You are on page 1of 655

‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫كتاب‬
‫شرح احلكم العطائية‬
‫للش يخ‬
‫لي بن عبدهللا باراس‬‫ع‬

‫‪1094-1027‬ه‬

‫اعتىن به‬
‫أحمد بن عمر بن طالب العطاس‬

‫‪1‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪2‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬


‫امحلد هلل والصالة والسالم عىل س يدان رسول هللا محمد ابن عبدهللا وعىل‬
‫آهل وحصبه ومن والاه وسمل تسلامي كثريا ‪.‬‬
‫آما بعد ‪ :‬مفام من هللا به علينا العثور عىل كتاب رشح احلمك العطائية‬
‫للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس نفعنا هللا به وبعلومه يف ادلارين آمني ‪،‬‬
‫ولمك كنت متلهف للحصول عىل شئ من مؤلفاته لكرثهتا ومل يسعدين احلظ‬
‫‪ ،‬ومل آجد حىت من يذكرها آوحىت يرتمج هل سوى احلبيب عيل بن حسن‬
‫العطاس يف كتابه القرطاس يف مناقب احلبيب معر بن عبدالرمحن العطاس‬
‫ترمج هل ترمجة واسعة ‪ ،‬ويف كتاب اتج العراس ترمج هل ترمجة وجزيه ‪.‬‬
‫ومبا آن الش يخ عيل املذكور من خواص مريدي احلبيب معر بن عبدالرمحن‬
‫العطاس واذلي يقول فيه ‪ :‬من فرق بني معر وعيل اليفلح ‪ ،‬فاكن من‬
‫الواجب علينا آن هنمت مبؤلفاته آسوة ابهامتمنا مبؤلفات احلبيب عيل بن‬
‫حسن العطاس ومؤلفات آهلنا اليت من هللا علينا هبا وترشفت بطباعهتا‬
‫وتوزيعها عىل احملبني ‪.‬‬
‫ومن املؤسف آنين مل آعرث عىل شئ من مؤلفاته سوى هذا الكتاب ذلي‬
‫بني آيدينا ( رشح احلمك العطائية ) ‪ ،‬وقد مت احلصول عليه من مكتبة‬
‫الحقاف برتمي آحرضها مشكورا لنا ودلان اجململ معر بن عبدالرمحن بن‬
‫طالب العطاس جفزاه هللا عناخريا وابرك فيه ‪.‬‬
‫الكتاب املذكور عدد صفحاته ‪ 708‬جحم الصفحة ‪ 22×15‬ومت تصويرها‬
‫ابملاحس صورة طبق الصل مكتوبه خبط نسخ مجيل ‪ ،‬الرشح ابللون‬

‫‪3‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫السود واملنت ابللون المحر ‪ ،‬اال آن بعض اللكامت التوجد فهيا نقط مما‬
‫يصعب قرآئهتا وكتابهتا اال بعد اعادة امجلةل اكمةل عدة مرات مما يسبب يل‬
‫التوقف ‪ .‬ويف نفس الوقت الكتاب التوجد به آبواب والفصول امنا اكن‬
‫الرشح رسد ومس متر دون توقف آووقف فتجده عندما ينهتي من احلمكة‬
‫السابقة يربطها ابحلمكة اليت تلهيا بقوهل ‪ :‬وذلا قال املؤلف ‪ ،‬آوقال املؤلف‬
‫وهكذا ‪ ،‬وقد نسخهتا حسب مايه موجودة يف الكتاب دون اضافة‬
‫ماعدى فواصل بني املواضيع حىت يسهل التوقف عندها ‪ .‬وليس يل فامي‬
‫كتبته اال النقل ‪ ،‬فان آصبت فهذا من فضل هللا وان آخطأت فأس تغفر‬
‫هللا عىل جرآيت عىل الكم الصاحلني ومؤلفاهتم ‪ ،‬امنا هذا حملبيت فهيم‬
‫ورغبيت االنضامم يف سلكهم ‪،‬ونرش مؤلفاهتم لالنتفاع هبا ‪ ،‬وقد من هللا‬
‫عيل بطباعة املتوفر من مؤلفات احلبيب عيل بن حسن العطاس ومؤلفات‬
‫آهلنا وآجدادان وغريمه آسأل هللا الكرمي آن الحيرمنا بركهتم ويفيض علينا‬
‫من فائضات فهوهمم ‪.‬‬
‫واكن معيل فهيا عىل النحو التايل ‪:‬‬
‫ترمجة مؤجزة للمؤلف‬
‫ترمجة خمترصة للش يخ آمحد بن عطاء هللا السكندري‬
‫نساخة منت احلمك‬
‫معل احلمك يف الرشح خبط عريض ووضعها بني قوسني هاللني ‪.‬‬
‫الايت وضعهتا بني قوسني مزخرفني ووضع رمق الية والسورة ‪.‬‬
‫معل فهرس يف آخر الكتاب ‪ .‬نسأل هللا التوفيق واالعانة ‪.‬‬
‫آمحد بن معر بن طالب العطاس الحساء ‪ 1438/5/17 :‬ه‬
‫‪4‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ترمجة موجزة عن املؤلف‬


‫نس به ‪ :‬هو االمام الش يخ العارف ابهلل ‪ ،‬مريب السالكني ‪ ،‬وكعبة‬
‫القاصدين من املريدين ‪ ،‬وقبةل آرواح الواصلني ‪ ،‬قطب زمانه ‪ ،‬ووحيد‬
‫عرصه ‪ ،‬حبر املعارف واحلقائق ‪ ،‬ومعدن الرسار الرابنية ‪ : ،‬آبومحمد عيل‬
‫بن عبدهللا بن آمحد بن معر بن آمحد بن معر بن آمحد بن معر ابراس‬
‫الكندي ‪.‬‬
‫والدته ونشأته ‪:‬‬
‫ودل ريض هللا عنه ( حبريضه ) قرية من قرى وادي معد س نة‬
‫‪ 1027‬ه ونشأ هبا ‪ ،‬وحصب يف بدايته احلبيب معر بن عبدالرمحن‬
‫العطاس وترىب يف جحره تربية عليه آزلية ‪ ،‬وتعمل القرآن العظمي حبريضه عىل‬
‫نظر ش يخه املذكور ‪ ،‬وبعد آن خمت القرآن جعهل احلبيب معر يعمل القرآن‬
‫يف وادي معد بقرن املال ‪ ،‬وكذ ك عمل يف غريها من البادان يف معد ‪ ،‬م‬
‫ارحتل اىل باد معد ابشارة احلبيب معر ‪ ،‬وصار مدة يقرآ العمل الرشيف‬
‫عىل الفقيه العارف ابهلل ‪ :‬آمحد بن عيل ابحبري حىت تفقه وبرع ‪ ،‬وصار علام‬
‫هيتدى به ‪.‬‬
‫واكن كثري الذاكر ‪ ،‬وهل حرضات وآربعينيات وخلوات يف اذلكر ‪ .‬م بعد‬
‫ذ ك سافر عىل قدم التجريد ابشارة ش يخه احلبيب معر قاصدا احلج‬
‫والمتيل ابملشاعر العظام ‪ ،‬وزايرة خري الانم عليه آفضل الصالة والسالم ‪.‬‬
‫م آنه بعد آن وصل من احلج وآىت اىل باده حريضه حلرضة ش يخه احلبيب‬
‫معر ؛ آمره بسكىن دوعن ؛ فاس تعفاه من السكن بدوعن رغبة منه يف‬
‫مشاهدة حمياه امجليل ‪ ،‬فقال هل س يدان معر ‪ :‬ان آردت دوعن واال‬
‫‪5‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫سريانك اىل دُهر وعرما ( بضم ادلال املهمةل وكرس العني املهمةل ) فامتثل‬
‫آمره ‪ ،‬وآمره بنرش ادلعوة يف هجات دوعن ‪ ،‬فأقبل الناس اليه من لك‬
‫انحية ‪ ،‬وخترج به جامعة من آهل دوعن ‪ ،‬وقصده الناس للزايرة من آهل‬
‫حرضموت وغريمه ؛ من السادة القادة آل آيب علوي وسائر الناس ‪،‬‬
‫واكنت جهرته من حريضه اىل اخلريبة س نة ‪ 1045‬ه ‪.‬‬
‫ش يوخه ‪:‬‬
‫تتلمذ عىل كثري من العلامء مهنم ‪:‬‬
‫االمام الكبري القطب احلبيب معر بن عبدالرمحن العطاس ‪.‬‬
‫االمام احلسني بن الش يخ آيب بكر بن سامل ‪.‬‬
‫الفقيه الش يخ العارف ابهلل ‪ :‬آمحد بن عيل ابحبري ‪.‬‬
‫تالميذه ‪ :‬وقد آخذ عنه الكثري مهنم ‪:‬‬
‫االمام احلبيب احلسني بن معر بن عبدالرمحن العطاس ‪.‬‬
‫الش يخ محمد بن آمحد ابمشموس ‪.‬‬
‫احلبيب العالمة عبدالرمحن بن معر البار ‪.‬‬
‫احلبيب عيل بن محمد ابهارون ‪.‬‬
‫الفقيه الش يخ عبدهللا ابعباد ‪.‬‬
‫الش يخ العالمه عبد هللا بن آمحد ابهرمز ‪.‬‬
‫الش يخ االمام سهل بن آمحد بن سهل المتمي بن احساق ‪.‬‬
‫مؤلفاته ‪:‬‬
‫هل الكثري من املؤلفات ‪ ،‬مهنا ‪:‬‬
‫رشح احلمك العطائية ( هذا اذلي بني آيدينا )‬
‫‪6‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫مشاكة الفاكر يف حقائق الذاكر‬


‫تنبيه الغافل وتريق الواصل ‪ ،‬رشح راتب احلبيب معر العطاس‬
‫فتح الوهاب يف الكم السادة الحباب‬
‫ش مي احلسن النيق ؛ رشح قصيدة لباخمرمه‬
‫رشح قصيدة الش يخ آيب بكر االعيدروس‬
‫رشح عىل مهزية الش يخ بن محرطاس‬
‫هل نبذة يف آداب اذلكر ورشوطه ‪ ،‬وآداب التلقني وطريق آههل وما‬
‫اصطلحوا عليه يف ذ ك ‪.‬‬
‫الروضة اخلرضاء رشح قصيدة ليب مدين شعيب‬
‫هل وصااي انفعة‬
‫هل اتئية عظمية‬
‫هل رشح عىل قصيدة للسودي ‪.‬‬
‫وفاته ‪:‬‬
‫اكنت وفاته يف اخلريبة يوم الربعاء شهر ربيع الول س نة ‪1094‬ه ‪ .‬رمحه‬
‫هللا رمحة البرار وآسكنه فس يح اجلنان ‪ ،‬مع النبيني والصديقني والشهداء‬
‫والصاحلني وحسن آولئك رفيقا ‪.‬‬
‫املؤلفات املذكورة قليةل التواجد ومل نطلع علهيا ‪ ،‬ونسأل هللا آن يوفق‬
‫آحفاده وجميب العمل ابحلفاظ علهيا ان وجدت عندمه لالس تفادة حىت‬
‫التضيع كام ضاعت غريها من املؤلفات القمية لسلفنا وذ ك بقصد النفع‬
‫واالنتفاع ‪.‬‬
‫هذا وصىل هللا عىل س يدان محمد وعىل آهل وحصبه وسمل ‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫نبذة خمترصة عن مؤلف كتاب احلمك‬


‫هو اتج ادلين آبو الفضل ‪ :‬آمحد بن محمد بن عبدالكرمي بن عبدهللا‬
‫بن عيىس بن احلسني بن عطاء هللا اجلذايم نس با ‪،‬‬
‫ودل ابلسكندرية حوايل عام ‪658‬ه ونشأ كجده لوادله الش يخ آيب‬
‫محمد عبدالكرمي ابن عطاء هللا فقهيا يش تغل ابلعلوم الرشعية حيث تلقى‬
‫منذ صباه العلوم ادلينية والرشعية واللغوية ‪.‬‬
‫حصب الش يخ آبو العباس املريس واس متع اليه ابلسكندرية ‪،‬‬
‫وآصبح من آوائل مريديه ‪ ،‬م تدرج يف منازل العمل واملعرفة حىت قال عنه‬
‫ش يخه آبوالعباس ‪ :‬وهللا الميوت هذا الشاب حىت يكون داعيا اىل هللا‬
‫وموصال اىل هللا ‪ ،‬وهللا ليكونن هل شان عظمي ‪ ،‬فاكن كام آخرب ‪.‬‬
‫هل مؤلفات كثرية تنيف عىل عرشة ‪ ،‬من مضهنا ‪ :‬احلمك العطائية‬
‫عىل لسان آهل الطريقة هذا اذلي بني آيدينا ويه من آمه كتبه ‪ ،‬وقد‬
‫حظيت بقبول وانتشارا كبريا حىت قيل عهنا ‪ :‬لوجازت الصالة بشئ غري‬
‫القرآن جلازت حبمك ابن عطاء هللا ‪.‬‬
‫تويف الش يخ ابن عطاء هللا كهال ابملنصورة يف القاهرة س نة‬
‫‪709‬ه ودفن مبقربة املقطم بسفح اجلبل بزاويته اليت اكن يتعبد فهيا ‪.‬‬
‫اللهم انرش نفحات الرضوان عليه ‪ ،‬وآمدان ابلرسار اليت آودعهتا دليه‬

‫‪8‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫منت احلمك العطائية‬


‫بسم هللا الرمحن الرحمي‬
‫قال ابن عطاء هللا السكندري ريض هللا تعاىل عنه ‪:‬‬
‫‪ - 1‬من عالمة االعامتد عىل العمل ؛ نقصان الرجاء عند وجود الزلل ‪.‬‬
‫‪ - 2‬ارادتك التجريد مع اقامة هللا اايك يف الس باب ؛ من الشهوة اخلفية‬
‫‪ ،‬وارادتك الس باب مع اقامة هللا اايك يف التجريد احنطاط عن اهلمة‬
‫العلية ‪.‬‬
‫‪ – 3‬سوابق اهلمم الخترتق آسوار القدار ‪.‬‬
‫‪ – 4‬آرح نفسك من التدبري ؛ مفا قام به غريك عنك التقم به لنفسك ‪.‬‬
‫‪ – 5‬اجهتادك فامي مضن ك ؛ وتقصريك فامي طلب منك ‪ ،‬دليل عىل‬
‫انطامس البصرية منك ‪.‬‬
‫‪ – 6‬اليكن تأخر آمد العطاء مع االحلاح يف ادلعاء موجب ليأسك ‪ ،‬فهو‬
‫مضن ك االجابة فامي خيتاره ك ؛ الفامي ختتاره لنفسك ‪ ،‬ويف الوقت اذلي‬
‫يريد اليف الوقت اذلي تريد ‪.‬‬
‫‪ – 7‬اليشككنك يف الوعد عدم وقوع املوعود وان تعني زمنه ‪ ،‬لئال يكون‬
‫قدحا يف بصريتك ‪ ،‬واخامدا لنور رسيرتك ‪.‬‬
‫‪ – 8‬اذا فتح ك وهجة من التعرف ؛ فالتسأل معها ان قل معكل ‪ ،‬فانه‬
‫ما فتحها ك اال وهو يريد آن يتعرف اليك ‪ .‬آمل تعمل آن التعرف هو‬
‫مورده عليك ؛ والعامل آنت موردها اليه ! وآين ماهتديه اليه مما هو‬
‫مورده عليك ؟‬
‫‪ – 9‬تنوعت آجناس العامل لتنوع واردات الحوال ‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ – 10‬العامل صور قامئة ؛ وآرواهحا رس االخالص فهيا ‪.‬‬


‫‪ – 11‬آدفن وجودك يف آرض امخلول ؛ مفا نبت مما مل يدفن اليمت نتاجه ‪.‬‬
‫‪ - 12‬مانفع القلب يشء مثل عزةل يدخل هبا ميدان فكره ‪.‬‬
‫‪ – 13‬كيف يرشق قلب صور الكوان منطبعة يف مرآته ! آم كيف يرحل‬
‫اىل هللا وهو مكبل بشهواته ! آم كيف يطمع آن يدخل حرضة هللا وهو مل‬
‫يتطهر من جنابة غفالته ! آم كيف يرجو آن يفهم دقائق الرسار وهو مل‬
‫يتب من هفواته !‬
‫‪ – 14‬الكون لكه ظلمة ؛ وامنا آانره ظهور احلق فيه ‪ ،‬مفن رآى الكون‬
‫ومل يشهده فيه آوعنده آوقبهل آوبعده ؛ فقد آعوزه وجود النوار ‪ ،‬وجحبت‬
‫عنه مشوس املعارف بسحب الاثر ‪.‬‬
‫‪ – 15‬مما يد ك عىل وجود قهره س بحانه ؛ آن جحبك عنه مبا ليس مبوجود‬
‫معه ‪.‬‬
‫‪ – 16‬كيف يتصور آن حيجبه ىشء وهو اذلي آظهر لك ىشء ؟ كيف‬
‫يتصور آن حيجبه ىشء وهو اذلي ظهر بلك ىشء ؟ كيف يتصور آن‬
‫حيجبه ىشء وهو اذلي ظهر للك ىشء ؟ كيف يتصور آن حيجبه ىشء‬
‫وهو الظاهر قبل وجود لك ىشء ؟ كيف يتصور آن حيجبه ىشء وهو‬
‫آظهر من لك ىشء ؟ كيف يتصور آن حيجبه ىشء وهو الواحد اذلي‬
‫ليس معه ىشء ؟ كيف يتصور آن حيجبه ىشء وهو آقرب اليك من لك‬
‫ىشء ؟ كيف يتصور آن حيجبه ىشء ولواله مااكن وجود لك ىشء ؟‬
‫ايجعبا ! كيف يظهر الوجود يف العدم !؟ آم كيف يثبت احلادث مع من هل‬
‫وصف القدم ! ؟‬
‫‪10‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ – 17‬ماترك من اجلهل شيئا من آراد آن حيدث يف الوقت غري ما آظهره‬


‫هللا فيه ‪.‬‬
‫‪ – 18‬احالتك العامل عىل وجود الفراغ من رعوانت النفس ‪.‬‬
‫‪ – 19‬التطلب منه آن خيرجك من حاةل ليس تعمكل فامي سواها ؛ فلو‬
‫آرادك الس تعمكل من غري اخراج ‪.‬‬
‫‪ – 20‬ما آرادت مهة سا ك آن تقف عند ماكشف لها اال واندته هواتف‬
‫احلقيقة ‪ :‬اذلي تطلب آمامك ‪ ،‬والتربجت هل ظواهر املكوانت اال واندته‬
‫حقائقها ‪ :‬امنا حنن فتنة فالتكفر‪.‬‬
‫‪ – 21‬طلبك منه اهتام هل ‪ ،‬وطلبك هل غيبة منك عنه ‪ ،‬وطلبك لغريه‬
‫لقةل حيائك منه ‪ ،‬وطلبك من غريه لوجود بعدك عنه ‪.‬‬
‫‪ – 22‬ما من نفس تبديه اال وهل قدر فيك ميضيه ‪.‬‬
‫‪ – 23‬الترتقب فراغ الغيار ؛ فان ذ ك يقطعك عن وجود املراقبة هل فامي‬
‫هو مقميك فيه ‪.‬‬
‫‪ – 24‬التس تغرب وقوع الكدار مادمت يف هذه ادلار ‪ ،‬فاهنا ما آبرزت‬
‫اال ماهو مس تحق وصفها ‪ ،‬وواجب نعهتا ‪.‬‬
‫‪ – 25‬ماتوقف مطلب آنت طالبه بربك ‪ ،‬والتيرس مطلب آنت طالبه‬
‫بنفسك ‪.‬‬
‫‪ – 26‬من عالمات النجح يف الهناايت ؛ الرجوع اىل هللا يف البداايت ‪.‬‬
‫‪ – 27‬من آرشقت بدايته ؛ حسنت هنايته ‪.‬‬
‫‪ – 28‬ما اس تودع يف غيب الرسائر ؛ ظهر يف شهادة الظواهر ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ – 29‬ش تان بني من يس تدل به آويس تدل عليه ؛ املس تدل به عرف‬
‫احلق لههل ‪ ،‬فأثبت المر من وجود آصهل ؛ واالس تدالل عليه من عدم‬
‫الوصول اليه ‪ .‬واال مفىت غاب حىت يس تدل عليه ؟ ومىت بعد حىت تكون‬
‫الاثر يه اليت توصل اليه ! ؟‬
‫‪ – 30‬لينفق ذو سعة من سعته ‪ :‬الواصلون اليه ‪ ،‬ومن قدر عليه رزقه ‪:‬‬
‫السائرون اليه ‪.‬‬
‫‪ – 31‬اهتدى الراحلون اليه بأنوار التوجه ‪ ،‬والواصلون هلم آنوار املواهجة‬
‫‪ .‬فالولون للنوار ؛ وهو النوار هلم لهنم هلل اللىشء دونه ‪ { .‬قل هللا م‬
‫ذرمه يف خوضهم يلعبون } ‪.‬‬
‫‪ – 32‬تشوفك اىل مابطن فيك من العيوب ؛ خري ك من تشوفك اىل‬
‫ماجحب عنك من الغيوب ‪.‬‬
‫‪ – 33‬احلق ليس مبحجوب ؛ وامنا احملجوب آنت عن النظر اليه ‪ ،‬اذ‬
‫لوجحبه ىشء لسرته ماجحبه ‪ .‬ولو اكن هل ساتر لاكن وجود حارص ‪ ،‬ولك‬
‫حارص لىشء فهوهل قاهر ‪ ،‬وهو القاهر فوق عباده ‪.‬‬
‫‪ – 34‬آخرج من آوصاف برشيتك عن لك وصف مناقض لعبوديتك ؛‬
‫لتكون لنداء احلق جميبا ‪ ،‬ومن حرضته قريبا ‪.‬‬
‫‪ – 35‬آصل لك معصية وغفةل وشهوة الرضا عن النفس ‪ ،‬وآصل لك‬
‫طاعة ويقظة وعفة عدم الرضا منك عهنا ‪ .‬ولن تصحب جاهال اليرىض‬
‫عن نفسه خري ك من آن تصحب عاملا يرىض عن نفسه ‪ ،‬فأي عمل لعامل‬
‫يرىض عن نفسه ؟ وآي هجل جلاهل اليرىض عن نفسه !؟‬

‫‪12‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ – 36‬شعاع البصرية يشهدك قربه منك ؛ وعني البصرية تشهدك عدمك‬


‫لوجوده ‪ ،‬وحق البصرية يشهدك وجوده ؛ العدمك وال وجودك ‪.‬‬
‫‪ – 37‬اكن هللا والىشء معه ‪ ،‬وهو الن عىل ماعليه اكن ‪.‬‬
‫‪ – 38‬التتعدى نية مهتك اىل غريه ‪ ،‬فالكرمي التتخطاه المال ‪.‬‬
‫‪ – 39‬الترفعن اىل غريه حاجة هو موردها عليك ‪ ،‬فكيف يرفع غريه‬
‫مااكن هو هل واضعا ! ؟ من اليس تطيع آن يرفع حاجة عن نفسه فكيف‬
‫يس تطيع آن يكون لها عن غريه رافعا ؟‬
‫‪ – 40‬ان مل حتسن ظنك به لجل حسن وصفه ؛ حفسن ظنك به لجل‬
‫معاملته معك ‪ ،‬فهل عودك اال حس نا ؟ ! وهل آسدى اليك اال مننا ! ؟‬
‫‪ – 41‬العجب لك العجب ممن هيرب ممن ال انفاكك هل عنه ‪ ،‬ويطلب‬
‫ماالبقاء معه { فاهنا التعمى البصار ولكن تعمى القلوب اليت يف الصدور }‬
‫‪ – 42‬الترحل من كون اىل كون فتكون كحامر الرىح ؛ يسري واملاكن‬
‫اذلي ارحتل اليه هو اذلي ارحتل منه ‪ ،‬ولكن ارحل من الكوان اىل‬
‫املكون { وآن اىل ربك املنهتيى } وانظر اىل قوهل صىل هللا عليه وسمل "‬
‫مفن اكنت جهرته اىل هللا ورسوهل فهجرته اىل هللا ورسوهل ‪ ،‬ومن اكنت‬
‫جهرته اىل دنيا يصيهبا ؛ آوامرآة يزتوهجا ؛ فهجرته اىل ماهاجر اليه " فافهم‬
‫قوهل عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وتأمل هذا المر ان كنت ذا فهم ‪ ،‬والسالم‬
‫‪.‬‬
‫‪ – 43‬التصحب من اليهنضك حاهل ؛ واليد ك عىل هللا مقاهل ‪.‬‬
‫‪ – 44‬رمبا كنت مسيئا فأراك االحسان منك حصبتك من هو آسوآ حاال‬
‫منك ‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ – 45‬ما قل معل من قلب زاهد ‪ ،‬والكرث معل برز من قلب راغب ‪.‬‬
‫‪ – 46‬حسن العامل نتاجئ حسن الحوال ‪ ،‬وحسن الحوال من التحقق‬
‫يف مقامات االنزال ‪.‬‬
‫‪ – 47‬الترتك اذلكر لعدم حضورك مع هللا فيه ؛ لن غفلتك عن وجود‬
‫ذكره آشد من غفلتك يف وجود ذكره ‪ ،‬فعىس آن يرفعك من ذكر مع وجود‬
‫غفةل ؛ اىل ذكر مع وجود يقظه ‪ .‬ومن ذكر مع وجود يقظة اىل ذكر مع‬
‫وجود حضور ‪ ،‬ومن ذكر مع وجود حضور اىل ذكر مع وجود غيبة ؛ عام‬
‫سوى املذكور ‪ ،‬وماذ ك عىل هللا بعزيز ‪.‬‬
‫‪ – 48‬من عالمات موت القلب عدم احلزن عىل مافاتك من املوافقات ؛‬
‫وترك الندم عىل مافعلته من وجود الزالت ‪.‬‬
‫‪ – 49‬اليعظم اذلنب عندك عظمة تصدك عن حسن الظن ابهلل تعاىل ؛‬
‫فان من عرف ربه اس تصغر يف جنب كرمه ذنبه ‪.‬‬
‫‪ – 50‬الصغرية اذا قابكل عدهل ؛ والكبرية اذا واهجك فضهل ‪.‬‬
‫‪ – 51‬المعل آرىج للقلوب من معل يغيب عنك شهوده ؛ وحيتقر عندك‬
‫وجوده ‪.‬‬
‫‪ – 52‬امنا آورد عليك الوارد لتكون به عليه واردا ‪.‬‬
‫‪ – 53‬آورد عليك الوارد ليس تعمكل من يد الغيار ‪ ،‬وحيررك من رق‬
‫الاثر ‪.‬‬
‫‪ – 54‬آورد عليك الوارد ليخرجك من جسن وجودك اىل فضاء شهودك ‪.‬‬
‫‪ – 55‬النوار مطااي القلوب والرسار ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ – 56‬النور جند القلب ؛ كام آن الظلمة جند النفس ‪ ،‬فاذا آراد هللا آن‬
‫ينرص عبده آمده جبنود النوار ‪ ،‬وقطع عنه مدد الظمل والغيار ‪.‬‬
‫‪ – 57‬النور هل الكشف ‪ ،‬والبصرية لها احلمك ‪ ،‬والقلب هل االقبال واالدابر‬
‫‪.‬‬
‫‪ – 58‬التفرحك طاعة لهنا برزت منك ؛ وافرح هبا لهنا برزت من هللا‬
‫اليك { قل بفضل هللا وبرمحته فبذ ك فليفرحوا هو خري مما جيمعون }‬
‫‪ – 59‬قطع السائرون هل والواصلني اليه عن رؤية آعامهلم وشهود آحواهلم‬
‫‪ .‬آما السائرون فلهنم مل يتحققوا الصدق مع هللا فهيا ؛ وآما الواصلون‬
‫فلنه غيهبم بشهوده عهنا ‪.‬‬
‫‪ – 60‬مابسقت آغصان ذل اال عىل بذر طمع ‪.‬‬
‫‪ – 61‬ماقادك ىشء مثل الومه ‪.‬‬
‫‪ – 62‬آنت حر مما آنت عته آيس ‪ ،‬وعبد ملا آنت هل طامع ‪.‬‬
‫‪ – 63‬من مل يقبل عىل هللا مبالطفات االحسان ؛ قيد اليه بسالسل‬
‫االمتحان ‪.‬‬
‫‪ – 64‬من مل يشكر النعم فقد تعرض لزوالها ‪ ،‬ومن شكرها فقد قيدها‬
‫بعقالها ‪.‬‬
‫‪ – 65‬خف من وجود احسانه اليك ؛ ودوام اساءتك معه آن يكون‬
‫ذ ك اس تدراجا ك { سنس تدرهجم من حيث اليعلمون }‬
‫‪ – 66‬من هجل املريد آن يس ئي الدب فتؤخر العقوبة عنه فيقول ‪ :‬لواكن‬
‫هذا سوء آدب لقطع االمداد ؛ وآوجب االبعاد ‪ ،‬فقد يقطع املدد عنه من‬

‫‪15‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫حيث اليشعر ‪ ،‬ولو مل يكن اال منع املزيد ‪ .‬وقد يقام مقام البعد وهو‬
‫اليدري ‪ ،‬ولومل يكن اال آن خيليك وماتريد ‪.‬‬
‫‪ – 67‬اذا رآيت عبدا آقامه هللا تعاىل بوجود الوراد وآدامه علهيا مع‬
‫طول االمداد ؛ فال تس تحقرن مامنحه مواله ‪ ،‬لنك مل تر عليه س امي‬
‫العارفني ‪ ،‬والهبجة احملبني ‪ ،‬فلو ال وارد مااكن ورد ‪.‬‬
‫‪ – 68‬قوم آقاهمم احلق خلدمته ‪ ،‬وقوم اختصهم مبحبته { الك مند هؤالء‬
‫وهؤالء من عطاء ربك ومااكن عطاء ربك حمظورا }‬
‫‪ – 69‬قلام تكون الواردات االلهية اال بغتة ؛ لئال يدعهيا العباد بوجود‬
‫االس تعداد ‪.‬‬
‫‪ – 70‬من رآيته جميبا عن لك ماس ئل ؛ ومعربا عن لك ماشهد ؛ وذاكرا‬
‫لك ماعمل ‪ ،‬فاس تدل بذ ك عىل وجود هجهل ‪.‬‬
‫‪ – 71‬امنا جعل ادلار الخرة حمال جلزاء عباده املؤمنني ؛ لن هذه ادلار‬
‫التسع مايريد آن يعطهيم ‪ ،‬ولنه آجل آقدارمه عن آن جيازهيم يف دار‬
‫البقاء لها ‪.‬‬
‫‪ – 72‬من وجد مثرة معهل عاجال ؛ فهو دليل عىل وجود القبول آجال ‪.‬‬
‫‪ – 73‬اذا آردت آن تعرف قدرك عنده ؛ فانظر فامي يقميك ‪.‬‬
‫‪ – 74‬مىت رزقك الطاعة والغىن به عهنا ؛ فاعمل آنه قد آس بغ عليك نعمه‬
‫ظاهرة وابطنة ‪.‬‬
‫‪ – 75‬خري ماتطلبه منه ؛ ماهو طالبه منك ‪.‬‬
‫‪ 76‬احلزن عىل فقدان الطاعة مع عدم الهنوض اليه من عالمات االغرتار ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ – 77‬ما العارف من اذا آشار وجد احلق آقرب اليه من اشارته ؛ بل‬
‫العارف من ال اشارة هل لفنائه يف وجوده ‪ ،‬وانطوائه يف شهوده ‪.‬‬
‫‪ – 78‬الرجاء ماقارنه معل ؛ واال فهو آمنية ‪.‬‬
‫‪ – 79‬مطلب العارفني من هللا الصدق يف العبودية ‪ ،‬والقيام حبقوق‬
‫الربوبية ‪.‬‬
‫‪ – 80‬بسطك كيال يبقيك مع القبض ؛ وقبضك كيال يرتكك مع البسط ‪،‬‬
‫وآخرجك عهنام كيال تكون لىشء دونه ‪.‬‬
‫‪ – 81‬العارفون اذا بسطوا آخوف مهنم اذاقبضوا ‪ ،‬واليقف عىل حدود‬
‫الدب يف البسط اال قليل ‪.‬‬
‫‪ – 82‬البسط تأخذ النفس منه حظها ‪ ،‬والقبض الحظ للنفس فيه ‪.‬‬
‫‪ – 83‬رمبا آعطاك مفنعك ؛ ورمبا منعك وآعطاك ‪.‬‬
‫‪ – 84‬مىت فتح ابب الفهم ؛ عاد املنع عني العطاء ‪.‬‬
‫‪ – 85‬الكوان ظاهرها غرة ؛ وابطهنا عربة ‪ .‬فالنفس تنظر اىل ظاهر‬
‫غرهتا ؛ والقلب ينظر اىل ابطن عربهتا ‪.‬‬
‫‪ – 86‬ان آردت آن يكون ك عز اليفىن ؛ فال تس تعز بعز يفىن ‪.‬‬
‫‪ – 87‬الط احلقيق آن تطوي مسافة ادلنيا عنك ؛ حىت ترى الخرة‬
‫آقرب منك ‪.‬‬
‫‪ – 88‬العطاء من اخللق حرمان ‪ ،‬واملنع من هللا احسان ‪.‬‬
‫‪ – 89‬جل ربنا آن يعامهل العبد نقدا ؛ فيجازيه نسيئة ‪.‬‬
‫‪ – 90‬كفى من جزائه اايك عىل الطاعة آن رضيك لها آهال ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ – 91‬كفى العاملني جزاء ماهو فاحته عىل قلوهبم يف طاعته ‪ ،‬وماهو‬


‫مورده علهيم من وجود مؤانس ته ‪.‬‬
‫‪ – 92‬من عبده لىشء يرجوه منه ؛ آوليدفع بطاعته ورود العقوبة عنه ؛‬
‫مفا قام حبق آوصافه ‪.‬‬
‫‪ – 93‬مىن آعطاك آشهدك بره ‪ ،‬ومىت منعك آشهدك قهره ‪ ،‬فهو يف لك‬
‫ذ ك متعرف اليك ‪ ،‬ومقبل بوجود لطفه عليك ‪.‬‬
‫‪ – 94‬امنا يؤملك املنع لعدم فهمك عن هللا فيه ‪.‬‬
‫‪ – 95‬رمبا فتح ك ابب الطاعة وما فتح ك ابب القبول ‪ ،‬ورمبا قىض‬
‫عليك ابذلنب فاكن سببا يف الوصول ‪.‬‬
‫‪ – 96‬معصية آورثت ذال وافتقارا ؛ خري من طاعة آورثت عزا‬
‫واس تكبارا ‪.‬‬
‫‪ – 97‬نعمتان ماخرج موجود عهنام ؛ والبد للك مكون عهنام ؛ نعمة‬
‫االجياد ونعمة االمداد ‪.‬‬
‫‪ – 98‬آنعم عليك ابالجياد ؛ واثنيا بتوايل االمداد ‪.‬‬
‫‪ – 99‬فاقتك ك ذاتية ؛ وورود الس باب مذكرات ك مبا خف عليك‬
‫مهنا ‪ ،‬والفاقة اذلاتية الترفعها العوارض ‪.‬‬
‫‪ -100‬خري آوقاتك ؛ وقت تشهد فيه وجود فاقتك ‪ ،‬وترد فيه اىل رجوع‬
‫ذلتك ‪.‬‬
‫‪ -101‬مىت آوحشك من خلقه ؛ فاعمل آنه يريد آن يفتح ك ابب النس‬
‫به ‪.‬‬
‫‪ – 102‬مىت آطلق لسانك ابلطلب ؛ فاعمل آنه يريد آن يعطيك ‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ – 103‬العارف اليزول اضطراره ؛ واليكون مع غري هللا قراره ‪.‬‬


‫‪ – 104‬آانر الظواهر بأنوار آاثره ‪ ،‬وآانر الرسائر بأنوار آوصافه ‪ .‬لجل‬
‫ذ ك آفلت آنوار الظواهر ؛ ومل تأفل آنوار القلوب ‪ ،‬وذل ك قيل ‪ :‬ان‬
‫مشس الهنار تغرب ابلليل ‪ ،‬ومشس القلوب ليست تغيب ‪.‬‬
‫‪ – 105‬ليخفف آمل البالء عنك ؛ علمك بأنه س بحانه هو املبيل ك ‪،‬‬
‫فاذلي واهجتك منه القدار ؛ هو اذلي عودك حسن االختيار ‪.‬‬
‫‪ – 106‬من ظن انفاكك لطفه عن قدره ؛ فذ ك لقصور نظره ‪.‬‬
‫‪ – 107‬الخياف عليك آن تلتبس الطرق عليك ؛ وامنا خياف عليك من‬
‫غلبة الهوى عليك ‪.‬‬
‫‪ – 108‬س بحان من سرت رس اخلصوصية بظهور البرشية ‪ ،‬وظهر بعظمة‬
‫الربوبية يف اظهار العبودية ‪.‬‬
‫‪ – 109‬التطالب ربك بتأخر مطلبك ؛ ولكن طالب نفسك بتأخر آدبك‬
‫‪.‬‬
‫‪ – 110‬مىت جعكل يف الظاهر ممتثال لمره ‪ ،‬ورزقك يف الباطن‬
‫االستسالم لقهره ‪ ،‬فقد آعظم املنة عليك ‪.‬‬
‫‪ – 111‬ليس لك من ثبت ختصيصه مكل ختليصه ‪.‬‬
‫‪ – 112‬اليس تحقر الورد اال هجول ‪ :‬الوارد يوجد يف ادلار الخرة‪،‬‬
‫والورد ينطوي ابنطواء هذه ادلار ‪ ،‬وآوىل مايعتىن به ماالخيلف وجوده ‪.‬‬
‫الورد هو طالبه منك ؛ والوارد آنت تطلبه منه ‪ .‬وآين ماهو طالبه منك‬
‫مما هو مطلبك منه ‪ .‬؟!‬

‫‪19‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ – 113‬ورود االمداد حبسب االس تعداد ‪ ،‬ورشوق النوار عىل حسب‬


‫صفاء الرسار ‪.‬‬
‫‪ – 114‬الغافل اذا آصبح ينظر ماذا يفعل ؟ والعاقل ينظر ماذا يفعل‬
‫هللا به ؟‬
‫‪ – 115‬امنا يس توحش العباد والزهاد من لك ىشء ؛ لغيبهتم عن هللا يف‬
‫لك ىشء ‪ .‬فلو شهدوه يف لك ىشء مل يس توحشوا من ىشء ‪.‬‬
‫‪ – 116‬آمرك يف هذه ادلار ابلنظر يف مكوانته ‪ ،‬وس يكشف ك يف‬
‫تكل ادلار عن كامل ذاته ‪.‬‬
‫‪ – 117‬عمل منك آنك التصرب عنه ؛ فأشهدك مابرز منه ‪.‬‬
‫‪ -118‬ملا عمل احلق منك وجود ملل لون ك الطاعات ‪ ،‬وعمل مافيك من‬
‫وجود الرشه حفجرها عليك يف بعض الوقات ؛ ليكون مهك اقامة الصالة‬
‫الوجود الصالة ‪ ،‬مفا لك مصل مقمي ‪.‬‬
‫‪ – 119‬الصالة طهرة للقلوب من آدانس اذلنوب ‪ ،‬واس تفتاح لباب‬
‫الغيوب ‪.‬‬
‫‪ – 120‬الصالة حمل املناجاة ‪ ،‬ومعدن املصافاة ‪ :‬تتسع فهيا ميادين‬
‫الرسار ‪ ،‬وترشق فهيا شوارق النوار ‪ .‬عمل وجود الضعف منك فقلل‬
‫آعدادها ‪ ،‬وعمل احتياجك اىل فضهل فكرث آمدادها ‪.‬‬
‫‪ – 121‬مىت طلبت عوضا عىل معل طولبت بوجود الصدق فيه ؛‬
‫ويكف املريد وجدان السالمة ‪.‬‬
‫‪ – 122‬التطلب عوضا عىل معل لست هل فاعال ؛ يكف من اجلزاء ك‬
‫عىل العمل ان اكن هل قابال ‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ – 123‬اذا آراد آن يظهر فضهل عليك خلق ونسب اليك ‪.‬‬


‫‪ – 124‬الهناية ملقامك ان آرجعت اليك ‪ ،‬والتفرغ مداحئك ان آظهر‬
‫جوده عليك ‪.‬‬
‫‪ – 125‬كن بأوصاف ربوبيته متعلقا ؛ وبأوصاف عبوديتك متحققا ‪.‬‬
‫‪ – 126‬منعك آن تدع ماليس ك مما للمخلوقني ؛ آفيبيح ك آن تدع‬
‫وصفه وهو رب العالني ؟‬
‫‪ – 127‬كيف خترق ك العوائد وآنت مل خترق من نفسك العوائد ‪،‬‬
‫‪ – 128‬ما الشأن وجود الطلب ؛ امنا الشأن آن ترزق حسن الدب ‪.‬‬
‫‪ – 129‬ماطلب ك ىشء مثل االضطرار ‪ ،‬وال آرسع ابملواهب اليك‬
‫مثل اذلل واالفتقار ‪.‬‬
‫‪ – 130‬لو آنك التصل اال بعد فناء مساويك وحمو دعاويك ‪ ،‬مل تصل‬
‫اليه آبدا ‪ .‬ولكن اذا آردت آن يوصكل اليه غطى وصفك بوصفه ‪ ،‬ونعتك‬
‫بنعمته ‪ ،‬فوصكل اليه مما منه اليك المبا منك اليه ‪.‬‬
‫‪ – 131‬لوال مجيل سرته مل يكن معل آهال للقبول ‪.‬‬
‫‪ – 132‬آنت اىل حلمه اذا آطعته آحوج منك اىل حلمه اذا عصيته ‪.‬‬
‫‪ – 133‬السرت عىل قسمني ‪ :‬سرت عن املعصية وسرت فهيا ‪ ،‬فالعامة‬
‫يطلبون من هللا تعاىل السرت فهيا خش ية سقوط مرتبهتم عند اخللق ‪،‬‬
‫واخلاصة يطلبون من هللا السرت عهنا خش ية سقوطهم من نظر املكل احلق‬
‫‪.‬‬
‫‪ – 134‬من آكرمك فامنا آكرم فيك مجيل سرته ‪ ،‬فامحلد ملن سرتك ؛ ليس‬
‫امحلد ملن آكرمك وشكرك ‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ – 135‬ماحصبك وهو بعيبك علمي ؛ وليس ذ ك اال موالك الكرمي ‪،‬‬


‫خري من تصحب من يطلبك اللىشء يعود منك اليه ‪.‬‬
‫‪ – 136‬لو آرشق نور اليقني لرآيت الخرة آقرب اليك من آن ترحل الهيا‬
‫‪ ،‬ولرآيت حماسن ادلنيا قد ظهرت كسفة الفناء علهيا ‪.‬‬
‫‪ – 137‬ماجحبك من هللا وجود موجود معه ؛ ولكن ححبك عنه تومه‬
‫موجود معه ‪.‬‬
‫‪ – 138‬لوال ظهوره يف املكوانت ماوقع علهيا وجود ابصار ‪ ،‬لوظهرت‬
‫صفاته امضحلت مكوانته ‪.‬‬
‫‪ – 139‬آظهر لك ىشء لنه الباطن ‪ ،‬طوى وجود لك ىشء لنه الظاهر‬
‫‪.‬‬
‫‪ – 140‬آابح ك آن تنظر مايف املكوانت ؛ وما آذن ك آن تقف مع‬
‫ذوات املكوانت { قل انظروا ماذا يف السموات } فتح ك ابب االفهام ومل‬
‫يقل ‪ :‬انظر السموات ؛ لئال يد ك عىل وجود الجرام ‪.‬‬
‫‪ – 141‬الكوان اثبتة ابثباته ‪ ،‬وممحوة بأحدية ذاته ‪.‬‬
‫‪ – 142‬الناس ميدحونك ملا يظنون فيك ‪ ،‬فكن آنت ذاما لنفسك ملا‬
‫تعلمه مهنا ‪.‬‬
‫‪ – 143‬املؤمن اذا مدح اس تحيا من هللا آن يثين عليه بوصف اليشهده‬
‫من نفسه ‪.‬‬
‫‪ – 144‬آهجل الناس من ترك يقني ماعنده لظن ماعند الناس ‪.‬‬
‫‪ – 145‬اذا آطلق الثناء عليك ولست بأهل ؛ فأثن عليه مبا هو آههل ‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ – 146‬الزهاد اذا مدحوا انقبضوا لشهودمه الثناء من احلق ‪ ،‬والعارفون‬


‫اذا مدحوا انبسطوا لشهودمه ذ ك من احلق ‪.‬‬
‫‪ – 147‬مىت كنت اذا آعطيت بسطك العطاء ؛ واذا منعت قبضك املنع‬
‫‪ ،‬فاس تدل بذ ك عىل ثبوت طفوليتك ؛ وعدم صدقك يف عبوديتك ‪.‬‬
‫‪ – 148‬اذا وقع منك ذنب فال يكن سببا ليأسك من حصول االس تقامة‬
‫مع ربك ‪ ،‬فقد يكون ذ ك آخر ذنب قدر عليك ‪.‬‬
‫‪ – 149‬اذا آردت آن يفتح عليك ابب الرجاء ؛ فاشهد ما منه اليك ‪،‬‬
‫واذا آردت آن يفتح ك ابب اخلوف فاشهد ما منك اليه ‪.‬‬
‫‪ – 150‬رمبا آفادك يف ليل القبض مامل تس تفده يف ارشاق البسط {‬
‫التدرون آهيم آقرب لمك نفعا }‬
‫‪ – 151‬مطالع النوار ؛ القلوب والرسار ‪.‬‬
‫‪ – 152‬نور مس تودع يف القلوب مدده من الورد الوارد من خزائن‬
‫الغيوب ‪.‬‬
‫‪ – 153‬نور يكشف ك به آاثره ؛ ونور يكشف ك به عن آوصافه ‪.‬‬
‫‪ – 154‬رمبا وقفت القلوب مع النوار ؛ كام جحبت النفوس بكثائف‬
‫الغيار ‪.‬‬
‫‪ – 155‬سرت آنوار الرسائر بكثائف الظواهر ؛ اجالال لها آن تبتذل‬
‫بوجود االظهار ‪ ،‬وآن ينادى علهيا بلسان االش هتار ‪.‬‬
‫‪ – 156‬س بحان من مل جيعل ادلليل عىل آوليائه اال من حيث ادلليل‬
‫عليه ‪ ،‬ومل يوصل الهيم اال من آراد آن يوصهل اليه ‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ – 157‬رمبا آطلعك عىل غيب ملكوته ‪ ،‬وجحب عليك االسترشاف عىل‬


‫آرسار العباد ‪.‬‬
‫‪ – 158‬من اطلع عىل آرسار العباد ومل يتخلق ابلرمحة االلهية ؛ اكن‬
‫اطالعه فتنة عليه ؛ وسببا جلر الوابل اليه ‪.‬‬
‫‪ – 159‬حظ النفس يف املعصية ظاهر جيل ‪ ،‬وحظها يف الطاعة ابطن‬
‫خف ‪ ،‬ومداواة ماخيفى صعب عالجه ‪.‬‬
‫‪ – 160‬رمبا دخل الرايء عليك من حيث الينظر اخللق اليك ‪.‬‬
‫‪ – 161‬استرشافك آن يعمل اخللق خبصوصيتك ؛ دليل عىل عدم‬
‫صدقك يف عبوديتك ‪.‬‬
‫‪ – 162‬غيب نظر اخللق اليك بنظر هللا اليك ‪ ،‬وغب عن اقباهلم‬
‫عليك بشهود اقباهل عليك ‪.‬‬
‫‪ – 163‬من عرف احلق شهده يف لك ىشء ‪ ،‬ومن فين به غاب عن لك‬
‫ىشء ‪ ،‬ومن آحبه مل يؤثر عليه شيئا ‪.‬‬
‫‪ – 164‬امنا جحب احلق عنك شدة قربه منك ‪.‬‬
‫‪ – 165‬امنا احتجب لشدة ظهوره ؛ وخف عن البصار لعظم نوره ‪.‬‬
‫‪ – 166‬اليكن طلبك تسببا اىل العطاء منه ؛ فيقل فهمك عنه ‪ ،‬وليكن‬
‫طلبك الظهار العبودية ؛ وقياما حبق الربوبية ‪.‬‬
‫‪ – 167‬كيف يكون طلبك الالحق سببا يف عطائه السابق ! ؟‬
‫‪ – 168‬جل حمك الزل آن ينضاف اىل العلل ‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ – 169‬عنايته فيك ال لىشء منك ‪ .‬وآين كنت حني واهجتك عنايته ‪،‬‬
‫وقابلتك رعايته ؟ مل يكن يف آزهل اخالص العمل ؛ والوجود آحوال ‪ ،‬بل‬
‫مل يكن هناك اال حمض االفضال ‪ ،‬وعظمي النوال ‪.‬‬
‫‪ – 170‬عمل آن العباد يتشوفون اىل ظهور رس العناية ‪ ،‬فقال { خيتص‬
‫برمحته من يشاء } وعمل لوخالمه وذ ك ؛ لرتكوا العمل اعامتدا عىل الزل ‪،‬‬
‫فقال { ان رمحة هللا قريب من احملس نني }‬
‫‪ – 171‬اىل املشيئة يستند لك ىشء ؛ والتستند يه اىل ىشء ‪.‬‬
‫‪ – 172‬رمبا دهلم الدب عىل ترك الطلب اعامتدا عىل قسمته ‪ ،‬واش تغاال‬
‫بذكره عن مسألته ‪.‬‬
‫‪ – 173‬امنا يذكر من جيوز عليه االغفال ؛ وامنا ينبه من ميكن منه االهامل‬
‫‪.‬‬
‫‪ – 174‬ورود الفاقات آعياد املريدين ‪.‬‬
‫‪ – 175‬رمبا وجدت من املزيد من الفاقات ماالجتده يف الصوم والصالة ‪.‬‬
‫‪ – 176‬الفاقات بسط املواهب ‪.‬‬
‫‪ – 177‬ان آردت ورود املواهب عليك ؛ حصح الفقر والفاقة دليك { امنا‬
‫الصدقات للفقراء }‬
‫‪ – 178‬حتقق بأوصافك ميدك بأوصافه ‪ ،‬حتقق بذ ك ميدك بعزه ‪ ،‬حتقق‬
‫بعجزك ميدك بقدرته ‪ ،‬حتقق بضعفك ميدك حبوهل وقوته ‪.‬‬
‫‪ – 179‬رمبا رزق الكرامة من مل تمكل هل االس تقامة ‪.‬‬
‫‪ – 180‬من عالمات اقامة احلق ك يف الىشء ؛ اقامته اايك فيه مع‬
‫حصول النتاجئ ‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ – 181‬من عرب من بساط احسانه ؛ آمصتته االساءة ‪ ،‬ومن عرب من‬


‫احسان هللا اليه مل يصمت اذا آساء ‪.‬‬
‫‪ – 182‬تس بق آنوار احلكامء آقواهلم ؛ حفيث صار التنوير وصل التعبري ‪.‬‬
‫‪ – 183‬لك الكم برز وعليه كسوة القلب اذلي منه برز ‪.‬‬
‫‪ – 184‬من آذن هل يف التعبري ؛ فهمت يف مسامع اخللق عبارته ‪،‬‬
‫وجليت الهيم اشارته ‪.‬‬
‫‪ – 185‬رمبا برزت احلقائق مكسوفة النوار ؛ اذا مل يؤذن ك فهيا‬
‫ابالظهار ‪.‬‬
‫‪ – 186‬عباراهتم اما لفيضان وجد ؛ آولقصد هداية مريد ‪ .‬فالول حال‬
‫السالكني ؛ والثاين حال آرابب املكنة واحملققني ‪.‬‬
‫‪ – 187‬العبارات قوت لعائةل املس متعني ؛ وليس ك اال ما آنت هل آلك ‪.‬‬
‫‪ – 188‬رمبا عرض عن املقام من استرشف عليه ؛ ورمبا عرب عنه من‬
‫وصل اليه ‪ ،‬وذ ك ملتبس اال عىل صاحب بصرية ‪.‬‬
‫‪ – 189‬الينبغ للسا ك آن يعرب عن وارداته ؛ فان ذ ك يقل معلها‬
‫ومينعه وجود الصدق مع ربه ‪.‬‬
‫‪ – 190‬المتدن يدك اىل الخذ من اخلالئق ؛ اال آن ترى آن املعط فهيم‬
‫موالك ‪ ،‬فاذا كنت كذ ك خفذ ماوافقك العمل ‪.‬‬
‫‪ – 191‬رمبا اس تحيا العارف آن يرفع حاجته اىل مواله الكتفائه مبش يئته ؛‬
‫فكيف اليس تح آن يرفعها اىل خليقته ؟ !‬
‫‪ – 192‬اذا التبس عليك آمران ؛ فانظر آثقلهام عىل النفس ‪ ،‬فانه اليثقل‬
‫علهيا اال مااكن حقا ‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ – 193‬من عالمات اتباع الهوى ؛ املسارعة اىل نوافل اخلريات ‪،‬‬


‫والتاكسل عن القيام ابلواجبات ‪.‬‬
‫‪ – 194‬قيد الطاعات بأعيان الوقات يك المينعك عهنا وجود التسويف ‪،‬‬
‫ووسع عليك الوقت يك تبقى ك حصة االختيار ‪.‬‬
‫‪ – 195‬عمل هللا هنوض العباد اىل معاملته ؛ فأوجب علهيم وجود طاعته‬
‫‪ ،‬فساقهم اليه بسالسل االجياب ‪ .‬جعب ربك من قوم يساقون اىل اجلنة‬
‫ابلسالسل ‪.‬‬
‫‪ – 196‬آوجب عليك وجود خدمته ‪ ،‬وما آوجب عليك اال دخول‬
‫جنته ‪.‬‬
‫‪ – 197‬من اس تغرب آن ينقذه هللا من شهوته ؛ وآن خيرجه من وجود‬
‫غفلته ‪ ،‬فقد اس تعجز القدرة االلهية ‪ { .‬واكن هللا عىل لك ىشء مقتدرا }‬
‫‪ – 198‬رمبا وردت الظمل عليك ليعرفك قدر ما من به عليك ‪.‬‬
‫‪ – 199‬من مل يعرف قدر النعم بوجداهنا ؛ عرفها بوجود فقداهنا ‪.‬‬
‫‪ – 200‬التدهشك واردات النعم عن القيام حبقوق شكرك ؛ فان ذ ك مما‬
‫حيط من وجود قدرك ‪.‬‬
‫‪ – 201‬متكن حالوة الهوى من القلب ؛ هو ادلاء العضال ‪.‬‬
‫‪ – 202‬الخيرج الشهوة عن القلب اال خوف مزجع ؛ آوشوق مقلق ‪.‬‬
‫‪ - 203‬كام الحيب العمل املشرتك ؛ كذ ك الحيب القلب املشرتك ‪،‬‬
‫العمل املشرتك اليقبهل ؛ والقلب املشرتك اليقبل عليه ‪.‬‬
‫‪ – 204‬آنوار آذن لها يف الوصول ؛ وآنوار آذن لها يف ادلخول ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ – 205‬رمبا وردت عليك النوار فوجدت قلبك حمشوا بصور الاثر ؛‬


‫فارحتلت من حيث نزلت ‪.‬‬
‫‪ – 206‬فرغ قلبك عن الغيار ؛ ميله ابملعارف والرسار ‪.‬‬
‫‪ – 207‬التستبطئ منه النوال ؛ ولكن استبطئ من نفسك وجود االقبال‬
‫‪.‬‬
‫‪ – 208‬حقوق يف الوقات ميكن قضاؤها ؛ وحقوق الوقات الميكن‬
‫قضاؤها ‪ .‬اذ ما من وقت يرد اال وهلل عليك فيه حق جديد ؛ وآمر آكيد ‪،‬‬
‫فكيف تقيض فيه حق غريه وآنت مل تقيض حق هللا فيه ؟ !‬
‫‪ – 209‬مافات من معرك العوض هل ؛ وماحصل ك منه القمية هل ‪.‬‬
‫‪ – 210‬ما آحببت شيئا اال كنت هل عبدا ؛ وهو الحيب آن تكون لغريه‬
‫عبدا ‪.‬‬
‫‪ – 211‬التنفعه طاعتك ؛ والترضه معصيتك ‪ ،‬وامنا آمرك هبذه ؛ وهناك‬
‫عن هذه ملا يعود عليك ‪.‬‬
‫‪ – 212‬اليزيد يف عزه اقبال من آقبل عليه ؛ والينقص من عزه ادابر من‬
‫آدبر عنه ‪.‬‬
‫‪ – 213‬وصو ك اىل هللا وصو ك اىل العمل به ؛ واال جفل ربنا آن يتصل‬
‫به ىشء آويصل اليه بىشء ‪.‬‬
‫‪ – 214‬قربك منه آن تكون مشاهدا لقربه ‪ ،‬واال مفن آين آنت ووجود‬
‫قربه ؟ !‬
‫‪ – 215‬احلقائق ترد يف حال التجيل مجمةل ؛ وبعد الوع يكون البيان ‪،‬‬
‫{ فاذا قرآانه فاتبع قرآنه * م ان علينا بيانه }‬
‫‪28‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ – 216‬مىت وردت الواردات االلهية عليك هدمت العوائد عليك { ان‬


‫امللوك اذا دخلوا قرية آفسدوها }‬
‫‪ – 217‬الوارد يأيت من حرضة قهار ؛ لجل ذ ك اليصادفه ىشء اال‬
‫دمغه ‪ { :‬بل نقذف ابحلق عىل الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق }‬
‫‪ – 218‬كيف حيتجب احلق بىشء ؛ واذلي حيتجب به هو ظاهر ؛‬
‫وموجود حارض ‪.‬‬
‫‪ – 219‬التيأس من قبول معل مل جتد فيه وجود احلضور ‪ ،‬فرمبا قبل من‬
‫العمل مامل تدرك مثرته عاجال ‪.‬‬
‫‪ – 220‬التزكني وارادا التعمل مثرته ‪ ،‬فليس املراد من السحابة المطار ؛‬
‫وامنا املراد مهنا وجود المثار ‪.‬‬
‫‪ – 221‬التطلنب بقاء الواردات بعد ان بسطت آنوارها ؛ وآودعت‬
‫آرسارها ‪ ،‬فكل يف هللا غىن عن لك ىشء ‪ ،‬وليس يغنيك عنه ىشء ‪.‬‬
‫‪ – 222‬تطلعك اىل بقاء غريه دليل عىل عدم وجدانك هل ‪ ،‬واس تجابتك‬
‫لفقدان ماسواه دليل عىل عدم وصلتك به ‪.‬‬
‫‪ – 223‬النعمي وان تنوعت مظاهره ؛ امنا هو لشهوده واقرتابه ‪ ،‬والعذاب‬
‫وان تنوعت مظاهره امنا هو لوجود جحابه ‪ .‬فسبب العذاب وجود احلجاب‬
‫؛ وامتام النعمي ابلنظر اىل وهجه الكرمي ‪.‬‬
‫‪ – 224‬ماجتده من اهلموم والحزان ؛ فلجل ما منعته من وجود العيان‬
‫‪.‬‬
‫‪ – 225‬من متام النعمة عليك ؛ آن يرزقك مايكفيك ‪ ،‬ومينعك مايطغيك‬
‫‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ – 226‬ليقل ماتفرح به ؛ يقل ماحتزن عليه ‪.‬‬


‫‪ – 227‬ان آردت آال تعزل ؛ فالتتول والية التدوم ك ‪.‬‬
‫‪ – 228‬ان رغبتك البداايت ؛ زهدتك الهناايت ‪ ،‬ان دعاك اليه ظاهر ؛‬
‫هناك عهنا ابطن ‪.‬‬
‫‪ – 229‬امنا جعلها حمال للغيار ‪ ،‬ومعدان للكدار ؛ تزهيدا ك فهيا ‪.‬‬
‫‪ -230‬عمل آنك التقبل النصح اجملرد ؛ فذوقك من ذواقها ماسهل عليك‬
‫وجود فراقها ‪.‬‬
‫‪ – 231‬العمل النافع هو اذلي ينبسط يف الصدر شعاعه ؛ وينكشف به‬
‫عن القلب قناعه ‪.‬‬
‫‪ – 232‬خري العمل مااكنت اخلش ية معه ‪.‬‬
‫‪ – 233‬العمل ان قارنته اخلش ية فكل واال فعليك ‪.‬‬
‫‪ – 234‬مىت آملك عدم اقبال الناس عليك ؛ آوتوهجهم ابذلم اليك ‪،‬‬
‫فارجع اىل عمل هللا فيك ‪ ،‬فان اكن اليقنعك علمه ؛ مفصيبتك بعدم‬
‫قناعتك بعلمه آشد من مصيبتك بوجود الذى مهنم ‪.‬‬
‫‪ – 235‬امنا آجرى الذى عىل آيدهيم يك التكون ساكنا الهيم ‪ .‬آراد آن‬
‫يزجعك عن لك ىشء ؛ حىت اليشغكل عنه ىشء ‪.‬‬
‫‪ – 236‬اذا علمت آن الش يطان اليغفل عنك ؛ فالتغفل آنت معن‬
‫انصيتك بيده ‪.‬‬
‫‪ – 237‬جعهل ك عدوا ليحوشك به اليه ؛ وحرك عليك النفس ليدوم‬
‫اقبا ك عليه ‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ – 238‬من آثبت لنفسه تواضعا فهو املتكرب ؛ اذ ليس التواضع اال عن‬
‫رفعة ‪ ،‬مفىت آثبت لنفسك تواضعا فأنت املتكرب حقا ‪.‬‬
‫‪ – 239‬ليس املتواضع اذلي اذا تواضع رآى آنه فوق ماصنع ‪ ،‬ولكن‬
‫املتواضع اذلي اذا تواضع رآى آنه دون ماصنع ‪.‬‬
‫‪ – 240‬التواضع احلقيق هو مااكن انش ئا عن شهود عظمته ؛ وجتيل‬
‫صفته ‪.‬‬
‫‪ – 241‬الخيرجك عن الوصف اال شهود الوصف ‪.‬‬
‫‪ – 242‬املؤمن يشغهل الثناء عىل هللا عن آن يكون لنفسه شاكرا ؛‬
‫وتشغهل حقوق هللا عن آن يكون حلظوظه ذاكرا ‪.‬‬
‫‪ – 243‬ليس احملب اذلي يرجو من حمبوبه عوضا ؛ آويطلب منه غرضا ‪،‬‬
‫فان احملب من يبذل ذ ك ؛ ليس احملب من تبذل هل ‪.‬‬
‫‪ – 244‬لوال ميادين النفوس ماحتقق سري السائرين ‪ .‬اذ ال مسافة بينك‬
‫وبينه حىت تطوهيا ‪ ،‬والقطعة بينك وبينه حىت متحوها وصلتك ‪.‬‬
‫‪ – 245‬جعكل يف العامل املتوسط بني ملكه وملكوته ؛ ليعلمك جالةل‬
‫قدرك بني خملوقاته ‪ ،‬وآنت جوهرة تنطوي عليك آصداف مكوانته ‪.‬‬
‫‪ – 246‬امنا وسعك الكون من حيث جسامنيتك ؛ ومل يسعك من حيث‬
‫ثبوت روحانيتك ‪.‬‬
‫‪ – 247‬الاكئن يف الكون ومل تفتح هل ميادين الغيوب ؛ مسجون‬
‫مبحيطاته ‪ ،‬وحمصور يف هيلك ذاته ‪.‬‬
‫‪ – 248‬آنت من الكوان مامل تشهد املكون ‪ ،‬فاذا شهدته اكنت الكوان‬
‫معك ‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ – 249‬اليلزم من ثبوت اخلصوصية عدم وصف البرشية ؛ امنا‬


‫اخلصوصية اكرشاق مشس الهنار ‪ ،‬ظهرت يف الفاق وليست منه ‪ :‬اترة‬
‫ترشق مشوس آوصافه عىل ليل وجودك ‪ ،‬واترة يقبض ذ ك عنك فريدك‬
‫اىل حدودك ‪ ،‬فالهنار ليس منك واليك ؛ ولكنه وارد عليك ‪.‬‬
‫‪ – 250‬دل وجود آاثره عىل وجود آسامئه ؛ ووجود آسامئه عىل ثبوت‬
‫آوصافه ‪ ،‬وبثبوت آوصافه عىل وجود ذاته ؛ اذ حمال آن يقوم الوصف‬
‫بنفسه ‪ .‬فأرابب اجلذب يكشف هلم عن كامل ذاته ‪ ،‬م يردمه اىل شهود‬
‫صفاته ‪ ،‬م يرجعهم اىل التعلق بأسامئه ‪ ،‬م يردمه اىل شهود آاثره ؛‬
‫والسالكني عىل عكس هذا ‪ .‬فهناية السالكني بداية اجملذوبني ‪ ،‬وبداية‬
‫السالكني هناية اجملذوبني لكن مبعىن واحد ‪ .‬فرمبا التقيا يف الطريق ‪ :‬هذا‬
‫يف ترقيه وهذا يف تدليه ‪.‬‬
‫‪ – 251‬اليعمل قدر آنوار القلوب والرسار اال يف غيب امللكوت ‪ ،‬كام‬
‫التظهر آنوار السامء اال يف شهادة املكل ‪.‬‬
‫‪ – 252‬وجدان مثرات الطاعات عاجال ؛ بشائر العاملني بوجود اجلزاء‬
‫علهيا آجال ‪.‬‬
‫‪ – 253‬كيف تطلب العوض عىل معل هو متصدق به عليك ؟ آم كيف‬
‫تطلب اجلزاء عىل صدق هو همديه اليك ؟ ‪.‬‬
‫‪ – 254‬قوم تس بق آنوارمه آذاكرمه ‪ ،‬وقوم تس بق آذاكرمه آنوارمه ‪،‬‬
‫وقوم تتساوى آذاكرمه وآنوارمه ‪ ،‬وقوم ال آذاكر وال آنوار ؛ نعوذ ابهلل من‬
‫ذ ك ‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ – 255‬ذاكر ذكر ليس تنري قلبه ؛ وذاكر استنار قلبه فاكن ذاكرا ‪ .‬واذلي‬
‫اس توت آذاكره وآنواره فبذكره هيتدى ؛ وبنوره يقتدى ‪.‬‬
‫‪ – 256‬مااكن ظاهر ذكر ؛ اال عن ابطن شهود وفكر ‪.‬‬
‫‪ – 257‬آشهدك من قبل آن يستشهدك فنطقت ابالهيته الظواهر ‪،‬‬
‫وحتققت بأحديته القلوب والرسائر ‪.‬‬
‫‪ – 258‬آكرمك بكرامات ثالث ‪ :‬جعكل ذاكر هل ؛ ولوال فضهل مل تكن‬
‫آهال جلراين ذكره عليك ‪ ،‬وجعكل مذكورا به اذ حقق نسبته دليك ‪،‬‬
‫وجعكل مذكورا عنده فمتم نعمته عليك ‪.‬‬
‫‪ – 259‬رب معر اتسعت آماده وقلت آمداده ‪ ،‬ورب معر قليةل آماده‬
‫كثرية آمداده ‪.‬‬
‫‪ – 260‬من بورك هل يف معره ؛ آدرك يف يسري من الزمن من منن هللا‬
‫تعاىل ماال يدخل حتت دوائر العبارة ‪ ،‬والتلحقه االشارة ‪.‬‬
‫‪ – 261‬اخلذالن لك اخلذالن آن تتفرغ من الشواغل م التتوجه اليه ‪،‬‬
‫وتقل عوائقك م ال ترحل اليه ‪.‬‬
‫‪ – 262‬الفكرة سري القلب يف ميادين الغيار ‪.‬‬
‫‪ – 263‬الفكرة رساج القلب ؛ فاذا امتنعت فال اضاءة هل ‪.‬‬
‫‪ – 264‬الفكرة فكراتن ‪ :‬فكرة تصديق واميان ؛ وفكرة هجود وعيان ‪.‬‬
‫فالوىل لرابب االعتبار ‪ ،‬والثانية لرابب الشهود واالستبصار ‪.‬‬
‫متت وابخلري معت‬
‫اكن الفراغ من نقلها صباح امخليس ‪1437/12/7‬ه ابلحساء‬

‫‪33‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪34‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫كتاب‬
‫شرح احلكم العطائية‬
‫لس يدان الش يخ العالمة بركة السلف ومعدة اخللف‬
‫ش يخ الطريقة وحبر احلقيقة الش يخ‬
‫عيل بن عبدهللا ابراس‬
‫نفعنا هللا به وسائر علومه آمني‬

‫وصىل هللا عىل س يدان محمد وآهل وحصبه وسمل تسلامي كثريا‬

‫اعتىن به‬
‫آمحد بن معر بن طالب العطاس‬

‫بسم هللا الرمحن الرحمي‬

‫‪35‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫امحلدهلل منور الظمل ‪ ،‬ومظهر الوجود من العدم ‪ ،‬املوصوف ابلقدم‬


‫‪ ،‬ومفجر ينابيع احلمك ‪ ،‬من خضم تيار الكرم ‪ ،‬وممنح من اختصه من‬
‫الربااي مبزيد العطااي املكنونة يف خزائن احلمك ‪ ،‬ورشح صدور ذوي‬
‫االختصاص ابلتزنه يف فس يح صفيح رسوح رشوح رايض احلمك ‪،‬‬
‫فتبادرت جياد عتاد آرواهحم ؛ وطوالع بوالغ مهمهم مبطالعة آرسار القدم ‪،‬‬
‫فوقعت عندما شهدت ذ ك يف مي العدم ‪ .‬فصادها ماتومهت اصطياده‬
‫فرجع لك فصل لفصهل ‪ ،‬فصدق عن كشف حتقيق ليس مكثهل ‪ .‬والصالة‬
‫والسالم املتصالن بدوام جتلياته ‪ ،‬بأحدية ذاته ‪ ،‬املس متران مبظاهر جامهل‬
‫وجالهل ‪ ،‬السائران الظاهران عىل خفااي وظواهر آايته ‪ ،‬ذاات وصفاات‬
‫وآفعاال عىل درة صدفة الوجود ‪ ،‬وحمتد مقامات الشهود ‪ ،‬وآصل لك‬
‫موجود ؛ آول من آومت روحه يف الوجود هلل ابلسجود ‪ ،‬فتوهجت‬
‫الرواح امجلالية اليه ‪ ،‬فوجدت لها اماما ‪ ،‬ومن الفنت والهوى لها هداية‬
‫وعصاما ‪ ،‬س يدان محمد احلامد جبوامع احملامد ‪ ،‬ورسوهل ادلاع اىل آمكل‬
‫املقاصد ‪ .‬عبدهللا ونعم العبد ‪ ،‬س يد ودل آدم ‪ ،‬الناطق ابلقول القوم ‪،‬‬
‫والقامئ بدائرة االمس العظم ‪ ،‬املؤىت جوامع اللكم ‪ ،‬اذلي آابن هللا به‬
‫الوجود من العدم ‪ .‬وعىل آهل مثرة دوحته النبوية ‪ ،‬وبروج مشسه اخلفية ‪،‬‬
‫برازح النشأتني ‪ ،‬وخالصة الصفوتني ‪ .‬وآحصابه كذ ك ‪ ،‬كام اختصهم هللا‬
‫ذل ك ‪ ،‬وآهلهم ملاهنا ك ‪ .‬جنوم هدايته ‪ ،‬وبدور واليته ‪ ،‬ومشوس عنايته ‪.‬‬
‫وآشهد آن الاهل اال هللا وحده الرشيك هل ‪ ،‬شهادته لنفسه واملالئكة‬
‫وآولوا العمل من خلقه ‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫آمابعد ‪ :‬فاين اس تخرت هللا س بحانه بعد آن صدرت ايل اشاره ؛‬


‫يف طهيا بشارة ‪ .‬من صدر زمانه ؛ وقطب آوانه ‪ ،‬العارف ابهلل ذوقا‬
‫وكشفا وحتققا وعلام ‪ ،‬س يدي معر بن عبدالرمحن بن عقيل بن سامل بن‬
‫عبدهللا ابعلوي السقاف ؛ آن آضع تعليقا لطيفا عىل كتاب احلمك ‪ ،‬للش يخ‬
‫العارف ابهلل ‪ :‬عبدالكرمي ابن عطاء هللا الشاذيل السكندري نفع هللا به‬
‫وبعلومه ‪ ،‬وآابن لنا من لواحئ فهومه ‪ ،‬مايكشف لنا وللك مسرتشد اىل‬
‫طريقه ؛ عن غوامض اشاراته ورموزه ‪ ،‬ويفتح لنا ماتضمنه الكمه من‬
‫احلقائق واللطائف والرقائق ‪ .‬فوجدت عند ذ ك آثر االس تخارة ‪ ،‬بركة‬
‫قبول االشارة ‪ ،‬فقدمت معمتدا عىل ماينقدح بنور الفهم ‪ .‬ومل آكن بعد قد‬
‫وقفت لهذا الكتاب عىل رشح غري رشح الش يخ محمد بن ابراهمي ابن عباد‬
‫النفري ‪ ،‬جفعلت يف بعض ما آضعه الكمه آوال لويد الكمنا آسا ‪ ،‬وقد‬
‫اكن كثريا يعرض واحضات النقول ‪ ،‬وجليات املعقول ‪ .‬وآان منتظر مايلقا‬
‫يف الفؤاد من لواحئ الوداد ‪ ،‬فيكون آخذه بالتقليد ؛ وهو اذلي نريد ‪.‬‬
‫فتلكمنا حبسب مايظهر لنا من لواحئه ‪ ،‬متميمني برباكهتم الشامةل ‪،‬‬
‫ومس تزنلني املواهب والفتوح من سامء ساميات آرسارمه القدس ية ‪،‬‬
‫ومهتدفني لللطاف واملنوح ابالنامتء اىل مذاههبم ‪ ،‬وممتسكني بأذايل‬
‫طرائقهم ‪ ،‬ومتعرضني الس تعطاف آلطاف مصوانت حقائقهم ‪ .‬مع اعرتافنا‬
‫ابلقصور عن شأومه وعزيز مناهلم ‪ ،‬مستشفعني هبم اىل هللا يف آن ينيلنا‬
‫عزيز وصاهلم ‪ ،‬وطالبني من جدوامه لك منحة ‪ ،‬ونس متطر التحقيق من‬
‫حسب آقواهلم ورشيف آحواهلم ‪ ،‬ونس تنشق النفاس العلوية يف لك نفحة‬
‫‪ ،‬ونس هتدي التوفيق يف لك ماينسب الينا من قول وفعل ونية ‪ .‬ونسأل‬
‫‪37‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫هللا آن جيعلنا ممن مسع اخلطاب فوعى ؛ وشهد التحقيق فدعا اىل هللا عىل‬
‫بصرية ‪ ،‬وصفو رسيرة ‪ ،‬وحمجة منرية ‪ .‬ويوفقنا حلسن االتباع ‪ ،‬وجينبنا‬
‫الزيغ واالبتداع ‪ .‬وآن جيعلين مرتجام المتحكام بنفيس ‪ ،‬وآن ينفعين‬
‫واملسلمني مبا آوردته يف هذا الكتاب وغريه من لك فعل وخطاب ‪ ،‬وآن‬
‫جيعهل لنا جحة يوم احلساب ‪ ،‬وحمجة اىل كشف احلجاب ‪ .‬وآن جيعلنا‬
‫انطقني ابلصواب ‪ ،‬وآن جيمعنا مع الحباب ؛ مع النبيني وخواص املقربني‬
‫من القطاب ‪ ،‬والمئة والواتد والبدالء والجناب ‪ ،‬ومشاخينا يف ادلين ‪،‬‬
‫ومن والاان فيك وواليناه والقراابت والصهار والنساب ‪ ،‬وآن يعم بنفعه‬
‫لك طالب منيب آواب ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫لك الوجـــــود مشري ان رآيت اىل حنو الحبة دونك هذه اخلـــــمي‬
‫وامسع خطاب نداء احلق املبني وال يدخكل ريب مبا يف مجمع اللكـــم‬
‫فف الصدور سطور النور منه عـىل صفاحئ النفس آرسار من القـدم‬
‫اذا بدا ذاك انر الكون منه فـــــال غري يرى عزه من سائـر المــــم‬
‫واكن هذا آوان ابتداؤان يف رشح الكم املؤلف ريض هللا عنه ‪،‬‬
‫مس تعينا ابهلل ومتوالك عليه ‪ ،‬ومستندا يف آموري اليه ‪ .‬مفن وجد يف‬
‫كتايب هذا لفظا آومعىن خمالفا ملا عليه آهل الس نة وامجلاعة ؛ فأان برئ عن‬
‫ذ ك املقال ‪ ،‬وهذا آس املقال ؛ اذ قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( من عالمات االعامتد عىل العمل ؛ نقصان الرجاء عند وجود الزلل )‬
‫هذه عالمة اكفية ‪ ،‬ودالةل وافية ‪ .‬وهذه آحد عالمات االعامتد عىل‬
‫العمل ؛ وهل عالمات ودالئل يطول تعدادها ؛ ومن مجلهتا ‪ :‬االدالل‬
‫وازدراء من مل يعمل مبثهل ‪ ،‬اىل غري ذ ك ‪ .‬والفرق بني من يعمتد عىل هللا‬
‫‪38‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫دون علمه ومعهل آنه لو ابت قامئا وغريه انمئا اىل الصباح مل ير نفسه عليه‬
‫مبزيد ‪ ،‬ويه للواقف عىل معهل وعلمه ومجيع ما منه دون االعامتد عىل هللا‬
‫؛ عالمة جحابه ‪ ،‬ووقوفه دون حمض العبودية عىل مقتىض طبعه ‪ .‬وطلب‬
‫حظه من نيل ثواب ؛ والهروب من العذاب ‪ .‬وهذه العلل تناقض‬
‫العبودية ‪.‬‬
‫وآما العارفني والسادات املقربني قرصوا نظرمه وعكفوا هبممهم عىل‬
‫امتثال آمرس يدمه دون حظ عاجل وجزاء آجل ‪ ،‬فهم مع هللا ذاات وصفاات‬
‫وآفعاال ‪ ،‬ويف مجيع حراكهتم اكئنة مااكنت ‪ ،‬فان اكن مايصدر مهنم من‬
‫قبيل املوافقات اس تغرقهم جامهل وحسن آفعاهل ‪ ،‬ومع ذ ك تصحهبم هيبة‬
‫سطوات جالهل ‪ .‬لنه حيث ظهر وصف امجلال فاجلالل ابطن ‪ ،‬وحيث‬
‫ظهر سلطان اجلالل فامجلال ابطن ؛ ذل ك الينفك جالهل ‪ .‬فأورث هلم‬
‫حاالت سنية ‪ ،‬ومقامات عليه ؛ اكحلياء والرهبة وااللتجاء واخلش ية ‪،‬‬
‫واالنطواء حتت سلطان الرهبوت ‪ .‬وان آقاهمم يف جتيل جامهل آسكرمه‬
‫رشاب جامهل ‪ ،‬وآذهلهم ذليذ وصاهل ‪ ،‬وآدهشهم كامهل ‪ .‬فانبعثت مهنم‬
‫القوى الباطنة ‪ ،‬واحلراكت الظاهرة مبقتىض الشكر من خالص ذكر وصايف‬
‫فكر‪ ،‬بني روح مشاهدة امجلال وهتذيب اجلالل ‪ .‬وحيث مسعت بزةل‬
‫آوهفوة صدرت يف عبارة ؛ فاعمل آن زالت العارفني وهفواهتم غالبا يف‬
‫الرخص واملباحات ‪ ،‬وعىل الندور تكون يف كبرية ‪ .‬وحيث اكنت فهم‬
‫يطالعون سابق العمل عىل عمل مهنم قبل وقوعها عىل يدمه آهنا س تكون ‪،‬‬
‫والبد آما بأن يشهدون ذ ك يف آم الكتاب مسطرا وحيدثون به بال امرتا ‪،‬‬
‫ولكن هللا يقرن هلم البرشى بقبول توبهتم ‪ ،‬وغفران ذنوهبم ‪ .‬فذل ك جح آدم‬
‫‪39‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫موىس كام ورد عن رسول هللا صىل هللا عليه وسمل ‪ .‬ولو مل يكن ذ ك‬
‫ذلابت آرواهحم وتالشت آش باهحم حبا وتعظامي ‪ .‬وحال وقوعهم فهيا‬
‫وصدورها عهنم حيجبون عن شهود العمل ‪ ،‬واال مل يمتكنوا من فعلها ليقيض‬
‫هللا آمرا اكن مفعوال ‪ .‬مفراتهبم تعطهيم التعظمي واالجالل ؛ كام يكون لغريمه‬
‫من اخلوف واالذالل ‪ ،‬خارجني عن كوهنم بأنفسهم قامئني ‪ ،‬وعن حوهلم‬
‫وقوهتم متربئني ؛ يف مجيع مايصدر مهنم وعهنم ‪ .‬وكيف يشهدون ذواهتم‬
‫وصفاهتم ؛ فضال عن آفعاهلم ومه متالشني بني مرشقات جامهل ‪،‬‬
‫ومضمحلني حتت حمرقات جالهل ‪ ،‬فان آشهدمه ذاته غيهبم عن ذواهتم ‪،‬‬
‫فيكون مقاهمم الهيبة والنس ‪ ،‬وان آشهدمه صفاته آخذمه عن صفاهتم‬
‫حفاهلم القبض والبسط ‪ ،‬وان آوقفهم حتت آحاكم آسامئه قاموا حبمك اخلوف‬
‫والرجاء ‪ ،‬هذه مقامات الرجال ‪ ،‬والسادات البدال ‪.‬‬
‫وآما عامة اخللق فواقفون يف مضيق احلجاب عندما يتومهون‬
‫صدوره مهنم آوكونه مهنم من طاعة آوعصيان ‪ ،‬آوعطاء آوحرمان ‪ ،‬فال‬
‫يفارقون الرشك اخلف آو اجليل ؛ وآما اخلف آواجليل فاذا نظروا اىل مايربز‬
‫مهنم يف صورة طاعة عدوه آرجاء بضاعهتم ‪ ،‬ومعدة نفاعهتم ‪ ،‬وغابوا عن‬
‫معونة هللا هلم وسابق هدايته هلم ‪ ،‬وعظمي منته علهيم ‪ ،‬وآجلها اجيادمه بعد‬
‫آن مل يكونوا ‪ ،‬وتوايل امداده وارسال آنبيائه ‪ ،‬وانزال كتبه ‪ ،‬وبسط آرضه‬
‫‪ ،‬ورفع مسواته ‪ ،‬وتسخري موجوداته { وان تعدوا نعمة هللا الحتصوه} [‬
‫الية ‪ 18‬النحل ] ومن مجلهتا طاعهتم املنسوبة الهيم جمازا وان وقعت مهنم زةل‬
‫؛ وحصلت مهنم هفوة ‪ ،‬مااكن عندمه من الرجاء لشهودمه صدورها عهنم‬
‫‪ ،‬واستنادمه اىل حوهلم وقوهتم ‪ ،‬فرؤيهتم حوهلم وقوهتم يف اجياد شئ آشد‬
‫‪40‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫من معصيهتم ‪ .‬واحلزن املطلوب للعباد اللكوهنم هلم فهيا حقيقة اجياد‬
‫واخرتاع ‪ ،‬ولكن لكوهنا برزت عىل آيدهيم فهي من نوازل البالء ‪،‬‬
‫وسطوات القضاء ‪ .‬فاذا فهمت ذ ك تبني ك حاالت العامة ؛ ومقامات‬
‫اخلاصة ومايعطهيم احلال من الفناء عن آفعاهلم وآوصافهم وذواهتم ؛ وحال‬
‫العامة ومايعط من احلجاب ‪ ،‬ومايقاسونه من رؤية آنفسهم من النصب‬
‫والعذاب ؛ فالعذاب فرع من رضب احلجاب ‪ .‬قال هللا جل ذكره { الك‬
‫اهنم عن رهبم يوميئذ حملجوبون * م اهنم لصالوا اجلحمي } [ الايت ‪16-15‬‬
‫املطففني ] والعارف آما متحقق ممتكن ؛ وآما مصطمل متلون ‪ ،‬فاملمتكن‬
‫يعط لك ذي حق حقه ‪ ،‬ويؤيف لك مقام مس تحقه ‪ .‬مفع كونه فانيا عن‬
‫آفعاهل وآوصافه وذاته ؛ فهو ابق بربه ‪ ،‬يأمتر لمره وينهتي لهنيه ‪ ،‬ويعرف‬
‫حمكة هللا يف اثبات العبد مع هللا ‪ ،‬مع آن هللا قال { آال هل اخللق والمر‬
‫لها ماكسبت وعلهيا‬ ‫{‬ ‫} [ الية ‪ 54‬العراف ] وقال يف مقام آخر‬
‫مااكتسبت } [ الية ‪ 286‬البقرة ] وهنا علوم خترجنا عن رشح الكتاب ‪،‬‬
‫ولكن كن وقاية هل فامي اليليق اضافته اليه ‪ ،‬واجعهل وقايتك فامي حيسن آن‬
‫يضاف اليه من احملامد ‪ ،‬ولك مايف اطالقه ذم آواشارة اىل ذم ولو من‬
‫بعض الوجوه تكن وقايته فهيا ‪ ،‬مفا اكن من اجملهودات فاليه خلقا واجيادا ‪،‬‬
‫آومااكن فيه ذم آويتوصل فيه اىل ذم ولو من بعض الوجوه فاليك اضافة‬
‫واستنادا ‪ ،‬ومااكن فيه من وجه مدح ومن وجه ذم فوجه املدح اليه ‪،‬‬
‫ووجه اذلم اليك ؛ هذا مشهد الدابء ‪ .‬وآما العامة فاهنم ابلضد من ذ ك‬
‫‪41‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫يضيفون مااكن ممدوحا الهيم ‪ ،‬ومااكن مذموما تربآوا منه وآضافوه اىل هللا ‪.‬‬
‫فهذا بعض ما آبرزته اشارة الوقت ‪ ،‬ووراء هذه علوم وآرسار اليسع‬
‫كشفها لغري آهلها ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫فكن عىل كرم الرمحن معمتدا التستند ال اىل عمل والمعـــــــل‬
‫ففضل ربك المتنعه معصــية واليضاف اىل االعراض والعلل‬
‫فنسأل هللا هداية وتوفيقا ‪ ،‬وصوااب وحتقيقا ‪ .‬وقال املؤلف ريض‬
‫هللا عنه ‪:‬‬
‫( ارادتك التجريد مع اقامة هللا اايك يف الس باب من الشهوة اخلفية‬
‫وارادتك الس باب مع اقامة هللا اايك يف التجريد احنطاط عن اهلمة العلية )‬
‫االرادة حاةل من حاالت القلب ‪ ،‬ووصف من صفات العبد ‪ ،‬ويه‬
‫جائزة كهو ‪ ،‬ويه ختصيص المور وتدبريها ‪ ،‬وقد علمت ما العبد عليه‬
‫من القصور والعجز جلههل بتقدير المور ‪ ،‬والعجز من لوازم ارادته الش ياء‬
‫واختيارها ‪ .‬واملطلوب من العبد حيث اكن كذ ك آن يكون بتدبري هللا‬
‫واخنياره اتراك الرادته وسائر آوصافه وآفعاهل ‪ ،‬ويبقى بتدبري من هل االرادة‬
‫الاكمةل ‪ ،‬والقدرة النافذة ‪ ،‬يف حراكته الظاهرة والباطنة ‪ .‬فعىل ذ ك لوآبيح‬
‫هل آن خيتار لاكن من حقه ترك االختيار ؛ فكيف والعبد مأمور برتك‬
‫االختيار لقوهل تعاىل { وربك خيلق مايشاء وخيتار مااكن هلم اخلرية } [‬
‫الية ‪ 68‬القصص ] وبعض المور آظهر من بعض يف ظهور احلمكة ‪ .‬فطلب‬
‫التجريد مع اقامة هللا اايك يف الس باب الشهوة فيه خفية غامضة جدا من‬
‫حيث آهنا طاعة ‪ ،‬لكن بدقيق النظر يف دقائق احلقائق يتبني ك شهوة‬
‫النفس وخمادعة الش يطان ‪ ،‬آما شهوة النفس مفن حيث اس تعجال الراحة‬
‫‪42‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ ،‬وآما خمادعة الش يطان مفن حيث اخراجك عن تدبري هللا اذلي مل يقرتن‬
‫به مذموم رشعا اىل تدبريك لنفسك املشوب ابحلظوظ ‪ ،‬وآما طلب‬
‫اخلروج من التجريد اىل الس باب فقبحه ظاهر جيل ‪ .‬واعمل آن الس باب‬
‫يه لكام يوصل اىل غرض دنيوي ‪ ،‬والتجريد هو التفرغ عن لك شاغل‬
‫يشغل عن هللا ‪ ،‬وعائق عن طاعة هللا ‪.‬‬
‫واعمل آن التجريد حال رشيف ومقام منيف ‪ ،‬يقمي هللا فيه خاصة‬
‫آصفيائه وصفوة آوليائه ‪ .‬وعالمة من آقامه هللا فيه كرثة الرضا وعدم‬
‫الشكوى ‪ ،‬وعدم الركون اىل املعلوم ‪ ،‬وجيتنب لك فعل ملوم وخلق‬
‫مذموم ‪ ،‬واالس تغناء ابهلل ‪ ،‬وانزال مجيع حاجاته وهمامته ابهلل ‪ ،‬والبذل‬
‫عند الوجد ‪ ،‬والصرب عند الفقر ‪ ،‬والرآفة بعباد هللا والشفقة ‪ ،‬ورفع اهلمة‬
‫عن التشوف الهيم يف آمر من المور ‪ ،‬واذا نزلت به احلاجة مل يتوجه يف‬
‫قضاهئا اىل غريهللا ‪.‬‬
‫ومه يف ذ ك ثالثة ‪ :‬مهنم من يسأل واليأخذ ‪ ،‬ومهنم ‪ :‬من يسأل‬
‫واذا آعط قبل ‪ ،‬ومهنم ‪ :‬من يسأل عند ماتزنل به الفاقة ‪ .‬فالول روحاين‬
‫‪ ،‬والثاين اترك االختيار ؛ قامئ مقام االفتقار ‪ ،‬والثالث كفارة سؤاهل صدقه‬
‫يف فاقته ‪ ،‬واملتجرد جترد عن آس باب وتلبس آحوال ؛ مفا يتجردون‬
‫ليتفرغون ولكن يتجردون عن آس باب دنية لحوال سنية ‪ .‬مفن مل يكن يف‬
‫حال جتريده ذو مهة عالية ‪ ،‬وعلوم وافية ‪ ،‬وآخالق رضية ‪ ،‬وعلوم سنية ‪،‬‬
‫وآذواق روحية ؛ فتجريده بطاةل ‪ ،‬وطريقه ضالةل ‪ .‬واذا اكن هبذه‬
‫الرشوط توىل هللا رعايته ‪ ،‬ونرش عليه رس واليته ‪ ،‬وتوهجت اليه‬
‫الاكئنات بسرت التسخري ‪ ،‬وكف مه التدبري ‪ .‬فاذا توهجت مهته اىل غريهللا‬
‫‪43‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اكئنا من اكن ذ ك الغري ؛ فقد احنط عن هذه الرتبة العلية ‪ ،‬ونزل عن‬
‫هذه اهلمة السامية العلوية ‪ ،‬وجحب عن هذه احلاةل السنية ؛ مفا آعظم‬
‫مصيبته وآشد عقوبته ‪ ،‬وما آقبح حامقته حيث عاد من اليقني اىل الومه ‪،‬‬
‫وتلبس ابجلهل عوضا عن الفهم ان مل يتداركه هللا بتوبة ورسعة آوبة ‪ .‬فان‬
‫مل يتدارك بذ ك اكن من مل يسكل آمحد حاال منه ‪ ،‬لن من مل يسكل مل‬
‫يطلق عليه آن سكل طريق ورجع عهنا ‪ .‬والخيفى ضالل رآي من خطب‬
‫اىل مقام املكل والتراب ‪ ،‬ورجع اىل س ياسة ادلواب ‪ ،‬ويف مثل ذ ك‬
‫آقول شعرا ‪:‬‬
‫كيف ابلس باب يقنع من محلا التجريد قد طلــــــبا‬
‫من مبواله توثـــــــــــــــقه م يرجع يطـلب السبــــبا‬
‫اكنت الس باب تطلبـــــه وهو ابلنوار حمتجـــــــبا‬
‫فرتى التزنيل خيـــــــــربان حبديث العمى قوم سبــا‬
‫ان فهيا آية ظــــــــــهرت خترب الطالب ابلعجـــــبا‬
‫برغيد العيش آنكـــــــــده يطلبون البعد والتعـــــبا‬
‫ان يف ذ ك لية وكفاية ‪ ،‬والحتسنب هللا يقص عليك هذا احلديث‬
‫عبثا ولكن آنت املراد ‪ ،‬فاايك م اايك والتصامم عن هذا اخلطاب ‪ ،‬فيكون‬
‫آيرس آحوا ك العقاب ‪ ،‬بشنيع اخلطاب ‪ ،‬هذا اذلي رجع عن الباب ‪،‬‬
‫واس تخار البعد عىل االقرتاب ‪ ،‬وآثر جمالسة الجناب عىل مشاهدة‬
‫الحباب ‪ ،‬وآشد حالته الطرد واحلجاب ‪ ،‬وآلمي العذاب ‪ .‬فهذه بعض‬
‫اشارة اىل تقبيح حال من احنط عن التجريد اىل الس باب ‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وآما املتسبب اذلي آقمي يف الس باب وآريد هبا ؛ فعالمة ذ ك‬


‫تيسريها وحصول النتاجئ فهيا من املنافع ادلينية ؛ من صةل رمح وارفاق‬
‫ذوي الفاقات مع حفظ الوقات ‪ ،‬وعدم الفرح مبا آىت والتأيس عىل مافات‬
‫‪ .‬فاذا ظهرت هذه العالمات عمل بأنه مراد ابملقام فهيا ‪ ،‬فليحسن يف مقامه‬
‫بتحليل حالهل وحترمي حرامه ‪ ،‬واليطلب اخلروج عهنا بنفسه حىت يكون‬
‫احلق هو اذلي يتوىل ادخاهل واخراجه { وقل رب آدخلين مدخل صدق‬
‫واجعل يل من دلنك سلطاان نصريا } [ الية ‪ 80‬االرساء ] عىل هواي‬
‫وسائر آعداي ‪ ،‬فاملدخل الصدق واخملرج الصدق آن يدخل يف الش ياء‬
‫وخيرج عهنا كامذكران ك ‪.‬‬
‫ومن آداب املتسبب بل وظائفه وعالمة صدقه آن الحيتجب‬
‫ابلس باب عن مسبهبا ‪ ،‬ويكون اعامتده عىل حول هللا وقوته يف مجيع‬
‫ماايخذ ويدع ‪ .‬ومن وظائفه مراعاة القوانني الرشعية فامي يصح هل االقدام‬
‫عليه وما يطلب منه فيه االجحام عنه ‪ .‬ويأخذ من الفقه لكام حيتاج اليه من‬
‫لك مايريد ادلخول فيه والتلبس به ‪ ،‬مفا يقوم بوظائف الس باب اال‬
‫القوايء المكل العاملني بدقائق املعامالت ‪ .‬واذا قام مبا ذكران فقد آدى حق‬
‫التسبب ووفا مبقامه ‪ ،‬وهو آيضا مقام رشيف آقمي فيه جامعة من آاكبر‬
‫الصحابة وهجابذة العلامء ‪ ،‬فاذا قام مباذكران وحتقق مبا وصفنا فال يطلب‬
‫اخلروج مهنا حىت تدفعه الس باب اىل هللا ‪ ،‬آي ترتكه ‪ .‬واملتجرد اذا‬
‫تركته الس باب فالتتيرس هل آس باهبا وتغلق دوهنا آبواهبا ‪ ،‬وختطف‬
‫احلقائق وتنسلخ عنه العوائق ‪ ،‬فاذا اكن كذ ك هللا يقميه مقاما حس نا ‪،‬‬

‫‪45‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ويلكيه الكءة مرية ‪ ،‬وحيييه حياة طيبة ‪ ،‬ويغذيه بعيشة هنية ؛ بأن مييل‬
‫قلبه نورا وفرحا وحبورا ‪ ،‬ويوصل اليه ماقدره هل ‪ ،‬ويكفيه مه ذ ك بأن‬
‫ييرس هل من يوصهل اايه ؛ آما من آبناء جنسه وآما آن ميد هل موائد الغيب‬
‫‪ ،‬آوتكون هل آرزاقا معنوية وآقواات خادية قربية تتلون هل كام تتلون لهل‬
‫اجلنة ‪ ،‬فقد تكون من ذ ك يف ادلنيا لبعض املرادين كام اكن البنة معران‬
‫{ لكام دخل علهيا زكراي احملراب وجد عندها رزقا قال ايمرمي آىن ك هذا‬
‫قالت هو من عندهللا ان هللا يرزق من يشاء بغري حساب } [ الية ‪37‬‬
‫آل معران ] والنصب والعقاب فهكذا يعامل الحباب ‪:‬‬
‫من قام هلل يف الحوال قام هل لك الوجود بتسخري وتيسريي‬
‫ولرنجع اىل رشح الكم املصنف بال تطويل وال اكثار ‪ ،‬قال ريض‬
‫هللا عنه ‪:‬‬
‫( سوابق اهلمم الخترق آسوار القدار )‬
‫اهلمة قوة يف النفس تتحصل عند توهجها اىل الشئ ابذن هللا تأثري‬
‫‪ ،‬وقد آشار ابلس بق يشري اىل قوة التأثري ورسعته ‪ .‬وحيث آطلقت‬
‫فتعلقها ابلفضائل واس تعامل لك وس يةل من وسائل اخلريات ؛ لطلب‬
‫املنازل العالية ورفيع ادلرجات وس ين احلاالت ‪ ،‬والزنوع عن مواطن‬
‫الرذائل والغفالت ‪ ،‬اىل فس يح املاكرم ونيل املقامات وبواهر الكرامات ‪.‬‬
‫ولك مهة اىل غري ذ ك فهي من املكر ؛ ولكن من حيث حد اهلمة ‪ .‬ومع‬
‫ذ ك ؛ آي كوهنا مؤثرة رسيعة التأثري فهي موقوفة عىل مشيئة هللا وقدرته ‪،‬‬
‫مفىت مل جتد نفوذا يف سور القدر االلهي مل يكن تأثري يف ىشء البتة ‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فالتخصيص االرادي واالبرازالقدري آصل بروزاملمكنات ‪ ،‬واهلمم السوابق‬


‫والعزامئ اخلوارق آاثر وفروع عهنا ‪ ،‬فالتتعدى مهته دون قدرة هللا وارادته‬
‫‪ ،‬واهلمة قوهتا وضعفها عىل قدر ماعند االنسان من االس تعداد ‪ .‬واهلمة‬
‫سفينة العارف يف حبار الوجود ؛ هبا يرتىق عن حضيض احلظوظ‬
‫والشهوات ‪ ،‬وهبا خيرتق املنازل الروحانيات ‪ ،‬ويه براق السالكني وبرهان‬
‫الواصلني ‪ ،‬وهبا سار من سار عىل املاء ؛ وهبا طار من طار يف الهوى ‪.‬‬
‫لكن قوة نفوذها ورسعة نفوذها ورسعة تأثريها عىل قدر ماعند السا ك‬
‫من االس تعداد ‪ ،‬فاذا توهجت يف فعل شئ مل تربزه القدرة عادت لكيةل ‪،‬‬
‫آويف دفع ىشء وقد س بق يف العمل تقديره ظهر يف الوجود تأثريه ومل تدفع‬
‫عنك اهلمة تقديره ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ان اهلمم حتت حمك المر دائرة فليس تنفذ فامي صانه القــــــدر‬
‫فهمة املرء مامل تلق منفـــــــذها يف سور القدار اليظهر لها آثر‬
‫حفيث علمت آن اللشئ تأثري يف شئ دون ارادة هللا وقدرته فعالم‬
‫العنا ‪ ،‬وفامي االعتناء ‪ ،‬فذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( آرح نفسك من مه التدبري ‪ ،‬مفا قام به غريك عنك مل تقم به‬
‫لنفسك )‬
‫راحة النفس يف الكف عام ليس من شأهنا ‪ ،‬والتدبري من نعت‬
‫الربوبية ‪ .‬قال هللا جل ذكره { يدبر المر يفصل الايت } [ الية ‪ 2‬الرعد‬
‫] { يدبر المر من السامء اىل الرض } [ الية ‪ 5‬السجدة ] فالتدبري فامي‬
‫كفيت والتعرض ملا عنه هنيت آشد تعب وآعىن نصب ‪ ،‬مفا ك آهيا‬

‫‪47‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫املسكني والتدبري يف آمورك وقد كفاكها عنك غريك ‪ ،‬ومع كونك تتعب‬
‫وتنصب فاليغين عنك تدبريك ‪ ،‬ومل ينفعك تقديرك ‪ ،‬فكن بتدبري هللا ك‬
‫البتدبريك لنفسك ‪ .‬فالتدبري واالختيار ملن هل االرادة والتدبري وذ ك هللا‬
‫احلكمي القهار ‪ ،‬فشان العبد آن اليزامح مواله فامي انفرد به ‪ .‬ولك تدبري‬
‫ندبك الرشع اليه فليس يدخل حتت مطلق اذلم عىل التدبري ‪ ،‬فلك‬
‫تدبريات الرشع المنك وال اليك فامسع وآطع ‪ ،‬وامنا التدبري املذموم آن‬
‫تدبر يف املقسوم آوتهتم يف املعلوم ‪ ،‬مفا قدر فال بد آن يكون ‪ ،‬وماال فال ‪.‬‬
‫مفا ذا يغين تدبريك ‪ ،‬وماذا جيدي اختيارك وتقديرك وربك خيلق مايشاء‬
‫وخيتار و{ مااكن هلم اخلرية س بحان هللا عام يرشكون } [ الية ‪ 68‬القصص‬
‫] معه من تدبريمه واختيارمه ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ايمن يدبر آمرا وهــــو ليس هل يف خرية هللا تدبري والقدر‬
‫ان كنت البد خمـتارا خفرية من بيده المر والتدبري والقدر‬
‫فدبر آن التدبر يف المور وكن اكمليت الفان العني والآثــر‬
‫فشأنك آهيا املسكني آن يكون فكرك وتدبريك فامي ندبك اليه‬
‫يسدك من القرابت ‪ ،‬ودعاك اليه من املوافقات ‪ ،‬وتذر مامىض والهتمت مبا‬
‫هو آت من الس باب ادلنيوايت ان كنت ذا بصرية انظرة ‪ ،‬ورسيرة‬
‫صافية ‪ ،‬وروح حارضة ‪ ،‬فذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( اجهتادك فامي مضن ك ؛ وتقصريك فامي طلب منك ؛ دليل عىل‬
‫انطامس البصرية منك )‬
‫االجهتاد هو بذل اجملهود يف طلب املقصود ‪ ،‬وليس مقصودا‬
‫غريهللا ‪ ،‬آومايقرب اىل هللا ‪ .‬مفن بذل جمهوده ملقصود غري هللا فهو ذا‬
‫‪48‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫برص مطموس وعقل معكوس ‪ ،‬واملضمون هو الرزق املقسوم ‪ ،‬والنصيب‬


‫املعلوم بقوهل ‪ ،‬وقول احلق { وكئن من دابة الحتمل رزقها هللا يرزقها‬
‫واايمك } [ الية ‪ 60‬العنكبوت ] وقوهل { وما من دابة يف الرض اال عىل‬
‫هللا رزقها } [ الية ‪ 6‬هود ] وقوهل { حنن نرزقك } [ الية ‪ 132‬طه ]‬
‫اىل غري ذ ك من الايت ‪ ،‬وقال يف املطلوب منك { وماخلقت اجلن‬
‫واالنس اال ليعبدون } [ الية ‪ 58‬اذلارايت ] وقوهل { واعبدوا هللا‬
‫والترشكوا به شيئا } [ الية ‪ 36‬النساء ] وقال { فاايي فاعبدون } [ الية‬
‫‪ 56‬العنكبوت ] اىل غري ذ ك ‪ ،‬فتقصريك فامي خلقت لجهل وندبت اىل فعهل‬
‫؛ وهو العبادة هلل ابذلةل واالنكسار واملسكنة واالفتقار وكرثة الفاكر ‪،‬‬
‫وصفو الفاكر آانء الليل والهنار ‪ ،‬واجهتادك فامي مضن ك واعرتاضك عىل‬
‫القدار ‪ ،‬ونظرك اىل الغيار‪ ،‬حمجواب بسحب الاثر عن النافع الضار ‪،‬‬
‫املقدر اخملتار ؛ دليل عىل انطامس البصرية منك ؛ آي غيبهتا واستتار‬
‫نورها عنك ‪ .‬والبصرية يه نظر القلب بنور هللا ‪ ،‬فليس للبصرية نظر غري‬
‫جامل هللا وجالهل ‪ ،‬وكامل قدرته وحسن آفعاهل ‪ .‬مفن نور هللا عني بصريته‬
‫وجال صفو رسيرته مل يؤثر عىل هللا غريه ‪ ،‬ومل يرتك فيه لغريه بقية ‪،‬‬
‫وريض ابهلل راب وحاكام ومدبرا ومقدرا ‪ ،‬وبذل وسعه يف عبادته ‪ ،‬وسكل‬
‫طريق هدايته ‪ ،‬ومل حيهتد اال فامي يقربه دليه ‪ ،‬ومل يعول اال عليه ‪ ،‬فضال‬
‫عن آن يهتمه يف ضامنه ‪ ،‬وآن يقاومه يف مملكته وسلطانه ‪ .‬وقد آحسن‬
‫الدب يف عبارته وبديع اشارته ‪ ،‬فعبارته آقرب الدب ‪ ،‬وآوفق لنيل‬
‫‪49‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫الرب ‪ ،‬حيث عرب يطلب بصيغة ما مل يسمى فاعهل ‪ ،‬اشعارا منه برشف‬
‫الطالب ‪ ،‬فبني عبارة طلب وطلب ماالخيفى عىل من هل آدىن ذوق يف فن‬
‫الدب ‪ ،‬لن طلبه عىل سبيل التعبد ‪ ،‬واملكل والسلطان العىل سبيل‬
‫التلق واالسرتفاد ‪ ،‬وطلبه ك الحلاجته اليك ؛ ولكن من عظمي منته‬
‫عليك وس بوغ نعمته دليك آن عرفك طريق جناتك ومافيه سعادتك يف‬
‫حياتك ومعادك ‪ .‬وقوهل ‪ :‬اجهتادك ليس تقبيح عىل طلب املضمون عىل‬
‫االطالق ولكن ان اقرتن به تقصري فامي طلب ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫ايمن سعى يف طلب مااكن يطلبــه عام تضمنه الرزاق يف القـــــــدم‬
‫يأتيك رزقك من الحيث حتســـبه ان تتق هللا تعطى مزيدا الكــرم‬
‫فبادرن مبا يف الوقت تطلـــــــــــبه والتطالب مبا قد خط ابلقـــــــمل‬
‫فأمكه القلب من يطلب مأربــــــــه ومطمس النور حمبوس يف الظمل‬
‫حفيث اجهتدت فامي مضن ك ؛ وتركت ماطلب منك ؛ حفقيق آن‬
‫ينوه عليك بطمس البصرية ‪ ،‬واالزورار عن احملجة املنرية ‪ .‬فاملضمون هو‬
‫مايقوم ابلود ‪ ،‬واليتقيد بوقت دون وقت والطعام دون طعام ‪ ،‬واليقدر‬
‫من كرثة آوقةل وقد قدر هللا الرزاق وآوقاهتا وآقدارها وآوصافها يف آي‬
‫وقت وحال وماكن ‪ ،‬ومايه قبل بروز املرزوقني اىل عامل اخللق ‪ .‬وكذ ك‬
‫لكام وعدك به من اجابة دعاء هو آعمل بوقته وماكنه ‪ ،‬فاايك واستبطائه فقد‬
‫وعد عباده ابجابة دعاهئم كام وعدمه ابيصال آرزاقهم ‪ ،‬فذل ك قال املؤلف‬
‫ريض هللا عنه ‪:‬‬

‫‪50‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫( اليكن تأخر امداد العطاء مع االحلاح يف ادلعاء موجب ليأسك ؛‬


‫فهو مضن ك االجابة فامي خيتاره الفامي ختتار لنفسك ‪ ،‬ويف الوقت اذلي يريد‬
‫ال يف الوقت اذلي تريد )‬
‫العطاء هنا هو مارفعته اليه من حاجاتك ‪ ،‬وآنزلته به من همامتك‬
‫فامي تزمع آنه عطاء ؛ آوتظن آنه رفع بالء ‪ ،‬فاليكن مهك من دعائك الظفر‬
‫مبطلوبك تكن متحكام عليه ‪ ،‬فاملنع منه عطاء ملن كشف عنه الغطاء‬
‫والبالاي ‪ ،‬حيث آشهدك تعرفه اليك هدااي ‪ ،‬فاليكن تأخر ماطلبت‬
‫موجب ليأسك ‪ .‬قال صىل هللا عليه وسمل " يس تجاب لحدمك مامل يقل‬
‫دعوت فمل يس تجب يل " فاالس تجابة اليه ال اليك ‪ ،‬وفامي خيتار الفامي‬
‫ختتار لنفسك ‪ ،‬فالختتص مبرادك دون مراده ‪ ،‬بل مرادك ان وافق ادلعاء‬
‫وقته ؛ وخصصت االرادة فعهل برز عىل وفق مرادك ‪ ،‬ومس اس تجابة‬
‫عاجةل ‪.‬‬
‫وقد خاف الاكبر من رسعة ذ ك ملا روي آن هللا س بحانه اذا‬
‫دعاء العبد يقول هللا " آخروا اجابة عبدي فاين آحب آن آمسع صوته "‬
‫ويقول لخر " جعلوا حاجته اين آكره آن آمسع صوته " وهذا عىل الندور ‪،‬‬
‫وآما يف غالب الحوال آن هللا يكرم آوليائه ابجابة دعاهئم وتعجيل مرادمه‬
‫ولكن موقوف عىل مراده ‪ ،‬فال يتقدم وقته واليتعدى حده ‪ ،‬مفىت‬
‫اس تعجلت االجابة فقد حتمكت عليه يف ملكه ‪ ،‬ومل ترض بقضائه ‪ ،‬ومل‬
‫تصرب عىل بالئه ‪ .‬والخيفى عليك مضادة هذه الحوال للعبودية ومنازعهتا‬
‫للربوبية ‪ ،‬واهتمت من الخيلف امليعاد يف وعده فيعود وابل ذ ك عليك ‪،‬‬
‫فانه قد قال ‪ " :‬آان عند عند ظن عبدي " وقد آيست من االجابة‬
‫‪51‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فيخىش آن تعامل بسوء ظنك حيث قطعت بعدم االجابة ‪ ،‬فيقال ك {‬

‫وذلمك ظنمك اذلي ظننمت بربمك } [ الية ‪ 23‬فصلت ] فاالجابة لها آوجه‬
‫ومقاصد ‪ ،‬مفهنا ‪ :‬مايؤخر لخرتك وهو النفع ك ‪ .‬ويف بعض الخبار "‬
‫يبعث هللا رجال فيقول هللا هل ‪ :‬ايعبدي مل التدعين وقد آمرتك بدعايئ ‪،‬‬
‫فيقول ‪ :‬قد دعوتك ‪ ،‬فيقول ‪ :‬آمل آمرك برفع حواجئك ايل ؟ فيقول ‪ :‬بىل ؟‬
‫وقد رفعهتا اليك ‪ ،‬فيقول هللا ‪ :‬ماسألت شيئا اال آجبتك فيه ؛ لكن آجنزت‬
‫ ك البعض يف ادلنيا ومامل آجنزه يف ادلنيا فهو مدخر ك خفذه الن ‪ ،‬فيقول‬
‫ذ ك العبد ‪ :‬ليته مل يقض يل حاجة يف ادلنيا "‬
‫وعن آنس عن النيب صىل هللا عليه وسمل آنه قال ‪ :‬مامن داع اال‬
‫اس تجاب هللا دعوته مامل يدع ابم آوقطيعة رمح ‪ .‬فاذا علمت ذ ك فاعمل‬
‫آن ادلعاء آيضا قد يتلقا من البالاي ويدفع من اذلنوب واخلطااي مالو حتققت‬
‫بعض ذ ك لكنت تود عىل الكشف آهنا مل تقيض ك حاجة كام يراد ك يف‬
‫الخرة عياان ‪.‬‬
‫ومن ادلعاء مايظهر آثره يف املدعو فيه اال آنه قد يكون عاجال وقد‬
‫اليأيت وقته اال بعد ‪ ،‬كام يف دعاء موىس صىل هللا عليه وسمل عىل آل‬
‫فرعون حيث قال { ربنا اطمس عىل آمواهلم واشدد عىل قلوهبم } [ الية‬
‫‪ 88‬يونس ] قال هللا جل ذكره { قد آجيبت دعوتكام فاس تقامي } لكن مل‬
‫يأت اال بعد آابن وقت نفوذها وظهور تأثريها { والتتبعان سبيل اذلين‬

‫‪52‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اليعلمون } [ الية ‪ 89‬يونس ] ومه اذلين يس تعجلون االجابة جلهلهم‬


‫ابملقادير االلهية يف الزمنة والحوال والعامل هذا يف االجابة ‪.‬‬
‫آما يف ادلعاء فاخللق فيه ثالث طبقات ‪ :‬عامة وخاصة وخاصة اخلاصة ‪،‬‬
‫فأما العامة حفاهلم يف دعاهئم وغاية مقصدمه الظفر حباجهتم ونيل مراداهتم ‪،‬‬
‫فال خيفى قصور هذه الطبقة ودنو مهمهم وقةل آدهبم بني يدي س يدمه ‪.‬‬
‫وآما اخلاصة فهم يف ادلعاء حبمك العبودية حيث مسعوا قوهل جل ذكره {‬
‫آدعوين آس تجب لمك ان اذلين يس تكربون عن عباديت س يدخلون هجمن‬
‫داخرين } [ الية ‪ 60‬غافر ] فسمى ادلعاء عباده ؛ بل حمض العبادة كام‬
‫ورد عن رسول هللا صىل هللا عليه وسمل ‪ ،‬وذ ك من رمحته بعباده حيث‬
‫ندهبم اىل مافيه غاايت آماهلم ‪ ،‬وآقىص رغباهتم ‪ ،‬وآرشف مقاماهتم ‪ .‬وآي‬
‫رشف آرشف من مناجاة احلبيب ؛ وادلنو اىل مقامات التقريب ‪ ،‬وما‬
‫اكتفى هلم مبطلق ادلعاء حىت قال صىل هللا عليه وسمل " ان هللا حيب‬
‫امللحني يف ادلعاء " مفا آعظم فضل هللا عليك ‪ ،‬وآجزل مواهبه دليك ‪.‬‬
‫ومع االحلاح آيضا يقال ان هللا يقول " آخروا حاجة عبدي اين آحب آن‬
‫آمسع صوته " كام قدمنا ذ ك ‪ .‬فامحلد هلل عىل ذ ك ‪ ،‬حفاجة العبد اىل هللا‬
‫وان قضيت حاجة جتددت هل اليه حواجئ اضطرارية يف دوام آنفاسه ‪،‬‬
‫وتوايل حاالته ‪ ،‬وكرور آوقاته وآايمه وشهوره وس نينه ‪ .‬وهذه من سوابغ‬
‫نعمه حيث مل يقطعك عنه والجعل حواجئك اىل واسطة دونه لتكون جنيا‬
‫‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وآما الطبقة الثالثة فهم خاصة اخلاصة ‪ ،‬فالباعث هلم عىل ادلعاء منازةل‬
‫س يدمه وتعطف مليكهم حيث يقول موالان جل ذكره " لبيك ايعبدي اذا‬
‫قال العبد ايرب " كام ورد ذ ك يف بعض الخبار آن موىس صىل هللا‬
‫عليه وسمل قال ‪ :‬ايرب ‪ ،‬قال هللا لبيك ‪ ،‬فقال ايرب هذا يل خاصة‬
‫آولعبادك عامة ؟ قال ‪ :‬بل للك من دعاين هبذا االمس ‪ ،‬آوكام قال ‪ .‬فهؤالء‬
‫ليس هلم غرض يف مطلوب والخوف من مرهوب اال حب تلبية رهبم ‪،‬‬
‫وتعرضا حملاورته وذليذ جماورته ‪ ،‬وصايف مواصلته ؛ فأي عطاء آفضل من‬
‫ذ ك ! وآي حاجة آجنح مما هنا ك ‪ ،‬وفقنا هللا ذل ك ‪ ،‬وآحتفنا مبا هنا ك ‪،‬‬
‫وسكل بنا آرشف املسا ك ‪ ،‬ورصفنا عن املعاطب واملها ك ‪ ،‬انه ويل‬
‫ذ ك ‪ .‬فاليأس من روح هللا وصف الكفر ونعت اجلاحدين ‪ ،‬حيث آخربان‬
‫عىل لسان نبيه يعقوب حيث قال { التيأسوا من روح هللا } [ الية ‪87‬‬
‫يوسف ] وهو تفرجي مامه فيه من الكروب ‪ ،‬والظفر ابملطلوب ‪ ،‬ونيل‬
‫املرغوب عىل آرس حال وآهناه ‪ ،‬وذ ك مثرة حسن ظنه ابهلل ‪ ،‬حيث آمر‬
‫به من مل ينال ماانهل بأسا ‪ ،‬ومل يلحقه يأسا ‪ .‬فعىل مثل هذه احلاةل فكن ‪،‬‬
‫وآما مع مساعدتك بقضاء حواجئك ونيل مأربك فمل تتحقق بذ ك اال هناك‬
‫‪ ،‬شعرا ‪:‬‬
‫فف دعا العبد اىل مواله مكرمـــــــة ونيل حاجته من لك مرغــــــوب‬
‫فكن طرحيا عىل آبواب عـــــــــــزته عن اختيارك وعن حالتـك مسلوب‬
‫الييأس العبد من اتخري حاجـــــــته فالعبد للرب ابلتسلمي مطلــــوب‬

‫‪54‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فاايك والشك ؛ فالشك آيضا من صفات الكفر وش مي املبعدين ‪ ،‬قال هللا‬


‫جل ذكره { بل مه يف شك من ذكري } [ الية ‪ 8‬ص ] هذا الشك يف‬
‫هللا والشك فامي عند هللا وماوعد هللا ‪ { ،‬بل مه يف شك مهنا } [ الية‬
‫‪ 66‬المنل ] آعاذان هللا من الشك بعد اليقني ‪ .‬فذل ك قال املؤلف بأثر هذه‬
‫احلمكة مشريا اىل معناها ‪ ،‬وانصا ملبناها ؛ قال ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( اليشككنك يف الوعد عدم وقوع املوعود به وان تعني زمنه ‪ ،‬لئال يكون‬
‫ذ ك قدحا يف بصريتك ‪ ،‬واخامدا لنور رسيرتك )‬
‫حفيث وعدك احلق وعد فهو الخيلف امليعاد ‪ ،‬مفىت شككت يف صدق‬
‫وعده ؛ واستبطأت وجود عونه ونرصه ‪ ،‬فذ ك قدح ؛ آي نقص يف‬
‫بصريتك وهذا دون ماس بق من اليأس عند تأخر العطاء ‪ ،‬فاشارته يف‬
‫اليأس اىل طمس البصرية آبعد وآكثف من القدح فهيا ‪ ،‬فان القدح فهيا مع‬
‫وجودها آخف من الطمس لصلها ‪ ،‬فاذا فهمت ماذكران ك علمت آن‬
‫الشك هنا ليس من الشك يف هللا وال من الشك فامي عند هللا من حيث‬
‫التكذيب مبا وعد ‪ ،‬ولكن من حيث جتويل عدم وقوعه من حيث العدل ‪،‬‬
‫وآن هل آن مينع ذ ك آويفعل مثهل ‪ .‬ومثل هذا التشكيك يف عدم وقوع‬
‫املوعود قد خياجل قلوب بعض املؤمنني ؛ س امي اذا تعني زمنه ‪ .‬ولكن من‬
‫عالمات مبارشة االميان للقلوب ؛ وانكشاف استتار العيوب برصحي االميان‬
‫‪ ،‬واغراق آنوار االيقان آن يكون االنسان حسن الظن ابهلل ‪ ،‬ويقطع‬
‫بصدق وعدهللا ثقة منه بأنه يفعل معه الفعل احلسن كام جرت به س نة‬
‫هللا بأنه يف اذا وعد ‪ ،‬ويلوي آي يف اذا وعد ‪ ،‬فاذا عدم وقوع املوعود‬

‫‪55‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫به فليعمل العبد عند ذ ك آن هلل يف المورعلام اس تأثر به دون خلقه ‪،‬‬
‫وليعمل آن هناك حمكة اقتضت التأخري آوعدم الوقوع ؛ آما لتأخر رشط قد‬
‫قدر مقارنته هل يف سابق علمه وانفذ حمكه فال تتغري احلمكة االلهية لجل‬
‫حظك وحتقيق مرادك ‪ ،‬مفىت شككت يف وعدهللا وآردت غري مراد هللا‬
‫اكن ذ ك قادحا يف بصريتك ‪ ،‬مخمدا نور رسيرتك ‪ .‬والبصرية يه للقلب‬
‫اكلبرص للقالب ‪ ،‬والرسيرة يه نور ذ ك البرص القامئ بذ ك البرص ‪،‬‬
‫وامخلود خبوء اضائهتا وانتشارها يف آرجاء القلوب ‪ ،‬وكوهنا حتت استتار‬
‫كثائف الشهوات وظمل القلوب ‪ ،‬مع بقاء آصلها ‪ .‬فالشك يف الطرف‬
‫القرب اىل جانب اليقني من اليأس ‪ ،‬كام آن الظن آقرب آيضا من الشك‬
‫‪ ،‬فكنك تيقنت وعدهللا لكن حيث مل يأت عىل ماظننت ‪ ،‬س امي وقد‬
‫وجدت خمائل اابن وقوعه اكضطرار ووجود اعسار ‪ ،‬واحتباس آمطار ‪،‬‬
‫وصرب عند مقابةل عدو لطلب االنتصار ‪ ،‬وغري ذ ك مما وعد به من اليرس‬
‫مع العرس ‪ ،‬والنرص مع الصرب ‪ ،‬والفرج مع الكرب ‪ .‬مفع عدم وقوع ذ ك‬
‫عند تعني آزمانه فال ينبغ ملن اكن ذا بصرية وصفو رسيرة آن يشك يف‬
‫وعدهللا ‪ ،‬فاملوعد صادق ‪ ،‬والوعد حق ‪ ،‬فال يشك العبد يف وعد س يده‬
‫ومواله ‪ ،‬وليطمنئ اىل وعده ‪ ،‬ويعمل يقينا آنه واقع ليس هل مانع ‪ .‬قال هللا‬
‫جل ذكره { آال ان نرص هللا قريب } [ الية ‪ 214‬البقرة ] فاايك آن‬
‫تس ئي الدب فينا ك التعب والنصب ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫فال تشكن يف املوعود ان هل وقت مىت حان جاء ابلفتح والفرج‬
‫الختمدن لنور الرس واعزلــــه من مهتك آوشك املقــرون ابحلرج‬
‫مك ماتضيق آمر العرس اكن هل من الفرج خمرج والضـــــيق منفرج‬
‫‪56‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫قال ريض هللا عنه ‪:‬‬


‫( اذا فتح ك وجه من التعرف فال تبال معها وان قل معكل ؛ فانه مافتحها‬
‫ ك اال وهو يريد آن يتعرف اليك ‪ ،‬آمل تعمل آن التعرف هو مورده عليك ؛‬
‫والعامل آنت همدهيا اليه ؟ وآين ما آنت همدهيا اليه مما هو مورده عليك )‬
‫هذه احلمكة آصل ملا بعدها ‪ ،‬ويه حتتوي عىل معانهيام ؛ وامنا آىت هبام‬
‫زايدة ايضاح وتفصيل ملا آمجهل ‪ ،‬وحتقيق ملا فصهل ‪ ،‬فذل ك عرب بفتح ‪،‬‬
‫فالفتح آثر من آاثر امسه الفتاح ‪ ،‬وهو لعيان الوجود ‪ ،‬ومنازالت الشهود‬
‫مفتاح ‪ ،‬فاذا اختص هللا به عبده اكن هل من آخص العطااي ‪ ،‬وآعظم املنن‬
‫وآرشف الهدااي ‪ ،‬فذل ك اكن آية محمد صىل هللا عليه وسمل من بني النبياء‬
‫‪ ،‬واكن خلواص آمته من ذ ك { وآخرى حتبوهنا نرص من هللا وفتح قريب‬
‫وبرش املؤمنني } [ الية ‪ 13‬الصف ] والفتح هو وارد رابين ونفس رحامين ‪،‬‬
‫تفأجا به القلوب من مصوانت الغيوب ‪ ،‬وهو يعط الكشف العرفاين ‪،‬‬
‫واالختصاص االمتناين ‪ .‬فاذا آحتف به عبد وكشف هل عن مصوانت‬
‫السامء وقام لها مبا تس تحقه من آداب العبودية ‪ ،‬وتلقى ماتعطيه من‬
‫ذخائر العطاء حتت آس تار االبتالء يف لك ماواهجه مهنا عطية وافية ‪،‬‬
‫وحمكة شافية ‪ ،‬ومرتبة قربية ‪ ،‬فيكون معها العبد حبمك ماتعطيه الحبمك‬
‫طبعه ومتنيه ‪ ،‬فيكون حبمك ما آقمي آما شكر آو صرب ‪ ،‬آوشهود منة آوتوبة‬
‫‪ ،‬فهي مل تأيت اليك اال مبا آودع فهيا من آرسار تعرفه لومل يكن اذلنب يف‬
‫بعض الحيان خري للمؤمن من العجب ماقدر عليه ‪ .‬احلديث ‪ ،‬فانه يريد‬
‫آن يتعرف اليك يف لك شئ حىت الجتههل يف شئ ‪ ،‬ففرض العارف الفناء‬

‫‪57‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫يف الفعال ونوافهل السامء والصفات ‪ ،‬وغاية مطلبه وحمتد مهته اذلات ‪،‬‬
‫كام آن فرائض العموم الصلوات والصيام والصدقات ‪ ،‬ونوافلهم سائر طرق‬
‫اخلريات ‪ ،‬فاذا تقرب اخللق بصيام وصدقة وصالة تقربوا العارفني مبحو‬
‫صفاهتم ؛ واس هتالك ذواهتم ‪ .‬مفن اكنت حالته الفناء واالمضحالل فال يبايل‬
‫وان قلت منه العامل ؛ كيف يبايل مبا فات وهو مطالع مجلال اذلات يف‬
‫مجيع اذلوات وجتيل الصفات عىل دوام الوقات ‪ ،‬ووجدان املواصالت ‪،‬‬
‫والصالت املوهبيات يف املالمئات واملؤملات ‪ .‬فاذا طالع حسن التدبري‬
‫وبديع التصوير وجعائب التقدير ؛ عمل آن تدبري هللا واختياره هل آمت من‬
‫تدبريه لنفسه ‪ ،‬وحتقق امنا آورده هللا عليه من صنوف البالء متضمن هل‬
‫عىل منن وآلطاف واسعاف بعطااي جزيل ‪ ،‬وعمل يقينا آن املنع عني العطاء‬
‫‪.‬‬
‫وتعبري املصنف رمحه هللا ابلفتح من بديع حمكته وذاكء فطنته ‪ ،‬وابلوجه‬
‫وابلتعرف ‪ ،‬فان الفتح يعط الشهود ‪ ،‬ومعرفة حقائق الوجود ‪ .‬فلقد‬
‫آحسن وآتقن ‪ .‬وتعبريه آيضا بفتح ابستتار مضري الفاعل ينئب آيضا آن ذ ك‬
‫من قبل هللا ال للعبد فيه عةل ‪ ،‬وال يتوصل اليه حبيةل ؛ بل ذ ك من ابب‬
‫املنة اليت اليرتقب بوقت خمصوص آومعل ‪ ،‬بل السبيل اىل فتوح املعارف‬
‫وارشاق وجوه اللطائف وحمو ظلامت الكثائف اال مبساعدة عناية رابنية ‪،‬‬
‫وجذبة اختصاصية ‪ ،‬ونفحة الهية ‪ ،‬وتعريضة وقتية ‪ ،‬ونفس رحامنية ذرية‬
‫غيبية ‪ ،‬يف الايم امجلالية الزلية ‪.‬‬
‫والفتح يكون يف لك مقام حبس به ؛ فيكون يف آرسار الرشائع والعامل ‪،‬‬
‫ويف دقائق طرائق الحوال ‪ ،‬ويف مطالع صفاء الرسار ‪ ،‬وفس يح تزنه‬
‫‪58‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫الرواح يف مسارح امجلال ‪ ،‬ومناحئ املعارف ورواحئ نفحات الوصال ‪ ،‬ويف‬


‫مطالعات حمرقات اجلالل ‪ .‬وقد تكون لهل الوصال ابلتاليش‬
‫واالمضحالل ‪ ،‬عند ظهور سلطان الكامل ‪ ،‬وورى ذ ك فتوح ومنوح مل‬
‫جتري واليف هبا التعبري واملقال ‪ ،‬ومل تدخل حتت التكييف واملثال ‪ ،‬ومل‬
‫ختطر بعد عىل ابل ‪ ،‬مما لوبدت غربة من رمال حبورها الطاحفة ذلابت مص‬
‫اجلبال ‪ ،‬ومل يقو عىل سامعها مسع ومل حيمتل آثقال مقالها حال ‪ ،‬وفتوح‬
‫وهجة التعرف اليكون اال عند مطالعة امجلال واجلالل ‪ ،‬وامجلال يف اجلالل‬
‫‪ ،‬واجلالل يف امجلال ‪ .‬فهو مورد ذ ك عليك ‪.‬‬
‫فافهم االشارة يف قوهل ‪ :‬مورده عليك ؛ آنه مما اليالمئ طبعك فهو مورد‬
‫ذ ك اليك ومتطول ‪ ،‬ومع كونه مورده عليك ومتطول فهو متفضل به‬
‫عليك ‪ ،‬فاعرف قدره فذ ك خارج عن وسعك ‪ ،‬وقارص عنه فهمك‬
‫‪،‬حىت فتح وجه تعرفه اليك فيه ‪ .‬ووجه التعرف هو آن يرزقك الفهم عنه‬
‫فامي من به عليك ؛ من رفع درجات ‪ ،‬وزايدة حس نات ‪ ،‬وتكفري خطيئات‬
‫‪ ،‬مماالحيىص شكره من الفضائل والنعم واملنن ‪ ،‬يف مواطن البالاي واحملن ‪.‬‬
‫واليه االشارة بقوهل جل ذكره { وآس بغ عليمك نعمه ظاهرة وابطنة } [ الية‬
‫‪ 20‬لقامن ] الظاهرة ماظهر من نعم الطاعات واملوافقات ‪ ،‬وادلالالت‬
‫النبوايت ‪ ،‬والطرق العمليات ‪ ،‬والعامل البدنيات ‪ ،‬وغري ذ ك من سائر‬
‫النعم احلس يات ‪ .‬وابطنه من املثوابت والقرابت ‪ ،‬والتعرفات الرابنيات ‪،‬‬
‫يف مواطن احملن ادلنيوايت ‪ ،‬وما ك يف ذ ك من املصاحل ادلينيات‬
‫وادلنيوايت ممايطول تعدادها وتكرث آعدادها ‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وقد آومأت اىل بعض ذ ك الايت القرآنية والحاديث النبوايت ‪،‬‬


‫ورشحت آبعاض مهنا آفاضل السادات ‪ .‬وقد شوهدت براكهتا وبواهر‬
‫آايهتا علهيم ‪ ،‬وآينعت مثراهتا دلهيم ‪ .‬وآين ما آورده من ذ ك اليك مع‬
‫غيبتك فيه عن حو ك وقوتك ‪ ،‬وادال ك بأعام ك وعلومك مما آنت همديه‬
‫اليه من آعام ك وطاعتك املشوبة بظلمة نفسك واجعابك ‪ ،‬وطلب حظك‬
‫من اجلزاء ‪ ،‬وماذا تطلب من جزاء عىل معل هو متفضل به عليك ‪،‬‬
‫ومقبل هبدايته اليك ؟ وماعىس آن خيلص من مطالبه االخالص فيه من‬
‫الرايء وآداب االقتداء ‪ ،‬وماعلمت آنك يف معكل وطاعتك آحوج اىل‬
‫االعتذار ‪ ،‬مما اقرتفته يف حال تلبسك من الوزار ‪ ،‬مماتس تحق به دخول‬
‫النار ‪ ،‬لوالتفضل الكرمي الغفار ‪ .‬فاذا آنت فيه آحوج اىل االس تغفار ‪ .‬ومما‬
‫هو مورده عليك سامل من ذ ك بل فيه من مضادة هوى النفس مما الخيفى‬
‫عىل من حتقق مبجاهدة النفس ‪ ،‬مفن ذ ك ضعف قوهتا وسد آبواهبا ‪ ،‬س امي‬
‫ومن ذ ك امحلى والفقر وغري ذ ك من منغصاهتا عن وخمي مرعاها ‪،‬‬
‫ومشوابت هواها ؛ فاىل ذ ك آشار رسول هللا صىل هللا عليه وسمل حيث‬
‫قال ‪ :‬اهنا آي امحلى طهور ‪ ،‬آي عن اخلطااي والوزار يف حديث "‬
‫يدخل فقراء آميت اجلنة قبل الغنياء بنصف يوم " وذ ك مخسامئة عام ‪،‬‬
‫وغري ذ ك مما لو بسطناه لدى اىل االكثار ‪ ،‬وقصدان يف ذ ك االشارة‬
‫واالختصار ‪.‬‬
‫فاذاعلمت ذ ك ظهر ك وجه اس تذلاذمه للبالء ‪ ،‬ورؤيهتم لها آهنا منح مثل‬
‫مايروى يف ذ ك عن حكمي الرتمذي ‪ ،‬وماحيىك عن آيب العباس ابن‬
‫العريف فامي حاكه عن السادة الصفياء اذلي اختصوا بطريق االبتالء اذلي‬
‫‪60‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫به مثر جشرة االصطفاء ‪ ،‬وحتقيق طريق االجتباء ؛ اذ ذكر فهيا آبواخلري‬
‫ريض هللا عنه ونفعنا به ومن والاه من البدالء الصفياء الخفياء ؛ مكحمد‬
‫الس بخ وماحاكه عن ش يخ طرسوس حيث قال ‪ :‬آرشفنا عىل خزائن‬
‫العطاء فمل جند عند هللا شيئا آقرب وال آرشف من البالء ‪ ،‬فسألناه اايه ‪،‬‬
‫م قال ابثر ذ ك مس تحقرا مانزل به راواي عن من هو آعظم منه حال ‪،‬‬
‫وآعال مقاما وآشد بالء ؟ كيف بك لو رآيت س يد الزهاد وقطب العباد ‪،‬‬
‫وامام الولياء والواتد ‪ ،‬يف غار بأرض طرسوس وجبالها محله يتناثر ‪،‬‬
‫وجسده يس يل قيحا وصديدا ‪ ،‬وقد آحاط به اذلابب والقمل ‪ ،‬فاذا اكن‬
‫الليل مل يقنع بذكر هللا وشكره عىل ما آعطاه من الرمحة ‪ ،‬وآسكن جسده‬
‫من العاهة حىت يشد نفسه ابحلديد فيس تقبل القبةل ‪ ،‬فيصيل عامة ليهل‬
‫حىت يطلع الفجر ‪ .‬انهتيى ما آردان ايراده يف هذه ‪ ،‬فهذا تصدق قوهل صىل‬
‫هللا عليه وسمل " حنن معارش النبياء آشد بالء والمثل فالمثل " فانظر‬
‫كيف اس تذلوا ما تأمل منه غريمه ‪ ،‬واس تالنوا مااس توعره البطالني ‪ ،‬ومل‬
‫يروا آن ذ ك بالء بل رآوه منة وعطاء ‪ ،‬جيب علهيم القيام ابلشكر عليه ‪،‬‬
‫فهذا وجه التعرف فامي يأيت من املنغصات واملؤملات ‪ ،‬عىل خالف ماتطلبه‬
‫النفس من السكون اىل الراحات واملس تذلات ‪ ،‬فاذا آشهدمه ذ ك‬
‫وحققهم به حفري آن اليبايل وان قلت العامل ادلينيات ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫من بعد مايفتح املوىل تعرفـــه فال تبال اذا قللت يف العــــــــمل‬
‫مفا من هللا تطهري مبنـــــــــته وما من العبد منسوب اىل اخلطل‬
‫فلك مامنه حمفوظ بـال ريب ولك ما منك الينفك عن خلـــــل‬

‫‪61‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فال فالح وال جناح للعبد اال يف اخلروج عن املرادات النفسانية ‪،‬‬
‫والشهوات احليوانية ‪ .‬وذ ك حاصل فامي يتعرف به اليك ‪ ،‬ومرادها آن‬
‫تعيش عيش املرتفني ‪ ،‬وتتوصل بصاحل آعاملها اىل سعادة الخرة ‪ ،‬فقل آن‬
‫تصفو تكل العامل مع ماذكر من االتراف واسعادها مبراداهتا وحظوظها ‪،‬‬
‫فاكن اختيار هللا لعبده آن خيرجه عن مراده اىل مراد س يده ومواله ‪ .‬ويف‬
‫ذ ك منهتيى الصالح وغاية الفالح ‪ .‬قال ريض هللا عنه اكملفرع اىل ما‬
‫آشار اليه من التعرف ‪ ،‬وآن تكل التعرفات آاثر عن السامء ‪ ،‬فذل ك قال‬
‫‪:‬‬
‫( تنوعت آجناس العامل لتنوع واردات الحوال )‬
‫فالعامل فروع ‪ ،‬والحوال آصول تكل الفروع ‪ ،‬والسامء آصول فروع‬
‫الحوال ‪ ،‬والصفات آصول السامء ‪ ،‬والسامء فروع ‪ ،‬وآاثر السامء تظهر‬
‫عىل القلوب ‪ ،‬وآاثر الصفات تتجىل عىل الرسار ‪ ،‬والقلوب تظهر آاثرها‬
‫عىل العامل الظاهرة ‪ ،‬والرسار تظهر آنوارها عىل النفوس الطاهرة ‪ .‬فغاية‬
‫االفاضة القلبية العامل القالبية ‪ ،‬ومنهتيى التجليات الرسية الخالق السنية‬
‫؛ واحلاالت السنية ‪ .‬فلك فرع من العامل حبسب ماشالكه من الحوال ‪،‬‬
‫والحوال حبسب ماتقتضيه مظاهر السامء ‪ .‬مفن ذ ك تنوعت آجناس‬
‫العبادة ؛ فالعبادات آنواع ‪ ،‬ويه للحوال آتباع ‪ ،‬كام آن الحوال حتت‬
‫حمك السامء ‪ ،‬فلك امس يقتيض ظهوره عباده ‪ ،‬فاذلكر ابللسان ‪ ،‬والصالة‬
‫ابلراكن ‪ ،‬والزاكة يف الموال ‪ ،‬والصيام بكف الشهوات واجتناب الاثم ‪،‬‬
‫واحلج آيضا ابلراكن ؛ فهي عبادة واختلفت آنواعها ملا علمت من افرتاق‬
‫الحوال حبسب اختالف وظهور السامء ‪ ،‬فالحوال آاثر للسامء ‪ ،‬وان‬
‫‪62‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫شئت قلت آنوارها ‪ ،‬فلك امس يطلب مقتىض الفكر من العبادات غري‬
‫مايطلبه غريه ‪ ،‬فذل ك تنوعت العامل حبسب تنوع الحوال اليت يه آاثر‬
‫السامء ‪ ،‬مفن السامء مايقتيض مظهره من العبد اذلةل واخلضوع واخلشوع‬
‫والمتسكن والمتلق ‪ ،‬فهل من العامل الصالة ‪ ،‬ومن الحوال الهيبة والتعظمي‬
‫‪ .‬ومهنا مايقتيض ظهوره من العبد ‪ :‬الصرب والكف واخلروج عن الوصف‬
‫والهيلك التجويف اىل التعلق ‪ .‬والتخلق ابالمس الصمداين ‪ ،‬فهل من‬
‫العبادات الصوم ‪ ،‬ومن الحوال االس تغناء ‪ .‬ومهنا ‪ :‬مايقتيض ظهوره‬
‫وارشاق نوره التوجه واالقبال والقصد ‪ .‬واالمتثال فهل من العبادات احلج ‪.‬‬
‫ومن الحوال االس تغراق واالقبال بلكيته اىل املعبود ‪ ،‬واالنطامس حتت‬
‫مظاهر الشهود ‪ ،‬فهذا تنوع جتليات السامء واختالف آجناس العامل ‪،‬‬
‫وافرتاق آنواع العامل ‪.‬‬
‫وحال ماتلقى السامء عىل القلوب آاثرها ‪ ،‬وتتجىل علهيا آنوارها تسمى‬
‫آحوالا ‪ ،‬وحال بروزها مبقتضاها ؛ آي ماتقضيه من التعبد تسمى آعامال ‪.‬‬
‫ومايرد عىل الرواح من آنوار الصفات فتسمى مقامات من حيث العبد‬
‫ومايتأثر به من آاثرها ‪ ،‬فهي تقتيض قيام القلب مبقتىض وارداهتا ‪ ،‬كام قام‬
‫القالب مبقتىض جتليات السامء ‪ .‬حفاالت القلب آيضا متنوعة ‪ ،‬ومقامات‬
‫الرواح مامتيزة وان اجمتعت من حيث الشهود ‪ ،‬حفاالت القلب اكلبسط‬
‫وهل آنواع من جنسه ‪ ،‬وللقبض وهل آنواع من جنسه ‪ .‬ومقامات الرواح‬
‫كذ ك مامتيزة ؛ اكلهيبة والنس وماتتلقاه الرواح عن الرسار فليس هذا‬
‫حمهل ‪ ،‬وس يأيت ان شاء هللا ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫تنوع آعامل الورى فهم لهــــــــا حبسب ماتمثر آحوال كذا آنواع‬
‫‪63‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ان الفروع عىل الصال دائـــرة حبمك ماتعط السامء آتــــــــباع‬


‫فالعامل لها من الزتكية واللطف حبسب احملل القابل ملا يرد عليه ‪ ،‬واحملل‬
‫هل من الصفا والوفا حبسب مايلقا عليه ‪ ،‬فذل ك قال املصنف ريض هللا‬
‫عنه ‪:‬‬
‫( العامل صور قامئة ‪ ،‬وآرواهحا وجود رس االخالص فهيا )‬
‫فالعامل تتفاوت حبسب العاملني ‪ ،‬فصورة لك معل مشالكة حلاةل من‬
‫صدر عنه ذ ك العمل { س يجزهيم وصفهم } [ الية ‪139‬النعام ] مفن‬
‫العاملني من آعوز وجود النوار ‪ ،‬فعمهل صورة بال روح ‪ ،‬ومن العاملني‬
‫من يقتبس من املشاكة القلبية ومه البرار املس تصبحني مبضيئات النوار ‪،‬‬
‫واخالص لك عامل حبسب مقامه ‪ :‬حفاةل البرار ختليص العامل عن‬
‫شوائب العلل ‪ ،‬واخالص العمل من غري تشوف اىل جزاء آجل آوحظ‬
‫عاجل ‪ ،‬فهؤالء عاملني هلل بصدق املعامةل ‪ ،‬فهم مطالبون بتصفية العامل‬
‫عام يفسده ويبطهل ؛ اكلتخلص من الرايء وحب الثناء والعجب والسمعة‬
‫وااللتجاء اىل هللا حبسن االانبة يف قبول ذ ك ‪ .‬ولك معل بال اخالص‬
‫صورة بال روح ‪ ،‬فال يصلح للعرض وال تقبهل سامء والتشهد به آرض ‪،‬‬
‫فهؤالء مقاهمم ووصف حاهلم { اايك نعبد}‬
‫وآما اخالص املقربني ‪ :‬فهو خالصة االخالص وحتقيق الصدق ‪،‬‬
‫فاخالصهم بعدم رؤيهتم نفوسهم يف مجيع العامل والحوال ؛ فهم قامئني‬
‫ابهلل فانني عهنم ‪ ،‬فوصف حاهلم وحتقيق مقاهمم ( اايك نس تعني ) فلام‬
‫اس توى عىل قلوهبم مشهد الفردانية وسلطان الوحدانية ؛ فباحلري آن‬

‫‪64‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اليشهدوا هلم فعال وال وصفا ‪ ،‬وعند شهود الحدية آن اليشهدوا هلم ذاات‬
‫والنعتا والمقاما ‪ ،‬فمك بني العامل هلل مع وجود نفسه ‪ ،‬وبني القامئ ابهلل مع‬
‫غيبته عن نفسه ‪ ،‬فالول مطالب ابالخالص يعمل عىل خروج اخللق عن‬
‫رؤيته ‪ ،‬فهو يرتىق يف مرايق االخالص ‪ ،‬والثاين طالب اخالص عن‬
‫شهود نفسه ؛ يتزنه يف رايض خالصه ‪ ،‬فبان ك تنوع العامل بتنوع‬
‫آجناس الحوال اىل آبرار يتقربون بأنواع القرب هلل ‪ ،‬واىل مقربني‬
‫يتوصلون بتحقيق الفناء عن آفعاهلم وآوصافهم وذواهتم ‪ .‬فانظر ماذاترى يف‬
‫قوم فارين اىل هللا عن اخللق ‪ ،‬ويف قوم الئذين ابهلل وعائذين به عىل آن‬
‫اليشهدوا لنفسهم مع هللا وجود ‪ ،‬وال لفعاهلم مع آفعاهل شهود حس نات‬
‫آواقرتاف سيئات ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫العامل آشاكل واالخالص حاالت والسابقني هلم يف القـــرب آايت‬
‫فلك حال هل يف العاملني بـــــــــــه ختليص آعامل آوحتقيق حـــاالت‬
‫شواهد ظهرت يف العاملـــــني كام ترى يف العامل العـــــال دالالت‬
‫اخالص آرابب حاالت اليقني لها يف مشهد العمل حتقيق الهداايت‬
‫وآرواح آجساد آعامل العباد هنــــا كام لحوال آحصاب املقامـــــات‬
‫م ملا اكن يف امخلول ماحيمد لك صاحب مقام عال مقامه ؛ ويثبت فيه‬
‫آقدامه ويعينه عىل بغيته ‪ ،‬وحيصل به يف آقىص منيته ‪ ،‬قال يف اثر ذ ك ‪:‬‬
‫( آدفن وجودك يف آرض امخلول ؛ مفا نبت مما مل يدفن مل يمت نتاجه )‬
‫قوهل هنا ‪ :‬آدفن ؛ فيه اشارة جعيبة وترش يحة بديعة ‪ ،‬بل نقول ‪ :‬غب عن‬
‫شهودك بوجود معبودك ‪ .‬ومتثيهل ابدلفن يشري اىل آن الوىل ابملريد ايثار‬
‫امخلول عىل االش هتار ‪ ،‬لكونه معينا هل عىل االخالص ‪ ،‬ووس يةل اىل‬
‫‪65‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اخلالص ‪ ،‬وآزىك لخالقه وآعامهل ‪ ،‬وآصفا لحواهل ‪ ،‬واالش هتار غالبا آبعد‬
‫عن ذ ك يف حق املبتدئني ‪ ،‬مفا يقوم ويثبت مع شهرة احلال اال مكل‬
‫الرجال وسادات البدال ‪ ،‬الراخسني يف املعارف ‪ ،‬املمتكنني من الحوال ‪،‬‬
‫فذل ك حث املشاخي عىل امخلول ملا فيه من السالمة من القواطع عن هنج‬
‫الوصول ‪ ،‬مع ماحيصل من صفاء الوقت عن املكدرات واحملرقات لكوامن‬
‫الخالق املذمومة والحوال امللومة ‪ ،‬فذل ك حذروا لك مريد وسا ك ‪،‬‬
‫ومعلوا كتب ورسائل نصحا وشفقة عىل عباد هللا ‪ ،‬وخذوا يف طريق‬
‫الاكبر ملا فيه من الراحة العاجةل والسالمة ‪ .‬وحب امخلول هو صنعة‬
‫النفس يف املنازل عندما يتكرع القلب يف املناهل ‪ ،‬فيتحرونه ويس تدميون‬
‫التخلق به حىت يكون هلم التواضع خلقا وحاال ‪ ،‬فالجيدون آمل ضعة النفس‬
‫‪ ،‬بل يس مترونه ويس تحلون ذوق اذلةل ‪ ،‬فتتغري حاالهتم لفقدها ‪ ،‬ووجود‬
‫العز واجلاه حىت رويت عندمه يف ذ ك آحوال ينكرها علهيم ظاهر العمل ‪،‬‬
‫وجوز هلم ذ ك تداواي ملا آمل قلوهبم وكدر حاالهتم ‪ ،‬وآمرض آحداق‬
‫بصائرمه حىت يتوهجون الهيم اخللق ابذلم وعدم املزنةل عندمه ‪ ،‬فيعودون‬
‫حينئذ اىل آحواهلم ابذلم وااليذاء مبحو صفات النفس املذمومة ‪ ،‬بل بعدم‬
‫رؤيهتا ابللكية تصفو هلم الوقات ‪ ،‬وتتجىل هلم آرسار الصفات ‪ .‬مثل‬
‫مارآيت فامي يروون عن السادات كويس القرين وآيب تراب ممن جعلوا‬
‫الفلوات واملفازات واخلراابت هلم مأوى ‪ ،‬فعاد تراهبا هلم حلوى ‪ ،‬وصاروا‬
‫للسالكني قادة يف حمو الهوى وقبيح العادة ‪ ،‬فيحنون اىل امخلول واخللوة ‪،‬‬
‫ملا فأجا قلوهبم من اجللوة ‪ ،‬فعلت مهنم الحوال ‪ ،‬وصفت مهنم العامل ؛‬
‫من شوائب الرايء وهماوي الضالل ‪ ،‬اكلعجب والفخر واالدالل ‪ ،‬بعكس‬
‫‪66‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ماعليه آبناء ادلنيا املغرورين اجلهال ‪ ،‬املس تدرجني الضالل ‪ ،‬من طلب‬
‫العلو والظهور من غري نية هلم يف ذ ك اال جمرد هوى ‪ ،‬وحمض دعوى ‪.‬‬
‫فرتى نفوسهم اللئمية تسرتوح اىل رفع الصيت ابملنصب واملال ‪ ،‬وخييل آهنا‬
‫من آهل املقام واحلال ‪ ،‬من العارفني والعلامء البطال ‪ ،‬وهو راكب للمحال‬
‫‪ ،‬مقتحم جلة ضالل ‪ .‬فانصح نفسك آهيا املسكني والتذحبها بغري سكني ‪.‬‬
‫فف امخلول حتت آذايل اذلةل غاية املأمول ‪ ،‬ويف دفن وجودك يف تراب ذةل‬
‫العبودية وسكونك حتت سلطان السكينة ‪ ،‬وانطراحك يف تراب فناك‬
‫وترك دعواك ‪ ،‬فعند ذ ك تتفتق احلبة القلبية ؛ املعرب عنه ابللطيفة الرابنية‬
‫يف الرض القالبية ‪ ،‬فهي البذرة الزلية يف الفطرة االنسانية ‪ ،‬فتنفتح فهيا‬
‫ابابن ‪ :‬ابب يعلو ويسمو ويتسع ويمنو ‪ ،‬وابب يزنل اىل آرض العبودية يف‬
‫العوامل الشهادية ‪ .‬وجتري يف ذ ك الباب انزةل تدور عىل الطرق السنية ‪،‬‬
‫واخراج الخالق النفسانية وادلواع الهوائية ‪ ،‬كام تدور العروق يف‬
‫الرض ‪ .‬فال يزال الباب العايل يس تقوي منوه وارتقاه ؛ وتتفتق الزهار ‪،‬‬
‫وترشق منه النوار ‪ ،‬وتنبع آلوان الامثر ‪ ،‬وتكرث منه الشعب العرفانية ‪،‬‬
‫والزهار االميانية ‪ ،‬وتتعاىل وتتسع يف هوى امللكوت احلقاين آغصانه ‪،‬‬
‫وتظهر يف الفس يح الرابين آعيانه ‪ ،‬وتتلون يف حقائق السامء آفنانه ‪.‬‬
‫والتزال هذه البواب امللكية تتسع يف طرق العبودية ‪ ،‬ومتتد اىل آصلها‬
‫وتربهتا ‪ ،‬فتمنو تكل الصاعدة حبسب متكن هذه ورسوخها ‪ ،‬وتربوا هذه‬
‫النازةل حبسب صعود تكل ومسوها ‪.‬‬
‫ولك نبت مل يدفن كذ ك مل يمت نتاجه اهنا مل تنفتح الباابن فتبقى يف رتق‬
‫اجلهل والعدم وان انفطرت آبواهبا فال جتد نزول اىل الرض البتة ؛ لهنا مل‬
‫‪67‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫تدفن فهيا ‪ ،‬والترىق اىل سامء احلقيقة لعدم منوها وقعود سريها ‪ ،‬فمل تسعد‬
‫يف سامء احلقائق آغصان ‪ ،‬ومل تنفتح هل يف آرض الرشيعة آعيان ! فانظر ما‬
‫آبدعها من اشارة وآوحضها من عبارة ‪ ،‬وما آس ناها من بشارة ملن سرت‬
‫وجوده بوجوده ‪ ،‬وغاب عن شهوده بوجود معبوده ‪ ،‬وما آدري ذ ك مراد‬
‫للمؤلف آم ال ؟‬
‫وآما فضل امخلول قبل آوان التحقق ابلصول والتحيل مبالبس الوصول فهل‬
‫فضائل ودالئل من الكتاب والس نة ‪ ،‬قال هللا جل ذكره { تكل ادلار‬
‫الخرة جنعلها لذلين اليريدون علوا يف الرض والفسادا } [ الية ‪ 83‬القصص ]‬
‫اىل غري ذ ك من الايت ادلاةل عىل فضيةل امخلول ‪ ،‬والتقلل من ادلنيا‬
‫واذلبول عن رونق الشهرة قبل حتقق املأمول ‪ .‬ومل يتحقق ذ ك اال مبفارقة‬
‫ادلنيا والعبور عىل الرصاط ولك همول ‪ .‬وآما ادلالئل من احلديث املنقول‬
‫عن الرسول صىل هللا عليه وسمل فأكرث من آن حترص ‪ ،‬مفن ذ ك حديث‬
‫آيب هريرة ريض هللا عنه عن رسول هللا صىل هللا عليه وسمل اذلي نوه‬
‫فيه بأويس القرين ريض هللا عنه ونبه عىل عظمي آمره ريض هللا عنه آنه‬
‫قال ‪ :‬بيامن حنن عند رسول هللا صىل هللا عليه وسمل يف حلقة من آحصابه‬
‫اذ قال ‪ :‬ليصلني غدا معمك رجل من آهل اجلنة ‪ .‬قال آبوهريرة ريض هللا‬
‫عنه ‪ :‬فطمعت آن آكون آان هو ذ ك الرجل ‪ ،‬فغدوت فصليت خلف‬
‫النيب صىل هللا عليه وسمل فأمقت يف املسجد حىت انرصف الناس وبقيت‬
‫آان وهو ‪ ،‬فبيامن حنن كذ ك اذ آقبل رجل آسود مزتر خبرقة ومرتدي برقعة‬
‫؛ جفاء حىت وضع يده يف يد رسول هللا صىل هللا عليه وسمل م قال ‪:‬‬

‫‪68‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اينيب هللا آدع هللا يل ابلشهادة ‪ ،‬فدعا النيب صىل هللا عليه وسمل هل‬
‫ابلشهادة ‪ ،‬واان لنجد منه رحي املسك الذفر ‪ ،‬فقلت ايرسول هللا ‪ :‬هو‬
‫هو ! قال نعم ؛ وانه ململوك بين فالن ‪ ،‬فقلت آفال تشرتيه فتعتقه اينيب‬
‫هللا ‪ ،‬فقال ‪ :‬وآىن يل بذ ك ؛ ان اكن هللا يريد آن جيعهل من ملوك اجلنة‬
‫وساداهتم ‪ ،‬اي آاب هريرة ‪ :‬ان هللا عز وجل حيب من خلقه الصفياء‬
‫الخفياء البرايء الشعثة رؤسهم ‪ ،‬املغربة وجوههم ‪ ،‬امخلصة بطوهنم من‬
‫كسب احلالل ‪ ،‬اذلين اذا اس تؤذنوا عىل المر مل يؤذن هلم ‪ ،‬وان خطبوا‬
‫املنعامت مل ينكحوا ‪ ،‬وان غابوا مل يفقدوا ‪ ،‬وان حرضوا مل يدعوا ‪ ،‬وان‬
‫طلعوا مل يفرح بطلعهتم ‪ ،‬وان مرضوا مل يعادوا ‪ ،‬وان ماتوا مل يشهدوا ‪.‬‬
‫قالوا ايرسول هللا ‪ :‬كيف برجل مهنم ؟ قال ‪ :‬آويس القرين ‪ .‬احلديث‬
‫بطوهل ؛ قال فيه ‪ :‬وانه لرجل آشعث ذو صهوبة بعيد مابني املنكبني ‪،‬‬
‫آوكام قال ‪.‬‬
‫وحديث ‪ :‬رب آشعث آغرب ذي طمرين تنبوا عنه آعني الناس ‪ ،‬مدفوع‬
‫عن البواب ؛ لو آقسم عىل هللا لبره ‪ .‬احلديث ‪ .‬وحديث آبوآمامة ريض‬
‫هللا عنه عن النيب صىل هللا عليه وسمل آنه قال ‪ :‬يقول هللا عز وجل ( ان‬
‫آغبط آوليايئ عندي املؤمن خفيف احلاذ ذو حظ من الصالة ‪ ،‬آحسن‬
‫عبادة ربه وآطاعه يف الرس ‪ ،‬واكن غامضا يف الناس اليشار اليه ابلصابع ‪،‬‬
‫واكن رزقه كفافا فصرب عىل ذ ك ‪ ،‬م نفض يده فقال ‪ :‬جعلت منيته ‪ ،‬قلت‬
‫بواكيه ‪ ،‬قل تراثه ) احلديث ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وهللا آعمل آن هذه حاةل املالمتية من الولياء ‪ ،‬وبذ ك االمس عند‬
‫الطائفة عرفوا بذ ك الرتمس بني الولياء ومسوا ‪ .‬مفن مجةل مايعرفون به آن‬
‫‪69‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫عبادهتم فامي بيهنم وبني هللا مل يطلع علهيم ‪ ،‬حيبون لوظهرت عهنم مايسقطهم‬
‫عند الناس ‪ ،‬والحيبون الشهرة ابلطاعات والورع ‪ ،‬فرتامه اليسألون عن‬
‫ورعهم ملا عندمه من الشاهد القليب ‪ ،‬فلكام حال عندمه تركوه ومل حيتاجون‬
‫اىل من خيربمه اجلواز آخذه آم ال ‪ ،‬وذ ك ملا رشبت قلوهبم من رصف‬
‫الصدق ‪ ،‬فهم النيابون ابصطالح القوم اذلين تكشف هبم عن اخللق‬
‫آزمات المور ‪ ،‬واليظهرون خري واليبطنون رشا ‪ ،‬مه بني الناس وقلوهبم‬
‫عاكفة بني الرفيق العال ‪ ،‬صالهتم يف الماكن املعطةل عن اخللق يف آماكن‬
‫غيبيه ‪ ،‬حتت آكناف الغرية واستتار الغيب ‪ ،‬هلم الترصف النافذ يف‬
‫الوجود ابلروح والقلب واجلسد ‪ ،‬قد نزع عهنم الغل واحلسد ‪ ،‬حملهم‬
‫الصفيح المين من العرش ‪ ،‬ريض هللا عهنم ونفعنا هبم ‪ .‬ولو رشحنا بعض‬
‫حاالهتم خلرجنا عن مقصود الكتاب ‪.‬‬
‫وعن معاذ ابن جبل ريض هللا عنه عن النيب صىل هللا عليه وسمل آنه‬
‫قال ‪ :‬يسري من الرايء رشك ؛ وآن ماعادى آولياء هللا فقد ابرزهللا ابحملاربة‬
‫‪ ،‬وهللا تعاىل ليحب التقياء الخفياء اذلين اذا غابوا مل يفقدوا ‪ ،‬وان‬
‫حرضوا مل يدعو ومل يعرفوا ‪ ،‬قلوهبم مصابيح آهل الهدى ‪ ،‬خيرجون من‬
‫لك غربا مظلمة ‪ .‬احلديث ‪ .‬فيكيفك هذا القدر يف مدح امخلول وايثاره‬
‫وطلبه ابلتسرت بأثواب اذلةل واملسكنة ‪ ،‬هذا ومااكد آن خيرج عن احلرص‬
‫من حاكايت الصاحلني يف شان ذ ك ‪.‬‬
‫واعمل آن امخلول وماورد فيه من الفضائل ‪ ،‬وماورد يف آفضليته عىل‬
‫الشهرة العىل االطالق اال اذا اقرتن ابمخلول فضيةل خال عهنا يف الشهرة‬
‫وذم الشهرة ‪ ،‬اال اذا اقرتن هبا مذموم ‪ ،‬ولكن امخلول آقرب اىل جانب‬
‫‪70‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫السالمة ؛ هذا يف السالكني املبتدئني ‪ ،‬وآما آهل المتكني والسادات‬


‫الواصلني فال علهيم ان آقاهمم هللا يف مقام الشهرة آوامخلول ‪ ،‬فليس هلم يف‬
‫يشء طلب وتعمل لهنم متحققني ابلعبودية موخوذين عن آنفسهم حتت‬
‫آحاكم الربوبية ‪ ،‬فاليعطهيم مقاهمم آن يتجروا مع هللا عىل مقتىض ارادهتم‬
‫واختيارمه ‪ ،‬بل يكونون يف قبضة مملكته جيرون حيث آجرامه ‪ ،‬ويقومون‬
‫حيث آقاهمم ‪ ،‬غابوا عن اخللق بل عن آنفسهم ‪ ،‬فمل يروا من خيتفون عنه‬
‫غري هللا ‪ ،‬وهؤالء مه الصوفية حقا ـ فالحيبون دونه حمبوب ‪ ،‬واليطلبون‬
‫غري مراده مطلوب ‪ ،‬فعبدهللا يكون مع هللا حيث ماتقلبت به احلاالت ‪،‬‬
‫واختلفت به الش ئون ‪ ،‬مفن آحب مع هللا حاال دون ما آقامه هللا فيه فقد‬
‫حتمك عىل هللا ‪ ،‬ونقض عقد العبودية عىل مذههبم ‪ ،‬فهم املقربون اذلين‬
‫حس نات قوم سيئات غريمه ‪ ،‬فعبدهللا اليبايل آظهره هللا آوآخفاه ‪ ،‬فال‬
‫آظهر وال آشهر من مناصب النبياء واخللفاء ‪ ،‬ولكن هذا غور بعيد‬
‫املهوى ‪ ،‬زلت فيه آقدام كثري من املدعني لظهنم آهنم قامئني ابهلل البأنفسهم‬
‫‪ ،‬ولو تغريت علهيم حاةل من حاالهتم آوعادة من عاداهتم افتضحوا بدعوامه‬
‫القيام ابهلل ‪ ،‬فلو اكنوا ابهلل مل تغريمه احلاداثت ‪ ،‬ومل تنقض عزامئهم‬
‫العادات ‪ ،‬فليحذر االنسان من ذ ك ولينصح نفسه ويعرف مزنلته ‪،‬‬
‫واليدع ماليس هل ‪ ،‬فيظن آنه اتصف بصفات الاكبر من اخللفاء‬
‫والسادات الولياء ‪ ،‬وآنه ترىق يف مقاهمم ‪ ،‬وههيات ؟ آين آنت من‬
‫ظهورمه واش هتارمه ‪ ،‬فاهنم قامئني يف المور ابهلل ‪ ،‬يعدون نفوسهم من‬
‫مجةل غامر خلق هللا ‪ ،‬اليمتزيون عهنم بشهوة دنياوية بل يضيقون عىل‬
‫آنفسهم ويوسعون عىل عباد هللا ‪.‬‬
‫‪71‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ومن تتبع آخالق رسول هللا صىل هللا عليه وسمل وآحواهل وآخالق اخللفاء‬
‫الراشدين من بعده عمل ما آرشان اليه ‪ ،‬وحتقق ما آوماان اليه ‪ .‬ومن ذ ك‬
‫ماروي آنه صىل هللا عليه وسمل اكن يطوي الايم املتتابعة حىت قالت هل‬
‫بعض نسائه قبل آن يتوفاه هللا بأايم ‪ :‬لو دعوت هللا آن يوسع عليك ؟‬
‫فقال ‪ :‬ما آحب اال آن يلحقين ابخواين من آويل العزم ‪ ،‬آوحنو ذ ك ‪.‬‬
‫وماروي عن معران بن احلصني ملا زار رسول هللا صىل هللا عليه وسمل‬
‫ابنته فاطمة واكن معه معران ‪ ،‬فاس تأذن علهيا ‪ ،‬فلام دخل هو ومعران‬
‫فقالت ‪ :‬ما آجد ما آواري به جسدي ‪ ،‬ولفت عىل جسدها بعباءة‬
‫ووارت رآسها مبلة خلقة ‪ .‬فانظر هذا التواضع مع شامخ عايل منصبه‬
‫وشهرة مقامه ‪ .‬فهذا فاهنم يف عايل شهرهتم ورفعة منصهبم ‪ ،‬ومع ذ ك مه‬
‫يف غاية التواضع واذلةل هلل ‪ ،‬ومغوض العني عن ادلنيا وزهرهتا ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫آدفن وجودك وغب يف آرض مسكنه منكس الراس ابيك العني ذا حزن‬
‫وفارق الهل واجلريان منــــــــزتح عن التأنس ابملألوف والوطـــــــــن‬
‫التلو عن جرية الوادي فان بـــــــه حور املعارف خيطهبا ذوي الفطـن‬
‫حفيث عرفت رشف امخلول وايثاره ورضورة طلب االش هتار وآفاته ‪ ،‬قال‬
‫‪:‬‬
‫( ماعرف القلب شئ مثل عزةل يدخل هبا ميدان فكرة )‬
‫فاعمل آنه ال آعون عىل امخلول من العزةل ‪ ،‬فهي ذوي مرض اخللطة املرضة‬
‫‪ ،‬ويه خلطة من مل يتقيد ابلدب ومه الحداث املثبطني عزمات املريدين‬
‫‪ ،‬اذلين مل حتتنكهم الرايضة ‪ ،‬والعوام الغافلني املهتورين يف العادات ‪،‬‬
‫املعرضني عن العبادات ‪ ،‬املنهتكني آعراض اخللق ابلغيبة والش مت والتحقري‬
‫‪72‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫والتخبيط يف القوال والفعال ‪ ،‬فال آرض عىل القلب من خمالطهتم ‪ ،‬وال‬


‫آقبح عىل املريد من جمالس هتم ‪ ،‬وغاية نصحهم وفر حاجاهتم آن حيرضوا من‬
‫جالسهم عىل مجع ادلنيا واحلرص عىل الرئاسة والصلف ‪ ،‬وحب الثناء ‪.‬‬
‫مفخالطهتم آعظم رضرا عىل القلوب ‪.‬‬
‫وآما من اكن مساعدا وعوان ك عىل ما آنت طالبه فداء القلب مصارمته‬
‫ومقاطعته ‪ ،‬ودواه جمالس ته ومصاحبته ‪ ،‬فان ملرااي الصادقني اس تنشاق‬
‫بعضها من بعض ‪ ،‬فذل ك اذا عدم الش يخ املريب قام االخوان مقامه كام‬
‫يقوم الرتاب يف استباحة الصالة مقام املاء ‪ ،‬ونفاعة القلب سالمته عن‬
‫آمراض االعراض واالهنامك يف هملاكت الشهوات ‪ ،‬والوقوع يف ورطات‬
‫الهفوات ‪ ،‬ودواع الغراض البرشايت ‪ .‬والقلب هو لطيفة نورانية ؛‬
‫مفىت آوردت علهيا هذه الكثائف الظلامنية آرضرت به الحماةل ‪ .‬ورضره‬
‫طمس نوره ‪ ،‬وآخفا مرشقات بدوره حتت حسب جسف ظلامت آس باب‬
‫ادلنيا ‪ ،‬وآراجيف اخللق وآابطيل تزوير الش يطان برتوجيات الغرور ‪،‬‬
‫وسفساف مذموم الهوى الطبيع النفيس ظلامت بعضها فوق بعض ‪ .‬فهذه‬
‫آهمات احلجب الكونية الظلامنية ‪ ،‬وابلعزةل ينقطع معظمها ؛ لكن برشط‬
‫كون املعزتل يعمل مايلزمه فهيا ‪ ،‬مفن ذ ك عمل اليقني ‪ ،‬والقيام بلك ماطلب‬
‫الرشع منك القيام به ‪ ،‬واس تصحاب الفكرة الصافية يف بديع الصنع ‪،‬‬
‫مفعظم ادلوى يف امحلية ‪ .‬فعند القيام حبقها يرىج هل الشفاء من آمراضه ‪،‬‬
‫واالقبال بعد اعراضه ‪ ،‬والعزةل من آحد آراكن طريق هللا ؛ بل يه الركن‬
‫العظم اذا حصهبا الصدق ‪ ،‬فذل ك مل تزل دآب الصادقني وآمكلهم محمد‬
‫س يد املرسلني ‪ ،‬اكن يتخىل يف حر الليايل ذوات العدد حىت قالت قريش‬
‫‪73‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ :‬آن محمدا خيلو بربه يف حرا حىت فاجأه الويح وهو فيه ‪ .‬والعزةل عزلتان ‪:‬‬
‫عزةل ابلبدان وعزةل ابجلنان ‪ ،‬فأما عزةل البدان فهي للعباد السالكني‬
‫والزهاد واملريدين ‪ ،‬ولها رشوط ظاهرة وهو ماقدمنا ‪ ،‬وآراكن ابطنة ويه‬
‫حتقيق االرادة ابلصدق ورصحي االميان ‪.‬‬
‫واعمل آن هلل عىل االنسان هل حقوق وللنفس واخللق كام ورد اخلرب ‪ ،‬ومن‬
‫احلقوق ما ميكن آن تقىض بدون مبارشة االنسان ‪ ،‬وبعضها اليقىض اال‬
‫ابملبارشة ‪ .‬ومن احلقوق ماميكن آن تقىض بدون مبارشة االنسان ‪ ،‬وبعضها‬
‫اليقع اال ابملبارشة ؛ ومل تسقط عنه هذه احلقوق بوجه مادام بني آظهر‬
‫اخللق اال آن يغلبه حال وحيمك عليه ‪ ،‬فمل يبق هل ترصف من ترصفات‬
‫نفسه لغيبته عن حسه وفناه عن آنسه ‪ ،‬آويكون صاحيا لكن جعل دليه‬
‫منازةل حقية عرفها هللا اايها بتعريف الهي اليدخهل ريب يف آنه آمرهللا‬
‫اخلاص ‪ ،‬فذ ك حبمك حالته ‪ ،‬وموكول اىل صدقه يف مقالته ‪ ،‬فان اكن‬
‫صادقا فهو قامئ هلل بأمت طاعة فاليداىن ‪ ،‬فذ ك مما اختص به آنبياه‬
‫وخواص خالصة آصفياه ‪ ،‬وان اكن عىل غري ذ ك فليتق هللا يف دعواه ‪،‬‬
‫وليزنع عن متابعة هواه اىل متابعة رسول هللا صىل هللا عليه وسمل فامي‬
‫ندبه اليه ودعاه ‪ ،‬وان تغريت حالته مبخالطة الناس يف ذ ك فطريقه آن‬
‫خيرج من بني آظهرمه اىل حمل يسقط عنه ذ ك ‪ ،‬وهللا آعمل ؛ مامحل‬
‫العباد والزهاد والصاحلني عىل اخلروج اىل الفلوات ‪ ،‬وسكون اجلبال‬
‫وبطون الودية والفرار عن الوطان وهماجرة القران ‪ .‬لكن ذ ك حيتاج‬
‫معه اىل قوة يقني وحقيقة تولك ومتكني وحسن تويل من هللا ‪ ،‬واال‬
‫فالبادية ميدان فرسان الش ياطني ‪ .‬فان مل تكن معه قوة تعينه عىل ذ ك ‪،‬‬
‫‪74‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وتدفع عنه رش ماهنا ك واال خيف عليه آن تس توليه بطغياهنا ‪ ،‬وختوفه‬


‫بتلوين حسرهتا وتغول غيالهتا ‪ ،‬فالوىل بضعيف اليقني السكون يف ادلاير‬
‫لصحبة الخيار وجتنب الرشار ‪ ،‬وحتري االس تغفار ابلحسار ‪ ،‬ودوام‬
‫الذاكر آانء الليل والهنار ‪ ،‬فيلحقه هللا ابلصاحلني ‪ ،‬وينيهل مراتب‬
‫الصادقني من البدالء البرار ‪ ،‬وتتدراكه العناية حبسن الرعاية ‪ ،‬وتتواله‬
‫ابالختصاص والوالية ‪ ،‬فيلحق ان شاء هللا مبن تفرد وزايدة فوائد ‪ .‬مفهنا ‪:‬‬
‫رؤية التقصري واعامتده عىل نرصهللا دون تدبريه واختياره ‪.‬‬
‫ومن عالماته الباطنة آن يكون متعلقا ابهلل ومتحققا بأوصافه ‪ ،‬ومتخلقا‬
‫بأوصافه ‪ ،‬ومتخلقا بأسامئه ‪ ،‬فاليرى نفسه يف ذ ك فضال عن آن يرى لها‬
‫‪ ،‬والينظر اىل اخللق ابملقت واالزدراء ‪ ،‬ولكن يشكر هللا عىل ما آواله‬
‫من نعمه ‪ ،‬وعافاه مما يشغهل عنه من دواع هواه ‪ ،‬ويكون عىل اخللق‬
‫مشفقا وهلم راحام وعلهيم متحننا لطيفا عطوفا ‪ ،‬ويكون ذافكرة صافية‬
‫وبصرية وافية ‪ ،‬دامئ اذلكر هلل ‪ ،‬متوايل الشكر عىل نعم هللا ‪ ،‬دقيق النظر‬
‫يف مواضع اخلطر ‪ ،‬غاض البرص عن ادلنيا ومافهيا ومن فهيا ‪ ،‬كثري السهر‬
‫واجلوع ؛ فف السهر تنوير البصرية ‪ ،‬ويف اجلوع صفو الرسيرة ‪ ،‬وذ ك بعد‬
‫توفيق هللا ومعونته صارت البدال آبدالا ‪ ،‬فهذا من بعض رشوط عزةل‬
‫العباد والزهاد السالكني واملريدين الصادقني ‪.‬‬
‫وآما عزةل الاكبر العارفني وآفاضل الصديقني ؛ فعزلهتم ابجلنان دون‬
‫البدان ‪ ،‬مباينني اخللق ابلقلوب والقوى القامئة ابلراكن دون التغيب‬
‫ابلبدان ‪ ،‬مفن اكن مقامه االحسان ومل يشهد معه اثن ‪ ،‬فعن من يعزتل ؟‬
‫وملن يبتذل ؟ فهو مع هللا مس تغرق اجلنان ؛ سامع عنه انظر اليه ابلعيان‬
‫‪75‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ ،‬يف لك حني وآوان ‪ .‬يف الفطر والعيان متجليا ‪ ،‬وعلهيا متوليا ‪،‬‬
‫مش تغال بذكره ابللسان ‪ ،‬وطاعته ابلراكن ‪ ،‬كيف ماتقلبت به احلاالت فهو‬
‫جليسه ‪ ،‬ومن بني جلسائه آنيسه ‪ ،‬كام قالت رابعة ريض هللا عهنا يف‬
‫بعض مايروى عهنا من القوال ‪ ،‬يف طفحات الحوال شعرا ‪:‬‬
‫ولقد جعلتك يف الفؤاد حمديث وآحبت جسم مؤنس جللييس‬
‫مفن اكن كذ ك خفلطته عزةل وعزلته خلطة ‪ ،‬ومعىن ذ ك آنه اذا خالط‬
‫اخللق مبايهنم بقلبه ‪ ،‬معزنل عهنم بوجوده لربه ‪ ،‬واذا اعزتهلم اكن مصاحهبم‬
‫بربه لشهوده الكرثة اخللقية ؛ يف الوحدة احلقية ‪ ،‬امضحالال واندراجا ‪،‬‬
‫والوحدة يف الكرثة اخللقية احاطة وعلام وشهودا وحفظا وقياما والكية‬
‫وترصفا واحتاكما ‪ .‬واعمل آنه وان اكن كذ ك فينبغ هل وان بلغ من القرب‬
‫مبلغا فال غىن هل عن ساعة ووقتا خيلو فيه ليعود بركة خلوته عىل تفرق‬
‫جلوته ‪ ،‬فيكون يف اخللوة ملحوظا ‪ ،‬ويف اجللوة حمفوظا ‪ .‬ومن ذ ك‬
‫ماروي عنه صىل هللا عليه وسمل آنه قال ‪ :‬يل وقت اليسعين فيه اال ريب‬
‫‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫بعزةل املرء يسمل من معاطبه وتربئ القلب من المراض والعلل‬
‫بصايف الفكر يدرك من مأربه ويبلغ السؤل واملطلوب والمــــــل‬
‫فلام اكن القلب اليصفو بدون ماذكر من العزةل عن مكدرات القلوب ‪،‬‬
‫ومؤبقات اذلنوب ‪ ،‬قال ‪ :‬اكملتعجب من حال من يطلب آن ترشق‬
‫القلوب ويه ملتبسة بقباحئ العادات ‪ ،‬ومشؤمات العيوب ‪ .‬قال ريض هللا‬
‫عنه ‪:‬‬
‫( كيف يرشق قلب وصور الكوان منطبعة يف مرآته )‬
‫‪76‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اذا علمت اس تحاةل اجامتع الضدين ‪ ،‬واالرشاق هو وجود احلق ‪ ،‬والكوان‬


‫ظلمة ‪ ،‬اذا اعتربت وجودها من حيث يه ‪ ،‬والنور والظلمة ضدان‬
‫الجيمتعان يف آن واحد ‪ ،‬ولكن ملا مل يكن وجود آحدهام مانع من ورود‬
‫الخر عليه يف اثين احلال ‪ ،‬وامنا العجب ممن يظن آحدهام وس يةل لوجود‬
‫ضده ‪ ،‬ولكن هللا ببالغ حمكته وسابق ارادته آن جعل للك مقصد وس يةل‬
‫‪ ،‬وللك معل صناعة وحيةل ‪ .‬وهذه املقامات رسدها املؤلف يف هذه‬
‫املقاالت لقرب تناس هبا ‪ ،‬واال اذا نظرت بدقيق الفهم رآيت للك مقام مهنا‬
‫معل ومقال ‪ ،‬جفعهل االرشاق للقلوب لهنا حمتد النور والظلمة ‪ ،‬وهو‬
‫معرتك اجليشان ‪ ،‬فلكام قام به ظهر آثره يف اجلوارح ‪ ،‬فلكام ظهرت الاثر‬
‫الظلامنية ادلاعية اىل االهالك واالغواء ‪ ،‬مفن املادة الظلامنية واللمة‬
‫الش يطانية ‪ ،‬ولكام ظهر آثره من الشهوة الهوائية مفن املادة النفسانية ‪ .‬ولكام‬
‫ظهر آثره من العامل السنية والخالق النبوية مفن املادة الروحانية واللمة‬
‫امللكية ‪ .‬ومااكن من الحوال العرفانية واملقامات القربية مفن الواردات‬
‫الرابنية والتنفسات الرحامنية ‪ .‬وللك آثر ابب انفذ اىل القلب ‪ ،‬وعرق‬
‫متصل من القلب اىل النفس ‪ ،‬وحركة من النفس اىل القالب ‪ ،‬ونور‬
‫مرشق من الرب اىل العبد مراتب عامل الفضل ودراكت عامل العدل ‪.‬‬
‫ويف لك ابب من تكل البواب صور ش ىت ؛ ولك صورة مهنا جحاب عىل‬
‫وجه القلب ‪ ،‬كام آن لك خلق هل ارشاق ؛ جفمةل مادة عامل الفضل ومادته‬
‫من ملة املكل الروحاين ‪ ،‬واجلانب الرحامين ‪ ،‬والتفضل الرابين ‪ ،‬واللطف‬
‫االمتناين ‪ .‬كام آن مجةل مادة عامل العدل من اللمة الش يطانية ‪ ،‬وادلواع‬
‫الهوائية والشهوات النفسانية ‪ ،‬والميكن اجامتع هذين الضدين ‪ .‬فان آردت‬
‫‪77‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ورود هذه النوار ‪ ،‬وظهور تكل الرسار فعليك بتخلية القلب عن ظلامت‬
‫الغيار ‪ ،‬وكسح غبار الان ‪ ،‬وكنس الوساخ الشهوانية والقذار ‪ .‬وذل ك‬
‫معامةل ومعاجلة ؛ مفن آجنح املعامةل وآوجز املعاجلات عن كشفها من‬
‫القلوب ابذلكر التلقيين ‪ ،‬وهو ذكر النف واالثبات املعهود عند آههل ‪ ،‬مع‬
‫القيام ابلوظائف الرشعية ‪ ،‬والسلوك يف مجيع مايأخذ ويذر عىل يد ش يخ‬
‫بصري بأفات النفوس ‪ ،‬مؤيدا بأنوار القدوس ‪ .‬وعند ما تنجيل عنه هذه‬
‫الظمل يرىج هل ان تنجيل هل هذه النوار ‪ ،‬وتبدو هل هذه الرسار ‪ ،‬فميحو‬
‫عن مرآة قلبه مبصقهل الاهل اال هللا طوابع املكوانت ‪ ،‬وجيلوها بصايف الفكر‬
‫يف بدائع املصنوعات ‪ .‬فعند ذ ك تقابل مرآة القلب الصقيةل العوامل‬
‫العلوايت ‪ ،‬والرسار امللكوتيات ‪ ،‬فتبدو فهيا جعائبه فيفيض آاثر ذ ك عىل‬
‫ظواهر العامل ‪ ،‬وزوايك الخالق وسوايم الحوال ‪ ،‬وبسط ماتضمنته‬
‫عبارته ‪ ،‬وآومت اليه اشارته ‪ ،‬وآسع الحنا غزير املعىن ‪ ،‬فلنقترص عىل‬
‫مايفهم ما اشار اليه ‪ .‬فارشاق القلوب مشوس املعارف ؛ وبدور اللطائف‬
‫الجيمتع مع ظلامت الكثائف الكونية ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫اليرشق النور يف قلب اذا انطبعت بصورة فيه طابـع ظلمة العــــدم‬
‫اال اذا زال ليل الطــــــبع وانبعثت بصحبة اذلكر م الفكر يف احلمك‬
‫ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( آم كيف يرحل اىل هللا وهو مكبل بشهوته )‬
‫يفهم من قوهل هنا ‪ :‬يرحل اىل هللا ‪ ،‬آن الشهوات عوائق عن السري يف‬
‫منازل السلوك العلمية ‪ ،‬وعبارته يف الوىل يفهم التعرث يف البقااي الظلامنية‬
‫عن الرسار القلبية ‪ ،‬وعبارته داةل عن التنصل عن القيود العادية ‪،‬‬
‫‪78‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ومفارقة الخالق الرضية والطبائع احليوانية ‪ .‬وهذا طريق اىل املعامةل‬


‫القلبية ‪ ،‬فاالختبال ابلس باب ادلنياوية ؛ واحملبوابت الكونية ؛ قيد عن‬
‫السري يف احلرضة القربية ‪ ،‬ويه معان متقاربة ‪ .‬لكن للك يشء مهنا ملحظ‬
‫؛ فطريق حمو الظمل اكذكرانه آنفا من اخالص اذلكر وصفاء الفكر ‪ ،‬وطريق‬
‫ذ ك يف الرايضة النفسانية من ابب الرتوك ‪ ،‬وال آعون علهيا من التفكر‬
‫يف انرصام الجل وفوات المل وزوال الشهوات ‪ ،‬وحصول املصائب‬
‫واحلرسات عند فراقها وندامة الفوات ‪ ،‬فنقنعها خبوف القطيعة وتنظر فامي‬
‫خولته ادلنيا نعميها ؛ كيف تقشعت عنه حسائب خلهبا ورساب خدعها ‪،‬‬
‫فالرحيل اىل هللا بقطع عقبات النفس ‪ ،‬وآهبة الخالق السنية وطريقة‬
‫اتباع الاثر النبوية ‪ ،‬والخذ بعزامئ الس نة ‪ ،‬وخماوف تكل الطريقة الش به‬
‫وقواطعها احلظوظ ادلنياوية ‪ ،‬والشهوات النفسانية ‪ ،‬والتغريرات‬
‫الش يطانية ‪ ،‬والزتينات الهوائية ‪ .‬وزادها التقوى ‪ ،‬ومطيهتا اهلمة ‪ .‬وحادي‬
‫تكل املطية الشوق ؛ وسائقها اخلوف ‪ ،‬وزماهما الغرم ‪ ،‬وآالت رحيلها‬
‫العمل ‪ ،‬وقوهتا احلمكة ‪ ،‬ومراحلها النفاس ‪ ،‬ومقصدها احلرضة ‪ ،‬وضيافهتا‬
‫اجلنة ‪ ،‬وكراههتا الرؤية ‪ ،‬ورسورها الرضوان ‪ ،‬ومقيلها المان ‪ ،‬وحتيهتا‬
‫السالم ‪ ،‬وعرائسها احلور احلسان ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫ان شئت فارم قيود الطبع واستبق‬ ‫ان القيود عن الرتحال عائــــــــقة‬
‫فبادرن واخرجـــــن عام عليك بق‬ ‫كبول شهواتك اليل فيك حامكــــة‬
‫واقطع عن الكون واترك من بذاك بق‬ ‫فلك الكوان عن مطلبك قاطـعة‬
‫( آم كيف يطمع آن يدخل حرضة هللا وهو مل يتطهر من جناابت غفالته !‬
‫؟)‬
‫‪79‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫آم كيف يطمع بعد ماعمل بأن حرضة هللا اخلاصة بأنبيائه وآوليائه ويه‬
‫حرضة االحسان ‪ ،‬وحمل اجليل العيان عند ذهاب صور الكوان وفناء‬
‫العيان ‪ ،‬آنه اليدخلها من مل تمكل طهارته من جناابت غفالته ‪ ،‬كنه ملا‬
‫اجهتد يف تلطيف كثائف ظلامته ؛ وطرح شهواته ؛ وترك مقعدات عاداته‬
‫‪ ،‬ظهر منه راحئة طمع آنه بذ ك دخل حرضة هللا وهو بعد مل يدخل ‪،‬‬
‫وهو يرى يف نفسه ذ ك حىت يغيب عن كونيته ‪ ،‬ويتطهر مباء التقديس من‬
‫جناابت ادلعوى وجناسات التلبيس ‪ .‬فال يدخل ذ ك احلرضة وهو يرى هل‬
‫من نفسه بقية ‪ ،‬مفىت حصل عىل تكل احلرضة وحظ بتكل النظرة حفينئذ‬
‫يرى ظهور جنابته ‪ ،‬وقد منعك رشعا حرضته احلس ية حال قيام اجلنابة‬
‫احلس ية بك ‪ ،‬فأوىل آن مينعك عن احلرضة اخلاصة حال تلبسك ابجلنابة‬
‫اخلاصة ‪ .‬فف عبارته اشارة لطيفة اىل آن حرضة االحسان خاصة يف‬
‫املقامات القربية ‪ ،‬اكختصاص املسجد يف احلرضات املاكنية ‪ .‬فاملسجد‬
‫حرضة صورة العبادة ‪ ،‬واالحسان حرضة جتيل املعبود ؛ وآين هذه من‬
‫تكل ‪ .‬وقد حرض الرشع دخول هذه احلرضة مع وجود اجلنابة ‪ ،‬وما‬
‫مسيت جنابة اال لجناهبا مبن قام به عن حرضة القرب ‪ ،‬ومس توى‬
‫االس تقامة اىل البعد حتت كثيف غطاء الشهوة عىل مجيع اجلوارح ‪.‬‬
‫فالغسل حياهتا وردها اىل مواطن اقبالها ‪ ،‬فيعم مجيع اجلوارح لتحيا لن‬
‫يف املاء رس احلياة فتحيا بعد موهتا ‪ ،‬واحرتاقها بنريان بعادها ‪ .‬فامحلد هلل‬
‫اذلي من بلطفه ‪ ،‬وتفضل بعطفه ‪ ،‬مفا احلياة للجنابة املعنوية جتيل امسه‬
‫احل عىل من آمات احلجاب من وجود الشهوة ‪ ،‬فاملاء آثر امسه احل ‪،‬‬
‫فاحل حتيا آموات الصور ؛ كام حتيا الرض بوابل املطر ‪ ،‬وبوجود املؤثر‬
‫‪80‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وشهوده حييا املعىن القامئ يف االنسان بصورة ذ ك التجيل اذلي املاء آثره ‪،‬‬
‫وحبياة املعىن يغيب عن شهود كونيته وظهور آينيته ‪ ،‬جفنابة الصورة‬
‫احلس ية اذلي هو آثر ذ ك املعىن حييا ابملاء اذلي هو آثر عنه آيضا ‪.‬‬
‫واملعىن املذكور هو وجود احلق القامئ هبا ‪ ،‬فباملاء حييي الصورة من آجناب‬
‫جناابهتا ‪ ،‬ويتجىل امسه احل حييي ذ ك املعىن ‪ ،‬وحياته رجوعه اىل آصهل‬
‫‪ ،‬واجامتعه بعد فرقه ‪ ،‬واحتاده بأصهل بعد فصهل ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫ومل تطهر عن االعراض واجلنب‬ ‫فكيف تطمع آن تدخل حلرضته‬
‫وآنت يف غفةل حمفوف ابحلجب‬ ‫وكيف تطلب آن تدنو لوصلته‬
‫وملا اكنت ظلامت اجلناابت واذلنوب مانعة عن ارشاق القلوب ؛ وصادة‬
‫عن السلوك اىل احملبوب ‪ ،‬وحاجبة عن نيل املراد واملطلوب ؛ حىت تعود‬
‫عن اعراضك وتتوب ‪ .‬قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( آم كيف ترجو آن يفهم دقائق الرسار وهو مل يتب من هفواته )‬
‫الرجاء هنا ضد القنوط ‪ ،‬وهو يف آصهل محمود حيث اقرتن ابلتقوى عن‬
‫اخملالفات ‪ ،‬واجتناب املهنيات ‪ ،‬واالتيان ابملأمورات ‪ ،‬واال فهو آمنية ‪.‬‬
‫واذا حصح التوبة يرىج آن يفتح هل آبواب العلوم ‪ ،‬وتظهر من آكنهتا دقائق‬
‫آرسار الغيوب ‪ ،‬وترسي اليه الحوال الوهبيات ‪ ،‬وتلقى عليه العلوم‬
‫الوهبيات ‪ ،‬ودقائق احلمك الغيبيات ‪ ،‬وترتاءى هل الرسار امللكوتيات ‪ ،‬يف‬
‫احلقائق اجلربوتيات ‪ ،‬والشواهد امللكيات ‪ .‬قال هللا جل ذكره { واتقوا‬
‫هللا ويعلممك هللا } [ الية ‪ 282‬البقرة ]‬

‫‪81‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫والتوبة عن الهفوات آول مقامات التقوى وهل مراتب ‪ ،‬وللك مقام رتبة يف‬
‫التقوى ‪ ،‬فمل يدرك دقائق العلوم يف رقائق املقامات حىت يتوب عن‬
‫اخلطرات فضال عن الهفوات الظاهرات ؛ وبعد ذ ك مقامات ورتب ‪.‬‬
‫وآراكن التوبة ثالثة اذا مل يتعلق هبا حق للخلق واال فأربعة ‪ ،‬وللك آهل‬
‫مقام توبة عىل حسب مقامه ‪ ،‬فلكام لطف املقام لطف رس التوبة وظهرت‬
‫هل ذنوب خفيات ‪ ،‬واليزال يلطف حىت يتوب مما يصدر منه من سائر‬
‫الحوال والقوال واحلراكت والسكنات ‪ ،‬ومما يعد من الطاعات ‪ ،‬وذ ك‬
‫يعرفه من حتقق به ‪ .‬فالتوبة مفتاح اخلريات ‪ ،‬ولك آهل مقام يفتح يف‬
‫توبهتم حبسب مقاهمم وفهمهم عن هللا ‪ ،‬والتوبة يه الرجوع اىل هللا فتنفتح‬
‫فهيا دقائق علوم ولطائف آرسار ‪ ،‬ولواحئ آنوار ‪ .‬فالعوام يعطون الفهم يف‬
‫الرشائع والحاكم ‪ ،‬واخلاصة يعطهيم مقاهمم يف التوبة الفهم يف احلقائق‬
‫والمتكن يف الحوال ‪ .‬وخاصة اخلاصة يعطهيم مقاهمم يف توبهتم املعارف يف‬
‫لطائف الوجود والتحقق ابلوصال ‪ ،‬فهذا من مثرات التوبة لهل لك مقام‬
‫يف توبهتم ‪ ،‬وورى ذ ك مامل يكن اذاعته من مكوانت العلوم ‪ ،‬ومصوانت‬
‫الرسار ‪ ،‬وبواهر مرشقات النوار ‪ ،‬وحمرقات الغيار ‪ ،‬وآحوال عالية ‪،‬‬
‫ومعارف سامية ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫دقائق آرسار مكنون العلـوم ومــــا حتت الكثائف من حمجوبة القدر‬
‫مفتاحه التوبة الصدق النصوح كام يكون مفتاح فلق احلب ابملطـــر‬
‫فاذا علمت اس تحاةل اجامتع الضدين ؛ وهو الظلمة والنور فاعمل آن العبد‬
‫ذاات ووصفا وفعال دون هللا عدما حمضا ‪ ،‬وهو املشار اليه ابجلنابة ‪ ،‬وهو‬

‫‪82‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫آيضا اجلهل ‪ .‬فلقرب هذه املعاين مجع املؤلف مشلهن ونظم سلكهن يف‬
‫س بك لفظه ابلتواتر ‪ .‬م قال اكلشارح ذل ك ‪:‬‬
‫( الكون لكه ظلمة ؛ وامنا آانر ظهور احلق فيه ‪ ،‬مفن رآى الكون ومل‬
‫يشهده فيه آوعنده آوقبهل آوبعده فقد آعوزه وجود النوار ‪ ،‬وجحبت عنه‬
‫مشوس املعارف بسحب الاثر )‬
‫الكون هو لك ماسوى هللا عز وجل ‪ ،‬وماهو صادر عن تكوينه‪ ،‬وهو‬
‫جبملته وتفصيهل دون مكونه ظلمة ؛ كام علمت يف العدم ‪ ،‬والنور هو‬
‫الوجود‪ .‬فالكون من عرش وكريس ‪ ،‬وسامء وآرض ‪ ،‬وجنة وانر ‪،‬‬
‫وانس وجان ‪ ،‬ومعدن ونبات ‪ ،‬وحيوان وهوى ‪ ،‬وماء وآمالك ‪ ،‬وآفالك‬
‫وجبال ‪ ،‬ومعل وحال ‪ ،‬وحياة وموت ‪ ،‬وطمس وظهور ‪ ،‬وفروع وآصول‬
‫‪ ،‬وظلمة ونور ‪ ،‬وجنس ونوع ‪ ،‬وليل وهنار ‪ ،‬ومشوس وآمقار ‪ ،‬وجنوم‬
‫وعلوم ‪ ،‬ومعلوم وموهوم ‪ ،‬وغري ذ ك ممايطول تفصيهل من مجةل الاكئنات‬
‫وتفاصيلها واختالف آعياهنا وآلواهنا عدم ابطل دون وجود احلق ‪ ،‬حفقق‬
‫آن لك مااكن وجوده البنفسه فهو عدم ‪ ،‬وحقيقة الوجود ملن هو موجود‬
‫به ‪ ،‬وذ ك هو هللا اذلي شهدت بوجوده آعيان موجوداته { هللا نور‬
‫والسموات والرض } [ الية ‪ 35‬النور ] والنور هو الوجود كام قدمنا آن‬
‫النور هوالوجود ‪ ،‬والظلمة هو العدم ‪ .‬فهذا من مقام من شهده فيه ‪ ،‬ومن‬
‫شهده عنده ‪ ،‬يصدق عليه قوهل { سرنهيم يف الفاق ويف آنفسهم حىت‬
‫يتبني هلم آنه احلق آومل يكف بربك آنه عىل لك يش شهيد }[ الية ‪ 53‬فصلت‬

‫‪83‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫] ومن شهد بعده مفشهده قوهل تعاىل { آفال ينظرون اىل االبل كيف‬
‫خلقت } اىل قوهل { فذكر }[ الايت ‪ 20-18‬الغاش ية ] والتذكري اليكون اال‬
‫بعد س بق نس يان ‪ ،‬مفن مل يشهد املكون قبل الكون ‪ ،‬ومل يعرث عىل‬
‫املصون قبل الصون ؛ فال خيلو آما آن يكون من اذلين يشهدونه عند‬
‫الش ياء عندية مزنهة عن اجلهة ؛ ولكن عندية اس تغراق وقيام ‪ .‬وآما آن‬
‫يشهده بعده فيس تدل ابلثر وحبسن اخلرب ‪ ،‬فيس تدل ابلثر عىل املؤثر ‪،‬‬
‫وابلصنعة عىل الصانع ‪ .‬وهذه آخر مقامات املوحدين ‪.‬‬
‫وآما من يشهده بل يثبت الكوان عرية عن وجوده فقد طمس عىل عني‬
‫بصريته ‪ ،‬وآظلمت عليه نور رسيرته عن شهوده وحقيقة شهوده ‪ .‬فيبقى‬
‫اتيه يف ظلامته ‪ ،‬غافل عن شهود آايته ‪ ،‬مقهور عن شهود النوار ‪،‬‬
‫حمجوب عن مشوس املعارف وبدور الرسار ‪ ،‬وجنوم العلوم بسحب‬
‫العوايد وكثائف الاثر ‪ .‬فظهر عليه سلطان العدل وجتيل اجلبار كام ورد‬
‫آن جحابه النار ‪ .‬وماذكره مما يومه الظرفية آواملثلية ‪ ،‬آووجود زمان القبل‬
‫والبعد آوهجة ‪ ،‬فليس عىل مايفهم من ذ ك يف الزمان واملاكن والن‬
‫والوان ؛ حادث موسوم بومس احلداثن ؟ ولكن جتليات وتزنالت‬
‫وتلطفات يعرف ذ ك آرابب الشهود والعيان ‪ ،‬فليس هل يف ذاته والوصفه‬
‫والفعهل رشيك ونظري والاثن ‪ .‬فاذلي يشهده قبل الكوان مس هتكل بنفسه‬
‫؛ خمتطف عن حسه ‪ ،‬ووجوده متالش حتت جلباب الوصاف فناب‬
‫عنه فتسمى به ‪ ،‬وهذه رتبة يف احملبة القربية والنيابة الوصفية ‪ ،‬فقام عنه‬
‫فأخرب عن شهوده لنفسه بنفسه ‪ .‬وهذا الشهود هل دميوميا الينفك عنه ‪،‬‬

‫‪84‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫مس متر الشهود لنفسه بنفسه ؛ آزال ووجودا وآبدا ‪ .‬واذلي شهده عند‬
‫الكون شاهد ظهور صفاته من حتت آس تار حمكته ‪ ،‬واذلي شهده بعده‬
‫يطلب ادلليل عىل وجود املكون لغلبة شهود املكوانت عىل قلبه ‪ ،‬فال‬
‫يمتكن من غيبهتا عن نظره اال بعد امعان نظر ‪ .‬فهذا وهللا آعمل مراد‬
‫املؤلف بقبل وبعد ويف ‪ ،‬العىل عىل مايفهم من ظاهر الالكم ‪ .‬فالولون‬
‫آرابب الكشف والعيان ‪ ،‬واذلين يلوهنم آرابب النور والبيان ‪ ،‬واذلين من‬
‫بعدمه آهل ادلليل ابللسان واالميان ابجلنان ‪ .‬ومن مل يشهده بعد ذ ك فقد‬
‫آعوزه ؛ آي آعدمه وجود النوار { ومن مل جيعل هل نورا مفاهل من نور }‬
‫[ الية ‪ 40‬النور ] حفجب عن النوار العرفانية ‪ ،‬والهداية االميانية ‪ ،‬وادلالةل‬
‫البيانية ‪ .‬وجحبت عنه هذه الشموس الظاهرة ‪ ،‬والبدور الباهرة ‪ ،‬والنجوم‬
‫الزاهرة ؛ فهو حائر يف ظلامت البرشية ‪ ،‬والعوائد الطبيعية ‪ .‬والسحب‬
‫الرضية يه الشهوات احليوانية اذلي تنشأ عن آرض النفس الطمأنينة‬
‫الهوائية ‪ ،‬فلكام اكنت متكهنا من النفس آقوى اكنت حسب هجلها عىل‬
‫مشوس املعارف آكثف وآظمل ‪ ،‬فاذا ارتفع عهنا حسائب طبائعها بعواصف‬
‫هواهئا جحبت املعارف القلبية ؛ والشموس االميانية ‪ ،‬والخالق الروحانية‬
‫الساموية ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫من يشهد احلق قبل الكون اكن هل من املعارف آعىل رتبة فـــــــــهيا‬
‫ومن شهد ذاك عند الكون عاملـــه من حاةل الصدق ماعزت مراقهيا‬
‫من اكن مشهده بعد فليس لـــــــه اال ادلالئل والقــــوال حيكـــــهيا‬
‫ومن ختلف عن هذا تقابــــــــــــهل حسائب آاثر عادات توافـــــــهيا‬

‫‪85‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فاذا علمت آن الكون عدم وآن الموجود سواه ‪ ،‬والظاهر يف مظاهر‬


‫الكون اال اايه ؛ استشهد ابمس القهر ‪ ،‬وعرفك آن ذ ك مما اليكون آن‬
‫الباطل حيجب الوجود احلق اال من حيث جتيل قهره ‪ ،‬وغلبة آمره ‪ ،‬فقال‬
‫ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( ممايد ك عىل وجود قهره س بحانه ؛ آن ححبك عنه مبا ليس موجود معه )‬
‫قد علمت مما تقدم آن الكون لكه ظلمة ؛ آي عدم ‪ ،‬ومع ذ ك آي كونه‬
‫عدم آنك حمجوب به عن مكونه ‪ ،‬فذ ك دليل عىل وجود قهره وغلبة آمره‬
‫‪ ،‬واال فكيف يظهر العدم مع الوجود ؟ آم كيف يظهر الغيب يف الشهود‬
‫؟ آم كيف يثبت احلدث مع القدم ؟ فاذا قارن احلدث القدم امضحل ومل‬
‫يبق هل آثر ‪ ،‬واحلجاب امنا هو آثر القهر عىل بصرية احملجوب ‪ ،‬واال جل‬
‫هللا آن حيويه ماكن آوحيده آوان ‪ ،‬آويكيفه آوحيده آوان ؟ آويكيفه عيان ؟‬
‫آويتقدمه زمان ‪.‬‬
‫واحلجاب ينقسم اىل ما هو جحاب ظلامين كثيف ‪ ،‬واىل ماهو نوراين‬
‫لطيف ‪ ،‬واحلجاب الظلامين يكون يف توحيد الفعال للعوام اجلهال ‪،‬‬
‫واملبتدعة الضالل ‪ .‬واحلجاب النوراين يكون للخواص يف توحيد السامء‬
‫والصفات ‪ ،‬الخذين يف طريق العامل ‪ ،‬املشاهدين ملا يصدر عهنم من‬
‫حسن الفعال وسنيات الحوال ‪ ،‬وللك جحاب عالمة عىل من قام به ‪.‬‬
‫فعالمة جحاب العوام برؤية اخللق وآفعاهلم دون هللا ‪ ،‬وعالمة جحاب‬
‫اخلواص برؤية آعامهلم ‪ ،‬وآن هلم فهيا حول آوقوة ‪ ،‬فاحلجاب الظلامين‬
‫يقتيض العذاب وسوء احلساب ‪ ،‬والثاين يقتيض االلتفات اىل الغيار‬
‫وكثائف الس تار ‪ ،‬والتعوق عن اللحوق بأهل التحقق والعيان ‪ ،‬مفن اكن‬
‫‪86‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫مشهده آفعال اخللق دون هللا فهو بعد مل خيرج من حزي املبعدين ‪ ،‬ومل يعد‬
‫يف آحصاب الميني فضال عن آن يكون من املقربني السابقني ‪ ،‬ومن شهد‬
‫آن الفعل هلم دون هللا فهو معدود يف غامر عامة املؤمنني ‪ ،‬ومن مجةل‬
‫آحصاب الميني ‪ ،‬فهو موحد يف الفعال ‪ ،‬وذ ك متعني عىل لك مسمل‬
‫متدين ‪ .‬حفيث حص هل ذ ك فقد جنا حبمدهللا من ورطة اجلحود ‪ ،‬وانتظم‬
‫يف نظام االميان ‪ ،‬وتكفل هل ابلمان من مجةل عباد الرمحن ‪ ،‬ومن ترىق عن‬
‫ذ ك بأن شهد آن الحياة هلم فذ ك رتبة يف التوحيد ‪ ،‬ومقام يف التفريد‬
‫اخلاص ابملقربني وهو آول رتبة يف طريق االرادة ‪ ،‬ورشوق مشس السعادة‬
‫‪ ،‬وقد آذن هل يف ادلخول وآذن هل ابلوصول والظفر ابملأمول ‪.‬‬
‫ورتبة القرب اخلاص يف اخلاص آن يشهد وجودمه عني العدم الس تغراق‬
‫روحه يف شهود القدم مبطالعة آنوار اذلات احملرقة ‪ ،‬وآرسار الصفات‬
‫املرشقة ‪ ،‬فهذا هو الواصل واالمام الاكمل ‪ ،‬فلو لكف عىل رؤية الغري مل‬
‫يس تطع اىل ذ ك سبيال ‪ ،‬ومل يظهر هل وجود ‪ ،‬فكيف يرى الكوان مع‬
‫شهود العيان ؟ آم كيف حتجبه العيان عن التحقق بلك من علهيا فان ‪،‬‬
‫فمل تزل الكوان يف فناهئا آزال ‪ ،‬ووجودا وابدا هالكة من حيث نس بة‬
‫غرييهتا ابقية من حيث حقيقهتا ‪ ،‬فالوجد احلق هو الظاهر عىل صفحات‬
‫الكوان ‪ ،‬املشهود به العيان ‪ ،‬القامئة به اذلوات والوصاف والفعال‬
‫والبدان ‪ ،‬تزنه عن آن حيجبه كون ‪ ،‬آويطلق عليه ابتصال آوبون ‪ .‬فهو‬
‫س بحانه مباين الش ياء من حيث ذاته ووصفه ‪ ،‬حميط هبا من حيث علمه‬
‫‪ ،‬مدبرها حبمكه ‪ ،‬مس تغرقا مجليع آفعالها وصفاهتا وذواهتا من حيث قيوميته‬
‫وشهوده وقيامه ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫‪87‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫مما يدل عىل قهـــــــــــــــر االهل مبـا جحبك عنه مبا هو ابطل عـدم‬
‫ان احلجاب من احملجوب ليس كام يظنه اجلاهل الغر الغيب الفدم‬
‫فلام حتقق وجوده ؛ واس تغراق الش ياء بشهوده قال املؤلف ريض هللا عنه‬
‫‪:‬‬
‫( كيف يتصور آن حيجبه شئ وهو اذلي آظهر لك شئ )‬
‫كيف حيجبه الشئ وهو اذلي آظهره ‪ ،‬وبلطيف حمكته وبديع صنعته دبره‬
‫وقدره ‪ ،‬ومن العدم آبرزه ‪ ،‬ومبا آرشق عليه من نور وجوده آوجده ‪،‬‬
‫وابلشيئة عرفه ‪ ،‬فكيف حتجبه الش ياء وليس من الوجود اال ما آظهره‬
‫فهيا ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫مثل الزجاجة ينظر من تأملها آن ليس موجود اال نور ابرهيا‬
‫فلام اكن الظاهر فهيا نوره ‪ ،‬واحلامك علهيا سلطان ظهوره ؛ قال املؤلف‬
‫ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( كيف يتصور آن حيجبه شئ وهو اذلي ظهر للك شئ )‬
‫فلك شئ تراه ظهر به وجود موجده وكامل مبدعه وحمكة صانعه حىت‬
‫اس تدل املس تدلون عليه ‪ ،‬واهتدى هبا السالكون اليه ‪ ،‬فقال عز وجل‬
‫{ ويف آنفسمك آفال تبرصون } [ الية ‪ 21‬اذلارايت ] شعرا ‪:‬‬
‫وجود الش ياء تدل العاقل الفطن وتوجد الطالب املش تاق للوطن‬
‫فهذه احلمكة تدل عىل شهود جتيل وصفه ‪ ،‬واليت تلهيا تنيب عن ترصفه يف‬
‫الش ياء بنافذ قدرته وابلغ حمكته ‪ ،‬ذل ك قال ‪:‬‬
‫( كيف يتصور آن حيجبه شئ وهو اذلي ظهر يف لك شئ )‬

