You are on page 1of 106

‫الفقه الـمقـــارن‬

‫دراسة فقهية حول لَوَازِم ال َفتْوى الشَّرْعِيَّة وفَ ْوضَى الفتاوِي‬


‫يف العَالَمِ االفتِ َراضيّ‬

‫إعداد‬
‫أ‪.‬د‪.‬م‪ .‬أمحد سعد علي الربعي‬
‫أستاذ الفقه المقارن المساعد بجامعة األزهر‬
‫كلية الدراسات اإلسالمية والعربية للبنين بالقاهرة‬

‫‪2693‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫اإللكترونية‬ ‫الهوِ َّية في ال َف ْت َوى‬


‫إشكالية ُ‬
‫ُ َّ‬
‫الفتاوي في العالَ ِم ِ‬
‫االفتراضي‬ ‫ِ‬ ‫الشر ِعية و َف ْو َضى‬ ‫دراسة فقهية حول لَ َوازِ م ال َف ْتوى‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ ْ َّ‬
‫أحمد سعد علي البرعي‬
‫قسم الفقه المقارن‪ ،‬كلية الدراسات اإلسالمية والعربية للبنين‪ ،‬جامعة األزهر‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مصر‬
‫البريد اإللكتروني‪ahmedelborai.4@azhar.edu.eg :‬‬

‫ملخص البحث‪:‬‬
‫هدفت في هذا البحث تسليط الضوء على لوازم الفتوى الشرعية وضوابطها عند‬
‫الفقهاء‪ ،‬والمقارنة بينها وبين واق ِع اإلفتاء اإللكتروني المعاصر‪ ،‬منب ًِها على ضرورة قصر‬
‫ِ‬
‫سلطة ولي األمر في‬ ‫ِ‬
‫ومؤك ًدا على‬ ‫ِ‬
‫مؤسسات اإلفتاء الرسمية‪،‬‬ ‫الفتوى اإللكترونية على‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫والتصدي لظاهرة اإلفتاء‬ ‫الموحدة‪،‬‬ ‫تقنين الفتوى‪ ،‬واإللزام بالفتوى اإللكترونية‬
‫َّ‬
‫مؤص ًال لكون ذلك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والعقوبات الزاجرة‪،‬‬ ‫اإللكتروني غيرِ الرسمي بالقوانين الر ِادعة‪،‬‬
‫َّ‬
‫شتى العصورِ ‪ ،‬من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شرعيا التزمه وال ُة األمر والعلماء الراسخون في َّ‬ ‫ًّ‬ ‫واإللزام أمرا‬
‫ً‬
‫التصدي‬
‫لدن رسول اهلل ‪ ‬وصحابته الكرام‪ ،‬وما تاله؛ فإن اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬يزع بالسلطان‬
‫ما ال يزع بالقرآن‪.‬‬

‫الموحدة‪ ،‬فتوى‬
‫َّ‬ ‫الكلمات المفتاحية‪ :‬اإلفتاء غير الرسمي‪ ،‬تقنين الفتوى‪ ،‬الفتوى‬
‫ِ‬
‫المقلد‪ ،‬أمين الفتوى‪.‬‬

‫‪2695‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

The problem of identity in the electronic fatwa [legal opinion]


A jurisprudential study on the requirements of the [legal
opinion] fatwa and the chaos of [legal opinion] fatwas in the
virtual world.
Ahmed Saad Ali Al-Borai
Dep. of Comparative Jurisprudence, Faculty of Islamic and
Arabic Studies for Boys, Al-Azhar University, Cairo, Egypt
Email: ahmedelborai.4@azhar.edu.eg
Abstract
In this research I aimed to shed light on the requirements of
the [legal opinion] fatwa and its controls for jurists, and to
compare it with the reality of contemporary electronic [legal
opinion] fatwas, alerting the need to limit electronic [legal
opinion] fatwas to official fatwa institutions, and emphasizing the
authority of the guardian in legalizing [legal opinion] fatwas,
obligating the unified electronic fatwa, and resisting the
phenomenon of informal electronic [legal opinion] fatwas with
detervent laws and repressive penalties, rooted in the fact that
confronting and obligating this is a legitimate matter the rulers
and well-established scholars of all ages committed it from, the
time of the Messenger of God, may God bless him and grant him
peace, and his honorable companions, and what followed; God -
Almighty - uproots with the authority what he does not uproot
with the Qur'an.
Keywords: Informal [legal opinion] Fatwa, Codification of
[legal opinion] Fatwa, Unified Fatwa, Fatwa [legal opinion] of
imitater, Secretary of [legal opinion] Fatwa.

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ 2696


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫‪‬‬
‫كل خطاب‪،‬‬ ‫يصدر ُّ‬
‫َّ‬ ‫كل كتاب‪ ،‬وباسمه‬
‫الحمد هلل الذي بحمده يستفتح ُّ‬
‫محمد ِ‬
‫عبد اهلل‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫سيدنا‬ ‫وبذكره يستأنس األحباب‪ ،‬والصالة والسالم على‬
‫ِ‬
‫وشمس دين اإلسالم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المرسلة‬ ‫ِ‬
‫الرحمة‬ ‫مفتاح‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ورسوله‪ ،‬وصفيِه وحبيبِه‪،‬‬
‫ثم أما بعد ‪...‬‬
‫بمواق ِعه‬
‫ِ‬ ‫اليوم إلى العالم االفتراضي‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫المجتمعات‬ ‫فإنه وبسبب َت َح ُّو ِل‬
‫ِ‬
‫وسائله‬ ‫مقصورا على‬ ‫واإلفتاء‬ ‫االستفتاء‬ ‫يعد‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الذكية‪ ،‬لم ُ‬
‫َّ‬
‫وتطبيقاته‬ ‫اإللكترونية‬
‫ِ‬
‫والمشافهة بين المفتي‬ ‫ِ‬
‫اللقاء‬ ‫التقليدية التي ُعهِ َدت من قبل‪ ،‬والتي تعتمد على‬ ‫َّ‬
‫المنصات اإللكترونية المختلف ُة من أهم وسائل‬‫ُ‬ ‫والمستفتي؛ حيث أضحت‬
‫اليوم أدا ًة‬
‫َ‬ ‫صناعة الفتوى في العصر الحاضر‪ ،‬وأصبحت الفتوى اإللكتروني ُة‬
‫تتواصل من خاللها مع قطا ٍع‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اإلفتاء الر ْسمي ِة عبر العالم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫لمؤسسات‬ ‫مهم ًة‬
‫َّ َّ‬ ‫َّ‬
‫حواجز‬ ‫ٍ‬
‫شتى األماكن والبلدان‪ ،‬من غير حدود فاصلة‪ ،‬أو‬
‫َ‬ ‫واس ٍع من الناس في َّ‬
‫واجب الوقت الذي تمليه علينا مقتضيات العصر‬ ‫عائقة‪ ،‬وال شك أن هذا هو‬‫ٍ‬
‫ُ‬
‫وظرو ُفه‪.‬‬
‫ِ‬
‫القيام‬ ‫لكن مما ِ‬
‫يعكر على هذه المؤسسات عم َلها‪ ،‬ويعيق حركتها دون‬
‫الصفحات المشبوهة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫المأمول في مجال اإلفتاء اإللكتروني‪ ،‬تلك‬ ‫بدورها‬
‫ٍ‬
‫جماعات أو‬ ‫والتطبيقات الغير رسمية‪ ،‬المنسوب ُة إلى‬ ‫المتطر َفة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫والمواقع‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وبالتطرف‬
‫ِ‬ ‫ويش العلمي‪ ،‬والعجزِ ِ‬
‫الفقهي‪ ،‬بل‬ ‫ٍ‬
‫أشخاص عرِ فوا بالت ْش ِ‬ ‫أحزاب أو‬
‫ٍ‬
‫َ ْ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫المقصود على‬ ‫ِ‬
‫واالجتراء‬ ‫العم ِدي‪،‬‬ ‫والتضليل‬
‫ِ‬ ‫واإلرهاب القولي‪،‬‬
‫ِ‬ ‫الفكري‪،‬‬
‫ْ‬

‫‪2697‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫ِ‬
‫للعوام‬ ‫المنصبِين لإلفتاء الر ْسمي في البلدان‪ ،‬وإظهارِ هم‬ ‫العلماء والمفتين‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫مع لقولهم‪ ،‬وال ُي ْؤ َبه لفتاويهم‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وعلماء دولة‪ ،‬ال ُي ْست ُ‬
‫ُ‬ ‫سلطة‪،‬‬ ‫شيوخ‬
‫ُ‬ ‫على أنهم‬
‫ساروا خل َفهم‪،‬‬
‫شباب األمة‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫أعدادا هائل ًة من‬
‫ً‬ ‫حتى استمالوا بهذه المزاعم‬
‫يتبعه‬
‫الواحد منهم ُ‬
‫َ‬ ‫سوادهم في هذا العالم االفتراضي‪ ،‬حتى وجدنا‬
‫َ‬ ‫وكثروا‬
‫َّ‬
‫الماليين من المتابعين‪ ،‬وليتهم قصروا حدي َثهم‬
‫ُ‬ ‫اإللكتروني‬
‫ِ‬ ‫على حسابِه‬
‫ِ‬
‫الخوض في مسائل تتعلق بالمصالح‬ ‫لمتابعيهم على النصح واإلرشاد‪ ،‬دون‬
‫ِ‬
‫ومنازعة ِ‬
‫أهله الر ْسميِين‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اإلفتاء‪،‬‬ ‫ِ‬
‫التصدي ألمر‬ ‫ِ‬
‫العامة للبالد والعباد‪ ،‬ودون‬
‫َّ‬
‫عمت بصنيعهم الفوضى‪ ،‬واضطربت بتصرفاتهم األوضاع‪.‬‬ ‫حتى َّ‬
‫تسليط الضوء على ظاهرة اإلفتاء‬
‫َ‬ ‫وقد هدفت من هذه الدراسة‬
‫مبرزا مخاطرها وأضرارها‪ ،‬منب ًِها على ضرورة‬ ‫ً‬ ‫اإللكتروني غيرِ الرسمي‪،‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التصدي لها من قبل والة األمر بالتقنين والعقوبة؛ وقصرِ اإلفتاء اإللكتروني‬
‫اإلفتاء الر ْسمية في البالد‪ ،‬حتى تنضبط األمور وتستقيم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫منصات‬ ‫على‬
‫َّ‬
‫الموازين‪ ،‬وقد أردت في هذه الدراسة التأكيد على أهمية تقنين الفتوى‬
‫نصبين من قبل‬
‫الم َّ‬
‫الر ْسميِين ُ‬ ‫وتنظيمها في البالد وضرورة قصرِ ها على المفتين‬
‫َّ‬
‫متعرضا لمسألة توحيد الفتوى وحكم إلزام المفتي بالقول‬ ‫ً‬ ‫والة األمور‪،‬‬
‫مؤص ًال لجميع ذلك بما جرى عليه العرف والعمل منذ زمن النبي‬ ‫ِ‬ ‫الواحد‪،‬‬
‫‪ ‬وما تاله من العصور‪.‬‬
‫وقد عنونت لهذه الدراسة باسم‪" :‬إشكالية الهُوِ يَّة في ال َفت ْ َوى اإللكترونية‬
‫ِ‬
‫العالم‬ ‫ِ‬
‫الفتاوى في‬ ‫الشر ِعية وفَ ْو َضى‬ ‫‪ -‬دراسة فقهية حول لَ َوازِ م ال َفتْوى‬
‫َّ ْ َّ‬
‫االفتراضي"‪.‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2698‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫خطة الدراسة‪:‬‬
‫ِ‬
‫وثالثة مباحث وخاتمة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫مقدمة‬ ‫جاءت خطة هذه الدراسة مشتمل ًة على‬
‫أما المقدمة فقد تكلمت فيها عن أهمية البحث وسبب اختياره وخطة الدراسة‬
‫فيه‪ ،‬وأما المباحث فقد جاءت على النحو التالي‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬ماهية الفتوى اإللكترونية وحكمها‪.‬‬
‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬التعريف بالفتوى اإللكترونية‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬وسائل الفتوى اإللكترونية‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬مشروعية الفتوى اإللكترونية وضوابطها عند الفقهاء‪.‬‬
‫لوازِ م الشرعية وواقع العالم االفتراضي‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ُ :‬هوِ َّية المفتي بين الَّ َ‬
‫وفيه خمسة مطالب‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬المفتي وشروطه في الفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫ِ‬
‫المفتين ومراتبهم عند الفقهاء‪.‬‬ ‫طبقات‬
‫ُ‬ ‫المطلب الثاني‪:‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ونقلهِ م لفتاوى‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬حكم اإلفتاء من المق ِلدين والعوام‬
‫المجتهدين‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬اإلفتاء من خالل أمناء الفتوى الذين لم يبلغوا درجة‬
‫االجتهاد‪.‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬واقع الفتوى اإللكترونية في العالم االفتراضي‪.‬‬

‫‪2699‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫المبحث الثالث‪ :‬سبل ضبط الفتوى اإللكترونية في العالم االفتراضي‪.‬‬


‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬سلطة ولي األمر في تنصيب المفتين ومعاقبة‬
‫ِ‬
‫المتصدرين للفتوى اإللكترونية دون إذن‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬سلطة ولي األمر في توحيد الفتوى اإللكترونية الرسمية‬
‫َّ‬
‫واإللزام بها‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬تثقيف المستفتين عبر المواقع اإللكترونية والتطبيقات‬
‫الذكية‪.‬‬
‫وفيه ثالث مسائل‪:‬‬
‫المسألة األولى‪ :‬البحث عن أهلية المفتي في االستفتاء اإللكتروني‬
‫(اختيار الموقع اإللكتروني)‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬طرق العلم بأهلية المفتي في االستفتاء اإللكتروني‪.‬‬
‫ِ‬
‫وخصوصية الفتوى‬ ‫المسألة الثالثة‪ :‬تثقيف المستفتين في صياغة السؤال‬
‫اإللكترونية‪.‬‬
‫ثم جاءت خاتمة البحث مشتملة على أهم النتائج والتوصيات‪ ،‬وثبت‬
‫المراجع‪.‬‬
‫خالصا لوجهه الكريم‪ ،‬وأن‬
‫ً‬ ‫واهلل ‪-‬تعالى‪ -‬أسأل أن يجعل هذا العمل‬
‫وصل‬
‫َّ‬ ‫ينفع به الكاتب والقارئ‪ ،‬إنه سبحانه أكرم من ُس ِئل‪ ،‬وأعظم من أعطى‪،‬‬
‫اهلل على سيدنا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2700‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫املبحث األول‬
‫ماهية الفتوى اإللكرتونية وحكمها‬
‫املطلب األول‬
‫التعريف بالفتوى اإللكرتونية ووسائلها‬
‫الفتوى يف اللغة‪:‬‬
‫ال َف ْتوى في اللغة اسم يوضع موضع اإلفتاء‪ ،‬وهو اإلجاب ُة عن سؤال‬
‫ٌ‬
‫إفتاء أو َف ْتوى‪،‬‬ ‫ِ‬
‫السائل‪ ،‬فيقال‪ :‬أفتيت فال ًنا في مسألته‪ ،‬إذا أجبته عنها‪ ،‬واالسم ٌ‬
‫الفقيه‪ ،‬فيقال‪ :‬الفتوى فيه كذا‪ ،‬كما‬
‫ُ‬ ‫وتطلق كذلك على الجواب الذي أفتى به‬
‫الفقيه في‬
‫ُ‬ ‫يخر ُجه‬
‫تطلق الفتوى عند أهل اللغة على الحكم الجديد الذي ِ‬
‫جديدا‪.‬‬
‫ً‬ ‫حكما‬
‫ً‬ ‫النوازل والمستجدات‪ ،‬فيقال‪ :‬أفتى المفتى‪ ،‬إذا أحدث‬
‫وال َفتوى ‪-‬بفتح الفاء‪ -‬لغة أهل المدينة‪ ،‬وقد يقال لها ‪-‬أيضا‪ُ -‬ف ْتيا‪،‬‬
‫َ‬
‫الحدث‬
‫ُ‬ ‫الشاب‬
‫ُّ‬ ‫و ُف ْتوى ‪-‬بضم الفاء‪ ،-‬وهي مشتق ٌة عند العرب من ال َف ِتي‪ ،‬وهو‬
‫للم ْش ِكل من األحكام‪ ،‬صار المفتي‬ ‫تبيينا ُ‬
‫شب وقوي؛ ألنها لما كانت ً‬ ‫الذي َّ‬
‫قويا(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فتيا ًّ‬
‫ويصير ًّ‬
‫َ‬
‫يشب‬
‫يقوي بفتواه هذا المشك َل بالبيان حتى َّ‬
‫كأنه ِ‬

‫(‪ )1‬تهذيب اللغة‪ ،‬لألزهري مادة (فتا) ‪ 234/14‬ط‪ .‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪ 2001‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عوض مرعب‪ ،‬المحكم والمحيط األعظم‪ ،‬البن سيدة‬
‫مادة (ف ت ي) ‪ 524/9‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪1421‬هـ‬
‫‪ 2000‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الحميد هنداوي‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬البن منظور مادة (فتا) ‪147/15‬‬
‫وما بعدها ط‪ .‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬الطبعة األولى ‪1405‬هـ‪.‬‬

‫‪2701‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫"الم ْغرِ ب"‪" :‬الفتوى من‬


‫ُ‬ ‫المطرزي‪( - -‬ت ‪610‬هـ) في‬ ‫ِ‬ ‫قال‬
‫كل" (‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫لبيان ُم ْش ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حكم‪ ،‬أو تقوي ٌة‬ ‫إحداث‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫حادثة‪ ،‬أو‬ ‫جواب في‬ ‫ال َف ِتى؛ ألنه‬
‫ٌ‬
‫الفتوى يف اصطالح الفقهاء‪:‬‬
‫جميعها‬ ‫تخرج‬ ‫ٍ‬
‫كثيرة ال‬ ‫ع ِرفت الفتوى في اصطالح الفقهاء بتعريف ٍ‬
‫ات‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عن تعريفها عند أهل اللغة‪ ،‬فعر َّفها القرافي ‪( --‬ت ‪684‬هـ) بأنها‪:‬‬
‫ٍ‬
‫إباحة"(‪.)2‬‬ ‫"إخبار عن اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬في ٍ‬
‫إلزام أو‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫حكم اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬في المسألة‪ ،‬سواء‬ ‫كل إخبارٍ عن‬ ‫فتناول تعري ُفه هذا َّ‬
‫يتقدم‪،‬‬
‫سؤال أو لم َّ‬
‫ٌ‬ ‫تقدم عليه‬
‫وسواء َّ‬
‫ٌ‬ ‫اإلخبار ُملزِ ًما أو غير ملزم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫كان هذا‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الحكم‬ ‫"تبيين‬
‫ُ‬ ‫بعضهم بأنها‪:‬‬
‫التقييد بذلك‪ ،‬ومن أجل ذلك عرفها ُ‬ ‫ُ‬ ‫واألولى‬
‫اقتضاء‬
‫َ‬ ‫واإلخبار بال إلزام"(‪ ،)3‬فقوله‪" :‬للسائل عنه"؛ يفيد‬
‫ُ‬ ‫للسائل عنه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫الشرعي‬
‫ِ‬
‫سؤال‪ ،‬وقوله‪" :‬بال‬
‫ٌ‬ ‫سائل وهو المستفتي‪ ،‬فاشترط أن يتقدمها‬‫ٍ‬ ‫وجود‬
‫َ‬ ‫الفتوى‬
‫احتراز عن حكم القاضي؛ ألنه وإن كان هو اآلخر مخبرا عن حكم اهلل‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫إلزام"؛‬
‫ً‬
‫(‪)4‬‬
‫ِ‬
‫الحكم‬ ‫"تبيين‬
‫ُ‬ ‫وقوله‪:‬‬ ‫‪،‬‬ ‫ملزم‪ ،‬والفتوى غير ملزمة‬ ‫‪-‬تعالى‪ -‬إال أن إخباره‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬

‫(‪ )1‬المغرب في ترتيب المعرب‪ ،‬ألبي الفتح المطرزي ص ‪ 315‬ط‪ .‬دار الكتاب العربي‪،‬‬
‫د‪.‬ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬الذخيرة‪ ،‬للقرافي ‪ 121/10‬ط‪ .‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪1994‬م‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬محمد حجي‪.‬‬
‫(‪ )3‬مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى‪ ،‬للرحيباني ‪ 437/6‬ط‪ .‬المكتب اإلسالمي‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ‪1415‬هـ ‪1994‬م‪.‬‬
‫(‪ )4‬كشاف القناع عن متن اإلقناع‪ ،‬للبهوتي ‪ 379/6‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪ 1418‬هـ‪ ،‬كشف المخدرات والرياض المزهرات لشرح أخصر المختصرات‪،‬‬
‫═‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2702‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫الشرعي للسائل عنه" يشمل ما لو كانت المسأل ُة منصوص ًة في المذهب ويقوم‬


‫ٍ‬
‫جديد‬ ‫ٍ‬
‫حكم‬ ‫المفتي بنقل حكمها‪ ،‬أو كانت نازل ًة مستحدث ًة تحتاج إلى تخريج‬
‫فيها‪ ،‬فجميع ذلك فتوى في اصطالح الفقهاء(‪.)1‬‬
‫تتم بجميع أركانها عبر‬
‫وأما الفتوى اإللكتروني ُة فنعني بها‪ :‬الفتوى التي ُّ‬
‫وسيلة من الوسائل اإللكترونية الحديثة المعتمدة على شبكة اإلنترنت‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫كصفحات الويب‪ ،‬والتطبيقات الذكية‪ ،‬والبريد اإللكتروني‪ ،‬وغيرها بحيث‬
‫يرفع السائل (المستفتي) سؤا َله عبر وسيلة من هذه الوسائل اإللكترونية‪،‬‬
‫ليجيبه المفتي عبر الوسيلة نفسها‪.‬‬

‫‪h‬‬
‫═‬
‫لعبد الرحمن البعلي ‪ 817/2‬ط‪ .‬دار البشائر اإلسالمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪1423‬هـ‬
‫‪2002‬م‪.‬‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬أدب المفتي والمستفتي‪ ،‬البن الصالح ص ‪ 96‬وما بعدها ط‪ .‬مكتبة العلوم‬
‫والحكم‪ ،‬المدينة المنورة‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1423‬هـ ‪2002‬م‪ ،‬آداب الفتوى والمفتي‬
‫والمستفتي‪ ،‬للنووي ص ‪ 28‬وما بعدها‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬الطبعة األولى ‪1408‬هـ‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬بسام الجابي‪ ،‬قواعد الفقه‪ ،‬محمد عميم اإلحسان البركتى ص ‪ 571‬ط‪ .‬الصدف‪،‬‬
‫كراتشي‪ ،‬الطبعة األولى ‪1407‬هـ ‪1986‬م‪.‬‬

‫‪2703‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫املطلب الثاني‬
‫وسائل الفتوى اإللكرتونية‬
‫ظهرت في القرن الماضي مجموع ٌة من التقنيات العديدة التي أ َّثرت في‬
‫بالغا‪ ،‬وكان من أهم هذه التقنيات التي هيمنت على الحياة‬
‫تأثيرا ً‬ ‫حياة الناس‬
‫ً‬
‫واالتصال من خاللها‬
‫ُ‬ ‫الحواسيب الشخصية ‪،Personal Computers‬‬
‫ُ‬ ‫البشرية‪،‬‬
‫بين األشخاص عبر شبكة "اإلنترنت" "‪ ،"Internet‬تلك الشبكة العالمية التي‬
‫ُت َعد من أعظم االكتشافات في مجال االتصاالت وتكنولوجيا المعلومات؛ إذ‬
‫من خاللها يمكن االتصال بين الماليين من البشر عبر الكرة األرضية لتبادل‬
‫وعدد‬ ‫ٍ‬
‫ثوان معدودة(‪ ،)1‬ومنذ أن نشأت هذه الشبكة‬ ‫البيانات والمعلومات في‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫ازدياد ملحوظ‪ ،‬وكذا عدد األجهزة المنضمة للشبكة ظل‬ ‫المستخدمين لها في‬
‫يوما بعد يوم‪ ،‬فبعد أن بدأت الشبكة بأربعة أجهزة حاسوبية فقط في عام‬
‫يزداد ً‬
‫‪1969‬م‪ ،‬وصل عد األجهزة المتصلة بالشبكة بنهاية عام ‪1999‬م إلى أكثر من‬
‫‪ 60‬مليون جهاز(‪ ، )2‬هذا بنهاية القرن الماضي فقط‪ ،‬فكيف الحال مع بداية‬
‫القرن الحالي وظهور الهواتف الذكية المحمولة التي هيمنت على الحياة‬
‫كل إنسان ؟!‪ ..‬ال شك أن هذا التقدم‬ ‫البشرية بصورة هائلة‪ ،‬وأصبحت في ِ‬
‫يد ِ‬
‫التكنولوجي الهائل كان له بالغ األثر على الثقافة الدينية لألفراد والمجتمعات‪،‬‬

‫(‪ )1‬شبكة اإلنترنت‪ :‬منشأ وتطورا وخدمات‪ ،‬د‪ .‬وجدي عبد الفتاح سواحل‪ ،‬مقال منشور‬
‫بالمجلة العربية العلمية للفتيان سنة ‪2001‬م‪ ،‬مج ‪ ،5‬ع ‪ ،9‬ص‪ 11-10‬بتصرف‪.‬‬
‫(‪ )2‬اإلنترنت‪ ،‬عبد اهلل مسعود األرقط بحث منشور بمجلة العلوم اإلنسانية والتطبيقية‪ ،‬كلية‬
‫العلوم اإلنسانية والتطبيقية‪ ،‬الجامعة األسمرية اإلسالمية‪ ،‬زليتن‪ ،‬ليبيا‪ ،‬ع ‪ ،7‬سنة ‪2005‬م‪،‬‬
‫ص ‪.360‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2704‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫وكان له أثره البالغ ‪-‬أيضا‪ -‬على صناعة اإلفتاء واستصدار الفتوى؛ فلم يعد‬
‫اليوم ‪-‬في كثير من األحيان‪ -‬يعتمد على التالقي والمشافهة بين المفتي‬
‫َ‬ ‫اإلفتاء‬
‫والمستفتي كما كان من قبل‪ ،‬بل أصبح‪ -‬في الكثير الغالب‪ -‬يقدم بواسطة‬
‫ٍ‬
‫أدوات ثالث‪:‬‬ ‫هذه التكنولوجيا عبر‬

‫أوال‪ :‬املواقع اإللكرتونية‪:‬‬


‫ونعني بها صفحات الويب ‪ Websites‬المبثوثة في فضاء العالم‬
‫االفتراضي ضمن الشبكة العالمية (‪ ،)World Wide Web) (WWW‬والتي‬
‫يمكن مشاهدتها والتفاعل معها بواسطة الحواسيب وأجهزة الهواتف الذكية‬
‫من خالل المتصفحات المختلفة(‪.)1‬‬
‫ألي جهة ‪-‬رسمي ًة كانت أو غير رسمية‪ -‬أن‬ ‫وهذه المواقع يمكن ِ‬
‫وتبث من خاللها للجمهور ما شاءت‪ ،‬بل ويمكن لألفراد العاديِين‬
‫َّ‬ ‫ُت َص ِم َمها‬
‫إنشاء مواقع وصفحات ويب خاصة بهم عن طريق برامج تصميم مخصصة‬
‫ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫لهذا الغرض ‪.‬‬
‫ولمعرفة المواقع المخصصة لإلفتاء عبر الشبكة‪ ،‬يمكن فقط أن نكتب‬
‫(‪ )1‬أثر المواقع اإللكترونية على الثقافة الدينية‪ -‬دراسة ميدانية على عينة من طالب جامعة‬
‫جنوب الوادي‪ ،‬د‪ .‬عبد الفتاح تركي موسى‪ ،‬بحث منشور في حولية كلية اآلداب‪ ،‬جامعة‬
‫عين شمس‪ ،‬مج ‪ 44‬ص ‪ - 298‬سنة ‪2016‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬بناء وتصميم مواقع الحكومة اإللكترونية‪ ،‬أحمد عزت حسن‪ ،‬ورقة عمل منشورة‬
‫ضمن فعاليات ندوة الحكومة اإللكترونية‪ :‬مجاالت وآليات التنفيذ وورشة عمل طرق‬
‫بناء مواقع الحكومة اإللكترونية‪ ،‬المنظمة من قبل المنظمة العربية للتنمية واإلدارة‪-‬جامعة‬
‫الدول العربية‪ 15-11 -‬فبراير ‪2007‬م‪ ،‬ص ‪ 9‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪2705‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫في محرك البحث جوجل ‪ Google‬أو غيره من المحركات عبارة "مواقع‬


‫الفتوى"‪ ،‬لنجد أنفسنا أمام المئات من المواقع التي تقدم الفتوى للجمهور‪،‬‬
‫ِ‬
‫بريده‬ ‫وعنوان‬ ‫ِ‬
‫سؤاله‪،‬‬ ‫نص‬
‫َ‬ ‫السائل على الموقع ليكتب َّ‬
‫ُ‬ ‫بحيث يدخل‬
‫اإللكتروني‪ ،‬ليجد الفتوى بعد ذلك مرسل ًة إليه على بريده اإللكتروني‪ ،‬أو‬
‫أحد سواه‪ ،‬أو‬ ‫متاح ًة له على الموقع نفسه‪ ،‬إما شخصية بحيث ال يطلع عليها ٌ‬
‫قد ُم‬‫كل موقع وطبيعة تشغيله‪ ،‬وقد ُت ِ‬
‫عامة لجميع القراء‪ ،‬وذلك بحسب سياسة ِ‬
‫بعض المواقع على إتاحة خاصية البحث داخل قسم الفتاوى القديمة‬ ‫ُ‬
‫بالموقع؛ لينتقي السائل منها الفتوى التي تناسب سؤا َله‪ ،‬وقد يجيبه القائمون‬
‫فالن‪ ،‬وجميع‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫فالن أو‬ ‫على الموقع بالفتاوى القديمة المنصوص عليها من‬
‫شرعي ‪-‬كما سأوضحه خالل هذه الدراسة بإذن اهلل‪.-‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ضبط‬ ‫ذلك يحتاج إلى‬

‫ثانيا‪ :‬التطبيقات الذكية (‪:)Application‬‬


‫ونعني بها البرامج التي يتم تنصيبها وتشغيلها على أجهزة الهواتف‬
‫ِ‬
‫للمستخدم(‪ ،)1‬حيث أضحت أجهزة‬ ‫الذكية المحمولة ألداء مهام معينة‬
‫ٍ‬
‫ذكية متصلة بشبكة اإلنترنت‬ ‫تشغيل‬
‫ٍ‬ ‫الجواالت المحمولة اآلن تعمل بنظم‬
‫مثلها مثل الحواسيب الشخصية‪ ،‬وتحتوي أنظم ُة تشغيل هذه الهواتف على‬
‫متاجر إلكترونية تحتوي على ماليين البرامج والتطبيقات اإللكترونية في كافة‬
‫الدخول على متجر‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫مستخدم‬ ‫كل‬
‫مناحي الحياة المختلفة‪ ،‬بحيث يستطيع ُّ‬

‫(‪ )1‬توظيف تطبيقات األجهزة "الهواتف" الذكية في التوعية بقضايا األسرة في سلطنة عمان‪،‬‬
‫وضحة بنت سلمان‪ ،‬بحث منشور بمجلة دراسات في الخدمة االجتماعية والعلوم‬
‫اإلنسانية‪ -‬كلية الخدمة االجتماعية‪ -‬جامعة حلوان‪ ،‬ع ‪ ،39‬ج ‪ ،16‬ص‪ – 271‬عدد‬
‫أكتوبر ‪2015‬م‪.‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2706‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫جواله ‪-‬على سبيل المثال متجر ‪ play store‬الخاص باألجهزة التي تعمل‬
‫بنظام تشغيل أندرويد ‪ Android‬أو متجر ‪ App Store‬الخاص باألجهزة التي‬
‫تعمل بنظام تشغيل ‪ - IOS‬ليقوم بتنصيب البرنامج أو التطبيق الذي يريده على‬
‫ِ‬
‫هاتفه الذكي واالنتفاع بما يقدمه التطبيق من خدمات أو معلومات‪.‬‬
‫ٍ‬
‫جهة ‪-‬رسمي ًة كانت أو غير‬ ‫ألي‬
‫وهذه التطبيقات الذكية ‪-‬أيضا‪ -‬يمكن ِ‬
‫َ‬
‫رسمية‪ -‬تصميمها وتطويرها على نظم التشغيل المختلفة‪ ،‬كما يمكن ‪-‬أيضا‪-‬‬
‫ِ‬
‫العادي ين تطويرها وتوجيهها للجمهور؛ ألن نظام أندرويد ‪Android‬‬ ‫لألفراد‬
‫ويطور‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يصمم‬ ‫ٍ‬
‫شخص بأن‬ ‫نظام مفتوح المصدر (‪ )Open Source‬يسمح ألي‬
‫ٌ‬
‫تطبيقات تعمل على هذا النظام(‪.)1‬‬
‫ولمعرفة نوعية تطبيقات الفتوى الموجودة اآلن على متاجر الهواتف‬
‫ومطوريها‪ ،‬يمكن الدخول على متجر ‪play store‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مصدريها‬ ‫الذكية‪ ،‬ومعرفة‬
‫أو متجر ‪ App Store‬والبحث فيه بكلمة "فتوى" أو "إفتاء" وستظهر لنا‬
‫ٍ‬
‫رسمية تارة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫لجهات‬ ‫ِ‬
‫المتخص َصة في اإلفتاء التابعة‬ ‫عشرات من التطبيقات‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫التابعة ألشخاص بأعيانهم‪.‬‬ ‫ولجهات غير رسمية تارة أخرى‪ ،‬أو حتى‬

‫ثالثا‪ :‬وسائل التواصل االجتماعي (‪:)Social Media‬‬


‫ونعني بها تلك الشبكات والمواقع التي تؤسسها بعض الشركات‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مقال بعنوان‪ :‬احترس من أخطر اكتشافات العصر األندرويد‪ ،‬سعيد أبو النصر‪،‬‬
‫مجلة االقتصاد والمحاسبة‪ ،‬عدد ‪ 658‬سنة ‪2015‬م‪ ،‬ص ‪ .42-41‬وينظر ‪-‬أيضا‪:-‬‬
‫خطوات تصميم وتطوير تطبيق على نظام ‪ Android‬في الموقع الرسمي ألندرويد‬
‫‪https://developer.android.com/‬‬

‫‪2707‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫الكبرى بهدف التشبيك االجتماعي بين المستخدمين‪ ،‬وتسهيل البحث عن‬


‫ٍ‬
‫صداقات‪ ،‬وتكوين مجموعات ذات اهتمامات مشتركة‪ ،‬ومن أشهر هذه‬
‫الشبكات فيسبوك ‪ Facebook‬وتويتر ‪ Tweeter‬وغيرهما من الشبكات التي‬
‫لكل شخص عادي‬ ‫ِ‬ ‫شبكات يمكن‬
‫ٌ‬ ‫تضم الماليين من المشتركين‪ ،‬وهي‬
‫بجانب معين من جوانب‬ ‫ٍ‬ ‫تهتم‬ ‫تواصل بها‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫مجموعة‬ ‫الدخول إليها وتأسيس‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫خاصا بتقديم الفتوى واالستشارات الدينية‪،‬‬‫ًّ‬ ‫دينيا‬
‫جانبا ًّ‬ ‫الحياة‪ ،‬وقد يكون‬
‫ً‬
‫ويتاح ألي شخص االشتراك في هذه المجموعات والتفاعل معها(‪.)1‬‬
‫وهناك بالفعل العديد من المجموعات والصفحات المخصصة لإلفتاء‬
‫داخل هذه الشبكات‪ ،‬منها ما هو رسمي‪ ،‬ومنها ما هو غير رسمي‪ ،‬ويمكن‬
‫ٍ‬
‫سهولة في محركات البحث‬ ‫بكل‬
‫البحث عن هذه الصفحات والمجموعات ِ‬
‫داخل هذه الشبكات‪ ،‬وبمجرد البحث تحت كلمة "فتوى"‪ ،‬سنجد أنفسنا أمام‬
‫صفحات ُخ ِص َصت لإلفتاء من بعض المؤسسات الرسمية‪ ،‬كدار اإلفتاء‬ ‫ٍ‬
‫ألناس مجهولي‬‫ٍ‬ ‫المصرية ‪-‬مثال‪ ،-‬لكن الغالبي َة من هذه الصفحات تنتمي‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫شيئا‪ ،‬أو ألناس ُعرِ فوا بالتشدد والتطرف ومعاداة‬
‫الهوية‪ ،‬ال نعلم عنهم ً‬
‫تشكل كارث ًة على المجتمعات ال‬
‫ُ‬ ‫المؤس َسات الرسمية‪ ،‬حتى باتت فتاويهم‬
‫َّ‬
‫َّ‬
‫ينبغي أن ُيغض الطرف عنها‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬توظيف التنظيمات اإلرهابية لوسائل التواصل االجتماعي‪ ،‬دراسة وصفية للمخاطر‬
‫وكيفية المواجهة‪ ،‬د‪ .‬طارق ميرغني‪ ،‬بحث منشور بمجلة كلية الدعوة واإلعالم‪ ،‬جامعة‬
‫القرآن الكريم والعلوم اإلسالمية‪ ،‬ع ‪ /4‬ص ‪ 6‬وما بعدها سنة ‪2018‬م‪ ،‬شبكات التواصل‬
‫االجتماعي‪ ،‬منافع التواصل ومضار القرصنة‪ ،‬د‪ .‬خليل عبد اهلل حسين‪ ،‬بحث منشور‬
‫بمجلة جامعة غرب كردفان للعلوم واإلنسانيات‪ ،‬ع ‪ /6‬ص ‪ 57‬وما بعدها سنة ‪2012‬م‪.‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2708‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫عشرات اآلالف‬ ‫ٍ‬


