا من املعلوم بل واقفني عىل مايسمعونه من اللفاظ ويتلقون
من الرواية واحلفاظ ،آوشئ يلفقونه بأفهاهمم السقمية بعةل الهوى واملتلوثة
بقاذورات ادلنيا ،فليسوا عند احملققني علامء وامنا يسموهنم نقال وآوعية .
واكن مما يروى آن من العلامء حيرشون مع النبياء وآخرين حيرشون مع
المراء والسالطني ،ويل يف ذ ك شعرا :
عىل الصدور شعاع النور فاعترب العمل هــــــو لك مايبسط مأثره
ويكيس الروح رسابل من النظر ويمنح عن شهود القلب ساتره
حبسن قصد وفهم فيه معــــــــترب ولك عمل من العامل انظـــــــرة
وغــري ذاك هباء يف هوى الفـكر فذاك عمل ومست فيه مفخـــــرة
م اعمل آن العمل قد يطلق عىل سائر العلوم ،والعلوم كثرية حبسب
املعلومات ،ومن اكن ذا عقل وفهم نظر يف العلوم خريها ورشها ،
512
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
بني سكون القلب ابهلل تعاىل وسكون النفس ابلس باب ،والفرق بني
خواطر الروح والنفس وبني خاطر االميان واليقني والعقل .ومن علوم
الحوال آيضا وآحوال العلامء وتفاوت مشاهدات العارفني وتلوينات
الشواهد عىل املريدين .
ومن املقامات عمل القبض والبسط والتحقق بصفات العبودية ،والتخلق
بأخالق الربوبية ،وتباين مقامات العلامء .فهذه العلوم واملقامات والحوال
بعض ما آورده آبوطالب امليك ريض هللا عنه آهنا من صفات العلامء
تذاكرها وتعاهدها بني علامء السلف .فاذا نظرت يف آحوال هؤالء ومن
يدع العمل يف هذه الزمان تبني ك افالسهم عن العمل ومامه عليه من
الهتاون يف الراكن ،والعمل مبوافقة الهوى وطلب حست ادلنيا بأي وجه
يتأملوهنا كام اكن غريمه من العلامء احملققني يتأملون مايقرهبم من املوىل
وحيصل هلم عنده عظمي الزلفى ،عرفت ذهاب ادلين ومخود آنوار اليقني
يف آهل زمانك ،وعرفت آن من عرف صفات العلامء والسري عىل سريمه
،غريب يتنفس تنفس الصعداء لكرثة ظهور الهوى وانتصار العداء
واندراس العمل وآههل .مفن اكنت الشهوات غاية مطلبه والهوى قائده
وادلنيا وهجته مفا آبعده عن العلامء ،وما آمسج هذا االمس عليه ،فكيف
يكون من ورثة النبياء من ابين صفاهتم اليت من مجلهتا املثابرة عىل
الطاعات ،والتخلق ابلرمحة عىل سائر اخمللوقات ،وخفض اجلناح لهل
االميان والشدة يف ادلين ،والتزنه عن املرتفني ،واللطف ابملساكني ،
وارشاد الضالني ،ونصيحة الاكفة واخلاصة ،وعدم الفضاضة والغلظة ،
وايثار الخرة عىل ادلنيا ،وطلب اللحوق ابلرفيق العىل اىل ماالحيرص
514
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
من ماكرم الخالق .فكيف يدع الوراثة ملن مل يتخلق من هذه بل عىل
الضدمهنا ،وتعبريه مبعية اخلش ية اذا املعية تس تغرق مجيع الحوال والقوى
الظاهرة والباطنة ،ولك حركة وسكون حىت يظهر ملن نظرمه آثرها عىل
ظاهر الشخص ،فاليرامه رآيئ اال وتغشاه اخلش ية وتعرتيه الهيبة
والسكينة ،وتغمر من حرضمه الرمحة وتعمهم النعمة .هذا شاهدمه يف
ظاهر احلس يف العني احلس ية واملظاهر اخللقية .فهذه دالالت العلامء
ابهلل العارفني والرابنيني ،اذلين تغنت آرجاء الوجود بوجودمه طراب ،
وجليت الهيم حور املعارف آترااب عراب ،فهذه بعض عبارة من صفات
العلامء ظهرت يف عاصف القدر فألقهتا عىل ذرة من ذرات الفؤاد ،
فأفصحت بتحميد ومتجيد اجلواد ،مبا وههبا من لطف الوداد ،وعاد مما
اكد آوياكد ،يضئي من غري ايقاد .فنسأل هللا حتقيق ذ ك وآن يفيض
علينا من االمداد فوق املراد ،انه كرمي جواد .ويل يف ذ ك شعرا :
خبش ية هللا ذاك العــــز والرشف العمل من حيث كون العمل مكرمة
يدري ذلا لك من من حبره اغرنف معية التفارق رصف مزمحـــــــــة
فرتتيب املؤلف ريض هللا عنه هذا يف فصل العمل ،فبني ماهو العمل آوال
اذلي يس تحق آن يسمى علام ،م صفة العمل النافع ووصفه مبقارنة اخلش ية ،
م آخذ يف بيان آحوال العلامء وانقسام العمل حبسب من اتصف اىل ماهو
ك وماهو عليك ،فقال بعد آن عرفك آن العمل تقارنه وتالزمه اخلش ية
فقال :
( العمل ان قارنته اخلش ية فكل ،واال فعليك )
515
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
العمل من حيث ماهو عمل عام ،ويطلق ويتخصص ويتقيد اىل محمود
ومذموم وانفع وضار ،وهو من حيث تعلقه ونسبته اىل اجلناب االلهي
رشيف وهو آمع صفات املعايل اكلالكم ،مفن حيث نسبته عمل احلق احلايز
هلم وقد عرفت مامه عليه من التفاوت وانقساهمم اىل من حيمد رشعا فذ ك
املنسوب الهيم واحملمود رشعا عالمة داةل ،ويه اخلش ية اليت يه آمشل
بصفات النفوس والقلوب والرواح ،فاخلش ية تعم وحتتوي عىل مراتب
القلوب وآحوال النفوس فهي آمع من اخلوف ،ويه اليت اتصف هبا صهيبا
حيث نعته صىل هللا عليه وسمل ونوه مبقامه فقال :نعم العبد صهيبا لو مل
خيف هللا مل يعصه " وذاك ملا عنده من عظم االجالل جلناب هللا ووفور
اخلش ية ،اذ لو مل خيف لجل اجلناب االلهي عن العصيان ،واخلش ية من
صفات علامء الخرة اذلين يدعون عظامء يف ملكوت السامء ،وقد سامها
داود صىل هللا عىل نبينا وعليه وسمل ابمس العمل ،فقال :ذ ك بأنك
جعلت العمل خشيتك .والعمل اذا قارنته اخلش ية اكن صاحبه من هللا قريبا
وهل حبيبا ،ومن اكن كذ ك اكن العمل هل لنه صار يف كنف واليته وحرز
عنايته فاكن هل ،ومن مل يتصف يف علمه ابخلش ية فيجرتي الحماةل عىل
حمارم هللا ،ويغش عبادهللا ،ويس هتني بأوامر هللا ،وهيني آولياء هللا ،
ويس تخف بس نة رسول هللا ،ويؤثر الهوى وادلنيا عىل حماب هللا ،
وميدح ويذل ويعجب ويفخر اىل ماالهناية هل من املعايص الظاهرة والباطنة
،فيكون مقيتا عند هللا يف دنياه وآخراه ،لن آفعاهل ختالف آقواهل ،وحاهل
خيالف العمل اذلي به يترشف واليه ينمت { كرب مقتا عند هللا آن تقولوا
516
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
آوكام قال ،ولعامل آشد عىل الش يطان من آلف عابد .فلك ما ورد من
الخبار وحيك من الاثر يف فضائل العمل امنا هو ماقارنته احلنيفية ،
وماروي من تفضيل العلامء امنا يراد هبم العلامء ابهلل وبأوامر هللا ،وآما
ماورد من اذلم فليس هو اال من اتصف به علامء السوء من الصفات
املذمومة والخالق امللومة ،فاذلم ليس عىل العلامء من حيث العمل بل من
حيث خمالفهتم اايه من الرغبة يف ادلنيا ،ومجع حطاهما واجلدل واملامراة
وحب اجلاه املذموم ،فالعمل هو اذلي نبه عىل قبح هذه الحوال ،فاليذم
العمل ذو عقل من حيث كونه علام اال مانص عىل ذمه :كعمل السحر
والنجوم والشعبذة ولك عمل يتوصل به اىل مهني ،فلوال العمل مل يعرف
قبح القبيح ومل يتبني احلسن .والعمل من حيث انقسامه اىل نظري وعقيل
ومسموع ومطبوع ،فاملطبوع يسمى عقال واملسموع يسمى نقال ،ومل ينتفع
بواحد دون الخر .وقد وصف هللا العلامء ابلزهد وايثار الخرة عىل ادلنيا
فقال تعاىل { وقال اذلين آوتوا العمل ويلمك ثواب هللا خري ملن آمن ومعل
صاحلا } [ الية 80القصص] فشعار العلامء ابهلل اخلش ية ،ولباسهم العمل
الصاحل ،والعمل وس يةل اىل العمل به ،فان اس تعمهل فامي آمر واجتنب
ماهنيى اكن هل ،وان مل يعمل به ومل يس تعمهل يف مقتىض ماهو املطلوب
ايامترا وانهتاء اكن عليه .ومن مقتىض العمل آن يكون العامل مسارعا اىل
اخلريات حريصا عىل اقتناص اخلريات ،يتحرا اذا جهم اجلهال ،ويزهد اذا
رغب البطال ،وينهتي اذا اقتحم الضالل ،يزنجر السفهاء بسامع ذكره ،
وينتفع الطالب بصائب آمره فعاال آكرث من آمره مقاال ،يصون عن ادلنيا
518
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ادلجال آخوف عليمك من ادلجال علامء السوء .لن ادلجال غايته االضالل
،ومثل هذا العامل ان رصف الناس عن ادلنيا بلسانه ومقاهل فهو داع هلم
الهيا بأعامهل وآحواهل ،ولسان احلال آفصح من لسان املقال ،وطباع الناس
اىل املساعدة يف العامل آميل مهنا اىل املتابعة يف القوال ،مفا آفسده هذا
املغرور بأعامهل آكرث مما آصلحه بأقواهل ،اذ ال يس تجرئ اجلاهل عىل الرغبة
يف ادلنيا اال ابس تجراء العامل ،فقد صار علمه سببا جلرآة عبادهللا عىل
معاصيه ،ونفسه اجلاهةل مع ذ ك متنيه وترجيه ،وتدعوه اىل آن مين هللا
بعلمه ،وختيل نفسه اخلبيثة آنه خري من كثري من عبادهللا ،فقد رصح
بذ ك االمام جحة االسالم آبوحامد الغزايل يف وصف اذلي اختذ علمه
ذريعة اىل نيل احلظوظ العاجةل ومل ينكشف هل دانءة هذا املقصد ،ومل
يزنهل انعاكس من هذا املشهد ،عافاان هللا واملسلمني من ذ ك ،ولطف
بنا من اجلهل واالغرتار .ويل يف ذ ك شعرا :
العـــــمل نور اذا قارن مصاحبة من خش ية هللا ذاك العامل النبل
شعاره اخلوف مع ذل ومسكنة وغري ذاك من التحقيق منــــعــزل
فهذا القدر من التنبيه عىل آرشف العمل املقارنة هل خش ية هللا ،وقبح لك
من طلب العمل عىل غري نية صاحلة اكف ،وقد آطال الالكم واملصنفني يف
الرتغيب يف العمل وفضيلته ،والتنفري والتحذير من االغرتار مبا فيه كفاية
س امي االمام جحة االسالم آيب حامد فانه قد آوحض فيه مااليبقى معه ريب
يف رشف العمل ،وخسة من اختذه وس يةل اىل نيل احلظوظ العاجةل ،
فلنكتف بذ ك عن االطاةل .فلام آهنيى الالكم عىل العمل وصفة العامل وماهو
520
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
العمل آخذ يف بيان معامةل العبد مع هللا ،فهل دليل جيده آولوا البصائر
املس تنرية ،ذل ك قال يف ذ ك :
( مىت آملك عدم اقبال الناس عليك آوتوهجهم ابذلم اليك ؛ فارجع اىل عمل
هللا فيك ،فان اكن اليقنعك علمه مفصيبتك بعدم قناعتك بعلمه آشد من
مصيبتك بوجود الذى مهنم )
مىت وجدت عدم اقبال الناس اليك ابالحرتام والتوقري واالعتقاد والتربك
وطلب ادلعاء منك ،ومعكل فامي بيهنم وعدم اكرتاهثم بك حرضت آم
غبت ،وترك اكرامك ومعرفتك ابلفضل فأملك ذ ك لغيبتك عن شهود
س يدك وخالقك ،ومن بيده منافعك ومضارك ،فاقبال اخللق وادابرمه
عند من اكن ذ ك سيئان ،فان كنت حمجواب عن وجود احلق فكن
ابالميان موافقا ،قال صىل هللا عليه وسمل يف وصيته البن عباس من مجةل
ما آوصاه به يف حديث طويل حمتوي عىل آصناف احلمك وجوامع اللكم :
واعمل آن المة لو اجمتعوا عىل آن ينفعوك بشئ مل يردك هللا به مل يقدروا ،
ولو اجمتعوا عىل آن يرضوك بشئ مل يقدروا ،رفعت القالم وجفت
الصحف .ومن دوى ذ ك المل آن ترجع اىل عمل هللا فيك ،فان كنت
عنده كرميا مفا ذا عىس رضك ادابرمه عنك ،وادابرمه فيه ك من املنافع
ادلينية ،والسالمة من الفات القادحة يف العامل ،واحلائةل بينك وبني
االقبال عىل الكبري املتعال ماالحيىص شكره .كذهمم فاهنم اذا توهجوا اليك
ابذلم آجلوك الحماةل اليه ،وآوقفوك عىل دقائق اكمنة مل تكن ك قبل علهيا
اطالع ،فان كنت من آويل العزامئ السالكني فذ ك آعون ك عىل ما
آنت بصدده من صفو الوقت ،وعدم االش تغال هبم والسع يف مايقمي
521
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
بواطهنم .وان كنت من الواصلني فال آحق منك ابلشكر ان خليت مبن
حيب وهو يعمل ماان ك يف ذاته ،فأنت بلك حال متفضل عليك ،وان
كنت الترىض بذ ك ومل تفهم ماهنا ك مفصيبتك آشد لنك مصاب برضب
احلجاب ،ومعرض لنيل العقاب ،مفا شانك اال آن تتأمل ذل ك حيث مل
حتظى من الكشف الرصحي مايشهدك انعدام اخللق يف شهود وجود احلق
،ومل تكن من آهل االميان املنتفعني ابلسمع من الصادق املصدوق حيث
آرشد اىل ذ ك ودل عىل ماهنا ك .
وآما آذى اخللق فهو خري بلك حال ومل يكن نقص ،آمل تر من ايذاء
النبياء وسادات العلامء ،فلواكن ذ ك نقص يف منصهبم ملا قال صىل هللا
عليه وسمل :حنن النبياء آشد بالء م المثل فالمثل .وفيه من تكثري
احلس نات وجلب اخلريات مااليدخل حتت حيسوب ،وهو شاهد عىل
وجود االميان كام قال س بحانه وتعاىل { بسم هللا الرمحن الرحمي آمل *
آحسب الناس آن يرتكوا آن يقولوا آمنا ومه اليفتنون } اىل آخر ماقال {
522
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وآعظم املنن الظاهرة الذى عىل آيدي اخللق وآبني ادلالةل عىل تقريب من
آولعوا اخللق به ،وتوهجوا اليه ابلذى ماقاهل املؤلف ريض هللا عنه حيث
قال مبينا للحمكة يف ذ ك :
( امنا آجرى الذى عىل آيدهيم كيال تكون ساكنا الهيم ،آراد آن يزجعك عن
لك شئ حىت اليشغكل عنه شئ )
امنا اخللق مظاهر لاثر القدار وجمرى جتري فهيم جتليات الرسار ،فلك
من جرت هل يف املظاهر اخللقية واملشاهد الغريية مايزجعه عن السكون
والوقوف دلهيا فذ ك خمطوب العناية وموهوب الرعاية بأن توىل هللا تربيته
من آجسف الغيب ،فأرجعه مهنا لتحقق الفرار ،واليكون هل مع غريه قرار
،ليوقفه عىل حد االضطرار وصدق االفتقار ،ففروا اىل هللا كام آرى
اللكمي عداوة العىص فاكنت حية تسعى حىت هرب اليه مفا اكن معمتدا عليه
فف ذ ك عربة لويل البصار ،والتعبري ابلناس آنه لك مأنوس من مال
آوجاه آوغري ذ ك من لك مايس تأنس به وهللا آعمل .وآذامه امنا يدرك
ظاهرك آمله واالقبال مهنم والسكون الهيم يلحقك بعامل الظلمة ،ومييت
قلبك اذلي به توهجك اىل حرضة س يدك ،وبعمى روحك اذلي يدرك به
ذلة شهود احلبيب ويبعده عن التقريب .فاذا جرى الذى عليك عىل
آيدهيم امنا ذاك من عظمي عنايته ولطيف رعايته لكيال تساكهنم فتوقف
دون مطلبك وحترم بسببه نيل بغيتك ،فأجرا علهيا ماحيرسك به اليه
فينتكر عليك كام كنت تطمنئ اليه من سائر اخللق من الس باب
والعشائر ،حىت تعاديك آعضاءك فتسلط عليك ابلذى والرض بل
وآحبابك اذلين كنت تس تأنس هبم وسائر علومك وجاهك وما ك ومقامك
523
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فال جتد آنسا يسوى ،والتأوي اىل مأوى .وقد اس تعاذ بعض الفضالء
من الحوال واملقامات ،ونسأل هللا العفو عن حاج اخللق عليه كيال
يكون لغريه ساكنا آوبسواه مس تأنسا ،ويل يف ذ ك شعرا :
آجرى عليك الذى ممن تساكهنم كيال تكون مع الغيار مأسور
وذاك من لطفه فامي يعاملــــــــــهم كام روي عن عباد هللا مأثــور
والركون اىل اخللق والسكون اىل الس باب بعد وجحاب ،والش يطان منشأ
لسائر الس باب املقصية للعبد عن ابب هللا ،ذل ك قال املؤلف ريض
هللا عنه :
( اذا علمت آن الش يطان اليغفل عنك ،فالتغفل آنت معن انصيتك بيده
)
اذا علمت آن الش يطان املبعد ملن تواله عن مواله وآنت مل تدركه ابحلاسة
الظاهرة لنه جار من ابن آدم جمرى ادلم ،وهل آعوان منك عليك ويه :
نفسك اليت بني جنبيك ،وقد علمت آن هللا آمرك ابحلذر منه
واالس تعاذة منه لشدة خمادعته وكرثة تغريره وتزويره ،وآنت سادج عن
آكرث طرقه ،وقد آقمي داعيا اىل التفرقة والبعد ،وهو اليفرت يف اظهار
طريقته وادلعاء اىل داره لنه ابلصاةل مهنا ،وليس هنا آنفع من اذلكر
والآحرز من العمل وال آمنع من العقل .واليدرك الش يطان من العبد
حاجته اال يف حال غفلته ،فاذا داوم اللجاء اىل هللا والتاذ جبنابه واكن
ذواميان وتولك واحسان ،وحقق العبودية لس يده ،اكن منه ومن لك
قاطع يف آمان ،ومل يكن لعدوه عليه سلطان { ان عبادي ليس ك علهيم
524
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وسبب ،كام يصان عنه ذ ك اجلناب اكلنس يان واالضالل واالغوى وغري
ذ ك من القاذورات الظلامنية والرذائل الشهوانية .وللتحصن آمور نصهبا
حتقيقا لعباده من رشه ،فأعظمها ذكر هللا منه ومن غريه كام ورد :الاهل اال
هللا حصين ومن دخل حصين آمن من عذايب .وآس باب العذاب آعامهل
املبعدة عن حرضة هللا .
ويروى آن اذلاكرين اذا رفعوا آصواهتم انعزل الش يطان عهنم يبيك ويقول :
ايوياله قد حتصنوا مين .ويروى آيضا آن الش يطان اذا مسع الذان آدبر
وهل رضاط وذ ك لئال يسمع اذلكر من االنسان ،فيشهد هل يوم القيامة ،
لنه اليسمع صوت اذلاكر شئ ويشهد هل حىت آعداؤه ،وهو آعداء العداء
وهو عامل بذ ك ،فمل يلبث عند سامع اذلكر لئال يتحمل الشهادة وهو
منطوي عىل احلسد والعداوة لالنسان ،فعليك ابذلكر لئال يتسلط عليك
فميكل قلبك فيلق اليه الشك فامي وعد هللا ويأمره ابلفحشاء ليجري به يف
معايص هللا م ينظر به الشك يف املوعود اىل الشك املوعد ،وينظر به
من املعايص والفحشاء املوقوع يف ورطات اجلحود ،آعاذان هللا من ذ ك
وحفظنا وآحبابنا واملسلمني { الش يطان يعدمك الفقرويأمرمك ابلفحشاء وهللا
يعدمك مغفرة منه وفضال وهللا واسع علمي } [ الية 268البقرة ] فأشار بسعة
العمل اىل آنه مل خيرج عنه شئ من المرين ،ويل يف ذ ك شعرا :
اذا علمت آن داع الرش مل يـــمن واليزال لقلب العبد ملــــــــــزتم
التغفلن عن اهل اخلـــــــلق آمجعهم اخلالق البارئ املوصوف ابلصمد
يكفيك مهك ومه احلاسب اخلصــم ويس تدر منوح الفتح ابملـــــــدد
526
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فاذا آردت آن تعرف احلمكة يف تسليط هذا العدو الطريد عىل العبد فاعمل
آنه مل يسلطه اال ليوصكل اليه كام قال املؤلف ريض هللا عنه :
( امنا جعهل عدوا ك ليوحشك به اليه ،وحرك عليك النفس ليدوم اقبا ك
عليه )
احلمكة يف جعهل عدوا ك وحتريك النفس اىل امليل اىل الطبع اجلبيل ،
وحرك الش يطان بشدة العدو وحتريضه عىل االنسان بش ياطني االنس
واجلان ،مفهنم الرجال والفرسان ،واستئصال املال والودلان ،لتعمل آن
ال ك عىل حماربته قوة ،والملناضلته عدة اال االلتجاء اىل س يدك ليكفيك
رشه ،فهو القوي القادر الويل القاهرة ،اذلي يقهر عن عباده لك عدو
ابطن وظاهر ،فاكن هبذا االعتبار نعمة من حيث آنك وصلت بسببه اىل
رصف عبودية هللا اليت قطب دائرهتا االلتجاء واذلةل واالفتقار ،وعدم
احلول والقوة يف دفع مانزل ،ووصول لك مراد اال ابهلل ،وقد آجلأك به
اىل ذ ك احلال حيث نظرت شدة عداوته وحرصه عىل اهالكك وكرثة
جنوده ،والطاقة ك عىل مقاومته اال ابهلل فاس تعذت به الئذا .
وكذ ك النفس حركها وحتراكهتا بظفر سائر العداء من الش يطان وادلنيا
والهوى ،فرييد االلتجاء واحلذر ،وتش تد االس تعانة واالس تغاثة
واالستبصار ابملوىل القوي القادر عىل لك من عاداه ،فاكن يف ذ ك اقبال
بلكية العبد ابطنا وظاهرا ،فيكون آيضا نعمة عظمية ومنة جس مية يف حق
من رزق فهام ذل ك ،لنه لكام قوي العدو زادت الرضاعة اىل هللا يف دفعه
والسالمة منه وذ ك مخ العبادة ،والنفس آشد من الش يطان لن
الش يطان اليصل اال بواسطهتا .