‫‪88‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫قوهل ‪ :‬كيف ؛ صيغة تعجب ! كيف يتصور ‪ ،‬والتصور هو ثبوت صورة‬


‫المر يف اخلارج آويف اذلهن ‪ .‬وقوهل ‪ :‬حيجبه ‪ ،‬يسرت وجوده ‪ ،‬وذ ك‬
‫اليشء من مجةل افراد حمكته ‪ ،‬وصورة من بديع صنعته ‪ ،‬فال ختلو‬
‫الش ياء آما آن تكون عن جتيل جامهل ؛ آوظهور جالهل ‪ ،‬آوحتت حمك امس‬
‫من آسامء فضهل آوفهم عدهل ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫ظهور آوصافه يف لك اكئــــــــنة آونور آسامئه الفعال حتكـــــهيا‬
‫ان املظاهر يف الوصاف اكمـنة اكملاء يف سائر الجشار حييـــهيا‬
‫تفرقت حس امب تعطيه من صفـة قامت به اللك علقمها وحالـهيا‬
‫( كيف يتصور آن حيجبه شئ وهو اذلي آظهر لك شئ )‬
‫يف وجوده فأوما هل ابالقرار ‪ ،‬وس بح هل بال اناكر ‪ .‬وذ ك ملا شهد من‬
‫االقتدار ‪ ،‬وجتىل هل من النوار ‪ ،‬يف خمتلف الطوار ‪ ،‬وقامت هل من‬
‫الرسار ‪ ،‬من وراء احلجب والس تار ‪ .‬مفن مشاهد ظهر هل يف مص‬
‫الجحار ‪ ،‬ومن مشاهد شهده يف الكواكب والشموس والمقار ‪ ،‬آومن‬
‫وراء جحاب النار اىل غري ذ ك ‪ .‬ومن مشاهد للحقائق متربجة بالخامر ‪،‬‬
‫وظاهره هل بال استتار ‪ ،‬فشهد رصف التوحيد ونعته مبا آشهده من رصحي‬
‫متجيده بال ريب وال اناكر ‪ ،‬آولئك الصفوة الخيار ‪ ،‬والسادة البرار ‪،‬‬
‫اذلين شاهدوا رصف اليقني ‪ ،‬وحتققوا حبقائق المتكني ؛ الميني احملمديني ‪.‬‬
‫شعرا ‪:‬‬
‫لقد مع الظهور للك شئ وس بح لك موجود حبمده‬
‫وفرج عهنم كـربــــا وشــــده‬ ‫وآنقذ آمه من ‪00‬رووع‬
‫واثلث رمحته من اكن يح بأمحد صفوته خرية عبــــده‬
‫‪89‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫( كيف يتصور آن حيجبه شئ وهو الظاهر قبل وجود لك شئ )‬


‫لثبوت آوليته ‪ ،‬وحتقق آزليته ‪ ،‬وهو ظاهر لنفسه يف آزهل وآبده ‪ ،‬فمل‬
‫يقيده وجود الش ياء ظهورا مل يكن هل ؛ فكيف حيجب احلادث اجلائز‬
‫القدمي الواجب ؟ آم كيف حيجب الصانع صنعته ؟ شعرا ‪:‬‬
‫فكيف حيجبه من اكن صنعـته وحادث بعد ماقد اكن يف العدم‬
‫قد اكن موجود قبل انشأ بريته فكيف حيجب نور احلق ابلظـــمل‬
‫فاذا اكن ظاهر قبل وجود الش ياء فهو آظهر مهنا بعد وجودها ‪ ،‬ذل ك‬
‫قال ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( كيف يتصور آن حيجبه شئ وهو آظهر من لك شئ )‬
‫هذا اذا ثبت وجود الشئ مفوجد الشئ وخمرتعه منه من حيث س بق‬
‫شهود الشاهد اىل ذ ك الشئ ‪ ،‬فاحلق آظهر ابلوجوب والقدرة‬
‫والتخصيص واحلمك ‪ ،‬فالش ياء جائزة الوجود انقصة القدرة عاجزة عن‬
‫التخصيص ‪ ،‬مفن اكن وجوده بغريه وقدرته عن غريه حفمكه اكلعدم ‪ ،‬فقدرة‬
‫العبد وارادته حمكوم علهيا ابلقهر حتت آحاكمه الغالبة ‪ ،‬وقدرته النافذة ‪.‬‬
‫فأصل العبد وقدرته العدم ‪ ،‬وفضهل العجز والنقص ‪ .‬هذا برهان ظهور‬
‫احلق عىل الش ياء ملن اكن حتت كن احلجاب ‪ ،‬وآما آهل الكشف فرؤيهتم‬
‫للش ياء عني العدم كام قدمنا ذ ك قريبا ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫هللا آظهر آن خيفى مظاهره وجود العيان آوشئ من الغــــري‬
‫هللا آكرب آن يوجد مناظــره وجل عن مثل ماخيطر يف الفكر‬
‫( كيف يتصور آن حيجبه شئ وهو الواحد اذلي ليس معه شئ )‬

‫‪90‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ثبوت وحدانيته مل تبق لغريه معه وجود ‪ ،‬وظهور جتليه مل يبق لغريه شهود‬
‫‪ .‬واذا قرنت احلادث ابلقدمي امضحل وجوده وانطمس شهوده ‪ ،‬فكيف‬
‫يكون معه وقد وجب تزنهيه عن الثاين يف ذاته وصفاته وآفعاهل ؟ { قل‬
‫لو اكن معه آلهة كام يقولون اذا لبتغو اىل ذي العرش سبيال * س بحانه‬
‫وتعاىل عام يقولون علوا كبري } [ الايت ‪ 42‬االرساء ] { لواكن فهيام آلهة اال‬
‫هللا لفسدات فس بحان هللا رب العرش عام يصفون } [الايت ‪ 22‬النبياء ]‬
‫والالكم عىل الوحدانية يقتيض البسط والتطويل ‪ ،‬ويف االشارة بذ ك‬
‫كفاية ملن رشح هللا صدره بنور اليقني ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫هللا واحد اليثبت هل اثين فليس هل جل آمثال وآقراين‬
‫( كيف يتصور آن حيجبه شئ وهو آقرب من لك شئ )‬
‫كام نطق بذ ك الكتاب ‪ ،‬وشهدت به الس نة ‪ ،‬قال هللا عز وجل {‬

‫وحنن آقرب اليه منمك } [ الية ‪ 85‬الواقعة ] وقال آيضا { آومل يكف بربك‬
‫آنه عىل لك شئ شهيد * آال اهنم يف مرية من لقاء رهبم آال انه بلك شئ‬
‫حميط } [ الايت ‪ 54 - 53‬فصلت ] وآقربيته ال تش به آقربية الجسام بل هو‬
‫القامئ عىل لك نفس مبا كسبت ‪ ،‬بل قربه قرب شهود واحاطة والكءة‬
‫وقدرة وعمل بل وبذاته ‪ ،‬وامنا عربان ابلصفة لن الصفة التفارق املوصوف ‪،‬‬
‫واس تغراق مجيع الحوال والقوى ‪ ،‬الحول والقوة اال ابهلل كزن حتت‬
‫العرش آوكام قال ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫هلل قرب اىل الش ياء بقدرته فليس يش به قرب اخللق ابلصور‬
‫‪91‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فهو القريب اىل لك وقـربــــته من لك شئ هو التأثري يف الثـــر‬


‫( كيف يتصور آن حيجبه شئ ولواله مااكن وجود شئ )‬
‫آي لوال وجو ذاته ملا ظهر جتيل وصفه ‪ ،‬والبرزت آعيان خمرتعاته ‪،‬‬
‫والوجدت آرضه ومسواته ‪ .‬لن الش ياء خمرتعة ومبتدعة فال بد لها من‬
‫خمرتع ومبتدع ‪ ،‬واليكون كذ ك اال عامل مريد قادر يح اكمل مزنه عن‬
‫النقائص ‪ ،‬اذ لو مل يكن كذ ك للزم آن اليوجد شئ ‪ ،‬آويمكل شئ ‪،‬‬
‫آويمكل من خالقه موجده ‪ .‬والخيفى اس تحاةل ذ ك ‪ ،‬فوجود الش ياء‬
‫صادرة عن فاعهل ‪ ،‬ومقتضيات آحوالها ابرزة عن آمره ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫لواله مااكنت الش ياء ابرزة والظهر من عيون الكون من آثر‬
‫قد اكن م والشئ والمســــة وهو كام اكن جاء هذا يف اخلـــــرب‬
‫( ايجعبا كيف يظهر املوجود يف العدم )‬
‫لن العدم ابطل ‪ ،‬والوجود حق ‪ ،‬والباطل ظلمة ‪ ،‬والوجود نور ‪.‬‬
‫والخيفى عدم اجامتع الظلمة والنور ‪ ،‬فلك ماسوى هللا عز وجل عدم‬
‫ابطل ‪ ،‬وهللا هو املوجود يف الوجود { هللا نور السموات والرض } [‬
‫الية ‪ 35‬النور ] فكيف يظهر ليل العدم يف صبح هنار الوجود ؟ شعرا ‪:‬‬
‫فكيف يظهر يف صبح الوجودمعى آم كيف خيفى هنار احلق ابلعدم‬
‫( آم كيف يثبت احلادث مع من هل وصف القدم )‬
‫{ وقل جاء احلق وزهق الباطل ان الباطل اكن زهوقا } [ الية ‪ 81‬االرساء‬
‫] آي بطل وامضحل وتالىش ‪ ،‬فاذا ظهر الوجود احلق ذهب التومه‬
‫الغريي ‪ ،‬وتالىش العامل اخللق ‪ .‬بيت ‪:‬‬

‫‪92‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫لوالح آدىن ابرق من وهجها صار الوجود اىل الفناء املفضع‬


‫ولزال االلتباس وذهب اليأس ونطقت احلواس ‪ ،‬وبرزت احلقائق للك‬
‫حمب صادق من حتت آس تار البرش وحتقق اخلرب ‪ ،‬وانطمس الثر عند‬
‫ظهور مؤثره ‪ .‬خفقيق آن يزتلزل واليثبت ‪ ،‬فزتلزل آرايض النفوس وخترج‬
‫آثقالها ‪ ،‬وحتدث آخبارها ‪ ،‬وتكشف آس تارها ‪ ،‬وتكون الناس آش تاات‬
‫لريوا آعامهلم ‪ .‬ويف هذه اشارة لطيفة ذلوي الرسار ‪ ،‬عند الربوز من‬
‫الاثر ‪ ،‬هلل الواحد القهار ‪ .‬فعند ذ ك تظهر هلم لطيفة احملبة الاكمنة يف‬
‫لباب احلقائق الاكئنة يف لطائف العامل ‪ ،‬املودعة يف آصداف املعاين ؛‬
‫بأن ماسوى الواحد ها ك فاين ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫فكيف يثبت حادث عدم اذا قرنته ابملوصوف ابلقدم‬
‫واعمل آن عبارته هذه بديعة ‪ ،‬ويه متعلقة بعضها ببعض ‪ ،‬وبعضها آلطف‬
‫من بعض ويه لكها من علوم الكشف اخلف ‪ ،‬والتجيل الوصف ‪ ،‬واملظهر‬
‫االمس ‪ .‬فال شئ مهنا متعلق ابملعامةل القلبية ؛ وامنا يه حقائق مصونة‬
‫وآرسار مضنونة ودرر خمزونة ‪ ،‬ومل نبني مهنا اال مايصح بيانه عىل طريقة‬
‫العمل ‪ .‬فقوهل يف بعضها ‪ :‬كيف آعمل آن علامء الالكم اختلفوا ‪ :‬هل جيوز‬
‫اطالق الكيف آم ال ؟ فعامة احملققني جيرونه حيث مل يقرتن ابعرتاض عىل‬
‫هللا ‪ ،‬ودليلهم من الكتاب والس نة قوهل { آومل يروا كيف يبدئ هللا‬
‫اخللق م يعيده } [الية ‪ 19‬العنكبوت ] { آمل تر اىل ربك كيف مد الظل }‬
‫[ الية ‪ 45‬الفرقان ] اىل غريه من الايت ‪ .‬واحلجاب يف عبارته لك ذ ك‬
‫معروف من الكتاب ‪ ،‬والس نة قوهل صىل هللا عليه وسمل " ان هلل‬

‫‪93‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫س بعني جحااب من النور " اوماهذا معناه ‪ .‬فلام آهنيى الالكم عىل ذ ك آخذ‬
‫يتلكم يف حمك العبد مع هللا فامي يقتضيه منه ربوبيته فقال ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( ماترك من اجلهل شئ من آراد آن حيدث يف الوقت غري ما آحدثه هللا فيه‬
‫)‬
‫فلك من انزع هللا يف آحاكمه واعرتض عليه يف اقتداره ؛ فقد برز يف حةل‬
‫اجلهل اليت يه آقبح لبسة كام روي آن هللا خلق اجلهل يف آقبح صورة‬
‫فقال هل ‪ :‬وعزيت وجاليل ماخلقت خلقا آحط مزنةل عندي منك ‪،‬‬
‫لجعلنك يف آبغض خلق ‪ ،‬وآحطهم مزنةل عندي ‪ .‬فالاكفرين ذوونفوس‬
‫وهجل ‪ ،‬واملؤمنون ذوو قلوب وعقل ‪ .‬فلك من آراد غري مراد هللا هل فقد‬
‫مجع اجلهل ‪ ،‬ومن هجل ابهلل فهو بغريه آهجل ‪ .‬وحمك العبد التسلمي‬
‫لمرهللا فامي قىض ‪ ،‬والسكون حتت ما آبرزه وآمىض ‪ ،‬كام قال القائل‬
‫شعرا ‪:‬‬
‫خلييل لودارت عىل رآيس الرىح من اذلل مل آجزع ومل آتلكم‬
‫حفيث آقمي العبد يف آمر مل يكن للرشع عليه فيه اعرتاض ومل يطالبه احلق‬
‫بنقيضه ؛ حفقه الرضا بعمل هللا دون علمه ‪ ،‬لن هللا عامل من لك الوجوه ‪،‬‬
‫والعبد جاهل من لك الوجوه ‪ ،‬فالالئق به آن اليطلب غري ما آقامه فيه‬
‫س يده ومواله ان اكن مرضيا ‪ ،‬واال يكن كذ ك بأن اكن مما خيالف المر ؛‬
‫كن ريض ابلكسل والوقوع يف املنايه فذ ك من املكر اخلف وتلبيس من‬
‫الش يطان املغوي ‪ ،‬بأن جيعل القضاء جحة هل ‪ ،‬ويظن آنه حبمك مواله وامنا‬
‫هو حبمك هواه ‪ .‬فالرضا ابلقضاء من حيث كونه قضاء ؛ والقضا آيضا من‬
‫حيث كونه قضاء دون املقيض من حيث كونه معل ‪ ،‬فهنا آمور غلط فهيا‬
‫‪94‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫مجةل من ينمت اىل التصوف دون عمل ‪ ،‬مبجرد الزي دون التحقق مبقامه ‪،‬‬
‫فرتامه حيتجون ابلقضاء ويربءون نفوسهم عىل ذ ك ‪ ،‬فالالئق عكس ذ ك‬
‫‪ ،‬وابلول اذلي هو وقوف عىل رؤية الش ياء دون هللا ‪ ،‬وبذ ك هكل‬
‫اجلم الغفري ابعرتاضهم عىل هللا فامي قىض ‪ ،‬وتربهمم مما يف مملكته آمىض من‬
‫احاةل آفعاهل امللومة عىل التقدير ‪ ،‬وجعهل ذريعة هل اىل التقصري ؛ فقد آخطأ‬
‫احلمكة ‪.‬‬
‫والوقت عند الصوفية هل اطالقات ‪ :‬مفهنم من ذهب اىل آنه ماطلبه احلق‬
‫منك ‪ ،‬ومهنم من ذهب اىل آنه لك جتيل فيه من الش ئون االلهية ‪،‬‬
‫والوقت آيضا عندمه مراعاة النفاس واعطاها ما تس تحقه من عبادة‬
‫آوعبودية آوعبودة ‪ ،‬فيس تغرقهم ذ ك عن املايض واملس تقبل ‪ ،‬ذل ك يقال‬
‫‪ :‬الصويف ابن وقته ‪ ،‬آي لك ما اقتضاه جتيل الوقت عليه كن نعته ذ ك‬
‫التجيل ‪ ،‬فلك من مل يقطع النفاس فامي طلبه احلق منه اكنت عليه حرسة ‪،‬‬
‫حفري آن يندم عىل فواهتا ‪ ،‬ويتحرس عند انكشاف خزائهنا ‪ .‬فالوقت اذا‬
‫مل تقطعه مبا طلبه احلق منك قطعك عن الطاعات ابملوت ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫الوقت در مثـــــــــــــني المرد هل واملوت يقطع عنا غــــــــــايل ادلرر‬
‫كن ابن وقتك اايك آن تصاولــــه فال ترد غري مايربزه مقــــــــــــتدر‬
‫فسمل ان كنت ذا عقل فليس هل مرد مينــــــــــــــعه من سائر البرش‬
‫مفن يرد غري ماقدره فاعلــــــــــه فوصفه اجلهل حيىك ذا عن الثــــر‬
‫فاذا علمت آن الوقت س يف قاطع ‪ ،‬رسيع املرور يفوت نفائس العامل‬
‫وسنيات الحوال ‪ ،‬قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( احالتك العامل عىل وجود الفراغ من رعوانت النفس )‬
‫‪95‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫العبد مركزه اجلسامين يف دار ادلنيا ؛ وحمتده الروجاين يف دار الخرة ‪.‬‬
‫واملركز اجلسامين فاين ومطالبه ش ىت ‪ ،‬واحملتد الروحاين ابيق ومطلبه واحد‬
‫‪ .‬فالعامل وان كرثت آجناسها وتعددت آنواعها مفرجعها اىل شئ واحد ؛‬
‫هو هللا عز وجل ‪ .‬فاذا طالبه هذا العامل الروحاين ابلعمل بسائر آنواعه‬
‫سواء اكن العمل ابلراكن آوابجلنان فالواجب عليه اجابته ‪ ،‬وقطع دواع‬
‫آشغاهل اجلسامنية ‪ ،‬فاذا آجاب العامل الروحاين وترك آشغال العامل اجلسامين‬
‫فذ ك هو الكيس الفطن ؛ بشهادة رسول هللا صىل هللا عليه وسمل بذ ك‬
‫‪ ،‬وثناء هللا عليه بقوهل { اهنم اكنوا يسارعون يف اخلريات } [ الية ‪90‬‬
‫النبياء ] وقول رسول هللا صىل هللا عليه وسمل " الكيس من دان نفسه‬
‫ومعل ملا بعد املوت " والرعونة يه امحلاقة ‪ ،‬قال صىل هللا عليه وسمل يف‬
‫شطر احلديث " والمحق من اتبع نفسه هواها ‪ ،‬ومتىن عىل هللا الماين "‬
‫ومن مجةل ذ ك آنه مهنمك يف آشغاهل ادلنياوية ‪ ،‬ولك شغل مهنا تتودل منه‬
‫آشغال كثرية ‪ ،‬فاذا مل يهنض عن فرتته ويستيقظ من رقاد غفلته جفدير آن‬
‫تطول حرسته ‪ ،‬وتتواىل عليه مدهلامت ضاللته ؛ اما آن خيتطفه املوت‬
‫عىل حني غفةل آويركن اىل ادلنيا ونيس قرب نقلته ‪ .‬واملوفق املميون من‬
‫اس تغمن فرصة االهمال ‪ ،‬وقطع عالئق الشغال ‪ ،‬وابدر الايم والليال ‪ ،‬ومل‬
‫يلهه عن ذكر هللا مال والعيال ‪ ،‬وقام بعبادة هللا عىل لك حال ؛ مرض‬
‫آوحصة ‪ ،‬فقر آوغىن ‪ ،‬صيف آوش تاء ‪ ،‬سفر آوحرض ‪ ،‬اىل غري ذ ك من‬
‫تقلب الحوال فمل يدر مىت تفجأه قواصف الجال ‪ ،‬وتغريات الحوال ‪.‬‬
‫شعرا ‪:‬‬
‫ايمن يريد خروجا من مــــــــــأربه عالم تطلب جماال ليس تدركــــــــه‬
‫‪96‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ان شئت تفرغ عن شغل فأتـركــــه‬ ‫فاهنض عىل ضعفك املقدور فأت به‬
‫غريه ‪:‬‬
‫رعونة النفس آن توعدك ابلعمل وتستبد اىل الشهوات والكسل‬
‫وتنيس املرء منا رسعة الجـــل ويعرتيه بذاك اهلم واملــــــــــــلل‬
‫فاذا آقامك احلق يف عبادته ‪ ،‬واس تعمكل بأعامل طاعته فمل تمت عبوديتك‬
‫اال ابلتسلمي هل يف آمر ربوبيته ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( التطلبه آن خيرجك من حاةل يس تعمكل فامي سواها ‪ ،‬فلو آرادك‬
‫الس تعمكل من غري اخراج )‬
‫التطلب آهيا املؤمن الرايض بتدبريه واختياره ؛ اخلاضع حتت آمره واقتداره‬
‫آن خيرجك من حاةل هو مرتضهيا ك ومقدرها عليك ‪ ،‬وان خالفت مرادك‬
‫وانقضت طبعك ‪ ،‬وانفرت هواك ‪ ،‬فهو آعمل مبافيه منفعتك ‪ ،‬فال ينبغ‬
‫ ك آن تعرفه مبا يصلحك وتذكره مبا ينفعك ‪ .‬فاذا طلبت منه فاطلب آن‬
‫يرزقك حسن الدب معه ‪ ،‬وترك االعرتاض عليه ‪ .‬فافهم ماعىل من‬
‫الدب مع هللا س امي فامي اس تأثر بعلمه دون خلقه ‪ ،‬فاذا آقامك يف حاةل‬
‫دينية آودنيوية مل يطالبك العمل ابخلروج عهنا ومل يذهما منك ‪ ،‬فالدب آن‬
‫التتحمك وتتخري عىل هللا ابخلروج عهنا ‪ ،‬فلو آراد ذ ك الس تعمكل فامي‬
‫طلبت من غري اس تعامل خروج منك ؛ كام آدخكل واس تعمكل فامي آنت‬
‫فيه ومل تكن طلبت ادلخول فهيا قبل ‪ ،‬فطلب العبد ذل ك لفرط غباوته‬
‫وهجهل بربه ‪ ،‬حيث اس تدرك عليه يف علمه ‪ .‬وان اكنت تكل احلاةل غري‬
‫مالمئة هل ومنغصة لذلته ؛ حفق العبودية آن اليتعرض واليتربم بل يقبل لكام‬

‫‪97‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫آبرزته الربوبية ‪ ،‬وتكون حالته الرضا ‪ ،‬فان مل يقوى عىل ذ ك فالصرب ‪،‬‬
‫فهو رخصة يف العبودية ‪.‬‬
‫واحلاةل يه لك مااكن العبد فيه سواء اكن من قبيل احلراكت اجلسامنية‬
‫ومن قبيل اخلطرات واالرادات القلبيات ‪ .‬وآما اذا اكنت تكل مما فيه‬
‫مناقضة للعمل ؛ ومباينة للمر فينبغ آن يرضع اىل هللا ويبهتل يف اخراجه‬
‫‪ ،‬فليس ذ ك مما هنيى عن الطلب فيه املصنف ‪ ،‬بل ذ ك مما يقتضيه‬
‫الكمه ‪ ،‬آويف حاةل قصور آوفتور فينبغ آن يطلب من هللا املزيد كام‬
‫ندب نبيه صىل هللا عليه وسمل املتخلق بأعىل مراتب العبودية ‪ ،‬اذلي‬
‫خص من الدب بأمكهل ‪ ،‬ومن العمل بأفضهل ‪ ،‬حيث قال هللا عز وجل يف‬
‫حقه ‪ ،‬وتنبهيا لدابء آمته { وقل رب زدين علام } [ الية ‪ 114‬طه ] وقال‬
‫يف حق من طلب اخلروج من املأم { ربنا آخرجنا من هذه القرية الظامل‬
‫آهلها واجعل لنا من دلنك وليا واجعل لنا من دلنك نصريا } [ الية ‪75‬‬
‫النساء ] فالطلب احملضور هو آن تطلب اخلروج من حاةل مرضية اىل حاةل‬
‫آخرى مل ينص هللا والرسوهل عىل تفضيلها عىل ما آنت علهيا ‪ ،‬فتكون‬
‫اكملس تدرك عليه يف علمه ‪ ،‬ومعرتض يف حمكه ‪ ،‬فالخيفى مايف ذ ك من‬
‫سوء الدب ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫اليطلب العبد آن خيرجه س يده من حاةل يرتضهيا قامه فـــــــــــهيا‬
‫فلو آرادك لن احلمك يف يــــــده الس تعمكل قبل آن تظهر مبادهيا‬
‫فنسأل هللا حسن العافية فامي قىض ‪ ،‬واخلرية فامي اس تعمل وآمىض ‪ ،‬فشأن‬
‫العبد آن مييض يف مراد س يده ‪ ،‬والترشف نفسه اىل جزاء عاجل من‬
‫‪98‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫قبيل الحوال ‪ ،‬والثواب آجل يف الخرة من قبيل ادلرجات ‪ ،‬بل يكون‬


‫عبدا حمضا ‪ ،‬آمره س يده فامتثل آمره ‪ ،‬وهناه فاجتنب هنيه ‪ .‬ذل ك قال‬
‫املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( ما آرادت مهة سا ك آن تقف عندما كشف لها اال واندته هواتف احلقيقة‬
‫‪ :‬اذلي تطلب آمامك ‪ ،‬والتربجت ظواهر املكوانت اال اندته حقائقها ‪{ :‬‬

‫امنا حنن فتنة فال تكفر } [ الية ‪ 102‬البقرة ]‬


‫االرادة حاةل قلبية يتبعها العزم ويه آثر امسه املريد ‪ ،‬ويه واجبة يف حق‬
‫هللا تعاىل ؛ آحد صفات املعاين وبرهاهنا التخصيص ‪ ،‬ويف حق العبد‬
‫جائزة انقصة ‪ ،‬ويه آن نفوذ ارادة العبد متوقفة عىل س بق ارادة هللا ‪،‬‬
‫فان وافقهتا معلت حسب ماقدر آن تعمهل ‪ .‬واهلمة يه العزمية اليت تصدر‬
‫عن االرادة ؛ ويه مبادي احلراكت القلبية ‪ ،‬ومهنا تظهر عىل احلراكت‬
‫الفعال املرادة ‪ ،‬ومهة السا ك آبلغ اهلمم ‪ ،‬لن مهته مجموعة من متفرقات‬
‫الشغال ‪ ،‬فذل ك عند توهجها للمر املهم تنفعل هبا آمور خارجة عن‬
‫اقتدار البرش ‪ ،‬ومهة السا ك الصادق جادة يف سريها يف مفاوز اجملاهدة ‪،‬‬
‫وعاكفة بلكيهتا عىل ارادة املواهجة واملواصةل ‪ ،‬فاذا كشفت لها النوار اندهتا‬
‫الرسار من وراء الس تار ‪ :‬اايك والوقوف مع الغيار ‪ ،‬والهاتف يكون‬
‫معنواي علامي ‪ ،‬وقد يكون حس يا جسميا ‪ ،‬والهواتف االلهية تطرق طروقا‬
‫آوترمق رموقا تفهمها من آيده هللا بنور املعرفة احلقية ‪ ،‬فاذا آراد آن يقف‬
‫يظن آنه وصل اىل املراد ؛ رمقته العني الرسية ‪ ،‬وطرقته النفثات الروحية‬
‫‪ ،‬واندته اللسن القربية ‪ :‬ان احلقيقة املطلوبة آمامك جفد يف السري ؛ فعن‬

‫‪99‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫قريب يرفع عنك جحاب الغري ‪ ،‬ويقول بعد الضري ‪ ،‬وآين الوصول وآنت‬
‫ابق بأوصافك ‪ ،‬مفىت بق ك وصف فأنت حمجوب ‪ ،‬فعند حتقيق‬
‫الوصول تفىن ارادتك ومتحى نعوتك ‪ ،‬فاايك والوقوف مع وصفك فتكون‬
‫حمجواب مبا تظن انه كشف ومبعد مبا تظن آنه قرب ‪ ،‬فأمامك املقصد حىت‬
‫يكون آمامك وراك ‪ ،‬وصباحك مساك ‪ ،‬فأنت مادمت بني هجاتك ويف‬
‫مضيق صفاتك ‪ ،‬وحتت جحاب ذاتك ‪ ،‬فأنت بعد مل تصل اىل بغيتك ومل‬
‫تنل آمنيتك وال تربجت ظواهر املكوانت اال اندته حقائقها ‪ .‬التربج هو‬
‫التكشف عن الزينة ‪ ،‬آي ماانكشفت للسا ك الصادق ظواهر زينة‬
‫املكوانت ادلنياوايت ‪ ،‬واملدرجات الخروايت ‪ ،‬واملقامات امللكوتيات ‪،‬‬
‫والعوامل الساموايت ‪ ،‬والكواكب العلوايت ‪ ،‬والفالك الروحيات ‪ ،‬والصور‬
‫الكرس يات ‪ ،‬والعلوم اللوحيات ‪ ،‬والرسار العرش يات ‪ ،‬والكرايس‬
‫اجلربوتيات ‪ ،‬اىل غري ذ ك مما يسع كشفه لغري آههل اال اندته حقائقه اذلي‬
‫هبا حسنت ‪ ،‬وهبا وجدت ‪ ،‬ومن بديع س ناها اش هترت ‪ .‬لهنا هلل انطقة‬
‫‪ ،‬وهلم مفاوضة ‪ :‬امنا حنن دون موجدان ‪ ،‬ومبدع حسننا ‪ ،‬ومظهر نوران ‪،‬‬
‫وما ك آمران ‪ ،‬ومدبر خلقنا ‪ ،‬ومعريان من ابيه جامهل جاملنا ؛ فتنة‬
‫واختبار ملن وقف به عند ظهوران ‪ .‬فاايك والوقوف ‪.‬‬
‫فهذه وما آش هبها من نصاحئ هواتف احلقائق ملن س بقت هل من هللا هداية‬
‫‪ ،‬ومن عليه بنور الوالية ‪ ،‬فلك من اكن هللا معه ابلعون والتويل ؛ اكنت‬
‫سائر الكوان تناديه بأرسارها ‪ ،‬وترشق عليه بأنوارها ‪ ،‬وختربه مبنافعها‬
‫ومضارها ‪ .‬فال يزال يرتىق يف مراتب الوجود ومنازل الشهود ‪ ،‬ويه‬
‫تكسوه علوما ومتنحه فهوما آبدا كذ ك حىت خيرج عن العوامل الكونية ساملا‬
‫‪100‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫من فتهنا ‪ ،‬معافا من وبيل حمهنا ‪ .‬ويلقى يف مي التوحيد وجلة التفريد وقضاء‬
‫تفرقة التعديد ‪ .‬مفن وقف مع شئ دون هللا فهو اكفر ‪ ،‬آي ساتر ‪ ،‬مبعىن‬
‫آنه ساتر وجود احلق بثبوت شئ معه ‪ .‬وقد علمت آنه اليثبت مع ظهوره‬
‫شئ ‪ ،‬مفا آثبت شئ اال وقد سرت عنه وجود وحدانية احلق ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫فال تقف مهــــة من دون مقصدها اال آجاب دلهيا السع والمــل‬
‫شفان ومه ومرص الظن ابلوشل‬ ‫فكيف من وابل التحقيق يقنــــعها‬
‫هال ختاطبك الرسار ابملقــــــل‬ ‫ايمن تربج هل الكوان ظاهرهــــــا‬
‫ان كنت تطلب من القوال آحس هنا فامسع نصاخئ التغـــــــــرت ابللكل‬
‫فان اكنت الزينة دنيوية ففتنهتا ظاهرة جلية ‪ ،‬وان اكنت من قبيل‬
‫ادلرجات الخروية والحوال السنية ففتنهتا ابطنة حقية ‪ .‬فالوقوف مع‬
‫زينة ادلنيا غرور ‪ ،‬والمتسك هبا قطيعة ‪ .‬وان اكنت من قبيل ادلرجات‬
‫والحوال فالوقوف جحاب عن منازل الشهود واالقرتاب ‪ ،‬فالنظر اىل زينة‬
‫ادلنيا حال الضالل واجلهال ‪ ،‬والنظر اىل هبجة الحوال والوقوف دون‬
‫مراتب الكامل شان من مل يؤهل للوصال ؛ ومل يطالع مرشقات امجلال‬
‫وحمرقات اجلالل ‪ ،‬ومل جيتىل لروحه خمدرات احلقائق من آفق مشارق‬
‫مشوس الرسار ‪ .‬فنسأل هللا هداية وتوفيقا وصوااب وحتقيقا ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫فليس للسا ك احملفوظ من آرب اال اقتناص رصحي الكشف والدب‬
‫ان احلقائق نـــادت لك مكتسب اىل سلوك طريق احلــــــق والسبب‬
‫فال تقف فاذلي تطلــــبه مغرتب وراخب الكون جز الكوان واقرتب‬

‫‪101‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فاذا اكن المر كذ ك ‪ ،‬آي مل يصل رتبة الوصل اخلاص اال مبحو‬
‫الوصاف ‪ ،‬وحمو الوصاف يقتيض احلضور ؛ ومع هذا فالعبد مطالب‬
‫ابلدب يف الطلب‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( طلبك منه اهتام هل ‪ ،‬وطلبك هل غيبة عنه ‪ ،‬وطلبك لغريه لقةل حيائك‬
‫منه ‪ ،‬وطلبك من غريه لوجود بعدك منه )‬
‫فهذه آربعة آقسام ‪ :‬قسامن ظلامنية كثيفة لهل البعد والضالل ‪ ،‬وجحب‬
‫نورانية لهل الوقوف مع الس باب ‪ .‬ولك جحاب آكثف من قس ميه ‪،‬‬
‫فطلبك منه مامضنه ك ووعدك اايه اهتام هل يف وعده واس تعجال ملا مضنه‬
‫‪ ،‬فذ ك ذنب عند العارفني وقةل آدب عند املوحدين ‪ .‬والخيفى مايف ذ ك‬
‫من املناقضة حلاةل العبودية ‪ ،‬فال ينبغ للعبد آن يعرف س يده اذلي‬
‫اليعزب عنه مثقال ذرة يف الرض وال يف السامء وال آصغر من ذ ك وال‬
‫آكرب ‪ ،‬واذلي تطلبه آما آن يكون نفع آودفع ‪ ،‬ولك صادر عن جتيل امسه‬
‫وظهور وصفه ‪ ،‬فكيف تطلبه رفع ما آنزهل وهو مل يربزه اال وقد قدر وقته‬
‫وحمهل وعينه وماهيته ووضعه ‪ ،‬اللهم ال آن يكون طلبك الظهار وصف‬
‫ضعفك وحتقيق فقرك ‪ ،‬وتعلقا بقوته وغناه ‪ ،‬وامتثاال لمره حيث ندبك‬
‫اىل دعائه الكراهة وتربما لقضاه ‪ ،‬وكذ ك دعاك جللب منافعك وانزال‬
‫مصاحلك ‪ .‬كذ ك الينبغ آن تكون يف دعائك هل متحكام عليه ‪ ،‬بل تدعوه‬
‫مع تفويض اخلرية اليه فامي هو النفع ك من حصول غرضك آوعدمه ‪،‬‬
‫واظهارا لفاقتك اليه وقةل حيلتك يف ايصال منافعك ومنال مأربك ‪ ،‬فليكن‬
‫العبد يف دعائه مراع الدب ‪ ،‬فال يكون الباعث هل غري امتثال المر ؛‬
‫ال لغراضه فهو آعمل بوقت حصولها ‪ ،‬ففوض ذ ك اىل علمه ‪ ،‬وليكون‬
‫‪102‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اعرتافا واظهارا لفاقتك ‪ ،‬وحتقيق ضعفك وعدم حو ك وقوتك ‪ ،‬وشهود‬


‫وصفه ونفوذ قدرته ومشول حوهل وقوته ‪ .‬مفىت كنت كذ ك كنت عبدا‬
‫مصيبا همذاب دينيا ‪ ،‬واذا كنت تطلب منه والتطالب نفسك هل كنت‬
‫ابجلهل موصوفا وابمحلاقة معروفا ‪ ،‬وقد اهتمته فامي وعد واستبطأته فامي مضن‬
‫‪ ،‬وذ ك غاية اجلهل ابهلل وبأوصافه ‪ ،‬وطلبك هل لوجود جحابك عنه ‪ ،‬فأي‬
‫وجود لغريه معه ‪ .‬فلو كنت ذا كشف جيل ‪ ،‬وشهود قليب مل تر لغريه‬
‫وجود ‪ ،‬ومل يظهر لسواه شهود ‪ .‬فكيف تطلبه وبه قام وجودك وحتقق‬
‫شهودك ‪ ،‬وبقيوميته قام الوجود بأمجعه ‪ ،‬مفىت غاب حىت يصدق عليه‬
‫الفقد ‪ ،‬فالعارف يطلب وجود نفسه ليقيض بوجودها حق معبودها ‪ ،‬فمل‬
‫جيد هنا ك اال عبودية ملعبود يف صورة عبد قام ملعبوده ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫فامي وعد جل من قد قدر القسم‬ ‫فكيف يهتم اخملــلوق خالقه‬
‫اال اذا القــــلب مل يستنج احلمك‬ ‫فاليطالب ابملضمون رازقه‬
‫غريه ‪:‬‬
‫من قبل مظهرها يف عامل النسب‬ ‫ماغاب من آودع العيان خالقها‬
‫تشهد مبظهره دان ومقــــــــــرتب‬ ‫فكيف تطلب والكوان آمجعـــها‬
‫وطلبك لغريه لقةل حيائك منه ‪ ،‬فكيف يؤثر عليه ومجيع احملاسن واملأرب‬
‫وعاليات املطالب دليه ‪ ،‬وانهيات احملاسن وغرائب طرائق امجلال صادرة‬
‫عن س ناء حماس نه ‪ ،‬وجمتناة من دوحة روض كامهل ‪ ،‬فكيف التس تح منه‬
‫وهو معك كام ترى جبميل رآفته ‪ ،‬وعطف حمبته ‪ ،‬وعظم رمحته ‪ ،‬وحفظه‬
‫والكءته ‪ ،‬ومجيل مودته ؛ يرقيك حني تغفل عنك العيون ‪ ،‬وحيفظك اذا‬
‫خال عنك النيس ‪ ،‬ويؤنسك اذا آوحشك اجلليس ‪ .‬فكيف تطلب غريه‬
‫‪103‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وهو يطلبك فرتغب اىل سواه وهو يقربك ! ماهذا اجلفاء وقةل الوفاء !‬
‫آتطلب من اذا رآى ك عورة هتكها ؛ ولوبيده نعمة عنك آمسكها ‪ ،‬ومع‬
‫ذ ك هو عاجز عن ايصال منافعه لنفسه وعن دفع مضاره ‪ ،‬وهو عن‬
‫ايصال املنافع ودفع املضار عن غريه آجعز ! فكيف تطلب وتدعو من هو‬
‫عنك غافل وجنم وجوده آفل ‪ ،‬آما يطرقك احلياء من هللا آنه يطلبك‬
‫حلرضته وحمل رضوانه وشهوده يف فس يح جنانه وآنت شارد رشود البعري‬
‫عن آههل ؟ وتطلب ماليس ينفعك دونه وهو آيضا غافل عن دعاك يف‬
‫صباحك ومساك ‪ ،‬وماتريد شئ دون وصاهل ‪ ،‬وماذا يغيبك عن شهود‬
‫جامهل وظهور كامهل ‪ ،‬وهو يريد آن تكون من اخلدام ويزن ك يف داره دار‬
‫السالم ‪ ،‬وحيييك فهيا ابلسالم ‪ ،‬ويتحفك بذليذ الالكم ‪ ،‬وجيعكل من‬
‫آهل حرضته وخواص حمبته ‪ .‬فاذا علمت ذ ك جفدير بك آن التطلب‬
‫سواه يف آرضه وسامه ‪ ،‬واال نودي عليك ابلمة يف يف عرصات القيامة ‪،‬‬
‫وتومس ابلمه حيث طلبت غريه ‪.‬‬
‫يروى عن الش يخ اجلنيد ريض هللا عنه آنه اكن جالسا يف آحصابه اذ آتته‬
‫امرآة ختامص زوهجا اليه ‪ ،‬فقالت ‪ :‬ايش يخ آان زوجة هذا الرجل وقد تزوج‬
‫عيل امرآة غريي ؟ فقال لها الش يخ ‪ :‬هل ثالث غريك ‪ ،‬آوكامقال ‪ ،‬فقالت‬
‫هل ‪ :‬ايش يخ لوجيوز كشف وجه الجنبية لكشفت ك عن وهجي ‪ ،‬فلو‬
‫رآيتين حلمكت بأن مثيل اليؤثر عليه ‪ ،‬فصاح الش يخ عند ذ ك حىت غيش‬
‫عليه ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫من طلب غــريه بأء منه بعتب ووبيل قبح وشني مـــــالم ؟‬
‫لك شئ دونه من قصوروغرب وفتوح و‪.......‬نيل مقــــــام ؟‬
‫‪104‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فهو للواقفني غـــــــرور وجحب ومىن العارفني هو والسالم‬


‫وطلبك من غريه لوجود بعدك عنه ‪ ،‬فأدل شئ عىل بعدك عنه آن تطلب‬
‫من غريه ماهو موجده وبيده خزائنه ‪ ،‬فهذا بعد احلجب الظلامنية ‪ ،‬وآكثف‬
‫الغش ية القلبية ‪ .‬وآقبح احلاالت النفس ية آن تزنل حاجتك مبن هو كذ ك‬
‫جفدير آن خييب آمكل ؛ وتولك اىل من يسلمك آحوج مايكون اليه وتربآ‬
‫منك ‪ ،‬وتفتضح بني الشهاد ومتقت عند العارفني وهتان عند املوحدين‬
‫وتنىس عند اذلاكرين ‪ " .‬من آنزل حاجته بغري هللا مل تقض حاجته "‬
‫احلديث ‪.‬‬
‫فلو آردت قضاها لقصدت اببه وتعلقت جبنابه وابهتلت يف طالبه ‪ ،‬وقل ‪:‬‬
‫اللهم اين انزل بك حاجيت وان قرص رآيي وضعف معيل ‪ ،‬فأسأ ك اي‬
‫قايض المور وايشايف الصدور ‪ .‬مفن نزل عن هذه الرتبة فقد انكفأ به‬
‫رصاط االس تقامة يف انر البعد عن الكرامة ‪ ،‬وهيان يف العيان عن‬
‫القايص وادلان ‪ ،‬فاليرى هل حرمة ويس تعبده الخساء اللئام ‪ ،‬وحيقر يف‬
‫آعني الكرام ‪ ،‬فهو آضل من النعام سبيال ‪ .‬ويف هذا املقام تظهر املعايص‬
‫والاثم القليبية ‪ :‬اكلكذب واخللف للوعد واخليانة والفجور ودلادة اخلصام ‪،‬‬
‫وغري ذ ك مما يطول تعداده من املعايص الظاهر والباطنة ‪ ،‬آعاذان هللا‬
‫واملسلمني مهنا ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫فلك آمر حتاوهل وتطلـــــــــــبه فانزهل ابهلل تلق العــــــــــز والظفر‬
‫انء عن القرب ابقىص البعد يف النظر‬ ‫مفن طلب من سواه نيل مطلبه‬

‫‪105‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فاذا طلبت فاطلب من هللا ‪ ،‬واذا اس تعنت فاس تعن ابهلل ‪ .‬وآمه ذ ك آن‬
‫تطلب منه آن ييرس عليك ويقميك فامي هو طالبك به من آداء حق‬
‫العبودية ‪ ،‬والقيام ابحلقوق ونس يان احلظوظ ‪ ،‬ذل ك قال ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫(ما من نفس تبديه اال وهل قدر فيك ميضيه )‬
‫النفاس ظروف ورسل حامةل اىل العبد من هللا ما آودعه فهيا من آرسار‬
‫قدره وآصناف غريه ‪ ،‬والرسول راجع اىل مرسهل ؛ آما مكرما شاكرا ملن نزل‬
‫به اذا آكرمه واحرتمه ‪ ،‬وكرامته ابس تعامهل فامي خلقت من آجهل ‪ ،‬واحرتامه‬
‫صيانته عن اس تعامهل يف قاذورات املعايص ورذائل الشهوات ‪ ،‬فاذا‬
‫اس تعمهل حبسب مايعطيه الوقت آن جيىل عليه ابلنعم ‪ ،‬فبالشكر‬
‫آوابلطاعة فبشهود املنة ‪ ،‬آوابلبلية فبالصرب ‪ ،‬آوابملعصية فباالس تغفار ‪،‬‬
‫فيعود مبقابةل ما آهداه بعمل مريض آوخلق س ين آوحال س ئي ‪ ،‬فيشكرك‬
‫بني املالء العىل ويكون ذ ك العمل خزانة مدخرة عند هللا ‪ ،‬اليتطرق‬
‫الهيا تغيري ‪ ،‬ويصري ذ ك النفس يح يف صورة نورانية قامئ هلل اىل آن‬
‫يعيده هللا اليك يف يوم امجلع ‪ ،‬فيعود اليك شاكرا لفضكل ذاكرا ‪ ،‬فيذكرك‬
‫عند هللا كذ ك ويشفع فيك من مجةل الشفعاء ‪ ،‬ويثين عليك غاية الثناء ؛‬
‫حيث آكرمته يف دار ادلنيا آن يكرمك يف لك موقف من مواقف الخرة ‪،‬‬
‫وحيث آجبته آن جييبك ‪ ،‬وحيث آنس ته آن يؤنسك ‪ ،‬وحيث رفعته آن‬
‫يرفعك كذ ك جزاء وفاقا ‪ .‬هذا ان اكن مما يقابل الشكر ‪ ،‬وان اكن من‬
‫قبيل الصرب آوشهود املنة آو ٍاالس تغفار اذا مقت هبذا كذ ك حيث اقتضاها‬
‫وارد الوقت ؛ ان اكن الصرب عاد مس بحا ‪ ،‬آوشهود املنة عاد مشاهدا ‪،‬‬
‫آواالس تغفار عاد مس تغفرا ‪ .‬م يعود يف يوم اجلزاء يودي اىل صاحبه ما‬
‫‪106‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫آمتنه فيه من رس ذ ك العمل ‪ ،‬حفق عىل العبد آن اليش تغل اال بأداء‬
‫حقوق واردات القدار ـ فللرسول حق عىل من نزل به آن يكرمه وحيرتمه‬
‫لكرامة مرسهل وحرمته ‪ ،‬كيف وذ ك عائد عليك وراجع رسه اليك ‪،‬‬
‫فالهيمل النفاس اال الغافلني الجناس ‪ ،‬اذلين حيوهيم االبالس عند ظهور‬
‫الباس ‪ ،‬كام قال هللا عز وجل { وآنذرمه } آي حذرمه { يوم احلرسة‬
‫} وهو يوم يعود عليك ما آسلفته { اذ قيض المر } وهو املوت‬
‫احملتوم والجل املعلوم { ومه يف غفةل } عن هللا وعن حقوق هللا {‬

‫ومه اليؤمنون } [ الية ‪ 39‬مرمي ] مبا وعد هللا وآوعد ‪ .‬فاذا مل تكرهما كذ ك ؛‬
‫وقتلهتا ابلغفةل وآهنهتا ابس تعاملها يف غري ما حيمد فرتجع اىل هللا ويه ذامة‬
‫‪ ،‬و ك خمامصة ‪ ،‬وتعود عليك يف يوم اجلزاء مبا آودعته عندها ؛ آما حية‬
‫آوعقرب آوانر آوظلمة آوغري ذ ك من آصناف الناكل حسب ذ ك العمل‬
‫اذلي آودعهتا اايه { ان هللا اليظمل الناس شيئا }[ الية ‪ 44‬يونس ] قال‬
‫صىل هللا عليه وسمل فامي يرويه عن ربه تبارك وتعاىل " ابن آدم امنا آعاملمك‬
‫آحصهيا م آوفيمك اايها مفن وجد خريا فليحمد هللا " يعين اذلي وفقه لها‬
‫وحفظها هل ومناها عنده وآعانه عىل القيام هبا ومدحه عىل ذ ك وآجزاه ‪،‬‬
‫وآهلمه اايها بعد مل يكن يعرف مقاصدها ‪ " .‬ومن وجد غري ذ ك فال يلومن‬
‫اال نفسه " فهو آمات آنفاسه ابلغفةل ‪ ،‬وضيع آمانة هللا دليه ‪ ،‬فأمات‬
‫النفاس ابملعايص وعطلها ابلغفةل ‪ ،‬مفا آجدره ابلندامة حيث آتته آمانة هللا‬
‫وآضاعها ‪ ،‬وهدية هللا ومل يكرهما بل تركها خزائن فارغة عن متاعها ‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فالنفاس قيام ابلعبد ثالثة ‪ :‬آماجوهرة القمية لها لنفاس هتا ؛ وهو لك نفس‬
‫آحياه بذكر هللا ‪ ،‬آومعل من آعامل الطاعة ‪ ،‬وآما بعرة القمية لها خلس هتا ‪،‬‬
‫وهو لك نفس خرج مع غفةل ‪ ،‬وآما حرسة الآخر لها وهو لك نفس‬
‫اس تعمهل يف معصية ‪ .‬فهذه الثالثة الحوال الزمة للك نفس من آنفاس‬
‫االنسان ‪ .‬وهل من النفاس يف اليوم والليةل آربعة وعرشون آلف جوهرة‬
‫من جواهر احلقائق االلهية ‪ ،‬والرسار الرابنية ‪ ،‬وادلرجات الخروية اذلي‬
‫انهتيى صاحهبا اىل دار السالم ‪ ،‬موضع سوط مهنا خري من ادلنيا ومافهيا ‪،‬‬
‫فكيف حال من استبدل هبا آربعة وعرشون آلف نوع من آنواع الناكل‬
‫وادلراكت الظلامنية العدلية ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫ان النفائس يف النفاس مودعــــــة فليقتنصها آويل اللباب والفطـن‬
‫فمك حوت من جعائب رس مكــرمة يذوقها من جتـــــــاىف ذلة الوسن‬
‫يف طهيا عمل تكوين ومعـــــــــــــرفة من انلها قام مهناجه عىل السـنن‬
‫مفن يرى ذا يرى الكوان حممكــــــة عىل دوائر آنفاس من املــــــــنن‬
‫فال يقوم النفاس اال آقطاهبا اذلين كشف هلم عن مراد هللا فهيم وهبم يف‬
‫لك نفس ‪ ،‬فيتلقوهنا ابالكرام قبل بروزها عندمه ‪ ،‬وعند بروزها يقومون‬
‫حبق عبودية احلق فيكتس بون من عمل التكوين والتعرف مايرحج بأعامل‬
‫املتقني ‪ ،‬وذ ك هلم يف لك نفس كام يرى آن مشتة من عارف توازي معل‬
‫الثقلني ‪ ،‬وهو اذلي رحج آبوبكر الصديق ريض هللا عنه المة ومه آرابب‬
‫احلقائق ‪ ،‬وهلم عالمات يعرفون هبا آقطاب هذا املقام ‪ .‬مفن مجلهتا ‪ :‬آهنم‬
‫يف عامل الربزخ آحياء حبياة خاصة هبم يشهد هبا آرسار العامل ‪ ،‬ويتذلذون‬
‫بذ ك اليقطعها علهيم املوت كام يقطعها عىل غريمه ممن اكن هيمل النفاس‬
‫‪108‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫واليعبأ هبا ‪ ،‬واليعرف زايدته فهيا من نقصانه مهنا ‪ ،‬مفا يقوم هبا غري من‬
‫خرج عن آوصاف البرش ‪ .‬كام يروى عن بعض سادتنا العلوية ريض هللا‬
‫عهنم ‪ ،‬وذ ك س يدان وموالان معر بن عبدالرمحن السقاف ريض هللا عنه‬
‫آنه قال ‪ :‬ان يل يف لك نفس آلف من ايحفيظ ‪ .‬آنظر كيف وسع هللا هل‬
‫نفسه حىت يقيض فيه حق هللا اذلي يقتضيه منه ‪ .‬وآمه ماهناك حفظ‬
‫املقام عىل ادلوام ‪ ،‬ذل ك اكن تعلقه ابالمس احلفيظ ‪ ،‬هذا ملن شهد دقة‬
‫املقام عىل النفاس ونفاس هتا ‪ ،‬فأقل قامئ عندمه من قام بشكر ظاهرها‬
‫وهو آربعة وعرشون آلف محد ‪ ،‬فأين من اكن هذا مقامه وحال من‬
‫حاالت احملتبلني حببائل البرشية اذلين شغلهتم الشهوات احليوانية عن القيام‬
‫ابلوظائف احلقية ‪ .‬فنسأل هللا آن يلحقنا بأوليائه ‪ ،‬وينظمنا يف سكل‬
‫آصفيائه ‪ ،‬انه ويل ذ ك ‪ ،‬واملأمول ملا هنا ك ‪ .‬فلام اكن املطلوب من العبد‬
‫مراعات النفاس يف لك آن من غري انتظار زمان والماكن ؛ قال املؤلف‬
‫ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( الترتقب فراغ الغيار ؛ فان ذ ك يقطعك عن وجود املراقبة هل فامي هو‬
‫مقميك فيه )‬
‫وذ ك لن فراغ الغيار وانقطاع الاثر الينقطع عنك مادمت مقامي يف هذه‬
‫ادلار ‪ ،‬مفن راقب فراغها ضيع ماهو املطلوب منه ؛ وذ ك مراقبة هللا فامي‬
‫يقميك ‪ ،‬فال جتمتع مراقبة هللا ومراقبة غريه ‪ ،‬فاملراقبة ملا يتجىل به من‬
‫الوصاف والنعوت ‪ ،‬واحملاس بة عىل ما يظهر عىل العبد من الالكم‬
‫والسكون يف سائر العامل ‪ .‬مفن فاته مقام احملاس بة فاته حق العبادة‬
‫ظاهرا ‪ ،‬ومن فاتته املراقبة فاتته العبودية ابطنا ‪ ،‬مفىت خيلون عن املطالبة‬
‫‪109‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ابلقيام ابلعبادة والعبودية حىت يرتقهيا يف آن اثن ‪ ،‬وترقب فراغ الغيار‬


‫وانقطاع آاثر جحابه عن شهود النوار ‪ .‬فالفقري الصادق يقطع لكام عرض هل‬
‫من عوارض الغيار ‪ ،‬ويزيل عن وجه قلبه كثيف الاثر ؛ مبوالاة الذاكر‬
‫وصايف الفاكر ‪ .‬فاليرتقب فراغ الغيار وليكون حبمك وقته ‪ ،‬فرتقب العبد‬
‫اىل ماهو آت وضياع احلال ضالل ‪ ،‬فاذا مل حتمك الوقت اذلي آنت فيه مفا‬
‫تدري مايأيت الوقت الخر وآنت ابق عىل ما آنت عليه ‪ ،‬آوقد خرجت‬
‫عن االماكن آما مبفارقة احلياة آوعدم مساعدة الوقت الخر بذ ك العمل‬
‫ ك ‪ .‬قال صىل هللا عليه وسمل ابدروا ابلعامل س بعا ؛ هل ترون اال‬
‫س بعا " وذكر مهنا املوت واملرض والهرم والفقر والغىن ؛ وادلجال رش‬
‫غائب يننظر والساعة آدىه وآمر " فعىل العاقل آن يبادر وقته قبل آن‬
‫يبدره ‪ ،‬ويقطعه ابلطاعة قبل آن يقطعه ابلفوت ‪ .‬فيقوم عىل حسب حاهل‬
‫من حصة آومرض آوغىن آوفقر آوحرض آوسفر ‪ ،‬فاليدري ماحيدثه هللا‬
‫ابلغد ‪ ،‬فاذا آحمك احلال فقد حصل عىل خري ‪ ،‬وآن تدخل النار وآنت‬
‫طائع خري من آن يدخكل اجلنة وآنت عاص فريمح هللا ابن الفارض حيث‬
‫قال يف ذ ك املعىن شعرا ‪:‬‬
‫فقم زمنا واهنض كسريا حفظك الـــ ـبطاةل ما آخرت عزما لصحيت‬
‫وكن صارما اكلوقت فاملقت يف عىس واايك عال فهي آخطر علـــــيت‬
‫فهذا وماشالكه من الرواايت والنصاحئ والتحريض عىل املبادرة ابملقدور‬
‫واالتيان ابمليسور ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫ايمن يريد فــــراغ القلب عن آرب ذا اليكون فان شئت آبدر املهل‬
‫فال تقف دون ماتطلب عىل سبب ان الوقوف علهيا آصعب العــــلـل‬
‫‪110‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فلام اكنت شواغل ادلنيا التنقيض ‪ ،‬وآفاهتا التنهتي ‪ ،‬قال املؤلف ريض هللا‬
‫عنه ‪:‬‬
‫( التس تغرب وقوع الكدار مادمت مقامي يف هذه ادلار ‪ ،‬فاهنا ما آبرزت ك‬
‫اال ماهو مس تحق وصفها وواجب نعهتا )‬
‫وآنه اليس تغرب وقوع املكدرات ووجود املنغصات للعيش ‪ ،‬املؤملات‬
‫للقلب والبدن ‪ ،‬ووقوع املصائب ‪ ،‬ونزول البالاي وحدوث املعاطب اال‬
‫مغرور خبيل ‪ ،‬وذو عقل قليل ‪ .‬فاملكدرات للعيش يف هذه ادلنيا من‬
‫قبيل املصائب ادلنياوية ‪ ،‬واحلوادث الكونية ؛ وذ ك اما بفراق حمبوب‬
‫آونزول مرهوب آوقصور عن مطلوب ‪ ،‬حاصل العبد منه املقاساة والتعب‬
‫اذا مل يعتد هل بعدة الرضا والتسلمي ‪ ،‬وفوات الثواب والجر اذا مل يتلقاه‬
‫ابلصرب ‪ .‬ومع كونه يفوته ذ ك احلال الرشيف فالمرد هل عنده حبيةل ‪،‬‬
‫والتفريق ‪ ،‬مفن آعون الس باب عىل حصول هذه الحوال اليت يه الرضا‬
‫والتسلمي الغنا عن آوصافك بأوصافه ؛ فعند فناك عن وصفك والتعلق‬
‫بوصفه يس تذل البال وتس تحليه ‪ ،‬لنك بوصفه البوصفك ‪ ،‬فال تستبعد‬
‫ذ ك ‪ ،‬كيف ودالل احلبيب آعظم ذلة من اقباهل كام يرى ذ ك من ذاق يف‬
‫هذا املشهد ‪ ،‬وحتقق بذ ك املقصد ‪ ،‬وحاكايهتم يف ذ ك تاكد خترج عن‬
‫احلرص ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫ودالهل عطف ولطف يشمل‬ ‫بالء احلبيب اىل احلبيب عطية‬
‫تثنيه عن وجه احلبيب املقبل‬ ‫اليلهي املشغوف نيل هــــــدية‬
‫وآما الصرب فأحسن مايس تعان به عىل احامتل البالء بذكر ما آعد هللا‬
‫للصابرين من عظمي املدح وجزيل العطاء يف الجل ‪ ،‬والثناء يف العاجل ‪،‬‬
‫‪111‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وتوطني القلب عىل نزول تكل املصائب قبل نزولها ‪ ،‬ويعطى هذا املقام‬
‫الفناء يف الفعال ‪ ،‬والتحقق من المتكن يف الحوال ‪ ،‬وانتظار اللطف من‬
‫دقائق الوقات ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫فليس سوى الصرب امجليل يعينه‬ ‫من اكن من حتت القضاء آمره‬
‫فاليرس يتبعه بنور يقيــــــــــــــنه‬ ‫ان املصائب وان تشدد عرسه‬
‫هذا يف املصائب ادلنياوية ‪ ،‬وآما آن يكون ذ ك التكدر من قبيل الحوال‬
‫مما يعرض للسالكني يف طريقهم من العوائق عن مقاصدمه ونيل مطالهبم‬
‫وذ ك ملا ركب فهيم من الشهوات ‪ ،‬فيلحقهم من الغفالت ‪ ،‬مفاداموا يف‬
‫هذه ادلار مفا تنفك عهنم هذه احلاالت ولو عىل الندور يف الوقات ‪،‬‬
‫ولكهنا هلم سابقة اىل اللجاء اليه اذلي هو آرشف حاالت العبودية ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫التوحشن اذا آمل بك البـــــــالء فالصرب يعقبه الهــــــنا واملغـمن‬
‫فاس تصحنب الصرب ماعشت انه ماخاب ذو صرب واليتـــــندم‬
‫هال ترى من عارف تسألـــــــنه عام هناك من املاكرم تغــــــمن‬
‫من علقم الصرب املرير لنــــــــــه صعب عىل العز اذلي اليعمل‬
‫فالق البالء بصرب ساعة انـــــــه البد جيىل ليهل املتــــــــــــعمت‬
‫فلن صربت لتحمدن يف غـــبه ان املصائب الهتني املكــــرم‬
‫هذا يف الصرب عىل البالء ادلنياوي املفيض بعد ماذكر هللا من كرامة‬
‫الصابرين ‪ ،‬وماورد من الخبار والاثر يف ذ ك ‪ .‬وآما عمل ما ادلنيا حمتوية‬
‫من مكدرات العيش وذ ك حمكه لئال يرغب فهيا ويسكن الهيا عباده ‪،‬‬
‫فهي تضيق عام آعد هلم وما يريد آن يكرهمم به من عظمي الكرامة اليت‬
‫التدخل حتت عمل عامل ‪ ،‬ومل خيطر عىل قلب برش من خف اللطاف‬
‫‪112‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وجزيل االسعاف ‪ ،‬وصفو املواهب ‪ .‬وذ ك التكدير هو ماجعهنا به من‬


‫شوب الشهوات وادلواع البرشايت ‪ ،‬والعراض اخملتلفات ‪ ،‬فال ينفك‬
‫مادام يف هذه ادلار اقامته ‪ ،‬فال تس تغرب آهيا املؤمن وقوعها ‪ ،‬واليس تقر‬
‫طلوعها ‪ ،‬فهي مل تأتك بغري حقيقة وصفها ‪.‬‬
‫وادلنيا من حيث مايطلق علهيا من اذلم هو لك ماشط بك عن الطريق ‪،‬‬
‫وتعوقت به عن الفريق ‪ ،‬وهذه يه بعيهنا شهوات ادلنيا املعتادة ‪ ،‬وآىن ك‬
‫ابخللوص عهنا ما دمت مقامي فهيا ‪ .‬ومن مكدراهتا آيضا لوازهما من وجوب‬
‫زوالها ورسعة ارحتالها وقرب انتقالها ‪ ،‬فالتتعب بغري ذ ك لنه اليوجد فهيا‬
‫غريه ‪ .‬ولك مااكن فهيا من ذلة وصفو بطاعة آوارتياح بروح وصةل مفكدره‬
‫خوف سلبه ‪ ،‬وعدم حتقيقه بلكية املقام عىل الامتم آنه يتخلف عنه من‬
‫التحقيق بقدر ماعليك من الوصاف الطبيعية الرتابية ‪ ،‬والبد وان قل‬
‫ذ ك فبحس به اذا اكن رسول هللا صىل هللا عليه وسمل يطلب اللحوق‬
‫ابلرفيق ‪ ،‬مفاذاك اال ليس تمكل مقام التحقيق وهو الاكمل املمكل صىل هللا‬
‫عليه وسمل ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫يف هذه ادلار اليس تغرب الكدر اال هجول عن التحقيق والــعــــرب‬
‫فكيف يطمع ذو عقل وذو برص يف آن يعيش يف ادلنيا بال رضر‬
‫وقد تنغص فـــــهيا آرشف البرش وسائر النبياء والولياء الغـــــرر‬
‫فلام اكن الرجوع اىل هللا يف مجيع الحوال آصوب ‪ ،‬واالتاكل عليه آنسب‬
‫؛ قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( ماتوقف مطلب آنت طالبه بربك ‪ ،‬والتيرس مطلب آنت طالبه بنفسك‬
‫)‬
‫‪113‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫آي ما اس تصعب والتأخر مطلب من املطالب ادلينية وادلنياوية املراد هلل‬


‫حبسن النية وصدق الطوية ؛ آنت طالبه وداخل فيه بربك ‪ ،‬متخلعا عن‬
‫فعكل ووصفك ‪ ،‬متربئا فيه عن حو ك وقوتك ‪ ،‬ممتساك حبول هللا وقوته‬
‫؛ اال آجنح هللا ك ذ ك املطلب ‪ ،‬ويرس عليك آس بابه ‪ ،‬وفتح ك‬
‫مغلقات آبوابه ‪ .‬والمقت يف بشئ حبو ك وقوتك معمتدا عىل علمك ومعكل‬
‫‪ ،‬ملتفتا اىل حيكل وتدبريك اال ولكت اىل ذ ك ومل تنل بغيتك ‪ ،‬وخاب‬
‫سعيك وبطل هجدك ‪ .‬فأمه آحوال املريد االس تعانة ابهلل يف لك آمر وحال‬
‫من فعل آوترك ‪ ،‬ويكون نظره واعامتده وعونه واس متداده اىل هللا وابهلل ‪،‬‬
‫فاذا اكن عىل ماذكران قابلته اللطاف وساعدته العناية ‪ ،‬ومن ساعدته‬
‫آدرك من لك آمر مراده ‪ .‬فالتولك عىل هللا نعت املؤمنني ‪ ،‬واالعامتد عليه‬
‫وصف املوحدين ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فال تشكن آن يعطى اذلي سأال‬ ‫من اكن ابهلل يف احلاجات مطلبه‬
‫ولكام حاوهل من آمـــــــــــــره انال‬ ‫ومن عط ذاك فالتوفيق يصحبه‬
‫ان اعامتدك عىل الغيـار اضالال‬ ‫والتيرس ما ابلنفس يطلـــــــــــبه‬
‫فلام اكن املطالب التقىض دون االعامتد عىل هللا وآعظمها تيسري طريق‬
‫السلوك اىل هللا ؛ قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( من عالمات النجح يف الهناايت ‪ ،‬الرجوع اىل هللا يف البداايت )‬
‫فالرجوع اىل هللا يف بداايت المور وعدم رؤية النفس يف شئ ؛ عالمة‬
‫من عالمات النجح يف هناايت املطالب ‪ ،‬والنجح هو الظفر ابملطلوب عىل‬
‫الامتم ‪ ،‬واالعامتد عىل هللا نعت املريدين الصادقني ‪ ،‬والسالكني املتداركني‬
‫‪ ،‬واالعامتد عىل غري هللا عالمة عىل القطيعة ‪ ،‬والرجوع عن املرتبة الرفيعة‬
‫‪114‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ .‬مفا رجع من رجع عن هللا اال لقةل مس تصحبه هل يف بدايته ؛ حفزم جنح‬
‫هنايته ‪ ،‬مفن ابهلل تعلقه وحسن تولكه اكن اىل هللا هنايته ‪ ،‬وتواله حبسن‬
‫واليته ‪ ،‬ورعاه والكه يف مصادره وموارده ‪ ،‬واكن مع هللا بالعالقة ‪ ،‬وفر‬
‫اليه من مجيع آحواهل وقواه وعلمه ومعهل ‪ ،‬وخرج عن حوهل وقوته ‪ ،‬ومل‬
‫يستند اىل سواه ‪ ،‬واليأوي اال اليه ‪ ،‬واليتولك اال عليه ‪ .‬جفدير آن ينال‬
‫بغيته ويظفر مبنيته ‪ ،‬وحيمل عنه لك ما يعبأ به غريه ‪ .‬ومن اكن عىل غري‬
‫هذا الوصف خيف عليه آن يولك اىل مأمنه فاليفلح اال آن يتداركه هللا‬
‫فيفتح هل ابب الفهم عنه ‪ ،‬فيعود من مشهده هذا ويرجع عن زلته ‪ .‬ويل يف‬
‫ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فارجع اىل هللا فامي آنت طالبه تظفر بغاايت آقىص السؤل والمل‬
‫والترى النفس يف شئ تقابـهل واترك دعاويك يف عــمل ويف معــــل‬
‫فاذا اكن الرجوع اىل هللا يف البداية عالمة عىل النجح يف الهناية عرب‬
‫املؤلف ريض هللا عنه لهذا املعىن فقال ‪:‬‬
‫( من آرشقت بدايته آرشقت هنايته )‬
‫فارشاق البداية ابلفناء عن آفعا ك وشهود فعهل ‪ ،‬والتربئ عن احلول والقوة‬
‫يف لك فعل ‪ ،‬واالعامتد عىل حول هللا وقوته ‪ ،‬وارشاق الهناية ؛ فناك عن‬
‫وصفك بوصفه ‪ ،‬وذهاب ذ ك عند لوامع جتليات ذاته ‪ ،‬وفقد آاننيتك‬
‫عند توايل ظهور مرشقات جامهل ‪ ،‬واحرتاق آوصافك مبحرقات جالهل ‪،‬‬
‫وذهابك وفقدك عند جتيل سلطان كامهل ‪ .‬فهذا وماشالكه من مجةل ارشاق‬
‫الهناايت ومبادهيا ‪ .‬وآما لكياهتا وهناايهتا فال تف به العبارة ‪ ،‬ومل تؤيم اليه‬
‫االشارة لقرص الفهام عن ذ ك ‪ ،‬فالفناء عن الفعال هو ارشاق ‪،‬‬
‫‪115‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫واالرشاق اليكون اال عبارة عن النور اذلي علمت فامي تقدم آنه الوجود ‪،‬‬
‫والظلمة يه العدم ‪ .‬مفا مل يرشق نور آفعال هللا عىل ظلمة آفعا ك بقيت‬
‫رؤية آفعا ك جحب ظلامنية ‪ ،‬ومامل ترشق آوصافه عىل وجود آوصافك‬
‫بقيت حمجواب حبجب كونية ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ارشاق آفعاهل نور يشاب به وجــــود وصفك فاخرج عنه وارحتل‬
‫اىل شهود كامل اذلاهبني بـه عن لك وصف وعن ذات وعن علــل‬
‫فلام اكن الهناايت غيب والبداايت شهادة ظهر يف شهادة البداايت ما‬
‫اس تودع يف غيب الهناايت ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( مااس تودع يف غيب الرسائر ظهر يف شهادة الظواهر )‬
‫مااس تودع من نور اذلكر وحقيقة الصدق وبدر الهداية ورس الوالية ولطيفة‬
‫االميان ‪ ،‬وجتيل االيقان ‪ ،‬وارشاق مشوس االحسان ‪ ،‬وشهود العيان يف‬
‫رسيرة االنسان وفطرته ‪ ،‬فال بد وآن يلوح عىل هيلكه آاثره ‪ ،‬وترشق‬
‫عليه آنواره ‪ ،‬وتزىك ظواهر آعامهل ‪ ،‬وتصفو رسائر آحواهل ‪ ،‬وتنغمر بنور‬
‫القبول يف مسامع اخللق آقواهل ‪ ،‬وجتال دلهيم اشارته ‪ ،‬وتفصح ابلصواب‬
‫عبارته ؛ وذل ك دالالت وظهور آايت يعرف هبا من آودع هللا نور االميان‬
‫يف رسيرته كام س نذكره قريبا ان شاء هللا عند قوهل ‪ :‬لو آرشق نور اليقني ‪.‬‬
‫ومن مجلهتا الطمأنينة بذكر هللا والنفرة عن معايص هللا ‪ ،‬والتولك عىل هللا‬
‫‪ ،‬والرضا عن هللا ‪ ،‬والصرب يف ممرات المور هلل ‪ ،‬والتعلق عىل دوام‬
‫الوقات بذكر هللا ‪ ،‬والتوهل يف شهود جامل هللا ‪ ،‬والتحري يف جالل هللا ‪،‬‬
‫واس تعامل اجلوارح ابس تفراغ اجلهد يف طاعة هللا ‪ ،‬واتباع حماب هللا ‪،‬‬
‫واحرتام حرمات هللا ‪ ،‬واتباع رسول هللا واجالل هللا ‪ ،‬وحمبة اولياء هللا‬
‫‪116‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ومنارصهتم وامتثال آوامرمه ‪ ،‬وبغض معايص هللا ‪ ،‬وجمانبة من ينهتك‬


‫حمارم هللا وان اكن آقرب آحبائه وآحب آوالده وآحنا اخوانه وخواص‬
‫عشريته ‪ .‬ذل ك قال جل ذكره { الجتد قوما يؤمنون ابهلل واليوم الخر‬
‫يوادون من حاد هللا ورسوهل ولواكنوا آابءمه آوآبناءمه آواخواهنم آوعشريهتم‬
‫آولئك كتب يف قلوهبم االميان } [ الية ‪ 22‬اجملادةل ] حفسن آرسة املرء دليل‬
‫عىل حسن رسيرته ‪ ،‬كام اكن قبح الرسة يدل عىل قبح الرسيرة ‪ ،‬ذل ك‬
‫قال رسول هللا صىل هللا عليه وسمل " لوخشع قلب هذا خلشعت جوارحه‬
‫" آوكام قال ‪ .‬مفن ادعى آن رسيرته حس نة وهو هممل لوامر هللا غري‬
‫مكرتث مبعايص هللا مل يقبل ذ ك منه ‪ ،‬بل حيمل عىل ما آظهره من آمره ‪،‬‬
‫ونلك رسيرته اىل هللا ‪.‬‬
‫قال معر ابن اخلطاب ريض هللا عنه ‪ :‬اان كنا نأخذ ابلويح يف عهد‬
‫رسول هللا صىل هللا عليه وسمل وآن الويح قد انقطع ‪ ،‬يعين ويح النبوة‬
‫‪ ،‬والبق اال آن انخذ ماظهر لنا ‪ ،‬مفن آظهر لنا خريا قبلناه وآمناه ونلك‬
‫رسيرته اىل هللا ‪ ،‬ومن آظهر لنا غري ذ ك مل نأمنه ومل نصدقه وان قال آن‬
‫رسيرته حس نة ‪ .‬وآما ويح االلهام والتحديث ابق مس متر آبد الابد كام‬
‫ورد عن رسول هللا صىل هللا عليه وسمل يف وصف معر نفسه " ان يكن‬
‫من آميت حمدثون فعمر مهنم " ولك من غلبت عىل رسيرته الداب االلهية‬
‫وتوالت عىل رسه الخالق الرابنية ظهرت عليه آاثرها ‪ ،‬وسطعت عىل‬
‫آفعاهل آنوارها { س اميمه يف وجومه من آثر السجود } [ الية ‪ 29‬الفتح ] يف‬

‫‪117‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫عامل الرواح يظهر خشوعها يف الش باح ‪ ،‬فلكام آكنته الرسائر فال بد وآن‬
‫يلوح عىل صفاحئ الظواهر ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫آش باح حتيك مبا يف الرس منـــــكمت كام الزجاجة للنوار حتكـــــهيا‬
‫مفا بكن يف مصون الغيب من حمك ال بد آن يشهد التحقيق رائهيا‬
‫فلام اكن المر مبين عىل غيب وشهادة وهو عامل الغيب والشهادة ؛ ولكن‬
‫الغيب شهود احلق مقرون يف نظر اخللق بوجود الس باب خطب من‬
‫رسادقات الغيب قلوب الحباب ‪ ،‬عربه احملبة آرسار اجملذوبني احملبوبني ‪،‬‬
‫واس تخلصت حرضة الزل آرواح اجملذوبني املرادين ‪ ،‬ونفيت قلوب‬
‫السالكني حتت حمك سلطان امسه الطاهر ‪ ،‬يف متعددات املظاهر ‪ .‬قال‬
‫املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( ش تان بني مس تدل به آويس تدل عليه ‪ ،‬فاملس تدل به عرف احلق لههل ؛‬
‫فأثبت المر من وجود آصهل ‪ ،‬واالس تدالل عليه من عدم الوصول اليه ‪،‬‬
‫واال مىت غاب حىت يس تدل عليه ؟ ومىت بعد حىت تكون الاثر يه اليت‬
‫توصل اليه ؟ )‬
‫ش تان ‪ ،‬آي بعد مابني الفريقني ‪ ،‬وبون ما بني الطرفني ‪ ،‬آي طريق‬
‫املس تدلني به عىل وجود الش ياء ‪ ،‬لهنم موجودين عن رق الغيار ‪،‬‬
‫وشهود الاثر ‪ ،‬بظهور وحدانية الواحد القهار ‪ ،‬ومتالشني يف متالطامت‬
‫حبار النوار ‪ ،‬ومس تغرقني يف شهود الرسار ؛ فأىن يثبت يف مشاهدمه‬
‫رؤية مليكهم ‪ ،‬آويلوح هلم غريه ومه عاكفني يف حرضة القدم ‪ ،‬غائبني عن‬
‫احلدوث والقدم ‪ .‬فأرسارمه عىل كرايس الوالية مل تلوي اىل رؤية مريئ‬
‫حيس آومعنوي دنيوي آوخروي ‪ ،‬مليك آوملكويت وان تعاقبت عىل‬
‫‪118‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ظواهرمه خمتلفات العادات ‪ ،‬فلحاكم س بقت ‪ ،‬وآقسام قدرت ‪،‬‬


‫يدخلون فهيا قبل رؤيهتا ‪ ،‬فهم به وهل البأنفسهم واللنفسهم ‪ ،‬فانني عهنا‬
‫حال وجود ظهورها يف عامل الشهادة واملكل ‪ ،‬غائبني عهنم التشعر آرسارمه‬
‫بسواه ‪ ،‬والتنظر اال اايه ‪ ،‬فهؤالء صفوة آولياه ‪ ،‬وخرية آتقياه ‪ .‬اليسلكون‬
‫اليه اال طريق احملو يف وجود الصحو ‪ ،‬يرحيون من اتبعهم ‪ ،‬ويوصلون اليه‬
‫به من واصلهم ‪ .‬نعمة من هللا سابغة ‪ ،‬ورمحة من هللا ابلغة ‪ ،‬يألوفون‬
‫ويولفون من والفهم يف هللا ‪ ،‬التتدنس بواطهنم بلوث الغل ‪ ،‬والتتغري‬
‫بتغري الحوال ‪ ،‬نفوسهم ظاهرة وآنوارمه ابهرة ‪ ،‬وآعامهلم دامئة ‪ .‬ومه يف‬
‫آمان وعافية ‪ ،‬واخللق مهنم يف آمان وعافية ‪ ،‬اليؤذون جليسهم والميارون‬
‫ندميهم ‪ ،‬هينون لينون ‪ ،‬ايسار حتمك آحواهلم عىل لك من رآمه ابالحرتام‬
‫هلم واالجالل ‪ ،‬ويثبت احلب هلم يف قلب آهل االميان ‪ ،‬حتد الهيم جنائب‬
‫القلوب اجملدة يف طلب احملبوب ‪ ،‬ويلوح من آنفاسهم بوارق الغيوب ‪،‬‬
‫يغين طالب القرب برؤيهتم ‪ ،‬وتوصهل حمبهتم ‪ .‬فلوذهبنا نصف ماجللهم هللا‬
‫به من عظمي املنة ‪ ،‬وما آحتفهم به من جزيل النعمة لطغى علينا طوفان‬
‫اللطاف ‪ ،‬وغطى جبال آعالم وجودان ‪ ،‬ويف االشارة كفاية ملن آمشه هللا‬
‫نس مي قرهبم وآذاقهم حالوة حهبم ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫يغذهيم احلب من آلبان منــــتـــه شهد التجيل ونعت اذلات يف الزل‬
‫بغري تكييف حيىك كيف كنـتـــه جفل عن كيف حيويه والمـــــــــــثل‬
‫فلك حمبوب يشهد ذاك س نتــه قد صار حمفوظ عن معد وعن زلل‬
‫من الحظته عيون آلطاف رآفته مل تعرتيه كروب اجلنب وامللـــــــــــل‬

‫‪119‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فهذا يف اجملذوبني احملبوبني ‪ ،‬وآما السالكني احملبني اذلين غطت‬


‫حقائق امياهنم وجود آعياهنم فاالميان والعمل فهيم غيب حتت آجساف‬
‫القوالب البرشية ‪ ،‬واحلجب الطبيعية ‪ ،‬والشهوات احليوانية ‪ ،‬اليت يه‬
‫لهل الكشف دالئل الكامل ‪ ،‬خفوطبوا ابلرجوع اىل آوطان احلقائق‬
‫القدس ية بعد مادنس هتم الظلامت الرضية ‪ .‬فأمطرت آصالد آرايض نفوسهم‬
‫السحائب النبوية ‪ ،‬وادلالئل الرسالية ‪ ،‬والشواهد القرءآنية ‪ ،‬بعد ما‬
‫آيبس هتا حرارة نريان اجلهل فومسهتا بومس اجلباه ‪ ،‬فسمعت النداء فثارت‬
‫البذرات االميانية الاكمنة فهيا ‪ ،‬فاهزتت هبزة خوف البعد والقطيعة ‪،‬‬
‫وربت ابلرتيب يف طريق السلوك اىل مكل امللوك ‪ ،‬وآنبتت من لك زوج‬
‫من آزواج احلقائق السامئية هبيج رائق ‪ .‬فهكذا يتدرجون يف مدارج‬
‫الحوال ‪ ،‬ويرتقون يف بروج املعارف ‪ .‬ورشح ذ ك يطول ‪ ،‬فليفهم ذ ك‬
‫من عرف هذه الطريقة ‪ ،‬وحقق يف سلوكه آمت حتقيق ‪ ،‬ومن مل حيقق ذ ك‬
‫ومل يعمل ماهنا ك فليلق نفسه اىل ش يخ يعرفه حقائقها ‪ ،‬ويفهمه دقائقها ‪،‬‬
‫ويرقيه يف بروج معارفها ‪ ،‬فان جل هذا المر ماحيققه عىل كامهل اال‬
‫صاحب كشف دامئ ‪ .‬وآما من يأخذ علمه وطريقه ال عن ش يخ فال تتضح‬
‫هل الطريق غالبا ‪ ،‬بل يبقى يف جحاب نفسه وموضع حبسه الينفك عن قيد‬
‫التلبيس ولو بلغ يف ظنه مابلغ ‪ ،‬لكثافة جحاب النفس ‪ .‬مفا يلطف جحاهبا‬
‫اال مشاهدة من يس تنشق بصفاء مرآته حقائق الغيوب ‪ ،‬وتنجذب بصفائه‬
‫القلوب ‪ .‬ومثل ذ ك قل يف القطار س امي يف هذه العصار وجوده ‪،‬‬
‫فالسالكني هيدهيم سلطان اجلالل ويربهيم تربية الطفال ‪ ،‬وينقلبون يف‬
‫آطوار الفعال ‪ ،‬فأخذوا بوجود الش ياء عىل وجود موجدها ‪ ،‬وذ ك‬
‫‪120‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫لطمس آنوارمه حتت غياهب ظلامت اجلهل الطبيع ‪ ،‬واال لو مل تنطمس‬


‫آنوارمه االميانية وشواهدمه االحسانية ‪ .‬مىت غاب عن الشهود وهو مل يزل‬
‫موجودا منعوات بنعوت كامهل ؟ مىت تصدق عليه الغيبة حىت حيتاج آن‬
‫يس تدل عليه مبا هو آثر من آاثر قدرته ‪ ،‬وعني من آعيان حمكته ‪ .‬مفن‬
‫عرف الش ياء ابهلل واس تدل به عىل الش ياء فقد عرف احلق لههل ‪،‬‬
‫وآثبت المر من آصهل ‪ ،‬اذ املعرفة ورصحي العمل يعط آن الترى الصنعة‬
‫دون صانعها ‪ ،‬واملبدعات قبل مبدعها ‪ ،‬وآن تعرف الفرع ابلصل ‪،‬‬
‫الالعكس اذلي هو دليل عىل العكس ‪ ،‬وهو شهود الثر دون مؤثره ‪،‬‬
‫والصنعة دون صانعها ‪ .‬ومىت بعد حىت تكون الاثر توصل اليه ‪،‬‬
‫فاليس تدل عليه اال به ‪ ،‬واليتوصل اىل معرفته اال بتعريفه ‪ ،‬واليعمل‬
‫بطاعته اال بتوفيقه ‪ ،‬فهو املوصل ابعانته واملوفق هبدايته ‪ ،‬واحلافظ بواليته‬
‫‪ ،‬واليه يرجع المر لكه ‪.‬‬
‫والك الفريقني جمذوبني حمبوبني ‪ ،‬اذا لوال سابق عنايته مل هيتدي اليه‬
‫السالكون ‪ ،‬والحقق شهوده احملبوبون ‪ .‬فاذا علمت آن اللك عىل احلقيقة‬
‫جمذوب وخمطوب علمت آن االصطفاء قد مشل الفريقني ‪ ،‬فامحلدهلل عىل‬
‫ذ ك ‪ .‬قال هللا تعاىل { م آورثنا الكتاب اذلين اصطفينا } [ الية ‪ 32‬فاطر‬
‫] قيل هو الاهل اال هللا ‪ ،‬قال صىل هللا عليه وسمل " سابقنا سابق‬
‫ومقتصدان انج ‪ ،‬وظاملنا مغفور هل " آوكامل قال ‪ .‬وعند آرابب الفهوم فامي‬
‫يعرفونه من طريق االشارة واالقتباس آن الظامل لنفسه هو المكل ‪ .‬وهلم يف‬
‫ذ ك معاين ورموز تظهر من كنوز خزائن املعارف ‪ ،‬والسبيل اىل رضب‬
‫بعض القوال ببعض وتناقضها ‪ ،‬بل فس يح املعرفة يعط آن للك مقام‬
‫‪121‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫الكم ‪ ،‬وللك حال رجال ‪ ،‬وللك حال مقال ‪ ،‬فالمشاحة يف اللفظ ‪،‬‬
‫فاللفظ الواحد قد يوضع ملعان كثرية ‪ ،‬واملعاين الكثرية قد تعرب بعبارة‬
‫واحدة ‪ .‬وقد يكون الالكم واحد ويأخذ لك انسان مايناسب حاهل ويليق‬
‫بأفعاهل ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫فكيف يفقد من هو ظاهر وبنا قيوم قامئ الخيفى ومل يــزل‬
‫هو آول يف بطون قبل مظه نرــا وظاهر آخر بال انهتاء تيل‬
‫ودامئ كيف مااكن الزمان بــــــنا الزاد مظهران شئ والقلــل‬
‫فلام اكن اجملذوبني احملبوبني آخذ هبم طريقة املنة من غري اكتساب ‪،‬‬
‫والترقب والاحتساب ‪ ،‬اكن انفاقهم من خزائن معارفهم عىل الطالبني ‪،‬‬
‫كذ ك ما آمدمه هللا به ‪ .‬والسالكون احملبوبون ليسوا كذ ك لنه سكل هبم‬
‫طريق الكد والتلكيف ؛ فيكون انفاقهم من وسع مامه عليه ‪ ،‬ذل ك قال‬
‫املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( لينفق ذوسعة من سعته ‪ :‬الواصلون اليه ‪ ،‬ومن قدر عليه رزقه ‪:‬‬
‫السائرون اليه )‬
‫هذه اشارة جعيبة ‪ ،‬وترحشة بديعة ؛ حيث عرب ابالنفاق ‪ ،‬واالنفاق اليكون‬
‫اال يف خري واخلسارة ضده ‪ ،‬وانفاق الواصل من خزائن املنح الرابنية ‪،‬‬
‫والنفحات الرحامنية ‪ ،‬عىل آطفال التلقيات الفهمية ‪ ،‬والراكن العملية ‪،‬‬
‫واملشاهدة العلمية التخلقية ‪ ،‬وآهل االقتداء والتبعية ‪ .‬فالولون ومه‬
‫اجملذوبون احملبوبون ينفقون من سعة وسع املواهب ‪ ،‬والسالكون ينفقون‬
‫من قدر املاكسب ؛ من وراء الفحص وحتري املذاهب ‪ .‬فالولون‬
‫خارجون عن مضيق عقوهلم احملصورة القارصة عن درك احلقائق اىل فضاء‬
‫‪122‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وسع التوحيد ‪ ،‬فينفقون من معارفهم بالتعب والعنا والنصب ‪ ،‬فريحيون‬


‫اجلليس ويفسحون صدور الطالبني ابلرشح املبني ‪ ،‬ملا عندمه من التوسع‬
‫ملا هنا ك ‪ ،‬والسالكون يشددون املسا ك ‪ ،‬وخيوفون املها ك ملا عندمه‬
‫من ذ ك ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫من وسع هللا يف التحقيق مشــهده الشك ينفـــــق بال ضيق والتعب‬
‫ومن يكن يف مضيق الكسب مشهده آن حيمل آثقال آعباء الكد والتعب‬
‫وقال اكلشارح حلاليت الفريقني بعبارة آخرى ‪ ،‬ويه تعبريه ابالهتداء‬
‫للسالكني واالجتباء للواصلني ‪:‬‬
‫( اهتدى الراحلون اليه بأنوارالتوجه ‪ ،‬والواصلون هلم آنوار املواهجة ‪.‬‬
‫فالولون للنوار ‪ ،‬وهؤالء النوار هلم ‪ ،‬لهنم هلل اللشئ دونه )‬
‫فاالهتداء هو تتبع الاثر ‪ ،‬والبحث عن الخبار من وراء احلجب‬
‫والس تار ‪ ،‬وخمتلفات الاثر ‪ .‬والرحةل يه الخذ يف السري اىل املقصد ‪،‬‬
‫والرحةل غالبا كثرية الخطار وشديدة الوعار ‪ ،‬ومعرضة لفوات العامر ‪،‬‬
‫ونكبات اخملاوف والرضار ‪ .‬ذل ك ورد " السفر قطعة من النار " فاذا‬
‫صدقت العزمة وقويت اهلمة وآخلصت العمةل وآفردت النية آمثر ك صدق‬
‫العزمية واخالص العمل وجترد النية ؛ آنوار الهداية لسبيل املشاهدة ‪،‬‬
‫وحتقيق الوالية ‪ .‬قال هللا تعاىل { واذلين جاهدوا فينا لهنديهنم س بلنا } [‬
‫الية ‪ 69‬العنكبوت ] وآما الواصلون ‪ :‬فلهم آنوار املواهجة ويه املشاهدة ‪ ،‬ومه‬
‫املعنيني بأخر الية وهو قوهل تعاىل { وان هللا ملع احملس نني } ومقام‬
‫االحسان هو االس تغراق مبشاهدة احملبوب كام فرسه صىل هللا عليه وسمل‬

‫‪123‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫بقوهل " االحسان آن تعبدهللا كنك تراه " وحمال آن تراه وترى معه سواه ‪.‬‬
‫ومن اكن هللا معه اكنت الش ياء معه وهل ‪ ،‬الهو معها اذا هللا معه فمل‬
‫يكن فيه معية آخرى ‪ ،‬فهو غائب عن شهود وجوده فضال عن فعهل مع‬
‫فعل موجوده وهو هللا س بحانه وتعاىل ‪ ،‬مفن مل يكن كذ ك مفن الزمه‬
‫شهود الغيار ‪ ،‬والتقيد يف خمايل الخطار ‪ ،‬ويشهد الوسائط ويراع‬
‫الرشائط ‪ ،‬فيطالب مبقتىض مشهده ‪ ،‬ويرتىق اىل حمتده ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫لك الوجود بعون هللا حمــــــــــتمك‬ ‫من اكن مشهده االحسان اكن هل‬
‫آن حيتمك حتت مايشهده من عـمل‬ ‫ومن تعـــــــــرث يف الذايل آن لـه‬
‫م استشهد املؤلف عىل مقام الواصلني المكل املوحدين هبذه الية ملا فهيا‬
‫من الترصحي اخلايل عن التلوحي ببطالن ماسوى هللا عز وجل بقوهل‬
‫س بحانه لنبيه صىل هللا عليه وسمل وملن فهم عنه رس خطابه من خواص‬
‫آصفيائه وجنائب آحبابه { قل هللا م ذرمه يف خوضهم يلعبون } [ الية‬
‫‪ 91‬النعام ] فف هذه ال ية كفاية ملن فهمها وعمل رسها ‪ ،‬آشارت اليه ( قل‬
‫هللا ) فليس بعد هللا ‪ ،‬فهذا فيه مرتبة توحيد االشارة ‪ ،‬وهو خمتص بنبينا‬
‫صىل هللا عليه وسمل وهو قوهل ( قل ) حفارت احلقائق القربية ‪ ،‬واللطائف‬
‫احلبية يف هذا البحر اذلي الساحل هل ‪ ،‬واليعرف لوليته ابتدآ ‪ ،‬وان‬
‫تعددت مظاهره ‪ ،‬فقال لها هاداي حلريهتا ‪ ،‬وآخذا بأزمة بصائرها { هللا‬
‫} لكام رآيته فليس سواه ‪ ،‬وال مشهود اال اايه ‪ ،‬والبعد ذ ك اال خوض‬
‫ولعب ‪ ،‬لنه اذا ظهر احلق مفا فائدة التطلب اال اخلوض يف الباطل ‪.‬‬
‫واللعب هو كرثة ترديد ماالجدوى هل ‪ ،‬وهو كرثة ترديد بال غرض ‪ ،‬ومن‬
‫‪124‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ذ ك اللعاب وهو الريق اخلايل عن اخلليط ‪ ،‬ومس ذ ك لكرثة تردده وهللا‬


‫آعمل ‪ .‬والوقوف عىل احلق عند ظهوره وصف املوحدين ‪ ،‬واخلوض‬
‫واللعب وصف اجلاحدين الضالني عن سبيل الهداية ‪ ،‬والسالكني طريق‬
‫الغواية ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫هللا قل فهو املقصود ابلطلب والتزد بعد ذا يف اخلوض واللعب‬
‫فاذا اكن العبد منطواي حتت عظمة آولية احلق اكن حمكه ووصفه ترك‬
‫الفضول وايثار امخلول ‪ ،‬فتحقق برصف العبودية هلل تعاىل ‪ ،‬واذا اكن‬
‫كذ ك اكن آجل مهه تصفية آوصافه وهتذيب آخالقه ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف‬
‫ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( تشوفك اىل مابطن فيك من العيوب ؛ خري ك من تشوفك اىل ماجحب‬
‫عنك من الغيوب )‬
‫لن تشوفك اىل مابطن فيك من العيوب حق احلق منك ‪ ،‬لن هللا مدح‬
‫آهل تزكية النفوس عن الخالق اللئمية بقوهل { قد آفلح من زاكها } [‬
‫الية ‪ 9‬الشمس ] وذم من تركها متدنسة بقبيح آوصافها وسفساف مركزها‬
‫فقال { وقد خاب من دساها } [ الية ‪ 10‬الشمس ] آي دنسها ‪ ،‬ولن‬
‫خيرج عن ذم هللا وتدخل يف مدحه خري واجب من آن تطلع اىل فضول‬
‫النقول وحملات الوصول ‪ .‬مفن مل حيقق الصول مل ينل الوصول ‪ ،‬فالصل‬
‫الزتكية عن الرذائل م التحلية بأوثق الوسائل ‪ ،‬وهو المتسك ابتباع ذوي‬
‫الفضائل ومه النبياء وسادات الولياء وحفول العلامء ‪ ،‬س امي آفضلهم وآجلهم‬
‫وآمكلهم وآمتهم خلقا وخلقا ‪ ،‬وآعالمه مقاما محمد صىل هللا عليه وسمل ‪،‬‬

‫‪125‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فتحلية الوصاف حبلية االتباع هو فرع ابب احملبة اذلي يكون هبا التحلية‬
‫‪ ،‬قال هللا منهبا عىل ذ ك { قل ان كنمت حتبون هللا } ووجدمت ذ ك يف‬
‫مرااي اميانمك ‪ ،‬وظننمت آن ذ ك صادر عنمك { فاتبعوين } [ الية ‪ 31‬آل‬
‫معران ] مبحو آفعالمك ‪ ،‬وفنا آوصافمك يظهر لمك آصل حمبتمك ‪ ،‬ويبني لمك من‬
‫آين وجدمت ذ ك ‪ ،‬فعند فنائمك عن آفعالمك وآوصافمك يتحقق لمك آنه اذلي‬
‫آحبمك ‪ ،‬وتبدوا لمك مثرة االتباع ما آودع فهيا من رس احملبة السابقة ‪ ،‬فيعود‬
‫المر عودا عىل بدوه ‪ ،‬فهذا مقام التحلية ‪ .‬وشاهد ذ ك احلديث القديس‬
‫حديث النوافل حيث قال " اليزال عبدي يتقرب ايل ابلنوافل حىت آحبه‬
‫" والانفةل اال ماصدرت عنه صىل هللا عليه وسمل قوال وفعال ؛ وآمرا‬
‫رصحيا آومضنا وتلوحيا ‪ ،‬ولكن مل تصل اىل صفاء النوافل عن الشوائب اال‬
‫بطهارة النفس عن رذائلها ‪ ،‬ومل يعرث عىل ذ ك اال ان عرضهتا عىل بصري‬
‫بعيوهبا ‪ ،‬فيجري آمورها عىل يد عامل بهتذيهبا ‪ ،‬فارغ عن هتذيب نفسه ‪،‬‬
‫متفرغ لصالح غريه ‪ .‬حفينئذ يعرفك بدسائس النفوس وخمادع الش يطان ‪،‬‬
‫ومعاطب الهوى ‪ ،‬وكوامن الشهوات ‪ ،‬وقبح ادلنيا وهبجة الخرة ‪ ،‬وحسن‬
‫الخالق وسبهبا ‪ ،‬وتكون حالتك بني يديه كحاةل امليت بني يدي الغاسل‬
‫مسلوب االختيار مطموس العالم والاثر ‪ ،‬الخري ك عنك ‪ .‬وما آعز‬
‫يف هذا الزمان ش يخ يوجد كذ ك ‪ ،‬وما آعز املريدين من يطلب ذ ك ‪،‬‬
‫فاهللا املس تعان وعليه التالكن ‪.‬‬
‫واذا صدق هللا املريد يف ارادته اكن الوجود لكه هل آس تاذ ؛ ان اكن عدوا‬
‫ساقه اىل هللا ابللجاء من رشه ‪ ،‬ونهبه عىل دسائس خفااي عيوب مل يطلع‬

‫‪126‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫هو علهيا ‪ ،‬يرى قبح اجلهل فيجتنبه ‪ ،‬آوصديق حمب يثين فيشهد ثناء هللا‬
‫فزيداد ذل ك شكره هلل حيث آظهر مجيهل ذل ك املثين ‪ ،‬وسرت عنه قبيحه‬
‫‪ .‬وما آحسن من اكن نفسه آرضا وقلبه سامء ‪ ،‬وآحواهل جنوما ‪ ،‬وروحه‬
‫مشسا ‪ ،‬وعقهل قلام ‪ ،‬ونفسه لوحا ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫تشوف املرء عيب فيه مس ترت آمت هل من ترقب عائب القدر‬
‫فرؤية النقص توقفه عىل احلذر ويف ظهور غيوب احلق يعترب‬
‫فلام اكن احلق ظاهرا وامنا جحبت عنه مبا قام بك من الوصاف الظلامنية ‪،‬‬
‫والكثائف الرضية ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( احلق ليس مبحجوب وامنا احملجوب آنت عن النظر اليه ‪ ،‬اذ لوجحبه شئ‬
‫لسرته ماجحبه ‪ ،‬ولواكن هل ساتر لاكن لوجوده حارص ‪ .‬ولك حارص لشئ‬
‫فهو هل قاهر ‪ ،‬وهو القاهر فوق عباده )‬
‫هذه براهني عقلية ‪ ،‬وشواهد نقلية مجعها يف هذه اللفاظ املتقاربة حتتوي‬
‫عىل مجل من معاين التزنيه ‪ ،‬وتشري اىل نف التشبيه ‪ ،‬وتبطل اعتقاد‬
‫التجس مي والتحليل واجلهة ‪ ،‬وتبني آن مجيع حراكت املكوانت دائرة عىل‬
‫مقتىض علمه ‪ ،‬وجارية حتت سلطان قهره ‪ .‬فقوهل ‪ :‬ليس مبحجوب ؛‬
‫اذماسوى هللا ابطل واحلق هو هللا فليس مبحجوب ‪ ،‬اذ الباطل الحيجب‬
‫احلق ‪ ،‬وماسوى هللا فهو ابطل ‪ .‬وامنا احملجوب آنت من حيث آنيبتك‬
‫ووصفك وفعكل ‪ ،‬فلوفنيت عن آنيبتك وتبت عن ثنيتك لرآيت احلق‬
‫ظاهرا ‪ ،‬ورآيت الاكئنات من حيث ذواهتا وآوصافها وآفعالها دونه مل خترج‬
‫عن العدم ‪ ،‬فاحلجاب عليه تعاىل حمال ‪ .‬مفن الرباهني آن احلاجب لشئ‬
‫قاهره ‪ ،‬وقد علمت وجوب قهره س بحانه ملا سواه ‪ .‬وآيضا فاحلجاب دالةل‬
‫‪127‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫االنقهار وماسواه مقهور به ‪ .‬فتحقق آن احلجاب عن هللا امنا هو يف ذوات‬


‫الاكئنات ‪ ،‬اذ وصف العدم احلجاب ‪ ،‬والاكئنات من حيث ذواهتا عدم ‪.‬‬
‫فلام آراد آن يكشف رس وجوده ‪ ،‬ويظهر جتيل شهوده ‪ ،‬رش عىل عدم‬
‫ذوات الاكئنات من نور ذاته وصفاته وآفعاهل ما آظهر به وجود ذواهتا‬
‫وآوصافها وآفعالها ‪ ،‬فاس تعدت ذل ك التجيل الظهور ‪ .‬مفن شاهد بنور‬
‫اذلات ؛ ومن شاهد بنور الصفات ‪ ،‬ومن متحقق يف الحوال واملقامات ‪.‬‬
‫وحبسب هذه التزنالت تكون ادلرجات ‪ ،‬والرؤية يف اجلنات ‪ ،‬وتظهر‬
‫حقائق املعامالت ‪ " .‬رب رجلني يس توون يف العمل ومعل آحدمه اىل‬
‫جنب معل الخر اكذلرة اىل جنب آحد " كام ورد ذ ك ‪.‬‬
‫وماورد آن هلل س بعني جحااب من الظلمة ‪ ،‬وس بعني من النور ‪ ،‬فاحلجب‬
‫الظلامنية يه ماانطوى عليك تركيبك ‪ ،‬والس بعني اليت من النور ماحواه‬
‫ترتيبك الغري ‪ .‬وتعداد هذه احلجب يف الرتكيب والرتتيب مما يطول تعداده‬
‫‪ ،‬وحيتاج اىل معرفته ما احتويت عليه من مجموع الس بع الرضني ‪،‬‬
‫وماانطوى عليك من آنوار الس بع السموات من لك واحد مجموع هذه‬
‫عرشة جحب حتتوي عىل متعددات آنواع ‪ ،‬حىت آن السا ك يس تعني يف‬
‫تلطيف بعض هذه ببعض ‪ ،‬فلك جحاب ظلامين يقابهل بنوراين حىت تفىن‬
‫عنه احلجب الظلامنية ‪ ،‬فيوخذ يف التوحيد يف فناء احلجب النورانية حىت‬
‫خيلص عهنا ‪ ،‬فيشهد احلق ابحلق ‪ ،‬وهو الشاهد والشهود واملشهود ‪،‬‬
‫وهوقوهل { شهد هللا آنه الاهل اال هو } [ الية ‪ 18‬آل معران ] ومن الربهان‬
‫عىل اس تحاةل احلجاب عليه آن الظرف قبل املظروف ‪ .‬وقد علمت وجود‬
‫قدمه ووجوب حدوث ماسواه ‪ ،‬وبرهان وجود القدم بروز املمكنات ‪،‬‬
‫‪128‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وبرهان حدوهثا مشاهدة انعداهما ‪ ،‬لن ماوجب قدمه اس تحال عدمه ‪،‬‬
‫وهذا حبمد هللا ظاهر الحيتاج اىل زايدة بسط ‪ ،‬وتكل الفوقية ؛ فوقية‬
‫حمك ووالية ‪ ،‬وقهر والية الرب للمربوب ‪ ،‬والس يد للعبد ‪ ،‬واحملكوم عليه‬
‫للحامك ‪ ،‬واالس تيئالء واالس تعالء والتويل ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫احلق ظاهر الحتجبه صنعـــته والكون يف غبية من ظلمة العدم‬
‫فكيف من بعد ماشهدت آدلته ان احلوادث التثبت مع القــــــدم‬
‫حفيث علمت آن احلق ليس مبحجوب وامنا احملجوب آنت عنه ‪ ،‬علمنا آيضا‬
‫آن ليس هناك جحاب سوى آوصافك وما آنت عليه من الرتكيب البرشي ‪،‬‬
‫فان آردت كشف ذ ك احلجاب فاخرج عن آوصافك ‪ ،‬وفارق مقتضياتك‬
‫‪ .‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( آخرج من آوصاف برشيتك عن لك وصف مناقض لعبوديتك ؛ لتكون‬
‫لنداء احلق جميبا ‪ ،‬ومن حرضته قريبا )‬
‫اخلروج عن الوصاف البرشية املناقضة لوصف العبودية من آنفع الوسائل‬
‫لكشف احلقائق اليت يه حلية الرسار ‪ ،‬وهبجة الرواح ‪ ،‬وروح القلوب‬
‫‪ ،‬ورشح الصدور ‪ .‬واخلروج عن هذه الوصاف البرشية آول مبادئ‬
‫ارادة مريدين سلوك الطريق اىل هللا ‪ ،‬والوصاف هذه مهنا مايكون‬
‫ظاهرا يف قوالب الفعال ‪ ،‬ومهنا ماهو ابطن يف القلوب ‪ .‬والظاهرة يه‬
‫لك فعل آوقول ندبك الرشع اىل تركه من حمرم آومكروه بسائر آنواعه ‪،‬‬
‫ومجموعها س بعة آبواب يف ظاهر اجلسم ‪ ،‬مفهنا ‪ :‬اللسان ويه آشدها‬
‫رضرا ‪ ،‬والعينان والذانن والفرج والبطن واليدان والرجالن ‪ .‬وحد لك‬
‫عضو من هذه العضاء من احملرمات واملكروهات معروف عند مريدين‬
‫‪129‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫سلوك طريق هللا ‪ ،‬ويه مواضع ظهور املقدورات ‪ ،‬ومظهر ما انهبم يف‬
‫غيب القبضيات ‪ :‬قبضة الميني والشامل ‪ .‬فهذه عىل اجاملها قسم ماجيب‬
‫عىل املريد اخلروج منه من الوصاف البرشية املناقضة للعبودية ‪ .‬والقسم‬
‫الثاين يه آوصاف القلوب احلاجبة لها عن آرسار الغيوب ويه آيضا كثرية‬
‫وصعب عالهجا اال عىل ذي بصرية ‪ ،‬مفهنا ‪ :‬الكرب واحلسد والرايء والعجب‬
‫ومايتودل عن ذ ك من رذائل الخالق ‪ ،‬فاخلروج عن لك وصف العبودية‬
‫وهو اذلي يشريون اليه الصوفية ابلتخلية ‪ ،‬والتحيل بأضداد هذه الظاهرة‬
‫‪ ،‬بصفو العامل الظاهرة عن الشوائب الهوائية ‪ ،‬وتصفية العامل الباطنة‬
‫عن املكدرات الظلامنية ‪ ،‬والتصفية الظاهرة س امي رشيعة ودنيا ‪ ،‬والخذ‬
‫يف العامل الباطنة وتصفيهتا عن كدورهتا س امي طريقة وتصوفا ‪ ،‬وعند‬
‫صفاء العامل الظاهرة والحوال الباطنة والخذ يف طريق املواهب‬
‫والحوال س امي حقيقة ومشاهدة ‪ ،‬والغيبة عن االحساس اس تغراقا وفنا ‪،‬‬
‫والثبوت معه عىل مقتىض المر والهني س امي حصوا وبتا ‪ ،‬فاذا فين عن‬
‫الوصاف البرشية فقد صفا عن مناقضات العبودية ‪ ،‬واذا صفت العبودية‬
‫توالت عليه آلطاف الربوبية ‪ .‬واذا اكن كذ ك اكن لنداء احلق جميبا حتقيقا‬
‫بقوهل { ايعبادي الخوف عليمك اليوم وال آنمت حتزنون } [ الية ‪ 68‬الزخرف‬

‫] { ان عبادي ليس ك علهيم سلطان } [ الية ‪ 42‬احلجر ] فيقول هللا‬


‫تعاىل هل " ايعبدي حقا ؛ فيقول لبيك ايرب صدقا " وهذه غري عبودية‬
‫القهر اذلي لعموم من يف السموات ومن يف الرض ‪ .‬واذا بعد عن‬
‫آوصافه وعن نفسه اكن قريبا اىل حرضة ربه ‪ ،‬فلك مااكن عن نفسه آبعد‬

‫‪130‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اكن اىل ربه آقرب ‪ .‬وليس حرضة ربه اال فنائه عن فعهل ووصفه وذاته‬
‫وبقائه بوصف عبوديته ‪ ،‬خفرج عن هذا ماال يطالبك احلق ابخلروج عنه‬
‫من آوصاف البرش ‪ ،‬فليس من ذ ك يف شئ لنه آابح ك مهنا ما تتوصل‬
‫به اليه ؛ من لك فعل آوقول آونظر آومسع ‪ .‬ورتبة املباح بني المر‬
‫واحلرص وتتحاد هبا احلرضتني ‪ ،‬ويتناولها املقامني ‪ ،‬فان اكن يف الغالب عىل‬
‫االنسان المر فال بد آن يسكل مبباحاته مسلكها ‪ .‬مفن الصادقني من‬
‫يسكل ابملباحات البرشية طريق الواجبات المرية حبسن النية وصدق‬
‫الطوية ‪ ،‬ومن السالكني من يسكل ابملباحات طريق املندوابت ملا هو‬
‫عليه من احملافظة للمطلوب ‪ ،‬والتباعد عن ورطات اذلنوب ‪ .‬ومن‬
‫املهتورين املهنمكني من يسكل هبا مسكل كبائر اذلنوب ملا هو الغالب عليه‬
‫من الهتور وعدم احلضور مع هللا يف المور ‪ .‬ومن بدل املباحات واحملرمات‬
‫ابلواجبات واملندوابت اس تحق آن يسمى بدال ‪ .‬ومن هنا يسمى البدال‬
‫لهنم بدلوا الوصاف البرشية ابلنعوت الروحية ‪ ،‬وهذه بعض اطالقات‬
‫امس البدال ‪ .‬وآما امس البدل اخلاص فهو من فين عن اذلات الغريية ‪،‬‬
‫وبق مس تغرق الرس يف املشاهد القربية ‪ ،‬والصفات الزلية ‪ ،‬الشعور هل‬
‫بسوى الواحد احلق النفسه والغريه ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ايمن يريد دنـــــــــوء القرب فابتدر اخلع عذار قــيود احلس والبرش‬
‫وابدرن تدرك املأمول والظــــــــفر ولك وصف يرده حصة النـــــظر‬
‫فاترك ورس يف طريق السادة الغرر تلقا من اللطف فهيا آلطف العرب‬
‫وآصل لك خلق مذموم وطبع ملوم ؛ هو الرضاء عن النفس ورؤية الكامل‬
‫لها ‪ ،‬فالرضاء عن النفس آصل لك بلية دينا ودنيا ‪ ،‬مفا آهكل عامة اخللق‬
‫‪131‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اال الرضاء عن آنفسهم ‪ ،‬واس تحسان آفعالها ‪ ،‬ورؤيهتا بعني التعظمي ‪.‬‬
‫ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( آصل لك معصية وغفةل وشهوة الرضاء عن النفس ‪ ،‬وآصل لك طاعة‬
‫وعفة ويقظة عدم الرضاء منك عهنا )‬
‫هذا آصل لك ؛ اذ مجموع املعايص الظاهرة والباطنة كبرية آوصغرية رضاء‬
‫االنسان عن نفسه بعد س بق تقدير هللا وارادته ‪ ،‬فاذا س بق عىل العبد‬
‫آن جتري عىل يديه شؤم املعايص وظلمة الغفةل وحترقات نريان الشهوة‬
‫جحب عن رؤية نقص النفس وعيهبا ‪ ،‬وضاللهتا وغهيا ورى حسن‬
‫مايصدر عهنا وان اكن قبيحا ‪ ،‬فعند ذ ك اليفيد فيه نصحا وال يبني هل من‬
‫ليل غفلته صبحا ‪ ،‬فاذا اس تحسن آفعالها غفل عن تفقد آحوالها ‪ ،‬وعند‬
‫غفلته عن آحواهل تس تويل عليه دواع الشهوات يف مواطن الغفالت‬
‫وكبائر الضالالت ‪ ،‬فال حيق حقا واليبطل ابطال ‪ ،‬منقاد بقياد الهوى ‪،‬‬
‫اتهئا يف هماممة اجلهل ‪ .‬ومن آشلك عليه ذ ك فلينظر اىل آصفياء وخريته‬
‫من خلقه من النبياء وسادات العلامء وخواص الولياء ‪ ،‬هل رضوا من‬
‫آنفسهم فعال ؟ آواس تحس نوا لها حاال ؟ مفن عرف نفسه مل يأمن من آن‬
‫تلقيه يف هملكة ‪ ،‬فاليزال كثري التيقظ ‪ .‬ومن اكن حالته اليقظة رآى مايرد‬
‫عليه من دواع الهوى ‪ ،‬وتسويالت الغوى ‪ ،‬وسمل قلبه عن ورود‬
‫ظلامت الشك ‪ ،‬واستنار بأنوار االميان ‪ ،‬وآرشقت عليه مشوس االحسان‬
‫‪ ،‬وطلعت عىل رسه طالئع الكشف والعيان ‪ .‬وآصل ذ ك عدم رضاه عن‬
‫نفسه حيث اهتمها ومل يرض عهنا ‪ ،‬فأمعن التفقد يف آحواهل ‪ ،‬وصفا عن‬
‫كدر الهوى آعاملها ‪ ،‬فصار يتعفف عن سفساف دواعهيا ‪ ،‬وجيتنب وخمي‬
‫‪132‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫مراعهيا ‪ ،‬وآلزهما مافيه فالهحا ‪ ،‬وجرعها مافيه جناهحا ‪ ،‬فأكرهما بكرامة ال‬
‫اهانة بعدها ‪ ،‬وطهرها طهارة التدنس بعدها ؛ وذ ك بنظر االميان ‪ .‬لن‬
‫نوراالميان آن يريه احلق حقا فيتبعه ‪ ،‬والباطل ابطال فيجتنبه ‪.‬‬
‫ومر آن النفس من حيث مركزها اجلبيل ‪ ،‬وطبعها احليواين ابطال ‪ .‬ومن‬
‫حيث حمتدها القديس ومظهرها الرويح وجتلهيا الرسي ووسعها االمس‬
‫حق فيتبعه ‪ .‬فاملسمى بلسان اذلم نفس هو املركز اجلبيل احليواين ‪،‬‬
‫فالرضا عن هذا املركز والهبوط اىل هذا احملتد آصل لك معصية ‪ .‬لن‬
‫املعايص التظهر اال فيه ‪ ،‬والتعرف الشهوات وظلامت الغفالت اال به ‪ .‬اذ‬
‫العامل الهبوط حمل املظهر الهوى ‪ ،‬والعامل العلوي بطبعه اليقبل ذ ك لكه ؛‬
‫ال املعصية وال الغفةل والالشهوة اليعصون هللا ما آمرمه ‪ ،‬يس بحون الليل‬
‫والهنار اليفرتون ‪ ،‬طعاهمم التسبيح ‪ ،‬ورشاهبم الهتليل ‪ .‬وجعل هللا ببالغ‬
‫حمكته االنسان مجمع العاملني ‪ ،‬العلوي بقلبه والسفيل بنفسه ‪ ،‬فاىل آهيام‬
‫اكن ميهل ورضاه اكن احلمك هل وادلوةل عىل من سواه ‪ ،‬فاذا ريض عن‬
‫النفس آثرها عىل القلب فاس تعملت يف عاملها وقادته اىل طبعها ‪ ،‬وحيث‬
‫اكن ساخطا علهيا مل يكن احلمك لها بل علهيا وآثر القلب يف اس تعاملها يف‬
‫حمابه ‪ .‬وقد علمت آن العامل العلوي مامه عليه من الصفاء واليقظة واحلذر‬
‫من اخملالفة ‪ ،‬حفينئذ تتصف بوصفه ويعود فرعها لصهل ؛ فتسمى مطمئنة‬
‫‪ ،‬وتدخل يف مجةل عباده اخلاصني حبرضته الصاحلني خلدمته ‪ .‬ويل يف ذ ك‬
‫شعرا ‪:‬‬
‫الترض عن نفسك ان النفس مركزها حييد ابلقلب عن مشهوده السايم‬
‫وكن علهيا معينا يك يكون لـــــــــها من رهبا من شهود القرب انـعــــايم‬
‫‪133‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وآكرث من يرىض عن نفسه ويس تحسن آحواهل من انامت اىل حاهل من‬
‫مايرتفع به ؛ آما عمل آوحسب وهوى ‪ ،‬آما ظاهر جيل وآما ابطن ‪ ،‬فقل‬
‫من قام به شئ من ذ ك آن خيال عن الرضا عن النفس ولو يف بعض‬
‫الحوال ‪ ،‬اال من حفظ رسه وآلبسه احلفظ وحفه بالكية العناية وجلهل‬
‫بنور الوالية ‪ .‬فاليغرت بذ ك ومل خيدع ملا هنا ك ‪ ،‬وحصبة املغرورين غرور‬
‫لن للصحبة يف املصحوب آثر ظاهر ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( ولن تصحب جاهال اليرىض عن نفسه خري ك من آن تصحب عاملا‬
‫يرىض عن نفسه ! فأي عمل لعامل يرىض عن نفسه ؟ وآي هجل جلاهل‬
‫اليرىض عن نفسه )‬
‫فالصحبة عند املشاخي لها آصل آصيل ‪ ،‬بل يه معدة الطريق ‪ ،‬ويه الركن‬
‫العظم ‪ .‬لن للصحبة تأثري يف امجلاد والهوى ؛ فكيف يف النفوس املقابةل‬
‫مايلقاها مشاهدة وفعال ونظرا ومسعا ‪ ،‬وفائدهتا تريق الصاحب اىل حاةل‬
‫املصحوب وانتقال آوصافه اىل آوصافه وآفعاهل ‪ ،‬كذ ك اىل آفعاهل وآخالقه‬
‫ومجيع هباته بواسطة احملبة ورابطة التألف الرويح حىت يصري اذلاتني‬
‫والوصفني والفعلتني والهيأتني كشئ واحد ‪ ،‬الينفك آحدهام عن الخر من‬
‫حيث اس تحاةل كون الفردين فرد ‪ ،‬فاذا صاحبت من يرىض عن نفسه‬
‫وقد علمت آن الرضا عن النفس آصل لك معصية وغفةل وشهوة ‪ .‬فأي‬
‫خري يف حصبة من تأصلت فيه املعايص ‪ ،‬وحتمكت عليه الغفةل ‪ ،‬ورخست‬
‫فيه الشهوة ‪.‬‬
‫واعمل آن امس العمل ملن هذا الوصف وصفه جمازا الحقيقة ‪ ،‬والعمل عىل‬
‫احلقيقة امنا هو من عرف الطريق املوصل اىل سعادة البد ‪ ،‬واجلهل امنا‬
‫‪134‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫هو لكام غرك ابهلل وصدك عن عبادة هللا ‪ ،‬وقد علمت آن آصل لك طاعة‬
‫وعفة ويقظة عدم الرضاء عهنا ‪ ،‬فأين اجلهل ملن تأصلت فيه الطاعة ‪،‬‬
‫وحمكت عليه العفة ومغرته اليقظة ‪ .‬فصحبة من هذا حاهل آصل لك‬
‫اخلريات ‪ ،‬ومجمع املرسات ‪ ،‬ومفتاح الرباكت والسعادات ‪ ،‬وسمل القرابت‬
‫‪ ،‬فهو حقيق بأن يتخذ اماما ‪ ،‬ويالزم شهورا وآعواما ‪ ،‬ليرسي اىل‬
‫املصحوب براكت حصبته ‪.‬‬
‫وآما من اكن حالته االغرتار ابهلل ‪ ،‬واالعراض عن آوامر هللا ‪ ،‬وانهتاك‬
‫حمارم هللا فصحبته آرض الش ياء س امي اذا اكن مرتسام مبرامس العلامء ‪،‬‬
‫ومزتئي بزئي احلكامء وهو غافل عن عيوب نفسه ‪ ،‬وحمجوب عن حرضة‬
‫قدسه ‪ ،‬متطاول يف الالكم متاكلب عىل احلطام ؛ فرضورة حصبته آشد‬
‫من رضورة حصبة من مل يرتمس بذ ك الرمس ‪ ،‬ومل يعرف بذ ك االمس ‪.‬‬
‫لن من مل يدع ذ ك ترىج توبته وتعرف هل ولغريه زلته فال يتبع فهيا ‪.‬‬
‫قال االمام ريض هللا عنه يف بدايته ‪ :‬آرض الش ياء حصبة عامل غافل‬
‫وصويف جاهل ‪ .‬واصل رضر هؤالء رضامه عن نفسهم مبا مه عليه هذا من‬
‫العمل ‪ ،‬وهذا من املنصب واالنتساب اىل آويل الفضائل ‪ ،‬وعبارة املصنف‬
‫يف هذا السلوب جعيب اذ جعل الرضا عن النفس آصل للمعايص‬
‫الظاهرة والباطنة ‪ ،‬واملعايص آصل الغفةل لهنا حصلت بسبب ظلمة‬
‫املعايص ‪ .‬والغفةل آصل للشهوات لهنا نتيجة الغفةل ‪ ،‬فلقد آحسن يف ذ ك‬
‫جفزاه هللا خريا ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫معايص هللا جيمعها وينتـــــجها رضاك عن نفسك الزوراء ايانسان‬
‫الختدعنك يف تزوير غــــــرهتا وكن ذيك الفهم ان احلـــــــر يقضان‬
‫‪135‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اايك تصحب من مل يدر خربهتا فصحبة الغافل املغـــــرور خرسان‬


‫من مل يفتش عن آرسار سريهتا طاحت بصريته والقلب حــــــريان‬
‫فلام مزي حاهل احملق وهو اذلي اليرىض عن نفسه لمرين ‪ :‬آما ظهور نور‬
‫العقل فريى نقصها ‪ ،‬آوشهود العمل فريى عدم اخالصها ‪ ،‬آوبنور احلق‬
‫فريى مضادهتا لوجود ابرهيا ابدعاهئا آهنا وان لها ومهنا من حاةل املبطل‬
‫اذلي مع عن هذه املشاهدة ومل تظهر عليه هذه الفوائد ‪ ،‬آرضب عن‬
‫املبطلني وابطلهم ‪ ،‬وآخذ يف تفصيل آحوال الساكني ومشاهدمه ‪ ،‬فقال‬
‫ريض هللا عنه مشريا ذل ك املعىن ‪:‬‬
‫( شعاع البصرية يشهدك قربه منك ‪ ،‬وعني البصرية تشهدك عدمك لوجوده‬
‫‪ ،‬وحق البصرية يشهدك وجوده ؛ العدمك والوجودك )‬
‫عبارته ابلشعاع تشري اىل آثر نوراالمس الظاهر آثره عىل ظواهر الراكن‬
‫وحمسوسات البدان ‪ ،‬فتخر الذقان خضوع ‪ ،‬وجتري وابالت حسائب‬
‫ادلموع ‪ ،‬وتسلني عن الظامء واجلوع ‪ .‬فهذا ماظهر من الشعاع وذ ك مثرة‬
‫االطالع ‪ :‬روية العبد اطالع هللا عىل حراكته وسكناته ‪ ،‬ويكون مشهده‬
‫من الكتاب { وماتكونوا يف شأن وماتتلوا منه من قرآن والتعملون من‬
‫معل اال كنا عليمك شهودا اذ تفيضون فيه } [ الية ‪ 61‬يونس ] فهذا مشهد‬
‫من شهد آقربية احلق اليه من لك شئ ‪ ،‬فيؤثر حبه عىل حب لك شئ ‪،‬‬
‫وذكره عىل ذكر لك شئ ‪ ،‬وطاعته عىل لك شئ ‪ ،‬وحصبته واحلياء منه‬
‫عىل لك شئ ويف لك شئ ‪ .‬فال يرى شئ اال ويراه لقرب اليه من ذ ك‬
‫الشئ قراب اليكيف بكيف والحيد بأين ‪ ،‬وحياور قربه قرب االثنني ‪ ،‬فال‬

‫‪136‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫تدرك عنده رتبة البني ‪ ،‬فهذا شعاع البصرية الفائض من ارشاق نور‬
‫الرسيرة ‪.‬‬
‫وآما عني البصرية فهي عني القلب اذلي تدرك به املعارف ومتزي به اللطائف‬
‫عن الكثائف ‪ ،‬فيشهد اللطائف آهنا آنوار من آنوار هللا ؛ آما من آنوار‬
‫ذاته وآما من ارشاق صفاته وآما من جتليات آسامئه ‪ ،‬وآسامءه وصفاته‬
‫وذاته حق ‪ ،‬والكثائف ظلامت عدمية وصورة ومهية ‪ .‬فيتحقق عند ذ ك‬
‫رضورة وجود احلق من حيث اللطيفة الوصفية آواالمسية ‪ ،‬آوالقبضة‬
‫اذلاتية وعدم وجود هذه الصورة الومهية ‪ ،‬وذ ك ظاهر ابلعيان ‪ ،‬ومشهود‬
‫ابلبيان ‪ ،‬ومتحقق ابدلليل والربهان ‪.‬‬
‫وآما حق البصرية وهو نور احلق الظاهر ورسه الباهر وصبح وجوده‬
‫السافر فاليشهدك سواه { وقل جاء احلق وزهق الباطل ان الباطل اكن‬
‫زهوقا } [ الية ‪ 81‬االرساء ] مفا ذا بعد احلق اال الضالل ‪ ،‬والضالل هو‬
‫الباطل العدم فال يشهد بنور احلق سواه ‪ ،‬فهو الشاهد والشهود واملشهود‬
‫{ سرنهيم آايتنا يف الفاق } لهل الشعاع { ويف آنفسهم } لهل‬
‫العيان وظهور البيان { حىت يتبني هلم آنه احلق }[ الية ‪ 53‬فصلت ] فهنا‬
‫تفىن وجود ومه الشأن ‪ ،‬وخترس اللسان ‪ ،‬ويقبض العنان ‪ ،‬وحيقق معىن‬
‫قوهل { لك يوم هو يف شأن } فتس تغرق هويته جزئيات العيان ‪،‬‬
‫وتنطمس عند وجوده امللوان ‪ .‬فاذا ظهرت الحدية وهبت تنويه الثان ‪،‬‬
‫والبصري ة من حيث يه نور وجودي يقبل االفاضات احلقية ‪ ،‬ويرشق‬

‫‪137‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫شعاعها عىل العوامل اخللقية ‪ ،‬ويه تقابل عامل الشهود من الوجود ‪ ،‬ويه‬
‫المانة املعنية ‪ .‬وهللا آعمل ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫شعاع نور البصــــــرية يس تضاء به من ظلمة اجلهل من هو سا ك الس بل‬
‫بعني مشهدها يعطى مأربــــــــــــــه ويغتين عن عبــــــور الشئ ابملثل‬
‫وحق ذاك وجودا اليشاربــــــــــــه وتنطوي دونه اللباب واملقــــــــل‬
‫فاذا حتققت ماهو عليه من صفات الكامل ‪ ،‬وآنه العامل بلك حال ‪ ،‬وآن‬
‫دليه وعنده من صنوف االفضال مااليدخل حتت حرص مقال ‪ ،‬وهو‬
‫متصف به من مجيل الفعال ‪ .‬فالتتعداه املطالب واليرى من غريه‬
‫الرغائب ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( التتعد مهتك اىل غريه ‪ ،‬فالكرمي التتخطاه المال )‬
‫الكرمي هو اذلي يعط من مل يرىج نفعه والخياف رشه ‪ ،‬واليبال مبن‬
‫آعطى والمبا آعطى ‪ ،‬لثبوت غناه عن ايصال املنافع اليه ‪ ،‬وتعاليه عن آن‬
‫يدرك كهنه سواه ‪ ،‬آويثين عليه حق ثناه اال اايه ‪ .‬فهو الكرمي املفضال‬
‫اذلي التتخطاه المال ‪ ،‬ومل تعرتيه مغريات الحوال ‪ .‬حفيث علمت آنه‬
‫كذ ك فالينبغ ك آن تتعدى هبمتك يف حواجئك اىل سواه ‪ ،‬والتقصد‬
‫يف همامتك اال اايه ‪ .‬فال لغريه حقيقة وجود يف ذاته وصفاته فضال عن آن‬
‫يكون عنده ماتطلب ودليه ماتقصد ‪ ،‬واليرضاك تقصد غريه والتعرض عن‬
‫معروفه وخريه ‪ .‬كيف وقد علمك ذ ك ود ك عليه ‪ ،‬ونهبك عىل ماعنده‬
‫من عظمي الفضل فقال { وهللا ذو الفضل العظمي } [ الية ‪ 74‬آل معران ]‬
‫وذ ك عىل انك اليوحش نك عظمي جرمك وكثري ذنبك ‪ ،‬فهو اذلي اذا‬

‫‪138‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫قدرعفا ‪ ،‬واذا اعتذر اليه قبل وما اس تقىص فقال { آدعوين آس تجب لمك‬
‫} [ الية ‪60‬غافر] وقال { واسألوا هللا من فضهل } [ الية ‪ 32‬النساء] وقال‬
‫{ مفن اتب من بعد ظلمه وآصلح فان هللا يتوب عليه } [ الية ‪ 39‬املائدة ]‬

‫وقال { اال من اتب وآمن ومعل معالصاحلا فأولئك يبدل هللا سيئاهتم‬
‫حس نات } [ الية ‪ 70‬الفرقان ] اىل غري ذ ك ‪ .‬ومن لطفه بعبده آن جعل‬
‫لعباده من لك امس من آسامئه خلقا ‪ ،‬فامحلدهلل ‪ .‬فقل من جتد من آهل‬
‫دائرة االسالم مل يتخلق بواحد من آسامئه ‪ ،‬فكل من امسه الكرمي آن تكرم‬
‫نفسك وتصوهنا عن رذائل آخالقها ‪ ،‬وتكرهما ابلتقوى ‪ ،‬وتكرم لك عضو‬
‫من آعضائك ابحيائه ابلعامل املقربة اىل هللا زلفى ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ان كنت ترجو دليه الفضل والمل فالتعــــــــــــداه للنساب واحليل‬
‫ان الكرمي اذا مانيل مل يــــــــــــنل يعط ويغيض عن االجـرام والزلل‬
‫فكيف تعرفه يوما وتبــــــــــــــتذل اىل اخلالئق آوتلجاء اىل العــــــلل‬
‫فلام اكن هو اذلي يورد احلاجات عليك كام آنه هيديه الزلفى دليك نعمة منه‬
‫لريدك اىل اببه لتقرع بكف الفقر واالضطرار ابب الغىن ‪ ،‬وخزائن العطاء‬
‫املودوعة حتت وجود االنكسار واالضطرار ‪ .‬قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( الترفعن اىل غريه حاجة هو موردها عليك ‪ ،‬فكيف يرفع غريه مااكن هو‬
‫هل واضعا ؟ من اليس تطيع آن يرفع حاجة عن نفسه ‪ ،‬فكيف يس تطيع آن‬
‫يكون لها عن غريه رافعا !؟)‬

‫‪139‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫الرفع هو الطلب وعكوف اهلمة عىل ابب املرفوع اليه ‪ ،‬آما يف رفع انزةل يف‬
‫احلال ؛ آوخوف يف املأل ‪ ،‬آوعطية آودفع بلية ‪ .‬فاذا علمت ذ ك ‪،‬‬
‫واعطاء نور التوحيد آن الفاعل اال هللا علمت آن وجود املنافع ودفع‬
‫املضار آاثر ملؤثرات ‪ ،‬وتكل املؤثرات آما من ظاهر الفعال الظاهرة آاثرها‬
‫يف ظواهر العامل والقوال ‪ ،‬وآما من آاثر جتيل الصفات اليت تظهر آاثرها‬
‫يف امللكوتيات واملقامات الخروايت ‪ .‬واذا حتققت آن ال فاعل والمؤثر‬
‫والحمرك والمسكن والانفع والضار والواضع والرافع اال هللا ‪،‬‬
‫والموصوف بصفات الكامل والظاهر ابمجلال واجلالل اال هللا ‪ ،‬علمت يقينا‬
‫آنه اليرفع مانزل بك سواه ‪ ،‬وعلمت آن غريك مثكل يف جعزه عن رفع‬
‫مانزهل ‪ ،‬آوتبديل ماقدره ‪ ،‬مفاجاز عليك جاز عىل غريك ‪ ،‬فاذا مل تقدر‬
‫عىل رفع مانزل بك فغريك آجعز ‪ .‬كيف تزنل احلواجئ آوترفع املطالب اىل غريه‬
‫؟ آم كيف جيمل بك آن تقيض مطلبا لطلب اىل سواه ‪ ،‬وقد علمت فقر‬
‫غريه وثبوت غناه ‪ ،‬وجعز غريه وثبوت عزه واقتداره ‪ ،‬آم كيف تنترص مبن‬
‫هو مفتقر يف وجود غناه ؟ ايعحبا آترى يرفع غريه ما آنزهل ؟ آويطلب من‬
‫سواه مااليوجد اال يف خزائنه ! ؟ آترى لغريه من القدرة ماليس هل ؟‬
‫آويوجد معه من هو ما ك يف وجوده وغائب يف شهوده ؟ ويكفيك من‬
‫العتب آن آثبت الباطل مع احلق ‪ ،‬فكيف وقد آثبت الباطل وآمنت به‬
‫وكفرت احلق آي سرتته ‪ .‬قال هللا { واذلين آمنوا ابلباطل وكفروا ابهلل‬
‫آولئك مه اخلارسون } [ الية ‪ 52‬العنكبوت ] ومن آخرس حاال وآخيب‬
‫سؤالا ممن رفع حواجئه مبن هو غافل عن دعائه ‪ ،‬ومتربئا عن والئة ‪ .‬فاذا‬

‫‪140‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اكنت المور صادرة عنه ‪ ،‬وقد علمت كامل علمه وغناه ‪ ،‬ونفوذ حمكه ‪،‬‬
‫وآنه الراد لمره والمعقب حلمكه ‪ ،‬فكيف تراك تقصد غريه وهو اليرىض‬
‫ذ ك ك ‪ ،‬آليس يف ذ ك غاية اجلفاء وعدم االنصاف وترك املباالة ابجلناب‬
‫االلهي ؟! مفا ترجع اىل اببه اال وقد حاولت لك حيةل ‪ ،‬وتلوذت بلك‬
‫وس يةل ‪ .‬آترى للوسائل من جلب النفع ودفع الرض ماليس هل ؟ آم تراه‬
‫اليسمع بذ ك ويعمل رضاك اال بتذكري املذكرين ؟ كيف وهو اذلي نصب‬
‫ادلالئل وآابن الوسائل ‪ .‬هذا العتب اذا غفلت عنه وغفلت بسواه ‪ ،‬ومل‬
‫تشهد رس هللا يف الوسائط والوسائل ‪ ،‬واال اذا كنت ذل ك شاهدا وهل يف‬
‫المور ذاكرا فالحرج آن تتوسل اليه بوسائهل ‪ ،‬وتترضع اليه بأصفيائه‬
‫وخواص آوليائه وشعائره ‪ ،‬ومااحرتم حلرمته فهو اذلي نصب الس باب ‪،‬‬
‫وعرفك البواب ‪ ،‬فقال { وآتوا البيوت من آبواهبا } [ الية ‪ 189‬البقرة ]‬
‫فسامه برا ‪ ،‬وقد علمت ما آمرك آن هللا تشفع اليه وتدعوه به من آسامئه ‪،‬‬
‫وماعرفك يف كتابه اذا قال { وهلل السامء احلس ىن فادعوها هبا } [ الية‬
‫‪ 180‬العراف ] وقد ثبت آن شفاعة النبياء والعلامء لك عىل حسب جاهه‬
‫عنده ‪ ،‬لكن بعد االذن يف ذ ك فقال { واليشفعون اال ملن ارتىض } [‬

‫الية ‪ 28‬النبياء] وآحقهم بذ ك املقام آخشامه ‪ ،‬فقال { ومه من خشيته‬


‫مشفقون } [ الية ‪ 28‬النبياء ] ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ايطالب النجح يف احلاجات والظفر آقصد هديت اىل ذي اجلود والكرم‬
‫كن عاكفا اهلم يف احلاالت ابلنظـر اىل اذلي خريه مج النـــــــــــدى معم‬

‫‪141‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وآصل االعامتد عىل هللا حسن الظن ابهلل ‪ ،‬وآصل االعامتد عىل غري هللا‬
‫سوء الظن ابهلل آعاذان هللا منه ‪ .‬وحسن ظنك به يلزمك ان مل حتسن‬
‫ظنك به لكونه آهل الفضل ‪ ،‬ولوصافه الغىن ‪ ،‬ونعوته الفضال ‪ ،‬فلام‬
‫يصل اليك من الالء واالحسان ‪ ،‬وعظم االمتنان ‪ ،‬فذ ك مالزمك عىل‬
‫ممر الزمان ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( ان حتسن ظنك به لجل حسن وصفه ؛ حفسن ظنك به لجل معاملته‬
‫معك ؛ فهل عودك اال حس نا !؟ وهل آسدى اليك اال مننا !؟)‬
‫حسن الظن ابهلل آصل لك خري ‪ ،‬ومنبع لك فضيةل ‪ ،‬وآجنح لك وس يةل ‪.‬‬
‫وبه انل ذوي الفضائل ‪ ،‬واعمتده لك حمقق واصل ‪ ،‬وعنده يكون ك لك‬
‫ما آنت آمل ‪ ،‬وتصلح معامةل لك عامل ‪ .‬فاذا آراد هللا آن ينيل عبده‬
‫فضيةل ويوليه مجيةل جعل حسن الظن ابهلل هل اليه سلام ‪.‬‬
‫واخللق يف حسن ظهنم ابهلل عىل قسمني ؛ بل آقسام كثرية ‪ ،‬مفن خاصة‬
‫وعامة ‪ ،‬ومه آيضا صنوف وآقسام عديدة ‪ :‬فاخلاصة ملا عرفوا ما هو عليه‬
‫س بحانه من النعوت العلية والصفات امجليةل ‪ ،‬حس نوا ظهنم به ملا ترحش يف‬
‫مشاهد آرسارمه من آنوار صفاته ‪ ،‬وجتليات آلطاف ذاته ‪ ،‬فمل تغريمه‬
‫اختالفات العوارض الكونية والالم البدنية ـ مامتكن يف آرسارمه من‬
‫لطيف جامهل ‪ ،‬وعيل كامهل ‪ .‬فهؤالء حسن ظهنم به ال لشئ والبشئ ‪ ،‬بل‬
‫هو عليه وبه الحبدوث عرض ‪ .‬والعامة ملا مل يشهدوا ذ ك ‪ ،‬ومل حيظوا مبا‬
‫هنا ك ولكن حس نوا ظهنم به لكون آايدي فضهل علهيم متواصةل ‪ ،‬ومزااي‬
‫بره دلهيم مزتايدة ‪ ،‬ومل يعودمه اال لطفا واحساان وفضال وامتناان ‪ .‬فالولون‬
‫مأمونون االنقالب عام مه عليه ‪ ،‬لهنم حس نوا ظهنم اللعةل والبعةل ‪.‬‬
‫‪142‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫والعامة غري مأمونني االنقالب لتقلب الحوال ‪ ،‬فلرمبا يضعف عن حسن‬


‫الظن به مع وجود املؤملات وحصول املنغصات ‪ .‬واذلين حس نوا الظن به‬
‫لكونه آهال ذل ك ‪ ،‬ومس تحقا هل اليتطرق الهيم سوء الظن لجل حصول‬
‫شئ مما ذكر ‪،‬لهنم مس تغرقني يف شهود الوصاف العلية والنعوت السنية ‪.‬‬
‫والحاديث والخبار والاثر يف حسن الظن آكرث من آن تذكر ‪ ،‬وآظهر‬
‫من آن تشهر ‪ .‬مهنا ‪ :‬حديث قديس " آان عند حسن ظن عبدي يب "‬
‫ومهنا " الميوتن آحدمك اال وهو حسن الظن ابهلل "‬
‫وآما الاثر مفا روي عن آحد من آهل هللا اال واكن آغلب آحواهل يف معوم‬
‫آوقاته حسن الظن ابهلل ‪ ،‬فطرزوا به الكتب وادلفاتر ‪ ،‬وزينوا به اخلطب‬
‫واملنابر ‪ ،‬س امي من اكن مقامه آرفع وعلمه آوسع ‪ ،‬فال يكون جل مقاهمم‬
‫وابلغ الكهمم اال يف حسن الظن ابهلل ‪ ،‬فهو من آجل مقامات العبودية ‪.‬‬
‫فلو اكن معل الرجاء مهنم آوحال آرشف منه لاكن ينبغ للعبد آن يتصف‬
‫به عند خامتة معره ‪ ،‬فلام مل يكن آرشف منه حال وال آرفع منه من آحوال‬
‫العبد كام دلنا عليه الناحص الشفيق فقال ‪ :‬الميوتن آحدمك اال وهو حسن‬
‫الظن ابهلل ‪ .‬فال ينبغ للعبد آن يفارقه حسن الظن ابهلل حملة والفلتة‬
‫خاطر ‪ ،‬لنه مل يأمن جهوم املوت عليه يف حال من آحواهل ‪ .‬واليناقض كونه‬
‫خاش يا وخائفا ‪ ،‬فانك اذا قدمت عىل مكل كرمي آوعدك ابلعطاء ومجيل‬
‫الوفاء تكون عىل ثقة من ذ ك مع ما آنت عليه من هيبة املكل وخوف‬
‫سطوته ‪ ،‬فذ ك مشاهد ‪ .‬ويتأكد حسن الظن عند النوازل لنه قال " آان‬
‫عند حسن ظن عبدي يب " فاايك آن خترج عن حرضة عنديته ان خري‬
‫خفري وان رش فرش ‪ ،‬فاللك ظان ابهلل ظن فلك ظن عىل حسب‬
‫‪143‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ماحقيقة العبد عليه منطوية ‪ ،‬فال آدل عىل سابقة احلس ىن من هللا للعبد‬
‫من حسن الظن ابهلل ‪ ،‬واليكون حسن الظن وهو خمالف للمر ومنهتك‬
‫للمحارم ‪ .‬وآما اذا اكن كذ ك آي منهتك للمحارم اتراك للوامر فهو زندقة‬
‫وخروج عن احلد املطلوب ‪ ،‬فان متادى وتدين به ونبذ آوامر هللا فذ ك‬
‫دليل املكر ‪ ،‬فلك من اكن ظنه ابهلل آحسن اكن لمره آحفظ ‪ ،‬وعىل‬
‫حمابه آحرص ‪ ،‬ومن مكره واس تدراجه آخوف ‪ .‬وذ ك دليل القرب‬
‫اذخاصة املكل آشد خوفا وهيبة من آهل البوادي والقاصني يف آابعد‬
‫النوايح ‪ .‬ومع كوهنم آشد اخللق خوفا منه مه آرىج الناس لفائضات‬
‫عطاايه ‪ ،‬وآحرامه مبنته ومزاايه ‪ ،‬وهلل املثل العىل وهو العزيز احلكمي ‪.‬‬
‫ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫حفسن الظن يك حتظى بــه وكــــذا يكون ك لك ماترجو وحتتسب‬
‫ان مل تنل من شهود الواصــلني فذا ملا اليك من االنعـــــــام والنسب‬
‫فكيف ترجع عن ابب الكرمي اذا قصدته عند فقد احلول والسبب‬
‫فاذا آردت حسن كامل الظن ابهلل فعليك يف عامة ليكل وهنارك بتعلق‬
‫قلبك بوحدانية هللا ‪ ،‬واس تعامل جوارحك وهجدك فامي يقربك اليه زلفى ‪،‬‬
‫وابذل الوسع فامي يبعدك من القواطع عنه ‪ ،‬فعند ماتصفوا ك املشارب ؛‬
‫وتتحقق ك املطالب ترى يقينا آن لك ماسوى هللا عز وجل مفارقك‬
‫ومتخلف عنك ومتربئا منك ‪ ،‬وآن اذلي اليفارقك وال يتخلف عنك هو‬
‫س يدك وموالك عز وجل ‪ ،‬وذ ك السوى اكئن مااكن من دنيا وآهل‬
‫وآقرابء وآصدقاء ‪ .‬فعند ما يتحقق ذ ك ختلف اللك عنه ‪ ،‬وانفاكك لك‬
‫مقارن وعينة لك معاين ‪ .‬قال املؤلف ريض هللا متعجبا بعد حتقق ذ ك ‪:‬‬
‫‪144‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫( العجب لك العجب ممن هيرب مما الانفاكك عنه ‪ ،‬ويطلب ماالبقاء معه ‪،‬‬
‫{ فاهنا التعمى البصار ولكن تعمى القلوب اليت يف الصدور } [ الية ‪46‬‬
‫احلج ]‬
‫العجب هو التعجب من حسن الشئ ومن قبحه ‪ ،‬فاذا بلغ غاية احلسن‬
‫تعجب من بداعة الصنع وكراهة القابل ‪ ،‬ومن ذ ك " جعب ربك من شاب‬
‫ماصبا ‪ ،‬وجعب ربك من قوم يقادون اىل اجلنة بسالسل " ‪ .‬ومن قبح‬
‫الشئ اذا بلغ الغاية يف القبح وامحلاقة ومنه ذ ك ‪ .‬م مل يرىض ابلعجب‬
‫جمردا بل آكده بقوهل ‪ :‬لك العجب ممن هيرب مما الانفاكك هل عنه وهو هللا‬
‫س بحانه الانفاكك للعبد عنه ‪ ،‬فكيف عن من اليظهر وجود يف ممر وجوده‬
‫اال به ‪ ،‬ومل تنفك عنه معيته آزال وآبدا ووجودا آولك من سواه من سائر‬
‫حمبوابته من مجيع شهواته ومذلوذاته متخلف عنه ومنفك عنه ابملوت ‪،‬‬
‫وبعوارض آخرى تعرض هل ‪ ،‬وهو اذلي آظهرها هل من خبوء العدم ‪ ،‬م‬
‫بعد ذ ك هيرب عنه ويسكن الهيا ‪ ،‬فذ ك دليل عىل معى قلبه وانطامس‬
‫نوره ‪ .‬وقد علمت آن نظر القلب يف عواقب المور ومكنوانت املعاين‬
‫ومشاهدة العجائب امللكوتية ‪ ،‬والتظهر جعائب امللكوت عىل من سكنت‬
‫نفسه اىل الشهوات ‪ ،‬وحارت فكرته يف مرتادف الظلامت ‪ ،‬فاذا هربت‬
‫عن من الانفاكك ك عنه ‪ ،‬واس توحشت وطلبت من آنت غين عنه وهو‬
‫اذلي يطلبك ‪ ،‬واس تأنست مبن هو عني وحش تك ‪ ،‬ويريد فرقتك ؛‬
‫فذ ك دليل عىل انطامس النور ومعى القلب ‪ ،‬واالس تئناس ابملرهوب {‬

‫فاهنا التعمى البصار } لن معى البصار مع نظر القلوب قربة وحتفة لهنا‬

‫‪145‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫معينة عىل مجعك عىل نظر القلب ‪ ،‬وآبعد عن التفرقات الشاغةل عن ذليذ‬
‫الفكر وخف الفكر ‪ .‬مع ماورد يف ذ ك من جزيل املواهب ونيل الرغائب‬
‫‪ ،‬كحديث " من آخذت حبيبتيه وريض عين مفا جزاؤه اال النظر اىل‬
‫وهجي " هذا معى البصار اذا استنارت القلوب ‪ .‬والعمى لك العمى هو‬
‫آن يعمى القلب عن هللا ‪ ،‬وعن شهود مظاهر آايته وجعائب مصنوعاته ‪،‬‬
‫ويس تأنس ويس تذل احملرمات ‪ ،‬ويس توطن مواطن الغفالت ‪ .‬فاشارته‬
‫ابلقلوب اليت يف الصدور احرتازا عن القلوب املدبرة والظواهر احملجوبة عن‬
‫النوار ‪ ،‬التاهئة يف ظلامت الاثر اليت يه مواضع التدبريات ادلنياوية ‪،‬‬
‫والشهوات احليوانية ‪ .‬فان الصدر هو املشاكة والقلوب املعنية اليت املعول‬
‫علهيا يف الكم هللا والكم رسول هللا ‪ ،‬واشارات آولياء هللا يه املصباح ‪،‬‬
‫فهذه القلوب اليت يف الصدور ‪ ،‬فاذا فقد ذ ك النور وآنكسفت هذه‬
‫البدور تؤدي بأهنا التعمى البصار ولكن تعمى القلوب اليت يف الصدور ‪.‬‬
‫ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ان العجب منك آن هترب اىل الغري من ابرئ الكون واملوجود يف الثر‬
‫لو كنت شاهدت مايف الكون من عرب غنيت ابلقلب عن منظرك ابلبرص‬
‫ولو اس تأنست به مل تس توحشك املصائب ‪ ،‬ومل تسرتقك مذلوذات‬
‫الرغائب ‪ ،‬ولغنيت عهنا وافتقرت اليك ‪ ،‬ولكن ملا اس تأنست هبا‬
‫واس تذلذهتا توحشت عليك واس توعرت ‪ ،‬ونفرت عنك الش ياء لهنا مع‬
‫هللا حيث اكن هللا مع عبده ابلعون والنرص والهداية اكنت الش ياء كذ ك‬
‫‪ ،‬وحيث اس توحشت من هللا آوحش ته الش ياء آوانفرته وخذلته آحوج‬
‫مايكون الهيا ‪ .‬فلام اكنت الش ياء من حيث غرييهتا متساوية يف آنه الينبغ‬
‫‪146‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫للعبد آن يساكهنا وآن يرضاها دون هللا قبح حال من يرحل من كون اىل‬
‫كون ‪ .‬فقال ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( الترحل من كون اىل كون فتكون كحامر الرىح ‪ ،‬يسري واملاكن اذلي‬
‫ارحتل اليه هو اذلي ارحتل منه ‪ ،‬ولكن ارحل من الكوان اىل املكون {‬

‫وآن اىل ربك املنهتيى } ) [ الية ‪ 42‬النجم ]‬


‫الرحةل هو االرادة واهلمة والعزم عىل السري ظاهرا ابلراكن القالبية ‪ ،‬وآما‬
‫ابطنا ابحلراكت املعنوية وامجلعية القلبية ‪ ،‬واللنا اىل السفر ابلبدان حاجة‬
‫والهل تعىن ـ ولكن املراد السفر اىل هللا ابلقلوب من مواطن الشهود ‪،‬‬
‫وحمال الغفالت يف ميدان النفس ‪ .‬ويبدآ مراحل العادات احلاجبات عن‬
‫حرضة االقرتاب ؛ فال ترحل آهيا املريد الصادق من كون من الكوان‬
‫وتعلق مهتك بنيل حال آورفيع مقام آومس تذل وصال ‪ ،‬ولكن ارحل من‬
‫الكون مجةل ؛ ظلامين آوراين من الظواهر واملعاين اىل امللكوت ‪ ،‬فعند‬
‫آول نظرة هناك يندرج فيه مجيع ما يف الكوان من احلسن واالحسان ‪،‬‬
‫ومجيع ما يف اجلنان من لك مااليوصف بلسان ويشاهد بعيان ‪ ،‬فهذا آول‬
‫نظرة ‪ .‬وماورى ذ ك مما ادخره يف خزائن االحسان وذخائر االمتنان عند‬
‫الشهود والعيان { وآن اىل ربك املنهتيى } [ الية ‪ 42‬النجم ] فهو منهتيى‬
‫احلسن واالحسان ‪ ،‬ولقاه منية القايص وادلان ‪ .‬فلو مل يكن ذ ك مأمول‬
‫يف اجلنان ملا طاب يف اجلنة املقيل ‪ ،‬والظهر يف النار العويل ‪ .‬مفن رغب‬
‫عن ذ ك وطلب شئ ها ك ؛ اذ لك من سواه ها ك ‪ ،‬فهو حقيقة بأن‬
‫يوصف بوصف امحلار ‪ ،‬ومن البالدة واالنغامر ‪ ،‬يف مجةل الرشار ‪ ،‬اذلين‬
‫‪147‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫جحبوا عن النوار ‪ ،‬ومل حيظوا مبشاهدة الرسار ‪ ،‬ومل خيرجوا عن ظلمة‬


‫االناكر وحيطة االنقهار ‪ .‬وهذه غاية اجلهل لن يرحتل اىل ماعنه سار ‪،‬‬
‫فاليزال كذ ك ومل ينفك عن حراكت التدوار يف الاثر ‪ ،‬وترقب االنتقال‬
‫واخلروج عن الاثر اىل الطوار ‪ ،‬فمل تفتح هل مطالبه ‪ ،‬ومل تواهجه رغائبه‬
‫‪ .‬ولو اكن اىل هللا سريه لرءآه قريبا ودلعاه جميبا ‪ ،‬ولقاصده حبيبا ‪ ،‬ويظهر‬
‫هل مقام جنته يف صورة انر ‪ ،‬فيطري هل رشر ‪ ،‬وتبدوا مهنا مبادئ احملبة ‪،‬‬
‫وتفتح يف خزائن احملبة آرسار مفاتيح شهود احملبوب ‪ .‬وفهيا ياليق ماهو‬
‫الق ‪ ،‬ويلتف الساق ابلساق ‪ ،‬اىل ربك يومئذ املساق ‪ .‬وبعد ذ ك يفتح‬
‫ابب الس باق للعتاق ‪ ،‬يف السري اليه يبتغون اىل رهبم الوس يةل آهيم آقرب ‪.‬‬
‫ولرنجع ونقترص عىل االشارة اىل ذ ك ‪ ،‬مفن اكن مهته يف سريه نيل مقام‬
‫آوحصول عىل حال دون آن يويف الربوبية حقها ‪ ،‬فذ ك لبقااي خفيات‬
‫النفس ودسائس غوامض كوامن الهوى ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ارحل اىل هللا التلوي عىل آحد وكن لكيال عن الكوان والغــــري‬
‫مفنهتيى لك مأمــــــــول ومنقلب هللا قل والك الغيار عنك ذر‬
‫وآخذ يف االستشهاد عىل معىن الكمه حبديث جامع لفنون املعاين ‪ ،‬وهو‬
‫قوهل صىل هللا عليه وسمل ؛ قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( فانظر اىل قوهل صىل هللا عليه وسمل " مفن اكنت جهرته اىل هللا ورسوهل‬
‫‪ ،‬فهجرته اىل هللا ورسوهل ‪ ،‬ومن اكنت جهرته اىل دنيا يصيهبا ‪ ،‬آوامرآة‬
‫يزتوهجا فهجرته اىل ماهاجر اليه " فافهم قوهل عليه السالم ‪ ،‬وتأمل هذا‬
‫المر ان كنت ذا فهم ‪ ،‬والسالم )‬

‫‪148‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫قوهل ‪ :‬فانظر ‪ ،‬فالنظر يف آرسار املعاين وبواطن اللفاظ دآب آويل االنتباه‬
‫‪ ،‬وهو اول مبادي الفتوح القلبية ‪ ،‬النظر والخذ فيه ابلحسن ‪ .‬وآحسن‬
‫ماينبغ آن يدقق النظر وحيرر فيه العرب بعد الكم الكم رسوهل صىل هللا‬
‫عليه وسمل ‪ ،‬اجلامع لش تات املعاين ‪ ،‬فال آمجع منه بعد الكم هللا الكما ‪،‬‬
‫وال آبني منه برهاان ‪ .‬كيف ال وهو صىل هللا عليه وسمل اذلي آويت جوامع‬
‫اللكم ‪ ،‬واخترص هل الكون اختصارا ‪ .‬واستشهاده عىل الكمه هبذا احلديث‬
‫مريض موافق لغاية املراد ‪ .‬مفن جهرته ؛ الهجرة يه مفارقة الوطن ‪ ،‬وقد‬
‫علمت ما النفوس جمبوةل عليه من حب الوطن مبوانسة اجلار والسكن ‪،‬‬
‫مفا يفارق حمبوبه اال لنيل مطلوب ‪ .‬واملطالب آما مطلب س ين ومراد عيل‬
‫‪ ،‬وآما مطلب دين ‪ .‬فاملطلب العيل هو طلب هللا ورسوهل ‪ ،‬وال آعالمن‬
‫هللا ورسوهل ‪ ،‬وماسوى ذ ك فهو دين ‪ ،‬وصاحبه آدىن منه ‪ ،‬مفن فارق‬
‫حمبوابته واجتنب شهواته فقد هاجرعهنا ‪ ،‬وذل ك قال صىل هللا عليه‬
‫وسمل " املهاجر من جهر ماهنيى هللا عنه ‪ ،‬واجملاهد من جاهد هواه " فال‬
‫يعد فتح مكة جهرة اال هماجرة حمارم هللا ‪ ،‬ولك عائق يعوق عن هللا ‪ .‬مفن‬
‫مل يفارق ذ ك ومل هياجر عام هنا ك مما لمك من واليهتم من شئ حىت‬
‫هياجروا ‪ .‬فاذا علمت رشف الهجرة فرشفها حبسب املقصد ‪ ،‬فان اكن هلل‬
‫ورسوهل الحلظ عاجل وال جلزاء آجل فنعم الهجرة ‪ ،‬ومن اكن حلظ من‬
‫حظوظه دون ذ ك من شهواته فقد خرست صفقته وخابت بيعته وحتققت‬
‫عيبته ‪ ،‬مفجمع الشهوات ادلنياوية مجموعها ماذكر يف هذا احلديث ‪ ،‬ويه‬
‫ادلنيا والتنعم مبطامعها ومشارهبا ومالبسها ومراكهبا وجاهها ‪ ،‬ومجيع املأرب‬
‫العاجةل واحلظوظ الفانية ‪ ،‬وخص ذلة من مذلوذاهتا ابذلكر ‪ ،‬اذ يه‬
‫‪149‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫مبجموع الشهوات اكلرآس من اجلسد ‪ ،‬ويه حب الناكح ومجع اهلم هل ‪،‬‬


‫هذا عىل السا ك الطالب ‪ ،‬ومن جعل يف عزمه ارداة لشئ دون هللا‬
‫ورسوهل فهو حقيق ابذلم ‪ ،‬اذ املرادات الشهوات الظاهرة آواملطالب‬
‫املس تأثرة ‪.‬‬
‫وقوهل ‪ :‬آي افهم ‪ ،‬اشارة احلديث الباطنة اليت نهبت آويل العزم عىل جتريد‬
‫اهلمة يف السلوك اىل هللا ال اىل شئ دونه ‪ ،‬مفادون هللا مقصد يصمد ‪،‬‬
‫والمرام يعمد ‪ ،‬والسالم ‪ .‬مفا بعد هذا الالكم الكم ‪ ،‬والبعد املطلوب‬
‫مرام ‪ ،‬وعند السالم ينهتي الالكم ‪ .‬ويف هذا احلديث اشارة وهللا آعمل‬
‫تشري اىل املرادات ادلنياوية واحلظوظ النفس ية اذا آريدت هلل ورسوهل من‬
‫عارف بتصحيح النية صادق الطوية آهنا تكون هلل اذا آريدت هل ؛ كن‬
‫يبتغ ادلنيا ليتوصل هبا اىل مقاصد مرضية ‪ ،‬والناكح ليتحصن به عن‬
‫الوقوع يف املعايص وارادة ودل صاحل وغري ذ ك من املقاصد احملمودة ‪ .‬واذلم‬
‫امنا يتوجه حيث جردت عن هذه النيات ‪ ،‬بل مبقتىض داع الشهوة‬
‫وقضاء الهنمة ‪ ،‬فهذا ظاهر كام مسعنا ذ ك عن ش يخنا وامامنا العارف ابهلل‬
‫معر بن عبدالرمحن فسح هللا يف مدته ‪ ،‬وآفاض علينا من هواطل فتوحه‬
‫وجزيل مواهبه ‪ ،‬وهو قوهل يف احلديث " فهجرته اىل ماهاجر اليه " ويل‬
‫يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ومل يعـرج اىل دنيا والجـــاه‬ ‫من هاجر السوء قاصد ابب مواله‬
‫عليه من ربنا الرحامت تغشاه‬ ‫والملطلوب دون هللا هيـــــــــــــــواه‬
‫فاذا آردت آن تسكل هذه املسا ك ‪ ،‬وتصف من كدورات الغيار اب ك‬
‫‪ ،‬وتزنه عن رؤية الس باب حا ك ‪ ،‬وتس تعني عىل سنن االس تقامة آعام ك‬
‫‪150‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وسائر آفعا ك ‪ ،‬فعليك بصحبة من اس تقامت آعامهل ‪ ،‬وصفت آحواهل ‪،‬‬


‫وحسنت آفعاهل ‪ .‬ومن مل يكن كذ ك فاايك وحصبته فان خمالطته ورؤيته‬
‫واس تحسان حالته آرض عىل دين املرء من السم عىل ظاهر جسمه ‪ ،‬اذ‬
‫ابلسم عىل ظاهر جسمه فناء اجلسم الفاين ‪ ،‬وبصحبة من هذه حالته‬
‫هالك ادلين ‪ .‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( التصحب من ال يهنضك حاهل واليد ك عىل هللا مقاهل )‬
‫الهني عن الشئ آمر بضده ‪ ،‬كام آن المر ابلشئ هني عن ضده ‪ ،‬فرتك‬
‫الهني سالمة ‪ ،‬وفعل المر غنمية ‪ ،‬والسالمة مقدمة عىل الغنمية ‪ .‬ذل ك‬
‫آثر جانب الهني ابذلكر ومضنه ابلمر ‪ ،‬فصحبة الش ياطني يف حضيض‬
‫احلظوظ اذلي مل تهنض مهمهم اىل الوج العيل ‪ ،‬ومل جتول قلوهبم يف املهنج‬
‫السوي ‪ ،‬فرؤيهتم قسوة ‪ ،‬وحصبهتم شقوة ‪ ،‬وآقواهلم يف اخلوض واللعب‬
‫مس تعمةل ‪ ،‬التنتج حمكة ‪ ،‬فاحلمك عهنا حمجوبة واملعايص لها مصحوبة ‪.‬‬
‫فأي فائدة يف حصبة من ال تهنضك آحواهل ‪ ،‬ومل تد ك آقواهل ‪ ،‬ومل هتدي‬
‫بأفعاهل ‪ ،‬ومل تصلحك آعامهل ‪ .‬فالصحبة يف طريق آهل هللا آصل كبري ‪،‬‬
‫ومهنج منري ‪ ،‬كام مضوا عليه آمئة الطريق وعلامء التحقيق ‪ ،‬كيف وآول من‬
‫رشع مهناهجا ‪ ،‬وآعذب آجاهجا ‪ ،‬وآانر رساهجا آحصاب رسول هللا ‪ ،‬اذمه‬
‫الحصاب والسادة الجناب ‪ ،‬والصاحب يرشف برشف صاحبه ‪ .‬ذل ك مل‬
‫توازي فضائلهم ومل تدرك وسائلهم ‪ ،‬مع آن غريمه اجهتد آعظم من‬
‫اجهتادمه يف العامل ‪ ،‬ومل تساوي جبال غريمه آقل ذرات آعامهلم ‪،‬‬
‫وماذاك اال ملا فاض علهيم من آاثر الصحبة وهواطل غوامر القربة ‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫والصحبة مع هللا ومع رسول هللا ومع آولياء هللا ومع خواص عبادهللا ‪،‬‬
‫ومع معوم خلق هللا ‪.‬‬
‫وللك حصبة آدب وحد ‪ ،‬فالصحبة مع هللا يه الصل وعلهيا يبين آساس‬
‫ادلين وعامد اليقني ‪ .‬آما آن تصحبه ابمتثال المر واجتناب الهني ‪ ،‬ويكون‬
‫نصب عيناك ‪ ،‬وعند مسعك ولسانك ‪ ،‬فتحفظ مااس تودعك ‪ ،‬وترعى‬
‫مااسرتعاك يف مجيع آحوا ك وآقوا ك ‪ ،‬فهذا يف حصبة العموم هلل ‪ .‬وآما‬
‫حصبة اخلصوص هو آن تفىن عن آفعا ك ‪ ،‬وتغيب عن آوصافك ‪ ،‬فتكن‬
‫دليه حارضا واليه انظرا ‪ ،‬وتمنحق بقااي شعورك بذاتك وآنيتك ‪ ،‬وظهور‬
‫آثنيتك مع ما آنت عليه من الصحو والقيام بوظائف العبودية ‪ ،‬واالنطواء‬
‫حتت توليات الربوبية ‪ ،‬والغيبة عن ظهور احلدثية ‪ ،‬ومضادة الثنوية‬
‫بظهور الولية والخرية ‪ ،‬هو الول والخر ‪ .‬والصحبة مع رسول هللا‬
‫حبفظ وصيته وحتكمي رشيعته ‪ ،‬وحسن متابعته يف مجيع آخالقه ومنورات‬
‫آفعاهل ‪ ،‬وابهرات آقواهل عىل الامتم ؛ اال مااختص به دون غريه ‪ .‬والحتمك‬
‫رآيك عىل سنته بل يكون هواك تبع ملاجاء به دون تعقل آوتأمل واجالهل‬
‫وحمبته ‪ ،‬وحمبة آحصابه وآهل بيته وموادهتم ‪ ،‬واجالل من قام برشيعته‬
‫وحمبة الفقراء ‪ ،‬وايثار الخرة عىل ادلنيا ـ واحياء مشاعر ادلين ‪،‬‬
‫والنصيحة لاكفة املسلمني ‪ ،‬وعدم الغش ‪ ،‬وتثبيت مااليرىض من القول‬
‫والعمل ‪ .‬اىل غري ذ ك مما ال ميكن حرصه ‪ ،‬ولو اكنت اخللق كتااب‬
‫والجشار آقالما ‪ ،‬والبحار مدادا من كرمي آحواهل وعظمي آخالقه صىل هللا‬
‫عليه وسمل ‪ ،‬وآن حيفظه يف مجيع ما وصل اليك من آمره وهنيه بعد مماته‬
‫كام يف حياته ‪ ،‬ليكون ك من الصحبة اخلاصة حظ ونصيب ؟ مفن حفظ‬
‫‪152‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ذ ك آىت يف يوم امجلع بعد طول االشتياق اىل التالق مبزيتني ‪ :‬مزية‬
‫الصحبة عىل الغيب ‪ ،‬ومزية اشتياقه صىل هللا عليه وسمل حيث قال "‬
‫واشوقاه اىل االخوان ‪ ،‬مؤمنون آخر الزمان " فينال من االكرام رتبة‬
‫احلبيب القادم من الغيبة عىل آهل املاكن ‪ ،‬فيالها من بشارة ملن حصب‬
‫صىل هللا عليه وسمل من آهل آخر الزمان ‪ ،‬ذل ك ضاعف هل املثوبة ‪،‬‬
‫وخفف عليه العقوبة ‪ ،‬حيث قال " العامل مهنم كخمسني منمك " قالوا بل‬
‫مهنم قال ‪ :‬بل منمك ‪ :‬وقال آيضا يف التحقيق ‪ :‬من معل بعرش ما آمر جنا ‪.‬‬
‫فامحلدهلل ‪.‬‬
‫وآما حصبة آولياء هللا فهي املواصةل املوصةل اىل هللا س امي من مكلت فيه‬
‫مظاهر الس نة ‪ ،‬وتوفرت فيه ماكرم الخالق ‪ ،‬واستنارت بصريته وطابت‬
‫رسيرته ونرشت دعوته ‪ ،‬وظهرت حمبته ‪ ،‬وانترشت يف القوابل معرفته ‪،‬‬
‫ومعرت حارضوه بركته ‪ ،‬واكن متجايف عن ادلنيا عاملا مباكمن الهوى ‪ .‬مفا‬
‫آرسع تأثريه يف القلوب ‪ ،‬وآكشفه حلقائق الغيوب ‪ ،‬وآوصهل للمحب‬
‫ابحملبوب ‪ ،‬وما آعز من يوجد قامئ عىل طريق االس تقامة قدمه ‪ ،‬وراخس‬
‫يف علوم احلقيقة ورسوم الطريقة ‪ ،‬يعط لك طالب وفق مزاج حقيقته ‪،‬‬
‫فهم الطباء اذلين طالعوا عامل الزل بنور مل يزل ‪ ،‬فيزنلون لك من آاتمه‬
‫مزنلته ‪ ،‬ويقميونه عىل حسب مقامه ‪ ،‬ويبلغونه فوق مرامه ‪ ،‬فصحبهتم‬
‫دوى لمراض الهوى انفع ‪ ،‬ورؤيهتم ترايق لدواء القلوب انجع ‪ .‬فاذا‬
‫تنفس مهنم عارف يف زمان ‪ ،‬فبشارة آههل ابلمان ‪ ،‬واملغفرة والرضوان ‪.‬‬
‫فصحبتك معهم بعدم االعرتاض علهيم ابطنا وظاهرا ‪ ،‬وقبول مشورهتم‬
‫وتوقريمه واحرتاهمم ‪ ،‬وخترج عن عقكل ونقكل وفعكل وقو ك ‪ ،‬ويكون‬
‫‪153‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فانيا عنك ‪ ،‬مبادرا ملا يأمرون ‪ ،‬حماذرا عام يهنون ‪ .‬مفا آقرب الفتوح اليك‬
‫‪ ،‬وآجزل املواهب دليك اذا كنت كذ ك ‪ ،‬متصفا مبا هنا ك ‪ .‬واذا مل جتد‬
‫من هو عىل هذه احلاةل ‪ ،‬ومل تظهر بكاملها فال ترتك نفسك تتبطل ‪ ،‬ويف‬
‫هواها تتعلل ‪ ،‬ولكن آنظر من االخوان من اتصف بوصف حسن فال‬
‫تس تقهل فانه ما آعط وصف مريض اال وهو عند هللا مريض ‪ .‬وان مل‬
‫يبلغ الكامل ‪ ،‬ومل يظهر عليه عالمات الوصال ‪ ،‬ومل تلوح عليه سامت‬
‫الولياء وعالمات البدال ‪ .‬فيكون ك عىل آمرك معينا ‪ ،‬ويف همامك‬
‫قرينا ‪ .‬واخلطاء عىل االثنني آبعد منه عىل الواحد لكن تراع فيه ادلين‬
‫والعقل واملروءة والزهد والمانة وحفظ الرس ‪ ،‬وآن اليكون آمحق‬
‫والفاسق والكذاب والجاهل ‪ .‬ولو آن يتصف ببعض هؤالء الوالت ‪،‬‬
‫وجيتنب بعض هذه املذكورات ‪ .‬مفا ترك البعض اال ملا عنده من االميان‬
‫واال فعل البعض ‪ ،‬آي اتصف اال ملا عنده من االميان وبرشطه آن يرتك‬
‫املهني عند تيسري فعهل ‪ ،‬ويتصف ابملأمور مع تيرس ضده ‪ ،‬واال اكن‬
‫عاجزا الاتراك والمتصفا ‪ .‬فهذه حده وآدب حصبتك معه اذا آشار بأمر‬
‫الينقضه عليك العمل آن تمتثل مشورته ‪ ،‬فف املشورة بركة ‪ ،‬حيث اكنت‬
‫ممن اكنت ‪ ،‬واحلرص عىل حفظه وايثاره يف الس باب ادلنيوية ‪ ،‬وتنهبه‬
‫عىل املعايب ابلتلطف وترك مماراته ‪ ،‬ورعايته بعد موته يف ادلعاء هل ‪،‬‬
‫وبرآهل مودته اىل غريذ ك من وجوه الرب ‪.‬‬
‫وآما حصبة عامة اخللق مفع اجلهال ابلتعلمي وترك ادلخول يف مداخلهم ‪،‬‬
‫وحفظ العني عن النظر اىل آفعاهلم ‪ ،‬وصون السمع عن سامع آراجيفهم ‪،‬‬
‫وعدم احلضور يف حمافلهم اال مااكن خريا ‪ ،‬والتحرز عن االجامتع هبم لغري‬
‫‪154‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫رضورة ‪ ،‬وادلعاء هلم بظهر الغيب ‪ ،‬واالهامتم ملهاهمم ‪ ،‬وسرت مساوهيم ‪،‬‬
‫وعدم التكرب علهيم والتضجر ملا جيري من سوء آخالقهم ‪ ،‬وآن تنظرمه‬
‫بعني الرمحة والشفقة ‪ ،‬فهذه حصبة عامة اخللق ‪ ،‬والنطيل يف ذ ك ‪ .‬ولو‬
‫ذهبنا نبتغ طبقات اخللق لطال بنا ‪ ،‬وقصدان رشح الكم املصنف ويف‬
‫ذ ك كفاية ‪.‬‬
‫وللصحبة رشائط وضوابط ‪ ،‬مفن الضوابط آن تكون هلل ال لعةل والبعةل ‪،‬‬
‫بل يكون االجامتع عليه والتفرق عليه ‪ .‬ومعىن التفرق عليه آن يفرتقا ومه‬
‫جممتعني عليه ‪ ،‬مل تعرتهيم عام مه عليه احلوادث ‪ .‬وآمه الصحبة حصبة من مل‬
‫يفارقك يف حياتك وموتك وخلوتك ويقظتك ونومك ‪ ،‬لكن مل تصل اىل‬
‫حسن الدب معه اال بصحبة رسوهل صىل هللا عليه وسمل اذ هو آعرف‬
‫ابلدب معه ‪ ،‬ومل تصل اىل حسن الدب مع رسول هللا صىل هللا عليه‬
‫وسمل اال ابلتأدب بأداب آولياء هللا الوارثني حماسن آخالقه ‪ :‬السادات‬
‫العارفني والعلامء احملققني ‪ ،‬فبالتأدب بأداهبم تصل اىل التأدب بأداب رسول‬
‫هللا ‪ ،‬وابلتأدب بأداب رسول هللا واقتفاء آاثره والتخلق بشامئهل تصلح‬
‫المور مع هللا ‪ .‬ولو اكن االنسان يدرك مقام الصحبة مع هللا من ابتداء‬
‫نشأته ملا رشع حصبة نيب والويل ‪ ،‬ولكن هللا بلطيف حمكته جعل ودائع‬
‫الرتبية االلهية يف الوسائط اخللقية ‪ ،‬وجعل الوسائط اخللقية اكحلقيقة‬
‫النبوية ؛ ظاهرها من عامل املكل واخللق ‪ ،‬وابطهنا من عامل امللكوت ‪.‬‬
‫واحلق ذل ك قبلت احلقائق بباطهنا وآدهتا اىل اخللق بظاهرها ‪ ،‬فقبلت‬
‫اخللق مايلقى الهيا من احلقائق امللكوتية بواسطة ظواهر خلقة النبياء‬
‫االرسالية ‪ .‬لن احلقائق ولو جتردت لعامل اخللق من غري واسطة مل يكن فهيا‬
‫‪155‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫آهلية لقبولها ‪ ،‬فأدهتا الهيا ماهو ظاهر من جنسها { لقد جاءمك رسول من‬
‫آنفسمك } [ الية ‪ 128‬التوبة ] واعطاء لك قابلية مايليق هبا " آمرت آن آلكم‬
‫الناس عىل قدر عقوهلم " وهذه اجازة الولياء بقدر آنصبهتم من الوراثة ‪،‬‬
‫والعلامء ورثة النبياء ‪ .‬فتحقق آن الوارث من آخذ علمه من حيث آخذ‬
‫مورثه ‪ ،‬وهو من آخذ العلوم العن تعمل بل يأخذها عن هللا ‪ ،‬وان جرت‬
‫هل لسان معمل آخذه عنه كخذ رسول هللا صىل هللا عليه وسمل عن جربيل‬
‫صىل هللا عليه وسمل ما آدى اليه اال ما قد علمه هللا حقيقيته ‪ ،‬ذل ك اكن‬
‫صىل هللا عليه وسمل يسابق جربيل يف التالوة حىت آنزل هللا عليه {‬

‫والتعجل ابلقرآن من قبل ان يقىض اليك وحيه } [ الية ‪ 114‬طه] وهنا رس‬
‫دقيق ومشهد رقيق يفهمه ذوي التحقيق من لك مقرب صديق ‪ .‬فلو‬
‫آخذان يف كشف هذه النوار وحتقيق هذه الرسار لثار اثئر االناكر من‬
‫طوائف الغامر ‪ ،‬وال اس تطار من ظلامت النفوس رشر وكثيف خبار ‪.‬‬
‫ولكن هللا حد للك قوم الكم وللك انس مقام ‪.‬‬
‫وآما رشائط الصحبة اذا اكنت هلل آن اليزيد عندك بطاعة والبيقني هبفوة‬
‫لن هذه علل ‪ ،‬وقد علمت آن الصحبة هلل اللعةل والبعةل ‪ .‬ومن رشائطها‬
‫ما آسلفناه يف آول الالكم عىل هذه احلمكة ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫من التد ك عىل هللا مقـالــــته وليس يهنضك منه احلال يف اهلمم‬
‫التصحبنه فال ترىج سالمته ان البال حصبة اجلايف الغيب الفـدم‬
‫فلام اكن فائدة الصحبة اخلروج عن آوصاف برشيتك اال برؤية قصورك‬
‫عن آحوال الرجال ‪ ،‬ومل تر قصورك وظهورفتورك وانطامس نورك اال عند‬
‫‪156‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ارشاق آنوار البدال الاكرعني مناهل احلمكة املتبوئني منازل الوصال ‪،‬‬
‫املمتكنني يف املقامات واملترصفني يف الحوال ‪ ،‬فعند رؤيهتم والتعلق بأذايل‬
‫سريهتم ‪ ،‬يتبني ك قبح ما آنت عليه من االغرتار ‪ ،‬وما آنت متلبس به‬
‫من آخالق الرشار ‪ ،‬فصحبهتم تريك قصورك ‪ ،‬وترفع بك عن حضيض‬
‫تعرثك مبحبطات برشيتك وكثائف س تورك ‪ .‬وآما حصبة من هو دونك يف‬
‫املقام ‪ ،‬ومل خيرج عن رق العادات ‪ ،‬ومل حيظى بصفو العبادات ‪ ،‬فهو‬
‫دليل البعد عن التأهل لالرادة ‪ ،‬وآبعد عن درك السعادة ‪ ،‬ذل ك قال‬
‫املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( رمبا كنت مسيئا فأراك االحسان منك حصبتك اىل من هو آسوآ حاال‬
‫منك )‬
‫رب تأيت للتعليل غالبا كنت رمبا كنت مسيئا يف حا ك خملطا يف آفعا ك‬
‫مقرصا يف آعام ك ‪ ،‬فأراك احسانك ورفعة شأنك ‪ ،‬وعلو ماكنك عىل‬
‫آقرانك ‪ ،‬وظهور نفسك يف طول لسانك وبذل بنانك ‪ ،‬من هو آسوآ حاال‬
‫منك ‪ ،‬فرتى قصوره عن مقامك وهجهل بالكمك ‪ ،‬فتغرت بذ ك وتظن‬
‫آنك قد حصلت من الطريق عىل شئ ‪ .‬فأكرث ما توقف الطالبني وتعرتي‬
‫السالكني هذه الفة اجلامعة لفات الحتىص ‪ ،‬وهما ك التس تقىص ‪ .‬ولو‬
‫اكن مميوان واىل الهناية مطلواب ملا سلط عليه الرشار وجحب عنه‬
‫الخياروقنع بزخرف هذه ادلار ؛ من رفع الصيت وظهور املنصب‬
‫واالش هتار ‪ .‬وريض عن حصبة احملققني مبجالسة البطالني ‪ .‬مفا آعظم‬
‫مصيبته وما آشد بليته ‪ ،‬آعاذان هللا من سوء القدر ‪ ،‬والوقوع يف مصائد‬
‫احلذر ‪ .‬فنسأل هللا آن يعافينا من هذه البلية وسائر البالاي يف ادلين ‪.‬‬
‫‪157‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ويلطف بنا ولنا يف لك حال ‪ ،‬ويوالينا بسائر آنواع املنن وتزايد النعم‬
‫واالفضال ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فرمبا رآيت ممن دونــــــك احلس نا ولو حصبت الرجال السادة المـــــنا‬
‫ملا اغرترت بظن فيك قد مكـــــنا يريك آنك فوق ادلون حني ثــــــــنا‬
‫فلام اكن الزهد عزوف القلب والتجايف عن املزهود فيه ملاهو آرشف منه‬
‫حسا آومعىن ‪ ،‬واكن منبع العامل وقطب رحاها هو القلب لن القلب‬
‫مدار النيات ‪ ،‬والعامل ابلنيات اكن حقا آن يزنه ويصفا عن مكدرات‬
‫الشغال ‪ ،‬لتصلح العامل وتزكوا الحوال ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا‬
‫عنه ‪:‬‬
‫( ماقل معل برز من قلب زاهد ‪ ،‬والكرث معل برز من قلب راغب )‬
‫العامل مقاديرها حبسب صفاء القلوب ‪ ،‬وطهارهتا عن شوائب العيوب ‪.‬‬
‫فقلوب الزهاد صافية ‪ ،‬وآحواهلم وافية ‪ ،‬فأعامهلم كثرية ‪ ،‬وآحواهلم مس تنرية‬
‫‪ .‬فأي قةل يف معل خرج حمفوفا ابلنوار ‪ ،‬ساملا عن الكدار ‪ ،‬بنس بة قلب‬
‫طاهرذا نورظاهر ‪ .‬ومعل الراغبني حبسب ماقلوهبم متلبسة من ظلامت‬
‫الشغال ‪ ،‬وتكدير الحوال ‪ ،‬مبصائب املال والعيال ‪ .‬فال ياكد يصفو قلبه‬
‫ساعة ‪ ،‬والتزكو هل طاعة ‪ ،‬والزهد منه واجب ومندوب ‪ .‬وزهد اثلث‬
‫لهل املقام الثالث فالواجب يف احلرام واملندوب يف الش هبة والفضول ‪،‬‬
‫والثالث هو الزهد يف الزهد هو آن يكون يف الش ياء بالاختيار ‪ ،‬ويدخل‬
‫يف الس باب مبسبب الس باب ‪ ،‬واليكون ذ ك اال ملن آحمك مقام البقاء‬
‫بعد استيفاء مقام الفناء حقه ‪ ،‬فريجع اىل الش ياء ابهلل بعد آن خرج عهنا‬
‫هلل ‪ .‬فالزهد عىل حسب تفاوت مقاماهتم تكون زاكة آعامهلم وصفاء آحواهلم‬
‫‪158‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ ،‬فأعامهلم مأمونة عن دخول القوادح فهيا والشوائب دلهيا ملا مه عليه من‬
‫االعراض عن الغيار ‪ ،‬والتعلق ابهلل يف مجيع حراكهتم وسكناهتم فال يزنع‬
‫قلوهبم اىل غريه ‪ ،‬والترسح مهمهم اىل سواه ‪ ،‬والراغبون الينفكون عن‬
‫الشوائب ودخول الفات علهيم ملا مه عليه من التعلق ابلغيار ‪ ،‬وطلب‬
‫العراض يف سائر احلراكت ‪ ،‬ذل ك قل مايصدر عهنم لعدم االخالص فيه‬
‫هلل ‪ ،‬وكرث آعامل الزهاد وان اكن قليال خللوصه عن الشوائب اليت يه‬
‫سبب عدم قبول العامل ‪ :‬اكلرايء والسمعة وحب الثناء وطلب العلو‬
‫واالجعاب وغري ذ ك من رذائل الوصاف وقبح الحوال اليت يه نتاجئ‬
‫حب ادلنيا ‪ ،‬فاذا اكن رغبة ادلنيا يف القلب قل آن يسمل معل وان خرج‬
‫حب ادلنيا عن القلب خلصت منه النيات ‪ ،‬وصفت احلاالت وتزكت‬
‫الحوال وبورك يف الوقات ‪ .‬فاذا حصل زهد وعمل ومعل فقد اس تمكل‬
‫آنواع اخلريات ‪ ،‬وتوالت دليه صنوف املرسات والرباكت ‪ ،‬فلو وزنت يف‬
‫جنب معهل آعامل سائر آهل العبادات خلفت يف جنب معهل ‪ .‬ويل يف‬
‫ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ماقلت آعامل ذو زهد وذو ورع والبكرث العمل مقرون ابلعــــــلل‬
‫فليس راغب يف ادلنياء مكــــرتع موارد القرب ذي يه خانه العمل‬
‫فلام اكن متعلق الحوال القلوب ‪ ،‬ومتعلق العامل اجلوارح ‪ ،‬وقد علمت‬
‫آن الصاةل للقلوب يف ظهور العامل ‪ ،‬فالعامل نتاجئ ‪ ،‬والحوال آصول ‪،‬‬
‫وحبسب الصل تظهر النتيجة ‪ ،‬وحسن احلال حبسب ماينازهل احلق من‬
‫املقامات يف العلوم الوهبية ‪ .‬قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬

‫‪159‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫( الترتك اذلكر لعدم حضورك مع هللا فيه ؛ لن غفلتك عن وجود ذكره‬


‫آشد من غفلتك يف وجود ذكره )‬
‫آخذ يتلكم يف اذلكر لنه آرشف العبادات ومقدهما فرضا ونفال ‪ ،‬ويه هل‬
‫وس يةل وهو املقصود ‪ ،‬قال هللا جل ذكره { وآمق الصالة ذلكري } [ الية‬
‫‪ 14‬طه ] واذلكر هو ذكر هللا ؛ آما ابللسان وآما ابلقلب وآما هبام وهو‬
‫املقصود ‪ ،‬واذلكر آما يف الفعال وهو الواجب عىل الاكفة ‪ ،‬وآما بطريق‬
‫الوصف وهو للخاصة ‪ ،‬وآما بطريق اذلات وهو خلاصة اخلاصة ‪ ،‬ولك‬
‫معل آريد به وجه هللا نوع من آنواع اذلكر لكن ابلوس يةل الابلقصد ‪ .‬وآما‬
‫اذلكر املقصود هو ذكر لاهل اال هللا ‪ ،‬آوذكر هللا آوهو غري ذ ك من سائر‬
‫آسامء هللا احلس ىن ‪ ،‬ولكن جيمع سائر الذاكر يف معارج الفاكر ‪ ،‬ذكر‬
‫لاهل اال هللا وهو االمس العظم ابجامع من يعتد هبم ‪ ،‬وقال غريمه االمس‬
‫العظم هو ‪ ،‬ولك من مىش عىل امس اكن عنده هو االمس العظم ‪،‬‬
‫فأسامء هللا لكها عظام ‪ ،‬ولكن لك السامء مندرجة حتت هذا االمس‬
‫اكندراج الكواكب حتت نور الشمس ‪ ،‬قال هللا { وهلل السامء احلس ىن‬
‫فادعوه هبا } [ الية ‪ 180‬العراف ] فلك امس ذكرت به كنت ذاكرا هلل ‪ ،‬واذا‬
‫ذكرت ابمسه هللا ‪ ،‬كنت ذاكرا هلل بأسامئه لكها ‪ .‬فانظر ما آرشف هذا‬
‫االمس وآعظم مقدار اذلاكر به آنه اذا ذاكرا هلل جبميع آسامئه تعاىل ‪ ،‬ويف‬
‫بعض الحاديث القدس ية " آان جليس من ذكرين " فناهيك آنك جليس‬
‫هللا ان كنت جالسا آوقامئا آومضطجعا ‪ .‬وفضائل اذلكر وآدابه الجيمتل هذا‬
‫الرشح استيعاهبا ‪ ،‬ويف احلديث " كين بأهل الاهل االهللا ينفضون رؤسهم‬
‫‪160‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫من الرتاب بأجساد علهيا نور البقاء مرشق ‪ ،‬رىم اذلكر آوزارمه فوردوا‬
‫القيامة خفافا ‪ ،‬قائلني " امحلد هلل اذلي آذهب عنا احلزن " آوكام قال ‪.‬‬
‫ويقال ‪ :‬آن رفع الصوات ابذلكر حيل ماعقدته الفالك ادلائرة وغري ذ ك ‪،‬‬
‫فاذا عرفت فضيةل اذلكر وعظم شأنه عىل سائر العبادات كنك تقول ‪ :‬قلمت‬
‫فامي تقدم آن العمل ابللسان دون القلب الجدوى هل والطائل مفا ذا يغين‬
‫معل بالجدوى ‪ ،‬فاترك العمل رآسا ‪ ،‬يقال هل ‪ :‬الترتك العمل لعدم‬
‫حضورك مع هللا فيه ‪ ،‬لن هللا يكون جليس جارحتك اليت ذكرته هبا ‪،‬‬
‫فأوىل بك آن يكون ك مع هللا جمالسة ببعض آعضائك وان ختلفت بقية‬
‫آعضائك من آن تنسد آبواب سائر آعضائك وقواك ‪ ،‬فاذا واظبت عىل‬
‫ذ ك وآدمت قرع الباب حفري آن جتاب ‪ ،‬لن غفلتك عن اذلكر ابللكية‬
‫دليل عىل طمس حقيقتك وقطع وثيقتك ‪ ،‬فهذا آشد من كونك ذاكر غري‬
‫حارض ‪ .‬فكونك غري ذاكر آشد بعدا من كونك ذاكر غري حارض ‪ ،‬فاذا‬
‫كنت ذاكر غري حارض فقد ثبت ك امس اذلاكرين ‪ ،‬ودخلت يف غامرمه ‪،‬‬
‫ومه القوم اليشقى هبم جليسهم كام ورد ‪ :‬آن هللا يبايه املالئكة ابذلاكرين‬
‫فيقول " ماتركمت عبادي ؟ فيقولون ‪ :‬يذكرونك وحيمدونك ‪ ،‬فيقول ‪ :‬وماذا‬
‫خيافون وماذا يرجون ومايريدون ؟ فيقولون ‪ :‬خيافون النار ويرجون اجلنة‬
‫ويريدونك ‪ ،‬فلكام قالوا خصةل قال ‪ :‬هل رآوها آوهل رآوين ؟ فيقولون ال !‬
‫فيقول ‪ :‬آرآيمت لورآوها ؟ قالوا ‪ :‬لاكنوا آشد شوقا اليك وخوفا من النار‬
‫وطمعا يف اجلنة ‪ ،‬فيقول هللا هلم ‪ :‬آشهدمك آين قد غفرت هلم ‪ ،‬فيقولون ‪:‬‬
‫ان فهيم فالان مل يأت اال حلاجة ؟ فيقول هللا ‪ :‬مه القوم اذلي اليشقى هبم‬
‫جليسهم ‪ ،‬آوكام قال ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫‪161‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫الترتك اذلكر يف الوقات ايانسان لفقد يقضتك يف املعىن وتبــــــيان‬


‫فداومن سوف تدرك لطف منان من احلضور وفضل منه واحسان‬
‫وذكر اللسان آوال جمردا دون القلب غالبا تصحبه الغفةل ‪ ،‬لكن يظهر بكرثة‬
‫مالبس ته وادامة جمالس ته قدح خف يطري اىل احلراقة اللطيفة القلبية ‪،‬‬
‫فال بد وآن يعلق هبا رشره ‪ ،‬ويظهر فهيا آثره ولو بعد زمان ؛ برشط‬
‫املالزمة واالدمان ‪ ،‬ان آخطأت هذه مل ختط الخرى ‪ ،‬وهمل جرا ‪ .‬ذل ك‬
‫قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( فعىس آن يرفعك من ذكر مع وجود غفةل اىل ذكر مع وجود يقظة ‪ ،‬ومن‬
‫ذكر مع وجود يقظة اىل ذكر مع وجود حضور ‪ ،‬ومن ذكر مع وجود حضور‬
‫اىل ذكر مع غيبة عام سوى املذكور ‪ ،‬وماذ ك عىل هللا بعزيز )‬
‫فعىس من هللا واجب ‪ ،‬ومن اخللق رجاء وطمع ‪ ،‬ولكن يغلب الطمع مع‬
‫وجود ادمان اللسان آن يرفع اذلاكر عن امس الغفةل اذلي هو وصف اذلاكر‬
‫ابللسان دون القلب اىل اليقظة اليت يه وصف القلب املنتبة عن نومة‬
‫اجلهل ومجود الطبع اىل يقظة العمل ونور العقل ‪ ،‬فعند طلوع جفر مشوس‬
‫العرفانية من املطالع الزلية يكون يقظاان ‪ ،‬واذا علق اذلكر بلطيفة القلب‬
‫يكون شأنه تقويته وصونه عن عوارض هل حىت يتسع يف آرجاء القلب ‪،‬‬
‫ويس تنري يف النفس ‪ ،‬فيخنس عند ذ ك اخلناس الكناس يف ليل اجلهل ‪،‬‬
‫فيتحقق ابالفالس ‪ ،‬ويزنل عىل مشاكة القلب قبة ممثنة عنواهنا { قل‬
‫آعوذ برب الناس * مكل الناس * اهل الناس * من رشالوسواس اخلناس }‬
‫اىل آخر السورة ‪ ،‬فتطلع بدوره ويدنو حضوره ‪ ،‬فتنطق لسان الروح يف‬

‫‪162‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫لك صورة ‪ ،‬ويعطى مسطوره ‪ ،‬فيقرآ سطوره سورة سورة ‪ ،‬فيتحقق‬


‫حقيقته وميحى تزوير زوره ‪ ،‬فيس تمكل اذلكر لك ذرة من ذراته ‪ ،‬وحركة‬
‫وسكنة من حراكته ‪ ،‬فعند ذ ك حيرض يف حرضة الروحانيني حرضة‬
‫احلضور ‪ ،‬والتطلع اىل مشاهدة املذكور ‪ ،‬فال يقر دونه قراره ‪ ،‬وحتقق يف‬
‫هو الهوية آطياره ‪ ،‬ويرتفع من واسطة اجلنود نور ينادي ‪ :‬الرحيل معرش‬
‫الرعيل ‪ ،‬فال اىل القرار دون اللقاء سبيل ‪ .‬فتدخل بعضها يف بعض ‪،‬‬
‫وتفىن هجات المام والورى والميني والشامل والطول والعرض ‪ ،‬وتزلزل‬
‫الرض وجيمتع الفرق ‪ ،‬وتبدو مشس الشهود من سامء مسو االمس ‪ ،‬فتدور‬
‫دائرة امجلع ‪ ،‬فيذهب البرص والسمع ‪ .‬وعند نزول هذا اذلكر الهوي يكون‬
‫الغيبة عام سوى املذكور ‪ ،‬وما ذ ك عىل هللا بعزيز ‪ ،‬وال آعظم منه ‪.‬‬
‫وعند ذ ك تنفتح زورنة البقاء ودوام اللقاء ‪ ،‬وذهاب الكوان ‪ ،‬وطمس‬
‫العيان ‪ ،‬ويزتايد عىل ممر الزمان والوان { لك يوم هو يف شأن } وال‬
‫لايم هللا انقضاء ‪ ،‬واللشؤنه انهناء ‪ .‬فانظر ماذا تعطيه هذه اللكمة ‪،‬‬
‫مايفتح هبذا املفتاح من مواهب الفتاح ‪ .‬ولو بسطنا ذ ك خلرجنا اىل حد مل‬
‫يتضمنه الصل من املقامات ‪ ،‬وآرسار الفتوح املوهبيات ‪ .‬ولكن يف‬
‫االشارة اىل ذ ك كفاية ‪ ،‬فلنقبض العنان عن جواد اللسان يف ميدان‬
‫االمتنان ‪.‬‬
‫ولرنجع ونقول ‪ :‬ذكر اللسان تصحبه الغفةل وذكر القلب تصحبه اليقظة ‪.‬‬
‫وذكر الروح يصحبه احلضور ‪ ،‬وذكر الرس يصحبه الشهود والغيبة عام‬
‫سوى املوجود ‪ .‬وورى ذ ك مقامات عن مقامات اذلاتني ‪ ،‬وبعده‬

‫‪163‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اس تغراق املهمين يف اذلات ‪ ،‬الفانيني عن الحوال واملقامات ‪ ،‬مفا ذا بعد‬


‫احلق اال الضالل ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ذكر اللسان بدون القلب يصحــــبه آفات مايعمى البرصا عن اخلـــــلل‬
‫وينقل املرء حفواه ويتعـــــــــــــــــبه ويعرتيه مريد الكد وامللـــــــــــــــل‬
‫والقلب يوقظه ذكرا ويصحــــــــــبه آنس يعني ويسيل عن عباء النــقل‬
‫والروح حيرضه يف طيـــب مرشبــــه ويكسب القرب من من الهل مــثل‬
‫والرس يفين ويغين نيل مطلــــــــبه عن لك مشهود تنظر ذا بال عــلل‬
‫ومن مثرات اذلكر وفوائده معية هللا اخلاصة " وآان معه حني يذكرين " وهذا‬
‫اذلكر يعين به ذكر الغيبة عام سوى املذكور هو اذلي هاج عن الوارد ‪،‬‬
‫والللعبد فيه تعمل والعليه فيه لكفة جيري عليه ‪ ،‬وتتواىل تزنالته دليه‬
‫كتوايل املطر عىل بقاع الرض { خيتص برمحته من يشاء وهللا ذو الفضل‬
‫العظمي } [ الية ‪ 105‬البقرة ] فليحرس عن آوصاف البرش عند نزول املطر ‪.‬‬
‫ومن فقد هذه املواهب ‪ ،‬ومل حيظى هبذه الرغائب ‪ ،‬ومل جيد ذل ك املاء‬
‫فليس تدل بذ ك عىل موت قلبه ‪ ،‬ووجود سلبه ‪ ،‬آعاذان هللا من ذ ك ‪.‬‬
‫قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( من عالمات موت القلب عدم احلزن عىل مافاتك من املوافقات ‪ ،‬وترك‬
‫الندم عىل مافعلته من اخملالفات [ من وجود الزالت ] )‬
‫العالمة يه ادلالةل عىل الشئ وبيات لكيته اذ يه بعض ‪ ،‬وادلالةل آما‬
‫حس ية آومعنوية ويه غالبا تكون فعال حيس عىل آمر معنوي كهذا ‪،‬‬
‫والقلب هولطيفة نورانية وحقيقة رابنية ‪ ،‬والقلب آرض ويه هل سامء ‪،‬‬

‫‪164‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫واالميان النازل من سامء الرس يسمى امياان وبه حياة تكل الرض واهزتازها‬
‫‪ ،‬وهل عالمات تظهر عىل الراكن القلبية والصفات النفسانية ‪ ،‬كام تظهر‬
‫عىل وجه الرض نتاجئ املطر من حياة الشجر وظهور المثر ‪ ،‬وموته آيضا‬
‫هل عالمات ؛ مفوته خيلوه عن االميان ‪ .‬ومعىن آنه ميت آومظمل آومعدوم ‪،‬‬
‫فاذا خيل عن االميان مات ‪ ،‬ومعىن مات عدم ‪ ،‬اذ حياته ابالميان ‪،‬‬
‫وعالمة موته عدم احلزن وهو ضد الفرح ‪ ،‬اذ لواكن حيا حلزن عىل فوات‬
‫املوافقات لهنا قوامه ‪ ،‬وفهيا راحته وفرحته لهنا دليل الرضا عن هللا ‪،‬‬
‫وذ ك غاية مطالب املؤمنني ورضا رب العاملني ‪ ،‬وعدم الندم عىل فعل‬
‫اخملالفات دليل عىل موته ؛ اذ يه من مؤملاته لن فهيا البعد عن هللا‬
‫والسخط من هللا ‪ .‬وآي آشد عىل االميان من ذ ك ‪ .‬فاذا مل يتأمل بذ ك دل‬
‫عىل موته ‪ ،‬لن امليت الجيد آمل املؤملات وذلة املالمئات ‪ .‬ويف الفرح‬
‫ابملوافقات من حيث دليل الرضا من هللا عىل عبده ‪ ،‬ووجود الروح‬
‫بعدم اس تعامهل يف اخملالفات آيضا يس تلزم ذ ك ‪ ،‬لن يف احلديث " من‬
‫رسته حسنته وساءته س يئته فهو مؤمن " دليل عىل وجود االميان وحياة‬
‫القلب ‪.‬‬
‫ومن فوائد احلزن عىل فوت املوافقات االنبعاث يف االتيان هبا ‪ ،‬وعالمة‬
‫الندم عىل فعل اخملالفات شدة احلذر من الوقوع فهيا والتباعد عن‬
‫الس باب املوصةل الهيا ‪ ،‬وليس آنه حيزن ومل ينبعث يف الطلب ‪ ،‬وال آنه‬
‫يندم واليتباعد عن العطب ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫حياة قلبك ابالميان تعــرفها اذا رسرت بفعل املريض احلسن‬
‫وضد ذ ك اليدري ترصفها يف آي فعل خيالف واحض الســنن‬
‫‪165‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فاذا عرفنا آن احلزن عىل فوات املوافقات هو االنبعاث عىل فعلها ‪ ،‬والندم‬
‫عىل اذلنب تركه ؛ ال المن وال القنوط ‪ .‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه‬
‫‪:‬‬
‫( اليعظم اذلنب عندك عظمة تصدك عن حسن الظن ابهلل تعاىل ‪ ،‬فان‬
‫من عرف ربه اس تصغر يف جنب كرمه ذنبه )‬
‫اليعظم عند العارف شئ وان اتسع ظهوره ‪ ،‬لن هللا س بحانه هو الظاهر‬
‫بأوصافه وبواهر آايته ‪ ،‬واذلنب آثر من آاثرقدرته وحمك من آحاكم مش يئته‬
‫‪ .‬واذلنب اذا قرنته بعظمي فضهل ومعمي كرمه رآيته الكشئ ‪ ،‬واذا عرفت‬
‫ذ ك فاعمل آن اس تعظام اذلنب عىل وهجني ‪ :‬آحدهام حياء وهيبة من‬
‫عظمة هللا وخوف وبيل عقاب هللا ‪ ،‬ولكن هللا بعممي فضهل قد وعد‬
‫ووعده احلق ؛ التائبني ابملغفرة ‪ ،‬وآحتفهم ابحملبة ‪ ،‬وبني هلم طرق ذ ك ‪،‬‬
‫وآن ذ ك اذا رجعوا اليه ابلتوبة واالنكسار اليرضمه ‪ .‬فاذا العظمة احلامةل‬
‫للعبد عىل التوبة والرجوع اىل هللا محمودة ‪ ،‬ويه دآب املؤمنني وآاكبر‬
‫العلامء وخواص املقربني ‪ ،‬واس تعظام اذلنب رشط من رشائطها ‪ ،‬اذ هو‬
‫احلامل لها عىل الندم والعزم عىل آن اليعود اىل مثهل ‪ .‬وآما اس تعظام‬
‫يفيض بصاحبه اىل القنوط واليأس من رمحة هللا فهذا اس تعظام مذموم ‪،‬‬
‫وصاحبه ملوم ‪ ،‬لنه جبههل اس تعظم الثر عىل املؤثر ‪ ،‬وكيف تس تعظم‬
‫ذنب آوغريه مع وصف هللا س بحانه ‪ ،‬اذ وصفه الكرم والفضل ! كيف وقد‬
‫وقد علمت آن اذلنب مظهر آوصاف فضهل ومشول رمحته وعفوه ‪ ،‬فاذا مل‬
‫يعيص فعىل من تظهر آوصاف الكرم ومشول الرمحة وعظمي العفو ‪ .‬ويف‬
‫احلديث ‪ " :‬لو مل تذنبوا ذلهب هللا بمك وجلاء بقوم يذنبون فيس تغفرون هللا‬
‫‪166‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فيغفر هلم " ويف احلديث آيضا " اذا آذنب العبد ذنبا فقال ايرب اغفريل ‪،‬‬
‫يقول هللا تبارك وتعاىل ‪ ،‬عبدي آذنب ذنبا عمل آن هل راب يغفر اذلنب ويأخذ‬
‫ابذلنب ‪ ،‬اذهب فقد غفرت ك ‪ ،‬فافعل ماشئت " آي مادمت تذنب‬
‫فتس تغفرين ‪ ،‬فاان آغفر ك ‪ .‬ويف احلديث القديس " ابن آدم لو آتيتين‬
‫بقراب الرض خطااي ومل ترشك يب شيئا لتيتك بقراهبا مغفرة " وقراهبا‬
‫مالها آومايقارب مالها ‪ .‬والتائب راجع اىل ربه مدبر عن نفسه منكرس‬
‫مفتقر ‪ ،‬وهذه آخص آوصاف العبودية ‪ .‬وآما اذا مل حيمهل عىل الرجوع اىل‬
‫هللا بل بق مرص عليه غري مزنجر عنه ‪ ،‬ومس تخف ابذلنب وحمتقره ‪،‬‬
‫ومس تكرث مايظهر عليه من الطاعة ومعجب هبا فهذه آوصاف املنافقني ‪،‬‬
‫لن املؤمن يرى ذنبه اكجلبل خياف آن يقع عليه ‪ ،‬واملنافق يراه اكذلابب‬
‫قال به هكذا عن وهجه ‪ ،‬كام ورد ذ ك عن ابن مسعود ريض هللا عنه ‪.‬‬
‫وما يعامل هللا به آهل االنكسار من الكرم آعظم من طاعاهتم ‪ ،‬ومايعامل‬
‫به آهل اليأس والقنوط آعظم من سيئاهتم ‪ ،‬حفسن الظن ابهلل وان كرثت‬
‫اخلطااي وعظمت البالاي بشأن آهل االميان وضده شأن آهل الكفر‬
‫والطغيان ‪.‬‬
‫يروى آن بعض اخلطائني ملا حرضته الوفاة آوىص اىل آمه اذا آان مت‬
‫فالتعلمني يب اجلريان فاهنم يشمتون مبويت ‪ ،‬وهذا خامت مكتوب عليه الاهل‬
‫اال هللا اذا مت فاجعليه يف انحية قربي لعل هللا يرمحين ‪ ،‬واذا مت‬
‫فضع رجكل عىل خدي وقويل ‪ :‬هذا جزاء من عىص هللا ‪ ،‬واذا مت‬
‫فابهتيل اىل هللا وقويل ‪ :‬اللهم اين رضيت عنه فارض عنه ‪ .‬قال الراوي ‪:‬‬
‫خفرجت من عند آنس بن ما ك ابلبرصة فاذا جبنازة حيملها آربعة من الزجن‬
‫‪167‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وامرآة تتبعها ‪ ،‬فقلت ‪ :‬س بحان هللا جنازة يف البرصة حيملها آربعة من‬
‫الزجن لكونن خامسهم ‪ ،‬فدنوت فقلت هلم ‪ :‬تقدموا وصلوا علهيا ‪ ،‬قالوا لكنا‬
‫فهيا سوى امنا حنن اس تأجرت حنن هذه املرآة ‪ ،‬فتقدمت فصليت علهيا ‪،‬‬
‫فلام فرغنا من دفنه اذهبذه املرآة قد حضكت ومحدت هللا وآرادة االنرصاف‬
‫‪ ،‬فقلت لها ‪ :‬الينجيك اال الصدق ؛ مم تضحكني ؟ فأخربتين اخلرب ‪،‬‬
‫قالت ‪ :‬ففعلت مجيع ما آوصاين به ‪ ،‬فلام دفن مسعت صواتال آشك فيه آنه‬
‫صوته يقول ‪ :‬اذهيب اي آماه قدمت عىل رب كرمي راض غري غضبان ‪.‬‬
‫فانظر رمحك هللا معاملته مع آهل االنكسار اذلين مل تصدمه عنه كثري‬
‫اجلرامئ والوزار ‪ ،‬بل اكن اعامتدمه عىل كرمه وعظمي عفوه ‪ ،‬وقاموا مقام‬
‫الذال البائسني بني يدي املوىل الغين الكرمي احملسن الرب الرحمي ‪ .‬مفاذاترى‬
‫مايكرم به من آاته بذلته وانكساره ‪ ،‬وخضوعه واس تاكنته وافتقاره ؟ ويل‬
‫يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫كرثن منك خطيات وآوزار‬ ‫فال يصدك عن ابب الكـرمي وان‬
‫اكنت عظام فان الـرب غفار‬ ‫فليس يعظم عند العفو ذنب وان‬
‫فاذا جتىل بفضهل صغرت الكبائر ‪ ،‬وان واهجك بعدهل عظمت الصغائر ‪.‬‬
‫قال املؤلف ريض هللا عنه اكملفرس ملا آسلفه يف هذه احلمكة ‪:‬‬
‫( الصغرية اذا قابكل عدهل ‪ ،‬والكبرية اذا واهجك فضهل )‬
‫الصغرية من اذلنب لكام كفر ابلطاعات عند آهل الفروع ‪ ،‬والكبرية لكام‬
‫آوجبت حدا آونص علهيا الشارع ‪ ،‬وبيهنام آوساط للنظر فهيا جمال ‪ .‬وعند‬
‫آهل الصول آنك اذا نظرت اىل كربايء من عصيت اكنت لكها كبائر ‪،‬‬
‫والدةل الرشعية تفضل وحتد للك حد ‪ .‬وحيث علمت آن الصغائر يه‬
‫‪168‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اليت تكفر بفعل الطاعات وابلتوبة اجملمةل ‪ .‬وعلمت آيضا آنه اذا حصل‬
‫االرصار عىل الصغائر حلقت ابلكبائر ‪ ،‬وآنه آيضا اذا قابكل بعدهل اكنت‬
‫صغائرك كبائر عىل ما قاهل من قال ‪ :‬عند نظرك كربايء من عصيته تصري‬
‫كبائر ‪ ،‬واذا تفضل عليك ابلتوبة واحسان العمل واصالح اخللل وجتىل‬
‫عليك بوصف الفضل صغرت الكبائر ‪ ،‬وصارت يف جنب العفو كغربة يف‬
‫رمال ‪ ،‬وقطرة يف جنب حبار ‪ ،‬بل آقل من ذ ك وآحقر ‪ ،‬بل الشئ ‪.‬‬
‫وعرب ابلعدل ابملقابةل ‪ ،‬لنه اذا قابكل ابلعدل كفاك ‪ ،‬وآوبقك آقل شئ من‬
‫اذلنوب ‪ ،‬واس تغرق طاعاتك آقل شئ من النعم واملواهجة من االكرام ومن‬
‫قبيل االنعام ‪ .‬فاذا آحب هللا عبدا تقبل حس ناته وادخرها ‪ ،‬وحمى سيئاته‬
‫وغفرها ‪ .‬واذا آبغضه وانقشه آحىص قباحئه ‪ ،‬وعدد عليه فضاحئه ‪ ،‬وفتش‬
‫عليه يف العمل ‪ ،‬وبنث من حس ناته مواضع اخللل ‪ ،‬فيس تقيل مهنا كام‬
‫يس تقيل من السيئات ‪ ،‬ويس تغفر مهنا كام يس تغفر من الهفوات ‪ .‬ويل يف‬
‫ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫صغرية مثل شفاف عىل حدب‬ ‫ان واجه الفضل صارت لك معصية‬
‫صغرية مثل آعظمـها يف النسب‬ ‫آوقابل العدل عادت لك معصــــــية‬
‫فاذا اكن اعامتد العبد عىل فضل هللا تعاىل وكرمه صغر عنده لك شئ دون‬
‫ذ ك ‪ ،‬بل اذا اس تحمك رؤية الفضل آمثر رؤية املفضل الكرمي ‪ ،‬وعند‬
‫رؤية الوصاف الزلية تضمحل الصفات البرشية ‪ ،‬فضال عن آن يكون لها‬
‫معال آوعلام آووصفا ‪ ،‬فعند ذ ك تزكوا آعامل العبد ويفيض عىل القلوب‬
‫آنوارها ‪ ،‬وتكىس الحوال آرسارها ‪ ،‬وتنشط اجلوارح والقوى ‪ ،‬ويصحو‬
‫من سكر الهوى ‪ .‬وذ ك مثرة غيبة العبد عن كونه عامال فيكون اكلةل يف‬
‫‪169‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫يد الصانع حيركها ويسكهنا كيف شاء ‪ ،‬وعىل ذ ك املعىن حص آن النسخة‬