‫مجموعات لإلفتاء اشترك فيها‬ ‫وجود‬ ‫الطين ب َّلة‬ ‫بل وزاد‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫تنهال عليه الفتاوى من‬
‫ُ‬ ‫أحدهم سؤا َله‪،‬‬
‫من المستخدمين‪ ،‬وبمجرد أن يكتب ُ‬
‫كل المشتركين بالمجموعة من األشخاص العاديِين الذين ال ِع ْلم لديهم وال‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫صارمة من قبل والة األمور‪ ،‬وتضافرِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وقفة‬ ‫يحتاج إلى‬ ‫أهلية‪ ،‬األمر الذي‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫الجهود من قبل الفقهاء والعلماء القائمين على أمر الفتوى الرسمية في الدول‬
‫ِ‬
‫التصدي لهذه الفوضى العارمة‪.‬‬ ‫والبلدان من أجل‬

‫‪h‬‬

‫‪2709‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫املطلب الثالث‬
‫مشروعية الفتوى اإللكرتونية وضوابطها عند الفقهاء‬
‫شك أن الفتوى الشفوي َة التي تعتمد على التالقي والمشافهة بين‬‫ال َّ‬
‫المفتي والمستفتي‪ ،‬هي األصل في استصدار الفتوى والحصول عليها؛ فقد‬
‫كانوا قديما يضربون أكباد اإلبل طلبا للفتوى من ِ‬
‫أهلها المعتبرين المشهورين‬
‫ً‬
‫بين العامة والخاصة بأهليتهم لإلفتاء‪.‬‬
‫َّ‬
‫قال الخطيب البغدادي ‪( --‬ت ‪463‬هـ)‪ " :‬أول ما يلزم المستفتي‬
‫إذا نزلت به نازل ٌة أن يطلب المفتي؛ ليسأله عن حكم نازلته‪ ،‬فإن لم يكن في‬
‫ِ‬
‫مح َّل ِته‪ ،‬وجب عليه أن يمضي إلى الموضع الذي يجده فيه‪ ،‬فإن لم يكن ببلده‪،‬‬
‫لف في‬ ‫ٍ‬
‫واحد من الس ِ‬ ‫داره‪ ،‬فقد رحل غير‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫الرحيل إليه وإن َب ُع َدت ُ‬
‫ُ‬ ‫لزمه‬
‫مسألة"(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫الكتابة في‬ ‫ٍ‬
‫أساس على‬ ‫بشكل‬
‫ٍ‬ ‫تعتمد‬
‫ُ‬ ‫لكن الفتاوي اإللكترونية اآلن‬
‫وواقع‬ ‫مشروع‬
‫ٌ‬ ‫وجوابا أمر‬ ‫سؤاال‬
‫ً‬ ‫السؤال وفي الجواب‪ ،‬والكتاب ُة في اإلفتاء‬
‫ٌ‬ ‫ً ٌ‬
‫قديما(‪ ،)2‬وإن كانوا قد اعتبروها على خطرٍ ‪-‬كما قال اإلمامان ابن‬
‫ً‬ ‫عند الفقهاء‬
‫(‪ )1‬الفقيه والمتفقه‪ ،‬للخطيب البغدادي ‪ 375/2‬ط‪ .‬دار ابن الجوزي‪ ،‬السعودية‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪1421‬هـ‪ ،‬تحقيق‪ :‬عادل الغرازي‪.‬‬
‫(‪ )2‬البحر الرائق شرح كنز الدقائق‪ ،‬ابن نجيم ‪ 291/6‬ط‪ .‬دار الكتاب اإلسالمي‪ ،‬د‪.‬ت‪،.‬‬
‫الفقيه والمتفقه ‪ ،382/2‬أدب المفتي والمستفتي‪ ،‬البن الصالح ص ‪ ،134‬آدب الفتوى‬
‫والمفتي والمستفتي للنووي ص‪ ،44‬روضة الطالبين وعمدة المفتين‪ ،‬للنووي ‪ 92/8‬ط‪.‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،.‬تحقيق‪ :‬عادل عبد الموجود‪ ،‬وعلي معوض‪ ،‬أسنى‬
‫المطالب في شرح روض الطالب‪ ،‬الشيخ زكريا األنصاري ‪ 282/4‬ط‪ .‬دار الكتاب‬
‫═‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2710‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫(‪)1‬‬
‫الفقهاء‬
‫ُ‬ ‫ا‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ولم‬ ‫‪،‬‬ ‫والنووي (ت ‪676‬هـ)‪- -‬‬ ‫ُّ‬ ‫الصالح (ت ‪643‬هـ)‬
‫ََ‬ ‫َّ‬
‫"الواجب‬ ‫كتعي ِن الجواب بالمشافهة‪ ،‬ومن أجل ذلك قالوا‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫متعي َن ًة على المفتي ُّ‬ ‫َّ‬
‫لسان ال بالب َنان" يقصدون بالبنان‪ :‬الكتابة‪ ،‬ومن ثم‬‫ِ (‪)2‬‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫الجواب بال َ‬ ‫ُ‬ ‫على المفتي‬
‫بيت المال‪ ،‬أن‬ ‫رزق له من ِ‬ ‫ِ‬ ‫لم ُي ِج ْز‬
‫كفايته وال َ ُ‬
‫َ‬ ‫يجد‬
‫للمفتي الذي ال ُ‬ ‫الفقهاء‬
‫ُ‬
‫ب تبلي ٍغ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يأخذ أجر ًة من المستفتي على فتواه بالقول واللسان؛ ألن الفتيا َم ْنص ُ‬
‫ورسوله‪ ،‬فال يجوز المعاوض ُة عليها‪ ،‬بينما أجازوا له ‪-‬تو ُّس ًعا‬ ‫ِ‬ ‫عن ِ‬
‫اهلل‬
‫تلزم‬ ‫الجواب له؛ ألن الكتاب َة ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كتابة‬ ‫واحتياال‪ -‬أن يأخذ منه أجرا على‬ ‫ً‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫زائد عن اإلفتاء‪،‬‬ ‫شيء ٌ‬ ‫مثلها من المستفتي؛ ألنها‬ ‫المفتي‪ ،‬فجاز له أخ ُذ أَجرِ ِ‬
‫ٌ‬ ‫ْ‬
‫بخالف المشافهة(‪ ،)3‬وقد حكي عن بعض الفقهاء األقدمين تورعهم عن‬

‫═‬
‫اإلسالمي‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،.‬صفة الفتوى‪ ،‬البن حمدان ص ‪ 57‬ط‪ .‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫سنة ‪ 1397‬هـ‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد ناصر الدين األلباني‪ ،‬العقد التليد في اختصار الدر النضيد‬
‫المسمى بالمعيد في أدب المفيد والمستفيد‪ ،‬عبد الباسط بن موسى العلموي ص ‪198‬‬
‫ط‪ .‬مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬الطبعة األولى ‪1424‬هـ ‪2004‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬مروان العطية‪.‬‬
‫(‪ )1‬أدب المفتي البن الصالح ص ‪ ،135 ،134‬آدب الفتوى للنووي ص ‪.44‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار للحصكفي شرح تنوير األبصار للتمرتاشي ‪ 92/6‬مطبوع مع حاشية ابن‬
‫عابدين ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1412‬هـ ‪1992‬م‪ ،‬تكملة حاشية رد المحتار‬
‫المسماة قرة عيون األخبار تكملة رد المحتار على الدر المختار‪ ،‬لمحمد عالء الدين ابن‬
‫عابدين ‪ 473/1‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪1415 ،‬هـ ‪1995‬م‪ ،‬لسان الحكام في معرفة‬
‫األحكام‪ ،‬البن الشحنة ص ‪ 219‬ط‪ .‬البابي الحلبي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1393‬هـ‬
‫‪1973‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬البحر الرائق ‪ ،291/6‬تكملة حاشية رد المحتار ‪ ،471/1‬روضة الطالبين ‪ ،96/8‬أسنى‬
‫المطالب ‪ ،283/4‬لسان الحكام في معرفة األحكام ص ‪ ، 219‬المسودة في أصول الفقه‪،‬‬
‫═‬

‫‪2711‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫المروزِ ي ‪--‬‬ ‫ُّ‬ ‫الفتوى بالكتابة‪ ،‬كما نقل عن القاضي أبي حامد‬
‫الر َقاع(‪)1‬؛ وذلك مخافة‬
‫الهروب من الفتوى في ِ‬
‫ِ‬ ‫(ت‪362‬هـ) أنه كان كثير‬
‫َ‬
‫الكذب والتدليس على المفتين بالزيادة في الكتاب بما ليس منه‪ ،‬ومخافة‬
‫اإلشكال أو اإليهام أو عدم اإليضاح في كتاب السائل‪ ،‬األمر الذي يتعذر معه‬
‫الفقهاء ‪--‬‬ ‫حال المستفتي‪ ،‬ومن أجل ذلك َضب َط‬ ‫اإلفتاء وفق مقتضى ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫المانعة من الوقوع في تلك‬ ‫ِ‬ ‫بالضوابط الشرعي ِة‬
‫ِ‬ ‫قديما الفتوى الكتابي َة‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫االستفتاء تأمال شافيا‪ ،‬كلم ًة بعد كلمة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫رقعة‬ ‫المحاذير‪ ،‬فنصوا على ِ‬
‫لزوم تأم ِل‬
‫ً‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫المستفتي‬ ‫مفهوم‪ ،‬سأل عنه‬ ‫ٍ‬ ‫كالما غير‬ ‫بحيث إذا رأى المفتي كلم ًة مشتب َِه ًة أو‬
‫ً‬
‫لحنا في السؤال يحيل المعنى‪ ،‬أصلحه؛ حتى يستقيم‬ ‫قبل الجواب‪ ،‬وإن رأى ً‬
‫جوابه(‪ ،)2‬وقد كان القاضي أبو الطيب الطبري ‪( --‬ت ‪450‬هـ) ‪-‬من‬
‫الرقاع التي كانت ترفع إليه(‪.)3‬‬
‫أكابر الشافعية‪ -‬يفعل ذلك في ِ‬

‫═‬
‫آلل تيمية ص ‪ 546 ،545‬ط‪ .‬دار الكتاب العربي‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،.‬تحقيق‪ :‬محمد محيى الدين‬
‫عبد الحميد‪ ،‬إعالم الموقعين عن رب العالمين‪ ،‬البن القيم ‪ 231/4‬ط‪ .‬مكتبة الكليات‬
‫األزهرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬سنة ‪1388‬هـ ‪1968‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬طه عبد الرؤف سعد‪ ،‬اإلنصاف في‬
‫معرفة الراجح من الخالف‪ ،‬للمرداوي ‪ 126/11‬ط‪ .‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪1419‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )1‬أدب المفتي البن الصالح ص ‪ ،135 ،134‬آدب الفتوى للنووي ص ‪.44‬‬
‫(‪ )2‬البحر الرائق ‪ ،291/6‬الفقيه والمتفقه ‪ ،387/2‬أدب المفتي البن الصالح ص‪ ،137‬آدب‬
‫الفتوى للنووي ص‪ ،47‬روضة الطالبين ‪ ،93/8‬أسنى المطالب ‪ ،282/4‬صفة الفتوى ص‬
‫‪ ،58‬كشاف القناع ‪ ،384/6‬العقد التليد ص ‪.200‬‬
‫(‪ )3‬الفقيه والمتفقه ‪.387/2‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2712‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫ِ‬
‫البياض في الكتاب‬ ‫بقلمه على مواض ِع‬ ‫ِ‬ ‫يخط‬
‫َّ‬ ‫كما اشترطوا عليه أن‬
‫الكذب‬ ‫ِ‬
‫بالخط‪ ،‬وأن َي ِص َل بين السطورِ وال يدع فرا ًغا؛ حتى ال يقع‬ ‫ويشغلها‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫كلمات لم يكتبها في الجواب(‪.)1‬‬ ‫عليه بإضافة‬
‫السائل شيئًا ال‬
‫ِ‬ ‫بكتاب‬
‫ِ‬ ‫وألزموا المفتي بالتوقف عن الجواب إذا كان‬
‫تفصيل من السائل‪ ،‬وعجز عن فهمه(‪ ،)2‬وألزموه‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫زيادة‬ ‫يفهمه‪ ،‬أو يحتاج إلى‬
‫لنجيب عنه" أو نحو ذلك‬‫َ‬ ‫الشرح‬
‫ِ‬ ‫يرد على كتابِه بقوله‪"ِ :‬ليزِ ْد المستفتي في‬
‫أن َّ‬
‫َ‬
‫شفاها"(‪ ،)3‬وذلك‬ ‫السائل لنخاطبه‬
‫ُ‬ ‫"ليحضر‬ ‫من العبارات‪ ،‬وإن شاء كتب له‪:‬‬
‫ً‬ ‫ُ ْ‬
‫ٍ‬
‫لمزيد من‬ ‫ٍ‬
‫مشافهة‬ ‫كما لو كانت الفتوى متعلق ًة بباب الطالق؛ فإنها تحتاج إلى‬
‫التثبت‪.‬‬
‫الفقهاء ‪ --‬في فتوى‬ ‫ُ‬ ‫الضوابط المنصوص َة اشترطَها‬
‫َ‬ ‫لكن هذه‬
‫المفتي وأهلي ُته؛ إذ إنهم ‪ -‬تعالى‪ -‬لم‬ ‫ِ‬ ‫شخص‬ ‫ِ‬
‫بالمكاتبة ُع ِلم فيها‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الكتابية‬ ‫جوابه في الفتوى‬ ‫ِ‬
‫المفتي‬ ‫تزييل‬
‫ِ‬ ‫التنصيص على ضرورة‬ ‫قديما‬ ‫ُي ْه ِم ُلوا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ٍ‬
‫فالن الفالني‪،‬‬ ‫المعروف به بين الناس‪ ،‬فيقول‪ :‬كتبه فال ٌن بن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اسمه‬ ‫بذكر‬
‫ُّ‬
‫الناس أن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫نفسه إلى ما ُي ْع َر ُف به من قبيلة أو صنعة أو صفة؛ حتى يتأكد ُ‬ ‫فينسب َ‬
‫خط‬‫التأكد من ِ‬
‫ِ‬ ‫الفتوى صادر ٌة منه ال من غيره(‪ ،)4‬كما ألزموا المستفتي ضرور َة‬

‫(‪ )1‬الفقيه والمتفقه ‪ ،387/2‬أدب المفتي البن الصالح ص ‪ ،145‬آداب الفتوى للنووي ص‬
‫‪ ،47‬أسنى المطالب ‪ ،282/4‬صفة الفتوى ص ‪ ،63 ،59‬كشاف القناع ‪ ،385/6‬العقد‬
‫التليد ص ‪.204 ،200‬‬
‫(‪ )2‬البحر الرائق ‪ ،291/6‬قواعد الفقه‪ ،‬محمد عميم اإلحسان البركتي ص ‪. 582‬‬
‫(‪ )3‬الفقيه والمتفقه ‪ ،395/2‬آداب الفتوى للنووي ص ‪.63‬‬
‫(‪ )4‬آداب الفتوى للنووي ص ‪ ،51،50‬روضة الطالبين ‪ ،99/8‬أسنى المطالب ‪،285/4‬‬
‫═‬

‫‪2713‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫شك‪ ،‬أو بإخبار ٍ‬


‫ثقة أن‬ ‫يعرف خ َّطه من غير ٍ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بكونه‬ ‫ِ‬
‫اعتماد فتواه‪ ،‬إما‬ ‫المفتي قبل‬
‫اعتماد فتواه؛ خوفا من الكذب عليه(‪ ،)1‬ومن‬ ‫ُ‬ ‫هذا هو خطُّه‪ ،‬وإال فال يجوز له‬
‫أقالمه وخطوطُه؛ خو ًفا من التزوير عليه؛‬ ‫ُ‬ ‫استحبوا للمفتي َّأال تختلف‬
‫ُّ‬ ‫ثم‬
‫َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫وتعم الفوضى ‪.‬‬ ‫ُفيختلط أمر الفتوى بذلك‬ ‫تشتبه الخطوط‬ ‫وحتى ال‬
‫ُّ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬
‫قديما‪ ،‬ومن أجل ذلك أَ ِم ُنوا من‬ ‫ً‬ ‫هذا كان حا ُلهم ‪-‬رضوان اهلل عليهم‪-‬‬
‫عموم الفوضى فيها؛ حتى قال‬ ‫ِ‬ ‫وح ِفظُوا من‬
‫التزوير في الفتوى قدر اإلمكان‪ُ ،‬‬
‫"قل ما‬
‫الصيمرِ ُّي‪( - -‬ت‪386‬هـ) ‪-‬من أئمة الشافعية‪َّ :-‬‬ ‫ُ‬ ‫أبو القاسم‬
‫و ِج َد التزوير على المفتي؛ وذلك أن اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬حرس أمر ِ‬
‫الدين"(‪.)3‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فباب‬ ‫وزيوعها‪،‬‬‫ِ‬ ‫أما في يومنا هذا‪ ،‬ومع انتشار هذه الوسائل اإللكترونية‬
‫ُ‬
‫ومفتوح على مصراعيه إن لم‬ ‫ٌ‬ ‫واسع‬
‫ٌ‬ ‫والفوضى في الفتوى اإللكترونية‬ ‫َ‬ ‫التزويرِ‬
‫المتخص ِصين ومن القائمين على أمر الفتوى‬ ‫ِ‬ ‫الجهود من العلماء‬
‫ُ‬ ‫تتضافر‬
‫ِ‬
‫وتوعيتهم‬ ‫تثقيف الناس‬‫ِ‬ ‫اإلعالم في‬ ‫سمية في البلدان‪ ،‬وإن لم يساعد‬ ‫الر ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫الحكومات‬ ‫تتدخل‬ ‫ِ‬
‫أص َلها العلماء المتخصصون‪ ،‬وإن لم‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫بضوابط الفتوى التي َّ‬
‫فالصفحات اإللكتروني ُة‬
‫ُ‬ ‫أس َاء األدب؛‬ ‫العقاب َ‬
‫َ‬ ‫بالتقنين والمعاقبة؛ فإن من ِأم َن‬
‫وتسفيه آرائهم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫أهل الفتوى الرسمية‬ ‫وتسفيه ِ‬
‫ُ‬ ‫وانتحال الشخصيات‪،‬‬‫ُ‬ ‫الوهمية‪،‬‬
‫َّ َّ‬ ‫َّ‬
‫ودب على أمر الفتوى في هذا العالم االفتراضي‪،‬‬
‫َّ‬ ‫هب‬
‫كل من َّ‬
‫وتطاول ِ‬
‫ُ‬
‫═‬
‫كشاف القناع ‪.385/6‬‬
‫(‪ )1‬روضة الطالبين ‪ ،92/8‬أسنى المطالب ‪ ،282/4‬كشاف القناع ‪.390/6‬‬
‫(‪ )2‬أدب المفتي البن الصالح ص ‪ ،138‬آدب الفتوى للنووي ص ‪ ،48‬العقد التليد ص‬
‫‪. 200‬‬
‫(‪ )3‬أدب المفتي البن الصالح ص ‪ ،139‬آداب الفتوى للنووي ص ‪.48‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2714‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫والتطر ِف باسم الدين‪ ،‬أمر أضحى ظاهرا للعيان‪،‬‬