527
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
رآى بعض املاكشفني الش يطان فقال هل :كيف تصل اىل االنسان ؟ فقال
:ايهذا مادامت الشوكة قامئة والكفتان معتدلتان السبيل يل عليه حىت
متيل النفس اىل كفة الهوى فأتسلط عليه ابالغوى .ويل يف ذ ك شعرا :
ماجعل هللا للش يطان ذي احلسد اال ليلجيك اىل ذي الفضل واملدد
وحرك النفس يك تقبل اليـــه وال ترى لضعفك دون هللا مـن عــــدد
م ملا آهنيى الالكم عىل العدو البعيد آخذ يبني ك العدو القريب ،
فعداوهتا لالنسان عتيدة ،وفهم دقائقها بعيدة ،ويه يف آصالهتا تطلب
العلواملباين ملقام العبودية ،فأمر العبد بردها ووضعها دون مس تحقها لتقوم
عىل مس تحقها فريدها لها واضعا ومس متواضعا ،ذل ك قال املؤلف ريض
هللا عنه :
( من آثبت لنفسه تواضعا فهو املتكرب حقا ،اذ ليس التواضع اال عن رفعة
،مفىت آثبت لنفسك تواضعا فأنت املتكرب حقا )
من آثبت آحمك يف ذهنه وحقق يف خميلته لنفسه اليت نأت به عن حرضة
ربه ،وآوقعته يف بلقع قاع قطيعته ،وآثبت آن تواضع آي ردها عن علوها
اىل حمل ضعهتا وذل عبوديهتا ،فهو املتكرب حقا ،لن استشعاره الرفعة لها
عني الكرب وان ظهر مهنا ضد ذ ك ،فالشان آن يكون التواضع لها وصفا
بأنه مل يردها اىل اال اىل ماهو حملها فيكون متضعا المتواضعا فيكون عند
نفسه وضيع الصل لنه اليشهد عدهما ،وحيمل قدهما ،فبشهودها لصلها
يعرف الحماةل قدرها وحملها ،فاليكون ردا لها اال عن غري مس تحقها ،واكفا
لها عند اعتداهئا اىل ماليس لها ،قال هللا تعاىل { آوال يذكر االنسان آان
528
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
خلقناه من قبل ومل يك شيئا } [ الية 67االرساء] اشارة اىل معرفة الصل ،
فاذا اكن الصل العدم والفصل العجز فكيف اليكون وضيعا يف نفسه ،
ويل يف ذ ك شعرا :
من آثبت آن التواضع منه مفتعل فذاك كرب كذا يشهده من خربا
ولكن الشان آنك غري منتــــــقل من العدم هكذا يعرفه من نظرا
فان قلت كيف الشان يف التواضع والعبد مأمور به ؟ فنقول :آن تعمل كام
قال املصنف ريض هللا عنه حيث قال :
( ليس املتواضع اذلي اذا تواضع رآى نفسه فوق ماصنع ـ ولكن املتواضع
اذلي اذا تواضع رآى نفسه دون ماصنع )
هذا مزيان يقاس عىل ادلوام يعرف به املتواضع ويظهربه آحوال املتواضعني
من املتكربين ،فاملتواضع حقيقة هو اذلي لكام نزل مزنال من منازل الضعة
رآى نفسه دون ذ ك ،واليزال كذ ك حىت اليرى آنه فوق شئ من خلق
هللا ،واليثبت لنفسه حاال والمقاما ،حىت لو اجهتد لك حاسد وعدو يف
تنقيصه مل يقدروا عىل آن يزنلوه من اذلةل مزنةل ،فاليغضب اذا آوذي ،
واليضجر اذا استسخر به بل يرى ذ ك اكلعالمة ،واليكره اذا ريم
بكبائر الفواحش آوعظامئ اخلزااي ،ويرى آنه يف الطاعات جار فهيا حبمك
الفضل ،اليرى نفسه آهال للفضيةل والحمال حلصول وس يةل ،بل يرى
رصف منة هللا يه اليت انلته ،ورمحته وصلته ،فنودي بذ ك النظر
الحماةل حق الشكر هلل ،ويؤمن عليه من غائالت ادلعوى وخدائع االدالل
،والعجب ومعاطب الكرب ورصعات الفخر .
529
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
العامل احلس ية .ومن التواضع ماهو حقيقة وهو ماذكره املؤلف رمحه هللا
هاهنا وهو الناش ئي عن ملعان جتيل عظمة هللا اليت خضع لها لك طائل ،
وتصاغر دلهيا لك كبري ،وقل لها لك خطري ،وتدكدكت لها مص اجلبال ،
وذابت نفوس البطال ،وهتيلت مهنا الصخور فصارت هميل .واذا جتىل
نور العظمة عىل النفوس ذابت والنت وسكنت ،ومامل يتجىل عليه نور
العظمة واليفارقها الكرب واالرتئاس ومشاركة الربوبية ،ودعوى كامل
اللوهية ،فتواضعها بدون شهود العظمة تكرب عند حتقيق النظر وحتديد
البرص ،والتواضع احلقيق هو مااكن انش ئا عن جتيل سلطان الرهبوت
وانبساط آنوار اجلربوت ،وظهور حقائق الالهوت ،فعند ذ ك يندك
اتبوت الناسوت ،وحتيا املعامل القلبية ،ومتوت الشهوات ،وختمد نريان
النفوس ابنسجام حسائب التقديس ،وتذهب صورالتلبيس ،وتضمحل
وساوس ابليس ،وتظهر آعالم الوالية وتنرش عىل جيد الرواح آعالم
الفالح وآايت الصالح ،ويل يف ذ ك شعرا :
ان التواضع حقـــــــــا لك مانتجت آعالمه عن جتيل عظـــمة هللا
الميحون صفات النفس ان ظفرت اال ظهور جتيل وصفه الضايه
فالكرب وصف يف النفس الميحوه عهنا اال الوصف العيل والتجيل الزيل ،
كام آن الظلمة صفة يف الليل التفارقه اال ابرشاق نور الهنار وطلوع
الكواكب والمقار ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( الخيرجك عن الوصف اال شهود الوصف )
الخيرجك عن ايصاهل عدمك وشائعتك ،وتنويه آنيتك ،وجحبته حسك
ووصف غرييتك وحمك آثريتك اال شهود وصفه الاكمل الواجب الوجود ،
531
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ونعته ابلرشوط ال اباللتحاد كام يتومهه آهل االحلاد ،اال آنه لكام اكن آشد
تعلقا وختلقا بصفات هللا اكن هبا آكرث تولعا وتعلقا ،ولكام اكن كذ ك اكن
عن صفاته آذهل وآغفل ،فال يزال كذ ك حىت ينىس صفاته ويبقى
مس تغرقا يف صفات مشهوده ،وعن ذاته متالش يا عند خطفات ملعان
ذاته ،والياكد هل شعور بوجوده الس تغراقه واحرتاقه حتت جتليات آنوار
موجوده حىت يكون هبا ينطق لغيبته عن نطقه ،وهبا يبرص لغيبته عن
برصه كذ ك بقية صفاته ،والوصف اذلي يطلب اخلروج منه وصف العبد
والوصف املذكور اثنيا اذلي يطلب التعلق به هو وصف الرب س بحانه
ويل يف ذ ك شعرا :
الخيرجك عن وجود الوصف ابلعدم اال جتيل شهود الوصف ابلقدم
ان الوجود اذاماكنت من عــــدم يقوم ك شاهد واللك اكخلـدم
فأول ماتظهر عالمات االميان عىل العبد ابنكامشه يف عبادة الرمحن ويظهر
شكر اجلنان ابلثناء منه ابللسان عىل ذي الطول واالحسان ،والعطاء
واالمتنان ،قال املؤلف ريض هللا عنه :
( املؤمن يشغهل الثناء عىل هللا تعاىل عن آن يكون لنفسه شاكرا ،ويشغهل
حقوق هللا عن آن يكون حلظوظه ذاكرا )
املؤمن اذلي يعرف آنه مس تعمال هلل حبمك العبودية ،وجمبورا حتت حمك
الربوبية ،واليشهد آن هل فامي يفعهل من الفعال امجليةل حقا بل يرى حمض
تفضيل من هللا فاليطلب جزاء بل حيمهل صدور الطاعات عىل يديه عىل
افراغ الوسع يف شكر من من هبا عليه وآههل لها ،فاذاشكرها آي النفس
532
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
يف شئ ،آورآى آنه لها فيه فذ ك الحماةل قادح يف صدق العبودية ،
ودليل عىل وجود احلجبية .
ومن لوازم االميان وشواهد االيقان يف سويداء اجلنان آن ينىس العبد حظه
يف آداء حق ربه اكئنا ذاك احلظ مااكن ،سواء دنيواي آوآخرواي يعيده ،
لنه آهال للعبادة الهراب من شقاوة آوطلب سعادة .ويف ذ ك تقول رابعة
العدوية ريض هللا عهنا :آحبك حبني ؛ حب الهوى وحب لنك آحب
ذلااك .ويل يف ذ ك شعرا :
ان الثناء عىل املنان يشغل مـــن اميانه اكمل يف هللا والقـــــــــــــدر
عن ان يرى نفسه يف فعل مكرمة وضد ذاك هو املطلوب للغـــــــري
وحق س يده آقىص مأربــــــــــــه يغيب عن حظه بل يطلب النظر
م بني شاهد االميان اذلي قال فيه صىل هللا عليه وسمل " اليؤمن آحدمك
حىت يكون هللا ورسوهل آحب اليه مماسواهام " فقال اذا كنت مؤمنا عىل
ماذكران فأنت حمب ،وللمحب عالمات ،فقال يف بعض دالالت احملبني :
( ليس احملب اذلي يرجو من حمبوبه عوضا ،آويطلب منه غرضا ،فان
احملب من يبذل ك ،ليس احملسن من تبذل هل )
ليس احملب الطالب مرضاة حمبوبه والظفر بغاية مطلوبه يس تقل بذل الوسع
يف لك آمر يقربه اليه ،بل يرى بذهل لكية وسعة غاية القصور ،ورضاه
عنه منهتيى احلبور فضال عن آن يكون راجيا يف مقابةل مايبذهل نيل حظ
آوطلب جزاء اذا آقبل منه لكيته .واحملب يشريون به اىل السا ك الطالب
فهو يتعشق ويطلب احلبيب بطريق الس باب ويقرع الباب ،ويدمي
الترضع واالنتحاب .وهل عالمات تدل عىل صدقه يف حمبته ،مفن مجةل
533
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فيحبونه آيضا طبعا ،فاذا تقرر ك ذ ك فاحملبة هلل من خلقه هبذا االعتبار
المتايل لنك ان اعتربت حسن الصفات انهتت اليه س بحانه سائر
الكامالت يف سائر الصفات .ولك حسن مفس تعار حس نه مهنا بطريق
الفعل الابذلات ،وان اعتربت املالحة فال مناس بة بني الصور ومصورها
،واملبدعات ومبدعها ،كيف وقد علمت آنه اذا كشف لهل اجلنة يف
اجلنة يندرج يف آول نظرة النعمي مجيع اجلنان ،ويتالىش يف جنهبا سائر
اذلات ،فهو حمبوب بلك معىن ،وآقل ماجيب من اليطمع نظره اىل هذه
املالمح غذاه وقوام جسمه ومالذه ادلنياوية ،وابلرضورة يعمل يقينا آهنا
التصدر عن سواه ،واليأيت اال من فضهل ومعمي بذهل ،فال آقل آن حيبه
ملايغذاه .قال صىل هللا عليه وسمل آحبوا هللا ملايغذومك ،وآحبوين من آجهل
.وللمحبني آعامل ولطائف آحوال ،مفن العامل آن اليراه حيث هناه ،
واليفقده حيث آمره ،يراع احلقوق يف لطائف النفاس ومس متر الوقات
.ومن مجةل لطائف الحوال التعلق بذكره والتولع حببه واس مترا علقم البالء
يف جنبه ،فاليعباء مبا يناهل فيه وان بلغ غاايت التعب ،واليطلب آيضا
يف مقابةل صربه عىل ذ ك احامتهل مايتوقع غريه من الثواب ،بل هو وقف
عىل حمبته كيف مااكنت احلال .ويل يف ذ ك شعرا :
ان احملب وان طالت بليـــــــــتــه الجيزعن عن البـــــــــــلوى واليسأم
ان اكن حال عن احلب ارتىض سبب فمل يمل بقلب الصب مـــــــــــــرتسم
لو كنت قد ذقت ماعنفت مرتقيا آن يرعوي عنـــك ما نسعت ايفــــدم
فللمحبني ذنوب بني اخللق مل تكن لغريمه وآعظمها التفات اىل غري حمبوهبم
آوقصد غري مقصودمه ،فريمح هللا الش يخ معر بن الفارض حيث قال :
535
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ويل عندها ذنب برؤية غريها .وهلم معامالت دون غريمه وهو آهنم
يتحرون لكام يزيد يف صفاهئم وان قل عند غريمه ،واحتساب مايكدر
علهيم شهودمه وان اكن خطريا عند سوامه ،يتفقدون مراتع قلوهبم بصدق
املعامةل ولطف املنازةل كام اكن آحصاب رسول هللا صىل هللا عليه وسمل
يرون ذ ك يف مزيد امياهنم وشهود احساهنم عند لك آية كام قال س بحانه
يف شأهنم { واذاما آنزلت سورة مفهنم من يقول آيمك زادته هذه امياان فأما
اذلين آمنوا فزادهتم امياان ومه يس تبرشون } [ الية 124التوبة ] وهذه
الزايدة الهناية لها ويه عند لك انسان حبسب ماعنده ،مفهنم الكثري ومهنم
الكرث .ومن دالئل احملبة النس ابحملبوب واالستئحاش مما سواه اذ مل حيبه
اال من عرفه ،ومن عرفه مل يس تأنس اىل غريه ومل يرى يف الكوان وجود
الغرية ،ويل يف ذ ك شعرا :
ان احملب بأنس هللا معــــــــــــمور يف روضة من رايض القلب حمبور
فكيف يأنس آنس دون ســـــــيده آم كيف يسكن اىل اجلنات واحلور
لو مل يكن م مهنم غري مكـــــــــرمة ومن لطيف الرضا يف مرشق النــور
وكشف جحب عن البصار قاطبة ماطاب عيش والوصف القواريـــر
فاذا علمت آن احملب هو السا ك فالبد للسلوك من تعريف ماهو وماحده
،وهذه حمكة من هللا جارية ،وس نة يف عباده آن جعلهم سا ك وجمذوب
وحمب وحمبوب ،وآن السا ك آوال ايخذ يف طريق التقرب واحملب يف
طريق التحبب ،ومل تكن هناك طريق حس ية لوجوب التزنيه عن التجرب
536
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
والمتزي واجلهة ،جفعل هللا النفس ميدان السلوك ،ذل ك قال املؤلف
ريض هللا عنه :
( لوال ميادين النفوس ماحتقق سري السائرين ؛ اذ المسافة بينك وبينه حىت
تطوهيا رحلتك ،والقطعة بينك وبينه حىت متحوها وصلتك )
لوال ماس بق يف علمه وظهر يف تبليغ حمكه من آنه يظهر رس عبوديته
ليعرف كامل ربوبيته ،ويغاير بني مظاهر آلوهيته ليتحقق احتاد هويته ،
جفعل النفوس مظهر رس العبودية ،وجعل فهياميادين اجلهاد ،لنه آودع
فهيا من آرسار امجلال وبدائعه ويه يف مركز العدم والظلمة ،مفا ييل مهنا
جانب امجلال والوجود هو مركز القرب والشهود ،وماييل مهنا جانب
العدم والظلمة هو مظهر البعد واجلحود ،ذل ك اكنت حمل اجلهاد ومعدن
الرضب والطراد ،ونسل من معودها حداد االجهتاد ،وهذا هومراد
الصوفية ريض هللا عهنم فامي يعربون ويشريون اليه من الطريق ،ومواضع
هذه الطريق كثرية حبسب ما آودع يف النفس من لطائف الوجود وبدائع
الشهود ،كذ ك الينهتي ترقهيا عند خروهجا عن عامل الظلامت وجحبهتا ،
ويسمونه الطائفة اذلهاب فيه والسري آيضا فيه بعد انهتاء السري اليه اذلي
هو التخلص عن جحهبا الظلامنية وكثائفها الظلامنية ،فبعد الفراغ عن
املنازعات بني عامل النور والظلمة ،والتخلص عن شدة اللزام وقوة
اخلصام يكون االنضامم ،ويعود بدرها اىل الامتم فتكون لسائر العوامل امام
يف لك مقام ،كيف منهتيى حمتدها اخلتام اذلي خيمت به عىل لك عامل ومقام
.م ايخذ يف السري فيه به عند الامتم فالغاية هل اىل مقام ،واليعرب عام
537
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وراء ذ ك بالكم ،يف عامل ادلميومية وتريق اخلتام ،عليه آفضل الصالة
والسالم .
وآول مسافات السالكني اىل هللا التوبة ،وآول مفاتيح الحوال االخالص
،وآول مفاتيح املقامات احملبة ،وبني هذه مسافات عديدة وآحوال
ومقامات اىل ماال يتناىه ،فلك انزل مزنل من منازل الطريق آومتحل
حبال من آحوال آهل التحقيق ،آوقامئ يف مقامات آهل آعىل رفيق ،
يكون مريدا ملا مل ينل مرادا لغريه مفاانل ،ولكام اكن آعىل اكن آشد تعطشا
وآوىق طلبا وآكرث افتقارا وهكذا آبدا .والقطعة اليت متحوها الوصةل
احلس ية حماةل عليه س بحانه كام اكن حماةل عليه املسافة اليت تقطعها الرحةل ،
اذ القطعة يه البعد ويه آقرب اليك من حبل الوريد ،واملسافة اليت
يقطعها الرحةل اليتصور وهو احلائل بني املرء وقلبه ،وآقرب اليه من نفسه
ومن لك شئ { وحنن آقرب اليه منمك } اذا علمت اس تحاةل هذه
االطالقات عليه يف ظاهر احلس واملعىن علمت آن مراد املصنف كغريه
من مشاخي الطريق ،ان املسافة مسافة النفس ويه ترجع اىل معامالت
ومنازالت يعرب عهنا بعبارات ،فاكنت تكل العبارات مفصحة عن لطيف
هذه العامل ،وحتقيق هذه االشارات ،وتعدادها حيتاج اىل افراد كتاب
كام آفرده االمام الغزايل وحقق فيه احملاس يب وغريمه :كيب عبدالرمحن
السلم فأفرد لهذه امليادين آعداد كتب ويه حقيقة بذ ك ،وهجاد النفس
عندمه هو ما انهتيى عن مقتىض طبعها اجلبيل ،وفنا عاملها احليواين ،
وذهاب داعهيا الش يطاين .وذل ك معامالت هبا يتوصل اىل ذ ك مع
توفيق هللا وتأييده ،مفن آعظمها وآقدهما آن تعرفها من غريك ،ممن حقق
538
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
اللينال رفيع مقال وس ين حال ،فلك من سكل لينال مل ينال ،ومن سكل
امتثاال لمر ذي اجلالل حفري آن يكرع مناهل الوصال ،ويكون معظم
تفقده خلفاايعيوب النفس ودواعهيا لئال يس تحيل حال من آحوالها فيكون
موقوفا معها .فقد قالوا :فرتة املريد خري من وقفته ،فالفرتة الرجوع لكن
يصحهبا االعرتاف فريىج لصاحهبا الرجوع اىل مواطن االرادة بأن يتوب عام
اجرتمه .وصاحب الوقفة يقف عند حال من آحواهل فيس تحليه فيظنه آنه
قد حصل عىل غاية املطلوب فكيف يتوب .
ولرياع املريد رشه النفس يف ابتداء االرادة فاهنا رمبا تلكفه من العامل
فوق مايطيق ،وحتب ذ ك من غامض اخلديعة آن تبغض اليه العمل
فيطول هل المل ويثقل العمل ،فقد يعمل مع التحشم والجيده من حالوة
العبادة وذلهتا ماجيد من دخل يف العامل عىل االهمال والتثبت يف الحوال
.وقد يدخل املريد يف بعض الرايضات عىل حسب ماوجده يف كتاب من
غري مراعاة للقوانني الرشعية ؛ فيرض ببعض قواه فيتعطل عليه مركبه
ويتعرس عليه مطلبه .وقد يوجد يف التحيل عىل غري رشطه وال اقتفاء فيه
واحضة الطريق جلههل هبا وبأداهبا ،فتظهر آحوال من نتيجة اخللوة غري
موافقة ملا عليه آهل الس نة فيظن آنه قد حصل عىل املراد ،فزيداد من
البعاد والعناد ،وذ ك لكه حيث مل يسكل عىل اشارات الواصلني والعلامء
احملققني آهل عني اليقني ،العاملني بأس باب احلقائق وقوانني السلوك .
ومن آفات السا ك آن يبتىل ابلقبول عند اخللق واالقبال مهنم قبل آوان
االذن يف املقام للرتبية ،املؤيد بكامل االس تغراق يف الشهود والتحقق مبقام
االنفراد عن مظاهر التعديد ،والبون مع اخللق ابلرس مع كونه عبدا من
542
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
العبيد ،يقرب البعيد ويفهم البليد وللطالب يفيد وللفساد يبيد ،يرمح
الصغري ويوقر الكبري ويشكر القليل والكثري ،روحه يف معسكر املالء
العىل خطري ،ورسه يف اجلربوت نظري وجسمه يف فرش الرض مسري ،
يلقى من هللا ابلتحيات ،وتغمره آرسار الباقيات الصاحلات ،وينوب عنه
عند رب الربايت يف سائر الصفات ،ومن مل يكن كذ ك ومل حيظ
مباهنا ك فاقبال اخللق عليه فتنة .كيف ال والنفس جمبوةل عىل حمبة العلو
ملا فهيا من انفجاريته النارية ،فينبغ للصادق ان مل جيد من ايخذ بيده آن
يلجاء اىل هللا فامي يرس ويعلن يف آن يوفقه ملا هو احملبوب عنده .
وآداب املريدين يف ارادهتم كثرية مفهنا :مايطلب مهنم االتيان به ،ومهنا
مايطلب مهنم االجتناب .ومن آفات السا ك آن يفهم االشارات للمحققني
وينطق بعلوهمم قبل آن يس تمكل رشائط حتققه ويذوق مايعلمه ،فيظن آن
ذ ك آي اذلي فهمه من االشارة هو املقصود دون التحقق به فيقف عند
ذ ك واليطلب االرتقاء اىل مرتبة اذلوق ،ويل يف ذ ك شعرا :
لوال ميادين ساحات النفوس ملا حتققت يف طريق احلق آس ناها
فالسائرين اىل عني اليقني لهـــــم من رهبم يف منال القرب آعالها
فالمسافة يف بعد يكــــــون وال قطع فميحوا بسري احلسن مثناها
لكن اشارات آقوام هلم مهـــــــم يف مهنج احلق واملقصود علياهــا
فاذا علمت آن هللا س بحانه حبمكته البالغة مجع يف االنسان النور من حيث
لطائفه الروحانية اكلقلب والروح والرس ،والظلمة من حيث النفس
والهوى والشهوة ،وجعل فيه متسعا للضداد املتنافية ،فذ ك دليل عىل
543
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
آن آصل الوجود ومظهر الكامل املعبود ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه
مشريا اىل هذا املعىن :
( جعكل يف العامل املتوسط بني ملكه وملكوته ،ليعلمك جالةل قدرك بني
خملوقاته ،وآنك جوهرة تنطوى عليك آصداف مكوانته )
جعكل آي صورك وقدرك ،فاجلعل مبعىن التصوير والتقدير آهيا االنسان
الظاهر يف كنائس اجلامثن املوسومة بسمة احلداثن ،يف العامل املتوسط
برزخا حميطا ليظهر جتيل السامء ،ويتعني آعيان امللوان ،وجعل ك
وهجان :وجه يف امللكوت والشهود ،ووجه يف املكل والوجود ،وذ ك
ليظهر رس ماس بق يف علمه آنه خيلق خلقا ويظهر فهيم فضال وعدال ،
فانظر ماذا احتوى عليه هذا االنسان من عظمي الشان تعمل آنه اللكمة
اجلامعة والليةل املباركة اذلي يتزنل علهيا اكامل المر عىل صغر جرمه يف
العيان ،ووسعه واحاطته بسائر الكوان ،فريمح هللا االمام حيث قال :
آحتسب آنك جرم صغري وفيك انطوى العامل الكرب
وهنا يفهم رس قوهل س بحانه { هللا اذلي خلق س بع مسوات ومن الرض
مثلهن يتزنل المر بيهنن لتعلموا آن هللا عىل لك شئ قدير وآن هللا قد
آحاط بلك شئ علام } [ الية 12الطالق ] ويرمح هللا القائل حيث قال يف
ذ ك :
فشخصك لوح به آسطر اذا كنت تعمل عمل احلروف
للك الوجـــــود ملن يبرص ومتثال ذاتك آمنوذجــــــــــا
حروف معانيك التقـــــرتي ذلى اجلهل الك والتظــهر
544
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
546
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
واليرفع حملا ظاهر خلقيهتا بظهور آلوهيته بقوهل { ماخلق هللا } وطمس
ابطهنا بسلطان حقيقته بقوهل { ذ ك اال ابحلق} وتوجه آيضا العامل
السفيل اىل االنسان ابلصعود اليه والقنوت بني يديه ،فاملعادن اليه
صاعدة ،والنبات حنوه مائدة ،واحليوان يف تسخريه ساعية ،وهو مل
يطلب منه التوجه اىل غري س يده ،فأمر ابلعبودية بظاهره هل ،
وابالس تعانة بباطن حقيقته .