‫عىل مايه عليه ‪ .‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( المعل آرجا للقلوب من معل يغيب عنك شهوده ‪ ،‬وحيتقر عندك وجوده‬
‫)‬
‫المعل آنفع للقلوب ‪ ،‬ونفع القلوب ابلعمل مايفيض عليه من آنوار القبول ‪،‬‬
‫وخلع آرسار الوصول ‪ ،‬والعامل اذا غاب العامل لها عن كونه عامال تركت‬
‫عن ظلامت القوادح ‪ ،‬وسلمت من آفات الرايء واالجعاب ‪ ،‬واليكون‬
‫كذ ك اال من قد حمقت بقاايه ‪ ،‬وتالشت آوصافه ‪ ،‬وحميت ذاته حتت‬
‫مرشقات آنوار التوحيد ‪ ،‬وحسقت حتت عظمة التفريد ‪ ،‬واال يكون كذ ك‬
‫فال ينفك غالبا من حمبطات العامل ‪ ،‬من رذائل الوصاف وشوائب‬
‫الحوال ‪ ،‬واجملاهدة وان اكن لها آثر يف الظواهر بعد مزيد اجملاهد ‪،‬‬
‫وحتري طرق االخالص والصدق ‪ ،‬لكن المكن اكن ماجودا عن نفسه‬
‫غائبا عن حسه مع بقااي الصحو يف العامل ‪ ،‬واحلفظ يف الحوال ‪.‬‬
‫فس بحان من رفع شان قوم وآعال مقاهمم ‪ ،‬ومتم سابغات فضهل ماابتىل به‬
‫غريمه من الفات ‪ ،‬فرجاء العمل للقلب ‪ ،‬آي لصالحه وحصول جناحه‬
‫ابلغيبة عن رؤية النفس ‪ ،‬فلك معل يظهر فيه اليعتد به وان اكن خطريا ‪،‬‬
‫ولكام غابت عن رؤيهتا فيه فهو العظمي وان اكن حقريا‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫جللب اخلري والقدراخلطري‬ ‫فال شئ من العـامل يرىج‬
‫واليقدر لها وزن نظـــــري‬ ‫من آعامل تغيب النفس فهيا‬

‫‪170‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فلام اكنت الواردات تبعث عىل الهنوض وتعني عىل آداء النوافل والفروض‬
‫‪ ،‬اكن ايرادها عليك من هللا لتكون عليه هبا واردا اللتكون عنه شاردا ‪.‬‬
‫ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( امنا آورد عليك الوارد لتكون عليه واردا )‬
‫امنا ؛ لكمة حرص يريد امنا آورد عليك الوارد سواء اكن ذ ك الوارد من‬
‫قبيل املالمئات ورضوب املرسات اكلنعم وصنوف الطاعات ‪ ،‬لتكون عليه‬
‫وارد من طريق الشكر وشهود املنة ‪ ،‬آومن املؤملات واملنغصات وسائر‬
‫وجوه التعرفات لتكون عليه واردا من طريق الصرب ‪ ،‬آوآورد عليك وارد‬
‫من طريق الحوال ؛ اكلرجاء واخلوف والقبض والبسط والهيبة والنس ‪،‬‬
‫لتكون عليه وارد ‪ ،‬فالرجاء بزايدة العامل وحسن الخالق وصفو‬
‫الحوال واخلوف لرتد عليه من طريق الفرار من اخملالفات واحلذر من‬
‫الوقوع يف الهفوات ‪ .‬آوآورد البسط لرتد عليه من ابب الدب واالنكامش‬
‫‪ ،‬آوآورد عليك وارد القبض لرتد عليه به من ابب االلتجاء وصدق االفتقار‬
‫ووجود االضطرار ‪ ،‬آوآورد عليك وارد النس لتكون وارد عليه من‬
‫طريق الفناء حتت مرشقات امجلال فارغ الرس عن سائر الشغال ‪ ،‬آوآورد‬
‫عليك وارد الهيبة لتتالىش وتضمحل عند ظهور سلطان اجلالل ؛ فانيا‬
‫عن سائر املقامات والحوال ‪ ،‬فقري عن العامل ‪ .‬وغري ذ ك من رضوب‬
‫الواردات لرتد عليه هبا اللتقف معها دونه ‪ .‬فالوقوف معها آما غرور وآما‬
‫دعوى وزور‪،‬عافاان هللا من الفنت يف ادلين ‪.‬‬
‫ومراد املؤلف رمحه هللا ابلوارد ؛ الوارد العرفاين والفيض الادين االمتناين ‪،‬‬
‫وما آورد عليك اال ليصح ك دخول حرضته ‪ ،‬وتمتىش ك آفعال خدمته‬
‫‪171‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ ،‬ومل يورده عليك لتنصب نفسك وتظهر به عىل اخللق لتس تقمي اجلاه ‪،‬‬
‫وتنال به احلشمة والتقدمة ‪ ،‬فهذه لكها وماحنا حنوها من حمبطات العامل ‪،‬‬
‫شاردة بك عن اببه ‪ ،‬وجاحنة بك عن جنابه ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫فلك وارد اليدخل بصاحــبه عىل االهل فان املكر يصحبه‬
‫فرد عليه مبا اختصيت جانبه فذاك مل به كامي يقـــــــــــــربه‬
‫وامنا آورد عليك من آحسن عطاايه وآفضل مواهبه وهداايه اال‬
‫ليس تخلصك ويس تفديك من رق الغيار وظلامت الاثر ‪ ،‬فال تعود الهيا‬
‫بعد آن آخرجك عهنا مس تحقا لصناف العقوابت وآنواع الناكل ‪ ،‬لنك‬
‫رجعت الهيا بعد آن اس تخلصك مهنا ‪ ،‬واس تخرت عليه بعد آن اس تخارك‬
‫‪ .‬والخيفى مايف ذ ك من قل الدب معه ‪ .‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا‬
‫عنه ‪:‬‬
‫( آورد عليك الوارد ليس تعمكل من يد الغيار ‪ ،‬وحيررك من رق الاثر )‬
‫آورد عليك مواهب قدس ية ليخرجك من مضايق حس ية ‪ ،‬آورد عليك‬
‫عطائه ليشهدك كرمه ووفائه ‪ ،‬آورد عليك الواردات ليس تلمك من رق‬
‫العادات ‪ .‬فالغيار اس تأرستك عن سعة التوحيد وروح التفريد ‪،‬‬
‫وجسنتك يف مضيق التعديد ‪ ،‬وقهرتك الاثر عن شهود النوار ‪،‬‬
‫فاسرتقتك واس تعبدتك مبا فيك من الطمع فهيا والركون الهيا واالقبال علهيا‬
‫‪ ،‬فتداركك بلطيف فضهل ومعمي كرمه ‪ ،‬فأورد عليك من آنواره ‪ ،‬وآنزل‬
‫عليك آرساره ‪ ،‬واس تخلصك خلدمته ‪ ،‬ومن عليك مبحبته ‪ .‬جفذبك من‬
‫بني آعدائك ‪ ،‬وآوالك فضهل وامتنانه ‪ ،‬وعرفك قبح ادلنيا وفناء الش ياء ‪،‬‬
‫فافتداك وجعكل هل عبدا خالصا بعد آن كنت بني تشاكس ادلواع‬
‫‪172‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫الهوائية ‪ ،‬ومطالبات الشهوات احليوانية ‪ ،‬والظلامت الرضية ‪ ،‬واحلظوظ‬


‫العرضية ‪ .‬وآشهدك احلرضة الربوبية ‪ ،‬وبوآك املنازل القدس ية ‪ ،‬فأحصبت‬
‫ذا مكل كبري وعز خطري‪،‬فهل امحلد آهل الثناء واجملد ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫قد كنت حتت جحاب الغري مقهور وحتت رق من الثــــــار مأسور‬
‫فاستسلمك بلطيف الفضل مأثور وحررك فاظهرت منك التباشري‬
‫فلام اكن قهرك واستيئسارك هو وقوفك مع رؤية وجودك دون وجود‬
‫موجدك ‪ ،‬فاكن ما آورده عليك هو ظهور شهوده عند غيبة وجودك ‪.‬‬
‫واليغيب عنك وجودك اال بوارد موهيب وفيض امتناين ‪ ،‬وكشف عياين ‪.‬‬
‫قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( آورد عليك الوارد ليخرجك من جسن وجودك ؛ اىل فضاء شهودك )‬
‫عبارته لوجودك دون موجدك ابلسجن ‪ ،‬ولشهودك دون رؤية وجودك‬
‫ابلفضاء ‪ ،‬اشارة منه اىل ضيق البرشية والعوامل اخللقية واحلظوظ النفس ية‬
‫‪ ،‬واىل سعة العوامل احلقية والطوار المرية والتزنهات الروحية ‪ .‬ولقد‬
‫آحسن يف ذ ك ‪ .‬فال آضيق من الظلمة ‪ ،‬وال آوسع من النور ‪ .‬فاحلق‬
‫نور والغيار ظلمة ‪ ،‬فأبنيتك وظهور خلفيتك جسن ضنك ‪ ،‬وظلمة حكل‬
‫‪ .‬فاذا آراد هللا آن مين عىل عبد من عباده آورد عليه واردات الشهود ‪،‬‬
‫املغنية لسائر الوجود ‪ .‬فاختطفته من يد الشهوات ‪ ،‬وآنقذته من هما ك‬
‫الهفوات ‪ ،‬واستسلمته من ظلامت اجلهل ومعاطب الغفالت ‪ ،‬فتسلط‬
‫النوار القلبية والقواهر احلقية عىل ادلواع الهوائية واحلواجب النفس ية ‪،‬‬
‫فتس تأرسها وتس تعبدها وحتلها معها يف رفيع حملها ‪ ،‬فتطمنئ لرهبا ‪ ،‬وترجع‬

‫‪173‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ابالقبال اىل خالقها ‪ .‬فتصري من مجةل الرفيق العىل ‪ ،‬وحتل يف فس يح‬


‫امللكوت الهنيى ‪ .‬فأكرم هبا منة ‪ ،‬وآعظم هبا نعمة ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫اس تخلصك من يدالغياروالصور اىل فس يح كرمي املشهد النظر‬
‫م اعمل آن مفازة السلوك يف ميادين النفوس آرض حسيق وطريق معيق ‪،‬‬
‫التسكل اال مبطااي ‪ ،‬وآزواد وجيدة الروااي ‪ .‬ومطااي هذا الطريق املؤصةل‬
‫اىل آعىل رفيق وآنزه فريق يه النوار القدس ية والرسار القربية ‪ .‬فالقلوب‬
‫التقوى عىل سري هذه الطريق الكثرية التعويق اال بورود هذه النوار ‪ .‬قال‬
‫املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( النوار مطااي القلوب والرسار )‬
‫النوار الواردة يه آما من جتيل الصفات وآما من جتيل الفعال ‪ ،‬فالقلوب‬
‫مطاايها النوار الواردة من مظاهر الفعال احلقية ‪ ،‬فتكون حائةل عن‬
‫القلوب ماجتد من الالم والكروب ‪ .‬والنوار الوصفية الغيبية حتمل عن‬
‫الرسار ماجتد من آمل الغيار ‪ ،‬والوقوف يف حمبطات الاثر ‪ ،‬فيظهر من‬
‫رس االقتدار حسن االختيار ‪ ،‬فيحمل ثقل ظلامهتا ‪ .‬فعند ماتس متط‬
‫القلوب مطاايالغيوب ‪ ،‬وجتد يف السري اىل احملبوب يرشع لها آنبوب ماء‬
‫من آانبيب املشارب الفهمية ‪ .‬وعندما تركب الرسار جنائب النوار جتري‬
‫لها آهنار العلوم الادنية الغيبية والرسار امللكوتية والعيان العلمية ‪،‬‬
‫والزهار احلقية والمثرات املطوية ‪ ،‬يف غيب اللكامت الزلية ‪ .‬فامحلد هلل‬
‫اذلي هداان لهذا وماكنا لهنتدي لوال آن هداان هللا ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫مطااي القلوب النازةل من سام العيل تنيخ هبا يف موطن الوصل والقرب‬
‫ونوق رحيل الرس يرسي بـــها اىل رايض احلمك يف موطن القدس واحلب‬
‫‪174‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فهذا الالكم يشري اىل معىن واحد ‪ .‬م آخذ يف تعبريه بقوهل ‪:‬‬
‫( النور جند القلب كام آن الظلمة جند النفس ‪ ،‬فاذا آراد هللا آن ينرص‬
‫عبده آمده جبنود النوار ؛ وقطع عنه مدد الظمل والغيار )‬
‫النور هنا عبارة عن وجدان احلق آما بعمل اليقني آوبعني اليقني آوحبق‬
‫اليقني ‪ ،‬ذل ك وحد امس النور م عدد مظاهره فقال ‪ :‬جنود مجع جند ‪،‬‬
‫مفن تكل اجلنود الواردة عن طريق العمل وهو آضعفها تأثريا يف قهر العدو‬
‫ومقع الهوى ‪ .‬ومهنا الوارد بطريق العني وهو آقوى من الوارد بطريق العمل‬
‫يف التأثري يف ذ ك وآضعف ابلنس بة اىل احلق ‪ .‬فاحلق اليبق للباطل‬
‫وجود ‪ ،‬والعني اليبق للشك جمال ‪ .‬والعمل ينف الرشك واجلحود ‪ ،‬والعني‬
‫تكسب الفناء يف الشهود ‪ ،‬واحلق يلحق ابلبقاء الرسمدي ‪ .‬فهذه جنود ‪.‬‬
‫ويف لك مرتبة من هذه املراتب تعداد مقامات وس ين حاالت ‪ ،‬واجلنود‬
‫يه آراكن اململكة العظم ‪ ،‬فالينتظم آمر اململكة االنسانية بدونه ‪.‬‬
‫فاململكة االنسانية قرصها العظم القلب ‪ ،‬وسلطان تكل اململكة االميان ‪،‬‬
‫ووزيرها العظم العقل وبوابه العمل ‪ ،‬وريئس اجليش اذلكر ‪ .‬والتغاير بني‬
‫تعبريان ابالميان عن القلب وبني عبارة املصنف رمحه هللا تعاىل ابلقلب ‪.‬‬
‫وعرب ابلقلب اذ هو املكل اذا اعترب كون القلب املعين النور الرابين ابالميان‬
‫ليمتزي عن القلب اللحم ‪ .‬وعربانابلقلب اللحم بأنه قرص املكل لتعرف‬
‫القلب اذلي نسبته اىل هللا ‪ ،‬والقلب اذلي نسبته اىل العبد ‪ ،‬ووزيره‬
‫العظم التقوى ابلنور ‪ ،‬وسالحه الزهد ‪ ،‬وترسه ودرعه الورع ‪ ،‬وحامكه‬
‫الس نة ‪ ،‬وخدامه احلواس ‪ ،‬ومطاايه العزامئ ‪ ،‬وخيوهل اهلمم ‪ .‬كام آن جند‬
‫النفس الظلمة ‪ ،‬ووزيرها العظم الهوى ‪ ،‬وقائدها الش يطان ‪ ،‬وحامكها‬
‫‪175‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اجلهل ‪ ،‬وسالهحا احلرص ‪ ،‬ومالك جيوشها الطمع ‪ ،‬وريئس جيشها‬


‫طول المل ‪ ،‬فالظلمة امس لهذه اجليوش ‪ .‬فاذا آراد هللا آن ينرص عبده‬
‫آنزل سلطان االميان يف سويداء اجلنان ‪ ،‬وثبته ابلشهود والعيان ‪ ،‬وآيده‬
‫بنرصة العقل ‪ ،‬وتدبري العمل وقوة اذلكر وسالح الزهد ودرع الورع ‪،‬‬
‫وثواقب البصائر ‪ ،‬وصالح الضامئر ‪ .‬وحمك عليه الس نة فامي يأخذ ويذر ‪،‬‬
‫وآخدامه احلواس ‪ ،‬واصالحه عن الرش والبطر ‪ ،‬وسدده بصواب النظر‬
‫يف معاين الصور ‪ ،‬وحسم عنه مواد الظلمة ‪ ،‬وقهر هل جنودها ‪ ،‬ومكنه‬
‫من سلطاهنا ‪ ،‬وعرفه خمادع ماكمن قطاعها ‪ ،‬وكفاه مه عوارض الطريق ‪،‬‬
‫والقوادح يف التحقيق ‪ ،‬وكفاه مه الغيار ‪ ،‬واالغرتار بوجود آنوار دون‬
‫حتقق حبقائق الشهود واالستبصار ‪ .‬واذا آراد آن خيذهل اكن المر ابلعكس‬
‫والعياذ ابهلل ‪ ،‬فال آجدر ابلعبد من اللجاء اىل هللا واللياذ به يف آن يكفيه‬
‫هذه العداء والقطاع عن طريق املوىل ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫النور جند لقلب العبــــــــد ينرصه وهيدي احلائر املسجون يف الظمل‬
‫كام ترى العكس جند النفس ختذهل وتسلمه لك موعــــــــود من المل‬
‫م بني حاالت القلب وصفات كشفه فقال ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( النور هل الكشف ‪ ،‬والبصرية لها احلمك ‪ ،‬والقلب هل االقبال واالدابر )‬
‫النور كام علمت آنه العمل ابتداء واحلق انهتاء ‪ ،‬فابتداه يكشف عن وجه‬
‫القلب جحابه ‪ ،‬ويؤذنه ابقرتابه ‪ ،‬وتنفتح به اىل العال آبوابه ‪ .‬والبصرية كام‬
‫علمت آهنا عني القلب ‪ ،‬فاذا اكنت العني حصيحة ‪ .‬ولكن البد لها يف‬
‫حصول النظر من نور ‪ ،‬فلواكنت العني حصيحة ولكهنا يف ظلمة مل تر ضوء‬
‫انر والجنم والمقر والمشس والشفق والجفر ؛ مل تدرك مبجرد العني نظر ‪،‬‬
‫‪176‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فالعمل هو جنوم ليل هذا القلب ‪ ،‬والعني مقره ‪ ،‬واحلق مشسه ؛ وان قلت‬
‫النجوم رشيعته ‪ ،‬والقمر طريقته ‪ ،‬والشمس حقيقته ‪ .‬فاذا كشف عن عني‬
‫القلب ظلمة اجلهل بأي نور من هذه النوار آبرص ما انطوى عليه املقام‬
‫من الرسار ‪ ،‬فذل ك حيمك به فال يدخهل شك والميرتيه تردد ‪ .‬فاذا اكن‬
‫كذ ك اكن للقلب االقبال عىل حمك بصحته ‪ ،‬واالدابر عام حتقق بطالنه ‪،‬‬
‫وتبني ضاللته ‪ .‬فالقلب كشخص قامئ وهل آوصاف ش ىت ‪ ،‬فاملوصوف‬
‫بترصف الوصاف هو الشخص جبملته الالصفة جمردة عن آداهبا ‪ ،‬والقلب‬
‫آيضا مسع وحياة وقدرة وارادة وعمل والكم ‪ ،‬فهو الواسطة بني املكل‬
‫وامللكوت ‪ .‬فالصفات اخللقية تس تنشق من وراء هذه الصفات القلبية ‪،‬‬
‫والصفات القلبية واهجة ‪ ،‬ومقابهل الصفات الزلية ‪ .‬ذل ك اكن هل االقبال‬
‫عىل هللا واالدابر من حيث مايفيض عنه اىل عامل اخللق ‪.‬‬
‫ولو آخذان نبني لك صفة وماتقبهل ومايفيض عهنا عىل الصفات اخللقية‬
‫القالبية النكشف رس حنن بصدد صونه عن االذاعة ‪ ،‬لن القوابل التطيق‬
‫سامعه ‪ ،‬ويف االشارة اىل ذ ك كفاية ملن فتح عني بصريته ‪ ،‬واطلع بشمس‬
‫رسيرته ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫النور يفتح ابب القلب ابملدد ويف البصرية يظهر رسه الصمد‬
‫فلام اكنت الطاعات ابرزة عىل الظواهر مااس تنشقته القلوب من الرسائر ؛‬
‫يفرح هبا من وهجني ‪ :‬وجه من حيث كوهنا من هللا ‪ ،‬ووجه من حيث‬
‫كوهنا منك ‪ .‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬

‫‪177‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫( التفرحك الطاعة لهنا برزت منك ؛ وافرح هبا لهنا برزت من هللا اليك‬
‫{ قل بفضل هللا وبرمحته فبذ ك فليفرحوا هو خري مما جيمعون } [ الية‬
‫‪ 58‬يونس] )‬
‫الفرح هو ابهتاج القلب بأمر محمود عاجال وآجال ‪ ،‬وفرح اجلهال ابلمور‬
‫العاجاةل ليس هو من هذا القبيل ‪ ،‬لكن الفرح هنا ابلطاعة عىل رضبني ‪:‬‬
‫آما بوجودها من حيث يه طاعة ومتوبة وسالمة من عقوبة ‪ ،‬المن حيث‬
‫آنه آبرزها من خزائن فضهل ‪ ،‬فذ ك فرح احملجوبني ‪ ،‬والعامة اجلهال‬
‫الغافلني ‪ .‬ذل ك هنيى املؤلف رمحه هللا عن الفرح هبا من حيث كوهنا برزت‬
‫منك ‪ ،‬لنك التفرح اال مبا تيقنت بقاءه ‪ ،‬ومىت تتيقن براءة آعام ك من‬
‫مفسداهتا والقوادح فهيا واخالصها ‪ .‬وآعظم من ذ ك آنك جحبت هبا معن‬
‫آبرزها ‪ ،‬فلو كنت ذا كشف واهتداء لرآيت من آهلم ذ ك وآعان عليه‬
‫ووعد ابجلزاء ‪ .‬فاذا كنت كذ ك ؛ آي علمت من آين صدرت وملا ذا آنت‬
‫معلته آهنا من مجةل عنايته بك وآنت بعد مل هتتدي اليه اال هبدايته ‪ ،‬ومل‬
‫تقوى علهيا اال ابعانته ‪ ،‬فعند ذ ك تفرح هبا لكوهنا دليةل عىل عناية س يدك‬
‫بك ‪ ،‬فيكون فرحك بفضهل وقد آمربذ ك { قل بفضل هللا} وهدايته‬
‫من آعظم الفضائل عليك ‪{ ،‬وبرمحته } ويه اعانته من آحتف الهدااي‬
‫دليك ‪ ،‬وفرحك بفضهل ورمحته خري مما جيمعون من مايصدر مهنم من‬
‫مجموع آعامل ‪ ،‬وحتسني آحوال ‪ .‬فأين ماجتمعه مما متنحه ‪ ،‬فلو اكن عدد‬
‫آنفاس العامل زوايك آعامل وسنيات آحوال وآنت فرح هبا معمتدا علهيا مل تغن‬
‫عنك من هللا شيئا قدره ‪ ،‬من عارف ابهلل معمتد عىل فضل هللا فرح‬
‫‪178‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫بنعمة هللا التوازهيا آعامل العاملني ‪ ،‬وآحوال السالكني مع رؤيهتم لها دون‬
‫موجدها ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فافرح بفضهل فان الفضل مقصود ملن هل املن واالحسان واجلود‬
‫والتكن به دون هللا مــــــــردود يكن بالشئ ان الغري مفـــقود‬
‫فلام اكن الغيبة عن رؤية العامل دآب السالكني الجناب ‪ ،‬والواصلني‬
‫الحباب ؛ قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( قطع السائرون اليه والواصلون اليه عن رؤية آعامهلم وشهود آحواهلم ‪ ،‬آما‬
‫السائرون فلهنم مل يتحققوا الصدق مع هللا تعاىل فهيا ‪ ،‬وآما الواصلون‬
‫فلنه غيهبم بشهوده عهنا )‬
‫قطع مل ميكهنم السائرون ‪ ،‬مه السالكون عىل قدم الصدق يف بيداء االرادة‬
‫وميادين العامل عىل جنائب الحوال ‪ ،‬وقد قطعهم عن رؤية آعامهلم وصفو‬
‫آحواهلم عدم حتقق الصدق اذ هو رشط قبولها ومه بعد مل خيرجوا عن رؤية‬
‫النفس فهيا ‪ ،‬فذل ك مل يعتدوا هبا ومل يعمتدوا علهيا ‪ .‬وذ ك آنك الترى اال‬
‫ماخلص عن شوائبه وتظهر من معائبه ‪ ،‬ومل تأمن من دخول الفات‬
‫مادامت النفس ظاهرة ‪.‬‬
‫وآما الواصلون حفجهبم عن رؤيهتا شهوده ‪ ،‬واذا حتقق شهوده مل يبق لغريه‬
‫فعل والوصف ‪ ،‬فالعامل مصادر الفعال ‪ ،‬والحوال مصادر الوصاف ‪،‬‬
‫فمل يبق لغريه فعل فريى هل معل ‪ ،‬والبق لغريه وصف فريى هل حال ‪،‬‬
‫فهذا يعطيه مقام الشهود والتحقق ابلوجود الترى معه موجود ‪ ،‬فصح آن‬
‫رؤية العامل دون هللا حال احملجوبني اذلين مل حيظوا بعزيز الصدق ‪ ،‬ومل‬
‫يشهدوا راحئة نس مي الوصل ‪ .‬فالواصل اذلي يشهد جمري العامل ومنش هيا‬
‫‪179‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ ،‬والصادق اذلي يهتم نفسه فامي يصدر عهنا ؛ ويرى عدم االخالص‬
‫وشهود النقص والتقصري عن اجلد والتشمري ‪ ،‬حىت لورآى مارآى من‬
‫العامل والحوال مل يرها اال بعني ادلعوى ‪،‬‬
‫ويف ذ ك املعىن كرثت حاكايهتم كام روي عن الواسط مع آحصاب‬
‫آابعامثن حيث قال هلم ‪ :‬امنا آمرمك ابجملوس ية احملضة حيث قالوا ‪ :‬اكن يأمران‬
‫ابلعامل ورؤية التقصري فهيا ‪ ،‬وقال ‪ :‬هل ال آمرمك ابلغيبة عهنا برؤية‬
‫منش هيا ‪ ،‬هذا يف مقام الواصلني ‪ .‬وآما مايروى يف ذ ك املعىن يف طريق‬
‫السالكني فكثري ‪ ،‬يروى عن بعض سادتنا العلوية ريض هللا عنه وهو‬
‫س يدان معر احملضار ريض هللا عنه آنه قال ‪ :‬لوتقبلت يل تسبيحة لفعلت‬
‫مجليع آهل بادي دعوة ‪ ،‬آوكام قال ‪.‬‬
‫وآفة السالكني رؤية آعامهلم ‪ ،‬واالعامتد يف سلوكهم عىل مايصدر من آفعاهلم‬
‫‪ ،‬ومنه ينتج االدالل واالجعاب ‪ ،‬ورضوب من الفات سمل مهنا املوفقون ‪،‬‬
‫وحتصن عهنا املتقون ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫فالواصلون قطع عن عــــني رؤيهتم شهود س يدمه عن لك منـــــظور‬
‫والسالكون سبيل الصدق مهنجهم آن ال يروا صور العامل مسطور‬
‫فلام انهتيى الالكم عىل ذ ك آخذ يتلكم عىل مايعتوي املريدين من مقاطع‬
‫الطريق ومايلتبس عىل اجلهال املغرورين فقال ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( مابسقت آغصان ذل اال عىل بذر طمع )‬
‫عرب حباةل اذلل للمخلوقني ؛ كشجرة الزقوم اليت خترج يف آصل اجلحمي ‪،‬‬
‫طلعها كنه رؤس الش ياطني ‪ ،‬وابلبسوق اىل الطول يف العامل الهبوط ‪،‬‬
‫فان طولها معنوي تتصل مثرته ابلرعيل الظلامين واحملتد القايص عن هللا ‪.‬‬
‫‪180‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫والغصان يه ماتتشعب من هذه الشجرة من الخالق الالمئة والصفات‬


‫املشومة اليت هو آصل النفاق ومنبع طرق الفساق ‪ ،‬والتبسق هذه‬
‫الغصان ‪ ،‬ومتتد هذه الفنان وختر عزيزات الذقان اال عىل بذر طمع ‪.‬‬
‫والبذر هو احلب اذلي يراد لالس تنبات ويطلب منه النبات ‪ .‬والطمع‬
‫للمخلوقني دليل احلجاب عن رب العاملني وما ك يوم ادلين ‪ ،‬وهو عالمة‬
‫املنافقني وس امي املتعبدين ـ والعزة ابهلل من آرشف آخالق املؤمنني ‪ ،‬وآعز‬
‫آحوال املوقنني ‪ .‬والعزة ابهلل التكون ملن يف قلبه قبح الطمع املباين حلاةل‬
‫الورع ‪ ،‬وقد وصف هللا الفريقني ونعت الطريقني بأن العزة هلل ولرسوهل‬
‫وللمؤمنني ‪ .‬ولو اكن هلم يف غريه طمع آواىل غريه مطمح نظر لتخلق هبم‬
‫عن ذ ك املقام ‪ ،‬ولقام االكرام مقام اللئام حيث قال يف الفريق الخر {‬

‫ان اذلين حيادون هللا ورسوهل آولئك يف الذلني } [ الية ‪ 20‬اجملادةل ] والفرقة‬
‫القلني يوم القيامة ‪ ،‬والطامع آبدا يف عنا وقةل غىن اذ منشأه الشك يف‬
‫هللا واليأس من روح هللا ‪ .‬والطامع اليش بع ‪ ،‬واحلريص اليقنع كيف‬
‫ماتقلبت به الحوال ‪ .‬والطمع عىل رضبني ‪ :‬طمع ظاهر جيل يعرفه لك‬
‫آحد ؛ اكلطمع يف الغراض الفانية فالخيفى قبحه ‪ ،‬واالعراض عنه محمود‬
‫للك آحد ‪ ،‬والتزنه عنه مطلوب عند لك آحد ؛ حىت عند من يتعاطاه من‬
‫اجلهال والغواة الضالل ‪ .‬وطمع ابطن خف اليعرفه آكرث اخللق ؛ اكلطمع يف‬
‫املس تذل الخروي فال يرتك الطمع فيه اال حمجوب دنيوي آومقرب مبقام‬
‫الشهود حظ ‪ ،‬فاليطمع يف شئ دون س يده والقرب منه والشهود هل ‪،‬‬
‫واليرتك الطمع يف الفضل الخروي احتقارا ؛ ولكن ملا ظهر هل وبدآ قلبه‬

‫‪181‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫من االمتالء بشهود املوىل ‪ ،‬وبدآ هل من امجلال اذلي حسن به مس تحسن‬


‫ما آخذه عن الكوان ‪ ،‬وشغهل عن التذلذ ابجلنان ومافهيا من احلور احلسان‬
‫‪ ،‬وابن هل من العرفان مااس تغرق الراكن ‪ ،‬واس متكل اجلنان والعني‬
‫واللسان ‪ .‬فاخلاصة يوصفون برتك الطمع يف العراض الفانية ادلنياوية دون‬
‫الفضائل وادلرجات الخروية ‪ ،‬وخاصة اخلاصة يوصفون برتك الطمع فامي‬
‫سوى س يدمه ومنهتيى مطلهبم ‪ ،‬وغاية آماهلم بشهود الواحد احلق ورضوانه‬
‫عهنم ‪ ،‬اليلتفتون اىل غرض فاين ‪ ،‬واليعرجون عىل حظ اكئن مااكن ذ ك‬
‫احلظ دنيوي آوآخروي ‪.‬‬
‫ويقابل الطمع الورع ‪ ،‬والورع آيضا عىل درجات ش ىت ‪ :‬فورع العامة‬
‫وورع اخلاصة وورع خاصة اخلاصة ‪ ،‬وورع ظاهر وورع ابطن ‪ ،‬وورع‬
‫فرض وورع نفل ‪ ،‬وهو يتفاوت حبسب تفاوت الحوال ‪ ،‬والورع يف‬
‫الفعال والقوال والحوال ‪ .‬فورع الفرض يف احلرام الرصف يف الفعال‬
‫والقوال وهو ورع العامة وهو يف الظاهر الابلباطن ‪ ،‬وورع يف دقائق‬
‫العامل وخفيات الفعال يظهر لهلها بشواهد الس نة والتطلعات عىل‬
‫خفيات الاثر ‪ ،‬والفحص عن آحوال الخيار ‪ .‬وورع خاصة اخلاصة وهو‬
‫يف الحوال مبراعاة التعظمي واالجالل ‪ .‬وورع خاصة خاصة اخلاصة ابلفناء‬
‫واالمضحالل ‪ .‬وورع العامة عن احلرام ‪ ،‬وورع اخلاصة عن الش هبات ‪،‬‬
‫وورع خاصة اخلاصة عن الفضول من احلالل ‪ .‬ومازال هبم الورع يرتىق يف‬
‫مدارج الحوال حىت وقف هبم وآرشف هبم عىل الرس املصون والعمل‬
‫اخملزون حتت حيطه كن فيكون ‪ ،‬فيكون ما آرادوا من غري تلكف وحتري‬
‫يف االقدام عىل شئ واجحام ‪ ،‬فياخذون ابهلل ويرتكون البأنفسهم ‪ ،‬فوقعوا‬
‫‪182‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫عىل حقيقة المر ‪ ،‬ونزلوا عىل بصرية ترتائ هلم يف لك شئ عالمة تدهلم‬
‫عىل آخذه آوتركه ‪ ،‬لن هللا ولهيم { ومن يتوىل هللا ورسوهل واذلين آمنوا‬
‫فان حزب هللا مه املفلحون } [ الية ‪ 56‬املائدة ] الهيجمون ابلظنون‬
‫والحيجمون ‪ ،‬كام يكون لحصاب الظواهر اذلين مل تس تنري مهنم القلوب ‪،‬‬
‫ومل تصفوا هلم الضامئر بل واقفون مع مايتومهون ‪ ،‬ومتبعون مايظنون {‬

‫ان يتبعون اال الظن وماهتوى النفس } [ الية ‪ 23‬النجم ] وقرصوا عن‬
‫الهدى اذلي جاءمه من رهبم { ولقد جاءمه من رهبم الهدى } [ الية ‪23‬‬
‫النجم ] ومن ادلالالت القرآنية واملعجزات النبوية ‪ ،‬فوقفوا عن رمسهم‬
‫احملصور وحدمه املقصور ‪ ،‬ومل حيظوا ابلشاهد القليب اذلي آرشدمه اليه‬
‫رسول هللا صىل هللا عليه وسمل حيث قال " اس تفت قلبك وان آفتوك "‬
‫فالفتوى القلبية يه الهدى اذلي جاءمه من رهبم ‪ ،‬هذا يف حال من يتحرى‬
‫الورع ‪ .‬وآما املهنمكون اذلين مل يبالوا من آي شئ آخذوا ‪ ،‬والبأي فعلوا‬
‫فال يتوجه الهيم هذا اخلطاب ‪ ،‬ومل يعنهيم يف هذا اجلواب ‪ ،‬بل نقول كام‬
‫قال ربنا فهيم { فاعرض عن من توىل عن ذكران ومل يرد اال احلياة ادلنيا *‬
‫ذ ك مبلغهم من العمل } [ الايت ‪ ] 30-29‬وآحوال السلف يف الورع‬
‫مشهورة ويه آكرث من آن حترص ‪ ،‬وآظهر من آن تشهر ‪ .‬ويكفيك يف‬
‫ترك احلرام زاجر قوهل س بحانه { ان اذلين يألكون آموال اليتاىم ظلام امنا‬
‫يألكون يف بطوهنم انرا } [ الية ‪ 10‬النساء ] وآموال غريمه كمواهلم ‪ ،‬واكللك‬

‫‪183‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫غريه من الرشب واللبس واملسكن وغريه من وجوه االنتفاعات ‪ .‬وقوهل‬


‫صىل هللا عليه وسمل " من مل يبال من آين آلك مل يبال هللا به يف آي واد‬
‫من آودية النار هكل " آوكام قال ‪ .‬واذلي يتعبد من غري ورع اكذلي يبين‬
‫عىل الرسجني ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬ان الغذاء بذر والعامل نتيجة ‪ ،‬مفن آلك احلالل‬
‫الرصف خرجت منه العامل اخلالصة الرصف ‪ ،‬ومن آلك الش هبات‬
‫خرجت منه العامل املش بوهة ‪ ،‬ومن آلك احلرام نتجت منه العامل‬
‫احملرمة ‪ .‬ولو آخذان يف تبيني آحوال الناس يف ذ ك لطال ‪ ،‬وحيتاج اىل‬
‫افراد كتاب ‪.‬‬
‫وآما تنوير القلب فف آدق من ذ ك من دقائق اللحظات ولطائف‬
‫اخلطرات ؛ فأثر ذ ك يظهر يف القلوب تنويرا وظلمة وثقال وخفة ‪ ،‬فورع‬
‫اخلاصة يف تتبع ذ ك والبحث عام هنا ك ‪ ،‬ويظهر ورع خاصة اخلاصة يف‬
‫آدق من ذ ك من تضييع حقوق هللا يف النفاس ودقائق الوقات ‪ ،‬آوعدم‬
‫الصدق يف ذ ك ‪ ،‬وآدق من ذ ك االلتفات اىل مامنك ‪ ،‬آورؤية وجود‬
‫السوى الواحد املعبود ‪ .‬قالوا ‪ :‬ولك رتبة آدىن من ذ ك تعم سائر املراتب‬
‫زايدة ونقصا ‪ ،‬فأما يف العامة مفا ذكران من نتيجة العامل اخلالصة بألك‬
‫الطيب وضدها بضدها ‪ ،‬وتؤثر يف آحصاب الحوال ثقل وقةل انرشاح ‪،‬‬
‫وضدها من خفة وانرشاح ان اكن الضد ‪ ،‬وآما يف آهل املقامات واملعارف‬
‫فكرثت اخلواطر من غري جدوى ‪ ،‬واختالف املعارف واشتباهها وضدها‬
‫ذ ك بضده ‪ ،‬آي ابلطيب ضبط اخلواطر وحفظ الوقت ومتيزي املعارف ‪.‬‬
‫فانظر اتصال هذا ادلين وامعل مايعمل يف الصاغر يف الاكبر حبسب‬

‫‪184‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫احلال ‪ ،‬ففرق بني مايكون يف احلرمان وبني من تشتبه عليه صنوف‬


‫الغيار ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ان الطمع حرفة التجويف يعرفه من يقرتبه ويدري ماهو اخلـــرب‬
‫فاجعل بدل ذاك واوا الترصفــه عني هبا قام نور هللا يف الصور‬
‫مفبىن الطمع الومه ‪ ،‬وغايته اذلل والعبودية ملن مل يس تحقها ‪ ،‬ذل ك قال‬
‫املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( ماقادك شئ مثل الومه )‬
‫القود هو القهر من القائد واالنقهار من املنقاد ‪ ،‬واحلمك من القائد‬
‫واالستسالم من املنقاد ‪ .‬وما آقبح حاةل من انقهر للومه وانقاد للشك‬
‫املعدومني يف آنفسهام ‪ ،‬فالطمع يف اخللق طمع يف ومه الحقيقة هل ‪ ،‬اذ من‬
‫اكن من عدم يف ذاته دون هللا فكيف يطمع فيه ‪ ،‬ولكن النفس من حيث‬
‫مركزها اجلبيل خلقت من الظلمة فمل تعرف غريها ‪ ،‬فذل ك انسبت حالها‬
‫آفعالها ‪ .‬وآما نفوس آهل العرفان مل تلتفت اىل اثن لثبوت آن لك موجود‬
‫دون هللا فان ‪ ،‬آي معدوم الصل ‪ ،‬فمل يطمح نظرمه ومل حتول مهمهم اىل‬
‫غري لفناء الغيار وانطامس الاثر حتت آحدية الواحد القهار ‪ ،‬فقنعوا به‬
‫عوضا معن سواه ‪ ،‬فأوردهتم الرضاء عنه ‪ ،‬وعوضهم ذلة املشاهدة وطيب‬
‫املوانسة ‪ ،‬فعرفوا ماهجل الغبياء ‪ ،‬ونظروا مامع عنه الشقياء ‪ ،‬حفيوا‬
‫حياة طيبة لفراغ بواطهنم عن التعلق ابلوهام ‪ ،‬وسالمهتم عن ورود الظمل‬
‫ومقارفة الاثم ‪ ،‬ونعهتم الحرار عن اسرتقاق الغيار ‪ ،‬وخلصوا عن انر‬
‫الطمع واالدالل اىل جنة الورع واالتصال ‪ ،‬واس تظلوا حتت جشرة احلمكة‬

‫‪185‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فأينعت عن مثار العلوم الادنية ‪ :‬اذا رآيمت زهد الرجل فادنوا منه فان احلمكة‬
‫تلقى عليه ‪ ،‬واملواهب تدنوا اليه ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫الومه آكذب مايلقى اليك فكــــن عىل يقني فان الومه معدوم‬
‫من انزهل رصف آنوار اليقني يكن بربه الحببل الومه خمطـــــوم‬
‫وانقياد املنقاد آما عىل سبيل الرغبة يف املنقاد آوعىل سبيل الرغبة ‪ ،‬والك‬
‫المرين يقتيض العبودية من املنقاد للمنقاد هل ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض‬
‫هللا عنه ‪:‬‬
‫( آنت حر عام آنت عنه آيس ‪ ،‬وعبد ملا آنت هل طامع )‬
‫ذكر احلرية آوال لهنا الصل ‪ ،‬اذ الصل آنك حر عن الغيار ومنطلقا عن‬
‫واثق الاثر ‪ ،‬فاذا عدت اىل آصكل علمت آن الش ياء طالبة ك ومتوهجة‬
‫ابالقبال عليك ؛ وذ ك قبل طرواجلهل اجلبيل ‪ ،‬لكونك متصف ابلعمل ‪،‬‬
‫ومتحيل ابلشهود ‪ ،‬فأنت يف ذ ك املشهد آيس عام سوى الواحد احلق ‪.‬‬
‫لن الومه الظلامين مل يظهر بعد فمل تتوجه انصية العبودية لغري ‪ ،‬فاذا عاد‬
‫السا ك اىل ذ ك وحتقق مباهنا ك وصف ابحلرية عن الغريية ‪ ،‬وعبوديته‬
‫للغيار متومهة الحقيقة كهي اذ مل تكن العبودية لغريه يف آي معبود ‪ ،‬ومل‬
‫يشهد سواه يف لك مشهود ‪ .‬وامنا سبب الغيث يف ذ ك تومه الغريية‬
‫بكثيف جحاب البرشية ‪ ،‬عافاانهللا واملسلمني من التوجه اىل غريه ‪،‬‬
‫والعبادة لسواه ‪ .‬فاملوحدون عن الغيار آيسون ‪ ،‬وابهلل مس تأنسون ‪،‬‬
‫وعليه متولكون ‪ .‬قد سقط عن قلوهبم الطمع ‪ ،‬وآحصهبا الورع ‪ ،‬وذ ك ملا‬
‫كشف عن قلوهبم ظلمة الوهام والشكوك ‪ ،‬بصدق اجملاهدة يف فيايف‬
‫السلوك ‪ .‬فرآو جعز من سواه من ايصال مايرىج ‪ ،‬ودفع ماخيىش ‪.‬‬
‫‪186‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وتعلقت مطامعهم فمين بيده ملكوت لك شئ واليه ترجع مصادر المور ‪،‬‬
‫وبه تطمنئ وجالت القلوب ‪ ،‬وعنده خزائن اخلريات ومفاتيح املرسات ‪،‬‬
‫ودفع املرضات دنيا وآخرى ‪ .‬فأيئسوا عن الغيار ‪ ،‬وحترروا عن رق‬
‫الاثر ‪ .‬واكنوا هل عبيدا فوجوده واجدا جميدا لطيفا حلامي ‪ ،‬غافرا متفضال‬
‫كرميا ‪ .‬اىل غري ذ ك من صفات جامهل وفضائل نعوته ومننه ‪ ،‬وسوابغ نعمه‬
‫وغوامر رحامته ‪ ،‬ومن آيس عن هللا وتعلق طمعه ابلغيار وسأل مأربه‬
‫وعلق رغائبه وآنزل حواجئه ابخلياالت الكونية ‪ ،‬والظلامت الهوائية {مكثل‬
‫العنكبوت اختذت بيتا وان آوهن البيوت لبيت العنكبوت لو اكنوا يعلمون‬
‫} [ الية ‪ 41‬العنكبوت ] ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ان الطمع ميكل احلر الكرمي اذا رام التوصل منه احناز وامتـــنعا‬
‫ومن يكن آيسا يأيت الـيه كــــذا لك اذلي اكن يف الوهام ممتنعا‬
‫فلام نظر العارفون اىل الغيار بنور اليقني ؛ حتقق زوال نعميها وذهاب‬
‫طراوهتا واس مترار حالوهتا ‪ ،‬وواهجهم هللا بعظمي فضهل وحتىل هلم جبميل‬
‫نعته ؛ مل تسرتقهم الكوان ‪ ،‬ومل حتمك علهيم الشهوات ‪ ،‬بل حترروا عهنا‬
‫وآعرضوا عهنا وركبوا الفلوات وآنسوا بذكره ‪ ،‬وجعلوه عوضا عن لك‬
‫حمبوب ‪ ،‬ونسوا يف دونه لك مطلوب ‪ .‬اذا سرتهتم الغياهب افرتشوا هل‬
‫القدام ‪ ،‬ومتلقوا هل متلق موانسة واكرام ‪ ،‬واجالل واعظام ‪ .‬فأفاض عىل‬
‫قلوهبم مواهب االنعام ‪ ،‬وخاطهبم من آرسارمه خطاب حبيب حلبيبه ‪،‬‬
‫ودنو قريب اىل قريبه ‪ .‬فعادوا الكوان ذل ك ‪ ،‬وخرجوا عن لك مايعوقهم‬
‫عن خدمته ‪ ،‬ويعرث عن نيل حمبه ‪ .‬وآخبارمه مأ ثورة وحاكايهتم يف ذ ك‬

‫‪187‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫مشهورة ‪ ،‬وآعالهمم منشورة ‪ .‬فأقبلوا اليه بطريق احملبة واملنة المن طريق‬
‫االضطرار واحملنة ‪ .‬وهللا س بحانه يريد توجه عباده اذلين س بقت هلم منه‬
‫الرمحة ‪ ،‬وآفيضت علهيم املنة ‪ .‬وآن يوصلهم اليه اما بطريق االختيار واما‬
‫بطريق االضطرار ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( من مل يقبل عىل هللا مبالطفات االحسان ؛ قيد اليه بسالسل االمتحان )‬
‫فهذا خطاب لفريقني وبيان طريقني ؛ آما الطريق الول مه آهل االقبال‬
‫اذلين آقبلوا اليه بطريق الطوع والفرح ومه اذلين اس تجابوا هلل من غري‬
‫توقف والتعوق والتعرث كام آشار اليه ابالقبال ‪ ،‬واالقبال اليكون اال عن‬
‫رىض وفرح واس تيئناس وطرب ‪ ،‬وذ ك ملا رآمه من مجيل وصفه ومعمي‬
‫فضهل وسابق منته وتوايل نعمته ‪ ،‬فهم الشاكرون هلل اذلين تعرضوا لزايدة‬
‫انعامه وتوايل افضاهل ‪ .‬وقوم آخرون مل يرجعوا اليه كذ ك ومل يقبلوا ‪ ،‬وقد‬
‫س بقت هلم من هللا عناية ‪ ،‬قيدوا اليه بسالسل االمتحان ‪ ،‬والقود اليقع‬
‫اال عن قهر ‪ ،‬س امي ابلسالسل فاهنا آبلغ يف ظهور القهر اذ القود‬
‫ابلسالسل آبلغ مايقهر به املس تعيص عن االنقياد ‪ ،‬فعرب ابملصائب‬
‫ورضوب املتاعب يف ادلنيا للمؤمن يف ادلنيا ابلسالسل لريده اىل حرضته‬
‫وليختصه برمحته " جعبا للمؤمن آمره لكه خريا هل وليس ذ ك اال للمؤمن "‬
‫وتكل السالسل يه مايبتىل به املؤمن يف هذه ادلنيا من املصائب يف‬
‫الهل واملال والعرض وتغري الحوال ‪ ،‬فرتده اىل هللا ابلترضع واالبهتال‬
‫وانكسار النفس بذ ك ‪ ،‬وماينالها من التعب مما يقلل رغبهتا ويزجعها عن‬
‫الركون والطمأنيتة يف ادلنيا يف ذ ك غاية السعادة وجزيل الزايدة ‪،‬‬
‫فس بحانه من كرمي ما آلطفه بعباده وآرمحه هبم ‪ .‬فلو تركهم وماحيبونه لهلكوا‬
‫‪188‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫هالك البد كام يكون ذ ك لهل البعد حيث قال { نوف الهيم آعامهلم‬
‫فهياومه فهيا اليبخسون * آولئك اذلين ليس هلم يف الخرة اال النار } [‬
‫الايت ‪ 16-15‬هود ] فاحلق س بحانه يس تدع عباده اىل عبادته وحمبته بورود‬
‫النعم والرزاق والعافية ‪ ،‬ومالطفات الحوال ‪ .‬فان مل جييبوا بذ ك دعامه‬
‫عن طريق االبتالء { من اخلوف واجلوع ونقص من الموال والنفس‬
‫والمثرات } م قال { وبرش الصابرين } [ الية ‪ 155‬البقرة ] آعقب ماابتلوا‬
‫به مع وجود الصرب ابلبرشى واملدح من هللا عز وجل ‪ ،‬كام مدح من قام‬
‫بصنوف الطاعات ووظائف الوقات ‪ .‬م بني قوهلم ما هو احلال فقال {‬

‫اذلين اذا آصابهتم مصيبة قالوا اان هلل } ملاك وخلقا وعبودية { واان اليه‬
‫راجعون } [ الية ‪ 156‬البقرة ] يف مجيع الحوال والقوال والفعال حقيقة ‪.‬‬
‫فانظر ماذا حصل عليه من قيد اىل هللا بسالسل االمتحان كيف صاروا‬
‫يف مرجعهم اليه حموا ؛ الحول والفعل والوصف ‪ .‬وهذه مرتبة العبودية‬
‫اخلاصة فوصلوا اىل مقام الشكر ؛ وهو رجوعهم اليه يف مجيع مامهنم ‪.‬‬
‫وهذه طريقة السالكني طريق الرتيق يف مدارج السلوك ‪ ،‬ومعارج الحوال‬
‫يف بروج الوصال ‪ ،‬يف ساموات الوصاف وكريس القرب وعرش املس توى‬
‫الرحامين ‪ .‬فاذا علمت آن ابتداء السلوك الصرب عىل ممرات كوؤس اجملاهدة‬
‫وانهتاؤه الشكر عىل الكشف واملشاهدة ‪ ،‬عقب ذ ك بقوهل شارحا ملا‬
‫آسلفه يف احلمكة قبل ‪ ،‬ومبينا لحوال الشاكرين ‪ ،‬وحااث عىل ماهو‬

‫‪189‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫املطلوب الغر وهو الشكر عىل النعم املؤذن بدواهما ‪ ،‬واجلالب لشأهنا ‪،‬‬
‫فقال ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( من مل يشكر النعم فقد تعرض لزوالها ‪ ،‬ومن شكرها فقد قيدها بعقالها )‬
‫الشكر هو الثناء اال آنه آمع من ذ ك ‪ ،‬اذ هو الثناء ابللسان واالعرتاف‬
‫ابجلنان ‪ ،‬واس تعامل الراكن ‪ ،‬فامي هو املطلوب من خلق االنسان ‪ ،‬اذ قال‬
‫آعز من قائل { وماخلقت اجلن واالنس اال ليعبدون } [ الية ‪ 56‬اذلارايت]‬
‫والشكر مورده عام ومتعلقه خاص ‪ ،‬فامحلد بذ ك االعتبار فرد من آفراده‬
‫‪ ،‬ويه آي امحلد ابلضد من ذ ك خاص املورد عام املتعلق ‪ .‬والشكر‬
‫حبسب آحوال اخللق هل ثالث مراتب ‪ :‬شكر العموم وشكر اخلصوص‬
‫‪،‬وشكر خصوص اخلصوص ‪ .‬فاملرتبة الوىل آن التعصيه بنعمته اليت آنعم‬
‫هبا عليك ‪ ،‬والرتبة الثانية آن ترصف مجيع نعمه فامي خلقت لجهل ‪ ،‬والرتبة‬
‫الثالثة آن يشغكل شهود املنعم عن رؤية النعمه ‪.‬‬
‫والنعم آما خاصة وآما عامة ‪ ،‬وآما ظاهرة وآما ابطنة ‪ ،‬وآما دينية وآما‬
‫دنيوية ‪ ،‬وآما حس ية وآما معنوية ‪ .‬فأما النعمة العامة فنعمتان مل خيرج مهنام‬
‫موجود ويه نعمة االجياد آوال بعد آن مل تكن شيئا مذكورا فذكرك ‪ ،‬ومن‬
‫ذايقوم بنعمة من ذكره قبل آن يذكر ‪ ،‬وآي عقل يقوم بشكر ذكر احلق هل‬
‫وهو مل يكن ‪ .‬ويف هذا اذلكر دخل لك موجود توجه اليه االجياد مبجموع‬
‫العمل البالغ ‪ ،‬واالرادة النافذة والقدرة الاكمةل ‪ .‬فأي نقص يف هذه الوصاف‬
‫؟ ومن آنت حىت تتوجه اليك هذه الصفات الكاملية بعد ذكر اذلات ك ‪،‬‬
‫ولو آخذان فامي انطوت عليه هذه النعمة الس تغرق الوقت ‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫والنعمة الخرى يه نعمة االمداد ‪ ،‬آي امداد ابلقيام عىل ممر النفاس ‪،‬‬
‫مفا من نفس اال واحلق س بحانه ميد العامل به حس ية ومعنوية ابمداد حبسب‬
‫مراتب الوجود ‪ ،‬فللروحانيني امداد ‪ ،‬ولطوار اخللق من انس وجان‬
‫وحيوان ونبات ومعادن وجامد امداد ‪ ،‬وتكل االمدادات يه ماتلقيه‬
‫المالك عىل دوائر الفالك ‪ ،‬ويتصل من الفالك حبسب اختالفها عىل‬
‫مراتب عامل املكل ‪ .‬والراكن الربعة فلها آرواح آربعة عىل آربع مراتب من‬
‫مراتب العامل اخللق ‪ ،‬ولك عني من آعيان احليواانت تلقى مجموع الربع‬
‫املراتب ‪ .‬وهذه النعم العامة يكرث تعداد مراتهبا بنسب استنادها ‪ ،‬ولك‬
‫من وصل اليه شئ من هذه االمدادات ماعدى الثقالن فهو شاكر ‪ ،‬لنه‬
‫مل يصنع ماوصل اليه يف غري املراد منه ‪ ،‬فبق طالب ابلشكر هذا النوع‬
‫االنساين ‪ ،‬لنه اذلي آعط الترصف يف الش ياء كيف شاء ‪ ،‬وركبت فيه‬
‫طبائع آرضية ولطائف ساموية ‪ ،‬فالسامء من شأهنا الطوع والمتكن ‪،‬‬
‫والرض من شأهنا الكره والتلون ‪ ،‬مفا اكن الفعال ابلوضع الساموي فهو‬
‫الشكر ‪ ،‬ومااكن من الفعال ابلوضع الريض الظلامين فهو الكفر ‪.‬‬
‫وآما النعم الظاهرة فيعجز عن عدها احلرص ‪ ،‬مفهنا ماهو يف تركيبك ومهنا‬
‫ماهو يف ترتيبك ن مفن مجةل ماهو يف الرتكيب السمع والبرص والشم‬
‫واذلوق ‪ ،‬وتسوية اخللق عىل آعدل هيئة وآمت بنية ‪ ،‬واحلركة والسكون‬
‫والنطق وسائر نعم اجلسم القامئ برتكيبه ‪ ،‬وايصال الغذية وسائر املنافع‬
‫اخملتصة ابجلسم ‪ .‬وآما النعم الرتتيبية اكلعقل والعمل والقابلية والوصاف‬
‫القلبية ‪ ،‬واملقامات الروحانية واملراتب امللكوتية ‪ .‬وآما الباطنة مفا ادخره‬
‫واس تأثر به من ماهو الصلح ‪ ،‬ومااختص به روحانيتك من بني اذلرات‬
‫‪191‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫يف معى اجلهل ‪ ،‬وظلمة العدل من الباسها وحتليهتا بفيض جتيل آوصافه ‪،‬‬
‫وآودع يف تكل اللبسة سائر املقامات ادلينية ‪ ،‬وقابلها جبميع آسامئه ؛‬
‫فعرفته بلك مظهر من مظاهر مرايئ الوجود فمل جتههل يف لك معاين‬
‫مشهود ‪ ،‬فتكون يف لك ماجتال علهيا من السامء حبمكه المبا يعطهيا الطبع‬
‫احليواين واملشهد الظلامين ‪ ،‬وهذه النعمة المطمع يف احصاهئا لن جتليات‬
‫احلق يف مراتب الوجود الهناية هل ‪ .‬وقد علمت آن يف لك جتيل نعمة آما‬
‫ظاهرة واما ابطنة ‪ .‬وتعبريه ابلقيد هو اشارة اىل ادامة النعمة بوجود‬
‫الشكر واملزيد مهنا ‪ .‬قال هللا جل ذكره { لنئ شكرمت لزيدنمك } [ الية ‪7‬‬
‫ابراهمي ] اذ ثواب لك طاعة غري ماوعدبه من التضعيف والتمنية طاعة آعظم‬
‫مهنا ‪ ،‬فيكون تضعيف يف الظاهر بذ ك وتضعيف يف الباطن ماادخر‬
‫عنده حيث يربهيا كام يريب آحدمك فلوه ‪ ،‬اذا القيد هو ماميسك به الشئ‬
‫املغتبط به ‪ ،‬وللك شئ قيد ‪.‬‬
‫وقيد النعم ابلشكر هلل لن املكل اذا آهدى اىل آحد خاصة هديته وقبلها‬
‫عىل آحسن وجه ومعل هبا فامي يرضاه منه املكل معهل ‪ ،‬حفري آن يزيده من‬
‫نعمه ‪ ،‬ويسدي هللا من مننه ‪ ،‬وان مل يقبلها كذ ك ومل يرصفها فامي هنا ك‬
‫مفا آجدره ابلعقوبة ‪ ،‬وما آبعد عطااي املكل عنه ‪ ،‬والعقال هو آبلغ يف احلفظ‬
‫من القيد آوزايدة عليه ‪ ،‬حفيث مل يعصه بنعمه فقد قيدها ‪ ،‬وحيث آطاعه‬
‫هبا ورصفها يف حماب س يده فقد عقلها ‪ ،‬فهو ‪ .‬آحرى ابلزايدة ‪ ،‬وآجدر‬
‫بعدم االنفالت وسوء االنقالب ‪ .‬والشكر عىل لك نعمة دينية آودنيوية ‪،‬‬
‫واذا اكن النعم دينية فالشكر من آجل النعم ‪ .‬فلعمري لقد جعز العبد عن‬

‫‪192‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫شكر هللا اذا اكن شكره هلل نعمة تقتيض ابنفرادها شكرا ‪ ،‬فغاية الشكر‬
‫من العبد آن يعرتف بأن مابه من نعمة مفن هللا ‪.‬‬
‫ويف آخبار داود عليه السالم ‪ :‬ايرب كيف آشكرك وشكري ك نعمة‬
‫منك ؛ قال ‪ :‬ايداود اذا عرفت ذ ك فقد شكرتين ‪ .‬فأبلغ الشكر شكر‬
‫رسول هللا صىل هللا عليه وسمل حيث قال " ال آحيص ثناء عليك آنت كام‬
‫آثنيت عىل نفسك " والكف عن اس تعامل اجلوارح اذ يه من هجة النعم‬
‫بل من آعظمها ‪ ،‬ورصف النعم يف معايص هللا آول مراتب الكفر كام‬
‫قرران ذ ك ‪ ،‬وشكر الوسائط من الشكر ‪ .‬قال صىل هللا عليه وسمل "‬
‫من مل يشكر القليل مل يشكر الكثري ‪ ،‬ومن مل يشكر الناس مل يشكر هللا "‬
‫وشكر الناس بأن تدعو هلم يف مقابةل ما آوصهل هللا من النعم عىل آيدهيم ‪.‬‬
‫كذ ك وترامه آس باب نصهبا هللا الهلم والمهنم والهبم ‪ .‬والغر ينسب‬
‫الش ياء الهيم نفعا ودفعا ويغيب عن هللا ‪ ،‬فهذا رشك ظاهر جيل ‪ ،‬ومن‬
‫مثرته اذلةل هلم وحتسني آفعاهلم وان اكنت قبيحة ‪ ،‬فهذا نفاق المرية فيه ‪.‬‬
‫وآما رجل مصطمل اليرى للوسائط آثر واليشهد لها عني واليسمع لها خرب‬
‫غاب عن الكوان ورآى آن ليس معه اثن ‪ ،‬حفجب عن الكوان ومل يطلع‬
‫عىل ما آودع هللا يف املوجودات من رس القدرة ‪ ،‬وآبدع فهيا من غرائب‬
‫احلمكة والكامل يعط هذا املقام عىل الامتم ‪ ،‬فريى انفراد هللا يف المر يف‬
‫سائر العيان ‪ ،‬فيشهد الوحدة يف الكرثة والكرثة يف الوحدة ‪ ،‬فالتطغى‬
‫حقيقته رشيعته ‪ ،‬والحيجب رشيعته ظهور حقيقته ‪ .‬فامحلد هلل عىل ما آهلم‬
‫‪ ،‬ونشكره عىل ما آنعم ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫الشكر قيد وجيلب غائب النعم من مل يقيدها فليقــــــبل النقم‬
‫‪193‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اذا علمت آن الشكر قيد النعمة والكفر مفتاح النقمة كنك تقول ‪ :‬اان نرى‬
‫من يتعاطى املعايص واليعمل الطاعات تزايد عليه سوابغ النعمة ‪ ،‬فاعمل آن‬
‫ذ ك من عالمات املكر كام قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( خف من وجود احسانه اليك ودوام اساءتك معه آن يكون ذ ك‬
‫اس تدراجا { سنس تدرهجم من حيث اليعلمون } ) [ الية ‪ 44‬العراف ]‬
‫اخلوف من آحوال املؤمنني ‪ ،‬والمن من صفات الغافلني ‪ .‬فأرابب القلوب‬
‫خيافون من االس تدراج ابلنعم آكرث مما خيافون بغريها ‪ ،‬كام عرفوا ذ ك من‬
‫آحوال املبعدين وس امي املطرودين ‪ ،‬حيث قال هللا فهيم خموفا لعباده‬
‫وزاجرا عن التش به بأفعاهلم ‪ ،‬وحمذرا عن االقتداء بأحواهلم من الفرح‬
‫ابلعراض الفانية ادلنياوية ‪ ،‬واالهنامك يف املالذ البرشية ‪ ،‬فلام اهنمكوا مبا‬
‫آوتوا من النعم واحلظوظ العاجةل ‪ ،‬ونسوا احلقوق الرابنية ‪ ،‬ونسوا هبا‬
‫القسام الجةل ؛ فتحنا علهيم آبواب لك شئ من املطالب الشاغةل عنا ‪،‬‬
‫وعن آداء حقنا اليت توصلهم الينا ويودون هبا حق شكران ‪ ،‬فاغرتوا بذ ك‬
‫وآنسوا اىل ماهنا ك من املالذ الفانية ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬ان هللا ما آعطاان هنا اال‬
‫وس يعطينا ان اكن رجعنا اليه ‪ ،‬فاس تطالوا بذ ك عىل الفقراء وظنوا آن‬
‫هللا ما آعطامه ‪ ،‬وردوا الفقر اال حلظهم وهوان الفقراء ‪ ،‬فرغبوا عن طريق‬
‫العبودية اليت قطب دائرهتا االفتقار اىل هللا يف مجيع الحوال ‪ .‬واذلةل اليت‬
‫يه مقتىض حال العبيد ‪ ،‬وانزعوا يف آوصافه من االس تغناء والعظمة‬
‫والكربايء ‪ ،‬فبذ ك سلطت علهيم دواع الهواء ‪ ،‬وانفتحت طرائق ‪،‬‬
‫فأخذوا آخذ ذي قوة متني بغتة من حيث اليظنون ذ ك ‪ ،‬فاذامه مبلسون‬
‫‪ .‬فانظر واعترب ؛ فلو اكن اذلي يعطى حظوظه ادلنياوية آحظى ممن مينعها‬
‫‪194‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫النعكس احلمك بأن يكون آحوال املبعدين من الفجار والطغاة الاكفرين‬


‫آحسن من آحوال النبياء والولياء والصاحلني ‪ ،‬لن آحواهلم يف الغلب‬
‫العزوف عن املالذ ادلنياوية ‪ ،‬واالبتالء ابحملن يف معوم الوقات ‪ ،‬ومل‬
‫يفعل ذ ك معهم هواان والاحتقارا ‪ ،‬بل ليوفر هلم مادليه وجربا لقلوب‬
‫الفقراء ‪ ،‬حيث سكل بأنبيائه وخريته وآصفيائه مسلكهم س امي آعظمهم‬
‫وآمكلهم وآرفعهم دليه محمد صىل هللا عليه وسمل حيث قال " احلياة حياتمك‬
‫واملامت مماتمك " آي حيايت حياتمك وممايت مماتمك ليظهر عدهل يف اكفة خلقه‬
‫لئال يظن ذو فهم سقمي آن النبياء والولياء ليسوا برش كام وقع لبعضهم من‬
‫قوم عيىس ‪ ،‬فرد هللا علهيم ماقالوا ‪ ،‬وآبطل ماحمكوا بأن قال جل ذكره {‬
‫مااملس يح ابن مرمي اال رسول قد خلت من قبهل الرسل وآمه صديقة اكان‬
‫يأالكن الطعام } [ الية ‪ 75‬املائدة ] فهذا مايلقى يف الفهم من حمكه مايصان‬
‫به النبياء وآاكبر الولياء مع مايريد آن يدخره هلم عنده ‪ ،‬ويزلفهم به من‬
‫جزيل الكرامات ورفيع املقامات ‪ ،‬وهو يقدر آن يعطهيم من غري ابتالء‬
‫ولكن يتعرف الهيم من سائر السامء ليشهدوه بلك مشهد فالجيهلونه يف‬
‫شئ ‪ ،‬فيصري يف حقهم هبذه املثابة عطاء ‪.‬‬
‫وآما املس تدرجني والعياذ ابهلل من وبيل اس تدارجه ومكره آهنم اذا معلوا‬
‫سيئة جدد هلم حظ دنياوي ‪ ،‬واذا معلوا حس نة ظهرت بلية فريون آن‬
‫هذه البلية عقوبة عىل هذه احلس نة ‪ ،‬وآن ذ ك احلظ اذلي انلوه ثواب‬
‫تكل السيئة ‪ ،‬فيخيل الهيم آن املثوبة يف مقابةل السيئات ‪ ،‬والعقوبة يف‬

‫‪195‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫مقابل احلس نات ‪ ،‬فيثبت عندمه ذ ك ‪ ،‬فهذا من آشد وجوه االس تدراج‬
‫واملكر ‪ ،‬آعاذان هللا من ذ ك ‪.‬‬
‫مقن هنا اش تد خوف الاكبر عند جتدد النعم ادلنياوية علهيم ‪ ،‬ودوام‬
‫العوايف البدنية دلهيم ‪ ،‬وعظم فرهحم بوجود املصائب من حيث آهنا‬
‫مصائب ‪ .‬ولكن ملا ترتب علهيم من العواقب فاذا الح هلم من هذا الحئ‬
‫طاشت العقول وانزجعت القلوب من خوف املقام املرهوب ‪ .‬ويل يف ذ ك‬
‫شعرا ‪:‬‬
‫حق لك احسان يسديه اليك عىل ما آنت جمرتح من فعكل الزلل‬
‫ولك مكروه انل العبد مـــــــنه فال جيزع ذل ك ان املثل ابملـــــــثل‬
‫فاذا عرفت ذ ك فاعمل آن االحسان اذلي قد يكون به االس تدراج واملكر‬
‫آما آن يكون من قبيل النعم الظاهرة فذ ك ظاهر قد يبتيل به معوم اخللق‬
‫ويعرفه لك آحد ‪ ،‬وآما آن يكون من قبيل الايت والعلوم والكرامات فهذا‬
‫مما يبتيل به املريدين وطوائف السالكني املبتدين ‪ ،‬وهذا آشد من لك بلية‬
‫غريه ‪ ،‬وآخفى مما ذكر من االبتالء ابلنعم الظاهرة ‪ ،‬ذل ك عقب بذكر هذا‬
‫املصنف وآبلغ يف كشفه وحقق وصفه ‪ ،‬فقال ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( من هجل املريد آن يس ئي الدب فتؤخر العقوبة عنه فيقول ‪ :‬لواكن هذا‬
‫سوء آدب لقطع االمداد وآوجب االبعاد ‪ ،‬فقد يقطع املدد عنه من حيث‬
‫اليشعر ‪ ،‬ولومل يكن اال منع املزيد ‪ .‬وقد يقوم مقام البعد من حيث اليدري‬
‫‪ ،‬ولومل يكن اال آن خيليك وماتريد )‬
‫من هنا تبعيضة ‪ ،‬واجلهل هل وجوه ظاهرة ووجوه ابطنة ‪ ،‬واجلهل‬
‫مبجموعه آقبح حاالت العبد ؛ فظاهره حاالت الكفار والعتاة الفجار ‪،‬‬
‫‪196‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وابطنه س امي املنافقني والضالل املغرورين ‪ .‬واملريد هو لك طالب ملقصد‬


‫آومأرب ‪ ،‬وآرشف املقاصد وآحسن املأرب وآحتف الرغائب يه ارادة هللا‬
‫جمردا من غري تعلق مبطلب آوتشوف ملأرب ‪ .‬وقد يكون مريدا ملا عند هللا‬
‫من الفضل ‪ ،‬ولكهم يشملهم امس االرادة ‪ ،‬وآحاطت هبم السعادة ‪ .‬وخفاء‬
‫اجلهل يف حتقيق االرادة آوال م حتقيق املراد مما يصعب اال عىل آفراد‬
‫اجملذوبني وهجابذة السالكني احملققني ‪.‬‬
‫واجلهل ظن المر عىل حقيقته واس تقامت طريقته ‪ ،‬والتحقيق فيه عىل‬
‫خالف ماظنه ‪ .‬جفهل الكفار ظاهر حيث آمنوا ابلطاغوت وكفروا ابهلل ‪،‬‬
‫وهجل املنافقني حيث خدعوا هللا ابظهار االسالم ‪ ،‬والبواطن عىل خالف‬
‫الظواهر ‪ ،‬جفهلوا معوم العمل وآنه اليعمل من خلق ‪ ،‬وعىل هذا املنوال من‬
‫حذا حذومه من يظهر خالف مايبطن ‪ .‬وآىت هنا لبعض آحوال املريدين‬
‫يف هجهل ‪ ،‬واملريد يعز عليه آن ينخرط من سكل االرادة مجةل ولكن يس ئي‬
‫الدب ويرد موارد العطب ‪ .‬وسوء الدب هو اتيانه فعل حرضه هللا عليه‬
‫حترميا آوكراهة ‪ ،‬آوترك آمر ندبه اىل فعهل وجواب واس تحبااب ‪ .‬واملريد اذا‬
‫آينعت هل جشرة العامل ‪ ،‬وآرشقت عليه آزهار العلوم ‪ ،‬وبرزت عليه‬
‫خمدرات الحوال من كاممئ الوجود ‪ ،‬رمبا يطول عند ذ ك ويصول بوجود‬
‫ما هنا ك ‪ ،‬فيس تقره احلرص عىل اظهار ما آودعه ‪ ،‬وآذاعه ما اس توعه ‪،‬‬
‫فيربز آوان بروزه ‪ ،‬فتجف عن وابل املريد آجشاره ‪ ،‬وتأفل عن شاهد‬
‫اليقني آنواره ‪ ،‬وتبقى آاثر من تكل الطيار ‪ ،‬ويأنس مما جيده من نس مي‬
‫الحسار ‪ .‬فاليزال يامتدى به ذ ك وميتاز عن مواطن القرب ‪ ،‬ويدخل يف‬
‫مداخل السوء ‪ ،‬ويبعد عن ذليذ النس شيئا شيئا من حيث اليشعر ‪،‬‬
‫‪197‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫حفينئذ مل حيجب مجةل واحدة ‪ .‬فاحلجاب بعد شئ ‪ ،‬كام آن الكشف شيئا‬


‫بعد شئ كام جرت بذ ك س نة هللا اال عىل الندور يكون الكشف يف‬
‫آقرب وقت ‪ ،‬كام يكون كذ ك آيضا السلب مجلةل من احملرومني ‪ ،‬وسبب‬
‫اجنرار بعض احلجب يف بعض حىت تس تويل جنود الظلمة فينقاد بقياد‬
‫الهوى ‪ ،‬ويتبذخ بفضيع تقبيح ادلعوى ‪ ،‬واس تحسن من حاهل وآعامهل‬
‫مايس توجب به البعد ‪ .‬ولكام انكفى عن رتبة وقع يف ظلمة فثار دخان‬
‫الهوى وشهد ابس تحسان آفعاهل ‪ ،‬وريض عن نفسه بعد آن اكن مهتام ‪،‬‬
‫وقام لها بعد آن اكن قامئا علهيا ‪ ،‬وتقول عند تعاطيه سوء الدب املقصية هل‬
‫عن الباب ‪ :‬لواكن هذا سوء آدب لقطع االمداد ‪ ،‬وقد انقطعت‬
‫االمدادات التأئيدية والنرصة الروحانية ‪ .‬فلوال اجلهل وانطامس نور العقل مل‬
‫خيف قطع املدد عىل مثل ذ ك ‪ ،‬فاملدد اذا توالت وارداته وآرشقت آنوار‬
‫آايته ‪ ،‬امضحلت عنه دواع شهواته ‪ ،‬وامنحت مظاهر صفاته ‪ ،‬وتالشت‬
‫مظاهر ذاته ‪ ،‬فكيف خيفى ذ ك عىل من هل آدىن مسكة بصرية ‪ .‬وتأخري‬
‫العقوبة مع نس يان التوبة والامتدي عىل الخالق الالمئة والفعال املذمومة‬
‫من دالئل شدة االنتقام ‪ ،‬والطرد عن املقام ‪ ،‬وقد آوجب البعاد آيضا ‪.‬‬
‫فالبعد عن هللا ابنهتاك حمارمه ‪ ،‬واجلرآة عىل جرامئه ‪ ،‬فليس من اجلناب ‪.‬‬
‫ومنازل االقرتاب آيضا ليست حس ية وامنا يه مقامات وآحوال معنوية ؛‬
‫مثل مقام التوبة والصرب والورع والتولك والرضا والتسلمي ‪ .‬وآحوال اجمليد‬
‫اكلبسط والقبض والهيبة والنس واحملبة واخلةل واملعرفة والقربة وغري ذ ك‬
‫من الحوال الرشيفة ‪ ،‬واملقامات املنيفة ‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫مفا آبعدمن يس ئي الدب مع هللا عن ذ ك ‪ ،‬وما آقصاه وما آجدره بصده‬


‫عن طرو الهوى ودراكت البعد وهماوي االغواء ‪ .‬قال ‪ :‬فقد يقطع املدد من‬
‫حيث اليشعر ‪ ،‬ولكن الغالب شعوره ‪ ،‬ولكن حالوة الهوى حيمك عليه‬
‫واليفلته من يديه ‪ ،‬فيتحرسه ويسخر به آعداءه ‪ ،‬فال هو يقدر عىل ترك‬
‫ماهو مالبسه ‪ ،‬والينىس مااكن موانسه ‪ ،‬ويرىج من هللا التوبة ملثل هذا‬
‫‪ .‬واملصيبة آن يقطع عنه وهو اليشعر كام عرب به املؤلف ريض هللا عنه ‪،‬‬
‫فيصدق عليه قوهل عز وجل آولئك { اذلين ضل سعهيم يف احلياة ادلنيا‬
‫ومه حيس بون آهنم حيس نون صنعا } [ الية ‪ 104‬الكهف ] وقوهل ‪ :‬وحيس بون‬
‫آنه عىل شئ عافاان هللا وآحبابنا واملسلمني من مكره واس تدراجه ‪ ،‬ولطف‬
‫بنا وهبم كذ ك فامي جرت به مقاديره وقضاه ‪ ،‬ووفقنا ملا فيه رضاه ‪ ،‬وآذاقنا‬
‫حالوة حمبته ‪ ،‬وآراحنا من ماكبدة الهوى جبذبة وهبية ونفحة لطفية ‪.‬‬
‫روي عن الش يخ عبدالوهاب الشعراوي يف كتابه املعروف ابلعهود بأنه‬
‫مسع مناداي يقول ‪ :‬اذا آردت آن الميكر بك فقل بعد صالة الصبح وبعد‬
‫صالة املغرب ‪ :‬اللهم اين آعوذبك من املكر واالس تدراج من حيث ال‬
‫آشعر ؛ انك جواد كرمي ‪ .‬ثالث مرات ‪ .‬قلت وحيسن آن يقول يف قوهل ‪:‬‬
‫من حيث الآشعر آن يقول آيضا ‪ :‬ومن حيث آشعر انك جواد كرمي ‪.‬‬
‫ولومل يكن من عقوبة مس ئي الدب اال منع املزيد ‪ ،‬والتخلف يف زمرة آهل‬
‫التقليد وآهل العدد من العبيد لكفى ذ ك زاجرا ‪ ،‬فكيف وهو مل يقطع‬
‫عنه املزيد اال وخياد اىل مألوف عاداته واتباع شهواته ‪ ،‬فاليبقى للعبد‬
‫نفس اال وهو يف قرب وازدايد وآما يف تقاص وابتعاد ‪ .‬وبني آنه آخذ‬

‫‪199‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ابالس تدراج يقام مقام البعد ‪ ،‬وهو ماوصفنا من اتباع الشهوات ‪،‬‬
‫والترشب يف قلبه حبب العادات ‪ ،‬وينىس الرتيق يف املقامات ‪ ،‬والتذلذ‬
‫ابلواردات املوهبيات من حيث اليدري ‪ ،‬ولكن عىل الندور ‪ ،‬كام يف حال‬
‫من قطع عنه املدد من حيث اليشعر ‪.‬‬
‫ومقام البعد هو قطع املدد الرابين والفتح االمتناين نفسه ‪ .‬وعرب يف املدد‬
‫حبيث اليشعر ‪ ،‬وهنا يف مقام البعد بال تدري ‪ ،‬وفرق مابني الشعور‬
‫وادلرية ‪ ،‬فالشعور آبعد عن ادلرية ‪ ،‬لن الشعور يعم احلس واملعىن ‪،‬‬
‫وادلرية التكون اال يف املعىن ‪ ،‬والشعور قد تشعر ابلشئ والتدريه‬
‫والعكس ‪ ،‬آي اليدري الشئ واليشعر فاكن عدم الشعور يقطع املدد‬
‫آظهر عىل بعد من قام به من عدم ادلراية والتحلية ‪ .‬والنفس من آعظم‬
‫املصائب فلو اكن هل عند هللا قدم مل خييل ومايريد ‪ ،‬ولاكن مبراد هللا‬
‫المبراد نفسه ‪ .‬فعالمات املقربني فراغ قلوهبم عن مجيع اراداهتم يف حراكهتم‬
‫وسكناهتم اال عند لك مراد ندهبم احلق اليه ‪ ،‬واجتناب مهني زجرمه احلق‬
‫عن االقدام عليه ‪ ،‬فهم آشد الناس اعتناء وآكرثمه اهامتما بذ ك ‪ .‬فالدب‬
‫آساس مبىن االرادة ‪ ،‬ومفتاح ابواب السعادة ‪ .‬ولك اهامتم آهل هللا‬
‫وخاصته بتحقيق النظر يف طريقه ‪ ،‬وال آوفر حظا وآعظم قسام يف ذ ك‬
‫من رسول هللا صىل هللا عليه وسمل اذ اذلي توىل تربيته وآحسن هتذيبه‬
‫هو س يده ومواله ‪ ،‬ذل ك قال صىل هللا عليه وسمل " آدبين ريب فأحسن‬
‫تأدييب " فقال { خذ العفو وآمر ابلعرف وآعرض عن اجلاهلني } [ الية‬
‫‪ 199‬ا] كسائر النبياء ‪ ،‬فان هللا مؤدهبم وويل تربيهتم وهمدهيم ؛ لكن‬
‫الكتأديب رسول هللا صىل هللا عليه وسمل لن هللا مجع هل آدب مجيعهم‬
‫‪200‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وخصه مبزااي من الداب ولطائف من الرتبية ‪ ،‬فقال عز من قائل بعد ما‬


‫آعد آجالء الرسل { آولئك اذلين هدى هللا فهبدامه اقتده } [ الية ‪90‬‬
‫النعام ] واليؤمر بشئ اال ويقوم مبا آمره به س يده ‪ .‬واجملذوبني والواصلني‬
‫آيضا من الولياء قد يتوىل هللا تربيهتم من غري واسطة كام اكن اخلرض ‪،‬‬
‫قال هللا فيه { وعلمناه من دلان علام } [ الية ‪ 65‬الكهف ] وبواسطة مكل‬
‫السادات الصحابة وسائر المة ‪.‬‬
‫فالش يخ للجميع رسول هللا صىل هللا عليه وسمل ‪ ،‬وآودع فيه آرسار‬
‫الداب النبوية يوم برز الرواح قبل ظهور الش باح يف ذرات خمصوصة‬
‫آلبسها حةل من الرس الرسايل ‪ ،‬وحةل من الرس النبوي ‪ ،‬وحةل من الرس‬
‫االمياين ‪ ،‬وحةل من العمل االلقايئ ‪ ،‬وحةل من العمل النقيل والفهم ‪،‬‬
‫وحالها حللية الهيبة وزيهنا بزينة النس ‪ ،‬ودرعها بشعار اخلش ية ‪ ،‬وتوهجا‬
‫بتاج املعرفة ‪ ،‬وهباها بهبجة امجلال ‪ .‬اىل غري ذ ك من مصوانت النفائس‬
‫وفاخرات املالبس ‪.‬‬
‫فلام برز صىل هللا عليه وسمل اىل عامل الش باح خرج متحليا بلك حلية‬
‫نفيسة ‪ ،‬ومتلبسا بلك لبسة آنيقة آريسة ‪ .‬فلام نظرت اذلرات اىل هذه‬
‫الصورة اجلامعة حملاسن امجلال ‪ ،‬ومتدرعة مبدرعة اجلالل ‪ ،‬وعلهيا من لك‬
‫زينة من مراتب الوصال لطيفة ‪ ،‬تعشقت تكل املالبس والنفائس اىل‬
‫آصلها ‪ ،‬فعرفت بعد ماهجلت ‪ ،‬ووجدت بعد مافقدت ‪ ،‬فتعشقت اىل‬
‫آصلها تعشق احلديد اىل املغناطيس ‪ ،‬فتعطفت هذه الروح الاكمةل تعطف‬
‫الوادل الشفيق عىل الوليد ‪ ،‬فشكت اليه فرط البعد عن تكل املرابع ‪،‬‬

‫‪201‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫والتنايئ عن الوطان ‪ ،‬فقال لها ‪ :‬عندي لمك ادلالةل والرجوع اىل آوجمك‬
‫العلوي ‪ ،‬والتزنه يف مشهدمك القدس ؛ واحملل النفس ‪ .‬ففتح هلم يف لك‬
‫رتبة اباب ‪ ،‬وآفصح هلم يف لك مس ئول عنه جوااب ‪ ،‬وقال هلم ‪ :‬اتبعوا هذه‬
‫املقاةل ‪ ،‬واقتدوا هبذه ادلالةل ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬ومن لنا بعد آفول هذه الشمس‬
‫احملمدية دليال ‪ ،‬وملا تطلبه منيال ؟ فأبرز تكل احلقائق املودوعة من خبوء‬
‫آرض النفوس الظاهرة ‪ ،‬وآشهدمه آين قد اس تخلفت فيمك من يدلمك عىل‬
‫طريقيت ؛ وهيديمك اىل حمجيت ‪ :‬علامء آميت كنبياء بين ارسائيل ‪ ،‬ومن قام‬
‫ابدلعوة قام ابلرساةل انئبا ‪ .‬فاكن االقتداء مبن حتال بتكل النفائس ‪،‬‬
‫وتلبس بتكل املالبس اقتداء ابملس تخلف ‪ .‬واذا نظرت عالماهتا وطلبت‬
‫دالالهتا وجدهتا عىل آمئة الصوفية الحئة ‪ ،‬وعىل آلسنهتم الداب فاحئة ‪،‬‬
‫وبأحواهلم يرتىق لك سا ك آواب ‪ .‬فلك من مل يأخذ من املؤدبني بق بطال‬
‫‪ ،‬وذ ك لن جل آداهبم يف التفتيش عن آخالق النفس واهتاهما ‪ ،‬ومن‬
‫صدقها يف دعواها ‪ ،‬وانقاد ابنقيادها ؛ دعته الحماةل اىل مرادها ‪ ،‬فال يقف‬
‫عىل غوائلها ‪ ،‬واليس تكسب فضائلها اال ابالقتداء ابمام بصري بعيوب‬
‫النفس ‪ ،‬ينظر بنظر آويل البصائر املطلعني من هللا ماتكن الضامئر ‪ .‬فان‬
‫مل جتد من هذا وصفه فاجعل ك صديقا دينيا وآديبا مشفقا هينا ليينا ‪،‬‬
‫فاذا وجدت فارغا عن هتذيب نفسه متفرغا الصالح غريه فقد عرثت عىل‬
‫كزن مجيل ونعمة سابغة ‪ ،‬ورمحة صابغة ؛ فاشدد عليه يديك ‪ .‬مفا آعز‬
‫وصفه ‪ ،‬وآغرب من هذا نعته ‪ .‬فالتغرت بكرثة العامل من غري آدب فاهنا‬
‫الطائل لها دون التأدب يف الحوال والقوال والعامل ‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫مفن اغرت حباةل صدرت منه من غري اقتداء فهيا بش يخ من مشاخي الطريق ‪،‬‬
‫وامام من آمئة التحقيق ‪ ،‬فقد عدم التوفيق ‪ .‬فلك من مل جيرب آفعاهل عىل‬
‫يد غريه فهو مردود من حيث يظن الوصول ‪ ،‬ومن ال هل ش يخ فش يخه‬
‫الش يطان ‪ .‬واايك وحصبة من ينمت اىل الطريق من غري حتقق بأداب‬
‫السلف ‪ ،‬والسلوك عىل منواهلم واقتفاء آاثرمه ‪.‬‬
‫ومن سوء آدب املريد عذر النفس فامي يصدر عهنا ‪ ،‬ومعادات القران‬
‫لجل اس تحقارمه اايها ‪ ،‬ومنه اتباع شهواهتا واجابهتا اىل مادعت اليه من‬
‫شهواهتا ‪ ،‬وطلب املعاذير لها من الرخص يف تناول مباحات الشهوات ‪،‬‬
‫وترك العزمية والركون اىل ادلعة والراحات ‪ ،‬واالهنامك يف احلظوظ العاجةل‬
‫من غري مباالة ‪ .‬مفن تتبع آحوال السلف ونظر يف سريمه وشاهد آحواهلم‬
‫‪ ،‬عمل يقينا آن لك مريد يطلب ادلعة والراحة ويرتك اجلد واالجهتاد ‪،‬‬
‫ويؤثر املالذ ادلنياوية آنه مل جي منه شئ يف طريق االرادة ‪ ،‬وان بق عىل‬
‫الطلب فعىل رمس العادة ‪ .‬فأول قدم خيطوه املريد ادلنيا وماحوهل ‪ ،‬والقدم‬
‫الثاين الخرة حىت يكون معشعش روحه احلرضة الوصفية ‪ ،‬وقىض طريان‬
‫رسه يف فضاء الوسع اذلايت ‪ .‬مفىت يكون هل اىل هذا العامل الضنك التفات‬
‫فضال آن ينافس فيه ويطمأن اليه ‪.‬‬
‫وعوارض املريد يف طريق ارادته كثرية ‪ ،‬وهمالكه ومعاطبه آكرث وآخطر ‪.‬‬
‫الس امي اذا اكن مقامي بني آظهر اخللق ؛ مفهنا ‪ :‬االفتتان بطلب القبول عندمه‬
‫واحلشمة ‪ ،‬وقبول القول ‪ ،‬وارتفاع الصيت ‪ ،‬واالكرام والتربك ‪ ،‬وقضاء‬
‫الوطار واالعرتاض عىل القدار ‪ ،‬بل يه آعظمها ‪ ،‬لنه اس تدراك عىل‬
‫اجلناب االلهي ‪ ،‬ومنازعة يف الرس الرابين ‪ .‬ومهنا ‪ :‬السخط يف القضية‬
‫‪203‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اجلارية لنه مناقض للعبودية اليت من آجلها آنزلت الكتب ودونت الصحف‬
‫‪ ،‬والركون اىل آبناء ادلنيا الراغبون النتان والحداث والنسوان ‪ ،‬اليت هنيى‬
‫رسول هللا صىل هللا عليه وسمل عن جمالس هتم ‪ ،‬فقال صىل هللا عليه‬
‫وسمل " اايك وجمالسة النتان ‪ ،‬فف حصبهتم مبدآ البعد والهجران " ومباينة‬
‫لحوال االخوان ‪ ،‬آهل الصفاء واليقني والصدق واالميان ‪ .‬وقد انعزل عن‬
‫ميدان فرسان اجملاهدة يف طريق العرفان ‪ ،‬وركن اىل آوهام وآراء ختذهل يف‬
‫جمالس آهل الصدق ‪ ،‬وحتقره عند مواهجة عند مواهجة آهل احلق ‪ ،‬مفا‬
‫آقبح من استبدل بصحبة الصادقني والسادات املقربني ؛ حصبة البطالني ‪،‬‬
‫والغبياء املغرورين ‪.‬‬
‫وحاالت الصادقني التعود من الصفاء يف الحوال ‪ ،‬واالخالص يف العامل‬
‫؛ ومباينة مرادات النفس اىل الظلمة ‪ ،‬والتخليط واتباع النفس اال الطرد‬
‫وعدم آهلية آزلية ملقام القرب ‪ ،‬وعدم اخالص يف ابتداء الطلب ‪ .‬واكن‬
‫من آحوال السلف آهنم اذا وقفوا فامي يناقض العزمية اس تأنفوا االرادة وعد‬
‫ذ ك من آعظم ذنوهبم فيجددون هل توبة ‪ ،‬ويتوسلون اىل رجوعهم اىل‬
‫مواطن العزامئ مبجاهدات وآعامل ‪ ،‬وتبدوا هلم عقوبة االسرتسال مع‬
‫الشهوات املباحة ‪ ،‬كام يعاقب غريمه عىل اذلنوب احملضورة ‪ .‬فالزةل يف‬
‫القرب تعدل س بعني زةل مع احلجاب ‪ ،‬يغفر للمجاهد س بعني ذنبا قبل آن‬
‫يغفر للعامل ذنبا واحدا ‪ .‬احلديث ‪.‬‬
‫واكنوا يواخذون نفوسهم عىل اخلطرات وخفااياخلطيات ‪ ،‬ودقائق النظرات‬
‫‪ ،‬وحياس بوهنا عىل خليات الشهوات ‪ .‬فهؤالء اليقرن هللا علهيم حسابني ‪،‬‬
‫والجيمع علهيم عتابني ‪ .‬لهنم حاس بوا آنفسهم وآوقفوها بني يديه ابالختيار‬
‫‪204‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ ،‬فمل يقمي علهيم احلساب يف مقام االضطرار ‪ ،‬فمل جيمع عىل عبده‬
‫حسابني والموتتني ‪ .‬مفن مات عن الشهوات وطوى بساط الذلات مل‬
‫تكن عليه اال املوتة الوىل ‪ ،‬والوقاية من عذاب اجلحمي ‪ .‬كام وقوا اجلناب‬
‫االلهي بنفوسهم ‪ ،‬وآثروه علهيا ووقامه عذاب اجلحمي ‪ .‬فانظر قوهل صىل‬
‫هللا عليه وسمل " موتوا قبل آن متوتوا " مفن مل يفهم دقائق اخلطاب ورقائق‬
‫حفوى املعاين فليس من االرادة يف شئ ‪ .‬فهمنا هللا عنه ‪ ،‬ورزقنا حسن‬
‫التلق عنه ‪ ،‬وجعل لقلوبنا يف لك ابب من آبواب التزنيل مفتاح ‪ ،‬انه‬
‫املفضل الفتاح ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫اجلهل آقبح حال العبد يعرف من مش الوجود بنور العمل ايفـــــــــطن‬
‫ويل آيضا يف ذ ك ‪:‬‬
‫ان الديب بنــــــــــور هللا مقتبس يدرك اتئيد عون هللا واملـــــــــــنن‬
‫ومن يكن ذا يقني فهو حمــــــــرتس يف حصن آمن من الخطار والفـــنت‬
‫من ساء تأديبه فالنــــــــور خمتلس منه كام خيتلس ثوب عن البـــــدن‬
‫قد اكن حمـفوف آلطــــاف وحمتبس عنه العناء الضائر املفيض عن الوطن‬
‫فاصبح كام يصبح احلــريان مبتلس انء عن احل بعــد النس ابخلــــدن‬
‫فهذا لكه يف حال املريد السا ك ‪ ،‬وهذه الداب من وظائفه والسلوك‬
‫والرتيق يف حاةل آكرث آهل هذه الطريق ‪ ،‬فذل ك ملا عرفوا العارفني ذ ك‬
‫تدلوا عن آعال مقاهمم اذلي يعطى فنامه عن آحواهلم وآقواهلم وآفعاهلم‬
‫وصفاهتم وذواهتم اىل مقام املعامةل ‪ ،‬وهتذيب الخالق ‪ .‬وراثة محمدية ‪،‬‬
‫ترشيع لعامة السالكني ‪ ،‬مناجه الطريق وتبيني ملعامل التحقيق ‪ .‬ومقام‬
‫املقربني اليسوغ للمبتدي الخذ فيه اال بعد احاكم آساس طريقته ‪ ،‬لن‬
‫‪205‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫لك مقام االبراز مقام رشيف ‪ ،‬وهو معدة السالكني ‪ ،‬ومقام املقربني ‪،‬‬
‫يقتيض آن ذ ك سيئة حيث رآى نفسه ‪ ،‬فرمبا تقف عىل آحوال آجالء‬
‫املقربني ‪ ،‬وآمئة العارفني واخملطوبني احملبوبني من س امي آحوال مايقلل عندك‬
‫هذه املعامةل ‪ ،‬ويصغر يف عينيك ما آقام هللا فيه عامة هذه الطائفة ‪ .‬فاعمل‬
‫آن اللك حمبوبني ‪ ،‬فلوال حمبته وسابق منته مااس تعملهم يف آصناف خدمته‬
‫‪ ،‬وآدام دلهيم واردات موارد القرابت ‪ ،‬ووعدمه علهيا جزيل املثوابت ‪.‬‬
‫ذل ك قال املؤلف ‪:‬‬
‫( اذا رآيت عبدا آقامه هللا بوجود الوراد ‪ ،‬وآدامه علهيا مع طول االمداد‬
‫‪ ،‬فالتس تحقرن مامنحه مواله ‪ .‬لنك مل تر عليه س امي العارفني ‪ ،‬والهبجة‬
‫احملبني ‪ ،‬فلوال وارد مااكن ورد )‬
‫اذا رآيت آهيا املتفرس يف آحوال القوم ومتحري الحسن من مسالكهم ‪،‬‬
‫فالختلوا آما آن تكون من املقربني مسلوك بك طريق احملبوبني ‪ ،‬خمطوب‬
‫ملواهب العارفني ‪ ،‬متزنه يف حضائر اجملذوبني ؛ فالجرم آنك اذا رآيت‬
‫مامه عليه من البقاء برهبم ؛ وموافقة ارادته والسكون حتت جراين مقاديره‬
‫؛ ومايفاض عليه من غري طلب مهنم ؛ والمزيد تعب وطول نصب آنك‬
‫تس تحقر آحوال من يتجرون يف طريق العامل ابلتخلص عن رؤية الناس‬
‫‪ ،‬والتحرز عن ورطة االجعاب ‪ ،‬فالينبغ ك آن تس تحقر مامنحوا من‬
‫دوام الوراد ‪ ،‬وورود االمداد ؛ فلو مل يكن وارد من هللا اختصايص‬
‫مااكن ورد ‪.‬‬
‫ويف تكل احلمكة تسكني وتطمني لقلوب املريدين مما آزجعها من عظمي‬
‫العتب وخوف وبيل املكر ‪ .‬فال ياكد سا ك اال ويوجد منه سوء آدب ‪،‬‬
‫‪206‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ومن اذلي وفا الدب مع هللا حقه فتزنجع القلوب ذل ك ‪ .‬ورمبا تس تحقر‬
‫العامل فال تلتفت اليه لهنا التؤمن من دخول الفات علهيا ‪ ،‬فعقهبا هبذه‬
‫احلمكة تسكينا لنزعاهجا ‪ ،‬وتقوميا مليلها واعوجاهجا ‪ ،‬فاس تحقار العامل‬
‫هجل واغرتار ‪ .‬ومايوجد به يف طريق العارفني واملقربني واحملبوبني اجملذوبني‬
‫اال القليل ‪ .‬وانهتاء سري السالكني وحمتد مقصد املريدين هذا املقصد‬
‫الرشيف ‪ ،‬فال بد آن يوصل لك سا ك مقصده ‪ ،‬ولك صادق حمتده ‪.‬‬
‫وآقل حاالهتم الجر اجلزيل حيث قال هللا فهيم { ومن خيرج من بيته‬
‫هماجرا اىل هللا ورسوهل م يدركه املوت فقد وقع آجره عىل هللا } [ الية‬
‫‪ 100‬النساء ] فقد مغر امجليع بعممي فضهل ‪ ،‬وآحاطت هبم دائرة احسانه‬
‫وامتنانه ‪ .‬والوراد يه آصناف وظائف العبادات من صالة وتالوة وذكر‬
‫ورسد وهو الصوم ‪ ،‬وآفضل الوراد البدنية الصالة ‪ ،‬وآفضل الوراد‬
‫القولية ذكر الاهل اال هللا ‪ ،‬آوهللا هللا ‪ ،‬آوهو هو ‪ ،‬وهذا يف طريق الفتح‬
‫والرتيق يف املعارج الروحية ‪ ،‬والربوج الساموية ‪ ،‬واملدارج النفس ية ‪ .‬وآما‬
‫يف طريق الكسب والتضعيف فيجمع فضائلها ويمل متفرقاهتا مجموع الباقيات‬
‫الصاحلات وهو عند العلامء " س بحان هللا وامحلد هلل والاهل اال هللا وهللا‬
‫آكرب والحول والقوة اال ابهلل العيل العظمي " والصالة عىل رسول هللا صىل‬
‫هللا عليه وسمل وفهيا فتح آيضا وتقوية عىل الورادات احلقية ‪ ،‬يس تعني به‬
‫من غلبته وقهرته ‪ .‬وفهيا من الفضائل ادلينية وادلنيوية واحلالية والربزخية‬
‫واحلرشية وللجواز ما حيىص كرثة ‪.‬‬

‫‪207‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫مفن ذ ك كفاية العموم وتفرجي الكروب ودفع الغموم ‪ .‬ومهنا الشفاعة ومهنا‬
‫احملبة يف القلوب ‪ ،‬ومهنا قضاء احلواجئ ادلينية وادلنيوية والخروية ‪ ،‬ومهنا‬
‫الربكة يف الرزق وقرب املناس بة النبوية يف اجملالس العلوية وادلرجات‬
‫الفردوس ية وغري ذ ك كام حصت به الحاديث ‪ .‬وتركنا ايراد الحاديث‬
‫الواردة يف ذ ك لطول اس نادها وتعديد وجوهها وعد رجالها ‪ .‬وليس هذا‬
‫الرشح موضوع ذل ك ‪.‬‬
‫واالس تغفار وقد ورد فيه آيضا آحاديث مهنا ‪ :‬من لزم االس تغفار جعل‬
‫هللا هل من لك مه فرجا ‪ ،‬ومن لك ضيق خمرجا وغري ذ ك ‪ .‬وآما الصوم‬
‫ففيه من تنوير القلب وضعف جحاب النفس وارغام الش يطان وجمازفة‬
‫الجر مما اليرغب عنه اال لك بطال مهتاون يف الطلب لطريق الخرة ‪.‬‬
‫وآما الوراد القلبية فاكلفكر يف ابهر صنع هللا وحماس بة النفس عىل دقائق‬
‫اخلطرات ‪ ،‬واملراقبة عىل ممر الوقات ‪ ،‬واملشاهدة للرواح ‪،‬‬
‫واالس تغراق للرسار ‪ ،‬واالمداد يه هذه الوظائف القلبية واملشاهد‬
‫الروحية والتزنالت الوصفية ‪ ،‬فهذه يه االمدادات الواردة عىل آرسار‬
‫العارفني ‪ .‬وآرواهحم وقلوهبم من هللا تعاىل بال معةل يف ذ ك ‪ ،‬لن هذه‬
‫من ابب الحوال ‪ ،‬والحوال وهبية الكسبية ‪ ،‬والوراد من طريق‬
‫الكسب ‪ ،‬والعبد خماطب ابلسع فهيا ‪ ،‬فتنسب اليه حبسب ورود‬
‫اخلطاب هل ‪ ،‬واال فاللك حقيقة من ابب الوهب ‪.‬‬
‫وعالمة آنه مراد من هللا هبا آي الوراد ادامته علهيا وحصول النتيجة ‪،‬‬
‫ومن آقامه يف خدمته فقد آظهر عليه آاثر عنايته ‪ ،‬ومنح رس واليته ‪.‬‬
‫فلوال آنه من هللا مباكنه ما آقامه يف خدمته ‪ .‬اذا آردت آن تعرف ما آنت‬
‫‪208‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫عند هللا فانظر اىل ما آقامك فيه فانه الخيتص خلدمته اال صفو بريته وآهل‬
‫تقيته ومه آولوا التقية اذلين يهنون عن الفساد يف الرض ‪ .‬والنطيل يف‬
‫ذ ك فف االشارة اىل بيان الكم املصنف كفاية ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فضل ومكرمة من جود منـان‬ ‫اقامة هللا ك يف الورد اي انسان‬
‫لوال العناية ملا آهل ذلا الشان‬ ‫الحتقرن ما منح من بر واحسان‬
‫م آخذ يف بيان حال الفريقان املسلوك هبم سبيل التعرف ‪ ،‬واملسلوك هبم‬
‫طريق التلكيف ‪ ،‬ومه العباد وعامة السالكني الزهاد ‪ ،‬ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( قوهمم آقاهمم احلق خلدمته ‪ ،‬وقوم اختصهم مبحبته ومعرفته { الك مند‬
‫هؤالء وهؤالء من عطاء ربك ومااكن عطاء ربك حمظورا } [ الية ‪ 20‬االرساء‬
‫])‬
‫قوم آي جامعة كثرية ومه من قاموا من غري مقوم هلم من جنسهم لكرثهتم‬
‫وغلبهتم وشدة اس تقامهتم عىل حمجهتم آقامه احلق وهو هللا ‪ ،‬واشارته‬
‫ابحلق لينف الوسائط والس باب ‪ ،‬لن احلق مااليبق للباطل معه ذكر يف‬
‫اجياد وال اعدام ‪ ،‬وال اجحام وال اقدام بل يذهب ويضمحل ‪ ،‬قال هللا‬
‫عز وجل { قل جاء احلق وزهق الباطل } [ الية ‪ 81‬االرساء ] وآىت بلفظ‬
‫االقامة للقامئني يف مقامات اخلدمة هلل ‪ ،‬الياكشفون بعد طريق االختصاص‬
‫واملنة واالقامة ؛ فهيا اشارة اىل راحئة قهرية وبقية آرضية ‪ ،‬فهم السالكني‬
‫طريق التلكيف ‪ ،‬هيذهبم خبوف سلطان جالهل ‪ ،‬ويرهيم بلطيف تعطف‬
‫جامهل ‪ .‬وقوم اختصهم مبحبته ومعرفته ‪ ،‬فاالختصاص من غري اس تحقاق‬
‫وتقدم س بق طلب وهو من ابب املنة واللطف ‪ ،‬واملنة والوس يةل هلم اىل‬
‫‪209‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ما اختصوا به اال حمض تكرم سابق املشيئة ‪ .‬واحملبة آرشف خةل وآرفع رتبة‬
‫خمتص آفراد الرجال ‪ ،‬ذل ك اكنت نصيب احلبيب مقام محمدي ‪ .‬واحملبة لها‬
‫مقام عظمي عند آرابب الكشف ‪ ،‬وحمبة هللا فردانية المناس بة بيهنا وبني‬
‫حمبة اخللق ‪ ،‬كام المناس بة بني هللا وبني خلقه ‪ .‬واليزال يرتىق اىل هللا‬
‫وهللا يتدىل اليه ويوايل احلق وهللا يتواله ‪ .‬فاحلق انئبا عنه يف عظم خلقته‬
‫‪ ،‬والعبد انئبا عن هللا يف ظهور حقيقته وهكذا ‪.‬‬
‫واملعرفة فرع احملبة للمحبوبني ‪ ،‬واحملبة فرع احملبة للسالكني ‪ .‬وبني علامء‬
‫هذا الشان خالف يف آن الصل املعرفة واحملبة متفرعة عهنا ‪ ،‬واحلق‬
‫وهللا آعمل آنه ينظر يف ذ ك اىل ما آرشان اليه من حاةل السا ك واجملذوب‬
‫واحملب واحملبوب واحملبة من احلب ‪ ،‬وهو االانء اذلي جيمتع فيه املاء واحملبة‬
‫تشري اىل رتبة امجلع وذهاب الوصاف احلداثنية من البرص والسمع ‪ ،‬والك‬
‫الفريقني القامئني بعامرة تكل الطريقني ممدود ابلعطاء الرابين ‪ ،‬ومجموعني‬
‫حتت جتيل االمس املعط الصادر عنه لك عطاء وهيب آوكس يب { ومااكن‬
‫عطاء ربك حمظورا } فلك مربوب هل عطاء خمصوص ونصيب غري‬
‫منقوص ‪ ،‬فال حرص لعطائه كام الحرص لوصفه كام ال حرص ذلاته ‪ ،‬لكن‬
‫التفاوت من حيث املعطيني المن حيث املعط وال من حيث العطاء‬
‫ابلنس بة اليه ‪ .‬فالكثري اكلقليل اليه ‪ ،‬لن الوصف توجه اىل اللك احلقري‬
‫واخلطري والتفاوت يف وصفه ‪ ،‬وامنا التفاوت من حيث مراتب اخمللوقني‬
‫من حيث نسبته الهيم ‪ .‬وهنا لواحئ تلوح ورواحئ تفوح تشم من قوهل عزمن‬
‫قائل { ماترى يف خلق الرمحن من تفاوت } [ الية ‪ 3‬املكل ] من حيث‬
‫‪210‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫نسبهتا اىل الوصف وقيام الرمحة هبا ‪ ،‬فأضاف العطاء اليه وآىت بنون امجلع‬
‫لنفهم مارمزان اليه ‪ ،‬ونتحقق ما آرشان اليه { وهللا يقول احلق وهو هيدي‬
‫السبيل } [ الية ‪ 4‬الحزاب ] فصدور مدد اجملذوبني احملبوبني بتجيل وصف‬
‫‪ ،‬وصدور عطاء السالكني بتجيل فعيل ممزوج مبظهر خلق ‪ ،‬عمل ذ ك من‬
‫علمه وهجهل من هجهل ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫لك الوجود بتعظمي واكـــــــــرام‬ ‫من خصه هللا ابلتعريف قام هل‬
‫اال بتوفيق حمــفوف ابنعــــــــــام‬ ‫وانل من ربه ماالينال لــــــــــه‬
‫اىل مقام الرضا والصدق اقـــدام‬ ‫ومن يكن يف مقام الكد اكن هل‬
‫من رتبة احسان واميان واسالم‬ ‫فاللك مشمول ابلتوفيق انئلـــه‬
‫وذ ك حلمكة منه ابلغة ‪ ،‬اللعةل والبعةل { اليسأل عام يفعل ومه يسألون‬
‫} [ الية ‪ 23‬النبياء ] فال للعبد فامي يرد من هللا تعمل ‪ .‬ذل ك قال املؤلف‬
‫ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( قلام تكون الواردات االلهية اال بغتة ؛ صيانة لها آن يذيعها العباد بوجود‬
‫االس تعداد )‬
‫قل ماتكون عىل املوجودين احملجوبني ابلكون الواردات اال بغتة ؛ يعين‬
‫غالبا اتياهنا بغتة من غري تربص وترقب ‪ ،‬والواردات يه مايرد عىل القلوب‬
‫والرواح والرسار من هللا من اللطاف ‪ ،‬والفتوح الوهبية واملنوح الوقتية‬
‫‪ ،‬ويه آما من طريق جتيل الفعال آو من طريق الصفات آو من جتيل‬
‫اذلات ‪ .‬ويه خمتلفة التأثري واحدة املورد ‪ ،‬مفن الوارد عليه من يتجىل هل‬
‫االمس البصري آوالسميع آوالعامل آوالقادر آواحل آواملتلكم آواملريد آومن بقية‬
‫‪211‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫السامء ‪ .‬آما آسامء النعوت وآسامء الفعال فاذا ورد وارد االمس البصري‬
‫نقلت بصريته لسائر املدراكت واملتخيالت واملعاين املتجسدات‬
‫املتشالكت ابلصور احلس يات ‪ ،‬آوورود وارد جتيل االمس السميع فيسمع‬
‫لك املسموعات ابحلس واملعىن بسمع اليشك فيه والميرتي ‪ ،‬بل يسمع‬
‫نطق امجلادات بفصيح التسبيح انطقات ‪ ،‬ورصير القالم العلوايت عىل‬
‫اللواح السفليات ‪ ،‬ويفهم سائر اللغات الكونيات واالشارات الغيبيات ‪.‬‬
‫وهكذا يسمع اخلطاب الزيل اثبت من غري آصوات حرفيات ‪ ،‬وكذا‬
‫ورود جتيل االمس القادر واملريد فتنفعل هل سائر املقدورات ومتتثل ارادته‬
‫سائر املرادات املكوانت ‪ .‬واذا ورد جتيل االمس العامل يعمل لك املعلومات‬
‫من حيث القدر الالئق علمه ابالنسان وهو عمل لكيات العامل ال جزئياهتا‬
‫وهللا آعمل ‪ .‬فالتعزب عنه علوم املكوانت امللكيات وامللكوتيات‬
‫واجلربوتيات ‪ ،‬ويعمل رس اللكامت اليت ينفد البحر لو اكن لها مدادا ‪،‬‬
‫والشجر لواكنت آقالما دون احصاهئا والوقوف عىل غاايت هناايهتا ومبادهيا‬
‫‪ .‬وكذا املتلكم يفصح عن غرائب اللكم ومجموعها بتعبري قديس ولسان آزيل‬
‫‪ ،‬وكذا احل اذا ورد من جتيل االمس احل حييي موات النفوس واجلهل ‪،‬‬
‫وكذا لك ماتوجه اليه حيي فتحيا به العباد والبالد ‪ .‬وهكذا اختالف‬
‫مواجيدمه ابختالف هذه التأثريات ‪.‬‬
‫وقد تتعاقب عىل الواحد هذه الواردات ويطلق هل الترصف بسائر هذه‬
‫الصفات ‪ ،‬وكذا اذا ورد وارد امس نعت آوامس فعل اكن حاةل من ورد‬
‫عليه ذ ك االمس ‪ ،‬والحتىص الواردات لعد حرص السامء التوقيفيات ‪ ،‬وما‬
‫اس تأثر به عىل عامل الغيب والشهادات فال حتىص متعلقاهتا والتنهتي آايهتا‬
‫‪212‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫{ فأي آايت هللا تنكرون } ومن اس تودع رس من هذه الرسار ‪،‬‬


‫وحظ هبذه النوار ‪ ،‬فعليه آن يصوهنا كام صاهنا هللا عن دعوى العباد ‪،‬‬
‫والصيانة هو سرت الشئ النفيس الغايل ‪ ،‬وال آنفس من مواهب هللا ‪ ،‬وال‬
‫آعال وال آغال من آرسار هللا عند عباد هللا العارفني ‪ ،‬فهي حرية آن‬
‫تصان وتكرم والهتان ‪.‬‬
‫وادلعوى من هجل النفس املفطورة عليه ‪ ،‬فاذا وافق فعل من هللا فعال‬
‫آخر من آفعال هللا قد ظهر علهيا فلجهل كون الفعل الول من هللا‬
‫وتضيفه الهيا ‪ ،‬واذا وافق الفعل املتأخر وجودالفعل املتقدم نسب الفعل‬
‫املتأخر اىل الفعل املتقدم ‪ ،‬ونسبت املتقدم الهيا وجعلته آصلها ‪ ،‬واضافة‬
‫بعض الفعال اىل بعض ‪ .‬وهكذا تنسب الول الهيا وتنسب الثاين للول‬
‫‪ ،‬فتفطن لغباوهتا وهجلها آن الفعال هبا ومهنا ‪ ،‬وهذا من اجلهل املركب من‬
‫هجلني ‪ :‬فالول نس ياهنا بروز الفعل الول من هللا ويه بعد مل تكن شيئا‬
‫مذكورا ‪ ،‬واجلهل الثاين حيث ظنت آن الفعل الثاين مستند غري مس متد ‪،‬‬
‫واالس تعداد هو ما خلقه هللا يف لك فطرة ملا فطرها عليه من خري ورش‬
‫قاعد آفعال اخلريات وطهارة الخالق لظهور السعادات ‪ ،‬ورذائل‬
‫الخالق وقباحئ العامل ملا س بق من الشقاوة ‪ .‬وابالشارة اىل ذ ك يقال ‪:‬‬
‫الطيبني للطيبات واخلبيثني للخبيثات ‪ ،‬فلام قد جعل هللا ذ ك االس تعداد‬
‫يف سائر اذلرات لطف بعباده ‪ ،‬وتلطف هلم يف آيصال ما من به علهيم لئال‬
‫يوافق فعل هللا اذلي مل يالبسه املظهر اخللق واللبس البرشي ما قد‬
‫يالبسه ذ ك واس ترت به ‪ ،‬وامزتج رضحي بروزه من هللا رصفا بظهور‬
‫اخللق املتومه ‪ ،‬فيقوم اجلهل الاكمن فيدع آنه وجد ذل ك ابس تعداده‬
‫‪213‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فأوردها هللا بغتة رمحة منه بعباده ‪ ،‬ليعرفوا بذ ك عناية هللا هبم ومتام‬
‫نعمته علهيم ‪ ،‬وورود منته الهيم ‪ ،‬فيقرعون اىل هللا ابلشكر عىل ذ ك‬
‫فزيدادون من اللطاف املتوالية مااليتناىه من الضعاف ‪ .‬ويل يف ذ ك‬
‫شعرا ‪:‬‬
‫لها مظاهر واجملموع توحــــــيد‬ ‫الواردات عىل حسب املواجــيد‬
‫لهنا من خزين الفضل واجلـود‬ ‫فال ترد يف مظاهرها بتوريــــــد‬
‫ولك غري سوى املفضال مفقود‬ ‫فليس فهيا سوى املنان محمــــود‬
‫فاذا علمت آن املواهب النفس ية تصان والتذاع لهنا من آرسار القدر‬
‫واالبداع ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( من رآيته جميبا عن لك ماس ئل ؛ ومعربا عن لك ماشهد ؛ وذاكرا لكام عمل‬
‫‪ ،‬فاس تدل بذ ك عىل وجود هجهل )‬
‫اذا آردت آن تعرف حا ك آين آنت من آهل العمل والمانة ؟ آم آنت من‬
‫آرابب اجلهل واخليانة ؟ فاعرض نفسك عىل مثل هذه العبارة ‪ ،‬فاالجابة‬
‫عن مصوانت العلوم ونفائس املعارف ولطائف احلقائق وجواهر ادلقائق‬
‫وغوايل الرقائق اليسمح ابالجابة هبا للك من سأل عهنا من غري آهلها ‪ ،‬اال‬
‫اذا آريد التشويق الهيا وادلعوة هبا جبواب يليق ابلسائل ‪ ،‬وحيسن عنده‬
‫طلهبا ‪ .‬والجييب عىل هذه النية لك سائل اال جاهل هبا ‪ ،‬اذ لوعرف‬
‫قدرها وحتقق رسها لظن هبا وغار عىل ظهورها ‪ ،‬فلك من عرف نفاسة‬
‫شئ اليسمح بظهوره بل يغيبه ما آمكنه بتورية وتغييب ‪ ،‬وان اكن‬
‫عنده من جيههل ‪ .‬فرتى الوحوش وسائر احليواانت يغيب ودله ما آمكنه‬
‫لنه آنفس ما عنده وآحب مادليه ‪ ،‬ومعربا عن لك ماشهد ابالجابة عن‬
‫‪214‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫العمل عىل حقيقة ماهيته والتعبري عن احلقائق املشهودة ‪ ،‬لهنا الميكن‬


‫تفهميها عىل مايه عليه اال آن يعرب عهنا اىل مشهود يف احلس واالعتبار من‬
‫صفات آويل البصار واالستبصار ‪ ،‬فاعتربوا اي آويل البصار ‪ .‬فالعبور‬
‫عن مشهود حيس اىل لك غائب معنوي شأن آويل الهنيى من مكل العلامء‬
‫‪ ،‬والتعبري عن املغيبات ابحلس يات غري منكور كام عرب صىل هللا عليه‬
‫وسمل ابللنب اذا رشبه آنه العمل ‪ ،‬والتعبري س امي لك عامل بصري وهو من‬
‫شواهد التنوير عىل حاسة الضمري ‪ .‬فاذا عرب عن لك مشهود من آرسار‬
‫الوجود فقد تنطمس احلدود وترفع الس تائر ‪ ،‬فتنكشف الرسار املأمور‬
‫بصيانهتا ‪ ،‬املندوب اىل حفظها عن اذاعهتا ‪ ،‬ولكن التعبري فامي حيسن عنه‬
‫التعبري ‪ ،‬والسكوت فامي حيسن فيه السكوت ش مية الكياس ‪ ،‬ودليل عىل‬
‫وفور العقل والمانة واحلفظ ‪ ،‬وضد ذ ك بضده ‪.‬‬
‫وذاكرا لكام عمل يتبذخ ويمتدح مبا علمه ويطول بلك مافهمه ‪ ،‬فيذكره يف‬
‫معرض الفخر بزايدة الفطنة وكامل القرحية وحصة احلافظة ومتام العقل ‪،‬‬
‫فهذه صفات اجلهال وطريق الضالل ‪ .‬وآحوال العلامء ابلضد من ذ ك لكه‬
‫؛ فاهنم اكنوا يراعون فهيا آحوال السائلني كام اكن رسول هللا صىل هللا‬
‫عليه وسمل يراع آحوال السائلني ‪ ،‬ويفصح للك عام يليق به ‪ ،‬فكذ ك‬
‫العامل ينبغ هل آن يتفرس آحوال السائلني واليفيش الرسار ‪ ،‬بل يكون‬
‫يف المور اذلوقية اعامتده فهيا االشارة ‪ ،‬لهنا التفهم اال هبا واليدع عىل‬
‫هللا االحاطة جبميع املعلومات ‪ ،‬وآىن بك فامي س بق من قولنا ‪ :‬اذا جتىل‬
‫عليه بوصف العمل عمل سائر املعلومات ادلاخةل حتت حيطة الكون ال‬
‫اخلارجة عنه ‪ ،‬فالعامل بأمجعه معلوم من معلومات ‪ ،‬وآيضا فالعمل بذ ك‬
‫‪215‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫المن حيث هو ؛ ولكن من حيث ماجتىل عليه واس تغرقه عن وجوده ‪،‬‬
‫فالعمل ابق عىل وصفيته هلل عز وجل اللغريه ‪ ،‬وامنا ظهر عىل من جتىل‬
‫عليه اال من حيث املقابةل واالستشفاف ‪ ،‬كام يقابل الصورة املرآة الصقيةل‬
‫فتحيك الصورة من غري انتقال للصورة عن ماهيهتا ‪ ،‬والخروج للمرآءة عن‬
‫كونيهتا ‪ .‬ولكام ازدادت املرآءة صفاء اختفى جرهما وظهرت الصورة حىت‬
‫يظن من العمل هل آن الظاهرة الصورة جمردة من غري واسطة ‪ ،‬ويظن‬
‫انعدام املرآءة فال وجود لها والكان املرآءة عىل صورهتا والصورة عىل‬
‫ماهيهتا ‪ .‬وهنا قال من قال من آهل الشطح واالصطالم مبا قال ‪ ،‬وفاه مبا‬
‫فاه ‪ ،‬وعمل من عمل من آهل الكامل والمتكني ـ فأعطى لك شئ حقه ‪ ،‬ووفا‬
‫لك حق مس تحقه ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫نعم وال لك تعبــــــــــــــري مبشهود‬ ‫مالك مس ئول حيسن آن جييب به‬
‫وامنعه عن غريه ان الفضل حمسود‬ ‫ولك معلوم فاذكره لصاحــــــــــبه‬
‫واذا رآيت آنك مل تظهر ك الكرامات ‪ ،‬ومل تساحمك املقدورات ‪ ،‬ومل‬
‫تواتيك املرسات ادلنياوية ‪ ،‬ووردت عليك صنوف املصائب وآنواع‬
‫املتاعب والرضورات ‪ ،‬فال حتزن ذل ك ‪ ،‬والهتن ملا هنا ك ‪ .‬ذل ك قال‬
‫املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( امنا جعل ادلار الخرة حمال جلزاء عباده املؤمنني ‪ ،‬لن هذه ادلار التسع‬
‫مايريد آن يعطهيم ‪ ،‬ولنه آجل آقدارمه عن آن جيازهيم يف دار البقاء لها )‬
‫امنا هذه يؤىت هبا للحرص ‪ ،‬واحلمكة يف تأخري الخرة الصافية عن املكدرات‬
‫‪ ،‬والساملة عن التغيريات ادلامئة ‪ ،‬املأمونة االنقطاع والفناء ‪ ،‬وآخرها عن‬
‫هذه ادلار املوصوفة هبذه الصفات اال ليجازي هبا عباده اخلاصني به دون‬
‫‪216‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫غريه اذلين مل تس تعبدمه الهوى ‪ ،‬وجيعلها حمل ملا ادخره هلم من الكرامة‬
‫وآخفاه من قرة العني مما التسمعه آذن ومل تره العني ‪ ،‬وذ ك من آجل‬
‫كراماته وآعظم عطياته ‪ .‬ان آخر املس تحسن وقدم الكربة لزنول كراهته‬
‫بوجود راحته فكنه مل متسه الرضاء حيث عقهبا الرساء من عظمي عذابه‬
‫ووبيل عقابه ‪ ،‬آن يقدم املس تحسن املس تذل ‪ ،‬ويعقبه املؤمل املس تقبح ‪،‬‬
‫فكن مل يكن ملا تقدم وجود ابلنس بة للمتأخر عنه ‪ .‬كام ورد ذ ك آن آشد‬
‫الناس بؤسا يف ادلنيا من آهل اجلنة يغمس يف اجلنة مغسة فيقال هل ‪ :‬ابن‬
‫آدم هل مر بك بؤسا قط ؟ هل رآيت بؤسا قط ؟ فيقول الوعزتك‬
‫وجال ك مامر يب بؤسا قط والرآيت بؤسا قط ‪ ،‬وان آنعم آهل ادلنيا من‬
‫آهل النار يغمس يف النار مغسة ‪ ،‬فيقال هل ‪ :‬ايبن آدم هل مر بك خريا‬
‫قط ؟ فيقول ‪ :‬الوعزتك وجال ك مامر يب خري قط والرآيت خريا قط ‪.‬‬
‫احلديث آوكامقال ‪.‬‬
‫ومسيت ادلار وهللا آعمل لهنا دورة من دورات الفكل الطلس ‪ ،‬فهل‬
‫دورات عرش ية ودورات ساموية وملكوتية ‪ ،‬ودورات آرضية شهادية‬
‫ملكية دنياوية ‪ ،‬ودورات برزخية خيالية ‪ ،‬ودورات آخراوية نرشية‬
‫حرشية حتقيقية ‪ ،‬ودورات حسابية ‪ ،‬ودورات رصاطية جوازية ‪،‬‬
‫ودورات دميومية خادية فضلية آوانرية عدلية ‪ ،‬ودورات جاملية وجتليات‬
‫كشفية التتناىه دوراهتا يف العوامل الوصفية واخلزائن الرمحوتية ‪ ،‬والهيا‬
‫االنهتاء كام بدآان آول خلق نعيده ‪ .‬ولو آخذان يف بيان تدوار هذا الفكل يف‬
‫الطوار ؛ النقضت العامر دون الوصول اىل بيانه العامل ‪ .‬لنه الحد‬
‫ملبتدعات القدار من ابتداء نقطة هذا البياكر اىل منهتيى ما اليه اس تدار ‪،‬‬
‫‪217‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫لن منه ظلامت ودورات آنوار ‪ ،‬ودورات آرزاق ‪ ،‬ودورات آعامر‬


‫ودورات سعادات ‪ ،‬ودورات شقاء ‪ ،‬ودورات هوى ‪ ،‬ودورات ماء ‪،‬‬
‫ودورات ضياء ‪ ،‬ودورات ش تاء ‪.‬‬
‫وادلار واحدة يف الكثري والقليل ‪ ،‬والكبري والصغري ‪ ،‬واحلقري واخلطري ‪،‬‬
‫حىت رآيناها مس تغرقة مجيع ادلارات ‪ ،‬واحلراكت والسكنات ‪ ،‬واخلطرات‬
‫والنظرات ابتداء وانهتاء ‪ .‬ورآينا يف ذ ك الفكل آن احلركة الواحدة كسائر‬
‫حراكت الوجود من ابتدائه اىل انهتائه عىل حد سوى ‪ ،‬وآصغر املوجودات‬
‫ككربها من حيث النس بة ادلورية وهو رس قوهل عز من قائل { ماخلقمك‬
‫والبعثمك اال كنفس واحدة } [ الية ‪ 28‬لقامن ] ومل آقف عىل من آفصح بعمل‬
‫هذا التدوار وال من آظهر منه هذا املقدار ؛ اال آن اشارات االمام الطايئ‬
‫احلامت تشري اليه ‪ ،‬وتؤيم بطريق االشارة ‪ .‬وكذ ك آاكبر الولياء عند‬
‫امعان النظر يف اشاراهتم تشم عبريه وتظهر تناشريه ‪ ،‬وترفع آساريره ‪.‬‬
‫وعندما ماظهر يل حملة ابرقة من عمل ذ ك اكد زيهتا يضئي ولو مل متسسه انر‬
‫‪ ،‬وعند انهتاء لك دارة تظهر جعائهبا ‪ ،‬وتبدوا حماس هنا من قباحئها بصورة‬
‫ادلارة اليت تلهيا ‪ ،‬م بصورة اليت تيل اليت تلهيا ‪ .‬وهكذا حىت تنهتي اىل‬
‫هناية حمتدها وابتداء دارهتا ‪ ،‬ومس جزاء االجازة ذ ك العمل عىل وفقه‬
‫اكئنا مااكن ‪ .‬لن لك دورة تدور يف جمرهتا وتسعى يف حمرهتا ‪.‬‬
‫وآصول ادلارات دارتني صادرة عن دارة وتشعبت من ادلوائر ‪ ،‬وخلق‬
‫دارة فضلية نورانية جاملية ‪ ،‬وخلق آعامل مرضية وآرواح جاملية لطفية ‪،‬‬
‫وخلق دارة برزخية جامعة للراحة والعتب ‪ ،‬والوسع والضيق ‪ ،‬والنور‬

‫‪218‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫والصفاء والتكدير ‪ ،‬وغري ذ ك من الضداد ‪ .‬وخلق حمل متيزي ميزي فيه‬


‫اخلبيث من الطيب ‪ ،‬وخلق دار فضل ونعمة ‪ ،‬ودار عدل ونقمة ‪ .‬فأجرى‬
‫الرواح امجلالية الصافية الساموية يف جمرت الفضل والنعمة ‪ ،‬وجرت‬
‫الرواح الرضية الظلامنية ابلعكس من ذ ك " امنا آعاملمك ترد عليمك "‬
‫فيجوزون تكل اجملرات ؛ فتجزون هذه املرسات ‪ .‬وآما آن جتوزون يف‬
‫مفاوز الهلاكت يف بروج النحوس والشقاوات ‪ ،‬فتجزون هذه العقوابت‬
‫والناكل وسائر املؤملات اجلالليات { اليوم جتزون عذاب الهون مبا كنمت‬
‫تس تكربون يف الرض بغري احلق } [ الية ‪ 20‬الحقاف ] فلك جيازى بوفقه‬
‫يف املقام الخراوي ‪ ،‬ويظهر عليه تعبري املثال ادلنياوي ابلعكس مما اكن‬
‫عليه يف ادلنيا ‪ :‬فالكرب جعهل ابلهوى ‪ ،‬واذلل ابلعز ‪ .‬وقس عىل ذ ك سائر‬
‫الفعال يف ادلنيا تعرب عهنا اىل تأويلها يف ادلار الخرة ‪ ،‬وقد جر سفينة‬
‫احلرص طوفان املطهر احلق يف حبر العمل االلهي اذلي الساحل هل والغاية‬
‫يوصل الهيا ‪.‬‬
‫فلرنجع اىل رشح الكم املؤلف ريض هللا عنه حيث قال ‪ :‬الخرة حمال‬
‫جلزاء عباده املؤمنني ‪ ،‬لن هذه ادلار التسع مايريد آن يعطهيم لضيقها‬
‫وكدرها ‪ ،‬ومايه عليه من التغيري واالنفالت ‪ ،‬لنه ورد آن آحاد املؤمنني‬
‫يف مكل واحد ‪ ،‬مهنم مسرية س بعامئة عام ؛ هذا لحادمه ‪ ،‬وآما ساداهتم‬
‫مما اليصفه الواصفون ‪ ،‬والحييط بعجائبه املعربون ‪ ،‬ولنه آجل آقدارمه‬
‫عىل آن جيازهيم يف دار البقاء لها ‪ ،‬اذ مل جيازي فهيا اال آعدائه ‪ ،‬ويزوي‬
‫عهنا آوليائه اكراما هلم وادامة لنعميهم ‪ ،‬لن ادلار الخرة يه مس تقر النعمي‬

‫‪219‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ ،‬وفهيا دوامه وهبا متامه ‪ ،‬ولهنا مأمونة االنقالب بل مزتايدة املرسات‬


‫ومتواترت الرباكت ‪ .‬ذل ك ادخرها جلزاء عباده ورصف عهنا آعدائه ‪،‬‬
‫وجعل جزامه يف ادلار الفانية احلقرية ‪ ،‬قليةل اجلدوى كثرية البلوى ‪ ،‬ويل‬
‫يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫من اكن هلل يف الطاعات جمــــــــهتدا‬ ‫جزا العباد يف الخرى يرس به‬
‫آن يشهد هللا جل الواحـد الصــــمدا‬ ‫ينال من ربه االكرام مطلبـــــــه‬
‫يف جنة اخلاد جــــاز السادة الشــهدا‬ ‫آخر جزا عبده كامي ينال بـــــــه‬
‫وآكرب الكرامات وآرفع املقام النظر اىل وجه هللا وتعظمي هللا ‪ ،‬حيث‬
‫يسميه ابمسه ‪ ،‬ويرمس اليه رمسه كام ورد ‪ :‬آن العبد املؤمن يأتيه مكتوب‬
‫من هللا عنوانه ‪ :‬من احل اذلي الميوت اىل احل اذلي الميوت ‪ .‬فاذا فتح‬
‫الكتاب وجد فيه ‪ :‬عبدي اش تقت اليك فزرين ‪ ،‬فيقول ‪ :‬هل جيئت‬
‫ابلرباق ؟ فاذا ركب الرباق غلبه الشوق فيحمهل الشوق ‪ ،‬ويتخلف عنه‬
‫الرباق اىل بساط اللقاء ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ان الرباق براق الشوق حيمل مــن انء عن القـــــرب فاس تدعاه مواله‬
‫ومن يكن ذابه الكس الذليذ مفــن يدنوا دنوا ويدنو منه ايـــــــــــــــاه‬
‫يدار هل مخرة السايق العقــــــار اذا من غري فـــرج شهي الوصل هيواه‬
‫فكسه الوصل ان حققت آس لـه حظ به فيه واملرشوب معنــــــاه‬
‫ايزايرا للحام املعهود رصت حـــــيا اس متطرت من حساب االمس حمياه‬
‫فالعمل جشرة طيبة ‪ ،‬ومثرته رس وجدان رس ذ ك العمل ‪ ،‬آما من طريق‬
‫االميان وآما من طريق العيان ‪ .‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( من وجد مثرة معهل عاجال ‪ ،‬فهو دليل عىل وجود القبول آجال )‬
‫‪220‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫الوجدان خمتلفة ‪ ،‬مفن وجدان يف العامل بطريق االميان عىل صدق الوعد‬
‫ابملوعود فيسهل اليه عسريه ‪ ،‬وهتون عليه وعوره ‪ ،‬ويتحقق دليه ظهوره‬
‫‪ ،‬ويرشق عليه نوره ‪ .‬وآما بطريق الشهود والعيان ؛ فتنكشف هل س توره‬
‫‪ ،‬وتس تويل عليه تباشريه ‪ ،‬وتزف اىل العامل عرائسه وحوره ‪ ،‬وتتغشاه‬
‫آنوار القرب ‪ ،‬وتشوقه لوامع احلب ‪ .‬وآول ذ ك ماكبدة وجماهدة {‬

‫واذلين جاهدوا فينا لهنديهنم س بلنا } [ الية ‪ 69‬العنكبوت ] وهو طريق الفناء‬
‫فينا ‪ ،‬ونعوضهم مبا ذهب مهنم معيتنا ‪ ،‬ونشهدمه حسننا واحساننا ‪،‬‬
‫فنصفهم به وجنعهل هلم نعتا فنعهتم حمس نني ‪ ،‬وذ ك ملا ظهر علهيم من حسن‬
‫معيتنا اليت مل تبق علهيم من آوصافهم وصفا ‪ ،‬ومل تدع فهيم معل من رؤية‬
‫نعوهتم نعتا ‪.‬‬
‫وورد يف ذ ك ‪ " :‬اذا آخلص معل هلل واليقبل هللا اال مااكن خالصا " مثل‬
‫قوهل يف احلديث " من آخلص هلل آربعني يوما جالت روحه يف امللكوت‬
‫العىل ‪ ،‬وعادت بطرائف احلمك فنطق هبا قلبه عىل لسانه " فهذا من مثرات‬
‫العمل املقبول ‪ ،‬واليقبل هللا اال من املتقني ‪ ،‬ذل ك قال { واتقوا هللا‬
‫ويعلممك هللا } [ الية ‪ 282‬البقرة ] فهذا من مثرات التقوى ‪ .‬والتقوى مهنا‬
‫ماهو معل ومهنا ماهو عمل واللك معل ‪ .‬وقوهل صىل هللا عليه وسمل ‪" :‬من‬
‫معل مبا عمل آروثه هللا عمل مامل يعمل "‬
‫واذا علمت آن ليس م مثرة للعمل اال العمل الادين اذلي يظهر ك وجه‬
‫الصواب يف لك معل وحال من هللا ‪ ،‬بال تعمل والتعمل بل يكون احلق‬
‫لصاحبه يدا ومؤيدا وقلبا وعقال ‪ ،‬فهذا وماشالكه من مثرات العمل املقبول‬
‫‪221‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ .‬والبد للك سا ك يف ابتدائه يف الخذ يف العمل من لكفة وجتشم تعب‬


‫ومشقة ‪ ،‬م تعقبه الراحة واملرسة ‪ .‬والمثر اليوصل اليه اال بعد حراكت‬
‫حس ية وتدبريات معنوية ‪ ،‬يعجز عن الوصول اىل المثرة من مل يتحمل العنا‬
‫يف غراس الشجرة ‪ .‬وهذا معروف الميرتي فيه ذو قلب سلمي وعقل سامل‬
‫‪ ،‬بل لك شواهده يف احلس ظاهرة ‪ ،‬وآمثاهل عىل العامل يف احملسوسات‬
‫متظاهرة ‪ .‬ومن معل ومل جيد ذل ك مثرة ‪ ،‬وال لالقبال عىل العامل مرسة ‪،‬‬
‫ووجد عند مايطلبه ‪ ،‬ومل يصابر العامل عىل ممر الحوال ؛ فليفتش عن‬
‫اخالصه يف معهل ‪ ،‬ولينظر فامي يقتيض الرد عليه من آحواهل ‪ ،‬فانه منه‬
‫آوين ‪ ،‬وليجهتد يف التفتيش عىل دسائس العامل ‪ ،‬فانه رمبا اكن ذ ك يف‬
‫اعتقاد يف هللا غري موافق كام هو الصواب عند آهل احلق ‪ ،‬آويف شئ مما‬
‫يوجب رد معهل عليه ‪ ،‬آويف العامل مما حيبط العامل ؛ اكلقيام عىل حاةل‬
‫من آحوال الضالل يف العامل والقوال ‪ ،‬فان رذائل الحوال واجرتاح‬
‫الوزار ترتد به العامل ‪ .‬كام ورد يف حديث معاذ ‪ :‬آن معل العبد يعرض‬
‫عىل آهل لك سامء فريد بذنب حىت يعرض عىل هللا فريد بعد ارادته به‬
‫وجه هللا ‪ .‬فانظر ذ ك وامعن النظر فامي يرد معكل عن القبول اذلي توجد‬
‫به مثرات العامل ‪ ،‬وتزكية الخالق ومنو الحوال ‪ ،‬فانه رب ذنب حيرم‬
‫قيام ليةل ‪ ،‬ورب ذنب حيرم قيام س نة ‪ ،‬ورب لكمة تقاد عنه ابب مل يفتح‬
‫ذ ك الباب اال ابلرتوحي عهنا وتبديلها بضدها ‪ .‬ولرمبا مل يعد اىل مااكن عليه‬
‫قبل ذ ك ‪ ،‬فان الكتاب عىل البياض قبل آوقع من الكتاب فيه بعد احملو‬
‫من السواد { فليحذر اذلين خيالفون عن آمره آن تصيهبم فتنة } [ الية‬
‫‪ 63‬النور ] وال آعظم من االفتتان ابلكوان ونس يان مكوهنا ‪ ،‬واحلجاب‬
‫‪222‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ابلعيان عن مبدعها ومعيهنا ‪ .‬وآول الفتنة آعاذان هللا وآحبابنا وسائر‬


‫املسلمني مهنا خمالفة المر ‪ .‬فيااخواين اايمك واايها ‪ ،‬مفخالفة المر مصارمة‬
‫ومقاطعة للمر ‪ ،‬مفا ذا جيد من قاطع هللا وصارمه ‪ ،‬فهذه نفثة القابية‬
‫آلقاها املفضل الوهاب عىل قلب عبده وآبداها عىل شهادته ‪ ،‬وآجراها عىل‬
‫يديه ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫مفن جيد مثرة العامل عاجـــــةل فليحمد هللا آهل الفضل واملنن‬
‫عناية هللا يف االنسان حاصةل فامي تقبهل من رس ومن علـــــــن‬
‫ومن مجةل مثرة العامل ادامهتا عليك واالغتباط هبا واملسارعة الهيا ‪،‬‬
‫والنشاط فهيا ‪ .‬واذا كنت كذ ك فاعمل آنك عند هللا مباكنة ‪ ،‬وآنه قد‬
‫رضيك خلدمته ‪ ،‬واصطنعك لنفسه ‪ ،‬واصطفاك حملبته ‪ .‬ذل ك قال املؤلف‬
‫ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( ان آردت آن تعرف قدرك عنده فانظر فامي ذا يقميك )‬
‫ان آردت آهيا الطالب املريد والطالب املس تفيد آن تعرف قدرك عند هللا‬
‫؛ هل آنت ممن اصطفاه وآحبه ؟ وقربه ورفع ذكره ؟ وآكرمه وآعزه ؟ آم‬
‫آنت ممن آذهل وآهانه ‪ ،‬وحرمه وطرده ‪ ،‬ورمسه يف جريدة آعدائه ‪ .‬فانظر ؛‬
‫فان للك فريق عالمة ‪ ،‬وللك قوم مقامه ‪ .‬فعالمة فريق الكرامة طريق‬
‫السعادة ‪ ،‬وعالمة فريق االهانة والبعد طريق الشقاوة ‪ .‬والطريقني‬
‫معلومتني ؛ فالسعادة يه العامل املوافقة للمر املريض ‪ ،‬واجتناب الهني‬
‫املفيض ‪ .‬وقد ورد يف اجلديث " من آراد آن يعرف مزنلته عند هللا‬
‫فلينظر مزنةل هللا عنده " فان اكن هلل معظام ومكرما ‪ ،‬وللولياء حمبا‬
‫ومواليا ‪ ،‬ولعدائه جمانبا ‪ ،‬وعن مناهيه متباعدا ‪ ،‬ولنعامئه شاكرا ‪ ،‬ومبنته‬
‫‪223‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫معرتفا ‪ ،‬وعىل رصوف قضائه صابرا ‪ ،‬وعىل لك مايقرب منه مثابرا ‪،‬‬
‫فليعمل آن هللا هل معظام ‪ ،‬ولقدومه مكرما ‪ ،‬وعن لك مايكرهه صارفا ‪ ،‬فان‬
‫هللا يويف عبده مبا عامهل { هل جزاء االحسان اال االحسان } [ الية ‪60‬‬
‫الرمحن ] واللك حقيقة من هللا ابتداء ‪ ،‬واليه يعود انهتاء ‪ ،‬فهو املتفضل مبا‬
‫عامهل به عبده ‪ ،‬فهو اذلي آوجده ووفقه وآعانه وتقبهل وآههل ‪ ،‬ومنه جزاه‬
‫يف دنياه وآخراه ‪ .‬واذا اكن العبد عن طاعات هللا متباطيا ‪ ،‬واىل معاصيه‬
‫مسارعا ‪ ،‬وحملارمه منهتاك ‪ ،‬وبأوليائه مس هتينا ‪ ،‬ولعدائه مواليا ومكرما ‪،‬‬
‫فليس تدل بذ ك عىل آنه عند هللا هماان ‪ ،‬وبعالمة البعد موسوما ‪ ،‬وعن‬
‫اخلريات حمروما مامل يتدراكه بتوبة وعفو وغفران ‪ .‬وهو املرجو من فضهل‬
‫آن هيدينا ويعفو عام حنن عليه من اجلرامئ ‪ ،‬وانهتاك احملارم ‪ ،‬وآن يوفقنا‬
‫ملرضاته ‪ ،‬ويسكل بنا طريق خواص آهل تقاته ‪ ،‬انه اجلواد الكرمي الرب‬
‫الرحمي ‪ .‬وكذ ك سائر آحبابنا ومشاخينا وسائر املسلمني ‪ ،‬وجينبنا واايمه‬
‫مضالت الفنت ‪ ،‬ويقينا من شؤم املعايص ورصوف احملن ‪ .‬ويل يف ذ ك‬
‫شعرا ‪:‬‬
‫اذا آردت آن تقف يوما عىل قدر هل آنت من آهل قرب هللا يف الزل‬
‫فانظر اىل مايقميك فيه مقــــــتدر من فعل مكروه آومن خالص العمل‬
‫ان السالمة تظــــهر لك مس ترت يف ط مكنون ماقــــد اكن يف الزل‬
‫مفن يكن يف طريق اخلـري منترش فذاك حمبوب مثل املثل يف املثـــــل‬
‫م قال ممتام ملا قدمه ‪ :‬لئال يغرت ذي رآي ضعيف ابلطاعة دون هللا تعاىل‬
‫‪ ،‬فذل ك قال ‪:‬‬

‫‪224‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫( مىت رزقك الطاعة والغىن به عهنا ؛ فاعمل آنه قد آس بغ عليك نعمه ظاهرا‬
‫وابطنا )‬
‫مىت رزقك آهيا الطالب واملتعبد اليب الطاعة ويه لك آمر حمبوب‬
‫موافق مريض ‪ .‬والطاعة رزق القلوب ‪ ،‬ورزق الرواح مشاهدة احملبوب‬
‫‪ ،‬ورزق الرسار االس تغراق يف متالطامت حبار النوار ‪ ،‬ورزق النفوس‬
‫مبس تذلات الطعمة ‪ .‬والطاعة يه رزق القلوب الساموية والنفوس الزكية ‪،‬‬
‫والطعام رزق النفوس الرضية احليوانية ‪ .‬ومىت رزقك االس تعانة ويه‬
‫رزق الرواح هو االس تعانة عن لك شئ القبالها عليه دون لك شئ وهو‬
‫الفناء به عن الش ياء ‪ ،‬وهذا هو العبادة الظاهرة ؛ آي الطاعة واالس تغناء‬
‫به يه العبودية ابطنا ‪ ،‬وهذا املطلوب من العبد آن يكون قامئا هلل ظاهره‬
‫مبا يقتضيه المر ظاهرا ‪ ،‬فانيا عنه ابطنه مبا يقتضيه احلق ابطنه ‪ .‬فاذا اكن‬
‫كذ ك فقد آمكل هللا عليه نعمته وآس بغها ‪ ،‬وآفاض عليه منته وآوسعها ‪.‬‬
‫ومع العمل بذ ك يكون هل شاكرا ولالئه ذاكرا ‪ ،‬فتس تحق املزيد مما دليه ‪.‬‬
‫ومع اجلهل بذ ك رمبا تنىس الشكر عىل هذه النعمة اجلليةل ‪ ،‬والتذكر هذه‬
‫املنن النبيةل فتتعرض لسلهبا ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫رزق القلوب يف الطاعات يعرف ذا من اكن ذا قلب للعلــــياء خمطوب‬
‫مىت رزق ذاك فليعــــــــــمل بأنه ذا ماقام ابلشكر صار اخلري جملــوب‬
‫وهذه من آجل نعم هللا عىل عبده حيث آقامه يف عبادته واختاره خلدمته‬
‫‪ ،‬وشغهل به عن رؤيته ‪ ،‬فاكن هلل ظاهرا وابهلل ابطنا ‪ .‬وهذا هو مطلب‬
‫الصفوة الخيار ‪ ،‬والنجباء البرار ‪ .‬لن خري ماعندمه آن يقميهم يف خدمته‬
‫ويسلمها عن الفات القادحة فهيا ‪ ،‬ومن اكن حاهل االس تغناء ابهلل عن‬
‫‪225‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫الش ياء فقد سلمت عبادته ‪ ،‬ومتت سالمته ‪ .‬ذل ك قال املؤلف ريض‬
‫هللا عنه ‪:‬‬
‫( خري ماتطلبه منه ماهو طالبه منك )‬
‫خري مطلب للعبد من هللا آن ينال رضا س يده ‪ ،‬ورضاه متعلق بطاعته‬
‫برشط سالمته عن حمبطاهتا ‪ ،‬فليكن العبد ذل ك مراعيا يف مجيع آحواهل‬
‫وآعامهل وآقواهل لينال رضا ربه ‪ .‬ورتبة القرب منه اذلي يلهيا تطاولت آاكبر‬
‫النبياء وسادات املقربني الصفياء ‪ ،‬ولك مطلوب دون ذ ك فهو مشوب‬
‫وموسوم ابحلظ ‪ ،‬ولن يطلب العبد حق مواله اذلي هو العبادة ظاهرا‬
‫والفناء عن الوصاف والحوال والعامل ابطنا ؛ آوىل به وآمت من آن‬
‫يطلب مااليدري عاقبة آمره ومصدر وروده ؛ آفيه اخلري آم ال ؟ واذا اكن‬
‫فانيا عن اختياره وقامئا بأمر هللا توىل هللا رعايته ‪ ،‬واختار هل ما هو‬
‫الصلح يف آفضل المور ‪ ،‬فال تعلمه مبا يصلحك ومق هل مبا آمرك ‪ .‬واعمل‬
‫مىت كنت كذ ك كنت من العبيد الدابء ‪ ،‬فيصلح من يكون حاهل ذ ك‬
‫آن يكون من آخص الوزراء ‪ ،‬فيدعى ذل ك املقام وخيطب وحيظى ويزداد‬
‫يف املالء ذكرا ‪ .‬ومن مس تغال حبظه غافال عن س يده منازعا هل يف تقديراته‬
‫‪ ،‬ومشاراك هل بتدبرياته ؛ فيوشك آن يبعد عن احلرضة واليثبت هل يف‬
‫ديوان الوزراء اسام ‪ ،‬واليرفع هل هناك ذكرا بل يدخل يف غامر العوام‬
‫واجلهال الطغام ‪ .‬اال آن يس تأنف املقام ويعود يقتدي ابمام ذامقام اتم ‪،‬‬
‫فريىج آن تس تقمي آحواهل وهتذب آخالقه وتصفو آعامهل ‪ ،‬فأحسن ماطلب‬
‫الدب واش تغب به النجباء قرص الطلب عىل ماهو مطلوب احلق مهنم ‪،‬‬
‫فاكنوا يس تعيذون من آن يكون طلهبم ملقتىض حظوظهم العاجةل ‪ ،‬بل لك‬
‫‪226‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫مههم متعلقة بتصفية عبوديهتم هلل ‪ ،‬وخائفون من لك قادح يقدح فهيا‬


‫خوفا مهنم آن التقبل مهنم ‪ ،‬فأكرب مثوبة دلهيم قبولها مهنم ‪ ،‬وغوبهتم عن‬
‫رؤية مامهنم ‪ ،‬فهم مطالبون نفوسهم هلل عىل ممر النفاس ‪ ،‬متربيئون عن‬
‫احلول والقوة يف الفعال والقوال وسائر الحوال ‪ ،‬اليشغلهم مه ما هو‬
‫آت ‪ ،‬والتدبري ماال يؤمرون ابلتدبري فيه ‪ ،‬بل مه وقوف عىل ما آبرزه‬
‫الوقت ‪ ،‬يقومون مبقتىض ذ ك من العبادة ‪ ،‬اليلتفتون اىل ماض‬
‫والمس تقبل ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫آطلب من هللا توفيقا خلدمـته خفري مايطلب آن يرضاه مواله‬
‫وكن حبقه وآشهد س بق منــــته والترى يف مجيع الكون الهــو‬
‫فاذا علمت رشف القيام ابخلدمة وانقطاعها عنك بعوارض القدار ‪ ،‬فدليل‬
‫الصدق احلزن عىل فواهتا كام حيزن لك حمب عىل فوات حمبوبه ‪ ،‬وعالمة‬
‫احلزن احلث عىل الهنوض وتاليف بقية الوقت ما آمكن ‪ ،‬واذا مل يهنض‬
‫احلزن عىل الهنوض وحيث عىل التاليف فهو احلزن الاكذب كام قال املؤلف‬
‫ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( احلزن عىل فقدان الطاعة مع عدم الهنوض الهيا ؛ من عالمة االغرتار )‬
‫احلزن هو تأمل القلب آما لفوات حمبوب آوخوف مرهوب ‪ ،‬واحلزن عىل‬
‫فوات احملبوب آظهر ‪ ،‬ولك مايوصل اىل احملبوب ورىض احملبوب فهو‬
‫حمبوب ‪ ،‬فذل ك حيزن احملبوب عىل فواهتا ‪ ،‬ويغتبطون بوجودها ‪ .‬فاذا‬
‫وجد احلزن ومل يهنض اىل االتيان هبا فدل ذ ك عىل آنه حزن اكذب ‪ ،‬ولو‬
‫اكن صادقا لبادر املهل ‪ ،‬ومشر يف تاليف املطلوب ‪ ،‬واذا اكن حزن وبىك‬
‫من غري هنوض اىل االتيان ابلوامر واالنزجار عن الهني فذ ك عالمة‬
‫‪227‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫االغرتار ‪ ،‬ودليل املكر من هللا ‪ ،‬وهو اكذب وهو باكء املغرورين ‪ ،‬فاذا‬
‫منع ماينفعه وآعط مايغرت به فال مرية آنه حمروم ‪.‬‬
‫وآما احلزن اذلي يبعث عىل الهنوض فهو من آرشف آحوال السالكني ‪،‬‬
‫وآحسن سامت املريدين ‪ .‬وكيف والقلب اذا خرج منه احلزن خرب ‪.‬‬
‫واحلزن من عالمات اخلائفني وشعار العلامء والزهاد ‪ ،‬وداثر الناسكني‬
‫والعباد ‪ ،‬ولليةل من حزين تعدل قيام آعوام من الفرحني آهل الرفاهة‬
‫املرتفني املطمئنني اىل زهرة ادلنيا ‪ ،‬الراغبني فهيا املش تغلني هبا عن التعلق‬
‫برب العاملني اهل الولني والخرين ‪ .‬وحاكايهتم يف ذ ك كثرية ‪ ،‬وآحواهلم‬
‫فهيا شهرية ‪ .‬كام يروى عن بعض زهاد هذه المة وآحبارها اكلفضيل بن‬
‫عياض ومن حذا حذوه وحنا حنوه ‪ ،‬يقال آنه مل يرى ضاحاك آربعني س نة ‪.‬‬
‫وال آحق ابالتباع وآوصل ملريد االنتفاع من االقتداء برسول هللا صىل هللا‬
‫عليه وسمل ‪ ،‬مفن شامئهل آنه متواصل الحزان ‪ ،‬دامئ الفكر ‪ .‬ويقال ‪ :‬آنه‬
‫اذا آحب هللا عبدا نصب يف قلبه انحئة ‪ ،‬واذا آبغضه نصب يف قلبه‬
‫مزمارا ‪ .‬ويروى آن هللا حيب لك قلب حزين ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫احلزن حاةل آرابب السلوك ومــن خال عن احلزن حيرم لك مطلوب‬
‫يطلب اىل هللا يف الجوال مرغوب‬ ‫ان قارن احلزن عزم فهو بغية من‬
‫فلام انهتيى الالكم عىل ماتقدم آخذ يف تبيني حاةل العارف احملقق من غريه‬
‫ممن ينمت اىل املعرفة دون حقيقهتا ‪ ،‬فقال ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( ليس العارف من اذا آشار وجد احلق آقرب اليه من اشارته ‪ ،‬بل العارف‬
‫من ال اشارة هل لفنائه يف وجوده ‪ ،‬وانطوائه يف شهوده )‬

‫‪228‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ليس العارف احملقق والعارف ابمس التعريف هو هذا ‪ ،‬وهو اذلي ينطق‬
‫عن وجوده ويشري عن شهوده ‪ ،‬قد انطوى يف مشهده آعيان الوجود ‪،‬‬
‫وامضحلت دليه تعديدات احلدود ‪ ،‬اذ االشارة جحاب عن امجلع اذلي‬
‫تذهب فيه ظهور الغيار ‪ ،‬لنه االشارة واملشري واملشار اليه ‪ ،‬فالخيفى‬
‫ما يف ذ ك من ظهور التفرقة والبعد عن مقام امجلع اذلي هو نعت العارف‬
‫احملقق والواصل املقرب ‪ ،‬كيف تكون هل اشارة آو افصاح عبارة وقد غاب‬
‫عن وجوده ‪ ،‬وفين عن شهوده ‪ ،‬فانطوى واندرج ليل آفعاهل ‪ ،‬وجنوم‬
‫علومه وسائر آفعاهل وآعامهل وآوصافه ‪ ،‬وتالشت ذاته بظهور مشوس‬
‫املعارف من آفق االحسان اذلي تنطوي حتت ظهوره مقامات االميان‬
‫ومعامل االسالم انطواء النجوم والمقار عند ظهور الهنار ‪ ،‬مفن التحق ذاات‬
‫ووصفا وفعال ابلعدم عند جتيل آرسار القدم ؛ فأين هل االشارة واالفصاح‬
‫ابلعبارة ‪.‬‬
‫ويف اصطالح الطائفة آن االشارة االفصاح عام يتضمنه الوجد قوال يف‬
‫القوال ‪ ،‬وفعال يف الفعال ‪ ،‬وحاال يف الحوال ‪ ،‬ومقاما يف املقامات ‪.‬‬
‫مفهنم من جيد املشار قبل االشارة ومه العارفون ‪ ،‬ومهنم من جيد مع‬
‫االشارة ومه الواصلون اىل مبادي املعرفة ‪ ،‬ومهنم من جيده بعدها ومه‬
‫السالكون الخذون يف طريق السلوك ومل يصلوا بعد ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا‬
‫‪:‬‬
‫ان االشارة تفصــــح لك منهبم من املعاين مكنون عن الغـــــــري‬
‫والعارفون هلم من فوق ذا مهم انلوا مقاما خيل عن ذ ك النظـــر‬
‫ومن يكن دون ماقلــــناه حمتمك يف حيطة العمل حمتوس يف الصور؟‬
‫‪229‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫واالشارة عىل رضبني ‪ :‬فاشارة حق ويه االشارة اىل احلق ابحلق ‪ ،‬واشارة‬
‫مردودة غري مقبوةل ويه اشارة اخللق اىل احلق لنه { س بحانه وتعاىل عام‬
‫يقولون علوا كبري } [ الية ‪ 43‬االرساء ] اذ ال آين وال كيف وال مل ‪ .‬م آخذ‬
‫يف بيان الرجاء احلق من الرجاء الباطل الصادق عليه ابلمنية ‪ ،‬فقال‬
‫ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( الرجاء ماقارنه معل ؛ واال فهو آمنية )‬
‫الرجاء مقام رشيف من مقامات السالكني ‪ ،‬وحال مريض من آحوال‬
‫البرار والعلامء الخيار ‪ ،‬ويلتبس به حاةل غارة وخصةل ضارة تسمى المنية‬
‫‪ ،‬ويه تلبيس عىل من العمل عنده بطريق الرجال ‪ ،‬والحتقيق سنيات‬
‫الخالق ورفيعات الحوال ‪ ،‬فيظن جبههل ويتخيل آن الرجاء احملمود‬
‫واخلري املوعود هو المنية الاكذبة اليت يتخذوهنا املفاليس من العامل عدة‬
‫‪ ،‬فيعدون نفوسهم المارة بوسع الرمحة وعظمي العفو مع مامه مقارفون من‬
‫انهتاك احملارم ‪ ،‬والتبذخ ابملأم والتظاهر ابجلرامئ من غري مباالة ابمجلال‬
‫االلهي ‪ ،‬فيجعلون جنابه آهون الش ياء عندمه ؛ ويقولون نرجو حيث مل‬
‫يواخذان يف ادلنيا والقطع عنا الرزق ‪ ،‬وآنعم علينا بأصناف النعم وآلبس نا‬
‫العوايف يف ادلنيا آن يكون لنا يف الخرة آحسن من ذ ك ‪ ،‬وحنن عبيده‬
‫وهو يعط الخرة كام يعط ادلنيا ‪ ،‬وماشالك ذ ك من الماين والتغريرات‬
‫الاكذبة ‪ .‬وماعلموا آن ادلنيا حمل التكديرات غالبا اال من مل يؤهل للنعمي‬
‫الخراوي والرسور الرسمدي ‪.‬‬

‫‪230‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫والرجاء عىل احلقيقة هو آن متتثل المر ائامترا وانهتاء ‪ ،‬وترجو آن يتقبل‬


‫ذ ك منك ‪ ،‬وآن يثيبك عليه كام وعدك بذ ك ووعده احلق ‪ ،‬وليتك اذا‬
‫امتثلت كام آمرت تقبل منك ‪ .‬و ك يف حرث ادلنيا مثل يعرف ذ ك من‬
‫آرسل نظر االعتبار وحقق االستبصار ‪ ،‬فمل جتد المثار ومفتقات كاممئ‬
‫الزهار اال عند من اختذ اجلهد صاحبا عىل ممر الايم ‪ .‬فاذا حان اابن‬
‫آوقات المطار رجاء آن يصيب آراضيه ‪ ،‬فاذا آصاهبا رجاء آن خيرج هل‬
‫صنوف المثار ‪ .‬وآما من اختذ البطاةل ديدان م رجا مارجا صاحب اجلهد‬
‫يف طول سنته فال مرية آن ذ ك اغرتار واس هتانة جبناب الواحد القهار ؛‬
‫آومل يعمل املغرور آنه اذا مل جيازى يف هذه ادلار ببطاةل وندامة ؟ آترى‬
‫الخرة آقل مهنا حىت جيازى فهيا عىل بطالته غىن ؟ آوترى اذلي جيري يف‬
‫ادلنيا غري اذلي جيري يف الخرة ‪ ،‬وهللا س بحانه يقول { وآن ليس‬
‫لالنسان اال ماسعى * وآن سعيه سوف يرى *م جيزاه اجلزاء الوىف } [‬
‫الايت ‪ 41-39‬النجم ] فهاهنا حبسن الرجاء ‪ ،‬وقد آطلق اذلم عىل قوم اغرتوا‬
‫ابلغراض ادلنياوية ومتنوا املغفرة فقال عز من قائل { خفلف من بعدمه‬
‫خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الدىن ويقولون س يغفر لنا } [‬
‫الية ‪ 169‬العراف ] وقال صىل هللا عليه وسمل يف وصف من اتبع نفسه‬
‫هواها قال صىل هللا عليه وسمل " الكيس من دان نفسه ومعل ملا بعد‬
‫املوت ‪ ،‬والمحق من اتبع نفسه هواها ومتىن عىل هللا الماين " وقال عز‬
‫من قائل يف وصف قوم هجال تومهوا آن العطاء ادلنياوي دفع عهنم‬

‫‪231‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ماس يحل هبم من العقاب وآلمي العذاب { وقالوا حنن آكرث آموالا وآوالدا‬
‫وماحنن مبعذبني } [ الية ‪ 35‬س با ] فقال س بحانه ردا علهيم خطامه ورادعا‬
‫هجلهم وسوء رآهيم { وما آموالمك وال آوالدمك ابليت تقربمك عندان زلفى } [‬
‫الية ‪ 37‬س با] م بني آن نيل الكرامة والزلفى ابالميان اجلازم والرآي احلازم‬
‫والعمل الصاحل ‪ ،‬فقال جل ذكره { اال من آمن ومعل صاحلا فأولئك هلم‬
‫جزاء الضعف مبا معلوا } [ الية ‪ 37‬س با ] اجلزاء الوىف مقابةل العامل ‪،‬‬
‫وتصفية الحوال ابالميان ‪ ،‬وهتذيب الخالق والقوال والعامل ‪ ،‬فبني‬
‫للك عامل جزاء ‪ ،‬وللك معل من جنسه ردا ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ان الرجايبعث الطالب عىل العمل ويزجع السا ك الصادق عن الكسل‬
‫فال تظن الرجاء تزوير خمـــــــتدع يدعو اىل فعل حمضور من العمــل‬
‫ورمبا يقول اين حسن الظن بريب ‪ ،‬ولواك ن به حسن الظن لاكن هل حسن‬
‫املعامةل ‪ ،‬ومعه همذب الخالق صف الداب ‪ ،‬متبع ماهو به آمر ‪،‬‬
‫وجمتنب ماهو عنه هل انه ‪ .‬وهذا مقام يف اليقني وقدم يف التحقيق ‪ ،‬ولكن‬
‫العارف هل الكم رفيع ومثال منيع فوق ذ ك ‪ ،‬وعنده حيصل حسن الظن‬
‫عىل الامتم ‪ ،‬وبراءة عىل الكشف والعيان ‪ ،‬بال تلبيس فيه والغرور ‪ ،‬بل‬
‫عىل احملجة البيضاء ‪ ،‬يعط المور حقها ‪ ،‬قد خرج عن احلظوظ‬
‫والغراض ‪ ،‬وقام ابحلقوق ‪ ،‬اليعرتيه فتور والميازجه اعرتاض ‪ ،‬ذل ك قال‬
‫املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬

‫‪232‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫( مطلب العارف من هللا تعاىل الصدق يف العبودية ‪ ،‬والقيام حبق الربوبية‬


‫)‬
‫املطلب هو املقصود من الفعل ‪ ،‬واملطالب ش ىت حبسب الفعال‬
‫والفاعلني ‪ ،‬فللك فاعل مطلب يطلبه وحمتد يقصده ‪ ،‬واملطالب اما طلب‬
‫نفع وجلب ؛ آوطلب دفع مؤمل قالب آوقلب ‪ .‬وهو آيضا اما دنيوي‬
‫آوآخروي ‪ ،‬فاخللق ثالثة آصناف من حيث اجامل املطالب ‪ :‬اما عارفني‬
‫مقربني ‪ ،‬واما علامء آبرار وزهاد آخيار وعباد آحرار ‪ ،‬واما هجالء آرشار‬
‫وغافلني آغرار ؛ الميرتون بني ظلمة الليل وضوء الهنار ‪ ،‬فهؤالء مطالهبم‬
‫املنافع ادلنياوية ‪ ،‬ودفع الرضاير اجلسامنية ‪ ،‬فال نرفع هلم ذكر والنشغل‬
‫الوقت ابخلوض يف تفاصيل آصنافهم ‪.‬‬
‫وآما العباد والزهاد مفطلهبم يف احلال سالمهتم عن مالحظة اخللق كيال‬
‫يبطل ثواهبم وحيق هبم عقاهبم ‪ ،‬وعند انبعاهثم عىل العمل يكون ادلاع هلم‬
‫رجا مايعود علهيم من الثواب والسالمة من العقاب وآلمي العذاب ‪ ،‬فهؤالء‬
‫وان اكن مطلهبم محمود ومقاهمم مشهود ؛ ومه الكياس من حيث آهنم معلوا‬
‫هلل يك ينالوا ذ ك ‪ ،‬ويسلموا من خمدورات اذلنوب ‪ .‬وآما من معل للجنة‬
‫دون هللا ‪ ،‬آومن النار دونه فالخفا يف آن ذ ك ابطل كام آفىت به الفخر‬
‫الرازي ‪ .‬والكمنا فمين يعمل هلل لينال الثواب ويسمل من العقاب ومن اكن‬
‫كذ ك مفقامه محمود ‪ ،‬ومطلبه عزيز ابلنس بة اىل من دونه ‪.‬‬
‫وآما العارفني والسادات املوحدين واخلواص املقربني فاهنم يعملون عىل‬
‫غيبة نفوسهم عن العمل ‪ ،‬واخراج رؤيهتم عن شهود صدوره مهنم ‪،‬‬
‫فاليشهدون هلم والمهنم ‪ ،‬وجل مطلهبم ولك بغيهتم القيام حبق س يدمه‬
‫‪233‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫واملثول عىل اببه ‪ ،‬واالقبال عىل جنابه ‪ ،‬اليتلفتون اىل عاجل حظ وال‬
‫آجل جزاء ‪ .‬والعارفني مه احلكامء ؛ واملعرفة يه احلمكة ‪ ،‬ومه املهذبني‬
‫الدابء وامليامني المناء ‪ ،‬غرابء الوقات حميني من الس نة مافات ‪،‬‬
‫واملتداركني من الوقات مافات ‪ .‬واملعرفة يه اخلري الكثري واحل املطري{‬

‫ومن يؤت احلمكة فقد آويت خريا كثريا } [ الية ‪ 269‬البقرة ] واذلكرى يه فهم‬
‫الرسار وحتقيق املعارف بزوال الس تار الكونية ‪ ،‬وفنا مظاهر الغيار‬
‫وانطامس معامل الاثر ‪ .‬مفن خلص من رؤية ذ ك وختلفت عنه مقاطع‬
‫االغرتار فقد قام التذاكر ‪ ،‬وحصل من لك شئ عىل لبابه { ومايذكر اال‬
‫آولوا اللباب } [ الية ‪ 269‬البقرة ] فش تان بني من مهته القيام حبقوق ربه‬
‫وبني من يريد حظه من ربه ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫مهوم العارفني كذا وقــــــوف عىل مايريض املوىل تعـــاىل‬
‫ومطلب غريمه دامئ عكــوف عىل نيل ثواب وصفو حاال‬
‫ومه يف نيل مطلهبم صــــنوف ولكن الشهود هل رجـــــــاال‬
‫م آخذ اكملفرس لحوال البرار ‪ ،‬ومشريا اىل حاالت املوحدين وخواص‬
‫العارفني ‪ ،‬فالقبض والبسط آحوال ترد عىل قلوب الواجدين من هللا تعاىل‬
‫‪ ،‬وهل يف لك وارد حمكة يرتىق يف سلمها السا ك ‪ ،‬والقبض آثر من آاثر‬
‫جالهل ‪ ،‬والبسط آثر من آاثر جامهل ‪ ،‬وهو املسمى ابلقابض والباسط ‪،‬‬
‫ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( بسطك يك اليبقيك مع القبض ‪ ،‬وقبضك يك اليرتكك مع البسط ‪،‬‬
‫وآخرجك عهنام يك التكون لشئ دونه )‬
‫‪234‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫يسطك آوال من قبض اجلهل وظلمة احلجاب بأن كشف عنك غطاء‬
‫الطبع وآشهدك فس يح امجلع ‪ ،‬وآخرجك من ظلمة الهوى اىل نور العمل‬
‫ووس يع املشهد الرفيع ‪ ،‬م قبضك بشهود الاثر اجلاللية والسطوة‬
‫االنتقامية والزواجر احلجابية املؤذنة ابلبعد والطرد واملكر ‪ ،‬وذ ك يك‬
‫اليبقيك مع البسط فيفوتك من املعرفة به حسب مايفوتك من هذه‬
‫املظاهر ‪ .‬فكامل املعرفة يقتيض آن الجتههل يف شئ بل تعرفه جبميع آوصافه‬
‫والهناية لها ‪ ،‬فالهناية لرتيق العارف يف ادلنيا والخرة ‪ ،‬وما آظهرها علهيم‬
‫يف هذه ادلار االرمحة هبم يف دار القرار مفا آن تنقيض هذه ادلار تنقيض‬
‫علهيم هذه املظاهر وتندرج معارفها هلم ‪ ،‬وتنفتح علهيم اخلزائن الرمحوتية ‪،‬‬
‫وتزف الهيم املواهب االمتنانية ‪ ،‬ويظهر رس التضعيف الرسمدي ‪.‬‬
‫والقبض والبسط حاالن يردان عىل قلوب السالكني يتودل عهنام اخلوف‬
‫والرجاء ‪ ،‬وعند ماترد عىل السا ك بسط املواهب خياف عليه من برد‬
‫المن املفيض بصاحبه اىل آن يدل عىل هللا ويصول عىل عباده ويزنل عن‬
‫علو العزمية اىل حظيظ الرخصة فيتداركه هللا بأن يورد عليه وارد القبض‬
‫فال يبقيه مع البسط بل يفنيه عن الوجود ‪ ،‬وتنطمس معامله فاليرى هل‬
‫بقية ‪ ،‬واليشهد لنفسه قدرا ‪ ،‬واليسمع عهنا خربا بل يكون حاهل االنطامس‬
‫واالنكامش يف العامل ‪ ،‬وترك ادلعاوي ملا يرد عىل قلبه من حمرقات‬
‫اجلالل املزجعة عن ادلعة ‪ ،‬فهذه من نعم هللا عىل عبده ‪ .‬وآشار بقوهل ‪:‬‬
‫اليبقيك ‪ ،‬وتعبريه بقوهل ‪ :‬بسطك يك يبقيك مع القبض لن القبض يقتيض‬
‫بقاك ومعرفتك ‪ ،‬وبقوهل ‪ :‬يك اليرتكك مع البسط ؛ لن البسط يقتيض‬
‫فناك ومجعك ‪ ،‬فاذا تركك كذ ك فاتك من مقام العبودية حظا وافيا ‪،‬‬
‫‪235‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فعرب بيك اليرتكك فانيا عنك ‪ ،‬وعرب بقوهل ‪ :‬يك اليبقيك لريحيك عن ظلمة‬
‫جحابك ومغة عتابك يف اايبك ومأبك ‪ .‬م قال ‪ :‬وآخرجك عهنام ‪ ،‬آي‬
‫القبض والبسط لهنام من مقتىض التغيري ‪ ،‬والبقاء معهام حبس عن مقام‬
‫عدم التقيد ابلغيار ‪ ،‬وقيد عن اذلهاب فيه والوصول اليه ‪ ،‬فالمتكني رتبة‬
‫العارفني ومسة املوحدين ‪ ،‬والتلوين حاةل السالكني ومسة املريدين املبتدئني‬
‫‪ ،‬فاخلروج عن مضيق الوجود اىل فضاء الشهود اليكون للعبد فيه مدخل‬
‫والمنه تعمل ‪ ،‬وظهور عناية عىل من يدوربه واختص به ‪ ،‬لن العطااي‬
‫الوهبية واملنازل القربية مل يكن للعبد هبا شعور واللها يف خميلته ظهور وان‬
‫اكن اليسمع هبا لكنه يسمع بذ ك ‪ ،‬فاذا ظهر هل حتقق بعد آنه مل يكن ذ ك‬
‫ماحيتس به ونظر ماال يتخيهل ‪ .‬فالقبض والبسط آاثر ومظاهر آسامء الفعال‬
‫‪ ،‬واخلروج عهنام اىل فضاء الوصف اذلي الحرص هل والهناية ‪ ،‬ويكون‬
‫حالته الهيبة بدل القبض ‪ ،‬والنس بدل البسط ‪ .‬والهيبة يكون الشئ من‬
‫الس باب والبشئ من العراض ‪ ،‬ولكن يكون مقتىض املقام من غري شئ‬
‫يزيد عىل ذ ك ‪ ،‬والنس آيضا كذ ك البشئ والجبنس من الجناس ونوع‬
‫من النواع بل املقتيض املقام ‪ ،‬فال يعطيك غريه يف حال جتليه عليك‬
‫وتدليه اليك ‪ ،‬لن امجلال مأنوس واجلالل هياب ‪ .‬وان ظهر يف اجلالل‬
‫مايقتيض النس ويف امجلال مايقتيض الهيبة فال يكون حال العبد يف ذ ك‬
‫املقام اال مقتىض املقام ‪ ،‬والحمك بعد ملا يظهر من الاثر ‪ ،‬اذ احلمك هلل‬
‫العيل الكبري ‪.‬‬
‫ومن اكن كذ ك اليكون حتت حمك الاثر واليتغري بتعاقب الطوار ‪،‬‬
‫واليتكدر برؤية الغيار ‪ ،‬والينبسط جبنة والينقبض من انر ؛ بل يكون‬
‫‪236‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫مع ربه فانيا عن الغيار كام يروى يف مثل ذ ك املعىن عن ابراهمي بن آدمه‬
‫ملا رؤي منقبضا جفعل يقول هل السائل ‪ :‬من كذا من كذا ؟ وهو يقول ‪:‬‬
‫ماكذا ماكذا ‪ .‬والهيئة والنس آصل القبض والبسط لن القبض والبسط‬
‫يظهر آثره يف عامل الفعال ‪ ،‬والهيبة والنس غيب تظهر عن جتيل‬
‫الوصاف القدس ية والنعوت الزلية يف عوامل االجامل ‪ ،‬وابلنظر اىل تفاوت‬
‫هذين املشهدين يكون امجلع والفرق ‪ .‬فالنظر يف عامل التفصيل يقتيض‬
‫الفرق والتغاير الحماةل ‪ ،‬والنظر يف عامل االجامل يقتيض امجلع الحماةل ‪.‬‬
‫فذل ك مل يكن للغيار ظهور يف عامل االجامل بل مل يكن م اال موصوف‬
‫بوصف ‪ ،‬ومنعوت بنعت وذ ك اليقتيض التعدد ‪ .‬فذل ك قال ‪ :‬آخرجك‬
‫عهنام يك التكون لشئ دونه ‪ ،‬ومىت نظرت لسبب وجود يف اجياد شئ‬
‫آواعدامه آي سبب يف آي شئ فأنت هل حىت تتخلص عن رؤيته آن هل‬
‫آومنه آوبه ‪ ،‬فعند ذ ك تنظر النفراد احلق ابالخرتاع واالبداع ‪ ،‬فتكون هل‬
‫لنك مل تر لغريه شهود والحقيقة وجود ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫القبض والبسط غري ان وقفت به دون احلقيـــقة ان حققت ايانسان‬
‫جز املقامات واحلاالت وافن بــه فمث تشهد بعد احلــــــــــاةل الشان‬
‫فان تفرقت يف التفصيل كنت بــه آغىش البصرية يف الكـوان حريان‬
‫حمايل الطرف حتمك ان نظرت بـــه آنك ترى منه آن الواحد اثـــــنان‬
‫م ملا اكن القبض والبسط حاالن ‪ ،‬وللك حال يف العبد آثر يقتيض آن‬
‫يكون العبد متصفا به ‪ ،‬حفاةل القبض تظهر عىل العبد آثرا ابالنكسار‬
‫واالنقهار حتت آحاكم القهار ‪ ،‬وهذا هو حاةل العبد القامئ بني يدي الس يد‬
‫اجلبار ‪ ،‬ومن هنا اكن خوف العلامء عىل حسب قرهبم وصفا مشهدمه ‪،‬‬
‫‪237‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫والبسط حاةل انبساط يف فس يح متسع امجلال يظهر آثره عىل العبد بصوةل‬
‫الفرج والرتدد بني رايض احلمك ‪ ،‬وتغين آطيار الرسور عىل آرائك رسير‬
‫املقامات ‪ ،‬وتديل آجشار اللكم فاليشك آن العبدعند ذ ك خيىش عليه‬
‫صوةل االدالل ‪ ،‬فتنقطع عنه امداد الوصال ‪ ،‬ويسد عنه آبواب االتصال ‪،‬‬
‫فذل ك اش تد خوف العارفني عند البسط والقبض حق احلق من العبد ‪،‬‬
‫والبسط حظ العبد من احلق ‪ ،‬وآن يكون حبق س يده آوىل من آن يكون‬
‫حبظ نفسه ‪ .‬فاذا اكنوا ابلبسط اكنوا آخوف مهنم اذا اكنوا حباةل القبض ‪،‬‬
‫والقبض آسمل حلاةل العبد الضعيف ‪ ،‬اذ مل يقف عىل الدب مع البسط اال‬
‫القليل من مكل العارفني اذلين ملكوا آزمة الحوال ‪ ،‬وضبط الفعال‬
‫والقوال عىل تغاير الحوال ‪ .‬م قال املفرس حلاليت البسط والقبض وحاكام‬
‫عند آرابب املواجيد العارفني بأس باب احلقائق ‪ ،‬السائرين عىل آوفق‬
‫الطريق ‪ .‬فقال ‪:‬‬
‫( العارفون اذا بسطوا آخوف مهنم اذا قبضوا ‪ ،‬واليقف عىل حدود الدب‬
‫يف البسط اال القليل )‬
‫العارفون ابهلل وبأوصافه ونعوته وجتليات آسامئه ‪ ،‬واليكون عارف االكذ ك‬
‫‪ ،‬واملعرفة آخص من العمل وترادف احلمكة ‪ ،‬بل غالبا مايطلق علهيم بأهنم‬
‫احلكامء وآهنا املعرفة ‪ ،‬ويه من آجل منح هللا عىل من قامت به ‪.‬‬
‫والعارف يكون هل المتكن والعامل التلون ‪ ،‬وهو خواص آهل هذا الطريق‬
‫وسادات سائر الطوائف ‪ ،‬ومه درجات عندهللا ‪ .‬مفهنم الفاضل ومهنم‬
‫الفضل ‪ ،‬ومهنم احملققون ومه املمتكنون اذلين يعرفون هللا يف سائر‬
‫املظاهر فيعطونه الدب يف لك معاين ولك متخيل ‪ ،‬ومه الدابء اخلواص‬
‫‪238‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫الغرابء ‪ ،‬حميني ما آمات الناس من السنن ‪ ،‬الناجني عند ظهور الفنت ‪،‬‬
‫املصلحني من ادلين ما آفسده الناس ‪ ،‬اذلين حيييون يف عافية وميوتون يف‬
‫عافية ‪ ،‬ويبعثون يف عافية ‪ .‬ميشون بني الناس ابلنصيحة بأجسام ميتة عن‬
‫ادلنيا ‪ ،‬وقلوب عاكفة يف الصفيح العىل ‪ ،‬يأوون اىل جناب احلق كام‬
‫تأوي الطري اىل آواكرها ‪ ،‬وحينون اىل لقائه حنني الثالكء ‪ ،‬اليكهنم مأوى‬
‫‪ ،‬والتقلهم آرض والتظلهم سامء ‪ .‬تتقلب قلوهبم يف املالء العىل ‪ ،‬ختلع‬
‫علهيم مالبس الرمحة العرش ية ‪ ،‬وتزنل علهيم السكينة الكرس ية ‪ ،‬وحييون‬
‫من هللا ابلسالم بني الانم ‪ .‬فقليل ماترامه العني بل مه حتت القباب ؛‬
‫خمدرين آجساف احلجاب ‪ ،‬اليطلع هللا علهيم اال من اختصه بقربه وآحتفه‬
‫حببه ‪ ،‬فيعرف اايمه وحيببه الهيم ‪.‬‬
‫وقد آشار املؤلف يف هذه احلمكة اىل بعض عالماهتم وآهنم اذا بسطوا‬
‫آخوف مهنم اذا قبضوا ‪ ،‬وهذه من مجةل سامهتم ‪ ،‬وذ ك خلوفهم الوقوع يف‬
‫سوء الدب مع س يدمه ‪ ،‬والسقوط من عني مليكهم ‪ .‬وغاية رسورمه‬
‫ومنهنيى حبورمه يف لك فعل يكونون فيه حبق هللا ‪ ،‬ومنهتيى رشفهم ومطمع‬
‫نظرمه االنكامش يف خدمته ‪ ،‬وادلوب عىل اتيان حمابه ‪ ،‬وغاية حذرمه من‬
‫ضد ذ ك ‪ ،‬والوقوع يف حمذور سوء آدب معه ‪ ،‬وخيافون ذ ك الوقوع فيه‬
‫مع البسط آكرث منه يف القبض ‪ ،‬والقيام ابحلقوق الرشعية حباةل القبض‬
‫آقرب ‪ .‬فذل ك يكون آخوف يف البسط مهنم يف القبض ذل ك املعىن ‪.‬‬
‫وخوفهم يف البسط الوقوع يف حاةل تضاد حاةل العبودية والدب ‪ ،‬فيخاف‬
‫الوقوع يف العطب ‪ .‬وكيف ال وهو مل يقف عىل الدب مع البسط اال‬
‫القليل ‪ ،‬فيخافون الحماةل آن يبدر مهنم ماهو خالف الدب مع هللا كام‬
‫‪239‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫هو مشاهد آن آكرث الهفوات تكون مع االنبساط ‪ ،‬وذل ك قالوا ‪ :‬قف‬


‫عىل البساط واايك االنبساط ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫البسط آخوف عند العــــارفـني اذا اكنوا مـــــع هللا يطلب مهنم الدب‬
‫والقبض حال يكون العبد فيه كذا حبــــــــق س يده يف مشهد السبب‬
‫لن تكون حبق هللا جمـــــــــــــهتدا آحب منك حبظ النفس يف النسب‬
‫والعارفون بنوا رسا تــــــــــــراه اذا مامل ابلبسط ضاعف عنده الدب‬
‫فالبسط تأخذ النفس منه حظها ‪ ،‬وحظها بل آجل حظوظها بتخرتها‬
‫واختيالها وادعاء ماليس لها مما هو حق موجدها ونعت ابرهيا ‪ ،‬والقبض‬
‫عن ذ ك مبعزل ‪ .‬ذل ك قال املؤلف هذا املعىن وهو قوهل ‪:‬‬
‫( البسط تأخذ النفس منه حظها بوجود الفرح ‪ ،‬والقبض الحظ للنفس فيه‬
‫)‬
‫البسط هو ماعلمته آنه حاةل ترد عىل القلب من هللا ‪ ،‬وهو حاةل يف‬
‫القرب لنه من هللا وابهلل المن غريه والبغريه ‪ ،‬ولك بسط بشئ من‬
‫الس باب ادلنياوية واملثوابت الخراوية فليس من ذ ك يف شئ ‪ ،‬ولك‬
‫بسط ورد بسبب فهو حبسب ما آورده وليس من البسط اذلي قلنا ‪،‬‬
‫وآراد يورده هللا عىل القلب بتجيل وصف وهذا هو اذلي يشريون اليه‬
‫الطائفة يف اصطالحاهتم ابلبسط ‪ .‬واذا آردت آن تعرف البسط الوارد‬
‫عليك آهو من هللا آم مورده بسبب ؟ فاعرض عليه سائر الس باب‬
‫ادلنياوية والخراوية ‪ ،‬فان مل جتد شئ مهنا فاعمل آنه من هللا فاشكرهللا‬
‫حيث وجه اليك عنايته ‪ ،‬وساق اليك واردات مواهبه ‪ .‬وحا ك فيه مع‬
‫هللا الدب ‪ ،‬ومع اخللق االرشاد واللطف هبم وعدم الرتفع علهيم ‪ .‬وان‬
‫‪240‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ماآورد ذ ك البسط اال بسبب من الس باب فال يكون ك به اعتداد من‬
‫حيث الحوال ‪ ،‬بل يكون من مجةل النعم اليت جيب الشكر علهيا ‪،‬‬
‫والفرح الزم البسط ‪ ،‬وقد ذم هللا الفرحني بغريه والغيار كيف مااكنت‬
‫سواء اكنت من العراض آم من الحوال ‪ ،‬قال هللا جل من قائل {‬

‫التفرح ان هللا الحيب الفرحني } [ الية ‪ 76‬القصص ] وقال آيضا {‬

‫والتفرحوا مبا آاتمك } [ الية ‪ 23‬احلديد ] فالفرح ابلغيار ولو من الحوال‬


‫والكرامات فضال عن العراض الفانية من عالمات االغرتار واجلهل مبا‬
‫حتت مس تورات القدار ‪ ،‬ولكن الفرح ابهلل هو املطلوب ‪ .‬واليعرف مقام‬
‫الفرح ابهلل اال الصديقني اخلواص املقربني ‪ ،‬وآما غريمه فقد يلتبس عليه‬
‫املقام واليوفيه عىل الامتم ‪ .‬والقبض سامل عن هذه اخملاوف الحظ للنفس‬
‫فيه والفيه الفرح واليصحبه املرح ‪ ،‬بل هو آسمل آحوال السالكني ‪ .‬وآما‬
‫من مقامات الواصلني وحاةل العبد مع هللا يف البسط القبض والدب ‪،‬‬
‫ويف القبض السكون حىت مييض وقته وتس تويف دولته دورها ‪ ،‬وتمكل‬
‫صورها ‪ ،‬واليطلب اخلروج منه قبل اابن وقت انقضاء ذ ك ‪ ،‬فلرمبا‬
‫يكون ذ ك سوء آدب منافيا لالستسالم والسكون حتت جراين الحاكم‬
‫‪ ،‬والخيفى يف ذ ك من سوء الدب ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫قد اتخذ النفس حظ العبد ان وردت مـوارد البسط واس تولت عىل البرش‬
‫والقبض الحظ فيه آصال اذا نظرت يف مشهد القبض يرجع خايس النظر‬

‫‪241‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فاذا ورد عليك مايوجب البسط من الس باب فالينبغ ك آن تفرح به‬
‫جلهكل بعاقبته واندماج رس خامتته ‪ ،‬فرمبا اكن ماتفرح به مما يكون فيه‬
‫الرتح وضده كذ ك ‪ .‬قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( رمبا آعطاك مفنعك ؛ ورمبا منعك فأعطاك )‬
‫رب تأيت للتقليل وقد تأيت للكرثة ‪ ،‬وهنا املراد هبا آكرثية لنه اذا آعطاك‬
‫مراداتك وماوعدك عىل نيل شهواتك منعك آس باب العطااي الهنية‬
‫واملش هتيات املرية اليت اليعقهبا زوال ‪ ،‬واليعرتهيا تغري ‪ ،‬واليعرتهيا كدر ‪.‬‬
‫فاملنع يف مثل ذ ك العطاء ظاهر ‪ ،‬رمبا منعك من شهواتك وبغض عليك‬
‫مس تذلاتك ‪ ،‬وعوق عليك آس باب دنياك فأعطاك اجلزاء الوىف ‪ ،‬وآان ك‬
‫املقام العىل وآدخكل يف زمرة الكرماء ‪ ،‬ونظمك يف سكل الصفياء ‪،‬‬
‫فأعطاك آعايل الكرامات ؛ وآي عطاء آوفا من ذ ك ‪ ،‬وآي زلفى آعىل مما‬
‫هنا ك ‪ ،‬فاكن العطاء اذلي ابختيارك وبد ك بيان لك تدبريك منعا ‪،‬‬
‫ويكون لك منع خالف هواك وابين ارادتك عطاء ‪ ،‬فاخرت عطاء يكون‬
‫حقيقته منعا ‪ ،‬ومنعا يكون حقيقته عطاء ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ان العطاء خري ماتعطى خبريته ان اكن منعا فذاك آقرب اىل الظفر‬
‫ولكام اخرتت آن تعطى خفــريته فذاك منـــــــــعا بال ريب به الرضر‬
‫واليعرف وجه املنع يف العطاء والعطاء يف املنع اال بفتح دلين وفهم‬
‫اختصايص ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( مىت فتح ك ابب الفهم يف املنع ‪ ،‬عاد املنع هو عني العطاء )‬
‫مىت فتح ك من خزائن الفهم املكنون ‪ ،‬واطلعت عىل دقائق العمل املصون‬
‫؛ فرآيت مايف املنع من عظمي النفع دنيا وآخرى ‪ ،‬علمت الحماةل آن املنع‬
‫‪242‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫عن مراداتك فهيا ذخائر سعاداتك ‪ ،‬فالجرم آن يعطيك نور الفهم آن املنع‬
‫عن ارداتك الفانية ؛ وحظوظك العاجةل عطاء الينفد وذخرا اليفقد ‪ .‬ومن‬
‫آمده هللا ابلفهم عنه آراه عواقب المور قبل آن يغرت بأوائلها ‪ ،‬وكشف هل‬
‫ابطهنا قبل آن خيتدع بظواهرها ‪ .‬والفهم من آعز علوم الصوفية لنه خيلقه‬
‫هللا يف القلب يدرك به الش ياء اصابة وخطاء ‪ ،‬فيعطيه آن اليأخذ واليذر‬
‫واليسمع والينظر واليتحرك واليسكن اال مبا اكن حمبواب ؛ موافقا ملا يف‬
‫ابطن المر عندهللا ‪ ،‬وان ظهر يف ظاهر المر آنه موافقا آومذموما ‪،‬‬
‫ويف الباطن عىل العكس من ذ ك ‪ ،‬فياخذ صاحب ذ ك املشهد ماهو‬
‫احلق عند هللا ويذر ماسواه وان آفتاه بضده ‪ .‬واليدرك املشهد من اكن‬
‫قياده بيد هواه ‪ ،‬وس ياس ته بنفسه دون اقتداء مبن يطلعه عىل كوامن‬
‫الهوى ‪ ،‬وخيرجه عن رين حمبة ادلنيا ‪ .‬ان الفهم يف المور اليكون اال عن‬
‫صفاء رسيرة ‪ ،‬والتصفا ويه ملوثة بكثائف الهوى ومدنسة مبحبة ادلنيا ‪.‬‬
‫ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫الفهم يعطيك يف الشــياء آحس هنا وخيرجك عن مضيق اجلهل ابخلرب‬
‫اذا علمت آن ذاك الفهم تعمل من ينظر به ان العطاء يف املنع منتظر‬
‫فلام اكن الفهم يعط من قام به آن ينظر بواطن المور واليغرت بظواهرها‬
‫‪ ،‬وينظر عواقهبا ‪ ،‬والينخدع بأوائلها ‪ .‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( الكوان ظاهرها غرة وابطهنا عربة ‪ ،‬فالنفس تنظر اىل ظاهر غرهتا ‪،‬‬
‫والقلب ينظر اىل ابطن عربهتا )‬
‫الكون هو ماعدى املكون ‪ ،‬وهو لك مادخل حتت كن من سائر آصناف‬
‫املكوانت احلس يات واملعنوايت ‪ ،‬واملراد هنا لك ماميكن آن يكون للنفس‬
‫‪243‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اليه نظر وحظ ‪ ،‬والنفس من حيث الطبع واجلبةل جمبوةل ومطبوعة عىل‬
‫اجلهل ويه النفس احليوانية ‪ ،‬والقلب هو عبارة عن لطيفة نورانية آلبسها‬
‫احلق من آنوار آوصافه ما آخرهجا عن وصف النفس وحالها بنور آوصافه‬
‫‪ ،‬وآفاض علهيا من جتليات آسامئه ‪ ،‬فهي آبدا تتقلب يف حلل جتليات‬
‫السامء ‪ ،‬وتتزنه يف فس يح الوصاف الزلية ‪ ،‬تتلقى من صفة العمل ومن‬
‫صفة الالكم ومن صفة البرص والسمع ‪ ،‬واحلياة والقدرة واالرادة بقدر ما‬
‫آعطاها وقسم لها ‪ ،‬ويظهر علهيا من جتيل امس مايظهر به من سلطان‬
‫ظهوره ‪ ،‬فهي لوصاف احلق وآسامئه اكملرآة الصقيةل حتيك ما تنجيل به‬
‫علهيا ‪ ،‬وتفيض ماتلقيه الهيا ‪ .‬والقلب الصنوبري اللحم اكلعود الكثيف‬
‫اذلي تلصق به املرآة جماوزة الممازجة ‪ ،‬ومظهره يف اجلهة اليرسى االنسانية‬
‫‪ ،‬ومشهده يف اجلهة الميىن مواهجة ‪ .‬والنفس من حيث يه حيوانية آرضية‬
‫آمارية يف اجلهة الميىن ويه مواهجة جلهة الشامل ‪.‬‬
‫ولو آخذان يف تبيني ذ ك خلرجنا عن مقصود الرشح ‪ ،‬فلرنجع وانخذ يف‬
‫بيان قوهل ‪ :‬الكوان ظاهرها ‪ ،‬وهو حمل احلظ النفساين والطبع احليواين يف‬
‫غرة يغرتهيا من آعوز الفهم يف بواطن المور ‪ ،‬ومل حيظى من النور القليب‬
‫مبا خيرجه عن صفة اجلهل ‪ ،‬وينعته بنعت العمل الفهم بل اكن هجل نفيس‬
‫وجسم آريض ‪ ،‬يتصفح ظواهر الكوان يف مس تحس نات اللوان ‪،‬‬
‫ومصقالت البدان ‪ ،‬فتفتنه حبس هنا ومتلكه وتستسخره حتت خدمهتا ‪،‬‬
‫وتس تعبده مبحبهتا ‪ ،‬ويكون كام قلت يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫اذا مل ترى ماحتت آثواب حس هنا بقيت هبا مفتون ولهان حـــــــــائرا‬
‫ولو كنت ذاقلب بصري بفتــــحها نظرت اىل ما المر يف ذاك صائرا‬
‫‪244‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وابطهنا عربة يعترب هبا ذوي البصائر فريون فناها يف حال وجودها رؤية‬
‫كشف وبصرية وجحة منرية بتحقيق قوهل { لك شئ ها ك اال وهجه } [‬
‫الية ‪ 88‬القصص] ووهجه يف لك شئ رس وجوده يف الش ياء ‪ ،‬فيعترب آولوا‬
‫القلوب مبا يه عليه من االنعدام يف حال وجودها عارية عن وجه احلق ‪،‬‬
‫فال يكونون مع الكوان بل مع مكوهنا ‪ ،‬فريون وجود احلق يف لك فطرة ‪،‬‬
‫فيكونون مع الكوان ظاهرا ومع احلق ابطنا ‪ ،‬فان خاطبوا مفعه ‪ ،‬وان‬
‫نظروا فاليه ‪ ،‬وان مسعوا فعنه ‪ .‬فتخاطهبم الرسار احلقية من وراء كشف‬
‫الس تار اخللقية ‪ .‬كام يروى يف مثل هذا املعىن عن معروف الكريخ‬
‫ريض هللا عنه حيث قال ‪ :‬يل حنو من عرشين س نة آخاطب احلق‬
‫واخللق يظنون آين آخاطهبم ‪ .‬آوكامل قال ‪.‬‬
‫هذا يف مشهد احملققني ‪ ،‬وآما البرار واملريدين وعامة السالكني فعربهتا آن‬
‫يرون تغري آحوالها ورسعة انتقالها وكرثة عناهئا وقةل غناهئا ‪ ،‬وخسة‬
‫رشاكهئا ‪ ،‬فيكس بون العزوف عهنا والتزنه مهنا ‪ .‬مفن دعت اليه الهيا النفس‬
‫بظاهر غرهتا رصفهم عهنا القلب بباطن عربهتا ‪ ،‬فس بحان من آوصل قوم‬
‫مبا قطع به آخرين ‪ .‬فعربة املريدين ابلقلوب بأن ينظر الهيا ابالس تحقار‬
‫والتجايف واالس تصغار ‪ .‬وعربة الرسار للعارفني بأن يشاهدون وجود‬
‫موجدها عند رؤيهتا ‪ ،‬فهم اذلين يوفون احلقوق ويمكلون يف الداب ‪،‬‬
‫واليذمون شيئا واليس تصغرونه والحيقرونه ‪ .‬روي آن رسول هللا صىل‬
‫هللا عليه وسمل ماذم طعاما والاس تحقر عطاء والحقا ‪ ،‬بل وفا وعفا ‪،‬‬
‫وذ ك ملا آعطاه املشهد احلق يف املظهر اخللق ‪ .‬وابمجلةل فالعربة بشان‬
‫ذوي البصائر ‪ ،‬والعربة يه العبور من الصور اىل املعاين ‪ ،‬مفا من صورة‬
‫‪245‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫خلقية اال ويه تشري اىل لطيفة حقية ‪ ،‬مفظاهر الرتكيب مشرية اىل حقائق‬
‫الرتتيب ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ان الشهود يريك احلق موجــــود يف لك مظهر يف الكوان والصور‬
‫فالرس خاطب من هل رس موجــود ويف احلقيقة ماخيفى ذوي العـــــرب‬
‫ولك شئ دون هللا ها ك ‪ ،‬والها ك الوجود هل ‪ ،‬مفن استند واعزت ابلعدم‬
‫فال جرم آن عزه به خذالن ‪ ،‬واستناده اليه حرمان ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف‬
‫ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( ان آردت آن يكون ك عز اليفىن ؛ فالتس تعزن بعز يفىن )‬
‫ان آردت آهيا املسرتشد والطالب املسرتفد عز وهو رفعة وثناء اليفىن ‪،‬‬
‫وهو العز ابهلل اذ مل يس تحقق س بل هذا الوصف ‪ ،‬وهو الغىن غري هللا‬
‫س بحانه ‪ ،‬ولك من سواه فذ ك من الزمه ‪ ،‬فلك عز بفاين فان ‪ ،‬ولك‬
‫عز بباق ابق ‪ .‬واذا آردت العز البايق اخملاد والفضل ادلامئ املؤبد فال‬
‫تتوصل اليه بضده ‪ ،‬اذ تطلب البايق ابلفاين ‪ ،‬ولكن ان آردت ذ ك‬
‫فاس تعز ابلبايق ‪ .‬والعز ابلبايق هو دوام التعلق به واليأس من غريه ‪ ،‬ودوام‬
‫االلتجاء اليه ‪ ،‬واالنكامش يف خدمته ‪ ،‬وانتظاره يف لك آزمة وكشف لك‬
‫مغة ‪ ،‬فال يكون اىل فاين استنادا ‪ ،‬وال عىل خملوق اعامتدا ‪ .‬ومن آنزل‬
‫همام ته بسواه فقد آعوزه ما آراده وفاته ماقصده ‪ ،‬فاذا اس تعزيت ابلكوان‬
‫وصلت هبا واعمتدت علهيا آسلمتك آحوج ماتكون الهيا ‪ ،‬فاهنا مع مليكها‬
‫وحتت حمكه ‪ ،‬وطائعة لمره ‪ .‬مفن آعزه هللا آعزته ومن آهانه آهانته ‪،‬‬
‫ومن آكرمه آكرمته ‪ ،‬ومن خذهل خذلته ‪ .‬فعليك ابلتعزز به والتعلق جبنابه ‪.‬‬