‫ُّ‬ ‫واإلرهاب‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للعنف‬ ‫والدعوى‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫(الهوِ َّية في الفتاوى اإللكترونية)‬ ‫ِ‬
‫ولعل هذا ما دفعني إلى التركيز على مسألة ُ‬
‫َّ‬
‫بعض من الضوابط الشرعية في هذا األمر؛‬ ‫في هذه الدراسة‪ ،‬ومحاولة وضع ٍ‬
‫َّ‬
‫وتعتدل الموازين‪ ،‬واهلل ‪-‬تعالى‪ -‬من وراء القصد‪.‬‬
‫َ‬ ‫األمور‬
‫ُ‬ ‫عسى أن تنضبط‬

‫‪h‬‬

‫‪2715‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫املبحث الثاني‬
‫هوية املفيت بني اللوازم الشرعية وواقع العامل االفرتاضي‬
‫املطلب األول‬
‫املفيت وشروطه يف الفقه اإلسالمي‬
‫تصح منه‬ ‫ِ‬
‫المفتي ال‬ ‫اتفق الفقهاء واألصوليون ‪ --‬على أن‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫فالمفتي عندهم هو المجتهد(‪ ،)1‬قال ابن‬ ‫الفتوى حتى يكون من أهل االجتهاد‪،‬‬
‫الهمام ‪( --‬ت‪861‬هـ) في "شرح الهداية"‪" :‬ال يفتي إال المجتهد‪ ،‬وقد‬
‫استقر رأي األصوليين على أن المفتي هو المجتهد"(‪ ،)2‬وقال أبو الوليد ابن‬

‫(‪ )1‬لسان الحكام ص ‪ ،218‬البحر الرائق ‪ ، 289/6‬المنتقى شرح موطأ اإلمام مالك‪ ،‬ألبي‬
‫الوليد الباجي ‪ 183/5‬ط‪ .‬مطبعة السعادة‪ -‬مصر‪ -‬الطبعة األولى ‪1332‬هـ‪ ،‬أنوار البروق‬
‫في أنواء الفروق‪ ،‬القرافي ‪ 183/2‬وما بعدها ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ -‬بيروت‪ -‬سنة‬
‫‪1418‬هـ ‪ 1998‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬خليل المنصور‪ ،‬االجتهاد‪ ،‬إلمام الحرمين الجويني ص ‪،125‬‬
‫‪ 124‬ط‪ .‬دار القلم‪ -‬دمشق‪ -‬الطبعة األولى ‪1408‬هـ‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الحميد أبو زيد‪،‬‬
‫التبصرة في أصول الفقه‪ ،‬ألبي إسحاق الشيرازي ص ‪ 127‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪-‬‬
‫بيروت‪ -‬الطبعة الثانية ‪1424‬هـ ‪2003‬م‪ ،‬العدة في أصول الفقه‪ ،‬القاضي أبو يعلى‬
‫‪ 877/3‬د‪.‬ط‪ .‬الطبعة الثانية سنة ‪1410‬هـ ‪1990‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد بن علي المباركي‪،‬‬
‫شرح الكوكب المنير‪ ،‬البن النجار ‪ 557/4‬ط‪ .‬مكتبة العبيكان‪ -‬الطبعة الثانية ‪1418‬هـ‬
‫‪ 1997‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد الزحيلي‪ ،‬نزيه حماد‪ ،‬إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم‬
‫األصول‪ ،‬للشوكاني ‪ 247/2‬ط‪ .‬دار الكتاب العربي‪ -‬الطبعة األولى ‪1419‬هـ ‪1999‬م‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬أحمد عزو عناية‪.‬‬
‫(‪ )2‬شرح فتح القدير‪ ،‬لكمال الدين ابن الهمام ‪ 265/7‬ط‪ .‬دار الفكر‪ -‬بيروت‪ -‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2716‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫الفقهاء أن المفتي يجب أن يكون من‬


‫ُ‬ ‫الشحنة ‪( --‬ت ‪882‬هـ)‪" :‬أجمع‬
‫أهل االجتهاد"(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫بمخالفته‬ ‫الناس فهو عامي و ِ‬
‫مقل ٌد يعصى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المجتهد من‬ ‫وأما من عدا‬
‫ِ‬
‫مناطحتهم في ْأمرِ الفتوى؛ فقد جرت أدل ُة الشريعة‬ ‫فضال عن‬
‫ً‬ ‫العلماء‪،‬‬
‫ِ‬
‫العامة بالجهل والهوى‪،‬‬ ‫ِ‬
‫العلماء وتحريم فتوى‬ ‫اإلسالمية على إيجاب مراجعة‬
‫فردهم عند النزاع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َي ْس َت ْن ِبطُو َن ُه م ْن ُه ْم} (النساء‪َّ ،)83 :‬‬
‫فقال تعالى‪َ { :‬ل َعل َم ُه ا َّلذ َ‬
‫أهل االستنباط(‪ ،)2‬وهم أهل االجتهاد‪.‬‬ ‫إلى ِ‬
‫ٍ‬
‫ألحد من‬ ‫رخص‬ ‫ِ‬
‫العلم َّ‬ ‫أحدا من أهل‬
‫قال الشافعي‪" :- -‬ال أعلم ً‬
‫عالما‬ ‫العقول واآلداب في أن يفتى وال يحكم برأي نفسه‪ ،‬إذا لم يكن‬ ‫ِ‬ ‫أهل‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫والسنة واإلجما ِع والعقل"(‪.)3‬‬ ‫الكتاب‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القياس من‬ ‫أمور‬ ‫بالذي تدور عليه‬
‫ُ‬
‫وقال ‪ --‬أيضا‪" :-‬ليس للحاكم أن يقب َل‪ ،‬وال للوالي أن يدع‬
‫َ‬
‫عالما علم‬
‫ً‬ ‫أحدا إال متى يُ ْج َمع أن يكون‬ ‫أحدا‪ ،‬وال ينبغي للمفتي أن يفتي ً‬ ‫ً‬
‫َ‬
‫وعالما بسنن رسول‬ ‫ِ‬
‫وعامه‪ ،‬وأدبِه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وخاصه‬ ‫ِ‬
‫ومنسوخه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ناسخه‬ ‫الكتاب‪ ،‬وعلم‬
‫ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫العرب‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بلسان‬ ‫وعالما‬ ‫قديما وحدي ًثا‪،‬‬ ‫اهلل ‪ ،‬وأقاويل أهل العلم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يميز بين المشتبه‪ ،‬ويعقل القياس"(‪.)4‬‬
‫عاقال ِ‬
‫ً‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬لسان الحكام ص ‪.218‬‬


‫(‪ )2‬المستصفى من علم األصول‪ ،‬للغزالي ص ‪ 144‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪1413‬هـ ‪1993‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عبد السالم عبد الشافي‪.‬‬
‫(‪ )3‬األم‪ ،‬لإلمام الشافعي ‪ 315/7‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1403‬هـ ‪1983‬م‪.‬‬
‫(‪ )4‬األم ‪.317/7‬‬

‫‪2717‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫شروط المفتي أو المجتهد ‪-‬‬


‫َ‬ ‫اإلمام ‪--‬‬
‫ُ‬ ‫أوجز‬
‫َ‬ ‫ففي هذه العبارة‬
‫واحد عند الفقهاء كما ذكرنا‪ ،-‬وهذه الشروط مبسوط ٌة عند‬ ‫ٌ‬ ‫وكالهما‬
‫األصوليين في باب االجتهاد والتقليد من مصنفاتهم‪.‬‬
‫ِ‬
‫متمك ًنا من الفتوى بعد‬ ‫قال الغزالي ‪( --‬ت ‪505‬هـ)‪" :‬إنما يكون‬
‫والمدارك‬
‫ُ‬ ‫المدارك المثمر َة لألحكام‪ ،‬وأن يعرف كيفية االستثمار‪،‬‬
‫َ‬ ‫أن يعرف‬
‫َّ‬
‫والعقل‪،‬‬
‫ُ‬ ‫واإلجماع‬
‫ُ‬ ‫الكتاب والسن ُة‬
‫ُ‬ ‫المثمر ُة لألحكام كما فصلناها أربع ٌة‪:‬‬
‫متم َمان‪ ،‬وأربع ٌة في‬ ‫ِ‬
‫بأربعة علوم‪ :‬اثنان م َق َّدمان‪ ،‬واثنان ِ‬ ‫يتم‬
‫ُ‬ ‫وطريق االستثمار ُّ‬
‫ِ‬
‫اللغة والنحو وعلم اآللة‬ ‫الوسط‪ ،‬فهذه ثماني ٌة"(‪ ،)1‬يقصد بذلك ‪ --‬علم‬
‫َ‬
‫أو المنطق‪ ،‬وعلم الناسخ والمنسوخ من الكتاب والسنة‪ ،‬وعلم الرواية في‬
‫الحديث‪ ،‬وعلم أصول الفقه‪ ،‬وغيرها من العلوم الضرورية لتحصيل منصب‬
‫االجتهاد‪.‬‬

‫‪h‬‬
‫(‪ )1‬المستصفى ص ‪.342‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2718‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫املطلب الثاني‬
‫طبقات املفتني ومراتبهم عند الفقهاء‬
‫ِ‬
‫وقوة‬ ‫قسم الفقهاء ‪ --‬المفتين بحسب رتبتهم في االجتهاد‬
‫ٍ‬
‫طبقات‪ ،‬فذكروا أن المجتهد الذي يجوز‬ ‫تصرفهم في استنباط األحكام‪ ،‬إلى‬
‫له اإلفتاء دون غيره‪ ،‬يقع على نوعين‪:‬‬

‫النوع األول‪" :‬اجملتهدُ املطلقُ املستقِلُّ"‪:‬‬


‫المتمكن‬
‫ُ‬ ‫مجتهدا في األصول وفي الفروع‪ ،‬فهو‬
‫ً‬ ‫أما "المطلق"‪ :‬فلكونه‬
‫أس َسه من قواعد األصول(‪.)1‬‬
‫من استنباط األحكام من أدلتها على ضـوء ما َّ‬
‫وأما "المستقل"‪ :‬فلكونه استقل بإدراك األحكام الشرعية من أدلتها من‬
‫فقهي‬
‫ٍ‬ ‫مذهب‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫بتأسيس‬ ‫استقل‬
‫َّ‬ ‫تقي ٍد بمذهب(‪)2‬؛ فهو من‬ ‫ٍ‬
‫غير تقليد ألحد أو ُّ‬
‫لنفسه خارجة عن قواعد المذاهب المقررة األخرى‪،‬‬ ‫قواعد أصولية ِ‬
‫َ‬ ‫ووضع‬
‫وبنى عليها فروعه وفتاويه(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬شرح منظومة عقود رسم المفتي‪ ،‬البن عابدين ص‪ ، 11‬ضمن مجموع الرسائل للمؤلف‪،‬‬
‫ط‪ .‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،.‬إرشاد أهل الملة على إثبات األهلة‪ ،‬للشيخ‬
‫محمد بخيت المطيعي ص‪ ،248‬ط‪ .‬دار ابن حزم‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪1421‬هـ‪-‬‬
‫‪2000‬م‪ ،‬صفة الفتوى ص‪.15‬‬
‫(‪ )2‬أدب المفتي البن الصالح ص ‪ ،87‬صفة الفتوى البن حمدان ص ‪.16‬‬
‫(‪ )3‬الرد على من أخلد إلى األرض وجهل أن االجتهاد في كل عصر فرض‪ ،‬لجالل الدين‬
‫السيوطي ص ‪ ،93‬ط‪ .‬مؤسسة شباب الجامعة‪ ،‬اإلسكندرية‪1405 ،‬هـ ‪1985 -‬م تحقيق‪:‬‬
‫د‪ .‬فؤاد عبد المنعم أحمد‪.‬‬

‫‪2719‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫المستقل هو أعلى درجات المفتين‪ ،‬كاألئمة األربعة أصحاب‬


‫ُّ‬ ‫وهذا‬
‫الفقهاء ‪-‬‬
‫ُ‬ ‫نص‬ ‫المذاهب المتبوعة ‪-‬رضوان اهلل عليهم أجمعين‪ ،-‬وقد َّ‬
‫ِ‬
‫زمن ٍ‬
‫بعيد‪،‬‬ ‫ِ‬
‫االستقالل فى االجتهاد‪ ،‬قد انقطعت منذ ٍ‬ ‫‪ -‬على أن رتبة‬
‫ٍ‬
‫خاصة تباين‬ ‫ٍ‬
‫بأصول‬ ‫استقالل‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫جديد له‬ ‫مذهب‬
‫ٍ‬ ‫إحداث‬
‫ُ‬ ‫يجوز اليوم‬
‫ُ‬ ‫بحيث ال‬
‫هذه األصول التي وضعها هؤالء األئمة ‪.)1(--‬‬
‫بساط‬
‫ُ‬ ‫طويل طُوِ َي‬
‫ٍ‬ ‫قال ابن الصالح ‪( --‬ت ‪643‬هـ)‪" :‬منذ دهرٍ‬
‫ِ‬
‫المستق ِل‪ ،‬وأفضى أمر الفتوى إلى الفقهاء‬ ‫ِ‬
‫والمجتهد‬ ‫المفتي المستقل المطلق‪،‬‬
‫ُ‬
‫المنتسبين إلى ِ‬
‫أئمة المذاهب المتبوعة"(‪.)2‬‬
‫ِ‬
‫األئمة اآلن الذين حازوا‬ ‫"أتباع‬ ‫وقال ابن المنير ‪( --‬ت‪699‬هـ)‪:‬‬
‫ُ‬
‫يحدثُوا مذهبا‪ ،‬أما كونهم مجتهدين‪:‬‬ ‫شروط االجتهاد‪ ،‬مجتهدون ملتزمون َّأال ِ‬ ‫َ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫فألن األوصاف قائم ٌة بهم‪ ،‬وأما كونهم ملتزمين َّأال يحدثوا مذهبا؛ فألن‬
‫وقواعد مباينـ ٌة لسائر قواعد‬
‫ُ‬ ‫أصول‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫لفروعه‬ ‫مذهب ٍ‬
‫زائد بحيث يكون‬ ‫ٍ‬ ‫إحداث‬
‫َ‬
‫(‪)3‬‬
‫الستيعاب المتقدمين سائر األساليب" ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الوجود؛‬ ‫عذ ُر‬
‫المتقدمين‪ُ ،‬م َت َّ‬
‫َ‬
‫النوع الثاني‪" :‬اجملتهد املنتسب" (غري املستقل)‪:‬‬
‫ِ‬
‫األربعة‬ ‫المذاهب‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أئمة‬ ‫ٍ‬
‫واحد من‬ ‫المنتسب إلى‬ ‫والمقصود به‪ :‬المفتي‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬أدب المفتي البن الصالح ص ‪ ،91‬الرد على من أخلد إلى األرض ص‪ ،93‬اإلنصاف‬
‫للدهلوي ص‪ ، 45‬المدخل إلى مذهب اإلمام أحمد بن حنبل‪ ،‬البن بدران ص ‪ ،195‬ط‪.‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪1996‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬أدب المفتي البن الصالح ص ‪.91‬‬
‫(‪ )3‬الرد على من أخلد إلى األرض ص‪.94،93‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2720‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫باق إلى ِ‬
‫قيام الساعة؛ ألن فرض‬ ‫ِ‬
‫المفتين ٍ‬ ‫النوع من‬ ‫ِ‬
‫المتبوعة ‪ ،--‬وهذا‬
‫ُ‬
‫خلو‬
‫خالف بينهم في جواز ِ‬ ‫ٌ‬ ‫الكفاية يتأتى بهم ‪-‬كما ذكروا‪ ،)1(-‬وإن كان ثمت‬
‫كل‬ ‫ٍ‬
‫بحجة في ِ‬ ‫األرض لن تخلو من ٍ‬
‫قائم هلل‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫مجتهد‪ ،‬واألولى أن‬ ‫العصرِ عن‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫وزمان‪ ،‬باستثناء آخر الزمان عند وقوع أشراط الساعة الكبرى(‪.)2‬‬ ‫دهرٍ‬
‫المنتسب يقع على مراتب‪:‬‬
‫ُ‬ ‫وهذا‬
‫ب"‪:‬‬ ‫ِ‬
‫مطلق منتس ٌ‬
‫ٌ‬ ‫"مجتهد‬
‫ٌ‬ ‫المرتبة األولى‪:‬‬
‫الم ْك َنـ َة في االجتهاد في األصول‬
‫مطلق فى اجتهاده؛ لكونه حاز ُ‬ ‫ٌ‬ ‫فهو‬
‫المست ِقل‪ ،‬إال‬
‫َ‬ ‫معا‪ ،‬واستجمع من شروط االجتهاد ما اجتمع في‬ ‫وفي الفروع ً‬
‫الكلي ِة في االجتهاد‬
‫طريقته ِ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ألحد من األئمة األربعة؛ لجريِه على‬ ‫منتسب‬ ‫أنه‬
‫َّ‬ ‫ٌ‬
‫احبين ‪-‬أبي يوسف ومحمد‪ -‬مع أبى حنيفة‪ ،‬وابن‬ ‫واستعمال األدلـة‪ ،‬كالص ِ‬
‫ِ‬
‫َّ َ ْ‬
‫القاسم مع مالك‪ ،‬والمزني مع الشافعى‪ ،‬وأضرابهم (‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬اإلنصاف للدهلوي ص‪.45‬‬


‫(‪ )2‬ينظر في المسألة‪ :‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬لآلمدي ‪ 233/4‬وما بعدها ط‪ .‬المكتب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،.‬تحقيق‪ :‬عبد الرزاق عفيفي‪ ،‬البحر المحيط في أصول الفقه‪،‬‬
‫للزركشي ‪ 240/8‬ط‪ .‬دار الكتبي‪ ،‬الطبعة األولى ‪1414‬هـ ‪1994‬م‪ ،‬رسالة إرشاد‬
‫المهتدين إلى نصرة المجتهدين‪ ،‬للسيوطي ص‪ 2‬وما بعدها‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،.‬تقرير االستناد في‬
‫تفسير االجتهاد‪ ،‬للسيوطي ص ‪ 33‬وما بعدها‪ ،‬ط‪ .‬دار الدعوة‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪1403‬هـ‪ ،‬تحقيق‪ :‬فؤاد عبد المنعم‪ ،‬شرح الكوكب المنير ‪.564/4‬‬
‫(‪ )3‬رسم المفتي ص‪ ،11‬النافع الكبير شرح الجامع الصغير‪ ،‬للشيخ اللكنوي ص‪ 8‬وما‬
‫بعدها‪ ،‬ط‪ .‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪1406‬هـ ‪1986‬م‪ ،‬إرشاد أهل الملة‬
‫ص‪ 249‬وما بعدها‪ ،‬اإلنصاف للدهلوي ص‪ ،47‬أدب المفتي البن الصالح ص ‪ 91‬وما‬
‫═‬

‫‪2721‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫معا‪،‬‬‫الرتب ُة تعني تمكن صاحبها من االجتهاد في األصول والفروع ً‬ ‫وهذه ُّ‬