ورشف هذا االنسان من حيث نسبته اىل الروح المرية قال يف بعض
الكم ساداتنا العلوية الش يخ الفاضل احلرب الاكمل ،ذي الفرع الطائل
والس يد الواصل :عيل بن آيب بكر نفع هللا به فيه آي الروح :هو رابع
مراتبه ؛ الروح المري والرس الغييب واجلوهر القديس اذلي هو حقيقة
االنسانية ،وحمصول زبدة اخللقة البرشية ،ادلرة النفيسة املكونية ،
التش به الصورة الهيلكية ،والحتايك اخللقة احلس ية ،بل هو روح آمري
وجوهر نوري وآمر رابين ورس ملكويت ،وروح غييب ،مدرك بذاته
اليفىن خبراب القالب وفنائه ،والميوت مبوت البدن ،واليذهب خبراب
بنائه ،واليتوقف عليه ادرااكته وتأملاته والتذاذاته بعد موت البدن عىل
كامل حاهل املعنوي ،آونقص صفاته يف مقتضيات القوة العلمية ،وموجبات
القوى العملية اليت تتفرع من كامالهتا ونقصاهنا آس باب السعادت
والشقاوات .
وعىل امجلةلة اعمل آن الروح االنساين من المور الرابنية واجلواهر
الروحانية اليت الميكن االحاطة حبقائقها ،والتحقيق مبعرفة كنه ذواهتا اال
547
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
548
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
بدوهنا ،فالقلوب التطمنئ والتأنس بدون ذكر س يدها ،قال هللا جل
ذكره { آال بذكر هللا تطمنئ القلوب } [ الية 28الرعد ] والطمأنينة يه
السكون اىل املس تذل طبعا فالسكون للرواح اىل شئ من الكوان دون
مكوهنا ،فهي آبدا عاكفة عىل ذكره وشاخصة اىل س ين جامهل ومتطلعة اىل
كامل وصاهل ،وليس املراد يف عبارة املؤلف ابلوسع من حيث الظرفية فهذا
مما يس تغين عنه العارف فاليعرج عليه ،ويل يف ذ ك شعرا :
وسعك الكون من حيث املتاع به لعامل اخللق فافهم لطف حمكته
فالروح ليس لها وسع مفطلــــــهبا وغاية آمالها حتظى برؤيـــــــــته
مفن بق يف وسعه اخللق ومل خيرج عن طبعه اجلبيل فهو مسجون مقيد
بقيود ومقرن يف صفود ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( الاكئن يف الكون ومل يفتح هل ميادين الغيوب ،مسجون مبحيطاته
وحمصور يف هيلك ذاته )
الاكئن يف الكون بلكية مطلبه ومنهتيى رغبته ،ومل يفتح هل وس يعات
ميادين الغيوب الروحانية ،وتربج العرائس احلمكية ،وتلوح هل اللواحئ
احلس ية ،وترشق عىل ليهل الشموس الوصفية ،وتطلع يف غياهبه القاكر
االمسية ،وتزف اىل روحه املعارف اذلاتية ،وتنصب هل املنابر الكرس ية ،
وتزنل عليه مواهب الرمحن العرش ية فهو الحماةل مسجون ،ويف صفته
مغبون ،وجسنه هو ما آحاط به من الفهام العدمية والظلامت الرضية ،
وليس هذه احمليطات اال حيث ختلفت عنه العناية الزلية ،اس تولت عليه
ادلواع الهوائية والضالالت الش يطانية واملطالب النفسانية ،فغطت عنه
افالكه وآدهلمت عليه ظلامت آحالكه ،فبق حمصورا يف هيلك ذاته ،
549
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فلكام اكنت آكثف اكنت الظلمة آشد ،ولكام اكنت آوسع اكنت تعليق هذه
احمليطات آضيق ،وتعود يف اليوم املوعود قيود وصفود وارهاق صعود
وزابنية وجنود ،آعاذان هللا مهنا ،وجنبنا طرائق آس باهبا وفتح لنا ميادين
القلوب وآورد لنا مناهل الوداد واحلب ،وجعل آرواحنا ترتع يف رايض
معارفه ،وتمتتع بشهود مرسبةل بسابغات رسابيل جوده ،انه جواد كرمي .
ويل يف ذ ك شعرا :
ومل يبيح هلم عن منهتيى الطـــلب الاكئنني يف الكـــــوان ابلطلب
يف عاقبة آمرمه يف اهلم والنصب فهم يف السجن يف ادلنيا وغايهتا
مفىت اكن الغالب عليه شهود الكوان واس تحسان مالمح اللوان ،
فاس تدل ابنك بعد مل خترج عهنا حىت يغيب عنك وجودها ،ويضمحل
عنك شهودها ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( آنت من الكوان مامل تشهد املكون ،فاذا شهدته اكنت الكوان معك )
قد علمت فامي س بق آنك حيث آنت مع الكوان ابلرغبة فهيا والطلب لها
فأنت مسجون وحمصور ومأسور ،ومل تنفك عنك هذه القيود اال شهود
وحدانية املعبود ،ومل تذهب هذه احمليطات اال ابرشاق آنوار الصفات ،
واذا آرشقت عليك وحتققت هبا اكنت الكوان معك الفتقارك اليه ابلطلب
والتسخري االلهي ملا قد علمت من توهجها علوهيا وسفلهيا ،حيث كنت
معه ابلقيام حق العبودية واالنطوا حتت جتيل آرسار الربوبية ـ فاذا آخلص
العبد عبوديته لربه وتوهل يف مرشقات جتليات صفاته ،وتعلق بلكيته
ابلتوهل يف عزيز ذاته فال شك ان لك من يف الكون يترشف به ،ويتربك
بدعائه ويس تأنس اليه كام يس تأنس احلب اىل حبه ،مفا روي يف هذا
550
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
املعىن من اس تئناس الوحوش هبم والس باع مااكد خيرج عن احلرص ،
فالكوان تتوجه اىل االنسان ابلمان عند كامل االميان ،مفن عالمات هذا
املقام آن الينفر عنه املتوحشات من النعام ،وتأوي اليه ضواري الس باع
،وتش تاق اليه البقاع ،ويطيب بذكره السامع ،وتلتذ بسامع خطابه
السامع ،وتربي برباكته الوجاع ،وغري ذ ك من جتيل آرسار امجلال
وتليل لوامع الكامل ،ويل يف ذ ك شعرا :
مامل يكن عن وجود الكون منخلعا ابهلل فانت اذا يف ظلمة احلـــــكل
وحيث كنت مع املوىل فال حرج آن متـكل الكون ابلترصيف اكملكل
فان قلت هل يلزم هذه اخلصوصية عدم وصف البرشية ؛ قال املؤلف بأثر
ذ ك مفصحا ابجلواب عام هنا ك :
( اليلزم من ثبوت اخلصوصية عدم وصف البرشية ـ امنا مثل اخلصوصية
اكرشاق مشس الهنار :ظهرت يف الفق وليست منه ،اترة ترشق مشوس
آوصافه عىل ليل وجودك ،واترة يقبض ذ ك عنك فريدك اىل حدودك ،
فالهنار ليس منك اليك ،ولكنه وارد عليك )
اذا علمت رس اخلصوصية الفائض عن جتليات الصفات العلية كفيضان
النور عىل الفالك املضيئة فهل يلزم من شان من آفيضت عليه هذه
النوار ،وجتلت عليه هذه الرسار عدم وصف البرشية ،املفصح عن
القصور عن املراتب العلية والنوارالهبية ،فنقول كام قال املؤلف ضاراب
ذل ك المثال ،ومبينا فيه غاية البيان بظاهر املقال ،امنا مثل اخلصوصية
اكرشاق الهنار عىل ليل وجود االنسان ،فالليل الظلمة العدمية متأصةل فيه
والهنار عليه طارئ ،مفىت طرى فالشك يف انعدام ظلمة عدم االنسان كام
551
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ينعدم ظلمة الليل ابرشاق الهنار ،ومىت انسلخ عنه الهنار رجع اىل عدمه
املتأصل فيه { وآية هلم الليل نسلخ منه الهنار فاذا مه مظلمون } [ الية
37يس ] فافهم هديت ،فاذا علمت حصة هذا املثال وحتققت هذا املقال
علمت آن الليل آصكل الينفك عنك ،وآن الهنار ليس اليك والمنك ،
فعند ذ ك تعمل رس الحول والقوة اال ابهلل اذلي هو كزن من كنوز اجلنة ،
مفىت عرثت عليه فقد حظيت بكميياء السعادة ،وواهجت حقيقة العبادة ،
فاخلصوصية التدل عىل عدم وصف البرشية لن البرشية متأصةل يف
االنسان ،واخلصوصية اليت يه رشوق مشس الوصاف العلية واردة عليه
؛ اذا وردت امضحلت معها الصفات العدمية وبقيت لها اهلمية الزلية
والصفات ادلميومية ،ومىت غابت عنه تكل الشموس يف حسايب القدار
وجحبت منه تكل النوار ابرتفاع جمار الاثر عاد الحماةل اىل آصهل ،
والصفات العلية آفالك مشوسها املطالع النبوية والرسائر القربية ،والسامء
مطالعها املواضع القلبية والرجاء النفس ية والصوامع الروحية .وآما مجع
اذلات العلية فال تقبل فيضاهنا اال احلقيقة المحدية ولهل هللا الزايدة يف
الك احلالني ،فأمايف حال رشوق ماخيصهم به من صفا جتيل الصفات
وتليل النعوت القدس يات فلئال ترتامك علهيم كدورات البرشايت ،وحيول
بيهنم وبني حمبوهبم جحب الشهوات ،فكشف هلم ماحيققهم فناء الغيار
وزوال كثائف الاثر ،ويردون اىل جحهبم يف بعض الوقات ليوفوا العبودية
حقها ،وليعطوا الربوبية مس تحقها الليبعدوا بعد ماقربوا ،ويسلبون بعد ما
آعطوا ،فليسوا مرادين هبذا وامنا مه يف الك الحوال مرادون ابلوصل
وخمطوبون ملشهد الكامل ،وتعبريه للكشف عن الصفات الزلية والنعوت
552
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ذكر فهيا ثبوت اخلصوصية اليت اليلزم من ثبوهتا عدم ظهورها البرشية ،
مشريا فهيا اىل آحوال اجملذوبني ،وذ ك آهنم رجعوا اىل آداء حقوق
العبودية ،وايفاء مقام احلمكة اخللقية حقه واعطاه مس تحقه ،رمبا يظن
ذوفهم سقمي آن ذ ك ينايف اختصاصهم فرفع ذ ك الومه مبا فصهل يف احلمكة
الوىل ،ورمبا ينظر قارص اىل هذا املقام فيظن آن ال طريق توصل اىل
هذا املقام عىل الامتم اال بطريق اجلذب فيرتك االجهتاد ،واليهتيأ
لالس تعداد ،فبني املؤلف ابحلمكة طريق السالكني ومن آين يكون ابتداء
الخذ يف سلوكها ،فقال :دل آي نصب آعالم ادلالةل عىل طريق وصاهل
وذ ك آيضا امتنان منه اذ هو نصب العالم وجعل فيك آهلية املقام
وقابلية التعمل واالهتداء اىل معرفة الحاكم ،ومجيع ماحوته دوائر الكوان
آاثر عن آاثر املؤثر فهيا ،وآهمات السامء آربعة ،وقد علمت احاطة هويته
جبميعها ويه :الول والخر والظاهر والباطن ،فلك السامء ترجع رجوع
الفرع اىل الصل اىل هذه الربعة ،والسامء مهنا ماهو جاميل ومهنا ماهو
جاليل ،ودخل يف ذ ك آثر الفضل عن السامء امجلالية ،وآثر العدل وهو
عن السامء اجلاللية ،فصح آن امجلال وصف واجلالل وصف من مجةل
صفات الواحد احلق ،فهويته تندرج يف ظهور سائر الصفات ،وآحديته
تضمحل عند ظهور التعديدات ،وظهور الاثر تقتيض املعامةل ابلعمل ،
وظهور السامء تقتيض املعامةل ابالميان ،وظهور الوصف تقتيض املعامةل
ابليقني ،وظهور اذلات يقتيض املعامةل ابلشهود والعيان ،فزنول اجملذوبني
يف الكوان ابلشهود والعيان ،لنه آول ماكشف هلم عن كامل اذلات فذ ك
اليفارقهم يف ردمه اىل شهود الوصف فيشهدون الوصف ابملوصوف ،
554
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فلام اكنت هذه ادلار المناس بة بيهنا وبني ظهور النوار ،ومل يعرف قدرها
اال يف دار القرار لوجود املناس بة ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( اليعرف قدر آنوار القلوب والرسار اال يف غيب امللكوت ،كام التظهر
آنوار السامء اال يف شهادة املكل )
اليعرف ،واملعرفة ابلشئ هو التحقق ابلشئ املعروف عىل ماهو عليه من
الكامل والصفاء والتزنيه ولكيات حماس نه ،آماعلام ياكد يكون عياان ويسمى
امياان ،وآما ذوقا حمققا ويسمى كشفا وعياان .وآنوار القلوب كام علمت من
ظهور جتيل السامء والرسار من جتيل الصفات العلية ،وهذه ادلار التسع
ماهذه السامء والصفات عليه من الكامل والصفا ،فسامء القلوب هو
متسع الغيوب وذ ك الرسار هو التوحيد عن الغيار ،كام آن سامء
النوار الظاهرة اليت مهنا النجوم والمقار السامء احلس ية املطبقة بعامل املكل
الظاهر ،فأنوارالقلوب والرسار المقدار لها والتظهر مرشقات آنوارها اال
يف متسعات آقطارها الغيبية ،والجتىل عرائسها اال يف قصورها القدس ية
،اال آن لهل االميان نصيب يف هذه ادلار وهو اذلي حيملهم عىل طلهبا ،
ويزجع قلوهبم ظهور مشهدها ،ويل يف ذ ك شعرا :
فليس يعرف مقــــدارا ملــا وعدت من مظهر آنوار ذاك املنظر الـــنرض
اال بكشف غطاء الكوان عنه كام اليظهر آنوار مشس احلس يف النظر
اال عىل عامل املكل اذلي ظـــهرت فيه الكواكب للـــــــــــــرائني ابلبرص
فللعامل احلس ية شواهد يف احلس اذا وجدها الصادقني فذ ك بشارة
آوآمارة عىل آن العمل مقبول دليه ،فاذا آمثر يف هذه ادلار اليت الجزاء فهيا
556
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فهو آحرى بأن يمثر يف دار اجلزاء مااليدخل حتت احلرص ،ذل ك قال
املؤلف ريض هللا عنه :
( وجدان مثرات الطاعات عاجال ؛ بشائر العاملني بوجود اجلزاء
علهيا آجال )
ماجيده العاملون عىل الوفا وحسن االقتفاء بشائر من هللا لعبده
وتسكينا ملا جيده من خوف القطيعة ،فاذا ظهرت عىل العبد مثرات
العامل من نزول السكينة وحصول الفتوح وتوايل املنوح االلهية ،فذ ك
دليل عىل قبولها عنده ،ويشار اىل ذ ك بقوهل عز من قائل { فأنزل
السكينة علهيم وآاثهبم فتحا قريبا * ومغامن كثرية يأخذوان فعجل لمك هذه }
[ الايت 19 – 18الفتح ] ويل يف ذ ك شعرا :
فلك مايظهر املوىل عىل العمل من روح قرب فذ ك منهتيى المل
ان املزااي اذا اكنت مقــــــــارنة للعاملــــــــــــني جرب مام من خلل
فاذا ظهرت مثرة العمل علمنا الحماةل آن هذه منة متجددة غري منة
العمل نفسه من مجةل املنن ،فاليطلب عوض عليه اال من ابب الوعد
الصادق ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( كيف تطلب العوض عىل معل هو متصدق به عليك ؟ آم كيف
تطلب اجلزاء عىل صدق هو همديه اليك )
كيف تطلب آهيا العامل اس تحقاق عوض ماتعمل الطلب افضال
من فضهل ،وتصدق من معمي بذهل ،فالحرج عىل العبد اذا طلب من
هذا الوجه بل طلبه هبذا الوصف هو املطلوب منه لن الطلب العىل
557
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وجه االس تحقاق واالدالل هو مقتىض العبودية ،واالس تاكنة حتت عناء
الربوبية .وآما الطلب ابالدالل والعمل ورؤية االس تحقاق عليه فذ ك من
نعت الزائغة القدرية ،فالعمل من مجةل فضهل عىل عبده نفسه من غري نظر
اىل جزاء والغريه ،فالعوض هو من ابب مقابةل احلس نات بأمثالها من
احلس نات ،واجلزاء هو االحسان يف احلس نات ،جفزاه من االحسان
ميحو الظمل الغريايت ،فذ ك يف مقابةل الصدق يف املعامةل وهو آيضا من
هداايه الغيبيات آي الصدق ،فكيف تطلب جزاء عىل ماهو من هداايه ،
واختصاص من عظمي فضائهل ومزاايه اذ قال يف احلديث القديس " آنه رس
من رسي آودعه قلب من آشاء من عبادي " ويل يف ذ ك شعرا :
فكيف تطلب عىل منك من معــــــل عوض وذ ك من افضاهل العـمم
آم كيف تطلب جزا صدق حظيت به فذاك هجل مبن منه الهدى قدم
فالصدقة يشريون هبا اىل العامل الظاهرة ،والهدية يشريون هبا
اىل العامل الباطنة ،والخيفى مابيهنام من تباين املزنةل ،واكن سلوك قوم
ابلعامل الباطنة اىل ختليص العامل الظاهرة وسلوك قوم آخرين ابلعامل
الظاهرة اىل التوصل ابلعامل الباطنة ،قال املؤلف ريض هللا عنه :
( قوم تس بق آنوارمه آذاكرمه ،وقوم تس بق آذاكرمه آنوارمه ؛ ذاكر
ذكر ليس تنري قلبه ،وذاكر استنار قلبه فاكن ذاكرا )
القوم مه امجلاعة من الناس كام ورد الويل يف وقته اكلنيب يف وقته ،
وقد يطلق عىل المة .وذكروا هنا لتقسم الفريقني ومه اجملذوبني املرادين
احملبوبني والسالكني احملبني ،والكهام عىل احلقيقة حمبوبني مرادين ،وامنا
وقع التفاوت بيهنم من حيث اخلفة والعناء ،ونس بة الفضل ونس بة االجهتاد
558
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
الهيالك اجلسامنية ،فلام تلبست هبذه الهيالك اجلسامنية طلب مهنا الشهود
مبا آشهدها يف غيب آعياهنا فنطقت القلوب والرسار بأحديته ،وتقلقلت
اللسن بظهور آلوهيته فشهدت بنور االمس الول رصف الحدية وانفراد
القيومية ،وشهدت بنور الخر ظهور اللوهية وعىل هذا املشهد يزنل
القول والالكم عىل الفريقني ،وتظهر آاثر الطريقني اذلين مه اجملذوبني
والسالكني ابمجلع للقلوب والرسار ،والفرق يف ظواهر الذاكر واختالف
معاين الظهور حتت احلجب والس تار ،والبد من ظهورهام مجيعا فاليمت
مظهر الكامل اال بذ ك وذ ك آثر حمكته البالغة ،ويل يف ذ ك شعرا :
تزامحت لظــــــــــهور احلق آسامء وذاك يف حاليت مجع وتفريــق
مفن يذوق عقار الوجــــد يصحبــه مجع مع حسن تثبيت وتوفيق
ومن يكن سالاك والفـرق حالــــته ويقصد امجلع يف عمل وحتقيــق
واهل الكامل هلم يف الصحو مرتبة مجــــع وفرق مع نسك ومتزيق
فاذا علمت س بق جتليه س بحانه وتعرفه اىل القلوب والرسائر قبل
ظهور تصويرها بأنه الحد اذلي اليقبل التعدد يف ذاته وصفاته وآفعاهل قبل
بروز آاثرها ،فلام برزت يف حال بروز كرثة الاثر استشهدها مبا آشهدها
آوال ،فنطقت بألوهيته الظواهر ،وحتققت بأحديته القلوب والرسائر ،
مفن مل يشهد هذه الحدية مل يتأىت منه النطق ابللوهية وان آشهدها لكن
المن قرب نطق كذ ك المن قرب ،ويف ذ ك غاية الشان عىل ما س بق
يف حقيقة العيان ،فاذا علمت آنه اليذكر يف عامل الشهادة ابللوهية اال
من آشهده رصف الحدية ،فاعرف حق كرامته ك من بني آبناء جنسك
561
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
آن آكرمك بكرامات عديدة ،ولكن ملا اكنت التدخل حتت احلرص ذكر من
مجلهتا ثالثة خاصة ابذلاكرين ،فقال ريض هللا عنه :
( آكرمك بكرامات ثالث :جعكل ذاكرا هل ولوالفضهل مل تكن آهال
جلراين ذكره عليك ،وجعكل مذكورا به اذ حقق نسبته دليك ،وجعكل
مذكورا عنده فمتم نعمته عليك )
آكرمك آهيا االنسان من بني سائر الكوان قبل آن يكون ك ظهور
عيان بقوهل القرآن قبل وصف الفرقان { ولقد كرمنا بين آدم } وآشار
بتكل الكرامة اىل ماخصهم به من مزااي االمتنان وشهادة العيان قبل
بروزمه اىل الكوان بدليل قوهل بعد ذ ك { ومحلنامه يف الرب والبحر
ورزقنامه من الطيبات وفضلنامه عىل كثري ممن خلقنا تفضيال } [ الية 70
االرساء ] فذ ك التفضيل اذلي آىت به بصيغة املصدر اشارة اىل املبالغة يف
تفاوت التفضيل وذ ك فرع تكل الكرامة السابقة يف الظهور اخلف امجلع
الرصف ،م يف التجيل الوصف م يف التخيل الفعيل والثر اخللق
والظهور امجلع هو قوهل { ولقد كرمنا } والتجيل الوصف قوهل {
ابلتكوين قبل التايني والتعيني ،م تعنيت وتكونت آقل كون من ماء همني
برزت من عصارة طني ،ويف عامل تعيينك هباء مل تبني ،آهكل بأن آودع
فيك آهلية ذلكره وموضعا لزنول آمره وهنيه ،ومن آين ك ذ ك وآنت مل
تتأهل هنا ك ،ولكن بتخصيص فضهل بأن آثبت هلم تكل الخفية ،
وهيأمه لتكل الهلية فقال { وآلزهمم لكمة التقوى واكنوا } اشارة منه
بقوهل اكنوا اىل مجعهم يف غيب الغيب { آحق هبا وآهلها واكن هللا }
والاكن وصفه ابمجلع اذلايت والتجيل المحدي ،واالمس جتليه ابلفرق
الوصف ،وآعيان الش ياء يتعني هناك ،هنا علمت آن لك شئ عىل
جراين اذلكر عىل اذلاكرين يف هذا الظهور اخللق والعامل املليك دليل اذلكر
يف التجيل احلق والظهور الوصف ،وآكرمك آيضا بأن جعكل مذكورا به
اذ حقق نسبته اليك ،ولوال تكل النس بة ملا كنت ذاكرا والظهر ك علام
والخربا والعينا والآثرا ،وجعكل مذكورا عنده فمتم نعمته عليك ،اذ ذكره
لعبده هو اذلي ينهتي اليه الكرامات س امي اذا حقق هل الوصف ابلعندية
املفنية للمظاهر الغريايت واحملرقة للحجب الكونيات ،فال آمت مهنا نعمة اذ
من اكن عنده مذكور ويف حرضته مشكور اليعمل ماهل من الكرامات
والزلفى { وذلكر هللا آكرب } آي ذكر هللا لعبده آكرب وآعظم من ذكر
العبد هل ،فال يدري آي الكرامتان آعظم آن جعكل ذاكرا هل آوجعكل
مذكورا به ؟ وآما جعكل مذكورا عنده فقد حقق لعبده منهتيى املطلوب ،
وآانهل غاية املرغوب ،فوصف العندية يقتيض النيابة من هللا عن عبده يف
563
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
564
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
يقسم ذلي معر طويل صار وبيال ،فالعمر اذا خيل عن االمداد االلهية
اكن حمكه حمك العدم اذا سمل من اقرتاف الكبائر واللمم ،واذا حصبه من
هللا االمداد صار من آنفس اذلخائر للمعاد .وقد ورد " خريمك من طال
معره يف طاعة هللا " والطاعة تزن عنده مثقال ذرة من االميان فضال عن
شهود حرضة االحسان ،والطاعة يكون كاملها ونقصاهنا حبسب ماعند
االنسان من مزيد االميان .فقد ورد آن الرجالن يس تواين يف العمل وان
معل آحدمه اىل جنب معل الخر اكذلرة اىل جنب آحد ،وماذاك اال
حبسب ماعندمه من االميان ،واالميان مودع يف الفطر والقوالب .