‫‪246‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ومن دعاء رسول هللا صىل هللا عليه وسمل " اللهم اين آنزل بك حاجيت "‬
‫ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫العـــز ابهلل ش مية لك ذي آدب يغين عن الكون يف الحوال ذا برص‬
‫ومن تعـــــــــزز ابلكوان اكن هل ذل طويل كام جا ذاك يف اخلــــــــــرب‬
‫فاذا اكن عزك ابهلل عن لك شئ مل يقدر آن يذ ك شئ ‪ ،‬وان اس تعزيت‬
‫بغريه واس هتونت جبنابه آذ ك لك شئ ‪ ،‬وسلط عليك لك شئ ‪ .‬واعزتاز‬
‫املؤمنني بصدق عبوديهتم لس يدمه ‪ .‬وصدق العبودية اليكون مع وجود‬
‫حظ النفس ‪ ،‬فلام نظر العارفون اىل ذ ك اكنت جل آشغاهلم يف اخلروج‬
‫عن آوصاف النفس لتصفا هلم العبودية من شوب احلظوظ النفسانية ـ‬
‫فيطلبون االنطواء واالنطامس عن رؤية نفوسهم وآوصافهم ‪ ،‬ومل يطلبوا آن‬
‫تطوى هلم املسافات البعيدة لغنامه عن ذ ك الط ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف‬
‫ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( الط احلقيق آن تطوي مسافة ادلنيا عنك ؛ حىت ترى الخرة آقرب‬
‫اليك منك )‬
‫ط مساىف ادلنيا هنا ط معنوي الط حيس ‪ ،‬ويه مسافة ادلنيا برؤية‬
‫فناها ورسعة انقالهبا وقرب الخرة ‪ ،‬فتضمحل الس باب ادلنياوية فزتول‬
‫املس تحس نات الكونية بفكره ساعة مجيع ادلنيا وذلاهتا وحمبوابهتا برشوق‬
‫نور اليقني يف القلب ‪ ،‬وهو اذلي يعطيك رؤية الش ياء عىل مايه عليه‬
‫من احلسن والقبح ‪ ،‬فعند رشوقه يف القلب ينظر الخرة وبقاها وحس هنا‬
‫ودوام نفعها ‪ ،‬وادلنيا وخس هتا وقرب فناها ورسعة زوالها وكرثة عناهئا وقةل‬
‫جدواها وكرثة بلواها ‪ ،‬فتنطوي الحماةل وتزنوي وتتحقق الخرة وترتآء ‪،‬‬
‫‪247‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فيغيب الباطن الفاين ويتحقق احلق البايق ‪ .‬وعند متكن اليقني من القلب‬
‫يظهر هل امجلال الزيل واملشهد القدس العيل ‪ ،‬فتنطوي الخرة عنده كام‬
‫انطوت مسافة ادلنيا عند رشوقه يف ابتدائه ‪ .‬لكن ط ادلنيا ط جحب‬
‫ظلامنية ويف مسافة الخرة ط جحب نورانية ‪ ،‬فهذا عندمه هو الط‬
‫حقيقة الط املسافة يف حلظة ‪ .‬فقد تكون ك عىل الندور من ابب‬
‫املكر‪ ،‬والط الايم بوصال الصوم فليس هو املراد ‪ ،‬مع ترك القلب‬
‫مكبل يف مضيق ادلنيا وآس باهبا ومراداهتا ‪ ،‬بل يكون ذ ك محمودا اذا‬
‫آخلص هلل ‪ ،‬واكن حملض العبودية وآعطاها حقها اكن ذ ك مشكورا‬
‫وفضهل مشهورا ‪ ،‬ولكن آين السري ابلحوال من السري ابلعامل ؟‬
‫فالس يال ابلحوال سري املرادين الواصلني ‪ ،‬والسري ابلعامل سري املريدين‬
‫السالكني ‪ ،‬وش تان مابني الفريقني ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫حضائر القدس واس تعالمـراقهيا‬ ‫الط ط مسافات النفوس اىل‬
‫منازل الرس واس تزنه بواديـــــــها‬ ‫لهين ركب رسى شوقا يسري اىل‬
‫فاذا طويت املسافات اخللقية وابنت ك الفتوحات الوهبية ‪ ،‬ابن ك يقينا‬
‫آن ما آشار اليه املؤلف هاهنا من قوهل ‪:‬‬
‫( العطاء من اخللق حرمان ‪ ،‬واملنع من هللا احسان )‬
‫وذ ك آن رؤية العطاء مهنم جحاب عن هللا كثيف ‪ ،‬ورؤيهتم دون آن‬
‫يكون مهنم آوهلم جحاب ؛ لكنه آلطف من اضافة آن هلم فعل معه ‪ ،‬فاذا‬
‫رآيت العطاء مهنم فقد حرمت من اليقني بقدر ما آضفت الهيم ‪ .‬وذلرة من‬
‫اليقني ماتقوم لها ادلنيا وماحوته من مجيع نعميها وحمبوابهتا ‪ ،‬وذ ك يتودل‬
‫منه آي عدم اليقني تقاد منهنم واس تعبادمه اايك ‪ ،‬وسقوط مزنلتك‬
‫‪248‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وابتذا ك ‪ .‬وآي منع آعظم من منع العطاء اذلي اذا نلته نلت مجيع خريات‬
‫ادلنيا والخرة ‪ ،‬والعز الرسمدي اذلي اليعقبه ذل وهو اليقني ‪ ،‬فاذا‬
‫فقدت اليقني فقد حرمت خري ادلنيا والخرة ‪ .‬واملنع من هللا احسان لنه‬
‫يوقفك عىل هللا واللجاء اليه ‪ ،‬واالفتقار دليه ‪ ،‬واذلةل واالنكسار بني يديه‬
‫‪ .‬وآي عطاء آفضل من ذ ك ‪ ،‬وآي فضل آعظم مما هنا ك ‪.‬‬
‫فأعياد الصادقني وموامسهم وجود فاقاهتم اليه ‪ ،‬ووقوفهم بني يديه ‪ ،‬فأي‬
‫احسان يزيد عىل ذ ك ‪ .‬واذا آحببته اكن لكام يصدر منه حمبوب عندك ‪،‬‬
‫واذا آعدمك اليقني كنت ابلضد من ذ ك بأنك تؤثر حمبة الغيار ‪،‬‬
‫والوقوف عىل اخللق عند ورود احلاجات وحصول نوازل املهامت ‪ ،‬فتقف‬
‫عىل من اليغنيك ‪ ،‬وتستند اىل من اليأويك ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ان العطاء حيث مل يصدر من هللا حرمان حيرم ماهو رصف احسان‬
‫ولك منع من املوىل فان بـــــــــــه لك العطـاء ولك الفضــــل ايانسان‬
‫واذا علمت ما آرشدانك اليه من آن العطاء من اخللق حرمان واملنع من‬
‫هللا احسان ؛ علمت آن هللا س بحانه جيازي عباده يف ادلنيا والخرة عىل‬
‫آعامهلم ‪ ،‬جفزامه يف ادلنيا ماجيدونه من اليقني واالنرشاح والرتيق يف س ين‬
‫احلاالت ورفيع املقامات ‪ ،‬ومايوصهل الهيم من صنوف النعم ورضوب املنن‬
‫اليت الحتىص ‪ ،‬مع مايدخره هلم يف العقىب ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا‬
‫عنه ‪:‬‬
‫( جل ربنا آن يعامهل العبد نقدا فيجازيه نسيئة )‬
‫آي ترفع وتعاىل وتعظم عن ذ ك الوصف ‪ ،‬الن ذ ك ينبين من العجز‬
‫والعدم ‪ ،‬وهو مزنه عن آن يعجزه ذ ك بل هل ‪ ،‬وهو الغلب آن يفيض‬
‫‪249‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫عىل عباده جزامه يف ادلنيا ‪ ،‬ويثيهبم يف العقىب ‪ .‬ان خزائن جوده التتوقف‬
‫عىل حمل دون حمل ‪ ،‬بل فائضة اجلود مس مترة الوجود كيف مااكنت‬
‫الحوال وتغايرت الزمان والوان ‪ ،‬فهو اذلي جيازي عباده بأعامهلم يف‬
‫ادلنيا مبا جيدونه من مثرات العامل من تضعيف الطاعات عىل الطاعة‬
‫وزايدة اليقني ‪ ،‬والرتيق يف مراتب االميان ومقامات االحسان ‪ ،‬ومااليقدر‬
‫قدره غريه من فواضل املنن وفوائد االمتنان ‪ ،‬مع ما يدخره هلم من الثواب‬
‫يف العقىب ‪ ،‬وما آعد هلم من رضوب النعم واالحسان ‪ ،‬وما آعد هلم يف‬
‫اجلنان ومل تفصح به لسان والحتده عيان ‪ ،‬وسوف يعمل ويرى وتشاهده‬
‫العني ويعلمه اجلنان ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫جفل ذا اجلود واالفضـال واملــــنن آن الجيازي يف ادلارين ابحسان‬
‫هو الكرمي اذا ما س يل ايانسان جيده طالبه فرد ومـــــــــــــــنان‬
‫مفن مجةل جزائه وفيض عطائه آن رضيك خلدمته ‪ ،‬وآهكل لطاعته كام قال‬
‫املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( كفى من جزائه اايك عىل الطاعة آن رضيك لها آهال )‬
‫آي يكفيك من جزاء الطاعة من هللا ‪ ،‬لو مل يكن غري آنه رضيك لها آهل‬
‫‪ ،‬كيف وهذا جزء من مجةل آصناف اجلزاء العاجةل والجهل ‪ .‬وهذا من‬
‫آعظم النعم وآوفر القسم آن آهكل لها قبل ظهور وجودك وآنت بعد مل‬
‫يأت اابن ظهورك ‪ ،‬وقد جعكل من آهل طاعته ‪ ،‬وكتبك يف جريدة آهل‬
‫حمبته ‪ ،‬ورمسك يف مرسوم خاصيته ‪ .‬ومل يكن ك هناك اخالص معل‬
‫والوس يةل والترضع وطلب ‪ .‬بل ابتداك ابلنعم ابتداء ‪ ،‬وخو ك املام ك‬
‫انهتاء ‪ ،‬وآمدك ابالمداد قبل ظهورك يف االجياد ‪ ،‬فيكف تطلب جزاء‬
‫‪250‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫عىل معل هو ممنت به عليك ‪ ،‬وفضل هو موصهل اليك ‪ .‬ولكن بوعده‬


‫الصدق وقوهل احلق آنه ابتداك ابالحسان من غري سؤال آن يثيب عباده‬
‫بعظمي االفضال وجزيل النوال ‪ .‬مفن آنت وما آنت حىت تكون آهال‬
‫خلدمته آوحمال حملبته ‪ ،‬فاعرف قدرك والزم شكرك تكن لفضهل مسزتيدا ‪،‬‬
‫والحسانه عتيدا ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫كفاك ان كنت ذا عقل واميان ان االهل رضيك آهل ذلا الشان‬
‫لطاعته فكفى ذا منـه احسان فاللك اال به حق وتبـــــــــــيان‬
‫م بني من مجةل مايورده احلق عىل عباده صنوف اجلزاء يف ادلنيا دون‬
‫مايدخره يف العقىب فقال ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( كفى العاملني جزاء ماهو فاحته عىل قلوهبم يف طاعته ‪ ،‬وماهو مورده‬
‫علهيم من وجود مؤانس ته )‬
‫فلام اكن النظر فامي تقدم من كون مرضاة العبد آهال لطاعته جزاء ؛ آخفى‬
‫يف بيان مايظهر آثره عند لك عامل صادق من وجود الفتوح وورود املنوح‬
‫يف آصناف العامل ؛ من وجود صفاء الحوال والمتتع بذليذ الوصال ‪،‬‬
‫واللطف مبوانسة تدليات امجلال ‪ ،‬مما يصغر يف جنبه لك جزاء ويتضاءل‬
‫عنده لك عطاء ‪ .‬فذكر المثرات العملية بوصف الفتوح ‪ ،‬وذكر املوانسة‬
‫ابيراد املنوح ‪ ،‬يشري اىل آن املوانسة واملشاهدة التدخل حتت آحاكم‬
‫اجملاهدة ‪ ،‬ولكن اجملاهدة طريق الهيا وتعرض دلهيا ‪ .‬وآما الفتوح اذلي يرهيم‬
‫اايها من طريق ادلليل والربهان ‪ ،‬وآما من طريق الكشف والعيان ‪،‬‬
‫فتتشلك هلم صور العامل صورة نورانية ‪ ،‬ومقامات آخروية ‪ ،‬ونعامي‬
‫خادية ‪ ،‬ورسر وآرائك ملكية ‪ ،‬وآهنار مائية لبنية ‪ ،‬وآهنار عسلية ذوقية‬
‫‪251‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ ،‬وآهنار مخرية لطفية ‪ .‬اىل غري ذ ك مما يفتح عىل قلوهبم يف لك سورة‬
‫ويف لك لكمة ويف لك حرف من مناحي الفتوح مما يندرج فيه نعمي اجلنان ‪،‬‬
‫وختتف عند ظهوره حسيس النريان ‪ .‬واليقدر آحد آن يصف مايفاحت به‬
‫قلوب العاملني عىل البصرية البيضاء واحملجة السمحاء ‪ ،‬ومامل جيد العامل‬
‫شيئا مما وصفنا ‪ ،‬بل فوق ما آرشان ‪ .‬فهو بعد مل خيرج عن مضيق الهوى‬
‫ودهلزي ادلعوى ‪ ،‬ومل ختلص طاعته عن شوب احلظوظ ‪.‬‬
‫وآما مايورده من املوانسة فال يقدر آحد عىل وصفه ‪ ،‬لنه اليكون غاية‬
‫كامهل ولكية وصاهل اال بعد اس تقرار آهل ادلارين حني سأهلم احلق س بحانه ‪:‬‬
‫اسألوين عبادي ‪ ،‬فيقولون ماذا نسأ ك وقد آعطيتنا ما مل تعط آحد ‪،‬‬
‫فيقول ‪ :‬رضاي عنمك فال آخسط عليمك بعده آبدا ‪ .‬فهذا وماشالكه من ذليذ‬
‫اخلطاب وشهي اجلواب من املوانسة ‪ ،‬وقد جيد آهل هللا يف ادلنيا طرف‬
‫من ذ ك ‪ ،‬ونس مي لطف مماهنا ك ‪ ،‬فيتذلذون به ويرتوحون من عناء‬
‫البعد ‪ .‬وذل ك يقولون ‪ :‬ليس شئ يش به نعمي اجلنة اال ماجيده احملبون من‬
‫المتلق مع احلبيب ‪ ،‬وتديل القريب ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فتح جيده آولوا اللباب والفـــــطن‬ ‫ان اجلزاء يف قلوب العاملني به‬
‫من اكن ذا شغف يف الرس والعلن‬ ‫وذلة احلب يف ادلنيا حياولـــــــه‬
‫م بني آن عبادة احملجوبني معلوةل ‪ ،‬ونياهتم مدخوةل ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫( من عبده لشئ يرجوه منه ‪ ،‬آوليدفع بطاعته ورود العقوبة عنه ‪ ،‬مفا قام‬
‫حبق آوصافه )‬
‫من عبده وقام بعبوديته عىل حسب امتثال المر واجتناب الهني ؟‬
‫والعبادة يه هذه لن هللا س بحانه تعبد عباده عىل آن يعبدوه اليرشكون‬
‫‪252‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫به شيئا ‪ ،‬ومن آرشك حظ نفسه يف انبعاثه عىل العبادة مفا آدا حق وصف‬
‫احلق ‪ ،‬لن حقه الطاعة عىل العباد جمردا من غري جزاء ‪ ،‬لنه س يدمه‬
‫وخالقهم ومالكهم ‪ ،‬واليس تحق اململوك عىل مالكه جزاء ‪ ،‬وان جازاءه‬
‫مفحض تكرم ‪ .‬واذا طلب العبد عىل عبادته جزاء وسالمة من عقاب‬
‫فأوىف حبق العبودية ‪ .‬ومنشأ ذ ك اجلهل بأوصاف هللا وماهو عليه من‬
‫الغىن ‪ ،‬وما العبد عليه من االفتقار ‪.‬‬
‫وقد وردت آحاديث داةل عىل آن العبد اليكون ابعثه عىل العبادة اال‬
‫حمض احملبة هلل ‪ ،‬كحديث " اليكون آحدمك كجري السوء ان آعطى معل‬
‫وان مل يعطى مل يعمل ‪ ،‬وال كعبد السوء ان خاف معل وان مل خيف مل‬
‫يعمل " والقلب اذا امتال مبحبة هللا مل يبق فيه متسع ذلكر اجلزاء ‪ ،‬فغاية‬
‫مطلب العارفني ومنهتيى نظر احملققني اىل ختليص العبادة هلل اللشئ من‬
‫احلظوظ العاجةل وال الجةل ‪ .‬وماورد من طلب اجلنة واالس تعاذة من النار‬
‫فليس يناقض هذا املعىن ‪ ،‬لن طلب الفضل من مجةل وظائف العبودية ‪،‬‬
‫والفرار من االنتقام آيضا من مجلهتا ‪ ،‬فالطلب حيقق مقام الفقر والفاقة‬
‫والفرار من االنتقام حيقق مقام الضعف ‪ ،‬ويظهر اذلةل وقةل الطاقة ملقاومة‬
‫آوصاف اجلالل ‪ ،‬وهذا الخيفى آنه من مجةل مقامات الرجال يف مقام‬
‫الحوال ‪ .‬وآما عند خلوصهم عن رؤية الغيار وارتفاع الس تار عن‬
‫مصوانت الوصاف العلية ‪ ،‬فاليكون للعبد شعور ابلغيار والطلب جلنة‬
‫والهرب من انر ‪ ،‬الندراج لك ذ ك حتت آوصاف جامهل وجالهل ‪ ،‬فذل ك‬
‫قائل مهنم يف حال اخلطاب ومراجعة اجلواب ‪ :‬العبدتك جلنتك والخوف‬
‫من انر ‪ ،‬بل حبا ك وقياما بربوبيتك ‪ ،‬ووفاء مبا آنت هل آهل ‪ ،‬فأنت‬
‫‪253‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫آهل بأن تطاع والتعىص ‪ ،‬وتشكر فالتكفر ‪ ،‬وتذكر والتنىس ‪ .‬مفن آقمي‬
‫يف مقام احملبة وفا هذا املقام حقه عىل اذلوق الرصحي والكشف الصحيح ‪،‬‬
‫ومن مل حيظ من مقام احملبة حباهل فال ميكنه الوفاء بذ ك ‪ ،‬بل البد من عةل‬
‫تبعثه وخوف ينشطه ‪ ،‬والعلل سواء اكنت دنيوية آوآخروية ‪ ،‬ومن اكن‬
‫ابعثه اجلزاء آواحلظ فال خيلو ا آما آن ينبعث هلل لينيهل ذ ك ‪ .‬فاملرجو من‬
‫فضل هللا آن جيزيه اجلزاء الوفا ‪ ،‬وبقية ماهو خائف منه ‪ .‬وآما آن‬
‫الخيطر هل غري ذ ك احلظ املرغوب آوالعقاب املرهوب ؛ فالتصح عبادته‬
‫عىل الفتوى عند العلامء ‪ .‬واذلين قاموا هلل متفاوتون ‪ :‬مفهنم القريب‬
‫والقرب ‪ .‬ومهنم من يرغب اىل هللا ويفزع اليه يف حتقيق مطلوبه والمان‬
‫من مرهوبه ؛ فهذا من البرار ‪ .‬ومهنم من يرغب يف حتقيق الصدق يف‬
‫عبادته هل ال لشئ ‪ .‬ومهنم من يفزع اليه ويرغب ويرضع يف فناء وصفه‬
‫وغيبته عن رؤية معهل ‪ ،‬واخراجه عن مضيق وجوده اىل فضاء شهوده ‪،‬‬
‫قد شغفه عشق احلبيب عن آن نرجو آوخناف غريا ‪ ،‬ويطمح نظره اىل‬
‫سواه ‪ ،‬آويشهد اال اايه ‪ ،‬فهذه رتبة يف القرب ويه آوائل مقامات املقربني‬
‫‪ .‬ومهنم من لو لكف عىل رؤية الغيار ونفسه من مجلهتا مل جيد اىل ذ ك‬
‫سبيال ‪ ،‬فهذا هو اذلاهب يف هللا عن نفسه ‪ ،‬واملاخوذ عن حسه ‪،‬‬
‫املفارق حببه وآنسه ‪ ،‬الغائب عن الوجود ‪ ،‬اخملتطف يف الشهود ‪ .‬والخفا‬
‫آن ذ ك لك الوجود هل لنه هلل اللشئ دونه ‪ ،‬تلك عن وصفه الفهوم ‪،‬‬
‫وتعجز عن حتقيق حالته الرسوم ‪ ،‬فاليقدر قدره ‪ ،‬والحيقق آمره سوى‬
‫من بيده ملكوت الش ياء ‪ ،‬وحتت حمكه حقائق الخرة وادلنيا ‪ .‬وآما من‬
‫سوى ذ ك فهم الخذين يف التفاين اذلين تغاير فهيم احلقائق واملعاين ‪.‬‬
‫‪254‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫والقيام هلل اليكون اال ابهلل اذ مل يقم حبق وصفه من بقيت فيه من البقااي‬
‫الغريية والنعوت البرشية ‪ ،‬كيف واذلين خلقوا من عامل الصفاء اجملبولني عىل‬
‫الوفاء من النبياء والصفياء والعرفاء وآهل احملل الرفيع واملزنل املنيع ‪.‬‬
‫مالئكة القرب يقولون ‪ :‬ماعبدانك حق عبادتك ‪ ،‬وس يد النبياء ومقدم‬
‫الصفياء آ كرم آهل الرض والسامء يقول " س بحانك ال آحيص ثناء عليك‬
‫" ولكن حبسب منازل القرب ونتاجئ احلب يكون حبس هبا القيام ‪ .‬فلكام اكن‬
‫مزنلته آقرب وحتقيقه يف احملبة آصوب اكن قيامه حبق العبودية آمت ‪ ،‬ونتيجة‬
‫حمبته آعظم ‪ .‬ولك من الصوفية يف هذه املشاهد تلكم وآعرب عام س نح هل‬
‫وترمج عام منح ‪ ،‬مفهنم من قال ‪ :‬اين آس تح آن آعبده لشئ ‪ ،‬ومهنم من‬
‫يقول ‪ :‬ماعبدانك جلنتك والخوف من انرك بضمري احلارض ‪ .‬ومهنم جعهل‬
‫ذ ك بضمري الغائب عىل مواجيدمه ‪.‬‬
‫وآما حتقيق هذا المر مفاقام حبقه سواه ‪ ،‬والقدر حق قدره اال اايه ‪.‬‬
‫ولذلاهبني عن رؤية وجودمه املس تغرقني يف حرضة شهوده ‪ ،‬واملتعلقني‬
‫بوصف معبودمه هلم نصيب من ذ ك ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫من اكن يعبده لنيل مطلـــــــــبه من حظ عاجل آومرغوب يف الجل‬
‫آو آمن خوف فذاك احلظ حيجبه عن رتبة القرب منضاف اىل العلــــل‬
‫كن عبده التكن تطلب سواه وال ترغب والجتزعن من صــوةل السل‬
‫مفا وفا حق مـــــــــــواله وس يده من اكن يطلب منه احلــــظ ابلصل‬
‫لكن يكن يطلب الفضل العممي مفا يف ذاك لــــــــــــوم والعتب والزلل‬

‫‪255‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فعند ما يفتح للعارف الفهم عن هللا يف مجيع مايصدر من التعرفات يكون‬


‫يشهد معروفه ‪ ،‬وينال بغيته ومطلوبه يف لك مابرز عليه من حتت جساف‬
‫احلمكة ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( مىت آعطاك آشهدك بره ‪ ،‬ومىت منعك آشهدك قهره ‪ .‬فهو يف لك ذ ك‬
‫متعرف اليك ؛ ومقبل بوجود لطفه عليك )‬
‫العطاء حمبوب ابلطبع ‪ ،‬ومس تذل ابجلبةل ‪ ،‬واملنع ثقيل عىل النفوس لنه من‬
‫جتيل القهر ‪ .‬لكن اذا فتح للعارف ابب الفهم عن هللا ظهر من تعرف هللا‬
‫اليه ماخيفف عنه ثقل القهر ‪ ،‬ويعرف فيه وجه المر ‪ .‬ومطلوبه آن يعرف‬
‫هللا بلك امس من آسامئه ‪ ،‬ووصف من آوصافه ‪ ،‬ونعت من نعوته ‪ .‬فاذا‬
‫اكن كذ ك فال جرم آن يكون الرب والقهر سيئان لنه ان اكن طريقه‬
‫الكشف اس توى ذ ك دليه ذوقا وحاال ؛ لشهود آحدية الفاعل ؛ وواحدته‬
‫آوصافه ‪ ،‬وفردانيته نعوته ‪ .‬وتقابل آفعاهل وان اكن من آهل احلجاب لكن‬
‫هل بطريق العمل واالميان نظر ؛ فالجرم آيضا آن الجيههل يف ذ ك ‪ ،‬وآن‬
‫يشهد اللطف يف القهر كام يشهده يف الرب ‪ .‬لكن ذوق وحال بالعمل‬
‫وتصديق اميان فهذا هل من اقبال اللطف حبسب اميانه ووفور علمه ‪ .‬وكرثة‬
‫فهم آهل املثوابت واحلس نات وآهل الكشف اذلين يشهدون عىل‬
‫الكشف واذلوق مه آهل ادلرجات الرفيعة ‪ ،‬واملقامات الشاخمة املنيعة ‪.‬‬
‫واملطلوب من العبادة واحلمكة يف خلقهم معرفة س يدمه عىل ماهو عليه من‬
‫الصفات والنعوت ‪ ،‬والطريق يف الوصول اىل ذ ك اال مبايتحىل من‬
‫الفعال املوافقة الربية ‪ ،‬آواملؤملة القهرية ‪.‬‬

‫‪256‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫والسامء آما آسامء جامل آوآسامء جالل ‪ ،‬والبد للك من ظهور مبقتىض‬
‫حتليه يغاير غريه ‪ .‬فينبغ للعبد آن يكون طلبه ملعرفة ربه جبميع آسامئه وان‬
‫خالفت طبعه وابينت جبلته ليكون هلل اللنفسه ‪ .‬واذا علمت آن هللا‬
‫تعاىل قد توجه اليك ابللطف قبل وجودك ‪ ،‬وخزائن العطاء دليه ودفع‬
‫البالء موقوف عليه ‪ ،‬وآنت تعمل نفوذ قدرته وبلوغ حمكته علمت آنه مل‬
‫يزنل بك بلية والمنعك عطية اال ملصلحة تعود عليك ‪ ،‬علمت الحماةل‬
‫وجود اللطف يف الك احلالني ‪ ،‬فقد يكون العطاء سبب ملنع العطاء ‪ ،‬وقد‬
‫يكون البالء سبب دلفع البالء ‪ ،‬واليعرف ماقلنا اال من مارس مطالعة‬
‫كتب احملققني ‪ ،‬ووقف عىل آحوال العارفني ومامه عليه من الثبات عند‬
‫تغري الحوال ‪ .‬وآما من اسرتقه الهوى واس تعبده فال ياكد يصدق بذ ك‬
‫فضال عن آن يتحققه ‪ ،‬فان آردت آن تعرف لطفه بعباده يف مجيع مايتجيل‬
‫به علهيم ويورده من صنوف التعرفات دلهيم فامعل عىل جالء مرآتك ‪،‬‬
‫واخرج عن مرادك ‪ ،‬وافن وجودك حتت تراب الاثر احلقية ترى ذ ك‬
‫عياانوحتقيقا وبياان ‪ .‬واال مفن الزمك طلب احلظوظ ؛ وطلب احلظوظ‬
‫حاجبة عن صفو العبودية ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ان العطا يشهد العبـد اللبيب اذا رآى من الرب مايــــــــــورد من النعم‬
‫ومشهد القهر هيديه ويكشف عن وصف االهل يف الزال والقـــــــــــدم‬
‫اذا شهد ذا حتقق الحماةل ان اللــ ـطف يف ذاك مصحوب فال يســـأم‬
‫فاذا حتققت آن العطاء نعمة ظاهرة ويف املنع نعمة ابطنة مل تتأثر بتغايرهام ‪،‬‬
‫اذ هام نعمتان من هللا ‪ .‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( امنا يؤملك املنع لعدم فهمك عن هللا فيه )‬
‫‪257‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫قد تقدم يف قوهل ‪ :‬اذا فتح ك ابب الفهم يف املنع عاد املنع هو عني العطاء‬
‫‪ ،‬واذا تأمل العبد عند ورود صفات القهر وجتليه عليه مبثل املنع وسائر‬
‫الاثر اجلاللية دل ذ ك عىل عدم فهمك عن هللا يف ذ ك الوارد ‪ ،‬ووجود‬
‫جحابه عن آوصاف هللا تعاىل وماهو عليه من الكامل ؛ فليس تأنف االرادة‬
‫ان اكن مريدا ‪ ،‬ويتخذ هل يف طريقته دليال ‪ ،‬وليعمل عىل تلطيف مرآه‬
‫قلبه بأنواع الرايضات وآصناف اجملاهدات ‪ .‬فعند ذ ك يرىج هل من هللا‬
‫آن يفتح عليه ابب الهداية ‪ ،‬والفهم عنه يف مجيع مايواهجه من تعاقب‬
‫الحوال ‪.‬‬
‫والفهم كام علمت آن يريك ما آعد هللا فيه للراضني وماينيل الصابرين ان مل‬
‫تكن من املوحدين ‪ ،‬اذلين غاية مطوهبم من هللا آن يعرفوه جبميع آوصافه‬
‫‪ ،‬وآن حيققوا وجوده يف مجيع الاثر الصادرة يف مجيع الحوال لئال جيهلوه‬
‫يف شئ ‪ ،‬فاذا اكن مراده املعرفة كام وصفنا اكن لكام ظهر عليه هل فيه‬
‫الزايدة الكربى واملزنةل الزلفى ‪ .‬فالشك آن تس توي دليه الحوال ‪،‬‬
‫واليشمأز من منع ‪ ،‬والايخذه العطاء بل يكون مع هللا كيف مااكنت احلاةل‬
‫‪ ،‬ان منع اكن مشهده االمس املانع ‪ ،‬وآن آعط اكن مشهده لالمس املعط‬
‫وهو آحدي اذلات وآحدي الصفات ‪ .‬واملريد ذل ك السبيل دامئ يتصفح‬
‫وجود احلق يف آعيان الوجود فرياه موجود بكامهل يف لك موجود ‪ ،‬فال‬
‫غرو آن يعط هللا الدب يف مجيع مظاهر آسامئه ومبادئ آايته ‪ .‬ويل يف‬
‫ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫والتـرى غريه يف لك مشهود‬ ‫فللتأمل ان مل البــــــــــــــــالء اذا‬
‫سرته عنك مجود الطبع محمود‬ ‫فالفهم عنه يف الش ياء يكشف ما‬
‫‪258‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫والفقري املعمتد عىل هللا يكون جل مرما نظره اىل عواقب المور ومصادر‬
‫الفعال ‪ ،‬واملغرور اجلاهل ابلضد من ذ ك ‪ ،‬آي ينظر اىل حاصل مايفعهل‬
‫والينظر اىل ماتتضمنه العاقبة ‪ .‬ذل ك نبه املؤلف عىل هذهه اخلصةل بقوهل‬
‫‪:‬‬
‫( رمبا فتح ك ابب الطاعة ومافتح ك ابب القبول ‪ ،‬ورمبا قىض عليك‬
‫ابذلنب ‪ ،‬فاكن سببا يف الوصول )‬
‫رب تأيت للتقليل كام قدمنا االشارة اليه ‪ ،‬وقد تأيت للتكثري فهذا تنبيه منه‬
‫للمريدين ونصيحة للطالبني وحتقيقا لقصد العاملني ‪ ،‬فينبغ للبصري آن‬
‫الينظر اىل صور العامل آحس هنا وسيهئا ‪ ،‬فلرمبا يصحب مايفعهل من‬
‫العامل احلس نة ماحتجبه عن القبول مثل اخلصال القادحة ؛ اكالجعاب‬
‫واالدالل ‪ ،‬ورؤية آنه خري ممن ال يفعهل فيوجب احباطه ورده ‪ ،‬واحباط‬
‫لك معل يعمهل وهو مستشعر ملاذكرانه من اجعابه آورايئه آوادالهل ‪ .‬فان‬
‫العامل حال معهل وهو مستشعر ذل ك يكون ابب القبول منه مسدود ‪،‬‬
‫وسبيل الوصول عنه مردود ‪ .‬فالتنظر اىل معل حىت تعمل آن قد قبل وآىن‬
‫ ك بذ ك ‪ .‬ومىت آراك تقف عىل خفااي الرايء ودقائق االجعاب ودقائق‬
‫احلسد وبقااي املنازعات للوصاف الرابنية مثل التكرب والتعظمي ‪ .‬فاذا‬
‫علمت ذ ك فامعل واعمتد عىل فضهل وخف من اقرتاف شئ من هذه‬
‫احملبطات فاهنا عىل من ظهرت عليه العامل واش هترت منه الحوال آقرب‬
‫ممن اليكون هبذه املثابة ‪ ،‬ذل ك اش تد خوف العاملني العباد ‪ ،‬واجملاهدين‬
‫والزهاد ‪ ،‬فاهنا ترد يف بعض الحيان عىل حني غفةل منه عهنا ‪.‬‬
‫واليوحشك آيضا وجود اذلنب وحشة تفيض بصاحهبا اىل آن يقطع ابلبعد‬
‫‪259‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫بسبب ذ ك ‪ ،‬فلرمبا اكن آنفع هل من طاعة يصحهبا ماذكر ومل يتحقق‬


‫خلوصها ‪ .‬فاذلنب يتوصل صاحبه اىل االنكسار واس تحقار نفسه‬
‫واس تصغارها ‪ ،‬وتعظمي غريه ممن اليفعهل ويوقفه يف خضوع التائبني وخشوع‬
‫اخلائفني طول معره لكام مرت عليه صورة ذ ك اذلنب جتدد عنده من‬
‫احلزن واالنكسار ‪ ،‬وتنفس الصعداء ابالس تغفار ‪ ،‬ولوم نفسه واحتقارها‬
‫مااليوازيه كثري من العامل يف كثري من العصار ‪ .‬فانظر اىل عاقبة الفعل‬
‫وابطنه والتنظر اىل صورته يف احلال ‪ .‬قالوا ‪ :‬رب ذنب آدخل صاحبه‬
‫اجلنة ‪ .‬وهو يقتبس من قوهل تعاىل { وعىس آن تكرهوا شيئا وهو خري‬
‫لمك وعىس آن حتبوا شيئا وهو رش لمك } [ الية ‪ 216‬البقرة ] فالصلح للعبد‬
‫آن يعمل الطاعات وجيتنب املهنيات وهو غري حامك خبريته هذا والبرشية‬
‫هذا ‪ ،‬من حيث احليثية المن حيث حيثية نفس الطاعة واملعصية ‪ .‬فأما‬
‫نفس الطاعة مع سالمهتا من القوادح وقبولها فهي خري بالشك ‪ ،‬وكذ ك‬
‫املعصية اذا مل يقرتن هبا التوبة مهنا واالتيان بضدها واحلزن عىل فعلها ‪،‬‬
‫وحصهبا الامتدي واالرصار علهيا فهي رش بالشك ‪ .‬ولكن الالكم هنا فامي‬
‫يرتتب عىل وجود املعصية من رشائف الخالق والطاعة ‪ ،‬ومايرتتب عىل‬
‫الطاعة من س ئي الخالق واملعايص اكالجعاب ومااكن من قبيهل ‪ ،‬فذل ك‬
‫عرب برمبا ‪ .‬وآما الغالب فالطاعات شهادة العناية مبن آقمي فهيا ‪ ،‬واملعصية‬
‫عالمة الشقاء ملا قام علهيا برشط سالمة الول مما ذكر ‪ ،‬وبق عىل ذ ك‬
‫ومل يبق اال آان النقطع عىل هذا ابلشقاء والحنمك للول ابلسعادة للجهل‬
‫ابلسابقة وماتكون اخلامتة ‪ ،‬وذ ك حلمكة ابلغة لئال يطلع السعيد عىل‬

‫‪260‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫سعادته فيتلك ويرتك العمل ‪ ،‬ولئال يطلع الشق فزيداد يف غيه وابيق‬
‫الش ياء من غري مباالة والتوقف ولغري ذ ك مما اليطلع هللا عليه من خف‬
‫احلمكة ‪ .‬فقد ورد ‪ :‬واذلي نفيس بيده آن آحدمك ليعمل بعمل آهل اجلنة‬
‫حىت اليكون بينه وبيهنا اال ذراعا ‪ ،‬آوقال شربا فيس بق عليه الكتاب فيعمل‬
‫بعمل آهل النار فيدخلها ‪ ،‬وان آحدمك ليعمل بعمل آهل النار حىت مايكون‬
‫بينه وبيهنا اال ذراع آوقال ‪ :‬شربا فيس بق عليه الكتاب فيعمل بعمل آهل‬
‫اجلنة فيدخلها ‪ .‬مفن ذ ك مل يقطع بسعادة والشقاوة ولكن للك شئ دالةل‬
‫وللك رمس عالمة ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فرمبا يفتح العامل خالقـــــــــــــــــها ومافتح ابب مايصلح به العـــــــمل‬
‫وايضا املعايص التوجب لصاحبـــها بعدا اذا صلحت الحوال واخللـــل‬
‫اذا حصب صاحب العامل رؤيـــهتا اكنت كام مجةل الوزار والزلــــــــل‬
‫وصاحب اذلنب يقنط عند رؤيهتا ان سال من حزنه الجفان واملقـل‬
‫اذا علمت آن حمكة الطاعة اظهار العبودية ويه لزوم آوصافك ومعرفة‬
‫نفسك والتعلق بأوصاف هللا فهيا حيصل معرفة هللا عز وجل ‪ ،‬فاذا‬
‫حصب الطاعة مايناقض ذ ك وحصب املعصية ذ ك اكن ماقاهل املصنف‬
‫هاهنا وهو قوهل ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( معصية آورثت ذال وافتقارا ؛ خري من طاعة آورثت عزا واس تكبارا )‬
‫هذا زايدة بيان ملا آسلفه ‪ ،‬معصية جرت وقضية حمكت وهفوة س بقت ‪،‬‬
‫م حصهبا الندم واالنكسار ‪ ،‬واذلةل واالفتقار واس تصغار النفس ‪ ،‬مفعصية‬
‫آعقبت هذه الحوال وآمثرت هذه الداب وآقامت صاحهبا عىل جادة‬
‫العبودية اليت يه سمل اىل حتقيق كامل الربوبية خري بالشك والريب من‬
‫‪261‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫طاعة ابينت هذه الخالق ‪ ،‬وانزعت يف آوصاف اخلالق ‪ ،‬ويه العزة‬


‫واالس تكبار ‪ .‬فاذا حصب الطاعة ذ ك فال شك آن معصية آمثرت ك‬
‫رصف العبودية خري من طاعة انزعت هبا آوصاف الربوبية ‪ ،‬واكن ذوي‬
‫البصائر الناظرين اىل ما من هللا به من الفضل يكرمون اخللق عىل قدر‬
‫مامه عليه من االنكسار واذلةل واالفتقار ‪ .‬فقد يأيت عاص منكرس وانظر‬
‫اىل هللا ابحلياء منه واخلش ية وتعظمي جنابه ‪ ،‬ومقت نفسه واحرتام غريه‬
‫ممن اليكون عىل مثل حاهل ‪ ،‬فيكونون معه كام يكون هللا هل ‪ ،‬فزتيد هل‬
‫الرمحة عندمه ‪ ،‬وتضاعف هل الكرامة ‪ ،‬ويأيت غريه عىل غري هذه الخالق‬
‫فيكونون عليه كام يكون هللا عليه ابملقت واالهانة لرؤيته نفسه دون هللا ‪،‬‬
‫ويرى آنه هل عند هللا املزنةل مبا هو عليه من الطاعة ‪ ،‬واليرى لغريه‬
‫مايوجب هل الرمحة ‪ ،‬فيعامل هو بذ ك ‪ .‬فاذا آىت هذا املنكرس عىل مثل‬
‫هذه احلاةل وهو نظرهللا اليه ابملغفرة والرمحة ملا هو عليه من اضطرار احلال‬
‫‪ ،‬وهو جييب املضطر اذا دعاه ويكشف السوء ‪.‬‬
‫وقد يأيت املطيع ابلضد من ذ ك العزة والصوةل والتكرب وازدراء عباد هللا‬
‫وتعظمي ماهو عليه ‪ ،‬واعامتده عليه دون فضل هللا فميقت ويبعد ‪ .‬كام‬
‫يروى يف مثل ذ ك املعىن يف عابد بين ارسائيل وخليعهم حيث جلس‬
‫اخلليع اىل جنب العابد وهو متشفع به اىل هللا ‪ ،‬وحمرتم جلنابه ومعظم‬
‫لشانه ‪ ،‬وحمتقر لنفسه وماقهتا ‪ ،‬والعابد معظم نفسه ومس تصغر للخليع‬
‫ومرتفع عنه ‪ ،‬وعىل رآس العابد غاممة تظهل ‪ ،‬حفولت الغاممة عىل رآس‬
‫اخلليع ومقت العابد عىل رؤيته آنه عند هللا مبحل رفيع ملا هو عليه من‬
‫العبادة ‪ .‬نعوذابهلل من سوء القدر ‪ .‬هذا اذا حصب املعصية الندم والرجوع‬
‫‪262‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وعدم االرصار ‪ ،‬واكنت منه عىل غري معاندة وآمانة يرتكب املعايص‬
‫ويطلب التقرب ‪ ،‬فاليقول بذ ك قائل ‪.‬‬
‫والطاعة آيضا اذا حصهبا العزة واالس تكبار املناقضة لها واملباينة حلمكها اذلي‬
‫آقميت ‪ ،‬ومن آجلها طلبت ‪ .‬واال فالطاعة اليقول عاقل آهنا تكون دون‬
‫املعصية ‪ ،‬آوآن صاحهبا هيان ‪ ،‬بل يه اذلي هبا الزلفى والكرامة دنيا‬
‫وآخرى ‪ .‬وتعظمي آهلها من آجل القرب ‪ ،‬واهانة آهل املعايص املقميني علهيا‬
‫واملرصين املهتورين يف معايص هللا كذ ك من آعظم الرتب ‪ .‬فالود واحلب‬
‫لهل الطاعة من رصحي االميان ‪ ،‬والبغض واملنابذة لهل املعايص‬
‫والطغيان دليل عىل كامل االيقان ‪ ،‬لقوهل تعاىل { الجتد قوما يؤمنون ابهلل‬
‫واليوم الخر يوادون من حاد هللا ورسوهل } [ الية ‪ 22‬اجملادةل ] وقال يف‬
‫وصف آهل االميان { رحامء بيهنم } وقال فهيم آيضا { حيبون من‬
‫هاجر الهيم والجيدون يف صدورمه حاجة مما آوتوا } [ الية ‪ 9‬احلرش] فينبغ‬
‫ملريد سلوك الخرة آن يتحرى آخالء الصدق والوفاء ‪ ،‬وجيانب آهل‬
‫اخليانة ‪ .‬فان موانسة آهل الغفلو ظلمة ‪ ،‬ومباينة آهل الصدق وحشة‬
‫ومغة ‪ .‬فاايك والركون اىل الفساق ‪ ،‬والفرار من آهل احلق وآهل التفرد‬
‫واالشفاق ‪ ،‬فان ذ ك من الغرور ‪ .‬وماذكر اال لئال يركن مريد اىل نفسه‬
‫ومايصدر عنه فيكون حمجواب بفعهل ومبعود ‪ ،‬فاليظن آن املقصود بذ ك‬
‫نفس الطاعة واملعصية ولكن املمدوح مايصدر من الخالق السنية ‪،‬‬
‫واملذموم مايظهر من الحوال املذمومة والخالق امللومة ‪ .‬ويل يف ذ ك‬
‫شعرا ‪:‬‬
‫‪263‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فالطاعة ان اكن يصحهبا ويصحب من قامت به فعل مذموم يه العطب‬


‫ومعصية آورثت ذال ومسكنــــــــة اكنت لصاحهبا من مجةل القـــــرب‬
‫فالتكن تنـــــظر الش ياء بصورهتا وانظر ملاتمثره من خالـــص الدب‬
‫وملا اكن العبد مطلواب ابلعبودية هلل تعاىل عىل ادلوام ‪ ،‬والقيام هل عىل اللزام‬
‫‪ ،‬دلوام انعامه وتوايل احسانه عرفك بأنك الختلوا عن نعمه نفس ‪ .‬مفن‬
‫مجةل تكل النعم ماقاهل املؤلف ريض هللا عنه حيث قال ‪:‬‬
‫( نعمتان ماخرج موجود عهنام ‪ ،‬والبد للك مكون مهنام ‪ :‬نعمة االجياد ونعمة‬
‫االمداد )‬
‫النعمة يه ماحيمد عاقبهتا وان اكن غري مالمئة لطبع البرش من حيث مطلق‬
‫امس النعمة ‪ ،‬فاذلي يس تحق عليه الشكر هو املس تذل طبعا ‪ ،‬وال آذل من‬
‫الوجود اذ به تدرك سائر املالذ احلس ية واملعنوية ‪ ،‬والعدم اليوصف بذلة‬
‫وال بأمل ‪ .‬ونعمة الوجود يه اليت آبرزت الوجود من العدم السابق ‪ ،‬ونعمة‬
‫املدد يه اليت حيفظ هبا من العدم الالحق ‪ .‬واملمد لهذه النعم وغريها مما‬
‫يعجز عن حس باهنا ‪ ،‬والتقف قراحئ العقول اىل الوصول عىل عد آصنافها‬
‫‪ ،‬هوهلل س بحانه وهل امحلد ‪ ،‬فلو اكن فامي اكن فالانفاكك هل عن هذه‬
‫النعمتان العظميتان ‪ ،‬واملنتان اجلليلتان ‪ ،‬ولكن نعمه مس مترة غري منقطعة‬
‫ويه اليت تس تحق بأن تسمى نعمة حقيقة ونعمة منقطعة منقضية معقوبة ‪،‬‬
‫آما ابلعدم واما بوجود المل ‪ ،‬مفن هذا التقس مي يعرف النعمة من الذلة‬
‫االس تدراجية ‪ ،‬وهذا قدمه ليبني افتقار اللك اليه ابتداء ودواما ‪ ،‬فال غىن‬
‫عنه لشئ وانفراده ابلغىن املطلق دون الش ياء ‪ ،‬فلك ماتوجه اليه التكوين‬
‫فهل هذه النعمتان ‪ ،‬ونبه علهيام لهنام آكرث ما يغفل عهنام اجلهال ‪ ،‬فذل ك‬
‫‪264‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫تراه يتقلب يف نعم هللا وهو اليشعر بكونه يف نعمة ‪ ،‬ولو خيل عنه املدد‬
‫االلهي والقيام الرمحويت ‪ ،‬واللطف الرابين المضحل والانعدم ‪ .‬شعرا ‪:‬‬
‫عىل الوجود بفيض الفضل والكرم‬ ‫فمك من هللا امداد جيــود هبا‬
‫عىل الــــــربية يف الش باح والنسم‬ ‫فنعمة هللا مابرحت جيود هبا‬
‫فنعمة االجياد يه الصل ويه اليت قبلت االمداد ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف‬
‫ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( آنعم عليك آوال ابالجياد ‪ ،‬واثنيا بتوايل االمداد )‬
‫آنعم عليك وتفضل ومن وتطول ابالجياد قبل آن التكون شيئا مذكورا ‪،‬‬
‫بل كنت شيئا منس يا ‪ ،‬مل تكن آهال اليراد مدد والحتويل عدد ‪ .‬م آمدك‬
‫بأمداد عظمية وآالء جس مية ‪ ،‬وتفضيل امداد النعم لك شئ عىل حدته‬
‫مماالمطمع فيه ولكن االشارة اىل البعض مهنا تدل عىل اللك ‪ ،‬واملعرفة‬
‫ابمجلةل تغين عن التفصيل ‪ .‬مفن النعم مااكنت نعم آزلية رسية ‪ ،‬ومن النعم‬
‫مايه نعم روحية ملكوتية ‪ ،‬ومن النعم مايه نعم قلبية علمية ‪ ،‬ومن النعم‬
‫مايه ملكية حس ية ‪.‬‬
‫فالنعمة الزلية يه آن رش من نوره وجوده عىل ظلمة عدمك فوجدت‬
‫وهتيأت فيك القابلية للك ما يلقى اليك من الرسار التوحيدية احلقية ‪،‬‬
‫وآما النعمة الروحية فهو آنه توجه اليك ابخلطاب وآهلمك الصواب يف‬
‫اجلواب ‪ .‬وآما النعمة القلبية فهي آنه آنزل يف قلبك نور االميان مبا س بق‬
‫من خطابه وآنتج فيه نتاجئ الزينة والثبوت عليه من غري تردد والتوقف ‪،‬‬
‫وفتح فيه خزائن العلوم الغيبية وروازن الرحامت العرش ية ‪ ،‬والصور‬
‫النورانية اللوحية عىل الصفاحئ الكرس ية ‪ ،‬وجعهل مرآة تظهر جتليات‬
‫‪265‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫السامء اللهية ‪ ،‬ففيه يظهر هيوال احلقيقة ؛ الهيويل آصل الشئ اكلفضة يف‬
‫ادلرمه فاهنا آصهل ‪ ،‬ومنه تفيض س بل الطريقة ‪ ،‬وجتري آهنار العلوم‬
‫وخلجان الفهوم ‪ ،‬وعليه يكون مس تقر اململكة االنسانية ؛ والسلطنة‬
‫االميانية ‪.‬‬
‫وآما النعم امللكية احلس ية فهو ما من به من القيام عىل ما آرشدك اىل‬
‫القيام به والقوة عىل القيام ابلوظائف الرشعية وادلوام علهيا ‪ ،‬والصرب عن‬
‫مناقضاهتا واجتناب قوادهحا ‪ ،‬ورصف النفس عن شهواهتا ودواع‬
‫تزويراهتا ويه التنحرص ‪ .‬ومع كونه من عليك بذ ك وآنعم مدحك عليه ‪،‬‬
‫وآاثبك ووعدك عليه جزيل العطاء وعظمي الفضل ‪ ،‬ووجه اليك مجيع‬
‫الس باب ‪ ،‬وجعلها ك برس التسخري متوهجة واليك مقبةل ‪ ،‬فالحتىص‬
‫نعمه ‪ ،‬والتنحرص آايدي جوده ‪ .‬مفن مل يتفقدها مل يشكرها ‪ ،‬ومن‬
‫يشكرها فقد تعرض لزوالها وانتقالها عنه ‪ .‬مفن آين للقوى البرشية الرتابية‬
‫آن تتأهل الشئ من هذه النعم لوالفضهل ومعمي جوده ‪ ،‬وحفظها والثبوت‬
‫علهيا مما اليقدر ضعف البرش عليه ‪ .‬فان الحوال معرضة للتغيريوالزوال‬
‫ورسعة االنتقال ‪ .‬فينبغ للعبد آن يرضع اىل هللا ويدمي اللجاء بني يديه‬
‫يف حفظ ذ ك عليه ‪ ،‬ودوام توهجه اليه ‪ ،‬ورصفه عن ضده وتقربه منه ‪.‬‬
‫ولوآخذان يف عد ما يف صورة االنسان من النعم االمدادية عىل ممر‬
‫النفاس يف سائر احلواس الس تدعا اىل طول يف تقس مي آصنافها وتعديد‬
‫آنواعها ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫آنعم عليك ابجياد وتصـــــوير ومد من فضهل اميان وتــــنوير‬
‫فمل تزل تتواىل اصناف نعمته مقدر اللك من الش يا بتدبري‬
‫‪266‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فاذا عرفت هذه النعمتني ؛ نعمة االجياد آوال ونعمة االمداد اثنيا ودواما ؛‬
‫تبني عندك حقيقة افنقارك ‪ ،‬وظهر ك وجود اضطرارك اليه آبدا رسمدا ‪،‬‬
‫اذ اليس تغين وجود عن املدد اذلي يكون به موجودا دنيا وآخرى ‪ .‬ذل ك‬
‫قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( فاقتك ك ذاتية ‪ ،‬وورود الس باب مذكرات ك مباخف عليك مهنا ‪،‬‬
‫والفاقة اذلاتية التدفعها العوارض )‬
‫فاقتك آهيا االنسان ذاتية ك ‪ ،‬والفاقة يه شدة االحتياج اىل مدد يدفع‬
‫عنه مايناقض حاةل الوجود وهو مايدفع عنه العدم ‪ .‬فاقتك آهيا االنسان‬
‫اىل وجود اللطف واالحسان من احملسن املنان ذاتية ؛ آي آصل ذاتك‬
‫تطلب ذ ك واالنفاكك لها عنه ‪ ،‬فذاتك آبدا طالبة مس متدة الغىن لها ‪،‬‬
‫وان وجدت دلهيا الس باب العرضية فال ترفع هذه الفاقة اذلاتية ‪ ،‬اذ‬
‫الس باب خارجة عهنا التغين عهنا لهنا آيضا آي الس باب مفتقرة ومس متدة‬
‫‪ ،‬فكيف ترفع عن غريها آومتد غريها مايه حمتاجة اىل من يدفع عهنا وميدها‬
‫‪ ،‬فثبت معوم افتقار مجيع املسببات وآس باهبا يف ذواهتا وآوصافها وسائر‬
‫آفعالها من حراكهتا وسكناهتا دنيا وآخرى وبرزخا ومقرا ‪ .‬والغىن هلل ذايت‬
‫يف آوصافه وآفعاهل ومجيع مقدوراته ومراداته ‪ .‬وعىل هذا السلوب فاعمل‬
‫مباينة هللا ملكوانته يف مجيع آوصافه وآفعاهل فهل الوجوب ‪ ،‬ولها اجلواز وهل‬
‫الكامل ‪ ،‬ولها النقص وهل الغىن ‪ ،‬ولها االفتقار وهل القدم ولها احلدوث ‪.‬‬
‫وآوصاف احلق التفارقه فال تتغري بتغري الحوال والختتلف ابختالف‬
‫املظاهر ‪ ،‬وآفعاهل آيضا الحتتاج وتفتقر اىل الالت واالرتباطات كام تكون‬

‫‪267‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫آفعال اخللق بذ ك موصوفة ‪ .‬فاذا علمت آن الفاقة ك ذاتية التفارق‬


‫وجودك اىل من يقميه ويدمي بقاه ‪.‬‬
‫م هذا اليكون مفهوما للك آحد بل آكرث الناس اليعلمون هذا االفتقار‬
‫اذلايت هلم ‪ ،‬فرمح هللا عباده بورود الس باب املناقضة ملامه عليه من‬
‫الوجود لريجعوا اليه يف كشف مانزل هبم ‪ ،‬وايصال مامه اليه حمتاجون ‪،‬‬
‫فذكرمه ذ ك وصفهم اذلي هو هلم حبمك الصاةل فيكونون يف مجيع آوقاهتم‬
‫وتغاير آحواهلم شاهدون وصفهم من االفتقار واالضطرار ‪ ،‬ومس متدين من‬
‫هللا فضهل شاهدين ملا هو عليه من صفات الكامل ‪ ،‬فيقومون هلل حبق‬
‫عبوديته ويعرفون هل رس ربوبيته ‪ ،‬فالينازعونه يف صفاته واليدعون نعوت‬
‫كامهل ‪ ،‬فلكام ورد علهيم بسبب تناقض مامه عليه من وجود الغىن ردمه اليه‬
‫بقهره ‪ ،‬فاكن القهر يرد اىل هللا خلقه ابلطوع واخلضوع ودوام اخلشوع ‪،‬‬
‫لن النفس من شأهنا ادعاء الوصاف الرابنية ؛ فرمح هللا نفوس املؤمنني‬
‫فمل يرتكها ومايه عليه من االس تطاةل ‪ ،‬فأظهر لها رس قهره فأجابته خاضعة‬
‫لسلطان جالهل ‪ ،‬معرتفة بواحدانيته يف ذاته وصفاته وآفعاهل ‪ ،‬معرتفة‬
‫ابفتقارها ومقرة بعجزها واحتقارها ‪ .‬فايراد الس باب لهذه احلمكة ظاهرة ‪،‬‬
‫ولو تركها ومايه عليه من دوام مساعداهتا يف آغراضها ‪ ،‬وآهنامكها يف‬
‫حظوظها لبقت عىل دعواها ووخمي مرعاها ساذجة ‪ ،‬فأخذها بقهره اذلي‬
‫اليطاق ‪ ،‬وبطشه اذلي اليغلب ‪ ،‬واليفلت عنه من آوثق ‪ ،‬واليتخلص‬
‫منه من فيه علق كام يفعل بأعدائه ؛ فامي يروى عن آشد الناس عتوا‬
‫وآكرثمه عىل اجلناب االلهي تكربا وجتربا تركهم ومامه فيه ‪ ،‬فمل يزجعهم مبا‬
‫يعرفهم وجود افتقارمه ويوقفهم عىل وصف اضطرارمه ‪ ،‬بل تركهم يتقلبون‬
‫‪268‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫يف العوايف ‪ ،‬وساق الهيم من ادلنيا ماينس هيم الرجوع اليه والوقوف بني‬
‫يديه حىت اذا انقىض آمرمه وانهتا عددمه فسلط علهيم من رس القهر‬
‫مااليقدرون عىل دفعه ‪ ،‬ومل يتفرغوا اىل معرفة من آورده علهيم وسلطه ‪،‬‬
‫بل آخذ عىل القلوب آن تفقه ‪ ،‬واللسن آن تنطق ‪ ،‬والعني آن تبرص ‪،‬‬
‫والذان آن تسمع ‪ .‬فوردوا الخرة هبذا الوصف مص بمك مع ‪ .‬فانظر اىل‬
‫حمكة هللا يف ايراد الس باب عىل العباد آهنا هلم نعمة ‪ ،‬ووجودها دلهيم‬
‫رمحة هلم ولكن اخللق يف وجودها يتفاوتون بتفاوت آحواهلم ؛ مفهنم من‬
‫يتلقاها ابلرىض والفرح ورؤية املنة هلل فهيا كام يرى غريه ذ ك يف املالمئات‬
‫‪ ،‬ومهنم من يتلقاها ابلصرب والتحمل هلل ‪ ،‬ومهنم من يتلقاها ابلتربم‬
‫والتضجر ؛ فللول الرضا وللثاين العطاء وللثالث نفوذ القضاء ‪ .‬ولكن اذا‬
‫نظرت يف فاقتك اذلاتية علمت آن الس باب العرضية التدفعها فالتس تغين‬
‫وان آعطاك ووقاك ‪ ،‬فاليفارقك وصفك واليزايكل نعتك يف ادلنيا وال يف‬
‫الخرة ‪ ،‬ولكن قد يفيض عىل وجودك فائضات االمتنان فيغمرك وجود‬
‫االحسان فتضمحل آوصافك وتبقى هذه املالبس االحسانية واخللع‬
‫االمتنانية ‪ ،‬فالتاكد تظهر آوصافك اال ابلعمل هبا ؛ وذ ك يف العامل‬
‫الخراوي حىت يلبسهم مالبس فضهل وامتنانه ‪ ،‬يف حمل رضوانه وجتيل‬
‫احسانه يف دار جنانه ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫منه العطااي اىل آقىص هنايــهتا‬ ‫الفـــــــقر للعبد ذايت وان بلغت‬
‫قد يورد آس باب تؤمل من تمل به لكن هبا يعرف االنسان غايهتا‬
‫وترجعـــــه الصل فاقته وحاجته ويذكر آوصاف يف ذاته بدايهتا‬

‫‪269‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فاذا علمت آن خري آوقاتك وقت تعرف فيه مقام عبوديتك لس يدك ‪،‬‬
‫وتشهد فيه كامل ربوبيته ‪ ،‬سلط عليك من الس باب مايثري ذ ك من‬
‫الوصاف القهرية ليقميك يف خري مقاماتك ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا‬
‫عنه ‪:‬‬
‫( خري آوقاتك وقت تشهد فيه وجود فاقتك ‪ ،‬وترد فيه اىل وجود ذلتك )‬
‫خريآوقات العبد مثوهل بني يدي س يده ‪ ،‬ممتليا مبحبته ‪ ،‬مبهتجا بقربه ‪،‬‬
‫راض عنه يف قضائه ‪ ،‬ساكنا خاضعا حتت جراين آحاكمه ‪ ،‬منطرحا يف‬
‫آرض عبوديته ‪ ،‬يرى اخلري فامي خيتاره هل الفامي خيتار هو لنفسه ‪ ،‬خارجا‬
‫عن حوهل وقوته ‪ ،‬واثقا حبول هللا وقوته ‪ .‬فهذا وماشالكه من لك مايكون‬
‫خارجا عن مالمئة طبعه ومقتىض هواه ‪ ،‬ومباينا ملراده من مطلوابته‬
‫النفسانية وشهواته احليوانية ‪ ،‬واثقا بربه معمتدا عليه ‪ ،‬وانظرا اليه ‪،‬‬
‫ومس تكينا بني يديه ‪ .‬فهذه آعياده وموامسه وغاية رغبته فامي يعامل به ربه‬
‫من نفسه ‪ ،‬فال آحسن من حاةل العبد اذا اكن فرحه بقرب س يده ‪،‬‬
‫وادلخول يف غامر آهل حرضته الدابء ؛ وخاصته المناء ‪ .‬خفري آوقاهتم‬
‫آوقات الرضورات لهنا خترهجم عن االعامتد عىل الغيار ‪ ،‬وتباين هلم‬
‫الس باب احلاجبة هلم عن شهود مليكهم ‪ .‬مفىت زالت عهنم ووقعوا يف‬
‫رضورة االلتجاء اىل اجلناب االلهي ‪ ،‬ومصدت هبم الفاقات وملامت‬
‫احلاجات اىل من يصمد يف احلواجئ اال اليه ‪ ،‬واليطلب املواهب اال منه ؛‬
‫فأي وقت آحسن من هذا وقد آوقفهم مع هللا وردمه من بعد الس باب‬
‫الغريية والوهام العدمية اىل اليقني والتحقق مبقامات القرب والمتكني ‪.‬‬

‫‪270‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫واكن السلف الصاحل يشكرون هللا عىل الفاقات واملام احلاجات‬


‫والرضورات ‪ ،‬كام يشكر غريمه عىل الظفر بنيل احلاجات وقضاء الوطار‬
‫ودفع املهامت ‪ ،‬حىت آهنم يقومون هلل حبق الشكر يف ذ ك ‪ ،‬ويرون آنه‬
‫مايفعل ذ ك هبم اال لعنايته هبم وحسن تربيته هلم ‪ ،‬ويرون ضد ذ ك من‬
‫قل احلظ عنده اال عىل الندور ‪ ،‬لنه مسكل خواص آنبيائه وخرية آصفيائه‬
‫ـ يسكل هبم مسكل االضطرار اليه ‪ ،‬ووقوف احلاجات عليه ‪ .‬حىت آن‬
‫بعضهم يقبضه وحاجته تتلجلج يف صدره مل تقض هل يف ادلنيا ‪ ،‬وعد ذ ك‬
‫من خري عباده لوقوفه بني يديه ‪ ،‬واعامتده يف ذ ك عليه ‪ ،‬ورضاه بعلمه به‬
‫ونظره اليه ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫خفري آوقات سالك الطريق اىل جنابه العايل السايم ذوي اهلمم‬
‫ان يشهدوا فيــــه فاقـهتم وذلهتم دليه ذةل حمــــــــــتاج اىل الكرم‬
‫فنازل جبـــــــــناب هللا حاجته مل خيش مه ومكـــــروه من المل‬
‫ومل ينفر عنك اخللق ويعرس عليك الس باب اال وهو يريد آن يصافيك‬
‫ويس تخلصك من يدهيا ‪ ،‬ويعتقك من رقها ‪ ،‬ويطلقك من واثقها ‪ ،‬فتكون‬
‫عبده صدقا ‪ ،‬وطالبه حقا ‪ .‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( مىت آوحشك من خلقه فاعمل آنه يريد آن يفتح ك ابب النس به )‬
‫الوحشة يه انقباض القلب يوجد عند مواهجة مباين ؛ آما يف احلس وآما‬
‫يف املعىن ‪ ،‬واذا آوحشك من الغيار فذ ك دليل عىل مباينة من الغيار‬
‫‪ ،‬ورفع احلجب عنه والس تار ‪ ،‬وقد نزلت منازل الخيار يف حضائر‬
‫القرب والنس ‪ ،‬وتبوآت فس يح القدس ومنيع المتتع ابلوصال وابينت‬
‫االنفصال ‪ ،‬وترقيت آعايل املقامات وسنيات الحوال ‪ .‬فالجرم آن‬
‫‪271‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫تس توحش من الغيار ‪ ،‬وهترب من التعرث يف كثائف الاثر ‪ ،‬وهل عالمة‬


‫يف النفس ويف اخللق وسائر الس باب ‪ .‬مفن عالمات النس ابهلل‬
‫االنقطاع اليه ‪ ،‬والتعلق يف مجيع الحوال به ‪ ،‬والتوهل بذكره والهرب من‬
‫النفس ودواعهيا ‪ ،‬وعدم االعامتد عىل الش ياء وسقوطها عن القلب ابللكية‬
‫‪ ،‬فاليلتفت اىل حمبوهبا والخياف من مكروهها ‪ ،‬بل يه عنده يف عني‬
‫عدهما لن خترج عنه ومل تربز منه ‪ ،‬فريى آس باب متحراكت بتحريك‬
‫آقضية قدرايت حتت آس تار غيبيات بيد قادر مريد مجليع املقضيات ‪،‬‬
‫ويرى الرسار حتت آس تار عدميات هبا من جحب ‪ ،‬وعبدها من عبد‬
‫وعرفها من عرف ‪ ،‬فيس تأنس ابلوجود الظاهر اذلي ابرش قلبه ‪،‬‬
‫ويس توحش من العدم اذلي ابينه ومل جيمتع معه ‪ ،‬اذ الوجود مباين العدم‬
‫والنور ينافر الظمل ‪ .‬واخللق لك موجود غري هللا سواء اكن من الصور‬
‫احلس ية آومن العجائب الغيبية ‪ ،‬فالتسكن قلوب املش تاقني اىل غريه ‪.‬‬
‫ومن مل تطمنئ نفوس احملبني اىل سواه اكئن مااكن ذ ك الغري والسوى ‪.‬‬
‫والنس مقام من مقامات الوصال ‪ ،‬وحال عال من سنيات الحوال ‪،‬‬
‫مفن حاهل آن اليوحشه شئ وآن يس تأنس بوجوده لك شئ حىت امجلاد‬
‫وسائر احليواانت فالتنفر منه الهبامئ والطيور الوحش ية بل تس تأنس به‬
‫وتسكن اليه ‪.‬‬
‫واكن بعض سادتنا العلوية ريض هللا عهنم يقول ‪ :‬بلغت من النس آن‬
‫لووضعت املنشار عىل مفريق وانشق نصفني فمل آحس بذ ك ‪ ،‬ولو القيت‬
‫يف النار مل آجد ذل ك آملا ‪ .‬واحلاكايت يف مقام النس آكرث من آن حترض ‪.‬‬
‫واكن يروى عن اجلنيد ريض هللا عنه آنه قال ‪ :‬كنت آمسع من الرسي‬
‫‪272‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫الكما يف هذا املعىن ‪ ،‬واكن يف ابطين شيئا حىت بلغت ذ ك ‪ ،‬فوجدت‬


‫المر عىل ماذكر آين لوضع املنشار عىل مفريق ماحسست به آوماهذا‬
‫معناه ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫النس ابهلل حال مــــــايقاس به حال ومل يعـــــرتي صاحبه تغيري‬
‫اال ملن ابن عن شاهده تصويري‬ ‫يس توحش اخللق رس اليقال به‬
‫اىل معــــــــــان بال كيف وتقدير‬ ‫هذه رمــــــوز خفيات يشار هبا‬
‫اذا اس تغىن االنسان عن هللا بوجود العيان مصت عن اطالق اللسان‬
‫عن الطلب ‪ ،‬واذا آطلق اللسان وآيقظ اجلنان واس تعمل الراكن فليعمل‬
‫العبد آن ذ ك دليل عىل فتح ابب العطاء واقبال عليه بوجه الرضا ‪ ،‬كام‬
‫قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( مىت آطلق لسانك ابلطلب فاعمل آنه يريد آن يعطيك )‬
‫مىت آطلق لسانك وحل قيد جنانك وحرك يف خدمته آراكنك ‪ ،‬وجعل‬
‫ ك اهلمة مطية سفرك ‪ ،‬والصدق يف الطلب حالتك ؛ فاعمل آنه مل يبعث‬
‫ذ ك فيك ومل حيرك به عزمتك اال وهو يريد آن يعطيك ‪ ،‬ومافتح ك‬
‫ابب السلوك اليه اال وهو يريد آن يواليك ‪ ،‬وال آهلمك تصفية آحوا ك‬
‫وسائر آفعا ك اال وهو يريد آن يصافيك ‪ .‬واطالق اللسان ابلترضع اليه‬
‫والثناء جبميل آوصافه من عالمة توجه االرادة اىل العبد بنيل مطلوبه‬
‫واسعاف مرغوبه ‪ ،‬مفىت وجد العبد ذ ك فليعمل يقينا آنه قد توهجه اليه‬
‫العطااي االلهية ‪ ،‬واملنوح الرابنية ‪ ،‬عمل ذ ك آومل يعمل ذل ك ‪ ،‬قال الصديق‬
‫ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫لو مل تردين ملا آرجو وآطلبه من نيل فضكل ماعلمتين الطلبا‬
‫‪273‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫آوكامل قال ‪ .‬والطلب بصدق النية من آرشف آخالق العبودية وآجل‬


‫مقامات القرب اذ مل يلهمه االمن توهجت اليه العناية ‪ ،‬واللسان يطلقها يف‬
‫ميدان ادلعاء ابعث قليب ترتمج عنه مبا هو عليه من االلتجاء وصدق‬
‫الرغبة اىل هللا فامي عنده من الفضل ‪ ،‬والهرب اليه من سطوات العدل ‪،‬‬
‫ويعقلها عقهل القلب عن ذ ك ‪ ،‬واس تغناؤه ابلس باب والركون اىل مايظن‬
‫آنه به مس تغن ‪ ،‬واىل مايظن آنه يدفع عنه فتعتقل اللسان وخيرس اجلنان‬
‫‪ ،‬ويعم الروح وتلهو النفس وتتعطل الراكن ‪ ،‬وتظهر منه اجلرامئ‬
‫والطغيان { الك ان االنسان ليطغى * آن رآه اس تغىن } [ الايت ‪ 7-6‬العلق‬
‫] وبوجود مايناقض ذ ك من ورود الفاقة ونزول احلاجة ينبعث بال شك‬
‫يف ادلعاء ويرغب يف الطلب ‪ ،‬وذ ك عالمة عناية هللا بعباده ‪ ،‬وارادة‬
‫ايصال فضهل وعطاايه الهيم ‪ ،‬وتوايل احسانه وامتنانه دلهيم ‪ .‬فامحلد هلل رب‬
‫العاملني ‪ ،‬مفا آلطف هللا بعباده آن حيسن الهيم ويتقرب مهنم فامي تنفر عنه‬
‫طباعهم ‪ ،‬وتأابه نفوسهم من ممرات القضاء ‪ ،‬وورود مايناقض آعراضهم‬
‫وذ ك من آحتف مامنحهم ‪ ،‬وآعظم ماخوهلم ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫آورد عليك صـــروف الرض والمل كامي تكون به من مجــــــــــةل اخلدم‬
‫واطلق لسانك لنيل الفضل والكرم س بحان ذي احلمكة املنان ابلنــــعم‬
‫من ظن شيئا سوى هذا فال جرم آن يربمه لكام وافـــــــــــــا من المل‬
‫فاذا عمل العبد دوام افتقاره اىل هللا ‪ ،‬وآنه الغىن هل عنه لفتة انظر والفلتة‬
‫خاطر ‪ ،‬واليصدر هذا الشهود اال عن صاحب وجود مس تغرقا يف حرضة‬
‫املشهود وهؤالء احلكامء العارفون ‪ ،‬وآما اجلهال املغرورون فال يتأىت هلم‬

‫‪274‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ذ ك ‪ ،‬واليصدر عهنم االما وصفهم هللا به حيث قال جل ذكره { واذا‬


‫آنعمنا عىل االنسان آعرض ونأى جبانبه واذا مسه الرش فذوا دعاء عريض‬
‫} [ الية ‪ 51‬فصلت ] اذا حتقق آن العارف يشهد قيوميته اايه عىل ممر‬
‫آنفاسه وخمتلفات آحواهل فال غرو آن يقال ‪:‬‬
‫( العارف اليزول اضطراره ‪ ،‬واليكون مع غريهللا تعاىل قراره )‬
‫العارف هو من عرف هللا وعرف حمكته يف آقضيته ‪ ،‬وحتقق بأوصافه‬
‫وآسامئه ‪ ،‬فأعطى لك مشهد حقه ‪ ،‬وآوفا لك امس مس تحقه ‪ .‬وهو مع‬
‫ذ ك فان عن ذاته بوحدانية هللا ‪ ،‬وعن صفه بفردانيته ‪ ،‬وعن فعهل بقدرته‬
‫ومش يئته ‪ .‬ذل ك يكون حموا عن ذاته ووصفه وفعهل آزال ووجودا وآبدا‬
‫من كونيته وغرييته وجودا من حيث وجود موجده ‪ ،‬ذل ك اليزول‬
‫اضطراره يف وجوده آزال ووجودا وآبدا ‪ ،‬واليكون مع غري هللا تعاىل عىل‬
‫قراره انعدام الغيار ‪ ،‬وانطامس ظمل الاثر بظهور جتيل الواحد القهار ‪،‬‬
‫فأين تكون معية الغيار والوجود لها ‪ ،‬وآين القرار الهيا والعدم حامك علهيا‬
‫‪ ،‬فأىت هبذه احلمكة مبينة ملا تقدم يف احلمكتني قبلها ‪ ،‬لن الوحشة من‬
‫العدم وعدم القرار الزم ؛ كذ ك الطلب دامئ لوجود دوام االفتقار ‪ ،‬فهؤالء‬
‫نعمتني من نعوت العارفني ‪ ،‬وصفتني من صفات املوحدين ‪ ،‬فيعرفون‬
‫نفوسهم ابفتقارها الدامة وجوده ‪ ،‬واضطرارها اىل امداده يف حراكهتا‬
‫وسكوهنا ‪ .‬مفن عرف نفسه بدوام االضطرار ووجود االفتقار عرف ربه‬
‫ابخرتاع االجياد وتوايل االمداد ‪ .‬فاليزال مفتقرا ‪ ،‬واليربح مضطرا ‪ .‬فهكذا‬
‫حمك العارف ‪.‬‬

‫‪275‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وآما عامة اخللق ومه العبيد ؛ عبيد التعديد فهم حمبوسون يف مضيق‬
‫احلس الغالب علهيم كوهنم مع ماوافق حمسوسهم والمي نفوسهم ‪ ،‬فاذا‬
‫وجدوا ذ ك آعرضوا عن هللا ‪ .‬وان اضطروا اليه رجعوا ابلرصاخ والعويل‬
‫واالستشفاع اليه ابلس باب والوسائل ‪ ،‬فهم آبدا حمجوبني يف الك احلالني ‪.‬‬
‫خبالف العارفني فهم مضطرين اليه آبدا رسمدا ‪ ،‬آغنياء معن سواه ‪،‬‬
‫اليرجعون يف هماهمم اىل غريه ‪ ،‬واليزنلون حواجئهم بسواه ‪ .‬ويل يف ذ ك‬
‫شعرا ‪:‬‬
‫فاليزال اضطرار العـــــــارفني وان نــــالوا من احلظ مايقيض به الوطر‬
‫فالتقـــــــــــــــــرهبم من دونه ارب واليروق هلم يف غـــــــــــــريه نظر‬
‫قد ابينوا لك مألوف كذاك فان الـ ـمرء يفرق بني العني والثـــــــــــر‬
‫فالتزايل ذوي العرفان حاجـــــهتم يروى عن العارفني السادة الغـــرر‬
‫ومن عالمة العارف وبعض مشاهده آن يكون مع هللا ابطنا وظاهرا ‪،‬‬
‫فريى مجيع القوى الظاهرة آاثر نور االمس الظاهر ‪ ،‬والقوى الباطنة آاثر‬
‫االمس الباطن ‪ .‬ومن مل يتحقق ذ ك مل تصح معرفته ؛ فمل يعرف نفسه ومل‬
‫يشهد ربه ‪ .‬فأرشد املؤلف اىل آنه مل يتحقق ابالضطرار مامل يعرف ذ ك ‪،‬‬
‫فيتحقق بالحول والقوة اال ابهلل العيل العظمي اذلي هو كزن من كنوز‬
‫العرش فقال ‪:‬‬
‫( آانر الظواهر بأنوار آثـاره ‪ ،‬وآانر الرسائر بأنوار آوصافه )‬
‫اانرة الظواهر احملسوسات اخللقيات بأنوار آاثره ؛ آي آفعاهل ‪ ،‬وهو لكام‬
‫توهجت اليه القدرة واالرادة والعمل ‪ ،‬فلك مقدور مراد معلوم فهو آثر مبؤثر‬
‫فيه ‪ ،‬ولك مؤثر فيه فهو حادث مبحدث ‪ .‬وماحص حدوثه جاز عدمه ‪،‬‬
‫‪276‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ولك ماسوى هللا فهو حمدث ابحداثه وموجود ابجياده ‪ .‬فالوجود لكه آثر‬
‫ملؤثره ومدبر حتت حمك مدبره ‪ ،‬ومرصف بترصيف مرصفه ‪ .‬فالفناء‬
‫واالنعدام متطرق اليه ‪ ،‬وآوصاف هللا قدمية بقدمه ابقية ببقائه ‪ ،‬واجبة‬
‫بوجوبه ‪ .‬وآنوار الظواهر هو وجودها ‪.‬‬
‫وقد علمت آهنا من آنوار الاثر ‪ ،‬وموسومة بسمة الغيار ‪ .‬وآنوار‬
‫الرسائر من نور الوصاف الزلية ذل ك مل يتطرق الهيا تغري ‪ ،‬واليتوجه‬
‫الهيا االنعدام بل يه آزلية رسمدية ادلوام ‪ .‬وآنوار الظواهر يه احلواس‬
‫الظاهرة اكلسمع والبرص والشم واذلوق واحلس ‪ ،‬وتعلقها ابلظواهر‬
‫ومايتعلق هبا فالتتعلق ابلمور الغيبية والصفات العلية ‪ ،‬وامنا يه قارصات‬
‫عن ادراك المور اخللقية حسا ومعىن ‪ ،‬وآنوار الرسائر يه من آنوار‬
‫الصفات فتعلقها هبا ويه ابقية الفناء لها ‪ ،‬والزوال والغيبة والارحتال ‪،‬‬
‫بل يه دامئة بدوام ما يه متعلقة به وموجودة منه وهو الوصف االلهي ‪،‬‬
‫فالرسائر يه اللطائف االنسانية اكلقلب والروح والرس واانرهتا مبا آفاضه‬
‫علهيا من نور ذاته وصفاته وآسامئه ‪ ،‬فالرس ابالس تغراق ‪ ،‬والروح ابلشهود‬
‫واالستبصار ‪ ،‬والقلب ابفاضات العلوم ولطائف الفهوم ‪ ،‬والظواهر امنا‬
‫تتعلق ابلتدبريات الكونية واالدرااكت احلس ية اخللقية ‪ ،‬ذل ك تطرق اليه‬
‫بزوال متعلقها وغيبته ‪ ،‬ذل ك آي لجل آن تعلق آنوار الظواهر ابلعيان‬
‫الظاهرة احملسوسة احملكوم علهيا ابلفناء والزوال ؛ آفلت النوار الظاهرة‬
‫وغابت مشوسها لتبدل آرضها وانكشاط سامها ‪ ،‬ومل تأفل النوار الرسية‬
‫واملشاهد احلقية لثبوت مشهدها ودوام حقيقهتا ‪ .‬م آنشد املؤلف لنفسه‬
‫ريض هللا عنه مشريا اىل هذا املعىن ومؤيدا لهذا املبىن فقال شعرا ‪:‬‬
‫‪277‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فاس تضاء ت مفالها من غروب‬ ‫طلعت مشس من آحب بليــل‬


‫ـل ومشس القلوب ليس تغيب‬ ‫ان مشس الهنار تغرب ابلليــــــ‬
‫وذ ك آن مشس الهنار من آنوار الظواهر فتطرق الهيا الغيبوبة والفول لهنا‬
‫من مجةل النوار الظاهرة ‪ ،‬فغريها كذ ك من سائر النوار الظاهرة ‪ .‬ذل ك‬
‫قال اخلليل صىل هللا عليه وسمل { ال آحب الفلني } [ الية ‪ 76‬النعام ]‬
‫ولك مااكن من النوار احملسوسات والصور اخللقيات فال بد من آفوهل اكئنا‬
‫مااكن ‪ ،‬فالينبغ آن تقرص عليه احملبة لهنا تزول بزواهل ‪ ،‬وتذهب بفنائه‬
‫‪ ،‬ومشس القلوب ويه املعارف والعلوم والرسار الادنية وااللقاءات‬
‫الوحيية ليس تغيب لهنا آنوار آزلية وآرسار حقية ‪ ،‬وواردات رابنية ‪،‬‬
‫ولطائف رسية ‪ ،‬ونفحات وقتية ‪ ،‬ومواهب امتنانية ‪ ،‬وعطيات رحامنية ‪،‬‬
‫ومالبس قدس ية ‪ ،‬ومشاهدات وصفية ‪ .‬فأين تغيب هذه ؛ بل يه‬
‫مس مترة ابس مترار ماعنه صدرت وبه تعلقت ‪.‬‬
‫فعىل املريد الصادق الديب املوافق آن يكون لك مهه التعلق هبذه‬
‫الشموس اليت التأفل والتغيب ‪ ،‬ولك طلبه ذل ك عىس آن يكون هل‬
‫نصيب مما هنا ك ‪ ،‬واليش تغل ابلنوار الفةل واحلظوظ العاجةل ‪ .‬فاالنسان‬
‫من حيث رشفه وعلومقامه ابلنوار الباقية واحلقائق ادلامئة ‪ ،‬واملشاهدات‬
‫الصافية ‪ ،‬والعلوم الوافية الابجلسم الفاين ومتعلقاته ودنيات حظوظه‬
‫ورذائل شهواته ودنيات مطالبه ومأربه الفانية املتومهة اليت ال حقيقة لها ‪،‬‬
‫والطائل والجدوى والانئل ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ان كنت ختطب نعامي البقاء لـه فليس ما آنت همـــــــــــمت به طلبا‬
‫فعن قــــــريب تزول العني والسببا‬ ‫اجلسم فــــان وان جلت ماكنته‬
‫‪278‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫مفطلب الروح آوىل ان يقام هل بغاية اجلهــــــــــد والتشمري والطلبا‬


‫ان كنت انسان فاعمل ماتراد هل فأنت ابلـــروح معروف ك النس با‬
‫فكن بشانه حريصا يك تكون هل حيا لتجمتع الحباب والقــــــــــــراب‬
‫فلك ماكنت من معىن حتاولــــه فاعمل بأنك بــــــــذاك الرس خمتطبا‬
‫كام متكنت فاطلب وسع ابلــــته من قبل يفــــــرتق الالت والنس با‬
‫فاذا اكن حاةل العبد النظر يف الوصاف العلية ‪ ،‬واكن الغالب عىل قلبه‬
‫التعلق هبا اكن لكام يصدر عهنا هل بغية ودليه منية ‪ ،‬وان اكن الغالب عليه‬
‫شهود النوار الفةل واحلظوظ العاجةل اكن ابلعكس من ذ ك ‪ .‬خفاطب‬
‫املؤلف من اكن الغالب عىل قلبه التعلق ابلنوار الزلية والصفات العلية‬
‫فقال ‪:‬‬
‫( ليخفف آمل البالء عنك ؛ علمك بأنه س بحانه هو املبيل ك ‪ ،‬فاذلي‬
‫واهجتك منه القدار هو اذلي عودك حسن االختيار )‬
‫ليخففن وحيملن عنك آهيا املؤمن بأن لك مايصدر يف الوجود من الحاكم‬
‫صادرة عن مش يئته ومعلومة هل وخمرتعة بقدرته ‪ ،‬وكنت حمبا ملن هذه‬
‫الوصاف آوصافه وراضيا به راب وحاكام وقاضيا ‪ ،‬فال جرم آن خيفف‬
‫عنك المل ويكون تأملك ابعرتاضك عىل حمبوبك ‪ ،‬وعدم حمبتك ملا آحب‬
‫آمل آشد مما ابتليت به ‪ ،‬لن ماابتليت به سينقيض وينهتي ‪ ،‬واعرتاضك‬
‫عليه آمل دامئ ولوم الزم ‪ ،‬يلزم صاحبه يف ادلار الخرة عار ‪.‬‬
‫فاذا عمل ذ ك خفف عنه الحماةل ماجيده ‪ ،‬فال يتأمل اال اجلسم والقلب ساكن‬
‫‪ ،‬بل قد اذا غلبه احلب يلتذ ‪ ،‬واذا التذ القلب فالعربة مبا يوجد يف‬
‫اجلسم ‪ .‬فاذا رست حمرقات البالاي من اجلسم اىل القلب ؛ فاذا اكن راضيا‬
‫‪279‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫سلامي سكنت تكل احلرارات والنت خشونة الطاعات ‪ ،‬وانعكست عىل‬


‫اجلسم ليهنا وبرودهتا ‪ ،‬فيسرتحي ذل ك وان اكن المل ابقيا فالتستبعد ذ ك ‪.‬‬
‫فلقد تذلذ ابلبالء ماالحيصون من الصفوة الصوفية اذلين ابرش قلوهبم‬
‫رصف اليقني ‪ ،‬وحتققوا حبقائق القرب والمتكني واذا اكن المر ابلضد من‬
‫ذ ك ‪ .‬فاذا رست البلية حبرارات وجهها اىل القلب ووجدته ممتليا ابحلزن‬
‫ذل ك والتربم مما هنا ك والسخط ؛ تضاعف آملها وانترشت عىل اجلسم‬
‫احرتاقاهتا ‪ ،‬فهذا من اكن ممتليا ابلشهوات ومكبال يف قيود العادات ‪ ،‬قد‬
‫رضبت عىل قلبه كثائف الظلامت احلاجبة عن التعلق ابلنوار القدس يات ‪،‬‬
‫واملشاهد الروحيات واللوان انكشفت عن قلوهبم هذه الغطية الكونيات‬
‫واحلجب الظلامت ‪ .‬فتعلقت قلوهبم ابلوصاف العال ‪ ،‬وتقدست آسامءمه‬
‫ابالمتالء بشهود املوىل ‪ ،‬فالتغريمه العوارض والتزلزل مواجيدمه عواصف‬
‫القضاء ‪ ،‬بل يكونون حمفوظني عند ورود القضاء ‪ ،‬موصوفون ابلرضاء‬
‫وان تعاقبت عىل ظواهرمه التغيريات فالقلوب ابقية عىل مايه عليه ‪،‬‬
‫فالخيتلجهم زيغ والميرتهيم ريب ‪ ،‬بل خترج آرواهحم ويه مش تاقة واىل‬
‫مايه متعلقة به تواقة ‪ .‬فانظر مبا مينح هللا عباده من صفوة وداده ‪ .‬فامحلد‬
‫هلل رب العاملني ‪ ،‬والعدوان اال عىل الظاملني ‪ .‬فاذلي واهجتك منه القدار‬
‫املناقضة ملرادك هو اذلي عودك حسن االختيار ‪ ،‬فال يكون ظنك به‬
‫س بحانه اال آن اخلرية يف ذ ك اخملتار كام عودك ‪.‬‬
‫فالعبد قد يكون االختيار هل غالبا فامي يناقض مراده وخيالف هواه وذ ك‬
‫ظاهر ‪ ،‬لن املصائب ادلنياوية مناقضة ملراد االنسان ويه خري هل يف‬
‫العقىب بال شك والمرية يف ذ ك ‪ .‬لن االنسان اذا آمعن النظر وحقق‬
‫‪280‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫واستبرص رآى لك حمبوب عنده مصيبة ‪ ،‬ولكام اكن آشد حبا اكنت‬
‫املصيبة عنده آعظم ‪ .‬فلك مصيبة تصيبه يف دنياه فهو عندها ‪ :‬آما ذو‬
‫فرحة ملا حيتس به عندهللا من عظمي الجر بوعده الصادق عىل ذ ك ‪ ،‬وآما‬
‫متخلص من وبيل تفجعه لك حني بتوقع املصيبة هبا ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫خيفف آالم مايــــــزنل بذي المل علمه بأن االهل احلق خمــــــــتار‬
‫فذا اذلي آنزل املقــدور واحتمك هو اذلي آورد آرسار وآنـــــوار‬
‫ليحملن مـــــــرير الرض والسقم حسن انتظار لفضل منه مدرار‬
‫واذا اكن للعبد بصرية وصفو رسيرة محل عنه مايشهده من لطف هللا يف‬
‫قضاايه ‪ ،‬فال قضية ينفك عهنا اللطف ‪ ،‬واللطف هو وجود احلق يف ذ ك‬
‫الوارد آما بطريق اجلالل ان اكن مما يالمئ البرش ‪ ،‬وآما بطريق امجلال‬
‫والعطف واالحسان ان اكن ‪ ،‬فلك من نظر بذ ك النظر واستبرص بذ ك‬
‫املعترب عمل ما آشار اليه املصنف رمحه هللا بقوهل هنا ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( من ظن انفاكك لطفه عن قدره ‪ ،‬فذ ك لقصور نظره )‬
‫من ظن وحمك ظنه بأن اللطف مل يقرتن ابملقدور وينفك عنه فذ ك الظن‬
‫الفاسد صادر عن قصور النظر عىل ماهو احلاةل الراهنة يف الوقت دون‬
‫آن يرمق عواقب المور ‪ ،‬آو ميعن النظر فامي قارنه من املصاحل ‪ ،‬ودفع‬
‫ماهو آعظم منه رضرا وآكرث خطرا ‪ ،‬ومل يعطى النظر يف العواقب‬
‫وخفيات اللطاف اال ثواقب آنوار اليقني ‪ .‬واذا اكن قارص النظر عن ذ ك‬
‫فاس تدل به عىل ضعف يقينه بقدر مايفوته من شهوده يف املقدورات من‬
‫اللطاف ‪ .‬فذل ك ملا مكل يقني النبياء وآاكبر الصديقني وخواص املقربني‬
‫الصفياء ‪ ،‬اس تالنوا البالاي ورآوها من مجةل الفضائل والعطااي ‪ ،‬كام قال‬
‫‪281‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫صىل هللا عليه وسمل " حنن معارش النبياء آشد بالء م المثل فالمثل "‬
‫مفن البالء ماهو يف العرض والبدن ‪ ،‬ومهنا مايكون يف املال والهل والودل‬
‫‪ ،‬فاذا تتبعت آحوال النبياء صلوات هللا وسالمه علهيم لقيهتم آعظم‬
‫الناس ابتالء وآشد مصايبا ‪ ،‬وآكرثمه عىل ذ ك صربا وآمجلهم جتادا وحتمال‬
‫‪ .‬مفن العرض ما رآيت ماينس بوهنم اليه من اجلنون والسحر والتكذيب‬
‫والتسفيه والسخرية ‪ ،‬وغريذ ك من آنواع القلب ‪ .‬ويف املال مايروى آن‬
‫مهنم بل آمكلهم وآعظمهم عصب احلجر عىل بطنه ‪ ،‬ومات ودرعه رهني ؟‬
‫ويقال ‪ :‬آن س بعني نبيا ماتوا يف السجود من اجلوع ‪ ،‬ومهنم من قتهل القمل‬
‫‪ ،‬والودل آما ترى آوالد نبينا محمد صىل هللا عليه وسمل لكهم قبضوا يف‬
‫حياته ومل يقل اال خريا ‪ .‬ومل حيملهم عىل حتمل ذ ك اال وفور اليقني‬
‫والثبوت يف ماكن المتكني ورؤية ما آودع هللا فهيا من خفااي اللطاف ‪.‬‬
‫وآما آحوال الصحابة والتابعني فأكرث من آن حترص وآظهر من آن تشهر مع‬
‫مامه عليه من الصرب امجليل اذلي يرامه من اليعرف مانزل هبم يف زي من‬
‫ترد عليه صنوف النعم ؛ من آنعم عليه ابملنة آودع مهنا من الطاقة‬
‫مايس تحقر اىل جنهبا لك نعمة ‪ ،‬فاكنوا الحيبون زوال مانزل هبم من البالء‬
‫‪ ،‬كام الحيب من نزل هبا الرخاء زواهل عنه والحتويل منه ‪ ،‬وماصري البالء‬
‫عندمه مبزنةل الرخاء عند غريمه مايرد عىل قلوهبم من اللطاف ‪،‬‬
‫ومايبارشها من روح اليقني وما آمرها عند غريمه اال قصور النظر عن‬
‫ذ ك ‪ ،‬وخلو القلب مما هنا ك ‪ ،‬فاللطف املقارن للبالاي آما آن يكون من‬
‫طريق االميان والعمل ‪ ،‬وآما آن يكون من طريق اليقني والكشف ‪ .‬فالول‬
‫آما آن يكون فامي وعد هللا الصابرين من اجلزاء وما آعد هلم من املثوبة‬
‫‪282‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫واملدحة عىل ذ ك ‪ ،‬آوما يدفعه عهنم مما هو آعظم مما هو فيه ‪ .‬فعند‬
‫ارسال النظر يف ذ ك امليدان يعمل ما هلل عليه فيه من املنة واللطف اذلي‬
‫اليوازيه معهل واليبلغه مطمعه اال بذ ك االبتالء ‪ ،‬فيتحمل ويصرب بل‬
‫يشكر هللا فيه عليه من عظمي الجر وخف اللطف ‪ ،‬فهذا وماشالكه من‬
‫حسن النظر من نتاجئ العمل واالميان ‪ .‬وآما مااكن من طريق اليقني‬
‫والكشف فهو مايتعرف هللا به اىل قلوب آوليائه من خفيات آالئه ‪،‬‬
‫ومامينح به آرسارمه من لطيف والئه ‪ ،‬فيكشف هلم خزائن القرب والعطاء‬
‫فيخريمه ماخيتارون ‪ ،‬فريون دنوه يف حاةل اضطرارمه وعندية انكسارمه ‪،‬‬
‫فيختارون ذ ك اختيارا ‪ ،‬وقد محل عهنم آثقال مايزنل هبم من البالاي مايرد‬
‫عىل قلوهبم من املنح والعطااي ‪ ،‬فيتذلذون بذ ك ويفرحون به فرح غريمه‬
‫ابلنعم الظاهرة بل آعظم ‪ ،‬لن هذه نعم دامئة والانقطاع لها والنفاد ‪ .‬والنعم‬
‫الظاهرة انفذة منقطعة ‪ ،‬فأين مابني النعمتني ؟وفرق مابني املنتني !‬
‫والتظن آن ثواب املتحملني وآجر الصابرين يفوت هذه الفرقة ‪ ،‬بل آعظم‬
‫املثوابت مع ماانلوا من التعرفات وآنواع القرابت ‪ .‬وآعظم مثوبة وآكرم هبا‬
‫من حتفة آن احلق س بحانه ينازل قلوهبم بذليذ اخلطاب وشهي اجلواب ‪،‬‬
‫ويكرهمم ويبجلهم بني آهل حرضته ‪ ،‬ويبايه هبم آهل مملكته ‪ .‬فانظر مايف‬
‫واردات القدار من اللطاف ونيل االسعاف ‪ .‬فأهل العمل واالميان‬
‫يتذكرون ما آصيب به ذووا املقامات العلية ومانزل هبم ومايصدر عهنم عند‬
‫ذ ك ‪ ،‬فاليرون مهنم اال صربا مجيال ‪ ،‬فيكون عزاء عىل ما آصاهبم ‪،‬‬
‫وجربا ملا آمل قلوهبم ‪ ،‬فهم آبدا يتتبعون الاثر ويتحسسون الخبار من نيب‬
‫آوويل آوصديق آوشهيد ‪ ،‬فتكون هلم آسوة وهبم عربة ‪ ،‬فالشك عند‬
‫‪283‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وقوفهم عىل آخبارمه ‪ .‬وبيان آاثرمه يف ذ ك يورهثم التحمل والصرب ‪،‬‬


‫وآهل اليقني والشهود يكون مشهدمه عىل وصف س يدمه وحسن اختياره‬
‫هلم ورضاه عهنم ؛ وايقافهم عىل فقرمه واضطرارمه وماهو املطلوب مهنم‬
‫بني يدي مليكهم ‪ ،‬فالشك آن يورهثم الرضاء عنه فامي فعل ‪ ،‬واختيار‬
‫مااختاره هلم ‪ ،‬فاليكون هلم معه اختيار ‪ ،‬ومل يتحسسوا عىل الاثر‬
‫وحيثون عىل الخبار ملامه يشاهدون من النوار وانظرون من الرسار‬
‫وحسن االختيار لغيبة الاثر بظهور الواحد القهار { وقل امحلد هلل‬
‫وسالم عىل عباده اذلين اصطفى } [ الية ‪ 59‬المنل ] ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫اللطف مقرون ابملقدوريعرف ذا من حقق آن االهل احلق خمـــــــــــتار‬
‫فال تظن انفاكك اللطف يف نفس تشهد بذ ك آحاديث وآثـــــــــــــــار‬
‫ولك قارص عن هذا فذو نظـــــر عن ظاهــــــر احلق مطموس وخمتار‬
‫اايك تقرص عن حتقيق مشهد من يشهد بعـــــــني الهدى مس تور آنوار‬
‫ومن مجةل اللطاف املقرتنة ابملؤملات العافية ما آعظم مهنا ‪ ،‬وماوعد هللا‬
‫علهيا من عظمي اجلزاء للمؤمنني ومعرفة ضدها ‪ ،‬فلوال المل مل تعرف نعمة‬
‫العافية ‪ ،‬ولوال املوت مل تعرف احلياة ‪ ،‬ولوال النار مل يعرف نعمي اجلنة ومل‬
‫يظهر رشف املطيع واملؤمن عىل الاكفر والعايص ‪ ،‬فاللطف مل خيل عنه‬
‫شئ ‪ ،‬ولوال اللطف مل يظهر رس العدل والعرف نعمي الفضل ‪ .‬فاملميون‬
‫من عرف لطفه يف سائر آقضيته ولوالالطول ؟؟ فان كنت التصادف من‬
‫قلبك شهود اللطف يف ممرات القضاء ومالمئاته ومجيع احلراكت والسكنات‬
‫يف سائر الوقات ؛ فاعمل آن نظر قلبك قد صدى ‪ ،‬وآظمل عليه غلبة‬

‫‪284‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫الهوى ‪ ،‬واس تولت عىل منظره املكدرات النفسانية واحلاجبات الش يطانية‬
‫؛ والس باب ادلنياوية ورؤية اخللق وامتاله مبا فيه من فس يح العادة ‪،‬‬
‫فاختذ لنفسك بصريا هتتدي هبديه ‪ ،‬وتقتدي حبسن آسوته ‪ ،‬وتهتذب‬
‫بصافيات آحواهل ‪ ،‬وتتأدب بصائبات آقواهل لتعمل عىل جالء بصرييتك‬
‫وتنوير رسيرتك ‪ ،‬ويزاح عنك الهوى وتلبيسه اذلي يعم عن رؤية احلق‬
‫وآههل ‪ ،‬ومىت معلت عىل ماذكران واجنال عن عني قلبك صدى الهوى‬
‫وظلمة اجلهل رآيت الطريق قد اتضح ‪ ،‬والباب قد انفتح ‪ .‬ذلا قال املؤلف‬
‫ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( الخياف عليك آن تلتبس الطرق عليك ‪ ،‬وامنا خياف عليك من غلبة‬
‫الهوى عليك )‬
‫الخياف عليك آهيا السا ك لطريق احلق ‪ ،‬والطالب مهنج الهدى آن تلتبس‬
‫وتشتبه عليك الطرق لوضوح احلق وبيان الهدى ‪ ،‬لن هللا س بحانه آنزل‬
‫كتبه وآرسل رسهل مبينني ومبرشين ومنذرين { لئال يكون للناس عىل‬
‫هللا جحة بعد الرسل } [ الية ‪ 165‬النساء ] وقال تعاىل { لقد جاءمك من هللا‬
‫نور وكتاب مبني * هيدي به هللا من اتبع رضوانه س بل السالم وخيرهجم‬
‫من الظلامت اىل النور ابذنه وهيدهيم اىل رصاط مس تقمي } [ الايت ‪16-15‬‬
‫املائدة ] وما ضل من ضل وغوي من غوي اال ابتباع الهوى وغلبة الغفةل‬
‫واجلهل ‪ ،‬فرمح هللا ابن الفارض حيث قال ‪:‬‬
‫وهنج سبييل واحض ملن اهتدى ولكامن الهواء معت فأمعت‬

‫‪285‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫والطرق يه ما آنزل هللا من الهدى والبينات ‪ ،‬فلك انسان من دلن آدم‬


‫اىل آخر اخللق جيد فيه طريق موصل اىل هللا اذا متسك به آوصهل وهداه‬
‫س بل السالم ‪.‬‬
‫ومن هنا قيل عىل التحقيق عن آهل احلق ‪ :‬آن القرآن لكه اثبت اليطلق‬
‫عليه النسخ ‪ ،‬لهنم مل تزنل قطرة من ماء التزنيل اال وجدت من آرض‬
‫القلوب لها موضعا حال نزولها ‪ .‬ومجيع آصناف اخللق الك مهنم عىل حمجة‬
‫منه آما هلم وآما علهيم ‪ ،‬فلك لكمة منه ولك آية ولك سورة لها يف اخللق‬
‫لكمة وآية وصورة ‪ ،‬ولك حرف هل طرف ‪ ،‬ومجموع القرآن بكامهل خياطب‬
‫لك انسان عىل حدته جبميع آوامره ونواهيه ومواعظه وجعائبه وقصصه ‪،‬‬
‫فيجد مجيعه متوجه اليه ابخلطاب ‪ ،‬ومالحظه ابملراقبة يف مجيع احلراكت‬
‫والسكنات { وآويح ايل هذا القرآن لنذرمك به ومن بلغ } [ الية ‪ 19‬النعام‬
‫] فافهم هديت ‪ .‬وما آمع من مع عن ذ ك اال غلبة الهوى واالعراض‬
‫عن ذكر املوىل وحتكمي اجلهل ‪ ،‬ونبذ العمل واس تحسان العادات واتباع‬
‫الشهوات ‪ ،‬ونس يان الرجوع اىل هللا وطول المل ‪ ،‬وتسويف العمل ‪،‬‬
‫والوقوع يف الهفوات وكرثة التخليط والزلل ‪ .‬ولو انكشف عن القلوب مغرة‬
‫آهواهئا وظلمة شهواهتا لرآيت احلق ظاهر الخفاء عليه ‪ ،‬والباطل ابطال‬
‫المرية فيه ‪ .‬اللهم آران احلق حقا وارزقنا اتباعه ‪ ،‬وآران الباطل ابطال‬
‫وارزقنا اجتنابه ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فال خياف التباس احلـــق ذا نظر صاف عن الران سامل عن هوى خطل‬
‫ان شئت آن هتتدي س بل السالم فال تسكل طريق ذوي التخليط والزلل‬
‫واجعل آمامك خريا تس تفيد بــــه علام وحاال وهذا غاية المـــــــــــــل‬
‫‪286‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وما آعز فىت يف ذا الزمان لـــــــه اىل العــــــــــال مهة تأاب عن الكسل‬
‫ايطالبا من رغيد العيش آحسـنه اتبع رجاال مسوا عن نفـــــــــةل المل‬
‫م ملا اكن الهوى من مقتىض البرش وهو مضاد ظهوره لظهور احلق ‪ ،‬علمنا‬
‫آن هللا س بحانه ببديع حمكته وسابق لكمته سرت احلق بظهوره ‪ ،‬وقد‬
‫علمت آن ماسوى احلق ابطل عدم فكيف يسرت احلق ‪ ،‬فعلمنا آن ذ ك‬
‫جتيل رس قهره وغلبة آمره ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف متعجبا ذل ك ومزنها آن‬
‫يسرته العدم آويدخل حتت غلبة ظهور الباطل ‪ ،‬قتحقق آن الباطل مل‬
‫يسرت احلق وامنا سرت احلق ابحلق ‪ ،‬وامنا جحب الباطل ابلباطل ؛ ذل ك‬
‫صدر هذه احلمكة ابلتسبيح فقال ‪:‬‬
‫( س بحان من سرت رس اخلصوصية بظهور البرشية ‪ ،‬وظهر بعظمة الربوبية‬
‫يف اظهار العبودية )‬
‫التسبيح هو لتزنيه احلق س بحانه عن آن يتصف بوصف يناقض الكامل ‪،‬‬
‫آوحيول يف ماهيته املثال ‪ ،‬آوحيده ابحلدود ‪ ،‬آوحتويه آكناف الوجود ‪،‬‬
‫آوخيىل عنه موجود ؟ والسرت هو الصون واحلفظ ‪ ،‬المن القهر واالحاطة‬
‫هنا ‪ ،‬ورس اخلصوصية هو ما آودعه هللا من رس توحيده آرسار خواص‬
‫عبيده ‪ ،‬فاكنوا بذ ك االختصاص عرفاء آدابء ‪ ،‬وآفادمه لك حال س ين‬
‫ريض ومقام علوي ‪ .‬واالختصاص هو امتنان اليف مقابةل معل والوس يةل‬
‫والمعةل والحيةل ‪ ،‬بل لطيفة من نور كامهل فهيا مجموعات جتليات جامهل‬
‫وجالهل ‪ ،‬ومجموع عليات آوصافه ‪ ،‬آهل لها يف سابق علمه وابطن آمره‬
‫قوابل اس تخرهجا من ظلمة العدم ‪ ،‬م آودع تكل القوابل وعني تكل‬
‫العيان ذ ك الرس االختصايص والوهب االمتناين والفيض الرابين والنفس‬
‫‪287‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫الرحامين ‪ ،‬م غار عىل رسه آن يذاع ملن ليس هل آهال ‪ ،‬فألبس تكل‬
‫اللطائف مبحيطات كثائف البرشية فافتقرت اىل مقمي يقميها ‪ ،‬ورب يربهيا ‪،‬‬
‫ورزاق يطعمها ويسقهيا ‪ ،‬فظهر عظمة الربوبية يف ظهور رس العبودية‬
‫وعظمة الربوبية يه آسامء القهر ‪ ،‬ولو مل يفتقر الهيا مل يظهر سلطان تكل‬
‫السامء ‪ ،‬والتغيبت مظاهرها ‪ ،‬فس بحانه ما آلطفه يف ظهور عظمته ‪ ،‬وما‬
‫آعظمه يف لطيف حمكته ‪ ،‬فهذا رس العبودية ‪ ،‬ولكام اكنت آصفا اكن‬
‫الظهور فهيا آمكل ‪ ،‬فاليرىق اىل مقامات الكامل ومل يعرج اىل س ين الوصال‬
‫اال يف سمل العبودية ‪ ،‬وسلمها هل اىل الكامل طرقان اليمت آحدمه اال‬
‫ابس تصحاب الخر ‪ ،‬فأحدهام اىل العلو ويسمى قلبا ‪ ،‬والخر اىل امخلول‬
‫واذلبول واالنكامش واالنطامس ويسمى نفسا ‪ ،‬فلكام نزلت النفس مزنال‬
‫صفا للقلب مهنال ‪ ،‬وعىل الروح مقاما ‪ ،‬واكتىس الرس جتليا ‪ .‬فهكذا‬
‫فالعبودية ابلقلوب وجود التعظمي واالجالل ‪ ،‬واالنطواء حتت حمرقات‬
‫اجلالل ‪ .‬والعبودية ابلرواح حسن التأدب واالطراق واحلياء وصيانة‬
‫اجلناب االلهي ‪ ،‬وعبودية الرسار ابالحرتاق بنريان التجيل واذلهاب يف‬
‫صفات احلق ‪ ،‬وعبودية النفس ابذلةل واالفتقار ودوام االنكسار‬
‫واالس تغفار ‪ ،‬وصفو اخلدمة عن شائبات االغرتار ‪ ،‬وغري ذ ك مما الينقيض‬
‫ابنقضاء العامر ‪ .‬ولو ظهر رس الربوبية الحنل نظام العبودية ‪ ،‬مفن هنا‬
‫الجيوز ملا انكشف هل اظهاره ؛ بل يصونه ويسرته لبقاء هذا النظام والتحام‬
‫هذا املقام ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فف العبودية آرسار ظــــهرت هبا آسامء االهل ورشع ادلين واحلمك‬
‫فلو ظهر مل يقم ديــن كــــذاك وال تغيبت صـــــور الحاكم واللكم‬
‫‪288‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫رس اختصاصات يف الزال من هبا عىل لطائف آعيـــان يف الــقــــدم‬


‫واذا علمت آن عظمة الربوبية مل يمكل ظهورها ومل يرشق نورها‬
‫اال يف رفعة العبودية ؛ ويه البقعة املباركة والزيتونة املضيئة ‪ ،‬واخلصةل‬
‫الرضية ‪ ،‬فيكون حينئذ من آقمي فهيا وآحسن االس تقامة فهيا فقد تمكلت‬
‫دلية املنة ‪ ،‬وعظمت عنده النعمة والعبودية ‪ ،‬كام علمت آماظاهرا آوابطنا‬
‫‪ .‬قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( التطالب ربك بتأخر مطلبك ولكن طالب نفسك بتأخر آدبك )‬
‫التطالب ربك وتأخره يف آمر تطلبه منه فالتس تحق عليه حقا ‪،‬‬
‫فاملربوب حمكوم عليه والرب يترصف من غري جحر عليه والبينة فامي آمره‬
‫اليه ‪ ،‬فانه اليسأل عام يفعل لكامل ربوبيته وقهر آلوهيته ‪ ،‬ومه يسألون عن‬
‫آداء حق رهبم ‪ ،‬وتعظمي جناب اهلمم عن آن يشارك يف مملكته ‪ ،‬آويعارض‬
‫يف آقضيته ‪ ،‬وليس جناب الربوبية حمال للمطالبة ؛ وحمل املطالبة مقام‬
‫العبودية ويه النفس ‪ ،‬مفن عكس القضية فهو ابلعبودية آجدر ‪ ،‬ومن‬
‫وبيل الناكل آحذر ‪ ،‬حيث طالب من هو مس تد المر والتقدير ملن هو‬
‫حمل املطالبة ابلقيام حبق ذ ك املقدور احلكمي والس يد العلمي ‪ ،‬فالخيفى ما‬
‫يف ذ ك من سوء الدب وفضيع اجلهل من وجوه عديدة ‪ .‬مفن االعرتاض‬
‫يف آحاكم هللا مبا هو ممنوع عنه ‪ ،‬والخر التخري عليه مبااليعمل فيه بوجوه‬
‫اخلري ‪ ،‬والثالث االس تعجال واهتام هللا يف وعده ‪ ،‬وذ ك هو الظن السوء‬
‫‪ ،‬بل حق العبد آن يطلب من هللا مع التفويض مبا هو اخلري عنده‬
‫والصلح دليه ‪ ،‬ويكون طلبه عبودية ال حلظ يطلبه ‪ ،‬بل ان انل ذ ك‬
‫املطلوب فقد ظهر به آثر االجابة ‪ ،‬وحققه مبا اليظهر فهو من العمل‬
‫‪289‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫املس تأثر به دون خلقه ‪ ،‬فليس هل آن يطالبه بظهور ما هو مس تأثر به ‪،‬‬


‫بل يسكن ويطمنئ وحيسن ظنه واليقطع من فضل هللا عزمه ‪ ،‬بل ينتظر‬
‫عىل ممر الساعات والوقات والنفاس فلها آوقات تظهر فهيا آاثرها ‪ ،‬فقد‬
‫تظهر من حيث الحيتسب ادلاع آن ذ ك من آاثر ادلعاء ‪ ،‬فادلعاء‬
‫واملدعو به وادلاع بأحاكم آزلية مزمومة بيد قادر حكمي ‪ ،‬قد قدر‬
‫الوقات والحوال ومقدار المور ‪ ،‬فالشئ يتعدا وقته واليتقاعد عنه ‪،‬‬
‫فاذاعمل العبد ذ ك فأحسن آحواهل مطالبته نفسه ابلدب ‪ ،‬فهو املطلوب‬
‫منه لهذا احلامك القادر وهو ربه وس يده ومليكه ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫وقت مىت حان آابنه آىت جعــل‬ ‫فالتطالب ابملطلــــــــــوب آن هل‬
‫مهنا فذاك مقام العبد يف العمل‬ ‫وطالب النفس ابحلق اذلي طلبا‬
‫م اذا آقامك هللا فامي هو املطلوب منك وذ ك بأن يقمي ظاهرك يف‬
‫خدمته وامتثال آوامره ‪ ،‬وابطنك مستسلام حلمكه ومنقاد ملش يئته ‪ ،‬يتلقى‬
‫مواقع القدر ابلرضا والتسلمي ‪ ،‬ويقمي نفسه يف الحاكم عىل حد المر‬
‫اليتعداه ‪ ،‬واليطلب القيام يف سواه ‪ ،‬بل يكون غاية مطلبه امتثال لمر‬
‫س يده ‪ ،‬فاذا اكن كذ ك فال مرية يف آنه قد آمكل نعمته عليه ‪ ،‬ذل ك قال‬
‫املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( مىت جعكل يف الظاهر ممتثال لمره ‪ ،‬ورزقك يف الباطن‬
‫االستسالم لقهره ‪ ،‬فقد آعظم املنة عليك )‬
‫مىت جعكل واس تخلصك وثبتك يف الظاهر ؛ آي يف ظاهرات‬
‫الفعال وسنيات الحوال يف القوال وسائر العامل سواء اكنت من قبيل‬
‫المر آواجتناب الهني ‪ ،‬واجبا آومس تحبا ‪ ،‬حمرما آومكروها ممتثال لمره‬
‫‪290‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ومثابرا عليه ‪ ،‬ومجموع اهلم وفارغ القلب اليه ‪ ،‬مبادرا اىل ما ندبت اىل فعهل‬
‫‪ ،‬متباعدا عام هنيت عن االقدام عليه ‪ ،‬حريصا عىل اكتساب احملامد‬
‫واملاكرم ‪ ،‬مس تصحب الس نة يف مجيع ماتأخذ وتذر ‪ .‬وقوهل ‪ :‬جعكل ؛‬
‫يشري اىل خلقك وفطرتك واقامتك ‪ ،‬لن اجلعل مبعىن اخللق ؛ آي اقامك‬
‫يف عام خلقيتك وجبل خلقك وجسيتك ‪ ،‬اذ هو اذلي طلب من العباد‬
‫من غري التفات اىل جزاء عىل ذ ك بل حمض تعبد ملن هو آهل ذل ك ‪.‬‬
‫ورزقك االستسالم وهو االنقياد للحاكم ابطنا وعدم التعرض يف القضية‬
‫القهرية ‪ ،‬بل كام آنفذت ابالسالم ظاهرا اذلي هو امتثال الوامر واجتناب‬
‫املنايه من غري توقف ‪.‬‬
‫كذ ك تكون منقادا للحاكم القهرية ابطنا فهو االسالم االبراهمي‬
‫اذلي قال هللا لنبيه ابراهمي صىل هللا عليه وسمل آسمل قال ‪ :‬آسلمت لرب‬
‫العاملني ‪ ،‬فافهم آنه مل يكن قبل ورود ذ ك اخلطاب غري مسلام ظاهرا بل‬
‫املراد من ذ ك االستسالم للربوبية ابطنا ‪ ،‬فوفا مبا قال ظاهرا اذ قال‬
‫ممتثال حيث آخذ ليطرح يف النار ‪ :‬حس يب هللا ‪ ،‬فهذا امتثاال لمر ظاهر‬
‫‪ ،‬فوفا مبعىن قوهل ذ ك وهو االستسالم ابطنا ملا تلقاه جربيل يف الهوى‬
‫فقال هل ‪ :‬آ ك حاجة ؟ فقال ‪ :‬آما اليك فال ‪ ،‬فهذا معىن االستسالم‬
‫للحمك يف حال وروده عليه ‪ ،‬فامتحن ليظهر صدق اسالمه يف استسالمه‬
‫مع ما هو عليه يف تكل الساعة من االحتياج اىل السالمة من التلف ‪،‬‬
‫وآظهر رس افتقاره اىل هللا وعدم اغتناه يف وقت اضطراره اليه ‪ ،‬ومل يقطع‬
‫طمعه يف هذا الوقت فقال ‪ :‬وآما اىل هللا فبىل ‪ ،‬فامتحن ابللطف من‬
‫ذ ك وآخفى س امي يف حاةل ورود احلمك ‪ ،‬فقال هل ‪ :‬سهل آن ينجيك ؟ فقال‬
‫‪291‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫مفصحا عن تسلميه وانطوائه عن ارداته واختياره ‪ ،‬وانطراحه عن حوهل‬


‫وقوته وصدق جلائه ‪ ،‬وحتقيق شهوده ملعبوده ‪ ،‬ورؤية قربه اذلي اليراين‬
‫واس تغراق معيته يف معية ربه ‪ ،‬وارتفاع احلجب الغريية ‪ ،‬وذهاب املظاهر‬
‫البرشية فقال ‪ :‬حس يب عن سؤايل علمه حبايل ‪ .‬فقوهل آوال ‪ :‬حس يب هللا‬
‫فناء عن اخللق مجةل ‪ ،‬وقوهل ‪ :‬حس يب عن سؤايل فناء عن نفسه ‪ .‬فهذا‬
‫مظهر حتقيق مقام القرب ‪ ،‬ومادون ذ ك مقامات يف طريق اليقني ‪.‬‬
‫فاذا رزق رسك هذا الشهود وحقق قلبك هبذا الوجود ‪ ،‬وآقام‬
‫ظاهرك ابلقيام حبق املعبود ‪ ،‬فقد آمكل منته عليك ظاهرا وابطنا وآس بغ‬
‫نعمته عليك ‪ ،‬فال تطلب بعد ذ ك حاال ‪ ،‬والتنتظر وراءه عطاء ‪ ،‬فلك‬
‫من عبده لنيل مأرب آوحصول مطلب فعبادته مشوبة وآحواهل حمجوبة ‪.‬‬
‫فالعبد الينتظر عىل خدمته لس يده جزاء بل يرى املنة لس يده حيث جعهل‬
‫ذل ك آهال ‪ .‬واال مفن آنت وماقمية معكل فامي تظن ‪ ،‬واال فعمكل منة منه‬
‫مىت تودي حق شكرها ؟ ومىت تقوم بواجب حمكها ؟ مفا آجدرك ابحلياء‬
‫من هللا يف حال قيامك هبا ‪ ،‬وما آحقك ابالزدايد مهنا طلبا للقيام بشكرها‬
‫‪ ،‬فضال عن آن تطلب يف مقابةل ذ ك جزاء آونيل عطاء ‪ ،‬فأعظم‬
‫بوجودها عطاء ‪ ،‬واس تخالصك لها من بني خلقه جزاء ‪ ،‬ويل يف ذ ك‬
‫شعرا ‪:‬‬
‫مىت رزقت امتثال المر فارض بـه فذاك من آوفر القسام واملـــــــنن‬
‫وآما اذا كنت مستسمل حلمكـــــته يف ابطن المر سامل من هوى الفنت‬
‫فاعمل بأنه آمت افضال نعمــــــــــــته دليك فاعرف حبق هللا يف املـــــنن‬

‫‪292‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فالتخصيص ابلقسام الظاهرة والحوال واملقامات يف الفعال‬


‫والقوال والنيات آوال ‪ ،‬م التخليص عن رؤيهتا اثنيا ‪ .‬فالتخلص مهنا مقام‬
‫العرفان ‪ ،‬والتخصيص للعباد من الفضل واالمتنان ذل ك ‪ ،‬واليلزم من‬
‫وجود آحدهام وجود الخر ؛ فقد خيص ابلقسام الظاهرة من مل يمكل يف‬
‫مقامات العرفان ختلصه ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( ليس من ثبت ختصيصه مكل ختليصه )‬
‫ليس من ثبت يف مقام العامل واختص مهنا مبزيد الفضل واالمتنان‬
‫‪ ،‬وظهرت عليه آاثر العناية يه مايقمي هللا فيه عبده من صنوف الطاعات‬
‫وآنواع املوافقات ‪ ،‬اليت يه شأن آرابب العبادات ‪ ،‬وثبتت دليه تاكمل‬
‫يف مقام التخليص عن رؤية النفس وما مهنا ولها ‪ ،‬فالول حال املريدين‬
‫وحفول السالكني والتخليص وآاكبر الصديقني املقربني ‪ ،‬فلهم التخليص‬
‫بطريق آولوي حيث اكن هلم التخليص والعكس ‪ ،‬فالولون مطالبون‬
‫ابخالص العامل وتصفية الحوال عن الشوائب القادحة يف صدق‬
‫العبودية ‪ ،‬والعارفني يطلبون الفناء عن رؤيهتم وشاهدمه ‪ ،‬وذ ك ملا مه‬
‫مطالعون من رس التوحيد املفين ملظاهر التعديد ‪ ،‬املوقف عىل ذروة‬
‫التفريد ‪ ،‬فش تان بني من يطلب ختليص معهل وبني من يطلب غيبته عن‬
‫رؤيته وفناء آنيته ‪ .‬فأهل التخليص هلم الكرامات وخوارق العادات ‪ ،‬فهبا‬
‫يفرحون والهيا يسكنون ‪ ،‬واليؤمن علهيم يف سكوهنم الهيا من الصوةل هبا‬
‫واخلروج عن حد العبودية ‪ ،‬فيكون من آداة ثبوت التخصيص اىل حد‬
‫خيرجه عن طور العبودية آقرب اىل املكر ان مل يتداركه بلطفه ويتواله‬
‫بعطفه ؛ فريده عن اس تطالته ويوقفه عىل ذلته وفقره واضطراره ‪ .‬واكنوا‬
‫‪293‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اليكرتثون هبا اغتناء بوجود احلق عهنا ‪ ،‬واكتفاء بنظره الهيم دوهنا‬
‫فاليسترشفون الهيا ‪ ،‬وان وقعت عىل آيدهيم كفاحا مل يزدادوا هبا فرحا‬
‫واليوجد مهنم مرحا ‪ ،‬بل يكونون عبيد املعبود ‪ ،‬واليترصفون مقتا‬
‫لنفسهم آن تكون معه مزامحة ويف آحاكمه مشاركة ‪.‬‬
‫وآهل التخصيص اذلين آقميوا يف احلال وساعدهتم العناية وترصفت‬
‫بترصفهم القدرة الحيمك هلم ابلتخلص ‪ ،‬بل حاهلم آن اليأمنوا من آن يكون‬
‫ذ ك هلم اختبارا وامتحاان لصدق عبوديهتم ‪ ،‬فهم مع بروزها عهنم غري‬
‫مأمون علهيم من فتهنا والركون الهيا ‪ .‬وآماالعارفون وخواص املقربني‬
‫فاليطلبوهنا حتداي وان وقعت عىل آيدهيم فريوهنا من مجةل مقدورات هللا‬
‫وان طلبوها يف بعض الحايني فالمور اقتضت مهنم آن يظهروها ‪ ،‬وذ ك‬
‫آما آن تظهر هلم يف آنفسهم فذ ك آضعف االرادة والنية فيطلبوهنا تثبيتا‬
‫الرادته وتقوية لنيته ‪ ،‬وآما آن تظهر هلم من غري شعور مهنم بل عناية من‬
‫هللا هبذا العبد اذلي ظهرت هل ولطفا بوليه ‪ ،‬ويكون احلق يظهر مبثاهل‬
‫لهداية عباده ‪ ،‬وهذا يكون للخليفة ومن قرب مقامه من آهل الكامل ‪،‬‬
‫وآما آن يظهرون الكرامة دلفع رضورة دينية انجزة عن خصوص اخللق‬
‫آومعوهمم ‪ ،‬وقليل مايترصفون هبا ملا نزل هبم بل يكونون يف النوازل‬
‫ادلنياوية كغريمه بل آعظم حتمال وجتادا ‪ ،‬واليلنفتون اىل آن جيمعوا مههتم‬
‫يف رفع ذ ك ‪ ،‬بل يفرحون بزنول البالاي ادلنياوية ويغتبطون هبا وملن هلم‬
‫به عناية آيضا من آحصاهبم وخواصهم ‪ .‬وآما عن معوم املسلمني فيبذلون‬
‫وسعهم يف ايصال املنافع ودفع املضار عهنم ‪ ،‬فيدخل الواحد مهنم خلوته‬
‫فالخيرج مهنا اال وقد شفعه يف من اجمتعت مهته هل ‪ ،‬واذا آراد احلق ما‬
‫‪294‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫آنزهل به آما بأن حيجبه عنه آويكشف هل عن وجه الصواب هل يف ذ ك ‪.‬‬


‫وآكرث اخلوارق والعادات تكون ملن خرق من نفسه العادات ‪ ،‬ومن البهل‬
‫اذلين جتري علهيم من غري التفات مهنم الهيا ‪.‬‬
‫وآما العارفون وآاكبر املوحدين فقد آكرموا يف آنفسهم مبا فيه غنامه‬
‫عن ظهور خارق لعادة ‪ ،‬فالكوان هلم هميعا واحلرضة هلم منرية ومتسعا ‪،‬‬
‫والايت هلم انطقة ‪ ،‬والبصائر مهنم خارقة ‪ ،‬والنوار علهيم شارقة ‪ .‬فرؤيهتم‬
‫آكرب الكرامات ‪ ،‬وحمبهتم آعظم املثوابت ‪ .‬فينظرون من وراء آس تار‬
‫الكون آرسار القدر ‪ ،‬تتجال هلم وتناطقهم مبا فهيا من القدار ‪ ،‬فال يكون‬
‫عندمه فرق بيهنا وبني القدار الظاهرة بل يروهنا من مظاهر االمس الباطن‬
‫‪ ،‬ويرون ظواهر املقدورات واحاطة الهوية احلقية قد آحاطت بالك‬
‫االمسني ذل ك اليلتفتون الهيا لغنامه عهنا هبوية الظاهر فهيا حيث ماتقلبت‬
‫احلاالت ‪ ،‬واال فهي آي الكرامة مرتبة الرابنيني وسبيل الروحانيني ‪ ،‬فال‬
‫جتهل والتس تقبل اال اذا قارهنا الركون واالغرتار هبا ‪ ،‬فعدهما عند خوف‬
‫ذ ك آمت للمريد وآحسن وآمكل ‪ ،‬لنه اذا مل تظهر عنه يبقى يف ذةل‬
‫انكساره واضطراره ‪ ،‬اليرى لنفسه قدرا ‪ ،‬واليشهد لها مزنال والخطرا ‪،‬‬
‫وذ ك آمحد آحوال املريدين ومعدة طريق السالكني ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ما لك من ثبت التخصيص يمكل يف ختليص آحواهل عن شائب القـدر‬
‫فاملكرمات من التخصيص تظهر يف من حاهل آن اليرى للكون من آثر‬
‫فال تراها ترى يف غالبا هــــديف اال عىل البهل اليدري هبا خــــــــرب‬
‫والعارفون هلم من آعظم الرش يف حيظون به يف آعايل املنظـر النرض‬

‫‪295‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وآحواهلم يف ظهور الكرامات وخوارق العادات خارجة عن احلرص‬


‫‪ ،‬ولك عىل حسب حاهل ومقاهل ‪ .‬مفهنم من يظهر هل التأثريات الوصفية ومه‬
‫العارفني وآاكبر املقربني ‪ ،‬ومهنم من يظهر هل التأثريات الفعلية ومه آهل‬
‫الصدق من الزهاد وآهل الخذ يف طريق الحوال ‪ ،‬فيترصفون يف الكوان‬
‫ابللكمة اجلامعة اليت هبا تكون املكوانت ‪ ،‬وظهرت عهنم املبدعات ‪.‬‬
‫وآما ابذلات فيختص به املقام النبوي وهو مجموع الس بع الصفات‬
‫وهو ‪ :‬الروح القديس اذلي نفخ يف الروع احملمدي ‪ ،‬والعارفون يكون‬
‫مبتفرق هذا اجملموع مفهنم ‪ :‬ابلبصري ‪ ،‬ومهنم ابلسميع ‪ ،‬ومهنم ابحل ‪ ،‬ومهنم‬
‫ابلعامل ‪ ،‬ومهنم ابملتلكم ‪ ،‬ومهنم ابلقادر ‪ ،‬ومهنم ابملريد ‪ .‬ولك من انفتح هل‬
‫يف وصف اكن مقامه آثر ذ ك الوصف ومه ابلترصف ابلفعال آحرى ؛‬
‫لكن الفعال فروع عن هذه الوصاف ‪ .‬فلك من اكن مقامه آصل من‬
‫هذه الصول آومن غريها من السامء املدخرة املس تأثرة عنده فترصفه هبا‬
‫وينسحب عىل ماتفرع عهنا يف الوجود من الفعال ‪ ،‬وهللا آعمل برس ذ ك‬
‫وماعداه من الرسار ومصوانت الرسار ومرشقات النوار ‪ .‬فلك مقام من‬
‫هذه لوآخذان يف بيانه يف الطوار اخللقية لداء اىل طول خيرج عن كونه‬
‫رشحا ‪ ،‬فالرشح حمكه آن يبني املراد من احلمكة وما مسح من تفاصيل‬
‫آحاكهما ومتعلقاهتا اللك التفاصيل ‪ ،‬فانك ان آردت ذ ك مل تقف هل عىل‬
‫غاية تنهتي اليه ‪ ،‬لن االنهتاء اىل هللا ‪ .‬والغاية تنهتي اليه آوصافه ‪ ،‬بل‬
‫لك آوصافه حبر ‪ ،‬فالساحل هل والقعر ‪.‬‬
‫فلرنجع اىل ما حنن بصدده من رشح الكم املصنف يف ذ ك ؛‬
‫والكرامات يف البداية رمبا تكون امتحاان للمريد فان وقف عند ظهورها ومل‬
‫‪296‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫يطلب ختاما غريها فذ ك لقةل حظه وعدم قسمه يف مقام املعرفة ‪ ،‬ومن مل‬
‫يقف عندها كذ ك ومل يساكهنا بل بق مس مترا يف طلبه ؛ مشمرا يف‬
‫سلوك ارادته ظفر مبراده ‪ .‬واملراد هنا الكرامات اليت يه من طريق‬
‫الحوال يف مظاهر الفعال ‪ ،‬وآما الكرامات اليت يه آاثر الصفات فهي‬
‫املعرفة بعيهنا ‪ ،‬اال آن مقاماهتا خمتلفة ابختالف متعلقاهتا ‪ ،‬فلكام اكن آوسع‬
‫يف ذ ك اكن آمكل يف املعرفة ‪ .‬مفن عرفه من لك صفاته ليس مكن عرفه‬
‫من بعضها ‪ ،‬ومن عرفه من بعض آوسع وآمع ليس مكن عرفه من بعض‬
‫آخص من حيث خصوص احلرص المن حيث خصوص الترشيف ‪ ،‬فاذا‬
‫آطلق اخلصوص يف مقام اخللق فهو الرشف ‪ ،‬واذا ذكر يف مقام احلقيقة‬
‫فالعموم فهيا آرشف ‪ ،‬لن معوم احلقيقة اتساع ‪ ،‬وخصوصها حرص ‪،‬‬
‫وخصوص اخللق ترشيف واختصاص ‪ ،‬ومعوهما اطالق يف معوم آكرثية‬
‫اجلهل والغفةل ‪ .‬واذا عرفت آن طلب العارفني القيام حبق عبودية هللا دون‬
‫التفات اىل احلظوظ ؛ قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( اليس تحقر الورد اال هجول )‬
‫الوارد يوجد يف ادلار الخرة ‪ ،‬والورد ينطوي ابنطواء هذه ادلار ‪،‬‬
‫وآول مايعتىن هبم ماخيلف عنك وجوده ‪ :‬الورد هو طالبه منك والوارد‬
‫آنت تطلبه منه ‪ ،‬وآين ماهو طالبه منك مما هو مطلبك منه ‪ .‬الس تحقار‬
‫اسقاط النظر عن املس تحقر لقلته وعدم جدواه ‪ ،‬فيسقط االهامتم بشأن‬
‫املس تحقر واليراه بعني التعظمي ‪ .‬والخفا آن اس تحقار الوراد اليت يه‬
‫العامل ابلس نة واالئامتر لوامرها ظاهرا وابطنا نبذ للرشيعة واس تخفافا‬
‫بشأهنا واس هتانة مبقاهما ‪ ،‬وذ ك هجل فضيع ومكر شنيع ‪ ،‬فالورد‬
‫‪297‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫مايس تعمل العبد من العبادات ووظائف اخلريات ‪ ،‬وحمل االس تعامل‬


‫والهتاء اجلوارح ‪ ،‬واجلوارح فرصة اماكهنا احلياة ‪ ،‬فعند فناهئا وانطواء‬
‫ظهورها وانكساف نورها وانهتاك س تورها مبحتوم املوت احملتوم واخنرام‬
‫الجل املعلوم تبطل وتنعدم ‪ ،‬فال يبقى للعامل آنه يظهر هبا فالشك آهنا‬
‫منطوية ابنطواهئا ومنقضية ابنقضاهئا ‪ ،‬فالعاقل املميون آحق ابن يتالفا ما‬
‫يفوت بفوات حياته قبل جهوم مماته وفناء آوقاته ‪ .‬والوارد هو مايرد عىل‬
‫القلوب والرواح والرسار من اللطاف ‪ ،‬ويتجىل عىل الرواح من آرسار‬
‫امجلال ‪ ،‬ويغمرها من ذليذ الوصال ‪ ،‬ويس تغرق الرسار ويكس هيا من بدع‬
‫امجلال ‪ ،‬ومايعمرها من جتيل الكامل ‪.‬‬
‫وهذه املراتب كام قدمنا ذ ك التفىن واليتطرق الهيا االنعدام ‪ ،‬لهنا آاثر‬
‫وآنوار وآرسار آسامئه وصفية ذاتية ‪ ،‬وهذه الوصاف احلقية والسامء‬
‫االلهية اليتطرق الهيا الفنا واليعتورها التغري والبال ‪ ،‬فهي ابقية متأهةل للك‬
‫مايرد علهيا ‪ ،‬ومتلقية مايصل الهيا من الواردات وبديع الايت ‪ ،‬فالعبد مبا‬
‫يفوت بفوات حياته ؛ وينقيض ابنقضائه آوىل بأن يعتىن هبا ويغتمن مبا س نح‬
‫هل مهنا ‪ ،‬ويه حق احلق من العبد ‪ .‬والورد حق العبد من احلق وآوىل‬
‫ابلعبد آن يكون حبق س يده من آن يطالب س يده حبقه منه ‪ ،‬فال خيفى‬
‫مايف ذ ك من اساءت الدب آن يطلبه حظ ‪ ،‬والتطلب نفسك حبقه‬
‫منك فأين املطلبني ؟ فالعارفني قامئني حبق معبودمه وممتسكني حببل‬
‫عبوديته وان تعاقبت علهيم واردات اللطاف وتوالت دلهيم مزااي االسعاف‬
‫‪ .‬فلكام آورد علهيم من آلطافه تضاعفت آعامهلم فزتكت آحواهلم ‪ ،‬فلك وارد‬
‫آوثق صاحبه عن العمل مع اماكن فعهل فالاعتداد به والالتفات اليه ‪ ،‬بل‬
‫‪298‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ذ ك نقص ‪ .‬والعمل من العامل عىل التحقيق آليق من عقد عىل جيد حس ناء‬
‫كام حيك ذ ك عن اجلنيد ‪.‬‬
‫وآعامل العارفني مأمونة لخذمه هبا عن هللا وقياهمم هبا ابهلل ‪ ،‬فاليتطرقها‬
‫قادح واليداخلها حمبط لفنامه عن آنفسهم فهيا وذهاب رؤية الغيار وجتيل‬
‫ظهور الواحد القهار ‪ .‬فالعجب والرايء عهنم اليصدران ‪ ،‬واحلسد مهنم‬
‫الميكن ظهوره ‪ ،‬ومامل يصل املريد اىل رصحي املعرفة اليؤمن عليه ورود‬
‫هذه احملبطات ‪ .‬ومااكن العارفني اال آمئة للمتقني ومرشدين للطالبني ‪.‬‬
‫فليس املعرفة تقتيض آن يرتك العامل ويطمنئ اىل البطاةل واملالةل ‪،‬‬
‫فاليظن ذو غباوة آن العارفني وآاكبر الصديقني شأهنم ترك العامل وعدم‬
‫التفقد يف تصفية الحوال ؛ فذ ك الظن هبم ميل عن طريق االعتدال ‪،‬‬
‫واهنامك يف آودية الضالل ‪ .‬فقد يغرت ذو فهم سقمي بظهور صورة كرامة‬
‫آوافصاح بصورة معرفة من حتقيق فيقف عند ذ ك ‪.‬‬
‫وقد قالوا ‪ :‬آن التعبري عن املقام قبل العثور عليه واالفصاح عنه قبل‬
‫وصوهل من ما يبتيل به كثري من املدعيني ‪ ،‬ويقف عنده مجةل من‬
‫املغرورين ‪ ،‬فيطلبون آن ليس ورى مامه عليه مقام حيث تيرس هلم‬
‫التشدق ابلالكم وزخارف اخلياالت من حتسني احلاالت ‪ ،‬وذ ك اهنامك‬
‫يف حبور الضالالت ‪ ،‬ووقوع يف حبائل املهلاكت ‪ ،‬فاهللا الجيعل‬
‫حظناعند القوال دون حتقيق الحوال وتصفية العامل ‪ ،‬واذلي يبقى يف‬
‫الخرة هو ماعاملت به هللا س بحانه من العامل احلس نة والخالق‬
‫املرضية واحلاالت السنية ‪ .‬والوراد كثرية ولكها محمودة ولكن مهنا مايراد‬
‫للفاحت واليت للكسب علهيا تعويل ذوي الرغبات يف نيل ادلرجات يف‬
‫‪299‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اجلنات ‪ ،‬واذلي للفتح يه اليت علهيا تعويل آهل الصدق واالرادات ‪،‬‬
‫ولك عرب عن مااكن هل مهنجا ولروحه معراجا ‪ ،‬فواحد قائل آفضل الوراد‬
‫الصالة واس تدل بذ ك بدالالت واحضات ‪ ،‬ومهنم من قائل بتالوة القرآن‬
‫وهل يف ذ ك آكرب دالةل وآفصح مقاةل ‪ ،‬ومن قائل بأن آفضل الوراد الاهل‬
‫اال هللا لهنا لنف الغيار وجلب النوار وحتقيق الرسار معراجا ‪ ،‬ولطريق‬
‫املعرفة ابلتوحيد اخلاص مهناجا ‪ .‬ومهنم يف التسبيح والتحميد الس تغراق‬
‫روحه يف حبار التزنيه والالء ‪ .‬ومهنم يف االس تغفار لنه لران اذلنوب جال‬
‫‪ ،‬ولتفرجي اهلموم آصال ‪ .‬ومهنم يف الصالة عىل رسول هللا صىل هللا عليه‬
‫وسمل لهنا لكفاية اهلموم دنيا وآخرى ‪ ،‬ونيل املطلوب برزخا ومقرا ‪،‬‬
‫وللمقام ثباات وعىل احلب برهاان ‪ ،‬وللقرب يف املنازل الروحية سلام ‪ ،‬ومن‬
‫املعضالت آماان ‪ ،‬ولك سا ك عىل طريق من هذه الوراد محمود ‪ .‬ومهنم‬
‫من اختار اجلهر يف الذاكر وجحته آنه جلنود الهوى قاهر ‪ ،‬وعىل جنود‬
‫الضالل ظاهر ‪ .‬ومهنم من اختار الرسار وجحته آنه آقرب اىل كونه عند‬
‫املشاهدة آديبا ‪ ،‬وخلطاب الرس جمنبا ‪ .‬ومهنم جعل جهره آذاكر الروحانيني‬
‫الرصف وهو اثبات من غري نف ‪ .‬ومهنم من جعل ذكر الهوى آمامه ‪،‬‬
‫واندرجت يف ظهور الهوية آعالمه ‪ .‬ومهنم من اكن يف آذاكر االشارات‬
‫الدراج العبارات ‪ .‬ومهنم من ورده مراعاة الحوال القلبيات وحتقيق‬
‫الورادات الغيبيات والميكن استئصال آوراد مجيع املقامات ‪ ،‬فكيف‬
‫يس تحقر هذه املواهب الرابنيات ‪ ،‬آويس تصغر هذه املنن الرابنيات؟‬
‫آويس تصف هذه املنن الرابنيات ؟ آم كيف الحيافظ عىل فتح آبواب‬
‫السعادات وآوراد العبادات ؛ آبواب الرسار امللكوتيات والايت الغيبيات‬
‫‪300‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫؟ فكيف يرغب عهنا فضال عن آن يس تحقرها ذو عقل فاليقول برتك‬


‫العامل والركون اىل الذلات واالهنامك يف الشهوات اال لك زائغ عن طريق‬
‫احلق ‪ ،‬موسوم بسمة البعد واملكر ‪ .‬آعاذان هللا من ذ ك ‪ ،‬وعافاان مما‬
‫هنا ك ‪ .‬فطريق املؤمنني وآهل التقوى وادلين القيام بطاعات هللا ‪،‬‬
‫والنفرعن معاصيه واتباع مراضيه ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫الورد حق االهل احلـــــــق فاحفظه ووارد اللطف موهوب من الكــرم‬
‫فاليفوت وان طالت مسافـــــــتـه فكن مبا ليس يدرك بعد ابلعــــــدم‬
‫فاجلزم هذا وبعض الناس جيهلـــــه وحيتقر ماهو املطلـــــــوب يف المم‬
‫فقم مبا يقتضيه احلق واجعلـــــــــــه بدل ملا فات من حـــظ ومن قسم‬
‫ففتح ابب العال من حيث مطلبـه يف طاعة هللا يدري ذا ذوي الفهم‬
‫فالواردات احلقية واالمدادات اللطفية تكون كام جرت به س نة هللا عىل‬
‫حسب االس تعدادات ‪ ،‬ونعين ابالس تعداد قوة القابلية ابلتعلق ابلمور‬
‫املعنوية والسار الغيبية ‪ .‬فلكام اكنت آعىل وآقوى يف الخذ ابلس باب‬
‫املوصةل اىل املراد اكن حظها آوفر من ورود االمداد ‪ ،‬ذل ك ترى آرابب‬
‫العزامئ والخذ يف احلزم والقوة يف اجلهد آوفر الناس حظا وآقرهبم رتبة ‪.‬‬
‫فال آعىل من مراتب النبياء وآعظمهم نبينا محمد صىل هللا عليه وسمل ‪،‬‬
‫ذل ك ورمت قدماه ‪ ،‬وشد من السغب آحشاه ‪ ،‬حىت آاته النداء من هللا‬
‫{ طه * ما آنزلنا عليك القرآن لتشقى } [ الايت ‪ 2-1‬طه ] وكذ ك لكام‬
‫اكنت املزنةل عند هللا آقرب اكن الخذ يف العزمية آشد ‪ .‬ولو اكن ابلعكس‬
‫لدعى مراتب املقربني الغبياء البطالني ‪ ،‬ولكن مجلهتا عن آن تدعى‬
‫مرهفات امداد اجملاهدات وآسود اخملالفات للهوى ‪ ،‬فال خيتلج يف صدر‬
‫‪301‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫بطال ادعاءها ملا هو مالبسه من الشهوات ‪ ،‬واالنغامر يف البطاالت ‪،‬‬


‫فاليس تجري آن يدع نيل آعىل املقامات وس ين ادلرجات ‪ ،‬فيحمك عىل‬
‫نفسه اال اذا حتمك عليه هوى وقوة هجل ‪ ،‬فرمبا يفتح ادعاءه ولكن اليثبت‬
‫هل ما ادعاه بل يرد عليه ويفتضح ‪ .‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( ورود االمداد عىل قدر االس تعداد )‬
‫ورود االمداد الرابنية والفتوحات الرحامنية واملواهب االمتنانية والعطااي‬
‫االلهية عىل حسب االس تعداد وعىل حسب ماانهل من القسمة الزلية‬
‫واالختصاصات العلمية والنوار الفطرية ‪ ،‬فلكام اكن القسم الزيل‬
‫واالختصاص العلم والنور الفطري آمكل ؛ اكن االس تعداد والخذ يف‬
‫الوسائل والقرب آمكل ‪ ،‬ولكام اكن االس تعداد وقوة العزمية اكن ورود‬
‫االمداد ومواهب االمتنان علهيا آعظم ودلهيا آمت ‪ ،‬ومهنا آقرب وهبا آحرى ‪.‬‬
‫وعىل الندور من ترد عليه املواهب من غري شعور مبا انطوى يف رسه من‬
‫االس تعداد ؛ بل يروى عن جامعة من آهل اجلذب من جيد يف ابطنه‬
‫االس تعداد وان اكن مالبسا لمور س بق هبا احلمك وجرى هبا القدر فيكون‬
‫االس تعداد اثبتا اليتغري ‪ ،‬وان ورد عىل احملل مايناقض املقام ‪.‬‬
‫واكن بعض مشاخي المين يقال آنه صاحب املقام العيسوي آبو الغيث آنه ‪:‬‬
‫اكن مقدما يف اللصوص والهنب ‪ ،‬فاكن هل آوراد من آصناف الطاعات‬
‫وحاالت من آنواع اجملاهدات يف حال مالبس ته للفعل ‪ ،‬واكن يف حال هنبه‬
‫وتلصيصه آحسن حال من آكرث الناسكني ‪ ،‬وآمت مقاما من مجةل السالكني‬
‫‪ ،‬فاليقدرون آرابب اجملاهدات وآهل الس ياحات عىل آقل جماهداته يف‬
‫ذ ك احلال ‪ ،‬فانظر ما آعطى االس تعداد وما آمثر من حسن نتاجئ العامل‬
‫‪302‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ ،‬م اكن ورود فتوحه ومواهب منوحه عىل حسب االس تعداد ‪ .‬مفا‬
‫آلطف هللا بعباده ‪ ،‬وما آجعب حمكته يف آقداره ومراده ‪ .‬واالس تعداد هو‬
‫اذلي يعرب عنه بلسان آهل التحقيق ابدلعاء الوجودي ويقولون ‪ :‬الفص‬
‫عىل حسب اخلامت ‪ ،‬اذا اخلامت ممثنا آومسدسا آومربعا آومثلثا فالفص‬
‫حبس به واليتعداه ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ورود امداد رس الغيب يقبــــــلها حبسب ماعنده تأتيه من مـــــــثل‬
‫من اكن ذا حسن اس تعداد آنزلها من حيث ماتزنل الرساريف الزل‬
‫واالمداد خمتلفة حبسب اختالف االس تعدادات يف آطوار الوجودات ‪،‬‬
‫وكام يكون االمداد حبسب االس تعداد فكذ ك تكون رشوق النوار‬
‫الرابنيات عىل الرسار اخللقيات حبسب مايه عليه من الصفات من‬
‫املكدرات ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( رشوق النوار عىل حسب صفاء الرسار )‬
‫هذه احلمكة فرع عام قبلها اال آن هذه يف رس التحلية والتصفية عن‬
‫املكدرات البرشية والعادات الطبيعية ‪ ،‬وامللومات الهوائية وادلواع‬
‫النفس ية ‪ .‬واليت قبلها يف التحلية والتخلية ‪ ،‬فالتخلية هواالس تعداد‬
‫والتحلية هو ورود االمداد يف تعبريه ‪ ،‬والتصفية والتخلية آوال عند‬
‫السالكني ومارتبوه يف قانون املريدين ‪ ،‬فرشوق النوار اخلفية مثل نور‬
‫السامء عىل القلوب ‪ ،‬ونور الوصاف عىل الرواح ‪ ،‬ونور اذلات عىل‬
‫الرسار عىل حسب ختليهتا عن احلاجيات الطبيعية والصفات احليوانية‬
‫والظلامت الرضية الرتابية ‪ ،‬فبحسب ماتتخىل من هذه ترشق علهيا‬
‫وحتلهيا تكل النوار ‪ ،‬وتواهجها تكل الرسار ‪ ،‬وتطلع يف آفق النفس مقر‬
‫‪303‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫احلال ‪ ،‬فزتىك مهنا الحوال ‪ ،‬وتصلح مهنا الفعال ‪ ،‬وتتضاعف علهيا‬


‫الداب ‪ ،‬ويكشف لها عن مصون امجلال ‪ ،‬وتتيرس لها طرق الوصال ‪.‬‬
‫م يطالع الروح مشس الشهود ‪ ،‬ويطالع جفر السعود ‪ .‬فيغيب دليه فكل‬
‫النفس ‪ ،‬وتزبغ مشس التوحيد يف سامء الرس ؛ فهيتدي بعد ضالةل ‪،‬‬
‫ويتوجه بوهجه لذلي فطر السموات وآبدعها ‪ ،‬والرض واخرتعها ‪ ،‬حنيفا‬
‫معتدال غري مائل عن التعطيل ‪ ،‬والقابل ابلتشبيه والتجس مي والتحليل ‪،‬‬
‫والملتفتا اىل ماروعه من شواهد الغيار ‪ ،‬والقفا مع ماواهجه من النوار ‪،‬‬
‫والمأسورا مع ماورد عليه من الرسار ‪ ،‬بل دخل يف مجةل الحرار عن‬
‫رق الغيار ‪ ،‬والتحق ابلصفوة الخيار ‪ ،‬مستسلام للواحد القهار ‪ ،‬غري‬
‫مرشاك به آحدا من الغيار ‪ .‬فأجعب ذل ك من صف وآكرم به من ويل ‪،‬‬
‫فهذا طرف من معىن قوهل ‪ :‬رشوق النوار ‪.‬‬
‫والنوار مجع والرسار كذ ك ‪ ،‬فرس القلب ورس الروح ورس الرس ونور‬
‫السامء ونور الصفات ونور اذلات ‪ .‬فتتحىل لك مرتبة من هذه عىل‬
‫حسب صفاء القابل وصفاء القلب عن االلتفات اىل النفس ودواعهيا ‪،‬‬
‫وصفاء الروح عن الوقوف مع مايشاهده من بديع الايت وغرائب‬
‫املصنوعات دون املبدع الصانع ‪ ،‬وصفاء الرس عن النظر اىل وجود سوى‬
‫والتفات لغري ‪ ،‬ولك ماسوى هللا فهو غري سوى وآفعالها وصفاهتا ؛ فضال‬
‫شهود موجود غري ‪ ،‬فهو ابلخروية يكون عنه غائبا ومن وجوده فانيا ‪،‬‬
‫ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ورود النـــــــــوار ابلرسار حتكهيا حبسب مايه من التأهيل تأتهيا‬
‫رشوق مشس الصفات ان كنت تدرهيا عىل قدر ماحما من وصفنا فـــهيا‬
‫‪304‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وذ ك شواهد يف ظواهر الفعال يدل عىل قدر مقامه يف التوحيد ‪ ،‬وقد‬
‫علمت آن آول مراتب التوحيد يف الفعال ‪ ،‬فاذا حتقق هبا دل ذ ك عىل‬
‫ثبوت مقامه ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( الغافل اذا آصبح نظر فامي ذا يفعهل ‪ ،‬والعاقل اذا آصبح نظر فامي ذا يفعل‬
‫به )‬
‫الغافل هو احملجوب السابق اليه نظره الغالب عىل قلبه شهود الغيار ‪،‬‬
‫واملطموس يف ظلمة كثائف الاثر ‪ ،‬ومل حيط من التوحيد الفعال اذلي‬
‫هو آول مرتبة يف التوحيد فضال عن آن يتطلع اىل مقام الفناء يف‬
‫الوصاف ؛ فضال عام وراء ذ ك من التاليش يف رشوق مشس اذلات‬
‫عالمته ‪ ،‬وظاهر دالةل غفلته مايرد عليه عند مبادئ آول يقظته وانتشار‬
‫ظهور حركته ‪ ،‬وتأمل ثواقب فكرته ‪ .‬فالغافل آول ماينظر اىل نفسه‬
‫وظهور حركته ‪ ،‬فينظر ماذا يفعل وما ذا آبدع ‪ ،‬فتس تغرقه اهلموم وتغريه‬
‫العموم ‪ ،‬وترادف عليه مشمومات الحوال ‪ ،‬ويولك نفسه وما يظهر من‬
‫ظواهر جنسه من القوال والفعال يف سائر الحوال ‪ ،‬وتتشتت ارادته‬
‫وتتشعب مهومه ‪ ،‬وتتضاعف مغومه ‪ .‬وذل ك قال صىل هللا عليه وسمل "‬
‫من آصبح وادلنيا مهه شتت هللا مهه " وهذه آحوال الغافلني وامحلقاء‬
‫املغرورين النزتاع قلوهبم اىل غري ماهو جل آشغاهلم ويه ادلنيا وآس باهبا‬
‫ومتشتتات آشغالها ‪.‬‬
‫وآما العاقل وهو من عقل عن هللا خطابه ‪ ،‬وتأمل حممك كتابه فريى‬
‫للش ياء صانعا قادرا عاملا مريدا مسيعا بصريا حيا متلكام ورى تكل القدرة ‪،‬‬
‫ونفوذ تكل االرادة وكامل ذ ك العمل وشهود ذ ك البصري ‪ ،‬وادراك ذ ك‬
‫‪305‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫السميع ‪ ،‬ودوام تكل احلياة واس مترار الالكم عىل ادلوام ‪ .‬فالجرم آن‬
‫يذهل الكامل هذه الوصاف فريى صدور مجيع الاكئنات عهنا ‪ ،‬وفيضاهنا‬
‫مهنا ‪ ،‬ويرى نفسه من مجةل املفعوالت ‪ ،‬وخلق من مجةل اخمللوقات ‪،‬‬
‫مرصفه حتت آحاكم االرادة ‪ ،‬مقهور حتت سطوات هذه القدرة النافذة‬
‫املقدرة ‪ ،‬فاليعطيه نظره اال االنكامش والطمس عن آفعاهل ‪ ،‬وسائر اراداته‬
‫واختياراته ‪ ،‬ولغلبة نور العقل يف قلبه وايقاده يف آرجائه يظهر هل الحماةل‬
‫الس باب املعنوية ‪ ،‬واحلراكت العلوية ‪ ،‬والتدبريات احلقية ‪ ،‬واالختيارات‬
‫االلهية ‪ ،‬والترصفات الغيبية ‪ .‬فريى آس باب ساموية ‪ ،‬حبراكت الجسام‬
‫خلقية آرضية ‪ ،‬ويريه نور العقل ماورى ذ ك من الرسار ‪ ،‬ومامحلت به‬
‫الرض ومسكت به السامء من رس االقتدار ‪ ،‬فريى نفسه وغريه من سائر‬
‫الاثر حتت حمك قهار جارية عليه ومترصفة فيه ‪ ،‬فالينظر اال اىل مايفعل‬
‫به ذ ك القادر اجلبار ‪ ،‬فيكون فانيا عن التدبري واالختيار ـ وذ ك آول‬
‫مرتبة يف التوحيد يدركها العقالء ‪ ،‬وحيظى به السادة النبالء ‪ ،‬فيس توي‬
‫حينئذ دليه الشدة والرخاء والنعمة والبالء ‪ ،‬ويكون انظرا اىل حمبوبه‬
‫ومايترصف به فيه من احلراكت يف سائر اللحظات واس مترار اخلطرات ‪.‬‬
‫فال يعتب عىل آحد واليلوي عىل آهل والودل ‪ ،‬بل اللك منه يف آمان‬
‫وهو من اللك يف آمان ‪ ،‬وهذه عالمة االميان ان رسى منه المان اىل‬
‫سائر احليوان ‪ ،‬فالتس توحش منه الوحوش والتفر منه ملا ترى ماهو عليه‬
‫من رصحي االميان ‪ .‬وهبذا التوحيد الفعايل حصبوا البوادي والفيايف‬
‫متطلبني لظهور كامهل ‪ ،‬اذا واهجهتم كراهية القدار تلقوها ابلرضاء وحصبوها‬
‫جبميل الصرب ملواقع القضاء ‪ ،‬فالينال مهنم ماينال من غريمه عند نزول‬
‫‪306‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫القضاء ‪ .‬قال س يدان معر ابن اخلطاب ‪ :‬آصبحت ومايل رسور اال يف‬
‫مواقع القضاء ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫الغافلني عن احلق الرصحي معــــــوا واكن مههم الكوان والغــــــــــــري‬
‫فالقلوب ترى حسن الترصف يف لك الوجود من الرواح والصور‬
‫واهل العقول آولوا اللباب مطلهبم آن ينظروا فعل خمتار ومــقــــتدر‬
‫اليربحون وقوفا الرادتــــــــــــــــــه اليلمحون اىل الغيار ابلنظــــــر‬
‫فلام مل يكن ظاهرا غريه يف الوجود ‪ ،‬والحقيقة لسواه يف الشهود ؛ فهو‬
‫الظاهر يف الوجود بأفعاهل وتأثري آسامئه وشوارق آوصافه ‪ ،‬وهو الباطن‬
‫بذاته ‪ .‬ذل ك اليس توحش عن الكوان اال حمجوب بومه وجود غرييهتا‬
‫ومثبت بثبوهتا ‪ ،‬ومىت مل يرى لها وجود والتأثري يف لك موجود مل‬
‫تس توحش مهنا ومل تطمنئ الهيا الشك مبوجدها واملعرث فهيا ‪ ،‬وغناك عهنا‬
‫به لنه ما ك آزمهتا ‪ .‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( امنا يس توحش العباد والزهاد من لك شئ ‪ ،‬لغيبهتم عن هللا يف لك شئ‬
‫‪ ،‬فلوشهدوه مل يس توحشوا من شئ )‬
‫امنا اس توحش العباد ومه اذلين آقميوا يف مقام التلكيف ‪ ،‬ومل حيظوا بعد‬
‫بشهود التعريف ‪ .‬وحاصل نظرمه آن حيمكوا العامل برشائطها ‪ ،‬ويقميوها‬
‫بسائر وظائفها ‪ ،‬وتتبع الاثر والمتسك ابلخيار ‪ ،‬ويتخلصون من كثائف‬
‫الغيار بغاية هجدمه ووسع طاقهتم ‪ ،‬لهنا متحمكة فهيم ومرتحشة عندمه يف‬
‫شهودمه ‪ ،‬فطرقت آسامعهم الخبار وشوقهتم لوامع النوار الالحئة هلم من‬
‫غيب الرسار ‪ ،‬فطلبوا الفرار من ظلامت الغيار ‪ ،‬واس تغاثوا اىل هللا يف‬
‫كرور الليل والهنار ‪ ،‬واس تأنسوا اىل الرباري والقفار ‪ ،‬ودوام الترضع‬
‫‪307‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫واالس تغفار يف الحسار ‪ ،‬ومطلهبم كشف هذه الس تار ‪ ،‬وحمو هذه‬
‫الغيار عن قلوهبم ‪ ،‬واملثول بني يدي حمبوهبم ‪.‬‬
‫والزهاد آيضا آرفع حاال وآخص مزنةل ومقاما ‪ ،‬قد زهدوا يف ادلنيا وآهلها‬
‫رغبة فامي عندهللا من عظمي الكرامة ‪ ،‬وماوعدمه هللا به يف دار املقامة ‪.‬‬
‫واليزال هبم الزهد حىت يكشف عهنم احلجب الظلامنية ‪ ،‬ويفيض هبم اىل‬
‫الحوال النورانية حىت يتخلصوا عن شؤم الظمل فيلوح من وراء هذه‬
‫الحوال لكامت س ببية ‪ ،‬فعند ذ ك تظهر هلم معامل العرفان ‪ ،‬وتضمحل يف‬
‫نظرمه وجود الكوان ‪ ،‬فترشق هلم يف صفحات الوجود بواهر صفاته ‪،‬‬
‫وجميل من وراء جسف الغيوب لواحئ آنوار ذاته ‪ .‬فالجيهلونه يف شئ كام‬
‫يزنهونه عن آن يكون يف شئ آوعىل شئ ‪ ،‬بل قاموا عىل حد قوهل {‬

‫ليس مكثهل شئ } تزنيه هل عن مشالكة الش ياء آومماثةل العيان واللوان ‪،‬‬
‫ومل يعطلوه عن الش ياء ‪ ،‬بل هو السميع بسمع اليش هبه مسع البصري ببرص‬
‫المتاثهل البصار ‪ ،‬بل هو ابطنه التدركه البصار ‪ ،‬وآلوهيته ظاهرة الختفى‬
‫عىل آويل البصار ‪ .‬فعند مايرون اس تغراق معيته للك موجود ابالحاطة‬
‫والشهود ‪ ،‬اس تغراقا اليدع للش ياء معه ظهور ‪ ،‬لن احلادث اذا قرن‬
‫ابلقدمي امضحل فمل يبق هل عندمه وجود ‪ ،‬واليف بصائرمه شهود ‪ .‬فذل ك مل‬
‫يس توحشوا عهنا وهربوا مهنا لغيبهتم عن كون قيوميته يه اليت قامت هبا‬
‫آعيان الوجود ‪ .‬وحبياته حيي لك ذي حياة ‪ ،‬وبسمعه مسع لك سامع ‪،‬‬
‫وببرصه آبرص لك مبرص ‪ ،‬وبعلمه عمل لك عامل ‪ ،‬وبالكمه تلكم لك متلكم‬
‫‪ ،‬وبقدرته وارادته تكون لك متكون ‪ .‬فكيف يغيب احلارض الرقيب ! آم‬

‫‪308‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫كيف يبعد احلافظ اجمليب ! آم كيف يس توحش معن قام به وجودك ؛‬


‫وظهرت به من دجمه العدم حدودك ‪.‬‬
‫يروى يف مثل ذ ك املعىن عن ذي النون املرصي ريض هللا عنه قال ‪:‬‬
‫مررت ليةل يف سواد الليل بوادي كنعان فسمعت صوات يقرآ هذه الية {‬

‫وبدا هلم من هللا مامل يكونوا حيتس بون } [ الية ‪ 47‬الزمر] فوقفت حىت دان‬
‫مين فاذا يه امرآة ‪ ،‬فردت عيل السالم م قالت ‪ :‬من آنت؟ فقلت‬
‫غريب ! فقالت ‪ :‬وحيك ايذا النون هل معه غريب ؛ فبكيت فقالت ‪ :‬اين‬
‫آرى ك مع هللا حاال ‪ ،‬وماهذا شأن الولياء القواي امنا هذا مست‬
‫الضعفاء ‪ ،‬امنا حال القوايء النحيب والزفري ‪ ،‬تعين من غري باك ‪ ،‬فكن‬
‫الباك ينفس بعض ماجيده احملزون الكئيب ؛ م ولت عين يف الوادي‬
‫وتركتين ‪ .‬فانظر دلته عىل مقام املعرفة فقالت ‪ :‬وهل معه غريب ؟ حيث‬
‫اس تغراق املعية مجليع آعيان الوجود ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫يس توحشون عن الش ياء لغيبهتم عن رس من قامت الش ياء به علنا‬
‫لوزال عهنم ظمل ومه الوجود لهـــا رآوا ملعــــــناه سار يف الفؤاد دنـــــا‬
‫فلام مل يكن اىل رؤيته يف هذه من غري النظر يف مرآة الكون سبيال آمرك‬
‫آن تنظر اليه يف ادلار الكثيفة الضيقة عن اتساع الرؤية اليت الميارى فهيا ‪،‬‬
‫آمرك آن تنظر اليه ابطنا يف بدائع اخملرتعات ‪ ،‬وظاهرا يف مظاهر‬
‫املصطنعات ‪ ،‬لرتى يف الظواهر آاثر الصفات ؛ ويف البواطن وحدة اذلات‬
‫‪ .‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬

‫‪309‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫( آمرك يف هذه ادلار ابلنظر يف مكوانته ؛ وسينكشف ك يف تكل ادلار‬


‫عن كامل ذاته )‬
‫آمرك يف هذه ادلار آي دار ادلنيا ابلنظر واالس تكشاف ابلفكر عىل بواهر‬
‫العرب ‪ ،‬فقال عز من قائل { قل انظروا ماذا يف السموات } [ الية ‪101‬‬
‫يونس] من ترتيب آمره وآرسار قدره والرض من جعائب اخرتاعه ولطائف‬
‫حمكه ‪ ،‬فتقلع بمك سفينة هذا النظر ‪ ،‬يف لطائف الايت والعرب ‪ ،‬اىل‬
‫ساحل الشهود والعيان ‪ ،‬ولكن يف هذه ادلار ابجلنان ويف ادلار الخرة‬
‫ابلعيان ‪ ،‬ورؤية العباد يف ادلار الخرة عىل قدر ماجتىل عىل القلوب يف‬
‫ادلنيا ‪ ،‬فالتداين رؤية النبياء رؤية املؤمنني الولياء ‪ ،‬كام التداين رؤيهتم‬
‫رؤيته صىل هللا عليه وعلهيم آمجعني ‪ ،‬فلعدم آهلية ادلنيا لتكل الرؤية‬
‫وضيقها عن آن تتسع لعظمي النعمي ‪ ،‬آخرها لادار الخرة العن خبل ‪،‬‬
‫ولكن لعدم اجامتع الفناء ابلبقاء والظلمة والضياء والكدورة والصفاء ‪،‬‬
‫فذل ك اكن اختالف العلامء يف رؤيته صىل هللا عليه وسمل والثابت عندمه‬
‫بل اذلي آمجع آاكبر العلامء عىل وقوعها هل صىل هللا عليه وسمل ‪ ،‬وجواز‬
‫وقوعها لغريه آيضا ‪ ،‬لن هللا س بحانه وتعاىل يف تكل الليةل طوى عامل‬
‫حلقيته ‪ ،‬وآظهر شهودد حقيقته ‪ ،‬وطوى هل عامل املكل وامللكوت ‪ ،‬وجتىل‬
‫هل يف عامل اجلربوت ‪ ،‬وطوى ظهور الناسوت ‪ ،‬وآبرى عامل الالهوت ‪،‬‬
‫فشهد عياان وحقق رؤيته بياان ‪ .‬فمل مياري فامي شهد ‪ ،‬ومل يعارض فامي وجد‬
‫‪ ،‬فذل ك قال عز من قائل { آفامترونه عىل مايرى } [ الية ‪ 12‬النجم ]‬
‫وشاهده املقربون يف هذه ادلار ابلرسار ‪ ،‬ويشهدونه يف الخرة ابلبصار‬

‫‪310‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫كام امجع عليه آهل الس نة بشاهد قوهل عز وجل { وجوه يوميئذ انرضة *‬
‫اىل رهبا انظرة } [ الية ‪ 22-21‬عبس ] وقوهل صىل هللا عليه وسمل " سرتون‬
‫ربمك كام ترون البدر المتارون يف رؤيته " فيتجىل لعباده عن كامل ذاته كام‬
‫حتىل هلم يف دار ادلنيا مبحاسن صفاته وبواهر آايته ‪ ،‬فف ادلنيا اذلات‬
‫ابطنة عن االدراك والصفات ظاهرة ‪ ،‬ويف ادلار الخرة تبطن الصفات‬
‫وتظهر اذلات بكاملها ‪ .‬والتظن آن الصفات تبطن وتنعدم وتغيب ‪ ،‬ولكن‬
‫عن ظهور املوصوف وحضوره تس تغين عن االستئصاف ‪ ،‬واال‬
‫فاملوصوف اليفارقه وصف ‪ ،‬ولكن عند احتجابه تظهر الوصاف ويس تدل‬
‫هبا عىل كامل املوصوف هبا ‪ .‬وعندما ينكشف لوليائه عن كامل ذاته‬
‫يندرج فهيا مجيع احملاسن ‪ ،‬ويغيب عند ظهورها يف ذلاهتا نعمي اجلنان ‪.‬‬
‫فف اول نظرة حيظون هبا تندرج مجيع النعامئ احملسوسات واملعنوايت ‪،‬‬
‫وكيف مابعد ذ ك ‪ .‬وقد آخرب ابلتضعيف عند مايكشف خزائن الصفات‬
‫لرسار معاين اذلات ‪ ،‬وادراك التفاوت غري منكور ‪ ،‬كام ترى التفاوت بني‬
‫من قدهمم املكل اىل جملسه ‪ ،‬وآحرضمه يف حملته يف مجمع واحد ‪ ،‬كيف‬
‫ترى ذلة الوزراء عىل من دوهنم يف املزنةل عنده من بقية المراء وآهل‬
‫الوظائف عىل غريمه من سائر اخلدم ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫آمرك ابلفــــــكر يف ادلنيا لتشهده يف الاكئنات بغري القــلب ايانسان‬
‫وسوف يظهر يف الخرى بالجحب لسادة اكن يف العليـــــاء هلم شان‬
‫ميشون يف الناس مايدرون ماحدثت يف الاكئنات بروح القدس آخدان‬
‫اليصربون عىل الهجـران ماجهعت عيوهنم يف ظالم الليـــــل وس نان‬

‫‪311‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫قلوب املش تاقني اىل حمبوهبم تواقة ‪ ،‬وآرواهحم اىل لقائه مش تاقة ‪ .‬فلام عمل‬
‫ذ ك مهنم وعمل آن الصرب هلم رمحهم ‪ ،‬فأنزل نسامت من روح الوصال‬
‫خفاقة ‪ ،‬وآهام علهيم من حساب الرسار س يول دفاقة ‪ .‬ومحلهم عىل جنائب‬
‫النوار ‪ ،‬وتوهجم بتيجان الوقار ‪ ،‬ذل ك قال املصنف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( عمل منك آنك التصرب عنه ‪ ،‬فأشهدك مابرز منه )‬
‫عمل منك س بحانه وعلمه القدمي الزيل ‪ ،‬وقد عمل بعلمه ماهو احلال منك‬
‫قبل بروز روحانيتك ‪ ،‬وخشوص جسامنيتك قبل آن يتوجه خطاب‬
‫التكوين اىل املكوانت ‪ ،‬وعلمه وصف من صفاته ‪ .‬وقد عمل س بحانه منك‬
‫ومن سواك من لك اكئن مااكن ومايكون وما اليكون لواكن كيف يكون ‪،‬‬
‫من آنكر س بق العمل ابلش ياء ولوازهما فقد آىت عظمية وارتكب وصمية ‪،‬‬
‫اكلفالسفة قبح هللا رآهيم ‪ ،‬ومن قال بقدوم الش ياء بالبداية بتخليط‬
‫وختبيط ‪ ،‬وعكر عليه رآيه شاهد احلدوث وطرو التغيري ‪ ،‬وذ ك اليصح‬
‫عىل القدمي الزيل ‪ .‬ولكن القول الفصل قدم عمل هللا هبا دوهنا ‪ ،‬وذ ك مما‬
‫يد ك عليه من غري رضب مثل هلل ولوصافه ‪ ،‬ولكن ليقرب فهمك‬
‫الضعيف مبثل فيك لطيف ؛ آنك تريد تبين دارا فرتاها جبميع آجزاهئا‬
‫مشهودة لكن قبل بناهئا ‪ ،‬فكن مبا آرشدتك اليه يف هذه يف العمل خبري ‪،‬‬
‫ولها متحقق وجدير ‪ .‬وقد كسا هللا س بحانه آعيان ذوات املش تاقني حةل‬
‫الوجدان ‪ ،‬وغذامه حبالوة الولوع به والتوهل والتبذل يف رايض جامهل‬
‫وحياض وصاهل ‪ ،‬وعلو طمع آرسارمه يف شهود كامهل ‪ ،‬فمل تصرب عن‬
‫شهود ذ ك امجلال ‪ ،‬ومثال ذ ك الوصال العال ‪ ،‬ومل يطف تعطشها بدون‬
‫الكرع يف ذ ك الينبوع ‪ ،‬وهذه ادلار التصلح لطهور كامل احملبوب ‪ ،‬ومل‬
‫‪312‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫يكن فهيا متسع لعذوبة ذ ك املرشوب ‪ ،‬وقد حمك يف علمه علهيا آن تقمي‬
‫مدة يسرية كام حمك لها بذ ك ‪ ،‬وذ ك ليمت لها كامل نعميها ‪ ،‬لنه اليعرف‬
‫شئ اال بضده ‪ .‬فمل تس تقر آرسارمه يف هذه املدة حىت آظهر هلم آثر من‬
‫آاثر قدرته يؤنسهم بوجود القادر ‪ ،‬ويتحفهم بلطيف قربه وذ ك لطفا هبم ؛‬
‫اذاتلطف هبم ولطف هبم بوجود رس وجوده يف الش ياء كام جحب به قوم ‪.‬‬
‫فس بحانه ما آلطفه يف عظمته وما آعظمه يف لطفه ‪ ،‬وما آقربه يف علوه ‪،‬‬
‫وما آعاله يف دنوه ‪ ،‬وما آظهره يف بطونه ‪ ،‬وما آبطنه يف ظهوره ‪ .‬لطف‬
‫بقوم فعرفوه ‪ ،‬ولو تلطف بأخرين ملا حجدوه ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫قد عمل هللا آن الصرب عنه كــــــذا كام حمك بظهور الكون والغـــــــــري‬
‫فابرز شواهد آالء ظـــــــــهرت به فاس تأنس البايس املكروب يف الصور‬
‫وملا اكنت النفس يه املطية اىل نيل املطلوب وحصول املرغوب ويه‬
‫بطبعها وجبلهتا جمبوةل عىل امللل والسأمة ‪ ،‬واحلدة والشأمة ‪ ،‬وذ ك ملا فهيا‬
‫من الرتكيب الرتبيع من احلرارة واليبوسة تكون حدهتا ورشها ‪ ،‬وعن‬
‫الربودة والرطوبة تتودل سأمهتا ومللها ‪ ،‬وتكل اخلصال لكها حتت خبطة‬
‫الطبع الريض ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( ملا عمل احلق منك وجود امللل لون ك الطاعات ‪ ،‬وعمل مافيك من الرشه‬
‫حفجرها عليك يف بعض الوقات ‪ ،‬ليكون مهك اقامة الصالة الوجود‬
‫الصالة ‪ ،‬مفا لك مصل مقمي )‬
‫هذا تفصيل للحمك العلمية ‪ ،‬وتبيني املعاين الزلية ‪ ،‬ففصل القضااي عىل‬
‫حسب املقضيات ‪ ،‬ورتب املقتضيات عىل حسب قيام الهيالك واس تعداد‬
‫الالت ‪ .‬فأشار بقوهل عمل العمل اىل عمل احلق س بحانه للش ياء حقا رصفا‬
‫‪313‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫قبل املرح بوسائط اخللقية ‪ ،‬وقد عمل ما آنت عليه من الرتكيب اجلبيل‬
‫فوضع حمكته عىل حسب علمه ‪ ،‬فاليأمرك مبا مل يكن يف وسعك ‪ ،‬ومل‬
‫يهناك عام مل يكن يف رمسك ‪ ،‬بل آمر وهنيى وآوعد ووعد عىل حسب ما‬
‫آنت فاعل ‪ ،‬وما آنت اليه يف ما ك واصل ‪.‬‬
‫وامللل فتور يوجد يف الطبع سببه طول المل وقسوة القلب والرشه حدة‬
‫توجد عند ابتداء الخذ يف العمل مع خوف فوت المل ‪ ،‬والقصور يف‬
‫العمل ومنشأ هذه الصفتني كام علمت الطبع اجلبيل ؛ واملعدن الرتايب‬
‫الريض ‪ .‬والرواح العلوية ملا اكن منشأمه سامل عن تكل الصفتني مل تتلون‬
‫هلم ومل حتجر علهيم ؛ بل اكنوا الك مهنم عىل عبادة واحدة الينتقل عهنا ‪،‬‬
‫مفهنم راكع ومهنم ساجد ومهنم قامئ ومهنم يف ذكر واحد الخيرج عنه آبدا ‪،‬‬
‫واليطرقهم الفتور ومل تعلومه السأمة وامللل ‪ .‬قال هللا { اليس تكربون عن‬
‫عبادته واليس تحرسون * يس بحون الليل والهنار اليفرتون } [ الايت ‪-19‬‬
‫‪ 20‬النبياء ] وذ ك لسالمة شأهنم عن لوث الطبع اجلبيل والثقل الرتايب ‪،‬‬
‫وقد جعل هللا س بحانه االنسان جامع بني العاملني وذروة النشأتني ‪ ،‬فلكفه‬
‫من حيث نشأته الروحانية مجيع وظائف الروحانيني ‪ ،‬مفامهنم آحد يف‬
‫وظيفة اال وعىل االنسان كاملها ولوهنا ‪ ،‬وجحرها عليه يف بعض الوقات ملا‬
‫فيه من امجلادية الرتابية ‪ ،‬لن عبودية امجلاد هلل سكوهنا وخضوعها‬
‫واس تاكنهتا ‪ ،‬واطراهحا يف حظيظ ذلهتا ‪ ،‬وجعل احلركة يف املاء ملا فيه من‬
‫الكونية ‪ ،‬فاملاء حبركته ولينه وبرودته قوام عوامل اخللق ‪ ،‬والصالة بصورهتا‬
‫جتمع المرين ‪ ،‬جفوارح االنسان وخضوعها وخشوعها واطراقها وركوعها‬

‫‪314‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وجسودها عبودية احلق من عامل اخللق ‪ ،‬ومن حيث مافهيا من املناجاة‬


‫والمتلق والتعلق والشهوة والتوهل يف ذات املعبود وشهود آوصافه ‪،‬‬
‫والتحقق بأسامئه من مرشقات آنوار جامهل وحمرقات جالهل ؛ عبودية احلق‬
‫من عامل المر ‪ .‬فقد مجع هللا يف الصالة كامل صورة العبودية ‪ ،‬وحبسب‬
‫ماتمكل العبودية يكون علهيا من كامل شهود ظهور الربوبية ‪ ،‬وعند القيام‬
‫الهيا والتحفظ عىل اكاملها مبا ندبك اليه من الداب الباطنة والظاهرة يكون‬
‫عند هللا آحظى ؛ ومبدحه ك آوىل القامتك لعبادته ‪ ،‬فاذا آمقهتا عىل‬
‫حسب ما آمرك فهيا ظاهرا وندبك اليه ابطنا صارت كصورة من برزت‬
‫عنه يف حسن الهيئة ومالحة السمت والسرية ؛ صورة قامئة وهوية دامئة‬
‫بني يدي املعبود تشفع ملن برزت عنه ‪ ،‬ووجدت س نة تصيل عليه وتثين‬
‫اىل يوم تعبدهللا اخلالئق ‪ ،‬ويرد لك اانء اىل وطنه ولك ضاعن اىل سكنه‬
‫‪ ،‬فتعود من حرضة اجلود مبرشة ابلفالح مبوئية لصاحهبا منازل القرب‬
‫وحضائر القرب والشهود ‪ .‬والتكون كذ ك حية اال القامئة ‪ ،‬والقيام هو‬
‫احلياة ‪ .‬فاذا اكنت حية ابالخالص ابطنا والداب ظاهرا وانتصاب القلب‬
‫بني يدي املعبود تقيض منه آن اليكون هل اىل غريه التفات ‪ ،‬فاذا التفت‬
‫عنه ابطنا احتجب عنه جل جالهل ‪ .‬كامورد " آن العبد اذا التفت يف‬
‫صالة يقول هللا عز وجل ‪ :‬آسدلوا احلجاب بيين وبني عبدي فقد آعرض‬
‫عين ‪ .‬ومادام القلب منتصبا قامئا فاحلق قبلته والرس وهجته ‪ ،‬وخياطب‬
‫حبيبا يف موطن مبا هو الئق به ‪ .‬فف القيام ابلثناء واالعرتاف وادلعاء‬
‫واالجالل والقنوت واالقبال والكربايء ‪ ،‬ويف الركوع ابلتعظمي واخلضوع ‪،‬‬
‫ويف السجود ابالمضحالل عن الرسوم واخلشوع ‪ ،‬ويف اجللوس ابلمتلق‬
‫‪315‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫والرتيق يف مراتب الفضائل والتوسل بأعظم الوسائل ‪ .‬فأعظم هبا من رتبة‬


‫مجعت هذه املراتب ‪ ،‬واحتوت عىل هذه الرغائب ‪ ،‬فهي الوصةل بني‬
‫العبد واملعبود ‪ ،‬ويه سمل اىل نيل املقصود ‪ .‬جعلنا هللا من القامئني هبا‬
‫احلافظني لوامرها وآداهبا ‪ ،‬ادلامئني العكوف يف مشهدها ‪ .‬ولك وقت‬
‫يدعوك لها اكنت مواهجة عديدة وهدية جديدة ‪ ،‬وكرامة القادم عىل ادلاع‬
‫جزيةل ؛ ليس مكن مل خيرج من جملسه والفارق آسوته ‪.‬‬
‫وآما من اكنت صالته بغري هذا الوصف وعىل غري هذا النعت فاليطلق‬
‫عليه املدح ‪ ،‬ومل حيظى بس ين الكرامة ‪ ،‬وامنا يدخل يف غامر من يف خطر‬
‫املشيئة ‪ ،‬وقسم املغفرة من هذه المة احملمدية ‪ ،‬ومن مجةل آهل القبةل‬
‫احملكوم علهيم بأهنم متبعني ‪ ،‬واال فالمر يف صالهتم كسائر آعامهلم اىل هللا‬
‫ان شاء جعلها قربة وكساها بكشف الكرم كمثالنا ‪ ،‬وان شاء ردها حبمك‬
‫العدل ‪ ،‬ولكن الرجاء من فضهل العممي وكرمه اجلس مي آن يقبل منا من غري‬
‫مناقشة والتفتيش ‪ ،‬هذا اذا قد بلغ فهيا من الداب الظاهرة والباطنة حد‬
‫طاقته ومنهتيى قدرته ‪ ،‬واال اذا اكن اليكرتث هبا وال بأداهبا واليعتد لها بل‬
‫يقوم حبسب العادة املعتادة ‪ ،‬آولريآىئ هبا غري هللا س بحانه ؛ فال شك يف‬
‫احباطها ومقت صاحهبا ‪ .‬آعاذان هللا من آن نقصد بطاعته سواه ‪ ،‬وآن‬
‫نريد مطلبا سواه ‪ .‬ويل يف ذ ك نظام ‪:‬‬
‫ملا عمل جل مافيــــــــــنا من امللل ومامجعنا من الفـــــــات والعلل‬
‫ومايف الطبع من طيش ومن خلل ‪..........‬‬
‫لون صنوف عن الطاعات من هبا عىل النفوس من االفراط واللكل‬
‫وذاك حمكة ابرينا وقــــــــــــدرته ليجعل العبد يف احلاالت ممــتــــثل‬
‫‪316‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فالصالة ذروة س نام ادلين وعامد االميان ‪ ،‬وفهيا مجيع صنوف الطاعات‬
‫مندرجة قوال وفعال ‪ ،‬ذل ك عرب هبا من مجةل الطاعات ‪ ،‬فقال املؤلف‬
‫ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( الصالة طهرة القلوب من آدانس اذلنوب ‪ ،‬واس تفتاح لباب الغيوب )‬
‫الصالة صةل للمحبوب ومكفرة لكبائر اذلنوب ‪ ،‬ومطهرة من آدانس‬
‫آرجاس العيوب ‪ ،‬وجالية كثائف الظلامت عن القلوب ‪ .‬ومزحية للمحب‬
‫عن الرواح ‪ ،‬ومبرشة ابلفالح ومؤذنة ابلنجاح ‪ ،‬ومرحية عن آعباء آثفال‬
‫مقاسات الغيار ‪ ،‬ومايغان عىل القلوب من خمتلفات الاثر " آرحنا هبا‬
‫ايبالل ؟ احلديث ‪ .‬واشارته ابلطهارة ابلصالة من اذلنوب حسن ‪،‬‬
‫فالصالة رمحة من هللا لعباده ‪ ،‬وحتفة من حرضة رآفته ووداده ‪ .‬ملا عمل‬
‫س بحانه بأن هذا العامل االنساين حمفوف بصنوف املعايص من عليه مبا يزيل‬
‫قدرها ‪ ،‬وميحوا عن حمل املناجاة آثرها ‪ .‬وتكل يه الصالة امخلس حلديث‬
‫‪ :‬الصالة اىل الصالة وامجلعة اىل امجلعة ورمضان اىل رمضان مكفرات ملا‬
‫بيهنن اذا اجتنبت الكبائر ‪ .‬ويف احلديث آيضا عن رسول هللا صىل هللا‬
‫عليه وسمل ‪ :‬امنا مثل الصالة امخلس كهنر بباب آحدمك يقتحم فيه لك يوم‬
‫مخس مرات ‪ ،‬مفا ترون ذ ك يبق من درنه شيئا ‪ .‬احلديث ‪ .‬ومتثيهل صىل‬
‫هللا عليه وسمل ابلهنر جلراينه من غري لكفة يف سوقه ‪ ،‬ولكن من تعرض هل‬
‫مغرته منته ومعته رمحته من غري آن يكون هل فيه احتيال بل تعرض لنواهل‬
‫‪ ،‬فكذ ك الصالة يه جمرى الواردات الوهبية والنفحات الوقتية ‪،‬‬
‫واالختصاصات القربية ‪ ،‬واس تفتاح آبواب الغيوب امللكوتية ‪ ،‬والرسار‬
‫اجلربوتية ‪ ،‬والرحامت العرش ية ‪ .‬فالغفةل عن هللا واالهنامك يف العادات‬
‫‪317‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫الرضية والشهوات احليوانية جحب عن تكل املشاهد ‪ ،‬وآبواب عن تكل‬


‫املقاصد ‪ .‬جفعل هللا مفتاهحا وجمىل كثائف آس تارها يف الصالة ‪ ،‬فاس تفتاح‬
‫صفة القيومية ‪ ،‬وانسحاب ادلميومية ابلقيام ‪ ،‬واس تفتاح اخلزائن الوصفية‬
‫واذلخائر العرش ية يف الركوع ‪ ،‬واس تفتاح رس الحدية وانفراد اللوهية‬
‫وفناء املوجودات واحتاد اذلات وبطون السامء والصفات يف السجود ‪ .‬مفا‬
‫آعظمها من قربة ‪ ،‬وما آمتها من وصةل ‪ .‬فس بحان املتفضل عىل عباده‬
‫بفواضل احسانه ‪ ،‬واملتطول علهيم بسوابغ امتنانه ‪ ،‬من غري طلب مهنم‬
‫ذل ك ‪ ،‬والعمل هلم مبا هنا ك ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ان الصالة من الرمحــــــن مكرمة خص العباد هبا فضل واحســــــان‬
‫تزيل عهنم جحاب البعد مرمحــــــة من قبل آن يعلموها انس والجــان‬
‫ويفتحون هبا آبواب الغيــوب مفــــا بعد البلوغ اىل غايـــــــــــــاهتا شان‬
‫جيىل هبا عن مراة الرس مااكتسبت من اخلطااي ومايعلـــــــــــوه مزران‬
‫فاذا انفتحت آبواب الغيوب وطهرت القلوب من لوث اذلنوب صلحت‬
‫ملناجاة احملبوب ‪ ،‬واطلعت عىل مصوانت الرسار ‪ ،‬وحظيت بتجليات‬
‫النوار ‪ ،‬وانكشاف احلجب والس تار ‪ .‬قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( الصالة حمل املناجاة ومعدن املصافاة ‪ ،‬تتسع فهيا ميادين الرسار ‪،‬‬
‫وترشق فهيا شوارق النوار )‬
‫الصالة اذا خلصت عن حمبطاهتا ‪ ،‬واحلاجبات عن بلوغ مراهما ؛ يه حمل‬
‫املناجاة ‪ ،‬جعلها هللا ابب آهل حرضته وموعد آهل قربته ‪ ،‬فهيا يناجهيم‬
‫ويناجونه ‪ ،‬وفهيا تتسع آرسارمه وتعلوا آحواهلم يف منازل القرب وفس يح‬
‫احلرضة القدس ية ‪ ،‬وترشق آنوارمه يف آرجاء الوجود ‪ ،‬وحتظى آرسارمه‬
‫‪318‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ابلكشف والشهود ‪ .‬وفهيا املصافاة عند جتيل الصفات العال ‪ ،‬فتصفا عند‬
‫ذ ك الرسار من كدورات الغيار ‪ ،‬وخترج عن مضيق الاثر اىل التزنه‬
‫يف االش باع احلق ‪.‬‬
‫يروى آن املصيل اذا قام اىل الصالة متوهجا اىل حرضة ربه طالبا بعبادته‬
‫قربه ومبتغيا به حبه ‪ ،‬رضبت عليه رسادق من نور ومل حيم حوهل ش يطان‬
‫‪ ،‬ومل تشغهل الكوان ‪ ،‬فيكرب هللا معظام ‪ ،‬ويتوجه مسلام مسلام ‪ ،‬يرى‬
‫حمبوبه قبلته وآوصافه وهجته ‪ ،‬وآفعاهل حمركته ومسكنته ‪ ،‬فيكربه وميجده‬
‫ويعظمه مبجده وعظمته ‪ ،‬كام هو آهل ذل ك ومس تحقا هل البه والمنه ‪ ،‬بل‬
‫صدر ذ ك من حرضة امسه املاجد العظمي الكبري ‪ ،‬فاذا كرب وعظم صدقه‬
‫املكل وتشعشع نور من قلبه اىل العرش ‪ ،‬ويبقى صورة مس مترة الوجود‬
‫متصةل ابملقام احملمود ‪ .‬واذا اكن عىل غري ذ ك الوصف وبغري ذ ك النعت‬
‫متلبسا وهو آن يكون حمجواب ‪ ،‬وابلظلامت مصحواب ‪ ،‬وال يرى اال ادلنيا‬
‫وآشغالها ‪ ،‬والنفس ومطالباهتا ودنيات آحوالها ‪ ،‬احتوشت حوهل‬
‫الش ياطني وجنودها ‪ ،‬واس تلبت قلبه وجحبت رسه واسرتقته بامتنهيا ‪،‬‬
‫وس ندابت خدعها ‪ ،‬فمل تدع هل وهجا والوهجة اال الهيا ‪ ،‬والتعويل اال علهيا‬
‫‪ ،‬آغلقت عنه آبواب امللكوت ‪ ،‬وآجسنته يف قفص الناسوت ‪ .‬آعاذان هللا‬
‫من ذ ك ‪ ،‬وسكل بنا طريق آصفياه ‪ ،‬وبوآان مقعد آولياه اذلين آووا اىل‬
‫جنابه ‪ ،‬والتاذوا حبامه حفاممه ‪ ،‬ولزموا اببه فاجتبامه وآوامه والجعل‬
‫للش يطان علينا سلطان ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ان الصالة حتــــــــل النفس ابهلل ومعدن ملصــــــــــــــافاة ملتصف‬
‫فادخل حامها بقلب غـري ملتفت اىل الوجود وعن آغيار منرصف‬
‫‪319‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وترشق آنوار مــن يف احلب آواه ويتسع رس آرسار ملعــــــــــرتف‬


‫وملا عمل ما آنت جمبول عليه من الضعف من حيث برشيتك ‪ ،‬وما آنت‬
‫عنده من القدر واحلب من حيث انسانية روحانيتك ؛ قلل آعداد‬
‫الطاعات لتكون لها فاعال ‪ ،‬وكرث امدادها لتكون هبا واصال ‪ ،‬ذل ك قال‬
‫املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( عمل فيك الضعف فقلل آعدادها ‪ ،‬وعمل احتياجك فكرث امدادها )‬
‫عمل س بحانه وعلمه البالغ اذلي اليدخهل تناقض وتغيري ‪ ،‬وعلمه للش ياء‬
‫قبل اجياد آعياهنا ومجيع تفاصيلها ومجلها ‪ ،‬فذل ك اس توت يف علمه‬
‫احلاالت املتضادات ‪ ،‬ومل تشغهل عدة العيان اخملنلفات ‪ ،‬بل قدرها‬
‫وآبرزها عىل وفق ماهو العمل فهيا قبل اجيادها ‪ ،‬وس يق الهيا آلطافه قبل‬
‫اس تعدادها واعداداهتا ‪ ،‬لهنا يف مجيع آطوراها وترتيب آحوالها وآفعالها‬
‫ومجيع سكناهتا وحراكهتا وسعادهتا وشقاوهتا ‪ ،‬خفرجت لك ذرة مهتيئة ملا‬
‫هو املراد مهنا ‪ ،‬وآمكل هللا س بحانه عىل هذه المة منته ‪ ،‬وآس بغ علهيم‬
‫نعمته ‪ .‬فعمل ضعفها ومايه عليه من الثقل الرتايب ‪ ،‬وماركن فهيا من الطبع‬
‫احليواين ‪ ،‬فمل تس تطع آن تعم املراتب الروحانية يف آن واحد ‪ ،‬جفمع مجيع‬
‫اللطائف ويرس علهيا تكل املعارف ‪ ،‬جفعل مخس صلوات فهيا آرسار‬
‫مخسني ‪ ،‬ويف لك ركن مهنا طور آمري وفعل خلق ‪ ،‬فأمكل لها غاية‬
‫مراهما ‪ ،‬ويرس لها طريق متاهما ‪ ،‬ورس جعلها وترا يف العدد االجاميل ‪،‬‬
‫وشفعا يف العدد التفضييل ؛ مشريا اىل رتبة الكامل ‪ ،‬واتصاف الواحد‬
‫املتعال بأنه واحد يف ذاته ‪ ،‬متكرث يف صفاته ‪.‬‬

‫‪320‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وان كنت تقول آهنا يف العدد التفصييل شفع وصالة املغرب ثالث ؛ فقد‬
‫شفعت صالة الليل ابلوتر وترا ‪ ،‬كام حصت بتكل النقول ‪ ،‬وطابق املنقول‬
‫فهيا املعقول ‪ .‬ولرنجع عن ذ ك ؛ فان ادلخول يف آرسار الصالة يطول فيه‬
‫اجلوالن ‪ ،‬ويكرث فيه القول وهو حري بأن ترتع يف ساحة الطرس القمل ‪،‬‬
‫وتبدي ما كتب يف طهيا نون والقمل ‪ ،‬ولكن املراد رشح هذا الكتاب عىل‬
‫آوجز مقال وآقرب مثال ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫العبد حمتاج اىل وصل احلبيب وما فيه اتساع ملا لكفه من معــــــــــــل‬
‫فقربت منه اجلـــــــــود اذلي علام واس تودعت ذاك اكللفاظ يف املثل‬
‫فامخلس مخسني يف املعىن اذلي فهام يف رس تضعيف سنبل اثبت العمل‬
‫مفىت عقلت عن منة هللا عليك يف اقامته ك يف العمل ‪ ،‬ومل تنل منهتيى‬
‫السؤل والمل ‪ .‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( مىت طلبت عوضا عىل معل ‪ ،‬طولبت بوجود الصدق فيه ‪ ،‬ويكف‬
‫املريد وجدان السالمة )‬
‫مىت طلبت عىل معل عوضا فقد فقدت االخالص اذلي هو رشط يف‬
‫قبوهل ‪ ،‬مفن رشوط قبوهل االخالص ‪ ،‬واالخالص هو آن التقصد بعمكل‬
‫غري وجه هللا فقد االخالص بينا يف طلب االعراض يف مقابةل ما آنت‬
‫عامهل ‪ ،‬فيكف املريد من عدم االخالص وتقصري يف مأمور ‪ ،‬واقتحام‬
‫مهني آوفعل عىل غري آمر من هللا ‪ ،‬وبصرية السالمة من آفات القوادح‬
‫يف االخالص والنقائص يف الحوال ‪ ،‬والتقصري عن كامل ظواهر العامل‬
‫فضال عن الوصول اىل اس تقامة بواطهنا ‪ .‬مفا آعظم هجل من يطلب س يده‬
‫جبزاء آعامهل اليت برزت من حرضة الفضل الزيل اذلي ابتداه به قبل آن‬
‫‪321‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫يطلبه ‪ ،‬وخوهل اايه قبل آن يسأهل ‪ ،‬فالفضل هل عليه حيث آابحه خدمته‬
‫‪ ،‬وآظهر عليه آاثر عنايته ومنته ‪ ،‬فالعراض قيد عن الرتوع عن مواطن‬
‫القرب وادلخول يف حضائر احلب ‪ ،‬مفا آعرف من قام هلل لهذه املعاوضات‬
‫اال انقص اهلمة فاتر العزمة ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫طولبت فهيا ابالخالص مل جتــــد‬ ‫اذا طلبت عىل العامل آعواضــــا‬
‫هبا فال شك آن يعطى اذلي يرد‬ ‫ان احلريص عىل اخلريات معتاضا‬
‫وعن حياض الهنا الفياض مل يـرد‬ ‫لكن عن الرتبة العليــــاء يقرص ذا‬
‫فالعامل اىل طلب العفو آحوج مهنا لطلب العوض ‪ ،‬وذ ك ملا يلزهما من‬
‫القصور والفات القادحة فهيا كام قاهل الش يوخ ريض هللا عهنم ‪ ،‬فارجتاء‬
‫فضهل وفيض فضهل خري من آن تطلب جزاء عىل ما صدر عىل صورتك‬
‫من النقص والتقصري ‪ ،‬واذا نظرت بنور التوحيد وجدت ما صدر عنك‬
‫جمازا الحقيقة ‪ .‬حفقيقة صدور الش ياء من اخرتاع مش يئته وابداع قدرته ‪،‬‬
‫ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( التطلب عوضا عىل معل لست هل فاعال ‪ ،‬يكف من اجلزاء ك عىل‬
‫العمل ان اكن هل قابال )‬
‫فاحلمكة الوىل تشري اىل اسقاط رؤية العمل من حيث التقصري فيه وهو‬
‫مشهد آهل الصدق يف املعامةل من السالكني بظواهر العمل ‪ ،‬وهذه تشري‬
‫اىل اسقاط رؤية العمل بشهود التوحيد ‪ ،‬وبلسان الفناء يف الفعال ويه‬
‫طريقة البدال ‪ ،‬الغائبني عن العامل وسائر الفعال ‪ ،‬لتحققهم ابلوصال‬
‫والتوهل يف بديع امجلال ‪ ،‬واخلضوع حتت خوف سطوات اجلالل فتسموا‬
‫مهنم الحوال وتزكوا مهنم العامل خللوصهم عن رؤية آنفسهم فهيا فضال عن‬
‫‪322‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫آن يرشكوا فهيا غري معبودمه ‪ ،‬آوتتوجه قلوهبم اىل غري مقصودمه ‪ ،‬فكيف‬
‫يتصور ممن مشهده هذا احلال آن يطلب عوضا وهو يرى آنه ليس فاعال ‪،‬‬
‫فيكون جل مه الصادقني خوف رد العامل وعدم صالحيهتا ‪ ،‬لن تعرض‬
‫بني يدي هللا ‪ .‬فأعظم به جزاء اذا ارتىض ذ ك مهنم وقبهل ؛ فقبوهل آعظم‬
‫جزاء ‪ .‬ولوال حمض كرمه وعفوه عن العاملني ملا صلحت آعامل البرش آن‬
‫تذكر يف منرية حرضته ملا علهيا من القصور ‪ ،‬والتلوث بقاذورات الشهوات‬
‫وظلامت الغفالت { ولوال فضل هللا عليمك ورمحته مازىك منمك من آحد‬
‫آبدا ولكن هللا يزيك من يشاء } [ الية ‪ 21‬النور ] ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫نزل من آاثر قـدرة منشئ الصور‬ ‫فكيف تطلب آن جتزى عىل معل‬
‫وسرت مافيه من نقص ومن رضر‬ ‫كفى جزاء آن يكون هللا قابلـــــه‬
‫فنس بة العمل اىل العباد جماز ‪ ،‬واحلمكة يف نسبهتا الهيم ظهور الفضل‬
‫والكرم علهيم ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( اذا آراد آن يظهر فضهل عليك ‪ ،‬خلق ونسب اليك )‬
‫اذا آراد آن يظهر فضهل عليك آهيا االنسان ؛ واالرادة متفرعة عن س بق‬
‫علمه بذ ك ‪ ،‬واالرادة يه اليت ختصصت هبا الش ياء وافرتقت هبا مجمالت‬
‫المور ‪ ،‬وبرز عىل وفقها لك اكئن مقدور ‪ ،‬عىل وفقها لك اكئن مقدور ‪.‬‬
‫والفضل هو ماقدره لعبده يف سابق من سابقة احلس ىن بأن خيلق فيه‬
‫الفعال احملمودة وجبنبه اخلصال امللومة ‪ ،‬ويلبسه اللطاف وحيليه حبلية‬
‫مجيل الوصاف ‪ .‬فتتوجه اليه ماكرم الخالق ‪ ،‬ويعامل يف مجيع آحواهل‬
‫مبعامةل احملب املشفق حببيبه ‪ ،‬ويدنيه دنو متقرب لقريبه ‪ .‬فاذا ارتفع بينه‬

‫‪323‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وبينه احلجاب فأذن هل يف اخلطاب ‪ ،‬وابتداه مبا يطلب منه فيه اجلواب ‪،‬‬
‫انطلق لسانه يف مسامرة حبيبه ‪ ،‬فيقول هل املوىل مبحمك كتابه املزنل عىل‬
‫نبيه ابثبات العباد وآفعاهلم { ان هذا اكن لمك جزاء واكن سعيمك مشكورا‬
‫} [ الية ‪ 22‬االنسان ] { فالتعمل نفس ما آخف هلم من قرة آعني جزاء مبا‬
‫اكنوا يعملون } [ الية ‪ 17‬السجدة ] فلام قرع آسامعهم ذكر اجلزاء عىل ما‬
‫آجراه من صاحل العمل ففهموا منه االذن يف نس بة ذ ك الهيم ‪ ،‬فبسطوا‬
‫آكف رضاعة القلوب فقالوا ‪ :‬تقبل منا ماحققت نسبته الينا ‪ ،‬وآعربت‬
‫آس باب هدايتك علينا ‪ .‬م ملا علموا ما هللا موصوف به من مجيل الصفات‬
‫غاروا عىل آن ينس بوا اىل صفته مااليليق برشف رتبهتا من نس بة ماال‬
‫يوصف به فقالوا { ربنا ظلمنا آنفس نا وان مل تغفر لنا وترمحنا لنكونن من‬
‫اخلارسين } [ الية ‪ 23‬العراف ] فلو مل يطلق نس بة العامل الهيم مل حيتوي‬
‫آرسارمه آن خيتلج فهيا آن لها ومهنا ‪ ،‬ولكن نس بة الفعل مل ختتلف فهيا‬
‫القول بنسبته اليه ‪ .‬ومااكن من قبيل حتيل العدل فعند آهل الس نة آنه‬
‫خمتار لفعلها يف حال اخباره ‪ ،‬وختري يف حال اختياره ‪ .‬فلسان الرشع‬
‫التنطق بلسان اذلم اال عىل العبد يف فعهل للمعصية ‪ ،‬ولسان احلق التنطق‬
‫اال ابلعدل { ومتت لكامت ربك صدقا وعدال المبدل للكامته } [ الية ‪115‬‬
‫النعام ] وحق العبد آن يضيف اىل نفسه مااليليق نسبته اىل ربه مع ماهو‬
‫متحقق فيه ذ ك ؛ اكللنب بني دم القدر ‪ ،‬وفرث اجلرب ‪ ،‬فالعبد يقول عند‬
‫بروز الطاعة عنه ‪ :‬آنت املقدر والهادي واملعني واملادح واملثيب ‪ ،‬فهذه‬
‫‪324‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫عدة نعم تقرص دوهنا ويعجز يف جنهبا شكر الشاكرين ‪ .‬وعند بروز املعصية‬
‫عنه يقول ‪ :‬ايرب عصيت وآخطيت فاغفر يل فأنت الغفور الرحمي ‪ .‬ويل‬
‫يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫اذا آراد اهل اخلـــــــــلق يظهر من فضائل جات يف خشص من البرش‬
‫خلق هل لك حمبوب ينــــــــال به ثناه عند الـــــــــــــــــه جل مقتدر‬
‫فنس بة الفعل يف الش ياء وان حسنت جمازة ليس للغــــــــــــيار مـن آثر‬
‫فاذا علمت آن آصل العبد العدم وفصهل العجز ‪ ،‬علمت آن العدم ظلمة‬
‫وليس عليه جل وعال آن ينريها اال آن يتكرم ويرمح ‪ ،‬قال جل من قائل‬
‫{ وماظلمهم هللا } [ الية ‪ 35‬النحل ] اذا الظامل من ترصف يف حق غريه‬
‫ومل يصادف لغريه ملاك ‪ ،‬واذا مل جيعل هلم نورا فال ظمل منه هلم ‪ ،‬واذا مل‬
‫جيعل هلم نورا ومل هيهبم من فضهل مفذاهمم غري متناهية ‪ ،‬واذا آلبسهم من‬
‫نور وجوده وآظهر علهيم عناية وجوده فال جرم التفرغ مداحئهم والتساىم‬
‫مراتهبم ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( الهناية ملذامك ان آرجعك اليك ‪ ،‬والتفرغ مداحئك ان آظهر جوده عليك‬
‫)‬
‫الهناية توصل الهيا لبعد عنايهتا ومغوض هنايهتا ملذامك لهنا متأصةل فيك ‪،‬‬
‫والهناية للعدم اذلي هو ظاهر صورته الظلمة ‪ ،‬ومعناه عدم احلقيقة اليت‬
‫يرجع الهيا ويعمتد علهيا ‪ ،‬فاملذام ان آرجعك اىل اصالتك الهناية لها ‪،‬‬
‫والتفرغ مداحئك ان آظهر جوده وهو نور وجوده وحتقيق شهوده ‪ ،‬لنه‬
‫اذا آلبس ظلمة وجودك وجالء قباحئ صفاتك فايض فضهل ومعمي جوده‬
‫امضحل العدم وبق الصل املوجود ‪ ،‬والظاهر يف العيان الشهود ‪ ،‬واكن‬
‫‪325‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫هو الشاهد واملشهود ‪ ،‬فالتفرغ ملداحئ الصفات العلية والتجليات السنية ‪.‬‬
‫مفن آرجعه هللا لنفسه آرجعه اىل ظلمة ونقص وقد رمس عليه برمس البعد‬
‫‪ ،‬وآظهر عليه عالمة الطرد عن حرضة القرب ‪ ،‬ومن اكن عن حرضة هللا‬
‫بعيدا ومن اببه طريدا فالهناية ملذامه وخمازيه ‪ ،‬ومن آحتفه وقربه وجعهل‬
‫من خواصه وآهل حرضته فقد آس بغ نعمته عليه ‪ ،‬وآفاض فايض جوده‬
‫دليه ‪ ،‬مفىت يفرغ من مدحه وقربه خالقه ومالكه ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فالهناية ذلم العـــــــبد ان بعدت به عن القرب من مواله آس بااب‬
‫ومدحه ليس يفرغ منه ان قربت من ربه جل من للفضل وهــــااب‬
‫فاذا عرفت ذ ك وحتققت الحماةل آن للمدوح وجود احلق الغري ‪ ،‬وان‬
‫وجودك اال بفناك عن وجود آنيتك وحمو ثنويتك ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض‬
‫هللا عنه ‪:‬‬
‫( كن بأوصاف ربوبيته متعلقا ‪ ،‬وبأوصاف عبوديتك متحققا )‬
‫كن بأوصاف ربوبيته متعلقا بأن تكون شاهدا لوجوده ومجيع آوصافه ‪ ،‬غايبا‬
‫عن ومهية وجودك ‪ ،‬فانيا عن مظهر شهودك الترى ك برؤية حياة‬
‫والمسعا والبرصا والقدرة وال ارادة والعلام والالكما والحركة والسكوان اال‬
‫به ‪ ،‬وقامئا بقميومته وحيا حبياته ومريدا وقادرا وعاملا ومتلكام ابرادته وعلمه‬
‫والكمه ‪ ،‬ومتحراك حبركته ‪ ،‬ومترصفا بترصيفه ‪ .‬فالتعلق بألوهية االهل للاملوه‬
‫‪ ،‬وبربوبية الرب للمربوب نعت ‪ ،‬وهبا يظهر رشفه ويمثر هل ظهوره نس بة ‪.‬‬
‫وحيث تكن القضية بأن تعلق ابلوصاف العدمية ‪ ،‬وغفل عن الصفات‬
‫الزلية العلية ؛ فهو احلقيق ابمس اجلحود واملبعد املطرود ‪ .‬آعاذان هللا من‬
‫البعدوالطرد ‪ ،‬فلكام كنت متحققا بأوصافك من قصورك وجعزك وفقرك‬
‫‪326‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وذ ك ‪ ،‬وعدم حو ك وقوتك كنت من التعلق بأوصافه آمت وآمكل وآخص‬


‫‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فكن بأوصافه العـــــظامء منتس با وعن قواك عدمي احلول منــــــعدم‬
‫واشهد وجود الصفات الست معمتدا بأن خالقنا موصوف يف القـــــــدم‬
‫ينكل والس بع مبدا لك اكئنــــــــة ولك مســــــتأثر يف الغيب منكمت‬
‫من لك آوصـــــافه آولك مانعتت به من آسامهئا احلس ىن بذاك مس‬
‫فاقطع هبذا وكن يف القول حمتس با عن ماحيول يف االحلــــــــاد آوحيم‬
‫واذا فهمت معىن التخلق والتعلق اذلي يشريون اليه آهل الذواق والعلامء‬
‫احلذاق ‪ ،‬علمت آن املطلوب من العبد آن يعرتف بأوصافه ‪ ،‬ويكون‬
‫متعلقا بأوصاف هللا ‪ ،‬انظرا يف بواطن مصنوعاته ‪ ،‬فاحلمكة يف العبادة‬
‫االعرتاف بذ ك ‪ .‬وذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( منعك آن تدع ماليس ك مماهو للمخلوقني ‪ ،‬آفيبيح ك آن تدع‬
‫وصفه وهو رب العاملني ! ؟)‬
‫منعك وحرض عليك وآوعدك عىل دعواك حقوق عبادهللا املالية ادلنياوية‬
‫اليت خوهلم اايها وآنزهلم علهيا ؛ مع آن املكل فهيا حقيقة هلل ‪ ،‬ومع ذ ك قال‬
‫{ التألكوا آموالمك بينمك ابلباطل } [ الية ‪ 29‬النساء ] والباطل هو ادعاها‬
‫بغري حق ‪ ،‬آفيبيح آن تدع وصفه وهو رب العاملني وما ك ادلارين ‪ ،‬هذا‬
‫غاية الظمل والتعدي لن تنازع س يدك وخالقك يف صفاته ‪ ،‬آوتشاركه يف‬
‫نعوت كامهل ‪ ،‬آوترشك معه غريه يف عبادته ‪ ،‬آوتشهد معه سواه يف مملكته‬
‫‪ .‬فلو آابح ك ذ ك مل تتجارس عىل االقدام عليه حياء منه ‪ ،‬واجالال‬
‫وتعظامي جلنابه العيل عن آن ينازع يف صفاته آويسامه يف نعوت كامهل ‪ .‬كام‬
‫‪327‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫يروى عن سادات الصوفية ريض هللا عهنم حاكايت يف ذ ك عديدة وآاثر‬