‫ِ‬
‫مراعاة‬ ‫ِ‬
‫األزمان‪ ،‬لكن مع‬ ‫زمن من‬
‫أي ٍ‬ ‫من اهلل عليه بها في ِ‬
‫تتأتى لمن َّ‬ ‫وقد َّ‬
‫وإال‬
‫مذهب جديد‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫تأسيس‬ ‫دون ِاد ِ‬
‫عاء‬ ‫المذاهب األربعة َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫لواحد من‬ ‫االنتساب‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫األزمنة المختلفة‪،‬‬ ‫خلق كثيرون بعد األئمة األربعة في‬ ‫ِ‬
‫الرتبة ٌ‬ ‫َف َقد َح ِظي بهذه‬
‫َ‬
‫وخال ُفوا باجتهاداتهم أئمة مذاهبهم في كثيرٍ من أصول المذهب وقواعده‪،‬‬
‫اختياراتهم الخارج ُة عن‬
‫ُ‬ ‫ومن ثم خالفوا المذهب في كثيرٍ من الفرو ِع‪ ،‬وكثُرت‬
‫المذهب ‪-‬وهذا أمر طبعي لكونهم مجتهدين يحر ُم عليهم التقليد‪ -‬لكنهم ب َق ْوا‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫وتراج ُمهم‬ ‫واختياراتهم‬
‫ُ‬ ‫وض َّمت أقوالُهم‬
‫المذاهب األربعة‪ُ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ألحد‬ ‫منتسبين‬
‫ُ‬
‫أحدهم أنه َّادعى‬ ‫وأحوالهم إلى كتب المذهب ومصنفاته‪ ،‬ولم نسمع عن ِ‬
‫يؤس َس‬ ‫الدعوى أن ِ‬ ‫ٍ‬
‫فيلزم من َّادعى هذه َّ ْ‬
‫ُ‬ ‫وإال‬
‫جديد‪َّ ،‬‬ ‫فقهي‬
‫ٍ‬ ‫مذهب‬
‫ٍ‬ ‫تأسيس‬
‫َ‬
‫أس َسه األئم ُة األربعة‬ ‫ِ‬
‫قواعد أصولي ًة وطر ًقا لالستدالل مباين ًة في جملتها لما َّ‬
‫َ‬
‫رضوان اهلل عليهم‪.‬‬
‫سبيال؛ ألن األئمة األربعة‬ ‫ً‬ ‫يستطيع إلى ذلك‬
‫َ‬ ‫أحدا لن‬‫ً‬ ‫أن‬‫والحق َّ‬
‫ٍ‬
‫بكثرة في‬ ‫اليوم‪ ،‬وقرأنا‬ ‫ِ‬
‫لألسف شاهدنا‬ ‫كل طرق االستدالل‪ ،‬ولكن‬ ‫استوعبوا َّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫واألخذ المباشرِ‬ ‫عالم اإلنترنت من ي ْدعون إلى ِ‬
‫نقض هذه المذاهب األربعة‪،‬‬ ‫َ ُ‬
‫مذهبية التي تساوي ‪-‬عندنا‪ -‬ال َف ْو َضوِ َّية‪ ،‬حتى‬‫الال ْ‬‫والس َّنة‪ ،‬ونشرِ َّ‬
‫الكتاب ُّ‬ ‫ِ‬ ‫من‬
‫دين ِ‬
‫اهلل‬ ‫وعمت بدعوتهم ال َف ْو َضى‪ ،‬وتجرأَ على ِ‬ ‫اب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫الش َب َ‬
‫بكالمهِ م َّ‬ ‫استهو ْوا‬
‫َ‬
‫مسلك من مسالك الفوضى التي راجت في عالم‬ ‫ٌ‬ ‫والدهماء‪ ،‬وهذا‬ ‫َّ‬ ‫العام ُة‬
‫اإلنترنت‪.‬‬

‫═‬
‫بعدها‪ ،‬صفة الفتوى البن حمدان ص‪ ،17‬المدخل البن بدران ص‪.196‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2722‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫"مجتهد التخريج"‪:‬‬
‫ُ‬ ‫المرتبة الثانية‪:‬‬
‫ممن سبقه‪،‬‬‫مقي ٌد في المذهب‪ ،‬وهو أدنى رتب ًة َّ‬ ‫وم ْن دونه مجتهد‬
‫وهو َ‬
‫ٌ َّ‬
‫ِ‬
‫بأصول إمامه وقواعده(‪)1‬؛ إذ ال يستطيع مخالفتها وال‬ ‫لتقي ِده‬ ‫ِ‬
‫وسمي ُم َق َّي ًدا؛ ُّ‬
‫يع‬
‫االجتهاد فيها‪ ،‬لكنه مع ذلك وصل في المذهب مرتب ًة من االجتهاد يستط ُ‬ ‫َ‬
‫بها أن يجتهد في الفروع الفقهية بتخريج أحكام النوازل المسائل التي ال رواي َة‬
‫نصوص‬ ‫ِ‬ ‫يخرجها على إحدى‬ ‫ِ‬
‫وقواعده‪ ،‬أو ِ‬ ‫أصول ِ‬
‫إمامه‬ ‫ِ‬ ‫فيها عن ِ‬
‫إمامه على‬
‫أصول ِ‬
‫إمامه‬ ‫َ‬ ‫مسألة مشابهة‪ ،‬وال يقدر على ذلك قطعا إال من ِ‬
‫حف َظ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫إمامه في‬
‫ً‬ ‫َ ُ‬
‫كل مذهب‪ ،‬ومن بلغ مبلغهم‬ ‫أصحاب الوجوه في ِ‬
‫ِ‬ ‫وعه‪ ،‬وهذه صف ُة‬
‫وح َوى فر َ‬‫َ‬
‫وعدوا في مرتبتهم‪ ،‬وهؤالء وإن لم يبلغوا رتب َة‬ ‫الزمن ُ‬ ‫ممن تأخروا في َّ‬
‫ِ‬
‫بمقلدين قطعا‪ ،‬بل إنهم‬ ‫االجتهاد المطلق ‪-‬كالطبقة التي تعلوهم‪َّ -‬إال ليسوا‬
‫عال فى الحفظ‬ ‫تامة بالفروع‪ ،‬ولهم قدم ٍ‬ ‫وخبرة ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫واستدالل‪،‬‬ ‫أصحاب نظرٍ‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫للمذهب واإلحاطة بجميع فروع إمامهم المنصوصة ‪.‬‬
‫"مجتهد الترجيح"‪:‬‬
‫ُ‬ ‫المرتبة الثالثة‪:‬‬
‫مجتهد مقي ٌد فى المذهب ‪-‬أيضا‪ ،-‬لم يبلغ في التخريج واالستنباط‬ ‫وهو‬
‫ٌ َّ‬
‫مبلغ الطبقات التي تعلوه؛ إما لكونه لم يبلغ في حفظ المذهب مبلغهم‪ ،‬وإما‬
‫بعض من‬‫مقصرا في ٍ‬‫لكونه لم ير َت ْض في التخريج كارتياضهم‪ ،‬أو لكونه ِ‬
‫َْ‬

‫(‪ )1‬أدب المفتي البن الصالح ص ‪.94‬‬


‫(‪ )2‬رسم المفتي ص‪ ،12‬النافع الكبير ص‪ ،9،8‬إرشاد أهل الملة ص‪ ،248‬أدب المفتي البن‬
‫البن الصالح ص‪ 95‬وما بعدها‪ ،‬الرد على من أخلد إلى األرض ص‪ ،96‬صفة الفتوى‬
‫البن حمدان ص‪ ،18 ،19‬المدخل البن بدران ص‪.196‬‬

‫‪2723‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫لمذهب‬
‫ِ‬ ‫حافظ‬
‫ٌ‬ ‫الن ْفس‪،‬‬
‫فقيه َّ‬
‫شروط التخريج التى نصوا عليها‪ ،‬لكنه مع ذلك ُ‬
‫قادر على الترجيح بين‬ ‫ٌ‬ ‫عارف بأد َّل ِته‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ضابط لمآخذه‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫محيط بأصوله‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫إمامه‪،‬‬
‫جة عن أئمة المذهب‪ ،‬وبيان صحيحها‬ ‫واألوجه المخر ِ‬
‫ِ‬ ‫األقوال المنقولة‪،‬‬
‫َّ‬
‫وضعيفها‪ ،‬فهذا يقتصر عمله على الترجيح فقط‪ ،‬وال يرقى إلى رتبة التخريج‬
‫مبنيا على األقيسة الجلي ِة المقطو ِع فيها‬ ‫واإللحاق‪ ،‬إال ما كان من اإللحاقات ًّ‬
‫َّ‬
‫بنفي الفارق(‪.)1‬‬
‫بالن ْقل"‪:‬‬
‫المرتبة الرابعة‪" :‬مجتهد ال ُف ْت َيا َّ‬
‫ِ‬
‫واضحات‬ ‫المذهب قام بحفظ مذهبه‪ ،‬و َن َقله بعد ما َفهِ م‬ ‫ِ‬ ‫مجتهد فى‬
‫ٌ‬ ‫وهو‬
‫ومشكالتها‪ ،‬مع قدرته على التمييز بين األقوى من الروايات واألقوال‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مسائله‬
‫ضعيف يى تقرير أدلة المذهب‪ ،‬وتحريرِ‬
‫ٌ‬ ‫وبين األضعف منها‪ ،‬لكنه مع ذلك‬
‫االعتماد على َن ْق ِله وفتواه بالمنقول‪ ،‬مما يحكيه من‬
‫َ‬ ‫أقيسته‪ ،‬فهذا أجازوا‬
‫أبدا إلى مرتبة ترجيح ٍ‬
‫قول‬ ‫ِ‬
‫ومنصوصات إمامه‪ ،‬وال يعلو ً‬ ‫ِ‬
‫مسطورات مذه ِبه‪،‬‬
‫حكم فيما ليس بمنصوص وال‬ ‫ٍ‬ ‫تخريج‬
‫ِ‬ ‫على آخر‪ ،‬وباألحرى ال يرقى إلى‬
‫ِ‬
‫طول‬ ‫منقول‪َّ ،‬إال إذا وجد في المنقول ما هـو في معناه‪ ،‬بحيث ُي ْدرِ ُك من غير‬
‫تأم ٍل وفكر أنه ال فارق بينهما‪ ،‬فيجوز له في مثل هذه الحالة اإللحاق‬
‫ُّ‬
‫(‪)2‬‬
‫والتخريج ‪.‬‬

‫(‪ )1‬رسم المفتي ص‪ ،12‬النافع الكبير ص‪ ،9‬أدب المفتي البن الصالح ص ‪ ،98‬الرد على‬
‫من أخلد إلى األرض ص‪ ،97‬صفة الفتوى البن حمدان ص‪ ،22‬المدخل البن بدران‬
‫ص‪.196‬‬
‫(‪ )2‬رسم المفتي ص‪ ،12‬النافع الكبير ص‪ ،9‬أدب المفتي البن الصالح ص ‪ ،99،98‬الرد‬
‫على من أخلد إلى األرض ص‪ ،97‬صفة الفتوى البن حمدان ص‪ ،23‬المدخل البن‬
‫═‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2724‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫ترط فيها عند الفقهاء‬ ‫ِ‬


‫األئمة ُي ْش ُ‬ ‫مذاهب‬
‫ِ‬ ‫النقل عن‬
‫ِ‬ ‫فالفتوى إذن بمجرد‬
‫َّ‬ ‫ْ‬
‫االجتهاد في المذهب‪ ،‬وذلك بحفظ فروعه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫درجة من درجات‬ ‫بلو ُغ‬
‫ِ‬
‫واإلحاطة بأصوله ‪ ،‬ومعرفة األصل والدليل الذي بنيت عليها المسألة المنقولة‬
‫بالفتوى‪ ،‬وفي ذلك روي عن اإلمام أبي حنيفة‪ - -‬وأصحابِه‪ -‬أنهم‬
‫ٍ‬
‫ألحد أن ُي ْفتي بقولنا‪ ،‬ما لم َي ْع َلم من أَ ْي َن ُق ْل َنا"(‪ ،)1‬وقال‬ ‫يحل‬
‫كانوا يقولون‪" :‬ال ُّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫أقل مراتبِه في‬ ‫ِ‬
‫األزمان ُّ‬ ‫المازرِ ُّي‪( - -‬ت ‪536‬هـ)‪" :‬الذي يفتي في هذه‬ ‫َ‬
‫روايات المذهب‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫االط َالع على‬ ‫ِ‬ ‫استب َحر في‬ ‫المذاهب أن يكون قد‬
‫ِ‬ ‫نقل‬
‫ِ‬
‫َْ َ‬
‫مسائل‬
‫َ‬ ‫وتأويل الشيو ِخ لها‪ ،‬وتوجيهِ هِ م لما وقع من االختالف فيها‪ ،‬وتشبيهِ هِ م‬
‫ِ‬
‫وتفريقهِ م بين مسائل يقع في النفس‬‫ِ‬ ‫تباعدها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫يسبق إلى الذهن‬‫ُ‬ ‫بمسائل‬
‫َ‬
‫تفاوتها‪ ،‬إلى غير ذلك"(‪.)2‬‬

‫شروط أدني ِص ْن ٍف من أصناف المفتين‪ ،‬فما ُ‬


‫بال‬ ‫ُ‬ ‫فإذا كانت هذه هي‬
‫كل من حفظ‬ ‫ت‪ ،‬وليس ُّ‬ ‫ين م ْف ٍ‬ ‫ِ‬
‫كل من تك َّلم في الد ِ ُ‬
‫هؤالء المجترئين؟!‪ ..‬فليس ُّ‬
‫كتابا أو كتابين يص ُلح لإلفتاء‪ ،‬فأدنى‬ ‫ِ‬
‫جمل ًة من األحاديث‪ ،‬أو قرأ في الفقه ً‬
‫وفروعا‪ ،‬وق َّلما ُو ِج ُد ذلك في‬
‫ً‬ ‫أصوال‬
‫ً‬ ‫المذهب‬
‫ِ‬ ‫حفظ‬
‫ُ‬ ‫الشروط ‪ -‬كما ذكروا‪-‬‬

‫═‬
‫بدران ص‪.197‬‬
‫(‪ )1‬التقرير والتحبير على تحرير الكمال ابن الهمام‪ ،‬البن أمير حاج ‪ 346/3‬ط‪ .‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1403‬هـ ‪1983‬م‪ ،‬لسان الحكام في معرفة األحكام ص‬
‫‪.218‬‬
‫(‪ )2‬تبصرة الحكام في أصول األقضية ومناهج األحكام‪ ،‬البن فرحون ‪ 76/1‬ط‪ .‬مكتبة‬
‫الكليات األزهرية‪ ،‬الطبعة األولى ‪1406‬هـ ‪1986‬م‪ ،‬مواهب الجليل في شرح مختصر‬
‫خليل‪ ،‬الحطاب ‪ 33،32/1‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1412‬هـ ‪1992‬م‪.‬‬

‫‪2725‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫اليوم في عالم اإلنترنت‪.‬‬ ‫ِ‬


‫المتصدرين لإلفتاء‬ ‫كثيرٍ من‬
‫َ‬
‫قال القرافي ‪( - -‬ت ‪684‬هـ) في الفرق الثامن والسبعين من‬
‫ٍ‬
‫حاالت‪:‬‬ ‫ثالث‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫العلم‬ ‫"فروقه"‪ :‬لطالب‬
‫ومطلقات‬
‫ٌ‬ ‫في غيره‪،‬‬ ‫مخص َص ٌة‬
‫َّ‬ ‫عمومات‬
‫ٌ‬ ‫كتابا فيه‬
‫األولى‪ :‬أن يحفظ ً‬
‫ٍ‬
‫مسألة يقطع أنها‬ ‫في‬ ‫مقيد ٌة في غيره‪ ،‬فهذا يحرم عليه أن يفتي بما فيه َّإال‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫مستوفي ُة القيود‪ ،‬وتكون هي الواقعة بعينها‪.‬‬
‫اطالعه بحيث ي َّط ِل ُع على تقييد المطلقات‪ ،‬وتخصيص‬
‫ُ‬ ‫الثانية‪ :‬أن يتسع‬
‫العمومات‪ ،‬لكنه لم يضبط مدارك إمامه ومستنداته‪ ،‬فهذا يفتي بما يحفظه‬
‫وينقله‪ ،‬وال ُي َخ ِرج مسأل ًة ليست منصوصة على ما يشبهها‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬أن يحيط بذلك وبمدارك إمامه ومستنداتها‪ ،‬وهذا يفتي بما‬
‫وي َخ ِرج ويقيس بشروط القياس ما ال يحفظه"(‪.)1‬‬
‫يحفظه‪ُ ،‬‬

‫‪h‬‬
‫(‪ )1‬الفروق ‪ 183/2‬وما بعدها بتصرف‪.‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2726‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫املطلب الثالث‬
‫حكم اإلفتاء من املقلِّدين والعوا ّم ونقلِهِم لفتاوي اجملتهدين‬
‫ِ‬
‫وطبقاتهم في الفتوى‪ ،‬فليس بعدهم من‬ ‫ِ‬
‫المفتين‬ ‫تب‬
‫بعد أن ذكرنا ُر َ‬
‫ٍ‬
‫بحال من األحوال‪،‬‬ ‫تحل لهم الفتوى‬ ‫ِ‬
‫المقل ُدون والعوام‪ ،‬وهؤالء ال ُّ‬ ‫الناس إال‬
‫حق لهم فيه‪ ،‬قال ابن الصالح ‪--‬‬
‫لتجرئهم على ما ال َّ‬
‫ُّ‬ ‫وإن أَ ْف َت ْوا ِأث ُموا؛‬
‫أصناف المفتين وشروطُهم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫بعد انتهائه من ذكر طبقات المفتين السابقة‪" :‬هذه‬
‫وهي خمس ٌة ‪-‬يعني خمس ُة أصناف‪ ،-‬وما ِم ْن ِص ْن ٍف منها َّإال ويشترط فيه‬
‫الن ْف ِس‪ ،‬وذلك فيما عدا الصنف األخير الذي هو ُ‬
‫بعض‬ ‫وفقه َّ‬
‫ُ‬ ‫حفظ المذهب‪،‬‬
‫ُ‬
‫وتصدى لها‪ ،‬وليس‬ ‫َّ‬ ‫ما يشترط في هذا القبيل‪ ،‬فمن انتصب في منصب ال ُف ْتيا‬
‫واحد من هذه األصناف الخمسة‪ ،‬فقد باء بأمرٍ عظيم‪ ﴿ ،‬أَ َال َيظُن‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫صفة‬ ‫على‬
‫الت َص ِدي لل ُف ْتيا ظَانًّا كو َنه من‬ ‫ون﴾ (المطففين‪ ،)4:‬ومن أراد َّ‬ ‫أُو َل ِئ َك أَ َّن ُهم َّم ْب ُعوثُ َ‬
‫َ‬
‫وليت ِق اهلل ربه ‪-‬تبارك اهلل وتعالى‪ ،-‬وال ُي ْخ َد َع َّن عن‬ ‫نفسه‪َّ ،‬‬‫فليتهِ م َ‬ ‫أهلها‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫بالوثيقة لنفسه والنظرِ لها"(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫األخذ‬
‫ٍ‬
‫صفة‬ ‫وقال ابن حمدان ‪( --‬ت ‪695‬هـ)‪" :‬فمن أفتى وليس على‬
‫عاص آثم؛ ألنه ال يعرف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ضرورة‪ ،‬فهو‬ ‫من الصفات المذكورة من غير‬
‫ٌ‬
‫الصواب وضده‪ ،‬فهو كاألعمى الذي ال ِ‬
‫يقل ُد البصير فيما ُي ْع َتبر له البصر؛ ألنه‬
‫َُ‬ ‫َ‬
‫الصواب وضده"(‪.)2‬‬
‫َ‬ ‫بفقد البصر ال يعرف‬