واكن رسول هللا صىل هللا عليه وسمل آفضل سائر النبيا وآمته
فضلت سائر المم عىل قرص معره وآعامرمه ابلنس بة اىل آعامر من قبلهم
من المم ،فذاك ابلربكة يف العامر القصرية تسري آعامهلم كثرية ،وعلوهمم
غزيرة ،وشوارق آنوارمه منرية ،فباالمداد ومعمي الفضل والوداد جعل هلم
بركة الس نة يف احلج وبراكت الليايل يف ليةل القدر ،وبركة الايم يف امجلعة
،وبراكت الشهور يف رمضان ،وبركة ساعات الليايل يف نصف لك ليةل ،
وبركة ساعة الهنار يف صالة العرص يف لك يوم ،اىل غري ذ ك من املدد
عىل عددالنفاس واحلراكت والسكنات ،فلو آخذان من تعداد ما آودع هللا
لهذه المة من االمداد لطال وخرج اىل حد االكثار ،لن هللا س بحانه
آودع عامل االجامل والتفصيل ذخائر الفضل ،وعامل االجامل اذا ظهر فيه
المر احملمك آرشق يف سائر العوامل التفصيلية لك شئ عىل حس به وحسب
اس تعداده يكون امداده ،وذ ك مس متر ال انقطاع هل ،عمل ذ ك من علمه
وهجهل من هجهل .
565
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ونعين بعامل امجلال املتلق للفيض القدس املفيض منه الفيض املقدس
،ذ ك من حيث ظهور الروحانية هو الروح احملمدي ،ومن حيث العمل
هو العمل العىل ،ومن حيث الصفا هو ادلرة البيضاء ،ومن حيث الفهم
واالحضا هو العقل حيث ماظهر جتىل لسامئه والمته صىل هللا عليه وسمل
من هذا امجلع نصيب به اكنت خرييهتم ،وبه قبلت عىل سائر المم شهادهتم
،وبه انلت ماانلت من الفضائل اليت الحييط الفهم بلكية احصاهئا .ومن
مجةل ذ ك آن اليزنل مدد زماين آوماكين حيس آومعنوي لطيف آوظاهر
اال وقد شهد الرشع هلم فيه مبودع فضيةل ،فامحلد هلل رب العاملني .ويل
يف ذ ك شعرا :
مل يغن عنه وس يع ادلهر واملدد فرب معر طويل غري ذي مدد
انلته آلطاف ماقـــــــوم هل الود ورب معر قصري املد يف العدد
فالربكة يف العامر يه معدة الخيار ،وعلهيا تدوردوائر البرار ،
ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( من بورك هل يف معره ؛ آدرك يف يسري من الزمن من منن هللا
مااليدخل حتت دوائر العبادة ،والتلحقه االشارة )
من بورك هل من هللا آيقظ قلبه وبرصه حبقائق الش ياء فرآى
خزائن السعادة تنادي من قريب ،وذخائر الغيب تقول :هل من مزيد ،
ودواع احلقيقة تقول :هل من مصاف آديب ،فهنض الهيا مرسعا وعزم
هبمته مزمعا ،فأوىف احلقوق وآقلع عن الاثم والعقوق ،فتدارك من آايمه
ماسلف ،واكن لكه يف لك توجه اليه اقبال ووجه ويد وآذن ولسان
وعقل وجنان ،ويكون لكه مجع وبرص ومسع ،فاليدخل حتت العبارة
566
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ماانهل من منة هللا ،اذ العبارة التسع االظواهر الش ياء ،وآما املنن االلهية
واللطاف الرابنية واملواهب الغيبية فالعبارة عهنا تنبوا ،واالشارة دوهنا
تكبوا ،فاالشارة والعبارة آغيار صادرة عن ايثارات آاثر اليدخل حتهتا
ماهو صادر عن حرضة قهار ،ويل يف ذ ك شعرا :
من ابرك هللا هل يف العمر ذا الزمن فذاك خمطوب للتقريب واملنن
فال االشارة يدري ذاك غايــــــهتا واليكيف ابلتعبري يف العـــــلن
فالعمر سمل تريق يف الرواح وموضع تلق املواهب والفراح ،
وهو بذر سعادة البد آوخرسانه ،وفيه تدرك نفائس ادلرجات وتورد فيه
هما ك ادلراكت ،والتوفيق امس ملوافقة العبد هلل يف سائر احلراكت
والسكنات ملا هو احملبوب املريض عنده س بحانه ،واخلذالن والعياذ ابهلل
ضده وهو خمالفة العبد للمحبوابت وتركه للمس تحس نات ومقارفة السيئات
،ومتابعة رذائل الشهوات والقعود عن اخلريات ،ذل ك قال املؤلف ريض
هللا عنه :
( اخلذالن لك اخلذالن آن تتفرغ من الشواغل م التتوجه اليه ،
وتقل عوائقك م الترحل اليه )
اخلذالن اذلي هو ضد التوفيق لك اخلذالن آي مجمع اخلذالن وغاية
منهتاه آن تتفرغ عن الشواغل املؤثقة الصادة عن االرادة بأن تكفاها وتزاح
عنك وتنقطع عنك آس باهبا وتغلق دوهنا آبواهبا م التتوجه اليه ،لن من
حق العبد الخذ يف قطعها وحسم آبواهبا ليهتيأ هل حسن التوجه ،فاذا مل
يأخذ يف ذ ك اكن ملوما وحاهل مذموما ،وآما اذا انقطعت عنه من غري
تعمل يف ذ ك م ترك التوجه اليه ،وقلت العوائق املؤثقة عنه م مل ترحل
567
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
اليه ،مفا آجدرك ابلندامة اذا وردت عرصات القيامة ،مفن حق العبد آن
يريم ابلشواغل الصادة هل عن االقبال ،ويبتدر فرصة االهمال ،ويطرح
العوائق املؤثقة عن معشوق امجلال ،واحلاجبة عن عاليات الحوال ،وآما
آنه بنعم هللا عليه يقطعها م اليتوجه اليه آوىل بأن يزجر آوراك العزامئ ،
ويشد حل آرائك اهلمم ،واال فقد ابء بندامة عىل ندامة ،ويل يف ذ ك
شعرا :
ومل يواجه بلك القلب مــــــواله من ابينته شواغل لك نــائبــــة
بل حرسة حبريق الفوت تصاله فذاك خذالن ال تعقبه مكرمة
فاذا تفكر العبد فامي ينيهل هللا من جزيل ثوابه ويقيه من وبيل
عقابه هنض الحماةل يف طريق العزمية ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه يف
هذا الفصل :
( الفكرة يه سري القلب يف ميادين الغيار )
الفكرة اليت يه نعت ذوي الرسار الصافية والعبارات الوافية اليت
آمر هللا هبا ترصحيا وتلوحيا يف حممك كتابه ،ونبه علهيا رسول هللا صىل هللا
عليه وسمل يف فصيح خطابه ،قال هللا س بحانه { آومل يتفكروا يف
آنفسهم } [ الية 8الروم] وبتكل الفكرة يصل العارفون اىل رصحي التوحيد
يف مواضع التفريد ،وجيمع متفرقات التعديد ويشاهد قوهل يف الية نفسها
{ ماخلق هللا السموات والرض اال ابحلق } فعىل ذ ك الكزن عرث
املقربون فرآوا ماذا بعد احلق اال الضالل والضالل هو العدم ،فانظر كيف
سارت آرسارمه يف جنح آفاكرمه وآقلعت هبم يف حبار الكوان حىت آابنت
568
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
هلم هنج احلق الظاهر ونور القدس الباهر ،وعند ظهور ذ ك تنقطع الفكر
وتمنح الغري ،ويذهب شهود العرب والثر ،والفكرة تكون حبسب
املتفكرين ،فقوم يتفكرون يف انرصام ادلنيا وادابرها ورشف الخرة
ودواهما فيحملهم عىل ايثار الرشيف ادلامئ عىل ضده ،وقوم يتفكرون فامي
آعد هللا لهل اجلنان من ادلرجات حبسب مامه عليه من القيام بوظائف
الطاعات واجتناب الهفوات ،فيحملهم ذ ك عىل بذل الوسع يف طلب
ذ ك ،وقوم يتفكرون يف آالئه وحسن جامهل يف عطائه وبالئه فيحملهم
ذ ك عىل ازدايد احملبة للحبيب ،وقوم يتفكرون يف تلوين النوار يف
الطوار فيحملهم ذ ك عىل حسن االستبصار والفاكر يف جعائب صنعه يف
القطار وتقلب الليل والهنار ،وبذ ك تنجيل عن القلوب كثائف الظمل
والغيار ،وتفتح آبواب الغيوب واالعتبار ذلوي البصار ،فاعتربوا
ايآويل البصار .فاذا اكن هذا من بعض آقسام الفكر علمت رشفه وآنه
مخ العبادة كام ورد بذ ك اخلرب ،وهذا لكه آي الفكر اليكون اال يف
ميادين الغيار ومطالعة الصور والاثر اليف ذات الواحد القهار ،ويل يف
ذ ك شعرا :
الفكر سري قلوب السالكني اىل هنج احلقيقة والتوحيد يف الغـري
فيس تدلـون ابلش ياء عليــــه وال يكون يف ذاته ابلكيف واحلرص
فالقلوب اذا خليت عن الفاكر انطمست بظمل الغيار ذل ك قال
املؤلف ريض هللا عنه :
569
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
570
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
املثال والحيول حوهل املقال من جتليات حمرقات اجلالل ومرشقات امجلال ،
ويل يف ذ ك شعرا :
الفكر يف القلب نور يس تضاء بــــه شهود نور وجود احلق فاعتـــــــرب
ولك قلب خيل عن ذاك فهو عىل طمس العدم قط مل خيرج عن الغري
والفكر آيضا عىل قسمني فاعمل بأن القول حيمك ابستبصار ذي النـــظر
ولك من اكن حتت احلجب يعلمــه بصدق اميان حتقيق وابلعــــــــــــرب
وبعد ما آهنيى الالكم يف الفكرة آخذ يتلكم يف نتيجهتا وهو مايفتح
من حسن املعامةل هلل عىل صدق العزمية وجتريد اهلمة .ومما كتب به
لبعض اخوانه بقوهل :فان البداايت حمالت الهناايت يف لك المور ،مفن
اكن مبارك البداية اكن مميون الهناية ،ومن اكنت بدايته ابهلل اكنت اليه
هنايته ،ولك مبتدي لمر يكون انهتاءه اليه وتظهر مثرة ذ ك املقصد عليه
كام قال املؤلف ريض هللا عنه :
( وآن من اكنت ابهلل بدايته اكنت اليه هنايته )
ومعىن البداية ابهلل آن يكون يف آول لك آمر يبدآ فيه شاهدا
حلوهل وقوته كام ورد يف احلديث " لك آمر ذي ابل ،آي حال هيمت به
اليبدآ فيه بذكر هللا فهو آجذم " آي جمذوم مقطوع الربكة ،واملريد
الصادق اذا اكن يف آول بدايته مس تعينا ابهلل دام سلوكه ووصل بغيته
ومراده ،وهو انكشاف المر هل شهودا آوعياان بعد آن اكن علام وامياان ،
ومن اكن آول بدايته بشهود نفسه وما مهنا انهتيى اىل جعز وعدم ،فاذا اكن
املريد مس تعينا يف مجيع حراكته وسكناته يف بدايته عىل الغيب العىل
الكشف انكشف هل يف هنايته حقيقة ذ ك عىل الشهود والعيان ،فيبقى
571
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
قرير العني متسع اجلنان ملا جيد من ورود روح الرمحن الوارد ابلتأييد عىل
ممر الزمان ،ويل يف ذ ك شعرا :
من اكن ابهلل مبدا آمره فكـــــذا يكون هلل غاايت الهنايــــــــــات
ومن يكون عىل الغيار معمتـــدا فمل حيقق حتقيق البــــــــــداايت
والسالكني عىل هنج السبيل هلم عمل وعني وحــــــــق مس تقاميت
فالعمل غيب ونور العني يكشفها للحق من وصفه املصيون آايت
واذا اكن املريد مجموع هلم عاكف الرس عىل هللا شغل الحماةل عن
الغيار وذهل عن الاثر ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( واملش تغل به هو اذلي آحبه وسارع اليه ،واملش تغل عنه هو
املؤثر عليه )
ومن عالمة حتقيق البداية للمش تغل به عام سواه ونف لك شاغل
اال اايه مع احملبة والطوع واملسارعة اىل احملاب من غري ملل والسأمة ،
فعالمة كونه حمبواب ك الشغل به عام سواه من مجيع ماحتبه وهتواه وايثاره
عىل ماعداه ،وعالمة املش تغل عنه من احملبوابت الغريية هو املؤثر عليه ،
هذه عالمة داةل عل ايثاره عىل الغيار والتؤثر عىل حمبوابتك اجلبلية اال
اذا عرفت رشف ما آنت تطلب وترغب فيه من املشاهدات الروحية
والتدليات اللطفية ،فالشك هيون مفارقه وتؤثره الحماةل عىل لك مرغوب
،والشغل به هو طلب التحقق مباكرم الخالق والتعلق مبشاهدات االلهية
،واخلضوع لعظمة الربوبية ،واالنطوا واالس تاكنة يف كهف العبودية مع
احملبة ذل ك واالغتباط به واملش تغل عنه هو احلظوظ والشهوات الرضية
572
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
والطبائع احليوانية ،عرفنا هللا قدر مانطلب حىت يكون لك انشغالنا طلبه
فنش تغل عن احلظوظ العاجةل ،ويل يف ذ ك شعرا :
هلم اىل غريه يف الكون تعويـــل فالشغل ابهلل دآب الصادقني مفـــا
يرون يف الناس شعث المقام هلم مابني آظهرمه غـــــــربا جماهيل
اليرثرون عىل احملبوب اكن لهـــــم شغل عن ماسواه اال مشاغيل
فاليقني آساس مباين املقامات والتولك مثرة جشرة الفتوحات ،
ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه عاطفا عىل ما آسلفه من الالكم يف هذا
املقام :
( وان من آيقن آن هللا يطلبه صدق الطلب اليه ،ومن عمل آن
المور بيدهللا اجمتع ابلتولك عليه )
مفن آيقن واليقني ؛ هو السكون وعدم االضطراب مفن آيقن آي
اس تقر يقينه ومتكن اميانه وابرش سويداء جنانه آن هللا يطلبه ابلوفاء حبق
الربوبية ؛ صدق الحماةل يف طلبه بأداء العبودية عىل آمكل وجه وآمت هيئة
ملا شاهد من عظمة الربوبية وكامل اللوهية ،فيحمهل احلياء الحماةل واحلب
عىل الوفاء وحيثه عىل مباردة الصفا ،وحيمهل عىل ترك اجلفا فيويف هبذا
املشهد حق رشيعته .ومن عمل العمل احلقيق اذلي شاهده اخلش ية وهو ما
اكن من فتح الغيوب يف لطائف الرسار والقلوب ،المور الصادرة من
خري ورش ونفع ورض وموت وحياة اىل غري ذ ك من مقتضيات الش ئون ،
وآاثر السامء بيد هللا آي ارادته وقدرته وآمره وماهو مراده عنده يف غيب
علمه ،فاليد معلومة والكيفية جمهوةل والسكوت يف مثل هذه املتشاهبات
حسن محمود ،وردها اليه عند السالمة من املعارضات ،وآما آذا آحتيج
573
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
لتأويل لرد مبتدع آومل جيد االنسان طمأنينة فيعدل اىل مثل هذه
التأويالت ،فاذاعمل ذ ك االنسان علام قواي اثبتا محهل ذ ك عىل التولك
عىل هللا الحماةل ،والتولك عىل هللا هو عبودية القلوب هلل ملا يلوح
للقلوب من لواحئ احلقيقة ،فاالضطراب مع ملعان تكل السحاب خطا
ويسمونه يف تقس مي طريقه شهود رصف احلقيقة فيؤيف احلقيقة يف ذ ك
املقام كام وفا حبق الرشيعة يف مقام االميان اذلي عرب به ابليقني ،ويل يف
ذ ك شعرا :
من اكن يوقن بأن هللا يطلبه صدق هل يف مبادي ظاهر الطلب
ومن عمل منه آن المر حممكه بيد االهل سمل من مــــورد العطب
وعطف آيضا بقوهل عىل الكمه املتقدم :
( وآنه البد لبناء هذا الوجود آن تهندم دعامئه وآن تسلب كرامئه )
وآنك آهيا االنسان الحيزنك مايفوتك من هذه احلظوظ العاجةل
والذلات الفانية واخلياالت الكونية ،فاهنا الحماةل آن تهندم هذه البنيان
املش يدة ،وآن تبيد هذه احملاسن العتيدة ،وتتفرق هذه امجلوع العديدة ،
وتفىن هذه الوجوه النامعة النرضة ،وتزول هذه الرواحئ العطرة ،وتسلب
الكرامئ احملبوبة فتيمت الودلان وجتدد الكفان ،وتتغري اللوان ،وترمل
النسوان ،وتنهتب اجلامثن طوارق احلداثن ،وتفرق امجلوع وتذرف لفراقه
ادلموع ،وتبيد مجموع جسمه من الش تات حسائب مهوع ،فكيف اليسىل
عام هو عن قريب صائر اىل الفناء والش تات ،واذا علمت آن هذه املالذ
احملبوابت البد آن تزول عنك آوتزول عهنا ،فالجرم التعبأ مبا فاتك مهنا
ان كنت ذا عقل سلمي ،ويل يف ذ ك شعرا :
574
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
آمفن رشح هللا صدره لالسالم فهو عىل نور من ربه } [ الية 22الزمر ]
وظهرت عىل الباطن تباشريه فأرشق عىل ظاهر البرش آنوار التباشري
فرتكت العامل والقوال وحسنت منه الحوال ،وآرشقت ظاهر الزجاجة
وانبسط عليه شعاع املصباح ،فظهر عىل ظاهره شعاع الصالح ،والح
عىل وهجه شاهد الفالح ،فتظهر منه آفعال محيدة وصفات مجيةل ،ويل
يف ذ ك شعرا :
العاقل الاكمل الفــــــرد اذليك اذا مل يـؤثر الفاين ادلاين عىل البــايق
قد آرشقت يف سويداء القلب نور وما عىل الظـــــواهر من آاثر ارشاق
575
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
576
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
نظر آويل العقول والعلامء الفحول ،حتروا فهيا نظر آويل اللباب ،واقتفوا
آاثر النبياء وسادات الولياء اذلين مل يس توطنوها كام قال قائلهم :
ان هلل عبـــــادا فطنا طلقوا ادلنيا وخافوا الفتــنا
نظروا فهيا فلام علموا آهنا ليست حل وطـــــــنا
جعلوها جلة واختـــذوا صاحل العامل فهيا سفــــنا
ويل يف ذ ك شعرا :
قد آمغضوا عن زخارفها ومانظروا لزينة بل عىل الغيار قد صــدفوا
وآعرضوا عن ظواهرها وماوقــفوا وابينوا لك مألوف قد اقـــــــرتفوا
وخامرت قهوة العرفان فاتصفــــوا بعامل القدس والتحقيق فاعرتفـــــوا
فاذا عرف فناء هذه ادلار وامضحالل الغيار مل يقر ملطية عزمه
قرار ،وآهنج هنج احلقائق والرسار ،ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( بل آهنض اهلمة فهيا اىل هللا ،وصار فهيا مس تعينا به يف القدوم
عليه )
هذا آحص طرق املريدين وآجنح وسائل السالكني ،وذ ك بأن
جيعل هللا هلم مهم علوية تهنض هبم اىل الخذ ابللكية اىل املنازل القدس ية
واملشاهد احلقية ،ومع ذ ك مه فهيا مس تعينني به فامي مه بصدده من
االنكامش يف العبادات ،والتخلق ابلخالق امحليدات ،واجتناب مصائد
الشهوات ومعاطب الهفوات ،فهم قامئون بظواهرمه بكامل العبادات
ومباينني حبائل العادات ،ومس متسكني بقلوهبم وآرسارمه بورود اللطاف
وسوابغ املنن وتزنل الرحامت ،ونزول الرباكت واملعوانت من خالق
الربايت .مفن اكن هبذه احلاةل فقد آدرك خالص االرادة وانل مثرة السعادة
577
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ومل ينقطع عن هللا مبألوف العادة ،فاحلمك املتقدم ذكرها للمريد يف التجيل
وهو مل ايخذ يف السري اىل هللا .وقوهل :بل اهنض اهلمة فهيا ؛ آي ادلنيا
لن فهيا ميدان السلوك وهذه آي آهنا ابتداء يف السري وهو الخذ يف
التجيل ويكون مس تعينا يف ذ ك ابهلل ليصل اىل نيل بغيته وغاية مقصده ،
لن من اكن ابهلل اس تعانته توالت من هللا اعانته ،واذا مل يكن من هللا
اعانة مل تغن عنه ظواهر الدةل ومل تنفعه اضاءة الشموس وآنوار الهةل ،
ويل يف ذ ك شعرا :
عن الشوائب والشغال ابلغــــــري من بعد ماخييل االنسان ساحته
وشاهد الرس مبسوطا عىل الصور الشك آن السبيل احلق ابن لـه
فاذا حصت هذه احلاةل اليت يه االعامتد عىل فضل هللا واعانته مل
تزل مطية العزم يف السلوك جادة كام قال املؤلف ريض هللا عنه :
( مفازالت مطية عزمه اليقرقرارها دامئا س يارها ،اىل آن آانخت
حبرضة القدس وبساط النس ،حمل املفاحتة واملواهجة واجملالسة واحملادثة
واملشاهدة واملطالعة ،فصارت احلرضة معشعش قلوهبم ،الهيايأوون والهيا
يسكنون )
حفيث اكن املريد كام وصفنا من ظاهرته عن الكدار ،وختليه عن
الغيار ،وتصفيته عن كدر الاثر واكن مع ذ ك آخذا يف السري يف آطوار
الوجود قاصدا التجيل والشهود ،مازلت عن املقصد والحالت عن
الطريق مطية عزمه ،ونسبته عزميته وقوته آردان ابملطية ،واملطية يه
النجيبة من االبل اخملتارة لقطع املسافة البعيدة يف املدة القريبة ،وليست
لك االبل كذ ك بل ال تسمى مطية اال اليت تس متط السري ومتط هل من
578
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
بينه وبني ربه وجود الغيار وظهور الاثر ،فاليشهد جنة والانر ،ويدار
اليرسة عىل عقار حتت مالبس وخامر ،فيختار واليعرج عىل سكن
والدار وال آهل والعقار ،بل غريق يف حبار التبني فهيا اجلهات والقطار
،ومستبدل ابلنس عن النس فيوانس بأنواع مالطفات وذليذ حماورات
وخف مسارات وشهي مسامرات ،حمل الفاحت بفتوح العلوم الادنيات ،
واخلزائن العرش يات ،واذلخائر الوصفيات ،واملعاين اذلاتيات ،واملواهجة
ابلتجليات الوصفيات ،واحملاسن العليات يف العلوم اجلربوتيات ،والغيوب
العرش يات ،واجملالس يف احلضائر اذلكرايت " آان جليس من ذكرين "
واحملادثة ابنكشاف معاين اللكم القدس يات ،واالشارات القربيات ،
واخملاطبات الروحيات ،وانتشار مااس تودع يف اذلوات من اخلطاب يف
عامل اذلرات ،يوم آلست مبا اكن وما هو اكئن اىل يوم نرش الموات ومجع
الش تات ،ونرش الصحائف ابحلس نات والسيئات ،واملشاهدة للتجليات
الوصفيات ،واملطالعة للنوار اذلاتيات .