‫‪ ،‬ومتواترات آخبار آن آحدمه يعرض هل الترصف املطلق يف الوجود ابذن‬
‫رصحي وذوق حصيح‪ ،‬فميتنع آداب وهراب منه فرقا ‪ ،‬فيس تعيذ ابهلل ويلوذ‬
‫جبنابه من آن يكون هل اختيارا ‪ ،‬ويغار عىل جنابه آن يكون لغريه ذكرا يف‬
‫هني آوآمر اللنفسه والغريه ‪ ،‬ويغيض عند تربح الايت وظهور خوارق‬
‫الكرامات خوفا آن يساكهنا آويفرح بوجودها ‪ ،‬فيكون مرشاك يف حمبته‬
‫غريه فيش تد نكريه ‪ .‬فلهذا املرىم اس تعاذوا به مما سوا من مايتطرق اىل‬
‫القلب حمبته ‪ ،‬آوخيامر النفس مساكنته ‪ .‬ذل ك قال قائلهم ‪ :‬اش تاقت فاذا‬
‫بدآ آطرقت من اجالهل الخيفة بل هيبة وصيانة مجلاهل ‪ .‬وعند ظهور جتيل‬
‫احملبوب عىل احملب مع فرط التعطش اىل اللقاء يش تد علهيم الصرب مع هذه‬
‫احلاةل ‪ .‬وهذا هو صرب الصيانة واالجالل ملظهر امجلال ‪ ،‬والغرية عىل‬
‫خمدرات غيد املعارف ومصوانت جحال اللطائف والوصال ‪ .‬فاليطيق‬
‫الصرب يف هذا املشهد الرفيع مع اابحته اايه اال اندرا من حمقق العارفني ‪،‬‬
‫واملمتكنني من آحاد املقربني ‪ .‬وعندما يتحمل آعبائه يتضاعف عليه مظاهر‬
‫والئه وسوابغ آالئه ‪.‬‬
‫فانظر كيف آدا هبم الدب ملقام الربوبية يف صفو مقام العبودية اىل آن‬
‫صانوا شهود وجوده عن آنفسهم ‪ ،‬ونزهوا حمل حمبته عن مقصودمه تعلقا‬
‫وحتققا ‪ ،‬فضال عن آن يدعوا لنفسهم حاال ‪ ،‬آويثبتوا لها مقاما ‪ ،‬فضال‬
‫عن آن يشاركوه آويرشكوا معه ‪ .‬فاذا رآيت رشف هذا املقصد وبعد مرماه‬
‫وعلو شانه ‪ ،‬ورآيت ما اخللق عليه مكبون وحمبون وفيه يتنافسون من‬
‫قذورات ادلنيا والتطاول يف هذا العامل الدىن ‪ ،‬علمت آن هذا الطريق قد‬
‫‪328‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اندرس ابللكية اال البقااي اذلين حتت قباب الغرية آولوا البقية ‪ .‬وليت‬
‫شعري من ك واحد مهنم ؛ آوهل ترى خمربا عهنم ‪ ،‬وآن يظهر يف زهيم‬
‫من يدع رشائف آحواهلم ومبحرف بزتويق آلفاظ حتايك آلفاظهم كذبه‬
‫شاهد حاهل ‪ ،‬ومن عليه قبيح فعاهل ‪ ،‬فليتق هللا املتجاهل املتعايم العامل مبا‬
‫هو عليه من قبيح احلال وسوء الفعال ‪ ،‬وهو مع ذ ك يدع مقامات‬
‫آبطال الرجال ‪ ،‬ويتبجح يف بيد ادلعاوي وهو عن مقامات القرب خايل ‪،‬‬
‫ويف س ندابن الهوى هاوي ‪ .‬فباهلل ايآيخ واايي هل آحد منا انل ذليذ‬
‫وصاهلم ‪ ،‬آوحتىل بصف آحواهلم ‪ ،‬آوتأدب مباكرم آخالقهم ‪ .‬فكيف وقد‬
‫وعد احلق من انزعه يف صفاته ‪ ،‬وآرشك غريه يف عبادته بوبيل عذابه وآلمي‬
‫عقابه ‪ ،‬فقال عز من قائل حمذرا ‪ ،‬وعن االرشاك معه زاجرا { واايي‬
‫فارهبون } عن آن يشاركوين يف صفايت { واايي فاتقون } عن آن‬
‫ترشكوا مع يف عباديت ‪ .‬وعىل لسان نبيه يف القدس يات " الكربايء ردايئ‬
‫والعظمة ازاري مفن انزعين فهيام آدخلته النار " آشار اىل اختصاصه هبذه‬
‫الوصاف اكختصاص الشخص ابلرداء واالزار ‪ ،‬فال آبلغ من هذا االنذار‬
‫‪ ،‬والآعظم عىل من انزعه منه اناكر ‪ .‬ان من انزع خشصا يف ردائه وازاره‬
‫فقد ابرزه بأعظم اناكره ‪ .‬فانظر واعترب واايك والكرب فانه املصيبة الكربى ‪،‬‬
‫فان قليهل مانع من دخول اجلنة كام ورد ‪ :‬آنه اليدخل اجلنة من اكن يف‬
‫قلبه مثقال ذرة من الكرب ‪ ،‬والخياد يف النار من يف قلبه مثقال ذرة آوحبة‬
‫من اميان " ورشح ذ ك غامض عن الفهام عند النظر يف آصهل ومبداه ‪،‬‬
‫وغايته وانهتاه ‪ .‬فالكرب املهني عنه خلق ابليس لعنه هللا ‪ ،‬وهو خلق من‬

‫‪329‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫انر والنار مادامت متأصةل يف القلب ‪ .‬وان قلت فهي جتذبه اىل آصلها‬
‫مااليمتكن من دخول اجلنة ‪ ،‬كذ ك االميان اليزال جيذب صاحبه حىت يرده‬
‫اىل آصهل ‪ ،‬وآصهل نور امجلال اذلي نعمي اجلنة مزنهل ‪ ،‬وفهيا سلطانه‬
‫ومظهره ‪ .‬ولقد مال بنا الرشح آوجنذب البعض اىل بعض ‪ ،‬ويل يف ذ ك‬
‫شعرا ‪:‬‬
‫منعك آن تدع حق العبــــاد مفا للعبد آن يدع وصفا ملـــــــــــــواله‬
‫مفا لغريه آن يعبد سواه ومـــــــــا معبود يف املكل وامللكوت اال هــــو‬
‫من انزع هللا يف آوصـــــافه قسام آن اليذوق يف الفردوس آحـــــــاله‬
‫فاذا مسعت مبن آظهره هللا عليه من آوليائه شئ من ماهو من مقتىض‬
‫الترصف االلهي فال خيتلج يف عقكل آن ذ ك بطلب واختيار ‪ ،‬ومع بقاء‬
‫رؤية الغيار والتلطخ بكثائف العوائد وظمل الاثر ‪ ،‬وامنا ذاك بعد حتقق‬
‫مقام الفنا ‪ .‬وآما مع االقامة عىل العوائد الطبيعية والشهوات احليوانية‬
‫الخيرق آس تار الغيوب ‪ ،‬والتبدوا خمبأت الرسار حتت احلمكة ‪ ،‬ورس‬
‫القدر اليظهر اال بعد ذهاب وصف البرش ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف متعجبا ‪:‬‬
‫( كيف خترق ك العوائد وآنت مل خترق من نفسك العوائد )‬
‫كيف يتصور آن خترتق ك آس تار الغيوب وآنت بعد مل تتب من هفوات‬
‫اذلنوب !؟ آم كيف خترتق العوائد والقدار وآنت متصف ابلغفةل ومقمي‬
‫عىل االرصار؟ آم كيف ترشق عليك شوارق النوار وآنت مل تصفى منك‬
‫الرسار عن الظمل والكدار ! كيف تطمع يف نيل آقىص املرام والتحيل‬
‫بأعىل مقام وآنت مل تعرف احلقوق عىل الامتم ! ومل تصح منك االانبة عىل‬
‫ادلوام ‪ ،‬خفرق العوائد بأن تأيت ويظهر عىل يديه مايس تحيل يف العادة‬
‫‪330‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫االتيان مبثهل ‪ ،‬وذ ك عند انكشاف رس القدر وذهاب ظمل العوائد ‪.‬‬
‫وكثيف البرش وخرق العوائد النفسانية مفتاح البواب الروحانية ‪ ،‬وخرقها‬
‫بأن تأيت عىل خالف املعتاد من مايه مقمية عليه ومطمئنة اليه من الركون‬
‫والسكون اىل ما اليالمئها ويوافقها من مالذها ‪ ،‬وحيملها عىل االجهتاد‬
‫ماخيرهجا عن معتاد طبعها ‪ ،‬فعند ردها عن مرادها ومقتىض حظها ومحلها‬
‫عىل غاية الوسع ومنهتيى الطاقة يف عبادة رهبا خترج من حزي النفوس ‪،‬‬
‫وتلتحق بعامل القدوس ‪ ،‬مع الرواح العلوية واللطائف الساموية الصافية ‪.‬‬
‫فعند ذ ك الجرم آن خترق العادة البرشية بأن تطري يف الهوى وعىل املاء ‪،‬‬
‫ويس توي عندها البعد املاكين اذ المسافة يف العامل العلوي ماكنية ‪ .‬وتتجىل‬
‫عليه الصفات العلوية فتكون مظهرا لها وجمال لرسها ‪ .‬لن لك سامء يتحمك‬
‫فهيا رس وصف وروح قديس ‪ ،‬روحانيته مس متدة ومس تعدة ليزنل نور‬
‫وصف الهي ‪ .‬وهنا عمل يطلب سرته عن غري آههل فال يذاع واليس تودعه‬
‫اال لك قلب قديس يشأ لكه ‪ ،‬فالنطيل فيه ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فكيف تطلب مظهر غاية القـــدر وآنت مكبول يف جسن من البرش‬
‫ان ش يئت خترتق الس بع الطباق عىل براق عزم وحرضة منهتيى النظـــر‬
‫هذا وبعد انهتيى سري الـوقود اىل عزيز وصل جبنح آطيار ذاك طر‬
‫انسان عيين سعدت ان جرت م عىل وجه مجيل بال تكييف منحـــرص‬
‫وهذه اخلوارق يه ظهور الايت ووجود الكرامات ‪ ،‬ويه التظهر ملن‬
‫بقت عليه من نفسه بقية ‪ ،‬وان ظهرت صورهتا فهي عند الرضا هبا‬
‫والسكون الهيا والفرح بوجودها خديعة ‪ .‬فعدم ظهورها عىل من فيه من‬
‫بقية الهوى ووجود ادلعوى آمت لصالح حاهل ‪ ،‬فسرت الكرامات وظهور‬
‫‪331‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫الايت عىل يد من مل يتأهل لالرادة ومل حتنكه رايضات السالكني ‪ ،‬ومل‬


‫يكشف هل عن مقام احملققني من رمحة هللا به وعنايته ‪ .‬والكرامة تكون آما‬
‫من قبيل الفعال آومن حزي القوال ‪ ،‬آومن لطائف الحوال ‪ .‬فالفعال‬
‫كن مييش يف الهوى وعىل املاء وط مسافات الرض البعيدة ‪ ،‬واحضار‬
‫الطعام يف غري آوان وجوده ‪ ،‬واجراء املاء من غري آن يكون هناك ‪،‬‬
‫آوزايدة يف شئ منه بأن يكون القليل كثري ‪ ،‬آوانقالب الجحار ذهبا‬
‫وماشالك ذ ك مما هو من جائزات القدرة ‪ ،‬آومن القوال الجابة ادلعاء ‪،‬‬
‫وتيسري العلوم الغريبة واملعارف العزيزة ‪ ،‬وابراز العمل املكنون اذلي قال فيه‬
‫صىل هللا عليه وسمل " ان من العمل كهيئة املكنون اليعرفه اال العلامء ابهلل‬
‫" فاذا نطقوا به فال ينكره علهيم اال آهل العزة ابهلل ‪.‬‬
‫وآما من الحوال اكالتصاف بصفة الروح يف تشلكها وتنقلها من صورة اىل‬
‫صورة ‪ ،‬آوبكرثة الصور آوالظهور هبيئة ختالف هيئة البرش ‪ ،‬وذ ك من‬
‫آعز ماجيدونه آهل املواجيد ‪ ،‬واليكون اال بعد آن يذهب يف التوحيد‬
‫وينمكش يف حرضة التفريد ‪ ،‬وخيرج عن حزي التعديد ‪.‬‬
‫وآما الكرامات ابلقوال فعند جامعة من آرابب الكشف قالوا ‪ :‬مايكون‬
‫جمااب فامي يدعوا االمن مل يكتب عليه مكل الشامل عرشين سيئة آوآكرث‬
‫خطيئة ‪ ،‬وهذا اليبعد عن آرابب اليقظة ؛ س امي وقد ثبت آن مكل‬
‫الشامل مطاع ملكل الميني فيقول ‪ :‬قف والتكتب لعهل يس تغفر بعد ساعة ‪،‬‬
‫وقيل ثالث ‪ .‬واختلف العلامء هل الساعات يه الفلكية آويه ساعات‬
‫لطيفة كام هو العرف آن الزمان القريب يسمونه اخللق ساعة كخالفهم يف‬
‫ساعة امجلعة ‪ ،‬وهللا آعمل ابملراد من ذ ك ‪.‬‬
‫‪332‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وآما ابلفعال فطريق الواصلني اليه بعد توفيق هللا وهدايته وعونه بتصفية‬
‫الرايضات وترك املألوفات واملعتادات فهيا تنخرق هلم العادات ‪ .‬وابمجلةل‬
‫فالسرت يف حق الضعفاء آسمل ‪ ،‬والكشف يف حق القوايء آقوم وآدوم ‪.‬‬
‫والقوايء اليعمتدون عىل مايربز عىل آيدهيم واليرونه كثريجدوى ‪،‬‬
‫واليزيدمه تبياان ‪ ،‬بل يرونه من مجةل آقدار هللا اجلارية لثبوت يقيهنم ‪،‬‬
‫وحتقيق متكيهنم ‪ .‬وجل نظرمه يف االس تغراق يف جالل هللا وجامهل ‪ .‬ويل‬
‫يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫يزيد آرواهحم شــــــوق وآجشان‬ ‫العارفون هلم يف القــــدس جوالن‬
‫قرىب هلم يف القـــــرب ميدان ؟‬ ‫فهم يف العال تــدور هبم آحوال ؟‬
‫مناقب آايت يف السامء وعرفان‬ ‫ويف مسامر آرجــــاء الوصال هلم‬
‫املطلوب مهنم هل اال حمـــو لعيان‬ ‫والسالكني عىل هنج السبيل فال‬
‫يف مغرة املوت ركبان وفــــرسان‬ ‫يلقون م جيوش النفس خائضة‬
‫واكن خرق عوائد النفس ابلطلب لهنا حق احلق من العبد ‪ ،‬فأوىل‬
‫الحوال آن يكون يف الطلب متصفا ابلدب ‪ ،‬والدب هو آن يكون‬
‫طلب امتثاال وتعبدا ‪ ،‬الوجود حظه وموافقة مراده ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف‬
‫ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( ما الشان وجود الطلب ‪ ،‬وامنا الشان آن ترزق حسن الدب )‬
‫ما الشان املراد من العبد يف حرضة س يده واعطاء ربوبيته حقها ‪ ،‬بأن‬
‫تكون طالبا حلواجئك منه ‪ ،‬ولكن الشان املراد من العارفني والعلامء‬
‫احملققني آن تكون متأداب بني يديه اليكون ك مراد غري مراده ‪ ،‬والمطلواب‬
‫غري شهود ذاته ‪ ،‬والتحقق بأسامئه وصفاته بأن تدعوه عبودية ‪ ،‬وتفوض‬
‫‪333‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اليه يف لك ماتطلب ‪ .‬مفن دعاه بلسان العبودية اللينال شئ واليرى نفسه‬


‫آهال ‪ ،‬حفقيق بأن جياب فامي سأهل من احملاب ‪ ،‬وآن يلج الباب يف زمرة‬
‫الحباب ‪ .‬ومن اكن مع هللا عىل غري هذه احلاةل يف سؤاهل ومجيع آفعاهل‬
‫وسأل وحاجته آمامه حاجبة دلعاه آن يلج ‪ ،‬فالجرم آنه ما آوفا الربوبية‬
‫حقها ‪ ،‬والآعطى احلرضة مس تحقها ‪ .‬وحسن الدب يف الباطن هو‬
‫تفويض المر اىل املشيئة واالنطامس يف حرضة املعية ‪ ،‬اليشهد يف الوجود‬
‫ثنوية ‪ .‬والدب ظاهرا هو القيام ابلوظائف الرشعية واحلقوق ادلينية ‪،‬‬
‫وآفضلها الداب النبوية اذلي آدب هللا هبا نبيه صىل هللا عليه وسمل ‪ ،‬م‬
‫اتباع آخالق المئة الصوفية والعصبة املصطفوية آويل الخالق الرضية‬
‫والش مي املرضية والحوال السنية واهلمم العلوية واملقامات العلية ‪ ،‬فهبم‬
‫فاقتد ‪ ،‬وهبدامه فاهتد ‪ ،‬ريض هللا عهنم ‪.‬‬
‫ومن تأدب بغريمه ممن هو حمبوس يف مضيق الرسوم فالجي منه شئ وان‬
‫طالت حصبته وعظمت آسوته ‪ ،‬لن غاية علامء الرسوم آن يبينوا هل‬
‫ماعندمه مما هو مشاهد ‪ ،‬ويصفون هل وصف الطبيب اذلي يعرف امس‬
‫ادلوى واليعرف عينه ‪ .‬مفازاد عىل اجلاهل به االمبعرفة االمس فلو احتاجه‬
‫لنفسه مل هيتد اليه اال بدالةل طبيب عارف بعينه ولو اكن جاهل ابمسه ‪،‬‬
‫فكيف وهو مل يتخذ هللا من ويل جاهل وان اختذ علمه ‪ .‬والصوفية يف عامل‬
‫الرواح آقرب اخللق اىل الروح احملمدي يف عامل اخللق مه آحسن اتباعا‬
‫دلينه احلنيف ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ماالشان منك وجود اللفظ يف الطلب ولكن الشان منك منهتيى الدب‬
‫فلك من اكن ابلخيار مقــــــتداي ينال من رس ذ ك منهتيى الرب‬
‫‪334‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فالدب آن ترى نفسك والترى لها ‪ ،‬بل تكون حمو يف وجود س يدك‬
‫وموالك ‪ ،‬وتكون يف دعائك مضطرا فقريا حقريا ذليال ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف‬
‫ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( ماطلب ك شئ مثل االضطرار ‪ ،‬وال آرسع ابملواهب اليك مثل اذلةل‬
‫واالفتقار )‬
‫ماطلب بلسان احلال للعبد اذلليل العاجز من س يده الكبري املتعال ‪ .‬ك‬
‫آهيا الطالب الراغب فامي عند هللا من املواهب وس ين الرغايب شئ من‬
‫الوسائل لذلي يكون هبا وسائل ‪ ،‬وترجو هبا حصول ما آنت آمل وهل‬
‫حماول ‪ ،‬من الوصاف اذلي يس تحق هبا نيل مطلوبك وغاية مقصودك ‪،‬‬
‫مثل حاةل اضطرارك وافتقارك وذلتك ملعبودك ‪ .‬واالضطرار مقني ابالجابة‬
‫ومقرون هبا ‪ ،‬كام قال جل ذكره { آمن جييب املضطر } قاهل بلسان‬
‫المتدح بذ ك ‪ ،‬مفاذا ترى مايواجه به املضطرين اليه من اللطاف ‪،‬‬
‫وماينيلهم من االسعاف ‪ .‬واملضطر اذلي اليرى لكشف بالئه سبب‬
‫يستند اليه ‪ ،‬والحول يعمتد عليه ‪ ،‬بل يكون طرحيا يف فقره واضطراره ‪،‬‬
‫وبيد التجائه متدرعا ثياب ذلته ومسكنته ‪ ،‬انظرا يف آرجاء رجائه ‪ ،‬غريقا‬
‫يف جلة افتقاره ‪ ،‬الجيد غريا يلتفت اليه ‪ ،‬والمتوسال يلجاء سوى من بيده‬
‫ملكوت لك شئ ‪ ،‬ومنه مبتدآ لك شئ واليه منهتاه ‪ ،‬متوسال بكرم مواله‬
‫وانظرا اىل جنابه ورامقا اىل فس يح اببه يف ذهابه واايبه ‪ .‬فاذلةل يه‬
‫خضوع العبد بني يدي املعبود ويه روح العبادات ومنهتيى القرابت ‪ .‬وهبا‬
‫يتدرعون ويف رايضها يتقلبون ‪ ،‬لن آذل الحوال عند احملب المتلق حملبوبه‬
‫‪ ،‬ومتسكنه بني يديه ‪ .‬واالفتقار جيلب العطف من الغين بأن ترتادف عليه‬
‫‪335‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫مواهبه ‪ ،‬وجتلب دليه آلطافه ‪ ،‬وتدنوا عليه تعطفاته ‪ ،‬امنا تفتح آبواب‬
‫العطااي الرابنية واملنح الرحامنية ملن حص افتقاره وحتققت ذلته واضطراره ‪.‬‬
‫ومن احتجب ابلعزة النفس ية الهوائية واس تغىن ابلغراض العدمية ادلنياوية‬
‫‪ ،‬والتجا اىل ما منه ومادليه اكئنا مااكن رد اليه وولك عليه ‪ ،‬وهو سلمه‬
‫آحوج مايكون اليه فكل فمين سلف آسوة ‪ ،‬و ك يف مشاهدة الغري عربة ‪،‬‬
‫فد ك عىل املقصود ‪ ،‬وتوحض ك طريق الهدى ‪ ،‬فاعترب مبن هو املراد من‬
‫القربة ومن هو املعين ابلشهوة ‪ ،‬فقال يف آهل السعادة { ولقد نرصمك هللا‬
‫ببدر وآنمت آذةل } [ الية ‪123‬آل معران ] وقال يف آهل الشقاء واالس تكبار {‬

‫} [ الية‬ ‫واان فوقهم قاهرون * قال موىس لقومه اس تعينوا ابهلل واصربوا‬
‫‪ 128-127‬العراف ] فانظر كيف ملا اكنوا ابهلل مس تغيثني وعليه متولكني ‪،‬‬
‫كيف آورهثم الرض وبوآمه نواحهيا ‪ ،‬ودمر من عىل نفسه عول وبأمواهل‬
‫ودولته صال وطال ‪ ،‬فقال { ودمران مااكن يصنع فرعون وقومه ومااكنوا‬
‫يعرشون } [ الية ‪ 137‬العراف ] ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫مفا طلب شئ للراجني من سبب مثل اضطرار بصدق ينجح الطلبا‬
‫فكن فقريا طرحيـا لست منتسب اىل احتيال والحـــــــــال والنس با‬
‫بذةل يعرتي احملـــــــزون يف كئب تأيت مواهب منـــــــــــــان مبا طلبا‬
‫يف مضن ذاك منــون طــــهيا آدب هبا انترص من هبا يف بدران غلـــــبا‬
‫فاذا حققت اضطرارك وصدقت يف ذ ك وافتقارك توالك بصنوف‬
‫اللطاف واملواهب ‪ ،‬وبوآك حضائر القرب والرغايب ‪ .‬وذ ك عند‬

‫‪336‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫التجائك اىل حوهل وقوته ويأسك من احتيا ك ومعكل وعلمك وحا ك‬


‫وسائر آفعا ك ‪ ،‬فال منك وال ك ‪ .‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( لو آنك التصل اليه اال بعد حمو دعاويك وفناء مساويك ‪ ،‬مل تصل اليه‬
‫آبدا )‬
‫لو آنك آهيا الطالب حلرضته ‪ ،‬والراغب يف وصلته ‪ ،‬واملقبل يف خدمته ؛‬
‫التصل اليه وتنال مادليه ‪ ،‬ووصو ك اليه وصو ك اىل حقيقة العمل به ‪،‬‬
‫واال جفل ربنا آن يتصل به شئ آوميازجه آويسامته آوجياذبه آويشالكه‬
‫آومياثهل ‪ ،‬تعاىل هللا علوا كبريا عن سائر رضوب الشاكل ‪ ،‬آومضادة‬
‫النداد والمثال ‪ ،‬بل الوصول بلسان اخلاصة وصول شهود التكييف ‪،‬‬
‫ومنازةل حق بال مثل والشبيه ‪ ،‬وعمل بالريب والتوقف ‪ ،‬واميان بالنكر ‪،‬‬
‫واسالم بالكفر ‪ ،‬ومعرفة بالنكر ‪ ،‬ومعلوم ذات صفات وآسامء وآفعال بال‬
‫آين والكيف والند ‪ ،‬والافتقار وال احتياج اىل الالت والدوات ‪،‬‬
‫وارتقاب الوقات والساعات ‪ ،‬يفعل مايشاء كام يشاء كيف شاء مىت‬
‫ماشاء ‪ ،‬موصوف بصفات الكامل ‪ ،‬منعوت بنعوت امجلال واجلالل ‪،‬‬
‫والترضب فيه المثال ‪ ،‬والختتلف يف آلوهيته القوال ‪ .‬ولو كنت التصل‬
‫اىل هذا املعتقد يف الوصل اال بعد فناء مساويك ويه لك فعل تكون به‬
‫مسيئا يف نظر العمل احلق مل تصل اليه آبدا ‪ ،‬لن مساويك الهناية لها لنك‬
‫بكونك فعلت وبكونك آحسنت مسيئا يف دعواك ‪ ،‬اذ ال فاعل عىل‬
‫التحقيق اال هللا ‪ .‬واالحسان آمر يقتيض فناك عن كونك كام ورد يف‬
‫احلديث مبعناه ‪ ،‬فأين االحسان مع شهود وجود الثان ‪ ،‬ذل ك مادمت‬
‫متصفا بوصف الغريية حمكوم عليك حتت حمك البرشية ‪ ،‬مل تزل مدعيا يف‬
‫‪337‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫آفعا ك ‪ ،‬حمجواب يف سائر آحوا ك ‪ .‬ومامل ينفك عنك ذ ك مل تصل ومل‬


‫حتسن فالتصل اليه آبدا دواما رسمدا ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫لو كنت الحتظى ابلوصل اذلي معلوا اال مبحو دعاوي النفس مل تصل‬
‫آوكنت مل تنل العليا اذلي نس بوا مامل تكن فانيا يف هللا مل تنــــــل‬
‫ولكن هللا س بحانه بلطيف حمكته وابلغ آمره اذا آراد آن يوصل عبدا من‬
‫عباده اىل بغيته ومراده ؛ هيأ هل آس بااب مقربة هل من مطلوبه ‪ ،‬وميرسا هل‬
‫آس باب مقصوده ‪ ،‬فأطلع هل من عنايته جنوم سعوده ‪ ،‬ومكت هل ابليس‬
‫وجنوده ‪ ،‬وآعانه عىل هجاد النفس وصغر عنده ادلنيا وقلل آايهما وآراه من‬
‫فناها ‪ ،‬واقبال الخرة وما آعد فهيا لطالهبا ‪ ،‬وغطا وصفه بوصفه بأن‬
‫يكون هللا هل مسعا وبرصا ويدا ومؤيدا ‪ ،‬وهذا مثرة احملبة اخلالصة ‪ .‬وسرت‬
‫نعته املوصوف ابملعايب بنعته املنعوت به من مجيل الثناء وحسن املعامةل‬
‫والكامل والوفا ‪ .‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( لكن اذا آراد آن يوصكل اليه غطا وصفك بوصفه ‪ ،‬وغطا نعتك بنعته ‪،‬‬
‫فوصكل اليه مبا منه اليك المبا منك اليه )‬
‫الوصول اليكون ومع العبد منه بقية من حظ آوشهوة آوتدبري آواختيار ‪،‬‬
‫فاذا س بقت هل من هللا عناية ‪ ،‬وقسم هل من فضهل رس والئه غطا آوصافه‬
‫الناقصة القارصة الفانية اليت يه من يعمتد عليه دون هللا ‪ ،‬ومامل يفىن عن‬
‫وجودها صارت هل جحااب ‪ ،‬ومعىن غطا سرت ‪ ،‬والسرت هنا يشري اىل بقاها‬
‫اال آهنا الك موجودة وهو كام قال ‪ .‬وتغطية النعوت الناقصة امللوثة‬
‫برضوب النقائص ابلنعوت القدس ية ‪ ،‬والصفات العلية هو عني ماس بق‬
‫من العناية من مواهب الوالية ‪ ،‬وآول مايقمي هللا العبد به يف هذا املقام‬
‫‪338‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫بأداء الفرائض مع شهود التربي من احلول والقوة ‪ ،‬م يرقيه يف معارج‬


‫النوافل مع االلتجاء اىل هللا من الفنت العائقة ‪ ،‬والفات القادحة حىت‬
‫توصهل يد عناية هللا هل اىل مقام احملبة اخلاص ‪ ،‬ومكنون العناية بأن هللا‬
‫قد آحب فالن فأحبه ايجربيل ‪ ،‬فيحبه الشاووش وينرش هل اذلكر امجليل‬
‫والثناء احلسن يف آهل حرضته ‪ ،‬ويؤذن ابلقبول يف سائر مملكته وذ ك مبا‬
‫تفضل به عليه وآوصهل من مواهبه ‪ .‬ولواكن بنفسه مل يتخلص هل معل ومل‬
‫يصل اليه من هذه الفضائل مدد ‪ ،‬بل ما من العبد دون هللا مشوب‬
‫برضوب النقص والتقصري ‪ .‬وآعظم خطيئة رؤيته آنه برز عنه آوصدر منه‬
‫‪ ،‬ولو انلته العناية الزلية لرآى تقدير هللا ومش يئته يف سابق علمه ‪،‬‬
‫وهدايته يه اليت خصصته بني آجناسه ‪ ،‬وهو معىن تغطية النعت ابلنعت‬
‫بأن يغيب عن كونه عامال وفاعال ‪ ،‬ويرى انفراد س يده بذ ك ويشهد منته‬
‫عليه دون اس تحقاق هل يف شئ ‪ ،‬فريى ما من هللا واليشهد مامنه ‪ ،‬فهبذا‬
‫الشهود ختلص آعامهل وتزتىك آحواهل وتمنوا طاعاته ‪ ،‬ويثيبه هللا مقام احملبة‬
‫ويزنهل مقام القرب ‪ ،‬ويلبسه مالبس االتصال ‪ ،‬ويثبته يف املقام ويسدده‬
‫يف القوال وسائر الفعال ‪ .‬فبذ ك يتحقق هل االتصال لنه شاهد مامن‬
‫هللا هل من احلول والقوة والتأييد والنرصة ‪ .‬فعندما يتجىل عليه بنور آفعاهل‬
‫س بحانه يشهده اجلزاء املوعود وهو آول مبادئ النور االلهي يظهر‬
‫للسالكني يف الفاق العلوية ‪ ،‬والرجاء الروحية ‪ ،‬فرييه قبح ادلنيا‬
‫والركون الهيا ‪ ،‬وحسن الخرة واالنزواء الهيا ‪ .‬م يرشق من وراء جسف‬
‫فطر البرش ومرااي الصور فيتعلق طلبه ابحلسن القدس واحملل النفس ‪،‬‬
‫فيطالع نور القدم فريى اس تحاةل العدم ‪ ،‬وآن اللك منه من سائر‬
‫‪339‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫مس تحسن فزهد يف الخرة طلبا للمشهد الرفيع والعامل الوس يع ‪ ،‬ويطلب‬
‫املطلب اذلي وحدت مهم النبياء وآاكبر الصديقني وحمقق املقربني العارفني‬
‫اليه ‪ ،‬وهو طلب القرب من هللا اليه ذلاته ومجيل صفاته اللشئ ‪ .‬فعند‬
‫ذ ك يزنل رس احلبيب عىل احملب ‪ ،‬ويكىس حةل االصطفاء ‪ ،‬ويتوج بتاج‬
‫االجتباء ‪ .‬وهذا وهللا آعمل هو معىن ‪ :‬غطا نعتك بنعته ‪ ،‬ووصفك بوصفه‬
‫‪ .‬ذ ك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل العظمي ‪ .‬ويل يف ذ ك‬
‫شعرا ‪:‬‬
‫لو كنت مل تدن من قرب احلبيب سوا مبحو دعواك مل ختلص من العـــــــلل‬
‫لكن اذا راد آن يوصل اليــه فنــــا كساه وصف العيل املوصوف ابلزل‬
‫وفاض فياض حبر الفضل منه عىل قلب احملب حفقق غاية المـــــــــــل‬
‫يشهدك آنه مبا منه اليك بــــــــدا وآنت حمجوب ابدلعوى وابحلــــــيل‬
‫فاستنقذك منه ابلغيار مبتدئـــــا اليك ابحلب قبل الخــذ يف العــــمل‬
‫والنعت هوماميدح به من عيل الوصف وحسن الفعل ‪ ،‬فهو آمع من‬
‫الوصف ‪ ،‬وملا اكن العبد كام علمت منعوت ابلنقص وموصوف ابلعجز مل‬
‫خترج آعامهل اال مشالكة حلاهل ‪ ،‬فلوال آنه كساها جبميل عفوه وكثيف سرته‬
‫مل يصلح آن يقابل هبا حرضته ‪ ،‬ومل تعرض يف ميادين خدمته ‪ .‬ذل ك قال‬
‫املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( لوال مجيل سرته ؛ مل يكن معكل آهال للقبول )‬
‫ومجيل السرت هو مايكىس به من نور جامل هللا وحتسينه اايه عىل ماهو‬
‫عليه من النقايص ‪ ،‬ومتلبس به من املعايب ‪ .‬فلرمبا يعرث ذوعمل انقص‬
‫ويصري عن مقام التحقيق انكص فيفرح مبا يصدر منه من العامل معمتدا‬
‫‪340‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫علهيا ‪ ،‬انظرا بلكيته اليه دون هللا ‪ ،‬ولرمبا اكن يدل هبا اذا اكنت هذه‬
‫حالته ‪ ،‬ويرى عىل هللا الفضل هبا وينىس فضل هللا تيسريها عليه واعانته‬
‫علهيا ‪ ،‬وهدايته الهيا وماعلهيا من النقص والقوادح املانعة لها عن حرضة‬
‫القبول ‪ ،‬احلاجبة لها عن الوصول كام هو شان احملجوبني واجلهال املغرورين‬
‫‪ ،‬فالختلوا آعامهل عن شوب رشك آما برؤية اخللق ومسعهتم ‪ ،‬آوبرؤية‬
‫النفس وحولها وقوهتا ‪ ،‬ولك ذ ك حمبط للعمل قادح فيه ‪ ،‬فذل ك يكون‬
‫اعامتد املريد عىل هللا ال عىل علمه ومعهل ولك صنائعه ‪ ،‬بل يعمل‬
‫ويس تحق من هللا من خفااي اليعلمها ‪ .‬فقد يظن آنه آحمك معهل ولرمبا‬
‫يعرض عىل هللا وفيه شائبة مما يوجب مقته عنده ‪ ،‬ولكن سرت هللا آعظم‬
‫وحلمه آمت وآمجل ‪.‬‬
‫ويقال ‪ :‬آن للك انسان مشهد يف العامل العريش تظهر فيه آعامهل وتعرض‬
‫فيه آحواهل بني آهل ذ ك العامل القديس ‪ ،‬فاذا معل معال صاحلا خالصا‬
‫آظهره هللا يف ذ ك املشهد وآعلنه بني آهل املالء العىل ‪ ،‬فريى هل نور‬
‫كنور الشمس فيغبطونه آهل املالء العىل ‪ ،‬واذا معل سيئة آومعال‬
‫غريمقبول آس بل هللا عليه سرته وآضفا عليه وفور حلمه يف مكنون علمه ؛‬
‫ان شاء عاقب صاحبه وان شاء غفر هل لئال ينكشف سرت عبده املؤمن‬
‫بني آهل ذ ك املالء ويفتضح يف آهل السامء ‪ .‬مفا آعظم كرم هللا عىل‬
‫عباده املؤمنني وما آمت فضهل عىل آوليائه املقربني وما آصبغ نعمته عىل‬
‫خاصة صفوته العارفني ‪ ،‬وما آوسع عطائه وآجزل وفائه خلواص عباده‬
‫املوحدين ‪ .‬واال فكيف يزكوا معل عبد وهو متلبس ابملعايب ابطنا وظاهرا‬
‫االبزتكية هللا هل ‪ ،‬والخيلص اال بتخليصه ‪ .‬فنسأل هللا حسن توليه وسرت‬
‫‪341‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫مانرسه ونبديه ‪ ،‬من فضيع جرامئنا وقبيح معايبنا بني يديه ‪ ،‬وآن يتوالان‬
‫فامي انخذ ونذر ونرس ونعلن ونتحرك ونسكن ‪ ،‬بل فامي ال اطالع لنا عليه‬
‫من خفااي الحوال ودقائق العامل ‪ ،‬وآن الخيلينا عنه يف مجيع الحوال ‪،‬‬
‫دنيا وآخرى وبرزخا ومقرا ‪ ،‬وفامي بعد ذ ك ومابني ذ ك ‪ ،‬انه اجلواد‬
‫املفضال ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫للعبد مل خيلص المعـــال واحلاال‬ ‫لوال مجيل س تور هللا اكئـــــنة‬
‫مل يسرت هللا آفعاال وآقــــــــوا ال‬ ‫ومل يكن فيه آهال للقبول ومـــا‬
‫عيب بصد ونقص منه يف احلاال‬ ‫مل يصف للعبد حال بل ميازجه‬
‫وملا اكنت الطاعة فهيا ماالخيفى من الرشف وعلو املزنةل عند هللا وعند‬
‫اخللق اكنت معرضة الحماةل لخطار شديدة وهما ك عديدة ‪ ،‬واكنت‬
‫املعصية ملن آراد االقالع عهنا معرضة لحوال محمودة ملا يعرتي صاحهبا من‬
‫ذلهتا وقبح رؤيهتا ‪ .‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( آنت اىل حلمه اذا آطعته ‪ ،‬آحوج منك اىل حلمه اذا عصيته )‬
‫آنت يف الطاعة اىل حلمه وعفوه من جرامئك وملومات فضاحئك آحوج‬
‫منك وآجدر بطلب االقاةل من معل آدخلت فيه رشك لسواه ‪ ،‬آوغبت‬
‫فيه عن شهود منته ‪ ،‬وتقدم حمبته وتيسري قدرته ‪ ،‬وختصيص ارادته‬
‫وتوفيق مش يئته وابراز حمكته ذل ك العمل وتسديد ذ ك اخللل ‪ ،‬كيف ال‬
‫وقد علمت مايصحب الطاعة من معايص القلوب وكبائر اذلنوب ان مل‬
‫يتوىل هللا حاةل العبد فيخلصه من ورطاهتا وهماوي هملاكهتا ؛ اكلرايء‬
‫واالجعاب والسمعة وحب الثناء وارتفاع الصيت والشهرة والتصنع وغري‬
‫ذ ك مما يطول عده ‪ ،‬واليوقف عند حده ‪ .‬فذل ك يكون العبد آحوج اىل‬
‫‪342‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫العمل خلوفه من آن يتلبس خبصةل من هذه اخلصال ظاهرا ‪ ،‬بأن يغلبه هواه‬
‫عىل االرصار عىل فعلها وحمبهتا واملقام علهيا ‪ ،‬حاةل من انتصب لطلب‬
‫املزنةل عند اخللق فانه يعمل آنه غري مصيب يف ذ ك ‪ ،‬واليقدر عىل الزنوع‬
‫عنه لكونه مرتحش يف قلبه وغالب عىل طبعه ‪ .‬ومع ذ ك هو عامل من قبح‬
‫احلال وخسة الفعال ‪ .‬وآما آن يصحبه ابطنا فاليتفطن هل وذ ك جلههل‬
‫ابلتفتيش عن دقائق الحوال ولطائف العامل ‪ ،‬وقةل تيقظه للزايرة‬
‫والنقصان ‪ ،‬وخفاء آرسار عمل املعامةل عليه وغفلته عن التطلع اىل مبادي‬
‫تأسيس العمل وطرائق التقوى ‪ ،‬فيقمي عىل حاهل مس تحس نا لفعاهل ‪،‬‬
‫فهيكل من حيث يظن السالمة ‪ ،‬وحيصل عىل وبيل احلرسة وحيرتق بنار‬
‫الندامة عند معاينة حقائق علمه عند كشف الغطاء عن العامل ‪ ،‬ورفع‬
‫الس تور عن الحوال ‪ ،‬هبتك آس تار احلياة ومعاينة عالمات الوفاة ‪.‬‬
‫فكيف اليكون اىل حلمه وعفوه آحوج لصحبته لهذه املها ك اخلطرية‬
‫وسلوك هذه الطرق اىل غريه العميقة ‪.‬‬
‫واملعصية عند االقالع عهنا والرجوع اىل هللا مهنا اليصحهبا اال اذلةل‬
‫والندامة وااللتجاء واالفتقار واللهوج ابالس تغفار ‪ ،‬وطلب االعتذار ‪.‬‬
‫وذ ك آن هللا جعل اذلل مقرون ابلعصيان ان اس تقصاه يف هذه ادلار ‪،‬‬
‫وآقام ابالعتذار مقرا ابخلطاء معتذرا من اجلفاء ‪ ،‬فقد بري عنه يف ادلار‬
‫الخرة ‪ ،‬وآمن حلول لك بلية وفاقرة ‪ ،‬وان آرص عليه ومتادى وابرز‬
‫ابملعايص وعاد ‪ ،‬آظهرت عليه ذلهتا واندته ندامهتا ‪ ،‬وتعلقت به بليهتا يف‬
‫دار ادلوام وحمل االنتقام ‪ ،‬واعتذر يف حيث مل ينفع املعذرة ‪ ،‬وندم يف‬
‫حيث الجياب اىل االقاةل ‪ ،‬فيخرس خسارة الرحب فهيا ‪ ،‬ويندم ندامة‬
‫‪343‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اليقال فهيا ‪ .‬فاملعصية عند الرجوع عهنا يف ادلنيا آسمل من حصبة الفات يف‬
‫الطاعات مهنا ‪ ،‬وذ ك لئال يأيس عاص واليأمن مطيع ‪ ،‬مفا آعظمه يف‬
‫لطفه ‪ ،‬وما آلطفه يف عظمته ‪ ،‬وما آقربه يف علوه ‪ ،‬وما آبعده يف دنوه ‪.‬‬
‫فامعل عىل حذر من هذه الفات ‪ ،‬وارجع عن اذلنوب وابدر من خوف‬
‫الفوات ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫العبد حيتاج يف طاعـــــاته مفىت مل يصحبه حمل من مواله ذي الكرم‬
‫اكنت جنايته تربوا فتوبــــــــــته من ذ ك آن يس تقبل هللا ابلنـــــدم‬
‫ومن تقادم يف السوى صناعته فلريجعن اىل االحسان والســـــــــمل‬
‫واخللق يف طلب السرت عىل قسمني ‪ :‬خاصة وعامة ‪ ،‬فاخلاصة جل‬
‫نظهرمه وغاية حياهئم من س يدمه واملرشف عىل خف ضامئرمه ومكنون‬
‫رسائرمه لشهودمه هل ‪ ،‬والعامة ابلضد من ذ ك حفياهئم من اخللق ‪ ،‬لن‬
‫الغالب علهيم شهودمه وظهوروجودمه ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( السرت عىل قسمني ‪ :‬سرت عن املعصية وسرت فهيا ‪ ،‬فالعامة يطلبون من هللا‬
‫تعاىل السرت فهيا خش ية سقوط مرتبهتم عند اخللق ‪ ،‬واخلاصة يطلبون من هللا‬
‫السرت عهنا خش ية سقوطهم من نظر املكل احلق )‬
‫السرت كام علمت هو تغطية املعايب اليت تورث حياء وتكسب ذةل وجخال‬
‫عند من حيتشم وخيىش ‪ ،‬والسرت عىل قسمني من حيث آحوال اخللق‬
‫الطالبني المن حيث كونه سرتا ‪ .‬آما من حيث كونه فهو الينقسم ‪ ،‬فاذلي‬
‫يطلبونه العامة احملجوبني واجلهال املسلوبني عن نور العمل ‪ ،‬املوصوفني‬
‫ابلكرثة اذلي الفقه يف قلوهبم ‪ ،‬وال آبصار يف آعيهنم والمسع للايت‬
‫والخبار يف آذاهنم يرون قبح املعصية وشؤهما ومذلهتا يف آعني اخللق ‪،‬‬
‫‪344‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وسقوط رتبة من اتصف هبا يف آعيهنم ‪ ،‬وتوبيخهم اايه وعن من مل يعملها‬


‫ورفعة من مل يتصف هبا ‪ ،‬وغاية مطلهبم ومنهتيى مقصدمه الرفعة عندمه‬
‫واملزنةل يف آعيهنم ‪ ،‬وغابوا عن شهود هللا هلم وايعاده عىل املعايص بوبيل‬
‫العقاب وآلمي العذاب ورضب احلجاب ‪ .‬فذل ك اذا ابرزوه بقباحئ الحوال‬
‫وخبايث الفعال ‪ ،‬ومل يبالوا بنظره الهيم وال ابطالعه علهيم فمل يكرتثوا‬
‫ابلوقوع فهيا واالنكباب علهيا ‪ ،‬ولكن يطلبون السرت فهيا عن آعني اخللق‬
‫لئال يطلعوا علهيم فهيا ‪ ،‬فميقتوهنم وتسقط مزنلهتم عندمه ‪ .‬فغاية طلهبم آن‬
‫يسرتوا فهيا وان داموا علهيا ‪.‬‬
‫واخلاصة اذلين حظوا من هللا مبحبته ‪ ،‬وكشف عن قلوهبم جحب اجلهل‬
‫والغفةل ‪ ،‬وآابهحم منازل القرب والوصةل مل يشهدوا سواه ومل يعولوا عىل‬
‫غريه ومل خيافوا اال اايه ‪ .‬واكنت بصائر قلوهبم اليه انظرة ‪ ،‬وآرواهحم يف‬
‫منزته حرضته حارضة ‪ ،‬وآرسارمه يف حبار شهوده غارقة ‪ ،‬وآنوار جامهل عىل‬
‫زوااينفوسهم شارقة ‪ ،‬ومل يلتفتوا اىل الغيار ‪ ،‬ومل حيجبوا ابلاثر ‪ ،‬سواء‬
‫عندمه من اخللق االقبال واالدابر ‪ .‬يطلبون من هللا السرت عهنا بأن حيمهيم‬
‫عن الوقوع مهنا واحلوم حول مراعهيا لئال تنال مهنم ‪ ،‬فريامه س يدمه‬
‫وينظرمه مليكهم متلبسني مازجرمه عنه ‪ ،‬ومواقعني ماهنامه منه ‪ ،‬فتسقط‬
‫مراتهبم عنده ‪ ،‬وحتجب مشاهدمه منه ‪ ،‬فتغيب عهنم مشوس الرسار ‪،‬‬
‫وحتجب بدور الحوال وتظمل مهنم النوار ‪ ،‬وتس تويل عىل قلوهبم ظمل‬
‫الغيار وكثائف الاثر ‪ ،‬ويس توجبون دخول النار وخسط اجلبار ‪ .‬فش تان‬
‫بني الفريقني يف طلب السرت ‪ ،‬فاين املطلوب من املطلوب ‪ .‬مفا آقبح حال‬
‫من جعل هللا يف غريه آهون الناظرين ‪ ،‬وما آسوا آفعال من غاب عن‬
‫‪345‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫مراقبة آرسع احلاس بني ‪ ،‬وما آحسن حال من جعهل لك مطلوبه وفامي دليه‬
‫جل مرغوبه يصون عن جناب احلق قباحئ عيوبه ‪ ،‬ويتباعد عن مصائدها‬
‫وآس باهبا ‪ ،‬وهيرب اليه من الوقوع يف حبائلها ‪ ،‬مفا آسعدها حال من سمل‬
‫من شؤهما وبالهئا ‪ ،‬وما آحسن فعال من اس متر طعم مألوف ضريها ‪،‬‬
‫واستنكر ماعرفه من طريق مساكهنا ‪ ،‬وامشأز من حضورها عىل خميلته ‪،‬‬
‫واستبدل هبا حالوة الطاعات ‪ ،‬والترضع يف اخللوات ‪ ،‬واس تذل مبناجاة‬
‫احملبوب يف غياهب الظمل حني يغفل عنه النوام البطالني ‪ .‬ويل يف ذ ك‬
‫شعرا ‪:‬‬
‫السرت منه عىل قسمني يف النظر واخللق يف ذاك حس بك ان تكن خرب‬
‫اىل معوم وحمجــــــــــــوبني ابلثر ومن خصوص حظوا من خالق البرش‬
‫بنور قرب علهيم يس تضاء بـــــــه ويس تلينوا بنور هللا يف الصـــــــــور‬
‫فالطاعة رشيفة ترشف املطاع ‪ ،‬واملعصية قبيحة ومشومة عند اخللق ‪،‬‬
‫وذ ك آن الفطر فطرت عىل الطاعة فذل ك تكون الطاعة حمبوبه وصاحهبا‬
‫حمرتم عند من مل يعملها ‪ ،‬وذ ك ملا يف آصل الفطرة ‪ ،‬واملعصية مذمومة‬
‫وصاحهبا ملوم عند من يتعاطاها ‪ ،‬وذ ك ملا يف النشأة الفطرية من النفرة‬
‫اىل اخملالفة ‪ ،‬فذل ك يكرم ذوو الطاعة وهيان آهل اخملالفات واملعايب‬
‫والزالت ‪ .‬وقد علمت اس تحاةل خلوص آعامل العبد عن الفات اال بتوفيق‬
‫هللا وعونه وتأييده ‪ ،‬والخيلو عن العيوب املبعدات اال بسرت هللا ومجيل‬
‫عطفه ‪ ،‬واحاطة عنايته ولطفه ‪ .‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( من آكرمك فامنا آكرم فيك مجيل سرته ‪ ،‬فامحلد ملن سرتك ليس امحلد ملن‬
‫آكرمك وشكرك )‬
‫‪346‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫من آكرمك من العباد واحرتمك وجبكل ونظر اليك بعني التعظمي ‪ ،‬وتقرب‬
‫اليك بأصناف التكرمي ؛ فامنا ذ ك االكرام والتقرب ابلتوقري واالحرتام ملا‬
‫شهد فيك من مشاهد االحسان ‪ ،‬وظهر عليك من مظاهر االمتنان ‪.‬‬
‫فغطا عيوبك وقباحئ مؤبقات ذنوبك ‪ ،‬وما آكرم من آكرم اال ذ ك ‪ ،‬وما‬
‫آعظم اال مبا تفضل به االهل املفضال ذي الكربايء والكامل واجلالل وامجلال ‪.‬‬
‫فاالكرام عىل آصناف ‪ :‬مهنا اكرام ابلثناء واملدح وابلبذل ابحملبوب من‬
‫آحرض ماعنده من املال ‪ ،‬وابالحرتام والتعظمي وطلب ادلعاء ورؤية املزنةل‬
‫عند هللا ‪ ،‬وآنه من خواص عباد هللا ‪ .‬وغري ذ ك من صنوف االكرام ‪،‬‬
‫واالكرام نفسه هو بذ ك ملن آكرمته من غري طلب جمازاة ‪ ،‬بل حمبة وطلبا‬
‫حلصول املزنةل عند من آكرمته ‪ .‬ولوال مجيل السرت اذلي ظهر عليك جامهل‬
‫‪ ،‬ومتم نقائصك كامهل ‪ ،‬وسرت معايبك ابنعامه وافضاهل ‪ ،‬ملا آكرمت وما‬
‫عظمت ‪ .‬فعىل احلقيقة ما آكرم اال ما آظهره هللا عليك من لطيف فضهل ‪،‬‬
‫فامحلد وهو الثناء ملن سرتك فأكرمك املكرم ‪ ،‬وماذاك اال ملا آظهره عليك ‪،‬‬
‫وآس بغه من كثيف سرته دليك ‪ .‬فامحلد هلل مس تحقا عىل لك حال ‪ ،‬لن‬
‫سائر الحوال ولك مظاهر الفعال صادرة عن حرضة واحدة التغاير فهيا‬
‫من حيث كوهنا منسوبة اليه ‪ ،‬ولكن من حيث ظهورها عىل صفاحئ‬
‫الغيار واكتساهئا مبالبس الاثر ‪ .‬وامحلد والشكر بيهنام خصوص ومعوم‬
‫وهجني ؛ حفمد غريه س بحانه عىل اجملاز ‪ ،‬وكذا شكره ومل يكن مس تحقا اال‬
‫هل ‪ ،‬فامحلد ثناء ابللسان ‪ ،‬والشكر معل ابلراكن واعرتاف ابجلنان وثناء‬
‫ابللسان ‪ ،‬ويه يف مقابةل النعم وغريها ‪ ،‬فهذا وجه معومه وخصوصه ‪،‬‬
‫واليتصور امحلد من اخللق للخلق اال مبعىن الشكر اال عند غلبة احملبة ‪.‬‬
‫‪347‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫واليكون آيضا عاما بل خاصا من آفراد اخللق ببعض افراد امحلد وهو آقلها‬
‫‪ ،‬اذ لك مايصدر من الناقص اليكون اال انقصا ‪ ،‬وما امحلد الاكمل اال‬
‫مااكن من حرضة الكامل وهو محد هللا نفسه بنفسه يف آزهل قبل ظهور‬
‫آعيان خلقه وهو قوهل ‪ :‬امحلد هلل رب العاملني ‪ ،‬فأخرب س بحانه خلقه كيف‬
‫حيمدون حفمدوه مبا محد به نفسه ‪ ،‬جفمع هلم ش تات متفرقات احملامد يف‬
‫هذه اللفظة الوجزية لينالوا هبا كامل الرتبة العزيزة ‪ .‬فامحلد حقيقة ملن سرتك‬
‫ومجكل ال ملن آثنا عليك وآنعم ‪ ،‬لنه مل ينث اال ملا آشهده هللا من امجلال ‪،‬‬
‫وآشعره من الكامل ‪ ،‬فامحلدهلل وما آنعم وآسدا وبذل اال ملا يرى فيك من‬
‫آهلية االفضال ‪ ،‬وما آوصهل آيضا ليس حقيقة وصوهل ومنهتيى حصوهل اال‬
‫من حرضة فضهل ومعمي كرمه ‪ ،‬وتتابع عطائه وفضهل ‪ .‬فصار امحلد فامي يصل‬
‫اليك من االفضال ‪ ،‬آويتحدث به من الثناء وامجلال محد جماز حبمدمه‬
‫حبسب ما آمرت به من املاكفأة ابدلعاء وبذل النداء وكف الذى من مجةل‬
‫محد هللا وشكره ‪ ،‬مع ما آنت عاقد عليه نفسك آنه هللا مسخره وحمكه‬
‫مدبره ليس منه وال اليه ‪ ،‬فالجيمع بني حقيقة امحلد هلل واتيان حقوق هللا‬
‫اال مكل الصديقني ‪ ،‬وآاكبر حمقق العارفني ‪ .‬وغالب اخللق آما حمجوب عن‬
‫هللا يرى الش ياء من اخللق فيجرد امحلد هلم ويوجه الثناء الهيم عند ايصال‬
‫املنافع عىل آيدهيم فالميرتي يف خطاء رآيه وقبح فعاهل ‪ ،‬واذا وصل اذلم‬
‫مهنم بوجه ابملعاداة وقباحئ الخالق فهو واقع يف احدى املذمتني فاليدري‬
‫آهيام آقبح ؛ آمدح اخللق وشكرمه عىل نعم هللا مع قطع النظر عن هللا كام‬
‫هو شان آهل احلجاب ‪ ،‬ويقع سبب ذ ك يف معايص القلوب وكبائر‬
‫اذلنوب ‪ ،‬آعاذان هللا مهنا ‪.‬‬
‫‪348‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وآما املصطمل يف سكر احلال فاليرى للغيار آثرا واليسمع مهنم خربا ‪،‬‬
‫فلولكف عىل اثبات الغيار ما اس تطاع آن يرى هلم فعال والوصفا والذاات‬
‫حقيقة والجمازا ‪ ،‬ولكن قرص عن كوهنم اثبتني ابثبات هللا هلم وهو مغدور‬
‫لغيبته عن شاهده ‪ ،‬متالش حتت سلطان امجلال ‪ ،‬ماخوذ عن احساسه‬
‫يف حضائر الوصال وشهود الكامل ‪ .‬ومىت عاد اىل احساسه وحرض معه‬
‫آانسه فاليكون اال مثبت ما آثبته هللا ‪ ،‬مؤمترا بأوامره منهتيا عن زواجره ‪.‬‬
‫حفمد اخللق جمازا كام آن ثنامه جمازا ‪ ،‬وشكرمه آيضا كذ ك ‪ ،‬كام آهنم‬
‫آوصلوه اليك عىل آيدهيم حمكه جمازا ‪ .‬وحقيقة امحلد والشكر ملن ثناه‬
‫وانعامه عليك اثبتا وفضهل اليك واصال ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫محدا فال يس تحق امحلد اال هو‬ ‫من آكرمك من عباد هللا مبتغيا‬
‫وظاهرات تـــــــوىل سرتها هللا‬ ‫مك من عيوب يف االنسان خافية‬
‫سوى اذلي معت الكــوان آاله‬ ‫فليس آهال محلد اخللق قاطـــبة‬
‫مفن آراد حصبتك وآظهر حمبتك اذا برز منك مايناقض الكامل نقصك عنده‬
‫الحماةل ‪ ،‬والعبد آبدا الينفك عن نقص وعيب ‪ ،‬فصحبة اخللق معك عىل‬
‫ما ظهر من وصف الكامل وانسرت عهنم من قبيح الفعال ‪ ،‬والظهر ما‬
‫ظهر من امجليل واس ترت ما اس ترت من العيوب ‪ ،‬وتغطا من فضاحئ اذلنوب‬
‫اال بكثيف سرته ومجيل عفوه وبره ‪ .‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( ماحصبك اال من حصبك وهو بعيبك علمي ‪ ،‬وليس ذاك اال موالك الكرمي‬
‫)‬
‫ماحصبك حقيقة وتكرم عليه تطوال منه اال موالك ‪ ،‬اذ هو اذلي مل يقطع‬
‫عنك آفضاهل ‪ ،‬ومل حيرمك فضهل ونواهل ‪ ،‬مايعلمه منك من قباحئ الفعال‬
‫‪349‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ومذمومات الخالق والحوال ؟ فالصاحب من اكن كذ ك صنيعه ‪ ،‬فال‬


‫آحق ابخالص الوداد واحلب بلكية الفؤاد منه لنه مل ميكل عىل كرث‬
‫جناايتك عليه ‪ ،‬ومل يبعدك لكرثة هفواتك وهتافت زالتك دليه ‪ ،‬واخللق‬
‫يقلونك وميلونك وميقتونك اذا اطلعوا عىل آقل فضيحة ‪ ،‬مع آهنم مل يلكفوا‬
‫ومل يندبوا اىل ذ ك ‪ ،‬بل مأمورين بعذر اخلاط وعفو اجلاين ‪ ،‬واجلناية‬
‫آيضا ليست الهيم ‪ .‬فكن متعلقا بصحبته ومولعا جبنابه ومؤثرا خلدمته ‪،‬‬
‫ومدمنا قرع آبواب وصلته ‪ ،‬ومدانيا ملواضع حمبته وخاصته من بريته ‪.‬‬
‫والصحبة مع هللا ليس يه الصحبة مع اخللق ‪ ،‬لن حصبته مصحوبة‬
‫ابلتزنيه عن اجلنس ية واملشالكة ومامعناها ‪ ،‬اال ماجاء يف تقرير حمبته خللقه‬
‫وحمبهتم هل بأن تشاهد القلوب الصفات القدس ية والنعوت الزلية ‪ ،‬فيكون‬
‫تعلقها هبا وتوهلها فهيا ‪ ،‬مغيبا لشاهدته املشاهد املتوهل عن غريها ‪ ،‬وتفنيه‬
‫عن وجود سواها ‪ ،‬فعىل هذا املثال يظهر وجه الصحبة مع هللا واحملبة هل‬
‫‪ .‬فعيوب العباد كسائر آفعاهلم معلومة هلل قبل اجيادمه وبعد وجودمه ‪،‬‬
‫اليعزب عن علمه مثقال ذرة يف الرض واليف السامء ‪ ،‬ومع ذ ك هو ربك‬
‫واكليك ومغذيك وحافظك ‪ ،‬واليكون ذ ك لغريه ‪ ،‬اذ اخللق اليصحبونك‬
‫اذا اطلعوا منك عىل العيوب ومل يس بق هلم عمل ‪ ،‬ومل يلحق هلم خرب فامي‬
‫مىض وما هو آت اللكيهتا ‪ ،‬وليس ذ ك اال موالك الكرمي ‪ .‬آي ليس‬
‫يصحبك مع العمل ابلعيوب وقباحئ اذلنوب اال موالك الكرمي اذلي يتكرم‬
‫عليك بأصناف النعم وجالئل املنن ‪ ،‬مع مايعلمه منك من جرامئ اذلنوب‬
‫وعظامئ الفواحش ‪ ،‬فالكرمي اليس تقيص وعند االعرتاف اليس تقيص ‪،‬‬
‫مفواالته لعبده الينفك عنه عىل ممر النفاس ‪ ،‬وهو يواليك جبميل كرمه‬
‫‪350‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫واحسانه ‪ ،‬ومعمي فضهل وامتنانه ‪ .‬فاملوالاة خاصة وعامة ‪ ،‬ويطلق عىل‬


‫االس تيئال والقهر والسلطان وعىل النرصة والعون والعطف واللطف ‪ .‬فقال‬
‫جل من قائل يف الوالية { ذ ك بأن هللا موىل اذلين آمنوا وآن الاكفرين‬
‫الموىل هلم } [ الية ‪ 11‬محمد ] آي الانرص والمعني ‪ .‬وقال آيضا { وهللا‬
‫معمك ولن يرتمك آعاملمك } [ الية ‪ 35‬محمد ] وقال يف الوالية العامة { ان لك‬
‫من يف السموات والرض اال آيت الرمحن عبدا } [ الية ‪ 93‬مرمي ] والس يد‬
‫هو املوىل ‪ .‬ومراد املصنف هنا والية التعطف واللطف والصفح والكرم ‪،‬‬
‫اذ عرب مبوالك الكرمي ‪ ،‬ويف بعض الخبار عن هللا عز وجل " لويرى‬
‫العايص رمحيت به واملدبر عين لتقطع ايل شوقا " ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫مفا حصبك وآنزل فيك منـــــته اال من احصبك وهو يعمل منك ابخلطل‬
‫وليس يفعل اال من بنعمــــــته عمل الوجــــــــــــــــــود يف الابد والزل‬
‫فصحبة اخللق معلوةل مدخوةل فال يصحبك اال لعةل دنياوية آوآخراوية فال‬
‫بد من ذ ك ‪ ،‬وحال ماينا مطلوبه آوآيس من وجوده عىل يديك قالك‬
‫وتركك ‪ ،‬فالصاحب من يصحبك اللشئ منك يعود اليه وليس ذ ك اال‬
‫هللا عز وجل ‪ .‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( خري من تصحب من يطلبك اللشئ منك يعود منك اليه )‬
‫خري من تصحب وحتب وتؤثر وتوايل ويطاع ويصرب املتصربون ‪ ،‬ويتحمل‬
‫يف حبه املتحملون ‪ ،‬ويتنافس يف قربه املتنافسون ؛ من يطلبك اللشئ‬
‫من املنافع والدلفع مرضة عنه ‪ ،‬وليس ذ ك اال موالك كام علمت ‪ ،‬فاخللق‬
‫الختلوا حصبهتم وطلهبم عن عةل للزوم فقرمه ‪ ،‬وهو س بحانه طلبك ك‬
‫‪351‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اللشئ يعود عليه منك لنه الغين بذاته وصفاته وآفعاهل ‪ ،‬فاليكون انقصا‬
‫فتمكهل ‪ ،‬والحمتاجا فتوازره وتظاهره ‪ ،‬يتعاىل هللا عن االفتقار اىل الغيار‬
‫وان تمكهل الاثر ‪ ،‬فندبك لينيكل ‪ ،‬وزجرك ليقيك ‪ ،‬وحذرك نفسه وشدة‬
‫بطشه لعظم رآفته عليك ‪.‬‬
‫واذا نظرت ما آس بغ عليك من الالء علمت آن جنابه الهيمل وذكره‬
‫اليغفل ‪ ،‬وعلمت آن مجيع ختويفه ك وزجرك من مجةل نعمه الواصةل اليك‬
‫ومنته احلارضة دليك ‪ .‬آما تس متع قوهل س بحانه { يرسل عليكام شواظ من‬
‫انر وحناس فالتنترصان } م قال بأثر ذ ك { فبأيي آالء ربكام نكذابن }‬
‫[ الايت ‪ 36-35‬الرمحن ] فعد ذ ك من مجةل الالء ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ذي الطول والفضل واالحسان والكرم‬ ‫خفري من يصحب االنسان خالقه‬
‫فلو رآيت اذلي هو منك طالبـه رآيت ذ ك آجل الفضل والنــــــــعم‬
‫ومن آدام اجملالسة مع هللا وراقب الصحبة وآداهبا فالجرم ينكشف عن‬
‫قلبه غطاء الغفةل وظلمة اجلهل ‪ ،‬ويرشق فيه نور اليقني ‪ ،‬فعند ذ ك تزكوا‬
‫آعامهل وتصلح آحواهل ‪ ،‬فذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( لو آرشق ك نور اليقني لرآيت الخرة آقرب اليك من آن ترحل الهيا ‪،‬‬
‫ولرآيت حماسن ادلنيا قد ظهرت كسفة الفناء علهيا )‬
‫لو آرشق نور اليقني من آفق الفتح املبني ‪ .‬والرشوق هو العمل الكشف‬
‫اذلي اليداخهل لبس واليبقى معه داع ش يطان والنفس ‪ ،‬وهو مبزنةل‬
‫اضاءة من الشمس احلاصةل ابزا مابسط عليه الشعاع ‪ ،‬فيبني لصاحبه‬
‫الاكئن فيه الحماةل احلق من الباطل ‪ ،‬ويتضح دليك العايل عن السافل‬

‫‪352‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫والثابت والفل فيختار الثابت ‪ .‬كام قال اخلليل صىل هللا عليه وسمل عند‬
‫رشوق كوكب العمل يف قلبه { الآحب الفلني } وهذا العمل اليقني آول‬
‫مبادئ الكشف وعالمته وبيان حاهل من قام به العزوف عن ادلنيا لفناها ‪،‬‬
‫وامضحاللها وزوال نعميها وذبول رونقها ورسعة تقلهبا ‪ ،‬فعند ماينكشف‬
‫عن قلبه هذا الغطاء وتنبسط يف صدره آنوار هذا الضياء ينفسح ويتسع‬
‫منه الرجاء ‪ .‬ذل ك قال النيب صىل هللا عليه وسمل " ان النور اذا دخل‬
‫الصدر انرشح وانفسح ‪ ،‬قيل ايرسول هللا هل ذل ك من عالمة ؟ قال‬
‫نعم ! التجايف عن دار الغرور واالانبة اىل دار اخللود ‪ ،‬واالس تعداد للموت‬
‫قبل نزوهل " وذ ك ابحلرص عىل وظائف الطاعات يف ممر الوقات خش ية‬
‫الفوات ‪ ،‬والتباعد عن الهفوات وجمانبة الغفالت ‪ ،‬ومبادرة الساعات بأرحب‬
‫البضاعات وآغبط التجارات عند عامل اخلفيات ‪.‬‬
‫حفاكايت آهل هذا املشهد آكرث من آن حترص وآبني من آن تشهر من‬
‫اختيار النقةل اىل الخرى عىل البقاء يف احلياة ادلنيا ‪ ،‬وتقذير ادلنيا‬
‫واس تقاللها يف آعيهنم ‪ ،‬وجمانبة املتلطخني بقاذوراهتا واملتش بكني يف‬
‫حبائلها ‪ .‬مفن اذا قيل هل ماذا تريد نشرتيه ك اذاسافران ؟ فيقول املوت‬
‫اذا وجدمتوه يل ‪ .‬ومن املس تعدين من مل يألك اخلزب اليابس بل يرشب‬
‫السويق ويقول بني ذ ك ومضغ اخلزب س بعني تسبيحة ‪ ،‬وبني من يطلبه‬
‫ويش تاق اليه اشتياق الغريب الكئيب اىل وطنه ‪ .‬كام يف رواية حارثة‬
‫النصاري وغريه من آجالء الصحابة كنس ابن النرض يف يوم آحد " اكن‬
‫مقبال ملا آدبر الناس وهو يقول ‪ :‬ايسعد اجلنة تنفح دون آحد ‪ ،‬ويقول ‪:‬‬
‫اللهم اين آبرآ اليك مما صنع هؤالء ‪ ،‬يعين الكفار ‪ ،‬وآعتذر اليك مما صنع‬
‫‪353‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫هؤالء املسلمني ‪ .‬فدخل العدو ومل يرده ما رآه من شدة بأسهم حىت وجد‬
‫قتيال ـ آصيب ببضع ومثانني بني طعنة برمح آونكنة سهم ‪ ،‬وذ ك آنه مل‬
‫حيرض بدر فقال ‪ :‬آول غزوة غزاها رسول هللا صىل هللا عليه وسمل مل‬
‫آحرضها ‪ ،‬لنئ آشهدين هللا غزوة بعدها لريى هللا صديق ‪ .‬قالوا ‪ :‬واكنوا‬
‫يرون آن هذه الية نزلت فيه ويف آش باهه من املؤمنني { رجال صدقوا‬
‫ما عاهدوا هللا عليه مفهنم من قىض حنبه ومهنم من ينتظر ومابدلوا تبديال‬
‫} [ الية ‪ 23‬الحزاب ] فهذا مثرة رشوق نور اليقني يف صور املتقني اذلين‬
‫صابروا العداء وانجزوا النفوس ومعروا معاين التقوى ‪ ،‬وجتنبوا دواع‬
‫الهوى ‪ ،‬فأمثر هلم ذ ك العمل اليقيين ‪ ،‬وانزهلم الصدق يف سائر الحوال‬
‫والقوال والفعال ‪ .‬وهذا العمل ال للكسب فيه مدخل بل يقذفه هللا يف‬
‫قلوب آهل الصدق فريون بواطن المور اذا رآى احملجوبني ظواهرها ‪،‬‬
‫وينذون ببصائرمه اىل حقائقها اذا وقف املغرورون عىل صورها ‪،‬‬
‫فزيهدون فامي رغب فيه البطالون ‪ ،‬ويعرفون ماهجهل الغبياء الغافلون ‪،‬‬
‫فهم يعجبون لغريمه كيف آغرب هيذا الرساب واخللق يروهنم جمانني من‬
‫سكر هذا الرشاب ‪ ،‬فاجلهال اذا مروا هبم يضحكون ومه علهيم من حرسة‬
‫املوت مشفقون ‪ ،‬فأجعب ذل ك املشهد املصون ‪ ،‬وآعظم بذ ك الرس‬
‫املكنون ‪ .‬وبعد ذ ك تنفتح هلم خزائن الرسار ‪ ،‬وتلوح هلم لواحئ النوار‬
‫من س نا صفات الواحد القهار ‪ .‬فريجعون ابالعتذار ويلمحون للخلق‬
‫العذار ‪ ،‬فتخرتق هلم العوامل ‪ ،‬وتبني هلم املعامل ‪ ،‬فالخيتارون غري ماخيتار‬

‫‪354‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ ،‬والكون يف ذ ك العمل هو رشاب البرار املمزوج من عقار تسنمي عني‬


‫املقربني الحرار من رق الغيار ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫نور اليقني يريك الرس ما مكنت من احلقائق يف مس تودع الصـــــــور‬
‫وغــــــايب يف س تور الكون حمترض‬ ‫يريك آن زهرة ادلنــــياء يف فناء‬
‫يشهد بال ليس ما يف الفق من عرب‬ ‫من طهر هللا عن الغيار فطرته‬
‫فاذا حمك املريد هذه املرتبة ‪ ،‬آي مرتبة العمل فليطلب املزيد مما هناك {‬

‫وقل رب زدين علام } فلياخذ يف الرتيق اىل رتبة العيان وفناء رؤية‬
‫العيان من سائر احلداثن ‪ .‬فادلنيا جحاب احملرومني واملتعدين والغبياء‬
‫اجلهال املغرورين ‪ ،‬ويه جحاب ظلامين تنشأ منه كبائر اذلنوب والوقوع يف‬
‫ورطات البعد واجلحود ‪ ،‬والخرة جحاب آيضا عند آرابب الكشف‬
‫والشهود ‪ ،‬واملشغوفني حبب االهل املعبود ‪ .‬فهي ابالعتبار عندمه للواقفني‬
‫عندها من الصعود اىل رفع احلجاب ‪ ،‬وادلخول يف زمرة الحباب‬
‫اخملطوبني املرادين بشهود االقرتاب ‪ ،‬ولكن جحاب نوراين عنده حمتد سري‬
‫آحصاب الميني ‪ .‬فلام اكن النفوس عن رؤية الغيار من جنة آوانر مطلب‬
‫املقربني الحرار ‪ .‬ذل ك آشار املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( ماجحبك عن هللا بوجود موجود معه اذ الشئ معه ‪ ،‬ولكن جحبك عنه‬
‫تومه موجود معه )‬
‫ماجحبك عن هللا آي عن وجوده وشهوده ذاات ووصفا وفعال وجود موجود‬
‫معه اذ الموجود معه ‪ ،‬فيكون هل ندا ورشياك فيكون هل ضدا ‪ ،‬وامنا‬
‫جحبك ومه قام يف خميلتك ‪ ،‬واال فيتعاىل عن آن حيجبه شئ ‪ ،‬اذ لو جحبه‬

‫‪355‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫لسرته ولو سرته لقهره وهو القاهر فوق عباده ‪ .‬ولو جحبه لاكن حميطا وهو‬
‫بلك شئ حميط ‪ ،‬ولس بق وجود ذ ك لوجوده ‪ .‬وقد علمت وجود قدمه‬
‫واس تحاةل عدمه ‪ ،‬ولو اكن كام يظنه من يش هبه ابلجسام احملصورة يف هجة‬
‫النعكس احلمك ‪ ،‬آي لصار القدمي حاداث والواجب جائزا واجلائز واجبا ‪،‬‬
‫والقايل به ‪ .‬بل احلجاب مايقوم ابلعبد من صفة من صفة القصور عن‬
‫ادراك حقائق المور ‪ ،‬وعدم قابليته لقوة الظهور ‪ ،‬فكام قويت قابليته‬
‫ذل ك ومنا اس تعداده ملا هنا ك انكشف لها من ظهور احلق الظاهر والنور‬
‫الباهر حبسب مافهيا من االس تعداد ‪ ،‬وذ ك متوقف عىل ماوصلها من‬
‫مواهب االمداد ‪ ،‬والتزال هذه االمداد تتواصل ‪ ،‬والتزال هذه احلجب‬
‫تنكشف آبدا يف معر الخرة الطويل ‪ ،‬وتتضاعف حبسب التضعيف‬
‫الخروي ‪ ،‬فلكام كشف لها عن حمل ترقت به اىل آمكل ‪ ،‬فالهناية لكامهل‬
‫فلكام رشب اكس زاد اىل الرشاب ش بقا ‪ ،‬وثبوت ماسواه رشعا اليناقض‬
‫كونه واحدا بالند الثباته آدل عىل توحد موجده وقدرته وارداته ‪ ،‬وابيق‬
‫صفاته من قدم الصانع ‪ ،‬والظل الحيجب عن خشصه املنبسط عنه بل‬
‫يدل من هل عقل ‪ ،‬اللهم اال آن يكون آمكه البصرية مطموس النور والرسيرة‬
‫‪ ،‬آواكن خفاش اليطيق فيضان نور الشمس فقد يفوته حتقيق وجود ذ ك‬
‫الالعمل به ‪ ،‬ولكن عمل قهر وعمل آمر ‪ ،‬فعمل المر هو مانزل يف القلوب ‪،‬‬
‫وعمل القهر هو شهادة آهل اجلحود بنفس الوجود { ولنئ سألهتم من‬
‫خلقهم ليقولن هللا } [ الية ‪ 87‬الزخرف ] ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫قلنا احلجاب تومه صورة احلجب‬ ‫ليس احلجاب وجـــود اثلث فذلا‬
‫‪356‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فال نظري والند يكون لــــــــــــــه والشبيه وال مثــــــــــل والنسب‬


‫آوغائبا عنه هذا غــــــاية العجب‬ ‫فاجعب ملن ينكر آن هللا خالقــــه‬
‫فبظهوره ظهرت ‪ ،‬وبنوره عرفت ‪ ،‬وحبسب آسامئه متزيت ‪ .‬ذل ك قال‬
‫املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( لوال ظهوره يف املكوانت ماوقع علهيا وجود ابصار ‪ ،‬لو ظهرت صفاته‬
‫امضحلت مكوانته )‬
‫لوال ظهوره الباهر ونوره الظاهر يف سائر املظاهر احمليط علهيا حيطة‬
‫التكوين ‪ ،‬ملا ظهرت هجات النائني‪ ،‬فاملكوانت فرع عن تكوينه ‪،‬‬
‫واملغيبات من العوامل امللكوتيات واجلربوتيات ‪ ،‬وظواهر املشاهدات‬
‫امللكيات احلس يات مظاهر وآايت وبيان دالالت ‪ ،‬عىل ماصدر عنه من‬
‫السامء والصفات ‪ ،‬فلوال قيامه هبا يف وجودها واخزتاهنا يف قدم آعياهنا‬
‫وابداعه لصورها يف فطرها وآجساهما ‪ ،‬ملا ظهرت والتغيبت والتصورت ‪،‬‬
‫فبحمكته يف احتجابه هبا ظهرت وظهر مهنا ماهو مقتىض علمه فهيا وهبا‬
‫ومهنا ‪ ،‬فلوظهرت الصفات الندرجت آاثرها وغابت مظاهر مشوسها‬
‫وآمقارها النقهارها حتت سلطان ظهوره ‪ ،‬واحرتاقها ابرشاق نوره ‪ .‬ولكنه‬
‫س بحانه حبمكته البالغة ولكمته السابقة اتصف ابلعمل ‪ ،‬والعمل يطلب ظهوره‬
‫مبعلوم ‪ ،‬والبد من ختصيص معلوم من معلوم ‪ ،‬فاتصف ابالرادة والبد‬
‫لنفوذها من قدرة اتمة متيض ما خصصته هذه ـ فاتصف بكونه قادرا ‪،‬‬
‫وكذ ك بقية الصفات يطلب ظهورها بتأثري خاص ‪ ،‬فاقتىض الكامل االلهي‬
‫كامل لك وصف من آوصافه ‪ ،‬وظهور لك نعت من نعوته ‪ ،‬فأبدع‬
‫الاكئنات عىل حسب مايقتضيه ظهور التغاير ذلهب صورة التاكثر اذلي‬
‫‪357‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫الهامه من تفرق يف ومه التغاير ‪ .‬فلو ظهرت الصفات ذلهبت اجلهات ‪،‬‬
‫واحرتقت بنورها لكام آدركته الس بحات ‪ ،‬بذ ك جاءت الخبار وادلالالت‬
‫‪ ،‬فأين البرص واالبصار واملبرص ‪ ،‬وآين التعداد يف ظهور الوحدة ‪ ،‬فمل‬
‫يبق اال وصف املوصوف ‪ ،‬وعند جتيل املوصوف يندرج الوصف يف‬
‫ظهوره ‪ ،‬وتنطمس النوار يف ارشاق نوره ‪ ،‬ويكون هو املوصوف بوصفه‬
‫لنفسه ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫لوال ظهور وجود احلق يف الصــور ماابن للكون من عــــني وال آثر‬
‫ظهرت حىت جعلت اللك منعدم وابطن آنت حمجوب عن البرص‬
‫حبجب عزك حىت ظـن ذو سفه ان م غري تعاىل هللا ذو القــــدر‬
‫وعىل احلقيقة مل يكن م وجود اال ما آظهره تأثري امسه الظاهر ‪ ،‬واليظن‬
‫اال حقيقة امسه الباطن ‪ ،‬وال آول اال وهو من نور امسه الول ‪ ،‬وال آخر‬
‫اال متوجه اىل امسه الخر ‪ .‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( آظهر لك شئ لنه الباطن ‪ ،‬وطوى وجود لك شئ لنه الظاهر )‬
‫آظهر وجود الكوان وآبدع صور العيان لنه الباطن فاليكون معه بطون‬
‫لشئ ‪ ،‬فهويته القامئة وربوبيته ادلامئة تقتيض آن اليكون معه رشيك يف‬
‫اختصاصه برتبة الربوبية ‪ ،‬وطوى وجود لك شئ بنور ظهوره وسلطان‬
‫قهره وعظمي آلوهيته لنه الظاهر يف آعياهنا ابحلمك والقهر والترصف‬
‫واالقتدار ‪ ،‬فلك الش ياء مترصفة حتت حيطة امسه القهار اجلبار ‪،‬‬
‫ومرشق وجودها بقيومة االهل الس تار ‪ ،‬اذلي سرت وجوده مبا آظهر من‬
‫خمرتعات وجوده مبا آظهر من خمرتعات وجوده ‪ ،‬ومعها ابفضاهل وجوده ‪.‬‬
‫ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫‪358‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫بطونك الساري احملجوب يف الصور‬ ‫آظهرت آش ياء لكيال آن يكون سوا‬


‫وآظهرت قهر فهيا يك يكون لــــها راب وتس توجب التزنيه ابلنــــــــظر‬
‫فذل ك آد ك وآحا ك عىل النظر فهيا ‪ ،‬وماد ك لسبب عربيهتا ولكن‬
‫لتعرف نس بة احلقائق فهيا ‪ .‬قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( آابح ك آن تنظر ما يف املكوانت ‪ ،‬وما آذن ك آن تقف مع ذوات‬
‫املكوانت { قل انظروا ماذا يف السموات } [ الية ‪ 10‬يونس] )‬
‫قل انظروا ما ذا يف السموات ‪ ،‬فتح ك ابب الفهام ومل يقل آنظروا‬
‫السموات لئال يد ك عىل الجرام آابح ك آهيا الناظر يف حتقيق امسه‬
‫الفاطر لتكون اىل وصف قدرته انظر ‪ ،‬ولتعرف حقيقة امسه القادر ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬قل آنت ليفهموا خطايب من وراء جسف خملوقايت ‪ ،‬اذ القوابل‬
‫البرشية مل تقوى عىل ماكحفة اخلطاب االلهي من غري ترجامن يأنس به ‪،‬‬
‫ومل تقوى عىل شهود ذ ك امجلال من غري مراده يف الظاهر ومراده يف‬
‫الباطن لتنظر اىل ظهور كامهل ‪ ،‬وتتعرف صفة جامهل وجالهل ‪ ،‬جفعل مرآة‬
‫امسه الباطن القلوب والرسار ‪ ،‬وجعل مرآة امسه الظاهر السموات‬
‫والرض والبحار ‪ ،‬والشموس والمقار واجلنة والنار ‪ .‬فأحب آن تشهد‬
‫وتنظر اليه يف هذه ادلار ابالستبصار وابلبصار يف دار القرار ‪ ،‬خفاطب‬
‫الرتجامن رس الرسار ونور النوار القابل عنه خطابه ‪ ،‬واملتلق منه المر‬
‫مجمال وللخرب عنه مفصال محمد صىل هللا عليه وسمل ادلاع من تش تيت‬
‫الفرق اىل موصالت امجلع ‪ ،‬فقال س بحانه ( قل ) ودل عىل شهودان مبا‬
‫آعطيناك من آرسار خطابنا ‪ ،‬وآوحض ظهوران يف مسطور كتاب وجودان ‪،‬‬
‫فهي رسائل منا ووسائل الينا ملن هل عندان سابقة يف علمنا آنه من خواص‬
‫‪359‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫عبادان ‪ ،‬ومصطنع خلالص ودادان ‪ .‬قوهل ‪ :‬آابح ك ‪ ،‬االابحة لها معان ‪،‬‬
‫فف لسان الفقهاء آهنا آمر يس توي فعهل وتركه من غري ترجيح لحد‬
‫اجلانبني ‪ ،‬ويف لسان احملققني هو االذن يف ادلخول يف حضائر القرب‬
‫والوصول واالغراء عىل كزنية الرس املصون الغائب عن بواطن العيون ‪،‬‬
‫ومل حتم حول شهوده الظنون ‪ ،‬بل آابح وفتح وآذن ك يف ادلخول وذ ك‬
‫بأن تنظر مافهيا ‪ ،‬فمل جتد غري ظهور وارشاق جتليات نوره س بحانه من‬
‫غري حلول والمالمسة والاس تقرار ‪ ،‬بل ظاهر بأوصافه ‪ ،‬وحامك فهيا‬
‫مبقتىض ظهور آسامئه ‪ ،‬مباين الش ياء بذاته وصفاته وآفعاهل ‪ .‬وما آذن ك‬
‫آن تقف مع املكوانت دون شهود مكوهنا فتكون حمجواب دون وجود‬
‫موجدها ‪ ،‬فقال ‪ :‬آنظروا ما ذا يف السموات من النوار والطوار‬
‫والرسار والرض من االنقهار حتت آحاكم الواحد القهار ‪ ،‬فتفهموا عنه‬
‫آرسار قدرته ‪ ،‬وتشهدون ثبوت حمكته ‪ .‬فرتون يف صفاء مسواته ومتكهنا‬
‫ثبوت آمره ‪ ،‬ومتكنه ‪،‬فتفهم رس قوهل { والسموات مطوايت بميينه }‬
‫وترى ما اس توىل عىل الرض من بأ مره قبضته ‪ ،‬وان االنفالت ملوجود‬
‫من هذه القبضة فتفهم قوهل { والرض مجيعا قبضته } [ الية ‪ 67‬الزمر ]‬

‫فتلج ابب قوهل { يدبر المر من السامء اىل الرض م يعرج اليه } [ الية‬

‫‪ 5‬السجدة ] { واليه يرجع المر لكه } وقد آرشدانك اىل ابب عظمي من‬
‫آبواب العمل املكنون اذلي قال فيه رسول هللا صىل هللا عليه وسمل " ان‬
‫من العمل كهيئة املكنون " فان كنت ذا فهم فالية ‪ ،‬فدونك حبار حيار فهيا‬
‫ذوي اللباب وينبه فهيا ذوي العقول وينكرها لك مغرور هجول ‪ .‬فلو قال‬
‫‪360‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ :‬آنظروا السموات لاكن داللته عىل الغيار ‪ ،‬وهدايته اىل الجرام والاثر‬
‫‪ ،‬ولكن ذ ك عىل مافهيا من ظهور آايته ودالالت وجوده واقتداره ‪ ،‬وما‬
‫آودع فهيا من آنوار وجوده فال تزال تسري يف حبر الوجود يف سفينة‬
‫الفاكر اجلارية برايح الذاكر اىل آن يلقى يف ابحات املعارف فتلتقط م‬
‫من جواهر الرسار ودرر اللطائف ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ترى الوجود بنور هللا موجود‬ ‫آنظر اىل ما يف الكوان من حمك‬
‫حييك الظالل بنور هللا ممـــدود‬ ‫فذاك من نوره حييك الوجود كام‬
‫تريك يف ذاك رس هللا مشهود‬ ‫فافتح من القلب آبوااب مقــــــفةل‬
‫يف لك شئ دالالت ومتهـــــــيد‬ ‫ولك من اكن ذا فهم يكـون لــــه‬
‫فالوجود لكه من سامء وآرض وكريس وعرش وماحواه امس العامل خمرتع من‬
‫قدرته ‪ ،‬ومبدع ببالغ حمكته ‪ .‬ومل يكن غري ذاته ظاهر ‪ ،‬فأراد س بحانه‬
‫ظهور صفاته وثبوت آسامئه فبطنت اذلات وظهرت الصفات ‪ .‬فظهرت‬
‫تكل الصفات ‪،‬فسميت ابلاكئنات ‪ .‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( الكوان اثبتة ابثباته ‪ ،‬وممحوة بأحدية ذاته )‬
‫فنعت اذلات ابلحدية اليت مل تبق ظهورا للتنويه فهي مبالغة يف نعت‬
‫الوحدة ‪ ،‬والحدية وصف اذلات اذا ظهرت وبطنت الصفات ‪ .‬والكوان‬
‫من حيث يه آصاةل معدومة الوجود لها عند ظهوراذلات ‪ ،‬لن الكوان‬
‫آاثر الصفات ‪ .‬وقد علمت اندراج الصفات عند جتيل اذلات ‪ ،‬فالكوان‬
‫الن معدومة ممحوة ‪ ،‬فأحق ما هنا آن يقول الصفات مندرجة والاثر‬
‫ممحوة ‪ .‬وحيث بطنت اذلات فظهرت الصفات فالصفات مؤثرات وال بد‬
‫لظهورها من آثر توجه الهيا ابالثبات ثبتت ‪ ،‬وحيث خصها ابلتعيني‬
‫‪361‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫تعينت ‪ .‬فالالكم يف ذ ك اتبع للنظر؛ فان نظران اىل اذلات ونعهتا امنحت‬
‫الكوان وذهبت العيان وفين املاكن ‪ ،‬ومل يبق اال الواحد الحد ‪ .‬فالواحد‬
‫وصفه والحد نعته ‪ ،‬وان نظران اىل الصفات وتعدد مظاهرها قلنا بثبوت‬
‫ما آثبتته ‪ ،‬وختصيص ما خصصته واتقان ماعلمته ‪ ،‬وتقدير ما قدرته هذه‬
‫الوصاف وغريها من ما آظهره من صفاته وآسامئه ‪ ،‬فال يظهر وصف‬
‫واليتحقق امس مامل يشهد آثره ومل يسمع غريه ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫احملو نعت للك الكون ان نظرت اليه دون وجود الواحـــــــــد الحد‬
‫واثبت ان رآيت هللا مثبــــــــــته فوحدة اذلات تنف كرثة العـــــــــدد‬
‫فكن حريصا عىل حتقيق ذاك مفـا يف الكون موجود اال الواحد الصمد‬
‫وحمكة ظهور الكون ظهور فامي يظهر جتيل كامل الربوبية عىل رفعة العبودية‬
‫‪ ،‬فاذا آثبتك مفقام العبودية يقتيض احملاس بة وتصحيح املعامةل ‪ ،‬ومقتىض‬
‫ذ ك آن تكون مهتام لنفسك ومعاتبا لها يف سائر آحوا ك ‪ ،‬فالترىض عهنا‬
‫فذ ك مقتىض العبودية ‪ .‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( الناس ميدحونك مبا يظنون فيك ‪ ،‬فكن آنت ذاما لنفسك ملا تعلمه مهنا )‬
‫الناس مه الرش املأنوس هبم بعضهم ببعض ‪ ،‬وواحدمه انسان ‪ ،‬والناس‬
‫ابلرضورة ميدحون من ظنوا منه الفعال امجليةل واخلصال امحليدة ‪،‬‬
‫فبالرضورة يثنون عليه وميدحونه من آنسوا منه ذ ك ‪ .‬وذ ك كام علمنا آنفا‬
‫نعمة من هللا آن سرت عيوبك وقباحئ ذنوبك اليت لو اطلع علهيا آود الناس‬
‫اليك ملقتك علهيا ولقا ك وجهرك من آجلها ‪ ،‬فاذا علمت آن ذ ك سرت هللا‬
‫هو اذلي مجل آفعا ك وسدد آقوا ك وآصلح آعام ك ؛ حفقك آن تشكر‬
‫هللا مبا اظهره عليك من امجليل وسرت من القبيح ‪ ،‬وآنت علمي مبا آنت عليه‬
‫‪362‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫من العيوب ومقارفه من اذلنوب ‪ .‬فكن ذاما لها عىل ماتعلمه من سوء‬
‫آفعالها وقبح آحوالها ‪ ،‬واليغرت بظن الناس ويرتك يقني ما عنده اال هجول‬
‫الميزي بني حماسن الحوال وقباحئها ‪ ،‬فاليرى ماهو عليه من النقص‬
‫واالهامل ملعظم ما ندب اليه من العامل ‪ ،‬وارتاكب ماهني من الفعال ‪،‬‬
‫وبتقدير احسانه فهو من فضل هللا وسابغ نعمته وسابق منته ‪ .‬فكيف‬
‫يس نح اىل مدح اخللق آويطمنئ اىل ثناهئم ‪ .‬ومدح املادح وابل عىل‬
‫ضعفاء اليقني اذلين مل ترخس آقداهمم يف حقائق المتكني ‪.‬‬
‫واكن السلف الصاحل يكرهون املدح وينكرون عىل املادح ويرون آن‬
‫ذ ك نقص لحواهلم وجالب ملفسدات آعامهلم ؛ اكلرايء والعجب والتصنع‬
‫وحب الشهرة ‪ ،‬وهذا اذا اكن فهيم مامدحوا به ‪ ،‬وآما اذا اكن مامدحوا به‬
‫غري موجود عندمه فذاك آعظم قبحا وآشد حراب ‪ .‬ومانقل من املدح‬
‫والثناء عىل آاكبر الصديقني والعلامء فذ ك مبا فهيم مع مامه عليه من اليقني‬
‫‪ ،‬ويرون ذ ك من هللا ابرز ومنه واصل ‪ ،‬لفنامه عن آنفسهم عن آن‬
‫تس تحق مدحا ‪ ،‬ويرون اخللق وماجيري علهيم رسل من هللا الهيم ‪،‬‬
‫فاليزيدمه املدح اال نشاطا ‪ ،‬واليورث عهنم اال شكرا ملن وصل الهيم من‬
‫حرضته وثناء ‪ .‬وآما ضعفاء اليقني فمل حيظوا هبذا املقام ومل خيرجوا عن‬
‫رؤية نفوسهم ورؤية الغيار ‪ ،‬فاملدح علهيم ضار ومقاهمم يأىب ذ ك ‪ ،‬بل‬
‫النفع يف حقهم اجناب اخللق عهنم وازدراهئم هلم ورؤية ذلهتم وذبوهلم‬
‫ومخوهلم ‪ ،‬ومن حقهم آن يسكنوا اىل من يذهمم ويغض من مقاهمم آوىل‬
‫من سكوهنم اىل من ميدهحم ويكرهمم ‪ ،‬اللهم اال آن يفارقون من تولع بذم‬
‫الطائعني لعصيانه وانهتاكه حلرمات هللا ‪ ،‬واس تصغاره لشعائره فالجرم آن‬
‫‪363‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫هيجروه هبذه النية ‪ ،‬واليتحقق هبذا املقام عىل الامتم وحيرز هذه النيات اال‬
‫من قد خامر اليقني قلبه ‪ ،‬وامزتج االخالص بلحمه ودمه ‪ .‬وكذ ك‬
‫سكونه اىل من يكرمه ‪ .‬وحمبته هل امنا آحبه وواصهل وخاللـه ملا عظم من‬
‫شعائر هللا ‪ ،‬وآكرم من انتسب اىل جناب هللا فالحرج يف ذ ك آيضا‬
‫عند حصة النية وصدق الطوية ‪ .‬ويصدق ذ ك آنه لو آكرم آحد آقرانه‬
‫ووقره آكرث منه مل ينقص مزنلته عنده ‪ ،‬ومل يتغري عام اكن عليه ‪ ،‬وعالمة‬
‫كونه جهر الول آنه لومدح واس تصغر آحد آقرانه من آهل ادلين آنه هيجره‬
‫ويقاله ذل ك وان اكن به برار وهل مساعدا ‪ ،‬فللصدق دالئل آحوال وقرائن‬
‫تبني مااكن هلل مما اكن لغريه ‪ .‬حفق املريد السا ك آن اليسكن اىل املدح‬
‫واليرضاه مادام لنفسه عنده وجود ‪ ،‬ويرى من ذمه آنه آهدى اليه معايبه‬
‫اليت غفل عهنا ونهبه علهيا ومنارصا هل وموازرا ‪ .‬ومن مل جيد ذ ك ومل يقدر‬
‫عليه فال آقل من آن ال يعاديه والحيقد عليه ‪ ،‬فذ ك آقل مراتب الصادقني‬
‫‪ .‬وآما اذا قام لها خماصام ومن آجلها معاداي فالخيفى آنه مل يشم راحئة‬
‫الصدق ‪ .‬فاايك واالناكر عىل من رآيته ممن ينسب اىل الطريق هبذه احلاةل‬
‫‪ ،‬فقد يكون للصادقني مقاصد محمودة يف مايتعاطونه ‪ ،‬آما رآفة به آي‬
‫املعادي لئال يتجرى عىل عبادهللا ‪ ،‬آوليدفعون عنه بردمه عليه ما هو‬
‫آعظم من انتقام هللا ‪ ،‬وانتصاره ملن ترك مراده اكتفاء به ‪ .‬فانتقام هللا‬
‫ونرصه عىل من انهتك من التجاء اليه واكتفى بنظره آرسع من الس يل اىل‬
‫حمهل ‪ ،‬فقد خيامصون لهذه النية فال اعرتاض علهيم فامي تعاطوه ‪ .‬فاذا ثبت‬
‫اختصاص هللا هلم ‪ ،‬وتوليه فال يظن آهنم ينتقمون لنفسهم ‪ ،‬وخيامصون‬
‫لجلها ؛ فهم آجل من ذ ك ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫‪364‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫آهدوا اليك غرورا لست تـدرهيا‬ ‫الناس يثنون والتحقـــــيق آهنم‬


‫ففيك عن مدهحم شغـل مبا فــــهيا‬ ‫اليرتكن يقينا منك ظـــــــــــهنم‬
‫خري ملن يف طريق الصدق يدرهيا‬ ‫فف النفوس عيوب فاحتقارمه‬
‫ومقت النفس وعدم االلتفات اىل رؤية الوصاف مهنا عالمة االميان ‪،‬‬
‫واالميان مبا آخربهللا عهنا واجب ‪ .‬وقد آخرب س بحانه بقوهل { وان تعدل‬
‫لك عدل اليؤخذ مهنا } [ الية ‪ 70‬النعام ] وقال يف وصف عدم براءهتا عن‬
‫} [ الية ‪ 55‬يوسف ]‬ ‫السوى واتباع الهوى { ان النفس لمارة ابلسوء‬
‫ذل ك اكن املؤمن اليزال مهتام لها وذاما لها يف مجيع آفعالها اال مامدحه هللا ‪.‬‬
‫قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( املؤمن اذا مدح اس تحيا من هللا تعاىل آن يثىن عليه بوصف اليشهده من‬
‫نفسه )‬
‫املؤمن الصادق واالميان هل اطالقات كثرية ‪ ،‬فقد يطلق ابزاء الكفر وقد‬
‫يطلق مقابال لالسالم وقد يطلق مقابال لغريه من الحوال الظاهرة ‪ ،‬وقد‬
‫يراد به غاية الكامل وآعايل مراتب الوصال ‪ .‬واالميان هو التصديق ابجلنان‬
‫تصديقا اليداخهل ارتياب واليشوبه شك ‪ ،‬ومعل مبقتىض ذ ك التصديق مما‬
‫هو واجب يف حق احلق س بحانه وجائز ومس تحيل ‪ .‬وكذ ك يف حق‬
‫الرسول صىل هللا عليه وسمل كسائر النبياء واملالئكة والكتب واالخبارات‬
‫عن المور املغيبات عن العيان ‪ :‬اكعادة اخللق وسؤال امللكني يف القرب‬
‫وتنعميه فيه وتعذيبه فيه ‪ ،‬وبعث الجسام واحلساب واملزيان والرصاط‬
‫واحلوض واجلنة والنار ‪ ،‬ولك ماجاء عن هللا مما آخربان به عىل لسان‬
‫‪365‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫آنبيائه وآنزهل يف كتبه ‪ ،‬ولك ما آخرب به النبياء كذ ك ‪ ،‬فهذا حد االميان ؛‬


‫وهبذا يسمى مؤمنا وخيرج حزي اجلاحدين وزمرة املنكرين ‪ .‬واملراد هنا‬
‫املؤمن الاكمل اذلي يتلقى علوم اليقني كشفا وهو اذا مدح اس تحيا لتحققه‬
‫مبشهود صفات س يده املس تحق للك احملامد ‪ ،‬ويرى صدور لك احملاسن‬
‫املمدوح علهيا ابرزة من حرضة فضهل ‪ ،‬فال يرى فهيا اس تحقاق ‪ .‬فرتبة‬
‫االميان شعار صاحهبا احلياء من هللا واالجالل والتعظمي ‪ ،‬فاذا مدح‬
‫اس تحيا ملشاركته يف رتبة امحلد اليت يه مس تحقة هلل ‪ ،‬ومن اضافة‬
‫الفعال اليه ‪ ،‬وهو يراها من هللا اليرى بغريه معه فعل وال وصف يقتيض‬
‫آن يثىن عليه به آوميدحه به فهكذا االميان ‪ .‬واالميان من صفات القلوب‬
‫ومطالعاهتا للمغيبات بنور االميان ومن وراء جسف الكوان ‪ ،‬وهو بني رتبة‬
‫االحسان اليت مقتضاها حمو الغيار وانطامس الاثر ابللكية كام آشار ذل ك‬
‫صىل هللا عليه وسمل يف حديث جربيل عليه السالم حني سأهل عن‬
‫االسالم واالميان واالحسان ‪ .‬فصاحب االميان متلون لبقاء شهود الغريية ‪،‬‬
‫وصاحب االحسان ممتكن لفناها عنه ابللكية ‪ .‬فصاحب االسالم يتبع‬
‫الخبار ويطلب ادلالئل والاثر ‪ ،‬يرجو اجلنة وخياف النار وهو مل يصل‬
‫اىل مقام البرار ‪ ،‬فغاية حاهل الوقوف اليتعدى ذ ك ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫االميان يعط ملن اكنت بصــــريته تنظر عيوب بدائع صورة احلمك‬
‫اذا مـــدح ذاك يس تحيي رسيرته ان ينث عنه مبا هو فيه منــــعدم‬
‫وعندما تطلق عليه اللسن ابملدح وهو يعمل ما هو عليه من القصور‬
‫فالجرم يزناد شكره لربه ومقته لنفسه اذا اكن ذا عمل وبصرية ‪ ،‬وبضد ذ ك‬
‫تكون حاةل اجلهال واملغرورين آهنم يرون قصورمه ؛ فاذا آثين علهيم حباةل مل‬
‫‪366‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫تكن فهيم فرحوا وطالت نفوسهم ‪ ،‬وشاركوا احلق يف صفاته ونسوا ماسرته‬
‫علهيم من قباحئهم وموابق فضاحئهم ‪ ،‬فاكنوا ذل ك آهجل الناس ‪ .‬ذل ك قال‬
‫املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( آهجل الناس من ترك يقني ماعنده ‪ ،‬لظن ماعند الناس )‬
‫واكن آهجل الناس لنه اغرت مع ظهور اليقني ‪ ،‬والناس هجال حباهل حيث‬
‫ظنوا مامدحوا لجهل فيه ‪ ،‬فاكنوا هجال حباهل ‪ ،‬وحاهل غيب عهنم وهو اغرت‬
‫مبدهحم وهو متيقن آنه ليس عنده مامدح به وآثين عليه به ‪ ،‬فاكن آهجلهم‬
‫ذل ك ‪ ،‬ومن عظم هجهل وشدة حامقته آن يناحص عن نفسه وخيامص لها‬
‫ويزكهيا ويربهيا عن العيوب بعد ما مسع من العامل هبا قبل انرباهئا ‪ ،‬املطلع‬
‫عىل خفااي عيوهبا ‪ ،‬فقال { ان النفس لمارة ابلسوء } وقال { فالتزكوا‬
‫آنفسمك } وآكرث خصال اجلهال ومعاداهتم من آجل مايلحقها من اذلم‬
‫والتنقيص من بعضهم بعضا ‪ .‬فاذا آردت آن تعرف آن آكرث الناس‬
‫اليعلمون كام وصفهم هللا بذ ك ‪ ،‬فاحبث عن هذا جتده عياان بأوحض جحة‬
‫وبرهاان ‪ .‬واملادح آما آن يكون من آهل ادلين فقد حصل خريا بظنه لكن‬
‫فاته قصم ظهر آخيه كام جاء يف احلديث ‪ .‬وآما ان اكن من العوام‬
‫والرشار فامي مدحوا االماوافقهم ‪ ،‬واليوافقهم اال مااكن من جنس مامه عليه‬
‫من الخالق اللئمية واخلصال املذمومة ‪ ،‬فليكن املريد آشد خوفا ذل ك ‪.‬‬
‫ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫آشد الناس يف اجلهال هجال اذا آثين عليه ريض واس تبرشا ؟‬
‫ونيس معايبه وعظــم ذنوبه وسرت فضاحئ واالهل هبا لها يرى ؟‬

‫‪367‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فان قلت آان اكره للمدح ولست آهال هل ‪ ،‬مفا كفارة ذ ك وما اذلي‬
‫خيرجين عند ريب ! فاذا آطلق اخللق آلسنهتم بثنائك وآنت تعمل آنك‬
‫لست آهال والقدرة ك يف رد مدهحم ‪ ،‬فاعمل آن ذ ك نعمة من هللا عليك‬
‫آن سرتك ومجكل ‪ ،‬فاشكره عىل ذ ك وآثن عليه مبا هو آههل كام قال‬
‫املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( اذا آطلق الثناء عليك ولست بأهل ‪ ،‬فأثن عليه مبا آههل )‬
‫اذا آطلق وآثىن جبميل الثناء عليك آهيا املؤمن الاكره ملدح اخمللوقني ‪،‬‬
‫املبتغ رضا رب العاملني ‪ ،‬املكتف بنظره اليك ‪ ،‬الوجل من اخرتاع‬
‫املعايص بني يديه وليس فيك آهلية الثناء لنظر عيوب نفسك ‪ ،‬وسوء‬
‫آحوالها وقبح آفعالها ‪ ،‬ورآيت جعزها وتقصريها يف القيام مبا به يثىن وعليه‬
‫ميدح ‪ .‬فاعمل آن هذه نعمة من هللا آس بغها وعافية جللها ‪ ،‬فالتغفل عن‬
‫شكرها ‪ ،‬فاش تغا ك ابلشكر هلل علهيا آوىل بك من مدافعهتا واابهنا ‪ ،‬فكن‬
‫هل شاكرا ولالئه ذاكرا وبنفسك غري مباليا واللها مصغيا ‪ ،‬وعن خدعها‬
‫جمانبا ولها معاتبا ‪ .‬فاملؤمن اليزال لنعمه شاكرا ولالئه ذاكرا ولنفسه مهتام ‪،‬‬
‫واليرى لنفسه آهلية آن يثىن علهيا آو آن تضاف احملامد الهيا ‪ ،‬ويرى آهلية‬
‫امحلد ومنهتيى اجملد هلل يف لك حال ومصدر فعال ‪ ،‬فاليتصور منه آن يظمل‬
‫آو آن اليتصف بصفات الكامل وخالل اجلالل ‪ ،‬فهو احملمود يف آفعاهل ‪،‬‬
‫وهو آهل لك نعمة ومنهتيى لك رغبة ومطلب لك منه ‪ ،‬كيف والعامل شاهد‬
‫بذ ك حاال ومقاال ‪ ،‬لك هل قانت وهل ساجد وشاكر وحامد ‪ .‬ومىت لغريه‬
‫وصف وبصفة من صفات الكامل ‪ ،‬فاللك مس متد وهو مستبد ‪ ،‬فهل امحلد‬

‫‪368‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫يف لك حال { وان من شئ اال يس بح حبمده ولكن التفقهون تسبيحهم }‬


‫[ الية ‪ 44‬االرساء ] ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫اذا آطلقت ك آلسن اخللق ابلثناء فكن شاكرا رب الربية حامـــــدا‬
‫وان كنت مل تشهد شهود مـــــــزية لنفسك زد مادون وسعك زائدا‬
‫فأهل الثناء واجملد حقـــــا هو اذلي بنعامئه عادت الينا عوائـــــــــــدا‬
‫وصاحب هذا املقام مل خيرج بعد عن رؤية نفسه ‪ ،‬وآهل الكشف والعيان‬
‫ابلضد من ذ ك كام قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( الزهاد اذا مدحوا انقبضوا لشهودمه الثناء من احلق ‪ ،‬والعارفون اذا‬
‫مدحوا انبسطوا لشهودمه ذ ك من املكل احلق )‬
‫الزهاد مه اذلين آخذوا يف تصفية قلوهبم واخالص آعامهلم واخراج رؤية‬
‫اخللق عن نظرمه ‪ ،‬فهم وان اكنوا آهل مقام رشيف وحال منيف مل خيرجوا‬
‫بعد من احلجاب برؤية الغيار وماكبدة الاثر ‪ ،‬كام هو حال املوحدين‬
‫ومكل العارفني وآهل الشهود املقربني ‪ ،‬اذلين غابت عندمه شواهد اخلليقة‬
‫‪ ،‬وآرشقت علهيم مشوس آنوار احلقيقة ‪ ،‬فاليرون واليسمعون والحيادثون‬
‫والجيالسون سواه ‪ ،‬واليشهدون اال اايه ‪ .‬فعنه يأخذون اخلطاب مجمال ‪،‬‬
‫وميزيونه عىل الطالبني مفصال ‪ ،‬فاليسمعون خطاب والينظرون يف البعد‬
‫واالقرتاب اال عنه واايه ‪ ،‬فاذا مدحوا الزهاد انقبضوا لشهودمه هل من اخللق‬
‫‪ ،‬فيخافون انبساط نفوسهم اليه ‪ ،‬واعامتدها عليه ‪ .‬فينقصهم ذ ك من‬
‫مزنلهتم عند س يدمه ويوقفهم دون مطلهبم ‪ ،‬فالجرم آن ينقبضون ذل ك‬
‫وهيربون منه ‪ .‬والعارفون ملا مل يشهدوا للخلق يف ذ ك وجود ‪ ،‬آو مل يروا‬
‫هلم يف احلقيقة شهود ‪ ،‬شهدوا ذ ك من س يدمه ‪ ،‬وفرحوا حيث مدهحم‬
‫‪369‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وآثنا علهيم مليكهم ‪ ،‬فالجرم آن تتصدع القلوب رسورا ‪ ،‬ومتتيل الفاق‬


‫حبورا ‪ ،‬ويعرتهيم من الوجد بذ ك مااليطاق ‪ ،‬كام روي آن النيب صىل‬
‫هللا عليه وسمل ملا اس تقرآ آيب بن كعب بسورة مل يكن ‪ ،‬فقال ‪ :‬آقراها‬
‫عليك وعليك آنزل ‪ ،‬فقال ‪ :‬ان هللا آمرين آن يقرآ عليك آبيا ‪ ،‬فقال‬
‫ايرسول هللا ذكر آبيا ! فقال نعم ‪ ،‬فقام وجخل ومازال يردد قوهل ‪ :‬هللا ذكر‬
‫آبيا ‪ .‬فهذا وهو آخذ ذ ك بواسطة الرسول صىل هللا عليه وسمل ‪ ،‬فكيف‬
‫اذا آخذه صاحب الكشف عىل الكشف والعيان ‪ ،‬فاليرى ماحيصل هلم‬
‫من الفرح ‪ ،‬وصاحب هذا احلال اليزيد عنده من مدحه من اخللق عىل‬
‫من ذمه ‪ ،‬فاذا ذمه ذام مل ينقبض عليه ورآه رسول من س يده واصل اليه‬
‫ويرجع اىل نفسه ابملعاتبة واحملاس بة والتأديب ‪ ،‬حيث قلت الدب عىل‬
‫هللا ‪ ،‬فعاتهبا احلق س بحانه عىل لسان من وصل اليه منه اذلم ‪ .‬وحتقيق‬
‫ذ ك آن يعمل آويل الحوال العلية والخالق السنية آثنوا عىل آنفسهم‬
‫وآثين علهيم ومل حيصل عندمه انقباض ذل ك ‪ ،‬بل زادمه شكرا عليه ومه‬
‫عاملون حرضة املدح عىل من بقيت فيه بقية من رؤية شهوده للخلق‬
‫واحتجابه ابلنفس ‪ .‬فان النيب صىل هللا عليه وسمل ترك املدح ‪ ،‬وتركه‬
‫عىل حسب آحوال املمدوحني ‪ .‬فأهل كامل اليقني والواصلني اىل آعايل‬
‫آحوال المتكني آثىن علهيم حبضورمه اكلصديق ريض هللا عنه حيث قال هل‬
‫" لست ممن يفعل ذ ك خيالء " وغري ذ ك مما آخربه به من مزااي الفضائل‬
‫‪ .‬ومعر ابن اخلطاب ريض هللا عنه حيث قال " ان الش يطان يسكل غري‬
‫الفج تسلكه " وغري ذ ك من خفام الفضائل ‪ .‬ولعيل ريض هللا عنه " آنت‬
‫مين مبزنةل هارون من موىس " ولعامثن ريض هللا عنه برشه ابجلنة ‪ ،‬وغري‬
‫‪370‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ذ ك ‪ .‬وجامعة من الصحابة كيب بن كعب ملا قال هل صىل هللا عليه وسمل‬
‫" آي آعظم آية يف كتاب هللا ؟ فقال ‪ :‬آية الكريس ‪ ،‬قال هل صىل هللا‬
‫عليه وسمل " لهينك العمل آاب املنذر " وماذكر به آيب قتادة وسلمة بن الكوع‬
‫يوم آغري عىل رسج املدينة ‪ ،‬وغريمه ملامدحه من مدحه بني يدي النيب‬
‫صىل هللا عليه وسمل قال هل " قطعت ظهر آخيك " فهذا اليكون تزنيل‬
‫املدح وتركه عىل حسب حاةل املمدوح ان اكن اكمال ممتكنا مل يؤثر عنده‬
‫مدح اخللق ظهور نفس واسترشاف اىل حظ ـ فالعليه فيه نقص ‪،‬‬
‫ومادام جيد به ظهور يف النفس ومل تدع حاجة اىل ذ ك فرتكه وكراهيته‬
‫من ش مي الزهاد واملريدين والعباد ‪ .‬ومع كونه مل يؤثر يف االنسان فرتكه آوىل‬
‫بلك حال اال يف مواطن حيتاج اليه يطول تعدادها ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫الزاهدون هلم حال ومــــــــــزنةل تعطهيم القبض ان فاهت به الغري‬
‫لكوهنم خرجوا عن رؤيـــــة البرش‬ ‫والعارفون كذاك املدح يبسطهم‬
‫وللموحدين عالمات تعرف هبا آحواهلم ‪ ،‬وتثبت هبا مقاماهتم ‪ ،‬وهبا‬
‫خيرجون عن املدعني ملقاهمم من غري حتقق ‪ .‬فذل ك قال املؤلف ريض هللا‬
‫عنه ‪:‬‬
‫( مىت كنت اذا اعطيت بسطك العطاء ‪ ،‬واذا منعت قبضك املنع ‪،‬‬
‫فاس تدل بذ ك عىل ثبوت طفوليتك ‪ ،‬وعدم صدقك يف عبوديتك )‬
‫هذا مزيان تعرف به ما آنت عليه من احلال ‪ ،‬مفن نصح نفسه ومل ياكبر‬
‫آنصف عند ماتشاهده ادلالةل وتشاهده العالمة من نفسه ‪ ،‬مفىت اكن‬
‫حبظه مل خيرج عنه وال انزتع منه فليتق هللا يف دعوى التوحيد واخالص‬
‫العبودية ‪ ،‬فليسأل هللا ويلجاء اليه آن حيققه هل ويلحقه بعامر آههل ‪ ،‬فانه‬
‫‪371‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫بعد مل خيرج عن حظ نفسه ومل خيلص العبودية لربه ‪ ،‬مفىت آعطيت‬


‫حظك ونلت مأرب نفسك بسطك العطاء الاملعط ‪ ،‬فاذا منعت عن‬
‫حظك ومل تنل حاجتك الناجزة قبضك املنع ال املانع ‪ ،‬فاس تدل بذ ك ؛‬
‫آي هبذه احلاةل عىل طفوليتك يف آهل هللا ‪ .‬والطفييل هو اذلي يتطفل يف‬
‫الوالمئ من غري آن يدعى الهيا فينتسب آنه من آهلها وهو آجنيب عهنا ‪،‬‬
‫فيرتك تكرما من آهلها آوحياء ‪ ،‬فاملس تجيبني منه نفوسهم متقته ‪ ،‬والكرماء‬
‫قلوهبم ترمحه ملا يرون من ضعف مهته وسفاهته وقةل عقبه ‪ .‬وآول من‬
‫تسمى بذ ك رجل كويف اكن يدعى طفييل العراس ‪ ،‬وذ ك آيضا دليل‬
‫عىل عدم الصدق يف عبوديتك ‪ ،‬لن صدق العبودية يعط الصادق آن‬
‫يكون مس تغرق اهلم يف آوصاف معبوده ‪ ،‬واليفرق بني مايصدر عنه من‬
‫الفعال فهو عنده يف الك الحوال ‪ ،‬فالتكون اال انظرا اىل حسن تدبريه‬
‫واختياره ‪ ،‬فانيا عن سائر احلظوظ ‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬مىت بسط العطاء ‪ ،‬آما لوكنت يف بسطك لنه برز من حرضة‬
‫امسه الباسط فالحرج عليك آن تنبسط بفعل ربك الابلفعل جمردا عن‬
‫فاعهل ‪ ،‬وكذ ك ابلقبض لو انقبض لكونه آثر امسه القابض فال حرج آيضا‬
‫آن ينقبض ملا يعطيه الكشف من جتيل االمس القابض ‪ ،‬فيكون مع الفاعل‬
‫المع الفعل ‪ .‬فليفهم الفرق بني البسط والقبض ابهلل وهام بغريه ‪ .‬فأكرث‬
‫املنتس بني اىل الطريق قد يظنون صدقهم يف عبودية رهبم ‪ ،‬فاذا طرقهم‬
‫آمر مما يناقض مرادمه آوخيالف حظوظهم ابنت هلم غرور دعوامه ‪ ،‬فعبيد‬
‫احلروف الواقفني مع الظروف خارسين ‪ ،‬وعن مقاصد الصدق انكبني كام‬
‫وصفهم يف كتابه بقوهل { ومن الناس من يعبد هللا عىل حرف فان آصابه‬
‫‪372‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫خري اطمأن به وان آصابته فتنة انقلب عىل وهجه خرس ادلنيا والخرة } [‬
‫الية ‪ 11‬احلج ] خرس ادلنيا بفوات مراده والخرة بعدم صدقه يف عبوديته ‪.‬‬
‫ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫مىت تكون مبا تعـــــــطاه منبسطا وعند منع تكن ابلقبض موصــــوف‬
‫فاعمل بأنك طفيـــــــــــيل مبذههبم كام يـــــــرى ذاك بني القوم معروف‬
‫وليس ك يف طريق الصدق مرشهبم فعبد حـــــــــق تكن ابهلل مشغوف‬
‫اليوحشك قط بلـــوى يف حمبهتم وال العطاء بل دليه اللك مـــــألوف‬
‫فاذا اكن اللك فائض من حرضة فضهل آوحرضة عدهل ‪ ،‬فالبد من تعاقب‬
‫الحوال عىل العبد حبسب ظهور هذه الوصاف ‪ ،‬فذل ك ملا عمل هللا آنه‬
‫س يكون ظهورها مايناقض العبودية لتمنح آاثر ذ ك املظهر الطارئ عىل‬
‫حمل الفضل ‪ ،‬فذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( اذا وقع منك ذنب فال يكن سبب ليأسك من حصول االس تقامة مع ربك‬
‫‪ ،‬فقد يكون ذ ك آخر ذنب قدر عليك )‬
‫اذا وقع منك آهيا املؤمن السا ك لطريق العبودية املتوجه بقلبك اىل حرضة‬
‫الربوبية ذنب مما يناقض اس تقامتك عىل سبيل الهفوة والفلتة ؛ واذلنوب‬
‫ختتلف ابختالف اخللق ‪ ،‬مفهنا ماهو من ذنوب اخلاصة وتدق عن نظر‬
‫العامة ‪ ،‬ومهنا ذنوب العموم وهو ظاهر يعرفه لك آحد ‪ ،‬وهو ماظهر من‬
‫قبيل الفعال احلس ية ‪ ،‬وآما ابطن من قبيل اخلطرات والنيات القلبية ‪.‬‬
‫واذلنوب جحاب عن مطالعات آرسار الغيوب ‪ ،‬وهبا يكون التعرف من نيل‬
‫لك مطلوب ‪ ،‬وسبب مقارفهتا يكون البعدعن حرضة احملبوب ‪ .‬واذلنوب‬
‫مهنا مايكون بني العبد وبني هللا س بحانه وتعاىل ‪ ،‬ومهنا مايكون بني العبد‬
‫‪373‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وبني العباد ‪ .‬ومااكن للعباد آما آن يكون يف دم آوعرض يدخل فيه لك ما‬
‫يتأمل منه االنسان ولويف آههل وآصدقائه ‪ ،‬والسبيل للخروج من حقوق‬
‫العبادد اال ابلداء آوابالس تحالل ‪ ،‬فبذ ك خيرج عن االرصار اذلي ينايف‬
‫وجود حصة التوبة وماتعذرآداؤه ‪ ،‬كن مل يوجد صاحب املال آومل يعرف‬
‫عينه فينبغ آن يتصدق بقدره يف وجوه اخلري ‪ ،‬وينوي آنه ان ظهر‬
‫صاحبه رده اليه ‪ ،‬فبذ ك يرىج هل حصة التوبة ‪ ،‬آواكن اذلنب يف العرض‬
‫مما يورث االس تحالل منه زايدة نفرة فينبغ آن يس تغفر لصاحبه ويكرث يف‬
‫مقابلته من الطاعات ‪ ،‬ويرضع اىل هللا بصدق نية آن يرضيه عنه ‪،‬‬
‫فاملرجو آيضا آن يرضيه وتصح توبته ‪ ،‬هذا اذا مل يبلغه فال بد من‬
‫اسرتضائه ‪ ،‬وادلم آما ابلمتكني من استيفائه آوابلعفو عىل مال وعىل غري‬
‫مال ‪ ،‬آوابلكفارة ان اكن قاتال ‪.‬‬
‫وآما بني العبد وبني هللا فيكف فيه التوبة برشائطها وهو آن يعزم عىل آن‬
‫اليعود اليه وال اىل مثهل ‪ ،‬فيقلع عنه حاال ويندم عىل فعهل ‪ ،‬واليرتك‬
‫التوبة لعظم اذلنب عنده ‪ ،‬مفا عندهللا من املغفرة آعظم ‪ ،‬والتائب من‬
‫اذلنب مكن الذنب هل ‪ ،‬والتائب حبيب هللا ‪ .‬واليرتكه خلوف العود اليه‬
‫فهذه خدعة من خدع الش يطان خيدع هبا اجلهال فيبقون عىل االرصار‬
‫خش ية العود علهيا ‪ .‬واالرصار آعظم من اذلنب نفسه ‪ ،‬ولعل ذ ك آخر‬
‫ذنب قدره هللا عليك ‪ ،‬فاذلنب مقدور مابق ؛ واال اتئب اندم ‪ ،‬ومرص‬
‫قادم ‪ .‬وآما نفس اذلنب فاليشقى من س بقت هل من هللا عناية ‪،‬‬
‫والحظته رعاية ‪ .‬فقد جعل ك من لك ضيق خمرجا ‪ ،‬جفعل خمرج التوبة‬
‫من ضيق املعصية ‪ .‬ووردت آحاديث يف فضائل التوبة وآايت ‪ ،‬مفن‬
‫‪374‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫الايت قوهل س بحانه { ان هللا حيب التوابني } وانهيك هبا رتبة آرفع‬
‫املراتب ‪ ،‬ومنهتيى املطالب ‪ ،‬ويه اليت وجدت هبا الطوار والعوامل ‪ ،‬والهيا‬
‫ينهتي عمل العارفني ‪ ،‬وتقمي فهيا آرسار املقربني ‪ .‬فهي آول مبادئ الطريق ‪،‬‬
‫وغايهتا هناية التحقيق ‪.‬‬
‫ومن الحاديث القدس ية " آن العبد اذا آذنب فقال رب اغفر يل يقول‬
‫هللا س بحانه وتعاىل ‪ :‬عبدي آذنب ذنبا فعرف آن هل راب يغفر اذلنب‬
‫وايخذ به ‪ ،‬اذهب فقد غفرت ك ‪ .‬واثنيا واثلثا كذ ك ؛ قال ‪ :‬فليفعل‬
‫عبدي ماشاء ‪ ،‬آي مادام يذنب ويس تغفر فأان آغفر هل حىت يتوىل فيرص‬
‫ويس تكرب ‪ ،‬فعند ذ ك جيازى العبد بصنيعه ‪ .‬فاالس تقامة بعد التوبة عىل‬
‫حد العبودية غري مستبعد والمستنكر ‪ ،‬والفزع والتفحش حيسن قبل‬
‫فعلها ‪ ،‬وآما بعد الفعل فال آحسب ذ ك اال عقوبة فعلها ‪ ،‬وهو آن سلط‬
‫عىل العبد خواطر تؤيسه من رمحة هللا ‪ ،‬ويضيق صدره من حمبة هللا ‪.‬‬
‫فالينبغ ال حسن الظن ابهلل فهو بعدها شأن املوفقني من السالكني ‪،‬‬
‫والعلامء بصفات هللا ‪ ،‬الواقفني عىل نظر تقدير هللا ‪ ،‬وغالب حمكه اذلي‬
‫الراد هل والمعقب ‪.‬‬
‫وعرب املؤلف ريض هللا عنه بقوهل ‪ :‬مع ربك ‪ ،‬تأنيس للعبد ابمس الربوبية‬
‫اذلي هو آخص آسامء امجلال ‪ ،‬وفيه جمامع العطف والرآفة والرمحة ‪ ،‬فالرب‬
‫هو اذلي يريب ‪ ،‬آي يرمح ويتعطف ويرآف ‪ ،‬وهو س بحانه رب العاملني ‪،‬‬
‫آي ما ك لك العوامل ومافهيا ‪ ،‬فهو رب الرابب ‪ ،‬ولوال ربوبيته وس بوغ‬
‫رمحته ومشول حمبته مجليع خلقه لهكل العايص يف مالبسة معصيته ‪ ،‬وذ ك‬
‫عدل ‪ ،‬وليت شعري من اذلي مل يبارزه مبعصية ظاهرة آوابطنة غري‬
‫‪375‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫املعصومني ‪ ،‬ومع ذ ك مل يقطع عهنم امداده ‪ ،‬والحرهمم اسعاف جوده‬


‫وارشاده ‪ .‬فس بحانه ما آلطفه وآعطفه { ولو يواخذ هللا الناس مبا كس بوا‬
‫ماترك عىل ظهرها من دابة } [ الية ‪ 45‬فاطر ] فاذلي اليتصور منه اذلنب‬
‫لعدم تلكيفه مبن حصل منه واال فاللك ملكفني بتلكيف القيام حبق الربوبية‬
‫والقامئ به مفا قدره غريه ‪ ،‬فس بحانه اللطيف اخلبري ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫اليؤيس نك ماقارفت من معل من اس تقامتك فان هللا تـــــــــواب‬
‫فشأننا دامئـــــــا نعيص ممارسة وشأنك الفضل منك ادلوب ساكب‬
‫فاملطلوب من العبد االعتدال بني خوفه ورجائه ‪ ،‬وهام حالتان ينشيئان‬
‫عن س ببني ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( اذا آردت آن يفتح ك ابب الرجاء فاشهد مامنه اليك ‪ ،‬واذا آردت آن‬
‫يفتح ك ابب احلزن فاشهدد مامنك اليه )‬
‫اذا آردت آهيا السا ك طريق اخلوف آن تفتح روحك عىل قلبك بروح‬
‫الرجاء لئال يس تويل عليه اخلوف ليخرجه اىل القنوط من رمحة هللا واليأس‬
‫من روحه ؛ فلفتح ذ ك امللكويت سبب ‪ ،‬وآعظم ذ ك وآقواه آن تشهد‬
‫مامنه اليك من الفضل واالحسان ‪ ،‬وسوابغ الرمحة واالمتنان ‪ ،‬من غري‬
‫س بق طلب ذل ك والتعرض ‪ ،‬وما يواليك بعد الوجود من االمداد وما‬
‫آنت عليه من التقصري فامي آمرك ‪ ،‬ومقارفة ماهنيى ‪ ،‬وقبول توبة اخلطائني‬
‫وان عظمت علهيم ‪ ،‬وذ ك من غري اس تخفاف لحد عليه ‪ ،‬واليف مقابةل‬
‫معل والمس تقبل آمل ‪ ،‬بل فضل من االهل املفضال ‪ ،‬وتعبريه ابلفتح لتعمل‬
‫آن لن تنال فتح آبواب الغيوب اال مبعامالت آحوال القلوب ‪ ،‬والشهود‬

‫‪376‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اليكون اال ابالعتبار واالبصار القليب ‪ .‬فباالعتبار يعرب من الشاهد اىل‬


‫الغائب ‪ ،‬وعند فتح ذ ك الباب ترشق فيه آرسار آنوار امجلال ‪ ،‬فال ياكد‬
‫يامتسك الهيا واليعرج الهيا ‪ .‬فهذه آول مبادئ الفتوح ‪ ،‬اليت من آرسار‬
‫امجلال تلوح ‪ .‬واذا آردت آن تفتح ابب احلزن اذلي هو عالمة اخلائفني آن‬
‫خشيت الوقوع يف الرجاء حىت خيرجك اىل المن من مكر هللا واالدالل‬
‫عىل هللا ‪ ،‬فاشهد مامنك من اذلنوب ‪ ،‬والتلطخ بقاذورات قباحئ العيوب‬
‫‪ ،‬وعند فتح ذ ك الباب يغلب عىل املريد شهود آاثر صفة امجلال من‬
‫السالسل والغالل ‪ ،‬فيكس به اذلبول واالمضحالل ‪ ،‬حتت حمرقات‬
‫مظاهر اجلالل ‪ .‬فال يزال كذ ك حىت يقول لسان حاهل منشدا ‪:‬‬
‫فدهشت بني جالهل وجامهل وغدا لسان احلال عين خمربا‬
‫فهذه دهشة الفناء اللك عن الوصف اخللق ‪ ،‬والتعلق ابلكامل احلق ‪،‬‬
‫فيكون لسان احلال عنه خمربا كام قال العبد يف ذ ك ‪:‬‬
‫شاهد جام ك يورثــــــــين خماجلة ختامر النفس حىت تذهب الفــــكر‬
‫وشاهدات جال ك التبني لـــــــه من حاهل شاهد يظهر والخـــــــــرب‬
‫وانب عنه كامل هللا فاسألـــــــــه عام بدا ك من جملولـــــــــــه النظر‬
‫ان كنت تطلب آن تشهد جاللته جتد معايـــــــــنه معت سائر القطر‬
‫والعبد اليزال يتحرى ماهو الوىل به ‪ ،‬وآقرب اىل الدب يف حرضة ربه ‪،‬‬
‫فالقبض آصل احلزن ‪ ،‬والبسط آصل الرجاء ‪ ،‬وعنه يظهر عىل العبد‬
‫عالمئه ‪ ،‬فارتفاعه عن هذين احلالني اكن نعته ‪ ،‬ووصف مقامه القبض‬
‫والبسط ‪ ،‬ذل ك فرع املؤلف الكمه عليه فقال ‪:‬‬

‫‪377‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫{‬ ‫( رمبا آفادك يف ليل القبض مامل تس تفده يف ارشاق هنار البسط‬
‫التدرون آهيم آقرب لمك نفعا } [ الية ‪ 11‬النساء ] )‬
‫رمبا تأيت للتقليل وقد تراد للتكثري ‪ ،‬وهنا املراد رمبا للتقليل ‪ ،‬فأدرك الظفر‬
‫مبقصودك ومرادك سكونك يف ليل القبض الكف عن مناقضات العبودية ‪،‬‬
‫وهو آي الكف قس مي للسع يف ابتغاء حتصيل الوامر ‪ ،‬وقد يؤثرون‬
‫الكف عن املهنيات مع السالمة من الفات عىل االتيان بوظائف العبادات‬
‫‪ ،‬مع تطرق الفات ‪ ،‬وتوقع مصائد املهلاكت ‪ .‬وهذا اندر حيث عرب برمبا‬
‫‪ ،‬والغلب آن االبتغاء يصحبه مزيد الرباكت ومفاتيح آبواب السعادات ‪،‬‬
‫فالتعبري ابلليل للقبض وابلهنار للبسط من آبدع العبارات وآوحض االشارات‬
‫‪ ،‬فالليل نعمته السكون ‪ ،‬والهنار نعمته االبتغاء ‪ ،‬والتدرون آهيم لمك نفعا ‪،‬‬
‫فرمبا آفاد السكون من السالمة مامل تس تفده يف االبتغاء من الغنمية ‪ .‬ومن‬
‫رمحته جعل الليل فهو املقدم يف الرتبة اخللقية ‪ ،‬لن الصل السكون‬
‫والمكون ‪ ،‬والصل يف الش ئون احلقية االرشاق والظهور ‪ ،‬فذل ك اكن‬
‫اعامتد طريق العبودية الكف ‪ ،‬وجل الصفات احلقية االبتغاء ‪ ،‬والرتيق يف‬
‫املعارج الوصفية ‪ ،‬وتعبريه برب حمققة ماذكران ك من تكل احلمكة املصونة‬
‫وادلرة املكنونة ‪ .‬ومن فوائد القبض اذلي حيصل للعبد مايورده احلق عىل‬
‫غري مقتىض الطبع وخالف الهوى من البالاي واحملن ‪ ،‬من عظمي الجر‬
‫وجزيل العطاء ‪ ،‬ويل يف ذ ك ‪:‬‬
‫يف ليل قبض فكن عين بذا خربا‬ ‫ورمبا يس تفيد العبد مكــــــــرمة‬
‫مل تدر آهيام خــــــــــــــريا فتنتظرا‬ ‫ويف رشوق الهنار البسط عافية‬

‫‪378‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ونعمة ذلوي التحقيق والنــــــظرا‬ ‫فلكام جاء ففيه آلطاف خافــــيــة‬


‫فأنوار جتيل احلق س بحانه غري حمسوسة والمدركة ابحلواس الظاهرة ـ آعين‬
‫آنوار ذاته وصفاته وآفعاهل ‪ ،‬وآمنا هذه النوار اذلي ترى آاثر ‪ ،‬ذل ك قال‬
‫املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( مطالع النوار القلوب والرسار )‬
‫مطالع الفالك احلقية والصفات الزلية ‪ ،‬والنعوت اذلاتية ؛ القلوب املطهرة‬
‫والرسار املنورة اليت مل تتلوث بلوث الغيار ‪ ،‬ومل تتدنس بدنس الاثر ؛‬
‫قلوب الولياء املقربني ‪ ،‬والصفوة الخيار ‪ .‬فالقلوب لتلق واردات‬
‫املواهب الرابنية ‪ ،‬والعلوم االصطفائية ‪ ،‬وتتقلب يف حلل السامء احلقية ‪.‬‬
‫والرسار تتزنه يف رايض الصفات العلية ‪ ،‬وتكرع يف حياض املناهل‬
‫احلس ية ‪ ،‬واللطائف القربية ‪ .‬فنجوم العلوم وآمقار االميان ومشوس‬
‫االحسان ‪ ،‬والشهود والعيان مطالعها القلوب وليس لها غروب كام تغرب‬
‫الفالك احلس ية ‪ ،‬ويطوى علهيا التغيري واختالف التقدير بني كبري وصغري‬
‫‪ ،‬واىل الفناء تصري ‪ .‬وآنوار القلوب والرسار ليس تتغري ومل تتلون ؛ بل‬
‫يه ممتكنة يف مسوات آعىل الصفات ‪ ،‬وابقية ليس لها انقطاع ‪ ،‬وال‬
‫لورودها امتناع ‪ ،‬تتجىل لك حني بكامل اليتصور مبثال ‪ ،‬واليدخل حتت‬
‫حيطة الشاكل ‪ .‬وهذه قلوب عرفت مقاصد احلقائق ودقائق الطرائق ‪،‬‬
‫التوثقها عن مقصدها العوائق ‪ ،‬ومل تتشبث هبا ظمل الشهوات والعالئق ‪،‬‬
‫بل سارحة يف رايض النس ‪ ،‬ومتبوئة فس يج حرضة القدس ‪ ،‬قلوب‬
‫الولياء املقربني اذلين اصطنعهم لنفسه ‪ ،‬فلو بدت آنوارمه وآرشقت‬
‫مصوانت آرسارمه ؛ لتعطلت هذه النوار الظواهر ‪ ،‬ولولهت فهيا العقول‬
‫‪379‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫والنواظر ‪ ،‬فس بحان من سرت رس اختصاصه يف خواص عباده ‪ ،‬وآدرج‬


‫مضيئات آنوارمه وجحهبم عن عباده ‪ ،‬يف آكناف بالده ‪ .‬ويل يف ذ ك ‪:‬‬
‫تطلع علهيا طوالـــــــــع نوره النرضا‬ ‫ان القلوب مطالـــــــع نور قدرته‬
‫من وصفه العمل هو والسمع والبرصا‬ ‫كذ ك الرس يعطـــــــــيه ويلبسه‬
‫عىل دوام وجود هللا فاعتــــــــــربا‬ ‫فالتزول وان زالت شواهدهـــــا‬
‫فأنوار القلوب مس متدها من آنوار الصفات كام تس متد النجوم الفلكية من‬
‫نور الشمس احلس ية ‪ ،‬كام قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( نور مس تودع يف القلوب ممده النور الوارد من خزائن الغيوب )‬
‫نور من نور وجوده س بحانه ‪ ،‬هيأه ملا عمل آنه يكون منه وهل ‪ ،‬والنور هو‬
‫الوجود ‪ ،‬والظلمة يه العدم ‪ ،‬وهذا نور اس تودعه هللا القلوب وجعهل‬
‫حمل خطابه ‪ ،‬وآرضا لزنول آلوهيته ‪ ،‬ومس تقر رمحته ‪ ،‬وظهور منته ‪،‬‬
‫وهو املعرب عنه ابلقلب حقيقة ‪ .‬والقلب هل معان كثرية ‪ ،‬فعند احملققني هو‬
‫ماذكران من الوجود ‪ ،‬وعند علامء الطريقة هو مايظهر من آاثر السامء‬
‫وتنشأ عنه احلراكت املدراكت احلس ية ‪ ،‬ادلاةل عليه هذه اللحمة الصنوبرية‬
‫الاكئنة يف اجلهة اليرسة من البنية البرشية ‪ ،‬والطباء يف عمل الرتكيب‬
‫يقفون عند هذه ويسموهنا قلبا ‪ ،‬واللك راجع اىل ماذكرانه آنه نور وجودي‬
‫يتلقى ماجتىل من آرسار الغيوب ‪ ،‬ويس متد من مجموع الصفات وهو الروع‬
‫اذلي يتلقى النفاس القدس ية ‪ ،‬ويشهد اللطائف الروحية الساموية ‪،‬‬
‫واحلقائق العرش ية ‪ .‬وهبذا ظهر رشف االنسان عىل سائر الكوان اذ مل‬
‫يتسع احلق سواه ‪ ،‬وذل ك قال س بحانه يف بعض الحاديث القدس ية "‬
‫ماوسعين مسوايت وال آريض ووسعين قلب عبدي املؤمن التق النق "‬
‫‪380‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فالتزال النوار الوصفية عليه مرشقة ‪ ،‬ويف آرجائه مضيئة عىل دوام‬
‫ادلميومية احلقية ‪ .‬ويل يف ذ ك ‪:‬‬
‫نور اليقني برس القلب مودعه متدها من ظهور آوصافه احلمك‬
‫فيحمل المر يقبهل مشاهـــده بفضهل يف معاين آحرف اللكـم‬
‫فالنور منه نور ابطن يف القلب تدرك به آرسار الغيوب ‪ ،‬ونور ظاهر من‬
‫آثر امسه الظاهر ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( نور يكشف ك به عن آاثره ‪ ،‬ونور يكشف ك به عن آوصافه )‬
‫نور يكشف به عن آاثره يف آرضه وسامئه ‪ ،‬ويف آفاق هجات مبتدعاته ‪،‬‬
‫وهو من النوار العامة الفلكية ؛ اكلشمس والقمر والنجوم والفجر والشفق‬
‫‪ ،‬واما حمصورة خمصوصة من مجةل احلراكت الرضية ‪ :‬اكلنار ‪ ،‬والبد لهذه‬
‫النوار من ظاهر يقبلها كنور البرص الظاهر ‪ ،‬ويه آي هذه النوار‬
‫الظاهر فهيا اعتبار ودالئل للواقفني عىل مشاهدة الضوء تدل عىل وجود‬
‫موجدها ‪ ،‬وتدحض جحة املعاند لبارهيا ‪ ،‬كام قال هللا س بحانه يف جحة‬
‫خليهل عىل من ادعى املشاركة يف اللوهية حيث قال { فان هللا يأيت‬
‫كفر} [ الية ‪258‬‬ ‫ابلشمس من املرشق فأت هبا من املغرب فهبت اذلي‬
‫البقرة ] وندب العباد اىل النظر يف بديع حمكته وابهر قدرته يف غري آية من‬
‫كتابه ؛ هذا يف النوار الظاهرة احملسوسة ‪ ،‬ونور ابطن خمصوص به‬
‫ذووالرسارالطاهرة والرواح الزاهرة ‪ ،‬والوجوه النارضة اليت اىل رهبا انظرة‬
‫‪ ،‬وذ ك النور هو نور وجوده ‪ ،‬وبه يكشف عن حقائق شهوده يف دوام‬
‫وجوده ‪ ،‬كام كشف بنور البصرية الظاهر عن النوار الظاهرة ‪ ،‬فاذا مل‬

‫‪381‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫تكن يف العيان الظاهرة آبصار مفا ذا تغين عنه الشموس والمقار ‪ ،‬واذا مل‬
‫يكن يف البصائر الباطنة آنوار مفاذا يدركه االستبصار ‪ ،‬وماذا يغين عنه‬
‫ظهور احلقائق والرسار { ومن مل جيعل هللا هل نورا مفاهل من نور } [ الية‬
‫‪ 40‬النور ] فالنور اجملعول هو اذلي هيأه لقبول نور وجوده ‪ ،‬وآههل لتجيل‬
‫شهوده ‪ ،‬مفا يقبل آرسار جتليه اال حقائق آنوار توليه ‪ .‬ويل يف ذ ك ‪:‬‬
‫نور الظواهر يكشف مايؤثـــــــره يف الكون من سائر الجسام والصور‬
‫ونور ابطن يكشف غيب قدرتــه ويشهد آوصافه يف ابطن القـــــــــدر‬
‫فالنوار الغيبية والرسار القلبية آاثر امسه الباطن ‪ ،‬كام آن الاثر اخللقية‬
‫آثر امسه الظاهر فهام يف الغريية سواء ملن يتقيد بظواهر الاثر ‪ ،‬وآوقف‬
‫عند مرشقات النوار ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه حاكيا عن‬
‫الوقوف مع مايظهر هل من النوار ‪:‬‬
‫( رمبا وقفت القلوب مع النوار ‪ ،‬كام جحبت النفوس بكثائف الغيار )‬
‫رمبا للتقليل ؛ فقليل من يقف مع غري هللا بعد مايكشف هل عن رصحي‬
‫العمل ووفور املعرفة ‪ ،‬والقلوب وقوفها عند مايظهر لها من الايت ‪ ،‬ويلوح‬
‫من الكرامات جحاب ‪ ،‬لكنه جحاب نوراين لطيف ‪ ،‬ووقوف النفوس مع‬
‫مقتىض الطبع والهوى واالنغامر يف ظلامت الشهوات ‪ ،‬واالنقياد للعادات‬
‫جحاب كثيف ‪ ،‬والنفس من حيث طبعها احليواين الريض ظلمة ‪ ،‬فاكن‬
‫جحاهبا مما يشالكها من الشهوات احليوانية ‪ ،‬والعادات البرشية ‪ ،‬والقلب‬
‫من حيث وضعه نوراين فاكن جحابه الوقوف مع الغيار وان اكنت من‬
‫قبيل املالطفات والنوار ‪ ،‬والوقوف مع غري هللا اكئنا مااكن جحاب عنه ‪،‬‬
‫ومطلب الصادقني الفناء عام سواه ومن آنفسهم وشهودمه وآحواهلم‬
‫‪382‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ومعارفهم وعلوهمم ومقاماهتم وكراماهتم ‪ ،‬فاليقف هبم عن مرادمه مراد ‪،‬‬


‫واليوثقهم دون حمبوهبم واثق ‪ .‬فاملريد سهم خرج عن قوس اليقف دون‬
‫غرضه ‪ ،‬ولكام عارضه من املشغالت قطعه ‪ ،‬ولكام بق عليه من احلظوظ‬
‫وضعه ‪ ،‬واليلتفت عن مقصده واليقر دون حمتده ‪ ،‬واخللق يف آصل‬
‫ارادهتم خمتلفني حبسب اختالفهم فامي س بق هلم من القسام ‪ ،‬مفهنم من‬
‫اليقسم هل اال يف العمل مبقتىض مقام االسالم ‪ ،‬ومهنم من يكون مس تقرا‬
‫سريه اىل حاةل االميان ‪ ،‬ومهنم من يكون هل شهود حرضة االحسان ‪،‬‬
‫والتحيل حبيل مالبس الشهود والعرفان ‪ ،‬ومبتدآ سلوك لك من رس مقامه‬
‫جيذبه اليه ويوحيه فيه ‪ ،‬فاليتعدى به عنه ‪ ،‬ولك مقام آعىل فقد آخر‬
‫مادونه وزاد مبا اختص به من الزلفى ‪ ،‬وكثري ممن يقف م يتدارك بعناية ‪،‬‬
‫آما بأن يكشف هل يف رسه مايزيل التباسه وحيققه حبجبيته فيوخذ يف‬
‫الطلب اىل املقصد ‪ .‬ومهنم من مل يكشف هل عن ذ ك من نفسه ولكن‬
‫يقيض هللا من يأخذ بيده من ورطته ويعرفه آن م مطلب آرفع مما هو‬
‫مقمي عليه ويدنيه هللا بواسطته اليه ‪ ،‬ويرزقه القبول ذل ك ‪ ،‬ويقيض عىل‬
‫يديه من ظهور رس العناية مايس تدل به عىل علو مقامه ‪ .‬ومهنم من يقف‬
‫واليأخذ ممن آاته والهيتدي اىل املقصد املطلوب بنفسه ‪ ،‬فيبقى يرتدد يف‬
‫مفازته ‪ ،‬ومل يظفر مبقتىض ارادته ‪ .‬ويل يف ذ ك ‪:‬‬
‫ماالح هل من هبا النـــــــوار والعرب‬ ‫فرمبا يقف القلب السدوح عىل‬
‫من حظها الريض املوصوف ابلغري‬ ‫كام تقف م نفس عند مطلـــهبا‬

‫‪383‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فاذا حتققت آن آنوار القلوب والرسائر آهبيى وآعال من آنوار الظواهر‬


‫وآجل وآس ىن ‪ ،‬فلام ظهر الدىن واختفا العال كام قال املؤلف منهبا عىل‬
‫حمكه ‪ :‬سرتهابكثائف الظواهر ‪ ،‬فقال ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( سرت آنوار الرسائر بكثائف الظواهر اجالال آن تبتذل بوجود االظهار ‪،‬‬
‫وينادى علهيا بلسان االش هتار )‬
‫سرت آي غطا وجحب آنوار الرسائر اليت س بق ذكرها اليت مطالعها القلوب‬
‫‪ ،‬كنور السامء والصفات ‪ ،‬وجتيل كامل اذلات عىل قلوب النبياء‬
‫والصديقني املقربني ‪ ،‬والسادات الولياء العارفني ‪ ،‬آهل حق اليقني وعينه‬
‫وعلمه ‪ ،‬اذلي لوكشف نورآدانمه لغطا نور الشمس اذلي هو آعظم النوار‬
‫الظاهرة ‪ ،‬وقد غطا هذه الرسار ومرشقات النوار بكشف البرشية حتت‬
‫آصداف الغري ‪ ،‬وجحهبا عن النظر مبباين الصور ‪ ،‬وذ ك حمكة منه وغربة‬
‫جلناهبا وصوان حلس هنا وجاملها آن يناهل غري آههل ‪ ،‬ونقااب عىل عرائسها‬
‫العزيزة ‪ ،‬ومناصهبا احلريزة آن يبتذل لها الجناب ‪ ،‬وينهتكها السقاب ‪،‬‬
‫فاليكشف نقاهبا ويرىق جناهبا اال من اكن من خطاهبا ‪ ،‬واليداين صربها‬
‫اال من اكن من آحباهبا ‪ ،‬ومرتضعني ابمراء صعاهبا ‪ ،‬فيغار عىل اظهار لك‬
‫نفيس ‪ ،‬ويصري عىل اشهار لك آريس ‪ ،‬فاشهار ذ ك واظهاره لغري آههل‬
‫نقص من قدره ‪ ،‬ولك نفيس البد هل من صوان ‪ ،‬فس بحان العلمي احلكمي ‪.‬‬
‫ويل يف ذ ك ‪:‬‬
‫سرتت آنوار آرسار الوجــــــود كام يكون لك عــــــزيز القدر حمجوب‬
‫وذاك حمكة عالم الغيــــــــوب مفا يف حمكة هللا اكلش ياء معــــــتوب‬

‫‪384‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وآنوار الرسائر جمالها وكهف اكتنافها قلوب الولياء املقربني ‪ ،‬والبدال‬


‫احملبوبني ‪ ،‬آهل عني اليقني وآهل الشهود والمتكني ‪ ،‬ذل ك نعهتم بنعته‬
‫ووصفهم بوصفه ‪ ،‬ملا توالت علهيم النوار ‪ ،‬ومغرهتم الرسار ‪ ،‬فاكنوا عن‬
‫نعوهتم وآوصافهم اخللقية فانيني ‪ ،‬وبأوصافه ونعوته احلقية ابقني ‪ ،‬وبصفاء‬
‫جامل حرضته متصفني ‪ ،‬ذل ك آصفامه ‪ .‬قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( س بحان من مل جيعل ادلليل عىل آوليائه اال من حيث ادلليل عليه ‪ ،‬ومل‬
‫يوصل الهيم اال من آراد آن يوصهل اليه )‬
‫س بحان من مل جيعل ادلليل علهيم ‪ ،‬آي الولياء والسادات البدالء ‪،‬‬
‫والعارفني الصفياء ‪ ،‬واملقربني الخفياء ؛ تزنه وترفع آن يوصل اليه بغريه ‪،‬‬
‫ويس تدل عليه بسواه ‪ ،‬فمل جيعل لحد اىل معرفته سبيال اال مباتفضل به‬
‫وتطول من افاضة منته ‪ ،‬وآس بغ من معمي رمحته ماد ل به من س بقت هل‬
‫منه عناية ‪ ،‬ومغرته منه والية ‪ ،‬فأفاض عليه من آنوار آلطافه وآرسار‬
‫آوصافه ما آشعر بوجوده ‪ ،‬وحقق للعارفني شهوده ‪ ،‬وآمد قلوب آوليائه‬
‫بأنواره وجنوده ‪ .‬فالحت هلم كواكب العلوم ‪ ،‬وآرشقت علهيم حبور الفهوم ‪،‬‬
‫وطلعت دلهيم مشوس املعارف ‪ ،‬وجتلت هلم احلقائق ‪ ،‬وتزنلت علهيم من‬
‫مسوات الرسار املواهب واللطائف ‪ ،‬فاكنوا هبا متصفني ‪ ،‬وجباملها ممتتعني‬
‫‪ ،‬فذهلوا عن وجودمه عند جتيل شهودمه ‪ ،‬فذل ك اصطفامه ‪ ،‬وحببه‬
‫وسابق لطفه توالمه وآدانمه ‪ ،‬فاكن هلم من غريته علهيم سرتا ‪ ،‬ويف ملكوته‬
‫بني املالء ذكرا ‪ ،‬فزنههم بتزنهيه عن آن يوصل الهيم بسبب دونه ‪ ،‬ما‬
‫آوصل اليه من سابق عنايته وتلطفه وواليته ‪ ،‬ومل يوصل الهيم آي اىل‬
‫التحقيق مبقاماهتم والكروع يف حياض معارفهم ‪ ،‬وادلخول يف غامر طوائفهم‬
‫‪385‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اال من آراد آن يوصهل اليه ‪ ،‬آي ابلتحقيق ملعرفته ‪ ،‬والمتتع بشهوده وحمبته‬
‫‪ ،‬ويدخهل يف آهل وده ‪ ،‬واجلذب اىل الرتيق اىل فس يح حرضته ‪ ،‬مع‬
‫خاصته الصاحلني خلدمته ‪ ،‬والعاكفني بقلوهبم عىل االقبال ابلغدو والصال‬
‫‪ ،‬اخملصوصني ابلتويل واالجالل يف مجيع الحوال ‪ ،‬آهل اهلمم العوال ‪،‬‬
‫والدابء يف مجيع الحوال والقوال والفعال ‪ .‬مفعرفهتم مبعرفته ‪ ،‬وحمبهتم‬
‫مبحبته ‪ ،‬ووصلهتم بوصلته ‪ ،‬ولكهنم طبقات ‪ :‬مفهنم من يظهره هللا رمحة‬
‫للعباد ‪ ،‬وغيثا ومربعا للبالد ‪ ،‬ويصلح هبم اخلليقة ‪ ،‬ويوحض هبم احملجة عىل‬
‫من اس تكرب ‪ ،‬وتوىل عن هللا وآدبر ‪ ،‬فميشون بني الناس ابلنصيحة‬
‫اخلالصة ‪ ،‬ويدعوهنم ابللكمة اجلامعة ‪ ،‬ويؤلفون العباد عىل هللا وحيببوهنم‬
‫اليه ‪ ،‬وحيببونه الهيم كام ورد بذ ك اخلرب ‪ ،‬فهم البقية اذلين يهنون عن‬
‫الفساد يف الرض ‪ .‬ومهنم ‪ :‬من آظهره هللا للخاصة دون العامة ‪ ،‬فبه‬
‫تنتعش آرسرامه ‪ ،‬واليه تدنوا وحوهل تطوف وحتنوا ‪ ،‬وتس متد من رواحئه‬
‫نسامئ الوصال ‪ ،‬وتدنوا من دوحته مثار احلمكة ‪ ،‬وتقتبس من جذوته‬
‫النوار ؛ التعرفه الغامر واليظفر به الغيار ‪ ،‬ومل تستبعده العوائد ‪ .‬يبدوا‬
‫ملن آذن احلق هل ابلتقريب ‪ ،‬وهو من الغيار غريب ‪ ،‬وللطالبني قريب ‪،‬‬
‫قد جعل احلق عليه قبااب ‪ ،‬ونصب يف امللكوت حمرااب ‪ ،‬وجعل جنود‬
‫النوار هل احرااب ‪ ،‬والقلوب مأاب ‪ ،‬يسوق هللا اليه من آراد من عباده ‪،‬‬
‫ويكتنفه برس غريته بني آكناف بالده ‪ ،‬ومه اذلين برؤيهتم يذكر ‪ ،‬وغريه‬
‫حبضورمه ينكر ‪ ،‬يفرون مهنم مطموسني البصائر ‪ ،‬كام يفر اخلفاش من‬
‫ارشاق الشموس البواهر ‪ ،‬للك آحد عند رؤيهتم مثال يظهر فهيم حقيقته‬
‫‪ ،‬وتس تبني به طريقته ‪.‬‬
‫‪386‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ولو آخذان يف وصفهم ‪ ،‬وبسطنا الالكم يف فس يح نعهتم ‪ ،‬ملا وجدان اىل‬


‫االنهتاء سبيال ‪ ،‬لنه س بحانه آلبسهم من خلع آوصافه ‪ ،‬وآفاض علهيم من‬
‫آنوار ذاته ‪ .‬مفن اذلي يقدر عىل آن ينعت ذ ك ‪ ،‬مفا يعرفهم حق املعرفة‬
‫غريه ‪ ،‬كام آنه واهب آرسارمه ‪ ،‬وموحض آنوارمه ‪ ،‬ومتويل آفعاهلم يف اقباهلم‬
‫وادابرمه ‪ ،‬فهم صفاته من خليقته ‪ ،‬واخملصوصني مبنته بني بريته ‪ ،‬آوجدمه‬
‫وآوجد هلم ‪ ،‬فس بحان املتفضل املنان ‪ ،‬واملتعطف ابحلنان ‪.‬‬
‫وقوم آظهرمه هل دون آن يظهر خلاصة وعامة ‪ ،‬فمل يعمل مابيهنم وبينه غريه ‪،‬‬
‫فيغيبون عن املالئكة الكرام ‪ ،‬ومل يعمل هبم آهل لك مقام ‪ ،‬يلقونه مبا‬
‫آودعهم مصوان ‪ ،‬فيتوىل آمرمه ‪ ،‬فمل تظفر هبم الكوان ‪ ،‬ويرامه الزمان ‪،‬‬
‫قدسرتوا يف كهوف المن والمان ‪ ،‬معشعش آرواهحم عرش الرمحن ‪،‬‬
‫غائبني عن الكوان ‪ ،‬همميني يف جامل ذاته ال آخبارهلم بسواه ‪ ،‬واليشهدون‬
‫يف ادلارين اال اايه ‪ ،‬التعدوا علهيم الغيار ‪ ،‬والتطمع مهنم جنة والانر ‪،‬‬
‫يف مقعد صدق عند مليك مقتدر ؛ الرمحن ‪ ،‬ومعرفة الولياء ملن يريد‬
‫سلوك مهنجهم ‪ ،‬واتباع آثرمه من آخص ما منح به املريد ‪ ،‬وذ ك بأن‬
‫تطوى عنه الصفات البرشية ‪ ،‬ويظهر هل صفات اخلصوصية ‪ .‬واذا آراد‬
‫هللا جحابه معن آبعده عن اببه طوى رس اخلصوص يف صفة البرش ‪ ،‬كام‬
‫عنه آخري معن كفر ‪ ،‬وعن احلق اس ترت { ماهذا اال برش مثلمك يألك مما‬
‫تألكون ويرشب مما ترشبون } [ الية ‪ 33‬املؤمنون ] مفعرفة رس اخلصوصية يف‬
‫االنسان غامض عن العيان ‪ ،‬مل يدركه النوار اميان ورشوق عرفان ‪ .‬وآما‬
‫معرفة هللا فيعرفها الثقالن ملا هو عليه من وضوح الظهور اذلي الينكر ‪،‬‬

‫‪387‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫والتحقيق اذلي اليسرت ‪ ،‬اذلي عقل من لربوبيته آنكر ‪ ،‬وللوهيته حجد‬


‫واس تكرب { فان هللا يأيت ابلشمس من املرشق فأت هبا من املغرب فهبت‬
‫اذلي كفر وهللا الهيدي القوم الظاملني } [ الية ‪ 258‬اليقرة ] ملا من رسه‬
‫اس تأثر ‪ ،‬وطوى من نور خصوصيته حتت جسف البرش ‪ ،‬اذلي جحه به‬
‫صاحب احلجة ‪ ،‬فلو هدي اىل رس ذ ك لهبرته الشمس االبراهميية ‪،‬‬
‫احملجوبة يف الصورة اخللقية ‪ ،‬اذ لو ظهرت لعنت لها هذه الشمس الظاهرة‬
‫‪ ،‬وخلفيت عندها البدور الباهرة ‪ .‬فانظر اىل عظمي قهره وعزيز آمره ‪،‬‬
‫كيف جحب هذه وهبت من هذه ‪ ،‬مفا آعظم غباوة املنكرين لشموس‬
‫االنسانية ‪ ،‬واخلصوصيات اخلفائية ‪ ،‬والتزنالت الرحامنية ‪ ،‬اليت تس متد مهنا‬
‫سائرالعوامل ‪ ،‬وحتيا بوجودها سائر املعامل ‪ ،‬آرواهحم معد السموات العلوية‬
‫‪ ،‬وآش باهحم روايس الش باح الرضية ‪ ،‬وآنفاسهم جماري القدار ‪ ،‬ومتتد‬
‫عهنا ساعات الليل والهنار ‪ ،‬وهبا تدور ادلوائر الفلكية ‪ ،‬وجتري الرزاق‬
‫املائية اىل الرواح الهوائية والرتابية واملعدنية والنبات واحليوان ‪ ،‬وتثبت‬
‫بوجودمه الداين ‪ ،‬وتقوم ظواهر البدان ‪ ،‬مظهر رس رحامنيته ‪ ،‬ومشهد‬
‫رس آنيسه ‪ ،‬ولكنه س بحانه حلمكته ورمحته خبليقته سرتمه ‪ ،‬اذ لو ظهرمه‬
‫وبرسه آشهرمه ملا اكن لحد آن يأيت عىل خالف ما آشاروا اليه ‪ ،‬وان آىب‬
‫ذ ك فقد ابء بغضب من هللا ‪ ،‬وملا اكن لحد علهيم نعمة يتقرب هبا الهيم‬
‫‪ ،‬ولهكل لك من احتقر ‪ ،‬ويف اجالمه قرص يف حال وقته ‪ ،‬ومل يؤجر من‬
‫اصطنع الهيم معروفا ‪ ،‬لهنم مظهر آلوهيته ‪ ،‬وبواطهنم جتيل هويته ‪ .‬فأين‬
‫من متده ممن آنت ختاطب ؛ وبني من حتاور واىل من آنت انظر ‪ ،‬ولكن‬

‫‪388‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫سرت رس اخلصوص عن البصار والعيان ‪ ،‬ومل يظهر منه االقدر حيصل به‬
‫االميان ‪ ،‬ملن اختصه من عباده ‪.‬‬
‫واىل ماذكران آشار الش يخ آبو العباس املريس ريض هللا عنه حيث قال ‪:‬‬
‫لو ظهر رس الويل ل ُعبد ‪ .‬فهم العرائس اخملدرون يف جحال النس وخمادع‬
‫احلرضة ‪ ،‬ينظر هللا برسعنايته ويوالهيم آنوار نظراته ‪ ،‬وينادون يف‬
‫القطار ابلتحيات علهيم من هللا آفضل السالم والرباكت ‪ ،‬حتف هبم املنن‬
‫واللطاف يف الرس والعلن ‪ ،‬وتشمل من حرض املواهب السنية ‪،‬‬
‫والفتوحات الهنية ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫قوم اىل املالء العـــــىل تشوفهم تظهر هلم يف رايض القـرب آيــــات‬
‫اذا دىج الليل تلقا حني تسمعهم اىل مليك هلم يف اذلكر رنـــــــــــات‬
‫ويف القلوب لواجع شوق سـيدمه والوجد يبدي وجيري فيض عربات‬
‫تسمع زفري اذا آرخوا آعنــــــــهتم من النحيب ويف آحــــــــيان آانت‬
‫فلهذا الرس العجيب والنازح القريب والهيل الغريب س بح املؤلف يف‬
‫ذ ك متعجبا وهل متطلبا ‪ ،‬مع آنه ماغاب فيطلب ‪ ،‬والظهر فيغرب ‪ ،‬بل‬
‫هو املوجود وماسواه مفقود ‪.‬‬
‫واعمل آن االطالع عىل آرضب من حيث الكشف ‪ ،‬مفنه ماهو عىل‬
‫الايت واملعاين ‪ ،‬ومنه ماهو عىل الغيوب امخلسة ‪ :‬الغيب العريش ‪،‬‬
‫والغيب الكريس ‪ ،‬والغيب امللكويت ‪ ،‬والغيب اجلربويت ‪ ،‬والغيب‬
‫الساموي ‪ .‬ولك غيب من هذه الغيوب يظهر شاهده يف ادلار الخرة‬
‫صور متشالكة ‪ ،‬ويف عامل ادلنيا تظهر صور ممزوجة مبا اليعط كشفها عىل‬
‫الامتم ‪ ،‬فذل ك مظاهر يف االنسان ‪ ،‬والغيب االنساين اذا انكشف آدركت‬
‫‪389‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فيه سائر العوامل ‪ ،‬وقد يكشف عن العوامل هذه ومل يُ َدرك كنه عامل االنسان‬
‫‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( رمبا آطلعك عىل آرسار ملكوته ‪ ،‬وجحب عنك االسترشاف عىل آرسار‬
‫العباد )‬
‫رمبا فتح ك وآطلعك وكشف غطاك ‪ ،‬ويف رايض امللكوت بواك ‪،‬‬
‫وبأرسار تدليه وتوليه آسعفك ووالك ‪ ،‬وجحب عنك االسترشاف عىل‬
‫آرسار العباد من سوابق القدار ‪ ،‬ولواحق االقتدار ‪ ،‬فيذاع ماسرت وبغيبه‬
‫وعلمه اس تأثر ‪ .‬وآرسار العباد حممتل آن يكون ماسرت فهيم من سابقة‬
‫القضاء املقدور والعمل املأثور ‪ ،‬وان مهنم تق وكفور ‪ ،‬وبر وجفور ‪ ،‬وشاكر‬
‫وكفور ‪ ،‬ومقرب حمبور ‪ ،‬ومبعد مثبور ‪ .‬وقد آودع هللا يف غيب رسائرمه‬
‫ومكنون ضامئرمه ذ ك ‪ ،‬فباالسترشاف علهيا ينهتك هذا احلجاب ‪،‬‬
‫وينحل نظام الرشائع ‪ ،‬ويظهر مس تورات الودائع ‪ ،‬فينظر ابلعمل املوضوع‬
‫والمر املرشوع واخلرب املسموع ‪ ،‬كام س يرصح بذ ك ‪ .‬وآما آن يكون‬
‫املراد بأرسار العباد من تقدم ذكرمه لعزة ظهوره ؛ فذ ك آيضا جائز آن‬
‫يراد ‪،‬كيف ولو آطلعك عىل آرسارمه وحققك بشهود آنوارمه م غطا آمرمه‬
‫‪ ،‬وكيف لوحتقق رسمه واس هتأن شاهنم لاكن ظهورمه عىل من مل يتأهل‬
‫ملقاهمم جحة ‪ ،‬ولكن من رمحته جعل ليل برشيهتم سرت لهنار ظهور هنار‬
‫وجودمه ‪ ،‬وغطاء كثيف عىل مشس شهودمه ‪ ،‬وآرسار امللكوت مايف‬
‫غيب السموات ‪ ،‬وماحوته آلفاظ العبارات ‪ ،‬وآومت اليه االشارات ‪،‬‬
‫وتصور يف مرااي اخلياالت من العجائب وصور املعاين ولطائف الرواح ‪،‬‬
‫فهذا لكه وغري ذ ك مما اليدخل حتت العبارة ملكوت ‪ ،‬والرسار يه‬
‫‪390‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫لطائف معاين تتشلك عىل حسب الطوار من لطيف وآلطف ‪ .‬مفن‬


‫الطوار النفس والقلب والروح والرس ‪ ،‬ويه حتيك رس العرش ورس‬
‫الكريس ورس السموات والرض ‪ ،‬وآرسار العباد تتشلك حبسب‬
‫ماسامتته من العوامل الغيبية ‪ ،‬والعوامل الغيبية تتلقى عن السامء احلقية ‪،‬‬
‫والبد للك امس من مشهد يف الرسار ‪ ،‬وآثر يف الاثر ‪ ،‬فبحسب تغايرها‬
‫تتغاير آرسار العباد ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فرمبا آطلع هللا املــــــــريد عىل آرسار ملكوته احملجوب ابلثـــر‬
‫وسرت هللا آسـرار العبــــاد ليك يذاع ماصانه من سابق الـقــــدر‬
‫فلو بدا من علوم الغيب اكمنة ماابن يف الكون للغيار من آثر‬
‫فاذا متكن العارف من معرفة هللا ‪ ،‬وحتقق بصفات هللا ‪ ،‬وآن الش ياء‬
‫املقتضيات مراد هللا ؛ مل جيري شئ يف الكوان عىل خالف ارادته ‪ ،‬عمل‬
‫آن هل حمكه فامي قضا وعمل فامي آمىض ‪ ،‬فاليكون معها اال كام هللا آراد لها ‪.‬‬
‫ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( من اطلع عىل آرسار العباد ومل يتخلق ابلرمحة االلهية ‪ ،‬اكن اطالعه فتـنة‬
‫عليه ‪ ،‬وسببا جلر الوابل اليه )‬
‫من اطلع وكوشف بأرسار العباد ومامه عليه من احلمك املراد فهيم مما حمت‬
‫فعهل علهيم من لك فعل يالم عليه العباد ‪ ،‬ويس تحق به العقاب ‪ ،‬والعتب‬
‫والعذاب من معايص هللا اليت جرت عىل آيدهيم آس باهبا ‪ ،‬وظهرت مهنم‬
‫اختيار ‪ ،‬فرمبا يذهل عن سابق العمل فهيم ‪ ،‬وحمك املشيئة علهيم ‪ ،‬ويكون‬
‫واقفا عندمامهنم ‪ ،‬فيداخهل عتب علهيم ‪ .‬وكيف وقد آمر رسول هللا صىل‬
‫هللا عليه وسمل ابلتخلق بأخالق هللا من الرمحة والعطف والرآفة واحلنان ‪،‬‬
‫‪391‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫بقدر ما عند االنسان ‪ ،‬مفن حقه آن يرمح املذنبني ‪ ،‬ويعفو عن اخلاطئني‬


‫‪ ،‬ويكرم اخللق عىل قدر مامه عندهللا ‪ ،‬فان هللا س بحانه وهل امحلد مل‬
‫يقطع مدده عن العصاة املذنبني ‪ ،‬ومل يعاجل الفجار وعتاة الكفار حلام منه‬
‫وصفحا ‪ ،‬بل يكون رحامي ابملؤمنني راحام للمذنبني ‪ ،‬يسعى فامي يقرهبم من‬
‫رهبم ‪ ،‬وينفرمه عام يباعدمه عنه مع ماابطنه عاقد عليه آن المر ليس الهيم‬
‫‪.‬‬
‫ومن ذ ك شوهد من آخالق رسول هللا صىل هللا عليه وسمل آنه قد عمل‬
‫بتعلمي هللا هل مااكن وماهو اكئن ‪ ،‬واكن ياكحف ويناحف يف هللا ‪ ،‬آقامه دلين‬
‫هللا ‪ ،‬واحياء لس نة هللا ‪ ،‬ومل مينعه ماعلمه من سوابقهم ‪ .‬والتظنن آن من‬
‫ريض ابملعايص والفساد يف الرض انه موفق فيه مراد هللا ‪ ،‬الك ؛ ان هللا‬
‫اليرىض لعباده الكفر{ وهللا الحيب الفساد } [ الية ‪ 205‬البقرة ] وهنا‬
‫حصل غلط القدرية قبح هللا رآهيم ‪ ،‬جفعلوا المر هو املراد ‪ ،‬ومل تكشف‬
‫بصائرمه عن آن املراد قد يكون من آاثره العصيان كام تكون احملبة ـ فال‬
‫يكون عاصيا غري مريد هل ‪ ،‬واليكون راضيا غري مريد ‪ ،‬فاالرادة لكام‬
‫تعلقت به مسيت به ‪ ،‬وهلل يف املراد حمك خيتص به دون خلقه ‪ ،‬وهلم آثر‬
‫من ذ ك يكونون ببواطهنم مشاهدين لوصفه وكامل نعته ‪ ،‬وبظواهرمه‬
‫ممتتثلني لمره ‪ ،‬ومن مل يكن كذ ك آي متخلق ابلخالق االلهية ‪،‬‬
‫فاطالعه فتنة عليه ‪ ،‬لنه اذا شهد ما من اخللق وغفل عام من هللا كام مر‬
‫اكن مدعيا ماليس هل من الكامل والعزة والكربايء ‪ ،‬فريى هل علهيم فضال‬
‫من غري نظر اىل منة هللا وعنايته يه اليت خصصته ‪ ،‬كام آن مشيئة هللا‬
‫يف ذ ك العايص يه اليت حمكت عليه مبا س بق وحق من لكمته ‪ ،‬حفقه آن‬
‫‪392‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫خياف آن حيمك عليه كام حمك عليه ‪ ،‬وان يقع فامي جرى القدرية عليه حفقه‬
‫الرمحة واللجاء واالس تغاثة يف آن حيفظه من الوقوع يف ذ ك ‪ ،‬ويرتك‬
‫ادلخول فامي بني العباد وس يدمه ‪ ،‬حفساهبم عليه ‪ ،‬وجزاؤمه عليه ‪ ،‬فهل فهيم‬
‫ودائع ‪ ،‬ودلهيم صنائع ‪ ،‬اليعمل العباد ما مه عليه لتخلقه ابلرمحة والرآفة‬
‫واحلنان ‪ ،‬والعطف واالمتنان ‪ .‬ولو علموا ذ ك ملا عصوه ولاكنوا لمره‬
‫طائعني ‪ ،‬وجلنابه مؤثرين ‪ .‬ولكن جحبوا عن ذ ك بكثيف جحاب اجلهل ‪،‬‬
‫فهو يطلهبم وان آدبروا ‪ ،‬ويرمحهم وان جفوا ‪ ،‬ويتكرم علهيم وان خبلوا ‪.‬‬
‫وآي فتنة آعظم عىل االنسان من رؤية نفسه عىل خلق هللا ‪ ،‬وآي بلية‬
‫ووابل آشد من ادلعوى يف فعل من الفعال دون الكبري املتعال ‪ ،‬فاذا مل‬
‫يمتكن املريد يف العرفان ‪ ،‬وكوشف بأرسار العباد ؛ فرمبا يكون كشفه سبب‬
‫البعد واالفتتنان ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫رس العباد مصون مل يشاهده اال حفيظ عىل الرسار يكمتها‬
‫ففتنة ووابل اخلزي آقـــــــرهبا‬ ‫ومن رآها ومل يرمح مالمسها‬
‫وملا اكنت النفس يه احلجاب العظم فامي بني العبد وبني هللا ‪ ،‬وماذاك اال‬
‫مبا ابتليت به من احلظوظ الظاهرة والباطنة ‪ ،‬فلها يف لك شئ حظ ‪،‬‬
‫ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( حظ النفس يف املعصية ظاهر ‪ ،‬وحظها يف الطاعة ابطن خف ‪ ،‬ومداواة‬
‫ماخيفى صعب عالجه )‬
‫احلظ من حيث هو لك ما اطمأنت اليه النفس وسكنت اليه ‪ ،‬ولك حظ‬
‫مانع عن الوفاء حبق فاحلقوق مطالبة هبا النفس هلل ‪ ،‬ويه من شأهنا النفرة‬
‫عنه واالستناكف منه ‪ ،‬وان اكن يف ظاهر احلس حمبواب ‪ ،‬والسع فيه‬
‫‪393‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫يسريا ‪ ،‬واحلظ يس تخف وان اكن مؤملا ثقيال ‪ .‬وحظوظ النفس يف‬
‫املعايص ظاهرة يعرفها لك آحد ‪ ،‬بل قد تعرف النفس قبحه يف حال‬
‫السع فيه ‪ ،‬مفداوته يسرية يعرفه لك آحد ‪ ،‬فأي عالج واهجه ريج‬
‫شفاؤه به من سقم املعصية ‪ .‬وحظها يف الطاعة ابطن خف اليعرفه اال‬
‫السامرسة احلذاق من آهل الذواق ‪ ،‬اذلين آحرقت كثائف ظلامت قلوهبم‬
‫نريان الشواق ‪ .‬فعندما يصفو القلب من لوث الهوى ويتحىل حبلية الوفاء‬
‫‪ ،‬وتعلق ابملوىل ظهر هل ما اس تكن فهيا من تالبيس الهوى ‪ ،‬فاليزالون‬
‫الصادقون يتفقدون آحواهلم يف تلبسهم بأعامهلم ‪ ،‬فلكام رآوا النفس سكنت‬
‫اىل معل نقلوها اىل غريه ‪ ،‬فان اس توت عندها الطاعات واكنت هلل مل‬
‫تس تخف آمرا عىل غريه اال لزايدة تظهر لها ؛ آما ابشارة خصه هللا وآما‬
‫بنص بيان ودليل وبرهان ‪ .‬ومن ماكئد النفس وخدعها املسارعة اىل‬
‫النوافل قبل آداء ما وجب من الفرائض ‪ ،‬وطلب آمر كثري وترك آمر‬
‫قليل ‪ ،‬وذ ك حلظ يظهر فيه حبسب ظهورها ‪ ،‬وهذا لنه اليظهر لها فيه‬
‫بدوهنا فتس تخف الكثري الشديد ملا فيه من حظها اخلف ‪ ،‬وتستثقل ذ ك‬
‫القليل خللوه عن احلظ ‪ ،‬ومن تفقد آحوالها وصدق يف البحث عن قبيح‬
‫آفعالها وجد آعظم طاعة مشوبة حبظ ‪ ،‬ومدخوةل هبوى اال ماتفضل املوىل‬
‫وتطول به من عفوه الواسع العظمي ‪ ،‬وفضهل الفائض الكرمي ‪.‬‬
‫ولكام اكن ادلاء آخفى وآعضل اكن العالج آصعب وآشلك ‪ ،‬ولكن‬
‫للصادقني علهيا شواهد ‪ ،‬ويف سائر العامل مقاصد التزال معايري احلقيقة‬
‫علهيا منصوبة ‪ ،‬ونواظرمه الهيا مصبوبة ‪ ،‬فالمتيل عن صوب احلقيقة اال‬
‫ظهر هلم اعوجاهجا وان اكنت عام تدعيه طاعة فريدوهنا حبسن س ياسة اىل‬
‫‪394‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫الطريق املثىل ‪ ،‬ويقوموهنا عىل احملجة السمحاء ‪ ،‬فبذ ك تزكت آحواهلم‬


‫وصلحت آعامهلم ‪ ،‬واس تقام هلم الهنج القومي ‪ ،‬ومشوا عىل طريق‬
‫االس تقامة رساعا ‪ ،‬ونصب هلم يف سفينة النجاة رشاعا ‪.‬‬
‫وآما من اكن مبتىل ابحلظوظ النفسانية ‪ ،‬ومقيد ابلشهوات احليوانية‬
‫فالتس تقمي هلم الحوال ‪ ،‬بل ينفخ يف عري رصم ‪ ،‬ويس متد لك ورم ‪ ،‬ويل‬
‫يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫حظوظ نفسك يف العصيان ظاهرة مشهورة المرا فهيا والجــــــدل‬
‫عىل اجلهول مبا يف ذاك من علل‬ ‫وخيتف عند ما متدح مبكـــــــــــرمة‬
‫وآمغض من ذ ك آن جتهتد يف دوائك من عضال دائك ‪ ،‬فتجهل ادلوى‬
‫فيصعب ابالمس دون جتربته ‪ ،‬فيكون لقصور فهمك والكل علمك‬
‫ماظننت انه دوى داء ماهل دوى ‪ ،‬بأن تس تأنف ما آنت فيه وتبتديه ‪،‬‬
‫فتأيت اىل طبيب لبيب آديب يعرفك مقاصد ادلوى ‪ ،‬ومحية ادلاء هذا‬
‫صعب مما قبهل ‪ .‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( رمبا دخل الرايء عليك ‪ ،‬من حيث الينظر اخللق اليك )‬
‫رمبا لقةل هذا النوع وخفائه وقةل من يتفطن هل ويتيقظ ‪ ،‬ودخول الرايء يف‬
‫العامل دقيق ‪ ،‬والرايء حمبط للعمل ‪ ،‬وصاد عن بلوغ المل ‪ ،‬وهو‬
‫آعضل داء يبتيل به املريدين ‪ ،‬وميزج العمل عىل العاملني ‪ ،‬وهو بقدر‬
‫مايدخل عىل االنسان منه يدخهل يف النفاق ‪ ،‬ورصفه رصف النفاق ‪،‬‬
‫اذلي هو آشد طرق الكفر والشقاق ‪ ،‬ومرجه س امي العصاة والفساق ‪.‬‬
‫والرايء هو آن يعمل العمل اذلي يراد به وجه هللا لغري هللا ‪ ،‬فظاهره آنه‬
‫مبتغى به وجه هللا وابطنه يريد غريه ‪ ،‬وهوجيري يف سائر آعامل الرب ؛ بأن‬
‫‪395‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫يظهر اخلشوع وهو غري خاشع ‪ ،‬والتكرم وغريه من سائر آعامل الرب ‪،‬‬
‫فالخفا آن ذ ك من آقبح الحوال آن يرآيئ الناس بأعامل يه هلل ‪ ،‬والرايء‬
‫مأخوذ من الرآيئ هو اذلي يعمل مبرآء من اخللق لتكون هل املزنةل يف‬
‫قلوهبم ‪ ،‬فال جرم يصدق عليه قوهل تعاىل { يرآءون الناس واليذكرون‬
‫هللا اال قليال } [ الية ‪ 142‬النساء ] وقوهل { خيادعون هللا } بصورة‬
‫العمل { واذلين آمنوا } ابظهار مامه خبالفه { وماخيدعون اال آنفسهم‬
‫ومايشعرون } [ الية ‪ 9‬البقرة ] ويضاده االخالص يف العمل ‪ ،‬آي اخالص‬
‫العمل هلل ‪ ،‬فاالخالص مؤذن بقبوهل وموصل اىل لقائه ‪ ،‬والرايء احملض‬
‫حمبط وانزل بصاحبه اىل دراكت البعد ‪ .‬واذا توارد المران فالغلب يكون‬
‫آقرب ابلعامل اليه وآبعد عن صاحبه ‪ ،‬ولكن حيط يف الرتيق اىل ادلرجات‬
‫حبسب ماالبسه ‪ ،‬ويرتفع عن ادلراكت حبسب ماخالطه ‪ ،‬واذا اس توى‬
‫المران تساقطا ‪ ،‬لن هللا اليظمل مثقال ذرة ‪ ،‬وللك طبقة رايء يف مايه‬
‫فيه عند من يعتد به ‪ ،‬ولكن آكرثه دخوال عىل القراء اذلين يكرمون عند‬
‫الناس ويتربك هبم ويسعى خلدمهتم ‪.‬‬
‫وعالمات الرايء اجليل ظاهر الحيتاج اىل كرثة بيان ‪ ،‬وآما الرايء اخلف فهل‬
‫عالمات عند آرابب البصائر املنرية ‪ ،‬مفن مجلهتا ‪ :‬حبه بأن يعرفه الناس‬
‫آنه حيب آن اليعرفه الناس ‪ ،‬واستشعاره بتعظميه عند الناس ‪ ،‬وآن هل‬
‫مزنةل عىل غريه من خلق هللا ‪ ،‬وآنه مس توحش من اخللق ‪ ،‬هارب من‬
‫رشمه وماذاك اال لغموض عيوب النفس عليه ‪ .‬فلو تفقد غوائلها لوجد آن‬
‫اخللق مل يسلموا من رشه ‪ ،‬مفن ذ ك وهو آعظمها سوء ظنه بعباد هللا ‪،‬‬
‫‪396‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫واس تحسانه آحواهل ‪ .‬وقد اكن الصادقني يفرحون مبذمة الناس هلم ونفرهتم‬
‫عهنم ‪ ،‬واختذوا ذل ك آش ياء مباحة تسقط مزنلهتم عند العوام ‪ .‬والسالمة‬
‫من دقائق الرايء عرس جدا االمن آيده هللا بنورالتوحيد فريى اخللق‬
‫اكلعدم ‪ ،‬اليرجو مهنم والخياف مهنم رضا ‪ ،‬فعند اايسه مهنم تصفوا آعامهل‬
‫وختلص من الشوائب وان اكن بني آظهرمه ‪ ،‬ومامل يتأيد بنور املعرفة‬
‫ويشاهد رصف التوحيد فالخيلوا وان دقق وآنصف وجده مقامي عىل‬
‫مقتىض موافقة الطبع والهوى ‪ ،‬وانظر اىل حب املدح والثناء والطلب‬
‫والعواض واجلزاء آحسن آحواهل ‪.‬‬
‫وقد علمت آن ذ ك يقدح يف اخالص العبودية هلل س بحانه حىت يكتب‬
‫قمل اليقني سطور االيقان يف دست القلب ‪ ،‬فعند ذ ك حيصل التأثري‬
‫للروح فيخلص عن رؤية الوهام ‪ ،‬ويوايف العامل عىل الامتم ‪ ،‬ويل يف‬
‫ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فرمبا يدخل الرشك اخلف عىل مباين اخللق ابلش باح والصــور‬
‫خمالطا للهوى حظ يقوم بــــــه خيامر القلب يطلب رؤية البرش‬
‫ومن دالئل الرايء اخلف ماس يذكره بعد حيث قال ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( استرشافك آن يعمل اخللق خبصوصيتك ‪ ،‬دليل عىل عدم صدقك يف‬
‫عبوديتك )‬
‫استرشاف القلب واستشعاره اعالم اخللق خبصوصيته ‪ ،‬واخلصوصية لكام‬
‫اختص هلل به عبده من املواهب واملنح ‪ ،‬ومايفتح به عليه من الفهم يف‬
‫العلوم ‪ ،‬ومايفضل به عليه من عطائه واحسانه واجتبائه واصطفائه هل ‪،‬‬
‫وتقريبه يف غامر آهل حرضته ‪ .‬وآصناف االختصاص الحياط هبا لكرثة‬
‫‪397‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وجوهها ‪ ،‬مفىت اختص عبد خبصوصية فأحب آن يطلع علهيا فذ ك دليل‬


‫عىل عدم صدقه يف عبوديته لربه ‪ ،‬ونقص توحيده وعدم مزيده حيث مل‬
‫يكتف بنظر هللا اليه وشهد الغيار ‪ ،‬وآثبت الاثر ‪ ،‬وآثرها هبا دون‬
‫االكتفاء به ‪ ،‬واكن من حقه آن يكتف به دون غريه ‪ ،‬فكيف وهو تعاىل‬
‫يقول { آومل يكف بربك آنه عىل لك شئ شهيد } [ الية ‪ 53‬فصلت ] {‬

‫ومن يتولك عىل هللا فهو حس به } [ الية ‪ 3‬الطالق ] وهو آن يكتف بنظر‬
‫هللا دون خلقه ‪ ،‬ومن مل يكن وافر املعرفة اكمل التوحيد ومل يتفقد معها‬
‫االخالص خيف عليه االخنراط يف سكل املبعدين ‪ ،‬واالنزواء يف حزي‬
‫الغافلني ‪ ،‬فيصانع اخللق مبا ليس فيه ‪ ،‬ويدع من الحوال والعامل مامل‬
‫يدريه ‪ ،‬ومل خيلص فيه ‪ ،‬فاذا مل يصدق هللا يف العامل وقع يف الرايء‬
‫واتباع الهوى ‪.‬‬
‫وقد اكن الصادقون يظهرون ماحيقرمه عند اخللق ‪ ،‬وهمام وجدوا اىل اخفاء‬
‫العمل سبيال مل يعلنوه ‪ ،‬ويبالغون يف كمت آحواهلم قدر اماكهنم ‪ ،‬حىت اكن‬
‫آحدمه مييض علهيم آعصار مل يطلع علهيم آههل ‪ ،‬ويبالغون يف اسقاط حملهم‬
‫عند اخللق ‪ ،‬هذا ماداموا يف شهود اخللق ‪ ،‬وآما بعد حتقيق الفناء فان‬
‫آبقامه توالمه واىل كنف واليته آوامه ‪ ،‬وجعل عىل قلوهبم رسادقات عنايته‬
‫‪ ،‬وعىل آرسارمه قباب حمبته ‪ ،‬كيال يتطرق اىل آرسارمه هوى ‪،‬‬
‫والخيامرقلوهبم رايء ‪ .‬فأول ماتلمح آرسارمه رس وجوده يف الش ياء ‪،‬‬
‫وآجل ما تشهد آرواهحم هبا حس نه وبديع جامهل ‪ ،‬وآعظم ماتنظر قلوهبم‬
‫اىل قيوميته وفيض اقتداره وبلوغ حمكته ‪ ،‬فالترى ماليس هل يف نظرها‬
‫‪398‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وجود عند جتيل احلق املشهود ‪ ،‬فيس توي االخفاء واالظهار ‪ ،‬واالعالن‬
‫واالرسار ‪ .‬بل قد يكون هبم لغريمه اقتدا واىل طريق احلق اهتدا ‪ ،‬فيكون‬
‫اعالن آعامهلم هلم فيه الزلفى ‪ ،‬كام اكن للعمل املتعدي عىل القارص عىل‬
‫العمل ماالخيفى من تضعيفه آبدا مامعل به واهتدى ‪ .‬ومن هنا التنقطع‬
‫آعامل النبياء وسادات العارفني وآاكبر العلامء ‪ ،‬ومرادمه ان اكن ذ ك الهيم‬
‫آومل يكن كقوهل { مااكن هلم اخلرية } يف االخفاء ‪ ،‬ولكن ملا حتققوا بصفو‬
‫العبودية مل خيتاروا عليه ‪ ،‬بل مه وقوف عىل اختياره ؛ ان آظهرمه وآظهر‬
‫علهيم فهم فانني عن آفعاهلم وآوصافهم وذواهتم ‪ ،‬شاهدين فعل س يدمه‬
‫وصفه وجتيل ذاته ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫عند اخلالئق مشهور فذاك ريـــــاء‬ ‫اذا طمعت ابظهار تكون به‬
‫آدل من مشس ظهر يف وجود ضيا‬ ‫فال دليل عىل آمر تكون به‬
‫فاخللق الخيرجون عن القلب اال بوارد الهي يشهد اخللق ويبطل الباطل‬
‫وماسواه ابطل ‪ ،‬ومامل خيرج اخللق عن نظر املريد مل يتخلص من الفات ‪،‬‬
‫واذا آظهر هللا رس العناية شهد آن ال انفع والضار والمعط والمانع اال‬
‫هللا ‪ ،‬فيكون معوهل عىل من بيده مايرجوه ‪ ،‬ودليه مايؤمهل ودفع ماخيشاه‬
‫‪ ،‬وآنه عامل برسه وجنواه ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( غيب نظر اخللق اليك بنظر هللا اليك ‪ ،‬وغب عن اقباهلم عليك بشهود‬
‫اقباهل عليك )‬
‫غيب شهود حتقيقك ودقة علمك ووفور حلمك عن نظر اخللق اذلي‬
‫آصالهتم العدم ووصفهم العجز ‪ ،‬وانظر اىل كامل وصفه س بحانه وعظمي‬
‫نعته وحقارة من دونه بشهود وحدانيته ‪ ،‬وانفراده يف مملكته ومصدانيته يف‬
‫‪399‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وحدته ‪ ،‬وكامل آلوهيته واحاطة ربوبيته ‪ ،‬وكن عىل نظره اليك معوال ‪،‬‬
‫ولوحدانيته مشاهدا ‪ ،‬وعىل فضهل معمتدا ‪ ،‬وبألوهيته متعلقا وبصمدانيته‬
‫واثقا ‪ ،‬ولربوبيته حمتس با ‪ ،‬وملا منه منتظرا وعن الغيار غائبا ‪ ،‬وعن‬
‫احلظوظ فانيا ‪ ،‬وملصائد املهلاكت جمانبا ‪ ،‬وكن بنظره مكتفيا ‪.‬‬
‫واعمل بأن من نظر اىل اخللق وطلب رضامه مل يصل اىل غاية ‪ ،‬واليرجع‬
‫اىل هناية ‪ ،‬فمل يفلح من انظرمه ومل ينجح من عاملهم ‪ ،‬فان من طلب‬
‫رضامه وآثر جناهبم ومل يرضوا عنه ومل ينرصوه وآسلموه ؛ آحوج مايكون‬
‫الهيم والا هلل وانرصه وانظره وعامهل كفاه عهنم ‪ ،‬فرصف آعباء تلكيف‬
‫مراضهيم وآرضامه عليه ‪ ،‬والصادق اليبايل اذا صلح حاهل وحسنت آفعاهل‬
‫ابقبال من اخللق وال ادابر والمدح والذم ‪ ،‬بل قد يؤثر ذهمم عىل مدهحم‬
‫ومباينهتم عىل مواصلهتم وخشونهتم عىل لطفهم وحمبهتم ‪ ،‬ملا يف ذ ك من‬
‫املزيد وصفو الوقت عن املكدرات والفات ادلاخةل عىل من انتصب بني‬
‫اخللق وعرف هلم منه القبول ‪ ،‬فريد علهيم مع لك انسان حاةل تباين حاةل‬
‫الخر ‪ ،‬فيحتاج اىل آن يعامل لك انسان مبا يناسب فيطول يف ذ ك عناه‬
‫وتعبه ‪ ،‬وحيتاج اىل عمل وافر مييش عليه يكون هل رصاطا عىل منت هجمن‬
‫لك نفس ‪ ،‬ويتحفظ عن شوكها املتخطفة ‪ ،‬وآفاهتا املتلفة ‪ ،‬والغيبة عن‬
‫العامل ‪ ،‬فغب عن نظرمه اىل آعام ك بنظر هللا الهيا ومايعلمه مهنا ‪،‬‬
‫جفردها عنده وحتقيقها دليه ‪ ،‬وغب عن اقباهلم ك عىل ماظهر هلم من‬
‫حسن آحوا ك ابقبال هللا اليك ‪ ،‬فأين تعظميهم من تعظميه ‪ ،‬ومايرضك اذا‬
‫ذمك اخللق ومدحك اخلالق ‪ ،‬وماعىس ينفعك اذا مدحك اخللق وذمك‬

‫‪400‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اخلالق ‪ ،‬مفدحه ك جيمع فهيا سائر احملامد ‪ ،‬وذمه جيمع عليك لك املذام ‪.‬‬
‫ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫غيب شهود وجود اخللق عن نظرك مبشهد الواحد احلق الويل الصــمدا‬
‫واليغرك اقبال يكن خـــــــــــربك ان اخلالئق التسدي اليك يــــــدا‬
‫فا هللا يدين اىل جنواك يف حسرك كذاك ان كنت تعقل عنه رس هُدا‬
‫م آرشد املؤلف اىل برهان الكمه غيبة اخللق بوجود املكل احلق فقال‬
‫ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( من عرف احلق شهده يف لك شئ ‪ ،‬ومن فين به غاب به عن لك شئ ‪،‬‬
‫ومن آحبه مل يؤثر عليه شئ )‬
‫هذه براهني العارفني ودالالت املقربني وس امي احملبني ‪ ،‬فأما من عرف احلق‬
‫ابلوجود ادلامئ والشهود الالزم ‪ ،‬وعرفه من طريق العمل بوجود ذاته‬
‫وصفاته وآفعاهل وغناه ‪ ،‬وافتقارالش ياء اليه افتقار اضطراري يف قيامه اىل‬
‫مقمي ‪ ،‬ويف حتريكه اىل حمرك ومسكن ‪ ،‬ويف حياته اىل حميي ‪ ،‬ويف مماته‬
‫اىل مميت ‪ ،‬ويف وجوده وبقائه اىل موجد ومبق ويف مجوده ‪ ،‬ولك مااكن‬
‫من آحواهل الشك يف آنه اذا حقق ذ ك العمل ونظر اليه بعني التحقيق ‪،‬‬
‫آن يرى هللا يف لك شئ ابلترصف واالقتدار كيف مااكنت الحوال ‪ ،‬ولكام‬
‫اختلفت الطوار والفعال ‪ ،‬ورس آلوهيته حامكة ‪ ،‬واس مترار قيوميته دامئة‬
‫‪ .‬ومن ترىق عن ذ ك ففين عن شهوده ‪ ،‬وان غريه شهد فيكون العبد حموا‬
‫يف وجوده ‪ ،‬فيكون هو الشهود والشاهد واملشهود غاب الحماةل عن‬
‫الش ياء ‪ ،‬فأين وجود الش ياء عند وضوح جتيل موجدها ومنش هيا ‪،‬‬
‫فاليقوم العدم اذا جتىل رس القدم فاذا قارنه امضحل وامنحا عن القلب ‪،‬‬
‫‪401‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ومهته وجود وتصور شهده ‪ ،‬ومن آحبه مل يؤثر عليه شئ ‪ ،‬فيعول عىل‬
‫اقباهل آوادابره بل يكون بلكية مهته مجموع عىل مرضات حمبوبه ‪ ،‬ومنمكشا‬
‫يف ادراك منيته ومطلوبه ‪ ،‬فاليؤثر الش ياء ابقبال آوشهود عىل االهل‬
‫املعبود ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫من اكن مشهده العـــرفان يشهده يف لك شئ بال حد ومقــــــــــــــدار‬
‫بل ذاك عمل وجود احلق فاقصده ان كنت تطلب فاكشف عنه آس تار‬
‫ومن به قد فين عن كنه مهـــــته غيب شهود السوى يف جنب قهــار‬
‫ومن آحب اهل اخللــــــق يكس به آن اليؤثر عىل حرضته آغــــــــــــيار‬
‫فاذا طلبت آن ترى الغيار مل ترى لها وجودا ‪ ،‬فان قلت اذا مل يكن‬
‫للش ياء وجود فلام آجحبت عن احلق مبا ليس موجود ؛ فنقول ‪ :‬امنا جحب‬
‫احلق عنك شدة القرب كام قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( امنا جحب احلق عنك شدة قربه منك )‬
‫مفا م جحاب اال شدة القرب ‪ ،‬كام احتجب صورة الهوى عن النظر لشدة‬
‫قربه ‪ ،‬فالبعد جحاب عن الصور احملسوسة ‪ ،‬والقرب جحاب عن املشاهد ‪،‬‬
‫واحلق آن ليس م سوى احلق فالغري يطلب ‪ ،‬والوجود ينسب ‪ ،‬والبعد‬
‫يقرب ‪ ،‬والقرب يبعد ‪ ،‬بل معيته اس تغرقت سائر املشاهدة ‪ ،‬وفين‬
‫الشاهد واملشهود ‪ ،‬فمل يبق اال املوجود الواحد ‪ ،‬فاىل آين تطلب وجود‬
‫زائد فالجتد ‪ ،‬فارجع عنك اليه جتده حارضا واليك انظرا ‪ ،‬وفيك آمرا‬
‫و ك زاجرا ‪ ،‬فأنت مصدر احلرضات ‪ ،‬واليك انهتت حقائقها ‪ ،‬ومنك‬
‫صعود عروج تكويناهتا يف بروج سامهئا وآفالكها ‪ ،‬يف تزنيه صفاهتا‬

‫‪402‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وتقديس ذاهتا ‪ ،‬فلها االحاطة ومهنا دوائر احمليطات ‪ ،‬وارتفعت طباق‬


‫السموات ‪ ،‬وانفتحت آقفال صور املكوانت ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫احلق حق فال ختفى مظاهــــــره وآنت تطلب ادرااك بالبصــــــــر‬
‫قد لك دون شهود اذلات انظره فف اجلنان ترى حقا بالبصــــــر‬
‫فكيف يدرك يف دار دوائـــــرها يضيق عن كنه مايس تودع النظر‬
‫فشدة الظهور قد تكون جحااب يف برص الناظر اىل املنظور ‪ ،‬ذل ك قال‬
‫املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( امنا احتجب لشدة ظهوره ‪ ،‬وخف عن البصار لعظم نوره )‬
‫امنا احتجب ومل تدرك العقول كيف احتجب ‪ ،‬واليكيف كيفية االدراك ‪،‬‬
‫فذ ك غري مستبعد كام تراه يف تأثريه يف دائرة الفالك ‪ ،‬فلكام اكنت آشد‬
‫ظهورا وآعظم يف االرشاق نورا ‪ ،‬اكنت عن التكييفات بعد ذ ك ‪ ،‬ال‬
‫لشئ يف نفس فلكه ‪ ،‬ولكن العدم احامتل البصار لفائضات نوره فمل‬
‫تقف عىل النظر ومل حتمتل شدة الضياء لضعف البرص ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا‬
‫‪:‬‬
‫والس تور حميطات والغــــــري‬ ‫فليس م جحاب فيه تعـــــتربا‬
‫الحت جعائبه يف هيلك الصور‬ ‫اال ظهور عىل الفاق مش هتر‬
‫فاذا عرفت كامهل وكامل صفاته ونفوذ ارادته ‪ ،‬وآن علمه السابق وحمكه‬
‫الالحق ؛ علمت آن آفعال العباد لكها الدخل لها يف اجياد وال اعدام ‪ ،‬وال‬
‫اقدام والاجحام ‪ ،‬وقد جعل هللا حبمكته البالغة بعض المور يقارب بعضها‬
‫يف الوجود ؛ مثل الظفر بأمر يطلبه العبد آويطلب مثال رصفه ‪ ،‬وقد‬
‫س بق آنه س يعطيه عند ذ ك آويرصفه عنه ‪ ،‬كذ ك فادلعاء ليس سببا‬
‫‪403‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫لوجود عطائه الزيل ‪ ،‬ولكنه عبادة مس تقةل جرت س نة هللا آنه يعطى‬
‫عنده ‪ ،‬وقد يكون ادلعاء لمر ويعط ادلاع به غري ذ ك مما هو آصلح هل‬
‫‪ ،‬فاذا عرفت آن دعاك هل حمض عبودية فادعه لنه آمرك كام قال املؤلف‬
‫ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( اليكن طلبك سببا اىل العطاء فيقل فهمك عنه ‪ ،‬وليكن طلبك الظهار‬
‫العبودية ‪ ،‬وقياما حبق الربوبية )‬
‫اليكن طلبك آهيا املريد الطالب من هللا املزيد ‪ ،‬ففوض اليه المر فامي‬
‫تريد ‪ ،‬وليكن طلبك ودعاؤك وترضعك امتثاال لمره حيث ندبك ذل ك‬
‫وآمرك ن فقال { آدعوين } فكن داع هل ‪ ،‬وقال { آمن جييب املضطر‬
‫اذا دعاه } فكن مضطرا ايئسا بني يديه ‪ ،‬فانيا عن حظوظك ‪ ،‬فارغا‬
‫عن مرادك ‪ ،‬مفوضا اليه مجيع حواجئك ‪ ،‬راض مبا آنزهل بك ‪ .‬وعالمة من‬
‫يدعوه كذ ك آن الينهتي دعاؤه ووقوفه بباب س يده ومواله مبا انل من‬
‫مأربه ‪ ،‬وظفر به من حواجئه ‪ ،‬فان نقص اضطراره عند ذ ك وانهتيى دعاؤه‬
‫فهو داع حلظه القامئا بعبودية س يده ‪ ،‬والمؤداي حلق ربوبيته ‪ ،‬لنه مل يزل‬
‫ ك راب وآنت هل عبدا ‪ .‬ومىت تنفك عنك ربوبيته ‪ ،‬وآما من اكن عبدهللا‬
‫اليزائهل اضطراره اليه وان آعط لك فضيةل ‪ ،‬وبلغ لك وس يةل ‪ ،‬فهو‬
‫مضطر اليه وحمتاج دليه ‪ ،‬فهذا مشهد آهل الفهم عنه اذلين آيدوا بتأييده‬
‫‪ ،‬ووقفوا لهدايته وتسديده ‪ ،‬فاليزالون وقوف ببابه ‪ ،‬اليرصفهم عنه‬
‫وجود غطاء ‪ ،‬واليوثقهم دونه ورود بالء ‪ ،‬فعندمه آكرب العطااي ساعة‬
‫يشهدون اضطرارمه بني يديه ‪ ،‬ويتحققون ابفتقارمه اليه ‪ ،‬فاليتقيد بوجد‬

‫‪404‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫والفقد ‪ ،‬ولقد نهبك عىل سوء آدب من يدعوه عندنزول بالئه ‪ ،‬ونس يانه‬
‫عند كشفه عنه ‪ ،‬فقال { واذا مسمك الرض يف البحر ضل من تدعون اال‬
‫اايه فلام جنامك اىل الرب آعرضمت } [ الية ‪ 67‬االرساء ] وقال { واذا آنعمنا عىل‬
‫االنسان آعرض ونأى جبانبه واذا مسه الرش فذو دعاء عريض } [ الية ‪51‬‬

‫فصلت ] وقال يف وصف من دعاه عبودية هل ووفاء { وآنه ملا قام عبدهللا‬
‫يدعوه } [ الية ‪ 19‬اجلن ] فذكره بوصف العبودية ومل يقل دعا لكذا وال من‬
‫كذا ‪ ،‬بل قال قام اشارة اىل آنه قياما حبق ربوبية س يده ‪ ،‬وبقوهل عبدهللا‬
‫وفاء حبق عبوديته ‪ ،‬فهذا مشهد الفهم عن هللا يف الكمه ‪ ،‬وتلق ورود‬
‫الهامة ‪ .‬وآما احملجوبني ابحلظوظ ‪ ،‬املوسومني ابالعراض يف مجيع‬
‫مايعاملون به اخلالق واخللق ‪ ،‬فهم بعد حمبوسون يف مضيق اجلهل ؛‬
‫حمجوبون العقل ‪ .‬فنسأل هللا حسن الفهم ودوام التلق منه ‪ ،‬ويل يف ذ ك‬
‫شعرا ‪:‬‬
‫اذا سألت فكن ابهلل مش تغال عن لك حظ فهـــــذا موضع الدب‬
‫وافرغ اليه تكن ابهلل ممتـــــثال دون آن تنال اذلي ترجوه من آرب‬
‫فالعبد حادث وما منه حادث موسوم ابحلدوث ‪ ،‬واحلق قدمي وآوصافه‬
‫ومجيع آقضيته ومعلوماته معلومة قبل اجياد آعياهنا ‪ ،‬وبروز آلواهنا ‪ ،‬ذل ك‬
‫قال املؤلف مستشهدا بأن الفعال احلادثة اخللقية التوجد اال وسبهبا‬
‫الفعال القدمية احلقية ‪ ،‬فقال متعجبا ممن يظن ذ ك ‪:‬‬
‫( كيف يكون طلبك الالحق سببا يف عطائه السابق ! ؟)‬

‫‪405‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫هذا مما اليتصور يف العقل ثبوته ‪ ،‬فلواكن كذ ك لقصور وجود املتسبب‬


‫عن السبب والقائل بذ ك ‪ ،‬ولاكن احلادث قدميا ‪ ،‬والقدمي حادث ‪،‬‬
‫وذ ك هو من منشأه انطامس نور العقل ‪ ،‬فالعبد وما منه حادث ‪ ،‬واحلق‬
‫قدمي موجود يف علمه ‪ ،‬آي معلوماته ‪ ،‬فهو آبدا وآزال الحرص لعلمه ‪،‬‬
‫مشهودة هل جبميع رشائطها وآس باهبا ‪ ،‬وآهنا س تكون كذا يف حال اجيادها‬
‫وابراز صورها مقارنة لكذا وقتا وماكان وحاال ‪ ،‬فصح امنا ادلعاء االمتثال‬
‫للمر ‪ ،‬وقد عمل س بحانه آن بعض القضااي مقارنة وجودها وجود ذ ك‬
‫ادلعاء ‪ ،‬وقد يكون املراد من ادلعاء عند هللا غري املراد منه من العبد ‪،‬‬
‫ومااكن من مراد هللا فهو الصلح لاداع ‪ ،‬فعليه املثول بني يدي الس يد‬
‫الكرمي ‪ ،‬وهو يفعل ما آراده اليرجع مراده عىل مراد ‪ ،‬بل يكون راضيا كام‬
‫س بق ذ ك ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فكيف مااكن ابحلداثن موسوم يكون موجد مايف العمل مرسوم‬
‫هــــــذا لعمري الحيمك به آحد اال ضعيف عن التحقيق مزكوم‬
‫فالحاكم الزلية التنضاف اىل الس باب اخللقية ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض‬
‫هللا عنه ‪:‬‬
‫( جل حمك الزل آن ينضاف اىل العلل )‬
‫جل وتعظم وتقدس حمك الزل احلق اذلي تسميه الطائفة ‪ :‬آزل الزل ‪،‬‬
‫وهو العمل القدمي اذلي برز من اذلات ‪ ،‬فتعني لذلات قبل بروز سائر‬
‫الصفات ‪ ،‬فعمل احلق نفسه وعمل آوصافه وآفعاهل ومؤثرات صفاته وآفعاهل‬
‫قبل برزوها ‪ ،‬علام اليدخهل نقص والمجموع عن حمص ‪ ،‬واليتبدل بزايدة‬
‫والنقص ‪ ،‬فهو القول اذلي اليبدل ‪ ،‬واحلمك اذلي اليتحول ‪ ،‬فكيف‬
‫‪406‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ينضاف اىل العلل احلادثة !؟ آويستند اىل الراء اخملالفة ! ؟ تقدس عن‬
‫ذ ك وتعاىل علوا كبريا ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫حمك تقدم يف الزال مظـــــــــهره فكيف ينضاف للعراض والعلل‬
‫فاحلمك هلل اليســـــــند اىل سبب جل االلـــــــه عن الالت واحليل‬
‫ذو احلول والطول والشان الرفيع وما اليدري اخللـق جل هللا عن مثل‬
‫فاحلق س بحانه وهل امحلد يرى مقادير المور وآحاكهما قبل اجيادها ‪،‬‬
‫وظهور آحوالها وآعاملها ‪ ،‬فكيف تس تجلب حبيةل ‪ ،‬آوتنال بوس يةل ‪ ،‬ذل ك‬
‫قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( عنايته فيك اللشئ منك ‪ ،‬واين كنت حني واهجتك عنايته ‪ ،‬وقابلتك‬
‫رعايته !؟ مل يكن يف آزهل اخالص آعامل ‪ ،‬والوجود آحوال ‪ ،‬بل مل يكن‬
‫هناك اال حمض االفضال وعظمي النوال )‬
‫عنايته فيك اليت خصصتك ودبرت آمورك ‪ ،‬وآظهرتك من حمض العدم‬
‫يف سابق القدم ‪ ،‬اللشئ منك مما تظن آنه ك موصال ‪ ،‬ولسعادتك‬
‫حمصال من آعام ك وصفو آحوا ك ‪ ،‬واللشئ يرجع اليه منك ‪ ،‬فال يفتقر‬
‫يف غناه اىل زايدة اس تكامل بوجود العامل ‪ ،‬بل ثبت غناه عن العاملني لك‬
‫مايطلق عليه امس عامل ‪ ،‬وهو ماسوى هللا ‪ .‬فان قلت آن مين اليه معل‬
‫زيك ؛ آوحال مريض ‪ ،‬قيل ك وآين كنت حني الحني واهجتك ابالجياد‬
‫عنايته ‪ ،‬وقابلتك ابلتخصيص رعايته ‪ ،‬وآنت بعد مل تكن شيئا مذكورا ‪،‬‬
‫فاايك وادلعوى عىل شئ يكون منك فذ ك آقبح وجوه اجلهل آنك تنىس‬
‫كونك عدم ‪ ،‬واعتنابك وآوجدك منك و ك ‪ ،‬م تقول ‪ :‬آان ومين ويل !؟‬
‫وقد مسعت شاهد ذ ك يف غري آية من كفاية ‪ .‬مفهنا دليل عدميتك قوهل‬
‫‪407‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫عز من قائل { هل آىت عىل االنسان حني من ادلهر مل يكن شيئا مذكورا‬
‫} [ الية ‪ 1‬االنسان] بل مل يكن هناك يعين يف الزل الحال والمعل ‪ ،‬وما‬
‫هناك اال حمض ‪ ،‬آي خالص االفضال من غري امزتاج بتومه عةل آوسبب‬
‫سامل عن شوائب ادلعاوي وتلبس العلل ‪ ،‬فال آبني من كونه تفضل عليك‬
‫وآنت معدوم الروح والسوح ‪ ،‬وعظمي نواهل اذلي اليقابل ‪ .‬ومن مجةل‬
‫ذ ك االجياد وصنوف النعم واملنن ‪ ،‬وتوايل االمداد اذلي يعجز عن‬
‫احصاهئا غري منيلها ‪ ،‬واملمنت هبا من النعم الظاهرة والباطنة اذلي س بقها‬
‫معمي كرمه ‪ ،‬وآوجدها عظمي طوهل واحسانه ‪ ،‬وآبرزها ضايف منته ‪ ،‬قبل‬
‫ظهور تركيب خليقته ؛ بروز اليوم اخللق الساموي والريض ‪ ،‬والكواكب‬
‫والمقار ‪ ،‬وظالم الليل وآضاء الهنار ‪ ،‬بل مل يكن يف حرضة العندية الزلية‬
‫ليل والهنار ‪ ،‬كام آشار اليه احلديث آشار بقوهل " ليس عند ربك ليل‬
‫والهنار " ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫عناية هللا يف االنسان سابقـة قبل الــــربوز ليوم اخللق فاعترب‬
‫قد واهجتك عناية منه واصةل وقابلتك مزااي الفضل يف السور‬
‫هذا سابق قبل تكونك ‪ ،‬فاذا التفت اخللق اىل هذه العناية احلقية يف‬
‫الرقعة البرشية ‪ ،‬دهلم ذ ك عىل ختصيص مش يئته ‪ ،‬وقد عمل هللا العباد‬
‫قبل اجيادمه ‪ ،‬وعمل مايكون مهنم ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬

‫‪408‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫( عمل آن العباد يتشوفون اىل رس العناية ‪ ،‬فقال { خيتص برمحته من‬


‫يشاء } وعمل آنه لو خالمه وذ ك ؛ لرتكوا العمل اعامتدا عىل الزل ‪ ،‬فقال‬
‫{ ان رمحت هللا قريب من احملس نني } )‬
‫عمل س بحانه بعمل اليدخهل نقص غري مكتسب عن حفص نظر ‪ ،‬بل ذ ك‬
‫وصف من آوصافه العلية ‪ ،‬ونعت من نعوته الزلية ‪ ،‬وحرضة العمل آوسع‬
‫حرضات الصفات ‪ ،‬لنه س بحانه علمه يشمل الواجب واجلائز واملس تحيل‬
‫‪ ،‬ويعمل الش ياء مجةل وتفصيال ‪ ،‬واليكون لغريه آن يعمل الش ياء عىل‬
‫التفصيل ‪ .‬وقد عمل س بحانه آنه خيلق خلقا ويومسهم بومس العبودية العامة ‪،‬‬
‫والعبودية اخلاصة ‪ ،‬ومه ‪ :‬آما روحانيني عُلويني ‪ ،‬وآما آرواح ساموية‬
‫عنرصيني ‪ ،‬وآما آرواح هوائية وآرضني ‪ ،‬وآما آش باح ذوات الرواح‬
‫آدميني ‪ ،‬ومه املراد هنا وهللا آعمل من الكم املصنف ‪.‬‬
‫فعمل آهنم يتشوفون اىل ظهور هذه العناية الزلية ‪ ،‬والرمحة السابقة ابحليل‬
‫والس باب ‪ ،‬والتقرب ابالحتساب والنساب ‪ ،‬فقال س بحانه اكشفا عن‬
‫هجل من تومه حصولها بشئ من ذ ك خيتص مبش يئته السابقة ‪ ،‬ومنته‬
‫الالحقة من شاء ‪ ،‬من غري عةل والسبب ‪ ،‬فلمش يئته التخصيص ملا آتقنه‬
‫العمل ‪ ،‬فربزت عىل من اختصته مقرتنة ومتلبسة بسبب من مظاهر قدرته‬
‫يف آعيان خليقته ‪ ،‬وقد تظهر جمردة عن التلبس اخللق ‪ ،‬واملزج الومه ؛‬
‫فتسميه اخللق وهيب ‪ ،‬ومس الول كس يب ‪ .‬واللك ختصيص آزيل البعةل‬
‫واللعةل واللسبب والبسبب ‪ ،‬وعمل آيضا س بحانه مايكون مهنم عند ارتفاع‬
‫هذا احلجاب اجلهيل اذا نظروا لها ‪ ،‬آي العناية الزلية ‪ ،‬وتيقنوا آن‬
‫‪409‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫احلراكت اخللقية الدخل لها يف اجياد وال وصول امداد ‪ ،‬فبق علهيم من‬
‫اجلهل جحاب خلق يعرتيه من مل يتداركه تأييد ‪ ،‬فيتلك عىل ذ ك فيرتك‬
‫العامل املقربة اليت رشعها هللا لعباده ‪ ،‬ويرفض الرشائع ابللكية ‪ ،‬فقال‬
‫س بحانه { ان رمحت هللا } اليت قسمها وخصص هبا آرسار العباد {‬

‫قريب من احملس نني } هلل آعامهلم ‪ ،‬الفانني عن آحواهلم وآفعاهلم ‪ ،‬القامئني‬


‫هلل ابهلل يف لك شئ ‪ ،‬الشاهدين وجوده قبل وجود لك شئ ومع لك شئ‬
‫‪ ،‬الينفكون عن ذ ك املقام ‪ ،‬يوفون العبودية عىل الامتم ‪ ،‬فهي آدل دليل‬
‫عىل وجود االختصاص الزيل ‪ ،‬بل يه من آعظم مااختص هللا به عباده‬
‫‪ ،‬يف سابق مراده ان هيأ مه وآهلهم خلدمته ‪ ،‬وهدامه لطريق هدايته ‪،‬‬
‫فاليرغب عهنا اال لك ذي عقل انقص ‪ ،‬وعقب انكص ‪ ،‬فظهور رمحته‬
‫وعالمة حمبته وآثر ملته عىل من اختصه هبا وآههل لها ؛ اقامته اايه يف‬
‫خدمته ‪ ،‬وتقريبه هل يف عبادته ‪ ،‬كام يشري اىل ذ ك قوهل ‪ :‬اذا عرفت آن‬
‫تعرف مزنلتك عنده فانظر ما ذا آقامك فيه ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ملـا عمل جل آن اخللق قائــــلـة بأن ما مــــــنه ابلس باب يكتسب‬
‫فقال خيتص فافهم رس سابقة وهو قريب ذلي االحسان والدب‬
‫فلو احتاج اىل انصباب عطاه اىل سبب لاكن ذ ك نقص ‪ ،‬وذل ك قال‬
‫املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( اىل املشيئة يستند لك شئ ‪ ،‬والتستند يه اىل شئ )‬
‫الزلية والقدرة الغالبة يستند لك شئ يف اجياده ودوام قيامه ‪ ،‬ومجيع‬
‫مايصدر اليه ومنه ‪ ،‬اذ لو استند شئ اىل غريها لاكن ذ ك الغري من‬

‫‪410‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫الكامل مالها ‪ ،‬ويتعاىل هللا عن ان يكون هل ضدا ‪ ،‬آومياثهل ندا ‪ ،‬ويكون‬


‫معه رشيك آويوجد هل نظري يف ذات آوصفات آوآفعال ‪ ،‬بل هو املنفرد‬
‫ابخللق والمر ‪ ،‬وبيده ملكوت لك شئ ‪ ،‬اليشذ عن قدرته شئ ‪ ،‬فلو‬
‫احتاج اىل عةل آوسبب لاكن مفتقرا اىل ذ ك ‪ ،‬وقد ثبت غناه ‪ ،‬واس تحاةل‬
‫النقص عليه ‪ ،‬فكيف يكتسب ماعنده ابلس باب واحليل ‪ ،‬آوينال مادليه‬
‫بعمل ‪ ،‬فاليزيده يف كامل وجوده موجود ‪ ،‬والينقص ظهور جامهل فقد‬
‫مفقود ‪ ،‬بل مل يزل بنعوت الكامل وصنوف االفضال مقصود ‪ .‬فاذا حتقق‬
‫العبد ذ ك حص افتقاره ‪ ،‬وحسن انتظاره ‪ ،‬فربي عن ادلعاوي يف محيع‬
‫حراكته وسكناته ‪ ،‬فاكن انتظاره ملا عند هللا بال سبب ‪ ،‬فيعمل آن منته‬
‫غري مشوبة لعةل ‪ ،‬والمدركة بعةل ‪ ،‬فتتواىل عليه عند ذ ك مواهبه ‪ ،‬ويلقى‬
‫عليه رعايته وفاء بقوهل و { لنئ شكرمت لزيدنمك } وآي شكر يزيد عىل‬
‫آن يعمل آن مابك من نعمة مفن هللا بال واسطة ‪ .‬ومن مجلهتا ما آحتفك به‬
‫من الطاعات ‪ ،‬وآهلمك من صنوف العبادات ‪ ،‬ورصف عنك من قباحئ‬
‫العادات ورذائل الشهوات ‪ ،‬وآقا ك من الهفوات ‪ ،‬واتب عليك عند‬
‫رجوعك اليه بعد اقتحام فضيع املعايص وورود مناهل الهفوات { وان‬
‫تعدوا نعمة هللا الحتصوها } فال آمه للعبد من معرفة صفات هللا وماهو‬
‫متصف به من نعوت كامهل ‪ ،‬وخمرتع من ظاهر آفعاهل وقيامه بذاته ‪،‬‬
‫وذوات مبتدعات خليقته ‪ ،‬ليعمل هللا عىل وصف العبودية املطلوبة هلل‬
‫من عباده ‪ ،‬ويه آن يعبدوه لغري طلب حظ من احلظوظ العاجةل والجةل‬
‫‪ ،‬بل ملا هو آههل من الربوبية ‪ ،‬وعظم اللوهية ‪ ،‬ويكون لكية نظره اىل‬
‫‪411‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫من هللا هذه الحوال الدابء ‪ .‬وآما من غفل عن ذ ك فال تصفو آحواهل‬
‫عن كدر شوب احلظوظ اجللية واخلفية ‪ ،‬حىت يتداركه هللا فيكشف هل‬
‫عن ذ ك فيجدد توبة عن طاعاته كام يتوب العايص عن عصيانه ‪ ،‬ويل يف‬
‫ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫اىل املشيئة لك اخللق يستندوا فامي برز عهنم من ظاهــــــــــــر القدر‬
‫واللها من سواها يف الفعال يـد بل ذاك حمض اختيار هللا ذي القدر‬
‫فاذا حتقق العبد آن الس باب غري مؤثرة يف اجياد وال اعدام ‪ ،‬فيتحقق آن‬
‫دعاءه من مجةل الس باب ‪ ،‬فرمبا يس تح من دعائه يف اس تجالب ماال‬
‫يكتسب حبيةل ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( رمبا دهلم الدب عىل ترك الطلب ؛ اعامتدا عىل قسمته ‪ ،‬واش تغاال بذكره‬
‫عن مسألته )‬
‫وهذا ملن آمكل يف املعرفة مقامه ‪ ،‬فكرع من التحقيق متامه ‪ ،‬فيكون عند‬
‫جتيل الرس والعيل ‪ ،‬ورشوق الصبح الزيل منطوي الرس والروح‬
‫والسوح ‪ ،‬اليشعر بغري مشهوده ‪ ،‬واليعرج عىل حظ دون معبوده ‪،‬‬
‫فيعينه العيان عن اللسان ‪ .‬هذا حتقيق حال من قام مبشهد { واصرب حلمك‬
‫ربك فانك بأعيننا } [ الية ‪ 48‬الطور] وآما من اكن عامال عىل مقتىض العمل‬
‫‪ ،‬غائبا عن شهود ابطن احلمك ؛ فاليرتك ادلعاء ‪ ،‬كيف وقد ورد آنه مخ‬
‫العبادة ‪ ،‬لكن يكون يف دعائه فارغا عن حظوظه مش تغال بوفاء الربوبية‬
‫حقها ‪ ،‬واعطاء اللوهية مس تحقها ‪ ،‬وحتققا ابفتقاره ‪ ،‬واظهارا بني س يده‬
‫الس تاكنته واضطراره ‪ .‬وبني هاتني احلالتني حاةل تسمى الوقت ‪ ،‬ومرادمه‬

‫‪412‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ماتنجيل به السامء فتكون هذه لهل القلوب ‪ ،‬لن القلب مظهر تقلب‬
‫السامء فيكون حبمك ماجتىل عليه مهنا ؛ مفهنا مايقتيض السكون حتت‬
‫جراين احلمك ‪ ،‬ومهنا مايقتيض االنبساط يف بساط الكرم ‪ ،‬ويظهر لهؤالء‬
‫شاهد ذ ك يف قلوهبم ابشارات ‪ ،‬فيكونون حبمكها ‪ ،‬وهذه ملن كشف هللا‬
‫عن جتيل آسامئه ظاهرة يف لك مشهود ‪ ،‬متجلية عن لك موجود ‪ ،‬فريى‬
‫اخللق مرصفني حتت هذه ادلائرة ‪ ،‬وآجشار ذواهتم مس متدة من هذه‬
‫املشاهرة ‪ ،‬فاختلفت المثار يف الجشار اىل احللو والقار ‪ ،‬مع احتاد مأهبا‬
‫واس توى سامهئا ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فرمبا دل ذو التحقيــــــق والدب عىل السكون عن االمعان يف الطلب‬
‫منه اعامتدا عىل اتقـــــــان قسمته وشغل ذكر ملشهود ومقـــــــــــــرتب‬
‫فعندما يتحقق ابلكشف والشهود ‪ ،‬ويرى ماهو س بحانه عليه من صفات‬
‫الكامل ‪ ،‬يعمل يقينا انه دعاه العبد حلظه ومس تعجال ملراده فذ ك سوء آدب‬
‫‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( امنا يذكر من جيوز عليه االغفال ‪ ،‬وامنا ينبه من ميكن منه االهامل )‬
‫االعقال واالهامل آمران ينافيان الكامل ‪ ،‬ويؤذانن ابلنقص ومماثةل احلداثن ‪،‬‬
‫وذ ك حمال يف حقه س بحانه وتعاىل عام تتومهه القلوب احملجوبة عن العيان‬
‫‪ ،‬اليت مل تؤيد بنور االميان ‪ ،‬وعن لك ما يتخيل اىل النفوس امللومة ‪ ،‬من‬
‫آهنم يذكرون هللا مبا هو خمرتعا هل ‪ ،‬ومعلوما عنده آنه يكون آواليكون ‪،‬‬
‫فاليذكر اال من جيوزعليه االغفال وهو مس تحيل يف حقه س بحانه ‪ ،‬لن‬
‫االغفال نقص ‪ ،‬وقد علمت اس تحاةل النقائص عليه ‪ ،‬واالغفال يكون‬
‫للمعلوم ‪ ،‬فبالتذكري يذكر ‪ ،‬واالهامل يكون للموجود احلارض ابلشخص‬
‫‪413‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫واملعىن ‪ ،‬فكيف هيمل وهو مل يقم اال رس قيوميته س بحانه ‪ ،‬آوكيف جيهل‬
‫وهو مل خيلق اال خبلقه هل { آال يعمل من خلق } مفا يدعون آهل اليقني‬
‫اال مع التفويض والرضا والطمأنينة عند جماري القضاء ‪ ،‬فيكتفون بعلمه ‪،‬‬
‫ويستسلمون لقضائه ‪ ،‬وعند حقيقة هذا احلال وبلوغ هذا املنال ؛ دعامه‬
‫ابحلال من غري سؤال وحتمك يف حال ‪ ،‬فالعليه خيتارون ‪ ،‬واليف مملكته‬
‫يتنازعون ‪ ،‬بل يكونون وفق مراده ‪ ،‬ونفوذ مش يئته يف عباده ‪ ،‬يف تقريبه‬
‫وابعاده ‪ ،‬واضالهل وارشاده ‪ ،‬مؤمترين لمره ظاهرا ‪ ،‬مس تأصلني حلمكه‬
‫ابطنا ‪ ،‬اليريدون غري ما آراد ‪ ،‬يأمترون لمره ‪ ،‬وينهتون لهنيه ‪ ،‬مع تربئهتم‬
‫عن الحوال والقوى ‪ ،‬وشهود تفرد احلق ابالخرتاع واالنشاء ‪ ،‬ويل يف‬
‫ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫جيوز آن يتصف ابلنقص والعلل‬ ‫مفا يذكر اال من عليه كـذا‬
‫طرقه آمر سهيى عن حالـه الول‬ ‫وما ينبه اال من يغيب اذا‬
‫ومن املريدين الصادقني من اليدعو يف كشف مانزل به لنه يف حال نزوهل‬
‫به ‪ ،‬واقف عىل ابب س يده ‪ ،‬متحقق بفقره وذلته ‪ ،‬منكرس حتت سلطان‬
‫عظمته ‪ ،‬متخلق بأخص آوصاف عبوديته خلالقه ‪ .‬وآي حاةل آعود عىل‬
‫املريدين ابخلريات ‪ ،‬من االتصاف هبذه احلاالت ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض‬
‫هللا عنه ‪:‬‬
‫( ورود الفاقات آعياد املريدين )‬
‫ورود الفاقات عىل املريد لطريق هللا ‪ ،‬الطالب للقرب من هللا عيد‬
‫ورسور ‪ ،‬وحتف وحبور ‪ ،‬واليكون كذ ك اال حيث شهد ورودها من‬
‫هللا ‪ ،‬وفهم فهيا آن س يده اختصه مبحبته ورضيه آن يكون من آهل‬
‫‪414‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫حرضته ‪ ،‬هو آن حترض نفسك منخلعة عن احلول والقوة ‪ ،‬مفتقرة اىل‬


‫س يدها ذليةل دليه ‪ ،‬منطرحة بني يديه ‪ ،‬والترى لكشف مانزل هبا رافعا ‪،‬‬
‫والدونه انفعا ‪ .‬مفىت ورد عىل املريد مايوقفه عىل هذه الحوال الرشيفة ‪،‬‬
‫واملشاهد العالية املنيفة ‪ ،‬فقد عال عليه بعوائده امجليةل ‪ ،‬اذلي عاد فهيا من‬
‫العراض اىل االقبال ‪ ،‬ومن االنفصال اىل االتصال ‪ ،‬فيكون ذ ك دلهيم‬
‫عيدا ‪ ،‬ولحواهلم مزيدا ‪ ،‬س امي وفرح لك مريد يف نيل مراده ‪ .‬ومراد‬
‫الصادقني التحقق بذلهتم ‪ ،‬والزنول عىل آرض مسكنهتم ‪ ،‬والوقوف عىل‬
‫ابب مليكهم ‪ ،‬واالنطواء حتت كربايئه ‪ ،‬واضطرارمه بني يديه ‪ ،‬وفاقهتم‬
‫دليه ‪ .‬وآفراح الصادقني ومرساهتم يف انزال ماهبم عىل س يدمه ومالكهم ‪.‬‬
‫وآما آعياد بين ادلنيا الغافلني ‪ ،‬اذلين بشهواهتم ادلنياوية وحظوظهم الهبميية‬
‫من املألك واملرشب واملنكح وامللبس ‪ ،‬فعيدمه بنيل هذه املرادات اذلاتية‬
‫‪ ،‬واحلظوظ العاجةل ‪ ،‬مفا آبعد مابني الفريقني ‪ ،‬وما آبون مابني الطريقني ‪،‬‬
‫ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ورود فاقات آهل الصدق يف الطلب عىل الوقوف بباب هللا ذي الكرم‬
‫كام يكون كذاعيد هلم فكــــــــذا تكون ضدا عىل الغر الغيب الفـــدم‬
‫فقد حيزنون الصادقني آهل االرادة عند دخول الراحة علهيم يف اجلسم ‪،‬‬
‫وتيرس الس باب العاجةل ‪ ،‬ملا خيافون من فوت حظوظهم يف الخرة ‪ ،‬لنه‬
‫ورد ‪ :‬ما آعط ابن آدم من ادلنيا حظ اال نقص من حظه يف الخرة‬
‫بقدره ‪ .‬آوكامل قال ‪ .‬اال سلامين بن داود عليه السالم فان هللا س بحانه‬
‫قال يف شأنه { هذا عطاؤان فامنن آوآمسك بغري حساب * وان هل عندان‬

‫‪415‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫لزلفى وحسن مأب } [ الايت ‪ 40-39‬ص ] فاكن السلف الصاحل اذا آقبل‬
‫الغىن قالوا ذنب جعلت عقوبته ‪ ،‬واذا آقبل الفقر قالوا مرحبا بشعار‬
‫الصاحلني ‪ ،‬وذ ك ملا جيدون من املزيد يف صفاء آحواهلم ‪ ،‬واالنرشاح يف‬
‫صدورمه مالو وجده آهل الرثوة واجلد يف ادلنيا لهان علهيم دوهنا فوق مجيع‬
‫مامه عليه مكبون ‪ ،‬وهل من ادلنيا حمبون ‪ .‬ويف الفاقات اليت يه التعرفات‬
‫من هللا لعبده ماالخيفى من عظمي الزلفى ‪ ،‬وكرمي الوفاء ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف‬
‫ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( رمبا وجد املريد يف الفاقات ‪ ،‬ماالجيده يف الصوم والصلوات )‬
‫رمبا وجد من مثرة الفاقة وورود احملنة ونزول البلية من املزيد املبتدي‬
‫املتبق برؤية نفسه ‪ ،‬وما مهنا يف الفاقة اليت تعرف من احلق مباينة للهوى‬
‫‪ ،‬مؤملة للنفس من صفو احلال مااليوجد يف كثري من العامل اليت آعظمها‬
‫الصوم والصالة ‪ ،‬وذ ك ملا خياف عليه يف ذ ك من دخول الفات‬
‫والتباسه عليه فيضل سعيه ‪ ،‬وذ ك مفقود يف البلية مأمون منه فهيا ‪،‬‬
‫فذل ك اكن وجدانه لمثرهتا آقرب وآبعد عن تطرق الفساد ‪ ،‬وذ ك يف حق‬
‫املريدين والعلامء الرابنيني احلكامء العارفني ‪ ،‬فسيئان يف حقهم لكام يرد من‬
‫س يدمه ‪ ،‬فلكام ورد علهيم تلقوه مبا يقتضيه الوقت مهنم فيه ‪ ،‬ان اكن بلية‬
‫تلقوه ابلصرب ‪ ،‬آونعمة فبالشكر ‪ ،‬وان اكن طاعة فبشهود املنة فية ‪ ،‬وان‬
‫اكن معصية فباالس تغفار والترضع يف آانء الليل والهنار ‪ ،‬فهم وقف عىل‬
‫مراد س يدمه فامي يفعهل هبم ويورد علهيم ‪ ،‬وقليل مامه ‪ ،‬آولئك معروفة‬
‫آسامؤمه وظاهرة آوصافهم ‪ ،‬خافية يف اخللق آعياهنم ‪ ،‬عاكفة يف العال‬
‫ذواهتم ‪ ،‬راتعة يف امللكوت آرواهحم ‪ ،‬ساحئة يف اجلربوت قلوهبم ‪ ،‬اكرعة‬
‫‪416‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫يف حياض شهود بديع امجلال آرسارمه ‪ ،‬قد شغلهم شهوده عن ورود‬
‫الواردات احللقية علهيم من هللا سالم وحتية ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فرمبا جيد البـــــــــــادون فاقهتم تربوا عىل ماصدر مهنم من العمــل‬
‫آما املرادون آهل القرب اثلهثم من رهبم نفحة تعــــــــلوا عىل زحل‬
‫الينظرون اىل الكـوان مهــــهتم آن يدركوا منهتيى الغاايت يف المل‬
‫فالفاقة من املريد اىل س يده آجنح ما حيصل عندها نزول الفتوحات الوهبية‬
‫‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( الفاقة بسط املواهب )‬
‫الفاقة اىل هللا واىل ما منه نعت العباد والزهاد ‪ ،‬والعارفني الفراد ‪ .‬فاقة‬
‫العارفني اىل هللا دون شئ آخر ‪ ،‬ذل ك التزايلهم الفاقة واالضطرار ‪،‬‬
‫والفاقة اىل ما منه من الفضل واالمتنان نعت الصادقني ‪ ،‬وآما غريمه ففاقته‬
‫موقوفة عند حظه العاجل ‪ ،‬وغالبا يكون انظرا اىل الغيار حيث رآها‬
‫جتري عىل آيدهيم ‪ ،‬آويقارن وجودها وجود موجودا آخر ‪ ،‬فلقرص النظر‬
‫تطمس البصرية ‪ ،‬والبرص مع عن الغري واس تغىن دون املؤثر ابلثر ‪.‬‬
‫والفاقة بسط املواهب عىل آرض الفاقة واالضطرار تزنل رمحة آمطار‬
‫النوار ‪ ،‬من مسوات الرسار ‪ ،‬عىل ينابيع القلوب ‪ ،‬فتفيض آنوار العلوم ‪،‬‬
‫وجتري عيون الفهوم ‪ ،‬فتغمر آصالد النفوس فتصبح الرض النفسانية‬
‫خمرضة مبا وصل الهيا من اللطاف ‪ ،‬وانلها من االسعاف { فانظر اىل آاثر‬
‫رمحة هللا كيف حييي الرض بعد موهتا } [ الية ‪ 50‬الروم ] ويل يف ذ ك‬
‫شعرا ‪:‬‬

‫‪417‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫بساط رس املواهب ان نظرت كذا يف فاقة العبد اىل احسان مواله‬


‫فذاك آجنح مايرىج دليــــــه اذا حققته كنت ممن حص رجــــــــواه‬
‫فاذا علمت آن الفاقة بسط املواهب ويه من الزمك ‪ ،‬مفا ك وريبة‬
‫االس تغناء ‪ ،‬وتعاط اللكفة والعنا ‪ ،‬فلك من حتقق ابفتقاره وحسن تعلقه‬
‫وانتظاره ‪ ،‬فهو حري بأن يعطى ويف حسابه ‪ ،‬واقتىض جزائه ‪ ،‬آن‬
‫اليس تغين عليه ‪ ،‬ويرصف عنه عواصف مصادر القضاء ‪ ،‬ذل ك قال‬
‫املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( ان آردت ورود املواهب عليك ‪ ،‬حصح الفقر والفاقة دليك { امنا‬
‫الصدقات للفقراء } )‬
‫ان آردت آهيا املتعرض ملواهب هللا ‪ ،‬املتعطش اىل ورود منن هللا ‪،‬‬
‫فنفحات هللا جارية التنقطع ‪ ،‬ومواهبه متواصةل المتتنع ‪ ،‬ومابق م االعدم‬
‫التأهل وامليل عن جاد سبيلها ‪ ،‬فاذا آحسنت ماهنا فهي عليك واردة‬
‫ومنك دانية ‪ ،‬وتصحيح ذ ك بأن حتقق به وتراه الزما ك ‪ ،‬ويكون عندك‬
‫حاال ونعتا وصفة ‪ ،‬الترى ك من وصف العناء شئ ‪ ،‬وان نلت لك شئ ‪.‬‬
‫والفقر مقام رشيف من مقامات الرجال ‪ ،‬وهو عندمه من آرشف اخلصال‬
‫‪ ،‬وآرفع اخلالل ‪ .‬ومل يتحقق للكيته اال من اس تمكل يف مقام القرب حاهل ‪،‬‬
‫وثبت نور االيقان يف مصمي مركزه ورشحه ‪ ،‬وعالمة من هو حالته وكيفية‬
‫طريق الصوفية ‪ ،‬وتفوات درجاهتم ‪ ،‬وتباين آحواهلم اىل فاضل وآفضل‬
‫وخيرج عن غرض الرشح ‪.‬‬

‫‪418‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫والفقري آسود الوجه آبدا ‪ ،‬والفاقة من الزمه ووصفا من صفاته ‪ ،‬بل ركنه‬
‫العظم ‪ ،‬ويه آثرة عىل ظاهر العبد ‪ ،‬وهبا يس تبني عىل ماظهرت عليه ‪:‬‬
‫امنا الصدقات الورادات ‪ ،‬واملنح الواصالت ‪ ،‬والرحامت النازالت للفقراء‬
‫الهيا ‪ ،‬واملتعرضني لسبيلها " ان هلل يف آايم دهرمك نغحات فكونوا متعرضني‬
‫لها ‪ .‬واستشهاده عىل الصدقات احلقية واملنن الوهبية ‪ ،‬هبذه الصدقات‬
‫املفرتضة املالية ‪ ،‬مما ينبه آويل اللباب ‪ ،‬ويوقف آهل االستبصار عىل‬
‫آرشف االفتقار ‪ ،‬ولطف املكل اجلبار بأهل االضطرار ‪ ،‬وذ ك شاهد‬
‫ظاهر وحق سافر ‪ ،‬للك مستنرص انظر ‪ .‬وصفة االفتقار ما س يذكره الن‬
‫بأثر هذه من الوصاف اخللقية ‪ ،‬والتعلق ابلصفات احلقية ‪ ،‬ويل يف ذ ك‬
‫شعرا ‪:‬‬
‫اذا آردت ورود الوهب واملنن عليك حصح اليه الفقر واعـــــــترب‬
‫فامي افرتضه اهل اخللق رازقــــهم يف املال فاعرب اىل مقصودان النرص‬
‫فاذا حتققت بوصفك كنت عبدا آديبا ‪ ،‬ومن حرضته قريبا ‪ ،‬ذل ك قال‬
‫املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( حتقق بأوصافك بأن تعمل ما آنت عليه من االضطرار اليه ‪ ،‬ميدك بأوصافه‬
‫بأن جيعل ك بدل لك وصف تكون فيه عنك فانيا ‪ ،‬وصف من آوصافه‬
‫آن تكون به متعلقا )‬
‫وكذا لك امس من آسامئه تعاىل تكن به متخلقا ‪ ،‬عدى امس الوهبية‬
‫فاليكن به اال متعلقا ‪ .‬م فرس آوصافك اذلي طلب منك آن تكون هبا‬
‫متحققا وهبا متخلقا ‪ ،‬اذلي من بعضها الضعف واذلةل والفقر والعجز ‪ ،‬فلك‬
‫ماحتققت بوصف من آوصافك مدك بوصف من صفاته العلية ‪ ،‬اليت يه‬
‫‪419‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫مس تودع مواهبه السنية ‪ ،‬فقال ‪ :‬حتقق بذ ك ميدك بعزته اليت آعز هللا هبا‬
‫عباده املؤمنني ‪ .‬حتقق بعجزك ميدك بقدرته اليت هبا برزت العيان ‪،‬‬
‫وانربآت الكوان ‪ .‬حتقق بضعفك ميدك حبوهل وقوته اذلي مل يبال بسوء من‬
‫اكنت هل ‪ ،‬ومل يعدوا السوى عىل من انتصبت هل ‪ ،‬فلك من اكن كذ ك‬
‫طرحيا مسكينا مل يرى هل دون س يده انرص ‪ ،‬واللضعفه معينا اال اايه ؛‬
‫اكن هل ابلعون والنرصة واملدد والعزة ممسا ‪ ،‬فناده بلسان عبوديتك وعدم‬
‫حو ك وقوتك ‪ ،‬وتلبس آثواب ذلتك ‪ ،‬واطرح يف تراب آرض مسكنتك‬
‫‪ ،‬يكون هل بربوبيته متوليا ‪ ،‬وبأرسار حمبته متدليا ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ان التحقق ابلوصــــف يف البرش ينيكل الرتبــــــــــة العلياء والعمل‬
‫ميدك هللا من آوصافه فكــــــــذا يكون لك آديب صاحل العــــــمل‬
‫فضعف عبد مع فقر وذلـــــــــته وجعزه سمل التحقيق فانتـــــــــــقل‬
‫عن وصف عبد همني الصل مفتقر اىل جامل صفات الساميات تــيل‬
‫والتحقق هبذه الصفات التكون اال لعبد خمطوب ‪ ،‬وحظ موهوب ‪،‬‬
‫يكون متجليا ابطنا ابالميان ‪ ،‬وظاهرا ابالتيان ابلعمل عىل وفق المر ‪،‬‬
‫ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( رمبا رزق الكرامة من مل تمكل هل االس تقامة )‬
‫وهذا اندر ؛ فالكرامة غالبا التنال والتكون اال نتيجة حسن االس تقامة ‪،‬‬
‫ولك كرامة ظهرت مع االعوجاج عن سنن االس تقامة فهي من ابب املكر‬
‫واالس تدراج ‪ ،‬آعاذان هللا مهنا ‪.‬‬
‫فالكرامة يه مايظهر من رس القدر عىل خالف العادة املتبعة ‪ ،‬فالنفوس‬
‫لها متشوقة ولشأهنا معظمة ‪ ،‬ويه حقيقة بذ ك ‪ ،‬لكن الشان لك الشان‬
‫‪420‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فامي يكرم هللا به عباده من مزيد االميان ‪ ،‬ويبادي به قلوهبم من آنوار‬


‫االيقان ‪ ،‬ويتحف به آرسارمه من الشهود والعيان ‪ ،‬فاليلتفتون اىل غري‬
‫ذ ك املطلب ‪ ،‬واليعرجون عل ذ ك املأرب ‪ .‬واالس تقامة يه القيام ابلمر‬
‫ظاهرا ‪ ،‬والفناء عن الغيار ابطنا اليعطل نور اميانه رشائع آعامهل ‪،‬‬
‫والتعطى دقائق طرائق آعامهل آنوار عرفانه ‪ ،‬فأمر هللا اليتجاوزه آمر وان‬
‫دق ‪ ،‬فانيا عن سائر آوصافه وآفعاهل وان جل ‪ ،‬الاحساس هل بنفسه‬
‫الس تغراقه يف حرضة قدسه ‪ ،‬وتوايل شهود آنسه ‪ ،‬والغيبة هل عن آمر‬
‫خالقه ‪ .‬فاالس تقامة آعز مقام عند ذوي التحقيق ‪ ،‬وآقىص مرام عند آويل‬
‫التوفيق ‪ ،‬اليطلبون دوهنا حاال ‪ ،‬واليش تغلون عهنا بظهور آية ‪ ،‬فالكرامة‬
‫لك الكرامة مايكون به عند هللا كرميا ‪ ،‬واالهانة لك االهانة ماتصري به‬
‫عنده همينا ‪.‬‬
‫واكن من آخالق السلف الصاحل عدم االلتفات اىل ظهور الايت ‪ ،‬وان‬
‫ظهرت عىل آيدهيم مفن ابب االتفاق ـ اليرون آن ذ ك لك املطلوب ‪،‬‬
‫والكرامة شاهدة حبسن االس تقامة لهنا مثرهتا ‪ ،‬وان حصلت عهنم آوبرزت‬
‫مهنم فيكون فرهحم من حيث حصة اس تقامهتم المن حيث بروز كرامهتم ‪.‬‬
‫وهلم يف ذ ك الكم ذويق ‪ ،‬فيه تشويق اىل النفوذ اىل التحقيق ‪ ،‬يزجعون‬
‫به املريدون عن السلوك الهيا واالعامتد علهيا ‪ ،‬واالس تقامة ظاهرا موافقة‬
‫الوامر الرشعية آمرا وهنيا وجواب وحرضا كراهية وندبـا وختلقا وتكرما ‪،‬‬
‫وتزنها وحتفظا ‪ ،‬جبميع اجلوارح ابطنا وظاهرا ‪ ،‬قلبا ولساان وعينا ومسعا‬
‫ويدا ورجال وبطنا وفرجا ولكية ‪ ،‬فلك ماحوت هذه امجلل هو آحد سق‬
‫السعادة ‪ ،‬والنظر يف الطرف الخر امياان ويقينا وشهودا وعياان وحفظا‬
‫‪421‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وتأداب ‪ ،‬رسا وروحا ‪ ،‬وعقال وقلبا وكشفا ‪ ،‬وكاملها القيام مبقتىض االسالم‬
‫ظاهرا ‪ ،‬ومبقتىض االميان وهو االستسالم ابطنا ‪ ،‬ومن آعط ذ ك وجعل‬
‫يتشوف اىل غريه فهو انقص الفهم آمعى البصرية ‪ ،‬فاالس تقامة حق احلق‬
‫منك ‪ ،‬والكرامة حظ النفس وهبا تقيض وطرها من انتشار خربها وظهور‬
‫آثرها ‪ ،‬حىت آن بعض العارفني يقول ‪ :‬من مل يكن ظهور الكرامة منه‬
‫كظهور املعصية فليس من الصدق يف شئ ‪ .‬آوكام قال ‪.‬‬
‫وحلاةل تكون فهيا حبق هللا آوىل من حاةل تكون فهيا حبظ نفسك كام تقدم‬
‫معىن ذ ك آول الكتاب ‪ .‬وكامل االس تقامة ابس تقامة العبد بالك شقهيا‬
‫ومجع طرفهيا ‪ ،‬ومن اكن كذ ك اكن من آخص املقرينب ومكل العارفني‬
‫وآفراد املوحدين ‪ ،‬ومن قام بطرف الظاهر دون احاكم توحيد اليقني فهو‬
‫يعد من زمرة آحصاب الميني ‪ ،‬ومن طمع يف نيل ابطهنا دون احاكم‬
‫ظاهرها وقع يف ورطة املعطلني واجلهال املغرورين ‪ ،‬ومن حتقق بباطهنا‬
‫وآحمك ظواهرها فهو من العلامء الرابنيني والهداة املهتدين ‪ .‬جعلنا هللا مهنم‬
‫‪ ،‬وهنج بنا هنجهم ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فاالس تقامة آقىص مايراد ومن مل يسكل الس بل مل يس تفتح السفر‬
‫ان الكرامة وان جلت مراتـهبا عالمة يف سلوك السادة الغــــــــرر‬
‫واالس تقامة بدر يه نتاجئــــها كام نتج من فنون الشجرة المثـــــــر‬
‫ولالس تقامة املراد هبا املرضية عالمات وآمارات ليكون العبد فهيا قامئا ‪،‬‬
‫فلك معل تنشأ صورته عن العبد فالاعتبار به دون هللا تعاىل ‪ ،‬ولك ما‬
‫آقمي فيه من هللا فهو الكثري وان قل صورة ‪ ،‬فذل ك قال املؤلف ريض‬
‫هللا عنه ‪:‬‬
‫‪422‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫( من عالمة اقامة احلق ك يف الشئ ‪ ،‬اقامته اايك فيه ‪ ،‬مع حصول النتاجئ‬
‫)‬
‫مفن عالمة اقامة هللا للعبد يف الشئ املالبس هل ‪ ،‬واحلاةل الراهنة عنده‬
‫لميزي عن مقام االنسان يف الشئ بنفسه اذلي ال اعتداد به عند ذوي‬
‫البصائر ‪ ،‬الناظرين بغري التحقيق يف طرائق التدقيق ‪ ،‬من آقامة احلق‬
‫اايك يف الشئ اذلي هو عني ماحيصل به الدب مع هللا حاال وفعال ‪ ،‬وان‬
‫تناءت عنه آفهام احملجوبني ابلنظر اىل ظواهرالصوربكثيف طبع البرش ‪،‬‬
‫دون النظر اىل الرسار الغيبية واملعاين امللكوتية ‪ ،‬وذل ك عالمات‬
‫وظواهر آمارات ‪ ،‬فأوحضها وآثبهتا ماذكره املؤلف رمحه هللا من اقامة احلق‬
‫ ك فيه ‪ ،‬واقامة احلق ال يصحهبا ماخيالف آمره ويتعدى طوره ‪ ،‬لئال‬
‫يظن ذو هجل آنه قامئ يف املعايص ابهلل آمرا ورضاء ‪ ،‬ولكن قهرا واقتدارا‬
‫‪ ،‬وليس املراد هنا اال االقامة املرضية املوافقة لمره احملبوبة دليه فهيا عىن‬
‫ولها آراد يف عبارته وعالمات قبولها ‪ ،‬مفن آقمي فهيا وآهنا عنده مرضية‬
‫حصول النتاجئ القربية ‪ ،‬لن ثواب الطاعات يف ادلنيا تيسري احلس نات ‪،‬‬
‫وفعل القرابت ‪ ،‬وتوايل آفعال اخلريات ‪ ،‬ويف الخرة رفع ادلرجات يف‬
‫اجلنات ‪ ،‬وتوايل املثوابت ‪ .‬فان آشلك عىل السا ك حاهل فليفرض هذه‬
‫احلمكة عليه ‪ ،‬فان وجد ذ ك فليحمد هللا ‪ ،‬وليتخذ اجلد هل مساقا ‪،‬‬
‫وليداوم معهل واليطلب اخلروج عنه حىت يكون احلق هو اذلي يتوىل‬
‫اخراجه ‪ ،‬وينصب معراجه ‪ ،‬اىل ماهو آرفع وآقرب عنده ‪ ،‬واليزال كذ ك‬
‫آبدا ‪ ،‬وليجعل من دعائه { وقل رب آدخلين مدخل صدق وآخرجين‬

‫‪423‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫خمرج صدق واجعل يل من دلنك سلطاان نصريا } [ الية ‪ 80‬االرساء ] ومىت‬


‫اكن العبد عىل غري ذ ك آما بأن يقوم يف غري مطلوب منه رشعا ‪ ،‬ويقول‬
‫لين قامئ ابهلل فيه ‪ ،‬آويقوم يف الشئ بنفسه ويرى حوهل وقوته ‪ ،‬ويغيب‬
‫عن هللا فامي منه وعنه فقد آخطا الدب ‪ ،‬وتعرض ملواقع الطلب ‪ ،‬ومل ينل‬
‫منه ماطلب ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫يف فعـــــــــــهل لكام يأتيه حمبوب‬ ‫مفن عالمات آن احلق قائد من‬
‫يصحبه انتاج ماهو منه مطلوب‬ ‫آدامه منه تيسري لـــــــذاك وان‬
‫مفن اكن بشهود ما من هللا ليس من اكن بشهود مامنه اىل هللا وهذه‬
‫عالمة عىل حصة توحيد السا ك ‪ ،‬وبيان ماهو سالكه من الطرق‬
‫واملسا ك ‪ .‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( من عرب من بساط احسانه ‪ ،‬آمصتـته االساءة مع ربه ‪ ،‬ومن عرب من‬
‫بساط احسان هللا اليه مل يصمت اذا آساء )‬
‫هذا بيان حلاليت الواصلني ‪ ،‬واجملذوبني احملبوبني املرادين ‪ ،‬ويعرب عهنم‬
‫بأهل التعريف ‪ ،‬لن هللا ابتدامه منه بتعريفه وتعرفه ‪ ،‬وآهل التلكيف‬
‫املريدين احملبني السالكني الراحلني اليه من شهود الغيار وظلامت الاثر ‪،‬‬
‫احلاملني آعباء مشقات مقاسات جماهدة النفوس ‪ ،‬ومباينة النحوس ‪،‬‬
‫يتسللون عن مضائق الشهوات وضنك الرموس ‪ ،‬يتحرون ما هو الوىل‬
‫يف نظرمه ‪ ،‬وماهو الجدى يف فكرمه ‪ ،‬يزنون مبوازين العقول والنقول‬
‫مايأخذون ويذرون ‪ ،‬ويرون آن آفعاهلم هلم مملوكة ‪ ،‬وآحواهلم هلم ممسوكة ‪،‬‬
‫وذ ك عند العارفني الفانيني عن وجودمه ‪ ،‬الغائبني عن جحاب رشودمه ‪،‬‬
‫املقبلني بلكية بواطهنم وظواهرمه عىل ما منه الهيم ‪ ،‬فالول حال الزهاد‬
‫‪424‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫والعباد ‪ ،‬وتالزهمم الحزان ‪ ،‬فان وعظوا آونصحوا نظروا اىل مامهنم اىل‬
‫هللا من اخملالفة وقةل احلياء ‪ ،‬فيصمتون الحماةل ‪ ،‬ويرجعون اىل نفوسهم‬
‫ابذلم واملالمة ‪ .‬والعارفون انظرون اىل ما من هللا الهيم فاليرون هلم يف‬
‫اجياد الفعال وتقومي الحوال دخال ‪ ،‬فتنطلق آلسنهتم كيف اكنوا لفنامه‬
‫عهنم ‪.‬‬
‫قال آبو طالب امليك ريض هللا عنه ‪ :‬حدثت عن بعض هذه الطائفة قال‬
‫‪ :‬اكن قد بق يف نفيس شئ من القدر وكنت آس تكشفه من العلامء‬
‫فالينكشف حىت قيض يل بعض البدال فاس تكشفته اايه ‪ ،‬فقال ‪ :‬وحيك‬
‫ماتصنع ابالحتجاج ‪ ،‬حنن نكشف رس امللكوت فننظر اىل الطاعات تزنل‬
‫صورا من السامء حىت تقع عىل جوارح قوم فتتحرك اجلوارح هبا ‪ ،‬وننظر‬
‫اىل املعايص صور مصورة تزنل مبشاهدة القدر ‪ .‬وقال آيضا ‪ :‬كنت قبل‬
‫آن ينكشف يل مشاهدة عمل اليقني ‪ ،‬فرآيت يف النوم كن قائال يقول ‪:‬‬
‫القدر من القدرة ‪ ،‬والقدرة صفة القادر ‪ ،‬فيقع القدر عىل احلركة فالتتبني ‪،‬‬
‫فتظهر الفعال من اجلوارح ‪ ،‬آوقال ‪ :‬فتتحرك اجلوارح ابلفعال والتبني ‪.‬‬
‫انهتيى ‪.‬‬
‫فهذا مشاهدة آهل التعريف وماشالكه من مشاهدة الفعال عىل الكشف‬
‫من هللا صادرة ‪ ،‬والعباد فهيا اكلالت املسخرة ‪ ،‬فكيف يصمته شئ ليس‬
‫اليه والمنه ‪ ،‬وان نسب فبحمك العدل ومنع الفضل ‪ ،‬لن هل يف اجياد‬
‫الفعال قدرة ‪ ،‬واحملجوبون عن شهود ذ ك يف عام يطولون بألسنهتم عند‬
‫ماتظهر هلم املوافقات ‪ ،‬وخيجلون ويصمتون اذا برزت عىل آيدهيم‬
‫اخملالفات ‪ ،‬وذ ك لهنم شاهدين لفعاهلم ‪ ،‬ومثبتني لوجودمه ‪ .‬فهم وان‬
‫‪425‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫خرجوا عن ظاهر الرشك الينفكون عن ابطنه ‪ ،‬ووراء ذ ك قوم احرتقت‬


‫ذواهتم حتت سطوات ظهور الحدية فمل يبق هلم غيبة وال آينية ‪ ،‬يرون‬
‫مامنه اليه غائبني عن الوجود ‪ ،‬متالشني يف الشهود ‪ ،‬الآخبارهلم عن‬
‫آنفسهم حىت يرون مهنا آوالهيا ‪ ،‬فهؤالء آهل التوحيد اخلالص عن شوب‬
‫رؤية الغيار ‪ ،‬ومزج ظلمة الاثر ‪ ،‬اليتعرثون يف آذايل الفاكر ‪ ،‬ومل‬
‫يقفوا عند جنة آوانر ‪ ،‬بل انهتكت عن بصائرمه الس تار ‪ ،‬وجتىل علهيم‬
‫جامل س يدمه ‪ ،‬وتوالت علهيم منحه وعطاايه ‪ ،‬وتزنل علهيم اللطاف {‬

‫فال تعمل نفس ما آخف هلم } مايلك عن وصف الوصاف ‪ ،‬عاينوا رصف‬
‫احلق كفاحا ‪ ،‬وآرشق من آفق الشهود صباحا ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫تصمت وان اكن يف حال اخلفا آرسا‬ ‫مفن يعرب عن بسط الشهود مفا‬
‫يناهل جحـــــــــــــــــهل احلاين عليه ترا‬ ‫ومن يعرب عام منه ذاك مفــــــــا‬
‫ولك من اكن ابهلل حقيق آن تطول لسانه واليصمهتا عروض سبب ‪،‬‬
‫آويصدها حصول آرب ‪ ،‬ومن اكن يرى نفسه وآفعالها وسوء اجرتاهحا‬
‫وجرآهتا وتعدهيا عىل حدود س يدها واقتحام شهواهتا ‪ ،‬واتباع هواهئا من‬
‫غري مباالة مهنا ‪ ،‬مصت من سوء مايراه من اجرتاء عىل مواله ‪ .‬فهو ان‬
‫برزت عنه طاعة تلكم وانبسط ‪ ،‬وان حصلت عنه هفوة مصت وانقبض ‪،‬‬
‫وهذا حال السا ك قبل عثوره عىل كزن املعرفة ابهلل اليت التتعلل ابلعلل ‪،‬‬
‫حفري آن اليقبل عنه عند سامعه موعظة ‪ ،‬والتصل اىل قلبه نور حمكة ‪،‬‬
‫ملا علهيا من بقية رؤية النفس ‪ ،‬والعارف ليس كذ ك يكون ابهلل غائبا عن‬
‫نفسه وصفاهتا ‪ ،‬ونس بة آفعالها ‪ ،‬فيتلكم ابهلل فيقبل منه الحماةل قوهل ‪،‬‬

‫‪426‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وتصل اىل قلوب السامعني موعظته ‪ ،‬فينتفعون بذ ك آمت انتفاع ‪ ،‬ذل ك‬


‫قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( تس بق آنوار احلكامء آقواهلم ‪ ،‬حفيث صار التنوير وصل التعبري )‬
‫تس بق آنوار احلكامء ويه آنوار احلضور الاكئنة عند رفع الس تور ؛ كنور‬
‫اليقني وعينه وحقه اذلي حمل تزنلها الرسار والرواح والقلوب ‪ ،‬وهذه‬
‫لكها آرسارغيبية ‪ ،‬وآحوال وهبية ‪ ،‬اليكون بعمل والتنال حبيةل ‪ ،‬بل امنا‬
‫حيظى هبا اجملذوبون ‪ ،‬املرادون غالبا قبل وجود تأهل مهنم لها ‪ ،‬آوتطلع‬
‫مهنم الهيا ‪ ،‬بل يفجامه كفاحا ‪ ،‬ويلقى علهيم آنفاس الوقت آرواحا ‪ .‬فأول‬
‫مايقع مهنم النظر اىل الوهاب املبتدي ابالمتنان ‪ ،‬ومفيض الفضل‬
‫واالحسان ‪ ،‬وغريمه ممن آخذ يف طريق الرتيق يف مدارج السلوك ليس‬
‫كذ ك ‪ ،‬آول مايرى نفسه وآوصافها وآفعالها ‪ ،‬فاحلكمي هو العامل ابهلل دون‬
‫غريه من سائر علامء الرسوم ‪ ،‬لن شعاره خمافة هللا ويه رآس احلمكة كام‬
‫ورد ‪ :‬احلمكة خمافة هللا عز وجل ‪ ،‬وخوف احلكامء من هللا رصفا الميزجه‬
‫خوف سبب من الس باب ‪ ،‬بل خوف انصاف اكلهيبة ابزاء اجلالل ‪،‬‬
‫واالنقباض واالنطواء حتت سطوات العظمة ‪ ،‬فهذا وماجرى جمراه من‬
‫خوف العلامء ابهلل ‪ ،‬املعرب عنه ابخلش ية ‪ ،‬اذ يه آمع ذل ك املعىن اذلي‬
‫عنا هللا بقوهل { امنا خيىش هللا من عباده العلامء } وخوف السالكني‬
‫وطوائف العباد والزهاد لس باب نصهبا هللا مزجعة هلم اليه وسائقة هلم اىل‬
‫عبادته ‪ ،‬وآس باب مشوقة تدعومه اىل دخول حرضته ‪ ،‬كام قال هللا عز‬
‫وجل { ذ ك خيوف هللا به عباده ايعباد فاتقون } [ الية ‪ 16‬الزمر] فافهم‬

‫‪427‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫االشارة يف قوهل ‪ :‬ايعبادي اخلاصني فاتقون ‪ ،‬واحلكامء اذا آرادوا آن‬


‫يتلكموا آوقصدوا ارشاد طالب آول ما يفزعون اىل هللا يف آن يوصل اليه‬
‫كام آوصل الهيم ‪ ،‬فيتلكمون مع اخلروج عن رؤيهتم يف حرضة س يدمه ‪،‬‬
‫فيصل التعبري حيث وصل التنوير ؛ ان اكن من آنوار القلوب وصل‬
‫التعبري اىل القلوب فانبسطت علهيا آنوار االميان ‪ ،‬وامتلت ابرشاق‬
‫االيقان ‪ ،‬وان اكن من آنوار الرواح وصل التعبري اىل روح السامع فرياتح‬
‫شوقا ويطرب حبا فال يامت ك الروح عند سامع ذكر احلبيب ‪ ،‬واليس تقر‬
‫دون التطلع عىل آخباره ‪ ،‬فيتدهل ذل ك الروح ‪ ،‬ويس يب السوح ‪ ،‬فتبدوا‬
‫لوامع وملوح ‪ ،‬وتزنل مواهب وفتوح منوح ‪ .‬وان اكن من آنوار الرسائر‬
‫العلية وصل التعبري اىل رس السامع فيس تغرق يف الشهود ‪ ،‬ويطيح يف‬
‫الوجود ‪ ،‬ويغيب يف الشهود عن الوجود ‪ ،‬وتتواىل هناك عليه جتليات‬
‫آزلية ‪ ،‬وجامالت رسمدية ‪ ،‬تتصل ابلعوامل ادلميومية ؛ مفا آجعب هذه العبارة‬
‫حيث قال ‪ :‬وحيث اكن التنوير وصل التعبري ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫السابقون اىل عـــــني اليقني تكن آقواهلم تبع والنور قائــــدها‬
‫فسارعت حني اكن القايلون يكن للسامعني قراء يف موائدها‬
‫فالالكم ترجامن اجلنان ‪ ،‬فلك جنان مؤيد بنفس رحامين ورس امتناين ‪،‬‬
‫خرج الالكم مغمور ابلنور ‪ ،‬موجد عند السامع الرسور ‪ ،‬وممنحه غاايت‬
‫الماين واحلبور ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( لك الكم يربز وعليه كسوة القلب اذلي منه برز )‬
‫لك الكم برز من ابطن اىل ظاهر فهو دليل مابرز عنه من آي اللطيفتني‬
‫‪ ،‬ان اكن من اللطيفية القلبية النورانية الرابنية املقدسة عن دنس لوث‬
‫‪428‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫الكوان وغبار قرت الغيار خرجت صافية رائقة ‪ ،‬ماصادفت لطيفة‬


‫مودوعة اال اكنت يف الفؤاد غرسة مزروعة ‪ ،‬يصادف مهنا لك من مسعها‬
‫رس احلياة ‪ ،‬كام تصادف الرض عند نزول وابل املطر احلياة ‪ ،‬ولكن‬
‫الرض بعد ذ ك تفرتق اىل قيعان وآرض طيبة ووحدات حافظة كام ورد‬
‫ذ ك مس توىف املعىن يف احلديث النبوي ‪ ،‬ويشاهد ذ ك عند السامعني‬
‫ظاهر ‪ ،‬فان احلمكة الواحدة يتلكم هبا واحد فتقبل منه ويتلكم هبا الخر‬
‫فرتد ‪ ،‬وماذ ك يف احلمكة وامنا هو حبسب من برزت عنه من الصفاء‬
‫القليب ‪ ،‬والكدورة النفسانية ‪ ،‬والظلمة الشهوانية الهوائية الرضية ‪.‬‬
‫فالشاهد يف املعىن اذلوق املوجود يف الالكم ‪ ،‬مفا يمتزي اال به ‪ ،‬ويعرف‬
‫ذ ك من زامح احلكامء ومارس الكم العلامء ‪ ،‬فانك جتد يف الكم بعضهم‬
‫ماالجتده يف الكم الخر مع اس تواهئام يف العبارة ‪ ،‬بل قد يكون من هو‬
‫آرك يف ظاهر اللفظ آقوى تأثريا يف الباطن ‪ ،‬وذ ك ملا عنده من وفور‬
‫اليقني ‪ ،‬وكامل الصحو والمتكني ‪ ،‬وذاك اذلي قد حتسن عبارته ظاهرا من‬
‫غري قوة يقني يف الباطن وكامل حتقيق جتده دون ذاك ‪.‬‬
‫وقد كنت آجد عند حضوري مبجلس س يدي وحيد عرصه معر بن‬
‫الرمحن آنه يتلكم مع العوام فامي يتلكمون وآجد هل من التأثري ما ال آجده يف‬
‫الكم غريه من املصنفني ‪ ،‬وكثريا ما حيصل من غريه مذاكرة وآجد القلب‬
‫عند ذاك ساكن اليعبأ هبا ‪ ،‬فاذا تلكم آنصت القلب وتعشق اىل الكمه‬
‫تعشقا ذوقيا ‪ ،‬فلو اطلع ذو غباوة عىل ما آجده يف بعض الكمه لعجب‬
‫مين لك العجب ‪ ،‬فامحلد هلل ‪ ،‬فلو آخذت فامي وجد من الكمه من الفوائد‬

‫‪429‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ملا وجدت لها حرصا ‪ ،‬وبقيت يف بقية مديت آتصفح الكمه فأجد لها آوجه‬
‫‪ ،‬وذ ك ملا هو عليه من كامل المتكني يف مقامات اليقني ‪.‬‬
‫واكن يروي لنا عن ش يخه قدوة الانم ‪ ،‬املشهود هل عند اخلاص والعام بأنه‬
‫اخلتام ‪ ،‬حسني بن س يدان الش يخ آيب بكر نفع هللا هبم ‪ ،‬ونظمنا يف‬
‫سلكهم ‪ ،‬ومجعنا معهم مع الحبة يف دار السالم ؛ الكما يرويه اس تخرج‬
‫منه علوما لطيفة ـ وآحوالا منيفة ‪ ،‬مع آنه اكن ذ ك الالكم مما يتداولونه‬
‫العوام ‪ ،‬وقد آفردانه يف نبذة لطيفة ‪ ،‬فليطلب مهنا هناك يعرث عىل صواب‬
‫اشاراهتم يف بواطن عباراهتم ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫مايف القلوب من النوار مس تور‬ ‫ان اللسان دليل السامعني عىل‬
‫فلك قول جتـــــده السامعون جل يف القلب فاعمل بأن الرس مغمور‬
‫ومايرده مسع السامعني لـــــــــــه دليل خيرب بأن القلب مســـــتور‬
‫واالذن من هللا لعبده آصل النفع ‪ ،‬واالذن اليعرف اال بدليل يدل عىل‬
‫هللا مأذون هل يف الالكم ‪ ،‬مريض هل يف القول ‪ ،‬والكم غري املاذون‬
‫الجدوى هل وان متىن وتزخرف ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه منهبا‬
‫عىل دالةل االذن ‪:‬‬
‫( من آذن هل يف التعبري فهمت يف مسامع اخللق عبارته ‪ ،‬وجليت الهيم‬
‫اشارته )‬
‫من آذن هل من الواصلني ‪ ،‬والعلامء احملققني ‪ ،‬والسادات املقربني يف التعبري‬
‫عام جيده من كشف العلوم وايضاح احلقائق ‪ ،‬وبيان طرائق الهدى بعد‬
‫متكنه مهنا ‪ ،‬وحتققه فهيا عىل احملجة البيضاء ‪ ،‬واحلنيفية السمحاء ـ اذلي‬
‫اليدخل فيه ارتياب ‪ ،‬ومل يغطى بكثيف جحاب ‪ ،‬ابيصال النفع وادلعاء اىل‬
‫‪430‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫امجلع ‪ ،‬فذل ك دليل وعالمة ‪ ،‬فعند صاحبه بأن جيد يف رسه من هللا آمرا‬
‫الميكنه خالفه ؛ بأخذه عن الكشف واليقني ‪ ،‬فيتلكم ابهلل البنفسه ‪ ،‬وهلل‬
‫اللهوى والطلب حظ ‪ ،‬ومن هللا آداب واس تضعافا واستئذاان ‪ ،‬واىل هللا‬
‫التجاء ولياذا واعامتدا ‪ .‬ودليل ذ ك للمتلق آمور ظاهرة وآمور ابطنة ‪،‬‬
‫مفن الظاهرة حسن االس تقامة واتباع الس نة والورع والزهد واالانبة وغري‬
‫ذ ك من شعائر ادلين ‪ ،‬وادلليل ابطنا بأن جيد لالكمه اس امتعا وقبوال وفهام‬
‫وتعشقا ‪ ،‬ولالشارة فهام وفتوحا ‪ .‬فاذا فهمت العبارة ‪ ،‬وجتلت ك االشارة‬
‫؛ فاقبل والتنكر فتكون من حزي آهل العزة ابهلل ‪ ،‬لقوهل صىل هللا عليه‬
‫وسمل " ان من العمل كهيئة املكنون اليعرفه اال العلامء ابهلل ‪ ،‬فاذا نطقوا به‬
‫الينكره علهيم اال آهل العزة ابهلل ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫عالمة االذن يف اظهار معرفة للسامعني آمور حتـــــــــتوي فهيا‬
‫وجود فهم ملا عرب مطـــــــابقة وجتتيل من علوم الكشف خافهيا‬
‫واذا مل يكن هناك اذن للمتلكم فاليسوغ لسامع واليروق دليه ‪ ،‬بل خيرج‬
‫وعليه سامجة الهوى وظلمة ادلعوى كامقال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( رمبا برزت احلقائق مكسوفة النوار ؛ اذا مل يؤذن ك فهيا ابالظهار )‬
‫رمبا وقليل بروزها مع وجود الهوى اال اندرا ‪ ،‬مس تعارة من الكم غريها ‪:‬‬
‫الكبس ثوب مل ينسج عليه ‪ ،‬وجالب حتفة مل هتدى اليه ‪ ،‬فربزت صورة‬
‫حقيقية مقبوةل من حيث احلمك ‪ ،‬ولكهنا مكسوفة النوار كام يظمل‬
‫الكسوف بضوء الهنار ‪ ،‬وذ ك آن مشس الرس الاكئنة يف برج الروح‬
‫ادلائر يف سامء القلب مل يكتىس من نور الكشف مايظهر به استنارته يف‬
‫آفاقه ‪ ،‬فالتتبني بوجوده ‪ ،‬ومل يظهر بشهوده آرسار امللكوت ‪ ،‬ومل ترتآء‬
‫‪431‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فيه حقائق اجلربوت ‪ ،‬فيكون مكسف الحماةل ‪ ،‬فال تعرف نفاسة احلقائق‬
‫هنا ملا غش هيا من ظلمة آخالق النفس الرضية احليوانية ‪ ،‬وغطا جاملها‬
‫من غبار الكثائف الغريية ‪ ،‬فلو برزت هذه احلقائق النفيسة يف آرض‬
‫مرشقة بنور رهبا حلصل لها القبول ‪ ،‬وحصلت عىل لكية املأمول ‪ ،‬فرمبا‬
‫خترج احلقيقة الواحدة عىل آثنني فتقبل من واحد ملا عليه من نور جامل‬
‫الوصال ‪ ،‬وترد عىل الخر ملاعليه من ظلمة الطبع وكثافة الهوى ‪ ،‬وذ ك‬
‫مشاهد ابذلوق ملن هل قلب يح جيده دليه عتيد ‪ ،‬فاذا مل يس تمكل‬
‫آوصاف العراف ‪ ،‬ومل حيظى بورود اللطاف ‪ ،‬ومل تتيرس هل العبارة ‪ ،‬ومل‬
‫تنكشف هل رس االشارة ‪ ،‬فذ ك دليل عىل عدم االذن ‪ ،‬وآنه مل يأذن هل‬
‫آن يكشف احلقائق ‪ ،‬ويوحض مشالكت الطرائق ‪ ،‬فيلزم الدب حىت يأيت‬
‫هل االذن يف ذ ك ‪ ،‬وعالمة ما آوحضناه آنفا ‪ ،‬ومنه تيسري العبارة هل يف لك‬
‫ماتوجه اليه مع السالمة من الفات القادحة يف االخالص ‪ ،‬فاذا حصل هل‬
‫ذ ك اكن اكالذن يف ابرازها ‪ ،‬وهو دليل الرضاء من هللا ‪ ،‬فمل مل يراد ذل ك‬
‫مل يتيرس هل صعاهبا ‪ ،‬ومل تنكشف هل نقاهبا ‪ ،‬وعند نزولها حينئذ الميرتي‬
‫فيه اال ذو حسد وعناد ‪ ،‬مل حيظى بصفو الوداد ‪ ،‬فيقوم معارضا فيحرق‬
‫دودة نفسه مكدا ‪ ،‬ومل جيد لباطهل من احلق مسعدا ‪ ،‬فريجع خائبا ‪،‬‬
‫ويصري جده بنار احلق ذائبا ‪ .‬اللهم آران احلق حقا وارزقنا اتباعه ‪ ،‬وآران‬
‫الباطل ابطال وارزقنا اجتنابه ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ورمبا تــــربز الرسار مكسفــة ملا علهيا من الاثر والغـــــــــــري‬
‫وذاك فهيا دليل آرابب معرفة عىل استتار وجود احلق ابلبرش‬

‫‪432‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وعباراهتم ومصوانت اشاراهتم اليكونون فهيا خمتارين ‪ ،‬بل ملعان فهيا ‪،‬‬
‫فاليس تعجلون وجودها مامل تظهر احلمكة يف ذ ك ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف‬
‫ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( عبارهتم اما لفيضان وجد ‪ ،‬آولقصد هداية مريد ‪ ،‬فالول حال السالكني‬
‫‪ ،‬والثاين حال آرابب املكنة واملتحققني )‬
‫عبارة الطائفة فامي يظهرون من مغيبات الرسار ومصوانت النوار لمرين‬
‫لفريقني ومه ‪ :‬آما سالكني ومريدين ‪ ،‬وآما واصلني ممتكنني يف آحواهلم‬
‫ومقاماهتم ‪ ،‬حيمكون عىل ماجيدونه من املواجيد ‪ ،‬ملا عندمه من الثبوت يف‬
‫التوحيد والعبارة عن احلقائق ‪ ،‬وظهور الايت عند السالكني غلبة وحتكام‬
‫من الوارد علهيم ‪ ،‬فالجيدون عن التعبري مندوحة فيرتمجون عن احلال‬
‫احلامك علهيم ومه عهنم فامي يربز مهنم ‪ ،‬فهم معذورون ويصحهبم التأييد‬
‫واحلفظ ‪ ،‬وان اكن عىل غري ماذكران فذ ك من سوء آدب املريد ‪ ،‬والتفات‬
‫منه عن هميع املزيد ‪ ،‬فيتخلف عنه التأييد واليصحبه التسديد ‪ ،‬كام يشري‬
‫اىل ذ ك حديث عبدهللا بن معر حيث قال هل صىل هللا عليه وسمل "‬
‫ايعبدهللا بن معر التطلب االمارة ؛ فانك ان طلبت لها آعنت علهيا ‪ ،‬وان‬
‫طلبهتا ولكت اليه " آوكام قال ‪.‬‬
‫وآما آهل المتكني فاهنم فانيني عن آنفسهم ابقني برهبم ‪ ،‬فالتغلهبم الحوال‬
‫‪ ،‬واليغرتوا مبا يغرت به الغرار واجلهال ‪ ،‬فمل يتلكموا عنده الظهار تغرر‬
‫ودعوى ‪ ،‬بل يكونون عاكفني بأرسارمه يف حرضته ‪ ،‬ابهتني ملا يلقى من‬
‫رس اخلطاب ‪ ،‬وذليذ املناجاة وشهور االقرتاب ‪ ،‬فمل يلوون عن ذ ك اال‬
‫الرشار العباد ‪ ،‬وايضاح طرق الرشاد ‪ ،‬وادلعاء اىل هللا عىل البصرية‬
‫‪433‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫املنرية ‪ ،‬واحملجة املس تنرية { قل هذه سبييل آدعو اىل هللا عىل بصرية آان‬
‫}‬ ‫ومن اتبعين } [ الية ‪ 108‬يوسف ] فافهم هديت قوهل { ومن اتبعين‬
‫تعرث عىل رس قوهل صىل هللا عليه وسمل " واشوقاه اىل اخواين يف آخر‬
‫الزمان " ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫عبارة القوم عن حتقيق مشهدمه آما لغلبة حاةل سكر مـــن رشاب‬
‫والواصلني لغاية نيـــــل مطلهبم يفوح مهنم عبري هيـــــدي الطلبا‬
‫وغري ذ ك عيب عنــــــد سادهتم آويل العزامئ من ساداتنا النجباء‬
‫فالعبارة يه مايعرث علهيا من ظاهر الغيب ومن لفظ املعىن ومن صورة‬
‫لسورة ‪ ،‬فذل ك افرتقت العبارة حبسب افرتاق القوابل ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف‬
‫ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( العبارة قوت لعائةل املس متعني ‪ ،‬وليس ك اال ما آنت هل آلك )‬
‫العبارة تربز من خزانة الغيب مجمةل ‪ ،‬فيقع عىل القوابل الفهمية بواسطة‬
‫آلفاظ حمسوسة ‪ ،‬آوافهام مبعىن غري اللفظ ‪ ،‬آما مشهود آومتخيل ‪،‬‬
‫آومشلك بصورة احملسوس ‪ ،‬فتوجد عند الواحد لشئ من هذه املعاين غري‬
‫معىن لطيف عىل حسب ماعنده من الفهم ‪ ،‬فعرب من ظاهر اللفظ اىل‬
‫ابطن املعىن ‪ ،‬وهو آما من عامل الميني والفضل وهو املراد للمصنف هنا ‪،‬‬
‫وآما من عامل العدل ‪ ،‬وهنا يتجه آن يراد به السامع عند الطائفة واختالفهم‬
‫فيه عىل طرق ش ىت ‪ .‬وآفضل مامسع عنه وآنصت القول املعجز البليغ‬
‫اذلي احتوى عىل مصوانت احلقائق ‪ ،‬وتضمن نفائس الرقائق ‪ ،‬واجمتعت‬
‫فيه متفرقات الطرائق ‪ ،‬وهو الكم هللا اجمليد اذلي من قال به صدق ‪،‬‬

‫‪434‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ومن اقتدى به اهتدى ‪ .‬والقلوب يف عبارته يشري به اىل مايرد عىل‬


‫الرسار والقلوب من خزائن الغيوب ‪ ،‬لن للرواح آقوات ‪ ،‬وللش باح‬
‫آرزاق ممزوجة بأقوات وغري ممزوجة ‪ ،‬فالقوت الرصف للرواح العلوية‬
‫والرزق الرصف من غري امزتاج بقوت للنفوس الرضية الهبميية ‪ ،‬والظمل‬
‫الش يطانية ‪ .‬والرزق املمزوج ابلقوت للقوالب الدمية والرسار االنسانية ‪.‬‬
‫واليه وهللا آعمل يشري احلديث عن رسول هللا صىل هللا عليه وسمل حيث‬
‫قال " اللهم اجعل رزق آمة محمد قوات " آي رصف معرفة وحمبة وشهود ‪،‬‬
‫آونزول آرسار ولطائف وجود ‪ ،‬فالعائةل احملتاجني اىل فهم هذه املعاين‬
‫اللطيفة واملشاهد الرشيفة يتلقون معاين الغيب حبسن اس امتع ‪،‬‬
‫واس تكشاف واس تجامع ‪ ،‬فهم آهل السامع املتعني من القول آحس نه ‪،‬‬
‫آهل البشارة مبا آومت اليه االشارة يف ط العبارة ابلهداية يف معاين‬
‫الوجود بنور الهي ‪ ،‬املتلقيني للفيض الصفايت بلبابه سويداء القلوب‬
‫السامتة ابملعىن ؛ من غري حتري آوهجة لروح املعاين ‪ ،‬بل كام يفهمه من‬
‫عرفه ‪ ،‬فالقوات خمتلفة مفهنا ‪ :‬ماهو من جتيل السامء والفعال ‪ ،‬فتتلقاه‬
‫القلوب الزكية النقية ‪ ،‬وتلقيه عىل صفحات الصدور فتتسع وتنرشح ‪،‬‬
‫ومهنا مايزنل من سامء الوصاف العلية ‪ ،‬فتتلقاه الرواح والعقول الصافية‬
‫الوفية ‪ ،‬ومهنا ‪ :‬مايزنل عن الرسار من سواطع النوار ولوامع مصون‬
‫مكنون مشهد الحدية اذلاتية ‪ ،‬ولك يصلح هل مااليصلح لغريه ممن دونه ‪،‬‬
‫فالمزجة الروحانية حتايك المزجة اجلسامنية ‪ ،‬فلك مزاج هل عالج ‪.‬‬
‫وقد اكن املشاخي الصوفية يعربون للمريدين عىل حسب آحواهلم من اليقني‬
‫‪ ،‬كام اكن رسول هللا صىل هللا عليه وسمل خيص بعض آحصابه مبزيد‬
‫‪435‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫كشف ‪ ،‬ويعم بعض ويصفح عن بعض ‪ ،‬ويعفو عن بعض ‪ ،‬ويلكم البعض‬


‫بأقرب مايكون اىل فهمه ‪ ،‬ويس تكشف عن حتقيق مقاهل بعض ‪ ،‬ويقبل‬
‫من بعض من غري اس تكشاف ملايرى عنده من وضوح الكشف فاليسأهل‬
‫عن مصداق قوهل وحقيقة اميانه ‪ .‬وهكذا اكن التابعني يسمعون الالكم‬
‫الواحد اجلامع م يفرتقون يف فهمه ‪ ،‬فيعربون الك بعبارة غري ماعرب به غريه‬
‫من السامعني ‪ ،‬كام يتفاوت طعم املاء يف طعوم الجشار اىل احللو والقار ‪،‬‬
‫مع وحدة املاء واختالف طبائع الجشار ‪ ،‬واختالفها اىل البارد واحلار ‪،‬‬
‫والرطب واليابس والوراق والزهار ‪ ،‬وغري ذ ك ‪ .‬فاحلمكة حامكة عىل‬
‫من قامت به بعدم اخلطاء فهي من احلمك اذلي حيمك به الشئ من‬
‫االنقالب ‪ ،‬وليس للك سامع مهنا اال ماهو غذاء فهمه ‪ ،‬وفتاح سابقة‬
‫قسمته ‪ ،‬فلويل القلوب يف اشارات الوجود لطائف تنايج هبا آرسارمه‬
‫وتتسع آنوارمه ‪ ،‬جعلنا هللا ممن فهم عن هللا يف لك ماواهجه حسا ومعىن‬
‫‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ان احلكمي هل يف الكــــــون متسع جيول يف روضة الكشف الهبي النظر‬
‫فاجلسم يف الرض يسعى يف مدرعة والقلب ابلعــرش يطلب آثره احلرض‬
‫تراه يرسي يف الكوان آمجعــــــها تطوى هل مثـل ط اليــــاس واخلرض‬
‫ايمن يريـــــــد جامال من حماس هنا آنظر جتد مايــــــروق السمع والبرص‬
‫فاملقام يعرب عنه ابلالكم من غري وصول اىل حقيقة كشف ‪ ،‬والكون يف‬
‫حاةل اذلوق ‪ ،‬والميزي اال ذلوي البصائر ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه‬
‫‪:‬‬

‫‪436‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫( رمبا عرب عن املقام من استرشف عليه ‪ ،‬ورمبا عرب عنه من وصل اليه ‪،‬‬
‫وذ ك ملتبس اال عىل صاحب بصرية )‬
‫رمبا عرب عن املقام ‪ ،‬آي مقام عرب عنه صدق عليه ذ ك فالخيتص مبقام‬
‫معلوم ‪ ،‬ولكن الغالب عىل الصوفية االشارة به ملقامات اليقني ؛ لهل‬
‫املعارف الواصلني اىل الكشف والعيان ‪ ،‬والمتتع ابلشهود والعرفان ‪ .‬ولرمبا‬
‫عرب عنه ذو لطيفة وذاكء وهو بعد مل يصل اىل التحقيق به ‪ ،‬وذ ك ملن‬
‫وقف عليه دون آن يطلب حقيقة علمه مكر وغرور ‪ ،‬لنه يقف به دون‬
‫آن يطلب مزيد ‪ ،‬وكثري ممن توقف هبم تكل الماين وقصدمه هذه الجشار‬
‫الورقة من غري مثار ‪ ،‬فيحرمون املزيد ‪ ،‬فينجر هبم المر اىل الرجوع اىل‬
‫طلب املزنةل عند اخللق ‪ ،‬والتقرب الهيم ورفع الصيت دلهيم ‪ ،‬فالتراها‬
‫ماتنفتح علهيم من قباحئ الفعال ورذائل الحوال ‪ ،‬فيغمرون يف مغرة‬
‫الهوى ‪ ،‬ويتلبسون مبالبس ادلعوى ‪ ،‬ويعرضون عن القرب السنية ‪،‬‬
‫واهلمم العلية ‪ ،‬ومه يس تدرجون شيئا شيئا واليعلمون ذ ك ‪ .‬آعاذان هللا‬
‫من ذ ك ‪ ،‬ولطف بنا مماهنا ك ‪ ،‬فذ ك الينفك عنه سا ك اال من لطف‬
‫به اللطيف ‪ ،‬فتعلق قلبه ابمجلال الزيل ‪ ،‬واملشهد الس ىن العيل ‪ ،‬فيقول‬
‫لسان حاهل ‪ :‬آال ليس يل يف غري ذ ك مطمع وال آرب دون اللقاء يس نح ‪،‬‬
‫ورمبا عرب عن املقام من وصل اليه وحتقق به ‪ ،‬وآلقيت مالبسه عليه ‪،‬‬
‫وذ ك ملتبس عىل معوم اخللق ‪ ،‬فذل ك قل نفعهم وتفرق مجعهم ‪ ،‬لن‬
‫املدع للمقام واملتصدي للالكم قبل آوان الهلية ‪ ،‬يقل نفع املس متع هل ‪،‬‬
‫واليرفع املبتدي عن حظيظه اجلبيل االنظر س ين ‪ ،‬ونفس آقديس ‪ ،‬عن‬
‫الغيار نق ‪ ،‬وقليل مامه ‪ ،‬كام آنشد لسان احلال عهنم ‪:‬‬
‫‪437‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اىل آوجه العلوي وممتده الس ين‬ ‫فذو مهة علياء يطري بسا ك‬
‫عىل دوحة تزهو يف الرحي تنثين‬ ‫عليـــــه سالم لكام الح آيكه‬
‫وذوي البصائر سامرسة احلقائق نقاد خالص احلق من ربقة يعرفون املتلكم‬
‫يف الالكم ‪ ،‬ويعرفون السا ك يف النظام ‪ ،‬الخيفى علهيم احلق بتلبس‬
‫الباطل ‪ .‬فبعضهم يعرف احلديث النبوي من الكم الصحايب ومن الكم‬
‫التابع ‪ ،‬وبعضهم يعرف الرشيف العلوي بالكمه وان مل يره ‪ ،‬وميزيون‬
‫آهل لك مقام يف حفوى الالكم ‪ ،‬فللصادقني آعالم يعرفها آويل الفهام ‪.‬‬
‫ومن الصدق آن اليتلكم املريد السا ك اال ابذن آوغلبة كام تقدمت االشارة‬
‫اليه ‪ .‬قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( الينبغ للسا ك آن يعرب عن وارداته ‪ ،‬فان ذ ك يقل معلها يف قلبه ‪،‬‬
‫ومينعه وجود الصدق مع ربه )‬
‫الينبغ للسا ك وهو السا ك اىل هللا عىل هنج الصدق اذلي مل يقصد يف‬
‫سلوكه سوى هللا س بحانه ‪ ،‬ولك طالب ملقصد مس سا ك يف سبيهل ‪،‬‬
‫ورشف السا ك والسبيل رشف املقصد ‪ ،‬وآرشف املقاصد وجه هللا ‪،‬‬
‫آي ذاته الكرمي ‪ .‬وآرشف الطريق طريق هللا ‪ ،‬وآرشف السالكني السا ك‬
‫اىل هللا ‪ ،‬واليس تحق آن يسمى سا ك ‪ ،‬ولك سا ك لغريه فهو ها ك‬
‫السا ك ‪ .‬فاذا وردت عىل السا ك بشائر الوصال وسوابق االفضال من‬
‫الكبري املتعال ‪ ،‬مما جيل عن املثال ‪ ،‬ويكيف مبثال ‪ ،‬ويضيق عن ابرازه‬
‫نطاق املقال ‪ ،‬اليزنل من حرضة امجلع واالجامل ‪ ،‬فيحتاج من يريد اظهاره‬
‫ومل يقدر عىل اضامره اىل العبارة ليكشف عنه س تاره ‪ ،‬ومادام املريد يف‬
‫آوان التخلص عن ظهور النفس ورؤيهتا ‪ ،‬الينبغ هل ان يبادر اىل التعبري‬
‫‪438‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫مبا ورد عليه من ذ ك الرس املصون ‪ ،‬والعمل املكنون ‪ .‬لن يف ذ ك شهرة‬


‫النفس واظهار فضيلهتا ‪ ،‬وبظهورها يظمل نورها فيقل انتفاعه الحماةل ‪،‬‬
‫ومينعه وجود الصدق مع هللا ‪ ،‬لن الصدق يقتيض آن يكتف بنظر هللا‬
‫وعلمه فيه عن نظر اخمللوقني ‪ ،‬ويقنع ابهلل عام سواه من الكونني حىت يراد‬
‫ذل ك ‪ ،‬وليس كام يظن فيكتب يف جريدة آرابب الفضول اذلين احتبسوا‬
‫يف مضايق النقول والعقول ‪ ،‬ومل يشموا راحئة الوصول اىل املأمول ‪ .‬فنسأل‬
‫هللا آن هيدينا ملا هو احلق عنده والصواب دليه ‪ ،‬انه ويل الهداية وواههبا‬
‫‪ ،‬ومنيل الفضائل وسائقها ‪.‬‬
‫واملطلوب للمريد االنتفاع مبا يرد عليه ‪ ،‬واالزدايد يف التحقيق ابلصدق فامي‬
‫دليه ‪ ،‬فاذا عدم نفع وارده وحرم صدق مراده ‪ ،‬فهو اىل البعد آقرب ‪،‬‬
‫ومن درك الصدق آهرب ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فالسا ك الصدق اليفيش اىل آحد من رسه لكام وافـاه من مـــــنن‬
‫اايك تس تعجلن القــــــول فيه اذا آردت آن تبلغن ابلسري للوطن‬
‫فالسا ك كام علمت هو اذلي جترد عن الكوان مجةل لطلب املقصد ‪،‬‬
‫وهل آحاكم يف سلوكه ؛ اما آن يكون متجردا يف الظاهر والباطن ‪ ،‬واما‬
‫آن يكون متجردا ابلباطن دون الظاهر ‪ ،‬واما آن يكون متجردا ابلظاهر‬
‫دون الباطن ‪ ،‬واما آن يكون خمتبال ابلظاهر والباطن ‪ ،‬وذ ك آمره ظاهر‬
‫الحيتاج اىل بيان ‪ ،‬واليرفع به يف طريق القوم شان ‪ ،‬بل يرتك وشانه اذلي‬
‫آقمي فيه ‪ ،‬واليتعرض هل اال من هجة النصح لعموم اخللق ‪ ،‬ونف الثالثة‬
‫القسام ؛ فبيان الصادق مهنم ماترمج عنه املصنف حيث قال ‪ :‬المتدن‬
‫يدك اىل الخذ من اخللق اال آن ترى املعط فهيم موالك ‪ ،‬فاذا كنت‬
‫‪439‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫كذ ك خفذ ما وافق العمل ‪ ،‬هذا معناه ظاهرا يف بيان احلق من التلبيس ‪،‬‬
‫مبا يتعاطاه اجلهال املفاليس ‪ ،‬اذلين حصبوا ادلعوى واتبعوا الهوى ‪،‬‬
‫وظنوا آن ذ ك توحيد ؛ وليس كام ظنوا ‪ ،‬فالتوحيد الينايف ثبوت الس نة‬
‫بل يؤيدها ‪ ،‬فذل ك بني حال الصادقني عن املدعني بقوهل ‪ :‬المتدن يدك‬
‫اىل الخذ من اخللق ان كنت صادق ‪ ،‬لن ذ ك ينايف الصدق يف‬
‫التوحيد ‪ ،‬ويناقض الثبوت عىل التجريد ‪ ،‬لنك تطلب املراد وتفتقر اىل‬
‫املريد ‪ ،‬وتطلب التوحيد وتثبت التعديد ‪ ،‬فال متد يدك بسؤال اىل غري‬
‫الكبري املتعال ‪ ،‬فعنده تقف املطالب والمال ‪ ،‬واليه يرغب العباد يف‬
‫السؤال ‪ ،‬فان كنت متجردا ظاهرا دون الباطن فعالمته االفتقار اىل‬
‫اخللق والتذلل هلم ‪ ،‬وابتذال املروءة من آجلهم ‪ ،‬والتعبد هلم ‪ ،‬وانتظار ما‬
‫يصدر مهنم وعهنم ‪ ،‬فميدهحم ملا جيريه هللا هل عىل آيدهيم ‪ ،‬ويذهمم اذا مل‬
‫يقدر هل عندمه ‪ ،‬وينال اعراضهم ابلغيبة والتنقيص والش مت اذا وصهل آذى‬
‫عىل آيدهيم ‪ ،‬وذ ك دليل عىل اظالم رسيرته ‪ ،‬وانطامس بصريته ‪ .‬والخيفى‬
‫رداءة مهة من هذا وصفه ‪ ،‬وبق قسمني ‪ :‬فسا ك منتسب ظاهرا‬
‫ومتجرد ابطنا ‪ ،‬وذ ك لصحة توحيده مل خيتار عىل هللا ‪ ،‬بل اختار ما‬
‫اختاره هللا هل يف آي حاةل آقامه فهيا ‪ ،‬ومل يذهما عليه لسان الرشع ‪،‬‬
‫فاذلي يطلب التجرد من غري آن يراد هل مس تعجل للراحة ‪ ،‬والحيصل هل‬
‫املطلوب منه ‪ ،‬لنه قام فيه بنفسه ‪ ،‬ولك ماقام فيه هبا اليمت ‪ ،‬والفرق‬
‫عند آرابب الفهم يف الفضل بني القامئ يف الشئ ابهلل واخلارج عنه ابهلل ‪،‬‬
‫واليف يق آدب اخلارج عن الشئ بنفسه ‪ ،‬والقامئ فيه بنفسه ‪ .‬وذ ك اذا‬
‫علمت آن هللا س بحانه قدر يف سابق علمه آنه يقمي خلقا يف دار ويالزهمم‬
‫‪440‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فهيا االحتياج اىل آرزاق قدرها هلم ‪ ،‬وحمك علهيم هبا ‪ ،‬وهبا يظهر رس قهره‬
‫وغلبة آمره فهيم ‪ ،‬وهذه الرزاق مهنا مايأيت بتسبب وسع يف طلهبا ‪،‬‬
‫ومهنا ما يأيت من غري تسبب والسع ‪ .‬فالول يقام فيه املتس ببني وهو‬
‫حاهلم فيحتاجون فيه اىل العمل مبا يأخذون ومايذرون ماحيل آخذه وجيب‬
‫تركه ‪ ،‬فلك من آراد آن يتسبب بسبب فالبد فيه من عمل يكون فيه‬
‫حمس نا وفيه متأداب ‪ ،‬واال وقع يف ورطات احلرام وهما ك اجلهل ‪ ،‬وعالمته‬
‫حصول النتاجئ من آعامل الرب ‪ ،‬وايصال ما آمر هللا به آن يوصل ‪ .‬وآما‬
‫مايأيت بال سبب والسع وهو رزق املتجردين وهلم آحاكم وآداب ‪ ،‬مفن‬
‫حمك املتجرد الصادق آن ال تتعدى مهته مواله الكرمي ‪ ،‬والتسترشف‬
‫نفسه اىل اخمللوقني ‪ ،‬فذ ك قدح يف توحيده ورشك يف تفريده ‪ ،‬فقد يأتيه‬
‫عدوه وحيظه عىل التعلق ابخمللوقني ‪ ،‬وطلب الرزق من املسرتزقني ‪،‬‬
‫فيحتاج قوة يقني يدفع هبا تسويالته ‪ ،‬وحيتج هبا حبجج قاطعة هل عن‬
‫مناواته ‪ ،‬وليس ذ ك اال لصدق التولك وقوة اليقني ‪ ،‬ونفوذ العزمية وعلو‬
‫اهلمة ‪ ،‬اىل جناب من بيده ملكوت لك شئ ‪ ،‬وعنده خزائن السموات‬
‫والرض ‪ ،‬ويرى جعز اخللق عن آن ينفعوا نفوسهم فضال عن غريمه ‪،‬‬
‫فيعمتد الحماةل عىل معمي فضهل ‪ ،‬ويستند اىل منيع جنابه ‪ ،‬وينتظر رفع‬
‫مانزل به من الفاقة ‪ ،‬ودفع ما آمل به من البالء من س يده اليتعدى اىل غريه‬
‫‪ .‬ومن عالمة ذ ك ترك الشكوى اىل اخللق والرضا عن املوىل مبا قىض ‪،‬‬
‫واالكتفاء بنظره يف مجيع الحوال ‪ ،‬فاذا آمكل توحيده ورخس يف املقام‬
‫جتريده فالبد من آن يأتيه ماقدر هل من الرزق املقسوم ‪.‬‬

‫‪441‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وهل يف تناوهل آداب ظاهرة وآداب ابطنة ‪ ،‬مفن الداب الظاهرة آن يراع‬
‫ماحرضه العمل عليه من التناول من اليدي واال وقع يف احلرام والش هبة ‪،‬‬
‫مفهنا مايكون التناول حرام ‪ ،‬ومهنا مايكون ش هبة قوية وش هبة قليةل ‪ ،‬مفن‬
‫احلرام التناول من يد من ليس هل كسب اال من حمرم مكعامل امخلر وعامل‬
‫الرابء اذلي ليس بيده غريه ـ آوما بأيدي آهل الزان اذلين ليس هلم حرفة‬
‫يستندون الهيا ‪ ،‬وآهل الغصب من العامل السلطانية دون مواتهيم ‪ ،‬فان‬
‫آمواهلم ش هبة قوية ملا قد يدخل آيدهيم من الموال الضائعة والفئي وغري‬
‫ذ ك ممااليبعد وجود احلل يف آمواهلم ‪ ،‬وآما عامهلم فهم اذلين مل يوجد يف‬
‫آيدهيم اال حست احلرام فليحذر مهنم آشد احلذر من امللوك نفوسهم ‪ ،‬وممن‬
‫تقوى الش هبة فامي آيدهيم اجلند اذلين مل ينتظم هلم بيت املال بل يأخذون ما‬
‫بأيدهيم ابلشوكة والتغلب كام هو املوجود يف هذه العصار يف سائر‬
‫المصار ‪ ،‬ويلحق هبم اخملالطني هلم واملتش هبني هلم يف الزي والهيئة ‪،‬‬
‫وآرابب الصناعات املكروهة اكلصياغة ‪ ،‬ومن يبارش حرف الظلمة اكئنة‬
‫مااكنت ‪ ،‬ويلحق هبم آعامل العراب ومن اليكرتث ابلس نة ومل يعامل‬
‫ابلعمل ‪ ،‬وآرابب الوقاف املهتورين فهيا اذلين اختذوها دوةل وحيس بوهنا من‬
‫مجةل آمواهلم ‪ ،‬ويصفرفوهنا حبسب آهواهئم عىل غري مارشطوها الواقفون ‪،‬‬
‫وسائر الوالايت ادلنياوية ‪ :‬اكحلاكم وقضاة المصار والعراف وآهل‬
‫االحتساب ‪ ،‬ومن يألك بدينه ويظهر غري ماهو عليه من التصوف ‪،‬‬
‫ليعطى مما هو موقوف عىل الصوفية ‪ ،‬آويظهر العمل وليس كذ ك ليعطى مما‬
‫هو موقوف علهيم ‪ ،‬آوليعطى من غري وقف ذل ك ‪ ،‬واملتجرد متعرض‬
‫ذل ك لكه ‪ ،‬والسبب مع السالمة من هذه املها ك آوىل ‪ .‬فهذا بعض‬
‫‪442‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫الداب الظاهرة ‪ ،‬وان آردت اس تقصاها عىل الكامل فعليك مبطالعة كتاب‬
‫احلالل واحلرام من احياء علوم ادلين لالمام الغزايل ‪.‬‬
‫ومن الداب الباطنة عدم التطلع واالسترشاف اىل اخللق والطمع فامي‬
‫آيدهيم ‪ ،‬وتعلق الباطن ابقباهلم وادابرمه ‪ ،‬واتباع اشارة القلب الوىل يف‬
‫ترك ماجتد نفرته منه يف آول وهةل ‪ ،‬ورد النفس فامي تدعو اليه ‪ ،‬وجيتنب‬
‫ارفاق الحداث والنسوان اذلين مل حتتنكهم الداب ما آمكن ‪ ،‬فان قبول‬
‫ارفاقهم آدعى ابلقرب واملوادة واخملالطة ‪ ،‬وخمالطهتم مهني عهنا كام علمت‬
‫من قواعد آهل الطريق ‪ ،‬وآوقع يف قلب املريد لرساين آخالقهم اليه اذلي‬
‫هو مطالب ابجتناهبا ‪ ،‬واخلروج مهنا ‪ ،‬وليس االنسان عىل االسترشاف‬
‫عىل الرزق من حالته ملوم ‪ ،‬النه ضعيف حمتاج ‪ ،‬بل فيه اظهار ملا هو‬
‫املطلوب منه من اذلةل وقةل احليةل بني يدي ذي القوة املتني ‪ ،‬فاذا قام‬
‫حبيةل االضطرار فال حرج يف السؤال ملا يسكن به داعية الطبع ‪ ،‬مفن‬
‫مات جوعا وهو يقدر آن يسأل مايرد به رمقه مات قاتل نفسه ‪ ،‬كام ورد‬
‫معىن ذ ك احلديث ‪ ،‬هذا اذا مل يؤيده هللا بقوة يف حاةل تغنيه عن ذ ك ‪،‬‬
‫وآما آهل الصدق اذلين ابرش قلوهبم روح اليقني فالحيتاجون اىل السؤال‬
‫‪ ،‬بل مهته الختط جسادته ان اكن جالس ‪ ،‬والختط خطواته ان اكن‬
‫سائرا ‪ ،‬يسري عىل همل اليس تفزه احلرص عىل ادراك ماهو غائب عنه ‪،‬‬
‫وال االس تعجال ملا هو حارض دليه لعلمه آنه ان اكن هل قسام مل يفته وان‬
‫تأىن ‪ ،‬وان مل يكن مل يدركه وان تعىن ‪ ،‬مكثل ذ ك اطمأنت القلوب اىل‬
‫جناب احملبوب ‪ ،‬وسكنت عن اضطراهبا وسلمت من وابء الشك ‪،‬‬
‫ووقفت عند حسن االختيار ‪ ،‬وحص لها مقام االنتظار ‪ ،‬وطابت لها‬
‫‪443‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫الوقات ابلذاكر وصفت هبا الفاكر ‪ ،‬آانء الليل والهنار ‪ .‬فاذا حمكت‬
‫مقام التجريد ‪ ،‬ورفعت اهلمة عن النظر اىل العبيد ‪ ،‬اىل امحليد اجمليد ‪،‬‬
‫خفذ ما آاتك من يد موالك ‪ ،‬فان اكن فاضال عن غناك ‪ ،‬زائدا عىل‬
‫كفايتك فأخرجه من يدك حاال لئال يكون حائال بينك وبني موالك ‪،‬‬
‫واحذر آفة الرد بعد ماتس تمكل الدب يف الخذ ‪ ،‬فاذا ساق هللا اليك‬
‫غنا فاقبل عطيته وآكرم هديته ‪ ،‬م ضعها يف موضعها ‪ .‬م الفقراء والزهاد‬
‫يف االدخال عىل حسب ماعندمه من اليقني ‪ ،‬مفهنم من الحيبس شيئا لغد‬
‫‪ ،‬ومهنم من يدخر لربعني يوما ‪ ،‬وآخرمه مقاما من يدخر لس نة ‪ ،‬وفوق‬
‫الس نة خيرج به اىل حزي الراغبني يف ادلنيا ‪ ،‬املتاكثرين واملهتورين يف‬
‫الس باب ‪ ،‬اذلين مل يبالوا مبوقف احلساب وطول العتاب ‪ ،‬هذا يف آحاكم‬
‫املريدين السالكني ‪ ،‬وآما املتحققني والنجباء املوحدين والسادات العارفني‬
‫‪ ،‬فهم ثالثة آقسام ‪ :‬قسم اليسألون وان اعطوا مل يقبلوا ‪ ،‬وقسم اليسألون‬
‫وان آعطوا قبلوا ‪ ،‬وقسم يسألون عند حتقق الفاقة ‪ .‬فالول مه الروحانيون‬
‫‪ ،‬والثاين مه الصادقون ‪ ،‬والثالث مه املتقون ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فذاك رشك خف عند ذي النظر‬ ‫فال متد اىل غري االلــــــــه يد‬
‫فاس تعمل العمل تلقا غاية الظـــــفر‬ ‫اذا صفا رصف توحيد مفاجيد‬
‫فاذا اكن النظر اىل اخللق رشك فامي يأتيك من آمر الرزق ‪ ،‬فف طريق‬
‫العارفني النظر اىل النفس وحظها نقص ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه‬
‫‪:‬‬
‫( رمبا اس تحياء العارف آن يرفع حاجته اىل مواله الكتفائه مبش يئته ‪ ،‬فكيف‬
‫اليس تح آن يرفعها اىل خليقته )‬
‫‪444‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫رمبا اس تحيا العارف يف حال جتيل كامل شهود احلقيقة عىل قلبه ‪،‬‬
‫واس تغراقها لرسه وامتالء روحه يف حملات امجلال ‪ ،‬والحيات اجلالل ‪،‬‬
‫واستشعار دنو الوصال اىل حرضة الكامل ‪ ،‬وهذا اليكون لكيا يف هذه‬
‫ادلار ‪ ،‬فمل يفتقر اىل الغيار ‪ ،‬ومل تظهر عنده الاثر اليت من مجلهتا لهيب‬
‫النار ‪ ،‬فاكن شاكر برشب عقار ‪ ،‬فهناك ابنت هل النوار ‪ ،‬وخاطبته‬
‫الرواح ‪ ،‬وواصلته الفراح ‪ ،‬فاكن مطلبه وغاية ملمحه الكامل اذلايت‬
‫اذلي يعطى البقاء به الغيبة عن النفس ‪ ،‬وامضحالل احلس ‪ ،‬فاكن بعلمه‬
‫مس تغنيا عن الرجوع اىل ما منه من ادلعاء ‪ ،‬والعارف هو العارف ابهلل‬
‫ولو من بعض وجوه املعرفة ‪ ،‬وبصفاته وآفعاهل معرفة تعطيه ذوق العمل‬
‫اذلي اليتطرق اليه هجل فامي علمه ‪ ،‬والريب فامي فهمه العارف بدين هللا‬
‫وآحاكمه ذوقا وحتققا ‪ ،‬آيضا يعمل عىل البصرية املنرية واحلجة املس تنرية ‪،‬‬
‫فف حال اصطالمه يف شهود الكامل يس تحيي الحماةل عن رفع احلواجئ‬
‫لتحققه بأنه الينال من مواله غري ماقدرهل ‪ ،‬وان دعا مع ذ ك فهو حبمك‬
‫العبودية ال آنه ينال بدعائه غري ماقدرهل ‪ ،‬فهو يف حال حتققه هبذه احلاةل ‪،‬‬
‫واشارة احلال هل ابلسكون يف هذه تس تحيي من مواله آن يس تدركه عليه‬
‫يف علمه ‪ ،‬آويشاركه يف حمكه ‪ ،‬آويذكره ماقدره يف سابق علمه ‪ .‬وكيف‬
‫يذكر من الجيوز عليه االغفال وقد علمت آن الغفةل نقص ‪ ،‬وهو مس تحيل‬
‫عليه النقائص تعاىل هللا علوا كبريا ‪ .‬فاذا اكن مس تحيا من هللا آن يرفع‬
‫اليه حاجته فكيف ال يس تح آن يرفعها اىل غريه ‪ ،‬فذ ك آحرى ‪ ،‬ويف‬
‫آغلب آوقات السؤال حبمك االمتثال فيسأل قليل حاجته وكثريها منه ‪،‬‬
‫فاهنا التوجد عند غريه وان قلت ‪ ،‬والتنال اال منه وان جلت ‪ ،‬فسؤال‬
‫‪445‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫الغيار قبيح عند ذوي البصائر الحرار ‪ ،‬فكيف وقد آمرمه ابلفرار ‪،‬‬
‫فأرواهحم اىل ظل آحديته ساكنة متسرتة ‪ ،‬وعند رؤية الغريية يف ظلمة‬
‫البرشية مفتقرة اىل حربة مس تجرية من صربه ‪ ،‬فعند آويل اهلمم العلية‬
‫واملشاهد السنية ‪ ،‬سؤال اخلليقة آشد من لهيب النار ‪ ،‬ملايعرتهيم من‬
‫اخلجل والعار ‪ ،‬بني يدي الواحد القهار ‪ ،‬آن يكونوا لغريه مثبتني ‪ ،‬ويف‬
‫آحديته مرشكني ‪ ،‬فهم اذلين يلقونه وحواجئهم ختتلج يف صدورمه ‪،‬‬
‫اليبثون بهثم اىل سواه ‪ ،‬واليزنلون حواجئهم بغريه ‪.‬‬
‫يروى آن بعض الصادقني اذلائقني رشاب املقربني ‪ ،‬اكن يرقبه انسان لكام‬
‫خرج طاف ابلبيت ‪ ،‬م نظر اىل رقعة اكنت معه ‪ ،‬فلام اكن يوم من الايم‬
‫تنحى م خر لوهجه ميتا ‪ ،‬قال ‪ :‬فنظرت يف تكل الرقعة فاذا فهيا {‬

‫واصرب حلمك ربك فانك بأعيننا } [ الية ‪ 48‬الطور ] قال فعرفت آنه اكنت به‬
‫فاقة فاس تحيا من خالقه آن يزنلها بغريه حىت قبض ‪ .‬والمنافاة بني هذا‬
‫الالكم وماتقدم من معىن احلديث " من مات جوعا وهو قادر عىل آن‬
‫يسأل مات قاتل نفسه " فاذا قال قائل ‪ :‬كيف يسوغ هل مع قدرته عىل‬
‫السؤال ميوت ‪ ،‬فنقول ‪ :‬موته بذ ك غري حمقق ‪ ،‬وبتقدير ذ ك فاعمل آن‬
‫هذا رجل غلبت عليه شهود آحدية الواحد احلق ‪ ،‬فمل يظهر للغيار آاثر‬
‫عند غلبته عند جتيل مرشقات النوار حىت آجهل املعلوم وهو فهيا مصطمل‬
‫‪ ،‬وهبا عن نفسه منعدم ‪ ،‬الاحساس عنده ابلمل ‪ ،‬بل انطمس كام يتومه‬
‫من مؤمل ومالمئ يف مي العدم ‪ ،‬فالحرج وال ام هناك هل ‪ ،‬والعليه يقول‬
‫اللوم من عتبا ‪:‬‬

‫‪446‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫بل عينه رمقت رصف الشهود مفا يف ذاك اال وجود الكون قد ذهــــبا‬
‫فان آردت ثبوات الحماولــــــــــــــة عنه تقول هوى فيه شبيه هــــــــــبا‬
‫فاحلواجئ التزنل اال عليه ‪ ،‬واملطالب الترفع اال اليه ‪ .‬قال سهل بن عبدهللا‬
‫‪ :‬ان هللا مطلع عىل النفوس والقلوب ‪ ،‬فأميا نفس آوقلب وجد فيه حاجة‬
‫اىل غريه سلط عليه ابليس ‪ .‬انهتيى ‪.‬‬
‫وكام آن القلب موضع نظر احلق فاذاجعل فيه غريه فقد جعهل مرصوفا اليه‬
‫ومقبال عليه ‪ ،‬لنه آي ابليس مفتاح طريق البعد ‪ ،‬وقائد ركب الضالل‬
‫يس هتوي امحلقاء واجلهال ابلشكوك وآماين الغرور ‪ ،‬ويلق قول الزور {‬

‫الش يطان يعدمك الفقر } ولك من افتقر اىل شئ دون هللا فهو من وعده‬
‫} [ الية ‪268‬‬ ‫الباطل ‪ ،‬وتزويره املائل { وهللا يعدمك مغفرة منه وفضال‬
‫البقرة ] فأي الوعدين آنت به آوثق فأنت به آحق ‪ ،‬وبقائهل آصدق ‪ ،‬وبنسهل‬
‫آحق ‪ ،‬ولشهوده آرمق ‪ .‬وتعلق املقربني ابهلل دون اخللق مجةل اليرمقون‬
‫مرادا دونه ‪ ،‬واليؤثرون حاال والمقاما عليه ‪ ،‬بل مه وقف عىل التعلق‬
‫مبليكهم ‪ ،‬قطعوا آطامعهم من ايصال انتفاعهم آودفع مضارمه اال منه وبه ‪.‬‬
‫فهم كام قلت ‪:‬‬
‫علقت قلوب الوليـاء برهبم اليؤثرون من الوجـــود مرادا‬
‫فهم الرجال القامئون فكن هبم يف س بلهم وسلوكهم مــرتــــادا‬
‫ان الوجود بأرسه يف قــرهبم كرساب يشهد من نفوع بعادا‬
‫فلرمبا اس تحيوا لغلبة رشهبم آن يرفعوا حاجات م عنــــادا‬
‫هذا فكيف تكون نـازةل هبم يف غريه المال اال تعـــــــــادا‬
‫‪447‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫حيا االهل آحبيت يف حـزهبم مك من مسلسل اثبت االس نادا‬


‫يرويه خاصية احلنان حبهبم معن هل التصوير واالجيــــــادا‬
‫فلهل البصائر معايري لطيفة ميزيون هبا بني حقائق العامل ولطائف‬
‫الحوال اليعرفها غريمه ‪ ،‬والقامئون عىل الرسوم الظاهرة تلتبس علهيم‬
‫العامل ‪ ،‬فليس م غري آن يعرضوها عىل آنفسهم ‪ ،‬فلكام استثقلته فهو‬
‫الرحج والحرى ‪ ،‬كام قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( اذا التبس عليك آمران فانظر آثقلهام عىل النفس فاتبعه ‪ ،‬فانه اليثقل علهيا‬
‫اال مااكن حقا )‬
‫هذا مزيان لرابب النفوس احملجوبة اجملبوةل عىل اتباع الهوى وايثار الشهوة‬
‫‪ ،‬وآما النفوس الزكية املطمئنة فال ينصب لها هذا املزيان ‪ ،‬فقد تستثقل‬
‫الباطل وتس تخف احلق التصافها بصفة القلب ‪ ،‬وهذا االلتباس يف المور‬
‫ادلينية ‪ ،‬آما واجبات آومندوابت ‪ ،‬وآما مانص عىل حرضه آوكراهته‬
‫الرشع آوعىل وجوبه آوندبه فال التباس يف املأمورات واملباحات ‪ ،‬وذ ك‬
‫آن النفس احليوانية من طبعها وجبلهتا ايثار ما هو الصل ‪ ،‬وآصل النفس‬
‫من حيث امزتاهجا بأراكن العامل السفيل ‪ :‬النار والرتاب واملاء والهوى ‪،‬‬
‫فهي آبدا تطلب هذه الصول ‪ :‬فالنار مبا فهيا من ادلواع الش يطانية ‪،‬‬
‫والرتاب مبا فيه من اذلةل ‪ ،‬واحلياة احليوانية ‪ ،‬والثقل عن املنازع العلوية ‪،‬‬
‫واملشاهد الروحانية ‪ .‬وقد علمت آن هذه الصفات عدمية ابطةل ظلامنية ‪،‬‬
‫ومبا فيه من لطافة الهوى وليونة املاء اليت يه من صفات القلب والروح‬
‫تكون ادلاوع القلبية وطلب الفضلية ‪ ،‬فيحصل الحماةل االلتباس ‪،‬‬
‫فيحتاج العرض عىل هذه النفس فاهنا تسارع اىل حظها مافيه نيل غرضها‬
‫‪448‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ ،‬حبسب مافهيا من العجةل والقوة النارية ‪ ،‬فهي تسارع مايقتيض اجلبةل ‪،‬‬
‫فاحلق ثقيل علهيا خملالفته لعاملها الظلامين اجلبيل ‪ ،‬كام علمت آن ما فهيا من‬
‫النور القلب اللطيف والرس الرويح العايل يطلبان آصلهام ‪ ،‬ومه انزحني‬
‫عنه غريبني عن وطهنم ‪ ،‬والغريب اليكون هل من احلمك ماللهل ‪ ،‬فاكن‬
‫مطلهبام صعب مادامت القوة الش يطانية النارية والشهوة الرضية متحمكتان‬
‫عىل احملل ‪ ،‬فاليتأىت مطلب القلب والروح اال بعد مزيد جماهدة وشدة‬
‫عنا ‪ ،‬فاذا غلب احلق زهق الباطل ان الباطل اكن زهوقا ‪ ،‬لن النار وان‬
‫اكنت قوية فاذا سلط املاء علهيا قهرها وآذهب سلطاهنا واحتبس ش يطاهنا‬
‫‪ ،‬فتحقق آن الباطل اليقوم احلق اال اذا حتمك عىل احملل واكن ابطل رصف‬
‫‪ ،‬وآما حيث تقاوما وتصادما فقليل حق يذهب ماظهر يف صوركثري من‬
‫الباطل ‪ ،‬والقلب والروح حق ‪ ،‬والنفس والش يطان ابطل ‪ ،‬وللنفس‬
‫والش يطان خمادع وغوائل ومبايل يف العامل ‪ ،‬يصادهما امحلقاء اجلهال ‪،‬‬
‫وميزيها البطال من حفول العلامء وجنباء السالكني حىت يرتقون اىل شهود‬
‫عني اليقني ‪ ،‬فيغنون بنور اليقني عن نصب املوازين ‪ .‬والنفس عند الطائفة‬
‫لها اطالقات كثرية ‪ :‬فنفس آمارة رضية هوائية حيوانية ‪ ،‬ونفس لوامة‬
‫دلنوها من النوار القلبية ‪ ،‬ونفس مطمئنة روحانية ؛ وهل املراد ابلنفس‬
‫املذمومة الفعل املذموم آوحمهل ؟ فقائل يقول نفس الفعل ‪ ،‬وقائل يقول ‪:‬‬
‫حمهل‪ .‬والفائدة يف ترجيح آحد القولني عىل الخر ‪ .‬ومن املوازين احملققة‬
‫للباطل من اخلق عرض احلاةل الراهنة عىل املوت ‪ ،‬فلك آمر لو آاتك‬
‫املوت وآنت عليه مل تطلب االنتقال اىل غريه فهو حق ‪ ،‬ولك آمر يكون‬
‫عىل غري ذ ك فهو ابطل ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫‪449‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اذا التبس من آمور ادلين آحس هنا عىل املريد سلوك الصدق يف الطلب‬
‫فليعرضن عىل النفس امجلوح مفـــا ختتار اال الــــذي هو يعقب العطب‬
‫فالنفس يف كرثة الطوار عــــدتـها مع توحدها يف حرضة القـــــــــــرب‬
‫مفن مجةل اقرتان الهوى ابلعمل ودخول آفة اجلهل فيه ماذكره املؤلف ريض‬
‫هللا عنه حيث قال ‪:‬‬
‫( من عالمة اتباع الهوى املسارعة اىل نوافل اخلريات ‪ ،‬والتاكسل عن‬
‫القيام ابلواجبات )‬
‫هذه عالمة ظاهرة لهل البصائر الناظرة والعقول الباهرة ‪ ،‬يمتزي هبام‬
‫مااكن هلل مما اكن لغريه ‪ ،‬ويعرف العمل املشوب ابلهوى املعمول عىل‬
‫حسب مقتىض النفس ‪ ،‬وآبغض اهل عبد يف الرض الهوى ‪ ،‬فالعامل‬
‫ابلهوى اليأيت منه اال ماينتجه الهوى من التندح ابدلعوى ‪ ،‬واالدالء عىل‬
‫املوىل ‪ ،‬وقباحئ االجعاب وفضاحئ الرايء ‪ ،‬وطلب عاجل حظوظ ادلنيا ‪،‬‬
‫وداللته عىل من قام به آنه يسارع اىل نوافل اخلريات من التصدق والتكرم‬
‫ابملال ‪ ،‬مع آنه مل يؤدي ماهو متعني عليه من الزكوات ‪ ،‬آويطلب ويأخذ يف‬
‫نوافل الصلوات ومل يقىض مافرط فيه من الواجبات ‪ ،‬وهيجر اخللق ومل‬
‫هيجر اخلطااي ورذائل الهفوات ‪ ،‬وخيرج اجلوائز والصالت وهو يتناول‬
‫الغصوابت والش هبات ‪.‬‬
‫ومن آمعن النظر يف ذ ك رآى معظم آحواهل ومجةل آعامهل تفريط وختليط‬
‫جيب التوبة مهنا ‪ ،‬وهو يظنه من قسم الطاعات والقرابت ‪ ،‬ذل ك قال‬
‫بعض الشارحني ‪ :‬امنا حرموا الوصول لتضييع الصول ؛ فاذا ابتدآ يف‬
‫السلوك وآقبل عىل هللا ابلتوبة آخذ يف حتصيل النوافل والسع يف همامه‬
‫‪450‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫القفار ‪ ،‬آانء الليل والهنار ‪ ،‬والرتدد يف السفار اىل املشاعر ورؤية الخيار‬
‫‪ ،‬ومل يرد مظلمة وال اس تحل من حرميه وال آدى واجب مافرط فيه ‪ ،‬مع‬
‫آنه آمه مما هو ساع فيه ‪ ،‬ومن نظر بنظر آويل البصار ظهرت هل هماوي‬
‫االغرتار ‪ ،‬وعرف ماهو النافع يف عالج دائه وماهو الضار‪ ،‬فاش تغل مبا هو‬
‫المه والوىل ‪ ،‬وبعد ماحيمك املقام عىل الامتم ثبت هل القيام ابلتقرب بنوافل‬
‫الصالة والصيام والصدقة واحلج وسائر واجبات االسالم ‪ ،‬فهي الساس‬
‫اذلي تبىن عليه مراتب السالكني ‪ ،‬والهنج اذلي يسكل عليه املريدين ‪.‬‬
‫والقليل من العمل مع السالمة من دواخل العلل يف العامل خري من‬
‫الكثري مع الوقوع يف حبائل الغرور ‪ ،‬وخمايل الزور ‪ ،‬واتباع هوى النفس‬
‫وقيام انتصارها ‪ ،‬ورؤيهتا آن لها ومهنا ‪ ،‬وآهنا آهل الفضيةل آوحمل الوس يةل‬
‫‪ ،‬فالكثري مع اهامل التفقد يف دقائق آخالقها ورذائل آحوالها غري انفع ‪،‬‬
‫واليعتد به آهل الفهام الثاقبة ‪ .‬فالتفقد يف تطهري الخالق مفرتض عند‬
‫آويل الفهم الصايف عن كدورة الهوى ‪ ،‬فال آمه للمريد من تفقد آخالقه‬
‫وتصفية آحواهل ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫مكون رس الهوى يف النفس يعرفه من اكن ذا برص يف الــــدين معترب‬
‫كسب النوافل دون الفرض يبتدر‬ ‫ومن عالمة ذ ك آن تـــــــراه اىل‬
‫حمرم آوواجب جا عنــــــه مقترص‬ ‫فكيف هتدي صنوف الرب وانت عىل‬
‫آردت آن تبين الراكن فاعـــــــترب‬ ‫ان الساس هو التقوى عليـه اذا‬
‫فاذا علمت آن آفضل ماتقرب به العبد اىل هللا هو آداء مافرتضه هللا‬
‫عليه ‪ ،‬وجعل االتيان هبا مقدما عىل لك مايقرب العبد اليه ‪ ،‬فاكنت‬
‫آبواب مهنا تدخل لك فضيةل ‪ ،‬وتبتغ لك وس يةل ‪ ،‬حث علهيا عباده حثا‬
‫‪451‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫آكيدا ‪ ،‬وعمل آن مهنم من يس تفزه الرشه ‪ ،‬وهمم من يغلب عليه الكسل ‪،‬‬
‫فقيد بأوقات ليهنض اليه من غلب عليه الثقل اجلبيل ‪ ،‬ووسع علهيم تكل‬
‫الوقات ليبقى هلم فهيا مايتأهبون به ويتفرغون عن الشواغل فيه ‪ ،‬ذل ك‬
‫قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( قيد الطاعات بأعيان الوقات يك المينعك عهنا وجود التسويف ‪ ،‬ووسع‬
‫عليك الوقت يك تبقى ك حصة يف االختيار )‬
‫قيد ابلمر اجلازم واحلمك الالزم ‪ ،‬والقيد هنا ختصيص لك صنف من‬
‫آصناف الطاعات بوقت من الوقات ‪ ،‬وذ ك لن الوقات خزائن تربز‬
‫من عامل الغيب فكهنا رسائل آتتك من هللا تودع مضهنا ذخرية تدخر عنده‬
‫‪ ،‬وآوسع اذلخائر وآنفسها عندهللا هو ما افرتضه هللا عليك من المر ‪،‬‬
‫وهو آمر جازم ‪ ،‬وآما غري جازم ‪ ،‬فالمر اجلازم هو الفرائض ‪ ،‬م ملا عمل‬
‫مايف جبةل االنسان من التثاقل اذلي هو التسويف جعل هل وقت معني ‪،‬‬
‫فباخراج ما افرتضه عليه عن ذ ك يكون عاصيا مس تحقا للعقوبة ‪،‬‬
‫واليتخلص عنه اال بصدق التوبة ‪ ،‬وذ ك رمحة منه وعناية بنا ـ حيث‬
‫ندبنا اىل مافيه فالحنا ونيل بغيتنا ‪.‬‬
‫م ملا عمل س بحانه مايغلب عىل النفوس من الغفةل وقةل التحفظ امنت علينا‬
‫مبا يمكل ذ ك املفرتض ‪ ،‬لك فريضة نوع مما يش هبها ‪ ،‬فيكون جربا ملا عىس‬
‫آنه فرط ‪ ،‬فرتجع تكل اخلزائن الوقتية بذخائرها ‪ ،‬ونفائس ما اس تودع فهيا‬
‫من آنوار الطاعات شاكرة لالنسان بصالح الشان وحصة االميان ‪ ،‬فيكون‬
‫مس تحقا لالكرام من هللا والرضاء عنه كام آكرم من نزل عليه بأحسن قرى‬
‫‪ ،‬م امنت عىل العبد بنعمة آخرى ويه آن وسع عليه الوقت يك اليكون يف‬
‫‪452‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫} [ الية‬ ‫احلرج ‪ ،‬وقد قال س بحانه { وماجعل عليمك يف ادلين من حرج‬


‫‪ 78‬احلج ] فبتوسعهتا عليه ترتفع عنه ‪ ،‬ويقىض ماهو بصدده من مصاحله ‪،‬‬
‫وتفرغ قلبه عن الس باب الشاغةل هل عن اكاملها ‪ ،‬فيأيت بنشاط وطرب‬
‫وشوق وارتياح ‪ ،‬ليكون عىل آمكل وصف وآمت نعت ‪ ،‬كام قلت يف ذ ك ‪:‬‬
‫مينعك عنه وجود الطــــبع ابلكسل‬ ‫قيد ك المر يك تأيت اليه وال‬
‫اىل فراغ من الشغال والعلــــــــل‬ ‫ووسعه يك يكون العبد ممتـهال‬
‫للعبد آن يدخل التسويف يف العمل‬ ‫وتكل نعمته آسدى اليــه فــــال‬
‫واجيابه س بحانه آمره ‪ ،‬وآمره صادر عن علمه ‪ ،‬وعلمه قدمي ابلش ياء‬
‫وآحوالها ومايه عليه ‪ ،‬فهي معلومة هل معدومة لنفسها ‪ ،‬ويعطهيا العمل‬
‫بأحوالها عند بروز الحوال والعامل علهيا يف عامل خلقهتا وشهادهتا حمكة‬
‫منه ‪ ،‬وآما علمه بأحوالها وكيفياهتا ومكياهتا واجاملها وتفصيلها فقدمي آزيل ‪،‬‬
‫اليدخل يف التباس واليتطرق اليه تبديل ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا‬
‫عنه ‪:‬‬
‫( عمل قةل هنوض العباد اىل معاملته ‪ ،‬فأوجب علهيم وجود طاعته ‪ ،‬فساقهم‬
‫اليه بسالسل االجياب ‪ :‬جعب ربك من قوم يقادون اىل اجلنة ابلسالسل "‬
‫)‬
‫عمل س بحانه بعمل قدمي ‪ ،‬وعلمه حميط ابلش ياء آوال وآخرا ‪ ،‬ابطنا وظاهرا‬
‫‪ ،‬وجواب وجوازا واس تحاةل ‪ ،‬فاخللق وآحواهلم وآعامهلم معلومون هل يف‬
‫قدمه ؛ كيف يكونون يف حال بروز خلقهتم ‪ ،‬فهم معلومون هل حارضون‬
‫دليه ‪ ،‬اليعزب عنه مهنم حال والمعل والحركة والسكنة وال آقل من‬
‫ذ ك والآكرث ‪ ،‬وآما لنفسهم مفعدومون حىت يعطهيم العمل هبا ومبا آراد من‬
‫‪453‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫تفاصيل آحواهل اللكيهتا ‪ ،‬فذ ك هل يف حرضة عنديته اليت يه مفاحت الغيب‬


‫اليت اليعلمها االهو ‪ ،‬وينكشف لها من جعائب القدرة حبسب ماينكشف‬
‫لها مهنا ‪ ،‬فهي التتعدى فوق ما آعطيت من ذواهتا ‪ ،‬فهنا جيب علينا‬
‫قبض العنان ‪ ،‬ولرنجع اىل حل الكم املؤلف ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬عمل قةل هنوض العباد اىل معاملته ملا مه عليه من الثقل الرتايب اذلي‬
‫منه منشأ صورمه وظهور آثرمه ‪ ،‬ومعاملته يه مادعاك اليه من الوامر‬
‫اليت تقرب اليه وتزلف هبا دليه ‪ ،‬وتدخل هبا يف حرضته ‪ ،‬وتس تحق هبا‬
‫حمبته ‪ ،‬فمل يهنض ملا غلب عليك من الكثافة الرتابية الرضية ‪ .‬وعبارة ‪:‬‬
‫ابلسالسل للواجبات الرشعية بديع وهو قريب من قود السري الاكفر اىل‬
‫ادلخول يف االسالم اذلي فيه جناته ‪ ،‬فبجميل لطفه مل يرتك العباد‬
‫ومقتىض طبائعهم ‪ ،‬بل ساقهم بتخويفات العقوابت ورجاء املثوابت فهو‬
‫املتفضل يف ذ ك ‪ ،‬وهو مقتىض لطف الربوبية ابملربوب ‪ ،‬وتلكيف‬
‫احلبيب ابحملبوب ‪ .‬فاخللق مربوون حتت كنف ربوبيته يربهيم كام يريب الوادل‬
‫الشفيق احملب الرفيق لطفهل اجلاهل مبا يعود عليه من الصالح ‪ ،‬فاذا‬
‫كشف عند كامهل ماس بق اليه وآلكف عليه شكر صنيع وادله ‪ ،‬فكذ ك اذا‬
‫كشف هللا لعباده يف ادلار الخرة ما آعده هلم من الكرامة عىل ما‬
‫اس تعملهم فيه ؛ كيف ترامه يقولون { امحلد هلل اذلي هداان لهذا وماكنا‬
‫لهنتدي لوال آن هداانهللا } [ الية ‪ 84‬العراف ] { وقالوا امحلد هلل اذلي‬
‫صدقنا وعده وآورثنا الرض نتبوآو من اجلنة حيث نشاء فنعم آجر العاملني‬
‫} [ الية ‪ 74‬الزمر ] وهذا وماورى هذا مما العني رآت وال آذن مسعت ‪ ،‬م‬
‫‪454‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ماساقهم اليه وندهبم وآوجب علهيم وحهثم عىل فعهل لينالوا هذا الفوزالعظمي‬
‫واحلظ الوافر العممي ‪.‬‬
‫والسالسل مايوضع يف الرقبة للقود ابلعنوة والزجر ‪ ،‬والعجب من هللا‬
‫جائز ابلكتاب والس نة لكنه من السمعيات ‪ ،‬ومن قسم الصفات اليت‬
‫حتتار تركها عىل ماجاءت ‪ ،‬فيؤمن هبا ويرتك عىل ماآراد من ذ ك كسائر‬
‫ماجاء من ذ ك آسمل اال اذا اضطر اىل التأويل فيبحث عن تأويل العلامء‬
‫الرابنيني فهيا ‪ ،‬فيجدها عىل آمكل حمل اثبتة رشعا وعقال ‪ ،‬ويل يف ذ ك‬
‫شعرا ‪:‬‬
‫ملا عمل جل موالان وموجـــــــدان اان كام قال مل نهنض اىل العمل‬
‫آوجب علينا وحذر سوء عادتنا وقادان قود اجياب نصيح جـيل‬
‫فاالجياب من مقتىض قهر اللوهية ومس تحق الربوبية ‪ ،‬مفقهور ظاهر‬
‫ابلعدل وابطن ابلفضل وهو القهر عىل الواجبات املفرتضات ‪ ،‬فاذا نظرت‬
‫مايعود بسبب ذ ك من الفضل العظمي واجلزاء اجلس مي ‪ ،‬علمت آنه ما‬
‫آوجب عليك اال ماهو عائد اليك نفعه ‪ ،‬وصائر اليك غمنه ‪ ،‬ذل ك قال‬
‫املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( آوجب عليك وجود خدمته ‪ ،‬وما آوجب عليك اال دخول جنته‬
‫والتعرض لنفحات منته ‪ ،‬واحتاف نعمته ‪ ،‬وس بوغ رمحته )‬
‫فس بحانه ما آلطفه بعباده ‪ ،‬وما آتقنه ملراده ‪ ،‬اذ خزن خزائن الفضل يف‬
‫خزائن العدل ‪ ،‬وطوى وبيل العدل يف ما صوره بصورة الفضل ‪ .‬فهذه‬
‫عبارة تشري اىل ماقبلها وتفرس معناها ‪ ،‬حفيث علمت آن االجياب والقود‬
‫من مقتىض القهر بني مايف ذ ك من عظمي الفضل العممي برضوب العذاب‬
‫‪455‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اللمي واخلزي ادلامئ املقمي ‪ ،‬وجعل الواجبات سائقات وقائدات ومزجعات‬


‫عن الركون اىل مقتىض احلاالت ‪ ،‬وخمرجات عن حزي الهبامئ وامجلادات ‪،‬‬
‫ومنيال لعايل ادلرجات ‪ ،‬وتكس با لرشف املثوابت ‪ .‬هذا ملن غلب عليه‬
‫احلجاب ‪ ،‬ووقفت به عن مهنج الحباب ‪ ،‬ومنازل االقرتاب بسطوات‬
‫االغرتاب ‪ .‬وما آهل القرب املشغوفني حببه واملمتتعني بقربه فالحيتاجون‬
‫اىل القود القهري بل يأتون حبمك الطوع والفرح ‪ ،‬فالس باب تسوق آهل‬
‫احلجاب املوسومني بسمة الغافلني والجناب ‪ ،‬والصفات هتذب السادات‬
‫الجناب ‪.‬‬
‫فالعارفني من العلامء واملقربني من النجباء اليزجعهم خوف الس باب الغريية‬
‫‪ ،‬والتسوقهم احملبوابت الثرية ‪ ،‬بل خوفهم هيبة واشفاقا واجالال وتعظامي‬
‫واحرتاما وخش ية ‪ ،‬وهذه الحوال لكها التكون لغريمه ؛ لن العظمة‬
‫والكربايء واجلالل والقهر والغلبة مل يتصف هبا سواه ‪ ،‬ولك خموف وان‬
‫اش تد هوهل وعظم آمره امنا هو صادر عن تأثريه واخرتاعه ‪ ،‬وانش ئي عن‬
‫تصويره وابداعه ‪ ،‬فناهيك هبيبة تصدر عن مشاهدة وصف ذي اجلالل ‪،‬‬
‫القامئ هبا صفة احلال ‪ ،‬الفائضة آاثرها عىل سائر الفعال ‪ ،‬وذ ك معىن ما‬
‫آشار اليه قوهل صىل هللا عليه وسمل " نعم العبد صهيب لو مل خيف هللا مل‬
‫يعصه " وآما من اكن بغته احلجاب خفوفه حيايك ما هو متصف به كام قال‬
‫عز من قائل { الك اهنم عن رهبم يوميئذ حملجوبون * م اهنم لصالوا اجلحمي‬
‫} [ الايت ‪ 16 – 15‬املطففني ] خفوف العامة احملجوبني برؤية الغيار املرضوبة‬
‫دوهنم الس تار خوف النار ‪ ،‬ورجاؤمه ما آعد يف نعمي اجلنة من طيب‬

‫‪456‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫المثار ‪ ،‬واطراد الهنار ‪ ،‬وافتضاض الباكر ‪ ،‬وطمع نظر العارفني اىل رفع‬
‫احلجب والس تار ‪ ،‬وجتيل امجلال الهبار ؛ فش تان بني الفريقني وبون بني‬
‫املقامني ؛ آهل عليني يروهنم كام ترون الكواكب ادلرية الغائرة يف آفق‬
‫السامء كام ورد يف احلديث ‪ .‬فس بحان املتفضل عىل اللك مبا منه وشهوده‬
‫‪ ،‬فنعمة العامة مبا آوجبه علهيم وافرتضه ‪ ،‬وجعل الفرائض مفاتيح القرب مل‬
‫حيجر علهيا دون التوصل اليه بأصناف القرب ‪ ،‬بل فتح هلم من لك فريضة‬
‫اباب هميعا اىل حمبته ‪ ،‬واس تعطاف رمحته ‪ ،‬واس تدرار نعمته " اليزال العبد‬
‫يتقرب ايل ابلنوافل حىت آحبه " فامحلد هلل ‪ ،‬فالطرق اليه مطيفة بك‬
‫ظاهرا وابطنا ‪ ،‬قوال وفعال ‪ ،‬حركة وسكوان ‪ ،‬نظرا ومسعا ‪ ،‬فأيامن تولوا‬
‫فمث وجه هللا ‪ ،‬ان مل يوصكل اليه من طريق تعرفه وابتدآ حديثه ‪ ،‬وس بق‬
‫اختياره ومش يئته ‪ ،‬آوصكل اليه شان هدايته ‪ ،‬والرتيق يف معارج ااثبته‬
‫{ هللا جيتيب اليه من يشاء وهيدي اليه من ينيب } [ الية ‪ 13‬الشورى ]‬
‫فطريق اجلنة هو عينه سبيل االانبة عىل وفق احملبة ‪ ،‬واالعانة عىل القيام‬
‫مبقتىض الهداية ‪ ،‬وقد آابح للعبد موامس املغامن وفوز الغنامئ ‪ ،‬وجعلها يف‬
‫ط التعبدات ‪ .‬وآصناف املفرتضات مطوية كط النخل يف النوى ‪،‬‬
‫والزروع يف احلب ‪ ،‬وجعل اللك فرض ممتم من جنسه ليكون جابرا مافيه‬
‫من التقصري ‪ ،‬وموفرا مافيه من التخسري ‪ ،‬وممتام مااكن من التحيري ‪،‬‬
‫ووعد عىل فعهل من الفضل مايتضمن هل لك طالب ‪ ،‬ويقيض به لك مأرب‬
‫‪ .‬وحذر من التقصري وآوعد عىل تركه مبا يزجع به الغافل عن غفلته ‪،‬‬
‫ويوقظه من س نة شهوته ‪ ،‬هذا ملن غلبت عليه الكثائف الرضية ‪،‬‬
‫والطبائع احليوانية ‪ ،‬وآما من نور هللا قلبه ورشح صدره بنور هدايته ‪،‬‬
‫‪457‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وتوجه بنور واليته ‪ ،‬فاليعبد هللا عىل اخملارجة بل يعبده عىل احملبة ‪،‬‬
‫فاليربز نفس من الغيب اال آكس به رسا وآوجده علام ‪ ،‬فشهده من حيث‬
‫صدر فيبتدره ابالكرام ‪ ،‬ويزنهه عن مقارفة الاثم ‪ ،‬فالوقت لكه هلم وقت‬
‫واحد ‪ :‬مهنم آهل الصالة ادلامئة واللكمة اجلامعه ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ما آوجب احلق من فرض وحث عىل طاعات نفل مفرجع ذ ك الـعــــمل‬
‫اليك ان كنت ذا فهم سلمي فـــال حيتاج حىت مىت وهو الغين الزل‬
‫آوجب عليك ليك يدخكل جنته ويبلغك فـــوق ماترجو من المل‬
‫فباب فضل هللا واسع ‪ ،‬ورمحته عامة ‪ ،‬ومنته اتمة ‪ ،‬وهو الغين عن‬
‫آعامل العباد ‪ ،‬املسمى ابلكرمي واجلواد ‪ ،‬ينيل من مل يرجوه ومل يؤمل‬
‫ماعنده ؛ فكيف من علقت به مطامعه وانبسطت اليه حواجئه ‪ ،‬ورفعت‬
‫اليه شاكيته ‪ ،‬ورضع اليه وتوسل به اليه ‪ ،‬وانبسطت اليه حواجئه ‪،‬‬
‫ورفعت اليه شاكيته ‪ ،‬ورضع اليه وتوسل به اليه ‪ ،‬وبلك من هل عنده‬
‫جاه ‪ ،‬فاليس تغرب واليستبعد آن يقبهل ومينحه غاايت المال ‪ ،‬ذل ك قال‬
‫املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( من اس تغرب آن ينقذه هللا من شهوته ‪ ،‬وآن خيرجه من وجود غفلته ‪،‬‬
‫فقد اس تعجز القدرة االلهية { واكن هللا عىل لك شئ مقتدرا } [ الية ‪45‬‬
‫الكهف] )‬
‫من اس تغرب واستبعد وقوع ممكن من املمكنات ‪ ،‬آودفع انزل من‬
‫النازالت مما هو من قسم اجلائزات من سائر املقتدرات وان جلت ‪،‬‬
‫ودفع انزةل من النازالت وان عظمت ‪ ،‬وادراك مسمى من املسميات وان‬
‫دقت ‪ ،‬فذاك لقصور فهمه وغلبة سلطان ومهه عىل درك ماهو وصف من‬
‫‪458‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫صفات هللا اجللية ‪ ،‬ونعت من نعوته العلية ‪ ،‬اذ من صفة القدرة‬


‫وصالحيهتا للك ما خصصته املشيئة الزلية ‪ ،‬وسواء اكن من العيان‬
‫احلس ية والجسام الصورية ‪ ،‬آومن املعاين الغيبية امللكوتية ‪ ،‬واجلواهر‬
‫الروحية ‪ ،‬آومن العراض املعنوية ‪ ،‬آومن مجموع ذ ك وفوق ذ ك من لك‬
‫ممكن ‪ .‬والشهوة عرض من هذه العراض اليعجز هللا عن تبديلها ‪،‬‬
‫واليؤوده حتويلها اىل ضدها ‪ ،‬فالتبديل للشيئأن من هللا لعباده التائبني‬
‫مألوف ‪ ،‬وضد ذ ك غري معروف ‪ ،‬مفن فضهل الفائض العممي آن آخرب‬
‫بذ ك ونبه عىل ماهنا ك بقوهل وقوهل احلق { اال من اتب وآمن }‬
‫فاالميان يقتيض حسن الظن ابهلل آنه ما آهلمه التوبة ويرس آس باهبا وفتح هل‬
‫آبواهبا اال وهو يريد به آن جيعهل من خواص آحبابه ‪ ،‬ويدنيه من حرضة‬
‫شهوده واقرتابه ‪ ،‬فليحمل عىل املسارعة اىل اخلريات واس تعامل الصاحلات‬
‫‪ ،‬واليصده عن اببه ماقارفه من السيئات‪ ،‬وماطالت فيه ممارس ته للخطااي‬
‫والهفوات واتباع الشهوات ‪ ،‬فقال عز من قائل متقراب اليه ومتعطفا عليه ‪،‬‬
‫ومواصال هل بعد القطيعة { فأولئك يبدل هللا سيئاهتم حس نات } [ الية‬
‫‪ 70‬الفرقان] ويرفع حس ناهتم درجاهتم ‪ ،‬ودرجاهتم مشاهدات ‪ ،‬ومشاهداهتم‬
‫مواصالت ‪ ،‬ومواهب آلطاف ونيل اسعاف وتزنل ودنو وغري ذ ك مما‬
‫اليسع العقل فهمه ‪ .‬والشهوة شئ مما هو مقدور لقدرته ‪ ،‬ومقهور حتت‬
‫قهر آلوهيته ‪ ،‬والغفةل ومه يضمحل عند ارشاق آنوار مشاهدته ‪ .‬فكيف‬
‫ييأس من متكنت منه آس باهبا ؛ بل يطلب من فضهل آن ينقذه مهنا فهي‬
‫عليه يسرية وان عظمت ‪ ،‬وقليل وان كرثت ‪ .‬لكام رآيت وشاهدت من‬

‫‪459‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫آحوال من س بقت مهنم كبائر اذلنوب وفضائع المور وعادوا بفضل هللا‬
‫سادة قادة ‪ ،‬وآعالم ملنار السعادة ‪ ،‬فالحيىص عدمه والميكن حرصمه ممن‬
‫قد تلبس بزانر وعابد صمن وانر وكوكب من الكفار من اذلين س بقت هلم‬
‫من هللا عناية مل يرضمه ماقارفوا ‪ ،‬وممن لبث آزمان عىل ادمان املعايص‬
‫وتدورك من هللا وانل آعىل املنازل ؛ كسادة العارفني ‪ :‬خفر ادلين ايب‬
‫الغيث وغريه مثل ربيع املافودي كام روى عن نفسه ‪ :‬آنه اكن يف سالف‬
‫الزمان مقدما مجلاعة قطاع الطريق فتدورك فأصبح قطب التحقيق ‪ ،‬وغريه‬
‫من آاكبر هذه المة ‪ ،‬فاليقطعن عن فضهل يأسك ‪ ،‬والتردن عن اببه‬
‫رآسك ‪ .‬فعند ادمان الطلب تدرك الرب ‪ ،‬فعطاؤه الحيجبه السبب ‪،‬‬
‫والجيلبه النسب واحلسب ‪ .‬فالعبد مامل يغرغر ومل تطلع الشمس من مغرهبا‬
‫معرض للتوبة ‪ ،‬ومتسبب للوبة ‪ .‬فريمح هللا البوصريي حيث قال ‪:‬‬
‫اينفس التقنط من زةل عظمت ان الكبائر يف الغفران اكلمل‬
‫مفن اس تغرب ذ ك فقد نسب القدرة االلهية اىل العجز املس تحيل عليه‬
‫كسائر النقائص ‪ ،‬واستشهاده ابلية اجلامعة لعموم سائر الش ياء من آبلغ‬
‫ادلالئل ‪ ،‬وآوحض العالمات وآجنح الوسائل ‪ ،‬فالخيتص هباشئ دون شئ‬
‫‪ ،‬بل الش ياء لكها داخةل حتهتا ومل خترج آنت والشهوتك عن الش ياء‬
‫فتكون مس تغراب ‪ ،‬وماوصف به نفسه من قوهل { واكن هللا عىل لك شئ‬
‫مقتدرا } [ الية ‪ 45‬الكهف ] فقوهل ‪ :‬اكن هللا ‪ ،‬فهذا وصفه والش ياء مل تكن‬
‫بعد ‪ ،‬لكهنا هل معلومة ومجيع تفاصيل آحوالها ومعانهيا ‪ ،‬فالاكن وصفه‬
‫والكون فعهل وهو قوهل صىل هللا عليه وسمل " اكن هللا والشئ " ومل‬

‫‪460‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫يفارقه هذا الوصف دامئا رسمدا ‪ ،‬وقوهل { مقتدرا } آي فاعال وخمرتعا‬


‫ومبدعا ‪ ،‬فكيف تس تغرب منه فعل ماهو موصوف ابخرتاعه ومستبدا‬
‫اببداعه ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فكيف يس تغرب آن هللا ينقــــذه من شهوة طال ماقد اكن يــأتــــهيا‬
‫ان الكبائر التعــــــــظم فتحس به عن نيل فضل وان طالب مبانهيا‬
‫ان واهجتك صفات الفضل منه فال شئ من اذلنب والعامل يثـــــنهيا‬
‫هذا ملن قصدته املعايص من غري تعمد معاندة هلل وانهتااك من غري مباالة‬
‫ورجع اىل مواطن التوبة ‪ ،‬فليس هو املعين هنا ‪ ،‬فهذا آي حسن الظن‬
‫واملبالغة يف الرجاء اال عند اقبال العبد اىل مواله ورجوعه اىل اببه ‪،‬‬
‫فينبغ آن يرغب يف ذ ك ويالطف مبثل هذه الرواايت ‪ ،‬فان هللا اذا‬
‫رجع عبده اليه قبهل عىل مااكن من العمل كام وردت به الحاديث والايت‬
‫‪ .‬وآما املرصين فليسوا من ذ ك يف شئ ‪ ،‬واملؤمن رمبا يرد عليه ماصورته‬
‫معصية وذنب فيتكدر ذل ك بصفاه وتظمل آرجاه ‪ ،‬فيعرف مقدار منة هللا‬
‫عليه وادامة فضهل اليه ‪ ،‬فزيداد تعظامي لنعمة هللا ويزداد فرارا وابعادا ملا‬
‫آذاقه من مرارة ورود الظمل ‪ .‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( رمبا وردت الظمل عليك ليعرفك قدر ما من به عليك )‬
‫رمبا وردت ظمل ليل البعد عىل هنار القرب والكشف لتعرف قدر املنة‬
‫عليك فامي من به من كشف ظمل الغيار ‪ ،‬ومدهلم ليل الاثر بتجيل‬
‫النوار وشهود الرسار املعرب عنه ابلهنار‪ ،‬لتعرفها بأضدادها { ومن رمحته‬
‫جعل لمك الليل والهنار } [ الية ‪ 73‬القصص ] ولك ذ ك لطفا بعباده لئال‬
‫‪461‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫جيهلون ورود الظمل فاليعرفون قدر النعم ‪ ،‬فيقفون دون شكرها فيحرمون‬
‫املزيد ‪ ،‬فأورد ضدها ليكون ذ ك سببا لشكرها وهو سبب مزيدها دلهيم‬
‫ودواهما علهيم ‪ ،‬ولو مل ترد علهيم هذه الضداد فلرمبا هجلوا ورود االمداد ‪،‬‬
‫ولوقفوا دون شكرها فاكن ورود الظمل عند االعتبار يف حقهم من مجةل‬
‫النعم ‪ ،‬هذا اندر لبعض آفراد اخللق ‪ ،‬آما آصاةل ورود الظمل فاليكون اال‬
‫عقوبة عن ذنب آوسوء آدب ‪ ،‬فان مل يزنع عام هو مقارفه خيف آن يتسع‬
‫يف القلب آثرها فتصدر عنه آعظم فترتامك كذ ك حىت يعلوا عليه الران ‪،‬‬
‫نعوذ ابهلل من ذ ك ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فرمبا وردت شوم اذلنوب ليك يعرف العبد ماقد اكن جيــههل‬
‫ويسزتيد كذا شكرا عليه ملـــــا قد اكن يف سابق الزال آههل‬
‫ويف احلديث " لو مل يكن اذلنب خري للمؤمن من العجز ماقدر عليه "‬
‫آوكامقال ‪ .‬فاذا عرفت آن ورود الظمل منه للشكر عىل وجود النوار ‪،‬‬
‫وحااث عىل التحفظ من اقرتاف الوزار ‪ ،‬ومامنه آعظم عىل العبد من‬
‫االميان العمل مبقتضاه فليحافظ عليه وليجهتد لك اجلهد يف االقبال اليه‬
‫واالهامتم به ‪ ،‬وذ ك آن لك فائت عنه خلف اال االميان ‪ ،‬فليجهتد العبد‬
‫يف الشكر وهو يف حال تلبسه به ‪ ،‬والعاقل يشكر النعم بوجداهنا ‪،‬‬
‫واجلاهل اليعرفها اال بفقداهنا كام قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( من مل يعرف النعم بوجداهنا ‪ ،‬عرفها بوجود فقداهنا )‬
‫فأكرث اخللق حاهلم اجلهل ابلنعم والغفةل عن مقتىض الشكر علهيا ‪ ،‬فيقبلون‬
‫بفقدها مع عدم الصرب عهنا ‪ ،‬واملعرفة تكون ابلقلب ويه شكر القلب ‪،‬‬
‫وابجلوارح ويه العمل مبقتىض النعمة وهو شكرها ‪ ،‬قال هللا س بحانه {‬
‫‪462‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫امعلوا آل داود شكرا } [ الية ‪ 13‬س باء] ويف آخبار داود " الهي كيف‬
‫آشكرك وشكري ك نعمة منك عيل قال ‪ :‬اذا عرفت هذا فقد شكرتين "‬
‫فعرفت آن املعرفة لكية الشكر وعهنا تصدر آس بابه ‪ .‬والنعمة هو لك آمر‬
‫حتمد عاقبته يف املأل وان اكن مؤملا ‪ ،‬وماال فليس بنعمة وان اكن مالمئا ‪،‬‬
‫ومن هنا يقال ‪ :‬ليس هلل نعمة عىل اكفر وامنا مالذه اس تدراجا ‪ ،‬واذا‬
‫عرف النعمة يف حال وجودها كام هو حاةل الكياس فقد تعرض لفتح ابب‬
‫املزيد اذلي يلهمه لك موفق رش يد ‪ ،‬ويفهمه لك ذي رآي سديد ‪ ،‬بشاهد‬
‫قوهل عز من قائل { لنئ شكرمت لزيدنمك ولنئ كفرمت ان عذايب لشديد‬
‫} [ الية ‪ 7‬ابراهمي ] فانظر كيف قرن الشدة بتعذيب من كفر ابلنعم ‪ ،‬مفن‬
‫ضيع النعم بعدم الشكر علهيا فقد تعرض للنقم ‪ ،‬ومعرفة النعمة بفقداهنا‬
‫اليكون شكرا وامنا يه حترسا وتأسفا اليفيد صاحبه اال حرسة اىل حرسة‬
‫تتواىل ‪ ،‬وهللا آعمل آن توايل احلرسات يه الشدة اليت آومت الهيا الية يف‬
‫قوهل س بحانه { ان عذايب لشديد } ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫من ليس يشكر رب العاملني عىل مااسداه من فائض النعام واملنن‬
‫تغنيه حرسته يف الرس والعـــــلن‬ ‫الشك حيرس عند الفقد مـنه وال‬
‫والشكر من آجل النعم من هللا عىل عبده آنه آعطاه ونسب اليه ‪ ،‬مفا‬
‫آعظم فضهل وآوسع بره وبذهل ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( التدهشك واردات النعم عن القيام حبقوق شكرك ؛ فان ذ ك مما حيط‬
‫من وجود قدرك )‬

‫‪463‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫التدهشك وتعجزك كرثة الالء وترادف النعامء فرتى نفسك عاجزة عن‬
‫شكرها والقيام حبقوقها ‪ ،‬فان هللا س بحانه وهل امحلد قد رفع مقدار عبده‬
‫وآههل للك فضهل ‪،‬وجعل هل اىل لك مقام وس يةل ‪ ،‬فهي وان قلت يف‬
‫لفظها فنسبهتا اليه اليوازهنا كثري العطاء ‪ ،‬فامحلد هلل ابهلل اليقوم هل عديل‬
‫انهيك آن مجيع مايف اجلنة مااليقدر آحد عىل آن يصف آقل قليل مهنا ‪،‬‬
‫والمتاثهل ادلنيا مبا فهيا ‪ ،‬وجعل آخر ساكهنا بعد مامن به علهيم { آن امحلد‬
‫هلل رب العاملني } فلك نعمة وان جلت فامحلد آجل ‪ ،‬ولك عمل ومعل‬
‫حال فباالضافة اىل محده آقل { وقل امحلد هلل وسالم عىل عباده اذلين‬
‫اصطفى } [ الية ‪ 59‬المنل ] وورد يف بعض الحاديث القدس ية ‪ :‬خلقت‬
‫اخللق لريحبوا عيل " فنعمة امحلد وتيسري العمل آعظم من النعمة اذلي‬
‫جعلته ابزاهئا ‪ ،‬وهكذا ‪ ،‬فشكر الورى قارص عن بلوغ امحلد املنعم املفضل‬
‫‪ ،‬مفا نشكر عىل نعمة اال وحيتاج شكرها اىل شكر آبلغ منه ‪ ،‬وقصارى‬
‫ذ ك آن ترى جعزك عن القيام بشكره ‪ ،‬وترى مابك من نعمة منه ‪،‬‬
‫وتشهد لطيف نعمه عىل ممر آنفاسك ؛ وسواء كنت يف حاةل مالمئة ظاهرة‬
‫آويف حاةل بلية ‪ ،‬فالنعمة فهيا ابطنة تشهدها القلوب ‪ ،‬ويظهر من وراء‬
‫آجساف الغيوب ‪ ،‬فشكر من فتح هللا عني قلبه علهيا آعظم من شكر‬
‫ماظهر ‪ ،‬ومن زمع آن ليس م اال الصرب فذ ك حلجابه عن النظر ابلقلب‬
‫يف لطف احلبيب ‪ ،‬وماجيريه من التعرفات خلواص عباده ‪ ،‬ومايرصف‬
‫عهنم به مما هو آشد منه ‪ ،‬فالشكر عىل النعم الباطنة غري منكور عند‬
‫آرابب القلوب السلمية والرسار املس تقمية ‪ ،‬فامحلد جيمع آصناف احملامد ‪،‬‬
‫‪464‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫مفا ثناء آبلغ منه وان بلغت النعم مابلغت ‪ ،‬مفا يصل مقدارها اىل س ياق‬
‫امحلد هلل لنه محد به نفسه يف كتابه ‪ ،‬وجعهل مبتدآ الكتاب وخامتة خطاب‬
‫الحباب عند كشف احلجاب ‪ ،‬فأي نعمة توازية ‪ ،‬وآي منة تعادهل ‪،‬‬
‫فالجتهل قدرك فقد جعكل خليفته يف محده يك جتمع ك الفضائل ‪،‬‬
‫وتنبسط اليك املنن واملواهب ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫اليدهشك عن مقام الشكر ماوردت عليك من واردات الفضل واملنن‬
‫فليس يعدل رس امحلــــد ان عظمت فامحلد يف نعمة املـــــوىل هو المثن‬
‫هذا عند فراغ القلب عن الغيار ‪ ،‬وحصته عن آالم الاثر ‪ ،‬وآما‬
‫اذا مرض القلب واعرتته آمراض الهوى فرمبا ينعكس المر فيس تحيل‬
‫مايس متره آرابب الصحة ‪ ،‬فيجد لمتكن آمل القلب ملرض الهوى حالوة كام‬
‫قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( متكن حالوة الهوى من القلب هو ادلاء العضال )‬
‫متكن حالوة الهوى هو اس تحاكمه حىت اليبقى دلاعية االميان بقية‬
‫‪ ،‬والحلمك البيان مزية ‪ .‬وعند المتكن يس تحليه ويتحمك هل ‪ ،‬والهوى هو‬
‫لك ماجاء من دواع النفس عىل خالف المر واتباع الشهوة عىل حمك‬
‫الطبع ‪ ،‬فاذا رخس يف القلب واتسع داؤه فيه فرمبا الجيد دلوائه متسعا ‪،‬‬
‫ودواءه هو ماس يذكره املؤلف رمحه هللا بأثر هذه احلمكة ‪ ،‬وادلاء املعضل‬
‫هو اذلي مل جيد اىل دوائه سبيال ‪ ،‬فيعيا احلكمي يف اس تنباط حيةل اخراجه‬
‫عنه لشدة تلبثه وغلبة حتمكه ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫تعينه حيــــةل الطب والحـمك‬ ‫اذا متكن يف قلب املريد مفـــــــــــــا‬
‫ذاك الهوى من قلوب السالكني كام الينفع الطب مايس تحمك المل‬
‫‪465‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ومن حمكة هللا وجاري سنته آنه ماخلق داء اال وخلق هل دوى ‪،‬‬
‫والداء آرض وال آشد عىل االنسان من الهوى لنه مبتدآ لك رش دنيا‬
‫وآخرى ‪ ،‬فمك من رصيع من حسام هوائه ‪ ،‬ومك من نعمي زلزلهتا يد الهوى‬
‫‪ ،‬وبه يكون هالك روح املرء وخرسانه يف آخرته وفوات غنامئه ‪ ،‬ولكن‬
‫لرجاء مايداوي علته ويربي به من وخمي حمنته ش يئني وهو ماقاهل املؤلف‬
‫ريض هللا عنه حيث قال ‪:‬‬
‫( الخيرج الشهوة من القلب اال خوف مزجع ‪ ،‬آوشوق مقلق )‬
‫فاخراج الشهوة اليت يه مركز الهوى وعهنا تتشعب طرقه اال‬
‫خوف وعيده اذلي اليطاق ‪ ،‬وآلمي عقابه آشفق هل لك شامخ صليب ‪،‬‬
‫وتشقق منه ش ناخيب مص اجلبال ‪ ،‬وذابت هل النفوس وحتولت منه‬
‫الحوال ‪ .‬واخلوف عىل مراتب حبسب مقامات الواحدين ‪ :‬خفوف العامة‬
‫من هول الطامة { هلم من فوقهم ظلل ومن حتهتم ظلل ذ ك خيوف هللا‬
‫به عباده } [ الية ‪ 16‬الزمر ] وخوف اخلاصة من املريدين وآويل العزامئ من‬
‫السالكني هو خوف االنقطاع وحرمان االجامتع ‪ .‬وخوف الواصلني من‬
‫العتاب وارخاء احلجاب ‪ ،‬والبعد بعد االقرتاب ‪ .‬وخوف املشاهدين من‬
‫املكر يف غيب المر ‪ ،‬ومابني ذ ك مقامات من اخلوف حبسب الحوال‬
‫والميكن حرصها عىل التفصيل ‪ ،‬فهذا اخلوف فرع عن جتيل جالل لقلع‬
‫الهوى من القلب ‪ ،‬ويزيل الشهوة ويقطع آثرها وحيسم مادهتا ابللكية ‪،‬‬
‫آوشوق مقلق ؛ فقلق الشوق لهل املواجيد اذلائقني حالوة احلب ‪،‬‬
‫والاكرعني مناهل الوصال ـ فوهجه شديد وانره تلهب تقول هل من مزيد‬

‫‪466‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ ،‬فأىن يبقى للشهوة مع ذ ك آثر آوتسمع لها خرب ‪ ،‬وهذا احلال من‬
‫املواهب القربية المن العامل الكسبية ‪ ،‬فاذا وردت عىل احملل قرع عن‬
‫لك شئ سواها ‪ ،‬وآصبح فؤاد آم موىس فارغا عن غريه ‪ ،‬والشوق مقدمة‬
‫اذلوق وهو منه ‪ ،‬مفن الذوق هل الشوق هل ‪ ،‬لكن يكون المتكن لهن‬
‫الوصال ومن رضورة الشوق القلق املفرط ‪ ،‬ومن عالمة اخلوف االنزعاج‬
‫عن الخالق اللئاميت ‪ ،‬والركون اىل احملبوابت ‪ ،‬فاليقلع تشبث الشهوة‬
‫من القلب اال هذين الواردين وماسواهام الينجع فيه لهنام آول ميادين‬
‫الحوال الوهبية ‪ ،‬ودوهنام آعامل كسبية التقوى عىل ازاةل الشهوة من‬
‫القلب ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ورد عليه فتــوح الغـيب ينتهبا‬ ‫القلب مغمور يف شهواته مفــــىت‬
‫ورد عليه بسطـــــــوة قهره تهيا‬ ‫وآول الفتح خوف مــــزجع فاذا‬
‫وصال حمبوب يف الرواح آنبهتا‬ ‫آوشوق مقلق حياة للقلوب اىل‬
‫فالعامل فرع عن صدق الحوال ‪ ،‬مفىت اكنت الحوال صافية‬
‫خرجت العامل خالصة ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( كام الحيب العمل املشرتك ؛ كذ ك الحيب القلب املشرتك )‬
‫كام علمت آن العمل شيب بشوائب الرايء واالجعاب وحمبته ظهور‬
‫الصيت ومسلوب عن احملصول ‪ ،‬وذ ك لغلبة رؤية اخللق وتعظميهم عند‬
‫العامل ‪ ،‬واحتجابه عن هللا وعن عظمة هللا كام اكن ذ ك ‪ ،‬آي ارشاك‬
‫اخللق يف العامل مانع عن قبول ذ ك ‪ ،‬بل آوىل القلب املشرتك اذلي هو‬
‫موضع نظر هللا من االنسان اذا آرشك فيه غريه ابحملبة واالعامتد ‪ ،‬فذ ك‬
‫مانع الحماةل من ورود النوار وجتيل الرسار اذلي حيظى هبا الصادقون من‬
‫‪467‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫آويل البصائر الصافية ‪ ،‬والعقول الوافية ‪ ،‬وحمبة هللا رضاه عن العبد يف‬
‫العامل ‪ ،‬وجتليه هل يف القلب بورود جتيل السامء من وراء آجساف الغيب‬
‫اذلي يعربون عهنا ابلحوال ‪ ،‬فاذا منع عدم االخالص عن القبول اذلي‬
‫هو الرضا به اذلي حيصل به املثوبة والقربة املؤدين اىل احملبة ‪ ،‬فالقلب‬
‫آوىل آن اليرشك فيه غري من هو حمل نظره واليعمتد عىل سواه ‪ ،‬فالرشك‬
‫فيه الحماةل جحاب عن صدق االقبال ‪ ،‬والرشك يف العامل الينتجها رؤية‬
‫اخللق يف العامل وعدم القبول ‪ ،‬ونتيجة رؤية عدم النفس عدم االقبال كام‬
‫قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( العمل املشرتك اليقبهل ‪ ،‬والقلب املشرتك اليقبل عليه )‬
‫لن رشط القبول يف العامل التقوى ‪ ،‬والتقوى ملن يتق رؤية‬
‫اخللق برؤية هللا ‪ ،‬قال هللا { امنا يتقبل هللا من املتقني } [ الية ‪] 27‬‬
‫واليكون اقبال من هللا عىل القلوب وفهيا غريه حمبوب آومرهوب ‪ ،‬لنه‬
‫اليتقاوما الضدان ‪ ،‬فوجود احلق اليقاوم هل الباطل ‪ ،‬وماسوى هللا ابطل‬
‫‪ ،‬فأي شئ اكن يف القلب اكئنا مااكن ‪ ،‬فاس تدل عىل آنه مل يقبل هللا عليه‬
‫‪ ،‬ومىت فرغ عن الاثر وخيل عن الغيار الجرم آن هللا قد واهجه وآقبل‬
‫عليه ‪ ،‬فلتكن من ذ ك عىل بصرية ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فلك عاقل الخيلص عن الغري اليقبل هللا منه القول والعــــمل‬
‫اليقبل هللا كام قد حص يف املثل‬ ‫ولك قلب اليصفو من الكدر‬
‫النوار يعرب عهنا حباةل العبد الراهنة ‪ ،‬مفن اخللق من يكون يف مقام‬
‫االسالم ‪ ،‬ومهنم من يكون يف مقام االميان ‪ ،‬ومهنم من مقامه االحسان ‪،‬‬
‫ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه مشريا اىل ذ ك فقال ‪:‬‬
‫‪468‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫( آنوار آذن لها يف الوصول ‪ ،‬وآنوار آذن لها يف ادلخول )‬


‫آشار بقوهل ‪ :‬آنوار آذن لها من هللا لهنا واردة منه يف الوصول اىل‬
‫ساحات القلوب بأن يظهر لها كوامن الهوى ‪ ،‬ويتبني لها تغرير الش يطان ‪،‬‬
‫وتنبسط علهيا آنوار السكينة ‪ ،‬وتعمل نفاسة العامل وخمادع المال ‪،‬‬
‫وخمافة انقطاع االهمال ‪ ،‬ويكون متحراي يف طلب احلالل ‪ ،‬ويبحث عن‬
‫القصص والاثر وحتقيق القوال ‪ .‬وآنوار آذن لها يف ادلخول اىل ابطن‬
‫القلب ويه آنوار االميان ‪ ،‬لن ابطن القلب موضع االميان { قالت‬
‫العراب آمنا قل مل تؤمنوا ولكن قولوا آسلمنا } [ الية ‪ 14‬احلجرات ] فدل‬
‫التغاير بني املقامني ‪ ،‬وذ ك آن االسالم قول ابللسان ومعل ابلراكن ‪،‬‬
‫ذ ك آيضا مع مصاحبة تصديق اجلنان ‪ ،‬ولالميان مراتب يف نفسه ‪ :‬مفنه‬
‫القوي البالغ ويعرب عنه ابليقني اذلي اليتطرق اليه الشك حبال ‪ ،‬ومنه‬
‫الضعيف وهو اذلي يتجدد وخيلق ‪ ،‬ومنه الاكمن وهو اذلي تثريه املواعظ‬
‫القرآنية ‪ ،‬ومنه الظاهر وهو آصل الحاكم الظاهرة العملية ‪ ،‬وتمتىش فيه‬
‫االجهتادات االس تنباطية الفقهية ‪.‬‬
‫وامس االميان يعم سائر املراتب القربية عىل اختالف القوال‬
‫والفعال ‪ ،‬وتغاير الحاديث يف وصف املؤمن من حيث قال { يؤمنون‬
‫} [ الية ‪4‬‬ ‫ابلغيب } وقال { يؤمنون مبا آنزل اليك وما آنزل من قبكل‬
‫البقرة ] ويف احلديث " اليؤمن آحدمك حىت يكون هللا ورسوهل آحب اليه مما‬
‫سواهام " ومن املعلوم آن اجلم الغفري من املؤمنني يؤثرون بعض احملبوابت‬

‫‪469‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫عىل حمبة هللا ورسوهل فمل خيرهجم ذ ك عن امس االميان ‪ .‬والالكم فيه‬
‫حيتاج اىل افراد كتاب مس تقل حافل لقوال العلامء فيه ‪ ،‬واختالف‬
‫عباراهتم وتزنيل احامتالهتم ‪ ،‬وقصدان رشح الكم املؤلف وادلخول يف ابطن‬
‫القلب آيضا متفاوت ‪ ،‬مفنه ادلاخل اىل التجويف الول من جتويفات‬
‫القلب ‪ ،‬ومنه البالغ اىل سويداه ‪ ،‬والواصل اىل لبابته وعنده تتجىل آرسار‬
‫الصفات ‪ ،‬وخترتق البصرية العوامل اجلربوتيات ‪ ،‬فهذه آنوار آذن لها يف‬
‫الوصول اىل غاية املأمول ‪ ،‬كام آذن لنوار االميان يف ادلخول والنفوذ عن‬
‫الوقوف عن حرص املعقول واملنقول ‪ ،‬وعمل تأويل الزنول بال تعطيل‬
‫والحلول ‪ .‬فالوصول اىل ظاهر القلب هو مايكون العبد ممتثال به ظاهرا‬
‫‪ ،‬وادلخول اىل ابطنه هو مايكون مستسلام لحاكم احلقيقة ابطنا ‪،‬‬
‫والوصول اىل السويداء هو مايكون عنه فانيا وميكن ذ ك يكون به ابقيا ‪،‬‬
‫ويعرب عنه ابالحسان اذلي يعبدهللا به عىل العيان ‪ .‬والنور ادلاخل هو‬
‫االميان اذلي ابرش اجلنان ‪ ،‬والنور الواصل اىل الظاهر هو االسالم اذلي‬
‫هو معل الراكن ‪ ،‬وبه يكون المان عىل الموال والبدان ‪ ،‬ويل يف ذ ك‬
‫شعرا ‪:‬‬
‫آنوار آهل الظواهر واصــــالن اىل ظواهر القلب موقوف عىل العمل‬
‫ونور آهل الرسائر ذا خالف فـال يبقى من الشك والدران والعـــلل‬
‫ونور يظهر من رس الغـــيوب عىل صفاحئ القلب يكشف عــــامل الزل‬
‫فالنوار ترد من ابب املواهب الرابنية ال اعامتل للعبد فهيا اال آهنا‬
‫اذا وردت ووجدت حمال صاحلا لزنولها قابال للوصول متكنت واس تودعت‬

‫‪470‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فيه اكستيداع املاء يف الرض الطيبة ‪ ،‬واذا مل تتأهل مرت عليه مكرور‬
‫املاء عىل الرض الس بخة ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( رمبا وردت عليك النوار فوجدت القلب حمشوا بصور الاثر ‪،‬‬
‫فارحتلت من حيث نزلت ‪ ،‬فرغ قلبك من الغيار ميله ابملعارف والرسار )‬
‫رمبا وردت عىل ندور عليك آهيا االنسان ‪ ،‬وورود ماالخيتص‬
‫بوقت دون وقت ‪ ،‬والبزمان دون زمان ‪ ،‬وال ابنسان دون انسان ‪،‬‬
‫والنوار الوهبية قد ترد عىل العبد وهو غري متأهل لها فال جتد يف القلب‬
‫موضعا لغلبة الشهوات احليوانية ‪ ،‬والطبائع الهبميية ‪ ،‬والكثائف الرضية ‪،‬‬
‫ويه مزنهة مقدسة التصلح جملاورة هذه القاذورات ‪ ،‬ويه ضيف نزل‬
‫ومن شأنه االكرام عند الحرار الكرام ‪ ،‬مفن اكرامه تطهري حمهل وتفريغه عن‬
‫هذه القاذورات املباينة لعاملها الروحاين ‪ ،‬وختلية احملل مبا يصلح لها كذ ك‬
‫مما هو من عاملها من صنوف الطاعات ‪ ،‬وجتري املوافقات يف مجيع الوقات‬
‫‪ ،‬فعساها جتمده حال نزولها فارغا عن كثائف الغيار ‪ ،‬ومطهرا من‬
‫تلويث الاثر ‪ ،‬فتحفه النوار ومتتيل شهود الرسار ‪ .‬ولهذا آرشدان رسول‬
‫هللا صىل هللا عليه وسمل اىل ذ ك وهو الصادق املصدوق حيث قال "‬
‫ان هلل يف آايم دهرمك نفحات فكونوا لها متعرضني " وتعرضك لنفحاته‬
‫اليكون اال ابملثابرة عىل الطاعات واالقالع عن اخملالفات ‪ .‬وآما عند امتالء‬
‫حوايش القلب ابلصور الومهيات والكثائف الرضيات فأين تزنل املعاين‬
‫امللكوتيات والرسار القدس يات ‪ ،‬وآين ترمق العلوم الكشفيات وقد‬
‫آحاطت بلوح القلب احلروف اجلسامنيات ‪ .‬فان آردت آن ترمق قمل الزل‬
‫يف ورق القلب علومه ؛ ففرغه عن هذه بتحري الرايضات واختيار اخللوة‬
‫‪471‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وركوب الفلوات ‪ ،‬فللتحيل آس باب يتوصل هبا اىل فراغ القلب عن‬
‫الغيار ‪ ،‬وطهارته هبا عن الاثر معروفة عند آرابب الصدق يف اجملاهدة‬
‫اليت يه طريق املشاهدة ‪ ،‬وضعها هللا لعباده حبمكه وسابق علمه آن رزق‬
‫بعض املريدين من السالكني ؛ اليأتيه اال بعد مزيد اجهتاد ‪ ،‬وبعضهم يأتيه‬
‫رزقه املعنوي بدون ذ ك كام هو مشاهد يف الرزاق الظاهرة ‪ ،‬فيسمى‬
‫جمذوب وسا ك ‪ ،‬وآما يف الرزاق الظاهرة يسمى منتسب ومتجرد ‪ ،‬ويل‬
‫يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فرمبا ترد الرسار واصــــــــةل من عامل القدس مشهد حرضة الزل‬
‫فيلتق القلب حمشوا خمائلـــه من عامل احلس والثــــــــار مش تغل‬
‫فرتتق بعد من الوطان قافةل وقل مرجعـــــــــــها يف ذ ك الس بل‬
‫ففر عنه مفا عن ذاك حائلـــة عىل شهود بال كيف والمــــــــــــثل‬
‫فاذا عرفت آن الرسار التبارش القلب عند اش تغاهل ابلصور‬
‫والاثر ‪ ،‬وآن النوار الترد اال بعد التفرغ عن الغيار ‪ ،‬قال املؤلف ريض‬
‫هللا عنه ‪:‬‬
‫( التستبطئ منه النوال ؛ ولكن استبطئ من نفسك وجود االقبال )‬
‫التستبطئ آهيا الطالب املتعرض لنواهل وفيض افضاهل ‪ ،‬آي من‬
‫الفضل املنيل لصنوف اللطاف ووجود االسعاف النوال اذلي آنت هل‬
‫متعرض وفيه متسبب ‪ ،‬فانه مس متر مدرار ‪ ،‬وماخيلف عنك اال لعدم‬
‫تأهكل وهو اقبا ك بلكية مهتك وبذل وسع هجدك ‪ ،‬وليس هناك اال‬
‫االقبال اليه ‪ ،‬ودعاء غريه ك مشهود ‪ ،‬ويف مرآة قلبك موجود { ماجعل‬

‫‪472‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫هللا لرجل من قلبني يف جوفه } [ الية ‪ 4‬الحزاب ] فليس للقلب اال وهجة ‪،‬‬
‫مفىت اكن غريه عندك مشهود فأنت مدبر منه ومعرض عنه ‪ ،‬ومىت قابلته‬
‫امضحلت عندك سائر املوجودات ‪ ،‬وفنيت ذل ك سائر املشهودات ‪ ،‬ويل‬
‫يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫عىل دوام جتيل الوصف ابلكــرم‬ ‫نوال ربك فيــــــــــــــاض ومنسجم‬
‫فقابل ان شئت وجه المر واحتمك تأتيك آلطاف مايف حرضة القدم‬
‫واالقبال هو آن تكون حبقه مبادرا ‪ ،‬واذاكنت كذ ك مل جتد وقت‬
‫اال وهل عليك فيه حق ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( حقوق يف الوقات ميكن قضاؤها ‪ ،‬وحقوق الوقات الميكن‬
‫قضاؤها ‪ ،‬اذ ما من وقت يرد االوهلل عليك فيه حق جديد وآمر آكيد ‪،‬‬
‫فكيف تقيض فيه حق غريه وآنت مل تقيض حق هللا فيه !؟ )‬
‫احلقوق اليت يف الوقات يه التاكليف املفرتضة عىل العبد حبمك‬
‫الرب ‪ ،‬فوسع هللا عىل العباد فهيا لئال يصريون يف احلرج ابملواخذة عىل‬
‫مافات اليت تضاد وضع الرص عن هذه المة ‪ ،‬فلك مفرتض رشع يف‬
‫وقت خمصوص اذا فات آمكن آن يقىض يف غريه من الوقات ‪ ،‬لن‬
‫الزمان الوقيت طرف للمر الرشع وذ ك من لطفه بعباده فهي ممكنة هلم‬
‫لكام عادوا ‪ ،‬وآما حقوق الوقات اليت يه معامةل آرابب القلوب حبسن‬
‫املراقبة للمحبوب فرتى الوقات لكها خزائن تظهر من حرضة الغيب ‪،‬‬
‫واخللق يودعون فهيا صنوف العامل ويه راجعة شاهدة ممن آودع فهيا‬
‫خري وعىل من آودع فهيا رشا ومن فرعها فتكون بني يدي هللا اىل يوم‬
‫املرجع واملأب ‪ ،‬فتنترش تكل الصحائف وتظهر تكل اللطائف ‪ ،‬حفق العبد‬
‫‪473‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫حسن املعامةل هلل فهيا ‪ ،‬فاهنا تطالبه لك حاةل بقيام حبق ‪ ،‬وهو الخيلو آما‬
‫يكون من عامل الفضل آومن عامل العدل ‪ ،‬فعامل الفضل جيعل الشكر هل‬
‫مقابال ‪ ،‬والشكر آما معل ابلظاهر وآما ابهتاج ابلباطن ‪ ،‬وعامل العدل يقابل‬
‫ابلتسلمي واالحتاكم حتت جراين الحاكم وهو ابطنا من آعامل القلوب‬
‫ويسمى استسالما ورضا ‪ ،‬ويسمى صربا واس تعبارا ‪ ،‬ولك حاةل من هذه‬
‫الحوال مقابةل لوارد من جتليات الغيب ‪ ،‬فالخيلوا العبد حلظة عن هذه‬
‫التجليات فال يغفل عن هذه املعامالت واحلقوق يف الوقات خياطب هبا‬
‫العموم ‪ ،‬وحقوق الوقات خياطب هبا اخلصوص ‪ ،‬ويف احلديث عن‬
‫رسول هللا صىل هللا عليه وسمل " من آعط فشكر ‪ ،‬وابتيل فصرب ‪،‬‬
‫وظمل فغفر‪ ،‬وظمل فاس تغفر ؛ فسكت فقيل ماهل ايرسول هللا فقال ‪ :‬آولئك‬
‫هلم المن ومه همتدون فهم اذلين مل يلبسوا امياهنم بظمل " وذ ك اليكون اال‬
‫لهل الشهود والعيان ‪ ،‬اذلين مل يدنسوا حلل االميان ‪ ،‬ومل يشوبوا شهود‬
‫االيقان ‪ ،‬اهتدوا اليه م مه همتدون به ‪ ،‬فأمنوا بتحقيق عن آن يكونوا‬
‫متلبسني بظمل ‪ ،‬وهو آن يرصفون نفسا من آنفاسهم يف غري ماخلقوا هل ‪،‬‬
‫والوقات آساس مباين ادلرجات ملن راعى حقوقها ‪ ،‬والوقات راس مال‬
‫الصوفية ففهيا يتجرون البضاعات الخروية ‪ ،‬ويه من آعز ماعندمه ‪،‬‬
‫فالنبياء يراعون احلقوق يف النفاس ‪ ،‬والشهداء يراعون احلقوق يف‬
‫لطائف احلواس ‪ ،‬والصاحلون يراعون احلقوق يف العامل وتطهري الخالق‬
‫عن شوب العلل وطرق امللل ‪ ،‬واملؤمنون يراعون احلقوق عىل ممر‬
‫الساعات وتعاقب الوقات ‪ ،‬وهللا آعمل ‪.‬‬

‫‪474‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وحتت هذه الصول الربعة احلاصةل من رضب اثنني وهو الباطن‬


‫والظاهر والفضل والعدل فروع كثرية ‪ ،‬فف الشكر والصرب مجيع‬
‫املأمورات واجتناب املهنيات الظاهرة والباطنة ‪ ،‬ويف االبهتاج والشهود‬
‫مجيع الحوال الباطنة ‪ ،‬حفاصل آن الوقت للك من آهل املقامات حبسب‬
‫مقامه ‪ ،‬ويكون تفاضلهم يف ادلرجات حبسب مامه الن عليه من الكامل ‪،‬‬
‫ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ان احلقوق يف الوقات يعرفهــا لك الــــربية من قاص ومن داين‬
‫وم للوقت شئ ليس هيمــــلهـــا اال هجول عىل التحقيق ولهــــاين‬
‫اذا حتقق ذ ك علمت آن احلقوق اليت يف الوقت ممكن فهيا القضاء‬
‫‪ ،‬وحق الوقت الميكن قضاؤه لعدم االتساع ‪ ،‬اذ الوقت اذلي تريد القضاء‬
‫فيه مطالب آنت فيه حبقه ‪ ،‬مفىت تفرغ عن الداء لتأىن ابلقضاء ‪ .‬ومن هنا‬
‫بىك الاكبر ادلماء عىل ضياع الوقت ؛ فاحلارض مقدم عىل حق الفائت ‪.‬‬
‫قال بعض احملققني ‪ :‬ذ ك طريق يف ايفاء الوقات حقها يف وقت‬
‫واحد ‪ ،‬وهو آن ك يف اليوم والليةل آربعة وعرشون آلف نفس آن تقول‬
‫لك يوم آربعة وعرشون آلف من اجلالةل ‪ ،‬تقول ‪ :‬هللا هللا فانك تأيت هبا‬
‫يف قريب من ساعة وثلث ‪ ،‬قال ‪ :‬فتبعث يف زمرة من مل يغفل عن هللا‬
‫نفس ‪ ،‬وهذا من ابب املعامةل الظاهرة ‪ .‬وآما آهل القلوب الصافية فاهنم‬
‫مع هللا آبدا الينفكون عن شهود وجوده يف لك مريئ ومسموع وحمسوس‬
‫بأي احلواس ‪ ،‬فوجه احلق هلم سافر { فأيامن تولوا فمث وجه هللا } ونوره‬
‫عىل صفاحئ الوجود ظاهر { هللا نور السموات والرض } فهم اذلين‬

‫‪475‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وفوا حبق الوقت واكن الوقت هلم وقت ‪ .‬وآما الواقفني عىل رؤية الغيار‬
‫واملطموسني حتت ظلمة الاثر فهم صار علهيم مقت ‪ ،‬فذل ك اكن الوقت‬
‫عزيزا عند العلامء ابهلل الشاهدين للعامل الخروي اذلي تنعكس فيه ما‬
‫آسلفت يف العامل ادلنيوي صورا آخروية ‪ ،‬مفن حافظ عىل العمر اذلي هو‬
‫املراد ابلوقت ‪ ،‬وفيه تزرع آصناف السعادات ابقتناء العبادات ‪ ،‬فالترى‬
‫ماحيصل هل من عظمي السعادة الخروية ومن فوته ماترى آيضا مايرتادف‬
‫عليه من احلرسات عىل الفوات ‪ ،‬والوقوع يف حبائل املعايص والشهوات ‪،‬‬
‫ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( مافات من معرك فالعوض هل ‪ ،‬وماحصل ك منه القمية هل )‬
‫معر العبد هو مدة اماكنه وفسحة زمانه ‪ ،‬وهو مزرعة السعادات‬
‫وبذر املاكشفات ‪ ،‬وآصل دوحة القرابت ‪ ،‬ومهنا متتد آفنان ادلرجات ‪،‬‬
‫ومن اذلي حييط مبا حتت ذ ك فضال عن آن يكون مثنا ؛ كيف وموضع‬
‫سوط يف اجلنة خري من ادلنيا ومافهيا ‪ ،‬وآقل جزاء من يدخلها يعطى مثل‬
‫ادلنيا مرات كام ورد ‪ ،‬مفن اذلي يقدر مثن ذ ك ‪ .‬وآصل لك ذ ك ما‬
‫آسلفه يف هذه الايم والساعات القليالت ‪ ،‬وقد ورد ‪ :‬مايتحرسون آهل‬
‫اجلنة اال عىل ساعة مرت هبم يف ادلنيا مل يذكروا هللا فهيا ‪ ،‬وآين عوض‬
‫عن الساعة املاضية ‪ ،‬هذا عند عامة آهل الوالية ‪ ،‬وآما خواصهم مفا‬
‫يتحرسون علهيا لفوت حظ من احلظوظ العاجةل آوالجةل امنا يتحرسون‬
‫عىل فوات جمالسة احملبوب كام ورد ‪ :‬آن داود عليه السالم مازال يبيك‬
‫حىت قال هللا هل ‪ :‬ايداود هذا البىك ان اكن من اذلنب فقد غفرته ‪ ،‬وان‬
‫اكن من اخلصم فقد آرضيته ‪ ،‬فقال ‪ :‬ايرب ليس من ذ ك لكن من الساعة‬
‫‪476‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اليت واقعت فهيا ماواقعته هل تعود يل معك ؟ فقال ‪ :‬ايداود فات مافات ‪،‬‬
‫آوكام قال مما هذا معناه ‪.‬‬
‫واكن السلف الصاحل حيرصون عىل الوقت احلرص الشديد ‪،‬‬
‫وحيافظون عليه احلفظ الكيد كام روي آن بعض املريدين رآى بثوبه وخس‬
‫فقيل هل آال تغسهل ؟ فقال ‪ :‬مافرغت هل ‪ .‬وقال بعض املشاخي ‪ :‬مازالت‬
‫عن قليب حالوة قوهل مافرغت هل‪ ،‬وذل ك سوغوا هلم لبس امللوانت محلل‬
‫الوخس لقةل فراغهم عن مراعاة ساعات العمر ‪ ،‬لهنم يبادرون خروهجم عن‬
‫حد االماكن لك آن ‪ ،‬س امي وقد طرق آسامعهم قوهل { وآن ليس لالنسان‬
‫} [ الايت ‪39‬‬ ‫اال ماسعى * وآن سعيه سوف يرى * م جيزاه اجلزاء الوىف‬
‫– ‪ 41‬النجم ] كيف ال ويف مفاوز اجملاهدات لنيل رفع ادلرجات ‪ ،‬ومشاهدة‬
‫رب الربايت اذلي هبا حسنت املس تحس نات ‪ ،‬وراقت بوجودها اجلنات‬
‫‪ ،‬وتزخرفت وانرت فدخول اجلنة ابلرمحة وادلرجات ‪ ،‬حبسب الخذ يف‬
‫الباقيات الصاحلات ‪ ،‬ففهيا اخلري الوافر واملقام الفاخر ‪ ،‬اذلي الحيرصه‬
‫حرص حارص املدخر عنه يف خزائن اللطاف العندية ‪ ،‬واذلخائر الوصفية‬
‫‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ان كنت ترجو هناك الفوز فابتدر‬ ‫العمر ميدان آرابح فبــــــــــــادره‬
‫آذن والينحرص يف خاطـــر البرش‬ ‫حتظى ملا الرآت عــــني والمسعت‬
‫يف حرضة القرب واالحتاف ابلنظر‬ ‫وسوف تشهد وتسمع ان ظفرت به‬
‫من العال يف سامء التحقيق اكلقــمر‬ ‫فالسابقون دلى العلياء منازلــــهم‬

‫‪477‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ولكام علقت القلوب به وجبلت جبلهتا ‪ ،‬انقادت هل بعباداهتا ‪،‬‬


‫وتركت يف حب عاداهتا ‪ ،‬خفلصت هل الحماةل ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا‬
‫عنه ‪:‬‬
‫( ما آحببت شيئا اال كنت هل عبدا ؛ اذ هو اليرىض آن تكون‬
‫لغريه عبدا )‬
‫ما آحببت آهيا االنسان شيئا من مجيع احلداثن وسائر العيان‬
‫واللوان اال كنت ابلرضورة هل عبدا ‪ ،‬اذ العبودية يه انقياد القلب‬
‫للمحبوب عىل الطوع والفرح واالغتباط به ‪ ،‬واحملبة تنشأ من مصمي القلب‬
‫كام ينشأ احلب من املاء فينجذب الغالب الحماةل معه ‪ ،‬لن آعامل الغالبية‬
‫حظ املاء القليب النايش منه املنيش ابحلب ‪ ،‬والش ياء اكئنة مااكنت آاثر‬
‫زائةل وآرى ابطةل ماعدى الواحد احلق ‪ ،‬فاذا تعلقت بباطل زائل فهي‬
‫ابطةل زائةل ‪ ،‬واذا تعلقت حبق موجود واثبت مشهود فهي الشك اثبتة ‪،‬‬
‫وهويته تأىب الثنوية يف الفعال والقوال والفعال بذاهتا ‪ ،‬مفحبته بال عةل‬
‫بل يه صفة اثبتة واجبة ‪ ،‬وحمبة غريه جائزة زائةل ‪ ،‬فلن يكون مبحبته‬
‫ ك آوىل من آن يكون مبحبتك آنت ‪ ،‬وهو الحيب ك آن تكون لغريه‬
‫عبدا ‪ ،‬والغيار لكها عدم الثبات لها ‪ ،‬فذ ك رمحة منه ولطفا مااس تعبدك‬
‫ملا هو يف نفسه عدم ابطل ‪ ،‬وماهو يف وصفه زائل ‪ .‬والعبودية للغيار‬
‫الفانية قبيح وظمل اذ نوه عىل من اس تعبده ابلنفس واالنتاكس عىل آم‬
‫الراس اذ قال صىل هللا عليه وسمل " تعس عبد ادلينار وادلرمه وامخليصة‬
‫" وغريها مثلها يف التقبيح بل آوىل ‪ ،‬لن هذه آرفعها عند آرابهبا ‪ ،‬فاذا‬
‫قبح الرفيع مفا دونه آحق ابلتقبيح ‪ .‬ويف احلديث " من آحب شيئا عبده "‬
‫‪478‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫{‬ ‫مبعىن انقاد هل ابطنه واس تعبد ظاهره ‪ ،‬ويف ذ ك القبيح قال هللا‬
‫وحتبون املال حبا جام } [ الية ‪ 20‬الفجر ] ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫يكون خالص آعامل وتوحيـد‬ ‫من حب شيئا فهو عبد هل فكذا‬
‫عبدا عتيدا ابخالص وتفريد‬ ‫فليس يرضاك اال آن تكـون لــــه‬
‫واذا اكن الحيب آن يكون لغريه عبدا لن الش ياء متوهجة اليك‬
‫برس التسخري اال وآنت مل تندب اال ابالقبال عليه والتوجه ابللكية اليه ؛‬
‫علمت آن حمبته اللعةل والبعةل ‪ ،‬بل حمض فضل وانعام وتطول واكرام ‪ ،‬كام‬
‫قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( التنفعه طاعتك والترضه معصيتك ‪ ،‬وامنا آمرك هبذه وهناك عن‬
‫هذه ‪ ،‬ملايعود عليك )‬
‫التنفعه س بحانه وتعاىل وتزنه عن ايصال النفع اليه منه ‪ ،‬فكيف من‬
‫غريه اذ وصفه الغين املطلق ‪ ،‬والعراض والوسائل الجيوز آن يكون مفتقرا‬
‫الهيا ‪ ،‬والطاعة عرض تعود منفعته عىل فاعهل ‪ ،‬والرض آيضا الجيوز طروه‬
‫عليه لنه مزنه عن النقائص بل عن ما ليس فيه كامقال ‪ ،‬والرض يقهر عىل‬
‫من نزل عليه ومبينا جعز من حل به وتسلط عليه ‪ ،‬وهو س بحانه الضار‬
‫النافع ‪ ،‬فكيف ترضه معايص العباد ومعاصهيم ؛ صادرون عن فعهل ابرزون‬
‫عن خلقه ‪ ،‬فكيف ينفعه آويرضه ماهو من مجةل خمرتعاته ‪ ،‬وصنف من‬
‫آصناف مبتدعاته { وهللا خلقمك وماتعملون } وامنا آي احلمكة يف اجيابه‬
‫وندبه عباده اىل الطاعات ‪ ،‬وزجره عن املعايص ورضوب اخملالفات مبا‬
‫يعود علهيم من نفع الطاعات ورضاخملالفات ‪ ،‬فالطاعات وسائل اىل قربه‬
‫‪479‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وحبه ورضاه ‪ ،‬واملعايص وسائل اىل البعد منه والهتدف لسخطه ‪ ،‬وشدة‬
‫آلمي عقابه ‪.‬‬
‫وآي منفعة تعود عىل العبد آعظم وآفضل وآجل من القرب منه‬
‫اليه واحملبة والرضا ‪ ،‬وآي مصيبة آعظم وآشد من الطرد عن اببه ورضب‬
‫جحابه ‪ ،‬وشدة خسطه وعقابه ‪ .‬عافاان هللا وآحبابنا منه ‪ ،‬وذ ك فضال منه‬
‫ونعمة كام تقدم الالكم عليه ‪ ،‬وذ ك من مقتىض تفصيهل العممي وعطائه‬
‫اجلس مي وعوائده امجليةل ‪ ،‬اذ قال { لقد من هللا عىل املؤمنني اذ بعث فهيم‬
‫{‬ ‫عن آدانس املعايص‬ ‫}‬ ‫رسوال من آنفسهم يتلوا علهيم آايته ويزكهيم‬
‫{‬ ‫مفتتح العلوم ادلينيات والرسار امللكوتيات‬ ‫}‬ ‫ويعلمهم الكتاب‬
‫ويه الرتيق اىل العلوم الكسبيات والرسار اجلالليات‬ ‫}‬ ‫واحلمكة‬
‫وامجلاليات ‪ ،‬والزنول يف جماورة املنازل القدس يات { وان اكنوا من قبل‬
‫لف ضالل مبني } [ الية ‪ 164‬آل معران ] فامحلد هلل اذلي هداان لهذا وماكنا‬
‫لهنتدي لوال آن هداان هللا ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فليس تنفعه الطاعات والعمل والترضه ما نأتيه من زلـــــــــــــل‬
‫وامنا ذاك عائد اليك مبتذل ؟ عليك يرجع شؤم اذلنب واخلطل‬
‫م ملا آعلمك آنه التنفعه طاعتك لثبوت غناه ‪ ،‬والترضه معصيتك‬
‫لوجوب كامهل وعلو جالهل آردف الكمه مبا يزيل ومهك عن تومه زايدة‬
‫حتصيل هل بطاعتك مل تكن هل تعاىل هللا عن ذ ك علوا كبريا ‪ ،‬وحصول‬

‫‪480‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫نقص عن وصف الكامل فتعاىل هللا عن الزايدة يف صفاته بوجود موجوداته‬


‫‪ ،‬والنقصان بوجود النقصان ‪ ،‬فقال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( اليزيد يف عزه اقبال من آقبل عليه ‪ ،‬والينقص من عزه ادابر من‬
‫آدبر عنه )‬
‫الزايدة اليقبلها اال من اتصف ابالفتقار اىل التمكيل ‪ ،‬وجاز يف‬
‫حقه التنقل والتحويل ‪ ،‬وقد علمت اس تحاةل ذ ك عىل هللا تعاىل والعزة‬
‫من آخص صفاته العلية ‪ ،‬اذ عند جتليه اليبقى لصفات احلدوث بقية ‪،‬‬
‫فاذا اكن آثر هذه الصفة تعجز عن حتويلها وتبديلها سائر الربية ‪ ،‬فكيف‬
‫تتطرق الس باب الهيا حبصول الزايدة آوحدوث النقص واقبال اخللق‬
‫وادابرمه حتت حمك عزته القاهرة ‪ ،‬ومسخرون لقدرته الباهرة ‪ ،‬فكيف‬
‫يمكهل آوينقصه ما هو من مجةل اخرتاعه وآثر حمكته وابتداعه ‪ ،‬واالقبال‬
‫واالدابر من حيث اجلهة والتحري تعاىل هللا عن ذ ك علوا كبريا ‪ ،‬بل‬
‫االقبال هو امتثال المر املريض عنه واالدابر اعراض عنه اىل غريه اذ‬
‫الغري معه ‪ ،‬ولكن االدابر هو نبذ آمره وترك ماندبك اليه وارتاكب‬
‫ماحذرك عنه ‪ ،‬واال فألوهيته حميطة ومطيفة جبميع حراكتك وسكناتك‬
‫وخطراتك من سائر هجاتك ‪ ،‬الينفلت واليشذ عهنا مثقال ذرة وال آصغر‬
‫من ذ ك مما يعجز حتصيهل وتكييفه ومغوضه ودقته نطاق البرش ‪ ،‬وال آكرث‬
‫ماالتطيق فضهل حاسة النظر من عظام الصور كام قال عند ختليه س يد‬
‫البرش " زملوين " لعظم ارتعاد الفرائص ومل يسكن حىت غاب عن رؤيته‬
‫واس ترت ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فعزة هللا تأىب آن يكون لـــها بغريها من كامل ليس هو فيـــها‬
‫‪481‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫كذاك اليعرتهيا النقص آن لها من الكامالت ما عن ذاك يغنهيا‬


‫فهذا تزنيه يف املعامةل واصطالح لرابهبا يشريون ابالقبال اىل‬
‫االمتثال ‪ ،‬ويشريون ابالدابر اىل الهتور يف املعايص واالرصار ‪ ،‬وآهل‬
‫الذواق واملشاخي احلذاق هلم اشارات اىل مقاماهتم يف اليقني والكشف عنه‬
‫ابلوصول واالتصال ‪ ،‬وذ ك اشارة مهنم اىل مواصالت وحتف رابنية ‪،‬‬
‫فبني املؤلف مايزيل الش هبة عن اشاراهتم عند من الفهم هل مبعانهيم ‪ ،‬فقال‬
‫ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( وصوهل اليه وصو ك اىل املعرفة به ‪ ،‬واال جفل ربنا آن يتصل به‬
‫شئ آوهو يتصل بشئ )‬
‫وصو ك آهيا الطالب للوصول التارك لرتهات الفضول ‪ ،‬املمتسك مبا‬
‫جوزه املعقول وآثبته املنقول من التزنيه عن املامسة واحللول هو وصو ك‬
‫اىل آن تعمل وجود ذاته وكامل صفاته ‪ ،‬وانفراده يف قدمه واجياده وآحديته‬
‫‪ ،‬ولك عمل حيصل عليه مبا فيه دالةل عىل وجود آسامئه وصفاته وذاته يسمى‬
‫وصوال اىل ذ ك املشهد وآعىل العلوم احلاصةل من هذه املواصالت وآمت‬
‫لطفا من هذه التزنالت هو العمل ابذلات العلية واحلرضة الحدية يه مما‬
‫خيص هللا آنبيائه وآفراد من سادات آوليائه ‪ ،‬وتلهيا رتبة العمل ابلصفات‬
‫ويه الهمات اليت تصدر عن جتلهيا سائر املودلات الفعلية الروحانية‬
‫واجلسامنية ‪ ،‬ادلنياوية والخروية ‪ ،‬امللكية وامللكوتية ‪ ،‬اذ اكن غاايت‬
‫الوصول اىل آن توقف ابلواصل عىل ذروة جتمع املوجودات ‪ ،‬وتفتح هل‬
‫رؤية املشاهدات ‪ ،‬فال جتد اىل غاايهتا انهتاء ‪ .‬وكيف حيصل الوصول‬
‫ابملتجيل اذا مل ينهتي اىل غاية التجليات ‪ ،‬فلكام جتدد نعمي يف اجلنة فعن‬
‫‪482‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫جتيل برز ‪ ،‬وهمل جرا ‪ ،‬ال انهتاء لكامالهتا والوقوف عىل غاايهتا ‪ ،‬وآما‬
‫الوصول يف هذه ادلنيا اىل شهود الوجود احلق بعني اليقني ‪ ،‬وقد يرسي‬
‫يف لكيات العبد ملح من شهود حق اليقني ‪ ،‬واال جفل ربنا عن ماتتومهه‬
‫عقول الزائغني عن طريق احلق واليقني ‪ ،‬اىل تومه احللول والمتكني ‪،‬‬
‫واملامسة يف حديث االس تواء والزنول ‪ ،‬فهنا مزةل لقدام اجلهال ‪ ،‬فظن‬
‫االتصال ابذلوات والصفات ‪ ،‬وكيف يتصل العدم ابلوجود ؟ آم كيف‬
‫يامتثل القدم واحلدوث ؟ آم كيف يتصل من الشبيه هل والمثيل مبن هل‬
‫شبيه ومثيل ؛ تعاىل هللا عاميقول الظاملون واجلاحدون علوا كبريا ‪ ،‬ويل يف‬
‫ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ان قيل وصل فقل عمل ومعـــــرفة آوقيل فضل فغري هللا معدوم‬
‫فاليناسب وصل احلق ما مجحت به عقول سرتها طل حيــــمـوم‬
‫فاذا علمت اس تحاةل الوصول احملسوس وامنا هو آمر آشار به اىل‬
‫مقام من مقامات اليقني ‪ ،‬فالقرب آيضا كذ ك يشريون اليه آهل التحقيق‬
‫فال بد من ازاةل ش هبته ‪ ،‬ابلقرب احملسوس ابمللموس ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف‬
‫ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( قربك منه هو آن تكون مشاهدا لقربة ‪ ،‬واال مفن آين آنت‬
‫ووجود قربه ؟ )‬
‫القرب هو ادلنو آما حسا وهو مس تحيل يف حق هللا س بحانه ‪،‬‬
‫وآما معىن وهو املراد هنا ‪ .‬وللقرب مراتب ‪ :‬فأهل الكشف املؤيدين بنور‬
‫اليقني يشهدون قرب هللا اىل العباد بس بق املنة وتيسري الهداية ‪ ،‬والعون‬
‫والقدرة يف سائر الحوال ‪ ،‬والالكية واحلفظ واملعية الالزمة اذلي الينفك‬
‫‪483‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫عهنا موجود ‪ ،‬والخيرج عن احاطهتا مشهود ‪ ،‬فيورهثم التأدب بني يديه‬


‫واالس تاكنة واخلشوع واملراقبة عىل ادلوام ‪ ،‬وغري ذ ك من سنيات الحوال‬
‫وزوايك العامل ‪ ،‬فيكون بذ ك منه قريبا ‪ ،‬وجيدونه دلعاهئم جميبا ‪،‬‬
‫ولقلوهبم حبيبا ‪ ،‬ودلاهئم طبيبا ‪ .‬يأوون اليه كام يأوي الطري اىل وكره ‪،‬‬
‫وحينون اىل لقائه كام حين الغائب اىل وطنه ‪ ،‬ويترضعون بني يديه كام‬
‫يمتلق احملب اىل حبه ‪.‬‬
‫وآما املساكني اذلي مل حيظوا ابلكشف بعد فهم يف رؤية شهود قرهبم منه‬
‫من حيث ما آخرب به عن تقريب عبده منه وهو قوهل يف احلديث "‬
‫واليزال عبدي يتقرب ايل ابلنوافل " فالعبد يتقرب واحلق قريب ‪،‬‬
‫وماتقرب اال بعد س بق بعده اذلي هو هل وصف ومجلاهل نعت ‪ ،‬واحلق‬
‫وصفه القرب ونعته احلب بقوهل { واذا سأ ك عبادي عين فاين قريب }‬
‫وقوهل ‪ :‬حىت آحبه فالوصف الالئق ابحملبة معرفته ببعده ‪ ،‬وقرب هللا منه‬
‫حىت كنه يراه ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫من العباد لصاروا يف معى القدم‬ ‫من آنت والقرب لوال قرب رمحته‬
‫مع عال عــــــزه املوصوف ابلقدم‬ ‫هو القريب من الش ياء حبمكــــتـــه‬
‫قد علمت آن القرب آما قرب كشف وعيان وهو لهل الكشف والبيان ‪،‬‬
‫وآما قرب خبلق معاين االميان وهو الرتيق يف معارج النوافل وهو عىل‬
‫احلقيقة قرب من هللا للعبد ‪ ،‬فيثبت آن احلقيقة آصل ملباين الرشيعة ‪،‬‬
‫والرشيعة طريق ظهور احلقيقة ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬

‫‪484‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫( احلقائق ترد يف حال التجيل مجمةل ‪ ،‬وبعد الوع يكون البيان { فاذا‬
‫قرآانه فاتبع قرآنه * م ان علينا بيانه } [ الايت ‪ 19-18‬القيامة ] )‬
‫احلقائق القربية والرساراللطيفية والعلوم الغيبية والتجليات الوصفية ؛ ترد‬
‫عىل القلوب ويه متصفة بوصفها ومتحلية بنعت مجعها ‪ ،‬الافرتاق يف‬
‫وحديهتا ‪ ،‬والقرآن صفته امجلع ‪ .‬واذا آلف عىل صفحات القلوب وصف‬
‫بكونه فرقان ‪ ،‬واذا ظهر عىل اللسان يكون بيان ‪ ،‬فأول مايتجىل يف‬
‫مظهر الهوية وجتيل الحدية م يتزنل يف حلل الصفات الرابنية ‪ ،‬م يف‬
‫املظاهر السامئية والقوابل الروحانية ‪ ،‬م يف الصفاحئ القلبية ‪ ،‬م يف‬
‫اللسان البيانية الرشعية ‪ .‬وهذه احلقائق الوهبية قد ترد عىل القلب بصفة‬
‫عاملها امجلع وهو ماعليه من وصفه الفريق ‪ ،‬فيتلقى الرتجامن عنه كذ ك ‪،‬‬
‫م يعض عىل البيان فيجدها موطدة الراكن مش يدة البنيان ‪ ،‬موافقة ملا‬
‫شاهده العقل وحمك به البيان ‪ ،‬فتكون اس تفادته حبديثه وتأمهل ‪ ،‬وتكون‬
‫حاةل العبد حينئذ ساملة من ادلعوى ‪ ،‬وطاهرة عن لوث الهوى كغريه ممن‬
‫يسمعه اليثبت نفسه يف وجوده لنه اليعمل هل فيه ‪ ،‬بل برز من عني املنة‬
‫ورصف الرمحة ‪ ،‬وهو عمل الوراثة االلهية اليت يه غري مكتس بة من‬
‫دراسة وال مجموعة من آقوال اخللق بل القاء من حكمي محيد ‪.‬‬
‫واحلقائق من حيث يه منسوبة اىل احلق من غريمزج خلق فتسمى لها‬
‫ابمسه لهنا ونعهتا بنعته ‪ ،‬فقال احلقائق مجع حقيقة ‪ ،‬وقال ‪ :‬ترد والورود‬
‫هو مايأيت من احملبوب من غري اس تعداد هل والشعور به ‪ ،‬وهو القريب‬
‫الطارق واحلقائق لعزته ‪ ،‬وبعد منالها عن االدراك اخللق تسمى واردات‬

‫‪485‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فقال ‪ :‬يتجىل لن التجيل من نعت احلق ‪ ،‬والتجيل هو ظهور وصف عىل‬


‫موصوف به ملن يعرف ذ ك الوصف قبل ‪ ،‬فاس تقر املوصوف به عنه‬
‫فعرفه من اكن بذ ك الوصل جاهال ‪ ،‬وآتقنه من اكن عنه ذاهال ‪ ،‬ولكن‬
‫اليعرف النوار لطيف من عامله يكون متلقيا وبه خبريا وجبامهل بصريا ‪ ،‬واال‬
‫مل جيامع الظلمة النور وال العدم الوجود ‪ ،‬وال القدم احلدوث ‪ ،‬ويغين‬
‫بذ ك النور اللطيف جتيل االمس الول والوارد عليه جتيل االمس الخر ‪،‬‬
‫وظهوره من خف االمس الباطن اىل شهادة االمس الظاهر ‪ ،‬والقرآن جتيل‬
‫هوية احلق والبيان ظهور آلوهيتة ‪ ،‬فاذا ظهر امجلع آفن عنك البرص‬
‫والسمع وكن متبعا هل يف مجعيته ‪ ،‬م تلت اللوهية فرقاهنا ‪ ،‬ومزيت آعياهنا‬
‫وظهر بياهنا ‪ ،‬وزخرفت جناهنا ‪ ،‬وسعرت نرياهنا ‪ ،‬ونصبت للعامل مزياهنا‬
‫‪ ،‬فشأهنا شأهنا ظهر من زوااي احلقائق من مكن وآعلن وبطن { ووفيت‬
‫لك نفس مامعلت وهو آعمل مبايفعلون *وس يق اذلين كفروا اىل هجمن زمرا‬
‫} [ الايت ‪ 71 – 70‬الزمر ] {وس يق اذلين اتقوا رهبم اىل اجلنة زمرا } [‬
‫الايت ‪ 73‬الزمر ] وهاهنا غيوب تفتح يف روزان االشارات املصونة حتت‬
‫رصاحئ هذه العبارات ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ان احلقائق حق يف جتلـــــهيا ترد ويف عامل االنسان حيكــهيا‬
‫يف حال ماجتتيل للعبد مجمـــةل مل يدر آين حمهل يف مبانــــــهيا‬
‫حىت يرد اىل الوطان فرقــته فيعرف آن خالفا يف معانــهيا‬

‫‪486‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اذا علمت آن احلقائق ترد بوصف امجلعية ونعت احلقيقة فالجرم آن‬
‫تضمحل ذل ك الرسوم اخللقية والوهام الغريية ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض‬
‫هللا عنه ‪:‬‬
‫( مىت وردت الواردات االلهية عليك ‪ ،‬هدمت العوائد عليك { ان امللوك‬
‫اذا دخلوا قرية آفسدوها } [ الية ‪ 34‬المنل ] )‬
‫مىت وردت عليك الواردات االلهية ‪ ،‬وجتلت النعوت الزلية ‪ ،‬وآرشقت‬
‫الشموس الروحية ‪ ،‬وبرزت الرسار الوصفية ؛ هدمت مباين الغريية ‪،‬‬
‫وعطلت املوارد النفس ية ‪ ،‬وزلزلت العادات اخللقية ‪ ،‬وحمت الطبائع‬
‫اجلبلية ‪ ،‬وحمقت اخلياالت الومهية ‪ ،‬ووضعت ابمللكة وشدة الغلبة والقهر‬
‫ملا ضادها وقصمت مادانها ‪ ،‬فاذا دخلت ملوك الرض هدمت سور‬
‫الظلامت ‪ ،‬وتقشعت الس تار ‪ ،‬وامضحلت متخيالت الغيار ‪ ،‬وامنحت‬
‫علوم الاثر { ملن املكل اليوم هلل الواحد القهار } [ الية ‪ 16‬غافر ] واذا‬
‫دخلت النوار احلقية القربية النفس ية ‪ ،‬انطمست الاثر العادية ‪ .‬ان النور‬
‫اذا دخل الصدر انرشح وانفسح ‪ ،‬قيل هل ذل ك من عالمة ايرسول هللا‬
‫؟ قال نعم ‪ :‬التجايف عن دار الغرور واالانبة اىل دار اخللود ‪ ،‬واالس تعداد‬
‫للموت قبل نزوهل " ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫النور يقهر ما يف النفس حمتمك من العوائد والشهوات يرمهيا‬
‫حىت يصري بنــور هللا منرشح وينفسح من ظالم راخس فهيا‬
‫واردات النوار التصادهما ظمل الغيار كام الثبات لظلمة الليل عند طلوع‬
‫ضوء الهنار ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫‪487‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫( الوارد يأيت من حرضة قهار ‪ ،‬لجل ذ ك اليصادمه شئ اال دمغه { بل‬


‫نقذف ابحلق عىل الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق } [ الية ‪ 18‬النبياء ] )‬
‫الواردات املذكورة آنفا اليت من وصفها القهر والغلبة تأيت وهو بوصف هذه‬
‫املواهب الادنية اباليتاء ‪ ،‬قال هللا يف وصف احلرضة هبذه العلوم { وآتيناه‬
‫من دلان علام } وقال { وآاتمه تقوامه } وهذه يه التقوى املؤاته اليت‬
‫الثبات معها لحد سواه ‪ ،‬لهنا آتت من حرضة قهار يقهر لكام سواه ‪،‬‬
‫وهو هللا الغالب عىل آمره القاهر فوق عباده ‪ ،‬فلجل كون هذه املواهب‬
‫الواردة وردت من حرضة قهار آزالت ظمل الغيار ‪ ،‬واكنت جلنود االميان‬
‫يف صورة انر ‪ ،‬فالظلمة يه العدم والنور هو احلق { هللا نور السموات‬
‫والرض } واذا قذف ابحلق الوجود عىل الباطل العدم بطل وامضحل ‪.‬‬
‫م استشهد هبذه الية القاطعة بأن احلق ظاهر دامغ لزاهق الباطل ‪،‬‬
‫والزهوق وهو الزوال من الش به يف املثال يف اذلات والوصف والفعال ‪،‬‬
‫حفيث ماتصفحت صفاحئ الوجود مل تر غري احلق مشهود ‪ ،‬وال يف الكون‬
‫سواه موجود ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫آورد علهيا جتيل امس قـهــــار‬ ‫مادام يف النـفس والغــــيار مس تكن‬
‫خيرق وجود السوى مل يبق هل سكن ويظهر آن مجيع الكون آنوار‬
‫لجل ذ ك شاهد وجود احلق ظاهر ‪ ،‬ووجه احلقيقة سافر يف سائر‬
‫املظاهر ينادي يف لك مشهود آنه الظاهر ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا‬
‫عنه ‪:‬‬
‫‪488‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫( كيف حيتجب احلق بشئ ؛ واذلي حيتجب به هو فيه ظاهر موجود‬