‫(‪ )1‬أدب المفتي ص ‪.101‬‬


‫(‪ )2‬صفة الفتوى ص ‪.24‬‬

‫‪2727‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫املطلب الرابع‬
‫اإلفتاء من خالل أمناء الفتوى الذين مل يبلغوا درجة االجتهاد‬
‫المقل ُد الذي لم ِ‬
‫يص ْل إلى‬ ‫ِ‬ ‫بعد ما تقرر سابقا من أنه ال يجوز أن ِ‬
‫ينق َل‬
‫َّ‬
‫نصا‬ ‫ٍ‬
‫ينقل عن إمام مذهبه ًّ‬
‫السابقة‪ ،‬ال يجوز له أن َ‬ ‫أدنى رتبة من ر َت ِب االجتهاد َّ‬
‫ِ‬
‫واألصول‪ ،‬لكنها‬ ‫للناقل هذا مذاكر ٌة واسع ٌة في الفقه‬
‫ِ‬ ‫يفتي به للناس‪ ،‬وإن كان‬
‫السؤال‬ ‫أص ْلناه‪ ،‬فقد يرِ د‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫لم تص ْل إلى درجة حفظ المذهب على النحو الذي َّ‬
‫العمل في دور اإلفتاء ومؤسسات الفتوى‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ عن مشروعية ما جرى عليه‬
‫ٍ‬
‫واحد‬ ‫الرسمية من تعيين أمناء للفتوى قد ال يبلغون ‪-‬في الغالب‪ -‬مبلغ أدنى‬
‫من هؤالء المجتهدين في المذاهب األربعة‪ ،‬فكيف يتأتى لهم اإلفتاء ونقل‬
‫الفتوى للمستفتين من غير أن يتضلعوا بكامل الصفات والشروط التي‬
‫ذكرت؟!‪.‬‬
‫أبدا على رأي من قصر من الفقهاء جواز‬
‫ال شك أن األمر ال يستقيم ً‬
‫مجتهدا مطلقا‪ ،‬أو مقي ًدا في‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫المجتهد خاصة ‪-‬سواء كان‬ ‫اإلفتاء على‬
‫َّ‬
‫جريا منهم على ما كان األزمنة األولى وما جرى عليه‬
‫ً‬ ‫المذهب‪-‬؛ وذلك‬
‫منصوص لبعض‬
‫ٌ‬ ‫العمل فيها من منع غير المجتهدين من اإلفتاء‪ ،‬وهو قول‬‫ُ‬
‫مذهب من أجاز إفتاء‬
‫ِ‬ ‫العمل على‬
‫ُ‬ ‫األصوليين والفقهاء(‪ ،)1‬وكذا ال يستقيم هذا‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬أدب المفتي البن الصالح ص ‪ ،102‬اإلبهاج في شرح المنهاج‪ ،‬تقي الدين‬
‫السبكي وولده تاج الدين ‪ 268/3‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬سنة ‪1995‬م‪ ،‬البحر‬
‫المحيط ‪ ،337/8‬التحبير شرح التحرير‪ ،‬لعالء الدين المرداوي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عبد الرحمن‬
‫الجبرين‪ ،‬د‪ .‬عوض القرني‪ ،‬د‪ .‬أحمد السراح ‪ 4070/8‬وما بعدها‪ ،‬ط‪ .‬مكتبة الرشد‪،‬‬
‫الرياض‪ ،‬الطبعة األولى ‪1421‬هـ ‪2000‬م ‪ ،‬شرح جالل الدين المحلي على جمع‬
‫═‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2728‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫قول آخر‬
‫ٌ‬ ‫المقلد عند انعدام المجتهد خاصة؛ للحاجة والضرورة‪ ،‬وهو‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬
‫منصوص في المسألة(‪ )1‬ال يسعفنا في هذا المقام‪.‬‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫اإلفتاء‬ ‫جواز‬ ‫جمع من العلماء‪،‬‬ ‫نص عليه‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫تبعا لما َّ‬
‫لكن المختار عندي ً‬
‫ٍ‬
‫حاك‬ ‫قادرا على االجتهاد والترجيح؛ على اعتبار أنه‬ ‫للمقلد وإن لم يكن‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫ونس ِبتها إلى اإلمام‬ ‫ِ‬
‫مؤتمن على َن ْقلها ْ‬
‫ٌ‬ ‫أمين َف ْتوى‪ ،‬أي‪:‬‬
‫ُ‬ ‫للفتوى ال ُم ْف ٍت‪ ،‬فهو‬
‫رواة األحاديث‪ ،‬من غير أن ُي َس َّمى‬ ‫ِ‬
‫المنقولة عنه‪ ،‬شأنه في ذلك شأن ِ‬ ‫المجتهِ د‬
‫يصرح‬
‫ناقل لما يفتي به عن إمامه وإن لم ِ‬
‫صنيعه هذا فتوى‪ ،‬ألنه في األصل ٌ‬
‫ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫بنقله عنه ‪.‬‬
‫ِ‬
‫مجتهد‪،‬‬ ‫أقوال ال‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫المجتهد ممن يحفظ‬ ‫قال ابن الهمام ‪" :--‬غير‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫والواجب عليه إذا ُس ِئ َل أن يذكر َ‬
‫قول المجتهد كأبي حنيفة على‬ ‫ت‪،‬‬‫فليس بم ْف ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أن ما يكون في زماننا من فتوى الموجودين ليس بفتوى‪،‬‬ ‫فعرِ َف َّ‬ ‫ِ‬
‫جهة الحكاية‪ُ ،‬‬

‫═‬
‫الجوامع‪ ،‬مطبوع مع حاشية العطار على شرح المحلي ‪ 437/2‬وما بعدها‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،.‬إرشاد الفحول ‪ ،247/2‬منار أصول الفتوى وقواعد اإلفتاء‬
‫باألقوى‪ ،‬للشيخ إبراهيم اللقاني‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عبد اهلل الهاللي ص ‪ ،341‬ط‪ .‬وزارة‬
‫األوقاف والشئون اإلسالمية بالمغرب‪ ،‬سنة ‪1423‬هـ‪2002 ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )1‬ينظر المراجع السابقة‪.‬‬
‫(‪ )2‬شرح فتح القدير البن الهمام ‪ ،256/7‬البحر الرائق ‪ ،289/6‬قواعد الفقه للبركتي ص‬
‫‪ ،566،565‬المنتقى شرح الموطأ‪ ،‬للباجي ‪ ،183/5‬آداب الفتوى للنووي ص ‪،41 ،32‬‬
‫الفتاوى الفقهية الكبرى‪ ،‬البن حجر الهيتمي ‪ 296/4‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،.‬صفة‬
‫الفتوى ص ‪ ،25‬منار أصول الفتوى للشيخ إبراهيم اللقاني ص ‪.341‬‬

‫‪2729‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫نقل ِ‬
‫كالم المفتي؛ ليأخذ به المستفتي"(‪.)1‬‬ ‫بل هو ُ‬
‫ِ‬
‫حكايته القول‬ ‫المحلي ‪( --‬ت ‪864‬هـ) عقب‬ ‫ِ‬ ‫وقال الجالل‬
‫ناقال‬ ‫ِ‬
‫المقلد وإن لم يكن قادرا على التفريع واالجتهاد؛ باعتباره ً‬ ‫بجواز إفتاء‬
‫الواقع في األعصارِ المتأخرة"(‪ .)2‬قال ابن‬
‫ُ‬ ‫إمامه ال ُم ْف ٍت‪ ،‬قال‪" :‬وهذا‬
‫عن ِ‬
‫ِ‬
‫المحلي السابقة‪:‬‬ ‫حجر الهيتمي ‪( --‬ت ‪974‬هـ) ِ‬
‫معل ًقا على عبارة‬
‫لئال‬
‫قريب؛ َّ‬ ‫اعتماده لذلك القول‪ ،‬وهو‬ ‫ِ‬
‫المحلي المذكور يفهِ م‬ ‫ِ‬
‫الجالل‬ ‫"كالم‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫المتأخرين بإفتائهم مع قصورهم عن درجة‬ ‫ِ‬ ‫يلزم عليه تأثيم كثيرٍ من‬
‫ُ‬
‫(‪)3‬‬
‫المذكورين في كالم النووي ‪ ، "-‬يعني‪ :‬ما ذكره النووي في طبقات‬
‫المجتهدين الذين يجوز لهم اإلفتاء‪ ،‬والذين مر ذكرهم في المطلب الثاني من‬
‫َّ‬
‫هذا المبحث‪.‬‬
‫ِ‬
‫"المفتي‬ ‫وقال ابن قدامة ‪( --‬ت ‪620‬هـ) في "شرح الخرقي"‪:‬‬
‫يجوز أن يخبر بما سمع‪َّ ،‬إال أنه ال يكون ُم ْف ِتيا في تلك الحال‪ ،‬وإنما هو‬
‫ً‬
‫معموال‬
‫ً‬ ‫بعينه من أهل االجتهاد‪ ،‬فيكون‬ ‫رجل ِ‬
‫ٍ‬ ‫مخبر‪ ،‬فيحتاج أن ُي ْخ ِبر عن‬
‫ٌ‬
‫بخبره ال بفتياه"(‪.)4‬‬

‫طرق نقل األمني املقلِّد للفتوى‪:‬‬


‫أحد أمرين‪:‬‬ ‫ِ‬
‫المجتهد ُ‬ ‫الناقل للفتوى عن‬
‫ِ‬ ‫نقل هذا الراوي‬
‫وطريق ِ‬

‫(‪ )1‬فتح القدير البن الهمام ‪.256/7‬‬


‫(‪ )2‬شرح المحلي على جمع الجوامع ‪.438/2‬‬
‫(‪ )3‬الفتاوى الفقهية الكبرى ‪.303/4‬‬
‫(‪ )4‬المغني ‪.38/10‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2730‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫سند إليه عن اإلمام المجتهد‪.‬‬


‫أولهما‪ :‬إما أن يكون له فيه ٌ‬
‫تداولته األيدي‬ ‫ٍ‬
‫معروف‬ ‫كتاب‬
‫ٍ‬ ‫يأخذ فتوى المجتهد من‬
‫َ‬ ‫وثانيهما‪ :‬أن‬
‫ْ‬
‫واع ُت ِمد عند أهل المذهب(‪.)1‬‬
‫ْ‬
‫نقل المفتي‬
‫طريق ِ‬
‫قال ولي اهلل الدهلوي ‪( --‬ت ‪1176‬هـ)‪ُ " :‬‬
‫كتاب‬
‫ٍ‬ ‫سند إليه‪ ،‬أو أخذه من‬ ‫ِ‬
‫المقلد عن المجتهد أحد أمرين‪ :‬إما أن يكون له ٌ‬
‫معروف تداولته األيدي‪ ،‬نحو كتب محمد بن الحسن ونحوها من التصانيف‬‫ٍ‬
‫المشهورة للمجتهدين؛ ألنه بمنزلة الخبر المتواتر أو المشهور"(‪.)2‬‬

‫شروط أمني الفتوى‪:‬‬


‫صفته إال شرطان‪:‬‬
‫ُ‬ ‫وال يشترط عند الفقهاء في ِ‬
‫حق من هذا‬
‫بل خبره(‪)3‬؛ فيشترط فيه من العدالة‬
‫ممن ُي ْق ُ‬
‫الشرط األول‪ :‬أن يكون َّ‬
‫ُ‬
‫والضبط ما يشترط في راوي الحديث‪.‬‬
‫والشرط الثاني‪ :‬أن ي ِض ْف الفتوى إلى ِ‬
‫قائلها من المجتهدين؛ كأن يقول‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫الفتوى التي عليها دار اإلفتاء الر ْسمية في‬
‫مذهب الشافعي في المسألة كذا‪ ،‬أو ْ‬
‫َّ َّ‬
‫ِ‬
‫الحال عن‬ ‫ِ‬
‫بالمعلوم من‬ ‫اكتفاء‬ ‫البالد كذا‪ ...‬الخ‪ ،‬ومن ترك منهم اإلضافة؛ فهو‬
‫ٌ‬

‫(‪ )1‬شرح فتح القدير‪ ،‬البن الهمام ‪ ،256/7‬البحر الرائق ‪ ، 289/6‬مجمع األنهر في شرح‬
‫ملتقى األبحر‪ ،‬داماد أفندي ‪154/2‬ط‪ .‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،.‬آداب الفتوى‬
‫للنووي ص ‪.41‬‬
‫(‪ ) 2‬عقد الجيد في أحكام االجتهاد والتقليد‪ ،‬ولي اهلل الدهلوي‪ ،‬تحقيق‪ :‬مجب الدين‬
‫الخطيب ص ‪ 21‬ط‪ .‬المطبعة السلفية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫(‪ )3‬أدب المفتي والمستفتي البن الصالح ص ‪ ،104‬آداب الفتوى للنووي ص ‪.32‬‬

‫‪2731‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫التصريح به‪ ،‬وال بأس بذلك‪ -‬كما نصوا‪.)1(-‬‬


‫ِ‬
‫قال ابن الصالح ‪ِ :--‬‬
‫معل ًقا على ما قطع به الحليمي (ت‬
‫‪403‬هـ) والجويني (ت ‪478‬هـ) والروياني (ت ‪502‬هـ) وغيرهم من تحريم‬
‫قول من قال‪ :‬ال يجوز أن يفتي بذلك‪،‬‬ ‫المقلد بما هو ِ‬
‫مقل ٌد فيه‪ -‬قال‪ُ " :‬‬ ‫ِ‬ ‫إفتاء‬
‫نفسه‪ ،‬بل يضيفه ويحكيه عن‬ ‫صورة ما يقو ُله من ِ‬
‫عند ِ‬ ‫ِ‬ ‫معناه‪ :‬أنه ال يذكره في‬
‫المقل ِدين‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إمامه الذي ق َّلده‪ ،‬فعلى هذا من عددناه في أصناف المفتين من‬
‫وأد ْوا عنهم‪،‬‬
‫مقام المفتين َّ‬
‫َ‬ ‫قاموا‬
‫ليسوا على الحقيقة من المفتين‪ ،‬ولكنهم ُ‬
‫الشافعي كذا وكذا‪،‬‬
‫ِ‬ ‫مذهب‬
‫ُ‬ ‫فع ُّدوا معهم‪ ،‬وسبي ُلهم في ذلك أن يقولوا مثال‪:‬‬
‫ُ‬
‫ومقتضى مذه ِبه كذا وكذا‪ ،‬وما أشبه ذلك‪ ،‬ومن ترك منهم إضافة ذلك إلى‬
‫اكتفاء بالمعلوم من الحال عن التصريح بالمقال‪ ،‬فال‬
‫ً‬ ‫إمامه‪ ،‬إن كان ذلك منه‬
‫بأس"(‪.)2‬‬

‫عمل املستفيت بفتوى أمنيِ الفتوى‪:‬‬


‫ِ‬
‫وروايته‬ ‫الناقل‬
‫ِ‬ ‫بنقل هذا‬
‫عمل المستفتي ِ‬
‫ِ‬ ‫بحث الفقهاء ‪ --‬مسأل َة‬
‫إفتاء؟!‪.‬‬
‫ممن نقل الفتوى حكاي ًة ال ً‬
‫اعتمادا على‬ ‫ِ‬
‫واالكتفاء به؛‬ ‫عمل المستفتي بذلك‬
‫ِ‬ ‫جواز‬
‫ُ‬ ‫المختار عندهم‪:‬‬ ‫و‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫أن مراجعة المجتهدين أنفسهم في هذه األزمنة قد تكون متعسرة‪ ،‬فجاز‬
‫اعتبارا بكونهم ناقلين للفتوى ال مفتين‪ ،‬فقال أمير‬
‫ً‬ ‫االكتفاء بنقل األمناء؛‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬أدب المفتي البن الصالح ص ‪ ، 103‬آداب الفتوى للنووي ص‪ ،34 ،33‬صفة الفتوى‬
‫البن حمدان ص ‪.26،25‬‬
‫(‪ )2‬أدب المفتي ص ‪.103‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2732‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫والمختار‪ :‬أن‬
‫ُ‬ ‫بادشاة البخاري‪972( - -‬هـ) في "شرح التحرير"‪" :‬‬
‫ِ‬
‫للمقلد قو َله‪ ،‬فإنه‬ ‫ِ‬
‫اإلمام‪ ،‬ثم حكى‬ ‫كالم‬ ‫عد ًال‪َ ،‬فهِ م‬
‫الراوي عن األئمة إن كان ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪)1‬‬
‫كتابا‬
‫يكتفي به" ‪ ،‬وقال الشيخ ابن حجر الهيتمي‪" :- -‬ليس لمن قرأ ً‬
‫جازما‬
‫ً‬ ‫علما‬
‫العامي إال فيما علم من مذه ِبه ً‬ ‫أو كتبا ولم يتأهل لإلفتاء أن ُي ْف ِتي‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫ونقضه بلمس الذكر‪ ،‬أو بلمس‬ ‫ِ‬ ‫النية في الوضوء‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ترد َد فيه؛ كوجوب‬ ‫ال ُّ‬
‫األجنبية‪ ،‬ونحو ذلك مما ال ِمر َي َة فيه‪ ،‬بخالف مسائل الخالف‪ ،‬فإنه ال يفتي‬
‫ْ‬
‫موثوق به‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫كتاب‬
‫ٍ‬ ‫مفت آخر غيره‪ ،‬أو عن‬ ‫ٍ‬ ‫فيها‪ ،‬نعم إن ن َق َل له الحكم عن‬
‫َ‬
‫ٍ (‪)2‬‬ ‫ِ‬
‫ناقل ال ُم ْفت" ‪.‬‬‫اعتماد قوله؛ ألنه حينئذ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫عد ًال‪ ،‬جاز للعامي‬ ‫وكان الناقل ْ‬
‫اليوم في البلدان من‬ ‫الفتوى الر ْسمية‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َّ َّ‬ ‫مؤسسات ْ‬ ‫فعل َّ‬ ‫وعلى هذا يتخرج ُ‬
‫أمناء للفتوى في لجان اإلفتاء المختلفة‪ ،‬مع عدم وصولهم إلى درجة‬ ‫َ‬ ‫ْتنصيبهم‬
‫بنق ِل الفتوى الر ْسمية‬
‫َّ‬ ‫تقي ِدهم ْ‬ ‫ِ‬
‫االجتهاد في المذهب‪ ،‬فإنه ال بأس بذلك بشرط ُّ‬
‫المنصوص عليها من المجتهدين‪ ،‬ويكون فع ُلهم هذا من باب ا َّلن ْق ِل ال من‬ ‫ِ‬
‫المكتوبة أو الشفهي ِة أو‬‫ِ‬ ‫صنيعهم هذا بباب الفتوى‬ ‫ُ‬ ‫باب اإلفتاء‪ ،‬سواء تعلق‬
‫َّ‬
‫الزم في هذا الزمان‪ ،‬وإال تع َّطل‬ ‫ٌ‬ ‫شك أن المصير إلى ذلك‬ ‫اإللكترونية‪ ،‬وال َّ‬
‫التساع‬‫مي المعتمد‪ ،‬وتوسد األمر من ليس أهله؛ وذلك نظرا ِ‬ ‫الر ْس ِ‬ ‫باب اإلفتاء‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫دائرة الفتوى في هذا الزمان‪ ،‬وتنوع مجاالتها‪ ،‬وكثرة أعداد المستفتين عبر‬
‫بن‬
‫الوسائل المختلفة‪ ،‬اإللكترونية منها والتقليدية‪ ،‬وقد أشار الشيخ العالم ُة ا ُ‬
‫كالمه إلى زمنه ‪-‬‬
‫َ‬ ‫دقيق العيد ‪( --‬ت ‪702‬هـ) إلى ذلك‪ ،‬فقال صار ًفا‬