فاذا اكن كذ ك فالشك آنه بني املشاهدات واخملاطبات مل يبق هل
بقية التفات اىل ماض وال اىل آت ،بل صارت احلرضة لقلبه دار ولرسه
قرار ولروحه عقار ،فاالشارة ابملعشعش اذلي هو مسكن الطري آوىل من
التعبري بغريه ،لن القلب من العامل الساموي الرويح ،وآهل ذ ك العامل
موصوفون ابلجنحة آويل آجنحة ،والطري التسكن يف غري وكرها ،والتقر
دون معشعشها ،فالهيا تأوي وفهيا تسكن وتثوي ،اذا آوت النفوس اىل
الشهوات وسكنت ابلس باب ادلنيوايت ،وتقيدت ابلعادات الطبيعيات ،
فأرواح الواصلني متنعمة يف تكل احلضائر الزليات ادلامئة البدايت ،
580
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
الخيشون من انقطاعها عهنم وال انفالهتا مهنم ،اذا صيل حبرارة الفراق
وآقلق للمساق عن الهل واملال من اكن لها عشاق ،عند بلوغ الروح
الرتاق ،فيحرتق رسه بنار الفراق وخوف االشفاق مما هو الق .
فهذه عبارات مليحة من بعض معاين يفتح هللا هبا عىل الصادقني
،وينهتي اليه سري السالكني ،فان اكن هللا يريد آن يرجعه لالرشاد
ويقرب آهل االشقاق والعناد ،ويطوي برؤية املسافات البعاد ،ويوصل
هل اليه طوائف الزهاد والعباد ،آنزهل يف الوجود مرسبال مبالبس الرسار
،ومؤيدا بشوارق النوار ،يزنل يف الطوار ويتخىل عن الاثر بنور يف
صورة انر حترق كثائف الغيار ،ويلبس جتيل امسه القهار ،فيقهر الظمل
والرشار ،وان شاء س بحانه جعهل غريق التجليات والنوار ،فالتسمع
منه الخبار ،فاذارد اىل الغيار آانح بعد االصطبار ،ردوا ايل حبييب
ايل فليس هل عين اصطبار ،ويل يف ذ ك شعرا :
فمل يقر هبا من دوهنا الغــــــــــــــري مطية العزم للعبادمقــــــــــــــــبةل
مدمية السري عن ساق بالهمـــــل ماعاقها حر هجري ال وال مطــــــــر
وبسط آنس حمــــــل الفتح والظفر حىت آانخت عىل عليـــــا مقدسة
ذاك التجيل بــــروق الناظر النرض وواجه القادم الوجه العـــزيز ويف
طيب احلديث متــام النس ابلسمر وجالس الضيف اكراما والطـفــــه
عن العيون وشاهد بره النظـــــــــر وطالع آوصاف ما يف الصون منكمت
يأوي الهيا قلوب السادة الغــــــرر فصارت احلرضة العليا معشعشهم
وساكنت خري مألــــوف به آلفت من بعد طـول بعــــاد آورثت رضر
581
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فان آنزهلم هللا يف الوجود بعد اس تكامل حقائق الشهود عاد اىل
الش ياء ابهلل كام خرجوا عنه به كام قال املؤلف ريض هللا عنه :
( فان نزلوا من سامء احلقوق وآرض احلظوظ فباالذن والمتكني ،
والرسوخ يف اليقني )
فمل يزنلوا اىل احلقوق بسوء الدب والغفةل وال اىل احلظوظ
ابلشهوة واملتعة ،بل دخلوا يف ذ ك ابهلل وهلل ومن هللا واىل هللا ،فان
آراد س بحانه حصومه بعد حمومه وفرقهم بعد مجعهم آنزهلم مؤيدين ابلروح
الرابين منصورين ابلعز الصمداين ،قاهرين ابدلمع احلقاين ؛ آنزهلم يف
آطوار الوجود يكتس بون كامل احلق يف مظاهر الوجود ،مؤيدين حلقائق
الواحد املعبود ،فيزنلون من منهتيى هناية امجلع الحدي اىل سامء ظهور
جتيل معاين السامء ومقتضيات الش ئون ،فريجعون الهيا ابلدب واليقظة
،ونزهلم آيضا اىل آرض احلظوظ البرشي ليس ابلشهوة واملتعة كام ذ ك
شان آهل احلجاب والقطيعة دخول الش ياء حبمك الشهوة والطبيعة ،
ورجوعهم تمكيل للعباد ورمحة للبالد ،فهم بطريق االشارة الفرقة النافرة
والعصابة الظافرة { فلوال نفر من لك فرقة مهنم طائفة ليتفقهوا يف ادلين
ولينذروا قوهمم اذا رجعوا الهيم } [ الية 123التوبة ] فاس تفادوا احلس نيني :
الفقه يف ادلين ورشوق اليقني ،ويرجعون اىل الش ياء هبذه الوصاف
متصفني ،وهبذه اخلالل متحليني ،فيدخلون يف الش ياء ابلفقه والبصرية
،فال ايخذون واليذرون واليعطون والمينعون واليتحركون واليسكنون
اال عن اذن من هللا ،شاهد ذ ك يرتآى هلم يف الوجود عياان ،ولكن
582
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
يتأدبون مع احلمك الرشع ،حيمكون عىل آنفسهم مبا كوشفوا دون غريمه اال
من طريق الفتوى ،فهم اذلين وقعوا عىل حقيقة المر اذ مه احملجوبون
وحمكوا ابلظنون ،فهم اذلين ميشون بني الناس ابلنور اجملعول هلم ،فاذا
اكن المر هلل شاهد اليقني ،فأمنوا فيه ابهلل لهنم مل يزايلهم شهود مجعهم
يف فرقهم والحمومه يف حصومه ،فهم لظاهر خلقيهتم وشهود صوريهتم يف
الوجود مشهودين ،وبباطن روحانيهتم يف الشهود مفقودين ،فالبصائر يف
الشهود دامئة ،والبصار يف الوجود انمئة .
ومعظم مواجيد هذه احلاالت التعرف اال لرابهبا ذوقا وحتقيقا ،
وغريمه ممن مل حيظ هبذه املشاهد ومل يكرع هذه احلياض واملوارد قد يفهم
بعض اشاراهتم بكامل ختلقه يف غريزته ،ولكن ان وقف عند علمها دون
ذوقها وقع يف هماوات ادلعوى ،حرم من املنن وحالوة السلوى .والبد
آن يس تدل مبا هو خري الدىن كام شوهد من خلق كثري الوقوف عند ما
ظهر مبجرد القرحية يف كتب احملققني ،وظنوا آهنم وقعوا عىل حقيقة من
الوصال ومه خيبطون يف عشوى وضالل ومعى وبطال ،الميزيون بني
الوصال واالنفصال ،والبني القوال والفعال ،والبني املقامات والحوال
،بل ابرزين يف حلل اجلدال ومصممني عىل مايظهر هلم يف ختبيط وخبال
وآوهام وخيال ،فنعوذ ابهلل من االغرتار مبا حيىل به الرشار من الظهور
بزي الخيار ،والتلبس مبالبس الخيار ومه من اذلين قال هللا فهيم {
مثل اذلين محلوا التوراة م مل حيملوها مكثل امحلار حيمل آسفارا } [ الية 5
امجلعة ] فأهل احلق هلم س امي متزيمه وعالمات تعرفهم ،فان دخلوا يف
583
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
الش ياء فباهلل مس تعينني ،وابهلل عائذين ،ومن هللا ابالذن آخذين ،
واىل هللا يف مجيع ذ ك راجعني ،ويل يف ذ ك شعرا :
اىل سامء حق معبود به نزلــــــوا اذا آراد نزول القــــــــــوم آنزهلم
وآرض حظ نفوس اكن مرجعهم اليه مهنا وعن عاداهتا ارحتلـــــــوا
اليزنلون اىل حـــــــــق بال آدب ويقظة بل عىل التحقيق ان نزلوا
وال احلظوظ بشهوة آومتاع الغافل املهمل فيدخل يف الش ياء ابهلل
بعد آن خرج عهنا به ،وهذا وهللا معىن الية اليت استشهد هبا املؤلف
هبذا املعىن فقال :
( { وقل رب آدخلين مدخل صدق وآخرجين خمرج صدق } [ الية
80االرساء ] ليكون نظري اىل حو ك وقوتك اذا آدخلتين ،واستساليم
وانقيادي اليك اذا آخرجتين )
استشهد هبذه الية الكرمية ملا آسلفه من عبارته ،فبادلخول
السلوك اىل هللا والرتيق يف مراتب الشهود والتفاين عن الغيار ،
والتخلص عن رؤية الاثر ،ومدخل الصدق هو آن يكون يف ذ ك ابهلل
انظرا اىل حول هللا يف ختلصه عن كدورات الغيار ،وقوته يف مواهجة
احلقائق والرسار ،وورود املواهب والنوار ،ولطائف املعاين
واالستبصار عند جتيل آرسار القدار ،املدهشة للقلوب والرسار ،
وآخرجين خمرج صدق يف رجوع اىل التديل يف الطوار ودخويل يف
الاثر ،فأكون مستسلام ك ومنقادا ملرادك مؤثرا الرشاد العباد عىل ماهو
احملبوب دلي وهو كوين طمسا وحموا ،ال انرصاف يل اىل رؤية غري ،وال
آلوي نفع والضري ،ولكن االستسالم يعط ايثار مراد هللا عىل مراد
584
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ومل يشهده من رب العاملني ،آما اعتقادا فرشك جيل وآما اس نادا فرشك
خف )
هذا تقس مي يف مقام الناس يف شهود النعمة الواردة ومه آحد طرقني
قاصيني ،ولكن آحد الطرقني محمود لنه قارص عن رتبة الكامل ،وآحد
الطرقني مذموم لنه يف غاية البعد والضالل ،ومه املذكورين هاهنا حيث
قال :آماغافل ،والغفةل آقبح مقامات االنسان وآحط مراتب الثقالن لن
هللا جعل رتبة الغافلني آحط من النعام السوام ،وآعظم آحوال الغفةل
االهنامك وهو الشواغل يف دراكت البعد من غري مباالة ،والغفةل قوهتا
حبسب قوة دائرة احلس ،ذل ك قال :قويت دائرة لهنا لكام اس تقوت
دائر احلس قويت ادلواع الشهوانية وتعسفت اىل الطبائع احليوانية ،
فمتكنت جشرة الزقوم وكيف طلها اليحموم ،لكام اكنت آقوى وآرخست
اكنت حرضة قدسه اىل االنطامس والغيبة آقرب ،وعالمة ذ ك ظهور
الطمع يف اخمللوقني واذلةل للعبيد املسرتزقني ،لن انطامس حرضة القدس
وقوة دائرة احلس يقتيض رؤية الغيار وظهور الاثر ،واحلجب عن شهود
القاهر اجلبار ومثرة احلجاب هو الرشك ،آما آن شهد مايصل اليه عىل
آيدي اخللق اعتقادا فهذا كفر كام شهد بذ ك احلديث " آتدرون ماذا قال
ربمك ؟ قال آصبح يب من عبادي مؤمن يب اكفر ابلكواكب ،ومهنم اكفر يب
مؤمن ابلكواكب ،وآما من قال مطران بفضل هللا ورمحته فذ ك مؤمن يب
اكفر ابلكواكب ،وآما من قال مطران بنوء كذا فذاك اكفر يب مؤمن
ابلكواكب " احلديث بطوهل .وآما اس ناد فهو رشك خف كام عليه طائفة
الفالسفة قبح هللا رآهيم .وهذا جار يف سائر العادات واملعتادات حىت يف
588
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
احلق ،وذ ك آن الباطل الظهور هل معه ،واملكل القاهر لقهره ملن سواه ،
ومن آقمي يف هذا املقام يسمى فانيا وحالته الفناء عن الس باب لنه شهد
مسبهبا ولك اخللق آفعاهلم آس باب ،فالجرم آن من آشهده كامهل ومنحه
قربه ووصاهل آن يغيب عهنا كام هو مشهود فمين اس تغرقه همم من المور
احلس ية يغيب ابالهامتم به عن الش ياء ،فهذا عبد مواجه ابحلقيقة من هللا
خمطوب حلرضته ،مطموس حتت آنوار عظمته ،ظاهر عليه س ناها ،
مرشف عليه ضياها فغاب هبا عن سواها ،سا ك لطريق احلق اتراك ملا
وراه ،قد اس توىل آي وصل وحصل عىل مداها آي غايهتا ،ومنهتيى
حضور قدسها ،والكون حتت ظل آنسها ،فهو اذلي توىل الطل غري آنه
غريق النوار مقهور حتت جتيل االمس القهار للغيار ،ومطموس الاثر يف
الغ يف تيار حبار الرسار ،اليدري ليل من هنار ،وقد غلب سكره
خبمرة التجيل الغفار عىل حصوه ،وهو االفاقة ابهلل واثبات الش ياء به ،
وآعطى وجود احلق حقه ومجعه ابهلل اذلي اليعط صاحبه متيزي والتقرير
لغلبة جتيل وصفه العزيز عىل فرقة املطلوب منه ،وهو الفرق الرشع
اذلي يعط احلقوق حقها ويويف املقامات مس تحقها ،وفناه ابهلل عن
الس باب عىل لقاه مبسبهبا وغيبته عىل حضوره .ومقام البقاء واحلضور هو
اذلي يمت به الرسور ويتواىل به احلبور ،ويتنعم الناظر ابملنظور ،وتنرشح
به الصدور ،قال هللا جل وعال يف االمتنان عىل نبيه بذ ك { آمل نرشح
ك صدرك } وهنا ترفع الس تور وتنجيل البدور الاكئنة حتت اخلدور ،
فلك صاحب حقيقة غاب فيه به عن لك مشهود يف الكونني اال هو قد
590
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
الح ظاهر س ناها فيه منه هل لكنه بعد مل يشهد خباايه ،وقسم اثلث ومه
آهل الكامل احلاصلني عىل آعز منال وهو اذلي مجع المرين وآحمك املقامني
،ونظر ابلعينني كام قال املؤلف ريض هللا عنه :
( وآمكل منه عبد رشب فازداد حصوا ،وغاب فازداد حضورا ،
فالمجعه حتجبه عن فرقه والفرقه حتجبه عن مجعه ،والفناؤه يرصفه عن
بقائه ،والبقاؤه يرصفه عن فنائه ،يعط لك ذي قسط قسطه ،ويؤيت
لك ذي حق حقه )
هذ مقام آهل الكامل الواصلني اىل ذروة الوصال ،واحلامكني عىل
الحوال ومل يشطحوا يف املقال ،ومل يقرصوا يف الفعال ولكن يعطون لك
ذي قسط من الحاكم الرشعية قسطه ،آي حمكه الينقصهم مايتواىل
عىل آرسارمه من سكر الشهود واليوثقهم عن الوفاء حبق املعبود مايعتورمه
من خمالفات الحاكم واحلدود ،فلهم وجه يف الشهود ووجه يف الوجود ،
وهذا مقام الصديقية ،ويل يف ذ ك شعرا :
عواليا يف مقام عز مرمـــــــــاه آهل الكام هلم يف القرب آحوال
ومه يف القرب يف غاايت علياه يوفون لك مقام مايكون لـــــــه
وانظر اىل الكم هذا املقام كيف وفوا فيه عىل الامتم كام قال مفرسا
ملا قدمه من الالكم عىل املقامني بالكم الصديق الكرب يف ذ ك حيث قال
:
( وقد قال آبوبكر الصديق ريض هللا عنه لعائشة ريض هللا عنه ملا
آنزلت برآئهتا من االفك عىل لسان رسول هللا صىل هللا عليه وسمل :
ايعائشة :آشكري رسول هللا صىل هللا عليه وسمل فقالت :وهللا ال آشكر
591
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
اال هللا ،دلها آبوبكر ريض هللا عنه عىل املقام المكل ؛ مقام البقاء املقتيض
الثبات الاثر ،وقد قال هللا تعاىل { آن اشكر يل ولوادليك } وقال
صلوات هللا عليه وسالمه " اليشكر هللا من اليشكر الناس ،فاكنت يه
يف ذ ك الوقت مصطلمة عن شاهدها غائبة عن الاثر ،فمل تشهد اال
الواحد القهار )
هذا رشح منه ملا آسلفه من الكمه عىل املقامني ،وقد آوحض فيه
بغاية البيان حىت اكد آن يكون المر عىل العيان لشدة وقعه يف الذهان ،
ودلوجه يف الذان ومتكن عبارته يف اجلنان ،فاستشهد يف ذ ك حباةل
الصديق لنه البارز فيه شهادة القرآن اذا قال فيه س بحانه { واذلي جاء
ابلصدق } محمد صىل هللا عليه وسمل { وصدق به } قيل آيب بكر ،
فلام نزلت براءة عائشة اليت يه من آجل املنن وآعظم النعم عىل سائر
اخللق ،فلام توجه الهيا اخلطاب عىل لسان المني طالهبا آبهيا بوفاء تكل
والقيام هبا ،فقال :آشكري رسول هللا يريد ابلقول والفعال ومل يأمرها
بشكرها لعلمه مبا يه عليه من كامل االس تعداد ،فمل يكن آبوبكر آراد آهنا
تشكر رسول هللا دون هللا ولكن ملا رآى مافاض من مقتضيات الشكر
هلل آراد آن تويف مقام الرشع حقه وهو شكر اخللق ،فقالت مرتمجة عن
حالها مبقالها :وهللا لنه املشهود دلهيا ال آشكر اال هللا ،لن مظاهر
اللوهية مل يرتك فهيا مساغ لرؤية الثان ،واالصطالم يف اصطالح الطائفة
هو احلرية وادلهش ،وهذه احلاةل مهنا غري غالبة وامنا غالب آحوالها المتكني
592
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
مكعرفته فليس قرة عني كقرته ،وامنا قلنا آن قرة عينه يف صالته بشهوده
جالةل مشهوده ( مراجع ) لنه قد آشار اىل ذ ك بقوهل يف الصالة اذ هو
صلوات هللا وسالمه عليه التقر عينه بغري ربه فكيف وهو يدل عىل هذا
املقام ومروايته من سواه صلوات هللا وسالمه عليه " آعبد هللا كنك تراه
" وحمال آن تراه وتشهد معه سواه ،قال القائل :قد تكون قرة عني
ابلصالة لهنا فضل من هللا تعاىل وابرزة من منة هللا عز وجل فكيف
اليفرح هبا ؟ وكيف التكون قرة العني وقد قال س بحانه { قل بفضل هللا
وبرمحته فبذ ك فليفرحوا } [ الية 58يونس ] فاعمل آن الية قد آومت اىل
اجلواب ملن تدبر رس اخلطاب اذ قال { فبذ ك فليفرحوا } وماقال
فبذ ك فافرح ايمحمد ،قل هلم ليفرحوا ابالحسان والتفضل ،وليكن آنت
فرحك آنت ابملتفضل كام قال يف الية الخرى { قل هللا م ذرمه يف
خوضهم يلعبون } [ الية 91النعام ] هذا سؤال جامع وجوابه مدرج فيه
وهو بأن يتسلط عليه القول ،كيف وقد مجع فيه رآس العبادات وكعبة
القرابت وآول املفرتضات ومعدة ادلايانت ،س امي صالة آفضل الربايت
اليت احتوت غاية الكامالت ،وآرفع ادلرجات وعدة احلس نات اليت خف
فهيا مبا قرت به العيون من كشف الرس املصون ،والكزن اخملزون حتت
جتليات الش ئون ،والشهود التام واملقام السام اذلي يتقارص عن نيهل آاكبر
املرسلني وهجابذة العلامء والصديقني ،فلك مصل هل قرة عني فهيا ولكن
قرة العني تتفاوت حبسب معرفة املعبود وامضحالل آعيان الوجود املتجيل
594
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
والشهود ،فالرسول صىل هللا عليه وسمل ليس معرف مكعرفته ،والانل
مقرب كقربه ،والحظ واصل مبثل وصهل ،فمل يكن لحد قرة عني كقرته
.فاشارته بقوهل فهيا دال عىل آنه قرت عينه مبشاهدة احلبيب من قريب
من غري جحاب ،لن العبد اذا قام اىل الصالة جتىل هللا بوهجه هل يف قبلته
.وقد آشار اىل هذا يف بعض الحاديث آنه آقرب اليه من مصاله يف
جسوده ،وقال آيضا :لويعمل املصيل من ينايج ما آسد وهو صىل هللا
عليه وسمل حظ برتبة الشهود حيث قال { شهد هللا آنه ال اهل اال هو
} فهذا هو عني مشهد الرسول بعينه صىل هللا عليه وسمل شهد هويته
ظهور آلوهيته ،فهو الشاهد واملشهود { واملالئكة وآولوا العمل } [ الية
18آل معران ] آيضا شهد مبا شهد به لنفسه ،فاحلاصل من ذ ك آنه مل
يشهده حق شهود سواه ،والعرفه حق معرفته اال اايه ،فاملعرفة هو
مايعرفه العبد من نعوت س يده ومواله واليعرف اال بقدرها ما آشهد س نا
جتليه وظهور صفاته ومعمي آايديه ،وهو صىل هللا عليه وسمل التقر عينه
بغري ربه لنه عرفه ومن عرفه اليسكن اىل سواه واليقر بغريه ،فتبني من
ذ ك آن للك يف الصالة قرة عني حبسب ما آشهده من جتيل صفاته
وظهور آسامئه وصفاته ،فكيف تكون هل قرة عني بغري ربه وقد دل عىل
آن قرة العني التكون اال به بأمره صىل هللا عليه وسمل حيث قال "
آعبدهللا كنك تراه " وحمال آن تراه وترى معه سواه ،فدل عىل آن كامل
العبادة بشهوده والتشهده وآنت شاهد لسواه الس تحاةل امجلع بني الوجود
والعدم ،واحلدوث والقدم ،واجلواز والوجوب ،واحلق والباطل ،والنور
595
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
والظمل ،ذل ك قال املؤلف :حمال آن تراه وترى معه سواه فهذا جوابه عن
معىن احلديث عىل مهنج املقربني وطريقة العارفني ومشهد الصديقني .
فسأل السائل اثنيا عن حاةل البرار ومعوم املؤمنني بقوهل :قد
تكون قرة العني ابلصالة لهنا فضل من هللا تعاىل وابرزة من منة هللا عز
وجل فكيف اليفرح هبا وكيف التكون قرة العني هبا ؟ قال هللا س بحانه
وتعاىل { قل بفضل هللا وبرمحته فبذ ك فليفرحوا } [ الية 58يونس ]
وصدق فامي قال يف السؤال فهذا لرجال وذاك لرجال ،فقال هل الش يخ
جميبا عن سؤاهل ومبينا ملقاهل :واعمل آن العمل يف مثل هذا املقام هو اذلي
حيسن فيه الالكم لنه مقام السائل وغىن الفقري العائل ،آن الية اذلي
فهمته مهنا قد آومت بلطيف رسها اىل اجلواب ،وهذا حمك الالكم اجلامع
املعجز املزنه عن احلدوث آنه يفهم للك قوم منه عىل قدر مقاهمم ،ويفصح
هلم عن مجمل الكهمم ،ولكن آرساره التلوح اال ملن تدبره وعرف ظاهره
ومضمره وحقق معانية وفرسه والرسورى ذ ك لكه الهناية لتجليات آرساره
ينهتي الهيا يف ادلار الخرة فضال عن توقف عىل لكيات آرساره ،
آويشاهد مرشقات آنواره يف هذه ادلار ،ففهم يف الية السائل الفرح
ابلفضل وفهم فهيا املس ئول رمحة الفرح ابملفضل كام هو شان من وصل اىل
مقامه ،وحصل عىل غاية مرامه ،وجتىل هل بدر التجيل يف متامه آن يغيب
برؤيته عن انعامه .