‫حارض !؟)‬
‫كيف يكون احلق حيتجب بشئ وقد علمت آن لك ماسوى احلق ابطل‬
‫والباطل زاهق ‪ ،‬آي زائل ‪ ،‬فاذا الجحاب عىل احلق والنقاب ‪ ،‬اذا اكن‬
‫ماحيتجب به وهو الغيار وصول الاثر هو ظاهر فهيا ابلترصف واالقتدار‬
‫اذلي من مجلهتا تقلب الليل والهنار ‪ ،‬ان يف ذ ك لعربة لويل البصار ‪،‬‬
‫وموجود حارض بقيوميته واس تغراق معيته { مايكون من جنوى ثالثة اال‬
‫هو رابعهم والمخسة اال هو سادسهم وال آدىن من ذ ك وال آكرث اال هو‬
‫معهم آيامن اكنوا } [ الية ‪ 7‬اجملادةل ] ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فكيف حيجبه مااكن مظـــهره معدوم لوال وجود الواحد الحد‬
‫فاحلق نور فال الغيار تسرته فا هللا حق عياان ابمسه الصـمــــد‬
‫فاذا وقع الكشف ذهب عن العبد العنا يف سائر العبادات ‪ ،‬وتوالت عليه‬
‫آنواع املرسات ‪ ،‬ومامل يكشف هل احلجاب مل يزل يف العامل متعوب‬
‫وللحزان مصحوب ‪ ،‬ولكن هللا جبميل لطفه وحنانه وعطفه ‪ ،‬جعل هل‬
‫مزيان يعرف هبم مااكن هلل من غري التفات منه اىل حضور آوعدمه ‪،‬‬
‫وذ ك ماجعهل هل يف االختيار مما ينبوا عنه ثواقب البصار ‪ ،‬فقال {‬

‫وربك خيلق مايشاء وخيتار } فاذا معل العبد معال يكون فيه غري خمتار‬
‫بل يفوض ذ ك اىل حسن االختيار ‪ ،‬فرمبا يكون من هللا لعبده اختيار ‪،‬‬
‫ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬

‫‪489‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫( التيأس من قبول معل مل جتد فيه وجود احلضور ‪ ،‬فرمبا قبل من العمل‬
‫مامل تدرك مثرته عاجال )‬
‫التيأس آهيا املريد فان اليأس من عالمات الاكفرين ولكن حسن الظن‬
‫ابهلل يف مجيع آفعا ك وآحوا ك ‪ ،‬فانه ورد " آان عند ظن عبدي يب "‬
‫والقبول من هللا مأمول لنه ماوفق للعمل اال واملرجو من فضل هللا آن‬
‫يقبهل ويتجاوز عن تقصري عبده وتفريطه فامي قرص وفرط ‪ ،‬وكفى العبد‬
‫قصد التقرب اىل هللا اكئنا مااكن ‪ ،‬واليقدح فيه اذا مل جيد هل مثره عاجال‬
‫من حضور وانرشاح به ورسور وتنعم وحبور ‪ ،‬بل ذ ك آي اذلي مل جيد‬
‫ذ ك اذا اكبد العمل صابره آقرب لدب العبودية وآبعد عن شائب احلظ‬
‫وامللل ‪ ،‬واكن مثرته مدخرة يف ادلار الخرة فيجدها موفرة ساملة من‬
‫االجعاب بذ ك العمل ‪ ،‬لنه اذا مل يدرك مثرته يسقط من عينه قدره ويقل‬
‫خطره فسمل هل الحماةل من مفسدات العامل ‪ ،‬وذ ك غاية مطلب‬
‫الصادقني سالمة آعامهلم عن دواخل الرشك ‪ ،‬فينبغ آن يعظم رجاء‬
‫العامل والييأس من القبول ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫الييأس العبد من روح القبول اذا مل يدرك الروح واالحسان يف العمل‬
‫فرمبا اكن يقبل منه مـــــــــــــامل ؟ يدرك العبد من مثراته المـــــــــــــل‬
‫فمثر العمل هو الوارد عىل القلوب من آرسار الغيوب ‪ ،‬فاذا ورد عىل‬
‫القلب وارد فاليبادر بزتكيته حىت يعمل حصول مثرته ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف‬
‫ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( التزكني واردا التعمل مثرته ‪ ،‬فليس املراد من السحاب المطار ؛ وامنا‬
‫املراد منه وجود الامثر )‬
‫‪490‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫التزكني وتعظم واردا من واجدات الوجدان وآنت بعد مل تعمل مثرته ‪،‬‬
‫فالوارد هو مايرد عىل القلب من آرسار القرب ‪ ،‬ويتواىل عليه من آنوار‬
‫املعرفة وهو مراد لتبديل صفات القلب املذمومة اىل الصفات احملمودة ‪،‬‬
‫وحمو آاثر النفس وذهاب شهواهتا ‪ ،‬وقلع الهوى وترك ادلعوى ‪ ،‬والقيام‬
‫حبق العبودية عىل الكامل ‪ ،‬اذ هذا هو بعض مثرات الواردات ‪ .‬ولك وارد‬
‫التصحبه االس تقامة اليؤمن آن يكون من االغرتار ونوع من املكر ‪ ،‬آعاذان‬
‫هللا منه ‪ ،‬فتعبريه ابلسحاب اشارة منه اىل جتيل السامء عىل القلب ‪،‬‬
‫وابلمطار اىل تزنل الرسار الوصفية احمليية ملوات آرض النفوس ‪ ،‬والباعثة‬
‫من املعارف من الرموس ‪ ،‬والمطار املتزنةل من سامء الرس عىل آرض‬
‫النفس مهنا حسن الخالق وزوايك الحوال والعامل ‪ ،‬كام تثري املطر‬
‫مامكن يف الرض من الشجر ‪ ،‬فهتزت وتربوا القلوب وتنبت الرواح الهبيجة‬
‫والنفاس العطرة الرجية ‪ ،‬فتنفتح كاممئ االميان بأنوار مشاهدات االحسان‬
‫‪ ،‬وتتدىل مثرات املعارف ولطائف االمتنان ‪ ،‬فهذه يه مثرات الواردات ‪.‬‬
‫مفا اكن عىل غري ذ ك فالتزكيه ‪ ،‬وتزكيته بأن تشهد منة هللا عليك وتبهتج‬
‫به فرحا { قل بفضل هللا وبرمحته فبذ ك فليفرحوا } [ الية ‪ 58‬يونس ]‬
‫الالزتكية اليت يه رؤية النفس عىل عبادهللا وتعظمي النفس وفرهحا ومرهحا‬
‫‪ ،‬فذ ك مهني عنه ‪ ،‬قال جل ذكره يف ذم قوم دلوا بعلمهم وفرحوا به دون‬
‫النظر اىل ماهو املقصود منه فرحوا مبا عندمه من العمل ‪ ،‬ويل يف ذ ك‬
‫شعرا ‪:‬‬
‫يمثر دليك من الخـــــــــالق والش مي‬ ‫فال تزيك وارد لست تعمل ما‬
‫من وابل السحب فافهم ذاك واس تقم‬ ‫فليس م سوى المثار تطلهبا‬
‫‪491‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫الوارد هو كام علمت يكسب العبد آحوالا رشيفة ومقامات منيفة ‪ ،‬واذا‬
‫ورد عىل العبد وآكس به ذ ك فيأخذ ما آاته ويكون لكية اعامتده عىل مواله‬
‫‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( التطلنب بقاء الواردات بعد آن بسطت آنوارها ‪ ،‬وآودعت آرسارها ‪ ،‬فكل‬
‫يف هللا غىن عن لك شئ ‪ ،‬وليس يغنيك عنه شئ )‬
‫طلبك لبقاء الغيار واس تئناسك ابلاثر وسكونك اىل النوار دون منور‬
‫النوار ‪ ،‬وخالق ما آكنه الليل وكشفه الهنار ‪ ،‬وماوراء ذ ك مما تقارص عنه‬
‫الفاكر ‪ ،‬مما دارت عليه الاكر ‪ ،‬وما آرشقت عليه مضيئات الرسار من‬
‫جنة آوانر ‪ ،‬آوظمل آوآنوار ‪ ،‬ولك داخل حتت دائرة االنقهار ‪ ،‬فهي آغيار‬
‫اذا آوقفت الطالب دون منهتيى الرغائب ‪ ،‬فليس اىل غريه سكون ‪ ،‬وال‬
‫اىل سواه ركون ‪ ،‬مفىت طلب بقاؤها واس توحش عند فراقها فقد ذ ك‬
‫الركون الهيا واالعامتد عليه والنس بغريه دليل الوحشة ودليل كوهنا غري‬
‫ايقافك معها دون ‪ ،‬فقد توقف النوار كام حتجب الظمل والغيار ‪ ،‬فاذا‬
‫وصلت ماهو املقصود مهنا وهو بسط آنوارها وبث آرسارها عىل عواملك‬
‫القلبية وآرجائك النفس ية ؛ فقد حصل املقصود اذلي هل تطلب وفيه‬
‫ترغب ‪ ،‬وهو تبديل نعوتك وفناء آفعا ك وآوصافك ‪ ،‬واملثول عىل سبيل‬
‫االس تقامة املرضية عند هللا ‪ ،‬فلو دام عىل آرضك وابالت احلقائق‬
‫لتعطلت عليك وظائف عبوديتك ‪ ،‬وذ ك يف وقت ضعف السا ك عن‬
‫حتمل آعباء هذه الواردات تربز لحداث آوقات نزوهل فيحيي بوجداهنا كام‬
‫حييي موات الرايض اجملدبة بزنول الغيث ‪ ،‬فلو داوم علهيا لهلكت آجشارها‬
‫لضعفها عن ورود املاء علهيا ‪ ،‬وعند كامل قوهتا وان دامت علهيا المطار‬
‫‪492‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وجرت بساحهتا الهنار فالتزداد بذ ك اال كامال وذ ك لطفا من هللا بعباده‬


‫يتلطف هلم بأنواع اللطاف ‪ ،‬ويغذي آرسارمه بقدر مافهيا من القوة‬
‫والضعف ‪ ،‬ويربهيم يف جحر الرمحة هيدهيم من سطوات ختويف القطيعة‬
‫وفوات حظهم من احلبيب ‪ ،‬وآن يربهيم بتجيل جامهل وتديل آلطافه والمتتع‬
‫بوصاهل ‪ ،‬فينجحون يف املطلوب وينجز هلم الوعد يف املرغوب ‪ .‬فاذا‬
‫آجدبت آرايض قلوهبم حبرارة صيف الفراق هبت هلم صبا الوصال ‪ ،‬وومس‬
‫آراضهيم آغداق الوفاق ‪ ،‬ووالها ويل االشتياق ‪ .‬فاذا عرفت حمكة هللا يف‬
‫تربية عباده علمت آنه مل يرجع عنك وترحل االواخلرية فهيا ‪ ،‬وهو يغنيك‬
‫عن لك حمبوب ‪ ،‬ومن اكن به مل يعوزه فقد غريه ‪ ،‬فالش ياء لكها ك‬
‫مفارقة ‪ ،‬واالصاةل ملعيته ‪ ،‬فسائر الوجود الدوام خللطته حىت آعضاك‬
‫وقواك ‪ .‬وآحوا ك امنا يه صادرة عنه وممتسكة عليك به ‪ ،‬فهل الثبوت يف‬
‫سائر الحوال ‪ ،‬ومن اكن ابلحوال دون حمولها فهو الحماةل يف حمال ‪،‬‬
‫ومن اكن ابهلل فهل يف لك شئ مثال ‪ ،‬ومن لك شئ منال ‪ ،‬مفن اكن حبال‬
‫آومال آوآهل آوعيال آومعل آومقام فهو هل عقال عن مشهد الكامل ‪،‬‬
‫فالتغنيك عنه ال غيار سواء اكنت من حزي الظمل آوالنوار آوجنة آوانر ‪،‬‬
‫فكل فيه معى ومن لك شئ فرار ‪ ،‬ففروا اىل هللا مع القرار مع الغيار ‪،‬‬
‫ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫وبعد آن بسطت آنوارها فعـــــىل ماحيزن الواجدين ذاك موجود‬
‫يغنيك آن كنت ذا فهم فليس عىل وجوده مطلب يرىج ومقصود‬
‫فعمل آن تتطلع العبد اىل بقاء الغيار واس تئناسه اىل الاثر دليل عىل‬
‫االنقهار وعدم االستبصار ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫‪493‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫( تطلعك عىل بقاء غريه دليل عىل عدم وجدانك هل ‪ ،‬واستيحاشك لفقدان‬
‫ماسواه ‪ ،‬دليل عىل عدم وصلتك به )‬
‫تطلعك حبمك قلبك وتعقهل عىل بقاء غريه يف ادلارين ‪ ،‬والسكون اىل سواه‬
‫يف آرضه وسامه ورسه وجنواه ‪ ،‬ومنقلبه ومأواه ‪ ،‬دليل عىل عدم وجدانك‬
‫هل اذلي هو غاية المال ‪ ،‬ومنهتيى مطالب آهل الكامل ‪ ،‬فلو وجدته مل‬
‫تتطلع اىل غريه ‪ ،‬اذ الغري مع وجوده والظهور مع شهوده ‪ ،‬فلك‬
‫مس تحسن ومس تذل وان بلغ غاية مبالغ احلسن والنعمي ‪ ،‬فعن حس نه‬
‫صادرة ‪ ،‬ومن فضهل واحسانه ولطفه وامتنانه وجد ‪ ،‬فكيف مبن وجد ذ ك‬
‫امجلال ‪ ،‬وآحتف بذ ك الوصال يلتفت اىل مقام آوحال ‪ ،‬آوعاجل آومأل ‪،‬‬
‫آوجاه آومال ‪ ،‬آوعشرية آوعيال ‪ ،‬فشاهد ذ ك احلال الغين عن املقال ‪،‬‬
‫آن كيف من ظهر مبوجود الهل شبيه والمثال ‪ ،‬يتطلع اىل من هل شبيه‬
‫ومثال ‪ ،‬فغاية مطلب العارفني ومنهتيى رغبات الطالبني وجدان اهل الولني‬
‫والخرين بشهود يقني ‪ ،‬وحتقق ومتكني عىل الكشف والعيان ‪ ،‬ومىت‬
‫حيظى بذ ك املطلوب وهو يتطلع اىل حمبوب سواه ‪ ،‬آويرتقب مشهود ‪،‬‬
‫آويلوح لقلبه وجود موجود ‪ ،‬مفن حظ بذ ك فهل دالالت وظهور‬
‫عالمات ‪ ،‬ومن داللته االس تغناء بوجود حمبوبه عن لك موجود ‪،‬‬
‫وامضحالل يف جنب شهوده سائر الوجود ‪ ،‬فاليكون هل سواه مقصود ‪،‬‬
‫بل مفردا س بق املفردون مس هترتا بذكره غائبا عن فكره ‪ ،‬حارضا يف سكره‬
‫‪ ،‬واستيحاشك آيضا بفقدان سواه يدل عىل آنك مس تأنس بذ ك السوى‬
‫‪ ،‬ومن اس تأنس بسواه فهو يف وحش ته القطيعة منه س بحانه ‪ ،‬اذ‬
‫لواس تأنست هل لس توحشت من الكوان ‪ ،‬ولفررت من االنس واجلان ‪،‬‬
‫‪494‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وكنت معه يف حرضة العيان ‪ ،‬مل يأويك ماكن ومل حيويك زمان اكن يف‬
‫حرضة اكن هللا والشئ معه ‪ ،‬مس تقر روحك عرش الرمحن ‪ ،‬غائبا عن‬
‫امللوان ‪ .‬فهؤالء آقوام آحرقت كثائف غرييهتم بنريان الشهود ‪ ،‬وفنيت‬
‫عندمه آعيان الوجود ؛ عند جتيل احلق املوجود ‪ ،‬فكيف تصدق احلب‬
‫آوشهود القرب وعاد يف قلبه بقية التفات اىل غري احملبوب ‪.‬‬
‫يروى آن فتاة من العراب اكن انسان يدع صدق احملبة لها ‪ ،‬ويظهر‬
‫عظم التودد والتقرب الهيا ‪ ،‬واكن يتلطف الهيا ‪ ،‬فقال لها اين آحبك !‬
‫فقالت هل ‪ :‬ان آخيت آحسن مين لورآيهتا لكنت فهيا آرغب ؛ ذات جامل‬
‫وهايه ؟ فالتفت فلطمته وقالت ‪ :‬ايكذوب يف دعوى احملبة لوكنت صادقا‬
‫مل تلتفت اىل غريي ‪.‬‬
‫فانظر واعترب يف هذه القصة ينب ك افالس آكرث الناس عن وجدان احلق‬
‫‪ ،‬وامنا مه مس تأنسني ابلغيار ومتطلعني اىل الاثر ‪ ،‬فمك مدع الوصل‬
‫والعشق والنس واحملبة وعند االمتحان بفراق احملبوابت الغريية تكسف‬
‫مشسه ‪ ،‬ويتكدر صفاه وآنسه ‪ .‬فمك من مدع الصرب والرضا والتولك‬
‫فيفتضح عند تغري احلال مبا يظهر من اجلزع والسخط ‪ ،‬فأين دعوى النس‬
‫ملن اليقدر عىل فراق آدىن احملبوابت ادلنياوية الفانية الظاهرة العداوة ملن‬
‫ساكهنا ‪ ،‬وآقرهبا نفسك وسائر قواك ‪ .‬فالقوة تعط صاحهبا آن اليكون مع‬
‫شئ دون حمبوبه وراثة ابراهميية حيث قال { فاهنم عدو يل اال رب‬
‫العاملني } [ الية ‪ 77‬الشعراء] ومن اكن عىل غري هذا فليتق هللا يف دعواه‬
‫ووجدان احلق واحملبة هل ‪ ،‬وليصحح مقام التوبة ويسكل عىل يد عارف‬

‫‪495‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫خيرجه من رعوانت ادلعوى ‪ ،‬وموافقة الهوى ‪ ،‬ومن اليصحح ذ ك املقام‬


‫ومل يقبل ذ ك الالكم بق يف غامر العوام ‪ ،‬متلبسا بصفات اللئام ‪ ،‬واعترب‬
‫مبن سلف من آمئة االسالم ! هل عىل ما آنت عليه من الهتافت يف كبائر‬
‫املعايص ومجع احلطام ؟ اكنوا زهاد آعالم ‪ ،‬يفرون من الشاغالت‬
‫ويتحرون العبادات يف اخللوات ‪ ،‬وينتجعون الفلوات ‪ ،‬ينتظرون الصلوات‬
‫ويراعون احلراكت والسكنات ‪ ،‬يتحفظون من الوقوع يف مصائد الغفالت‬
‫‪ ،‬ويرفضون معاطب الشهوات ‪ ،‬ويطلع هللا علهيم من فوق السموات ‪،‬‬
‫فيجد قلوهبم مملوءة مبحبته ‪ ،‬وآجساهمم مشغوةل خبدمته ‪ ،‬فيحيهيم بأطيب‬
‫التحيات ‪ ،‬ويرمح هللا هبم الحياء والموات ‪ ،‬يرفضون ما آكب الناس‬
‫عليه من العادات ‪ .‬فهذه بعض نعت الواجدين هلل عياان ‪ ،‬واملتحققني‬
‫مبعرفته بياان ‪ .‬وآما من اكن مهه الشهوات وديدنه الغفالت فكيف يدع‬
‫مقام الوجدان وهومتطلع اىل احلداثن ‪ ،‬ومس توحش بفقد العيان ‪ ،‬ونقول‬
‫يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫من اكن ابهلل عن الكوان مشــغول وقلبه فارغ والرس موصـــول‬
‫فذاك الينتظر يف العرض والطول لغري حمبوبه ذي املن والطول‬
‫من يطلع لوجدان سواه فـــــــــال تشكن به ان القلب مكبــول‬
‫فلك حمبوب دنيا وآخرى امنا مت نعميه اال لكونه من فائض كرمه وفضهل‬
‫اذلين هام متفرعان عن رضاه عىل من نعمه وقربه وملن آحتفه ‪ ،‬ولك مؤمل‬
‫ومنفر ومبغض امنا اكن فائض عن سطوات عدهل ‪ ،‬وفرع عن خسطه‬
‫وجحابه عىل من عذبه ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬

‫‪496‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫( النعمي وان تنوعت مظاهره امنا هو بشهوده واقرتابه ‪ ،‬والعذاب وان‬


‫تنوعت مظاهره امنا هو لوجود جحابه ‪ ،‬فسبب العذاب وجود احلجاب ؛‬
‫وامتام النعمي ابلنظر اىل وهجه الكرمي )‬
‫النعمي لك مس تذل طبعا خاليا عن التكدير والتنفري ‪ ،‬واليوجد ذ ك يف‬
‫ادلنيا اال لهل القلوب املتعلقة ابملال العىل ‪ ،‬اجملالسني هلل عىل بساط‬
‫الشهود ‪ ،‬ومه آيضا مع ذ ك غريمس تمكلني النعمي لكية الكامل ‪ ،‬ملا يطرق‬
‫علهيم يف بعض الحيان من هيبة سلطان اجلالل ‪ ،‬وخوف الطرد‬
‫واالنفصال ‪ .‬وآما املس تذلات الطبيعية فال تنفك يف ادلنيا عن التكدير ‪،‬‬
‫ومايظهر جتيل النعمي يف ادلار الخرة ويه مع ذ ك تطلب الزايدة ومتاهما ‪،‬‬
‫وانهتاء درجات مقام النعمي بشهوده واقرتابه وتلطفه وتعطفه لحبابه ‪،‬‬
‫وجتليه علهيم برضاه وخطوهتم خبطابه وجنواه ‪ ،‬ومتام سائر النعمي ومنهتيى‬
‫الرب واهلمم اذلي تندرج فيه آنواع النعم اكندراج الكواكب عن ارشاق‬
‫نور الشمس الضاحية ؛ هو النظر اىل وجه هللا كفاحا ‪ ،‬فعند ذ ك تغيب‬
‫سائر احملاسن يف ظهور احلسن اذلي اكتست حس هنا من رحش حبوره‬
‫املتالطمة ‪ ،‬وسواكب فيوضه املتسامجة ‪ ،‬فياهل من متام ‪ ،‬وما آعزه من‬
‫مرام ‪ ،‬وما آكرمه من مقام ‪ .‬والعذاب بأنواعه وسائر دراكته وعظم آالمه‬
‫وشدة تغيظه واضطرامه ؛ امنا هو فرع عن وجود احلجاب اذلي يتضاعف‬
‫آمل العذاب وآصل مباديه ‪ .‬كام آن الرضا آصل النعمي والرؤية منهتيى آمانيه‬
‫فقال { الك اهنم عن رهبم يوميئذ حملجوبون } [ الية ‪ 15‬املطففني ] وماذا‬
‫ترى حرسة من جحب عن ربه ‪ ،‬وحيل بينه وبني حبه وآفرد عن حصبه {‬

‫‪497‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫م اهنم لصالوا اجلحمي } [ الية ‪ 16‬املطففني ] م يقال هلم يف انهتاه وشدة‬


‫عقابه { اخس ئوا فهيا والتلكمون } فعندها تلكح الوجود وتزيد البدان‬
‫وتغري اللوان ‪ ،‬وقال يف الرؤية آن هبا غاية النعمي { وجوه يوميئذ انرضة *‬
‫اىل رهبا انظرة } [ الايت ‪ 23 -22‬القيامة ] ندية عطرة مما م من عظم‬
‫املرسات من مواجه احلور والغلامن وسائر اللوان ‪ ،‬والفواكه والرضا‬
‫واحلبور ‪ ،‬انظرة بذ ك م نضارهتا وطهرت بس يادهتا ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫كثرية خارجة عن حــــــــزي احلرص‬ ‫ان النعــــمي وان اكنت مظاهره‬
‫ومنهتيى الغاية القصوى هـــو النظر‬ ‫مبا جتىل هلم من رصف منـــته‬
‫شؤم احلجاب وانر احلجب تس تعر‬ ‫ولك نوع عذاب يف مظــــنـــته‬
‫عن فهم لك بليد غري مـــــــــــــدكر‬ ‫حفققن فهذا يف آكنــــــــــــــته‬
‫فاذا اكن النعمي ادلامئ والفرح لهل القرب هو وجود مليكهم وعيان س يدمه‬
‫‪ ،‬والعذاب هو عندمه ابحتجابه عن قلوهبم ‪ ،‬فالجرم ان لك حزن ومه‬
‫يرد عىل قلوهبم اليطرقهم اال اذا امتنعت قلوهبم ذ ك املشهد ‪ ،‬وجحبت عن‬
‫ذ ك املقصد ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( ماجتده القلوب من اهلموم والحزان ‪ ،‬فلجل مامنعت من وجود العيان‬
‫)‬
‫فالعيان التبقى معه اهلموم ‪ ،‬فاهلموم آما دنياوية وآما آخراوية آيضا كذ ك ‪.‬‬
‫واهلموم والحزان ادلنياوية آما محمودة وآما مذمومة ‪ ،‬فان اكنت محمودة‬
‫كفارة ذلنوب آقوام وماحقة ملعايص وآاثم ‪ ،‬وآما ان اكنت آخراوية فهي‬

‫‪498‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫محمودة مل خيرج صاحهبا عن روح الرجاء اىل القنوط ‪ .‬وهذه مراتب الزهاد‬
‫والعباد ومعوم العباد ‪ ،‬ومن آول املراتب االميانية اىل رشوق الشموس‬
‫الفرقانية ‪ ،‬وظهور التجليات االحسانية العيانية ‪ ،‬فعند ظهورها وارشاق‬
‫بدورها تذهب الحزان ‪ ،‬وتتفرج اهلموم ‪ ،‬وتضمحل اهلموم ‪ ،‬فالرواح‬
‫العلوية الصافية عن الكثائف الرضية ويه آرواح املقربني مرتوحة بروح‬
‫القرب ‪ ،‬متنعمة بنعمي الوصل واحلب ‪ ،‬التمل هبا اهلموم الرديئة ‪،‬‬
‫والتكدرها الكثائف الرضية ‪ ،‬يتقلبون يف حلل امجلال ويكرعون مناهل‬
‫الوصال { فأما ان اكن من املقربني * فروح ورحيان وجنة نعمي } الايت‬
‫‪ 89-88‬الواقعة] فالروح لهنم روحانيني ‪ ،‬والرسور والفرح وسائر آصناف‬
‫التنعامت اكلنتيجة للروح مفهنا فرحه ابهلل ‪ ،‬وهو غاية مطلبه ومنهتيى اربه ‪،‬‬
‫وحملبوبه الكامل املطلق والبقاء الرسمد والعز الجمد ‪ ،‬جعلنا هللا وآحبابنا‬
‫يف هللا من آولئك ‪ ،‬وبوآان واايمه حضائر قربه وذلاذة حبه ‪ ،‬وتغمدان واايمه‬
‫كذ ك بامتم رمحته ومنه ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فلكام يطرق اللباب من حـــــزن حبسب مامنعت من مشهد املــــــنن‬
‫فلو رآيت صفات احلــــق مسفرة ملا اعرتاك ورود اهلم واحلــــــــــــــزن‬
‫حبسب مامتتنع من قربه فكـــــــذا تنال من شدة الحزان واحملـــــــــــن‬
‫آرواح قرب عن الكدار صافيــــة يف طيب عيش برز من خالص املـــنن‬
‫ومن يكن مهه من شؤم معصــــية وفوت عايل نفيس الوقت والزمـــــن‬
‫حفال مريض ملن حالته ساملـــــــة من ظلمة الشك والدانس والــدرن‬
‫فاهلموم والغموم ان اكنت آخروية فهي درجات ورفع مقامات ‪ ،‬وان اكنت‬
‫من المور ادلنياوية املأذون للعبد يف االهامتم هبا فهي كفارات ‪ ،‬كام ورد‬
‫‪499‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫معىن ذ ك ممااليكفرها اال مه املعاش آوكام قال ‪ ،‬فاذا علمت ذ ك علمت‬


‫آنه اذا آعطاك ماكفاك ومنعك الزايدة فذ ك من عنايته بك ‪ ،‬فاشكره عىل‬
‫ذ ك ‪ .‬قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( من متام النعمة عليك آن يرزقك مايكفيك ‪ ،‬ومينعك مايطغيك )‬
‫متام النعمة آن يفتح ك ابب الفهم عنه يف مجيع ما آنزهل بك لتكون اليه‬
‫واصال ‪ ،‬والنعمة يه لك مس تذل طبعا آما ابطنا آوظاهرا ‪ ،‬وآما عاجال‬
‫آوآجال ‪ ،‬فاملس تذل يف الرزق هو لك واصل اىل صاحبه مع القناعة به‬
‫وعدم دخول العمل عليه وشهود التوحيد فيه وقةل العناء يف طلبه ‪ ،‬وقةل‬
‫االعامتد عليه ‪ ،‬واختاذه للتوصل به ال القسام الخراوية ‪ ،‬والتقوي عىل‬
‫االتيان ابلعبادة اليت يه حمكة وجود االنس واجلان ‪ .‬فاذا رزق العبد‬
‫مايكفيه عن التطلع اىل االغيار ‪ ،‬واالبتذال يف معاانت الس باب ‪،‬‬
‫واالنغامر يف الوسائط ‪ .‬واكنت تكل الكفاية مصحوبة ابلقناعة ‪ ،‬فذ ك من‬
‫متام النعمة ومشول املنة ‪ ،‬والكفاية يه لك مايسد اخلةل وآقام الود وهو‬
‫الرزق املضمون ‪ ،‬واليتعني هل زمن دون زمن والطعام دون طعام ‪.‬‬
‫والكفاية روح الرزق ‪ ،‬فلك رزق بالكفاية اكجلسد بالروح ‪ ،‬والكفاية بال‬
‫رزق روح بال جسم ‪ ،‬فصح هذا االعتبار آن هذا الرزق املصحوب‬
‫ابلكفاية قوت املؤمنني ‪ ،‬والكفاية بالرزق قوت الرواح اجملردة ‪ ،‬والرزق‬
‫بال كفاية رزق العصاة وتنشف من رواحئ رزقهم الش ياطني ‪ .‬ومن متام‬
‫نعمة الرزق عىل املؤمنني وجود الكفاية فيه لئال يبذلوا يف طلبه ويتعبوا‬
‫يف حتصيهل ‪ ،‬فتفوهتم مجةل من آنواع العبادات وس ين القرابت ‪ ،‬فبوجود‬
‫الرزق الاكيف تسرتحي الش باح ملوافقة الرواح عىل ادلوب عىل الطاعات‬
‫‪500‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ ،‬ومتنعه عام يطغيه من الرثوة امللهية والكرثة املطغية اليت بسط آكنافها عىل‬
‫آعدائه ‪ ،‬ورصفها عن آنبيائه وخواص آوليائه كام ترى من فتنة املال‬
‫والطغيان ‪ ،‬والطغيان ابلعوان ‪ ،‬والعيال والطغيان ‪ ،‬مركوز يف جبةل‬
‫النفس عند مساعدة احلظوظ وموافقة العراض ‪ ،‬وهو سبب مترد‬
‫الفراعنة واس تطالهتم واس تكبارمه عن طاعة س يدمه ‪ .‬مفن متام النعمة عىل‬
‫املؤمن من آن حامه من تكل املها ك ‪ ،‬وجنبه هذه املسا ك ‪ ،‬املؤدية‬
‫لسالكها اىل ما ك ‪ ،‬وهذه مما يتعلق ابلروح دون البدن ‪ ،‬اكحلزن عىل‬
‫مفارقة احملبوب ‪ ،‬وتشتت الفكر يف حفظ احلارض والزايدة من املفقود ‪،‬‬
‫ومدافعة آرابب الوالايت عىل حسهتا واس تدراك فانهيا اىل ماال يتناىه من‬
‫الشغال املتعلقة ابلروح ‪.‬‬
‫وآما الشغال املتعلقة بظاهر البدن فال خفا فهيا عند آرابهبا اكلسع يف‬
‫طلهبا ابلسفار ‪ ،‬وركوب الرباري ومتون البحار ‪ ،‬والسع آانء الليل‬
‫والهنار ‪ ،‬وحتمل مشاق االنتظار ورخص السعار اىل غري ذ ك ‪ .‬آيضا‬
‫فاذا رزق العبد الكفاية ومنع الزائد املفيض به اىل هذه املتاعب اخلطرية ‪،‬‬
‫فقد توفرت اليه النعم ‪ ،‬ومتت هذه يف الرزاق احملسوسة ‪.‬‬
‫وآما الرزاق املعنوية مفن متام النعمة عىل املريد آن يرزق من الداب‬
‫القربـية عند مفاجات الواردات احلس ية مامينعه عن آن يطغى بأن يتعدى‬
‫عىل ماعنده ‪ ،‬آويدع فوق مادليه ‪ ،‬آويطلب اخلروج عام آقمي فيه حىت‬
‫يطلب ذل ك وخيطب هل ‪ ،‬آويتخلف عام هو احلال عنده فيطلب رجوع‬
‫ماجاوره كام اكن ذ ك من آجل مارزقه املصطفى وحظ به يف مقامات‬
‫االرساء حيث آثىن هللا عليه بذ ك غاية الثناء فقال { مازاغ البرص }‬
‫‪501‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫عام رآى من العجائب وعظمي جتليات الايت العظمية { وماطغى } اىل‬


‫ما اليه هل وصول ‪ ،‬بل وقف يف لك ما آقمي فيه ممتثال حىت رىق به عنه ملا‬
‫هو آعىل ‪ ،‬واجحم عند االبتداء اجحام الدابء مع ما هو بصدده من طلب‬
‫اخلطاب وسؤال اجلواب ‪ ،‬حىت ابتدآ به وخاطبه مبا هو مطلوبه ‪ ،‬ومنهتيى‬
‫مرغوبه ‪ ،‬فهذا هو آكفى رزق وآمت نصيب ‪ ،‬حسن الدب مع احلبيب ‪.‬‬
‫فهكذا ينبغ آن يطلب مايكفيه ومينعه عام يس تفزه ويطغيه ‪.‬‬
‫والكفاية يه حفظ املكف ‪ ،‬واذا رزق عنده من آنوار اليقني ماحيفظه عن‬
‫اخلروج اىل تعدي احلدود اذلي هو عني الطغيان فقد امكل عليه منته ‪،‬‬
‫وآمت دليه نعمته ‪ .‬وهذا النور اذلي يرشح هللا به صدور آوليائه‪ ،‬فدانوا به‬
‫عىل آقوم طريقة وآعدل حمجة ‪ ،‬وبامتمه كامل النعمة يف اليوم ادليين ‪ ،‬فقال‬
‫ممتنا { اليوم آمكلت لمك دينمك وآمتمت لمك نعميت ورضيت لمك االسالم دينا‬
‫} [ الية ‪ 3‬املائدة ] ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫آن يرزقه من هين الرزق اكفيه‬ ‫متام نعمته للعبد ظــــــــــــاهرة‬
‫ومنعه لك مايطغى ويلهـــــــــــيه‬ ‫ورزق لك اىل ما العني انظرة‬
‫واذا اكن املنع عن الطغ امللهي من متام النعمة من هللا ؛ فليتخذ العاقل‬
‫من المور آحس هنا عاقبة وآنفعها حاال ومأال ‪ ،‬وذ ك بأن يقلل من‬
‫الس باب الشاغةل هل يف العقىب واملؤملة بفراقها يف ادلنيا ‪ ،‬وليتنصل مهنا‬
‫حال وجداهنا فيخف عنه آملها عند فقداهنا ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا‬
‫عنه ‪:‬‬
‫( ليقل ماتفرح به يقل ماحتزن عليه )‬
‫‪502‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫التقلل من ادلنيا وآس باهبا من شان العقالء الناظرين بنور البصائر اىل‬
‫فناهئا ‪ ،‬وكرثة عناها ‪ ،‬وقةل غناها ‪ ،‬ورسعة انقالهبا ‪ .‬وتنكرها عىل آحباهبا‬
‫‪ ،‬ومواصةل آحزاهنا بفراق الحباب وتغري الس باب ‪ .‬فلام نظروا ذ ك‬
‫وماهو آعظم من فضيع املصائب وفوت الرغائب ‪ ،‬وعاينوا آرشف العقىب‬
‫وآهناء احليوان ‪ ،‬تقللوا من مفرحات ادلنيا وزخارفها ‪ ،‬ففارقوها اختيارا قبل‬
‫آن يفارقوهنا آوتفارقهم اضطرارا كام هو حال الغبياء املغرتين ‪ ،‬فقلت‬
‫آحزاهنم وفارقوا اهلموم ‪ ،‬وابينهتم احملن ونزعت عهنم االحن ‪ ،‬واتصلوا‬
‫بروح الروحانية فاكنوا روحانيني ‪ ،‬ورمقت حروفهم يف عليني ‪ ،‬آولئك‬
‫السادات البرار ‪ ،‬والعقالء الخيار ‪ ،‬الناظرين بعني االستبصار ‪ ،‬اذلين‬
‫نزعوا عن قلوهبم زخارف هذه ادلار ‪ ،‬ورخست قلوهبم يف دار القرار ‪،‬‬
‫عزفوا عن ادلنيا نفوسهم ‪ ،‬ونزهوا عهنا قلوهبم ‪ ،‬زهدوا حني رغبوا املغرتين‬
‫‪ ،‬وسهروا حني انم الغافلون ‪ ،‬وبكوا حني حضك الالعبون ‪ ،‬فمل يفرحوا‬
‫مهنا بأرب ‪ ،‬ومل تتعلق قلوهبم بسبب ‪ ،‬فباينهتم الحزان ‪ ،‬واس تأنست هبم‬
‫الوطان ‪ ،‬وصلت علهيم مالئكة الرمحن ‪ ،‬وآحهبم هللا وآعد هلم الرضوان ‪،‬‬
‫وآوقع هلم احلب يف قلوب االنس واجلان ‪ ،‬بشاهد قوهل صىل هللا عليه‬
‫وسمل " ازهد يف ادلنيا حيبك هللا ‪ ،‬وازهد فامي آيدي الناس حيبك الناس "‬
‫ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ما قل من فرح ادلنيا يكـون لــــه قليل حزن عىل فرقاه فاعتـــــــــــــرب‬
‫ولك مااكن مفروحا به فكــــــــذا يكــن هل من خطوب ادلهر من رضر‬
‫فلك زائل عن قرب يكــــون اذا مامل تدعه شديد اهلم فانتــــــــــــــظر‬

‫‪503‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ومفرحات ادلنيا آما مال آوجاه آوغري ذ ك من لك مافيه مالمئة للنفس‬


‫وموافقة للطبع ‪ ،‬وهو آما آن يكون بطلب من االنسان وتسبب يف حتصيهل‬
‫‪ ،‬وآما آن يكون بالطلب والاس تعامل سبب ‪ ،‬فان اكن بال طلب‬
‫فسبيكل آن تطلب اخلالص منه والتفرح به ‪ ،‬وتبهتل اىل هللا يف آن‬
‫خيرجك منه ساملا ‪ ،‬وان اكن بطلب وسع يف سبب فذ ك آشد رضرا‬
‫وآخوف خطرا ‪ ،‬فسبيكل ترك التعرض هل والسع يف طلبه ‪ .‬وجيمع معظم‬
‫آس باب آفات ادلنيا اختاذ الوالايت فهي الهمات لسائر الفات ‪ ،‬ذل ك‬
‫قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( اذا آردت آن التعزل فالتتوىل والية التدوم ك )‬
‫هذا من آعظم ماابتىل به من آولع مبحبة اجلاه وملكه هواه ‪ ،‬آنه اذا اكن‬
‫متأمرا انفذ الحاكم ‪ ،‬متطاوال عىل الانم ؛ م عزل عن املقام وجرت‬
‫الحاكم وآوقف للخصام ‪ ،‬واش تد عليه اللزام ‪ ،‬فاذا تلكم رد عليه الالكم‬
‫‪ ،‬واذا خامص انقلب عليه اخلصام ‪ ،‬آن هل من اذلل والهوان ماود آنه مل‬
‫يكن هل قبل ذ ك ذكرا ‪ ،‬والظهر هل آمرا ‪ ،‬مفاذا ترى مايرتادف عليه من‬
‫الحزان ‪ ،‬ومايناهل من الهوان ‪ ،‬عافاان هللا وآحبابنا من ذ ك ‪ ،‬فالوالية‬
‫اليت تدوم يه اليت تطلب ‪ ،‬وفهيا ذووا العقول ترغب ‪ ،‬يه آن تكون هلل‬
‫ولوليائه مواليا ‪ ،‬وعىل نفسك وهواك متوليا فذل ك فاطلب ‪ ،‬فهو اذلي‬
‫يدوم نفعه وتزتايد كرامته يف ادلار الخرة ‪ ،‬وآنت يف ادلنيا عن املزامحة فيه‬
‫والتطابق عىل آمان ‪ ،‬ويف سلوك حمجته عىل بيان ‪ ،‬فاخرت ان شئت راغبا‬
‫عز البد ونعمي الرسمد آوحرسة البد وذل الرسمد ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فالتويل والايت املعــازيل‬ ‫ان شئت عزا والتعزهل عنك يدا‬
‫‪504‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ذل عتيد بتحويل وتبديل‬ ‫ان الوالايت يف ادلنيـــــــا يالزهما‬


‫فالمور لها بداايت وهناايت ‪ ،‬وظواهر وبواطن ‪ .‬فنور العقل ينظر اىل‬
‫هناايت المور وبواطهنا ‪ ،‬ومن مل ينظر بذ ك النور يقف الحماةل عند‬
‫بداايهتا وظواهر زخارف زينهتا ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( ان رغبتك البداايت زهدتك الهناايت ‪ :‬ان دعاك الهيا ظاهر هناك عهنا‬
‫ابطن )‬
‫الرغبة يف الشئ يقتيض احلب هل وبذل الوسع يف طلبه ‪ ،‬والزهد عىل‬
‫العكس منه يقتيض نقصه وعدم االكرتاث به ‪ ،‬وادلنيا بظاهر غرهتا‬
‫وزخرف زينهتا يف آول المر تروق يف العيون الظاهرة ملا ترى من تكل‬
‫املالبس الفاخرة والزخارف املتظاهرة ‪ ،‬وحتهتا كوامن من العطب وس يوف‬
‫الرهب وقبح املنقلب ‪ ،‬فالعني الظاهرة تنظر اىل تكل املالبس الرائقة‬
‫والزهار الشارقة والطراوة الفائقة ‪ ،‬فتنظم الهيا وتلمح دلهيا فرتغب والهيا‬
‫تطرب ‪ .‬والعني الباطنة تنظر اىل ماهناك من املعاطب الاكمنة والقباحئ‬
‫املس تورة حتت املالمح املنظورة ‪ ،‬مفا آجدر ابلفرار عهنا حني عاين قبح‬
‫الهالك منصوبة حتت تكل الس تائر ‪ ،‬والسم اذلعاف مدموج بتكل املناظر‬
‫فزيهد حني يرغب من مع قلبه عن ذ ك ‪ ،‬وينهتي حني يدع غريه اىل‬
‫ماهنا ك ‪ .‬فاجلهال مغرورون بظاهرها والعقالء معتربون بباطهنا ‪ ،‬فذل ك‬
‫مسوا عقالء كام آفىت امامنا الشافع ريض هللا عنه بأنه لو وقف عىل‬
‫آعقل الناس لرصف للزهاد ‪ ،‬وما آىت نيب والويل من دلن آدم اال وحذر‬
‫قومه من غرورها ‪ ،‬ونصحهم عن آن يطمئنوا الهيا آويثقوا حببل آمانهيا وما‬
‫آنصح من هللا لعباده ‪ ،‬والالكم آبلغ من الكمه حيث قال واحلق قوهل {‬
‫‪505‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫{‬ ‫زين للناس حب الشهوات } اىل آن قال { قل آنبئيمك } اىل قوهل‬


‫ورضوان من هللا } وقوهل { املال والبنون زينة احلياة ادلنيا والباقيات‬
‫{‬ ‫الصاحلات خري عند ربك ثوااب وخري آمال } [ الايت ‪ 46‬الكهف ] وقوهل‬
‫اعلموا آمنا احلياة ادلنيا } اىل { متاع الغرور } [ الية ‪ 20‬احلديد ] وقوهل‬
‫صىل هللا عليه وسمل " اعلموا آن ادلنيا خرضة وآن هللا مس تخلفمك فهيا‬
‫فينظر كيف تعملون " اىل غري ذ ك من الايت والخبار ‪.‬‬
‫وآما الاثر فتاكد خترج عن احلرص فلنقترص من ذ ك عىل ما آوردانه من‬
‫الايت والخبار ففهيا كفاية ذلوي العقول الثاقبة ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ان رغبتك بداايت المور فقــــــد زهدك فهيا هناايت املقاديــــــر‬
‫مك غر فهيا كام غر البلــــــــيد آسد حبسن قدر وختطيط التصاوير‬
‫ان كنت تعقل آن العمر ليس آبـد يأيت املنون والتغين املعاذيـــــر‬
‫ورزااي ادلنيا ومصائهبا وجفائعها سائقة ذلوي العقول اىل املثول بني يدي‬
‫س يدمه ‪ ،‬ومزجعة هلم عن االس تئناس بغري حمبوهبم ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف‬
‫ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( امنا جعلها حمال للغيار ‪ ،‬ومعدان للكدار ‪ ،‬تزهيدا ك فهيا )‬
‫امنا جعل هللا س بحانه ادلنيا حمال للغيار ومظهرا للمصائب وظهور الظمل‬
‫الغريية املوحشة للرسار ‪ ،‬لالس تئناس هبا والركون الهيا ‪ ،‬وخباء آنوار‬
‫الوجود وتليل الشهود اىل دار اخللود رمحة منه ولطفا بعباده ‪ ،‬لئال ينقطع‬
‫عهنم ماجيدون من املشاهدة ابنقطاع هذه ادلار الفانية ‪ ،‬جفعل متام ظهور‬

‫‪506‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫هذه النوار وشهود جعائب الس تار يف دار القرار ‪ ،‬وومسها ابلامتم عىل‬
‫ادلوام ليكون االنسان لعامل البقاء ختام ‪ ،‬وذلروة الكامل س نام ‪ ،‬وجعل‬
‫هذه ادلار الرسيعة االنرصام والقريبة االنعدام حمل ظهور الغريية اذلي‬
‫تعرف بتومه وجودها الرواح عن املشاهدة السنية وادلرجات العلية ‪،‬‬
‫وذ ك لعدم آصالهتا ‪ ،‬وجعل املصائب آيضا واملكدرات ملناسبهتا لها ‪،‬‬
‫وجعل س بحانه آمدها قصري ‪ ،‬وعيشها حقري ‪ ،‬وخموفها خطري ‪ ،‬فالميرتي‬
‫فهيا ذو عقل سلمي وقلب علمي فزيهد فهيا ‪ ،‬وتنبو مهته عهنا ملا تعلق به من‬
‫جامل البقاء ونعمي اللقاء ‪ ،‬هذا ذلوي البصائر النافذة ‪.‬‬
‫وآما معوم املؤمنني والواقفني عىل ظواهر المر ومل ترفع هلم عن احلقائق‬
‫الس تور ؛ فزيهدون ملا يرونه مبرآة العقل ‪ ،‬ويشاهدون من جعائب العرب‬
‫واس امتع النقل واخلرب ‪ ،‬مما ينفر قلوهبم ويعزف نفوسهم ‪ ،‬من جفائع ادلنيا‬
‫بأهلها ‪ ،‬وانقالهبا عىل آهل الثقة هبا ‪ ،‬وورود البالء مع كرور ليلها وهنارها‬
‫‪ ،‬وفوات احملبوب مهنا والقصور عن مأمولها ‪ ،‬فزيهدون الحماةل ليسرتحيوا‬
‫من آمل فراقها ‪ ،‬وحيمتوا من ذعاف مسوم نوائهبا ‪ ،‬فلك مااكن فهيا من‬
‫املرسات آقل اكن من الفجائع والرزااي آميل ‪ ،‬فلك حمبوب مهنا تقارنه‬
‫الحماةل حرستني ومصيبتني ‪ :‬حرسة فراقه ومصيبة ذهابه ‪ ،‬وحرسة فوات‬
‫فوات النصيب الخروي ومصيبة عدم المتكن من فعهل ‪ ،‬لنه لكام ذهب‬
‫يف شغل بأمر دنيوي ذهب مبومس من موامس القرب ‪ ،‬وغنمية من غنامئ‬
‫الخرة فاليرجع الفائت من هذه ومل ينل اذلاهب من تكل ‪ ،‬وحق ملن‬
‫تأمل هذه العبارات وآنصف آن يزهد يف ما هو سبب حرمانه من نيل‬
‫ادلرجات ‪ ،‬وماهو سبب هوانه حبلول املثالت ‪ ،‬فهذا وآمثاهل مما زهد ذوي‬
‫‪507‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫العقول الثاقبة ‪ .‬وآما آهل البصائر اذلين صفت مهنم الرسائر فزهدمه ما‬
‫آلها آرسارمه من تليل جامل احملبوب ‪ ،‬وغطا نعوهتم من جالهل ‪ ،‬ال‬
‫التفات لقلوهبم اىل الغيار ‪ ،‬والشوق اىل جنة والخوف من انر ‪ ،‬بل‬
‫صارت عندمه الاثر حموا ‪ ،‬والوجود حصوا ‪ ،‬فامحلد هلل اذلي جعل لنا الهيم‬
‫بتكرير بعض صفاهتم نس بة تكن هلم هبا برشط الصدق ندما ويف معرسهم‬
‫خدما ‪ .‬ويل يف ذ ك شعر ‪:‬‬
‫مفا جعل هذه الــــــدار اليت مكنت فهيا سهام البالاي موضع الغــــــــــري‬
‫اال حمل البالاي مثــــــــــل ماعلمت ومعدن آفات ليس العني اكخلـــــرب‬
‫فزهدت لك ذي عقل مبا ظـــهرت مما حوت من وجـود البؤس والكدر‬
‫اذا تأملت انزواء ادلنيا عن آولياء هللا وآصفيائه وآهل وداده ‪ ،‬وتزخرفها‬
‫وتزيهنا لعدائه وآهل القطيعة ‪ ،‬علمت يقينا حسن اختياره ك ‪ ،‬ولطفه‬
‫فامي زواه عنك مهنا ‪ ،‬فتشكره عىل ذ ك شكر غريك موافقة طبعه ونيل‬
‫حظه ‪ ،‬بل آمت شكر لو علمت آنه اختار ك مااختاره لنبيائه وخواص‬
‫آوليائه ‪ ،‬فرتاتح وتش تاق اىل لقائه ‪ ،‬ويظهر ك خسة ادلنيا وضيقها ‪،‬‬
‫فتأخذ يف طلب احملبوب وجتد يف طلب ماهو الوىل بك ‪ .‬ومصائب ادلنيا‬
‫وجفائعها نعمة من هللا عىل عباده لئال يس تأنسون هبا دونه ‪ ،‬ويطمئنون‬
‫الهيا ‪ ،‬فاكنت هذه املصائب ادلنياوية مزجعة هلم عن الركون والطمأنينة الهيا‬
‫‪ ،‬وذ ك ملا علمه آن بعض عباده اليقبل النصح اال ابزعاج وقهر ‪ ،‬ذل ك‬
‫قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( عمل آنك التقبل النصح اجملرد ‪ ،‬فذوقك من ذواقها ماسهل عليك وجود‬
‫فراقها )‬
‫‪508‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫عمل س بحانه وعلمه احلق اذلي اليداخهل هجل ‪ ،‬والميرتي فيه شك ‪ ،‬بل‬
‫عمل الش ياء قبل اجياد آعياهنا جبملها وتفاصيلها ‪ ،‬فعمل مبا بعض الرسار‬
‫عليه من وجود القرب وكامل اليقني ووفور املعرفة وكرامة السجية ‪ ،‬فتجىل‬
‫هلم رصف امجلال ‪ ،‬وآملح بصائرمه جتيل الكامل ‪ ،‬وآشعر قلوهبم نيل‬
‫الوصال ‪ ،‬وآذاق آرواهحم حالوة االتصال ‪ ،‬فأقبلوا اليه عام سواه من‬
‫الكوان ‪ ،‬اتركني لسائر ماطمحت اليه العيان من اللوان ‪ ،‬ومتجردين‬
‫عن النفوس ‪ ،‬مقدسني بتقديس املكل القدوس ‪ ،‬فهؤالء مسعوا قوهل {‬

‫ايآهيا اذلين آمنوا اس تجيبوا هلل وللرسول اذا دعامك ملا حيييمك } فلام‬
‫اس تجابوا علمهم عمل القرب ليشهدوا به اس تغراق معيته فقال { واعلموا‬
‫آن هللا حيول بني املرء وقلبه } [ الية ‪ 24‬النفال ] فاالس تجابة ابمتثال‬
‫مارشعه ‪ ،‬والعمل نتيجته ‪ ،‬والشهود مثرة العمل اذلي آنتجه صدق االس تجابة‬
‫‪ ،‬فهؤالء مل حيتاجوا اىل التجرية اليت تورث غريمه التجايف عن ادلنيا ‪،‬‬
‫فقبلوا النصيحة من غري توقف عىل اس تدالل عىل فراق ادلنيا وقبحها ‪،‬‬
‫ورشف الخرة ونفاس هتا ‪.‬‬
‫وملا عمل س بحانه آن يف عباده من مل يقبل النصح جمردا آظهر ما آظهره من‬
‫شدائدها وجفائع مصائهبا لينفر عهنا من اغرت بزينهتا من املؤمنني ‪ ،‬فاكن‬
‫ذ ك تفضال منه علهيم ورمحة هبم ‪ ،‬فهل امحلد حيث مل يرتكهم وما آرادوا من‬
‫تيرس آس باهبا وتزخرف حماهبا ‪ ،‬كام ترك من ال هل عنده حظ ميرح يف نعميها‬
‫ويمتتع بزخرف زهرهتا ‪ ،‬قال عز من قائل { ولوال آن يكون الناس آمة‬

‫‪509‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫واحدة جلعلنا ملن يكفر ابلرمحن لبيوهتم سقفا من فضة ومعارج علهيا‬
‫يظهرون * ولبيوهتم آبوااب ورسرا علهيا يتكئون * وزخرفا وان لك ذ ك ملا‬
‫متاع احلياة ادلنيا والخرة عند ربك للمتقني } [ الايت ‪ 35 – 33‬الزخرف ]‬
‫ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ملا عمل جل موالان وخالقــــــنا آان كام قد عمل مل يقبل اخلــــــــرب‬
‫آذاقنا من مرارات الفراق عنا تسوق من حرب الش ياء ابلغري‬
‫وملااكن اس تكشاف المور حس هنا من قبيحها مل يعرث عليه اال بنور العمل‬
‫آخذ يف بيان قوهل نفعنا هللا به ‪:‬‬
‫( العمل النافع اذلي يبسط يف الصدر شعاعه ‪ ،‬ويكشف عن القلب قناعه )‬
‫العمل احلقيق اذلي يطلق ابملدح عليه ‪ ،‬ونرشت رآايت اجملد دليه ؛ هو‬
‫العمل اذلي هو فائض عن الوصف الزيل ‪ ،‬وهو النور التأييدي والنفث‬
‫القديس ‪ ،‬والصدر املتلقى هل وهو الروع النق منبع التقوى ‪ ،‬وحمل الفهم‬
‫املتلق من عامل المر امللق بواسطته عىل العامل اخللق آعامل الهدى‬
‫وآرسار االقتداء عىل احملجة البيضاء واحلنيفية السمحاء ‪ ،‬قال هللا يف رشح‬
‫صدر آمكل هذا العامل { م جعلناك عىل رشيعة من المر } [ الية ‪38‬‬
‫اجلاثية ] فهذا هو العمل امللق عىل من آلق عليه وهو املس تحق آن يسمى‬
‫علام جمردا من االضافات املكونية ‪ ،‬م قال جل ذكره مشريا اىل مثرة العمل‬
‫ومبينا لرشفه ومنهبا عىل من مل حيظ منه بشئ آنه غري عامل فقال { فاتبعها‬
‫والتتبع آهواء‬ ‫{‬ ‫اذ يه املوصةل اىل عني املشاهدة ويقني املواصةل‬ ‫}‬

‫‪510‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اذلين اليعلمون } [ الية ‪ 18‬اجلاثية ] هذه الرشيعة المرية ‪ ،‬مفن آخذ علمه‬
‫ال عن هذه فهو موصوف ابلهوى آومقروان ابدلعوى ‪ ،‬فالعلوم النقلية‬
‫املتلقاة من اخللق املتداول لفظها اذا مل يصحهبا من هذه النوار القدس ية ‪،‬‬
‫ومل حيظى من املراتب العلمية مبزية ‪ ،‬التفارق صاحهبا الفات القادحة يف‬
‫اخالص العبودية ‪ ،‬لهنا اتسمت ابمس العمل ‪ ،‬وتلبست بلبسه بني العامل‬
‫ومس عاملا عندمه ‪ ،‬مع آنه الحيرم حراما ماعمل حرامه ‪ ،‬ومل يأيت واجب‬
‫ماعمل وجوبه ‪ ،‬فاكن عند العموم عاملا وعند اخلصوص مغرا جاهال ‪ ،‬اذا‬
‫العمل عند احملققني ماابرشت القلوب آنواره ‪ ،‬وانبسط عىل النفوس شعاعه‬
‫‪ ،‬وظهر عىل الراكن حسن اتباعه ‪ .‬وقال جل ذكره يف معىن ذ ك يف‬
‫معرض االمتنان مبافسح به احلنان { آمل نرشح ك صدرك } ورشحه‬
‫هو اتساعه لقبول فيضان العلوم احلقية ‪ ،‬حىت عمل الولني والخرين ‪،‬‬
‫وقال يف حق من اختصه ابتباع حمجته واقتفاء آسوته { آمفن رشح هللا‬
‫قال للمتبوع {‬ ‫صدره لالسالم فهو عىل نور من ربه } [ الية ‪ 18‬الزمر] كام‬
‫م جعلناك عىل رشيعة من المر } [ الية ‪ 18‬اجلاثية ] فلك من آفيض عليه‬
‫نور من هذه الرشيعة بواسطة آي امس اكن مشهد الربوبية فيه ظاهر يف‬
‫مرآة املربوب انظر ‪ ،‬وسائر السامء يسمى مجموع جتلهيا آمر ‪ ،‬جفعهل قطب‬
‫مدارها ومشس هنارها ‪ .‬والصدر هو املشاكة اذلي ينبسط علهيا نور‬
‫الزجاجة اليت تقبل نور املصباح من غري واسطة ‪ ،‬وهنا تظهر من العلوم‬
‫مالوبدت لضاق عهنا نطاق اخللق ‪ ،‬وطارت اللباب من حمرقات السحاب‬
‫‪511‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وتالطم حبار آنوار اذلات ‪ .‬فلرنجع اىل قوهل ‪ :‬العمل النافع هو اذلي ينتفع به‬
‫العامل هو لك عمل ابهلل وبصفاته وآسامئه وآفعاهل وآمره وهنيه ‪ ،‬ومايزيد يف‬
‫خوفك من هللا ويزيد يف رجائك ‪ ،‬ولك عمل تعمل به مفرتضات هللا عليك‬
‫وماندبك اىل فعهل وزجرك عن اتيانه من رشائعه وسنن آنبيائه ‪ ،‬والعمل‬
‫النافع هو اذلي تصل به اىل مرضاة هللا وتتق به خسطه ‪ .‬ويدخل يف ذ ك‬
‫لك عمل ابطن آوظاهر خاص آوعام ‪ ،‬لكن برشط حسن النية فيه‬
‫واخالص القصد ‪ .‬فيدخل فيه عمل فروض العيان وفروض الكفاايت هبذا‬
‫الرشط املذكور ‪ ،‬ولكن املقصود العظم هو عمل الكشف والتجيل ‪ ،‬وعمل‬
‫احلال والتحيل ‪ ،‬وعمل الفرض والتخيل ‪ .‬وهذه العلوم اليدركها اال آهل‬
‫الصفاء القامئني عىل هنج التحقيق والوفاء ‪ ،‬وآما علامء الرسوم اذلين مل‬
‫يعطوا نصيبا من املعلوم بل واقفني عىل مايسمعونه من اللفاظ ويتلقون‬
‫من الرواية واحلفاظ ‪ ،‬آوشئ يلفقونه بأفهاهمم السقمية بعةل الهوى واملتلوثة‬
‫بقاذورات ادلنيا ‪ ،‬فليسوا عند احملققني علامء وامنا يسموهنم نقال وآوعية ‪.‬‬
‫واكن مما يروى آن من العلامء حيرشون مع النبياء وآخرين حيرشون مع‬
‫المراء والسالطني ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫عىل الصدور شعاع النور فاعترب‬ ‫العمل هــــــو لك مايبسط مأثره‬
‫ويكيس الروح رسابل من النظر‬ ‫ويمنح عن شهود القلب ساتره‬
‫حبسن قصد وفهم فيه معــــــــترب‬ ‫ولك عمل من العامل انظـــــــرة‬
‫وغــري ذاك هباء يف هوى الفـكر‬ ‫فذاك عمل ومست فيه مفخـــــرة‬
‫م اعمل آن العمل قد يطلق عىل سائر العلوم ‪ ،‬والعلوم كثرية حبسب‬
‫املعلومات ‪ ،‬ومن اكن ذا عقل وفهم نظر يف العلوم خريها ورشها ‪،‬‬
‫‪512‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وخريها هو لك مايعود عىل العامل به الظفر خبريات الخرة وادلنيا ‪ ،‬ذل ك‬


‫قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( خري العمل مااكنت اخلش ية معه )‬
‫فاذا اعتربت العلوم من حيث االضافة اىل معلوهما وجدت آرشف العلوم‬
‫ابهلل وصفاته وآفعاهل ‪ ،‬وخري مايتقرب به اىل هللا هو آحوال القلوب ‪،‬‬
‫فاكن خري لك عمل ماقارنته هذه الحوال القلبية واملواجيد الرسية اليت من‬
‫مجلهتا خش ية هللا ‪ ،‬اذ اخلش ية وصف العلامء بنص الكم هللا اذ قال جل‬
‫ذكره { امنا خيىش هللا من عباده العلامء } [ الية ‪ 28‬فاطر ] واخلوف‬
‫شعارمه اذ قال وخافون ‪ ،‬خيافون رهبم ‪ ،‬ولك عمل مل تصحبه اخلش ية ومل‬
‫تقارنه اخملافة ومل تدهشه الهيبة ومل يروحه ادلجال ومل ينعم صاحبه االنس ‪،‬‬
‫ومل حيجزه الورع ‪ ،‬ومل جيانبه الطمع ‪ ،‬ومل حيقق طرائق الس نة ‪ ،‬ومل يش يد‬
‫مبانهيا ابلعامل ‪ ،‬ويصفهيا عن شوائب القات ‪ ،‬ومل يراع حقوق هللا عىل‬
‫ممر الوقات ‪ ،‬ومل يعزف نفسه عن الشهوات املألوفات ومل يتحقق صاحبه‬
‫ابملقامات ‪ ،‬فليس عىل احلقيقة بعامل وان هجل بعض العلوم املتعلقة ابلقضااي‬
‫واخلصومات ‪.‬‬
‫وقد اكن للعلامء سامت يعرفون هبا وعلوم حتقيقات وبيان آحوال وتفصيل‬
‫مقامات ‪ ،‬مفهنم املدرك لها ابذلوق ومه املرادون السادات ‪ ،‬ومهنم‬
‫املذكورون ابلعمل مع عدم ادلعوى حلقيقهتا ومه املريدون ‪ .‬مفن تكل العلوم‬
‫عمل طلب احلالل وعمل الورع يف املاكسب واملعامالت ‪ ،‬وعمل االخالص‬
‫وعمل آفات النفوس وفساد العامل ونفاق العمل والعمل ‪ ،‬والفرق بني نفاق‬
‫القلب ونفاق النفس ‪ ،‬ومن اظهار النفس شهوهتا واخفاهئا ذ ك ‪ ،‬والفرق‬
‫‪513‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫بني سكون القلب ابهلل تعاىل وسكون النفس ابلس باب ‪ ،‬والفرق بني‬
‫خواطر الروح والنفس وبني خاطر االميان واليقني والعقل ‪ .‬ومن علوم‬
‫الحوال آيضا وآحوال العلامء وتفاوت مشاهدات العارفني وتلوينات‬
‫الشواهد عىل املريدين ‪.‬‬
‫ومن املقامات عمل القبض والبسط والتحقق بصفات العبودية ‪ ،‬والتخلق‬
‫بأخالق الربوبية ‪ ،‬وتباين مقامات العلامء ‪ .‬فهذه العلوم واملقامات والحوال‬
‫بعض ما آورده آبوطالب امليك ريض هللا عنه آهنا من صفات العلامء‬
‫تذاكرها وتعاهدها بني علامء السلف ‪ .‬فاذا نظرت يف آحوال هؤالء ومن‬
‫يدع العمل يف هذه الزمان تبني ك افالسهم عن العمل ومامه عليه من‬
‫الهتاون يف الراكن ‪ ،‬والعمل مبوافقة الهوى وطلب حست ادلنيا بأي وجه‬
‫يتأملوهنا كام اكن غريمه من العلامء احملققني يتأملون مايقرهبم من املوىل‬
‫وحيصل هلم عنده عظمي الزلفى ‪ ،‬عرفت ذهاب ادلين ومخود آنوار اليقني‬
‫يف آهل زمانك ‪ ،‬وعرفت آن من عرف صفات العلامء والسري عىل سريمه‬
‫‪ ،‬غريب يتنفس تنفس الصعداء لكرثة ظهور الهوى وانتصار العداء‬
‫واندراس العمل وآههل ‪ .‬مفن اكنت الشهوات غاية مطلبه والهوى قائده‬
‫وادلنيا وهجته مفا آبعده عن العلامء ‪ ،‬وما آمسج هذا االمس عليه ‪ ،‬فكيف‬
‫يكون من ورثة النبياء من ابين صفاهتم اليت من مجلهتا املثابرة عىل‬
‫الطاعات ‪ ،‬والتخلق ابلرمحة عىل سائر اخمللوقات ‪ ،‬وخفض اجلناح لهل‬
‫االميان والشدة يف ادلين ‪ ،‬والتزنه عن املرتفني ‪ ،‬واللطف ابملساكني ‪،‬‬
‫وارشاد الضالني ‪ ،‬ونصيحة الاكفة واخلاصة ‪ ،‬وعدم الفضاضة والغلظة ‪،‬‬
‫وايثار الخرة عىل ادلنيا ‪ ،‬وطلب اللحوق ابلرفيق العىل اىل ماالحيرص‬
‫‪514‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫من ماكرم الخالق ‪ .‬فكيف يدع الوراثة ملن مل يتخلق من هذه بل عىل‬
‫الضدمهنا ‪ ،‬وتعبريه مبعية اخلش ية اذا املعية تس تغرق مجيع الحوال والقوى‬
‫الظاهرة والباطنة ‪ ،‬ولك حركة وسكون حىت يظهر ملن نظرمه آثرها عىل‬
‫ظاهر الشخص ‪ ،‬فاليرامه رآيئ اال وتغشاه اخلش ية وتعرتيه الهيبة‬
‫والسكينة ‪ ،‬وتغمر من حرضمه الرمحة وتعمهم النعمة ‪ .‬هذا شاهدمه يف‬
‫ظاهر احلس يف العني احلس ية واملظاهر اخللقية ‪ .‬فهذه دالالت العلامء‬
‫ابهلل العارفني والرابنيني ‪ ،‬اذلين تغنت آرجاء الوجود بوجودمه طراب ‪،‬‬
‫وجليت الهيم حور املعارف آترااب عراب ‪ ،‬فهذه بعض عبارة من صفات‬
‫العلامء ظهرت يف عاصف القدر فألقهتا عىل ذرة من ذرات الفؤاد ‪،‬‬
‫فأفصحت بتحميد ومتجيد اجلواد ‪ ،‬مبا وههبا من لطف الوداد ‪ ،‬وعاد مما‬
‫اكد آوياكد ‪ ،‬يضئي من غري ايقاد ‪ .‬فنسأل هللا حتقيق ذ ك وآن يفيض‬
‫علينا من االمداد فوق املراد ‪ ،‬انه كرمي جواد ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫خبش ية هللا ذاك العــــز والرشف‬ ‫العمل من حيث كون العمل مكرمة‬
‫يدري ذلا لك من من حبره اغرنف‬ ‫معية التفارق رصف مزمحـــــــــة‬
‫فرتتيب املؤلف ريض هللا عنه هذا يف فصل العمل ‪ ،‬فبني ماهو العمل آوال‬
‫اذلي يس تحق آن يسمى علام ‪،‬م صفة العمل النافع ووصفه مبقارنة اخلش ية ‪،‬‬
‫م آخذ يف بيان آحوال العلامء وانقسام العمل حبسب من اتصف اىل ماهو‬
‫ ك وماهو عليك ‪ ،‬فقال بعد آن عرفك آن العمل تقارنه وتالزمه اخلش ية‬
‫فقال ‪:‬‬
‫( العمل ان قارنته اخلش ية فكل ‪ ،‬واال فعليك )‬

‫‪515‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫العمل من حيث ماهو عمل عام ‪ ،‬ويطلق ويتخصص ويتقيد اىل محمود‬
‫ومذموم وانفع وضار ‪ ،‬وهو من حيث تعلقه ونسبته اىل اجلناب االلهي‬
‫رشيف وهو آمع صفات املعايل اكلالكم ‪ ،‬مفن حيث نسبته عمل احلق احلايز‬
‫هلم وقد عرفت مامه عليه من التفاوت وانقساهمم اىل من حيمد رشعا فذ ك‬
‫املنسوب الهيم واحملمود رشعا عالمة داةل ‪ ،‬ويه اخلش ية اليت يه آمشل‬
‫بصفات النفوس والقلوب والرواح ‪ ،‬فاخلش ية تعم وحتتوي عىل مراتب‬
‫القلوب وآحوال النفوس فهي آمع من اخلوف ‪ ،‬ويه اليت اتصف هبا صهيبا‬
‫حيث نعته صىل هللا عليه وسمل ونوه مبقامه فقال ‪ :‬نعم العبد صهيبا لو مل‬
‫خيف هللا مل يعصه " وذاك ملا عنده من عظم االجالل جلناب هللا ووفور‬
‫اخلش ية ‪ ،‬اذ لو مل خيف لجل اجلناب االلهي عن العصيان ‪ ،‬واخلش ية من‬
‫صفات علامء الخرة اذلين يدعون عظامء يف ملكوت السامء ‪ ،‬وقد سامها‬
‫داود صىل هللا عىل نبينا وعليه وسمل ابمس العمل ‪ ،‬فقال ‪ :‬ذ ك بأنك‬
‫جعلت العمل خشيتك ‪ .‬والعمل اذا قارنته اخلش ية اكن صاحبه من هللا قريبا‬
‫وهل حبيبا ‪ ،‬ومن اكن كذ ك اكن العمل هل لنه صار يف كنف واليته وحرز‬
‫عنايته فاكن هل ‪ ،‬ومن مل يتصف يف علمه ابخلش ية فيجرتي الحماةل عىل‬
‫حمارم هللا ‪ ،‬ويغش عبادهللا ‪ ،‬ويس هتني بأوامر هللا ‪ ،‬وهيني آولياء هللا ‪،‬‬
‫ويس تخف بس نة رسول هللا ‪ ،‬ويؤثر الهوى وادلنيا عىل حماب هللا ‪،‬‬
‫وميدح ويذل ويعجب ويفخر اىل ماالهناية هل من املعايص الظاهرة والباطنة‬
‫‪ ،‬فيكون مقيتا عند هللا يف دنياه وآخراه ‪ ،‬لن آفعاهل ختالف آقواهل ‪ ،‬وحاهل‬
‫خيالف العمل اذلي به يترشف واليه ينمت { كرب مقتا عند هللا آن تقولوا‬

‫‪516‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ماالتفعلون } [ الية ‪ 3‬الصف ] فيأمر الناس ويرتك نفسه ‪ ،‬ويذكر الناس‬


‫وينىس { آاتمرون الناس ابلرب وتنسون آنفسمك وآنمت تتلون الكتاب آفال‬
‫تعقلون } [ الية ‪ 44‬البقرة ] فاذا اكن كذ ك اكن العمل الحماةل عليه عائد‬
‫ابلرضورة ‪ ،‬فويل للجاهل حيث مل يتعمل مرة ؛ وويل للعامل حيث مل يعمل‬
‫مبا عمل آلف مرة ‪ .‬والعلامء ‪ :‬عامل قلب دون لسان وعامل لسان دون قلب ‪،‬‬
‫وعامل قلب ولسان ‪ ،‬وجاهل لسان آغلف قلبه ـ فانقسم المر اىل آربعة‬
‫آقسام ‪ :‬آثنان محمودة واثنان مذمومة ‪ ،‬واحملمودة آيضا قسم آعىل من الخر‬
‫‪ ،‬مفثال العامل ابلقلب دون اللسان اكلفارس البصري عىل مركب آمعى فهو‬
‫هيديه الحماةل ‪ ،‬ومثال عامل اللسان دون القلب اكلفرس البصري والراكب‬
‫آمعى فريديه الحماةل آويرتدى عنه ‪ ،‬ومثال عامل اللسان والقلب كراكب بصري‬
‫وجوادا بصري ‪ ،‬فهذا يكون لقدم النبوة واراث ‪ ،‬وبلساانلرساةل انطقا ‪ ،‬وهو‬
‫يف الكواكب الساموية مشسا ‪ ،‬ويف العامل الظاهرة دابة اثبتة اليطفاها‬
‫مطر والرحيا ‪ ،‬فهو يف نفسه مضيئا ولغريه هاداي ‪ ،‬تدفع به النوائب ويكفى‬
‫به احلوائب واملصائب ‪ .‬والعلامء ربيع اخللق اذا اكنوا كذ ك كام قال بعضهم‬
‫يف وصفهم ‪ :‬مايرامه الغين اال ويرسه آن يكون فقريا ‪ ،‬واليرامه الصحيح اال‬
‫ويرسه آن يكون مريضا ‪ ،‬آوكامقال ‪ .‬واكن آبناء ادلنيا يف جملس سفيان آقل‬
‫اخللق مقاما ‪.‬‬
‫وصفات العلامء وفضائلهم الحتىص عددا لكرثة مناقهبم وعظمي فضائلهم ‪ ،‬منه‬
‫مايروى يف احلديث عن رسول هللا صىل هللا عليه وسمل " فضل العامل‬
‫عىل العابد كفضيل عىل آدانمك ‪ ،‬وفضل العامل كفضل القمر عىل الكواكب ‪.‬‬
‫‪517‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫آوكام قال ‪ ،‬ولعامل آشد عىل الش يطان من آلف عابد ‪ .‬فلك ما ورد من‬
‫الخبار وحيك من الاثر يف فضائل العمل امنا هو ماقارنته احلنيفية ‪،‬‬
‫وماروي من تفضيل العلامء امنا يراد هبم العلامء ابهلل وبأوامر هللا ‪ ،‬وآما‬
‫ماورد من اذلم فليس هو اال من اتصف به علامء السوء من الصفات‬
‫املذمومة والخالق امللومة ‪ ،‬فاذلم ليس عىل العلامء من حيث العمل بل من‬
‫حيث خمالفهتم اايه من الرغبة يف ادلنيا ‪ ،‬ومجع حطاهما واجلدل واملامراة‬
‫وحب اجلاه املذموم ‪ ،‬فالعمل هو اذلي نبه عىل قبح هذه الحوال ‪ ،‬فاليذم‬
‫العمل ذو عقل من حيث كونه علام اال مانص عىل ذمه ‪ :‬كعمل السحر‬
‫والنجوم والشعبذة ولك عمل يتوصل به اىل مهني ‪ ،‬فلوال العمل مل يعرف‬
‫قبح القبيح ومل يتبني احلسن ‪ .‬والعمل من حيث انقسامه اىل نظري وعقيل‬
‫ومسموع ومطبوع ‪ ،‬فاملطبوع يسمى عقال واملسموع يسمى نقال ‪ ،‬ومل ينتفع‬
‫بواحد دون الخر ‪ .‬وقد وصف هللا العلامء ابلزهد وايثار الخرة عىل ادلنيا‬
‫فقال تعاىل { وقال اذلين آوتوا العمل ويلمك ثواب هللا خري ملن آمن ومعل‬
‫صاحلا } [ الية ‪ 80‬القصص] فشعار العلامء ابهلل اخلش ية ‪ ،‬ولباسهم العمل‬
‫الصاحل ‪ ،‬والعمل وس يةل اىل العمل به ‪ ،‬فان اس تعمهل فامي آمر واجتنب‬
‫ماهنيى اكن هل ‪ ،‬وان مل يعمل به ومل يس تعمهل يف مقتىض ماهو املطلوب‬
‫ايامترا وانهتاء اكن عليه ‪ .‬ومن مقتىض العمل آن يكون العامل مسارعا اىل‬
‫اخلريات حريصا عىل اقتناص اخلريات ‪ ،‬يتحرا اذا جهم اجلهال ‪ ،‬ويزهد اذا‬
‫رغب البطال ‪ ،‬وينهتي اذا اقتحم الضالل ‪ ،‬يزنجر السفهاء بسامع ذكره ‪،‬‬
‫وينتفع الطالب بصائب آمره فعاال آكرث من آمره مقاال ‪ ،‬يصون عن ادلنيا‬

‫‪518‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫جانبه ‪ ،‬وحيم عن السفهاء حاجته‪ ،‬اليبتذل يف طلب العراض واحلظوظ‬


‫فيكون سببا الس تعانة العمل يف آعني اخللق فيحرمون نفعه ‪ .‬فالعامل يس تغين‬
‫بعلمه عن دنيا الراغبني ‪ ،‬ويفتقر اىل افادته الطالبني ؛ اليتعمل مسأةل اال‬
‫لينال هبا قربة ‪ ،‬واليعمل حمكة اال وينال هبا درجة ‪ ،‬وذ ك مثرة حسن النية‬
‫يف طلب العمل ‪ ،‬مفن طلب العمل عىل نية مانوى فان اكن نيته يف طلبه هللا‬
‫اكن من العلامء ابهلل ‪ ،‬وان اكن نيته التفقه يف دين هللا ليعرف آمرهللا اكن‬
‫من علامء الخرة ‪ ،‬وان اكن نيته طلب املزنةل ونيل احلظ من ادلنيا ورفعة‬
‫الصيت واملنصب ومزامحة آرابب الوالايت يف القضااي والحاكم ‪،‬‬
‫والظهور عىل القران واالس تطاةل عىل االخوان وغري ذ ك من املطالب‬
‫ادلنياوية واملأرب الهوائية ‪ ،‬فالخيفى قبح مقصده وخسة مطلبه عند ذوي‬
‫القلوب الساملة من الهوى ‪ ،‬وآما نفوس اجلهال املغرورين وامحلقاء ‪،‬‬
‫فالجرم آهنا ترى ذ ك من آجل املراتب وآحسن املطالب ‪ ،‬فالعربة هبم‬
‫عند آهل احلق ‪ .‬وآكرث من يكون دلهيم معظام من انل علهيم املزنةل فامي مه‬
‫بصدده من احلظوظ ادلنياوية ‪ ،‬فهو آي من طلب العمل عىل هذا القصد‬
‫آشد غرورا من اجلهال ‪ ،‬لنه يرى هل املزنةل يف ادلنيا فيخيل اليه آن هل يف‬
‫الخرة الزلفى ‪ ،‬فزيداد من محقه وهجهل وغروره ‪ ،‬ويروح عىل العموم‬
‫حسن مقامه ‪ ،‬ويدعو غامر اخللق ويلقى اليه من تزويره وتغريره آن ذ ك‬
‫فيه جناهتم عند هللا يف الخرى ‪ ،‬فزيدادون هل تعظامي وتوقريا ‪ ،‬وترسي‬
‫الهيم رذائل آخالقه وقباحئ آحواهل من حيث اليدرون اال وقد آصيبوا مبا‬
‫آصاب ‪ ،‬وهمل جرا ينهتي من واحد اىل واحد ‪ ،‬ويكون من آمئة الضالل‬
‫موسوما بسمة ادلجال يف االضالل ‪ .‬قال صىل هللا عليه وسمل آان من غري‬
‫‪519‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ادلجال آخوف عليمك من ادلجال علامء السوء ‪ .‬لن ادلجال غايته االضالل‬
‫‪ ،‬ومثل هذا العامل ان رصف الناس عن ادلنيا بلسانه ومقاهل فهو داع هلم‬
‫الهيا بأعامهل وآحواهل ‪ ،‬ولسان احلال آفصح من لسان املقال ‪ ،‬وطباع الناس‬
‫اىل املساعدة يف العامل آميل مهنا اىل املتابعة يف القوال ‪ ،‬مفا آفسده هذا‬
‫املغرور بأعامهل آكرث مما آصلحه بأقواهل ‪ ،‬اذ ال يس تجرئ اجلاهل عىل الرغبة‬
‫يف ادلنيا اال ابس تجراء العامل ‪ ،‬فقد صار علمه سببا جلرآة عبادهللا عىل‬
‫معاصيه ‪ ،‬ونفسه اجلاهةل مع ذ ك متنيه وترجيه ‪ ،‬وتدعوه اىل آن مين هللا‬
‫بعلمه ‪ ،‬وختيل نفسه اخلبيثة آنه خري من كثري من عبادهللا ‪ ،‬فقد رصح‬
‫بذ ك االمام جحة االسالم آبوحامد الغزايل يف وصف اذلي اختذ علمه‬
‫ذريعة اىل نيل احلظوظ العاجةل ومل ينكشف هل دانءة هذا املقصد ‪ ،‬ومل‬
‫يزنهل انعاكس من هذا املشهد ‪ ،‬عافاان هللا واملسلمني من ذ ك ‪ ،‬ولطف‬
‫بنا من اجلهل واالغرتار ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫العـــــمل نور اذا قارن مصاحبة من خش ية هللا ذاك العامل النبل‬
‫شعاره اخلوف مع ذل ومسكنة وغري ذاك من التحقيق منــــعــزل‬
‫فهذا القدر من التنبيه عىل آرشف العمل املقارنة هل خش ية هللا ‪ ،‬وقبح لك‬
‫من طلب العمل عىل غري نية صاحلة اكف ‪ ،‬وقد آطال الالكم واملصنفني يف‬
‫الرتغيب يف العمل وفضيلته ‪ ،‬والتنفري والتحذير من االغرتار مبا فيه كفاية‬
‫س امي االمام جحة االسالم آيب حامد فانه قد آوحض فيه مااليبقى معه ريب‬
‫يف رشف العمل ‪ ،‬وخسة من اختذه وس يةل اىل نيل احلظوظ العاجةل ‪،‬‬
‫فلنكتف بذ ك عن االطاةل ‪ .‬فلام آهنيى الالكم عىل العمل وصفة العامل وماهو‬

‫‪520‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫العمل آخذ يف بيان معامةل العبد مع هللا ‪ ،‬فهل دليل جيده آولوا البصائر‬
‫املس تنرية ‪ ،‬ذل ك قال يف ذ ك ‪:‬‬
‫( مىت آملك عدم اقبال الناس عليك آوتوهجهم ابذلم اليك ؛ فارجع اىل عمل‬
‫هللا فيك ‪ ،‬فان اكن اليقنعك علمه مفصيبتك بعدم قناعتك بعلمه آشد من‬
‫مصيبتك بوجود الذى مهنم )‬
‫مىت وجدت عدم اقبال الناس اليك ابالحرتام والتوقري واالعتقاد والتربك‬
‫وطلب ادلعاء منك ‪ ،‬ومعكل فامي بيهنم وعدم اكرتاهثم بك حرضت آم‬
‫غبت ‪ ،‬وترك اكرامك ومعرفتك ابلفضل فأملك ذ ك لغيبتك عن شهود‬
‫س يدك وخالقك ‪ ،‬ومن بيده منافعك ومضارك ‪ ،‬فاقبال اخللق وادابرمه‬
‫عند من اكن ذ ك سيئان ‪ ،‬فان كنت حمجواب عن وجود احلق فكن‬
‫ابالميان موافقا ‪ ،‬قال صىل هللا عليه وسمل يف وصيته البن عباس من مجةل‬
‫ما آوصاه به يف حديث طويل حمتوي عىل آصناف احلمك وجوامع اللكم ‪:‬‬
‫واعمل آن المة لو اجمتعوا عىل آن ينفعوك بشئ مل يردك هللا به مل يقدروا ‪،‬‬
‫ولو اجمتعوا عىل آن يرضوك بشئ مل يقدروا ‪ ،‬رفعت القالم وجفت‬
‫الصحف ‪ .‬ومن دوى ذ ك المل آن ترجع اىل عمل هللا فيك ‪ ،‬فان كنت‬
‫عنده كرميا مفا ذا عىس رضك ادابرمه عنك ‪ ،‬وادابرمه فيه ك من املنافع‬
‫ادلينية ‪ ،‬والسالمة من الفات القادحة يف العامل ‪ ،‬واحلائةل بينك وبني‬
‫االقبال عىل الكبري املتعال ماالحيىص شكره ‪ .‬كذهمم فاهنم اذا توهجوا اليك‬
‫ابذلم آجلوك الحماةل اليه ‪ ،‬وآوقفوك عىل دقائق اكمنة مل تكن ك قبل علهيا‬
‫اطالع ‪ ،‬فان كنت من آويل العزامئ السالكني فذ ك آعون ك عىل ما‬
‫آنت بصدده من صفو الوقت ‪ ،‬وعدم االش تغال هبم والسع يف مايقمي‬
‫‪521‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫بواطهنم ‪ .‬وان كنت من الواصلني فال آحق منك ابلشكر ان خليت مبن‬
‫حيب وهو يعمل ماان ك يف ذاته ‪ ،‬فأنت بلك حال متفضل عليك ‪ ،‬وان‬
‫كنت الترىض بذ ك ومل تفهم ماهنا ك مفصيبتك آشد لنك مصاب برضب‬
‫احلجاب ‪ ،‬ومعرض لنيل العقاب ‪ ،‬مفا شانك اال آن تتأمل ذل ك حيث مل‬
‫حتظى من الكشف الرصحي مايشهدك انعدام اخللق يف شهود وجود احلق‬
‫‪ ،‬ومل تكن من آهل االميان املنتفعني ابلسمع من الصادق املصدوق حيث‬
‫آرشد اىل ذ ك ودل عىل ماهنا ك ‪.‬‬
‫وآما آذى اخللق فهو خري بلك حال ومل يكن نقص ‪ ،‬آمل تر من ايذاء‬
‫النبياء وسادات العلامء ‪ ،‬فلواكن ذ ك نقص يف منصهبم ملا قال صىل هللا‬
‫عليه وسمل ‪ :‬حنن النبياء آشد بالء م المثل فالمثل ‪ .‬وفيه من تكثري‬
‫احلس نات وجلب اخلريات مااليدخل حتت حيسوب ‪ ،‬وهو شاهد عىل‬
‫وجود االميان كام قال س بحانه وتعاىل { بسم هللا الرمحن الرحمي آمل *‬
‫آحسب الناس آن يرتكوا آن يقولوا آمنا ومه اليفتنون } اىل آخر ماقال {‬

‫فليعلمن هللا اذلين صدقوا وليعلمن الاكذبني } [ الايت ‪ ] 3-1‬فدلت الية‬


‫عىل آن التأمل ابيذاء الناس قادح يف الصدق وخمرج عن تسمية االميان ‪،‬‬
‫لنه ان مل يكن كام قدمنا من آهل الكشف والعيان ؛ فال آقل من آن‬
‫يكون من آهل العمل واالميان ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫مىت تأملت من ادابر خمـــــــــلوق الشك آنك عن موالك حمجـــوب‬
‫كذا آذى اخللق اليعباه ذو طلب ملهنج الصدق طالب خري مطلوب‬

‫‪522‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وآعظم املنن الظاهرة الذى عىل آيدي اخللق وآبني ادلالةل عىل تقريب من‬
‫آولعوا اخللق به ‪ ،‬وتوهجوا اليه ابلذى ماقاهل املؤلف ريض هللا عنه حيث‬
‫قال مبينا للحمكة يف ذ ك ‪:‬‬
‫( امنا آجرى الذى عىل آيدهيم كيال تكون ساكنا الهيم ‪ ،‬آراد آن يزجعك عن‬
‫لك شئ حىت اليشغكل عنه شئ )‬
‫امنا اخللق مظاهر لاثر القدار وجمرى جتري فهيم جتليات الرسار ‪ ،‬فلك‬
‫من جرت هل يف املظاهر اخللقية واملشاهد الغريية مايزجعه عن السكون‬
‫والوقوف دلهيا فذ ك خمطوب العناية وموهوب الرعاية بأن توىل هللا تربيته‬
‫من آجسف الغيب ‪ ،‬فأرجعه مهنا لتحقق الفرار ‪ ،‬واليكون هل مع غريه قرار‬
‫‪ ،‬ليوقفه عىل حد االضطرار وصدق االفتقار ‪ ،‬ففروا اىل هللا كام آرى‬
‫اللكمي عداوة العىص فاكنت حية تسعى حىت هرب اليه مفا اكن معمتدا عليه‬
‫فف ذ ك عربة لويل البصار ‪ ،‬والتعبري ابلناس آنه لك مأنوس من مال‬
‫آوجاه آوغري ذ ك من لك مايس تأنس به وهللا آعمل ‪ .‬وآذامه امنا يدرك‬
‫ظاهرك آمله واالقبال مهنم والسكون الهيم يلحقك بعامل الظلمة ‪ ،‬ومييت‬
‫قلبك اذلي به توهجك اىل حرضة س يدك ‪ ،‬وبعمى روحك اذلي يدرك به‬
‫ذلة شهود احلبيب ويبعده عن التقريب ‪ .‬فاذا جرى الذى عليك عىل‬
‫آيدهيم امنا ذاك من عظمي عنايته ولطيف رعايته لكيال تساكهنم فتوقف‬
‫دون مطلبك وحترم بسببه نيل بغيتك ‪ ،‬فأجرا علهيا ماحيرسك به اليه‬
‫فينتكر عليك كام كنت تطمنئ اليه من سائر اخللق من الس باب‬
‫والعشائر ‪ ،‬حىت تعاديك آعضاءك فتسلط عليك ابلذى والرض بل‬
‫وآحبابك اذلين كنت تس تأنس هبم وسائر علومك وجاهك وما ك ومقامك‬
‫‪523‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فال جتد آنسا يسوى ‪ ،‬والتأوي اىل مأوى ‪ .‬وقد اس تعاذ بعض الفضالء‬
‫من الحوال واملقامات ‪ ،‬ونسأل هللا العفو عن حاج اخللق عليه كيال‬
‫يكون لغريه ساكنا آوبسواه مس تأنسا ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫آجرى عليك الذى ممن تساكهنم كيال تكون مع الغيار مأسور‬
‫وذاك من لطفه فامي يعاملــــــــــهم كام روي عن عباد هللا مأثــور‬
‫والركون اىل اخللق والسكون اىل الس باب بعد وجحاب ‪ ،‬والش يطان منشأ‬
‫لسائر الس باب املقصية للعبد عن ابب هللا ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض‬
‫هللا عنه ‪:‬‬
‫( اذا علمت آن الش يطان اليغفل عنك ‪ ،‬فالتغفل آنت معن انصيتك بيده‬
‫)‬
‫اذا علمت آن الش يطان املبعد ملن تواله عن مواله وآنت مل تدركه ابحلاسة‬
‫الظاهرة لنه جار من ابن آدم جمرى ادلم ‪ ،‬وهل آعوان منك عليك ويه ‪:‬‬
‫نفسك اليت بني جنبيك ‪ ،‬وقد علمت آن هللا آمرك ابحلذر منه‬
‫واالس تعاذة منه لشدة خمادعته وكرثة تغريره وتزويره ‪ ،‬وآنت سادج عن‬
‫آكرث طرقه ‪ ،‬وقد آقمي داعيا اىل التفرقة والبعد ‪ ،‬وهو اليفرت يف اظهار‬
‫طريقته وادلعاء اىل داره لنه ابلصاةل مهنا ‪ ،‬وليس هنا آنفع من اذلكر‬
‫والآحرز من العمل وال آمنع من العقل ‪ .‬واليدرك الش يطان من العبد‬
‫حاجته اال يف حال غفلته ‪ ،‬فاذا داوم اللجاء اىل هللا والتاذ جبنابه واكن‬
‫ذواميان وتولك واحسان ‪ ،‬وحقق العبودية لس يده ‪ ،‬اكن منه ومن لك‬
‫قاطع يف آمان ‪ ،‬ومل يكن لعدوه عليه سلطان { ان عبادي ليس ك علهيم‬

‫‪524‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫سلطان} [ الية ‪ 42‬احلجر] مع التولك عليه وحتقق اذلةل واالفتقار بني‬


‫يديه ‪ ،‬وكفى بربك وكيال ملن تولك عليه ‪ ،‬فالش يطان الميكل التسلط‬
‫واالغوى اال عىل آهل الرشك والهوى { ان سلطانه عىل اذلين يتولونه‬
‫واذلين مه به مرشكون } [ الية ‪ 100‬النحل ] وفامي يروى عن رسول هللا‬
‫صىل هللا عليه وسمل آن الش يطان جام عىل قلب ابن آدم فاذا غفل‬
‫وسوس ‪ ،‬واذا ذكر هللا خنس ‪ .‬ويف بعض الاثر آن الش يطان شىك اىل‬
‫ش يطان آخرر مالق من العناء من هذه المة آنه طول يومه يتعب يف‬
‫هتيئة املعايص والسع فهيا ‪ ،‬فاذا اكن آخر الهنار اس تغفرهللا فغفر هل ‪،‬‬
‫فبطل سعيه وخاب آمهل منه ‪ ،‬ورجع منه آيسا حىت يذنب العبد ‪،‬‬
‫واليدري آنه آذنب فيدرك منه مراده ‪ .‬واذا صدق العبد مع هللا يف تولكه‬
‫وحقق اميانه وقام هل بصدق العبودية فقد حصل حرزهللا وآمانه ‪ ،‬من رشه‬
‫وآعوانه ‪.‬‬
‫ويروى آيضا آن الش يطان قال لربه عز وجل ‪ :‬بعزتك وجال ك الآبرح‬
‫آغوي بين آدم مادامت الرواح فهيم ‪ ،‬قال هل ربه ‪ :‬بعزيت وجاليل ال آبرح‬
‫آغفر هلم ما اس تغفروين ‪ .‬مفا يزال من هذه المة خائبا وسعيه فهيم ابطال‬
‫لوفور امياهنم وحسن تولكهم واس تقامة عبوديهتم ‪ .‬قال بعض آهل التفسري‬
‫‪ :‬آن الفريق املس تثىن من اذلين صدق علهيم ابليس ظنه آهنم آمة محمد‬
‫صىل هللا عليه وسمل فهو وان اكن مسلطا خمادعا ضاال فهو اليتعدى حمك‬
‫هللا يف عباده مبا س بق هلم وعلهيم يف سابق علمه ‪ ،‬وامنا جعهل هللا منديال‬
‫ميسح به القذار عن جناب هللا ومدية عن حرضة االقتدار بصاف اليه‬
‫‪525‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وسبب ‪ ،‬كام يصان عنه ذ ك اجلناب اكلنس يان واالضالل واالغوى وغري‬
‫ذ ك من القاذورات الظلامنية والرذائل الشهوانية ‪ .‬وللتحصن آمور نصهبا‬
‫حتقيقا لعباده من رشه ‪ ،‬فأعظمها ذكر هللا منه ومن غريه كام ورد ‪ :‬الاهل اال‬
‫هللا حصين ومن دخل حصين آمن من عذايب ‪ .‬وآس باب العذاب آعامهل‬
‫املبعدة عن حرضة هللا ‪.‬‬
‫ويروى آن اذلاكرين اذا رفعوا آصواهتم انعزل الش يطان عهنم يبيك ويقول ‪:‬‬
‫ايوياله قد حتصنوا مين ‪ .‬ويروى آيضا آن الش يطان اذا مسع الذان آدبر‬
‫وهل رضاط وذ ك لئال يسمع اذلكر من االنسان ‪ ،‬فيشهد هل يوم القيامة ‪،‬‬
‫لنه اليسمع صوت اذلاكر شئ ويشهد هل حىت آعداؤه ‪ ،‬وهو آعداء العداء‬
‫وهو عامل بذ ك ‪ ،‬فمل يلبث عند سامع اذلكر لئال يتحمل الشهادة وهو‬
‫منطوي عىل احلسد والعداوة لالنسان ‪ ،‬فعليك ابذلكر لئال يتسلط عليك‬
‫فميكل قلبك فيلق اليه الشك فامي وعد هللا ويأمره ابلفحشاء ليجري به يف‬
‫معايص هللا م ينظر به الشك يف املوعود اىل الشك املوعد ‪ ،‬وينظر به‬
‫من املعايص والفحشاء املوقوع يف ورطات اجلحود ‪ ،‬آعاذان هللا من ذ ك‬
‫وحفظنا وآحبابنا واملسلمني { الش يطان يعدمك الفقرويأمرمك ابلفحشاء وهللا‬
‫يعدمك مغفرة منه وفضال وهللا واسع علمي } [ الية ‪ 268‬البقرة ] فأشار بسعة‬
‫العمل اىل آنه مل خيرج عنه شئ من المرين ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫اذا علمت آن داع الرش مل يـــمن واليزال لقلب العبد ملــــــــــزتم‬
‫التغفلن عن اهل اخلـــــــلق آمجعهم اخلالق البارئ املوصوف ابلصمد‬
‫يكفيك مهك ومه احلاسب اخلصــم ويس تدر منوح الفتح ابملـــــــدد‬

‫‪526‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فاذا آردت آن تعرف احلمكة يف تسليط هذا العدو الطريد عىل العبد فاعمل‬
‫آنه مل يسلطه اال ليوصكل اليه كام قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( امنا جعهل عدوا ك ليوحشك به اليه ‪ ،‬وحرك عليك النفس ليدوم اقبا ك‬
‫عليه )‬
‫احلمكة يف جعهل عدوا ك وحتريك النفس اىل امليل اىل الطبع اجلبيل ‪،‬‬
‫وحرك الش يطان بشدة العدو وحتريضه عىل االنسان بش ياطني االنس‬
‫واجلان ‪ ،‬مفهنم الرجال والفرسان ‪ ،‬واستئصال املال والودلان ‪ ،‬لتعمل آن‬
‫ال ك عىل حماربته قوة ‪ ،‬والملناضلته عدة اال االلتجاء اىل س يدك ليكفيك‬
‫رشه ‪ ،‬فهو القوي القادر الويل القاهرة ‪ ،‬اذلي يقهر عن عباده لك عدو‬
‫ابطن وظاهر ‪ ،‬فاكن هبذا االعتبار نعمة من حيث آنك وصلت بسببه اىل‬
‫رصف عبودية هللا اليت قطب دائرهتا االلتجاء واذلةل واالفتقار ‪ ،‬وعدم‬
‫احلول والقوة يف دفع مانزل ‪ ،‬ووصول لك مراد اال ابهلل ‪ ،‬وقد آجلأك به‬
‫اىل ذ ك احلال حيث نظرت شدة عداوته وحرصه عىل اهالكك وكرثة‬
‫جنوده ‪ ،‬والطاقة ك عىل مقاومته اال ابهلل فاس تعذت به الئذا ‪.‬‬
‫وكذ ك النفس حركها وحتراكهتا بظفر سائر العداء من الش يطان وادلنيا‬
‫والهوى ‪ ،‬فرييد االلتجاء واحلذر ‪ ،‬وتش تد االس تعانة واالس تغاثة‬
‫واالستبصار ابملوىل القوي القادر عىل لك من عاداه ‪ ،‬فاكن يف ذ ك اقبال‬
‫بلكية العبد ابطنا وظاهرا ‪ ،‬فيكون آيضا نعمة عظمية ومنة جس مية يف حق‬
‫من رزق فهام ذل ك ‪ ،‬لنه لكام قوي العدو زادت الرضاعة اىل هللا يف دفعه‬
‫والسالمة منه وذ ك مخ العبادة ‪ ،‬والنفس آشد من الش يطان لن‬
‫الش يطان اليصل اال بواسطهتا ‪.‬‬
‫‪527‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫رآى بعض املاكشفني الش يطان فقال هل ‪ :‬كيف تصل اىل االنسان ؟ فقال‬
‫‪ :‬ايهذا مادامت الشوكة قامئة والكفتان معتدلتان السبيل يل عليه حىت‬
‫متيل النفس اىل كفة الهوى فأتسلط عليه ابالغوى ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ماجعل هللا للش يطان ذي احلسد اال ليلجيك اىل ذي الفضل واملدد‬
‫وحرك النفس يك تقبل اليـــه وال ترى لضعفك دون هللا مـن عــــدد‬
‫م ملا آهنيى الالكم عىل العدو البعيد آخذ يبني ك العدو القريب ‪،‬‬
‫فعداوهتا لالنسان عتيدة ‪ ،‬وفهم دقائقها بعيدة ‪ ،‬ويه يف آصالهتا تطلب‬
‫العلواملباين ملقام العبودية ‪ ،‬فأمر العبد بردها ووضعها دون مس تحقها لتقوم‬
‫عىل مس تحقها فريدها لها واضعا ومس متواضعا ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض‬
‫هللا عنه ‪:‬‬
‫( من آثبت لنفسه تواضعا فهو املتكرب حقا ‪ ،‬اذ ليس التواضع اال عن رفعة‬
‫‪ ،‬مفىت آثبت لنفسك تواضعا فأنت املتكرب حقا )‬
‫من آثبت آحمك يف ذهنه وحقق يف خميلته لنفسه اليت نأت به عن حرضة‬
‫ربه ‪ ،‬وآوقعته يف بلقع قاع قطيعته ‪ ،‬وآثبت آن تواضع آي ردها عن علوها‬
‫اىل حمل ضعهتا وذل عبوديهتا ‪ ،‬فهو املتكرب حقا ‪ ،‬لن استشعاره الرفعة لها‬
‫عني الكرب وان ظهر مهنا ضد ذ ك ‪ ،‬فالشان آن يكون التواضع لها وصفا‬
‫بأنه مل يردها اىل اال اىل ماهو حملها فيكون متضعا المتواضعا فيكون عند‬
‫نفسه وضيع الصل لنه اليشهد عدهما ‪ ،‬وحيمل قدهما ‪ ،‬فبشهودها لصلها‬
‫يعرف الحماةل قدرها وحملها ‪،‬فاليكون ردا لها اال عن غري مس تحقها ‪ ،‬واكفا‬
‫لها عند اعتداهئا اىل ماليس لها ‪ ،‬قال هللا تعاىل { آوال يذكر االنسان آان‬

‫‪528‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫خلقناه من قبل ومل يك شيئا } [ الية ‪ 67‬االرساء] اشارة اىل معرفة الصل ‪،‬‬
‫فاذا اكن الصل العدم والفصل العجز فكيف اليكون وضيعا يف نفسه ‪،‬‬
‫ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫من آثبت آن التواضع منه مفتعل فذاك كرب كذا يشهده من خربا‬
‫ولكن الشان آنك غري منتــــــقل من العدم هكذا يعرفه من نظرا‬
‫فان قلت كيف الشان يف التواضع والعبد مأمور به ؟ فنقول ‪ :‬آن تعمل كام‬
‫قال املصنف ريض هللا عنه حيث قال ‪:‬‬
‫( ليس املتواضع اذلي اذا تواضع رآى نفسه فوق ماصنع ـ ولكن املتواضع‬
‫اذلي اذا تواضع رآى نفسه دون ماصنع )‬
‫هذا مزيان يقاس عىل ادلوام يعرف به املتواضع ويظهربه آحوال املتواضعني‬
‫من املتكربين ‪ ،‬فاملتواضع حقيقة هو اذلي لكام نزل مزنال من منازل الضعة‬
‫رآى نفسه دون ذ ك ‪ ،‬واليزال كذ ك حىت اليرى آنه فوق شئ من خلق‬
‫هللا ‪ ،‬واليثبت لنفسه حاال والمقاما ‪ ،‬حىت لو اجهتد لك حاسد وعدو يف‬
‫تنقيصه مل يقدروا عىل آن يزنلوه من اذلةل مزنةل ‪ ،‬فاليغضب اذا آوذي ‪،‬‬
‫واليضجر اذا استسخر به بل يرى ذ ك اكلعالمة ‪ ،‬واليكره اذا ريم‬
‫بكبائر الفواحش آوعظامئ اخلزااي ‪ ،‬ويرى آنه يف الطاعات جار فهيا حبمك‬
‫الفضل ‪ ،‬اليرى نفسه آهال للفضيةل والحمال حلصول وس يةل ‪ ،‬بل يرى‬
‫رصف منة هللا يه اليت انلته ‪ ،‬ورمحته وصلته ‪ ،‬فنودي بذ ك النظر‬
‫الحماةل حق الشكر هلل ‪ ،‬ويؤمن عليه من غائالت ادلعوى وخدائع االدالل‬
‫‪ ،‬والعجب ومعاطب الكرب ورصعات الفخر ‪.‬‬

‫‪529‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وللمتواضعني يف ذ ك آاثر من ظهور التبذل يف الهيئات واالظهار ‪ ،‬مفىت‬


‫نظروا قلوهبم قد آبتليت بشئ من رؤيهتا اس تعملوا مايناقض مايه متخيةل‬
‫‪ ،‬واذا اجهتدوا يف تغيري الظاهر حبسن النية وثبات العزم هدى هللا قلوهبم‬
‫اىل تعبري مايه به متصفة ‪ ،‬فاالجهتاد مقني ابلهداية ‪ ،‬قال هللا { واذلين‬
‫جاهدوا فينا لهنديهنم س بلنا } جاهدوا فينا رشيعة ومعال لهنديهنم طريقة‬
‫واخالصا { وان هللا ملع احملس نني } [ الية ‪ 10‬العنكبوت ] شهودا وثباات‬
‫وحقيقة وعياان ‪ ،‬واس تغراقا ومتكنا ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فللتواضع مزيان يقوم بــــــــــــــــه لهل املقامات تعديل ورحجـان‬
‫مفن رآى آنه من دون موضــــــعه فذاك حقا هو املميون ايانســـان‬
‫ومن رآى نفسه من فوق ذاك فال تشك يف هجهل ان كنت يقظان‬
‫فلام اكنت العامل لكها من حيث نسبهتا اىل العبد فهي انقصة الختلو عن‬
‫شائبة العيوب القادحة يف قبولها ‪ ،‬ومن حيث ماالعبد فهيا بشهود هللا فهي‬
‫النافعة الساملة من شوائب النقص ‪ ،‬واليكون كذ ك حىت يبادي نفسه‬
‫وقلبه وروحه طوارق املنح الوهبية فتغمره بأنوارها ‪ ،‬فزيكوا ويصلح‬
‫للتقريب من احلبيب ‪ ،‬ويدخل يف زمرة الصادقني ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف‬
‫ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( التواضع احلقيق هو مااكن انش ئا عن شهود عظمته وجتيل صفته )‬
‫اذا علمت التواضع ورشفه فاعمل آن منه حقيقة ومنه جماز ‪ ،‬ومنه مايكون‬
‫مس تعمال ‪ ،‬ومنه مايكون اتصاف ؛ مفجاز التواضع هو مايس تعمهل العبد‬
‫يف ظاهر احلراكت والسكنات ‪ ،‬وذ ك متوقف عىل اخالصه هلل كسائر‬
‫‪530‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫العامل احلس ية ‪ .‬ومن التواضع ماهو حقيقة وهو ماذكره املؤلف رمحه هللا‬
‫هاهنا وهو الناش ئي عن ملعان جتيل عظمة هللا اليت خضع لها لك طائل ‪،‬‬
‫وتصاغر دلهيا لك كبري ‪ ،‬وقل لها لك خطري ‪ ،‬وتدكدكت لها مص اجلبال ‪،‬‬
‫وذابت نفوس البطال ‪ ،‬وهتيلت مهنا الصخور فصارت هميل ‪ .‬واذا جتىل‬
‫نور العظمة عىل النفوس ذابت والنت وسكنت ‪ ،‬ومامل يتجىل عليه نور‬
‫العظمة واليفارقها الكرب واالرتئاس ومشاركة الربوبية ‪ ،‬ودعوى كامل‬
‫اللوهية ‪ ،‬فتواضعها بدون شهود العظمة تكرب عند حتقيق النظر وحتديد‬
‫البرص ‪ ،‬والتواضع احلقيق هو مااكن انش ئا عن جتيل سلطان الرهبوت‬
‫وانبساط آنوار اجلربوت ‪ ،‬وظهور حقائق الالهوت ‪ ،‬فعند ذ ك يندك‬
‫اتبوت الناسوت ‪ ،‬وحتيا املعامل القلبية ‪ ،‬ومتوت الشهوات ‪ ،‬وختمد نريان‬
‫النفوس ابنسجام حسائب التقديس ‪ ،‬وتذهب صورالتلبيس ‪ ،‬وتضمحل‬
‫وساوس ابليس ‪ ،‬وتظهر آعالم الوالية وتنرش عىل جيد الرواح آعالم‬
‫الفالح وآايت الصالح ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ان التواضع حقـــــــــا لك مانتجت آعالمه عن جتيل عظـــمة هللا‬
‫الميحون صفات النفس ان ظفرت اال ظهور جتيل وصفه الضايه‬
‫فالكرب وصف يف النفس الميحوه عهنا اال الوصف العيل والتجيل الزيل ‪،‬‬
‫كام آن الظلمة صفة يف الليل التفارقه اال ابرشاق نور الهنار وطلوع‬
‫الكواكب والمقار ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( الخيرجك عن الوصف اال شهود الوصف )‬
‫الخيرجك عن ايصاهل عدمك وشائعتك ‪ ،‬وتنويه آنيتك ‪ ،‬وجحبته حسك‬
‫ووصف غرييتك وحمك آثريتك اال شهود وصفه الاكمل الواجب الوجود ‪،‬‬
‫‪531‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ونعته ابلرشوط ال اباللتحاد كام يتومهه آهل االحلاد ‪ ،‬اال آنه لكام اكن آشد‬
‫تعلقا وختلقا بصفات هللا اكن هبا آكرث تولعا وتعلقا ‪ ،‬ولكام اكن كذ ك اكن‬
‫عن صفاته آذهل وآغفل ‪ ،‬فال يزال كذ ك حىت ينىس صفاته ويبقى‬
‫مس تغرقا يف صفات مشهوده ‪ ،‬وعن ذاته متالش يا عند خطفات ملعان‬
‫ذاته ‪ ،‬والياكد هل شعور بوجوده الس تغراقه واحرتاقه حتت جتليات آنوار‬
‫موجوده حىت يكون هبا ينطق لغيبته عن نطقه ‪ ،‬وهبا يبرص لغيبته عن‬
‫برصه كذ ك بقية صفاته ‪ ،‬والوصف اذلي يطلب اخلروج منه وصف العبد‬
‫والوصف املذكور اثنيا اذلي يطلب التعلق به هو وصف الرب س بحانه‬
‫ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫الخيرجك عن وجود الوصف ابلعدم اال جتيل شهود الوصف ابلقدم‬
‫ان الوجود اذاماكنت من عــــدم يقوم ك شاهد واللك اكخلـدم‬
‫فأول ماتظهر عالمات االميان عىل العبد ابنكامشه يف عبادة الرمحن ويظهر‬
‫شكر اجلنان ابلثناء منه ابللسان عىل ذي الطول واالحسان ‪ ،‬والعطاء‬
‫واالمتنان ‪ ،‬قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( املؤمن يشغهل الثناء عىل هللا تعاىل عن آن يكون لنفسه شاكرا ‪ ،‬ويشغهل‬
‫حقوق هللا عن آن يكون حلظوظه ذاكرا )‬
‫املؤمن اذلي يعرف آنه مس تعمال هلل حبمك العبودية ‪ ،‬وجمبورا حتت حمك‬
‫الربوبية ‪ ،‬واليشهد آن هل فامي يفعهل من الفعال امجليةل حقا بل يرى حمض‬
‫تفضيل من هللا فاليطلب جزاء بل حيمهل صدور الطاعات عىل يديه عىل‬
‫افراغ الوسع يف شكر من من هبا عليه وآههل لها ‪ ،‬فاذاشكرها آي النفس‬

‫‪532‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫يف شئ ‪ ،‬آورآى آنه لها فيه فذ ك الحماةل قادح يف صدق العبودية ‪،‬‬
‫ودليل عىل وجود احلجبية ‪.‬‬
‫ومن لوازم االميان وشواهد االيقان يف سويداء اجلنان آن ينىس العبد حظه‬
‫يف آداء حق ربه اكئنا ذاك احلظ مااكن ‪ ،‬سواء دنيواي آوآخرواي يعيده ‪،‬‬
‫لنه آهال للعبادة الهراب من شقاوة آوطلب سعادة ‪ .‬ويف ذ ك تقول رابعة‬
‫العدوية ريض هللا عهنا ‪ :‬آحبك حبني ؛ حب الهوى وحب لنك آحب‬
‫ذلااك ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ان الثناء عىل املنان يشغل مـــن اميانه اكمل يف هللا والقـــــــــــــدر‬
‫عن ان يرى نفسه يف فعل مكرمة وضد ذاك هو املطلوب للغـــــــري‬
‫وحق س يده آقىص مأربــــــــــــه يغيب عن حظه بل يطلب النظر‬
‫م بني شاهد االميان اذلي قال فيه صىل هللا عليه وسمل " اليؤمن آحدمك‬
‫حىت يكون هللا ورسوهل آحب اليه مماسواهام " فقال اذا كنت مؤمنا عىل‬
‫ماذكران فأنت حمب ‪ ،‬وللمحب عالمات ‪ ،‬فقال يف بعض دالالت احملبني ‪:‬‬
‫( ليس احملب اذلي يرجو من حمبوبه عوضا ‪ ،‬آويطلب منه غرضا ‪ ،‬فان‬
‫احملب من يبذل ك ‪ ،‬ليس احملسن من تبذل هل )‬
‫ليس احملب الطالب مرضاة حمبوبه والظفر بغاية مطلوبه يس تقل بذل الوسع‬
‫يف لك آمر يقربه اليه ‪ ،‬بل يرى بذهل لكية وسعة غاية القصور ‪ ،‬ورضاه‬
‫عنه منهتيى احلبور فضال عن آن يكون راجيا يف مقابةل مايبذهل نيل حظ‬
‫آوطلب جزاء اذا آقبل منه لكيته ‪ .‬واحملب يشريون به اىل السا ك الطالب‬
‫فهو يتعشق ويطلب احلبيب بطريق الس باب ويقرع الباب ‪ ،‬ويدمي‬
‫الترضع واالنتحاب ‪ .‬وهل عالمات تدل عىل صدقه يف حمبته ‪ ،‬مفن مجةل‬
‫‪533‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫تكل العالمات االنكامش ابللكية يف مرضاة حمبوبه ‪ ،‬اليلتفت يف ذ ك اىل‬


‫حظ ‪ ،‬واليعرج عنه اىل وعظ ‪ ،‬يفرح بوجود البالء فيه كفرح غريه‬
‫ابلنعمة ‪ ،‬يتذلذ ابدلالل كتذلذ غريه بروح الوصال ‪ ،‬يغيب املس تقبل‬
‫واملايض واحلال ‪ ،‬يتأهل بذكر احلبيب ‪ ،‬تأهل الوليد اىل الم ‪ ،‬فيجري اذلكر‬
‫هل جمرى الغذاء ‪ ،‬اليبقى بقية فيه لغريه ‪ ،‬والحيب آن يكون هل يف الوجود‬
‫التفات اىل سواه حىت يعيد يف حمبته قواه ‪ ،‬فااللتفات اىل الغيار والرجوع‬
‫اىل الاثر آكرب عار عند احملبني الخيار ‪ ،‬واليعلقون الطامع جبنة آوهرب‬
‫من انر ‪ ،‬بل خيشون من عقار نظري من روهحا آرسار نعمي يف صورة انر ‪.‬‬
‫واحملبة من حيث حمبة هللا وحمبة غريه مفحبته س بحانه مزنهة عن العراض‬
‫وعالمات العراض ‪ ،‬بل يه آمر معنوي يس تقيص لكيات احملب من غري‬
‫سبب حيس ويه آم املقامان وآعظم الكرامات ‪ ،‬هبا قام الوجود وظهر ‪،‬‬
‫والهيا ترجع لكيات الش ياء والهيا ينهتي لك معىن س امي وقد جعلها عني‬
‫معرفته لنفسه وخللقه ‪ ،‬فتحركت قبضة احملبة يف بطن اذلات فتعينت‬
‫الصفات ‪ ،‬م يف آرسار الصفات فقامت السامء مفصحات بأعيان‬
‫املكوانت ومنزتحة عن رفيع ادلرجات ونظارة املقامات ‪ ،‬ومنازل الكرامات‬
‫يف اجلنات ‪ ،‬وبسطت آوراق رمحهتا عىل آكناف الرض والسموات ‪،‬‬
‫فوسعن الش ياء احلس يات واملعنوايت برمحهتا وعلمها ‪ .‬وآما من حيث‬
‫اخللق واطالق امس احملبة فامي بيهنم مفرجعها اىل آمور حمبوبه موافقة ملزاج‬
‫احملبة من اللوان وحبل الصفات ولو ابلعمل وادلالالت ‪ ،‬مكحبة النبياء عند‬
‫من مل يرمه ‪ ،‬والولياء والعلامء عند آتباعهم ومقتف طرقهم ‪ ،‬فيحبوهنم ملا‬
‫انتقل الهيم من حسن الصفات ‪ .‬وآما مالحة الصور املس تحس نات‬
‫‪534‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فيحبونه آيضا طبعا ‪ ،‬فاذا تقرر ك ذ ك فاحملبة هلل من خلقه هبذا االعتبار‬
‫المتايل لنك ان اعتربت حسن الصفات انهتت اليه س بحانه سائر‬
‫الكامالت يف سائر الصفات ‪ .‬ولك حسن مفس تعار حس نه مهنا بطريق‬
‫الفعل الابذلات ‪ ،‬وان اعتربت املالحة فال مناس بة بني الصور ومصورها‬
‫‪ ،‬واملبدعات ومبدعها ‪ ،‬كيف وقد علمت آنه اذا كشف لهل اجلنة يف‬
‫اجلنة يندرج يف آول نظرة النعمي مجيع اجلنان ‪ ،‬ويتالىش يف جنهبا سائر‬
‫اذلات ‪ ،‬فهو حمبوب بلك معىن ‪ ،‬وآقل ماجيب من اليطمع نظره اىل هذه‬
‫املالمح غذاه وقوام جسمه ومالذه ادلنياوية ‪ ،‬وابلرضورة يعمل يقينا آهنا‬
‫التصدر عن سواه ‪ ،‬واليأيت اال من فضهل ومعمي بذهل ‪ ،‬فال آقل آن حيبه‬
‫ملايغذاه ‪ .‬قال صىل هللا عليه وسمل آحبوا هللا ملايغذومك ‪ ،‬وآحبوين من آجهل‬
‫‪ .‬وللمحبني آعامل ولطائف آحوال ‪ ،‬مفن العامل آن اليراه حيث هناه ‪،‬‬
‫واليفقده حيث آمره ‪ ،‬يراع احلقوق يف لطائف النفاس ومس متر الوقات‬
‫‪ .‬ومن مجةل لطائف الحوال التعلق بذكره والتولع حببه واس مترا علقم البالء‬
‫يف جنبه ‪ ،‬فاليعباء مبا يناهل فيه وان بلغ غاايت التعب ‪ ،‬واليطلب آيضا‬
‫يف مقابةل صربه عىل ذ ك احامتهل مايتوقع غريه من الثواب ‪ ،‬بل هو وقف‬
‫عىل حمبته كيف مااكنت احلال ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ان احملب وان طالت بليـــــــــتــه الجيزعن عن البـــــــــــلوى واليسأم‬
‫ان اكن حال عن احلب ارتىض سبب فمل يمل بقلب الصب مـــــــــــــرتسم‬
‫لو كنت قد ذقت ماعنفت مرتقيا آن يرعوي عنـــك ما نسعت ايفــــدم‬
‫فللمحبني ذنوب بني اخللق مل تكن لغريمه وآعظمها التفات اىل غري حمبوهبم‬
‫آوقصد غري مقصودمه ‪ ،‬فريمح هللا الش يخ معر بن الفارض حيث قال ‪:‬‬
‫‪535‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ويل عندها ذنب برؤية غريها ‪ .‬وهلم معامالت دون غريمه وهو آهنم‬
‫يتحرون لكام يزيد يف صفاهئم وان قل عند غريمه ‪ ،‬واحتساب مايكدر‬
‫علهيم شهودمه وان اكن خطريا عند سوامه ‪ ،‬يتفقدون مراتع قلوهبم بصدق‬
‫املعامةل ولطف املنازةل كام اكن آحصاب رسول هللا صىل هللا عليه وسمل‬
‫يرون ذ ك يف مزيد امياهنم وشهود احساهنم عند لك آية كام قال س بحانه‬
‫يف شأهنم { واذاما آنزلت سورة مفهنم من يقول آيمك زادته هذه امياان فأما‬
‫اذلين آمنوا فزادهتم امياان ومه يس تبرشون } [ الية ‪ 124‬التوبة ] وهذه‬
‫الزايدة الهناية لها ويه عند لك انسان حبسب ماعنده ‪ ،‬مفهنم الكثري ومهنم‬
‫الكرث ‪ .‬ومن دالئل احملبة النس ابحملبوب واالستئحاش مما سواه اذ مل حيبه‬
‫اال من عرفه ‪ ،‬ومن عرفه مل يس تأنس اىل غريه ومل يرى يف الكوان وجود‬
‫الغرية ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ان احملب بأنس هللا معــــــــــــمور يف روضة من رايض القلب حمبور‬
‫فكيف يأنس آنس دون ســـــــيده آم كيف يسكن اىل اجلنات واحلور‬
‫لو مل يكن م مهنم غري مكـــــــــرمة ومن لطيف الرضا يف مرشق النــور‬
‫وكشف جحب عن البصار قاطبة ماطاب عيش والوصف القواريـــر‬
‫فاذا علمت آن احملب هو السا ك فالبد للسلوك من تعريف ماهو وماحده‬
‫‪ ،‬وهذه حمكة من هللا جارية ‪ ،‬وس نة يف عباده آن جعلهم سا ك وجمذوب‬
‫وحمب وحمبوب ‪ ،‬وآن السا ك آوال ايخذ يف طريق التقرب واحملب يف‬
‫طريق التحبب ‪ ،‬ومل تكن هناك طريق حس ية لوجوب التزنيه عن التجرب‬

‫‪536‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫والمتزي واجلهة ‪ ،‬جفعل هللا النفس ميدان السلوك ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف‬
‫ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( لوال ميادين النفوس ماحتقق سري السائرين ؛ اذ المسافة بينك وبينه حىت‬
‫تطوهيا رحلتك ‪ ،‬والقطعة بينك وبينه حىت متحوها وصلتك )‬
‫لوال ماس بق يف علمه وظهر يف تبليغ حمكه من آنه يظهر رس عبوديته‬
‫ليعرف كامل ربوبيته ‪ ،‬ويغاير بني مظاهر آلوهيته ليتحقق احتاد هويته ‪،‬‬
‫جفعل النفوس مظهر رس العبودية ‪ ،‬وجعل فهياميادين اجلهاد ‪ ،‬لنه آودع‬
‫فهيا من آرسار امجلال وبدائعه ويه يف مركز العدم والظلمة ‪ ،‬مفا ييل مهنا‬
‫جانب امجلال والوجود هو مركز القرب والشهود ‪ ،‬وماييل مهنا جانب‬
‫العدم والظلمة هو مظهر البعد واجلحود ‪ ،‬ذل ك اكنت حمل اجلهاد ومعدن‬
‫الرضب والطراد ‪ ،‬ونسل من معودها حداد االجهتاد ‪ ،‬وهذا هومراد‬
‫الصوفية ريض هللا عهنم فامي يعربون ويشريون اليه من الطريق ‪ ،‬ومواضع‬
‫هذه الطريق كثرية حبسب ما آودع يف النفس من لطائف الوجود وبدائع‬
‫الشهود ‪ ،‬كذ ك الينهتي ترقهيا عند خروهجا عن عامل الظلامت وجحبهتا ‪،‬‬
‫ويسمونه الطائفة اذلهاب فيه والسري آيضا فيه بعد انهتاء السري اليه اذلي‬
‫هو التخلص عن جحهبا الظلامنية وكثائفها الظلامنية ‪ ،‬فبعد الفراغ عن‬
‫املنازعات بني عامل النور والظلمة ‪ ،‬والتخلص عن شدة اللزام وقوة‬
‫اخلصام يكون االنضامم ‪ ،‬ويعود بدرها اىل الامتم فتكون لسائر العوامل امام‬
‫يف لك مقام ‪ ،‬كيف منهتيى حمتدها اخلتام اذلي خيمت به عىل لك عامل ومقام‬
‫‪ .‬م ايخذ يف السري فيه به عند الامتم فالغاية هل اىل مقام ‪ ،‬واليعرب عام‬

‫‪537‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وراء ذ ك بالكم ‪ ،‬يف عامل ادلميومية وتريق اخلتام ‪ ،‬عليه آفضل الصالة‬
‫والسالم ‪.‬‬
‫وآول مسافات السالكني اىل هللا التوبة ‪ ،‬وآول مفاتيح الحوال االخالص‬
‫‪ ،‬وآول مفاتيح املقامات احملبة ‪ ،‬وبني هذه مسافات عديدة وآحوال‬
‫ومقامات اىل ماال يتناىه ‪ ،‬فلك انزل مزنل من منازل الطريق آومتحل‬
‫حبال من آحوال آهل التحقيق ‪ ،‬آوقامئ يف مقامات آهل آعىل رفيق ‪،‬‬
‫يكون مريدا ملا مل ينل مرادا لغريه مفاانل ‪ ،‬ولكام اكن آعىل اكن آشد تعطشا‬
‫وآوىق طلبا وآكرث افتقارا وهكذا آبدا ‪ .‬والقطعة اليت متحوها الوصةل‬
‫احلس ية حماةل عليه س بحانه كام اكن حماةل عليه املسافة اليت تقطعها الرحةل ‪،‬‬
‫اذ القطعة يه البعد ويه آقرب اليك من حبل الوريد ‪ ،‬واملسافة اليت‬
‫يقطعها الرحةل اليتصور وهو احلائل بني املرء وقلبه ‪ ،‬وآقرب اليه من نفسه‬
‫ومن لك شئ { وحنن آقرب اليه منمك } اذا علمت اس تحاةل هذه‬
‫االطالقات عليه يف ظاهر احلس واملعىن علمت آن مراد املصنف كغريه‬
‫من مشاخي الطريق ‪ ،‬ان املسافة مسافة النفس ويه ترجع اىل معامالت‬
‫ومنازالت يعرب عهنا بعبارات ‪ ،‬فاكنت تكل العبارات مفصحة عن لطيف‬
‫هذه العامل ‪ ،‬وحتقيق هذه االشارات ‪ ،‬وتعدادها حيتاج اىل افراد كتاب‬
‫كام آفرده االمام الغزايل وحقق فيه احملاس يب وغريمه ‪ :‬كيب عبدالرمحن‬
‫السلم فأفرد لهذه امليادين آعداد كتب ويه حقيقة بذ ك ‪ ،‬وهجاد النفس‬
‫عندمه هو ما انهتيى عن مقتىض طبعها اجلبيل ‪ ،‬وفنا عاملها احليواين ‪،‬‬
‫وذهاب داعهيا الش يطاين ‪ .‬وذل ك معامالت هبا يتوصل اىل ذ ك مع‬
‫توفيق هللا وتأييده ‪ ،‬مفن آعظمها وآقدهما آن تعرفها من غريك ‪ ،‬ممن حقق‬
‫‪538‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫علمها وآتقن حمكها من مشاخي الطريق وعلامء التحقيق املتفرغني الرشاد‬


‫العباد ‪ ،‬خبفااي دقائق مطالباهتا يف سائر حراكهتا وسكناهتا ولكيات‬
‫معامالهتا فينبغ آوال للمريد آن يطلب مرشدا مفيدا خيرجه عن التلبيس ‪،‬‬
‫ويعرفه حصة املقاييس ‪ ،‬م يعرض ذ ك عىل نفسه فرياها متلبسة بلك فعل‬
‫ولك قول ومعل ‪ ،‬ويراها متلخطة للك قاذورة فيطلب التوبة النصوح ‪،‬‬
‫ويعلمه طرقها ويهنج به يف سبيلها ‪ ،‬فياخذ يف آس باهبا وجيد يف طالهبا‬
‫حىت تصح هل التوبة ‪ ،‬وهكذا يرقيه من مقام اىل مقام حىت يبلغ به اىل‬
‫آقىص مقام ‪ ،‬فهيذب ظاهره بصحيح الكمه املريد بكتاب هللا وس نة‬
‫رسول هللا صىل هللا عليه وسمل ويريب ابطنه ويغذيه مبنازالت آحواهل‬
‫وهواطل غاممي آرساره ‪ ،‬ويقيه وحيذوه من انر آنواره ‪ ،‬فيصطيل اذ ذاك يف‬
‫غلس وخياطب من جشرته ويتحىل بأرسته ‪ .‬ومن مل ايخذ عىل ماذكران‬
‫اليفلح وان بلغ يف اجملاهدة لك مبلغ ‪ ،‬ومل يبلغ بل يتعرث يف آذايل الهوى‬
‫ويسدح بفضيع ادلعوى ‪ ،‬اليرجع يف آمره اال اىل نفسه اليت هو مأمور‬
‫ابخلروج عهنا ‪ ،‬فكيف وقد آعلمه ابرهيا وخالقها آن اليوخذ مهنا لك عدل ‪،‬‬
‫فلو مل يكن اال ذ ك لاكن اكفيا ذلوي العقول الصحيحة ‪ .‬وآما من سكل‬
‫الطريق ومل يطلب الرفيق مفعرض للفات والتعويق ‪ ،‬فف احلديث "‬
‫الرفيق م الطريق ‪ .‬والش يخ هل عالمات اذا وجدت حص االقتداء به ‪ ،‬فان‬
‫اكن عنده البعض فامي وجدت حبمكه ابملش يخة فهيا ‪ ،‬ومافقدت فتعامهل‬
‫ابلخوة فامي مل توجد ‪ ،‬مفن مجةل تكل العالمات العمل الصحيح فاليصح‬
‫االقتداء مبن مل يصح هل يف العمل مقال ‪ ،‬اذ ابلعمل يبلغ منازل الرجال ‪،‬‬
‫وذوق رصحي فامي يعلمه يكون متصفا الواصفا ‪ ،‬فعمل الواصف غري املتصف‬
‫‪539‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫الينجع يف القلوب ‪ ،‬والينقل اىل فتح الغيوب ‪ ،‬ومهة عالية عن لك‬


‫مايوقف دون هللا من سائر املطالب حىت يربح بني يدي هللا فيقول ‪:‬‬
‫هانت وربك والنت وش مي مرضية عن لك فعةل دنية ‪ ،‬التعرتيه اهلموم‬
‫ادلنياوية ‪ ،‬واليؤذي اجلليس واليوحش النيس ‪ ،‬اليرفع آحد السبب‬
‫واليطعن يف نسب ‪ ،‬يكرم اخللق هلل حبسب منازهلم اليتعدى مراد هللا‬
‫فهيم ‪ ،‬مع قيامه بأمر هللا علهيم ‪ ،‬اىل غري ذ ك من ماكرم الخالق وبصرية‬
‫انقدة ‪ ،‬يزنل لك طالب عىل حسب مزنلته يف غيب الزل ‪ ،‬ويعمل من‬
‫املريد خفااي العلل اليت تنبوا عهنا العني الظاهرة ‪ ،‬والتدرك ابحلاسة‬
‫الفاكرة ‪ ،‬بل بنور الفراسة اليت نطق عهنا احلديث حيث قال صىل هللا‬
‫عليه وسمل " اتقوا فراسة املؤمن فانه ينظر بنور هللا " فهذه العالمات من‬
‫بعض عالمات الش يوخ اذلي يلقى املريد نفسه ‪ ،‬فاذا وجد من هذا نعته‬
‫فقد عرث عىل آعز من الكربيت المحر يف زمانه ‪ ،‬فلنعض عليه ابلنواجذ‬
‫فانه من اخللفاء الراشدين والهداة املهتدين ‪ ،‬اذلين مه خلفاء س يد املرسلني‬
‫يف القيام بدعوته واحياء سنته ‪ ،‬والهداة هبديه عىل واحض حمجته وظاهر‬
‫جحته { قل هذه سبييل آدعو اىل هللا عىل بصرية آان ومن اتبعين } [ الية‬
‫‪ 108‬يوسف ] وهذه اخلصال حتتوي عىل منصة رشعية وواحض طريقته وحصة‬
‫حقيقته ‪ ،‬مفن اتصف هبا اتصف هبا ووجدت عنده فقد حصل عىل لكية‬
‫اتباع ‪ ،‬ومن اكن كذ ك اكن داعيا عىل بصرية من ربه ‪ ،‬وما آعز من هذا‬
‫وصفه ‪ ،‬وآغرب من هذه اخلصال نعته ‪ ،‬فانه حيفظك يف غيبته ويهنضك‬
‫يف حضوره ‪ ،‬وهيديك يف سائر آموره ‪ ،‬ويفيض عليك من فائضات‬
‫نفحاته ‪ ،‬وتغمرك سابغات نظراته ‪ .‬بل لك وقت هل من هللا اخلصوصية‬
‫‪540‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ومزيد ‪ ،‬ينال براكهتا لك حمب ومريد من قريب وبعيد ‪ ،‬فاذا حصل‬


‫لسا ك رصحي الود يف قلوهبم مغرته من هللا مزيد الرحامت ‪ ،‬وانلته يف لك‬
‫آوان شوامل الرباكت ‪ ،‬لن قلوهبم موضع نظره ‪ ،‬مفا ترى جشرة يف آرض‬
‫قلوهبم كيف يغمرها هواطل مسوات الصفات يف لك نفس وحال ووقت ‪،‬‬
‫مفعرفهتم وحهبم واالقتداء هبم من آجل مواهب هللا لعباده ‪ .‬والش يخ هو‬
‫من شهدت هل ذاتك ابلتقدمي ‪ ،‬ودانت هل نفسك ابلتعظمي ‪ ،‬وهو اذلي اذا‬
‫واهجتك طلعته الهبية غيبت عنك املظاهر الكونية ‪ ،‬ووافقتك آنواره عىل‬
‫املشاهد احلقية ‪ ،‬مفن آخذك عن السوى وحرضت حبضوره مع املوىل ‪،‬‬
‫وذهبت دواع الهوى فهو اذلي ترسي فيك عبارته ‪ ،‬وحتلو دليك‬
‫امارته ‪ ،‬وهو اذلي ينطوي عندك مظاهر برشيته ‪ ،‬ويربح عليك آرسار‬
‫خصوصيته ‪ ،‬فاذا طلعت عليك آشعة بدور واليته ‪ ،‬وقابلتك آساريره‬
‫ومعتك تباشريه ظهر من قلبك ترجامن الوالية ‪ ،‬وآرشقت يف ليكل آفالك‬
‫العناية ‪ ،‬تبني ك صدق اخلرب ومعاينة حصة الثر ‪ ،‬وشاهدت صورة‬
‫حممكة حتكهيا صور ‪ ،‬فان قلت من آين آجد من هذا وصفه فاعمل آنه مل‬
‫يعوزك اال عدم الصدق يف الطلب ‪ ،‬فلو طلبت من يرشدك وايخذ بيدك‬
‫واضطررت اليه لوجدته يف وقتك قامئا ينادي بباب احلبيب ‪ :‬هل من‬
‫طالب آديب ‪ ،‬هل من مزمع منيب فاحلق قريب ‪ ،‬وطالبه غريب ‪،‬‬
‫فالوقت معمور والخيلو عن قامئ بأمر هللا ‪ ،‬موحض مبحجة هللا ‪ ،‬ولكن‬
‫جحاب العادات صد عن معرفهتم واالهتداء هبدهيم ‪.‬‬
‫وآما حمك املريد يف نفسه فينبغ هل آن يكون هل اجلد يف الطلب واليشوب‬
‫ارادته ابلعلل ‪ ،‬بل يكون قصده طلب رىض ربه والقيام حبقوق ربوبيته ؛‬
‫‪541‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اللينال رفيع مقال وس ين حال ‪ ،‬فلك من سكل لينال مل ينال ‪ ،‬ومن سكل‬
‫امتثاال لمر ذي اجلالل حفري آن يكرع مناهل الوصال ‪ ،‬ويكون معظم‬
‫تفقده خلفاايعيوب النفس ودواعهيا لئال يس تحيل حال من آحوالها فيكون‬
‫موقوفا معها ‪ .‬فقد قالوا ‪ :‬فرتة املريد خري من وقفته ‪ ،‬فالفرتة الرجوع لكن‬
‫يصحهبا االعرتاف فريىج لصاحهبا الرجوع اىل مواطن االرادة بأن يتوب عام‬
‫اجرتمه ‪ .‬وصاحب الوقفة يقف عند حال من آحواهل فيس تحليه فيظنه آنه‬
‫قد حصل عىل غاية املطلوب فكيف يتوب ‪.‬‬
‫ولرياع املريد رشه النفس يف ابتداء االرادة فاهنا رمبا تلكفه من العامل‬
‫فوق مايطيق ‪ ،‬وحتب ذ ك من غامض اخلديعة آن تبغض اليه العمل‬
‫فيطول هل المل ويثقل العمل ‪ ،‬فقد يعمل مع التحشم والجيده من حالوة‬
‫العبادة وذلهتا ماجيد من دخل يف العامل عىل االهمال والتثبت يف الحوال‬
‫‪ .‬وقد يدخل املريد يف بعض الرايضات عىل حسب ماوجده يف كتاب من‬
‫غري مراعاة للقوانني الرشعية ؛ فيرض ببعض قواه فيتعطل عليه مركبه‬
‫ويتعرس عليه مطلبه ‪ .‬وقد يوجد يف التحيل عىل غري رشطه وال اقتفاء فيه‬
‫واحضة الطريق جلههل هبا وبأداهبا ‪ ،‬فتظهر آحوال من نتيجة اخللوة غري‬
‫موافقة ملا عليه آهل الس نة فيظن آنه قد حصل عىل املراد ‪ ،‬فزيداد من‬
‫البعاد والعناد ‪ ،‬وذ ك لكه حيث مل يسكل عىل اشارات الواصلني والعلامء‬
‫احملققني آهل عني اليقني ‪ ،‬العاملني بأس باب احلقائق وقوانني السلوك ‪.‬‬
‫ومن آفات السا ك آن يبتىل ابلقبول عند اخللق واالقبال مهنم قبل آوان‬
‫االذن يف املقام للرتبية ‪ ،‬املؤيد بكامل االس تغراق يف الشهود والتحقق مبقام‬
‫االنفراد عن مظاهر التعديد ‪ ،‬والبون مع اخللق ابلرس مع كونه عبدا من‬
‫‪542‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫العبيد ‪ ،‬يقرب البعيد ويفهم البليد وللطالب يفيد وللفساد يبيد ‪ ،‬يرمح‬
‫الصغري ويوقر الكبري ويشكر القليل والكثري ‪ ،‬روحه يف معسكر املالء‬
‫العىل خطري ‪ ،‬ورسه يف اجلربوت نظري وجسمه يف فرش الرض مسري ‪،‬‬
‫يلقى من هللا ابلتحيات ‪ ،‬وتغمره آرسار الباقيات الصاحلات ‪ ،‬وينوب عنه‬
‫عند رب الربايت يف سائر الصفات ‪ ،‬ومن مل يكن كذ ك ومل حيظ‬
‫مباهنا ك فاقبال اخللق عليه فتنة ‪ .‬كيف ال والنفس جمبوةل عىل حمبة العلو‬
‫ملا فهيا من انفجاريته النارية ‪ ،‬فينبغ للصادق ان مل جيد من ايخذ بيده آن‬
‫يلجاء اىل هللا فامي يرس ويعلن يف آن يوفقه ملا هو احملبوب عنده ‪.‬‬
‫وآداب املريدين يف ارادهتم كثرية مفهنا ‪ :‬مايطلب مهنم االتيان به ‪ ،‬ومهنا‬
‫مايطلب مهنم االجتناب ‪ .‬ومن آفات السا ك آن يفهم االشارات للمحققني‬
‫وينطق بعلوهمم قبل آن يس تمكل رشائط حتققه ويذوق مايعلمه ‪ ،‬فيظن آن‬
‫ذ ك آي اذلي فهمه من االشارة هو املقصود دون التحقق به فيقف عند‬
‫ذ ك واليطلب االرتقاء اىل مرتبة اذلوق ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫لوال ميادين ساحات النفوس ملا حتققت يف طريق احلق آس ناها‬
‫فالسائرين اىل عني اليقني لهـــــم من رهبم يف منال القرب آعالها‬
‫فالمسافة يف بعد يكــــــون وال قطع فميحوا بسري احلسن مثناها‬
‫لكن اشارات آقوام هلم مهـــــــم يف مهنج احلق واملقصود علياهــا‬
‫فاذا علمت آن هللا س بحانه حبمكته البالغة مجع يف االنسان النور من حيث‬
‫لطائفه الروحانية اكلقلب والروح والرس ‪ ،‬والظلمة من حيث النفس‬
‫والهوى والشهوة ‪ ،‬وجعل فيه متسعا للضداد املتنافية ‪ ،‬فذ ك دليل عىل‬

‫‪543‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫آن آصل الوجود ومظهر الكامل املعبود ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه‬
‫مشريا اىل هذا املعىن ‪:‬‬
‫( جعكل يف العامل املتوسط بني ملكه وملكوته ‪ ،‬ليعلمك جالةل قدرك بني‬
‫خملوقاته ‪ ،‬وآنك جوهرة تنطوى عليك آصداف مكوانته )‬
‫جعكل آي صورك وقدرك ‪ ،‬فاجلعل مبعىن التصوير والتقدير آهيا االنسان‬
‫الظاهر يف كنائس اجلامثن املوسومة بسمة احلداثن ‪ ،‬يف العامل املتوسط‬
‫برزخا حميطا ليظهر جتيل السامء ‪ ،‬ويتعني آعيان امللوان ‪ ،‬وجعل ك‬
‫وهجان ‪ :‬وجه يف امللكوت والشهود ‪ ،‬ووجه يف املكل والوجود ‪ ،‬وذ ك‬
‫ليظهر رس ماس بق يف علمه آنه خيلق خلقا ويظهر فهيم فضال وعدال ‪،‬‬
‫فانظر ماذا احتوى عليه هذا االنسان من عظمي الشان تعمل آنه اللكمة‬
‫اجلامعة والليةل املباركة اذلي يتزنل علهيا اكامل المر عىل صغر جرمه يف‬
‫العيان ‪ ،‬ووسعه واحاطته بسائر الكوان ‪ ،‬فريمح هللا االمام حيث قال ‪:‬‬
‫آحتسب آنك جرم صغري وفيك انطوى العامل الكرب‬
‫وهنا يفهم رس قوهل س بحانه { هللا اذلي خلق س بع مسوات ومن الرض‬
‫مثلهن يتزنل المر بيهنن لتعلموا آن هللا عىل لك شئ قدير وآن هللا قد‬
‫آحاط بلك شئ علام } [ الية ‪ 12‬الطالق ] ويرمح هللا القائل حيث قال يف‬
‫ذ ك ‪:‬‬
‫فشخصك لوح به آسطر‬ ‫اذا كنت تعمل عمل احلروف‬
‫للك الوجـــــود ملن يبرص‬ ‫ومتثال ذاتك آمنوذجــــــــــا‬
‫حروف معانيك التقـــــرتي ذلى اجلهل الك والتظــهر‬

‫‪544‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫مفعروفها عنده منـــــــــكر‬ ‫ومن يك غرا بأرسارهـــــــا‬


‫ففيك انطوى العامل الكـرب‬ ‫لنئ اكن جزءك جزء صغري‬
‫هبا يوزن الكون بل آكــرث‬ ‫فال ذرة فيك اال غــــــدت‬
‫ينابيع آرسارها آحبـــــــــــر‬ ‫والقطــــــــرة منك اال ويف‬
‫اليك فذاك هو الصــــغـر‬ ‫فلك الوجــــــود اذا قس ته‬
‫يزول وآنت به جوهــــــر‬ ‫وما فيه من عــرض حارض‬
‫ومافيك يوجـــــد الحيرص‬ ‫فأنت الوجود ولك الوجـود‬
‫من البدر يف نوره آنــــور‬ ‫وفيك آشعة الهوتــــــــــــه‬
‫من الشمس يف ضوءها آظهر‬ ‫ومشس املعارف ارشاقـــــها‬
‫خفااي الغيوب ملن يبصـــر‬ ‫لقد ظهرت يف سامء القلوب‬
‫يذوب اشتياقا فاليقـــرص‬ ‫سامء عىل قطب توحــــيده‬
‫جنوم ابخالصها تزهــــــــر‬ ‫لها من آشعة برهانــــــــــــه‬
‫ومغـــــــــرهبا رسه املضمر‬ ‫مفرشقها آفـــــــــق سوداهئا‬
‫اليه انهتيى لك مايســــطر‬ ‫وعرش الصفاء هبا مركــــــز‬
‫وآوىح لها لكام يأمــــــــــر‬ ‫هناك املالئك جتىل لهــــــا‬
‫عىل آهنا آبدا حتــــــــــــذر‬ ‫فقامت بتحقيق مأمــــــوره‬
‫والجعب حيث التبـــــرص‬ ‫وتراتح مرتع آحــــــــــباهبا‬
‫فربق الرجـــاء لهــــا مسفر‬ ‫وعود امحلــــــاء اذا زجمرت‬
‫وحب حمبــــــــــــــهتا ممثر‬ ‫فــــــــروض رايضاهتا مهنا‬
‫مفا حلياء هبا يعــــــــــــطر‬ ‫وان آعوز الغيث حصباهئا‬
‫فيبدوا شذا املسك بل آعطر‬ ‫متر هبا نسامت القــــــــــبول‬
‫‪545‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫لطائف تطـــوى والتنرش‬ ‫ويرسي اىل رس من عرفها‬


‫ومن هو مـــزكوم اليسكر‬ ‫فيسكر انشق آنفــــــــاسها‬
‫ويف حاهنا حــــلل املسكر‬ ‫يطاف باكسات آحـــــــاهنا‬
‫مثاين ابذلكر التفـــــــــــرت‬ ‫وتبيك بساحات خانــــــاهتا‬
‫فذاك الشق هو الخرس‬ ‫مفن مص عن مسع آحلـــــاهنا‬
‫فذاك الغوي هو الحــقر‬ ‫ومن ضل عن ابهبا معرضـا‬
‫فاذا علمت ما آومت اليه هذه البيات من الرسار املودعة يف الغيب‬
‫االنساين ‪ ،‬وما آشارت التسوية يف الش بح اجلسامين ‪ ،‬فالميرتي آنه لبابه‬
‫انطوت علهيا قشور الكوان ‪ ،‬فالقشار اللطيفة الساموية ‪ ،‬والقشار‬
‫الكثيفة الرضية ‪ ،‬والقوى املائية والهوائية والنارية واملعدنية والنباتية‬
‫واحليوانية ‪ ،‬بني ذ ك آن هذا االنسان كعبة الوجود ومرآة الشهود وحمل‬
‫نظر املعبود ‪ ،‬وآنه املقصود ابلوجود غريه عىل التبع هل ‪ ،‬متوهجة اليه العوامل‬
‫العلوية ابلزنول واالس تغفار ‪ ،‬واخلدمة ابدلعاء آانء الليل والهنار ‪ ،‬والفالك‬
‫والشمس ابالضاءة والقمر ابلنور ‪ ،‬هذا ملصاحله يف ظاهر خلقته ‪،‬‬
‫وليعلموا ليحىي ابلعمل غيب روحانيته ‪ .‬م قال جل من قائل { ماخلق‬
‫هللا ذ ك اال ابحلق } [ الية ‪ 5‬يونس ] مفحا بظهور حقيقة املاحية لظهور اثن‬
‫معه آوظهري يف تأثري لئال ينخدع القارص ابالضافة الهيا يف التأثري ‪ ،‬مفحا‬
‫تكل االضافة بقوهل { ماخلق هللا ذ ك اال ابحلق } { مفاذا بعد احلق اال‬
‫الضالل } [ الايت ‪ 32‬يونس ] آي العدم اذلي اليرض والينفع ‪ ،‬واليضع‬

‫‪546‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫واليرفع حملا ظاهر خلقيهتا بظهور آلوهيته بقوهل { ماخلق هللا } وطمس‬
‫ابطهنا بسلطان حقيقته بقوهل { ذ ك اال ابحلق} وتوجه آيضا العامل‬
‫السفيل اىل االنسان ابلصعود اليه والقنوت بني يديه ‪ ،‬فاملعادن اليه‬
‫صاعدة ‪ ،‬والنبات حنوه مائدة ‪ ،‬واحليوان يف تسخريه ساعية ‪ ،‬وهو مل‬
‫يطلب منه التوجه اىل غري س يده ‪ ،‬فأمر ابلعبودية بظاهره هل ‪،‬‬
‫وابالس تعانة بباطن حقيقته ‪.‬‬
‫ورشف هذا االنسان من حيث نسبته اىل الروح المرية قال يف بعض‬
‫الكم ساداتنا العلوية الش يخ الفاضل احلرب الاكمل ‪ ،‬ذي الفرع الطائل‬
‫والس يد الواصل ‪ :‬عيل بن آيب بكر نفع هللا به فيه آي الروح ‪ :‬هو رابع‬
‫مراتبه ؛ الروح المري والرس الغييب واجلوهر القديس اذلي هو حقيقة‬
‫االنسانية ‪ ،‬وحمصول زبدة اخللقة البرشية ‪ ،‬ادلرة النفيسة املكونية ‪،‬‬
‫التش به الصورة الهيلكية ‪ ،‬والحتايك اخللقة احلس ية ‪ ،‬بل هو روح آمري‬
‫وجوهر نوري وآمر رابين ورس ملكويت ‪ ،‬وروح غييب ‪ ،‬مدرك بذاته‬
‫اليفىن خبراب القالب وفنائه ‪ ،‬والميوت مبوت البدن ‪ ،‬واليذهب خبراب‬
‫بنائه ‪ ،‬واليتوقف عليه ادرااكته وتأملاته والتذاذاته بعد موت البدن عىل‬
‫كامل حاهل املعنوي ‪ ،‬آونقص صفاته يف مقتضيات القوة العلمية ‪ ،‬وموجبات‬
‫القوى العملية اليت تتفرع من كامالهتا ونقصاهنا آس باب السعادت‬
‫والشقاوات ‪.‬‬
‫وعىل امجلةلة اعمل آن الروح االنساين من المور الرابنية واجلواهر‬
‫الروحانية اليت الميكن االحاطة حبقائقها ‪ ،‬والتحقيق مبعرفة كنه ذواهتا اال‬

‫‪547‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫بعوارض متزيه عام يتلبس به ‪ .‬انهتيى الكمه يف ذ ك وهو حسن موافق‬


‫لغرضنا يف الالكم عىل بعض خصائص االنسان اذلي متزي به من سائر‬
‫الكوان ‪ ،‬وترشف به عىل سائر امللوان ‪ .‬وفيه من لك عامل لطيفة يه ذل ك‬
‫العامل اكلروح من اجلسد من العوامل العلوية والعوامل السفلية ‪ ،‬فليعرف قدره‬
‫والمييل عن ذ ك اس تقامته فتكسف مشسه ‪ ،‬ويوحش آنسه { ولو ترى‬
‫اذ اجملرمون انكسو ارؤسهم عند رهبم } [ الية ‪ 12‬السجدة ] فالعندية حاصةل‬
‫‪ ،‬ولكن مهنم من ترى هالهل بدرا وليلته قدرا وظلمته جفرا فيعود مروس‬
‫وبربه مؤنس وبنوره مقتبس ‪ .‬ومهنم من تعود مشسه اكسفة وبدره خاسفة‬
‫وروحه آسفة ‪ ،‬وهنا آرسار تغيب عن ثواقب الفاكر ‪.‬‬
‫فلرنجع اىل ماحنن بصدده فنقول ‪ :‬مابني عامل ملكه وكذا عوامل الغيب حىت‬
‫تس تمكل الرشف ‪ ،‬وتعمل آيضا بأنك جوهر ‪ ،‬فاذا رآيت آن صوان الكون‬
‫اكلصدف فاذا عرفت رشف االنسان علمت امنا وسعه الكون من حيث‬
‫اجلامثن ومل يسعه من حيث الروح ووصف االميان ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف‬
‫ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( امناوسعك الكون من حيث جامثنيتك ‪ ،‬ومل يسعك من حيث ثبوت‬
‫روحانيتك )‬
‫فوسع الكون لالنسان ابجلامثن من حيث مايالمئه من احلظوظ احلس ية‬
‫لوجود املناس بة بيهنا وبني الشهوات الرضية ‪ ،‬والذلات احليوانية اجلسمية‬
‫‪ ،‬ومل يسعه الكون من حيث الروحانية اذ الروح اليسكن اىل شئ دون‬
‫جامل موجدها ‪ ،‬واملثول بني يدي س يدها ‪ ،‬فال صرب لها عنه والسكون‬

‫‪548‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫بدوهنا ‪ ،‬فالقلوب التطمنئ والتأنس بدون ذكر س يدها ‪ ،‬قال هللا جل‬
‫ذكره { آال بذكر هللا تطمنئ القلوب } [ الية ‪ 28‬الرعد ] والطمأنينة يه‬
‫السكون اىل املس تذل طبعا فالسكون للرواح اىل شئ من الكوان دون‬
‫مكوهنا ‪ ،‬فهي آبدا عاكفة عىل ذكره وشاخصة اىل س ين جامهل ومتطلعة اىل‬
‫كامل وصاهل ‪ ،‬وليس املراد يف عبارة املؤلف ابلوسع من حيث الظرفية فهذا‬
‫مما يس تغين عنه العارف فاليعرج عليه ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫وسعك الكون من حيث املتاع به لعامل اخللق فافهم لطف حمكته‬
‫فالروح ليس لها وسع مفطلــــــهبا وغاية آمالها حتظى برؤيـــــــــته‬
‫مفن بق يف وسعه اخللق ومل خيرج عن طبعه اجلبيل فهو مسجون مقيد‬
‫بقيود ومقرن يف صفود ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( الاكئن يف الكون ومل يفتح هل ميادين الغيوب ‪ ،‬مسجون مبحيطاته‬
‫وحمصور يف هيلك ذاته )‬
‫الاكئن يف الكون بلكية مطلبه ومنهتيى رغبته ‪ ،‬ومل يفتح هل وس يعات‬
‫ميادين الغيوب الروحانية ‪ ،‬وتربج العرائس احلمكية ‪ ،‬وتلوح هل اللواحئ‬
‫احلس ية ‪ ،‬وترشق عىل ليهل الشموس الوصفية ‪ ،‬وتطلع يف غياهبه القاكر‬
‫االمسية ‪ ،‬وتزف اىل روحه املعارف اذلاتية ‪ ،‬وتنصب هل املنابر الكرس ية ‪،‬‬
‫وتزنل عليه مواهب الرمحن العرش ية فهو الحماةل مسجون ‪ ،‬ويف صفته‬
‫مغبون ‪ ،‬وجسنه هو ما آحاط به من الفهام العدمية والظلامت الرضية ‪،‬‬
‫وليس هذه احمليطات اال حيث ختلفت عنه العناية الزلية ‪ ،‬اس تولت عليه‬
‫ادلواع الهوائية والضالالت الش يطانية واملطالب النفسانية ‪ ،‬فغطت عنه‬
‫افالكه وآدهلمت عليه ظلامت آحالكه ‪ ،‬فبق حمصورا يف هيلك ذاته ‪،‬‬
‫‪549‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فلكام اكنت آكثف اكنت الظلمة آشد ‪ ،‬ولكام اكنت آوسع اكنت تعليق هذه‬
‫احمليطات آضيق ‪ ،‬وتعود يف اليوم املوعود قيود وصفود وارهاق صعود‬
‫وزابنية وجنود ‪ ،‬آعاذان هللا مهنا ‪ ،‬وجنبنا طرائق آس باهبا وفتح لنا ميادين‬
‫القلوب وآورد لنا مناهل الوداد واحلب ‪ ،‬وجعل آرواحنا ترتع يف رايض‬
‫معارفه ‪ ،‬وتمتتع بشهود مرسبةل بسابغات رسابيل جوده ‪ ،‬انه جواد كرمي ‪.‬‬
‫ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ومل يبيح هلم عن منهتيى الطـــلب‬ ‫الاكئنني يف الكـــــوان ابلطلب‬
‫يف عاقبة آمرمه يف اهلم والنصب‬ ‫فهم يف السجن يف ادلنيا وغايهتا‬
‫مفىت اكن الغالب عليه شهود الكوان واس تحسان مالمح اللوان ‪،‬‬
‫فاس تدل ابنك بعد مل خترج عهنا حىت يغيب عنك وجودها ‪ ،‬ويضمحل‬
‫عنك شهودها ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( آنت من الكوان مامل تشهد املكون ‪ ،‬فاذا شهدته اكنت الكوان معك )‬
‫قد علمت فامي س بق آنك حيث آنت مع الكوان ابلرغبة فهيا والطلب لها‬
‫فأنت مسجون وحمصور ومأسور ‪ ،‬ومل تنفك عنك هذه القيود اال شهود‬
‫وحدانية املعبود ‪ ،‬ومل تذهب هذه احمليطات اال ابرشاق آنوار الصفات ‪،‬‬
‫واذا آرشقت عليك وحتققت هبا اكنت الكوان معك الفتقارك اليه ابلطلب‬
‫والتسخري االلهي ملا قد علمت من توهجها علوهيا وسفلهيا ‪ ،‬حيث كنت‬
‫معه ابلقيام حق العبودية واالنطوا حتت جتيل آرسار الربوبية ـ فاذا آخلص‬
‫العبد عبوديته لربه وتوهل يف مرشقات جتليات صفاته ‪ ،‬وتعلق بلكيته‬
‫ابلتوهل يف عزيز ذاته فال شك ان لك من يف الكون يترشف به ‪ ،‬ويتربك‬
‫بدعائه ويس تأنس اليه كام يس تأنس احلب اىل حبه ‪ ،‬مفا روي يف هذا‬
‫‪550‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫املعىن من اس تئناس الوحوش هبم والس باع مااكد خيرج عن احلرص ‪،‬‬
‫فالكوان تتوجه اىل االنسان ابلمان عند كامل االميان ‪ ،‬مفن عالمات هذا‬
‫املقام آن الينفر عنه املتوحشات من النعام ‪ ،‬وتأوي اليه ضواري الس باع‬
‫‪ ،‬وتش تاق اليه البقاع ‪ ،‬ويطيب بذكره السامع ‪ ،‬وتلتذ بسامع خطابه‬
‫السامع ‪ ،‬وتربي برباكته الوجاع ‪ ،‬وغري ذ ك من جتيل آرسار امجلال‬
‫وتليل لوامع الكامل ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫مامل يكن عن وجود الكون منخلعا ابهلل فانت اذا يف ظلمة احلـــــكل‬
‫وحيث كنت مع املوىل فال حرج آن متـكل الكون ابلترصيف اكملكل‬
‫فان قلت هل يلزم هذه اخلصوصية عدم وصف البرشية ؛ قال املؤلف بأثر‬
‫ذ ك مفصحا ابجلواب عام هنا ك ‪:‬‬
‫( اليلزم من ثبوت اخلصوصية عدم وصف البرشية ـ امنا مثل اخلصوصية‬
‫اكرشاق مشس الهنار ‪ :‬ظهرت يف الفق وليست منه ‪ ،‬اترة ترشق مشوس‬
‫آوصافه عىل ليل وجودك ‪ ،‬واترة يقبض ذ ك عنك فريدك اىل حدودك ‪،‬‬
‫فالهنار ليس منك اليك ‪ ،‬ولكنه وارد عليك )‬
‫اذا علمت رس اخلصوصية الفائض عن جتليات الصفات العلية كفيضان‬
‫النور عىل الفالك املضيئة فهل يلزم من شان من آفيضت عليه هذه‬
‫النوار ‪ ،‬وجتلت عليه هذه الرسار عدم وصف البرشية ‪ ،‬املفصح عن‬
‫القصور عن املراتب العلية والنوارالهبية ‪ ،‬فنقول كام قال املؤلف ضاراب‬
‫ذل ك المثال ‪ ،‬ومبينا فيه غاية البيان بظاهر املقال ‪ ،‬امنا مثل اخلصوصية‬
‫اكرشاق الهنار عىل ليل وجود االنسان ‪ ،‬فالليل الظلمة العدمية متأصةل فيه‬
‫والهنار عليه طارئ ‪ ،‬مفىت طرى فالشك يف انعدام ظلمة عدم االنسان كام‬
‫‪551‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ينعدم ظلمة الليل ابرشاق الهنار ‪ ،‬ومىت انسلخ عنه الهنار رجع اىل عدمه‬
‫املتأصل فيه { وآية هلم الليل نسلخ منه الهنار فاذا مه مظلمون } [ الية‬
‫‪ 37‬يس ] فافهم هديت ‪ ،‬فاذا علمت حصة هذا املثال وحتققت هذا املقال‬
‫علمت آن الليل آصكل الينفك عنك ‪ ،‬وآن الهنار ليس اليك والمنك ‪،‬‬
‫فعند ذ ك تعمل رس الحول والقوة اال ابهلل اذلي هو كزن من كنوز اجلنة ‪،‬‬
‫مفىت عرثت عليه فقد حظيت بكميياء السعادة ‪ ،‬وواهجت حقيقة العبادة ‪،‬‬
‫فاخلصوصية التدل عىل عدم وصف البرشية لن البرشية متأصةل يف‬
‫االنسان ‪ ،‬واخلصوصية اليت يه رشوق مشس الوصاف العلية واردة عليه‬
‫؛ اذا وردت امضحلت معها الصفات العدمية وبقيت لها اهلمية الزلية‬
‫والصفات ادلميومية ‪ ،‬ومىت غابت عنه تكل الشموس يف حسايب القدار‬
‫وجحبت منه تكل النوار ابرتفاع جمار الاثر عاد الحماةل اىل آصهل ‪،‬‬
‫والصفات العلية آفالك مشوسها املطالع النبوية والرسائر القربية ‪ ،‬والسامء‬
‫مطالعها املواضع القلبية والرجاء النفس ية والصوامع الروحية ‪ .‬وآما مجع‬
‫اذلات العلية فال تقبل فيضاهنا اال احلقيقة المحدية ولهل هللا الزايدة يف‬
‫الك احلالني ‪ ،‬فأمايف حال رشوق ماخيصهم به من صفا جتيل الصفات‬
‫وتليل النعوت القدس يات فلئال ترتامك علهيم كدورات البرشايت ‪ ،‬وحيول‬
‫بيهنم وبني حمبوهبم جحب الشهوات ‪ ،‬فكشف هلم ماحيققهم فناء الغيار‬
‫وزوال كثائف الاثر ‪ ،‬ويردون اىل جحهبم يف بعض الوقات ليوفوا العبودية‬
‫حقها ‪ ،‬وليعطوا الربوبية مس تحقها الليبعدوا بعد ماقربوا ‪ ،‬ويسلبون بعد ما‬
‫آعطوا ‪ ،‬فليسوا مرادين هبذا وامنا مه يف الك الحوال مرادون ابلوصل‬
‫وخمطوبون ملشهد الكامل ‪ ،‬وتعبريه للكشف عن الصفات الزلية والنعوت‬
‫‪552‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫العلية ابلهنار ‪ ،‬والرجوع اىل مواطن البرشية ابلليل من آحسن صنيع‬


‫ذل ك ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فليس من الزم التخصيص ابملنن آن اليكون البرش يطــرا عىل السنن‬
‫بل ذاك آصدق شئ يف اختصاص فىت وشاهد الفضل واالحسان واملــــــنن‬
‫ان آرشقت مشس ارشاق الصفات عىل ليل الوجود ترى من غيـــــبه المكن‬
‫وان انسلخ عنه نور القلب عاداىل ظالمه ذاك آصل فيه ايفطـــــــــــن‬
‫مبادات آنوار الصفات عىل اجملذوبني من غري ترقب والبعمل وال‬
‫استشعار بل ورود منة منه علهيم فتخطفهم عىل غري ميعاد ‪ ،‬وجتذهبم‬
‫حملتدها من غري ترتيب ‪ ،‬ومقدار مايزنلون هبا اىل الوجود مؤيدين بأنوارها‬
‫همتدين يس تدلون ابملؤثر عىل الاثر ‪ ،‬وآهل السلوك احملبون ليس هلم‬
‫ذ ك ؛ بل يس تدلون ابلاثر عىل املؤثر ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف مبينا لطريقهم‬
‫‪ ،‬ودالا عىل ترتيب مهنجهم ‪ ،‬ذل ك قال ‪:‬‬
‫( دل بوجود آاثره عىل وجود آسامئه ‪ ،‬وبوجود آسامئه عىل ثبوت آوصافه ‪،‬‬
‫وبثبوت آوصافه عىل وجود ذاته ‪ ،‬اذ حمال آن يقوم الوصف بنفسه ‪.‬‬
‫فأرابب اجلذب يكشف هلم عن كامل ذاته ‪ ،‬م يردمه اىل شهود صفاته ‪ ،‬م‬
‫يرجعهم اىل التعلق بأسامئه ‪ ،‬م يردمه اىل شهود آاثره ‪ .‬والسالكون عىل‬
‫عكس هذا ‪ ،‬فهناية السالكني بداية اجملذوبني ‪ ،‬وبداية السالكني هناية‬
‫اجملذوبني ‪ ،‬لكن المبعىن واحد ‪ ،‬فرمبا التقيا يف الطريق هذا يف ترقيه ‪ ،‬وهذا‬
‫يف تدليه )‬
‫فهذه احلمكة قس مية لليت قبلها ‪ ،‬وآخرها الظهار السرت لرس هذه احلمكتني‬
‫‪ ،‬وتفصيل ملعىن الفريقني ‪ ،‬وتبيني لهنج الطريقني ‪ .‬فاحلمكة الوىل اذلي‬
‫‪553‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ذكر فهيا ثبوت اخلصوصية اليت اليلزم من ثبوهتا عدم ظهورها البرشية ‪،‬‬
‫مشريا فهيا اىل آحوال اجملذوبني ‪ ،‬وذ ك آهنم رجعوا اىل آداء حقوق‬
‫العبودية ‪ ،‬وايفاء مقام احلمكة اخللقية حقه واعطاه مس تحقه ‪ ،‬رمبا يظن‬
‫ذوفهم سقمي آن ذ ك ينايف اختصاصهم فرفع ذ ك الومه مبا فصهل يف احلمكة‬
‫الوىل ‪ ،‬ورمبا ينظر قارص اىل هذا املقام فيظن آن ال طريق توصل اىل‬
‫هذا املقام عىل الامتم اال بطريق اجلذب فيرتك االجهتاد ‪ ،‬واليهتيأ‬
‫لالس تعداد ‪ ،‬فبني املؤلف ابحلمكة طريق السالكني ومن آين يكون ابتداء‬
‫الخذ يف سلوكها ‪ ،‬فقال ‪ :‬دل آي نصب آعالم ادلالةل عىل طريق وصاهل‬
‫وذ ك آيضا امتنان منه اذ هو نصب العالم وجعل فيك آهلية املقام‬
‫وقابلية التعمل واالهتداء اىل معرفة الحاكم ‪ ،‬ومجيع ماحوته دوائر الكوان‬
‫آاثر عن آاثر املؤثر فهيا ‪ ،‬وآهمات السامء آربعة ‪ ،‬وقد علمت احاطة هويته‬
‫جبميعها ويه ‪ :‬الول والخر والظاهر والباطن ‪ ،‬فلك السامء ترجع رجوع‬
‫الفرع اىل الصل اىل هذه الربعة ‪ ،‬والسامء مهنا ماهو جاميل ومهنا ماهو‬
‫جاليل ‪ ،‬ودخل يف ذ ك آثر الفضل عن السامء امجلالية ‪ ،‬وآثر العدل وهو‬
‫عن السامء اجلاللية ‪ ،‬فصح آن امجلال وصف واجلالل وصف من مجةل‬
‫صفات الواحد احلق ‪ ،‬فهويته تندرج يف ظهور سائر الصفات ‪ ،‬وآحديته‬
‫تضمحل عند ظهور التعديدات ‪ ،‬وظهور الاثر تقتيض املعامةل ابلعمل ‪،‬‬
‫وظهور السامء تقتيض املعامةل ابالميان ‪ ،‬وظهور الوصف تقتيض املعامةل‬
‫ابليقني ‪ ،‬وظهور اذلات يقتيض املعامةل ابلشهود والعيان ‪ ،‬فزنول اجملذوبني‬
‫يف الكوان ابلشهود والعيان ‪ ،‬لنه آول ماكشف هلم عن كامل اذلات فذ ك‬
‫اليفارقهم يف ردمه اىل شهود الوصف فيشهدون الوصف ابملوصوف ‪،‬‬
‫‪554‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ورجوعهم اىل معرفة السامء ابملعروف ‪ ،‬ونزوهلم اىل الاثر ابملؤثر‬


‫مصحوبني بتأييد الرسار وروح الرواح وآنوار السامء ‪ ،‬فهم محمولون‬
‫مؤيدون يف مجيع مايفعلون ويذرون ‪ ،‬مرفوع عهنم العناء ‪ ،‬مروح علهيم من‬
‫كد اجملاهدة ‪ ،‬فاليسلكون ابملريد اال عىل املنوال ‪ .‬فأكرث املريدين وصوال‬
‫آمكلهم حصوال من سكل عىل آيدي هؤالء ‪ ،‬والسالكون آوال يس تدلون‬
‫ابلاثر عىل النوار وابلنوار عىل الرسار ‪ ،‬وابلرسار عىل آحدية الواحد‬
‫القهار ‪ ،‬فهنايهتم اىل ابتداء مايزنل عنه اجملذوبني ‪ ،‬وبدايهتم يف سلوكهم‬
‫ينهتي اليه تزنل اجملذوبني ‪ ،‬لكن المبعىن واحد ؛ فليس من دخل الش ياء‬
‫ابهلل مكن خرج عهنا اىل هللا ‪ ،‬فذلا يف دخولها زايدة بل زايدات ما آودع‬
‫احلق فهيا من حقائق الرسار ‪ ،‬وآظهر فهيا من بدائع النوار ‪ ،‬والسا ك‬
‫يتخلص علهيا من حيث آهنا ظمل وآغيار وكثائف وآاثر ‪ ،‬فش تان بني‬
‫املشهدين وفرق مابني النظرين ‪ ،‬فرمبا التقيا يف الطريق املشار الهيا هذا ـ‬
‫آي اجملذوب يتزنل يف معارج الرسار ‪ ،‬وبروج النوار ‪ ،‬وهذا آي السا ك‬
‫يرتىق يف معارج السامء عن دراكت ظلامت الغيار ‪ ،‬وشهود جحب الاثر‬
‫‪ ،‬لكن فرق مابني انزل يف الربوج واملدارج وبني صاعد يف العقبات‬
‫واملعارج ‪ ،‬والسا ك عىل هؤالء كثري التعين والتلكف لهنم يسلكون به‬
‫حيث سلكوا ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ذاك ادللـــــيل عىل السامء ابلثر وآيضا عىل حممك الوصاف ابلغري‬
‫واللك دل به ابلمر مقتــــــــــدر عىل وجود ثبوت اذلات فاختـرب‬
‫فالتقــــــوم صفات دون متصف هبا فكـــــــــــن عامل ابلعمل فاخترب‬
‫فاكن قوم عىل جنب الهوى يطـر وآخرون عىل الثـــــــــار والسري‬
‫‪555‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فلام اكنت هذه ادلار المناس بة بيهنا وبني ظهور النوار ‪ ،‬ومل يعرف قدرها‬
‫اال يف دار القرار لوجود املناس بة ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( اليعرف قدر آنوار القلوب والرسار اال يف غيب امللكوت ‪ ،‬كام التظهر‬
‫آنوار السامء اال يف شهادة املكل )‬
‫اليعرف ‪ ،‬واملعرفة ابلشئ هو التحقق ابلشئ املعروف عىل ماهو عليه من‬
‫الكامل والصفاء والتزنيه ولكيات حماس نه ‪ ،‬آماعلام ياكد يكون عياان ويسمى‬
‫امياان ‪ ،‬وآما ذوقا حمققا ويسمى كشفا وعياان ‪ .‬وآنوار القلوب كام علمت من‬
‫ظهور جتيل السامء والرسار من جتيل الصفات العلية ‪ ،‬وهذه ادلار التسع‬
‫ماهذه السامء والصفات عليه من الكامل والصفا ‪ ،‬فسامء القلوب هو‬
‫متسع الغيوب وذ ك الرسار هو التوحيد عن الغيار ‪ ،‬كام آن سامء‬
‫النوار الظاهرة اليت مهنا النجوم والمقار السامء احلس ية املطبقة بعامل املكل‬
‫الظاهر ‪ ،‬فأنوارالقلوب والرسار المقدار لها والتظهر مرشقات آنوارها اال‬
‫يف متسعات آقطارها الغيبية ‪ ،‬والجتىل عرائسها اال يف قصورها القدس ية‬
‫‪ ،‬اال آن لهل االميان نصيب يف هذه ادلار وهو اذلي حيملهم عىل طلهبا ‪،‬‬
‫ويزجع قلوهبم ظهور مشهدها ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فليس يعرف مقــــدارا ملــا وعدت من مظهر آنوار ذاك املنظر الـــنرض‬
‫اال بكشف غطاء الكوان عنه كام اليظهر آنوار مشس احلس يف النظر‬
‫اال عىل عامل املكل اذلي ظـــهرت فيه الكواكب للـــــــــــــرائني ابلبرص‬
‫فللعامل احلس ية شواهد يف احلس اذا وجدها الصادقني فذ ك بشارة‬
‫آوآمارة عىل آن العمل مقبول دليه ‪ ،‬فاذا آمثر يف هذه ادلار اليت الجزاء فهيا‬

‫‪556‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فهو آحرى بأن يمثر يف دار اجلزاء مااليدخل حتت احلرص ‪ ،‬ذل ك قال‬
‫املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( وجدان مثرات الطاعات عاجال ؛ بشائر العاملني بوجود اجلزاء‬
‫علهيا آجال )‬
‫ماجيده العاملون عىل الوفا وحسن االقتفاء بشائر من هللا لعبده‬
‫وتسكينا ملا جيده من خوف القطيعة ‪ ،‬فاذا ظهرت عىل العبد مثرات‬
‫العامل من نزول السكينة وحصول الفتوح وتوايل املنوح االلهية ‪ ،‬فذ ك‬
‫دليل عىل قبولها عنده ‪ ،‬ويشار اىل ذ ك بقوهل عز من قائل { فأنزل‬
‫السكينة علهيم وآاثهبم فتحا قريبا * ومغامن كثرية يأخذوان فعجل لمك هذه }‬
‫[ الايت ‪ 19 – 18‬الفتح ] ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فلك مايظهر املوىل عىل العمل من روح قرب فذ ك منهتيى المل‬
‫ان املزااي اذا اكنت مقــــــــارنة للعاملــــــــــــني جرب مام من خلل‬
‫فاذا ظهرت مثرة العمل علمنا الحماةل آن هذه منة متجددة غري منة‬
‫العمل نفسه من مجةل املنن ‪ ،‬فاليطلب عوض عليه اال من ابب الوعد‬
‫الصادق ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( كيف تطلب العوض عىل معل هو متصدق به عليك ؟ آم كيف‬
‫تطلب اجلزاء عىل صدق هو همديه اليك )‬
‫كيف تطلب آهيا العامل اس تحقاق عوض ماتعمل الطلب افضال‬
‫من فضهل ‪ ،‬وتصدق من معمي بذهل ‪ ،‬فالحرج عىل العبد اذا طلب من‬
‫هذا الوجه بل طلبه هبذا الوصف هو املطلوب منه لن الطلب العىل‬

‫‪557‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وجه االس تحقاق واالدالل هو مقتىض العبودية ‪ ،‬واالس تاكنة حتت عناء‬
‫الربوبية ‪ .‬وآما الطلب ابالدالل والعمل ورؤية االس تحقاق عليه فذ ك من‬
‫نعت الزائغة القدرية ‪ ،‬فالعمل من مجةل فضهل عىل عبده نفسه من غري نظر‬
‫اىل جزاء والغريه ‪ ،‬فالعوض هو من ابب مقابةل احلس نات بأمثالها من‬
‫احلس نات ‪ ،‬واجلزاء هو االحسان يف احلس نات ‪ ،‬جفزاه من االحسان‬
‫ميحو الظمل الغريايت ‪ ،‬فذ ك يف مقابةل الصدق يف املعامةل وهو آيضا من‬
‫هداايه الغيبيات آي الصدق ‪ ،‬فكيف تطلب جزاء عىل ماهو من هداايه ‪،‬‬
‫واختصاص من عظمي فضائهل ومزاايه اذ قال يف احلديث القديس " آنه رس‬
‫من رسي آودعه قلب من آشاء من عبادي " ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فكيف تطلب عىل منك من معــــــل عوض وذ ك من افضاهل العـمم‬
‫آم كيف تطلب جزا صدق حظيت به فذاك هجل مبن منه الهدى قدم‬
‫فالصدقة يشريون هبا اىل العامل الظاهرة ‪ ،‬والهدية يشريون هبا‬
‫اىل العامل الباطنة ‪ ،‬والخيفى مابيهنام من تباين املزنةل ‪ ،‬واكن سلوك قوم‬
‫ابلعامل الباطنة اىل ختليص العامل الظاهرة وسلوك قوم آخرين ابلعامل‬
‫الظاهرة اىل التوصل ابلعامل الباطنة ‪ ،‬قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( قوم تس بق آنوارمه آذاكرمه ‪ ،‬وقوم تس بق آذاكرمه آنوارمه ؛ ذاكر‬
‫ذكر ليس تنري قلبه ‪ ،‬وذاكر استنار قلبه فاكن ذاكرا )‬
‫القوم مه امجلاعة من الناس كام ورد الويل يف وقته اكلنيب يف وقته ‪،‬‬
‫وقد يطلق عىل المة ‪ .‬وذكروا هنا لتقسم الفريقني ومه اجملذوبني املرادين‬
‫احملبوبني والسالكني احملبني ‪ ،‬والكهام عىل احلقيقة حمبوبني مرادين ‪ ،‬وامنا‬
‫وقع التفاوت بيهنم من حيث اخلفة والعناء ‪ ،‬ونس بة الفضل ونس بة االجهتاد‬
‫‪558‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ ،‬فالس بقية يه اليت شهدت من وصلت اليه نس بة الفضل قبل نس بة‬


‫االجهتاد برتبة االنفراد ابالجياد قبل ظهور آفعال العباد فعرف آنه املراد بلك‬
‫مراد ‪ ،‬فال جرم آن تغيب عنه آوصاف العباد بظهور آوصاف اجلواد ‪،‬‬
‫فيسمل من نس بة الفعال اليه فيسمل الحماةل من آفات العامل اليت آبتيل هبا‬
‫السالكون والعباد ‪ ،‬ويكون مفاجأ بتحف لك وس يةل ‪ ،‬خمطواب للك فضيةل‬
‫‪ ،‬محموال عنه التلكف يف سائر العامل لهنا تفجأه آنواراها قبل ظهورها‬
‫عىل آراكنه ‪ ،‬فرتتفع عنه اللكفة مبا جيده من مثرة الوارد ‪ ،‬واجملذوب عىل‬
‫ماتقرر هو اذلي طويت هل مسافة الطريق وخسرت هل رخاء احملبة حفملته‬
‫عىل بساط املنة { غدوها شهر ورواهحا شهر } فهو من آهل‬
‫االختصاص ابلفضل واالجتباء ‪ ،‬والسا ك هو الخذ يف طريق االجهتاد‬
‫والتلكف واال فهو السا ك اىل هللا من طريق الفعال يرتىق ابالس تدالل‬
‫يف مراتب الوجود حىت يأيت آابن وصوهل ‪ ،‬ويعرث عىل كزن حمصوهل ‪،‬‬
‫فيشهد النوار بعد حتري الذاكر وتصفية آانء الليل وآطراف الهنار ‪،‬‬
‫فوصل اىل الهداية بعد حتقيق االجهتاد فاهتدى اليه وعرف حقيقة الطريق‬
‫اليه ‪ ،‬فيس تأنف نفسه ومأمهنا ‪ ،‬ويأخذ يف التعلق والتخلق آحرى حىت‬
‫يغيب يف القرب عنه وعىل مامنه ‪ ،‬ويشهد ماشهده اجملذوب آوال آولية‬
‫احلق يف لك شئ ‪ ،‬واجملذوب يرحل عن هذا الشهود يف آطوار الوجود ‪،‬‬
‫متطلب لهناية املقصود فتسري نفائس سفينته برايح جذبته فيصل مس تقر‬
‫االمس الخر ‪ ،‬فتظهر نفائس ومفاخر فياخذ يف السري فيه به ‪ ،‬فتطلع هل‬
‫مشس البقاء ‪ ،‬وتلوح هل بشائر اللقاء ‪ ،‬فيلتف الساق ابلساق ‪ ،‬ويل يف‬
‫ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫‪559‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫قوم لهــــــــم تس بق النوار آذاكر وآخرون ابتدوا مهنا هبا ساروا‬


‫مفن ركب فوق رحي اجلذب يسكل يف ميدان عرفانه ابطيـاره طــــاروا‬
‫واذلكر حقيقة هو مااكن عن شهود ابطن ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف‬
‫ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( مااكن ظاهر ذكر اال عن ابطن شهود وفكر ‪ ،‬آشهدك من قبل‬
‫آن استشهدك ‪ ،‬فنطقت بألوهيته الظواهر ‪ ،‬وحتققت بأحديته القلوب‬
‫والرسائر )‬
‫فظاهر اذلكر هو اذلكر ابللسان كام علمت آهنا ترجامن عن اجلنان ‪،‬‬
‫فالباطن هو اجلنان والظاهر هو اللسان ن فلكام حتمك يف اجلنان شهوده‬
‫نطق اللسان بوجوده ‪ ،‬والشهود هو آثر نور الوصف ‪ ،‬والفكر هو آثر نور‬
‫الفعل ‪ ،‬وحمتد نور الوصف هو الرويح وحمتد نور الفعل هو القلب ‪ ،‬فاذا‬
‫شهد الروح نور الزل آرسج يف زجاجة القلب مصباحا فقابلت الفعال‬
‫اخلفية تكل الزجاجة فانفتحت آبواب الفاكر يف تصاريف القدار يف‬
‫مظاهر الفعال فرتى احاطة القهار فتنطق ابلذاكر وتذعن النفوس‬
‫ابالقرار ‪ ،‬فاذا اكن عىل هذا السبيل سريك حتققت آنه آشهدك وجوده من‬
‫قبل آن يستشهدك حقيقة وجوده ‪ ،‬مفا شهده اال نوره والعرفه اال رس‬
‫ظهوره ‪ ،‬مفاذا آراد آن يشهد عنده جعل فيه آهلية ذل ك الشهود وهو‬
‫الوعاء الوجودي اذلي يشري اليه آهل هللا ‪ ،‬فان آريد ابجلذب كحل حدقة‬
‫رسه بنور امسه الول ‪ ،‬وان آريد ابلسلوك كحل رسه بنور امسه الخر ‪،‬‬
‫وذ ك التكحيل هو جتليه س بحانه لرسار آوليائه يف عامل الغيب يف الغيب‬
‫‪ ،‬فظهر هبا بتجيل آحديته وظهور آلوهيته فشهدته الرسار قبل ظهور‬
‫‪560‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫الهيالك اجلسامنية ‪ ،‬فلام تلبست هبذه الهيالك اجلسامنية طلب مهنا الشهود‬
‫مبا آشهدها يف غيب آعياهنا فنطقت القلوب والرسار بأحديته ‪ ،‬وتقلقلت‬
‫اللسن بظهور آلوهيته فشهدت بنور االمس الول رصف الحدية وانفراد‬
‫القيومية ‪ ،‬وشهدت بنور الخر ظهور اللوهية وعىل هذا املشهد يزنل‬
‫القول والالكم عىل الفريقني ‪ ،‬وتظهر آاثر الطريقني اذلين مه اجملذوبني‬
‫والسالكني ابمجلع للقلوب والرسار ‪ ،‬والفرق يف ظواهر الذاكر واختالف‬
‫معاين الظهور حتت احلجب والس تار ‪ ،‬والبد من ظهورهام مجيعا فاليمت‬
‫مظهر الكامل اال بذ ك وذ ك آثر حمكته البالغة ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫تزامحت لظــــــــــهور احلق آسامء وذاك يف حاليت مجع وتفريــق‬
‫مفن يذوق عقار الوجــــد يصحبــه مجع مع حسن تثبيت وتوفيق‬
‫ومن يكن سالاك والفـرق حالــــته ويقصد امجلع يف عمل وحتقيــق‬
‫واهل الكامل هلم يف الصحو مرتبة مجــــع وفرق مع نسك ومتزيق‬
‫فاذا علمت س بق جتليه س بحانه وتعرفه اىل القلوب والرسائر قبل‬
‫ظهور تصويرها بأنه الحد اذلي اليقبل التعدد يف ذاته وصفاته وآفعاهل قبل‬
‫بروز آاثرها ‪ ،‬فلام برزت يف حال بروز كرثة الاثر استشهدها مبا آشهدها‬
‫آوال ‪ ،‬فنطقت بألوهيته الظواهر ‪ ،‬وحتققت بأحديته القلوب والرسائر ‪،‬‬
‫مفن مل يشهد هذه الحدية مل يتأىت منه النطق ابللوهية وان آشهدها لكن‬
‫المن قرب نطق كذ ك المن قرب ‪ ،‬ويف ذ ك غاية الشان عىل ما س بق‬
‫يف حقيقة العيان ‪ ،‬فاذا علمت آنه اليذكر يف عامل الشهادة ابللوهية اال‬
‫من آشهده رصف الحدية ‪ ،‬فاعرف حق كرامته ك من بني آبناء جنسك‬

‫‪561‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫آن آكرمك بكرامات عديدة ‪ ،‬ولكن ملا اكنت التدخل حتت احلرص ذكر من‬
‫مجلهتا ثالثة خاصة ابذلاكرين ‪ ،‬فقال ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( آكرمك بكرامات ثالث ‪ :‬جعكل ذاكرا هل ولوالفضهل مل تكن آهال‬
‫جلراين ذكره عليك ‪ ،‬وجعكل مذكورا به اذ حقق نسبته دليك ‪ ،‬وجعكل‬
‫مذكورا عنده فمتم نعمته عليك )‬
‫آكرمك آهيا االنسان من بني سائر الكوان قبل آن يكون ك ظهور‬
‫عيان بقوهل القرآن قبل وصف الفرقان { ولقد كرمنا بين آدم } وآشار‬
‫بتكل الكرامة اىل ماخصهم به من مزااي االمتنان وشهادة العيان قبل‬
‫بروزمه اىل الكوان بدليل قوهل بعد ذ ك { ومحلنامه يف الرب والبحر‬
‫ورزقنامه من الطيبات وفضلنامه عىل كثري ممن خلقنا تفضيال } [ الية ‪70‬‬
‫االرساء ] فذ ك التفضيل اذلي آىت به بصيغة املصدر اشارة اىل املبالغة يف‬
‫تفاوت التفضيل وذ ك فرع تكل الكرامة السابقة يف الظهور اخلف امجلع‬
‫الرصف ‪ ،‬م يف التجيل الوصف م يف التخيل الفعيل والثر اخللق‬
‫والظهور امجلع هو قوهل { ولقد كرمنا } والتجيل الوصف قوهل {‬

‫ومحلنامه } والتجيل الفعيل يف الثر احلق قوهل { ورزقنامه } وهذه‬


‫الكرامات اليت آشار الهيا املؤلف ريض هللا عنه من مجةل تفاصيل هذه‬
‫الكرامة امجلعية ‪ ،‬ولكهنا من الكرامات الروحية واملواهب احلقية واللطائف‬
‫القربية جعكل قبل كونك ذاكرا بقوهل { واذلاكرين هللا } وآنت بعد يف عامل‬
‫صورتك ‪ ،‬ولوال فضهل العظمي وكرمه العممي مل تكن لنه كونك ‪ ،‬وذكر‬
‫‪562‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ابلتكوين قبل التايني والتعيني ‪ ،‬م تعنيت وتكونت آقل كون من ماء همني‬
‫برزت من عصارة طني‪ ،‬ويف عامل تعيينك هباء مل تبني ‪ ،‬آهكل بأن آودع‬
‫فيك آهلية ذلكره وموضعا لزنول آمره وهنيه ‪ ،‬ومن آين ك ذ ك وآنت مل‬
‫تتأهل هنا ك ‪ ،‬ولكن بتخصيص فضهل بأن آثبت هلم تكل الخفية ‪،‬‬
‫وهيأمه لتكل الهلية فقال { وآلزهمم لكمة التقوى واكنوا } اشارة منه‬
‫بقوهل اكنوا اىل مجعهم يف غيب الغيب { آحق هبا وآهلها واكن هللا }‬
‫والاكن وصفه ابمجلع اذلايت والتجيل المحدي ‪ ،‬واالمس جتليه ابلفرق‬
‫الوصف ‪ ،‬وآعيان الش ياء يتعني هناك ‪ ،‬هنا علمت آن لك شئ عىل‬
‫جراين اذلكر عىل اذلاكرين يف هذا الظهور اخللق والعامل املليك دليل اذلكر‬
‫يف التجيل احلق والظهور الوصف ‪ ،‬وآكرمك آيضا بأن جعكل مذكورا به‬
‫اذ حقق نسبته اليك ‪ ،‬ولوال تكل النس بة ملا كنت ذاكرا والظهر ك علام‬
‫والخربا والعينا والآثرا ‪ ،‬وجعكل مذكورا عنده فمتم نعمته عليك ‪ ،‬اذ ذكره‬
‫لعبده هو اذلي ينهتي اليه الكرامات س امي اذا حقق هل الوصف ابلعندية‬
‫املفنية للمظاهر الغريايت واحملرقة للحجب الكونيات ‪ ،‬فال آمت مهنا نعمة اذ‬
‫من اكن عنده مذكور ويف حرضته مشكور اليعمل ماهل من الكرامات‬
‫والزلفى { وذلكر هللا آكرب } آي ذكر هللا لعبده آكرب وآعظم من ذكر‬
‫العبد هل ‪ ،‬فال يدري آي الكرامتان آعظم آن جعكل ذاكرا هل آوجعكل‬
‫مذكورا به ؟ وآما جعكل مذكورا عنده فقد حقق لعبده منهتيى املطلوب ‪،‬‬
‫وآانهل غاية املرغوب ‪ ،‬فوصف العندية يقتيض النيابة من هللا عن عبده يف‬

‫‪563‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫سائر احلراكت والسكنات يف البطون والظهور ‪ ،‬والتبقا بقية يكون فهيا‬


‫متسع لظهور الغريية ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫اذ كنت تذكره واال ماانت انسان‬ ‫آكرمك قبل ظهور الكون منان‬
‫من آنت حىت ذلاك القرب ابـــان‬ ‫وكنت مذكور اذ ان ك مش يئته‬
‫من منهتيى غاية التقريب احسان‬ ‫وعنده كنت مذكورا فذاك لنــا‬
‫قال حيىي بن معاذ الرازي ‪ :‬ايغفول ايهجول ؛ لومسعت رصير‬
‫القمل حني جيري يف اللوح احملفوظ بذكرك ملت طراب ‪ .‬قلت ‪ :‬ورصيره‬
‫وهللا آعمل عند ذوي الرسار مسموع اليفارق آسامع قلوهبم ‪ ،‬فذل ك‬
‫الترامه يفرتون عن اذلكر واليس تحرسون ومه آهل العندية الاكئنني يف‬
‫حضورحرضة الربوبية { ان اذلين عند ربك اليس تكربون عن عبادته‬
‫ويس بحونه وهل يسجدون } [ الية ‪ 27‬العراف ] والساعة من آعامرمه‬
‫اليوازهنا آعامر مجة ‪ ،‬لن لك نسمة مهنم اليوازهنا معل الثقلني ‪ ،‬ومن آين‬
‫للثقلني آن يكونوا عنده ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( رب معر اتسعت آماده وقلت امداده ‪ ،‬ورب معر قليةل آماده‬
‫كثرية آمداده )‬
‫رب تأيت للتقليل والتكثري ‪ ،‬والعمر هو مدة احلياة وقد يكون آمده‬
‫كثري وقد يكون آمده قليل ‪ ،‬والعمر اليدخل هل يف االمداد االلهية اليت‬
‫خيتص هللا هبا عباده ‪ ،‬واالمداد يه مايفيضه عىل قلوهبم من مزيد االميان‬
‫‪ ،‬ويتجىل به عىل آرسارمه من الكشف والعيان ‪ ،‬وهذا اليدخل حتت‬
‫الوان بل اذا اختص هللا هبا ذومعر قصري صريته طويال منيال ‪ ،‬واذا مل‬

‫‪564‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫يقسم ذلي معر طويل صار وبيال ‪ ،‬فالعمر اذا خيل عن االمداد االلهية‬
‫اكن حمكه حمك العدم اذا سمل من اقرتاف الكبائر واللمم ‪ ،‬واذا حصبه من‬
‫هللا االمداد صار من آنفس اذلخائر للمعاد ‪ .‬وقد ورد " خريمك من طال‬
‫معره يف طاعة هللا " والطاعة تزن عنده مثقال ذرة من االميان فضال عن‬
‫شهود حرضة االحسان ‪ ،‬والطاعة يكون كاملها ونقصاهنا حبسب ماعند‬
‫االنسان من مزيد االميان ‪ .‬فقد ورد آن الرجالن يس تواين يف العمل وان‬
‫معل آحدمه اىل جنب معل الخر اكذلرة اىل جنب آحد ‪ ،‬وماذاك اال‬
‫حبسب ماعندمه من االميان ‪ ،‬واالميان مودع يف الفطر والقوالب ‪.‬‬
‫واكن رسول هللا صىل هللا عليه وسمل آفضل سائر النبيا وآمته‬
‫فضلت سائر المم عىل قرص معره وآعامرمه ابلنس بة اىل آعامر من قبلهم‬
‫من المم ‪ ،‬فذاك ابلربكة يف العامر القصرية تسري آعامهلم كثرية ‪ ،‬وعلوهمم‬
‫غزيرة ‪ ،‬وشوارق آنوارمه منرية ‪ ،‬فباالمداد ومعمي الفضل والوداد جعل هلم‬
‫بركة الس نة يف احلج وبراكت الليايل يف ليةل القدر ‪ ،‬وبركة الايم يف امجلعة‬
‫‪ ،‬وبراكت الشهور يف رمضان ‪ ،‬وبركة ساعات الليايل يف نصف لك ليةل ‪،‬‬
‫وبركة ساعة الهنار يف صالة العرص يف لك يوم ‪ ،‬اىل غري ذ ك من املدد‬
‫عىل عددالنفاس واحلراكت والسكنات ‪ ،‬فلو آخذان من تعداد ما آودع هللا‬
‫لهذه المة من االمداد لطال وخرج اىل حد االكثار ‪ ،‬لن هللا س بحانه‬
‫آودع عامل االجامل والتفصيل ذخائر الفضل ‪ ،‬وعامل االجامل اذا ظهر فيه‬
‫المر احملمك آرشق يف سائر العوامل التفصيلية لك شئ عىل حس به وحسب‬
‫اس تعداده يكون امداده ‪ ،‬وذ ك مس متر ال انقطاع هل ‪ ،‬عمل ذ ك من علمه‬
‫وهجهل من هجهل ‪.‬‬
‫‪565‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ونعين بعامل امجلال املتلق للفيض القدس املفيض منه الفيض املقدس‬
‫‪ ،‬ذ ك من حيث ظهور الروحانية هو الروح احملمدي ‪ ،‬ومن حيث العمل‬
‫هو العمل العىل ‪ ،‬ومن حيث الصفا هو ادلرة البيضاء ‪ ،‬ومن حيث الفهم‬
‫واالحضا هو العقل حيث ماظهر جتىل لسامئه والمته صىل هللا عليه وسمل‬
‫من هذا امجلع نصيب به اكنت خرييهتم ‪ ،‬وبه قبلت عىل سائر المم شهادهتم‬
‫‪ ،‬وبه انلت ماانلت من الفضائل اليت الحييط الفهم بلكية احصاهئا ‪ .‬ومن‬
‫مجةل ذ ك آن اليزنل مدد زماين آوماكين حيس آومعنوي لطيف آوظاهر‬
‫اال وقد شهد الرشع هلم فيه مبودع فضيةل ‪ ،‬فامحلد هلل رب العاملني ‪ .‬ويل‬
‫يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫مل يغن عنه وس يع ادلهر واملدد‬ ‫فرب معر طويل غري ذي مدد‬
‫انلته آلطاف ماقـــــــوم هل الود‬ ‫ورب معر قصري املد يف العدد‬
‫فالربكة يف العامر يه معدة الخيار ‪ ،‬وعلهيا تدوردوائر البرار ‪،‬‬
‫ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( من بورك هل يف معره ؛ آدرك يف يسري من الزمن من منن هللا‬
‫مااليدخل حتت دوائر العبادة ‪ ،‬والتلحقه االشارة )‬
‫من بورك هل من هللا آيقظ قلبه وبرصه حبقائق الش ياء فرآى‬
‫خزائن السعادة تنادي من قريب ‪ ،‬وذخائر الغيب تقول ‪ :‬هل من مزيد ‪،‬‬
‫ودواع احلقيقة تقول ‪ :‬هل من مصاف آديب ‪ ،‬فهنض الهيا مرسعا وعزم‬
‫هبمته مزمعا ‪ ،‬فأوىف احلقوق وآقلع عن الاثم والعقوق ‪ ،‬فتدارك من آايمه‬
‫ماسلف ‪ ،‬واكن لكه يف لك توجه اليه اقبال ووجه ويد وآذن ولسان‬
‫وعقل وجنان ‪ ،‬ويكون لكه مجع وبرص ومسع ‪ ،‬فاليدخل حتت العبارة‬
‫‪566‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ماانهل من منة هللا ‪ ،‬اذ العبارة التسع االظواهر الش ياء ‪ ،‬وآما املنن االلهية‬
‫واللطاف الرابنية واملواهب الغيبية فالعبارة عهنا تنبوا ‪ ،‬واالشارة دوهنا‬
‫تكبوا ‪ ،‬فاالشارة والعبارة آغيار صادرة عن ايثارات آاثر اليدخل حتهتا‬
‫ماهو صادر عن حرضة قهار ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫من ابرك هللا هل يف العمر ذا الزمن فذاك خمطوب للتقريب واملنن‬
‫فال االشارة يدري ذاك غايــــــهتا واليكيف ابلتعبري يف العـــــلن‬
‫فالعمر سمل تريق يف الرواح وموضع تلق املواهب والفراح ‪،‬‬
‫وهو بذر سعادة البد آوخرسانه ‪ ،‬وفيه تدرك نفائس ادلرجات وتورد فيه‬
‫هما ك ادلراكت ‪ ،‬والتوفيق امس ملوافقة العبد هلل يف سائر احلراكت‬
‫والسكنات ملا هو احملبوب املريض عنده س بحانه ‪ ،‬واخلذالن والعياذ ابهلل‬
‫ضده وهو خمالفة العبد للمحبوابت وتركه للمس تحس نات ومقارفة السيئات‬
‫‪ ،‬ومتابعة رذائل الشهوات والقعود عن اخلريات ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض‬
‫هللا عنه ‪:‬‬
‫( اخلذالن لك اخلذالن آن تتفرغ من الشواغل م التتوجه اليه ‪،‬‬
‫وتقل عوائقك م الترحل اليه )‬
‫اخلذالن اذلي هو ضد التوفيق لك اخلذالن آي مجمع اخلذالن وغاية‬
‫منهتاه آن تتفرغ عن الشواغل املؤثقة الصادة عن االرادة بأن تكفاها وتزاح‬
‫عنك وتنقطع عنك آس باهبا وتغلق دوهنا آبواهبا م التتوجه اليه ‪ ،‬لن من‬
‫حق العبد الخذ يف قطعها وحسم آبواهبا ليهتيأ هل حسن التوجه ‪ ،‬فاذا مل‬
‫يأخذ يف ذ ك اكن ملوما وحاهل مذموما ‪ ،‬وآما اذا انقطعت عنه من غري‬
‫تعمل يف ذ ك م ترك التوجه اليه ‪ ،‬وقلت العوائق املؤثقة عنه م مل ترحل‬
‫‪567‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اليه ‪ ،‬مفا آجدرك ابلندامة اذا وردت عرصات القيامة ‪ ،‬مفن حق العبد آن‬
‫يريم ابلشواغل الصادة هل عن االقبال ‪ ،‬ويبتدر فرصة االهمال ‪ ،‬ويطرح‬
‫العوائق املؤثقة عن معشوق امجلال ‪ ،‬واحلاجبة عن عاليات الحوال ‪ ،‬وآما‬
‫آنه بنعم هللا عليه يقطعها م اليتوجه اليه آوىل بأن يزجر آوراك العزامئ ‪،‬‬
‫ويشد حل آرائك اهلمم ‪ ،‬واال فقد ابء بندامة عىل ندامة ‪ ،‬ويل يف ذ ك‬
‫شعرا ‪:‬‬
‫ومل يواجه بلك القلب مــــــواله‬ ‫من ابينته شواغل لك نــائبــــة‬
‫بل حرسة حبريق الفوت تصاله‬ ‫فذاك خذالن ال تعقبه مكرمة‬
‫فاذا تفكر العبد فامي ينيهل هللا من جزيل ثوابه ويقيه من وبيل‬
‫عقابه هنض الحماةل يف طريق العزمية ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه يف‬
‫هذا الفصل ‪:‬‬
‫( الفكرة يه سري القلب يف ميادين الغيار )‬
‫الفكرة اليت يه نعت ذوي الرسار الصافية والعبارات الوافية اليت‬
‫آمر هللا هبا ترصحيا وتلوحيا يف حممك كتابه ‪ ،‬ونبه علهيا رسول هللا صىل هللا‬
‫عليه وسمل يف فصيح خطابه ‪ ،‬قال هللا س بحانه { آومل يتفكروا يف‬
‫آنفسهم } [ الية ‪ 8‬الروم] وبتكل الفكرة يصل العارفون اىل رصحي التوحيد‬
‫يف مواضع التفريد ‪ ،‬وجيمع متفرقات التعديد ويشاهد قوهل يف الية نفسها‬
‫{ ماخلق هللا السموات والرض اال ابحلق } فعىل ذ ك الكزن عرث‬
‫املقربون فرآوا ماذا بعد احلق اال الضالل والضالل هو العدم ‪ ،‬فانظر كيف‬
‫سارت آرسارمه يف جنح آفاكرمه وآقلعت هبم يف حبار الكوان حىت آابنت‬
‫‪568‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫هلم هنج احلق الظاهر ونور القدس الباهر ‪ ،‬وعند ظهور ذ ك تنقطع الفكر‬
‫وتمنح الغري ‪ ،‬ويذهب شهود العرب والثر ‪ ،‬والفكرة تكون حبسب‬
‫املتفكرين ‪ ،‬فقوم يتفكرون يف انرصام ادلنيا وادابرها ورشف الخرة‬
‫ودواهما فيحملهم عىل ايثار الرشيف ادلامئ عىل ضده ‪ ،‬وقوم يتفكرون فامي‬
‫آعد هللا لهل اجلنان من ادلرجات حبسب مامه عليه من القيام بوظائف‬
‫الطاعات واجتناب الهفوات ‪ ،‬فيحملهم ذ ك عىل بذل الوسع يف طلب‬
‫ذ ك ‪ ،‬وقوم يتفكرون يف آالئه وحسن جامهل يف عطائه وبالئه فيحملهم‬
‫ذ ك عىل ازدايد احملبة للحبيب ‪ ،‬وقوم يتفكرون يف تلوين النوار يف‬
‫الطوار فيحملهم ذ ك عىل حسن االستبصار والفاكر يف جعائب صنعه يف‬
‫القطار وتقلب الليل والهنار ‪ ،‬وبذ ك تنجيل عن القلوب كثائف الظمل‬
‫والغيار ‪ ،‬وتفتح آبواب الغيوب واالعتبار ذلوي البصار ‪ ،‬فاعتربوا‬
‫ايآويل البصار ‪ .‬فاذا اكن هذا من بعض آقسام الفكر علمت رشفه وآنه‬
‫مخ العبادة كام ورد بذ ك اخلرب ‪ ،‬وهذا لكه آي الفكر اليكون اال يف‬
‫ميادين الغيار ومطالعة الصور والاثر اليف ذات الواحد القهار ‪ ،‬ويل يف‬
‫ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫الفكر سري قلوب السالكني اىل هنج احلقيقة والتوحيد يف الغـري‬
‫فيس تدلـون ابلش ياء عليــــه وال يكون يف ذاته ابلكيف واحلرص‬
‫فالقلوب اذا خليت عن الفاكر انطمست بظمل الغيار ذل ك قال‬
‫املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬

‫‪569‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫( الفكرة رساج القلب ‪ ،‬فاذا ذهبت فال اضاءة هل ‪ ،‬الفكرة فكراتن‬


‫‪ :‬فكرة تصديق واميان ‪ ،‬وفكرة شهود وعيان ‪ ،‬فالوىل لرابب االعتبار ‪،‬‬
‫والثانية لرابب الشهود واالستبصار )‬
‫الفكرة اليت خص علهيا وندب الهيا ووقع املدح لصاحهبا رساج‬
‫القلب آي نوره فهيا تعلوا تباشريه ويه الفكرة يف عواقب المور ‪ ،‬والفرق‬
‫بني الظلمة والنور فامي عليه العوامل تدور وفامي صاروا اليه آهل القبور ‪ ،‬وفامي‬
‫يناهل آهل احلبور والقصور ‪ ،‬ومبا حظ به آهل احلضور من رفع الس تور‬
‫ودوام احلضور ‪ ،‬فهبذه التجارة اليت لن تبور ترشح بأنوار احلضور يف‬
‫الصدور ‪ ،‬ان النور اذا دخل القلب انرشح وانفسح ‪ ،‬احلديث بطوهل ‪،‬‬
‫فاذا خيل القلب عن هذه الفكر ومل تبارشه هذه الغري فال اضاءة النطامسه‬
‫واحنباسه يف حمصور آجناسه وآساسه ‪ ،‬ولكن الفكرة فكراتن كام قدمنا‬
‫ذ ك ‪ :‬ففكرة تصديق واميان ويه فكرة العباد والزهاد مبا وصل الهيم من‬
‫سامع قوهل تعاىل { اي آهيا اذلين آمنوا اس تجيبوا هلل وللرسول اذا دعامك ملا‬
‫حيييمك } [ الية ‪ 24‬النفال] فأجابوا دعوته ابلتصديق واالميان فعربوا عن‬
‫املشاهد من المور اىل الغائب ‪ ،‬وفكرة شهود وعيان ويه ذلوي الشهود‬
‫واالستبصار اذلين ابرش نور العمل قلوهبم ‪ ،‬ومغرت آنوار الشهود آرسارمه‬
‫ومه املعنيني بتعلمي هللا هلم يف آخر الية حيث قال { واعلموا آن هللا‬
‫حيول بني املرء وقلبه } ومل يكونوا عاملني بذ ك حق العمل اال ابس هتالك‬
‫سائر القوى مهنم ‪ ،‬وفناء سائر الحوال يتجىل آنوار الزال ومااليداخهل‬