‫(‪ )1‬تيسير التحرير‪ ،‬لمحمد أمين البخاري المعروف بأمير بادشاة‪ ،‬شرح التحرير البن الهمام‬
‫‪ 251/4‬ط‪ .‬مصطفى البابي الحلبي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬سنة ‪1351‬هـ ‪1932‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬الفتاوي الفقهية الكبرى ‪.296/4‬‬

‫‪2733‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫ِ‬
‫المجتهد‬ ‫ِ‬
‫حصول‬ ‫"توقيف ال ُف ْتيا على‬
‫ُ‬ ‫ناهيك عن أزماننا‪ -‬فقال ‪:--‬‬
‫َ‬
‫فالمختار‪ :‬أن الراوي‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الخلق في أهوائهِ م‪،‬‬ ‫ِ‬
‫استرسال‬ ‫ٍ‬
‫عظيم‪ ،‬أو‬ ‫حرج‬
‫ٍ‬ ‫ُي ْف ِضي إلى‬
‫ِ‬
‫كالم اإلمام‪ ،‬ثم حكى‬ ‫فهم‬ ‫ِ‬
‫األئمة المتقدمين إذا كان َع ْد ًال‪ ،‬م ِتم ِك ًنا من ِ‬ ‫عن‬
‫ُ َ‬
‫العامي أنه حكم‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫للمقل ِد قو َله‪ ،‬فإنه يُ ْك َت َفي به؛ ألن ذلك مما يغلب على ِ‬
‫ظن‬ ‫ِ‬
‫اإلجماع في زماننا على هذا النوع من الفتيا‪ ،‬هذا مع‬
‫ُ‬ ‫اهلل عنده‪ ،‬وقد انعقد‬
‫ِ‬
‫الصحابة ُك َّن يرجعن في أحكام الحيض وغيرِ ه إلى‬ ‫نساء‬ ‫الضروري بأن‬
‫ِ‬ ‫العلم‬
‫َ‬
‫أزواج ُهن عن النبي ‪ ،‬وكذلك فعل علي ‪--‬‬ ‫ُ‬ ‫ما ُي ْخبِر به‬
‫ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫الم ْذي ‪ ،‬وفي مسألتنا أظهر؛ فإن مراجعة النبي‬ ‫المقداد في قصة َ‬
‫َ‬ ‫حين أرسل‬
‫ِ‬
‫لألئمة السابقين متعذرة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫المقلد اآلن‬ ‫‪ ‬إذ ذاك ممكن ٌة‪ ،‬ومراجع ُة‬
‫(‪)2‬‬
‫وقد أطبق الناس على تنفيذ أحكام القضاة مع عدم شرائط االجتهاد اليوم"‬
‫انتهى‪.‬‬
‫ِ‬
‫المجتهد ُي ْف ِضي‬ ‫ِ‬
‫حصول‬ ‫"توقيف ال ُف ْتيا على‬
‫ُ‬ ‫فقوله ‪ --‬في زمانه‪:‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الخلق في أهوائهِ م‪ ...‬الخ"‪ ،‬يلفت أنظارنا اليوم‬ ‫ِ‬
‫استرسال‬ ‫ٍ‬
‫عظيم‪ ،‬أو‬ ‫حرج‬
‫ٍ‬ ‫إلى‬
‫ِ‬
‫المنوط بالمؤسسات الدينية ودور اإلفتاء الر ْسمية في‬ ‫الد ْورِ الهام‬
‫إلى مدى َّ‬
‫َّ َّ‬
‫مصر وغيرِ ها من البلدان في تطوير وسائل الفتوى بما يتواكب مع تلك‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬يقصد أن المقداد نقل فتوى النبي ‪ ‬في المذي لعلي‪ ،‬واعتمدها علي ‪-‬‬
‫رجال َم َّذ ًاء وكنت أستحيى‬
‫‪ -‬وأخذ بها‪ ،‬كما ورد في حديث علي أنه قال‪" :‬كنت ً‬
‫أن أسأل النبي ‪ ‬لمكان ابنته‪ ،‬فأمرت المقداد بن األسود‪ ،‬فسأله‪ ،‬فقال‪ :‬يغسل‬
‫ذكره ويتوضأ" (أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب‪ :‬الحيض‪ /‬باب المذي‪ ،‬وأخرجه‬
‫َ‬
‫البخاري في صحيحه‪ -‬أيضا‪ -‬في مواضع عدة بألفاظ مختلفة)‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬البحر المحيط ‪ ،360/8‬التقرير والتحبير البن أمير حاج ‪.348/3‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2734‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫أمناء للفتوى ناطقين باللغات المختلفة‪،‬‬


‫َ‬ ‫تنصيب‬
‫ِ‬ ‫المستجدات‪ ،‬والتوسع في‬
‫قادرين على شغل الس ِ‬
‫احة في ذلك العالم االفتراضي الواس ِع على مدار‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫الفرصة على هؤالء‬ ‫كل مكان؛ من أجل تفويت‬ ‫الناس في ِ‬ ‫ِ‬
‫حاجة ِ‬ ‫ِ‬
‫وسد‬ ‫الساعة‪،‬‬
‫الفتن‬
‫ِ‬ ‫العلم والعلماء من صناع التطرف ودعاة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المتطفلين على موائد‬
‫قصرنا في أداء األمانة التي كلفنا اهلل ‪-‬‬
‫واإلرهاب‪ ،‬وإننا إن لم نفعل ذلك‪ ،‬فقد َّ‬
‫مستر ِس ِلين في أهوائهم ‪-‬‬ ‫بواجب عصرنا‪ ،‬ولتركنا الخلق‬
‫ِ‬ ‫تعالى‪ -‬بها‪ ،‬وما ُق ْمنا‬
‫َ ْ ْ‬
‫كما قال الشيخ ابن دقيق ‪ ،-‬ولتخ َّلينا عن ِ‬
‫الشعارِ الذي أشعرنا اهلل إياه؛‬
‫ومفزع القاصدين‪ ،‬ومرجع‬
‫ُ‬ ‫الشريف بمؤسساته منار ُة العلم‪،‬‬ ‫األزهر َّ‬ ‫ف‬
‫ُ‬
‫كل ربوع الدنيا‪.‬‬
‫المستفتين‪ ،‬في ِ‬

‫‪h‬‬

‫‪2735‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫املطلب اخلامس‬
‫واقع الفتوى اإللكرتونية يف العامل االفرتاضي‬
‫ُت ِ‬
‫شكل المواقع اإللكترونية وصفحات الويب ‪ websites‬اليوم على‬
‫هائال ال حصر له؛ حيث تتسابق الهيئات والمؤسسات‬
‫عددا ً‬
‫ً‬ ‫شبكة اإلنترنت‬
‫الحكومية وغير الحكومية واألحزاب والجماعات بل واألفراد إلى إنشاء‬
‫المواقع اإللكترونية وتحديثها باستمرار‪ ،‬حتى أضحت المواقع اإلسالمية التي‬
‫مقدر ًة بالماليين(‪ ،)1‬وقد‬
‫تعتني بالحديث عن الدين اإلسالمي بجميع جوانبه َّ‬
‫بدأت نشأ ُة هذ المواقع اإلسالمية في بداية التسعينات من القرن الماضي على‬
‫فئات من الطالب والمتعلمين بهدف التعريف بالدين ونشر الدعوة‪ ،‬وكان‬ ‫يد ٍ‬
‫أكثرهم من الهواة وليسوا من أهل االختصاص الشرعي(‪ ،)2‬وسرعان ما‬
‫تطورت حتى ظهرت المواقع الخاصة باألحزاب والجماعات اإلسالمية‬ ‫َّ‬
‫المختلفة؛ كجماعة كذا وحزب كذا‪ ،...‬ثم جاءت المرحلة الثالثة‪ ،‬وهي‬
‫مرحلة المواقع اإلسالمية الخاصة بالمشايخ‪ ،‬كموقع الشيخ فالن‪ ،‬والشيخ‬
‫فالن‪ ،...‬والمواقع الخاصة بالجمعيات األهلية والمؤسسات اإلسالمية‬

‫(‪ )1‬المواقع الدينية اإلسالمية‪ ،‬محتواها وتنظيمها واستخدامها‪ ،‬د‪ .‬ناصر بن محمد السويدان‪،‬‬
‫بحث منشور ضمن أعمال مؤتمر المحتوى العربي في اإلنترنت‪ ،‬التحديات والطموح‪،‬‬
‫جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬مج ‪ /3‬ص ‪ 452-450‬سنة ‪2011‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬المواقع اإلسالمية في اإلنترنت وفاعليتها‪ ،‬د‪ .‬عبد الحق حميش‪ ،‬بحث ضمن أعمال‬
‫المؤتمر العالمي التاسع‪ :‬الشباب واالنفتاح العالمي‪ ،‬الندوة العالمية للشباب اإلسالمي‪،‬‬
‫الرياض‪ ،‬نوفمبر سنة ‪2002‬م‪ ،‬ص ‪.430 ،429‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2736‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫الخيرية‪ ...‬الخ(‪ ، )1‬وكل هذه المواقع تقوم على تقديم الفتوى للمستخدمين‬
‫خصصتها بداخلها لإلفتاء‪.‬‬
‫من خالل روابط َّ‬
‫بكل سهولة الدخول على هذه المواقع وتقييم محتواها بعد‬
‫ويمكن لنا ِ‬
‫تتبعها من خالل محركات البحث العامة كجوجل ‪ google‬وغيره‪ ،‬أو من‬
‫المخصصة في البحث عن المواقع اإلسالمية‬
‫َّ‬ ‫خالل المواقع اإللكترونية‬
‫العربية‬ ‫اإلسالمية‬ ‫للمواقع‬ ‫سلطان‬ ‫كدليل‬ ‫خاصة‪،‬‬
‫‪ ،http://www.sultan.org/a/‬وغيره من المواقع التي يمكن الرجوع إليها‬
‫في ذلك‪.‬‬
‫وفي السنوات األخيرة ظهرت مواقع وبرامج التواصل االجتماعي‬
‫‪ Social Media‬كفيسبوك ‪ Facebook‬وتليجرام ‪ Telegram‬وإنستجرام‬
‫‪ Instagram‬وتويتر ‪ Twitter‬ويوتيوب ‪ YouTube‬وآسك إف إم ‪Ask FM‬‬
‫المؤسسات الحكومية وغير الحكومية‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وريديت ‪ Reddit‬وغيرها‪ ،‬فأنشأت‬
‫والتنظيمات واألشخاص باتجاهاتهم المختلفة وثقافاتهم المتفاوتة على هذه‬
‫خصصوها لتقديم الفتوى للمستفتين‪ ،‬وتفاعل معها‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫المواقع صفحات وقنوات َّ‬
‫ِ‬
‫الذكية‬ ‫الماليين من المتابعين عبر العالم‪ ،‬كما ظهرت بظهور الهواتف‬ ‫ُ‬
‫واسعا‬ ‫رواجا‬ ‫المخصصة لإلفتاء والتي القت‬ ‫ِ‬
‫الذكية‬ ‫ِ‬
‫التطبيقات‬ ‫مجموع ٌة من‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫من قبل المستخدمين‪.‬‬

‫(‪ )1‬إدارة المواقع اإلسالمية‪ ،‬دراسة مسحية‪ ،‬د‪ .‬عدنان بن خليل باشا‪ ،‬د‪ .‬حسن السريحي‪،‬‬
‫بحث ضمن أعمال المؤتمر العالمي التاسع‪ :‬الشباب واالنفتاح العالمي‪ ،‬الندوة العالمية‬
‫للشباب اإلسالمي‪ ،‬الرياض‪ ،‬نوفمبر سنة ‪2002‬م‪ ،‬ص ‪.507 ،506‬‬

‫‪2737‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫نجد من بين تلك المنصات اإللكترونية الهائلة ما يتبع‬ ‫ُ‬ ‫وإننا إذ‬
‫أنيط بها أمر اإلفتاء الرسمي في البلدان اإلسالمية‪،‬‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫مؤسسات ديني ًة رسمي ًة‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫كدار اإلفتاء المصرية‪ ،‬والمركز العالمي للفتوى اإللكترونية التابع لمشيخة‬
‫األزهر الشريف‪ ،‬وذلك من خالل موقعيهما الرسميين على شبكة اإلنترنت‪،‬‬
‫َّ ْ‬
‫أو من خالل تطبيقاتهما المتاحة للهواتف الذكية على متجر بالي ‪play store‬‬
‫أو اآلب ستور ‪ ، App Store‬أو من خالل صفحاتهما وقنواتهما على مواقع‬
‫التواصل االجتماعي‪ ،‬وكذا دور اإلفتاء الرسمية في جميع البلدان‪ ،‬إال أننا‬
‫َّ‬
‫تع ُّج‬
‫الرسمي التي ُ‬
‫ِ‬ ‫هائال من منصات اإلفتاء الغيرِ‬ ‫ً‬ ‫عددا‬
‫ً‬ ‫نجد مقابل ذلك‬
‫ٍ‬
‫وجماعات‬ ‫باالضطراب والفوضى والتطرف‪ ،‬والتي أُ ِع َّدت من قبل تنظيمات‬
‫ات الرسمية في البلدان‪ ،‬ومنها ما‬ ‫عرفت بالتطرف واإلرهاب‪ ،‬ومعاداة المؤسس ِ‬
‫َّ َّ‬ ‫َّ َ‬ ‫ُّ‬
‫التوجه ‪-‬أيضا‪ -‬من خالل فتاويهم‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ألشخاص بأعيانهم ُعرِ فوا بهذا‬ ‫تابع‬
‫هو ٌ‬
‫ألشخاص مجهولي الهوية‬‫ٍ‬ ‫تابع‬
‫المتطرفة‪ ،‬وأقوالهم الهادمة‪ ،‬بل ومنها ما هو ٌ‬ ‫ِ‬
‫تصد ُروا من خاللها‬
‫َّ‬ ‫وحسابات وهمية بأسماء مستعارة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫صفحات‬ ‫قاموا بإنشاء‬
‫َّ‬
‫منصات اإلفتاء اإللكتروني عبر ذلك العالم االفتراضي‪ ،‬حتى أوقعوا الناس في‬
‫التلبيس والتزييف والفوضى‪.‬‬
‫وإنني قد اهتممت منذ كتابتي في هذا البحث بمتابعة العديد من تلك‬
‫المنصات اإللكترونية الغير الرسمية‪ ،‬ومتابعة فتاويها وتفاعل األشخاص‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫طلعت على ك ٍم عريض من الخطإ والتضليل واالجتراء على‬
‫العاديِين معها‪ ،‬وا َّ‬
‫المنصات‪ ،‬حتى شعرت بمدى المسؤولية التي ألقاها اهلل ‪-‬‬
‫َّ‬ ‫دين اهلل في هذه‬
‫المتخصصين‪ ،‬وشعرت بمدى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العلماء‬ ‫ِ‬
‫عاتق‬ ‫ِ‬
‫عاتقنا وعلى‬ ‫تعالى‪ -‬على‬
‫الناس ‪-‬قدر اإلمكان‪ -‬من هذه الفوضى‬ ‫بانتشال ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واإلثم إن لم نقم‬ ‫ِ‬
‫المساءلة‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2738‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫العارمة‪.‬‬
‫يتمدد‬
‫َّ‬ ‫إرهابيا كتنظيم "داعش" ما كان له أن‬
‫ًّ‬ ‫تنظيما‬
‫ً‬ ‫فلنا أن نتخيل أن‬
‫َّ‬
‫الشباب بأفكاره وفتاويه المتطرفة إال من خالل تلك المنصات‬
‫ِ‬ ‫وينتشر بين‬
‫اإللكترونية والحسابات الشخصية على مواقع التواصل االجتماعي(‪ ،)1‬والتي‬
‫استخدم فيها التنظيم سالح الفتاوي في استقطاب الشباب بفتاوي التكفير‬
‫ُ‬
‫والخالفة والتمكين وجواز التعامل بالعمالت االفتراضية المشفرة لتلقي‬
‫التمويالت‪ ...‬وغير ذلك من تلك الفتاوي المغلوطة المخالفة لما جرى عليه‬
‫العمل واإلفتاء في مؤسسات الرسمية‪.‬‬
‫واحدا كهذا التنظيم يمتلك من‬
‫ً‬ ‫تنظيما‬
‫ً‬ ‫ولنا أن نتخيل ‪-‬أيضا‪ -‬أن‬
‫َّ‬
‫المنصات اإللكترونية ما يقدر بعشرات اآلالف من المنصات‪ ،‬ففي الحادي‬
‫والعشرين من شهر نوفمبر الماضي (‪2019/11/21‬م) أعلنت الشرطة‬
‫األوروبية (يوروبول) أنها قامت ‪-‬بالتعاون مع أكبر المنصات اإللكترونية‬
‫كجوجل واليوتيوب والتويتر والتليجرام وغيرها‪ -‬بحملة إلكترونية على‬
‫منصات وشبكات "داعش" اإللكترونية‪ ،‬لتعلن بعد أيام قليلة أنها تمكنت من‬
‫وحساب إلكتروني(‪ ،)2‬ناهيك عن‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫منصة‬ ‫ألف‬
‫ست وعشرين َ‬ ‫إغالق (‪ٍ )26.000‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الموقع اإللكتروني للمركز األوروب ي لدراسات مكافحة اإلرهاب واالستخبارات‪،‬‬
‫مقالة بعنوان‪ :‬منصات داعش على اإلنترنيت و انعكاساتها على أوروبا‪ ،‬منشورة في‬
‫ديسمبر ‪2019 /27‬م‪ ،‬تم االطالع عليها بتاريخ (‪ – )2020/2/13‬رابط المقالة‪:‬‬
‫‪https://www.europarabct.com/%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%‬‬
‫‪AA%D9%81%D8%A7%D8%B5%D9%8A%D9%84‬‬
‫(‪ )2‬مقالة بعنوان‪ :‬أكبر حملة إلكترونية ضد داعش منذ عام ‪ 2015‬تصيب داعش بالشلل‬
‫═‬