وقرة العني ماجيده فهيا من عظمي الذلة والروح والرسور ،كيف ال
وفهيا مناجاة احلبيب قريب لقوهل س بحانه { واجسد واقرتب } وقرة العني
596
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
597
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
( الناس يف ورود املنن عىل ثالثة آقسام :فرح ابملنن المن حيث
همدهيا ومنش هيا ولكن بوجود متعته فهيا ،فهذا عبد من الغافلني يصدق
عليه قوهل تعاىل { حىت اذا فرحوا مبا آوتوا آخذانمه بغتة } [ الية 44النعام
] وفرح ابملنن من حيث آهنا منة ممن آرسلها ونعمة ممن آوصلها يصدق عليه
قوهل تعاىل { قل بفضل هللا وبرمحته فبذ ك فليفرحوا هو خري مما جيمعون
} [ الية 58يونس] وفرح ابهلل تعاىل عىل ما شغهل من املنن من ظاهر متعهتا
والابطن منهتيى بل شغهل النظر اىل هللا عام سواه وامجلع عليه ،فالتشهد
اال اايه ،يصدق عليه قوهل تعاىل { قل هللا م ذرمه يف خوضهم يلعبون
} [ الية 91النعام ] )
هذا تقس مي مناسب للتقس مي ،اال آن هذا ابلفرح ابلنعمة من
حيث يه نعمة ،وفرح هبا من حيث يه فضل من س يده ،وفرح به
دون ماسواه واكتفى به دون ماعداه .والفرح يف القرآن ماهو مهني حمض
كقوهل تعاىل { التفرح ان هللا الحيب الفرحني } [ الية 76القصص] وحنو
قوهل { حىت اذا فرحوا مبا آوتوا } ولكن هذا ابلفرح ابلعراض الفانية
والزخارف امللهية املشغةل عن هللا ،احلاجبة عنه الصادة عن عبادته ؛
ويه النعم ادلنياوية واحلظوظ النفسانية .وفرح مندوب اليه ابلفضل
الصادر من املفضل اجلواد من حيث آنه منه فضال وذكرا وعناية تشابه
قوهل تعاىل { قل بفضل هللا وبرمحته فبذ ك فليفرحوا } لنه صادر من
598
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
600
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وملا اكن الفرح ابهلل من آجل املراتب وآقىص املطالب طلب املؤلف رمحه
هللا الوصول اىل ذ ك والتحيل مباهنا ك فقال :
( وهللا جيعل فرحنا واايك به والرضا عنه ،وآن الجيعلنا من الغافلني ،وآن
يسكل بنا مسكل املتقني مبنه وكرمه )
فاهللا جيعلنا كذ ك وآحبابنا يف ادلين والوالد والوادلين ،ومن آحبنا يف
هللا آوآحببناه ،ووالاان وواليناه ،وآن الجيعلنا من الغافلني الفرحني
ابلغيار واملطموس عىل آرسارمه بظمل الاثر ،اذلين سلكوا طريق
الكفران وانقادوا بأزمة الهوى دلاع الش يطان ،ونسوا عبادة الرمحن ،
وآحنجبوا بظواهر الكوان ،وآن يسكل بنا مسا ك املتقني اذلين قدروه
حق قدره ،واكنوا نصب هنيه وآمره ،مبنه الفائض وكرمه العممي ،آمني ،
بعد الصالة والتسلمي عىل خامت آنبيائه وس يد آصفيائه محمد المني وآهل
الكرمني ،وحصبه املكرمني جنوم ادلين وآعالم اليقني .
وهنا آخذ يف املناجاة ملا انهتيى اىل مقام املصافاة ،وبه متام الكتاب ،فقال
ريض هللا عنه :
( الهي آان الفقري يف غناي فكيف الآكون فقريا يف فقري ،الهي آان اجلاهل
يف علم فكيف ال آكون هجوال يف هجيل )
ملا اكن امس اللوهية هل التكرب وحمىل يف سائر املظاهر امللكوتية وامللكية
واجلربوتية احلس ية واملعنوية الشهادية والغيبية ،وذ ك ملا اقتضت آعيان
الوجود من التغاير والكرثة واالختالف وهو مع وحدته اهل بلك معىن وتعم
سائر السامء اجلاللية وامجلالية اذلي سائر الكوان موجود من عن تأثريها
،وظاهر مبظهريهتا فيكون هبذا االعتبار ذلوي البصار االهل مبعىن املعبود
601
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
حبق ،واملس تغين بذاته املفتقر اليه ماسواه ،واملوجود واملرجو واخملوف
واحملبوب واملقصود ،واملوصوف بكوامل الوصاف ،واملعروف مبحاسن
الفعال وغري ذ ك من سائر مايظهر حسا ومعىن ،فاحلق هو االهل ،
ومبعىن احلق والظاهر وسائر السامء ،فذل ك لكام ظهر العبد يف وصف
من صفاته شهد حقيقة تكل الصفة فردها ملن يه هل حقيقة ،واتصف مبا
هو الصل هل دون الهه ،وملا جتىل هل يف شاهد رسه برس الغناء املطلق
ادلميويم ،وآثر ذ ك الوصف االلهي ظاهر آثره عىل صفحات الوجود ،
واندى مظهره عىل لك معاين موجود ابلقيام به يف لك حركة وسكون
ظهر الحماةل افتقار العامل بأمجعه علوه وسفهل اىل اقامة القيوم ادلامئ به ،وهل
يف سائر الحوال والقوى ،واذا اكن المر كذ ك فالعبودية آن تعرف
وصفك وماهو نعتك لميدك من فائض فضهل ،لن لك امس يظهر آثره
يقتيض حقا من العبادة ،واليكون عبادة حقيقة اال مااكن صادر عن
معرفة املعبود وكامهل ،ومعرفة العبد ونقصه واضطراره وذلته حتت قهر
املعبود وجالهل ،وامس اللوهية من آخص ما يتوسل به املالوه لنه الخيفى
من دعائه هبذا االمس من االعرتاف هلل بكامل آلوهيته وعظمي ربوبيته ،وما
العبد عليه من االتضاع يف آرض افتقاره وتراب ذلته فقال :الهي ،
فشهوده لللوهية آوال دليل كامل معرفته لن لها الصاةل فاقتىض مقام
العبودية لهذا االهل املعبود آن البد للعبد من آبنية فقال :آان الفقري ،وذ ك
من آحسن آداب العبيد آهنا التظهر آبنية اال مقرتنة بوصفها ومتدرعة بنعهتا
،والفقر هل وصف يف اذلات والصفات والفعال ،بل يف لك نفس
وجودها مفتقر اىل موجده آوال ،وقامئ يف حال وجوده وممد هل مواد صفاته
602
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وجمري هل آس باب آفعاهل فاكن فقريا الحماةل ،والسؤال هبذا الوصف آقرب
لالجابة بل ال يقرع ابب الرب مبثل المتلق اليه هبذا احلال ،واذا عمل ذ ك
،آي آصاةل الفقر عمل آنه فقري اليزايهل افتقاره واليفارقه اضطراره يف سائر
آحواهل ،وظهورر الغىن عىل العبد ابلس باب ادلنياوية وادلرجات
الخراوية اليزداد هبا اال افتقار اىل افتقار ،فعمل آن الفقر آبدا وصف للعبد
،وآن الغىن هلل دامئا رسمدا ،فاذاكنت فقريا يف غنايئ فكيف ال آكون
فقريا يف فقري اىل الش ياء يف لك حني وآوان وزمان وماكن ،فالغىن هو
آن تس تغين عن الشئ املفتقر اليه ،والعبد لو اكن مس تغنيا به وذ ك
الحماةل حيتاج اىل كشف الغطا قلبه وهو آعز شاان لنه اليدرك حبيةل وال
اكتساب فاكن االفتقار اليه آعظم ،فاذا اكن فامي يرى آنه غىن فقري فكيف
اليكون فقريا وهو آبدا حمتاج ومضطر اىل الس باب ،وكذ ك العمل هلل
وصفا وحقيقة ،وللعبد جمازا واعطاء من مجةل العطااي ،ومزية من مجةل
املزااي ،وهدية من سائر الهدااي .فاذا اكن كذ ك علمت آن االصاةل فيك
اجلهل { وهللا آخرجمك من بطون آهماتمك التعلمون شيئا } [ الية 78النحل
] فلوال مددك اايي فامي آعمل يف كوين عاملا ملا مل يثبت علم مع ،ولوال
حفظك هل عيل مل آكن حافظا ،ولوال آجراك آس بابه يل مل آكن هل متيقظا ،
فصح آين جاهل يف علم لووهبت يل سائر العلوم لن نسبهتا ايل جمازية
،فالعامل حقيقة من يعمل الش ياء وكيفياهتا وهيئأهتا يف اجاملها وتفصيلها قبل
ابراز صورها اىل عامل مظهريهتا ،وليس ذ ك اال هللا ،فأان يف حال تومه
آين عامل جاهل فكيف ال آكون جاهال يف هجيل سائر الش ياء فال آعمل
جماري الغذاء مين والتصاريف القدار يف ،كيف وقد وصف هللا االنسان
603
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
} [ الية ابجلهل كام وصف نفسه ابلعمل فقال { وهللا يعمل وآنمت التعلمون
216البقرة ] فقال يف وصفه آيضا يعمل ابملايض يشري اىل قدم العمل هل وآنمت
التعلمون ابحلال يشري آنمك التعلمون يف حال وجودمك ،وقال تعاىل {
ومحلها االنسان انه اكن ظلوما هجوال } [ الية 72الحزاب ] ولاكن هو
الوصف كام وصف نفسه ابلعمل ابلش ياء { فان هللا اكن بلك شئ علامي
} [ الية 54الحزاب ] فاذا كنت جاهال يف علم فكيف ال آكون هجوال يف
هجيل وآان كام آعمل ماذا جيري عيل ،وكيف وآان يف عامل تركييب اذلي هو
مشهود يل ،فلقد حقق االعرتاف وبني مقاصد االنصاف ،وعرف ما
للعبد من الوصاف جفزاه هللا خريا ،ويل يف ذ ك شعرا :
فكيف ال وهو حمتاج ومفتـــــقرا من اكن يف وصفه هلل مفتـــــقرا
مااليكن جاهال يف اجلهل حمتقرا ومن يكن جاهال يف علمه فعىل
( الهي ان اختالف تدبريك ورسعة حلول مقاديرك منعا عبادك العارفني
عن السكون اىل عطاء والياس منك يف بىل )
فلام اكن جتىل آوال عليه بصفة الغىن والعمل تلقاها بوصف الفقر واجلهل
اذلين هام الالئقني به يف هذا املقام ،فتجىل هل بوصف ارادته وقدرته
فأعطاها حقها فقال :الهي ،لنه جتىل بوصف االرادة املتفرعة عن العمل ،
م جتىل هل بوصف االقتدار فقال يف مقام االعتذار والتهبل بلسان
االضطرار ،والتعلق به يف خمتلفات القدار وواردات تعاقب الاثر يف
الطوار ،فهذا هو اذلي آوجب ذلوي البصائر والبصار آن اليسكنوا مع
604
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
الغيار من جنة آوانر ،فلام رآوا رسعة اقتداره واختالف ظهور مش يئته
يف آقداره مل يسكنوا اىل ماجيدون من الحوال لهنا الحماةل حائةل ،فكن
هذا اذلي آقلق قلوب احملبني وكدر صفو صفات املاكشفني خوف تبديل
مامه عليه ،كام جرت بذ ك الحاكم عىل آقوام آنزلوا بعد رفعة املقام اىل
مراتب العوام بل آقبح حال من النعام ،نعوذ ابهلل من سوء ماس بقت به
القدار وانربمت به الحاكم .واكن رسول هللا صىل هللا عليه وسمل ملا
رآى رسعة تقلب القلوب حتت آس تار الغيوب يقول يف قسمه " الومقلب
القلوب " وكام آهنا آورثت آن يسألوا حاال يكونون عليه من الحوال
السارة ،كذ ك آورثهتم حسن الظن ابهلل وعدم اليأس من روحه ،وتفرجي
مايزنل هبم من املهامت ومعضالت البليات لرسعة تقليب الحوال ،
ورسعة حلول املقادير ،وهكذا تكون آحوال العارفني اليسكنون مع
عطاء والييأسون عند حلول بال ،ويل يف ذ ك شعرا :
عباده مل تدع يف الكون مأنوس ان اختالف مقادير االهل عىل
ذلي الشدائد والرضاء والبـوس كذاك مل يك للبلوى مقاومــــة
انداه اثلثا مبا هو املعهود من مجيل فعهل وماهو الالئق بكامل نعته يف مقابةل
ما العبد عليه من النقص يف الفعال وارتاكب مايعتذر منه من اخلالل ،
فقال بلسان االعتذار واالنطراح واالقرار :الهي مبعىن الكرمي املتطول
واملنان املتفضل :مين مايليق بلويم ومنك مايليق بكرمك فلويم يقتيض
معاقبيت ومعاتبيت ،ومنك مايليق بكرمك من العفو والتجاوز والصفح كام
هو وصفك ،فشان العبد اذا آراد ادلعاء للكرمي املفضل آن اليقدم بني
يدي دعائه اال االعتذار بني يدي القادر اجلبار ،ودوام الترضع
605
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
واالس تغفار من اذلنوب والوزار بني يدي العفو الغفار ،فان الكبائر مع
ذ ك يرجت غفراهنا ،وجتىل عن القلوب ظلامهتا وراهنا ،ويشهد ماروي
آن هللا يفرح بتوبة عبده واعتذاره اليه .
ويروى آيضا آن العبد اذا آذنب اذلنب وقال ايرب فتحجب دعاه املالئكة
عن هللا حياء من هللا آوال واثنيا واثلثا حىت يدعو رابعا ،فيقول هللا عز
وجل " لبيك عبدي " اىل مك حتجبو دعاء عبدي عين ،آوكام قال " فهذا
وماورد يف الكتاب والس نة مما يقتيض آن هللا حيب من عبده االعتذار اليه
والرجوع ابلترضع واالس تغفار هل مما الياكد يدخل حتت احلرصوالعد ،
وهذا هو احلمكة وهللا آعمل يف تقدير اذلنب عىل املؤمن كام ورد " لو مل
يكن اذلنب يف بعض خري للمؤمن من العجب ماقدر عليه " ويل يف ذ ك
شعرا :
فلك مااكن من لوم ومن زلل فالئق يب وشان هللا غفران
فالعفو آرىج لن هللا متصف به والحرج آن يعف رمحن فامسه العفو اذا
جتىل حمى ظلامت الاثر احلادثة والوهام الزائةل وهو من آخص جتليات
امجلال ،فعند جتليه تظهر الصفات الزلية والتجليات اللطفية ،ذل ك قال
املؤلف ريض هللا عنه :
( الهي ) مبعىن اللطيف يف عظمته والعطوف يف سابق منته ( وصفت
نفسك ابللطف والرآفة قبل وجود ضعف ؛ آفمتنعين مهنا بعد وجود ضعف
)
606
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
607
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
مايقدهما املتوسل بني يدي من يتوسل اليه اذا اكنت من خري العامل
مسيت وس يةل ،واذا اكن من الوسائط مس شفيعا .وقد مسى الوس يةل
شفيعا ،والشفيع وس يةل ،والمشاحة يف اللفظ اذا عرف املعىن ،فال
آرجا للعبد عند هللا من الوس يةل مثل اعرتافه هل بصفات الكامل ،ولنفسه
ابذلبول واالمضحالل ،واالفالس عن سائر العامل والغيبة عن الفعال ،
فالجيد مايتوسل به اىل مواله اال عدم حيةل وفقد علمه ومعهل فيكون يف
حال قيامه يف العامل غائبا عهنا وفاقدا لها ،مفتقرا اىل س يده الكرمي
وخالقه الرحمي ،ويل يف ذ ك شعرا :
به احلواجئ جل الواحد الحــــد توسيل ابفتقاري لذلي نـزلت
عن اببه من سواه اخلري مل جتد فالتروم نوالا قط ماعـدلت
فلام اكن التوسل ابلفقر يقتيض آن اليكون للغيار وجودا
آوللعيان شهودا ،والفقر اليناسب الغين وال املناس بة بني الوجود والعدم
والبني احلدوث والقدم ،قال املؤلف رمحه هللا :
( وكيف آتوسل اليك مبا هو حمال آن يصل اليك )
كيف يكون التوسل اليك مين بفقري والنس بة بني فقري وغناك
والبني نعيت ووصفك ،واملتوسل اىل املتوسل اليه البد آن يكون نس به
يتوصل به اليه ،فكيف يتوصل اىل هللا مبا هو حمال عليه ،فرؤية الفقر
تنيب عن بقية رؤية شهود غري ،اذ الحوال يف حرضة التوحيد آغيار
والفقر من مجةل الحوال ،فالسبيل اىل حتقيق الفقر اال ابلغيبة عنه ،
ومامل تغب عنه فأنت بعد مل تفن عن رؤية آحوا ك ،وحرضة التوحيد
611
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
اليليق فهيا شهود غري الواحد الحد ،فاذا الوس يةل اليه بسواه ،والاعامتد
عىل من دونه يف مجيع ماهيواه ودفع ما خيشاه اال اايه ،ويل يف ذ ك شعرا :
النس بة بينه وهللا مــــــــــــوالان كيف التوسل يف نيل املــــراد مبا
آما اذا كنت يف الس باب فالان هذا يف القرب فاعرف حق رتبته
وهذه رتبة يف القرب ،وآما يف مقام املعامالت فهو املطلوب منك
كام قلت يف البيت ،آما اذا كنت يف الس باب فالان ك آن ك آن تكون
كذ ك مقدما الفتقارك وتقصريك واعتذارك ،وملا اكن حال القرب والشهود
يقيض بأن الشكوى تشري اىل الغيبة عن املشهود قال املؤلف ريض هللا
عنه :
( آم كيف آشكو حايل وهو الخيفى عليك )
الشكوى يه شكوى احلال واظهار احلال عن مكنون السؤال ،وذ ك
اليكون ملن غاب عنه مكنوانت الحوال وعزبت عنه خفيات الفعال
وذ ك عىل هللا حمال ،كيف وهو العامل هبا قبل بروز العامل من العدم
وظهور آعيان المم ،وذ ك آيضا عند شهود حقيقة الكشف والعيان
مادب عن حضوره عىل اجلنان بأن يتومه عقهل آونس يان ،وآما بروزه عىل
اللسان ابلترضع اىل ادلاين فال حرج اذا اكن عبودية واستيقان آنه اليكون
ماقد اكن ،ويل يف ذ ك شعرا :
فكيف آشكو اليك احلــــال ايمصد وآنت آعمل مبا فهيا من الشجن
آم كيف ال وانت آهال آن تكون لها راب اليك عظمي البث واحلــزن
آم كيف آترمج اليك مبقاليت وهو منك برز اليك ؟ آم كيف آي
جعبا كيف آترمج والرتمج ابلتفهمي ابللسان عام انطوى عنه اجلنان ؟ فكيف
612
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
آبني آمرا آنت اذلي آبرزته عىل جناين قبل آن تنطق به لساين ،فعلمك
احمليط اذلي آحاط بأوائل المور وآواخرها وببواطن العيان وظواهرها ،
فكيف الرتمجة هنا ك واظهار هنا ك ،اذ نشاهد احلقيقة ذ ك اللهم اال آن
تكون الرتمجة ابللسان عبودية للرمحن واظهار الرس غناه يف شهادة العيان
،فذ ك مطلوب آيضا من االنسان يف الرشائع والداين ،ويل يف ذ ك
شعرا :
وهللا جل عن التشبيه ابلبرش فالرتجامن ملن ال يفهم اخلرب
والتعطهل عــــــــــــــني وال آثر التركنن اىل المتثيل ابلغــري
( آم كيف ختيب آمايل ويه قد وفدت اليك ؟ آم كيف الحتسن
آحوايل وبك قامت واليك )
فهذا من الصنف انعطاف اىل نيل الظفر واالسعاف مبزيد اللطاف
،ومتلق من عظمي الفضل واالحتاف بنيل مأمول الوصل وهذا حتقيق رجاء
السالكني وبغية جنباء املريدين ،ومثرة غرس آعامل الصادقني آن يتحققوا
يف هللا حبسن الظن آن الخييب آماهلم الوافدة عليه ،واملتوهجة بلكية مهمها
اليه ،والوفد هو وصف القادم النازل احملبوب املفروح بقدومه ،كام قال
هللا { يوم حنرش املتقني اىل الرمحن وفدا } [ الية 85مرمي ]
( آم كيف الحتسن حاةل منتس بة اليك بفناها ؛ عن نسبهتا سائر
آحوالها وقواها )
وهذا من املصنف اشارة منه اىل تطوره يف مظاهر احلقيقة وترقيه ،ويل
يف ذ ك شعرا :
فكيف ترجع آمالينا وقد وفـــــدت اليك خائبة حاشاك ايمصدا
613
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
614
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
615
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ملا رآى من عظمي القرب ماغيب عنه ظهور الغيار وطمس عنه رؤية
الاثر قال :ما آرآفك يب ،فاالرآفة من خصائص فائضات الرمحة فذل ك
تسمى ابلرءوف فقال { ان هللا ابلناس لرءوف رحمي } فالرآفة ظهور
آثرالرمحة عىل املرحوم ،مفا اذلي حيجبين عنك وليس يل مشهود سواك
وال موجود اال اايك ،ويل يف ذ ك شعرا :
وكشف نور جامل احلق مشهود يف رآفتك علقت المال ايمصدا
واليضام نزيل الفضل واجلـــــود فكيف حيجب من منك هل يدا
مفن آاثر تكل الرآفة وظهور تكل الرمحة ما آشهده قلوب آوليائه واختص به
آرواح آصفيائه من ظهور رمحته يف لك شئ ،فال يواهجون يف الش ياء اال
رس رمحته وذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه :
( الهي ) مبعىن الظاهر يل برمحته واملتجيل يل يف لك شئ بامتم نعمته وكامل
منته وعظمي حمبته ( قد علمت ابختالف الاثر وتنقالت الطوار آن
مرادك مين آن تتعرف اىل لك شئ حىت ال آهجكل يف شئ )
وهذا العمل اذلي آشار اليه هو ما اختصه هللا به من علمه املكنون ورسه
اخملزون اذلي من علمه ارتقى به اىل رتبة الكشف عن مادخل حتت
تكوين الاكف والنون ،واذا عمل هللا عبدا هذا العمل اكن حكامي وهو احلمك
اليت من آوتهيا فقد آويت خريا كثريا ابطنا وظاهرا ،واختالفها آي االاثبة
بنرصه ذلوي البصار ففهيا ماالخيفى من تصاريف االعتبار { فاعتربوا
ايآويل البصار } فعرب آهل االعتبار اىل حتت س تور الاثر من امسه
النافع الضار وغري ذ ك من تقلبات الاثر ،فلو اكن آمقتين يف حاةل واحدة
616
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
مل تنقلين عهنا ضارة آوسارة حلوة آوقارة لكنت انقص املعرفة عن كامل
ظهور يف متعددات مظاهر آلوهيتك ،فاذا اكن مايتجىل به من املؤملات
واملالمئات مما يروث العارف زايدة معرفة فاكنت هل الش ياء لكها تعرفات
خاصة ونعم من هللا سابغة وهو بعض وجود الية يف قوهل تعاىل { وآس بغ
عليمك نعمه ظاهرة وابطنة } [ الية 20لقامن ] كام مسعنا ذ ك غري مرة من
ش يخنا العارف الس يد الرشيف معر بن عبدالرمحن علوي نفع هللا به آن
النعم الظاهرة هو ما ظهر من النعم ،والباطنة ما انطوى من التعرف يف
احملن ،وكتب بذ ك مستشهدا به للش يخ عيل بن محمد ابمزامح ساكن بروم
ملا شىك اليه بعض ماانهل من احملن ،واذا اكن المر كذ ك فالنعمة الباطنة
فهيا ماالخيفى من املزيد لسائر العبيد ،آما املقربني فلام تزاد به معرفهتم اليت
يصغر اىل جنهبا لك شئ من آصناف النعمي ،وآما آحصاب الميني ومعوم
املؤمنني فلام ينالوا من الثواب اجلس مي ويكفر عهنم من السيئات ويدفع
عهنم من العقاب كام وردت بذ ك لكه الخبار ،وشهدت به الاثر وهذه
التاثريات كثرية :مثل الصحة واملرض والغىن والفقر والعز واذلل والطاعة
واملعصية ،و ك فامي ظهر مهنا تعرف خاص من جتيل امس خاص ،
واليكون شاهد االمس وغائبا عن املسمى ،وغاية النعمي ومنهتيى لك مقصد
ومطلب هو شهوده وحتقق وجوده ،وآما تنقالت الطوار فهي تنقالت
الحوال ،وتغاير الواردات فهي من متعلقات القلوب وجتليات آرسار
الغيوب فهي لرابب القلوب مشهودة وعند ذوي الطوار موجودة :
اكلقبض والبسط واخلوف والرجاء والهيبة والنس والوجد والفقد ،ولك
617
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ذ ك آيضا تعرفات وصفية وجتليات ذاتية يعرفها من وصل الهيا وحتققها من
طافت رسه دلهيا ،وآما معوم اخللق فليس هلم اىل تنقالت الطوار سبيل
وامنا مه يف شهود اختالف الاثر واالرادة حميطة بلك ذ ك التتقلب عهنا
حملة انظر والفلتة خاطر ،ومن آرشف عىل عمل االرادة اكن اتراك الختياره
راضيا عن هللا يف مجيع مايوصهل اليه من نفع ورض ،فال آعز منه علام .