‫‪570‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫املثال والحيول حوهل املقال من جتليات حمرقات اجلالل ومرشقات امجلال ‪،‬‬
‫ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫الفكر يف القلب نور يس تضاء بــــه شهود نور وجود احلق فاعتـــــــرب‬
‫ولك قلب خيل عن ذاك فهو عىل طمس العدم قط مل خيرج عن الغري‬
‫والفكر آيضا عىل قسمني فاعمل بأن القول حيمك ابستبصار ذي النـــظر‬
‫ولك من اكن حتت احلجب يعلمــه بصدق اميان حتقيق وابلعــــــــــــرب‬
‫وبعد ما آهنيى الالكم يف الفكرة آخذ يتلكم يف نتيجهتا وهو مايفتح‬
‫من حسن املعامةل هلل عىل صدق العزمية وجتريد اهلمة ‪ .‬ومما كتب به‬
‫لبعض اخوانه بقوهل ‪ :‬فان البداايت حمالت الهناايت يف لك المور ‪ ،‬مفن‬
‫اكن مبارك البداية اكن مميون الهناية ‪ ،‬ومن اكنت بدايته ابهلل اكنت اليه‬
‫هنايته ‪ ،‬ولك مبتدي لمر يكون انهتاءه اليه وتظهر مثرة ذ ك املقصد عليه‬
‫كام قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( وآن من اكنت ابهلل بدايته اكنت اليه هنايته )‬
‫ومعىن البداية ابهلل آن يكون يف آول لك آمر يبدآ فيه شاهدا‬
‫حلوهل وقوته كام ورد يف احلديث " لك آمر ذي ابل ‪ ،‬آي حال هيمت به‬
‫اليبدآ فيه بذكر هللا فهو آجذم " آي جمذوم مقطوع الربكة ‪ ،‬واملريد‬
‫الصادق اذا اكن يف آول بدايته مس تعينا ابهلل دام سلوكه ووصل بغيته‬
‫ومراده ‪ ،‬وهو انكشاف المر هل شهودا آوعياان بعد آن اكن علام وامياان ‪،‬‬
‫ومن اكن آول بدايته بشهود نفسه وما مهنا انهتيى اىل جعز وعدم ‪ ،‬فاذا اكن‬
‫املريد مس تعينا يف مجيع حراكته وسكناته يف بدايته عىل الغيب العىل‬
‫الكشف انكشف هل يف هنايته حقيقة ذ ك عىل الشهود والعيان ‪ ،‬فيبقى‬
‫‪571‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫قرير العني متسع اجلنان ملا جيد من ورود روح الرمحن الوارد ابلتأييد عىل‬
‫ممر الزمان ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫من اكن ابهلل مبدا آمره فكـــــذا يكون هلل غاايت الهنايــــــــــات‬
‫ومن يكون عىل الغيار معمتـــدا فمل حيقق حتقيق البــــــــــداايت‬
‫والسالكني عىل هنج السبيل هلم عمل وعني وحــــــــق مس تقاميت‬
‫فالعمل غيب ونور العني يكشفها للحق من وصفه املصيون آايت‬
‫واذا اكن املريد مجموع هلم عاكف الرس عىل هللا شغل الحماةل عن‬
‫الغيار وذهل عن الاثر ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( واملش تغل به هو اذلي آحبه وسارع اليه ‪ ،‬واملش تغل عنه هو‬
‫املؤثر عليه )‬
‫ومن عالمة حتقيق البداية للمش تغل به عام سواه ونف لك شاغل‬
‫اال اايه مع احملبة والطوع واملسارعة اىل احملاب من غري ملل والسأمة ‪،‬‬
‫فعالمة كونه حمبواب ك الشغل به عام سواه من مجيع ماحتبه وهتواه وايثاره‬
‫عىل ماعداه ‪ ،‬وعالمة املش تغل عنه من احملبوابت الغريية هو املؤثر عليه ‪،‬‬
‫هذه عالمة داةل عل ايثاره عىل الغيار والتؤثر عىل حمبوابتك اجلبلية اال‬
‫اذا عرفت رشف ما آنت تطلب وترغب فيه من املشاهدات الروحية‬
‫والتدليات اللطفية ‪ ،‬فالشك هيون مفارقه وتؤثره الحماةل عىل لك مرغوب‬
‫‪ ،‬والشغل به هو طلب التحقق مباكرم الخالق والتعلق مبشاهدات االلهية‬
‫‪ ،‬واخلضوع لعظمة الربوبية ‪ ،‬واالنطوا واالس تاكنة يف كهف العبودية مع‬
‫احملبة ذل ك واالغتباط به واملش تغل عنه هو احلظوظ والشهوات الرضية‬

‫‪572‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫والطبائع احليوانية ‪ ،‬عرفنا هللا قدر مانطلب حىت يكون لك انشغالنا طلبه‬
‫فنش تغل عن احلظوظ العاجةل ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫هلم اىل غريه يف الكون تعويـــل‬ ‫فالشغل ابهلل دآب الصادقني مفـــا‬
‫يرون يف الناس شعث المقام هلم مابني آظهرمه غـــــــربا جماهيل‬
‫اليرثرون عىل احملبوب اكن لهـــــم شغل عن ماسواه اال مشاغيل‬
‫فاليقني آساس مباين املقامات والتولك مثرة جشرة الفتوحات ‪،‬‬
‫ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه عاطفا عىل ما آسلفه من الالكم يف هذا‬
‫املقام ‪:‬‬
‫( وان من آيقن آن هللا يطلبه صدق الطلب اليه ‪ ،‬ومن عمل آن‬
‫المور بيدهللا اجمتع ابلتولك عليه )‬
‫مفن آيقن واليقني ؛ هو السكون وعدم االضطراب مفن آيقن آي‬
‫اس تقر يقينه ومتكن اميانه وابرش سويداء جنانه آن هللا يطلبه ابلوفاء حبق‬
‫الربوبية ؛ صدق الحماةل يف طلبه بأداء العبودية عىل آمكل وجه وآمت هيئة‬
‫ملا شاهد من عظمة الربوبية وكامل اللوهية ‪ ،‬فيحمهل احلياء الحماةل واحلب‬
‫عىل الوفاء وحيثه عىل مباردة الصفا ‪ ،‬وحيمهل عىل ترك اجلفا فيويف هبذا‬
‫املشهد حق رشيعته ‪ .‬ومن عمل العمل احلقيق اذلي شاهده اخلش ية وهو ما‬
‫اكن من فتح الغيوب يف لطائف الرسار والقلوب ‪ ،‬المور الصادرة من‬
‫خري ورش ونفع ورض وموت وحياة اىل غري ذ ك من مقتضيات الش ئون ‪،‬‬
‫وآاثر السامء بيد هللا آي ارادته وقدرته وآمره وماهو مراده عنده يف غيب‬
‫علمه ‪ ،‬فاليد معلومة والكيفية جمهوةل والسكوت يف مثل هذه املتشاهبات‬
‫حسن محمود ‪ ،‬وردها اليه عند السالمة من املعارضات ‪ ،‬وآما آذا آحتيج‬
‫‪573‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫لتأويل لرد مبتدع آومل جيد االنسان طمأنينة فيعدل اىل مثل هذه‬
‫التأويالت ‪ ،‬فاذاعمل ذ ك االنسان علام قواي اثبتا محهل ذ ك عىل التولك‬
‫عىل هللا الحماةل ‪ ،‬والتولك عىل هللا هو عبودية القلوب هلل ملا يلوح‬
‫للقلوب من لواحئ احلقيقة ‪ ،‬فاالضطراب مع ملعان تكل السحاب خطا‬
‫ويسمونه يف تقس مي طريقه شهود رصف احلقيقة فيؤيف احلقيقة يف ذ ك‬
‫املقام كام وفا حبق الرشيعة يف مقام االميان اذلي عرب به ابليقني ‪ ،‬ويل يف‬
‫ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫من اكن يوقن بأن هللا يطلبه صدق هل يف مبادي ظاهر الطلب‬
‫ومن عمل منه آن المر حممكه بيد االهل سمل من مــــورد العطب‬
‫وعطف آيضا بقوهل عىل الكمه املتقدم ‪:‬‬
‫( وآنه البد لبناء هذا الوجود آن تهندم دعامئه وآن تسلب كرامئه )‬
‫وآنك آهيا االنسان الحيزنك مايفوتك من هذه احلظوظ العاجةل‬
‫والذلات الفانية واخلياالت الكونية ‪ ،‬فاهنا الحماةل آن تهندم هذه البنيان‬
‫املش يدة ‪ ،‬وآن تبيد هذه احملاسن العتيدة ‪ ،‬وتتفرق هذه امجلوع العديدة ‪،‬‬
‫وتفىن هذه الوجوه النامعة النرضة ‪ ،‬وتزول هذه الرواحئ العطرة ‪ ،‬وتسلب‬
‫الكرامئ احملبوبة فتيمت الودلان وجتدد الكفان ‪ ،‬وتتغري اللوان ‪ ،‬وترمل‬
‫النسوان ‪ ،‬وتنهتب اجلامثن طوارق احلداثن ‪ ،‬وتفرق امجلوع وتذرف لفراقه‬
‫ادلموع ‪ ،‬وتبيد مجموع جسمه من الش تات حسائب مهوع ‪ ،‬فكيف اليسىل‬
‫عام هو عن قريب صائر اىل الفناء والش تات ‪ ،‬واذا علمت آن هذه املالذ‬
‫احملبوابت البد آن تزول عنك آوتزول عهنا ‪ ،‬فالجرم التعبأ مبا فاتك مهنا‬
‫ان كنت ذا عقل سلمي ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫‪574‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫البد هذا البنا املشهود ظاهره آن يهندم منه بنـــــــــيان وآراكن‬


‫ولك مااكن من مجع يرس بــــه سلب كرامئ مايف الكون ايانسان‬
‫فاذا اكن العقل سلامي نظر يف عواقب المور وبواطهنا فمل يغرت‬
‫بظاهر زينهتا ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( فالعاقل من اكن مبا هو آبقى آفرح منه مباهو يفىن ‪ ،‬قد آرشق‬
‫نوره وظهرت تباشريه )‬
‫العاقل حقيقة من اكن مبا هو آبقا وهو اجلزاء الخروي املوعود ملن‬
‫صرب عن هذه ادلنيا الفانية وليس كذ ك اال الزاهدون كام آفىت بذ ك امامنا‬
‫الشافع ريض هللا عنه حيث قال ‪ :‬لووقف عىل آعقل الناس رصف اىل‬
‫الزهاد يف ادلنيا ‪ .‬قد آرشق نوره يف سويداء قلبه كام ورد ‪ :‬آن النور اذا‬
‫دخل الصدر انرشح مبعىن اتسع ‪ ،‬واليتسع اال ابلنور عليه من هللا ‪ ،‬وهو‬
‫اذلي آشهده بواطن المور وعواقهبا لنه نزل منه يف الباطن ‪ ،‬قال هللا {‬

‫آمفن رشح هللا صدره لالسالم فهو عىل نور من ربه } [ الية ‪ 22‬الزمر ]‬
‫وظهرت عىل الباطن تباشريه فأرشق عىل ظاهر البرش آنوار التباشري‬
‫فرتكت العامل والقوال وحسنت منه الحوال ‪ ،‬وآرشقت ظاهر الزجاجة‬
‫وانبسط عليه شعاع املصباح ‪ ،‬فظهر عىل ظاهره شعاع الصالح ‪ ،‬والح‬
‫عىل وهجه شاهد الفالح ‪ ،‬فتظهر منه آفعال محيدة وصفات مجيةل ‪ ،‬ويل‬
‫يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫العاقل الاكمل الفــــــرد اذليك اذا مل يـؤثر الفاين ادلاين عىل البــايق‬
‫قد آرشقت يف سويداء القلب نور وما عىل الظـــــواهر من آاثر ارشاق‬

‫‪575‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫آضا بزيت يف املشاكة منه مفــــــا يف القلب يظهر يف مسع وآحداق‬


‫ومن عالمات وصول النور اىل الصدر ماذكره املؤلف وهو مقتبس‬
‫من معىن احلديث ‪ ،‬ذل ك قال ‪:‬‬
‫( فصدف عن هذه ادلار مغضبا ‪ ،‬وآعرض عهنا موليا ‪ ،‬فمل يتخذها‬
‫وطنا ‪ ،‬والجعلها سكنا )‬
‫هذه غاية النفرة عن ادلنيا وهو الصدوف حيمت مسالكها وجيتنب‬
‫مواطهنا واليوايل آنباهئا ‪ ،‬وآهل الرغبة فهيا قد غضيا عني قلبه عن زخارفها‬
‫وقذا آفاهتا لئال يصيب قذاها عني بصريته فيختلط نظرها ‪ ،‬وحلدقة‬
‫البصرية املنرية آوىل ابلصيانة من احلدقة الظاهرة اذ ابحلدقة الظاهرة ينظر‬
‫الغيار الفانية ‪ ،‬وابلبصرية يشاهد الرسار العلية واملقامات الخروية ‪،‬‬
‫وآعرض بظاهره موليا كام فعل رسول هللا صىل هللا عليه وسمل ملا عرض‬
‫عليه النصار فعرض بوهجه عهنا فيقولون ايرسول هللا ‪ :‬اان نعرض عليك‬
‫كرامئ آموالنا لتنظرها ‪ ،‬فيقول صىل هللا عليه وسمل ‪ :‬ان ريب آمرين آن ال‬
‫آنظر اىل زهرة احلياة ادلنيا ‪ ،‬فقال جل ذكره { والمتدن عينيك اىل مامتعنا‬
‫به آزواجا مهنم زهرة احلياة ادلنيا } [ الية ‪ 131‬طه ] آوكام قال ‪ .‬فمل يتخذها‬
‫وطنا بل اكن اكملسافر العجل اىل الوطن احملبوب كام قال القائل يف ذ ك ‪:‬‬
‫مس توفزون عىل رجل كهنم وقد يريدون آن ميضوا وقد رحلوا‬
‫فاالعراض عهنا والتويل دليل عىل االغضاء ابلقلب عهنا ‪ ،‬بل شهد‬
‫الخرة اقرب اليه مهنا ‪ ،‬واكن بلكية اهامتمه مقبال علهيا ومؤثرا لها ‪ ،‬هذا‬

‫‪576‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫نظر آويل العقول والعلامء الفحول ‪ ،‬حتروا فهيا نظر آويل اللباب ‪ ،‬واقتفوا‬
‫آاثر النبياء وسادات الولياء اذلين مل يس توطنوها كام قال قائلهم ‪:‬‬
‫ان هلل عبـــــادا فطنا طلقوا ادلنيا وخافوا الفتــنا‬
‫نظروا فهيا فلام علموا آهنا ليست حل وطـــــــنا‬
‫جعلوها جلة واختـــذوا صاحل العامل فهيا سفــــنا‬
‫ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫قد آمغضوا عن زخارفها ومانظروا لزينة بل عىل الغيار قد صــدفوا‬
‫وآعرضوا عن ظواهرها وماوقــفوا وابينوا لك مألوف قد اقـــــــرتفوا‬
‫وخامرت قهوة العرفان فاتصفــــوا بعامل القدس والتحقيق فاعرتفـــــوا‬
‫فاذا عرف فناء هذه ادلار وامضحالل الغيار مل يقر ملطية عزمه‬
‫قرار ‪ ،‬وآهنج هنج احلقائق والرسار ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( بل آهنض اهلمة فهيا اىل هللا ‪ ،‬وصار فهيا مس تعينا به يف القدوم‬
‫عليه )‬
‫هذا آحص طرق املريدين وآجنح وسائل السالكني ‪ ،‬وذ ك بأن‬
‫جيعل هللا هلم مهم علوية تهنض هبم اىل الخذ ابللكية اىل املنازل القدس ية‬
‫واملشاهد احلقية ‪ ،‬ومع ذ ك مه فهيا مس تعينني به فامي مه بصدده من‬
‫االنكامش يف العبادات ‪ ،‬والتخلق ابلخالق امحليدات ‪ ،‬واجتناب مصائد‬
‫الشهوات ومعاطب الهفوات ‪ ،‬فهم قامئون بظواهرمه بكامل العبادات‬
‫ومباينني حبائل العادات ‪ ،‬ومس متسكني بقلوهبم وآرسارمه بورود اللطاف‬
‫وسوابغ املنن وتزنل الرحامت ‪ ،‬ونزول الرباكت واملعوانت من خالق‬
‫الربايت ‪ .‬مفن اكن هبذه احلاةل فقد آدرك خالص االرادة وانل مثرة السعادة‬
‫‪577‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ومل ينقطع عن هللا مبألوف العادة ‪ ،‬فاحلمك املتقدم ذكرها للمريد يف التجيل‬
‫وهو مل ايخذ يف السري اىل هللا ‪ .‬وقوهل ‪ :‬بل اهنض اهلمة فهيا ؛ آي ادلنيا‬
‫لن فهيا ميدان السلوك وهذه آي آهنا ابتداء يف السري وهو الخذ يف‬
‫التجيل ويكون مس تعينا يف ذ ك ابهلل ليصل اىل نيل بغيته وغاية مقصده ‪،‬‬
‫لن من اكن ابهلل اس تعانته توالت من هللا اعانته ‪ ،‬واذا مل يكن من هللا‬
‫اعانة مل تغن عنه ظواهر الدةل ومل تنفعه اضاءة الشموس وآنوار الهةل ‪،‬‬
‫ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫عن الشوائب والشغال ابلغــــــري‬ ‫من بعد ماخييل االنسان ساحته‬
‫وشاهد الرس مبسوطا عىل الصور‬ ‫الشك آن السبيل احلق ابن لـه‬
‫فاذا حصت هذه احلاةل اليت يه االعامتد عىل فضل هللا واعانته مل‬
‫تزل مطية العزم يف السلوك جادة كام قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( مفازالت مطية عزمه اليقرقرارها دامئا س يارها ‪ ،‬اىل آن آانخت‬
‫حبرضة القدس وبساط النس ‪ ،‬حمل املفاحتة واملواهجة واجملالسة واحملادثة‬
‫واملشاهدة واملطالعة ‪ ،‬فصارت احلرضة معشعش قلوهبم ‪ ،‬الهيايأوون والهيا‬
‫يسكنون )‬
‫حفيث اكن املريد كام وصفنا من ظاهرته عن الكدار ‪ ،‬وختليه عن‬
‫الغيار ‪ ،‬وتصفيته عن كدر الاثر واكن مع ذ ك آخذا يف السري يف آطوار‬
‫الوجود قاصدا التجيل والشهود ‪ ،‬مازلت عن املقصد والحالت عن‬
‫الطريق مطية عزمه ‪ ،‬ونسبته عزميته وقوته آردان ابملطية ‪ ،‬واملطية يه‬
‫النجيبة من االبل اخملتارة لقطع املسافة البعيدة يف املدة القريبة ‪ ،‬وليست‬
‫لك االبل كذ ك بل ال تسمى مطية اال اليت تس متط السري ومتط هل من‬
‫‪578‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫بني االبل لقوهتا وصربها ‪ ،‬فهذه عبارة حس نة كام هو عادته يف الكمه‬


‫االس تعارة يف المور احلس ية للمور املعنوية ‪ ،‬ليفهم ذ ك لك السامعني ‪،‬‬
‫ويقرب اىل الفهام معىن الالكم ‪ ،‬اليقر قرارها ؛ والقرار هو السكون‬
‫والركون ‪ ،‬وعزمية الصادق التسكن وال اىل شئ دون املراد ‪ ،‬ومرادها‬
‫ومنهتيى مقصدها هو الكون يف آطوار وآنوار التجيل واحلضور ‪ ،‬ورفع‬
‫احلجب والس تور دامئا يف س يارها ‪ ،‬مل تقطع سريها العوارض والتقيد‬
‫العوائق ‪ ،‬فمل تزل كذ ك جادة يف السري قائةل ‪ :‬الضري اان اىل ربنا منقلبون‬
‫‪ ،‬اىل آن وصلت اىل غاية املراد ومنهتيى قصد القصاد وحيل كرامة الرائدين‬
‫والوفاد بفائضات املواهب واالمداد ‪ ،‬وحيث تنتج جنائب الطالب بباب‬
‫املفضل الوهاب ‪ ،‬وحيث يواجه الحباب ابلتجيل واخلطاب ‪ ،‬وحيث‬
‫يرفع عن احلبيب السرت واحلجاب ‪ ،‬وحيث يؤذن ابلسؤال واحلجاب ‪،‬‬
‫هناية سري اهلمم واستبانة الطريق المه واملهنج القوم ‪ ،‬وجتيل الرسار‬
‫ورشوق آنوار احلرضة القدس ية عن لوث رؤية الغيار ‪ ،‬املزنهة عن كثافة‬
‫الاثر ‪ ،‬حضرية القدس والتقديس هو التطهري ‪ ،‬والقدس هو احملل الظاهر‬
‫النفس العز ‪ ،‬وعند الكون يف هذه احلرضة القدس ية والرتبة الريبية‬
‫تظهر آرسار وشوارق آنوار فيمنح عن آنيته ويغيب عن شاهد عينيته ‪،‬‬
‫فاليبقى هل آثر واليسمع هل خرب ‪ ،‬فتتخلف هنا ك عنه آاثره وتمنح عنه‬
‫شواهد آفعاهل وآوصافه ‪ ،‬فيأخذ يف السري فيه بعد السري اليه ‪.‬‬
‫وآشار املؤلف رمحه هللا اىل بعض مايتجىل للواصلني من سنيات‬
‫الحوال وبساط النس ‪ ،‬فاالشارة ابلنشاط اىل التجيل يف حاةل البسط‬
‫وهو مايبسط هللا لعبده من آرسار التويل واللطاف ‪ ،‬والتجيل ماحيول‬
‫‪579‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫بينه وبني ربه وجود الغيار وظهور الاثر ‪ ،‬فاليشهد جنة والانر ‪ ،‬ويدار‬
‫اليرسة عىل عقار حتت مالبس وخامر ‪ ،‬فيختار واليعرج عىل سكن‬
‫والدار وال آهل والعقار ‪ ،‬بل غريق يف حبار التبني فهيا اجلهات والقطار‬
‫‪ ،‬ومستبدل ابلنس عن النس فيوانس بأنواع مالطفات وذليذ حماورات‬
‫وخف مسارات وشهي مسامرات ‪ ،‬حمل الفاحت بفتوح العلوم الادنيات ‪،‬‬
‫واخلزائن العرش يات ‪ ،‬واذلخائر الوصفيات ‪ ،‬واملعاين اذلاتيات ‪ ،‬واملواهجة‬
‫ابلتجليات الوصفيات ‪ ،‬واحملاسن العليات يف العلوم اجلربوتيات ‪ ،‬والغيوب‬
‫العرش يات ‪ ،‬واجملالس يف احلضائر اذلكرايت " آان جليس من ذكرين "‬
‫واحملادثة ابنكشاف معاين اللكم القدس يات ‪ ،‬واالشارات القربيات ‪،‬‬
‫واخملاطبات الروحيات ‪ ،‬وانتشار مااس تودع يف اذلوات من اخلطاب يف‬
‫عامل اذلرات ‪ ،‬يوم آلست مبا اكن وما هو اكئن اىل يوم نرش الموات ومجع‬
‫الش تات ‪ ،‬ونرش الصحائف ابحلس نات والسيئات ‪ ،‬واملشاهدة للتجليات‬
‫الوصفيات ‪ ،‬واملطالعة للنوار اذلاتيات ‪.‬‬
‫فاذا اكن كذ ك فالشك آنه بني املشاهدات واخملاطبات مل يبق هل‬
‫بقية التفات اىل ماض وال اىل آت ‪ ،‬بل صارت احلرضة لقلبه دار ولرسه‬
‫قرار ولروحه عقار ‪ ،‬فاالشارة ابملعشعش اذلي هو مسكن الطري آوىل من‬
‫التعبري بغريه ‪ ،‬لن القلب من العامل الساموي الرويح ‪ ،‬وآهل ذ ك العامل‬
‫موصوفون ابلجنحة آويل آجنحة ‪ ،‬والطري التسكن يف غري وكرها ‪ ،‬والتقر‬
‫دون معشعشها ‪ ،‬فالهيا تأوي وفهيا تسكن وتثوي ‪ ،‬اذا آوت النفوس اىل‬
‫الشهوات وسكنت ابلس باب ادلنيوايت ‪ ،‬وتقيدت ابلعادات الطبيعيات ‪،‬‬
‫فأرواح الواصلني متنعمة يف تكل احلضائر الزليات ادلامئة البدايت ‪،‬‬
‫‪580‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫الخيشون من انقطاعها عهنم وال انفالهتا مهنم ‪ ،‬اذا صيل حبرارة الفراق‬
‫وآقلق للمساق عن الهل واملال من اكن لها عشاق ‪ ،‬عند بلوغ الروح‬
‫الرتاق ‪ ،‬فيحرتق رسه بنار الفراق وخوف االشفاق مما هو الق ‪.‬‬
‫فهذه عبارات مليحة من بعض معاين يفتح هللا هبا عىل الصادقني‬
‫‪ ،‬وينهتي اليه سري السالكني ‪ ،‬فان اكن هللا يريد آن يرجعه لالرشاد‬
‫ويقرب آهل االشقاق والعناد ‪ ،‬ويطوي برؤية املسافات البعاد ‪ ،‬ويوصل‬
‫هل اليه طوائف الزهاد والعباد ‪ ،‬آنزهل يف الوجود مرسبال مبالبس الرسار‬
‫‪ ،‬ومؤيدا بشوارق النوار ‪ ،‬يزنل يف الطوار ويتخىل عن الاثر بنور يف‬
‫صورة انر حترق كثائف الغيار ‪ ،‬ويلبس جتيل امسه القهار ‪ ،‬فيقهر الظمل‬
‫والرشار ‪ ،‬وان شاء س بحانه جعهل غريق التجليات والنوار ‪ ،‬فالتسمع‬
‫منه الخبار ‪ ،‬فاذارد اىل الغيار آانح بعد االصطبار ‪ ،‬ردوا ايل حبييب‬
‫ايل فليس هل عين اصطبار ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فمل يقر هبا من دوهنا الغــــــــــــــري‬ ‫مطية العزم للعبادمقــــــــــــــــبةل‬
‫مدمية السري عن ساق بالهمـــــل ماعاقها حر هجري ال وال مطــــــــر‬
‫وبسط آنس حمــــــل الفتح والظفر‬ ‫حىت آانخت عىل عليـــــا مقدسة‬
‫ذاك التجيل بــــروق الناظر النرض‬ ‫وواجه القادم الوجه العـــزيز ويف‬
‫طيب احلديث متــام النس ابلسمر‬ ‫وجالس الضيف اكراما والطـفــــه‬
‫عن العيون وشاهد بره النظـــــــــر‬ ‫وطالع آوصاف ما يف الصون منكمت‬
‫يأوي الهيا قلوب السادة الغــــــرر‬ ‫فصارت احلرضة العليا معشعشهم‬
‫وساكنت خري مألــــوف به آلفت من بعد طـول بعــــاد آورثت رضر‬

‫‪581‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فان آنزهلم هللا يف الوجود بعد اس تكامل حقائق الشهود عاد اىل‬
‫الش ياء ابهلل كام خرجوا عنه به كام قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( فان نزلوا من سامء احلقوق وآرض احلظوظ فباالذن والمتكني ‪،‬‬
‫والرسوخ يف اليقني )‬
‫فمل يزنلوا اىل احلقوق بسوء الدب والغفةل وال اىل احلظوظ‬
‫ابلشهوة واملتعة ‪ ،‬بل دخلوا يف ذ ك ابهلل وهلل ومن هللا واىل هللا ‪ ،‬فان‬
‫آراد س بحانه حصومه بعد حمومه وفرقهم بعد مجعهم آنزهلم مؤيدين ابلروح‬
‫الرابين منصورين ابلعز الصمداين ‪ ،‬قاهرين ابدلمع احلقاين ؛ آنزهلم يف‬
‫آطوار الوجود يكتس بون كامل احلق يف مظاهر الوجود ‪ ،‬مؤيدين حلقائق‬
‫الواحد املعبود ‪ ،‬فيزنلون من منهتيى هناية امجلع الحدي اىل سامء ظهور‬
‫جتيل معاين السامء ومقتضيات الش ئون ‪ ،‬فريجعون الهيا ابلدب واليقظة‬
‫‪ ،‬ونزهلم آيضا اىل آرض احلظوظ البرشي ليس ابلشهوة واملتعة كام ذ ك‬
‫شان آهل احلجاب والقطيعة دخول الش ياء حبمك الشهوة والطبيعة ‪،‬‬
‫ورجوعهم تمكيل للعباد ورمحة للبالد ‪ ،‬فهم بطريق االشارة الفرقة النافرة‬
‫والعصابة الظافرة { فلوال نفر من لك فرقة مهنم طائفة ليتفقهوا يف ادلين‬
‫ولينذروا قوهمم اذا رجعوا الهيم } [ الية ‪ 123‬التوبة ] فاس تفادوا احلس نيني ‪:‬‬
‫الفقه يف ادلين ورشوق اليقني ‪ ،‬ويرجعون اىل الش ياء هبذه الوصاف‬
‫متصفني ‪ ،‬وهبذه اخلالل متحليني ‪ ،‬فيدخلون يف الش ياء ابلفقه والبصرية‬
‫‪ ،‬فال ايخذون واليذرون واليعطون والمينعون واليتحركون واليسكنون‬
‫اال عن اذن من هللا ‪ ،‬شاهد ذ ك يرتآى هلم يف الوجود عياان ‪ ،‬ولكن‬

‫‪582‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫يتأدبون مع احلمك الرشع ‪ ،‬حيمكون عىل آنفسهم مبا كوشفوا دون غريمه اال‬
‫من طريق الفتوى ‪ ،‬فهم اذلين وقعوا عىل حقيقة المر اذ مه احملجوبون‬
‫وحمكوا ابلظنون ‪ ،‬فهم اذلين ميشون بني الناس ابلنور اجملعول هلم ‪ ،‬فاذا‬
‫اكن المر هلل شاهد اليقني ‪ ،‬فأمنوا فيه ابهلل لهنم مل يزايلهم شهود مجعهم‬
‫يف فرقهم والحمومه يف حصومه ‪ ،‬فهم لظاهر خلقيهتم وشهود صوريهتم يف‬
‫الوجود مشهودين ‪ ،‬وبباطن روحانيهتم يف الشهود مفقودين ‪ ،‬فالبصائر يف‬
‫الشهود دامئة ‪ ،‬والبصار يف الوجود انمئة ‪.‬‬
‫ومعظم مواجيد هذه احلاالت التعرف اال لرابهبا ذوقا وحتقيقا ‪،‬‬
‫وغريمه ممن مل حيظ هبذه املشاهد ومل يكرع هذه احلياض واملوارد قد يفهم‬
‫بعض اشاراهتم بكامل ختلقه يف غريزته ‪ ،‬ولكن ان وقف عند علمها دون‬
‫ذوقها وقع يف هماوات ادلعوى ‪ ،‬حرم من املنن وحالوة السلوى ‪ .‬والبد‬
‫آن يس تدل مبا هو خري الدىن كام شوهد من خلق كثري الوقوف عند ما‬
‫ظهر مبجرد القرحية يف كتب احملققني ‪ ،‬وظنوا آهنم وقعوا عىل حقيقة من‬
‫الوصال ومه خيبطون يف عشوى وضالل ومعى وبطال ‪ ،‬الميزيون بني‬
‫الوصال واالنفصال ‪ ،‬والبني القوال والفعال ‪ ،‬والبني املقامات والحوال‬
‫‪ ،‬بل ابرزين يف حلل اجلدال ومصممني عىل مايظهر هلم يف ختبيط وخبال‬
‫وآوهام وخيال ‪ ،‬فنعوذ ابهلل من االغرتار مبا حيىل به الرشار من الظهور‬
‫بزي الخيار ‪ ،‬والتلبس مبالبس الخيار ومه من اذلين قال هللا فهيم {‬

‫مثل اذلين محلوا التوراة م مل حيملوها مكثل امحلار حيمل آسفارا } [ الية ‪5‬‬
‫امجلعة ] فأهل احلق هلم س امي متزيمه وعالمات تعرفهم ‪ ،‬فان دخلوا يف‬

‫‪583‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫الش ياء فباهلل مس تعينني ‪ ،‬وابهلل عائذين ‪ ،‬ومن هللا ابالذن آخذين ‪،‬‬
‫واىل هللا يف مجيع ذ ك راجعني ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫اىل سامء حق معبود به نزلــــــوا‬ ‫اذا آراد نزول القــــــــــوم آنزهلم‬
‫وآرض حظ نفوس اكن مرجعهم اليه مهنا وعن عاداهتا ارحتلـــــــوا‬
‫اليزنلون اىل حـــــــــق بال آدب ويقظة بل عىل التحقيق ان نزلوا‬
‫وال احلظوظ بشهوة آومتاع الغافل املهمل فيدخل يف الش ياء ابهلل‬
‫بعد آن خرج عهنا به ‪ ،‬وهذا وهللا معىن الية اليت استشهد هبا املؤلف‬
‫هبذا املعىن فقال ‪:‬‬
‫( { وقل رب آدخلين مدخل صدق وآخرجين خمرج صدق } [ الية‬
‫‪ 80‬االرساء ] ليكون نظري اىل حو ك وقوتك اذا آدخلتين ‪ ،‬واستساليم‬
‫وانقيادي اليك اذا آخرجتين )‬
‫استشهد هبذه الية الكرمية ملا آسلفه من عبارته ‪ ،‬فبادلخول‬
‫السلوك اىل هللا والرتيق يف مراتب الشهود والتفاين عن الغيار ‪،‬‬
‫والتخلص عن رؤية الاثر ‪ ،‬ومدخل الصدق هو آن يكون يف ذ ك ابهلل‬
‫انظرا اىل حول هللا يف ختلصه عن كدورات الغيار ‪ ،‬وقوته يف مواهجة‬
‫احلقائق والرسار ‪ ،‬وورود املواهب والنوار ‪ ،‬ولطائف املعاين‬
‫واالستبصار عند جتيل آرسار القدار ‪ ،‬املدهشة للقلوب والرسار ‪،‬‬
‫وآخرجين خمرج صدق يف رجوع اىل التديل يف الطوار ودخويل يف‬
‫الاثر ‪ ،‬فأكون مستسلام ك ومنقادا ملرادك مؤثرا الرشاد العباد عىل ماهو‬
‫احملبوب دلي وهو كوين طمسا وحموا ‪ ،‬ال انرصاف يل اىل رؤية غري ‪ ،‬وال‬
‫آلوي نفع والضري ‪ ،‬ولكن االستسالم يعط ايثار مراد هللا عىل مراد‬
‫‪584‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫املريد ليدخل يف غامر العبيد ‪ ،‬ويشهد القرب يف القريب والبعيد ‪ ،‬والبعد‬


‫يف البعيد والقريب ‪ ،‬فيكون حائرا بني هذه الروااي ومسطرا لرجوعه اىل‬
‫خالص شهود حمبوبه وصايف رشاب ينبوعه ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫كف الرضاعة مدت حنــــو س يدها يدخلين هللا مدخل صدق يف الطلب‬
‫وذاك آن يشهد السا ك لقــــــــوته وحوهل يف الرتيق يف سام القـــــرب‬
‫وخمرج الصدق يف الرجعى لعــاملــــه مؤيدا حليـــــــــــــــــود غري منقلب‬
‫فاذا عاد اىل الكوان هلل مستسلام وحلمكه حمتكام حق عىل هللا آن‬
‫ينرصه وينرص به كام قال ‪:‬‬
‫( واجعل يل من دلنك سلطاان نصريا ينرصين وينرص يب ‪ ،‬والتنرص‬
‫عيل )‬
‫ينرصين عىل شهود نفيس وتغبيين عن دائرة حيس ‪ ،‬فالطالب‬
‫حقيق بنيل املطلوب وحصول املرغوب والتفضل ابملوهوب ‪ ،‬فاجلعل هو‬
‫العطاء اخملصوص واالمتنان عىل طوائف اخلصوص بعطاء غري منقوص‬
‫آي اختصين بذ ك ‪ ،‬والسلطان هو المر الغالب اذلي يغلب به لك‬
‫غالب ‪ ،‬ويتدارك به لك فائت من املطالب ‪ ،‬فيكون به منصورا نرصا‬
‫عزيزا ‪ ،‬مجموع رس اخلطاب وفتح آم الكتاب ينرصين عىل شاهد نفيس‬
‫وتقهر به دائرة احلس املانعة عن التحقيق ابس تكامل مقام الفناء يف هللا ‪،‬‬
‫وانرصين يف اقبايل والخذ يف طريق بداييت ليمت يل مقام اراديت ‪ ،‬وتنقطع‬
‫عين عوائق يف طريقيت اىل نيل بغييت ومنهتيى رغبيت ‪ ،‬وانرصين يف‬
‫رجوع اىل الكوان آهل صدق الرغبة من االخوان لكون سببا هل يف‬
‫اس تخراج كميياء سعادته ‪ ،‬وعوان هل يف طريق ارادته مبا آلبس تنيه من حلل‬
‫‪585‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫القبول ‪ ،‬ليحصل ملن اقتدى به لك مأمول ‪ .‬فالنرصة هل آوال يف حال‬


‫سلوكه وارادته ‪ ،‬والنرصة يف حال رجوعه اىل الكوان بعد اس تكامل مقام‬
‫هنايته وهو السفر الثاين ‪ ،‬والينرص عيل ابس تيئال النفس عيل وحتمك‬
‫الهوى يف ‪ ،‬وهذا غاية االضالل والبعد ‪.‬‬
‫وقد مجع يف دعائه بني جلب النفع ودفع احملذور ‪ ،‬ودفع احملذور‬
‫آحذر ابدلعاء ‪ ،‬وكامل ادلعاء آن جيمع المرين لنه يسأل كرميا التربمه كرثة‬
‫احلاجات ‪ ،‬والتتخطاه اىل غريه المال يف جلب املصاحل ودفع املهامت ‪،‬‬
‫والفناء عن دائرة احلس يه هناية الفناء يف املقامات ‪ ،‬واثلث مقام يف‬
‫الفناءات ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ليحصل الوصل اىل آعىل الهناايت‬ ‫اجعل يل النرص يف مبدا البداايت‬
‫ويف رجوع اىل الكوان فانرصين ولك طالب من آهل البــــــداايت‬
‫من سالف آيـــــــايم اين يف همامت‬ ‫والتسلط عيل ماكنت آحـــــذره‬
‫عهنا فهذا الــــــــذي آقىص ارادايت‬ ‫ودائرة حس آخرهجا وكن عويض‬
‫م ملا آهنيى الالكم عىل ذ ك آخذ يتلكم يف فضل الشكر وجعل‬
‫الكتابة خامت كغريه من املصنفني ‪ ،‬لنه به متام مقامات الواصلني اىل مقام‬
‫املقربني ‪ ،‬ذل ك قال ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( ان اكنت عني القلب تنظر اىل آن هللا واحد يف منته ‪ ،‬فالرشيعة‬
‫تقتيض آن البد من شكر خليقته )‬
‫فالمر الن انهتيى اىل غاية املأمول وهناية احملصول ‪ ،‬فاذا عرفت‬
‫حق هذه النعم اجلسام واملنن التوام فال بد من الشكر عىل ذ ك ليس متر‬
‫ادلوام والزايدة من العطااي العظام ‪ ،‬والشكر معل من آعامل االنسان‬
‫‪586‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ولكن هل شاهدان ؛ شاهد القلب واللسان وسائر الراكن ‪ ،‬وعني القلب‬


‫يه البصرية ‪ ،‬والبصرية مس تغرقة يف شهود وحدانية احلق غائبة عن الثان‬
‫‪ ،‬واللسان ظاهرة من عامل ظاهر اللسان ‪ ،‬واذا وصلت نعمة عىل يد‬
‫انسان فعني القلب النظر لها والمالئكة وال انس وال جان ‪ ،‬فتشكر‬
‫الواحد املنان فهذا حق احلقيقة من االنسان آن اليشهد معه يف منته اثن ‪،‬‬
‫ولسان الرشيعة الظاهرة يف مظهر العيان يقتيض آن تشكر من جعهل هللا‬
‫طريقا يف وصول االحسان سواء اكنت تكل دينية آودنياوية ‪ ،‬لن من‬
‫اليشكر القليل اليشكر الكثري ‪ ،‬ومن اليشكر الناس مل يشكر هللا ‪،‬‬
‫وشكر هللا هو الثناء عليه مبا هو آههل ‪ ،‬ورصف ماآنعم به عليك فامي آمرك‬
‫به ‪ ،‬وشكر الناس هو ادلعاء هلم خبري عىل حسن صنعهم كام جعلهم آهال‬
‫ذل ك وآمرك ‪ ،‬فيكون شكرك هلم امتثاال هل من مجةل شكره لنه هو المر‬
‫بذ ك مع آن عني قلبك مل تزايلها شهود انفراده يف منته ‪ ،‬فهذا مقام‬
‫العارفني املؤقنني حبق املقامني عىل متامه ‪ ،‬والواصلني يف الشكر اىل ذروة‬
‫س نامه وهو ايفاء الشكر حقه والتخلق به ‪ ،‬كام آنك مأمور بذ ك‬
‫ومطالب مبا هنا ك ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ان اكن ابلقلب ينظر رصف منته واللك معــــــــــدم العني وال آثر‬
‫فالرشع يقيض بأن العبد يشكر من قد ساقه هللا ابالسداء من البرش‬
‫والناس فامي يأتهيم من النعم عىل آقسام ثالثة كام قال املؤلف‬
‫ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( وآن الناس يف ذ ك عىل ثالثة آقسام ‪ :‬غافل مهنمك يف غفلته‬
‫قويت دائرة حسه وانطمست حرضة قدسه ‪ ،‬فنظر االحسان من اخمللوقني‬
‫‪587‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ومل يشهده من رب العاملني ‪ ،‬آما اعتقادا فرشك جيل وآما اس نادا فرشك‬
‫خف )‬
‫هذا تقس مي يف مقام الناس يف شهود النعمة الواردة ومه آحد طرقني‬
‫قاصيني ‪ ،‬ولكن آحد الطرقني محمود لنه قارص عن رتبة الكامل ‪ ،‬وآحد‬
‫الطرقني مذموم لنه يف غاية البعد والضالل ‪ ،‬ومه املذكورين هاهنا حيث‬
‫قال ‪ :‬آماغافل ‪ ،‬والغفةل آقبح مقامات االنسان وآحط مراتب الثقالن لن‬
‫هللا جعل رتبة الغافلني آحط من النعام السوام ‪ ،‬وآعظم آحوال الغفةل‬
‫االهنامك وهو الشواغل يف دراكت البعد من غري مباالة ‪ ،‬والغفةل قوهتا‬
‫حبسب قوة دائرة احلس ‪ ،‬ذل ك قال ‪ :‬قويت دائرة لهنا لكام اس تقوت‬
‫دائر احلس قويت ادلواع الشهوانية وتعسفت اىل الطبائع احليوانية ‪،‬‬
‫فمتكنت جشرة الزقوم وكيف طلها اليحموم ‪ ،‬لكام اكنت آقوى وآرخست‬
‫اكنت حرضة قدسه اىل االنطامس والغيبة آقرب ‪ ،‬وعالمة ذ ك ظهور‬
‫الطمع يف اخمللوقني واذلةل للعبيد املسرتزقني ‪ ،‬لن انطامس حرضة القدس‬
‫وقوة دائرة احلس يقتيض رؤية الغيار وظهور الاثر ‪ ،‬واحلجب عن شهود‬
‫القاهر اجلبار ومثرة احلجاب هو الرشك ‪ ،‬آما آن شهد مايصل اليه عىل‬
‫آيدي اخللق اعتقادا فهذا كفر كام شهد بذ ك احلديث " آتدرون ماذا قال‬
‫ربمك ؟ قال آصبح يب من عبادي مؤمن يب اكفر ابلكواكب ‪ ،‬ومهنم اكفر يب‬
‫مؤمن ابلكواكب ‪ ،‬وآما من قال مطران بفضل هللا ورمحته فذ ك مؤمن يب‬
‫اكفر ابلكواكب ‪ ،‬وآما من قال مطران بنوء كذا فذاك اكفر يب مؤمن‬
‫ابلكواكب " احلديث بطوهل ‪ .‬وآما اس ناد فهو رشك خف كام عليه طائفة‬
‫الفالسفة قبح هللا رآهيم ‪ .‬وهذا جار يف سائر العادات واملعتادات حىت يف‬
‫‪588‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫املطعومات واملرشوابت وامللبوسات وسائر احملسوسات ‪ ،‬مفن آضاف شئ‬


‫اىل شئ دون هللا آوشئ غري هللا آويف شئ فقد سكل آوعر الطرقات ‪،‬‬
‫وارتكب عظمية من القباحئ املفضعات ‪ ،‬بل المر عند ذوي البصائر‬
‫الصحيحة عن غشاوة الضالل آن القرآن يف المور هو احملكوم به املعروف‬
‫يف العبارة ابلعند آن هللا خيلق هذا عند جماري عادته وعىل مقتىض ارادته‬
‫‪ ،‬مفن شهد نعمة هللا من غريه فالشك آنه كفر نعمته فاس توجب وبيل‬
‫نقمته ‪ ،‬فرصف مااكن هلل من العبودية للمخلوقني ونيس رب العاملني واهل‬
‫الولني والخرين ‪ ،‬فنعوذ ابهلل من طمس البصرية ومع الرسيرة ‪ ،‬ويل يف‬
‫ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فالغافلون مه اجلــــــهال اذ جعلوا هلل ندا معـاذ هللا حــــاشـاه‬
‫من شهد اخللق دون هللا حاصهل رشك فضيع فنار هللا مأواه‬
‫وآما القسم الثاين وهو الطرف املصطمل ابحلقيقة ومل يشهد اخلليقة‬
‫كام قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( وصاحب حقيقة غاب عن شهود املكل احلق ‪ ،‬وفين عن آس باب‬
‫شهود مسبب الس باب )‬
‫فهذا عند مواهجته ابحلقيقة ظاهر عليه س ناها ‪ ،‬سا ك للطريقة قد‬
‫اس توى عىل مداها غري آنه غريق النوار ومطموس الاثر ‪ ،‬قد غلب‬
‫سكره عىل حصوه ومجعه عىل فرقه ‪ ،‬وفناؤه عىل بقائه وغيبته عىل حضوره‬
‫‪ ،‬فصاحب احلقيقة هو الفاين هبا عن لك مشهود سواها ‪ ،‬واحلقيقة هو‬
‫اقامة هللا لعبده وتأهيهل لشهود كامل ذاته العلية وصفاته السنية وجتلياته‬
‫الزلية ‪ ،‬فالظهور هنا ك للغيار وال بيان للاثر ويسمى هذا املشهد‬
‫‪589‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫احلق ‪ ،‬وذ ك آن الباطل الظهور هل معه ‪ ،‬واملكل القاهر لقهره ملن سواه ‪،‬‬
‫ومن آقمي يف هذا املقام يسمى فانيا وحالته الفناء عن الس باب لنه شهد‬
‫مسبهبا ولك اخللق آفعاهلم آس باب ‪ ،‬فالجرم آن من آشهده كامهل ومنحه‬
‫قربه ووصاهل آن يغيب عهنا كام هو مشهود فمين اس تغرقه همم من المور‬
‫احلس ية يغيب ابالهامتم به عن الش ياء ‪ ،‬فهذا عبد مواجه ابحلقيقة من هللا‬
‫خمطوب حلرضته ‪ ،‬مطموس حتت آنوار عظمته ‪ ،‬ظاهر عليه س ناها ‪،‬‬
‫مرشف عليه ضياها فغاب هبا عن سواها ‪ ،‬سا ك لطريق احلق اتراك ملا‬
‫وراه ‪ ،‬قد اس توىل آي وصل وحصل عىل مداها آي غايهتا ‪ ،‬ومنهتيى‬
‫حضور قدسها ‪ ،‬والكون حتت ظل آنسها ‪ ،‬فهو اذلي توىل الطل غري آنه‬
‫غريق النوار مقهور حتت جتيل االمس القهار للغيار ‪ ،‬ومطموس الاثر يف‬
‫الغ يف تيار حبار الرسار ‪ ،‬اليدري ليل من هنار ‪ ،‬وقد غلب سكره‬
‫خبمرة التجيل الغفار عىل حصوه ‪ ،‬وهو االفاقة ابهلل واثبات الش ياء به ‪،‬‬
‫وآعطى وجود احلق حقه ومجعه ابهلل اذلي اليعط صاحبه متيزي والتقرير‬
‫لغلبة جتيل وصفه العزيز عىل فرقة املطلوب منه ‪ ،‬وهو الفرق الرشع‬
‫اذلي يعط احلقوق حقها ويويف املقامات مس تحقها ‪ ،‬وفناه ابهلل عن‬
‫الس باب عىل لقاه مبسبهبا وغيبته عىل حضوره ‪ .‬ومقام البقاء واحلضور هو‬
‫اذلي يمت به الرسور ويتواىل به احلبور ‪ ،‬ويتنعم الناظر ابملنظور ‪ ،‬وتنرشح‬
‫به الصدور ‪ ،‬قال هللا جل وعال يف االمتنان عىل نبيه بذ ك { آمل نرشح‬
‫ ك صدرك } وهنا ترفع الس تور وتنجيل البدور الاكئنة حتت اخلدور ‪،‬‬
‫فلك صاحب حقيقة غاب فيه به عن لك مشهود يف الكونني اال هو قد‬

‫‪590‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫الح ظاهر س ناها فيه منه هل لكنه بعد مل يشهد خباايه ‪ ،‬وقسم اثلث ومه‬
‫آهل الكامل احلاصلني عىل آعز منال وهو اذلي مجع المرين وآحمك املقامني‬
‫‪ ،‬ونظر ابلعينني كام قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( وآمكل منه عبد رشب فازداد حصوا ‪ ،‬وغاب فازداد حضورا ‪،‬‬
‫فالمجعه حتجبه عن فرقه والفرقه حتجبه عن مجعه ‪ ،‬والفناؤه يرصفه عن‬
‫بقائه ‪ ،‬والبقاؤه يرصفه عن فنائه ‪ ،‬يعط لك ذي قسط قسطه ‪ ،‬ويؤيت‬
‫لك ذي حق حقه )‬
‫هذ مقام آهل الكامل الواصلني اىل ذروة الوصال ‪ ،‬واحلامكني عىل‬
‫الحوال ومل يشطحوا يف املقال ‪ ،‬ومل يقرصوا يف الفعال ولكن يعطون لك‬
‫ذي قسط من الحاكم الرشعية قسطه ‪ ،‬آي حمكه الينقصهم مايتواىل‬
‫عىل آرسارمه من سكر الشهود واليوثقهم عن الوفاء حبق املعبود مايعتورمه‬
‫من خمالفات الحاكم واحلدود ‪ ،‬فلهم وجه يف الشهود ووجه يف الوجود ‪،‬‬
‫وهذا مقام الصديقية ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫عواليا يف مقام عز مرمـــــــــاه‬ ‫آهل الكام هلم يف القرب آحوال‬
‫ومه يف القرب يف غاايت علياه‬ ‫يوفون لك مقام مايكون لـــــــه‬
‫وانظر اىل الكم هذا املقام كيف وفوا فيه عىل الامتم كام قال مفرسا‬
‫ملا قدمه من الالكم عىل املقامني بالكم الصديق الكرب يف ذ ك حيث قال‬
‫‪:‬‬
‫( وقد قال آبوبكر الصديق ريض هللا عنه لعائشة ريض هللا عنه ملا‬
‫آنزلت برآئهتا من االفك عىل لسان رسول هللا صىل هللا عليه وسمل ‪:‬‬
‫ايعائشة ‪ :‬آشكري رسول هللا صىل هللا عليه وسمل فقالت ‪ :‬وهللا ال آشكر‬
‫‪591‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اال هللا ‪ ،‬دلها آبوبكر ريض هللا عنه عىل املقام المكل ؛ مقام البقاء املقتيض‬
‫الثبات الاثر ‪ ،‬وقد قال هللا تعاىل { آن اشكر يل ولوادليك } وقال‬
‫صلوات هللا عليه وسالمه " اليشكر هللا من اليشكر الناس ‪ ،‬فاكنت يه‬
‫يف ذ ك الوقت مصطلمة عن شاهدها غائبة عن الاثر ‪ ،‬فمل تشهد اال‬
‫الواحد القهار )‬
‫هذا رشح منه ملا آسلفه من الكمه عىل املقامني ‪ ،‬وقد آوحض فيه‬
‫بغاية البيان حىت اكد آن يكون المر عىل العيان لشدة وقعه يف الذهان ‪،‬‬
‫ودلوجه يف الذان ومتكن عبارته يف اجلنان ‪ ،‬فاستشهد يف ذ ك حباةل‬
‫الصديق لنه البارز فيه شهادة القرآن اذا قال فيه س بحانه { واذلي جاء‬
‫ابلصدق } محمد صىل هللا عليه وسمل { وصدق به } قيل آيب بكر ‪،‬‬
‫فلام نزلت براءة عائشة اليت يه من آجل املنن وآعظم النعم عىل سائر‬
‫اخللق ‪ ،‬فلام توجه الهيا اخلطاب عىل لسان المني طالهبا آبهيا بوفاء تكل‬
‫والقيام هبا ‪ ،‬فقال ‪ :‬آشكري رسول هللا يريد ابلقول والفعال ومل يأمرها‬
‫بشكرها لعلمه مبا يه عليه من كامل االس تعداد ‪ ،‬فمل يكن آبوبكر آراد آهنا‬
‫تشكر رسول هللا دون هللا ولكن ملا رآى مافاض من مقتضيات الشكر‬
‫هلل آراد آن تويف مقام الرشع حقه وهو شكر اخللق ‪ ،‬فقالت مرتمجة عن‬
‫حالها مبقالها ‪ :‬وهللا لنه املشهود دلهيا ال آشكر اال هللا ‪ ،‬لن مظاهر‬
‫اللوهية مل يرتك فهيا مساغ لرؤية الثان ‪ ،‬واالصطالم يف اصطالح الطائفة‬
‫هو احلرية وادلهش ‪ ،‬وهذه احلاةل مهنا غري غالبة وامنا غالب آحوالها المتكني‬

‫‪592‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫والصحو ولكن ملا وافقها يف حاةل االصطالم عن شهود العالم آفصحت‬


‫هبذا الالكم ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫مبا هو الشكر فاحتارت عن الغري‬ ‫قد اكن يف ذ ك الصديق آعلمها‬
‫فاالصطالم هل حال يكون بـــــه غائب عن الكون اليشهد لــه آثـر‬
‫وعائشة يه زوجة النيب صىل هللا عليه وسمل آم املؤمنني ويه من‬
‫آحب آزواجه صىل هللا عليه وسمل وقيل خدجية ‪ ،‬فتجب برآئهتا من‬
‫االفك ‪ ،‬مفن رماها ابالفك بعد نزول القرآن يف شان برائهتا فهو اكفر مكنكر‬
‫حصبة آبهيا ريض هللا عنه لثبوت ذ ك ابلكتاب والس نة واالجامع ‪ ،‬وال‬
‫اعتداد خبروج طوائف الرافضة قبح هللا رآهيم واخالء الرض مهنم فذ ك‬
‫معلوم من ادلين برضورة ‪ ،‬فامحلد هلل‪ ،‬وقد وردت يف فضل آيب بكر وبنته‬
‫عائشة من الحاديث ماالياكد ميكن حرصه للحاد من كرثة العداد ‪،‬‬
‫وييل آيب بكر يف الفضل معر ابن اخلطاب ريض هللا عنه ‪ ،‬ويليه عامثن‬
‫ابن عفان ‪ ،‬ويليه عيل بن آيب طالب كرم هللا وهجه وريض عن امجليع ‪ ،‬م‬
‫بقية العرشة سواء يف الفضل ‪ ،‬م بقية آهل بدر ‪ ،‬م آهل بيعة احلديبية ‪،‬‬
‫م بقية الصحابة رضوان هللا علهيم آمجعني ‪.‬‬
‫وهذا سؤال ‪ :‬س ئل الش يخ ريض هللا عنه عن قول النيب صىل‬
‫هللا عليه وسمل " وجعلت قرة عيين يف الصالة " هل ذ ك خاص به‬
‫كسائر مااختص به من املزااي والفضائل آم لغريه من اتبعني هديه نصيب‬
‫منه كام هلم يف آمور من فضائهل ؟ فأجاب ريض هللا عنه مبا هو الصواب‬
‫عن رائق اجلواب وفصيح اخلطاب ‪ :‬ان قرة العني ابلشهود عىل قدر‬
‫املعرفة ابملشهود ‪ ،‬فالرسول صلوات هللا عليه وسالمه ليس معرفة آحد‬
‫‪593‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫مكعرفته فليس قرة عني كقرته ‪ ،‬وامنا قلنا آن قرة عينه يف صالته بشهوده‬
‫جالةل مشهوده ( مراجع ) لنه قد آشار اىل ذ ك بقوهل يف الصالة اذ هو‬
‫صلوات هللا وسالمه عليه التقر عينه بغري ربه فكيف وهو يدل عىل هذا‬
‫املقام ومروايته من سواه صلوات هللا وسالمه عليه " آعبد هللا كنك تراه‬
‫" وحمال آن تراه وتشهد معه سواه ‪ ،‬قال القائل ‪ :‬قد تكون قرة عني‬
‫ابلصالة لهنا فضل من هللا تعاىل وابرزة من منة هللا عز وجل فكيف‬
‫اليفرح هبا ؟ وكيف التكون قرة العني وقد قال س بحانه { قل بفضل هللا‬
‫وبرمحته فبذ ك فليفرحوا } [ الية ‪ 58‬يونس ] فاعمل آن الية قد آومت اىل‬
‫اجلواب ملن تدبر رس اخلطاب اذ قال { فبذ ك فليفرحوا } وماقال‬
‫فبذ ك فافرح ايمحمد ‪ ،‬قل هلم ليفرحوا ابالحسان والتفضل ‪ ،‬وليكن آنت‬
‫فرحك آنت ابملتفضل كام قال يف الية الخرى { قل هللا م ذرمه يف‬
‫خوضهم يلعبون } [ الية ‪ 91‬النعام ] هذا سؤال جامع وجوابه مدرج فيه‬
‫وهو بأن يتسلط عليه القول ‪ ،‬كيف وقد مجع فيه رآس العبادات وكعبة‬
‫القرابت وآول املفرتضات ومعدة ادلايانت ‪ ،‬س امي صالة آفضل الربايت‬
‫اليت احتوت غاية الكامالت ‪ ،‬وآرفع ادلرجات وعدة احلس نات اليت خف‬
‫فهيا مبا قرت به العيون من كشف الرس املصون ‪ ،‬والكزن اخملزون حتت‬
‫جتليات الش ئون ‪ ،‬والشهود التام واملقام السام اذلي يتقارص عن نيهل آاكبر‬
‫املرسلني وهجابذة العلامء والصديقني ‪ ،‬فلك مصل هل قرة عني فهيا ولكن‬
‫قرة العني تتفاوت حبسب معرفة املعبود وامضحالل آعيان الوجود املتجيل‬

‫‪594‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫والشهود ‪ ،‬فالرسول صىل هللا عليه وسمل ليس معرف مكعرفته ‪ ،‬والانل‬
‫مقرب كقربه ‪ ،‬والحظ واصل مبثل وصهل ‪ ،‬فمل يكن لحد قرة عني كقرته‬
‫‪ .‬فاشارته بقوهل فهيا دال عىل آنه قرت عينه مبشاهدة احلبيب من قريب‬
‫من غري جحاب ‪ ،‬لن العبد اذا قام اىل الصالة جتىل هللا بوهجه هل يف قبلته‬
‫‪ .‬وقد آشار اىل هذا يف بعض الحاديث آنه آقرب اليه من مصاله يف‬
‫جسوده ‪ ،‬وقال آيضا ‪ :‬لويعمل املصيل من ينايج ما آسد وهو صىل هللا‬
‫عليه وسمل حظ برتبة الشهود حيث قال { شهد هللا آنه ال اهل اال هو‬
‫} فهذا هو عني مشهد الرسول بعينه صىل هللا عليه وسمل شهد هويته‬
‫ظهور آلوهيته ‪ ،‬فهو الشاهد واملشهود { واملالئكة وآولوا العمل } [ الية‬
‫‪ 18‬آل معران ] آيضا شهد مبا شهد به لنفسه ‪ ،‬فاحلاصل من ذ ك آنه مل‬
‫يشهده حق شهود سواه ‪ ،‬والعرفه حق معرفته اال اايه ‪ ،‬فاملعرفة هو‬
‫مايعرفه العبد من نعوت س يده ومواله واليعرف اال بقدرها ما آشهد س نا‬
‫جتليه وظهور صفاته ومعمي آايديه ‪ ،‬وهو صىل هللا عليه وسمل التقر عينه‬
‫بغري ربه لنه عرفه ومن عرفه اليسكن اىل سواه واليقر بغريه ‪ ،‬فتبني من‬
‫ذ ك آن للك يف الصالة قرة عني حبسب ما آشهده من جتيل صفاته‬
‫وظهور آسامئه وصفاته ‪ ،‬فكيف تكون هل قرة عني بغري ربه وقد دل عىل‬
‫آن قرة العني التكون اال به بأمره صىل هللا عليه وسمل حيث قال "‬
‫آعبدهللا كنك تراه " وحمال آن تراه وترى معه سواه ‪ ،‬فدل عىل آن كامل‬
‫العبادة بشهوده والتشهده وآنت شاهد لسواه الس تحاةل امجلع بني الوجود‬
‫والعدم ‪ ،‬واحلدوث والقدم ‪ ،‬واجلواز والوجوب ‪ ،‬واحلق والباطل ‪ ،‬والنور‬
‫‪595‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫والظمل ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ‪ :‬حمال آن تراه وترى معه سواه فهذا جوابه عن‬
‫معىن احلديث عىل مهنج املقربني وطريقة العارفني ومشهد الصديقني ‪.‬‬
‫فسأل السائل اثنيا عن حاةل البرار ومعوم املؤمنني بقوهل ‪ :‬قد‬
‫تكون قرة العني ابلصالة لهنا فضل من هللا تعاىل وابرزة من منة هللا عز‬
‫وجل فكيف اليفرح هبا وكيف التكون قرة العني هبا ؟ قال هللا س بحانه‬
‫وتعاىل { قل بفضل هللا وبرمحته فبذ ك فليفرحوا } [ الية ‪ 58‬يونس ]‬
‫وصدق فامي قال يف السؤال فهذا لرجال وذاك لرجال ‪ ،‬فقال هل الش يخ‬
‫جميبا عن سؤاهل ومبينا ملقاهل ‪ :‬واعمل آن العمل يف مثل هذا املقام هو اذلي‬
‫حيسن فيه الالكم لنه مقام السائل وغىن الفقري العائل ‪ ،‬آن الية اذلي‬
‫فهمته مهنا قد آومت بلطيف رسها اىل اجلواب ‪ ،‬وهذا حمك الالكم اجلامع‬
‫املعجز املزنه عن احلدوث آنه يفهم للك قوم منه عىل قدر مقاهمم ‪ ،‬ويفصح‬
‫هلم عن مجمل الكهمم ‪ ،‬ولكن آرساره التلوح اال ملن تدبره وعرف ظاهره‬
‫ومضمره وحقق معانية وفرسه والرسورى ذ ك لكه الهناية لتجليات آرساره‬
‫ينهتي الهيا يف ادلار الخرة فضال عن توقف عىل لكيات آرساره ‪،‬‬
‫آويشاهد مرشقات آنواره يف هذه ادلار ‪ ،‬ففهم يف الية السائل الفرح‬
‫ابلفضل وفهم فهيا املس ئول رمحة الفرح ابملفضل كام هو شان من وصل اىل‬
‫مقامه ‪ ،‬وحصل عىل غاية مرامه ‪ ،‬وجتىل هل بدر التجيل يف متامه آن يغيب‬
‫برؤيته عن انعامه ‪.‬‬
‫وقرة العني ماجيده فهيا من عظمي الذلة والروح والرسور ‪ ،‬كيف ال‬
‫وفهيا مناجاة احلبيب قريب لقوهل س بحانه { واجسد واقرتب } وقرة العني‬

‫‪596‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فهيا التكون ‪ ،‬ويف القلب احملاداثت الكونية واخلطرات الهوائية والشهوات‬


‫احليوانية ‪ ،‬واحلظوظ النفسانية ‪ ،‬وادلواع الش يطانية ‪ ،‬والكثائف‬
‫الرضية الطبيعية ‪ .‬بل ملن فين عن نفسه ابللكية فترضب بينه هذه‬
‫احلجب رسادق التويل اخلاص ‪ ،‬وتغشاه آنوار االخالص ‪ ،‬ويسرتحي عن‬
‫مدافعة العداء فيكون لطيفة من لطائفه مشهد خاص يف التكبري والتسلمي‬
‫للمر واالنقياد للحمك ‪ ،‬ويف القراءة والقيام ابلتخلق واملناجاة والتذلل ‪،‬‬
‫وتبذل وختضع وختشع ‪ ،‬والرتغب وغري ذ ك مما تفاحت به القلوب وتاكشف‬
‫به الرسار من النوار ‪ ،‬فكيف التكون قرة العني فهيا هبذا النعمي والروح‬
‫والرسور واالقبال واحلور ‪ .‬وآما اذا اكن القلب مشحوان ابلوساوس‬
‫الش يطانية والشهوات احليوانية والس باب ادلنياوية فكيف تنكشف هل‬
‫هذه املواهب واملنوح ‪ ،‬آويواجه بتكل املنن والفتوح ‪ ،‬فاذا رفع احلجاب‬
‫ودان احلبيب من الحباب تواىل الفرح به والرسور فيحق هل آن اليفرح‬
‫بغريه ‪ ،‬ويقال بلسان احلال يف ذ ك املقام { قل هللا م ذرمه يف خوضهم‬
‫يلعبون } [ الية ‪ 91‬النعام ] ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فقــــــــرة العني ابحملبوب موضعها فف العبادات حسب الطالب النظرا‬
‫كام روي عن عفيف ادلين معرهبا كباير هللا فامسع ذا وكن حــــــــــذرا‬
‫عن آن تصور يف الذهان هل مثل والشبيه والند والنظـــــــــــــــــــــرا‬
‫حفرضة القرب آعالها وآقـــــــرهبا فف الصالة روي ذا السادة الكــربا‬
‫وملا اكن الفرح ابحلبيب مطلوب من احملب ذكر املؤلف بأثر ذ ك‬
‫الفرح وحده فقال يف بعض ماكتب به لبعض خواص االخوان ‪:‬‬

‫‪597‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫( الناس يف ورود املنن عىل ثالثة آقسام ‪ :‬فرح ابملنن المن حيث‬
‫همدهيا ومنش هيا ولكن بوجود متعته فهيا ‪ ،‬فهذا عبد من الغافلني يصدق‬
‫عليه قوهل تعاىل { حىت اذا فرحوا مبا آوتوا آخذانمه بغتة } [ الية ‪ 44‬النعام‬
‫] وفرح ابملنن من حيث آهنا منة ممن آرسلها ونعمة ممن آوصلها يصدق عليه‬
‫قوهل تعاىل { قل بفضل هللا وبرمحته فبذ ك فليفرحوا هو خري مما جيمعون‬
‫} [ الية ‪ 58‬يونس] وفرح ابهلل تعاىل عىل ما شغهل من املنن من ظاهر متعهتا‬
‫والابطن منهتيى بل شغهل النظر اىل هللا عام سواه وامجلع عليه ‪ ،‬فالتشهد‬
‫اال اايه ‪ ،‬يصدق عليه قوهل تعاىل { قل هللا م ذرمه يف خوضهم يلعبون‬
‫} [ الية ‪ 91‬النعام ] )‬
‫هذا تقس مي مناسب للتقس مي ‪ ،‬اال آن هذا ابلفرح ابلنعمة من‬
‫حيث يه نعمة ‪ ،‬وفرح هبا من حيث يه فضل من س يده ‪ ،‬وفرح به‬
‫دون ماسواه واكتفى به دون ماعداه ‪ .‬والفرح يف القرآن ماهو مهني حمض‬
‫كقوهل تعاىل { التفرح ان هللا الحيب الفرحني } [ الية ‪ 76‬القصص] وحنو‬
‫قوهل { حىت اذا فرحوا مبا آوتوا } ولكن هذا ابلفرح ابلعراض الفانية‬
‫والزخارف امللهية املشغةل عن هللا ‪ ،‬احلاجبة عنه الصادة عن عبادته ؛‬
‫ويه النعم ادلنياوية واحلظوظ النفسانية ‪ .‬وفرح مندوب اليه ابلفضل‬
‫الصادر من املفضل اجلواد من حيث آنه منه فضال وذكرا وعناية تشابه‬
‫قوهل تعاىل { قل بفضل هللا وبرمحته فبذ ك فليفرحوا } لنه صادر من‬

‫‪598‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫تفضلنا وتطولنا ‪ ،‬فالفضل ماظهر من مالمئات النعم ‪ ،‬والرمحة ما آشهده‬


‫اايه من كونه مهنا رمحة وعناية وفناها شانه ‪ ،‬وهللا آعمل ‪.‬‬
‫وآما القسم الثالث ومه آهل الكامل البالغني هناايته ‪ ،‬والواصلني اىل‬
‫آبعد شاايته من النبياء وسادات البدال وآاكبر الولياء فاهنم قد غابوا عن‬
‫الكوان ابللكية ‪ ،‬وابينوا النفوس ورشبوا ذليذ الكوؤس من جتيل املكل‬
‫القدوس ‪ ،‬وقسمته هذه حسب ماقدمه يف آحوال الناس عند ورود النعم‬
‫علهيم ‪ ،‬مفن فرح هبا حمجوب عن موردها ومنش هيا فهي يف حقه اس تدراج‬
‫ومتتع وجحة وجحاب ‪ ،‬فيغفل عن شكر موردها فيذاق آلمي عقاب كفراهنا‬
‫ونس يان املتفضل هبا اال آن يتدارك ابلتوبة ‪ ،‬ومن اكن حاهل الفرح ابلنعمة‬
‫دون هللا فال خيفى ماهو عليه من دانءة اهلمة وقبح احلال ورذاةل الفعال ‪،‬‬
‫فهو يسعى يف غري منال ويطلب ما عاقبته عليه وابل ‪ ،‬حفاهل آقبح من‬
‫النعام لنه يف غاية البعد عن الشكر ‪.‬‬
‫وقسم اثين انل نصيبا من الرشف ‪ ،‬وحصل عىل حظ من القرب‬
‫ونصيبا من الشكر ولكنه دون مرتبة القسم الثالث ‪ ،‬فالقسم الثاين مه‬
‫العاملون عىل نيل اجلزاء والقامئني عىل التقليد ‪ ،‬واالقتفاء عىل مناجه‬
‫السلوك اذلين مل خيرجوا بعد عن رؤية نفوسهم ان مهنا ولها فهم مطالبون‬
‫ابخالص مامعلوا وحتقيق ماعلموا ‪ ،‬ورشفهم من حيث آهنم ذكروا املنعم‬
‫بورود نعمته فهم عىل مقام من الشكر غري آهنم مل ينالوا لك العناية ‪،‬‬
‫فالشكر هل مراتب ثالث حسب حاةل آرابب املقام ‪ :‬مفن الاكمل والمكل‬
‫هو ‪ ،‬والفرح هو ابالبهتاج ابملفروح به ‪ ،‬والرسور وهو الشكر نفسه اال‬
‫آن الشكر يعم الباطن والظاهر والقول والفعل ‪ ،‬فأول مراتب الشكر‬
‫‪599‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وآقرهبا عىل العباد هو آن التعصيه بنعمته ‪ ،‬وآوسطها آن ترصف ما آنعم به‬


‫عليك فامي ندبك اليه ‪ ،‬وآمكل من هذا آن تغيب عن النعمة ابملنعم فتكون‬
‫به البشئ واللشئ دونه فهذا هو الشكر املعرف بني هذه الصناف‬
‫بالتعريف ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫الناس يف واردات الفضل والنعم ثالثة ولهذا القـــــــــــــــول كن فطن‬
‫فيفرحون هبا من حيث يه نعـــم موافقة لك اساكف وكــــــــــل دين‬
‫ومن يكن يف مقام العــــمل يشهده من حيث هو منه يفرح به والتكـن‬
‫لكن بىك فالح الحباب مطلهبم آن اليروا غريه يف الرس والعلـــــــــن‬
‫قال ‪:‬‬
‫( ويف آخبار آل داود عليه السالم ‪ :‬قل للصديقني من عبادي يب فافرحوا‬
‫وبذكري فتنعموا )‬
‫فاليكون صديقا وهل اىل الغيار نظر وال اقبال والحتقق املقامات اال‬
‫بشواهد الحوال والعالمات ‪ ،‬فعند ورود المر الواحد يتحقق املقر من‬
‫اجلاحد ‪ ،‬وتامتيز ابلفعال املقاصد فيظهر يف مقامات االمتحان اخلرز من‬
‫املرجان ‪ ،‬والفرحني ابهلل مه آهل الروح والطرب وحيق هلم حيث انلوا‬
‫غاية املراد والرب ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ومن نظر وجه من هيوى حيق هل آن يطرب الكون من آحلان مغناه‬
‫ويعرتيه عظمي الوجد كيف بـــــــه لو آسفرت من جحاب البعد عيناه‬
‫دار الوجود ودار الاكس واطراب مما يعاين من آنوار عليــــــــــــــــاه‬
‫اكدت عىل ذاك آرواح تطري آسا اذا حــــــدى حادي الوجنا مبغناه‬

‫‪600‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وملا اكن الفرح ابهلل من آجل املراتب وآقىص املطالب طلب املؤلف رمحه‬
‫هللا الوصول اىل ذ ك والتحيل مباهنا ك فقال ‪:‬‬
‫( وهللا جيعل فرحنا واايك به والرضا عنه ‪ ،‬وآن الجيعلنا من الغافلني ‪ ،‬وآن‬
‫يسكل بنا مسكل املتقني مبنه وكرمه )‬
‫فاهللا جيعلنا كذ ك وآحبابنا يف ادلين والوالد والوادلين ‪ ،‬ومن آحبنا يف‬
‫هللا آوآحببناه ‪ ،‬ووالاان وواليناه ‪ ،‬وآن الجيعلنا من الغافلني الفرحني‬
‫ابلغيار واملطموس عىل آرسارمه بظمل الاثر ‪ ،‬اذلين سلكوا طريق‬
‫الكفران وانقادوا بأزمة الهوى دلاع الش يطان ‪ ،‬ونسوا عبادة الرمحن ‪،‬‬
‫وآحنجبوا بظواهر الكوان ‪ ،‬وآن يسكل بنا مسا ك املتقني اذلين قدروه‬
‫حق قدره ‪ ،‬واكنوا نصب هنيه وآمره ‪ ،‬مبنه الفائض وكرمه العممي ‪ ،‬آمني ‪،‬‬
‫بعد الصالة والتسلمي عىل خامت آنبيائه وس يد آصفيائه محمد المني وآهل‬
‫الكرمني‪ ،‬وحصبه املكرمني جنوم ادلين وآعالم اليقني ‪.‬‬
‫وهنا آخذ يف املناجاة ملا انهتيى اىل مقام املصافاة ‪ ،‬وبه متام الكتاب ‪ ،‬فقال‬
‫ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( الهي آان الفقري يف غناي فكيف الآكون فقريا يف فقري ‪ ،‬الهي آان اجلاهل‬
‫يف علم فكيف ال آكون هجوال يف هجيل )‬
‫ملا اكن امس اللوهية هل التكرب وحمىل يف سائر املظاهر امللكوتية وامللكية‬
‫واجلربوتية احلس ية واملعنوية الشهادية والغيبية ‪ ،‬وذ ك ملا اقتضت آعيان‬
‫الوجود من التغاير والكرثة واالختالف وهو مع وحدته اهل بلك معىن وتعم‬
‫سائر السامء اجلاللية وامجلالية اذلي سائر الكوان موجود من عن تأثريها‬
‫‪ ،‬وظاهر مبظهريهتا فيكون هبذا االعتبار ذلوي البصار االهل مبعىن املعبود‬
‫‪601‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫حبق ‪ ،‬واملس تغين بذاته املفتقر اليه ماسواه ‪ ،‬واملوجود واملرجو واخملوف‬
‫واحملبوب واملقصود ‪ ،‬واملوصوف بكوامل الوصاف ‪ ،‬واملعروف مبحاسن‬
‫الفعال وغري ذ ك من سائر مايظهر حسا ومعىن ‪ ،‬فاحلق هو االهل ‪،‬‬
‫ومبعىن احلق والظاهر وسائر السامء ‪ ،‬فذل ك لكام ظهر العبد يف وصف‬
‫من صفاته شهد حقيقة تكل الصفة فردها ملن يه هل حقيقة ‪ ،‬واتصف مبا‬
‫هو الصل هل دون الهه ‪ ،‬وملا جتىل هل يف شاهد رسه برس الغناء املطلق‬
‫ادلميويم ‪ ،‬وآثر ذ ك الوصف االلهي ظاهر آثره عىل صفحات الوجود ‪،‬‬
‫واندى مظهره عىل لك معاين موجود ابلقيام به يف لك حركة وسكون‬
‫ظهر الحماةل افتقار العامل بأمجعه علوه وسفهل اىل اقامة القيوم ادلامئ به ‪ ،‬وهل‬
‫يف سائر الحوال والقوى ‪ ،‬واذا اكن المر كذ ك فالعبودية آن تعرف‬
‫وصفك وماهو نعتك لميدك من فائض فضهل ‪ ،‬لن لك امس يظهر آثره‬
‫يقتيض حقا من العبادة ‪ ،‬واليكون عبادة حقيقة اال مااكن صادر عن‬
‫معرفة املعبود وكامهل ‪ ،‬ومعرفة العبد ونقصه واضطراره وذلته حتت قهر‬
‫املعبود وجالهل ‪ ،‬وامس اللوهية من آخص ما يتوسل به املالوه لنه الخيفى‬
‫من دعائه هبذا االمس من االعرتاف هلل بكامل آلوهيته وعظمي ربوبيته ‪ ،‬وما‬
‫العبد عليه من االتضاع يف آرض افتقاره وتراب ذلته فقال ‪ :‬الهي ‪،‬‬
‫فشهوده لللوهية آوال دليل كامل معرفته لن لها الصاةل فاقتىض مقام‬
‫العبودية لهذا االهل املعبود آن البد للعبد من آبنية فقال ‪ :‬آان الفقري ‪ ،‬وذ ك‬
‫من آحسن آداب العبيد آهنا التظهر آبنية اال مقرتنة بوصفها ومتدرعة بنعهتا‬
‫‪ ،‬والفقر هل وصف يف اذلات والصفات والفعال ‪ ،‬بل يف لك نفس‬
‫وجودها مفتقر اىل موجده آوال ‪ ،‬وقامئ يف حال وجوده وممد هل مواد صفاته‬
‫‪602‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وجمري هل آس باب آفعاهل فاكن فقريا الحماةل ‪ ،‬والسؤال هبذا الوصف آقرب‬
‫لالجابة بل ال يقرع ابب الرب مبثل المتلق اليه هبذا احلال ‪ ،‬واذا عمل ذ ك‬
‫‪ ،‬آي آصاةل الفقر عمل آنه فقري اليزايهل افتقاره واليفارقه اضطراره يف سائر‬
‫آحواهل ‪ ،‬وظهورر الغىن عىل العبد ابلس باب ادلنياوية وادلرجات‬
‫الخراوية اليزداد هبا اال افتقار اىل افتقار ‪ ،‬فعمل آن الفقر آبدا وصف للعبد‬
‫‪ ،‬وآن الغىن هلل دامئا رسمدا ‪ ،‬فاذاكنت فقريا يف غنايئ فكيف ال آكون‬
‫فقريا يف فقري اىل الش ياء يف لك حني وآوان وزمان وماكن ‪ ،‬فالغىن هو‬
‫آن تس تغين عن الشئ املفتقر اليه ‪ ،‬والعبد لو اكن مس تغنيا به وذ ك‬
‫الحماةل حيتاج اىل كشف الغطا قلبه وهو آعز شاان لنه اليدرك حبيةل وال‬
‫اكتساب فاكن االفتقار اليه آعظم ‪ ،‬فاذا اكن فامي يرى آنه غىن فقري فكيف‬
‫اليكون فقريا وهو آبدا حمتاج ومضطر اىل الس باب ‪ ،‬وكذ ك العمل هلل‬
‫وصفا وحقيقة ‪ ،‬وللعبد جمازا واعطاء من مجةل العطااي ‪ ،‬ومزية من مجةل‬
‫املزااي ‪ ،‬وهدية من سائر الهدااي ‪ .‬فاذا اكن كذ ك علمت آن االصاةل فيك‬
‫اجلهل { وهللا آخرجمك من بطون آهماتمك التعلمون شيئا } [ الية ‪ 78‬النحل‬
‫] فلوال مددك اايي فامي آعمل يف كوين عاملا ملا مل يثبت علم مع ‪ ،‬ولوال‬
‫حفظك هل عيل مل آكن حافظا ‪ ،‬ولوال آجراك آس بابه يل مل آكن هل متيقظا ‪،‬‬
‫فصح آين جاهل يف علم لووهبت يل سائر العلوم لن نسبهتا ايل جمازية‬
‫‪ ،‬فالعامل حقيقة من يعمل الش ياء وكيفياهتا وهيئأهتا يف اجاملها وتفصيلها قبل‬
‫ابراز صورها اىل عامل مظهريهتا ‪ ،‬وليس ذ ك اال هللا ‪ ،‬فأان يف حال تومه‬
‫آين عامل جاهل فكيف ال آكون جاهال يف هجيل سائر الش ياء فال آعمل‬
‫جماري الغذاء مين والتصاريف القدار يف ‪ ،‬كيف وقد وصف هللا االنسان‬
‫‪603‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫} [ الية‬ ‫ابجلهل كام وصف نفسه ابلعمل فقال { وهللا يعمل وآنمت التعلمون‬
‫‪ 216‬البقرة ] فقال يف وصفه آيضا يعمل ابملايض يشري اىل قدم العمل هل وآنمت‬
‫التعلمون ابحلال يشري آنمك التعلمون يف حال وجودمك ‪ ،‬وقال تعاىل {‬

‫ومحلها االنسان انه اكن ظلوما هجوال } [ الية ‪ 72‬الحزاب ] ولاكن هو‬
‫الوصف كام وصف نفسه ابلعمل ابلش ياء { فان هللا اكن بلك شئ علامي‬
‫} [ الية ‪ 54‬الحزاب ] فاذا كنت جاهال يف علم فكيف ال آكون هجوال يف‬
‫هجيل وآان كام آعمل ماذا جيري عيل ‪ ،‬وكيف وآان يف عامل تركييب اذلي هو‬
‫مشهود يل ‪ ،‬فلقد حقق االعرتاف وبني مقاصد االنصاف ‪ ،‬وعرف ما‬
‫للعبد من الوصاف جفزاه هللا خريا ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فكيف ال وهو حمتاج ومفتـــــقرا‬ ‫من اكن يف وصفه هلل مفتـــــقرا‬
‫مااليكن جاهال يف اجلهل حمتقرا‬ ‫ومن يكن جاهال يف علمه فعىل‬
‫( الهي ان اختالف تدبريك ورسعة حلول مقاديرك منعا عبادك العارفني‬
‫عن السكون اىل عطاء والياس منك يف بىل )‬
‫فلام اكن جتىل آوال عليه بصفة الغىن والعمل تلقاها بوصف الفقر واجلهل‬
‫اذلين هام الالئقني به يف هذا املقام ‪ ،‬فتجىل هل بوصف ارادته وقدرته‬
‫فأعطاها حقها فقال ‪ :‬الهي ‪ ،‬لنه جتىل بوصف االرادة املتفرعة عن العمل ‪،‬‬
‫م جتىل هل بوصف االقتدار فقال يف مقام االعتذار والتهبل بلسان‬
‫االضطرار ‪ ،‬والتعلق به يف خمتلفات القدار وواردات تعاقب الاثر يف‬
‫الطوار ‪ ،‬فهذا هو اذلي آوجب ذلوي البصائر والبصار آن اليسكنوا مع‬

‫‪604‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫الغيار من جنة آوانر ‪ ،‬فلام رآوا رسعة اقتداره واختالف ظهور مش يئته‬
‫يف آقداره مل يسكنوا اىل ماجيدون من الحوال لهنا الحماةل حائةل ‪ ،‬فكن‬
‫هذا اذلي آقلق قلوب احملبني وكدر صفو صفات املاكشفني خوف تبديل‬
‫مامه عليه ‪ ،‬كام جرت بذ ك الحاكم عىل آقوام آنزلوا بعد رفعة املقام اىل‬
‫مراتب العوام بل آقبح حال من النعام ‪ ،‬نعوذ ابهلل من سوء ماس بقت به‬
‫القدار وانربمت به الحاكم ‪ .‬واكن رسول هللا صىل هللا عليه وسمل ملا‬
‫رآى رسعة تقلب القلوب حتت آس تار الغيوب يقول يف قسمه " الومقلب‬
‫القلوب " وكام آهنا آورثت آن يسألوا حاال يكونون عليه من الحوال‬
‫السارة ‪ ،‬كذ ك آورثهتم حسن الظن ابهلل وعدم اليأس من روحه ‪ ،‬وتفرجي‬
‫مايزنل هبم من املهامت ومعضالت البليات لرسعة تقليب الحوال ‪،‬‬
‫ورسعة حلول املقادير ‪ ،‬وهكذا تكون آحوال العارفني اليسكنون مع‬
‫عطاء والييأسون عند حلول بال ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫عباده مل تدع يف الكون مأنوس‬ ‫ان اختالف مقادير االهل عىل‬
‫ذلي الشدائد والرضاء والبـوس‬ ‫كذاك مل يك للبلوى مقاومــــة‬
‫انداه اثلثا مبا هو املعهود من مجيل فعهل وماهو الالئق بكامل نعته يف مقابةل‬
‫ما العبد عليه من النقص يف الفعال وارتاكب مايعتذر منه من اخلالل ‪،‬‬
‫فقال بلسان االعتذار واالنطراح واالقرار ‪ :‬الهي مبعىن الكرمي املتطول‬
‫واملنان املتفضل ‪ :‬مين مايليق بلويم ومنك مايليق بكرمك فلويم يقتيض‬
‫معاقبيت ومعاتبيت ‪ ،‬ومنك مايليق بكرمك من العفو والتجاوز والصفح كام‬
‫هو وصفك ‪ ،‬فشان العبد اذا آراد ادلعاء للكرمي املفضل آن اليقدم بني‬
‫يدي دعائه اال االعتذار بني يدي القادر اجلبار ‪ ،‬ودوام الترضع‬
‫‪605‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫واالس تغفار من اذلنوب والوزار بني يدي العفو الغفار ‪ ،‬فان الكبائر مع‬
‫ذ ك يرجت غفراهنا ‪ ،‬وجتىل عن القلوب ظلامهتا وراهنا ‪ ،‬ويشهد ماروي‬
‫آن هللا يفرح بتوبة عبده واعتذاره اليه ‪.‬‬
‫ويروى آيضا آن العبد اذا آذنب اذلنب وقال ايرب فتحجب دعاه املالئكة‬
‫عن هللا حياء من هللا آوال واثنيا واثلثا حىت يدعو رابعا ‪ ،‬فيقول هللا عز‬
‫وجل " لبيك عبدي " اىل مك حتجبو دعاء عبدي عين ‪ ،‬آوكام قال " فهذا‬
‫وماورد يف الكتاب والس نة مما يقتيض آن هللا حيب من عبده االعتذار اليه‬
‫والرجوع ابلترضع واالس تغفار هل مما الياكد يدخل حتت احلرصوالعد ‪،‬‬
‫وهذا هو احلمكة وهللا آعمل يف تقدير اذلنب عىل املؤمن كام ورد " لو مل‬
‫يكن اذلنب يف بعض خري للمؤمن من العجب ماقدر عليه " ويل يف ذ ك‬
‫شعرا ‪:‬‬
‫فلك مااكن من لوم ومن زلل فالئق يب وشان هللا غفران‬
‫فالعفو آرىج لن هللا متصف به والحرج آن يعف رمحن فامسه العفو اذا‬
‫جتىل حمى ظلامت الاثر احلادثة والوهام الزائةل وهو من آخص جتليات‬
‫امجلال ‪ ،‬فعند جتليه تظهر الصفات الزلية والتجليات اللطفية ‪ ،‬ذل ك قال‬
‫املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( الهي ) مبعىن اللطيف يف عظمته والعطوف يف سابق منته ( وصفت‬
‫نفسك ابللطف والرآفة قبل وجود ضعف ؛ آفمتنعين مهنا بعد وجود ضعف‬
‫)‬

‫‪606‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فوصفه لنفسه يف آزهل القدمي ادلامئ قوهل عز من قائل { ان هللا ابلناس‬


‫لرءوف رحمي } وقوهل آيضا { هللا لطيف بعباده } هذا قبل وجود‬
‫اخللق وصفاهتم اليت يه الضعف والعجز وصفاته البد وآن تظهر آاثرها‬
‫وتنجيل آرسارها ‪ ،‬واخللق وصفاهتم حمل ظهورها وجمال نورها ‪ ،‬فكيف‬
‫ميكن اتصافه هبذه الصفات واليظهر هلم حمل ظهورها وجمىل كوامل بدورها‬
‫دون العباد وصفاهتم ‪ .‬ومراد املصنف الوصف اذلي يقتيض ظهوره وجود‬
‫ضعف العباد ملقاومة جتليات العدل وغلبات احلمك والناس من الوسائل‬
‫واحليل وصنوف السفاه وس يالن املقل عىل التفريط واقرتاف الزلل وبيان‬
‫مس ترت العمل حني يتخلف عنك لك حبيب ‪ ،‬ويقالك لك قريب ‪،‬‬
‫وينساك لك محمي ونسيب ‪ ،‬فهناك يتحقق جتيل ظهورها وترتفع احلجب‬
‫عن س تورها ‪ ،‬فيبدو للعباد مامل يكن هلم يف حساب واليسطر يف كتاب‬
‫من توايل العطاء والثواب يكون منه السؤال وعليه اجلواب ‪ ،‬هو احلق كام‬
‫نطق به الكتاب قوهل عز وجل { يوم جيمع هللا الرسل فيقول ماذا آجبمت‬
‫قالوا العمل لنا انك آنت عالم الغيوب } [ الية ‪ 109‬املائدة ] فهذا قوهل بنفسه‬
‫لنفسه يف الكمه العزيز ‪ ،‬فكذ ك يكون جواب االتباع عىل آلس نة‬
‫املتبوعني واملدعوين عىل آلس نة ادلاعني ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫وصفت نفسك ابللطف العممي وال موجود غـــــــــريك ايفرد بالمثل‬
‫فكيف مينع من قامت به حلـــــــل ضعف وجعز وآنت املفضل الزل‬
‫فلام اكن العبد قد يظهر آفعاال محمودة وخصاال رشيفة اعرتف املؤلف بقوهل ‪:‬‬

‫‪607‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫( الهي ) مبعىن املنان املتفضل بصنوف الفضل واالحسان ( ان ظهرت‬


‫احملاسن مين فبفضكل و ك املنة ‪ ،‬وان ظهرت املساوئ مين فبعد ك و ك‬
‫احلجة عيل )‬
‫هذا من آحسن ماينايج به احلبيب ويترضع به الديب ‪ ،‬وهو االعرتاف‬
‫هلل مبا آواله من االحسان وآفاضه عليه من النعم واالمتنان واقامة النفس‬
‫مقام االعتذار ‪ ،‬لن احملاسن املشار الهيا يف الكم املؤلف هو مايظهر عىل‬
‫العبد من صنوف الطاعات وآفعال املوافقات وليس ذ ك مقدور للعبد بل‬
‫هذا فضل آبرزه عليه من عني منته ‪ ،‬وآفاضه دليه من سابغ رمحته ‪ ،‬واال‬
‫مفن آنت حىت تقوم هل حبق العبودية وآنت متلطخ بقاذورات البرشية‬
‫منغمس يف مغرات الشهوات ‪ ،‬فأىن يكون منك معل صاحل لنه مل خيلص‬
‫من رؤية اخللق آوظهور النفس ‪ ،‬وهذا اليصلح آن يقابل به آويعرض بني‬
‫آهل حرضته ‪ ،‬وقد قال تعاىل { آال هلل ادلين اخلالص } فاذا حصل‬
‫العبد عىل شئ مما يصلح للعرض عليه من خالص معل آوحاةل محيدة فامنا‬
‫ذاك ابرز عىل العبد من عني منته المقدرة للعبد عىل ختليصه وتزكيته وان‬
‫ظهرت املساوي ورذائل الحوال وقباحئ العامل فبعد ك و ك احلجة عىل‬
‫نس بة الفعال امللومة والخالق املشومة ايل نس بة واس نادا ‪ ،‬واىل عد ك‬
‫خلقا واجيادا ‪ ،‬وهذه حاةل الدابء يشهدون احملاسن من هللا النس بة هلم‬
‫فهيا والاقتدار هلم علهيا ‪ ،‬ويشهدون نس بة املساوي الهيم فيندمون علهيا مع‬
‫مامه مشاهدونه من س بق االرادة بذ ك ‪ ،‬وحمك االقتدار فامي هنا ك فهم‬
‫معتذرون مهنا ظاهرا ‪ ،‬مستسلمون للحمك ابطنا ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫اىل االهل فال يأيت هبا اال هو‬ ‫فرؤية الفضل واالحسان نسبهتا‬
‫‪608‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اىل العباد وحمك هللا آنشـــاه‬ ‫ومايكون من الســـــواء نسبهتا‬


‫وهذا مما يقتيض رسعة االجابة واالسعاف والظفر ابملطلوب ‪ ،‬لنه جاءه‬
‫بوصفه واعرتف هل بنعمته عليه وفضهل واعرتف بتقصريه ‪ ،‬فمل يكن هل‬
‫التفات اىل غري فضهل ‪ ،‬ومع ذ ك هو مشاهد لتقديره وعدهل جفدير بنيل‬
‫املطلوب ‪ .‬فاذا اكنت آسامؤه تقتيض ظهور آاثرها آخذ يف بيان تفاصيلها ‪.‬‬
‫وآسامء امجلال يه اليت حيسن آن يترضع هبا ويبهتل اليه مبضموهنا لهنا‬
‫تضمنت للعباد دقائق اللطف والوداد قال ‪:‬‬
‫( الهي ) مبعىن الوكيل الاكيف النارص احلف وهو اللطيف ( كيف تلكين‬
‫وقد تولكت يل ‪ ،‬وكيف آضام وآنت النارص يل ‪ ،‬آم كيف آخيب وآنت‬
‫احلف يب )‬
‫كيف تلكين اىل نفيس وهتملين اتهئا يف ظلامت حيس وحتجبين عن‬
‫مشاهدة آنيس وفس يح حرضات قديس ‪ ،‬وقد تسميت قبل بروزي بأنك‬
‫الوكيل احلافظ الكفيل ‪ ،‬فظهور امسك الوكيل يقتيض تولك يف سائر‬
‫آموري ‪ ،‬والترتكين موكوال اىل جعزي وضعف وعدم علم مبا هو الصلح‬
‫يل ‪ ،‬بل يقتيض تأثريه يف آن يتولك يل يف مجيع حراكيت وسكوين وظهوري‬
‫وبطوين وسائر آموري ‪ ،‬حىت ترصفين حبسن اختيارك فامي هو املطلوب‬
‫مين والالئق مبقام الشهود مين ‪ ،‬فتقميين بك اليب ‪ ،‬وتشهدين وجودك يف‬
‫الكوان غائبا عين فانيا عن عامل تكويين ‪ ،‬ابقيا بك يف دميومية ملكك ‪،‬‬
‫فأحيا حياة البد بقيومية الواحد الحد ‪ ،‬وكيف آضام بقهر الايم وغلبة‬
‫الحاكم وجور احلاكم وآنت النارص يل لنك رصت يل وكيال ‪ ،‬وبرسائر‬
‫آموري كفيال فمل يبق يل عىل سواك تعويال ‪ ،‬مفن كنت هل انرصا ووكيال‬
‫‪609‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ ،‬ولعدائه مقاوما فمل يظهر عليه املتظاهرون ‪ ،‬واليعبأ بعدد اجلنود‬


‫املتنارصون ‪ ،‬قال صىل هللا عليه وسمل " يرمح هللا لوط لقد آوى اىل‬
‫الركن الشديد " عند قوهل { آوآوي اىل ركن شديد } آم كيف آخيب من‬
‫فضكل العظمي وكرمك العممي اذلي قال آهل اجلحود والضالل ‪ ،‬وآنت‬
‫احلف اللطيف يب كام قلت { هللا لطيف بعباده } وقلت يف س بوغ‬
‫نعمتك وجتليل منتك { ان هللا ابلناس لرءوف رحمي } فكيف ختيب‬
‫آمايل من عطائك ‪ ،‬وكيف يرجع خبيبته من نرصتك ووالئك ‪ ،‬آم كيف‬
‫تعود آيسة من روح منتك ورجائك ‪ ،‬حاشا صفاتك العلية وجتلياتك‬
‫الزلية ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫اليك اياكيف اذلرات يف الزل‬ ‫آنت الوكيل ولك الكون مفتقرا‬
‫نعم الوكيل ونعم النارص العدل‬ ‫فالتلكين اىل نفيس وآنت لها‬
‫والخييب الـذي ابهلل متصــــل‬ ‫فاليضام نــــــــزيل هللا منترص‬
‫ولطف هللا بعبده مل يتخلف عنه يف سائر آحواهل وان اكنت مؤملة‬
‫هل فهو آعمل بدقائق اللطاف فاليفارق العباد لطفه مفاحيمهل اال هو ‪ ،‬واذا‬
‫علمت آن الوس يةل للعبد آرجا من اعرتافه بوصفه بني يدي س يده ‪ ،‬آخذ‬
‫املؤلف رمحه هللا يف التوسل اىل هللا فقال ‪:‬‬
‫( ها آان آتوسل اليك بفقري اليك )‬
‫والتوسل ابلفقر شان الدابء آهنم اليرون وس يةل مهنم آرجا وال آنفع‬
‫والآقرب من االعرتاف بذل العبودية عند مواهجة جتليات الربوبية ‪،‬‬
‫فاالقرار ابالفتقار بني يدي الغين اجلبار صفة الخيار ‪ ،‬والوس يةل يه‬
‫‪610‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫مايقدهما املتوسل بني يدي من يتوسل اليه اذا اكنت من خري العامل‬
‫مسيت وس يةل ‪ ،‬واذا اكن من الوسائط مس شفيعا ‪ .‬وقد مسى الوس يةل‬
‫شفيعا ‪ ،‬والشفيع وس يةل ‪ ،‬والمشاحة يف اللفظ اذا عرف املعىن ‪ ،‬فال‬
‫آرجا للعبد عند هللا من الوس يةل مثل اعرتافه هل بصفات الكامل ‪ ،‬ولنفسه‬
‫ابذلبول واالمضحالل ‪ ،‬واالفالس عن سائر العامل والغيبة عن الفعال ‪،‬‬
‫فالجيد مايتوسل به اىل مواله اال عدم حيةل وفقد علمه ومعهل فيكون يف‬
‫حال قيامه يف العامل غائبا عهنا وفاقدا لها ‪ ،‬مفتقرا اىل س يده الكرمي‬
‫وخالقه الرحمي ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫به احلواجئ جل الواحد الحــــد‬ ‫توسيل ابفتقاري لذلي نـزلت‬
‫عن اببه من سواه اخلري مل جتد‬ ‫فالتروم نوالا قط ماعـدلت‬
‫فلام اكن التوسل ابلفقر يقتيض آن اليكون للغيار وجودا‬
‫آوللعيان شهودا ‪ ،‬والفقر اليناسب الغين وال املناس بة بني الوجود والعدم‬
‫والبني احلدوث والقدم ‪ ،‬قال املؤلف رمحه هللا ‪:‬‬
‫( وكيف آتوسل اليك مبا هو حمال آن يصل اليك )‬
‫كيف يكون التوسل اليك مين بفقري والنس بة بني فقري وغناك‬
‫والبني نعيت ووصفك ‪ ،‬واملتوسل اىل املتوسل اليه البد آن يكون نس به‬
‫يتوصل به اليه ‪ ،‬فكيف يتوصل اىل هللا مبا هو حمال عليه ‪ ،‬فرؤية الفقر‬
‫تنيب عن بقية رؤية شهود غري ‪ ،‬اذ الحوال يف حرضة التوحيد آغيار‬
‫والفقر من مجةل الحوال ‪ ،‬فالسبيل اىل حتقيق الفقر اال ابلغيبة عنه ‪،‬‬
‫ومامل تغب عنه فأنت بعد مل تفن عن رؤية آحوا ك ‪ ،‬وحرضة التوحيد‬

‫‪611‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اليليق فهيا شهود غري الواحد الحد ‪ ،‬فاذا الوس يةل اليه بسواه ‪ ،‬والاعامتد‬
‫عىل من دونه يف مجيع ماهيواه ودفع ما خيشاه اال اايه ‪،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫النس بة بينه وهللا مــــــــــــوالان‬ ‫كيف التوسل يف نيل املــــراد مبا‬
‫آما اذا كنت يف الس باب فالان‬ ‫هذا يف القرب فاعرف حق رتبته‬
‫وهذه رتبة يف القرب ‪ ،‬وآما يف مقام املعامالت فهو املطلوب منك‬
‫كام قلت يف البيت ‪ ،‬آما اذا كنت يف الس باب فالان ك آن ك آن تكون‬
‫كذ ك مقدما الفتقارك وتقصريك واعتذارك ‪ ،‬وملا اكن حال القرب والشهود‬
‫يقيض بأن الشكوى تشري اىل الغيبة عن املشهود قال املؤلف ريض هللا‬
‫عنه ‪:‬‬
‫( آم كيف آشكو حايل وهو الخيفى عليك )‬
‫الشكوى يه شكوى احلال واظهار احلال عن مكنون السؤال ‪ ،‬وذ ك‬
‫اليكون ملن غاب عنه مكنوانت الحوال وعزبت عنه خفيات الفعال‬
‫وذ ك عىل هللا حمال ‪ ،‬كيف وهو العامل هبا قبل بروز العامل من العدم‬
‫وظهور آعيان المم ‪ ،‬وذ ك آيضا عند شهود حقيقة الكشف والعيان‬
‫مادب عن حضوره عىل اجلنان بأن يتومه عقهل آونس يان ‪ ،‬وآما بروزه عىل‬
‫اللسان ابلترضع اىل ادلاين فال حرج اذا اكن عبودية واستيقان آنه اليكون‬
‫ماقد اكن ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فكيف آشكو اليك احلــــال ايمصد وآنت آعمل مبا فهيا من الشجن‬
‫آم كيف ال وانت آهال آن تكون لها راب اليك عظمي البث واحلــزن‬
‫آم كيف آترمج اليك مبقاليت وهو منك برز اليك ؟ آم كيف آي‬
‫جعبا كيف آترمج والرتمج ابلتفهمي ابللسان عام انطوى عنه اجلنان ؟ فكيف‬
‫‪612‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫آبني آمرا آنت اذلي آبرزته عىل جناين قبل آن تنطق به لساين ‪ ،‬فعلمك‬
‫احمليط اذلي آحاط بأوائل المور وآواخرها وببواطن العيان وظواهرها ‪،‬‬
‫فكيف الرتمجة هنا ك واظهار هنا ك ‪ ،‬اذ نشاهد احلقيقة ذ ك اللهم اال آن‬
‫تكون الرتمجة ابللسان عبودية للرمحن واظهار الرس غناه يف شهادة العيان‬
‫‪ ،‬فذ ك مطلوب آيضا من االنسان يف الرشائع والداين ‪ ،‬ويل يف ذ ك‬
‫شعرا ‪:‬‬
‫وهللا جل عن التشبيه ابلبرش‬ ‫فالرتجامن ملن ال يفهم اخلرب‬
‫والتعطهل عــــــــــــــني وال آثر‬ ‫التركنن اىل المتثيل ابلغــري‬
‫( آم كيف ختيب آمايل ويه قد وفدت اليك ؟ آم كيف الحتسن‬
‫آحوايل وبك قامت واليك )‬
‫فهذا من الصنف انعطاف اىل نيل الظفر واالسعاف مبزيد اللطاف‬
‫‪ ،‬ومتلق من عظمي الفضل واالحتاف بنيل مأمول الوصل وهذا حتقيق رجاء‬
‫السالكني وبغية جنباء املريدين ‪ ،‬ومثرة غرس آعامل الصادقني آن يتحققوا‬
‫يف هللا حبسن الظن آن الخييب آماهلم الوافدة عليه ‪ ،‬واملتوهجة بلكية مهمها‬
‫اليه ‪ ،‬والوفد هو وصف القادم النازل احملبوب املفروح بقدومه ‪ ،‬كام قال‬
‫هللا { يوم حنرش املتقني اىل الرمحن وفدا } [ الية ‪ 85‬مرمي ]‬
‫( آم كيف الحتسن حاةل منتس بة اليك بفناها ؛ عن نسبهتا سائر‬
‫آحوالها وقواها )‬
‫وهذا من املصنف اشارة منه اىل تطوره يف مظاهر احلقيقة وترقيه ‪ ،‬ويل‬
‫يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فكيف ترجع آمالينا وقد وفـــــدت اليك خائبة حاشاك ايمصدا‬
‫‪613‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وكيف ال حتسن الحوال ويه كذا اليك نسبهتا ابجلود واملــددا‬


‫فلام آنس من فضل هللا مامل يكن هل به اس تعداد ورآى من جتليات رس‬
‫الوداد مازاد عىل املراد آخذ يف االعرتاف هل بذ ك ‪ ،‬وعدم اس تحقاق‬
‫نفسه مبا هنا ك ‪ ،‬وذ ك مما يعطيه مقام املعرفة فقال ‪:‬‬
‫( الهي ) مبعىن اللطيف يب واحللمي عين ( ما آلطفك يب مع عظم هجيل ‪،‬‬
‫وما آرمحك يب مع قبيح فعيل )‬
‫الهي ومنهتيى آمايل وبغية لطائف آحوايل ما آلطفك مع عظمتك وعلو‬
‫كربايئك يب ملهانة صوريت وعظمي هجيل ‪ ،‬فلوال عظمي لطفك يب ملا ختلفت‬
‫عين عقوبة جرامئ وهذا شان آهل االميان كام روي يف احلديث " ان‬
‫املؤمن يرى ذنبه اكجلبل خيىش آن يقع عليه ‪ ،‬وآن املنافق يرى ذنبه اكذلابب‬
‫عىل وهجه قال به هكذا " فرؤيته ذل ك توجب احلياء من هللا والوقوف‬
‫عىل حد العبودية ابالفتقار واذلةل واالنكسار وما آرمحك يب ‪ ،‬لن رس‬
‫رمحتك هو القيام بوجودي مع قبيح فعيل ‪ ،‬فقبيح الفعل ماجيرتحه العبد‬
‫عىل خالف آمر س يده ‪ ،‬فال آقبح فاعال ممن يس تعني بعطائه وغوامر آالئه‬
‫عىل معايص س يده فهذا آقبح لك قبيح ‪ ،‬فلوال معمي رمحته ومشول رآفته‬
‫لدركت العاصني هلل آنواع العقوابت عىل ممر الساعات واللحظات ‪ ،‬ويل‬
‫يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫لطائف هللا يف الكوان شامةل وان تعاظم هجل فاالهل عيل‬
‫ورمحة هللا يف الكوان سابغـة المتتنع بقبيح الفعل والزلــــل‬
‫قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬

‫‪614‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫( الهي ) مبعىن اللطيف يف عظمته وادلاين يف رفعة تعاليه ( ما آقربك مين‬


‫وما آبعدين عنك )‬
‫ما آقربك يف مشول احاطتك يب واس تغراق معيتك لباطين وظاهري‬
‫وسائر لطائف وقيام آمرك عىل سائر آحوايل وشهودك لسائر ش ئوين‬
‫املتكونة وسائر آعاميل املتلونة ‪ ،‬وما آبعدين عنك يف املناس بة واملشالكة‬
‫ويف اذلات والصفات والفعال ‪ ،‬وذ ك لظهور حمكته البالغة آن آوجد‬
‫اخللق وجعل هلم ذوات وصفات وآفعال ليظهر عظمة ربوبيته العلية ذاات‬
‫وصفاات وآفعاال عىل هذه الرفعة العبدية ذاات ووصفا وفعال ‪ ،‬ويل يف ذ ك‬
‫شعرا ‪:‬‬
‫قرب االهل من الش ياء برمحـــــــته وما آحاط به من علمــه الزيل‬
‫وبعدها عنه من حيث الصفات كام بعد اذلوات كذا الفعال المثل‬
‫مفقام رؤية البعد هو اذلي يرد العبد اىل الطلب ‪ ،‬ومقام القرب هو اذلي‬
‫يعطيه كامل الدب والك احلالني يف حق آهل هللا خري ‪ ،‬فان آقميوا يف‬
‫رؤيهتم لوجودمه فلام يقتضيه مهنم من حق العبودية ‪ ،‬ويسمى عندمه بعدا‬
‫عن شهود جتيل آرسار الربوبية ال البعد اذلي عىن به آهل احلجاب‬
‫املبعدين يف دراكت العذاب ‪ ،‬واذا جتىل علهيم بكامل صفاته والحت‬
‫لرسارمه آنوار ذاته اكنوا ابحلقيقة مجموعني ‪ ،‬وعن شهود الغيار ممنوعني‬
‫وهو القرب اذلي آشار اليه ‪ ،‬وعند جتيل هذا املشهد الرمحويت قال‬
‫املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( ما آرآفك يب مفا اذلي حيجبين عنك )‬

‫‪615‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ملا رآى من عظمي القرب ماغيب عنه ظهور الغيار وطمس عنه رؤية‬
‫الاثر قال ‪ :‬ما آرآفك يب ‪ ،‬فاالرآفة من خصائص فائضات الرمحة فذل ك‬
‫تسمى ابلرءوف فقال { ان هللا ابلناس لرءوف رحمي } فالرآفة ظهور‬
‫آثرالرمحة عىل املرحوم ‪ ،‬مفا اذلي حيجبين عنك وليس يل مشهود سواك‬
‫وال موجود اال اايك ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫وكشف نور جامل احلق مشهود‬ ‫يف رآفتك علقت المال ايمصدا‬
‫واليضام نزيل الفضل واجلـــــود‬ ‫فكيف حيجب من منك هل يدا‬
‫مفن آاثر تكل الرآفة وظهور تكل الرمحة ما آشهده قلوب آوليائه واختص به‬
‫آرواح آصفيائه من ظهور رمحته يف لك شئ ‪ ،‬فال يواهجون يف الش ياء اال‬
‫رس رمحته وذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( الهي ) مبعىن الظاهر يل برمحته واملتجيل يل يف لك شئ بامتم نعمته وكامل‬
‫منته وعظمي حمبته ( قد علمت ابختالف الاثر وتنقالت الطوار آن‬
‫مرادك مين آن تتعرف اىل لك شئ حىت ال آهجكل يف شئ )‬
‫وهذا العمل اذلي آشار اليه هو ما اختصه هللا به من علمه املكنون ورسه‬
‫اخملزون اذلي من علمه ارتقى به اىل رتبة الكشف عن مادخل حتت‬
‫تكوين الاكف والنون ‪ ،‬واذا عمل هللا عبدا هذا العمل اكن حكامي وهو احلمك‬
‫اليت من آوتهيا فقد آويت خريا كثريا ابطنا وظاهرا ‪ ،‬واختالفها آي االاثبة‬
‫بنرصه ذلوي البصار ففهيا ماالخيفى من تصاريف االعتبار { فاعتربوا‬
‫ايآويل البصار } فعرب آهل االعتبار اىل حتت س تور الاثر من امسه‬
‫النافع الضار وغري ذ ك من تقلبات الاثر ‪ ،‬فلو اكن آمقتين يف حاةل واحدة‬
‫‪616‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫مل تنقلين عهنا ضارة آوسارة حلوة آوقارة لكنت انقص املعرفة عن كامل‬
‫ظهور يف متعددات مظاهر آلوهيتك ‪ ،‬فاذا اكن مايتجىل به من املؤملات‬
‫واملالمئات مما يروث العارف زايدة معرفة فاكنت هل الش ياء لكها تعرفات‬
‫خاصة ونعم من هللا سابغة وهو بعض وجود الية يف قوهل تعاىل { وآس بغ‬
‫عليمك نعمه ظاهرة وابطنة } [ الية ‪ 20‬لقامن ] كام مسعنا ذ ك غري مرة من‬
‫ش يخنا العارف الس يد الرشيف معر بن عبدالرمحن علوي نفع هللا به آن‬
‫النعم الظاهرة هو ما ظهر من النعم ‪ ،‬والباطنة ما انطوى من التعرف يف‬
‫احملن ‪ ،‬وكتب بذ ك مستشهدا به للش يخ عيل بن محمد ابمزامح ساكن بروم‬
‫ملا شىك اليه بعض ماانهل من احملن ‪ ،‬واذا اكن المر كذ ك فالنعمة الباطنة‬
‫فهيا ماالخيفى من املزيد لسائر العبيد ‪ ،‬آما املقربني فلام تزاد به معرفهتم اليت‬
‫يصغر اىل جنهبا لك شئ من آصناف النعمي ‪ ،‬وآما آحصاب الميني ومعوم‬
‫املؤمنني فلام ينالوا من الثواب اجلس مي ويكفر عهنم من السيئات ويدفع‬
‫عهنم من العقاب كام وردت بذ ك لكه الخبار ‪ ،‬وشهدت به الاثر وهذه‬
‫التاثريات كثرية ‪ :‬مثل الصحة واملرض والغىن والفقر والعز واذلل والطاعة‬
‫واملعصية ‪ ،‬و ك فامي ظهر مهنا تعرف خاص من جتيل امس خاص ‪،‬‬
‫واليكون شاهد االمس وغائبا عن املسمى ‪ ،‬وغاية النعمي ومنهتيى لك مقصد‬
‫ومطلب هو شهوده وحتقق وجوده ‪ ،‬وآما تنقالت الطوار فهي تنقالت‬
‫الحوال ‪ ،‬وتغاير الواردات فهي من متعلقات القلوب وجتليات آرسار‬
‫الغيوب فهي لرابب القلوب مشهودة وعند ذوي الطوار موجودة ‪:‬‬
‫اكلقبض والبسط واخلوف والرجاء والهيبة والنس والوجد والفقد ‪ ،‬ولك‬

‫‪617‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ذ ك آيضا تعرفات وصفية وجتليات ذاتية يعرفها من وصل الهيا وحتققها من‬
‫طافت رسه دلهيا ‪ ،‬وآما معوم اخللق فليس هلم اىل تنقالت الطوار سبيل‬
‫وامنا مه يف شهود اختالف الاثر واالرادة حميطة بلك ذ ك التتقلب عهنا‬
‫حملة انظر والفلتة خاطر ‪ ،‬ومن آرشف عىل عمل االرادة اكن اتراك الختياره‬
‫راضيا عن هللا يف مجيع مايوصهل اليه من نفع ورض ‪ ،‬فال آعز منه علام ‪.‬‬
‫مفن آراد غري ذ ك آي رآى آن يكون حباةل خيتارها لنفسه فقد آعوز املعرفة‬
‫فعبد هللا يسأل هللا آن يشعره لطفه وحسن اختياره هل فامي قضاه وال‬
‫يطلب آن ينقهل عن حاةل هو فهيا ؛ اال ماقد عمل آنه اليرضاه هل اكالميان‬
‫مثال فانه يطلب الثبوت عليه ‪ ،‬ولك ماعمل آنه اليرضاه هل اكلكفر وماوالاه‬
‫فيطلب هللا آن حيفظه منه ويعصمه منه ‪ ،‬ذ ك لن لك ذلكل ليس من‬
‫تدبري العبد واختياره بل من تدبري هللا واختياره ‪ ،‬والرش فيه ظاهر‬
‫واالميان آيضا اخلري فيه ظاهر خبالف ماعدى ذ ك من سائر الحوال‬
‫فالمر فيه غيب اليدري العبد خريه من رشه ‪ ،‬فيكون عبدهللا حيث‬
‫آقامه واليكون ممن قل فهمه عن هللا ان ورد عليه غري مالمئ لطبعه‬
‫وموافق حلظه خسط وتربم ‪ ،‬فيصدق عليه قوهل س بحانه { ومن الناس‬
‫من يعبد هللا عىل حرف } [ الية ‪ 11‬احلج ] ولكن املطلوب من العبد آن‬
‫يكون حريصا عىل حق العبودية هلل يف لك حال يرد عليه من هللا ‪ ،‬فأما‬
‫ان اكنت من قبيل النعمة حفق العبد آن يقوم هلل فهيا ابلشكر وان اكنت‬
‫من قبيل الطاعة فشهود املنة هلل ‪ ،‬وان اكنت من قبيل اذلنب فالتوبة‬

‫‪618‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫واالس تغفار ‪ ،‬وان اكنت من قبيل البلية فالصرب ‪ ،‬فالمر دائر عىل هذه‬
‫الحوال ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫يف اختالفات آاثر املقاديــــــر‬ ‫لقد علمت بأن هللا حمكــــــــــته‬
‫فامي مكن حتت مكنون التباشري‬ ‫ومايكون من حـــــــــــال برمحته‬
‫يف لك وارد من حمك املقاديــر‬ ‫ان يشهد العارف آن اللك نعمته‬
‫حتت املعاين وآطوار التصاويـر‬ ‫هل زايدة قرب آونـــــــــــيل منته‬
‫( الهي ) مبعىن املوىل الكرمي املتفضل احملسن ذو الصفات العال والسامء‬
‫احلس ىن ( لكام آخرس ين لويم آنطقين كرمك ‪ ،‬ولكام آيستين آوصايف‬
‫آطمعتين آوصافك )‬
‫لكام يقتيض التكرار كذ ك والعبد آبدا واقع يف الفعال اليت تورث اللوم بني‬
‫س يده ‪ ،‬لن العبد انقص يف الصل فاليصدر عنه من الفعال اال النقص‬
‫‪ ،‬والفعال متفرعة عن اذلات الصادرة عهنا ‪ ،‬وقد علمت ماذاق العبد عليه‬
‫من النقص فاذا شهد مامنه من الفعال الناقصة امللومة واخلصال الرذيةل‬
‫املذمومة آخرست لسانه عن الالكم ‪ ،‬واذا آشهد الصفات العلية والنعوت‬
‫الاكمةل الزلية غابت عنه صفاته وامضحل عنه شهود ذاته فرآى الكامل‬
‫العيل نطق وآوسع يف الالكم ‪ ،‬كيف ال وقد الح تيار الكرم والفضل‬
‫العظمي ‪ ،‬فأىن يفىن املقال بعبارته آوتفصح املقاةل ابشارته ‪ ،‬الك ! اليصل‬
‫تعبري املعربين ومقال املتبحرين اىل غربة من رماهل آورحشة من حبار نواهل ‪،‬‬
‫فكيف يقرص يف الالكم عند شهود مواهب ذي الكرم واجلود ! آوكيف‬
‫ييأس عند جتيل امسه الرحمي الودود ‪ ،‬فهنا طمع يف نيهل آهل املعايص‬
‫واجلحود بأهل االميان والشهود ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫‪619‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫الشك تنطقين من وصفك الكـــرم‬ ‫فلكام آخرستين قبح معصييت‬


‫مين اليك طمـــــع يف فضكل العمم‬ ‫ولكام آيستين لك مفضــــــعة‬
‫م آخذ املؤلف يف بعض بيان ما العبد متصف به من النقص فامي يصدر‬
‫منه عىل صور الكامل فقال ‪:‬‬
‫( الهي ) مبعىن الاكمل املوصوف بصفات الكامل ‪ ،‬واملنعوت بنعوت امجلال‬
‫واجلالل ( من اكنت حماس نه مساوي فكيف التكون مساويه مساوي ‪،‬‬
‫ومن اكنت حقائقه دعاوي فكيف التكون دعاويه دعاوي )‬
‫اذا اكنت احملاسن املنسوبة مساوي ملا قارهنا من النقص يف النشأة‬
‫ومايصحهبا من القوادح املوجبة للعبد علهيا ان مل يزكهيا هللا وخيلصها من‬
‫ذممي االرادات ادلنية فكيف التكون املساوي الظاهرة منه مساوي ‪،‬‬
‫واالنسان اذا مل يالطفه هللا ويتداركه بعصمته الخيلوا عن سيئة تس توجب‬
‫العقوبة ان مل يتجاوز عنه هللا ويعفو ‪ ،‬وذ ك لنه انطوت يف ط جبلته‬
‫مجيع الطبائع احليوانية والصفات الهبميية والخالق الضارية الس بعية ‪،‬‬
‫فكيف يتصور خلوه عن شئ طبع يف آصل خلقته وانتقش يف ط جبلته‬
‫اللهم اال آن يتفضل هللا بفضهل فتحيط به العناية الزلية فتعلق فيه الصفات‬
‫العلوية الصافية الساموية فتقهر تكل الصفات الرضية ‪ ،‬وتتواىل عليه‬
‫الواردات االلهية والرسار احلقية والنوار الوصفية ‪ ،‬فال جرم حينئذ آن‬
‫يكون عليه من الكامل االلهي مايرفعه عن حظيظه السافل ويلحقه بذروة‬
‫الوج الاكمل ‪ ،‬وذ ك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذ الفضل العظمي ‪،‬‬
‫ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫حماسن العبد ان ينظر اليه يـــرى فهيا املساوي ولك فيه منـــــدرج‬
‫‪620‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫كيف املساوي اذا حققت ذاك مفا خيلوا عن السوء فامي قيل واحلرج‬
‫ومن اكنت حقائقه فامي يزمع آن هناك للعبد حقائق فهي دعاوي لن‬
‫مس ندها اىل العدم ‪ ،‬والعجز التكون دعاويه الظاهرة اليت الخيلوا عهنا‬
‫آيضا لك انسان اال من حققه هللا ابلشهود والعيان ‪ ،‬مفن مجلهتا شهود‬
‫الغىن هل يف ذاته آوصفة آوفعل ‪ ،‬ونس يان االفتقار كذ ك آبدا فهذا من‬
‫ادلعاوي ‪ ،‬بل لك دعوى مل تصدر اال فرعا عن هذا املشهد ‪ ،‬ويل يف‬
‫ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫حقائق العبد يف النس بة اليه سدى فاللها مستند يف الصل يعضدها‬
‫فكيف مااكن من دعوى بغري يدا بيان بطالهنا آن ليس يشـــــهدها‬
‫( الهي ) مبعىن القاهر احلكمي ( حمكك النافذ ومش يئتك القاهرة مل يرتاك‬
‫ذلي مقال مقاال ‪ ،‬والذلي حال حاال )‬
‫شهود نفوذ احلمك من غري مباالة ابلس باب وقهر املشيئة وغلبة المر هو‬
‫اذلي قطع قلوب اخلائفني ودهل آلباب العارفني فان رآى مقاةل فصيحة فعليه‬
‫احلمك ينقلب ‪ ،‬آي العام بعد آن اكن كام قيل يكتب عند العمل من فاه‬
‫اكمحلام آوكام قيل ‪ ،‬وان نظرت اىل رفعة احملل وقوة احلال فال آنزه من‬
‫صفيح السامء ‪ ،‬فان ابليس غلب عليه سابق احلمك وانربم عىل شقائه جسل‬
‫المر آنزل كام ترى وطرد والعياذ ابهلل من سوء املقدور مع مااكن من رفعة‬
‫احلال ورفعة احملل ‪ ،‬كام اكن يعبدهللا آربعة آالف عام ‪ ،‬فكفى بذ ك خموفا‬
‫ذلوي العقول السلمية آن اليسكنوا اىل شئ مما يبدو مهنم من العمل آوالعبادة‬
‫‪ ،‬وآن اليكون لكام ازدادوا علام ازدادوا خش ية هلل تعاىل ‪ ،‬وخوفا من آلمي‬
‫املكر وشدة سطوة القهر ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫‪621‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫هـو اذلي حري اللباب واملهــج‬ ‫نفوذ حمكك يف الش ياء بالسبب‬
‫وللمشيئة قهــــــــــــــــــــــر اليغالبه حال فمك فيه من عمل قد اندرج‬
‫م آخذ يف بيان الرساليت يرجو هبا العبد الفوز عند هللا فقال ريض هللا‬
‫عنه ‪:‬‬
‫( مك من طاعة بنيهتا ‪ ،‬وحاةل ش يدهتا ؛ هدم اعامتدي علهيا عد ك ! بل‬
‫آقالين مهنا فضكل )‬
‫مك من طاعة بنيهتا ‪ ،‬والطاعة يه صفة قامئ ظاهر العبد ابلفعل املأمور به‬
‫من قول آوفعل جازم وغري جازم يه الفرائض املعلومة من ادلين برضورة‬
‫كفرائض االسالم ‪ ،‬وغري اجلازم كنوافل الطاعات ‪ ،‬وبنيهتا هو االتيان هبا‬
‫عىل وجه االس تقامة وحفظ سائر حدودها من آراكن ورشوط وسنن ‪،‬‬
‫واجتناب مهنياهتا حرمة وكراهة ‪ ،‬وفعل ماهو الوىل فعهل وترك ماالوىل‬
‫تركه وغري ذ ك من وجوه احلظ وحتري احملافظة ‪ ،‬واحلاةل اليت ش يدهتا يه‬
‫حاالت القلب من ختليته من رذائهل وحتليته مبحاسن صفاته وامعان النظر‬
‫بغاية اجلهد يف دقائق خطراته ولطائف حراكته حىت بلغت ماهو املقدور‬
‫من هجدي يف ذ ك ‪ ،‬فاعمتدت عىل ذ ك وآستندت اىل ماهنا ك وطال‬
‫دلي ذ ك ‪ ،‬فلام انكشف يل عن نعوتك اجللية وصفاتك السنية وجتلياتك‬
‫الزلية اليت ال تعلل بعةل والتكتسب حبيهل ‪ ،‬وظهر من آسامئك اجلاللية‬
‫امسك العدل اذلي اليرد حمكه بسبب طاعة آوحسب آونسب ‪ ،‬تعذب‬
‫من تشاء وان اكن طائعا ‪ ،‬وتغفر ملن تشاء وان اكن عاصيا هدم ذ ك‬
‫اعامتدي عىل ماكنت معمتدا عليه دونك فهربت مهنا اليك ومن لك شئ‬
‫دونك ‪ ،‬فرآيت آن االعامتد عىل الس باب دون مسبهبا مما يوجب العقاب‬
‫‪622‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ ،‬فاس تقلتك مما كنت عليه معمتدا دونك ‪ ،‬فأقالين فضكل اذلي هو معمتد‬
‫الهاربني ومنهتيى رغبات الملني ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫مك طاعة ك آحسنت القيام هبا وكنت فهيا كثـــــري اهلم جمهتدا‬
‫وحاةل طاملـــــاكنت اعتنيت لها بزتكيهتا مع النفاس مرتصــــــدا‬
‫ملا جتىل ظهور العدل عطلــــها حىت علمت امنا غري االهل سدا‬
‫( الهي ) مبعىن معبودي العامل بتفاصيل آحوايل وجراين آفعايل قبل مظهر‬
‫صوريت وصور آعاميل ( آنك تعمل وان مل ترم الطاعة مين فعال جزما فقد‬
‫دامت حمبة وعزما )‬
‫كام آوجدت يف وطبعت عليه جبليت ‪ ،‬علمت الحماةل آن تعمل ذ ك مين اذ‬
‫ال ختفى عليك تفاصيل آحوايل وجراين آعاميل ‪ ،‬وآان آجد اين وان مل ترم‬
‫الطاعة مين فعال وجزما كام هو شان ادلائبني عىل عبادتك ‪ ،‬والعاكفني يف‬
‫حرضة قدسك ‪ ،‬اليسأمون وال يس تكربون عن خدمتك ‪ ،‬فأان وان كنت‬
‫كذ ك فعال وجزما فأان دامئ حمبة وعزما ‪ ،‬آي حمب لها وللعاملني هبا ‪ .‬وقد‬
‫ورد عىل لسان نبيك " املرء مع من آحب " وآان آحب آن آمعل هبا وحب‬
‫العاملني ‪ ،‬وعازما عل فعلها يف لك آن ‪ ،‬فأكون بنية القصد والعزم علهيا يف‬
‫زمرة العاملني ‪ ،‬وذ ك غري مستنكر والمستبعد كام وردت بذ ك الخبار‬
‫ادلاةل عىل آن العازم عىل فعل الطاعة يف طاعة ‪ ،‬والعزم هو عقد القلب‬
‫عىل فعل ذ ك فهو يف ديوان الطاعات ان اكن طاعة ‪ ،‬ويف ديوان املعايص‬
‫ان اكن معصية ‪ ،‬لن العزم هو تصممي القلب عىل الفعل مفا بق اال عزم‬
‫تقدير احلركة فيه والعجز عن االتيان به ‪ ،‬ويبقى كذ ك حىت جيد مساعدة‬

‫‪623‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫القدر هل فيفعل مىت وجد ذ ك ومل يهنض هل فليس بعازم ‪ ،‬ويل يف ذ ك‬


‫شعرا ‪:‬‬
‫فأنت تعــــمل آين فيك مبتغيا لطاعتك ايعظمي الفضل واملنن‬
‫حبا وعزما بذاك الرس مرتقيا اليك ايمنهتيى المــــال والسنن‬
‫فالعزم تقتيض شهود العبد لمر س يده ‪ ،‬والقهر مقتىض فناء العبد عن‬
‫سائر آفعاهل ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( الهي ) القاهر ملن سواه املعبود مس تحق االمتثال مفن عداه ( كيف آعزم‬
‫وآنت القاهر ‪ ،‬وكف ال آعزم وآنت المر )‬
‫هذا مقام يشري اىل الهناية والامتم اذ شهود القهر اذلي هو وصف احلق‬
‫يقتىض من العبد آن اليكون هل حركة وال سكون يف لكيات آفعاهل وآحواهل‬
‫‪ ،‬ولكن من وقف عىل ذ ك دون شهود آمره وقع يف التعطيل واجلرب ‪،‬‬
‫وكيف الآعزم وآنت المر ‪ ،‬لن شاهد العبد املبادرة المتثال آمر س يده‬
‫اىل ماندبه اليه ‪ ،‬وانزجاره عام زجره عنه ‪ ،‬فاذا اكن عىل ماذكران ممتثل‬
‫المر ومزنجر عن املهني مع شهود فناه عن سائر آفعاهل وامضحالهل عن‬
‫لكيات آحواهل فقد قام حبق العبودية ظاهر ‪ ،‬وتأدب للربوبية ابطنا ‪ ،‬وهذا‬
‫غاية مطلب العلامء اسقاط سائر الحوال والقوى مهنم ابطنا واالس تقامة‬
‫عىل حد المر ظاهرا ‪ ،‬وبذ ك وصلوا اىل رصف احلرية ‪ ،‬ووقفوا عىل‬
‫حقيقة المر ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫فكيف آعزم وآنت القاهر الحد وكيف ال وانت حق المر الصمد‬
‫هذا الشهود مقـــام العبد ابلرصد يكون فان وابق طالب املـــــــدد‬

‫‪624‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫( الهي ) مبعىن مقصودي ومنهتيى آمايل ووجه قليب ومرادي يف توهجي‬


‫واراديت ( ترددي يف الاثر يوجب بعد املزار ‪ ،‬فامجعين عليك خبدمة‬
‫توديين اليك )‬
‫الرتدد يف الاثر هو االنتقال يف الطوار وبقية التعلق ابلغيار ‪ ،‬والطمع يف‬
‫جنة آوخوف من انر ‪ ،‬آوترقب آنوار ‪ ،‬وخماطبات املقامات والرسار ‪،‬‬
‫وتردد بني الرباري وادلاير ‪ ،‬واس تئناس ابلهل واجلار ‪ ،‬والركون اىل‬
‫املألوفات واالغرتار بزخارف النعام والعقار ‪ ،‬وغري ذ ك ولو اىل الحلان‬
‫ومطرابت الواتر وتغريد الطيار ‪ ،‬فلك ماسوى الحد القهار فالركون‬
‫اليه آس تار وبعد مزار ‪ ،‬وقرب املزار هو رفع احلجب والس تار ‪ ،‬عىل‬
‫احلسن اذلي منه اس تعار لك ذي حسن حس نه وبنوره لك اكئن استنار‬
‫{ هللا نور السموات والرض } ولكام نأت ابحملب عن حبه ادلاير‬
‫تاكثرت مظاهر الاثر ‪ ،‬وتاكثفت الس تار ‪ ،‬فلام آحسن ذ ك سارع اىل‬
‫الفرار ومد آكف السؤال واالفتقار يف آن يتداركه من هذه املها ك‬
‫والخطار ‪ ،‬فقال بلسان االضطرار ‪ :‬فامجعين عليك كرثة تغاير الغيار‬
‫ومدهلامت ظلامت الاثر ‪ ،‬فامجلع عليه بأن الجيعهل فيه مساع لرادة مراد‬
‫غريه ‪ ،‬والاتساع لشهود سواه ‪ ،‬فيفر اليه مما سواه حىت يفر اليه من فراره‬
‫‪ ،‬واخلدمة املؤدية اليه يه ادامة ذكره وامتام فرائضه وتمكيلها بنوافل‬
‫اخلريات ‪ ،‬مع فنائه عن شهود نفسه يف ذ ك وعدم اعامتده عليه ‪ ،‬وذ ك‬
‫ملاروي يف احلديث القديس " واليزال عبدي يتقرب ايل ابلنوافل حىت‬
‫آحبه " احلديث بطوهل ‪ .‬واذا اكن كذ ك يف اخلدمة دائبا ‪ ،‬وللمنة شاهدا‬
‫‪ ،‬وللنعمة شاكرا ‪ ،‬ويف البلية صابرا ‪ ،‬وعن املعايص اتئبا فقد حصل بعون‬
‫‪625‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫هللا عىل االس تقامة عىل جادة الطريق املثىل ‪ ،‬فاملرجو من فضل هللا كام‬
‫يرس هل تكل الس باب ملن يغلق دونه الباب ‪ ،‬اذ هو املتفضل الوهاب ‪،‬‬
‫ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ترددي بني آاثر وآغـيار موجب لبعدي عن الحباب وادلار‬
‫فياغياث مللهوف وحمتار امجع عليك بطاعـــــــــــــــات وايثار‬
‫( الهي ) مبعىن الظاهر الحد املبدع لصناف الفطن ‪ ،‬واملظهر لسائر‬
‫املعاين والصور ( كيف يس تدل عليك مبا هو يف وجوده مفتقر اليك ‪،‬‬
‫آيكون لغريك من الظهور ماليس ك حىت تكون املظهر ك ! مىت غبت‬
‫حىت حيتاج اىل دليل يدل عليك ! ومىت بعدت حىت تكون الاثر يه اليت‬
‫توصل اليك! )‬
‫هذا تعحب من يظن آن املوجودات تدل عليك ‪ ،‬وامنا دلت عليه اال من‬
‫حيث ما آعطاها من الوجود ‪ ،‬ولو مل يكن ذ ك مل يكن لها يف ذواهتا‬
‫وجود ‪ ،‬فدل ذ ك عىل آمنا دل عليه من قبلها اال وجوده فهيا اليه من‬
‫حيث يه ‪ ،‬فهو ادلليل عىل نفسه الغري ‪ ،‬اذا افتقارها يف اجيادها‬
‫وامدادها يف قيام وجودها آول دليل عىل انعداهما ‪ ،‬وآبني برهان عىل‬
‫ظهور توجدها ‪ ،‬وممدها يف قيام وجودها ‪ .‬مفىت غاب ! ولوغاب مل يكن‬
‫للوجد بأرسه وجود فدميوميته برهاهنا قيام العامل واس مترار وجوده ‪ ،‬فأرابب‬
‫الشهود والعيان غنوا مبا واجه قلوهبم من ظهوره ورشوق نوره فمل حيتاجوا‬
‫اىل االس تدالل عليه مبا هو مفتقر يف وجوده اليه ‪ ،‬ولكام سواه كذ ك‬
‫مرسوم ابالفتقار اليه ظهرت عليه مسة االضطرار ‪ ،‬وهل الغناء املطلق ‪،‬‬
‫آيكون لغريه من الظهور ماليس هل ! هذا تقبيح من آرابب الشهود‬
‫‪626‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫املس تدلني ابلش ياء عليه ‪ ،‬ولكن من ابب ‪ :‬حس نات البرار سيئات‬
‫املقربني ‪ .‬وليس تقبيح توبيخ امنا هو اغرا عىل هو الوىل وهذا حيسن يف‬
‫قيام مناجاة احلبيب ‪ ،‬وتذلل احملب مع احلبيب ‪ ،‬فادلالةل التكون االعىل‬
‫غائب وآنت حارض عىل خفيات الضامئر ‪ ،‬وحملات النواظر ‪ ،‬وفلتات‬
‫اخلواطر ‪ ،‬سامع وانظر { وماتكون يف شان } الية ‪ ،‬فكيف توصل‬
‫الاثر اليه والوصول اليه اليكون اال متحزي يف وهجه وهللا مزنه عن اجلهات‬
‫‪ ،‬مفىت بعد وهو القريب ادلاين { وحنن آقرب اليه منمك ولكن التبرصون‬
‫} [ الية ‪ 85‬الواقعة ] { وحنن آقرب اليه من حبل الوريد } [ الية ‪ 16‬ق ]‬
‫قرب المياثهل قرب الجسام ‪ ،‬من غري مماسة وال اس تقرار والحلول‬
‫والامزتاج ‪ ،‬بل عىل المر اذلي وصف ‪ ،‬والوجه اذلي عرف ‪ ،‬فال‬
‫يوصل اليه سواه ‪ ،‬واليس تدل عليه اال اايه ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫هو من بدائعه يف اذلر والفـــــــطر‬ ‫كيف اس تدل عليه املس تدل مبــــا‬
‫آعيانه من بديع اخللق يف الصــــور‬ ‫وكيف يوصل اليه مابه ظهــــرت‬
‫ومنيش آصناف مايف الكون من آثر‬ ‫تبارك هللا مظهر لك اكئـــــــــــنة‬
‫( الهي ) مبعىن الرقيب عيل ( معيت عني التراك علهيا رقيبا ‪ ،‬وخرست‬
‫صفقة عبد مل جتعل هل من حبك نصيبا )‬
‫معيت عني ‪ ،‬فعمى العني القلبية هو العمى حقيقة ‪ ،‬قال هللا جل ذكره {‬

‫فاهنا التعمى البصار ولكن تعمى القلوب اليت يف الصدور } [ الية ‪ 46‬احلج ]‬
‫ومعى عني القلب آشد من معى العني الظاهرة ‪ ،‬ومن اكن يف هذه آمعى‬

‫‪627‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫عن مراقبة هللا وعن النظر يف آايت هللا والهجوم عىل حمارم هللا من غري‬
‫حياء من هللا والمباالة ن فهو يف الخرة آمعى عن النظر اىل جامل هللا ‪،‬‬
‫وما آعد فهيا لوليائه ورؤيته علهيا من رقيب هو مقتىض االميان ‪ ،‬واملراقبة‬
‫حاةل قلبية تعط املراقب حاةل يرى آن هللا يراه يف مجيع مايتعاطاه ‪،‬‬
‫فيس تح منه آن يراه حيث هناه ‪ ،‬آويفقده حيث آمره ‪ ،‬ويه لرابب‬
‫القلوب ‪ ،‬ويه برزخ بني احملاس بة اليت يه حاةل آرابب الظواهر ‪ ،‬وبني‬
‫املشاهدة اليت يه لرابب الرسائر ‪ .‬قال بعض احلكامء يف ادلين ‪ :‬آن‬
‫املراقبة نور ينبسط يف الصدور وهو من شعاع نور مشس االحسان‬
‫اكلضوء عىل احليطان ‪ ،‬وخرست صفقة عبد ‪ ،‬آي بيعته ومارحبت جتارته‬
‫ان مل جتعل هل يف سابق علمك من حبك نصيبا ‪ .‬واحلب من هللا لعبده‬
‫هو آصل لك خري وغمن ‪ ،‬ومن مجلته ثناه عليه ومدحه اايه اذلي اليوازي‬
‫بعمل ‪ ،‬ومن آاثره عىل الظاهر الهداية احملاب ورصفه عن املذام ‪.‬‬
‫ومن حمبته لعبده آن قد غفر هل وجبهل ومدحه وآعد هل اجلزاء قبل اجياده ‪،‬‬
‫وهيأ هل آرضه وسامئه ‪ ،‬وجنته وسائر نعمه وآالئه ‪ ،‬قبل ابرازه من العدم مبا‬
‫نص عليه يف كتابه القدمي ‪ ،‬ووصفه العظمي اذلي مل يس بق بفعل من آفعال‬
‫اخمللوقني املرتبة فيه املضافة الهيم اضافة ترشيف ‪ ،‬وحمبة العبد هلل فرع حمبة‬
‫هللا هل وهو مايتقرب به اىل هللا من آنواع الطاعات واجتناب املهنيات ‪،‬‬
‫واخلطاب يف قوهل ‪ :‬من حمبتك نصيبا اىل هللا ‪ ،‬فان هللا حيهبم ابتداء من‬
‫غري تقدم معل مهنم يقتيض آن حيهبم ‪ ،‬لعهل يتعاىل عن العلل يف سائر‬
‫آفعاهل ‪ ،‬وحيبونه مبا آظهره علهيم من آاثر حمبته هلم اليت يه الطاعة كام بينا‬
‫ذ ك ‪ .‬ومن مل جيعل هل من هذه احملبة اخملصوصة نصيبا فقد ابن غبنه‬
‫‪628‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وخابت مطالبه ‪ ،‬وابنت خسارته بأن كره انبعاثه فثبطه عن التوجه اليه ‪،‬‬
‫واالقبال بوجه القلب عليه ‪ ،‬فنعوذ ابهلل من سوء القدر ‪ ،‬وماس بق به من‬
‫حرمان الظفر ابلوطر ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫من مل يراك رقيبا ظل يف ظــــــمل حـــــريان آمعى عن النوار منحجب‬
‫وخاب عبد خرس يف بيع صفقتـه ان مل يكن جلنــــــــاب هللا منتسب‬
‫حمبة هللا يف غيب القدم س بقت لهل السوابق يف العلياء بـــالسبب‬
‫( الهي ) مبعىن ويل آمري يف االدخال واالخراج المر لعبده يف لكيات‬
‫الحوال ‪ ،‬وماكلفة وظائف العامل ( آمرت ابلرجوع اىل الاثر فارجعين‬
‫الهيا بكسوة النوار وهداية االستبصار ‪ ،‬حىت آرجع اليك مهنامصون الرس‬
‫عن النظر الهيا ‪ ،‬ومرفوع اهلمة عن االعامتد علهيا ‪ ،‬انك عىل لك شئ قدير‬
‫)‬
‫آمرت ابلرجوع اىل الاثر لداء ما توجه عىل العبد من احلقوق الواجبة‬
‫وماس بق هل من القسام العاجةل حىت يس تمكل ماهل مهنا ويودي ماوجب‬
‫عليه ‪ ،‬فريجع بعد كامل املعرفة واس تخالص التوحيد جبميع آطواره ‪ ،‬فسأل‬
‫املؤلف حفظ ما شهد من التوحيد ‪ ،‬وآرشق عليه من آنوار التفريد آن‬
‫حيفظ حال رجوعه اىل تفرقة التعديد ‪ ،‬وتوارد الضداد اذلي مهنا مايشري‬
‫اىل القرب ‪ ،‬ومهنا مايدعو اىل البعاد ‪ ،‬فاذا رجع الهيا بكسوة النوار‬
‫القدس ية مؤيدا ‪ ،‬وبعز الحدية مؤزرا ‪ ،‬وابملعارف احلقية مستنرصا ‪ ،‬اكن‬
‫رجوعه اليه ابهلل لنه صار هل يدا ومؤيدا وبرصا ومسعا وغري ذ ك من‬
‫اس تغراق آنوار املعية احلقية ما تعينت به العيان اخللقية ‪ ،‬فالايخذ مهنا‬
‫شيئا بل يأخذ مهنا ‪ ،‬واليكون هل اعامتد علهيا والنظر الهيا ‪ ،‬وكيف ينظر‬
‫‪629‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫الهيا وقد طويت بأنوار موجدها ‪ ،‬وكيف يعمتد علهيا وقد امضحلت يف‬
‫ظهور مبدعها ‪ ،‬فال جرم آن يرجع اىل هللا اذا اكن كذ ك حمفوظ الرس‬
‫علهيا ‪ ،‬مؤيدا ابلنرص علهيا كام دخل ابهلل خرج اليه به ‪ ،‬اذ مل حيجبه عن‬
‫شهود س يده { انك عىل لك شئ قدير } لن الش ياء لكها عىل فكل‬
‫اقتدارك دائرة ‪ ،‬وحتت سلطان مش يئتك انظرة ‪ ،‬فاليعجزك حفظ عهنا‬
‫وآان شئ من هذه الش ياء ‪ ،‬واذا توهجت قدرتك ايل ابلتاييد ومش يئتك‬
‫ابلتسديد مل اتخذين مظاهر التعديد ‪ ،‬ومل ينترص عيل لك معاند عنيد ‪،‬‬
‫ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫لهل الهناايت آمر ابلرجـــوع اىل مظاهر اخللق يف الاثر والغـــــري‬
‫ليمكلوا لك نقص مثل مامكــــــلوا وايفا حق وجب يف سابق القدر‬
‫اذا س بق ذاك فارجعين اليك كام دخلت مهنا مصون السري والنظر‬
‫( الهي ) مبعىن العزيز يف قربه ‪ ،‬والقريب يف عزه ‪ ،‬واللطيف يف عظمته‬
‫‪ ،‬والعظمي يف لطفه ‪ ،‬واملعبود ابالس تحقاق عىل سائر العباد ( ذيل ظاهر‬
‫بني يديك ‪ ،‬وحايل الخيفى عليك ‪ ،‬منك آطلب الوصول اليك ‪ ،‬وبك‬
‫آس تدل عليك ‪ ،‬فاهدين بنورك اليك ‪ ،‬وآمقين بصدق العبودية بني يديك )‬
‫اذلةل هو صفة العبد بني يدي الس يد العزيز ‪ ،‬واملتفضل الكرمي وهو روح‬
‫العبودية هلل ‪ ،‬ومبثل هذه املناجاة حتسن عند املفاجاة ‪ ،‬وهبا تفرغ خزائن‬
‫العطاء ‪ ،‬واذا آراد هللا اعزاز عبد عرف ذل نفسه ودلول حسه وغيبه عن‬
‫رؤية آبناء جنسه حىت حتلو هل املناجاة ‪ ،‬وتصفو هل املفاحتة ‪ .‬واذا آراد هللا‬
‫اهانة عبدجحبه عن ذل نفسه وآراه احلسن مهنا ‪ ،‬وغطا عنه عيوهبا ‪،‬‬
‫وسلط اخللق ليشغلوه عن هللا ابلقيل والقال ‪ ،‬ووعر عليه مسا ك‬
‫‪630‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫الوصال ‪ ،‬وزين هل طريق الضالل ‪ ،‬وخمالطة اجلهال وآهل الفسوق‬


‫والضالل ‪ ،‬وحرمه جمالسة البدال ‪ ،‬وحرص اليه آهل هللا آهل الكامل ‪،‬‬
‫نعوذ ابهلل من هذا احلال ‪ ،‬وجنبنا طريق اجلهال والغواة اجلهال ‪ .‬منك‬
‫آطلب الوصول اذ اليطلب الوصول اال به ‪ ،‬وهذا حال العارفني الجيدون‬
‫سببا يوصل اليه سواه ‪ ،‬والوس يةل يتوسل هبا اال اايه ‪ ،‬اذ الدليل عليك‬
‫آظهر منك ‪ ،‬فكيف يس تدل بغريه وهو اذلي آظهره وبباهر قدرته قدره ‪،‬‬
‫ومبش يئته دبره ‪ ،‬فاهدين بنورك اليك ‪.‬‬
‫وهذا النور هو نور االميان الاكئن يف داخل اجلنان ‪ ،‬وهو يف القلب‬
‫اكالنسان من العيان ‪ ،‬ويعرب عنه اباليقان ‪ .‬واالقامة بصدق العبودية‬
‫اليكون اال بتأييد من هللا لعبده ‪ ،‬واال خيلص من شوائب وآفات ‪ ،‬واذا‬
‫حصل التأييد واالقامة من هللا كام ذكر حصل عىل الدب ظاهرا وابطنا‬
‫‪ ،‬فاستسمل للمر ابطنا ‪ ،‬وانقاد للحاكم ظاهرا ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ذيل هل ظاهر واحلال ابديـــــه دليه مل خيف حال العبد مواله‬
‫مفنك نطلب مانرجو والحرج لن مام غري هللا نرجــــــــــاه‬
‫( الهي ) مبعىن العامل بتفاصيل العلوم ‪ ،‬واحمليط بلك معلوم ‪ ،‬الوهاب‬
‫آنوار الفهوم ‪ ،‬ملن اختصه من العموم ( علمين من علمك اخملزون ‪ ،‬وصين‬
‫برس امسك املصون ‪ ،‬اذلي اذا قلت به للشئ كن فيكون )‬
‫والعمل اخملزون يف خزائن { ن * والقمل ومايسطرون } مفن عمل ذ ك‬
‫العمل اذلي هو كهيئة املكنون ‪ ،‬اذلي ينطق به العلامء ابهلل ‪ ،‬وينكره علهيم‬
‫آهل العزة ابهلل ؛ هو العمل مبا اليدخل حتت ظروف اللفظ والقول ‪،‬‬
‫ويتعاىل مشهده عىل مافوق احلول والطول ‪ ،‬واليتناىه فيه اىل الوصول ‪،‬‬
‫‪631‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وهو مفاحت خزائن الغيب يف آرسار الصفات ملعاين اذلات ‪ ،‬اذلي تغنا عند‬
‫التحقق بسائر الذلات حىت يغيب نعمي اجلنان واليذوقه اال اذلائقون من‬
‫عبادهللا اذلين رشبوا رصف رشاب شهود نور اذلات ‪ ،‬املمزوج من‬
‫رشاهبم لهل صفو احلاالت آهل مقام الشهادات ‪ ،‬ويعربون عن آمنوذج‬
‫من ظهوره يف ادلنيا ابلعمل الادين اذلي يلقيه هللا خلواص عباده من غري‬
‫تعمل والدراسة ‪ ،‬فيكشف مدخور ما ادخره حرف من الكمه ‪ ،‬فينكشف‬
‫ماوراء الغيوب امخلسة وهو ‪ :‬الغيب العريش ‪ ،‬والغيب الكريس ‪،‬‬
‫والغيب الساموي ‪ ،‬والغيب امللكويت ‪ ،‬والغيب اجلربويت ‪ .‬فعند انكشاف‬
‫هذه الغيوب يطلع جفر الشموس الوصفية واملعاين اذلاتية ‪ ،‬وما مل خيرج‬
‫عن مضيق دائر احلس ومل يشم راحئة الكشف بل يف متاويه وخياالت‬
‫وغرور ودعاوي اكذبة وزور ‪ ،‬والصيانة ابالمس املصون هو آن يصون رسه‬
‫عن االلتفات اىل الغيار ‪ ،‬واالعامتد عىل الاثر ‪ ،‬واالنقهار حتت كثيف‬
‫العادات ورذائل الشهوات ‪ ،‬مفن انصان حتت صوان االمس العظم من‬
‫جهوم بيان نعتات املهامت فيكون هل حافظا ‪ ،‬وعليه حميطا وافيا ‪ ،‬ويل يف‬
‫ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫علمين العــــمل ذي من اكن يعلـمـه نعده عاملا يف السادة المــــــــــــــــنا‬
‫علمك اىل هللا انصاف جلانـــــبه هو ما ادخر حتت صون الغيب واكتامت‬
‫ورس امسك كنيان فعاملـــــــــــــه مل خيىش ريبا ومل يعتب به الزمــــــنا‬
‫( الهي ) مبعىن املويل بتدبريي يف سائر آرادايت ؛ الواهب ملن يشاء الكزن‬
‫العظم ‪ ،‬وهو التحقق ابملقام الهنا ( حققين حبقائق آهل القرب ‪ ،‬واسكل‬
‫يب مسا ك آهل اجلذب )‬
‫‪632‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫التحقق ابحلقائق هناية الفنا يف احملبوب ‪ ،‬والظفر ابملىن ونيل هناية املطلوب‬
‫‪ ،‬وهو البقا احملقق اذلي من وصل اليه مل جيد وجود غري املكل احلق ‪،‬‬
‫فيفنا به عن تدبريه لنفسه فضال عن آن يكون هل اىل الغيار استناد يف‬
‫جلب نفع آودفع رض ‪ ،‬وخيرق جحب الكوان ببصريته فرياها كشفا حمققا ‪،‬‬
‫فال يعياء ابخلياالت الومهية ‪ ،‬ومسا ك املؤهلون للمحبة يف سابق العمل ‪،‬‬
‫فهم احملبوبون اخملطوبون للوصال اذلين اختطفوا من احلظيظ الدىن اىل‬
‫حببوح القرب الهنا من غري تعب والعنا ‪ ،‬بل محمولون يف حمفة املنة ‪،‬‬
‫فالسابق اىل قلوهبم وجود حمبوهبم ‪ ،‬فاليدخلون يف الش ياء اال به ‪،‬‬
‫والخيرجون عهنا اال به ‪ ،‬لنه السابق هلم مبحبته ‪ ،‬واملتويل هلم برعايته ‪،‬‬
‫فهم آهل الفتح املبني ‪ .‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫اي من حتقق آرسار مبـــــــــا وهبت من منة القرب حىت طاب مثواها‬
‫يف حرضة احلق من توحيده امتلت واكن يف قاب قوس القرب مأواها‬
‫آسكل بنا مسلاك فاقت مراتبـــــــه جبذبة منك واحتفنا برؤيـــــــــــاها‬
‫( الهي ) مبعىن املدبر اخملتار { وربك خيلق مايشاء وخيتار مااكن هلم‬
‫اخلرية } [ الية ‪ 68‬القصص ] ( آغنين بتدبريك عن تدبريي ‪ ،‬وابختيارك عن‬
‫اختياري ‪ ،‬ووفقين عىل مراكز اضطراري )‬
‫الغىن بتدبري هللا عن تدبري العبد لنفسه يه حاةل املوحدين ‪ ،‬وس امي‬
‫خواص عباد هللا املقربني واالختيار كذ ك ‪ ،‬لن نور الكشف يعطى ذ ك‬
‫وضده هو املذموم هو تدبري العبد يف آمر مل يدبره فيه الرشع ‪ ،‬واختياره‬
‫لمر مل يدري فيه غري الصواب كام هو شان احملجوبني واجلهال املغرورين ‪،‬‬

‫‪633‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فذل ك سأل املؤلف آن يغنيه عنه مبا يكشفه هل من حسن اختيار هللا هل‬
‫وتدبريه ‪ ،‬ويوقفه عىل مس تقر اضطراره ‪ ،‬وهذه حاةل الدابء آهنم اليفارقهم‬
‫اضطرارمه اىل موالمه يف سائر الحوال ومراجني عن مقاسات التدبري‬
‫واالختيار ملا محهل عهنم من واردات النوار ‪ ،‬وصوةل سلطان احلقيقة عىل‬
‫الرسار ‪ ،‬فهنا حيصل الغىن عن التدبري واالختيار ‪ .‬ومن وقف علمه‬
‫آوصفة وعرفها مبا يه عليه من العجز والضعف واجلهل بعواقب المور‬
‫وقف الحماةل عام ليس هو من مقتىض الربوبية ‪ ،‬وسمل المر وانقاد ‪ ،‬وسمل‬
‫عن املنازعة يف آحاكم هللا واملعاندة ‪ ،‬ولزم مركز االضطرار ‪ ،‬ويل يف ذ ك‬
‫شعرا ‪:‬‬
‫ايمن هو القادر اخملتــــار يف الزل قبل الربوز اىل الش باح والصور‬
‫سكل آغنين بك عام مين من خطل وجنين من حقوق اجلهل والضــرر‬
‫( الهي ) مبعىن متويل آمري وقائد زمام آمري ( آخرجين من ذل نفيس ‪،‬‬
‫وطهرين من شيك ورشيك ‪ ،‬قبل حلول رميس )‬
‫االخراج احلقيق هو مااكن ابهلل الابلنفس واذلل اذلي طلب املؤلف‬
‫االخراج عنه ؛ ذل النفس لغري هللا لغىن تتومهه من وصول نفع آوحصول‬
‫رض ‪ ،‬وذ ك لكثافة جحاهبا عن من بيده لك منافعها ومضارها ‪ ،‬وآن اخللق‬
‫فامي يصل عىل آيدهيم آالت مسخرة التتحرك والتسكن اال بتحريكه‬
‫وتسكينه ‪ ،‬مفاهل خيرج عن رؤية الغيار وظلمة الاثر ذلت للمخلوقني‬
‫الحماةل ‪ ،‬فطلب اخلروج عن رق الكوان اىل رصف عبودية الرمحن ويه‬
‫احلرية احملققة اليت من وصلها صارت الش ياء هل منقادة هل حبمك التسخري ‪،‬‬
‫وهو االنقياد لغري س يده ومواله ‪ ،‬والشك هو سبب احلرص عىل ادلنيا ‪،‬‬
‫‪634‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫املوقع يف حبائل الطمع والبخل ولك رذيةل ‪ ،‬والرشك هو رؤيته آن لشئ‬


‫من الش ياء تأثري دون هللا يف سائر املعتادات ‪ ،‬وهذه الحوال جمانبة‬
‫حلقيقة التوحيد ‪ ،‬مباينة ملعاين التفريد اليت آحتف هبا خواص العبيد ‪ ،‬وحد‬
‫الشك ضيق الصدر لمر يزنل فيتربم ذل ك ويعرتيه اهلم واخلوف والسخط‬
‫‪ ،‬ويظمل القلب ذل ك ‪ ،‬ولكام ازداد ظلمة ازداد حرجا وضيقا ‪ ،‬كمنا يصعد‬
‫يف السامء ‪ ،‬ويضاد رشح الصدر بنور اليقني ‪ ،‬ولكام نور اليقني آقوى اكن‬
‫االنرشاح آوسع { مفن يرد هللا آن هيديه يرشح صدره لالسالم } [ الية‬
‫‪ 125‬النعام ] والرشك هو انغامر القلب بظلمة البعد ‪ ،‬فينظر الس باب يه‬
‫املؤثرة فيمتكن الهوى من القلب ‪ ،‬وينمكش يف طلب الس باب من سائر‬
‫وجوهها ‪ ،‬فتس تعبده وتس هتويه ‪ ،‬ولكام اكن فهيا آمكن اكن من نور‬
‫التوحيد آبعد ‪ ،‬عافاان هللا من ذ ك مبنه وكرمه ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ايمنقذ الغارق املكروب يف اللجج آخرجين آدركين انقذين من احلــرج‬
‫من ذل نفيس لغري هللا ذاك لهــا جسن وقيد وعن طرق الهوى عوج‬
‫ومن شكوك عن االيقـــان يأتيـــه ورشك الغيار مر قاطـــــــــع مسج‬
‫مفن مل يتطهر من هذه القاذورات ومل يباين هذه املذمومات يف ادلنيا قبل‬
‫حلول الرمس وهو املوت الطبيع ‪ ،‬توالت عليه كرابهتا يف الربزخ ‪،‬‬
‫وطالت معاانهتا هنا ك ‪ ،‬ومل جيد سبيال اىل التدارك ملا فات ‪ ،‬فتتواىل‬
‫عليه مرارة احلرسات ‪ ،‬ومقاسات شدائد الكرابت ‪ ،‬عافاانهللا مهنا ‪،‬‬
‫وزحزحنا من همالكها ‪ ،‬ولطف بنا من خماوفها وآحبابنا كذ ك يف هللا‬
‫وسائر املسلمني ‪ ،‬قال املؤلف رمحه هللا ‪:‬‬

‫‪635‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫( بك آستنرص فانرصين ‪ ،‬وعليك آتولك فالتلكين ‪ ،‬واايك آسأل فال‬


‫ختيبين ‪ ،‬ويف فضكل آرغب فالحترمين ‪ ،‬وجلنابك آنتسب فالتبعدين ‪،‬‬
‫وببابك آقف فالتطردين )‬
‫هذه املعارف حبسب تريق املعارف يف مراتب القرب ‪ ،‬لن آول مفتاح‬
‫آبواب امللكوت اذلي من عامل القلوب هو االميان ‪ ،‬ومثرته وحقيقته هو‬
‫التولك عىل هللا ‪ ،‬وحقيق بنيل ماطلب حيث حص هل مقام التولك اليولك‬
‫اىل نفسه وال اىل غري س يده ‪ ،‬كام قال هللا وهو آصدق قائل { ومن‬
‫يتولك عىل هللا فهو حس به } [ الية ‪ 3‬الطالق ] م ملا آقمي يف مقام العبودية‬
‫هلل ابدلعاء فقال ‪ :‬واايك آسأل لنك مشهودي ‪ ،‬وآنت غاية مأمويل‬
‫ومقصودي فال ختيبين كام قلت بقو ك احلق { آدعوين آس تجب لمك }‬
‫ويف فضكل الفائض الغامر ذلرات الوجود آرغب وآطلب فالحترمين ‪ ،‬كام‬
‫آنك آقضيته عيل قبل سؤايل ‪ ،‬فاملأمول من وصكل آن الحترمين بعد طليب‬
‫واجيادي ‪ ،‬واحلرمان هو القطيعة من اخلريات ‪ ،‬وجلنابك اذلي اليضام‬
‫نزيهل والخييب دخيةل ‪ ،‬آنتسب ابلعبودية فالتبعدين بأن تبدل مقايم ‪،‬‬
‫وتغري امس بأن آكون عبدا لغريك من هوى آودنيا ‪ ،‬وببابك آقف فال‬
‫تطردين ‪ ،‬وقوف العبد بباب س يده هو لزومه لطاعاته ‪ ،‬والتعلق مبظاهر‬
‫جتلياته ‪ ،‬وهذا غاية املطلوب ومنهتيى املرغوب ‪ ،‬والطرد بضد ذ ك آن‬
‫جتده مس تعبدا بظاهر الس باب ‪ ،‬ومتعلقا بباطنه هبا ‪ ،‬فال انفاكك هل عهنا‬
‫‪ ،‬والانفالت هل مهنا ‪ ،‬وهذه املعاين لكها مما يتأكد عىل املريد مراعاهتا ‪،‬‬

‫‪636‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫وامعان النظر يف مضموهنا ‪ ،‬ليحذر من هما ك طرقاهتا ‪ ،‬ففهيا انقطع آكرث‬


‫اخللق ومه اليشعرون ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫عليك متلك ايمن هــــــــــو هللا فالتلكين فذاك السؤل واجلاه‬
‫ايانرصا لك مستنرص بــه وعــــىل لك النوائب والحــوال يرجاه‬
‫اايك آسأل غوث الطالبني ومــن اليه يرغب فان هللا مــــــواله‬
‫يف فضكل الغامر الفائض عليه فال حترم نزيال ثوى يف نزل مواله‬
‫ومن جنابك فال تبــــعد ملنتسب آيضا والتطرد الواقف حلوبـــاه‬
‫( الهي ) مبعىن الغين بذاته وصفاته وآفعاهل ( تقدس رضاك آن تكون هل‬
‫عةل منك ‪ ،‬فكيف تكون هل عةل مين ‪ ،‬آنت الغين بذاتك عن آن يصل‬
‫اليك النفع منك ‪ ،‬فكيف التكون غنيا عين )‬
‫هذه العبارة تريق يف جتليات السامء والصفات ‪ ،‬ومالطفات من تعطفات‬
‫آلطاف اذلات ‪ ،‬فأول ماجتلت عليه من سامء السامء جنوم الفعال الزلية‬
‫‪ ،‬واملعاين المرية ورى مايه عليه من التزنيه من العلل ‪ ،‬والالت اخللقية‬
‫ذل ك املقام من ما يتعاطاه اجلهال والعوام نسبهتا اىل العلل احلادثة بأفعال‬
‫الانم ‪ ،‬فقال ‪ :‬تزنه رضاك كام قال رسول هللا صىل هللا عليه وسمل " آعوذ‬
‫برضاك من خسطك " ومل يس تعذ من خسطه سبب من الس باب لفناء‬
‫الس باب ‪ ،‬علل االنتساب ورضاه آثر من آاثر وصفه عىل شئ ريض‬
‫عليه ‪ ،‬واذا برزت آاثرها عىل العباد تفرعت عهنا آفعاهلم من حس هنا‬
‫وسيهئا ‪ ،‬فتسمى آفعاال ‪ ،‬وآفعاهل مقدسة عن العلل الكام يزمع املعزتةل قبح‬
‫هللا رآهيم ‪ ،‬بل فعهل مبحض االختيار ‪ ،‬فلك آفعاهل وآحاكمه كذ ك العةل‬
‫تبعثه عىل فعل شئ ‪ ،‬والعليه وجواب خللقه ‪ ،‬ومااكن من املصاحل فمبحض‬
‫‪637‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫الفضل والكرم ‪ .‬كذ ك آنت الغين بذاتك كام آنت الغين بصفاتك وآفعا ك‬
‫عن آن يصل اليك النفع منك لوجوب غناك عن العراض املمكالت‬
‫لوجوب كام ك وثبوت جام ك وجال ك عن تطرق نقص ‪ ،‬ويل يف ذ ك‬
‫شعرا ‪:‬‬
‫تقدست صفة املـــوىل عن العلل يف سابق المر بل يف حرضة الزل‬
‫وهو الغين آبدا يف عــــــــز رتبته عن آن يصل منه هل نفع ولن يصـــل‬
‫ولك آفعال من دونه ولو حسنت اليس تحق هبا قطــــــــــــع والوصل‬
‫وهذا توطيئة منه لسؤاهل وانطراحه حتت جراين احلمك ذل ك قال ‪:‬‬
‫( الهي ) مبعىن ذو القدرة القاهرة واملشيئة السابقة ( ان القضاء والقدر‬
‫غلبين ‪ ،‬وآن الهوى بواثئق الشهوة آرسين ‪ ،‬فكن آنت النصري يل حىت‬
‫تنرصين وتنرص يب ‪ ،‬وآغنين بفضكل حىت آس تغين بك عن طليب )‬
‫ان القضاء السابق واحلمك الغالب غلبين عن آن ال آيت اال مبا هو املراد من‬
‫تقريب وابعاد ‪ ،‬آوشقاء واسعاد ‪ ،‬آوموافقة آوعناد ‪ ،‬وهذا من ابب‬
‫االعتذار بني يدي الكرمي الغفار ‪ ،‬اللطيف الس تار ‪ ،‬ولكن من حق‬
‫الدب آن اليقطع النظر يف الفعال امللومة عنه مبرة واحدة ‪ ،‬بل يعط‬
‫الدب حقه من اضافة هذه الفعال اليه واىل هواه وشهوته ‪ ،‬لتزنيه‬
‫اجلناب االلهي عن مثل هذه اللفاظ ‪ ،‬فيشهد ابطنا انفراد هللا هبا دون‬
‫علمه آومعهل ‪ ،‬وظاهرا يكون المئا لنفسه وذاما لها ‪ ،‬واذا آهلم عبدا مثل‬
‫هذا االعتذار وقام فيه ابلدب ابطنا وظاهرا فان هللا يريد آن يقبل عذره‬
‫‪ ،‬فكن آنت النصري يل عىل آعدايئ حىت ينرصين علهيم مبا آمددتين به من‬
‫جنود آنوارك ‪ ،‬وواردات آرسارك ‪ ،‬وينرصين بعد كامل اراديت ووصول‬
‫‪638‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫مأمويل وبغييت ‪ ،‬لينرص يب من اقتفا آثريت ‪ ،‬واجبل حمبيت من آبناء وقيت‬


‫مبا نلقيه عين من فائضات حمكتك ومرشقات آنوار معرفتك ‪ ،‬وتلبس ين‬
‫من مالبس نفائس واليتك ‪ ،‬فال يراين عدو اال ويرجع خاس ئا حسريا‬
‫والمسيئا وحمبا اال ويكون مقرا منريا ‪ ،‬واليلوح يل ذكر يف فكر اال وخينس‬
‫منه لك خاطر نفس وهوى وش يطان ‪ ،‬فهكذا النرصة ابلويل آنه جند هللا‬
‫لعباده الصادقني ‪ ،‬وسمل طريق السالكني ‪ ،‬وقدوة آرسار املريدين ‪ ،‬يتوب‬
‫عىل اخلاط ويريب القايص ويرمح العايص ‪ ،‬وايخذ عىل رصاط هللا‬
‫ابلنوايص ‪ ،‬اذا رآى ذكر هللا واخننس لك ش يطان من االنس واجلان ‪،‬‬
‫حيمك عىل المور بأمر الهي ‪ ،‬والحيمك عليه شئ دون وليه ‪.‬‬
‫وآغنين بك عن طليب الفنا ففضل هللا واالكنفاء بنظر هللا ‪ ،‬والرضا بتدبري‬
‫هللا حىت آس تغين ‪ ،‬فهذا دآب املوحدين ‪ ،‬وشان املؤمنني ‪ ،‬وطريقة‬
‫املاكشفني ‪ ،‬ومست العارفني ‪ ،‬كام آعتين عن الطلب اخلليل صىل هللا‬
‫عىل نبينا وعليه وسمل حيث قال يف حال ورود احلمك عليه " حس يب عن‬
‫سؤايل علمه حبايل " ملا قال هل جربيل حني ريم به ابملنجنيق اىل انر منرود‬
‫‪ :‬آ ك حاجة ؟ قال ‪ :‬آما اليك ال ‪ ،‬وآما اىل هللا فبال ‪ ،‬قال سهل آن‬
‫ينجيك فقال " حس يب عن سؤايل علمه حبايل " فأغناه عن جربيل وعن‬
‫املالئكة اذلي عرضوا عليه يف تكل الس باب مككل الرايح ومكل املاء‬
‫فاغتىن ابلفضل وتوالت عليه اللطاف ‪ ،‬وتوالت عليه آنوار القرب فأغنته‬
‫عن السؤال ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ان القضا غالب والعبد مغــــلوب وقوة القدرة القايض عىل الــــدوب‬
‫هذا لربك آما آنت ايفـــــــــــطن قل ايالهيى آوهنتين شـــهوة البرش‬
‫‪639‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫فكن نصريي عىل العداء قاطبة وانرص كذ ك من بك اكن منترص‬


‫وآغنين بك ايذا الفضل ايس ندي مين ومن سائر الكوان والغـــــــري‬
‫فال جرم ان سألتك هذا املقام العايل اذلي يغين الول والتايل ‪ ،‬وآنت‬
‫اذلي آرشقت النوار يف قلوب آوليائك فبذ ك رصت هلم وليا ‪ ،‬وهبم معن‬
‫سواك حفيا ‪ ،‬فربز مهنم مابرز من توحيدك ومعرفتك ‪ ،‬فليس لحد اىل‬
‫توحيدك سبيال اال مبا منك من النور اذلايت ‪ ،‬واللحد اىل معرفتك وصوال‬
‫‪ ،‬اال مبا جتليت من التجيل الوصف والنعت الفعيل ‪،‬فارشاق هذه النوار‬
‫هو اذلي آزال عهنم ظلامت الغيار ‪ ،‬وحما عن قلوهبم صور الاثر ‪ ،‬وقهر‬
‫هبم لك عبد جبار ‪ .‬وآنت اذلي آزلت الغيار عن قلوب آحبابك حىت مل‬
‫حيبوا غريك ‪ ،‬ومل يكن هلم مطلوب سواك مبا آفضته علهيم من حبك‬
‫ووالئك ‪ ،‬ومل يكن املؤنس هلم حيث آوحش هتم العوامل ‪ ،‬مفقام النس ابهلل‬
‫هو مثرة حمبته اليت اس تخلصهتم عن الغيار ‪ ،‬وآوحش هتم عن الاثر ‪ ،‬ومل‬
‫ميلكهم آهل والعقار ‪ ،‬والوطن والدار ‪ ،‬وتغربوا عن ادلاير فرارا من‬
‫الغيار ‪ ،‬فأنسهم مبرشقات آنواره ‪ ،‬وآلبسهم رسابيل آرساره ‪ ،‬وآعد هلم‬
‫نزل عظمي ونعمي مقمي يف دار وآي دار ‪ ،‬وآعد هلم مقعد صدق عند مليك‬
‫مقتدر ‪ ،‬يف جنة سقفها عرش الرمحن ‪ ،‬ينادون ابلتحيات يف آقطار‬
‫الرض والسموات ‪ ،‬ويلقون بأنواع الكرامات ‪ ،‬واخرتقت من الزل اىل‬
‫البد آنوار الكوان ‪ ،‬وشاهدوا رس هدية املكل ادلاين ‪ ،‬فدنت اليه‬
‫آرسارمه دنو حمب حلبيب ‪ ،‬فاكنوا به آشد آنسا من الودل اىل آمه ‪،‬‬
‫واحملب اىل حبه ‪ ،‬فكفامه لك اهلموم ‪ ،‬وابينهتم سائر الغموم ‪ .‬فالتويل هو‬
‫ارشاق النوار يف القلوب اذلي تنشا عنه املعرفة والتوحيد ‪ ،‬واحملبة انش ئة‬
‫‪640‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫عن املعرفة ‪ ،‬ومثرهتا النس ابهلل وترك ماسواه ‪ ،‬واالدابر عام عداه ‪ ،‬ويل‬
‫يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫آنت اذلي يف قلوب الولياء رشقت آنوارك اليل هبا نــــــــــار احلناديس‬
‫آزلت عهنا ظمل الغيار فاحــــرتقت لك الس ناديب من حقب الوساويس‬
‫آحباب صدق هلم آنس اذا رهقت يف غهيب الليل آوجــــــاه املفاليس‬
‫( وآنت اذلي هديهتم حىت استبانت هلم املعامل )‬
‫آنت اذلي س بقت هلم منك الهداية اىل سبيل الوالية ‪ ،‬وحصلت منك‬
‫هلم الرعاية ‪ ،‬حىت اس تقاموا عىل رصاط العناية ‪ ،‬ومل تزل هلم حافظا وهبم‬
‫مالطفا ‪ ،‬حىت ظهر هلم رس وحدانيتك ‪ ،‬وحصلوا مقام فردانيتك ‪،‬‬
‫وكحلت آبصار بصائرمه بنور معرفتك ‪ ،‬فشهدوك هلم قريبا ‪ ،‬وآظهرت‬
‫رس لطفاك هبم فاختذوك حبيبا ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫آنت اذلي آعطيت آنوار الهداية يف ماهو مرادك من غ ومن رشد‬
‫هديت قوما اىل التحقيق فانظر اىل عمل االلــــــــه وماحيويه من مدد‬
‫فاذا حتقق املريد مبقام التوحيد ‪ ،‬وفنيت عنده كرثة التعديد ‪ ،‬وشهد منه‬
‫اليه آقرب من حبل الوريد ‪ ،‬غين به عن الغيار ‪ ،‬ذل ك قال املؤلف‬
‫ريض هللا عنه ‪:‬‬
‫( ماذا وجد من فقدك ‪ ،‬وماذا فقد من وجدك )‬
‫وجود الغيار واالفتقار اىل الاثر دليل عىل انطامس البصائر وذهاب نور‬
‫البصار ‪ ،‬وترامه ينظرون اليك ومه اليبرصون ‪ ،‬فاحلق ليس ميقصود بل‬
‫هو املوجود دون لك موجود ‪ ،‬واحلارض عند لك شئ والشاهد عىل لك‬
‫مشهود ‪ ،‬مفاتفيض فائضة والتنطق لسان الفظة اال اكن علهيا شاهد ولها‬
‫‪641‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫حمصنا حافظا ‪ { ،‬وماتكون يف شان } الية ‪ ،‬فصح آن فقدان وجود‬


‫احلق غاية العمى ومهتيى الفقد وغاية الطرد ‪ ،‬وماذا فقد من الش ياء‬
‫العدمية من وجد احلق هل حافظا ودليه حارضا ‪ ،‬ومنه قريبا وهل حبيبا ‪،‬‬
‫ولسقمه طبيبا ‪ ،‬ودلعائه جميبا ‪ ،‬ويوليه هل واقيا ‪ ،‬ولفاقته اكفيا ‪ ،‬فالتغنيه‬
‫عنه العراض ‪ ،‬والتسد دونه العراض ‪ ،‬بل يكون وقف عليه اليس تغين‬
‫عنه ابلعيان ‪ ،‬واليكفيه دونه سائر الكوان ‪ ،‬واليلهي عن حمبته انس‬
‫والجان ‪ ،‬واليفتقر بعد وجوده اىل الغيار ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ماذا وجد من فقد نور االهل ومـا يغنيه عنه مجيع الكون والصور‬
‫ومن وجد ذاك انل اللك فيه مفا غري االهل وجـــــــــــود م معترب‬
‫م ملا بني حال الواجدين هلل املس تغنني بوجوده دون سائر الكوان ‪،‬‬
‫وخسارة آحوال احملجوبني عنه بكثائف الغيار ‪ ،‬واملطموسني يف ظلامت‬
‫الاثر ‪ ،‬فقال مبينا لحواهلم وذاما لسوء مقاهمم فقال ‪:‬‬
‫( لقد خاب من ريض عنك به بدال ‪ ،‬ولقد خرس من بغا عنك متحوال ‪،‬‬
‫خفيبته ظاهرة وجتارته ابئرة )‬
‫من ريض واختار عنك بدال فليت شعري مايعيضه بوجود س يده ‪ ،‬وما‬
‫اذلي يروي صدى قلبه اذا فقد شهود ربه ‪ ،‬فللك شئ بدال غريه ‪ ،‬وللك‬
‫شئ عوضا ‪ ،‬فاليعيض عنه شئ ‪ ،‬قال القائل يف ذ ك ‪:‬‬
‫للك شئ اذا فارقتــــه عـوضا وليس هلل ان فارقته عوض‬
‫فال حرمنا وصال االتصال به ففيه عافية مابعدها مــــرض‬

‫‪642‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫واخلسارة وقوع النقص عند التعرض للرحب ‪ ،‬واي صفقة آخرس وجتارة آبور‬
‫ممن ابتغا عنه متحول ‪ ،‬ومن حمال قربه تنقل ‪ ،‬ولك طالب لغريه كذ ك‬
‫يف خسة وخسارة ‪ ،‬وبوار جتارة ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫خاب اذلي عنك يرىض بدال مفىت يغنيه عنك وجود الها ك الفـاين‬
‫وايخسارة من يبغا حتول عـــــــــن قرب احلبيب فذاك املبعد العاين‬
‫كيف التحول آم كيف الشطون وما يلقا بديال عن املوىل والثــــــاين‬
‫فاذا اكن غري مقصود بل وجوده عىل احلقيقة مفقود ‪ ،‬تعجب املؤلف رمحه‬
‫هللا فقال ‪:‬‬
‫( كيف يرىج سواك وآنت ماقطعت االحسان ! وكيف يطلب من غريك‬
‫وآنت مابدلت عادة االمتنان )‬
‫الرجاء من غري هللا من شان احملجوبني ‪ ،‬وعالمة البعد من رب العاملني ‪،‬‬
‫فالرجاء هو تأميل آمر يرتقب حصوهل ‪ ،‬ومن اكن هللا مشهوده فاليكون‬
‫لغريه يف احلواجئ مقصود ‪ ،‬ويشاهد حصول المال ونيل لك نوال دوام‬
‫االحسان ‪ ،‬فكيف ترجا غري من آلفت منه العوائد امجليةل ‪ ،‬واملنن الثقيةل‬
‫‪ ،‬وكيف تطلب من غريك وغريك الميكل لنفسه رضا والنفعا ‪ ،‬والموات‬
‫والحياة والنشورا ‪ ،‬وآنت مع ذ ك مابدلت عوائد االمتنان ‪ ،‬بل مل تزل‬
‫املنن مدمية ‪ ،‬والنعم دلهيم مقمية ‪ ،‬فال يكون الطلب من غريه بعد ماعلمت‬
‫عدم ماهو عليه من عدم تبديل عوائد االمتنان محمود ‪ ،‬واليكون غريه‬
‫ملهامت المور مقصود ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫مايرجت غري من ابلفضل موصوف وعنــــده فائـض االحسان مألوف‬
‫وكيف تطلب من مل يرىج منــــتــه دون االهل اذلي ابلفضل موصوف‬
‫‪643‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫( ايمن آذاق آحباءه حالوة موانس ته ‪ ،‬فقاموا بني يديه ممتلقني )‬


‫حالوة احلب للمحبني تنس هيم لك نعمي ‪ ،‬والنس يقتيض انبساط احملب‬
‫وتديل احملبوب ‪ ،‬فهي دلهيم آذل من نعمي اجلنان ‪ ،‬والنس للمحبني خاصة‬
‫‪ ،‬وهلم يف مقام النس وصوف اكرام وس بوغ انعام ‪ ،‬مفهنم اذا آقمي فيه يقول‬
‫‪ :‬لوضع الس يف عىل مفريق وشقين نصفني مل آجد ذل ك آملا ‪ .‬قال اجلنيد‬
‫ريض هللا عنه ‪ :‬كنت يف صغري آمسع ذ ك من الرسي وكنت آستبعد‬
‫ذل ك من قبل حىت وجدته ‪ .‬آوكام قال ‪ .‬واملوانسة تقتيض القيام بني يدي‬
‫احلبيب ‪ ،‬فالقيام اليكون حقيقة اال للمس تأنسني اذلين غابت معامل الكوان‬
‫دلهيم ‪ ،‬وذهبت حماسن اللوان عن قلوهبم ‪ ،‬فمل يروا غريه ‪ ،‬فقاموا هل‬
‫بصدق العبودية بني يديه ممتلقني ‪ ،‬والمتلق هو التلطف والتودد ‪،‬‬
‫والحيسن ذ ك لغريه ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫اي من آذاق آويل اللباب خـريته شهد الشهود وصايف النس يف الزل‬
‫قاموا لـه بــــني مش تاق ومكتئب وشايك من ضنا الجشــــــان منتحل‬
‫مفقام احملبة يقتيض النس ابحلبيب ‪ ،‬ومقام التويل يقتيض االس تعزاز ابلوايل‬
‫العايل ‪ ،‬ذل ك قال ‪:‬‬
‫( وايمن آلبس آولياءه مالبس هيبته فقاموا بعزته مس تعزين )‬
‫وليس الهيبة يه القاهرة لسائر العداء ودامغة لباطل لك عنيد ‪ ،‬وذةل‬
‫للك صادق مريد ‪ ،‬والهيبة هو ماجيده لك من واهجهم من القهر عىل‬
‫امتثال آمرمه وتعظمي شاهنم وان اكنوا من اجلهال العوام ‪ ،‬والجالف‬
‫الطغام ‪ ،‬حىت الوحوش والنعام ‪ ،‬فاهنا تدين هلم ابالجالل واالحرتام ‪ ،‬اال‬
‫من برز يف حةل اجلدال من آهل الزيغ والضالل ‪ ،‬فانه يتجاهل هبم ويغط‬
‫‪644‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫عن مقاهمم مع ماهو متحقق به من علو مراتهبم ‪ ،‬والعزة يه رفع مهمهم عن‬
‫الكوان ‪ ،‬وتعلق مطالهبم جبناب س يدمه ‪ ،‬واغتنامه به عن لك شئ سواه ‪،‬‬
‫وعدم طلهبم لعرض اال اايه ‪ ،‬فهذا من عزة املؤمن املتصةل بعزة هللا ونبيه‬
‫حيث قال { ان العزة هلل ولرسوهل وللمؤمنني } [ الية ‪ 65‬يونس ] ويل يف‬
‫ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ايملبس السادة الجناب هيـبته القامئني بعـــــــــــز هللا لك ويل‬
‫جفانب الكون انصــــــــار لسنته يف لك وقت وهنج احلق معتدل‬
‫فلام ختلقت املظاهر اخللقية املس بوقة ابلعدم بالحئ آنوار القدم ‪ ،‬عرف‬
‫الشئ من آصهل ‪ ،‬ورد احلق لههل فقال ‪:‬‬
‫( آنت اذلاكر من قبل اذلاكرين ‪ ،‬وآنت البادي ابالحسان من قبل توجه‬
‫العابدين ‪ ،‬وآنت اجلواد ابلعطاء قبل طلب الطالبني ‪ ،‬وآنت الوهاب لنا ؛‬
‫م آنت ملا وهبت لنا من املس تقرضني )‬
‫هكذا شان املوحدين اذا كرعوا مناهل اليقني ‪ ،‬وظهر هلم احلق املبني ‪،‬‬
‫يرون آولوية احلق يف سائر الفعال ‪ ،‬فاذلكر من اذلاكرين حسب ماس بق‬
‫من ذكره هلم مباذكروه ‪ ،‬قال جل من قائل { فاذكروين آذكرمك } آي ذكري‬
‫لمك حس امب ذكرمتوين ‪ ،‬وهذه فيه راحئة اخبار عن ذكره هلم لن ذكره قدمي ‪،‬‬
‫وهذا عىل حسب ماذكرمتوين آذكرمك ‪ ،‬فالقرآن قدمي ومه حادثني من آفعاهلم‬
‫وآوصافهم وذواهتم ‪ ،‬ومن عمل احلق فهيم وهبم قدمي ‪ ،‬فهذا ذكره هلم قبل‬
‫بروزمه من كمت العدم ‪ ،‬وبدو االحسان كذ ك ان آهلهم لطاعته وهيأمه‬
‫لعبادته ‪ ،‬وقرهبم حملبته ‪ ،‬وواهجهم برمحته قبل توهجهم وتعبدمه ‪ ،‬فهو‬

‫‪645‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫البادي ابالحسان وفيض االمتنان قبل ظهور العيان ‪ ،‬وانرباء الكوان ‪،‬‬
‫ووجود االنس واجلان بقوهل { لقد من هللا عىل املؤمنني } مبا وههبم من‬
‫نور االميان وتزنيل القرآن عىل آمكل عامل االنسان محمد املصطفى من عدانن‬
‫‪ ،‬وارساهل اىل اكفة االنس واجلان ‪ ،‬وآهلهم للزوم لكمة التقوى بقوهل {‬

‫وآلزهمم لكمة التقوى } فاذلكر مما خيتص ابملقربني والصفوة ادلائبني ‪،‬‬
‫واالحسان مما خيتص به آهل االحسان املاكشفني بأنوار الصفات ‪،‬‬
‫الشاربني عني اليقني ‪ ،‬والعطاء لهل التلق وعامر آحصاب الميني الخذين‬
‫يف عمل اليقني ‪ ،‬فهم عامل الفعال ووراء آجساف احلمكة منتظرين ‪ ،‬وهو‬
‫البادي ابلعطا كام حيمك بذ ك الرشع والعقل من قبل طلب الطالبني ‪ ،‬لن‬
‫العقل حيمك آن آفعال اخللق التعلل بعةل ‪ ،‬والتنال بفعةل ‪ ،‬فال يكون‬
‫طلب الطالبني يوحد آمرا مل يكن يف علمه آنه اليكون ‪ ،‬ومااكن يف علمه‬
‫آنه يكون ‪ ،‬مفا يفيد الطالب ويلكف معاانة تعب السبب واالضافات اىل‬
‫النسب وآنت الوهاب مجيع ذ ك ‪ ،‬واملوصل الينا ماهنا ك ‪ ،‬م رفعت‬
‫شان االنسان عىل سائر الكوان بأن نسبت اليه ما آنت واهبه ‪،‬‬
‫واس تقرضت منه ما آنت موجده ‪ ،‬ووعدته عليه جبزيل اجلزاء ومتام الفضل‬
‫يف العقىب ‪ ،‬وتضعيف الثواب يف ادلنيا واملأب ‪ ،‬وآما يف ادلنيا فباخللف‬
‫المكل ‪ ،‬ويف العقىب ابجلزاء الوىف ‪ ،‬فامحلد هلل مفا آعظم منته وما آمت‬
‫نعمه‪ ،‬يس تقرض ما آعطاك ويثيبك عليه يف عقباك ‪ ،‬وتنال به الثناء عنده‬
‫يف اعطاه ماهو ملكه ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫يذكرك عبد فذاك اذلكر منك بدا‬ ‫ذكرك تقدم ذكر اذلاكرين ومــــــا‬
‫‪646‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫للطائعني من االحسان منك يدا‬ ‫ايابدي اللك ابالحسان منك مفـا‬


‫بديت ابللك ايمنـــــــــان ايمصدا‬ ‫آنت اجلواد ابعطا الفضل منك كام‬
‫آنت اذلي توجـد العيان واملددا‬ ‫م آنت تس تقرض العبد الضعيف آما‬
‫( الهي ) مبعىن املبتدي ابالحسان ‪ ،‬واملتفضل ابلعطاء واالمتنان ( آطلبين‬
‫برمحتك حىت آصل اليك ‪ ،‬وآجذبين مبنتك حىت آقبل عليك )‬
‫الطلب من هللا لعبده برمحته هو عني ماهداه اليه من طرق اجملاهدات ‪،‬‬
‫والتقرب اليه بنوافل العبادات ‪ ،‬وعرفه من آنواع الرب والكرامات ‪ ،‬لينالوا‬
‫ماعنده من الفضل العظمي ‪ ،‬والنعمي ادلامئ املقمي ‪ ،‬ووقاية من العذاب اللمي‬
‫‪ ،‬فرمحهم ابرسال الرسل ونزل الكتاب ‪ ،‬وآعطامه آهلية الفهم ذل ك‬
‫والقبول هل ‪ ،‬وآعاهنم عىل القيام مبقتىض ماعرفوه ‪ ،‬م مدهحم وآاثهبم‬
‫ماالعني رآت وال آذن مسعت ‪ ،‬وذ ك مبتدآ منه من غري شعور هلم بشئ‬
‫منه ‪ ،‬لهنم يف آول شاهنم ومبتدآ خلقهم العمل هلم بشئ { وهللا آخرجمك‬
‫من بطون آهماتمك التعلمون شيئا } [ الية ‪ 78‬النحل ] فهذا من الطلب منه‬
‫برمحته ‪ ،‬فوصلوا اليه مبا رمحهم به ‪ ،‬وآجذبين مبنتك بعد الوصول اليك‬
‫ابلرمحة آوقبل الطلب ‪ ،‬وذ ك مبعىن اجلذب قبل سلوك وحتري طاعة كام‬
‫اكن لطوائف من املقربني ‪ ،‬والسادة اجملذوبني ‪ ،‬واخملصوصني احملبوبني ‪،‬‬
‫آمابعد سلوك فيتدارك ابجلذب آوقبل ‪ ،‬بأن خيتطف جبذبه الهية ونفحة‬
‫رابنية ‪ ،‬وعطية امتنانية ‪ ،‬ختصه من بني آبناء جنسه ‪ ،‬وتوحده عن عامل‬
‫حسه ‪ ،‬ويلقيه يف حبر شهود اذلات العلية ‪ ،‬وتشهده الوصاف القدس ية‬
‫‪ ،‬ويكون حبمك الولوية ‪ ،‬واليرى للغيار وجود وال للاثر يف قلبه شهود‬

‫‪647‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ ،‬بل مس تغرق الرس والروح والقلب يف شهودالحد املعبود ‪ ،‬وان شاء‬


‫هللا به ارشاد العباد رده رمحة يف البالد ‪ ،‬ونعمة سابغة عىل العباد ‪ ،‬يبيد‬
‫العناد ويزيل الفساد ‪ ،‬ومينح من آطاعه رصف الوداد ‪ ،‬مؤيدا ابلروح‬
‫االمتناين ومؤزرا ابلرس الصمداين ‪ ،‬فهذا معىن جذبه املنة واالقبال عىل‬
‫هللا عىل ادلوام ‪ ،‬اليكون اال للمحبوبني واخلواص اجملذوبني ‪ ،‬فالجيدون‬
‫للغيار عندمه وجود ‪ ،‬والللاثر يف قلوهبم شهود ـ فطلب املؤلف‬
‫للوصول ابلرمحة واجلذب اثنيا ابملنة ليكون متحققا بلك املقامني ‪ ،‬عارفا‬
‫مبعىن االمسني الباطن الظاهر الول الخر ‪ ،‬كام هو لهل الكامل الاكرعني‬
‫مناهل الوصال ‪ ،‬احلامكني عىل الحوال ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫اىل السلوك ونور الرشع يرعاه‬ ‫من اكن ابلرمحة الرمحن يطلبه‬
‫هو املهنا وكهف القرب مــــأواه‬ ‫ومن يكن م جمذوب مبنــــــته‬
‫( الهي ان رجايئ الينقطع عنك وان عصيتك ‪ ،‬وان لويم اليزايلين وان‬
‫آطعتك )‬
‫ذكر اخلوف والرجاء هنا تنبهيا منه عىل رس هذين املقامني الرشيفني ‪ ،‬لن‬
‫ظاهر الرجاء واخلوف للعامة من العوارض احلادثة ‪ ،‬خيافون عند وجود‬
‫عارض حادث ويرجون كذ ك ‪ ،‬فان آقميوا يف مقام العدل اذلي آثره يف‬
‫العبد املعصية وجزاؤها العقاب وآصناف العذاب خافوا ‪ ،‬وان آقميوا يف‬
‫الطاعة اليت يه آثر الفضل يف العبد وجزاؤها اجلنة رجوا ‪ ،‬والعارفون‬
‫شاهدوا بواطن الش ياء اذا شاهد اخللق ظواهرها ‪ ،‬فيشاهدون الصفات‬
‫العلية والسامء العلوية ويه البسة بيهنا وبني الفعال اخللقية ‪ ،‬فاليزايلهم‬
‫شهود العدل وان آطاعوا ‪ ،‬والتغيب صفات الفضل وان عصوا ‪ ،‬فهم‬
‫‪648‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫اذلين قاموا حبمك العبودية من غري عةل ‪ ،‬واذا شاهدوا الفعال الصادرة عهنم‬
‫مل جيدوها شيئا ابالضافة اىل مامه مشاهدين من الصفات احلقية ؛ ان‬
‫نظروا اىل الطاعة الصادرة عهنم اندهتم الصفة العدلية وقوة نفوذها ‪ ،‬وعليه‬
‫حمكها ‪ ،‬فمل يعمتدوا عىل طاعهتم { فاليأمن مكرهللا اال القوم اخلارسون‬
‫العراف ] علام مهنم بأهنا آن جتلب ابحلمك غلبهتم ‪ ،‬وان نظروا‬ ‫} [ الية ‪99‬‬

‫اىل مابرز مهنم من املعصية اندهتم الصفة الفصلية { ايعبادي اذلين آرسفوا‬
‫عىل آنفسهم التقنطوا من رمحة هللا ان هللا يغفر اذلنوب مجيعا انه هو‬
‫الغفور الرحمي } [ الية ‪ 53‬الزمر ] { والتيأسوا من روح هللا انه الييأس من‬
‫روح هللا اال القوم الاكفرون } [ الية ‪ 87‬يوسف ] فمل يزل هبم ذ ك ‪ ،‬فمل‬
‫تزايلهم هذه شهود الصفا ‪ ،‬والتغريمه عام مه عليه مايربز عهنم من‬
‫احلس نات والسيئات ‪ ،‬هذا خالف ما آهل الرسوم عليه ‪ ،‬وآما معوم‬
‫اخللق مستندون اليه ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫رجايئ الينقطع عن فضـــكل العمم وان عصيت فشان العبد ايانسان‬
‫واخلوف من مكر جبار يكون وان كنت املطيع ومق للعــــــــدل مزيان‬
‫( الهي قد دفعتين العوامل عليك ‪ ،‬وقد آوقفين علم بكرمك عليك )‬
‫هذا مفرس ملا تقدم من الكمه ‪ ،‬العوامل مجع عامل ويه لك ماسوى هللا‬
‫س بحانه ‪ ،‬ان اعمتدت عىل الطاعة مل آجدها خملصة يل من عد ك اال مبا‬
‫وعدت من جزيل كرمك وفضكل ‪ ،‬وان رشدت عنك ابملعصية ردين اليك‬
‫بشمول رمحتك وس بوغ فضكل ‪ ،‬فعىل احلقيقة وان العوامل لكها سري اليك‬
‫‪649‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫‪ ،‬فاخلوف سائق اليك ‪ ،‬والرجاء داع لعبادك اليك ‪ ،‬ولك وصف من‬
‫آوصافك آوامس من آسامئك آوفعل من آفعا ك انطق بوحدانيتك ‪ ،‬ومشريا‬
‫اىل مصدانيتك ‪ ،‬فامسك الكرمي يشريوا اىل آن الكرمي التتخطاه المال ‪،‬‬
‫والتزنل بغريه نوزال الحوال ‪ ،‬وغريه كذ ك ‪ ،‬واملصائب والنكبات املؤملة‬
‫ملجية للعبد اىل س يده ‪ ،‬والعوارض والعوائق حمببة هل وحاثة ‪ ،‬وكذ ك‬
‫النعم وسائر لك عامل من مالمئ وآمل ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫اليك تدفعين الكوان ايمصد وعلم آوقفين آن الفضل منك بدا‬
‫( الهي ‪ :‬كيف آخيب وآنت آميل ‪ ،‬آم كيف آهني وعليك متلك )‬
‫فلام حتقق ذ ك جعب من آنه عبدهللا ابتداه ابالحسان ‪ ،‬وانداه بفوائد‬
‫االمتنان قبل طلب منه ذل ك واللعرض ‪ ،‬فكيف خييب بعد ما آلبسه‬
‫العرفان ‪ ،‬وتوجه بتيجان االميان { وكره اليمك الكفر والفسوق والعصيان‬
‫} [ الية ‪ 7‬احلجرات] وكيف آهني بعد اعزازك اايي بنص القرآن بقو ك‬
‫{ ان العزة هلل ولرسوهل وللمؤمنني } [ الية ‪ 8‬املنافقون ] وقد آكرمتين بكرامة‬
‫احملبة ‪ ،‬وآنلتين بفضكل رتبة القرب بقو ك { واجسد واقرتب } فذ ك‬
‫منك بدا من غري طلب منا والتعرض منا هل ‪ ،‬آفرتاك تذيقنا بعد ماوهبتنا‬
‫‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫حاشا ختيبنا االحسان اي آميل والهتني اذلي ابهلل متلك‬
‫( الهي ‪ :‬كيف آعز واذلةل آركزتين ! آم كيف الآس تعز واليك نسبيت ـ الهي‬
‫كيف الآفتقر ويف الفقر آمقتين ‪ ،‬آم كيف آفتقر وآنت اذلي جبودك آغنيتين )‬

‫‪650‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫هذه آمور متضادة ‪ ،‬وآوصاف متباينة ‪ ،‬حيري فهيا آويل العقول ‪ ،‬وتزتامح‬
‫فهيا الحاكم والنقول ‪ ،‬ولكن آرابب الكشف اذا كوشفوا بأرسار آعطيهتم‬
‫االس تعانة واالعرتاف بقربه ‪ ،‬واذا وقفوا عىل ضف خلقهتم وذةل عبوديهتم‬
‫آعطهتم آن االفتقار هلم آصال ‪ ،‬واذلةل هلم وطنا ‪ ،‬فلكام نظروا بعني اخللقية‬
‫واذلةل الرضية قال ‪ :‬واجعبا ! كيف آعز ويف اذلةل آركزتين ‪ ،‬وجعلت فهيا‬
‫تصوير خلقيت والهيا مأب تربيت ‪ ،‬واذا نظر اىل نس بة اخلصوصية والرتبة‬
‫الروحية ‪ ،‬واملزنةل العلوية ‪ ،‬قال كيف ال آس تعز واليك بنسبيت { ان‬
‫عبادي } { وايعبادي } { ايآهيا االنسان } { لقد خلقنا االنسان‬
‫يف آحسن تقومي } واذا نظر اىل قوهل { م رددانه آسفل سافلني } قال‬
‫كيف آس تعز ويف اذلةل آركزتين ‪ ،‬وذ ك بني ذلوي الرسار الغبار عليه‬
‫والاستتار ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫حمك االهل وهذا الشان معلوم‬ ‫فكيف آعز ويف ذليت آركزتين‬
‫تعط بأنك للكوان قيـــــدوم‬ ‫آم كيف ال واليك العبد نسبته‬
‫( آنت اذلي الاهل غريك تعرفت للك شئ مفاهجكل شئ ‪ ،‬وآنت اذلي‬
‫تعرفت ايل يف لك شئ فرآيتك ظاهرا يف لك شئ ‪ ،‬فأنت الظاهر للك شئ‬
‫‪ ،‬وآنت الظاهر عىل لك شئ )‬
‫آنت اذلي الاهل يقصد والراب يعبد غريك ‪ ،‬اذ الغري متوجه اليه ‪ ،‬ومقبل‬
‫ابلطوع واالذعان بني يديه ‪ ،‬ينادي بلسان افتقاره ‪ ،‬ويفصح عن فاقته‬
‫واضطراره ‪ ،‬تعرفت للك شئ مبا آنت متجل به عليه ومتعرف ابالقتدار‬

‫‪651‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫عليه ‪ ،‬مفاهجكل يش ‪ ،‬بل مس بح ومزنه وموقر ومعظم بقو ك { وان من‬


‫شئ اال يس بح حبمده } وبقو ك { وان مهنا ملا هيبط من خش ية هللا }‬
‫وتعرفت ايل خاصة مبا وهبتين من رس معرفتك ‪ ،‬مفا هجلتك يف شئ‬
‫جبام ك وجال ك وفضكل وعد ك ‪ ،‬حىت رآيتك ظاهرا يف لك شئ ابحلمك‬
‫والقدرة والقيام والمر ‪ ،‬فأنت الظاهر للك شئ ابلقدرة القاهرة ‪ ،‬واملشيئة‬
‫النافذة ‪ ،‬واحملجة الظاهرة ابلفعال والصفات ‪ ،‬ابطن عهنا ابلكنه واذلات ‪،‬‬
‫ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫والنظري من النداد حاشاه‬ ‫آنت االهل اذلي المثــل يش هبه‬
‫من رس قدرته تبــــارك هللا‬ ‫للك شئ تعرف ابذلي ظهرت‬
‫( اي من اس توى برحامنيته عىل عرشه ‪ ،‬فصار العرش غيبا يف رحامنيته ‪ ،‬كام‬
‫صارت العوامل غيبا يف عرشه )‬
‫العرش مس توى الرمحة اليت وسعت الش ياء ‪ ،‬وآبرزت العوامل من ظلمة‬
‫العمى ‪ ،‬ويه صفة من صفات هللا ‪ ،‬الهيا ينهتي مجموع آرسار الصفات ‪،‬‬
‫فلها الس بق عىل التفصيليات واالجامليات ‪ ،‬ومهنا ظهر اخرتاع سائر‬
‫الكوان امللكيات وامللكوتيات واجلربوتيات ‪ ،‬والعرش سقف العوامل‬
‫العلوايت والسفليات ‪ ،‬واحلس يات واملنعوايت ‪ ،‬واجلسامنيات‬
‫والروحانيات ‪ ،‬ويه من العمل الزيل اكلصورة ‪ ،‬والعمل روهحا ‪ ،‬والعرش‬
‫من مجةل الراكن وهو غيب فهيا لسعهتا ‪ ،‬ولها الصاةل والفرع عن اليش‬
‫يكون غيبا فيه الحماةل ‪ ،‬وهو حملها وحمل ظهورها واس تواهئا ‪ ،‬وسائر‬
‫الكوان غيبا يف العرش لهنا مرصفة هل ومندرجة حتت سعته ‪ ،‬وبوجوده‬

‫‪652‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫ظهرت حمكة هللا اببراز لك ذي جسم وروح يف هذا التجيل اذلي هو‬
‫حمال مجموع الس بع الصفات املعرب عنه بروح القدس ‪ ،‬فالكوان غيبا فيه ‪،‬‬
‫كام آنه يف الرمحة ‪ ،‬والرمحة صفة ذاتية ‪ ،‬فامس الرمحن يدخل حتت االسامء‬
‫االجيادية ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫ابالس توى صار عرش هللا غيب هبا‬ ‫فيا اذلي هو رمحن فرمحته‬
‫وذر فذاك لفــــــــعل هللا منتس با‬ ‫كام العوامل فيه وهو مظهرها‬
‫( حمقت الاثر ابلاثر ‪ ،‬وحموت الغيار مبحيطات آفالك النوار )‬
‫حمق الاثر ابلاثر هو امضحاللها واندراهجا ‪ ،‬فاجلنة والنار والسموات‬
‫وسائر القطار آاثر ‪ ،‬ولكها ابالضافة اىل العرش وسعته متالش ية ‪،‬‬
‫والعرش متالش ية ‪ ،‬والعرش كام علمت وهو مصحواب بأنوار الصفات العلية‬
‫‪ ،‬والتجليات الزلية ‪ ،‬وفكل العرش هو الفكل الطلس اذلي الينهتي‬
‫سريه يف ادلنيا وال يف الخرة ‪ ،‬وسائر الفالك تدور بدورانه ‪ ،‬وآفالك‬
‫السامء يه السامء احلس ىن ‪ ،‬وآفالك القطار يه مادون الثري اىل الرثى‬
‫‪ ،‬وهنا آرسار الجيوز اذاعهتا ‪ ،‬ويل يف ذ ك شعرا ‪:‬‬
‫لك الوجود اىل العرش اجمليد هنا‬ ‫حمقت لك وجود يف وجـود اذا‬
‫حمو فاليأتني اخللق منه نـــــــــبا‬ ‫والعرش يف رمحة هللا االهل كذا‬
‫( ايمن احتجب يف رساداقات عزه عن آن تدركه البصار )‬
‫العزة وصف يقتيض امضحالل ماسواه ‪ ،‬وفنا لك ماعداه ‪ ،‬والرسادق هو‬
‫لك ماحيتجب به من حمرقات النوار ‪ ،‬وورد جحابه النار ‪ ،‬ولك منيع‬
‫الوصل يسمى عزيزا ‪ ،‬والعزيز هو اذلي الجيول عىل اخلاطر االرتقاء اىل‬

‫‪653‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫مناهل ‪ ،‬واليتصور ذلي فهم آن يقصد بصورة تكييف بل اميان بوجوده ‪،‬‬
‫بال كيف وال آين ‪ ،‬شعرا ‪:‬‬
‫اي من كذا يف جحاب العز ممتنــــع فال اىل دركه ابلكيف تصوير‬
‫آنت اذلي يف جنان اخلاد تتحفنا برؤية اليش هبا ريب تغـــــــرير‬
‫( ايمن حتىل بكامل هبائه ‪ ،‬فتحققت عظمته الرسار )‬
‫كامل الهباء هو ماجتيل به لقلوب آوليائه من بديع لطفه حىت عرفوه ‪،‬‬
‫وبتلطفه عرف ‪ ،‬وبقدر مايدنوا يكون اللطف آ رق ‪.‬‬
‫( كيف ختفى وآنت الظاهر ! آم كيف تغيب وآنت الرقيب ‪ ،‬وهللا املوفق‬
‫وبه آس تعني )‬
‫م آخرب عن افاضة اللطاف عليه حىت يشهده ظاهر ‪ ،‬وتعجب ممن يظن‬
‫غيبته ‪ ،‬والرقيب هو املراقب خلطرات الباطن وحملات النواظر بقوهل {‬

‫يعمل خائنة العني } وهو قامئ عىل لك نفس مبا كسبت ‪ ،‬مبعىن حارض‬
‫عىل لك نفس مبا كسبت ‪ .‬وهللا املوفق ملا هو احلق عنده ‪ ،‬واملقبول دليه‬
‫‪ ،‬وبه آس تعني وهو خري معني ‪ ،‬والتوفيق يف العامل البدنية والنيات‬
‫القلبية ان وافقت ماهو احلق عند هللا ‪ ،‬واالس تعانة يف لك آمر ابطنا‬
‫وظاهرا ‪ ،‬وهللا آعمل ‪.‬‬
‫اكن الفراغ من طباعة هذا الكتاب ظهر يوم االثنني اخلامس عرش من‬
‫شهرجامدي الوىل س نة ‪1438‬جهرية ‪ ،‬مت نقهل من نسخة خطية حتصلنا‬
‫علهيا من مكتبة الحقاف برتمي بواسطة الس يد اجململ ودلان معر بن‬
‫عبدالرمحن بن محمد بن طالب العطاس بقمل احملب عبد الرحمي بن عبدهللا‬

‫‪654‬‬
‫رشح احلمك العطائية للش يخ عيل بن عبدهللا ابراس‬

‫بن معر ابعبده اترخي نساخهتا الثالث من شهر ربيع الثاين س نة‬
‫‪1266‬جهرية ‪ .‬نسأل هللا الكرمي آن حيصل به النفع العام ‪ ،‬وصىل هللا‬
‫عىل س يدان محمد وعىل آهل وحصبه وسمل وامحلد هلل رب العاملني ‪.‬‬

‫‪655‬‬

You might also like