مفن آراد غري ذ ك آي رآى آن يكون حباةل خيتارها لنفسه فقد آعوز املعرفة
فعبد هللا يسأل هللا آن يشعره لطفه وحسن اختياره هل فامي قضاه وال
يطلب آن ينقهل عن حاةل هو فهيا ؛ اال ماقد عمل آنه اليرضاه هل اكالميان
مثال فانه يطلب الثبوت عليه ،ولك ماعمل آنه اليرضاه هل اكلكفر وماوالاه
فيطلب هللا آن حيفظه منه ويعصمه منه ،ذ ك لن لك ذلكل ليس من
تدبري العبد واختياره بل من تدبري هللا واختياره ،والرش فيه ظاهر
واالميان آيضا اخلري فيه ظاهر خبالف ماعدى ذ ك من سائر الحوال
فالمر فيه غيب اليدري العبد خريه من رشه ،فيكون عبدهللا حيث
آقامه واليكون ممن قل فهمه عن هللا ان ورد عليه غري مالمئ لطبعه
وموافق حلظه خسط وتربم ،فيصدق عليه قوهل س بحانه { ومن الناس
من يعبد هللا عىل حرف } [ الية 11احلج ] ولكن املطلوب من العبد آن
يكون حريصا عىل حق العبودية هلل يف لك حال يرد عليه من هللا ،فأما
ان اكنت من قبيل النعمة حفق العبد آن يقوم هلل فهيا ابلشكر وان اكنت
من قبيل الطاعة فشهود املنة هلل ،وان اكنت من قبيل اذلنب فالتوبة
618
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
واالس تغفار ،وان اكنت من قبيل البلية فالصرب ،فالمر دائر عىل هذه
الحوال ،ويل يف ذ ك شعرا :
يف اختالفات آاثر املقاديــــــر لقد علمت بأن هللا حمكــــــــــته
فامي مكن حتت مكنون التباشري ومايكون من حـــــــــــال برمحته
يف لك وارد من حمك املقاديــر ان يشهد العارف آن اللك نعمته
حتت املعاين وآطوار التصاويـر هل زايدة قرب آونـــــــــــيل منته
( الهي ) مبعىن املوىل الكرمي املتفضل احملسن ذو الصفات العال والسامء
احلس ىن ( لكام آخرس ين لويم آنطقين كرمك ،ولكام آيستين آوصايف
آطمعتين آوصافك )
لكام يقتيض التكرار كذ ك والعبد آبدا واقع يف الفعال اليت تورث اللوم بني
س يده ،لن العبد انقص يف الصل فاليصدر عنه من الفعال اال النقص
،والفعال متفرعة عن اذلات الصادرة عهنا ،وقد علمت ماذاق العبد عليه
من النقص فاذا شهد مامنه من الفعال الناقصة امللومة واخلصال الرذيةل
املذمومة آخرست لسانه عن الالكم ،واذا آشهد الصفات العلية والنعوت
الاكمةل الزلية غابت عنه صفاته وامضحل عنه شهود ذاته فرآى الكامل
العيل نطق وآوسع يف الالكم ،كيف ال وقد الح تيار الكرم والفضل
العظمي ،فأىن يفىن املقال بعبارته آوتفصح املقاةل ابشارته ،الك ! اليصل
تعبري املعربين ومقال املتبحرين اىل غربة من رماهل آورحشة من حبار نواهل ،
فكيف يقرص يف الالكم عند شهود مواهب ذي الكرم واجلود ! آوكيف
ييأس عند جتيل امسه الرحمي الودود ،فهنا طمع يف نيهل آهل املعايص
واجلحود بأهل االميان والشهود ،ويل يف ذ ك شعرا :
619
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
كيف املساوي اذا حققت ذاك مفا خيلوا عن السوء فامي قيل واحلرج
ومن اكنت حقائقه فامي يزمع آن هناك للعبد حقائق فهي دعاوي لن
مس ندها اىل العدم ،والعجز التكون دعاويه الظاهرة اليت الخيلوا عهنا
آيضا لك انسان اال من حققه هللا ابلشهود والعيان ،مفن مجلهتا شهود
الغىن هل يف ذاته آوصفة آوفعل ،ونس يان االفتقار كذ ك آبدا فهذا من
ادلعاوي ،بل لك دعوى مل تصدر اال فرعا عن هذا املشهد ،ويل يف
ذ ك شعرا :
حقائق العبد يف النس بة اليه سدى فاللها مستند يف الصل يعضدها
فكيف مااكن من دعوى بغري يدا بيان بطالهنا آن ليس يشـــــهدها
( الهي ) مبعىن القاهر احلكمي ( حمكك النافذ ومش يئتك القاهرة مل يرتاك
ذلي مقال مقاال ،والذلي حال حاال )
شهود نفوذ احلمك من غري مباالة ابلس باب وقهر املشيئة وغلبة المر هو
اذلي قطع قلوب اخلائفني ودهل آلباب العارفني فان رآى مقاةل فصيحة فعليه
احلمك ينقلب ،آي العام بعد آن اكن كام قيل يكتب عند العمل من فاه
اكمحلام آوكام قيل ،وان نظرت اىل رفعة احملل وقوة احلال فال آنزه من
صفيح السامء ،فان ابليس غلب عليه سابق احلمك وانربم عىل شقائه جسل
المر آنزل كام ترى وطرد والعياذ ابهلل من سوء املقدور مع مااكن من رفعة
احلال ورفعة احملل ،كام اكن يعبدهللا آربعة آالف عام ،فكفى بذ ك خموفا
ذلوي العقول السلمية آن اليسكنوا اىل شئ مما يبدو مهنم من العمل آوالعبادة
،وآن اليكون لكام ازدادوا علام ازدادوا خش ية هلل تعاىل ،وخوفا من آلمي
املكر وشدة سطوة القهر ،ويل يف ذ ك شعرا :
621
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
هـو اذلي حري اللباب واملهــج نفوذ حمكك يف الش ياء بالسبب
وللمشيئة قهــــــــــــــــــــــر اليغالبه حال فمك فيه من عمل قد اندرج
م آخذ يف بيان الرساليت يرجو هبا العبد الفوز عند هللا فقال ريض هللا
عنه :
( مك من طاعة بنيهتا ،وحاةل ش يدهتا ؛ هدم اعامتدي علهيا عد ك ! بل
آقالين مهنا فضكل )
مك من طاعة بنيهتا ،والطاعة يه صفة قامئ ظاهر العبد ابلفعل املأمور به
من قول آوفعل جازم وغري جازم يه الفرائض املعلومة من ادلين برضورة
كفرائض االسالم ،وغري اجلازم كنوافل الطاعات ،وبنيهتا هو االتيان هبا
عىل وجه االس تقامة وحفظ سائر حدودها من آراكن ورشوط وسنن ،
واجتناب مهنياهتا حرمة وكراهة ،وفعل ماهو الوىل فعهل وترك ماالوىل
تركه وغري ذ ك من وجوه احلظ وحتري احملافظة ،واحلاةل اليت ش يدهتا يه
حاالت القلب من ختليته من رذائهل وحتليته مبحاسن صفاته وامعان النظر
بغاية اجلهد يف دقائق خطراته ولطائف حراكته حىت بلغت ماهو املقدور
من هجدي يف ذ ك ،فاعمتدت عىل ذ ك وآستندت اىل ماهنا ك وطال
دلي ذ ك ،فلام انكشف يل عن نعوتك اجللية وصفاتك السنية وجتلياتك
الزلية اليت ال تعلل بعةل والتكتسب حبيهل ،وظهر من آسامئك اجلاللية
امسك العدل اذلي اليرد حمكه بسبب طاعة آوحسب آونسب ،تعذب
من تشاء وان اكن طائعا ،وتغفر ملن تشاء وان اكن عاصيا هدم ذ ك
اعامتدي عىل ماكنت معمتدا عليه دونك فهربت مهنا اليك ومن لك شئ
دونك ،فرآيت آن االعامتد عىل الس باب دون مسبهبا مما يوجب العقاب
622
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
،فاس تقلتك مما كنت عليه معمتدا دونك ،فأقالين فضكل اذلي هو معمتد
الهاربني ومنهتيى رغبات الملني ،ويل يف ذ ك شعرا :
مك طاعة ك آحسنت القيام هبا وكنت فهيا كثـــــري اهلم جمهتدا
وحاةل طاملـــــاكنت اعتنيت لها بزتكيهتا مع النفاس مرتصــــــدا
ملا جتىل ظهور العدل عطلــــها حىت علمت امنا غري االهل سدا
( الهي ) مبعىن معبودي العامل بتفاصيل آحوايل وجراين آفعايل قبل مظهر
صوريت وصور آعاميل ( آنك تعمل وان مل ترم الطاعة مين فعال جزما فقد
دامت حمبة وعزما )
كام آوجدت يف وطبعت عليه جبليت ،علمت الحماةل آن تعمل ذ ك مين اذ
ال ختفى عليك تفاصيل آحوايل وجراين آعاميل ،وآان آجد اين وان مل ترم
الطاعة مين فعال وجزما كام هو شان ادلائبني عىل عبادتك ،والعاكفني يف
حرضة قدسك ،اليسأمون وال يس تكربون عن خدمتك ،فأان وان كنت
كذ ك فعال وجزما فأان دامئ حمبة وعزما ،آي حمب لها وللعاملني هبا .وقد
ورد عىل لسان نبيك " املرء مع من آحب " وآان آحب آن آمعل هبا وحب
العاملني ،وعازما عل فعلها يف لك آن ،فأكون بنية القصد والعزم علهيا يف
زمرة العاملني ،وذ ك غري مستنكر والمستبعد كام وردت بذ ك الخبار
ادلاةل عىل آن العازم عىل فعل الطاعة يف طاعة ،والعزم هو عقد القلب
عىل فعل ذ ك فهو يف ديوان الطاعات ان اكن طاعة ،ويف ديوان املعايص
ان اكن معصية ،لن العزم هو تصممي القلب عىل الفعل مفا بق اال عزم
تقدير احلركة فيه والعجز عن االتيان به ،ويبقى كذ ك حىت جيد مساعدة
623
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
624
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
هللا عىل االس تقامة عىل جادة الطريق املثىل ،فاملرجو من فضل هللا كام
يرس هل تكل الس باب ملن يغلق دونه الباب ،اذ هو املتفضل الوهاب ،
ويل يف ذ ك شعرا :
ترددي بني آاثر وآغـيار موجب لبعدي عن الحباب وادلار
فياغياث مللهوف وحمتار امجع عليك بطاعـــــــــــــــات وايثار
( الهي ) مبعىن الظاهر الحد املبدع لصناف الفطن ،واملظهر لسائر
املعاين والصور ( كيف يس تدل عليك مبا هو يف وجوده مفتقر اليك ،
آيكون لغريك من الظهور ماليس ك حىت تكون املظهر ك ! مىت غبت
حىت حيتاج اىل دليل يدل عليك ! ومىت بعدت حىت تكون الاثر يه اليت
توصل اليك! )
هذا تعحب من يظن آن املوجودات تدل عليك ،وامنا دلت عليه اال من
حيث ما آعطاها من الوجود ،ولو مل يكن ذ ك مل يكن لها يف ذواهتا
وجود ،فدل ذ ك عىل آمنا دل عليه من قبلها اال وجوده فهيا اليه من
حيث يه ،فهو ادلليل عىل نفسه الغري ،اذا افتقارها يف اجيادها
وامدادها يف قيام وجودها آول دليل عىل انعداهما ،وآبني برهان عىل
ظهور توجدها ،وممدها يف قيام وجودها .مفىت غاب ! ولوغاب مل يكن
للوجد بأرسه وجود فدميوميته برهاهنا قيام العامل واس مترار وجوده ،فأرابب
الشهود والعيان غنوا مبا واجه قلوهبم من ظهوره ورشوق نوره فمل حيتاجوا
اىل االس تدالل عليه مبا هو مفتقر يف وجوده اليه ،ولكام سواه كذ ك
مرسوم ابالفتقار اليه ظهرت عليه مسة االضطرار ،وهل الغناء املطلق ،
آيكون لغريه من الظهور ماليس هل ! هذا تقبيح من آرابب الشهود
626
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
املس تدلني ابلش ياء عليه ،ولكن من ابب :حس نات البرار سيئات
املقربني .وليس تقبيح توبيخ امنا هو اغرا عىل هو الوىل وهذا حيسن يف
قيام مناجاة احلبيب ،وتذلل احملب مع احلبيب ،فادلالةل التكون االعىل
غائب وآنت حارض عىل خفيات الضامئر ،وحملات النواظر ،وفلتات
اخلواطر ،سامع وانظر { وماتكون يف شان } الية ،فكيف توصل
الاثر اليه والوصول اليه اليكون اال متحزي يف وهجه وهللا مزنه عن اجلهات
،مفىت بعد وهو القريب ادلاين { وحنن آقرب اليه منمك ولكن التبرصون
} [ الية 85الواقعة ] { وحنن آقرب اليه من حبل الوريد } [ الية 16ق ]
قرب المياثهل قرب الجسام ،من غري مماسة وال اس تقرار والحلول
والامزتاج ،بل عىل المر اذلي وصف ،والوجه اذلي عرف ،فال
يوصل اليه سواه ،واليس تدل عليه اال اايه ،ويل يف ذ ك شعرا :
هو من بدائعه يف اذلر والفـــــــطر كيف اس تدل عليه املس تدل مبــــا
آعيانه من بديع اخللق يف الصــــور وكيف يوصل اليه مابه ظهــــرت
ومنيش آصناف مايف الكون من آثر تبارك هللا مظهر لك اكئـــــــــــنة
( الهي ) مبعىن الرقيب عيل ( معيت عني التراك علهيا رقيبا ،وخرست
صفقة عبد مل جتعل هل من حبك نصيبا )
معيت عني ،فعمى العني القلبية هو العمى حقيقة ،قال هللا جل ذكره {
فاهنا التعمى البصار ولكن تعمى القلوب اليت يف الصدور } [ الية 46احلج ]
ومعى عني القلب آشد من معى العني الظاهرة ،ومن اكن يف هذه آمعى
627
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
عن مراقبة هللا وعن النظر يف آايت هللا والهجوم عىل حمارم هللا من غري
حياء من هللا والمباالة ن فهو يف الخرة آمعى عن النظر اىل جامل هللا ،
وما آعد فهيا لوليائه ورؤيته علهيا من رقيب هو مقتىض االميان ،واملراقبة
حاةل قلبية تعط املراقب حاةل يرى آن هللا يراه يف مجيع مايتعاطاه ،
فيس تح منه آن يراه حيث هناه ،آويفقده حيث آمره ،ويه لرابب
القلوب ،ويه برزخ بني احملاس بة اليت يه حاةل آرابب الظواهر ،وبني
املشاهدة اليت يه لرابب الرسائر .قال بعض احلكامء يف ادلين :آن
املراقبة نور ينبسط يف الصدور وهو من شعاع نور مشس االحسان
اكلضوء عىل احليطان ،وخرست صفقة عبد ،آي بيعته ومارحبت جتارته
ان مل جتعل هل يف سابق علمك من حبك نصيبا .واحلب من هللا لعبده
هو آصل لك خري وغمن ،ومن مجلته ثناه عليه ومدحه اايه اذلي اليوازي
بعمل ،ومن آاثره عىل الظاهر الهداية احملاب ورصفه عن املذام .
ومن حمبته لعبده آن قد غفر هل وجبهل ومدحه وآعد هل اجلزاء قبل اجياده ،
وهيأ هل آرضه وسامئه ،وجنته وسائر نعمه وآالئه ،قبل ابرازه من العدم مبا
نص عليه يف كتابه القدمي ،ووصفه العظمي اذلي مل يس بق بفعل من آفعال
اخمللوقني املرتبة فيه املضافة الهيم اضافة ترشيف ،وحمبة العبد هلل فرع حمبة
هللا هل وهو مايتقرب به اىل هللا من آنواع الطاعات واجتناب املهنيات ،
واخلطاب يف قوهل :من حمبتك نصيبا اىل هللا ،فان هللا حيهبم ابتداء من
غري تقدم معل مهنم يقتيض آن حيهبم ،لعهل يتعاىل عن العلل يف سائر
آفعاهل ،وحيبونه مبا آظهره علهيم من آاثر حمبته هلم اليت يه الطاعة كام بينا
ذ ك .ومن مل جيعل هل من هذه احملبة اخملصوصة نصيبا فقد ابن غبنه
628
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وخابت مطالبه ،وابنت خسارته بأن كره انبعاثه فثبطه عن التوجه اليه ،
واالقبال بوجه القلب عليه ،فنعوذ ابهلل من سوء القدر ،وماس بق به من
حرمان الظفر ابلوطر ،ويل يف ذ ك شعرا :
من مل يراك رقيبا ظل يف ظــــــمل حـــــريان آمعى عن النوار منحجب
وخاب عبد خرس يف بيع صفقتـه ان مل يكن جلنــــــــاب هللا منتسب
حمبة هللا يف غيب القدم س بقت لهل السوابق يف العلياء بـــالسبب
( الهي ) مبعىن ويل آمري يف االدخال واالخراج المر لعبده يف لكيات
الحوال ،وماكلفة وظائف العامل ( آمرت ابلرجوع اىل الاثر فارجعين
الهيا بكسوة النوار وهداية االستبصار ،حىت آرجع اليك مهنامصون الرس
عن النظر الهيا ،ومرفوع اهلمة عن االعامتد علهيا ،انك عىل لك شئ قدير
)
آمرت ابلرجوع اىل الاثر لداء ما توجه عىل العبد من احلقوق الواجبة
وماس بق هل من القسام العاجةل حىت يس تمكل ماهل مهنا ويودي ماوجب
عليه ،فريجع بعد كامل املعرفة واس تخالص التوحيد جبميع آطواره ،فسأل
املؤلف حفظ ما شهد من التوحيد ،وآرشق عليه من آنوار التفريد آن
حيفظ حال رجوعه اىل تفرقة التعديد ،وتوارد الضداد اذلي مهنا مايشري
اىل القرب ،ومهنا مايدعو اىل البعاد ،فاذا رجع الهيا بكسوة النوار
القدس ية مؤيدا ،وبعز الحدية مؤزرا ،وابملعارف احلقية مستنرصا ،اكن
رجوعه اليه ابهلل لنه صار هل يدا ومؤيدا وبرصا ومسعا وغري ذ ك من
اس تغراق آنوار املعية احلقية ما تعينت به العيان اخللقية ،فالايخذ مهنا
شيئا بل يأخذ مهنا ،واليكون هل اعامتد علهيا والنظر الهيا ،وكيف ينظر
629
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
الهيا وقد طويت بأنوار موجدها ،وكيف يعمتد علهيا وقد امضحلت يف
ظهور مبدعها ،فال جرم آن يرجع اىل هللا اذا اكن كذ ك حمفوظ الرس
علهيا ،مؤيدا ابلنرص علهيا كام دخل ابهلل خرج اليه به ،اذ مل حيجبه عن
شهود س يده { انك عىل لك شئ قدير } لن الش ياء لكها عىل فكل
اقتدارك دائرة ،وحتت سلطان مش يئتك انظرة ،فاليعجزك حفظ عهنا
وآان شئ من هذه الش ياء ،واذا توهجت قدرتك ايل ابلتاييد ومش يئتك
ابلتسديد مل اتخذين مظاهر التعديد ،ومل ينترص عيل لك معاند عنيد ،
ويل يف ذ ك شعرا :
لهل الهناايت آمر ابلرجـــوع اىل مظاهر اخللق يف الاثر والغـــــري
ليمكلوا لك نقص مثل مامكــــــلوا وايفا حق وجب يف سابق القدر
اذا س بق ذاك فارجعين اليك كام دخلت مهنا مصون السري والنظر
( الهي ) مبعىن العزيز يف قربه ،والقريب يف عزه ،واللطيف يف عظمته
،والعظمي يف لطفه ،واملعبود ابالس تحقاق عىل سائر العباد ( ذيل ظاهر
بني يديك ،وحايل الخيفى عليك ،منك آطلب الوصول اليك ،وبك
آس تدل عليك ،فاهدين بنورك اليك ،وآمقين بصدق العبودية بني يديك )
اذلةل هو صفة العبد بني يدي الس يد العزيز ،واملتفضل الكرمي وهو روح
العبودية هلل ،ومبثل هذه املناجاة حتسن عند املفاجاة ،وهبا تفرغ خزائن
العطاء ،واذا آراد هللا اعزاز عبد عرف ذل نفسه ودلول حسه وغيبه عن
رؤية آبناء جنسه حىت حتلو هل املناجاة ،وتصفو هل املفاحتة .واذا آراد هللا
اهانة عبدجحبه عن ذل نفسه وآراه احلسن مهنا ،وغطا عنه عيوهبا ،
وسلط اخللق ليشغلوه عن هللا ابلقيل والقال ،ووعر عليه مسا ك
630
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
وهو مفاحت خزائن الغيب يف آرسار الصفات ملعاين اذلات ،اذلي تغنا عند
التحقق بسائر الذلات حىت يغيب نعمي اجلنان واليذوقه اال اذلائقون من
عبادهللا اذلين رشبوا رصف رشاب شهود نور اذلات ،املمزوج من
رشاهبم لهل صفو احلاالت آهل مقام الشهادات ،ويعربون عن آمنوذج
من ظهوره يف ادلنيا ابلعمل الادين اذلي يلقيه هللا خلواص عباده من غري
تعمل والدراسة ،فيكشف مدخور ما ادخره حرف من الكمه ،فينكشف
ماوراء الغيوب امخلسة وهو :الغيب العريش ،والغيب الكريس ،
والغيب الساموي ،والغيب امللكويت ،والغيب اجلربويت .فعند انكشاف
هذه الغيوب يطلع جفر الشموس الوصفية واملعاين اذلاتية ،وما مل خيرج
عن مضيق دائر احلس ومل يشم راحئة الكشف بل يف متاويه وخياالت
وغرور ودعاوي اكذبة وزور ،والصيانة ابالمس املصون هو آن يصون رسه
عن االلتفات اىل الغيار ،واالعامتد عىل الاثر ،واالنقهار حتت كثيف
العادات ورذائل الشهوات ،مفن انصان حتت صوان االمس العظم من
جهوم بيان نعتات املهامت فيكون هل حافظا ،وعليه حميطا وافيا ،ويل يف
ذ ك شعرا :
علمين العــــمل ذي من اكن يعلـمـه نعده عاملا يف السادة المــــــــــــــــنا
علمك اىل هللا انصاف جلانـــــبه هو ما ادخر حتت صون الغيب واكتامت
ورس امسك كنيان فعاملـــــــــــــه مل خيىش ريبا ومل يعتب به الزمــــــنا
( الهي ) مبعىن املويل بتدبريي يف سائر آرادايت ؛ الواهب ملن يشاء الكزن
العظم ،وهو التحقق ابملقام الهنا ( حققين حبقائق آهل القرب ،واسكل
يب مسا ك آهل اجلذب )
632
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
التحقق ابحلقائق هناية الفنا يف احملبوب ،والظفر ابملىن ونيل هناية املطلوب
،وهو البقا احملقق اذلي من وصل اليه مل جيد وجود غري املكل احلق ،
فيفنا به عن تدبريه لنفسه فضال عن آن يكون هل اىل الغيار استناد يف
جلب نفع آودفع رض ،وخيرق جحب الكوان ببصريته فرياها كشفا حمققا ،
فال يعياء ابخلياالت الومهية ،ومسا ك املؤهلون للمحبة يف سابق العمل ،
فهم احملبوبون اخملطوبون للوصال اذلين اختطفوا من احلظيظ الدىن اىل
حببوح القرب الهنا من غري تعب والعنا ،بل محمولون يف حمفة املنة ،
فالسابق اىل قلوهبم وجود حمبوهبم ،فاليدخلون يف الش ياء اال به ،
والخيرجون عهنا اال به ،لنه السابق هلم مبحبته ،واملتويل هلم برعايته ،
فهم آهل الفتح املبني .ويل يف ذ ك شعرا :
اي من حتقق آرسار مبـــــــــا وهبت من منة القرب حىت طاب مثواها
يف حرضة احلق من توحيده امتلت واكن يف قاب قوس القرب مأواها
آسكل بنا مسلاك فاقت مراتبـــــــه جبذبة منك واحتفنا برؤيـــــــــــاها
( الهي ) مبعىن املدبر اخملتار { وربك خيلق مايشاء وخيتار مااكن هلم
اخلرية } [ الية 68القصص ] ( آغنين بتدبريك عن تدبريي ،وابختيارك عن
اختياري ،ووفقين عىل مراكز اضطراري )
الغىن بتدبري هللا عن تدبري العبد لنفسه يه حاةل املوحدين ،وس امي
خواص عباد هللا املقربني واالختيار كذ ك ،لن نور الكشف يعطى ذ ك
وضده هو املذموم هو تدبري العبد يف آمر مل يدبره فيه الرشع ،واختياره
لمر مل يدري فيه غري الصواب كام هو شان احملجوبني واجلهال املغرورين ،
633
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
فذل ك سأل املؤلف آن يغنيه عنه مبا يكشفه هل من حسن اختيار هللا هل
وتدبريه ،ويوقفه عىل مس تقر اضطراره ،وهذه حاةل الدابء آهنم اليفارقهم
اضطرارمه اىل موالمه يف سائر الحوال ومراجني عن مقاسات التدبري
واالختيار ملا محهل عهنم من واردات النوار ،وصوةل سلطان احلقيقة عىل
الرسار ،فهنا حيصل الغىن عن التدبري واالختيار .ومن وقف علمه
آوصفة وعرفها مبا يه عليه من العجز والضعف واجلهل بعواقب المور
وقف الحماةل عام ليس هو من مقتىض الربوبية ،وسمل المر وانقاد ،وسمل
عن املنازعة يف آحاكم هللا واملعاندة ،ولزم مركز االضطرار ،ويل يف ذ ك
شعرا :
ايمن هو القادر اخملتــــار يف الزل قبل الربوز اىل الش باح والصور
سكل آغنين بك عام مين من خطل وجنين من حقوق اجلهل والضــرر
( الهي ) مبعىن متويل آمري وقائد زمام آمري ( آخرجين من ذل نفيس ،
وطهرين من شيك ورشيك ،قبل حلول رميس )
االخراج احلقيق هو مااكن ابهلل الابلنفس واذلل اذلي طلب املؤلف
االخراج عنه ؛ ذل النفس لغري هللا لغىن تتومهه من وصول نفع آوحصول
رض ،وذ ك لكثافة جحاهبا عن من بيده لك منافعها ومضارها ،وآن اخللق
فامي يصل عىل آيدهيم آالت مسخرة التتحرك والتسكن اال بتحريكه
وتسكينه ،مفاهل خيرج عن رؤية الغيار وظلمة الاثر ذلت للمخلوقني
الحماةل ،فطلب اخلروج عن رق الكوان اىل رصف عبودية الرمحن ويه
احلرية احملققة اليت من وصلها صارت الش ياء هل منقادة هل حبمك التسخري ،
وهو االنقياد لغري س يده ومواله ،والشك هو سبب احلرص عىل ادلنيا ،
634
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
635
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
636
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
الفضل والكرم .كذ ك آنت الغين بذاتك كام آنت الغين بصفاتك وآفعا ك
عن آن يصل اليك النفع منك لوجوب غناك عن العراض املمكالت
لوجوب كام ك وثبوت جام ك وجال ك عن تطرق نقص ،ويل يف ذ ك
شعرا :
تقدست صفة املـــوىل عن العلل يف سابق المر بل يف حرضة الزل
وهو الغين آبدا يف عــــــــز رتبته عن آن يصل منه هل نفع ولن يصـــل
ولك آفعال من دونه ولو حسنت اليس تحق هبا قطــــــــــــع والوصل
وهذا توطيئة منه لسؤاهل وانطراحه حتت جراين احلمك ذل ك قال :
( الهي ) مبعىن ذو القدرة القاهرة واملشيئة السابقة ( ان القضاء والقدر
غلبين ،وآن الهوى بواثئق الشهوة آرسين ،فكن آنت النصري يل حىت
تنرصين وتنرص يب ،وآغنين بفضكل حىت آس تغين بك عن طليب )
ان القضاء السابق واحلمك الغالب غلبين عن آن ال آيت اال مبا هو املراد من
تقريب وابعاد ،آوشقاء واسعاد ،آوموافقة آوعناد ،وهذا من ابب
االعتذار بني يدي الكرمي الغفار ،اللطيف الس تار ،ولكن من حق
الدب آن اليقطع النظر يف الفعال امللومة عنه مبرة واحدة ،بل يعط
الدب حقه من اضافة هذه الفعال اليه واىل هواه وشهوته ،لتزنيه
اجلناب االلهي عن مثل هذه اللفاظ ،فيشهد ابطنا انفراد هللا هبا دون
علمه آومعهل ،وظاهرا يكون المئا لنفسه وذاما لها ،واذا آهلم عبدا مثل
هذا االعتذار وقام فيه ابلدب ابطنا وظاهرا فان هللا يريد آن يقبل عذره
،فكن آنت النصري يل عىل آعدايئ حىت ينرصين علهيم مبا آمددتين به من
جنود آنوارك ،وواردات آرسارك ،وينرصين بعد كامل اراديت ووصول
638
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
عن املعرفة ،ومثرهتا النس ابهلل وترك ماسواه ،واالدابر عام عداه ،ويل
يف ذ ك شعرا :
آنت اذلي يف قلوب الولياء رشقت آنوارك اليل هبا نــــــــــار احلناديس
آزلت عهنا ظمل الغيار فاحــــرتقت لك الس ناديب من حقب الوساويس
آحباب صدق هلم آنس اذا رهقت يف غهيب الليل آوجــــــاه املفاليس
( وآنت اذلي هديهتم حىت استبانت هلم املعامل )
آنت اذلي س بقت هلم منك الهداية اىل سبيل الوالية ،وحصلت منك
هلم الرعاية ،حىت اس تقاموا عىل رصاط العناية ،ومل تزل هلم حافظا وهبم
مالطفا ،حىت ظهر هلم رس وحدانيتك ،وحصلوا مقام فردانيتك ،
وكحلت آبصار بصائرمه بنور معرفتك ،فشهدوك هلم قريبا ،وآظهرت
رس لطفاك هبم فاختذوك حبيبا ،ويل يف ذ ك شعرا :
آنت اذلي آعطيت آنوار الهداية يف ماهو مرادك من غ ومن رشد
هديت قوما اىل التحقيق فانظر اىل عمل االلــــــــه وماحيويه من مدد
فاذا حتقق املريد مبقام التوحيد ،وفنيت عنده كرثة التعديد ،وشهد منه
اليه آقرب من حبل الوريد ،غين به عن الغيار ،ذل ك قال املؤلف
ريض هللا عنه :
( ماذا وجد من فقدك ،وماذا فقد من وجدك )
وجود الغيار واالفتقار اىل الاثر دليل عىل انطامس البصائر وذهاب نور
البصار ،وترامه ينظرون اليك ومه اليبرصون ،فاحلق ليس ميقصود بل
هو املوجود دون لك موجود ،واحلارض عند لك شئ والشاهد عىل لك
مشهود ،مفاتفيض فائضة والتنطق لسان الفظة اال اكن علهيا شاهد ولها
641
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
642
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
واخلسارة وقوع النقص عند التعرض للرحب ،واي صفقة آخرس وجتارة آبور
ممن ابتغا عنه متحول ،ومن حمال قربه تنقل ،ولك طالب لغريه كذ ك
يف خسة وخسارة ،وبوار جتارة ،ويل يف ذ ك شعرا :
خاب اذلي عنك يرىض بدال مفىت يغنيه عنك وجود الها ك الفـاين
وايخسارة من يبغا حتول عـــــــــن قرب احلبيب فذاك املبعد العاين
كيف التحول آم كيف الشطون وما يلقا بديال عن املوىل والثــــــاين
فاذا اكن غري مقصود بل وجوده عىل احلقيقة مفقود ،تعجب املؤلف رمحه
هللا فقال :
( كيف يرىج سواك وآنت ماقطعت االحسان ! وكيف يطلب من غريك
وآنت مابدلت عادة االمتنان )
الرجاء من غري هللا من شان احملجوبني ،وعالمة البعد من رب العاملني ،
فالرجاء هو تأميل آمر يرتقب حصوهل ،ومن اكن هللا مشهوده فاليكون
لغريه يف احلواجئ مقصود ،ويشاهد حصول المال ونيل لك نوال دوام
االحسان ،فكيف ترجا غري من آلفت منه العوائد امجليةل ،واملنن الثقيةل
،وكيف تطلب من غريك وغريك الميكل لنفسه رضا والنفعا ،والموات
والحياة والنشورا ،وآنت مع ذ ك مابدلت عوائد االمتنان ،بل مل تزل
املنن مدمية ،والنعم دلهيم مقمية ،فال يكون الطلب من غريه بعد ماعلمت
عدم ماهو عليه من عدم تبديل عوائد االمتنان محمود ،واليكون غريه
ملهامت المور مقصود ،ويل يف ذ ك شعرا :
مايرجت غري من ابلفضل موصوف وعنــــده فائـض االحسان مألوف
وكيف تطلب من مل يرىج منــــتــه دون االهل اذلي ابلفضل موصوف
643
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
عن مقاهمم مع ماهو متحقق به من علو مراتهبم ،والعزة يه رفع مهمهم عن
الكوان ،وتعلق مطالهبم جبناب س يدمه ،واغتنامه به عن لك شئ سواه ،
وعدم طلهبم لعرض اال اايه ،فهذا من عزة املؤمن املتصةل بعزة هللا ونبيه
حيث قال { ان العزة هلل ولرسوهل وللمؤمنني } [ الية 65يونس ] ويل يف
ذ ك شعرا :
ايملبس السادة الجناب هيـبته القامئني بعـــــــــــز هللا لك ويل
جفانب الكون انصــــــــار لسنته يف لك وقت وهنج احلق معتدل
فلام ختلقت املظاهر اخللقية املس بوقة ابلعدم بالحئ آنوار القدم ،عرف
الشئ من آصهل ،ورد احلق لههل فقال :
( آنت اذلاكر من قبل اذلاكرين ،وآنت البادي ابالحسان من قبل توجه
العابدين ،وآنت اجلواد ابلعطاء قبل طلب الطالبني ،وآنت الوهاب لنا ؛
م آنت ملا وهبت لنا من املس تقرضني )
هكذا شان املوحدين اذا كرعوا مناهل اليقني ،وظهر هلم احلق املبني ،
يرون آولوية احلق يف سائر الفعال ،فاذلكر من اذلاكرين حسب ماس بق
من ذكره هلم مباذكروه ،قال جل من قائل { فاذكروين آذكرمك } آي ذكري
لمك حس امب ذكرمتوين ،وهذه فيه راحئة اخبار عن ذكره هلم لن ذكره قدمي ،
وهذا عىل حسب ماذكرمتوين آذكرمك ،فالقرآن قدمي ومه حادثني من آفعاهلم
وآوصافهم وذواهتم ،ومن عمل احلق فهيم وهبم قدمي ،فهذا ذكره هلم قبل
بروزمه من كمت العدم ،وبدو االحسان كذ ك ان آهلهم لطاعته وهيأمه
لعبادته ،وقرهبم حملبته ،وواهجهم برمحته قبل توهجهم وتعبدمه ،فهو
645
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
البادي ابالحسان وفيض االمتنان قبل ظهور العيان ،وانرباء الكوان ،
ووجود االنس واجلان بقوهل { لقد من هللا عىل املؤمنني } مبا وههبم من
نور االميان وتزنيل القرآن عىل آمكل عامل االنسان محمد املصطفى من عدانن
،وارساهل اىل اكفة االنس واجلان ،وآهلهم للزوم لكمة التقوى بقوهل {
وآلزهمم لكمة التقوى } فاذلكر مما خيتص ابملقربني والصفوة ادلائبني ،
واالحسان مما خيتص به آهل االحسان املاكشفني بأنوار الصفات ،
الشاربني عني اليقني ،والعطاء لهل التلق وعامر آحصاب الميني الخذين
يف عمل اليقني ،فهم عامل الفعال ووراء آجساف احلمكة منتظرين ،وهو
البادي ابلعطا كام حيمك بذ ك الرشع والعقل من قبل طلب الطالبني ،لن
العقل حيمك آن آفعال اخللق التعلل بعةل ،والتنال بفعةل ،فال يكون
طلب الطالبني يوحد آمرا مل يكن يف علمه آنه اليكون ،ومااكن يف علمه
آنه يكون ،مفا يفيد الطالب ويلكف معاانة تعب السبب واالضافات اىل
النسب وآنت الوهاب مجيع ذ ك ،واملوصل الينا ماهنا ك ،م رفعت
شان االنسان عىل سائر الكوان بأن نسبت اليه ما آنت واهبه ،
واس تقرضت منه ما آنت موجده ،ووعدته عليه جبزيل اجلزاء ومتام الفضل
يف العقىب ،وتضعيف الثواب يف ادلنيا واملأب ،وآما يف ادلنيا فباخللف
المكل ،ويف العقىب ابجلزاء الوىف ،فامحلد هلل مفا آعظم منته وما آمت
نعمه ،يس تقرض ما آعطاك ويثيبك عليه يف عقباك ،وتنال به الثناء عنده
يف اعطاه ماهو ملكه ،ويل يف ذ ك شعرا :
يذكرك عبد فذاك اذلكر منك بدا ذكرك تقدم ذكر اذلاكرين ومــــــا
646
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
647
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
اذلين قاموا حبمك العبودية من غري عةل ،واذا شاهدوا الفعال الصادرة عهنم
مل جيدوها شيئا ابالضافة اىل مامه مشاهدين من الصفات احلقية ؛ ان
نظروا اىل الطاعة الصادرة عهنم اندهتم الصفة العدلية وقوة نفوذها ،وعليه
حمكها ،فمل يعمتدوا عىل طاعهتم { فاليأمن مكرهللا اال القوم اخلارسون
العراف ] علام مهنم بأهنا آن جتلب ابحلمك غلبهتم ،وان نظروا } [ الية 99
اىل مابرز مهنم من املعصية اندهتم الصفة الفصلية { ايعبادي اذلين آرسفوا
عىل آنفسهم التقنطوا من رمحة هللا ان هللا يغفر اذلنوب مجيعا انه هو
الغفور الرحمي } [ الية 53الزمر ] { والتيأسوا من روح هللا انه الييأس من
روح هللا اال القوم الاكفرون } [ الية 87يوسف ] فمل يزل هبم ذ ك ،فمل
تزايلهم هذه شهود الصفا ،والتغريمه عام مه عليه مايربز عهنم من
احلس نات والسيئات ،هذا خالف ما آهل الرسوم عليه ،وآما معوم
اخللق مستندون اليه ،ويل يف ذ ك شعرا :
رجايئ الينقطع عن فضـــكل العمم وان عصيت فشان العبد ايانسان
واخلوف من مكر جبار يكون وان كنت املطيع ومق للعــــــــدل مزيان
( الهي قد دفعتين العوامل عليك ،وقد آوقفين علم بكرمك عليك )
هذا مفرس ملا تقدم من الكمه ،العوامل مجع عامل ويه لك ماسوى هللا
س بحانه ،ان اعمتدت عىل الطاعة مل آجدها خملصة يل من عد ك اال مبا
وعدت من جزيل كرمك وفضكل ،وان رشدت عنك ابملعصية ردين اليك
بشمول رمحتك وس بوغ فضكل ،فعىل احلقيقة وان العوامل لكها سري اليك
649
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
،فاخلوف سائق اليك ،والرجاء داع لعبادك اليك ،ولك وصف من
آوصافك آوامس من آسامئك آوفعل من آفعا ك انطق بوحدانيتك ،ومشريا
اىل مصدانيتك ،فامسك الكرمي يشريوا اىل آن الكرمي التتخطاه المال ،
والتزنل بغريه نوزال الحوال ،وغريه كذ ك ،واملصائب والنكبات املؤملة
ملجية للعبد اىل س يده ،والعوارض والعوائق حمببة هل وحاثة ،وكذ ك
النعم وسائر لك عامل من مالمئ وآمل ،ويل يف ذ ك شعرا :
اليك تدفعين الكوان ايمصد وعلم آوقفين آن الفضل منك بدا
( الهي :كيف آخيب وآنت آميل ،آم كيف آهني وعليك متلك )
فلام حتقق ذ ك جعب من آنه عبدهللا ابتداه ابالحسان ،وانداه بفوائد
االمتنان قبل طلب منه ذل ك واللعرض ،فكيف خييب بعد ما آلبسه
العرفان ،وتوجه بتيجان االميان { وكره اليمك الكفر والفسوق والعصيان
} [ الية 7احلجرات] وكيف آهني بعد اعزازك اايي بنص القرآن بقو ك
{ ان العزة هلل ولرسوهل وللمؤمنني } [ الية 8املنافقون ] وقد آكرمتين بكرامة
احملبة ،وآنلتين بفضكل رتبة القرب بقو ك { واجسد واقرتب } فذ ك
منك بدا من غري طلب منا والتعرض منا هل ،آفرتاك تذيقنا بعد ماوهبتنا
،ويل يف ذ ك شعرا :
حاشا ختيبنا االحسان اي آميل والهتني اذلي ابهلل متلك
( الهي :كيف آعز واذلةل آركزتين ! آم كيف الآس تعز واليك نسبيت ـ الهي
كيف الآفتقر ويف الفقر آمقتين ،آم كيف آفتقر وآنت اذلي جبودك آغنيتين )
650
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
هذه آمور متضادة ،وآوصاف متباينة ،حيري فهيا آويل العقول ،وتزتامح
فهيا الحاكم والنقول ،ولكن آرابب الكشف اذا كوشفوا بأرسار آعطيهتم
االس تعانة واالعرتاف بقربه ،واذا وقفوا عىل ضف خلقهتم وذةل عبوديهتم
آعطهتم آن االفتقار هلم آصال ،واذلةل هلم وطنا ،فلكام نظروا بعني اخللقية
واذلةل الرضية قال :واجعبا ! كيف آعز ويف اذلةل آركزتين ،وجعلت فهيا
تصوير خلقيت والهيا مأب تربيت ،واذا نظر اىل نس بة اخلصوصية والرتبة
الروحية ،واملزنةل العلوية ،قال كيف ال آس تعز واليك بنسبيت { ان
عبادي } { وايعبادي } { ايآهيا االنسان } { لقد خلقنا االنسان
يف آحسن تقومي } واذا نظر اىل قوهل { م رددانه آسفل سافلني } قال
كيف آس تعز ويف اذلةل آركزتين ،وذ ك بني ذلوي الرسار الغبار عليه
والاستتار ،ويل يف ذ ك شعرا :
حمك االهل وهذا الشان معلوم فكيف آعز ويف ذليت آركزتين
تعط بأنك للكوان قيـــــدوم آم كيف ال واليك العبد نسبته
( آنت اذلي الاهل غريك تعرفت للك شئ مفاهجكل شئ ،وآنت اذلي
تعرفت ايل يف لك شئ فرآيتك ظاهرا يف لك شئ ،فأنت الظاهر للك شئ
،وآنت الظاهر عىل لك شئ )
آنت اذلي الاهل يقصد والراب يعبد غريك ،اذ الغري متوجه اليه ،ومقبل
ابلطوع واالذعان بني يديه ،ينادي بلسان افتقاره ،ويفصح عن فاقته
واضطراره ،تعرفت للك شئ مبا آنت متجل به عليه ومتعرف ابالقتدار
651
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
652
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
ظهرت حمكة هللا اببراز لك ذي جسم وروح يف هذا التجيل اذلي هو
حمال مجموع الس بع الصفات املعرب عنه بروح القدس ،فالكوان غيبا فيه ،
كام آنه يف الرمحة ،والرمحة صفة ذاتية ،فامس الرمحن يدخل حتت االسامء
االجيادية ،ويل يف ذ ك شعرا :
ابالس توى صار عرش هللا غيب هبا فيا اذلي هو رمحن فرمحته
وذر فذاك لفــــــــعل هللا منتس با كام العوامل فيه وهو مظهرها
( حمقت الاثر ابلاثر ،وحموت الغيار مبحيطات آفالك النوار )
حمق الاثر ابلاثر هو امضحاللها واندراهجا ،فاجلنة والنار والسموات
وسائر القطار آاثر ،ولكها ابالضافة اىل العرش وسعته متالش ية ،
والعرش متالش ية ،والعرش كام علمت وهو مصحواب بأنوار الصفات العلية
،والتجليات الزلية ،وفكل العرش هو الفكل الطلس اذلي الينهتي
سريه يف ادلنيا وال يف الخرة ،وسائر الفالك تدور بدورانه ،وآفالك
السامء يه السامء احلس ىن ،وآفالك القطار يه مادون الثري اىل الرثى
،وهنا آرسار الجيوز اذاعهتا ،ويل يف ذ ك شعرا :
لك الوجود اىل العرش اجمليد هنا حمقت لك وجود يف وجـود اذا
حمو فاليأتني اخللق منه نـــــــــبا والعرش يف رمحة هللا االهل كذا
( ايمن احتجب يف رساداقات عزه عن آن تدركه البصار )
العزة وصف يقتيض امضحالل ماسواه ،وفنا لك ماعداه ،والرسادق هو
لك ماحيتجب به من حمرقات النوار ،وورد جحابه النار ،ولك منيع
الوصل يسمى عزيزا ،والعزيز هو اذلي الجيول عىل اخلاطر االرتقاء اىل
653
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
مناهل ،واليتصور ذلي فهم آن يقصد بصورة تكييف بل اميان بوجوده ،
بال كيف وال آين ،شعرا :
اي من كذا يف جحاب العز ممتنــــع فال اىل دركه ابلكيف تصوير
آنت اذلي يف جنان اخلاد تتحفنا برؤية اليش هبا ريب تغـــــــرير
( ايمن حتىل بكامل هبائه ،فتحققت عظمته الرسار )
كامل الهباء هو ماجتيل به لقلوب آوليائه من بديع لطفه حىت عرفوه ،
وبتلطفه عرف ،وبقدر مايدنوا يكون اللطف آ رق .
( كيف ختفى وآنت الظاهر ! آم كيف تغيب وآنت الرقيب ،وهللا املوفق
وبه آس تعني )
م آخرب عن افاضة اللطاف عليه حىت يشهده ظاهر ،وتعجب ممن يظن
غيبته ،والرقيب هو املراقب خلطرات الباطن وحملات النواظر بقوهل {
يعمل خائنة العني } وهو قامئ عىل لك نفس مبا كسبت ،مبعىن حارض
عىل لك نفس مبا كسبت .وهللا املوفق ملا هو احلق عنده ،واملقبول دليه
،وبه آس تعني وهو خري معني ،والتوفيق يف العامل البدنية والنيات
القلبية ان وافقت ماهو احلق عند هللا ،واالس تعانة يف لك آمر ابطنا
وظاهرا ،وهللا آعمل .
اكن الفراغ من طباعة هذا الكتاب ظهر يوم االثنني اخلامس عرش من
شهرجامدي الوىل س نة 1438جهرية ،مت نقهل من نسخة خطية حتصلنا
علهيا من مكتبة الحقاف برتمي بواسطة الس يد اجململ ودلان معر بن
عبدالرمحن بن محمد بن طالب العطاس بقمل احملب عبد الرحمي بن عبدهللا
654
رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس
بن معر ابعبده اترخي نساخهتا الثالث من شهر ربيع الثاين س نة
1266جهرية .نسأل هللا الكرمي آن حيصل به النفع العام ،وصىل هللا
عىل س يدان محمد وعىل آهل وحصبه وسمل وامحلد هلل رب العاملني .
655