‫‪2739‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫ِ‬
‫أقوالهم والشذوذ‬ ‫بالتطرف في‬ ‫عن الحسابات الشخصية التابعة لمشايخ ُعرِ فوا‬
‫ُّ‬
‫فتاويهم‪ ،‬والحسابات والمنصات التي تدار من قبل ٍ‬
‫أناس مجهولين‪،‬‬ ‫في ِ‬
‫الحال إلى‬
‫ُ‬ ‫ويتبعها الماليين من المتابعين والمستفتين‪ ،‬حتى وصل بالناس‬
‫خصصوها لإلفتاء على مواقع التواصل‬ ‫ٍ‬
‫رسمية‬ ‫ٍ‬
‫صفحات غير‬ ‫إنشائهم‬
‫َّ‬
‫أي‬
‫يحق له التوجه بالسؤال ليجيبه ُّ‬
‫انضمام العضوِ لها ُّ‬
‫ُ‬ ‫االجتماعي‪ ،‬وبمجرد‬
‫أي‬ ‫ويحق له هو اآلخر اإلجابة على ِ‬
‫ُّ‬ ‫أحد من المتابعين لتلك الصفحات‪،‬‬
‫سؤال يرد على الصفحة من قبل المستخدمين اآلخرين‪ ،‬حتى نال أمر اإلفتاء‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬
‫اإللكتروني في يومنا هذا ما نال‪.‬‬
‫أشخاص للفتوى‪ ،‬لي َت َتبعوا من‬
‫ٌ‬ ‫صفحات غير رسمي ٍة أنشأها‬
‫ٍ‬ ‫تتبعت‬
‫ُ‬ ‫لقد‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫خاللها الفتاوى المعتمدة الصادرة عن دور اإلفتاء الرسمية في البالد ‪-‬كدار‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫اإلفتاء المصرية‪ ،‬والمركز العالمي للفتوى اإللكترونية‪ -‬من أجل إعادة عرضها‬
‫بغرض ِ‬
‫نقدها وتحذير الناس من العمل بها‪ ،‬حتى وإن كانت من الفتاوى التي‬
‫جرى عليها العمل في البالد‪.‬‬
‫وال شك أن مثل العمل وحده ٍ‬
‫كاف في إشاعة الفوضى واالضطراب في‬
‫القبيح لإلفتاء‬
‫ُ‬ ‫الوجه‬
‫ُ‬ ‫البلدان والمجتمعات‪ ،‬حتى برز بمثل هذه التصرفات‬
‫واالستفتاء اإللكتروني؛ بسبب تجرؤ أمثال هؤالء على أهل الفتوى‬
‫وتوجهِ هِ م بالسؤال لغير أهله‪ ،‬األمر‬ ‫ِ‬
‫المختصين‪ ،‬وبسبب عدم فقه المستفتين‬
‫ُّ‬
‫═‬
‫والتخبط‪ ،‬صادرة عن المركز اإلعالمي بدار اإلفتاء المصرية ‪2019/12/3‬م‪ .‬تم االطالع‬
‫عليها بتاريخ ‪2020/2/14‬م‪ ،‬رابط المقالة على الموقع الرسمي لدار اإلفتاء المصرية‪:‬‬
‫‪https://www.dar-alifta.org/ar/Viewstatement.aspx?sec=media‬‬
‫‪&ID=6875‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2740‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫ٍ‬
‫بقوة في هذا العالم االفتراضي‪ ،‬وفرض الرقابة‬ ‫الحضور‬ ‫الذي يفرض علينا‬
‫َ‬
‫والشاذ‪.‬‬
‫الموجه َّ‬
‫َّ‬ ‫على هذا المحتوى اإللكتروني‬

‫‪h‬‬

‫‪2741‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫املبحث الثالث‬
‫سبل ضبط الفتوى اإللكرتونية يف العامل االفرتاضي‬
‫املطلب األول‬
‫سلطة ولي األمر يف تنصيب املفتني ومعاقبة املتصدِّرِين للفتوى‬
‫اإللكرتونية دون إذن‬
‫رسول اهلل‬
‫ُ‬ ‫توالها‬
‫إن وظيف َة اإلفتاء وظيف ٌة قديم ٌة في الدولة اإلسالمية‪َّ ،‬‬
‫رسالته؛ إذ هو ‪ ‬المفتي األعلم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حياته بحكم‬ ‫‪ ‬في‬
‫ٍ‬
‫وظيفة إال وتح َّققت فيه‬ ‫ديني أو‬
‫ٍ‬ ‫منصب‬
‫ٍ‬ ‫والقاضي األحكم‪ ،‬وما من‬
‫أبدا أن النبي ‪ ‬ترك هذه الوظيفة لجمو ِع‬ ‫‪ ،‬ولم يرد ً‬
‫َّ‬
‫الصحابة ‪-‬رضوان اهلل عليهم‪ -‬مع فضلهم وورعهم وشدة تقواهم؛ ألنه‬
‫ِ‬
‫اإلفتاء على العلم واالجتهاد‪ ،‬ال على مطلق‬ ‫مدار أمرِ‬ ‫‪ ‬يعلم أن‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫بأناس معدودين‬ ‫الورع والتقوى‪ ،‬ومن أجل ذلك أناطها النبي ‪‬‬
‫من صحابته‪ ،‬فأخرج ابن سعد ‪( --‬ت ‪230‬هـ) في "طبقاته" بسنده عن‬
‫ابن عمر ‪" --‬أنه سئل‪َ :‬م ْن كان ُي ْف ِتي في زمن رسول اهلل‬
‫‪‬؟‪ ،‬فقال‪ :‬أبو بكر وعمر‪ ،‬ما أعلم غيرهما"(‪ ،)1‬وروى ‪-‬بسنده‪-‬‬
‫عن محمد بن سهل بن أبي حثمة عن أبيه‪ ،‬أنه قال‪" :‬كان الذين يفتون على‬
‫عهد رسول اهلل ‪ ‬ثالث ٌة من المهاجرين‪ ،‬وثالث ٌة من األنصار‪ :‬عمر‪،‬‬

‫(‪ )1‬الطبقات الكبرى‪ ،‬البن سعد ‪ 254/2‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪1410‬هـ ‪1990‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عبد القادر عطا‪.‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2742‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫وعثمان‪ ،‬وعلي‪ ،‬وأُ َبي بن كعب‪ ،‬ومعاذ بن جبل‪ ،‬وزيد بن ثابت"(‪ ،)1‬ولم تزد‬
‫ٍ‬
‫حدود من الصحابة الكرام‪،‬‬ ‫بقي ُة اآلثارِ واألخبارِ على هؤالء النفر سوى ٍ‬
‫عدد م‬
‫العلماء بمجموعهم اثني َع َشر َن ْف ًسا(‪ ،)2‬ومنهم من زاد على ذلك‬
‫ُ‬ ‫حتى بلغ‬
‫عددا قليال(‪.)3‬‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫باالحتكام‬ ‫ِ‬
‫الصحابة‬ ‫ولقد ألزم النبي ‪ ‬من عدا هؤالء من‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫إلى قول هؤالء المفتين‪ ،‬وعدم االفتئات عليهم‪ ،‬ففي الصحيح في قصة المرأة‬
‫الزاني اختصم مع زوجها إلى‬ ‫التي ُر ِجمت وقد زنى بها أجير ِ‬
‫زوجها‪ ،‬أن والد َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ‪ ‬فقال‪" :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إن ابني كان َع ِسي ًفا على هذا‪،‬‬
‫ٍ‬
‫بمائة من الغنم‬ ‫فزنى بامرأته‪ ،‬فقالوا لي‪ :‬على ابنك الرجم‪ ،‬ففديت ابني منه‬
‫العلم فقالوا‪ :‬إنما على ابنك‬‫ِ‬ ‫أهل‬
‫وخادم‪ ،-‬ثم سألت َ‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ووليدة ‪-‬وفي رواية‪:‬‬

‫(‪ )1‬المرجع السابق ‪.267/2‬‬


‫(‪ )2‬وقد نظم أسماءهم شمس الدين بن عبد اهلل محمد ابن ولي اهلل الشيخ العالمة شهاب‬
‫الدين بن الشلبي الحنفي في قوله‪:‬‬
‫وفي زمن المختار أفتى بعصـره *** أبو بكر‪ ،‬الفاروق‪ ،‬عثمان‪ ،‬حيدر‪.‬‬
‫حذيفة‪ ،‬عمار‪ ،‬وزيد بن ثابــــــــــت *** معاذ‪ ،‬أبو الدرداء‪ ،‬وهو عويمر‪.‬‬
‫أ ُ َبي‪ ،‬أبو موسى إلى أشعر انتمى *** وختم نظامي بابن عوف معطــــــــــــــر‪.‬‬
‫ُ‬
‫(ينظر‪ :‬سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد‪ ،‬محمد بن يوسف الصالحي الشامي‬
‫‪ 329 ،328/11‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪1414‬هـ ‪1993‬م‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬عادل عبد الموجود‪ ،‬على معوض)‪.‬‬
‫(‪ )3‬سبل الهدى والرشاد ‪ 328 /11‬وما بعدها‪ ،‬الفكر السامي في تاريخ الفقه اإلسالمي‪،‬‬
‫لمحمد بن الحسن الحجوي ‪ 232/1‬وما بعدها‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،‬سنة ‪1416‬هـ ‪1995‬م‪.‬‬

‫‪2743‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫أهل‬ ‫(‪)1‬‬
‫وتغريب عام‪ ...‬الخ الحديث" ‪ ،‬وفي رواية مسلم‪" :‬فسألت َ‬ ‫جلد ٍ‬
‫مائة‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫أص ْلناه من لزوم سؤال أهل العلم‬
‫دليل على ما َّ‬
‫ٌ‬ ‫العلم فأخبروني"(‪ ،)2‬وفيه‬
‫المعروفين بأعيانهم‪.‬‬
‫وفي الحديث عن جابر بن عبد اهلل أنه قال‪" :‬خرجنا في سفرٍ فأصاب‬
‫رأسه فاحتلم‪ ،‬فقال ألصحابه‪ :‬هل تجدون لي‬ ‫رجالً معنا حجر‪ ،‬فشجه في ِ‬
‫َّ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َ َ‬
‫تقدر على الماء‪ ،‬فاغتسل‬
‫ُ‬ ‫التيمم‪ ،‬فقالوا‪ :‬ال نجد لك رخص ًة‪ ،‬وأنت‬
‫رخص ًة في ُّ‬
‫فمات"‪ ،‬يقول جابر‪" :‬فلما قدمنا على النبي ‪ ‬أخبرناه بذلك‪،‬‬
‫الع ِي السؤال‪ ،‬إنما‬
‫شفاء َ‬
‫ُ‬ ‫فقال‪ :‬قتلوه قتلهم اهلل‪ ،‬أَ َال سأُلوا إذا لم يعلموا؛ فإنما‬
‫ويعصب على ُجر ِحه ِخرق ًة‪ ،‬ثم يمسح عليها‪ ،‬ويغسل‬ ‫ِ‬ ‫يتيمم‬
‫كان يكفيه أن َّ‬
‫ْ‬
‫عنفهم النبي ‪ ‬على‬ ‫َّ‬ ‫سائر جسده"(‪ ،)3‬فانظر ‪-‬رحمك اهلل‪ -‬كيف‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫لكل‬
‫مقالته الرادعة ِ‬
‫َ‬ ‫أهال لإلفتاء‪ ،‬وقال ‪‬‬ ‫فتواهم؛ ألنهم ليسوا ً‬
‫الم ْجترئين‪" :‬قتلوه َق َت َلهم اهلل"‪ ،‬قال الخطابي ‪( --‬ت ‪388‬هـ) في‬ ‫ُ‬
‫العلم أنه َعابهم بالفتوى بغير ٍ‬
‫علم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫"معالم السنن"‪" :‬في هذا الحديث من‬
‫َُ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬الصلح‪ /‬باب‪ :‬إذا اصطلحوا على صلح جور‬
‫فالصلح مردود‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬الحدود‪ /‬باب‪ :‬من اعترف على نفسه بالزنا‪.‬‬
‫(‪ ) 3‬أخرجه أبو داود في سننه‪ ،‬كتاب‪ :‬الطهارة ‪/‬باب‪ :‬في المجروح يتيمم‪ ،‬ح رقم (‪،)336‬‬
‫ثقات" ثم قال‪" :‬ال جرم‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫رجاله‬ ‫كل‬
‫إسناد ُّ‬ ‫قال ابن الملقن في الحكم على الحديث‪" :‬هذا‬
‫ٌ‬
‫أخرجه ابن السكن في سننه الصحاح المأثورة‪ ،‬واحتج به ابن الجوزي‪ ،‬وأما البيهقي‬
‫شيء في الباب‪ ،‬وإنه ليس بقوي‪...‬الخ" [البدر المنير في تخريج‬‫ٍ‬ ‫أصح‬ ‫فقال‪ :‬إنه‬
‫ُّ‬
‫األحاديث واألثار الواقعة في الشرح الكبير‪ ،‬البن الملقن‪ ،‬تحقيقي‪ :‬مصطفى أبو الغيط‪،‬‬
‫وآخرون ‪ 616،615/2‬ط‪ .‬دار الهجرة‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األولى ‪1425‬هـ ‪2004‬م]‪.‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2744‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫اإلثم َق َت َل ًة له"(‪.)1‬‬
‫ِ‬ ‫الوعيد؛ بأن دعا عليهم وجعلهم في‬
‫َ‬ ‫وألحق بهم‬
‫فهذا كان حال اإلفتاء في زمن رسول اهلل ‪ ،‬وعلى هذا‬
‫ِ‬
‫اإلفتاء في زمن الخلفاء الراشدين ‪-‬رضوان اهلل عليهم‪ -‬كما‬ ‫الحال سار أمر‬
‫ُ‬
‫ذكر ابن سعد ‪ --‬في "طبقاته"‪ ،‬فأخرج بسنده عن عبد الرحمن بن‬
‫يد فيه‬
‫أمر ُيرِ ُ‬ ‫القاسم عن أبيه‪" :‬أن أبا بكر الصديق ‪ --‬كان إذا نزل به‬
‫ٌ‬
‫وعبد الرحمن بن‬ ‫َ‬ ‫وعليا‬
‫ًّ‬ ‫وعثمان‬
‫َ‬ ‫أهل الرأي وأهل الفقه‪ ،‬دعا عمر‬
‫مشاور َة ِ‬
‫َ‬
‫"وكل هؤالء كان‬ ‫ُّ‬ ‫وزيد بن ثابت"‪ ،‬قال‪:‬‬
‫َ‬ ‫كعب‬
‫ٍ‬ ‫عوف ومعا َذ بن جبل وأبي بن‬
‫َّ‬
‫ُي ْف ِت ي في خالفة أبي بكر‪ ،‬وإنما تصير فتوى الناس إلى هؤالء النفر‪ ،‬فمضى أبو‬
‫الن َفر‪ ،‬وكانت الفتوى تصير‬ ‫بكر على ذلك‪ ،‬ثم ولي عمر فكان يدعو هؤالء‬
‫ُ‬ ‫َّ َ‬ ‫ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫وهو خليف ٌة إلى عثمان وأبي وزيد" ‪.‬‬
‫طا في العصر األول‪ ،‬وكان المفتون‬ ‫ِ‬
‫اإلفتاء مضبو ً‬ ‫فهكذا كان أمر‬
‫ُ‬
‫أحد على منازعتهم‪ ،‬لكن‬
‫معينين بأسمائهم‪ ،‬وال يجرؤ ٌ‬ ‫ِ‬
‫بأشخاصهم‪،‬‬ ‫معروفين‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫اإلسالمية وكثر المسلمون وتفرقوا في البلدان‪ ،‬تجرأ‬ ‫ِ‬
‫الدولة‬ ‫لما اتسعت رقع ُة‬
‫على منصب اإلفتاء من ليس بأَ ْه ٍل‪ ،‬كما ُّ‬
‫تدل عليه الرواية عن مالك بن أنس ‪-‬‬
‫رجل أنه دخل على ربيعة ‪-‬يقصد ربيعة بن عبد‬ ‫ٌ‬ ‫‪ -‬أنه قال‪" :‬أخبرني‬
‫الرحمن ‪( ‬ت ‪136‬هـ)‪ -‬فوجده يبكي‪ ،‬فقال‪ :‬ما يبكيك؟ وارتاع لبكائه‪،‬‬
‫است ْف ِتي َم ْن َال ِع ْلم له‪ ،‬وظهر‬ ‫أد َخ َل ْت عليك مصيب ٌة؟ فقال‪ :‬ال‪ ،‬ولكن‬
‫فقال له‪َ :‬‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬

‫(‪ )1‬معالم السنن‪ ،‬للخطابي ‪ 104/1‬ط‪ .‬المطبعة العلمية‪ ،‬حلب‪ ،‬الطبعة األولى ‪1351‬هـ‬
‫‪1932‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬الطبقات الكبرى ‪.267/2‬‬

‫‪2745‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫ِ‬
‫والة األمرِ‬ ‫في اإلسالم أمر عظيم"(‪ ،)1‬حتى دعت الحاج ُة إلى ضرورة تدخل‬
‫ٌ‬
‫نص‬ ‫لضبط ميزان الفتوى؛ فإن اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬يزع بالسلطان ما ال يزع بالقرآن‪ ،‬ف َّ‬
‫ِ‬
‫أحوال‬ ‫ٍ‬
‫زمان لتص ُّفح‬ ‫كل‬ ‫ِ‬
‫والة األمر في ِ‬ ‫تدخل‬
‫تعين ُّ‬
‫الفقهاء ‪ --‬على ُّ‬
‫تصدر دون تنصيب(‪،)2‬‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ومعاقبة من‬ ‫وتنصيب من يصلح منهم لإلفتاء‪،‬‬
‫ِ‬ ‫المفتين‬
‫العلماء‪ :‬ينبغي‬
‫ُ‬ ‫قال الشيخ إبراهيم الل َّقاني ‪( --‬ت ‪1041‬هـ)‪" :‬قال‬
‫عمن يصلح‬ ‫لإلمام أن يبحث ويسأل أهل العلم المشهورين في عصره َّ‬
‫منعه وتوعده بالعقوبة إن عاد‬
‫للفتوى؛ ليمنع من ال يصلح لها؛ إذ يجب عليه ُ‬
‫ِ‬
‫الفساد في الدين"(‪.)3‬‬ ‫لتعاطيها؛ ألنه من دف ِع‬
‫ِ‬
‫األمة في الدولة اإلسالمية في زمن بني أمية‬ ‫عمل‬
‫وقد جرى على ذلك ُ‬
‫من غير نكيرٍ ‪ ،‬حتى قال الخطيب البغدادي ‪" :--‬ينبغي إلمام المسلمين‬
‫أن يتصفح أحوال المفتين‪ ،‬فمن كان يصلح للفتوى أقره عليها‪ ،‬ومن لم يكن‬
‫َّ‬
‫بأال يتعرض لها‪ ،‬وأوعده بالعقوبة إن لم ينته‬
‫من أهلها منعه منها‪ ،‬وتقدم إليه َّ‬
‫عنها‪ ،‬وقد كان الخلفاء من بني أمية ُي َن ِصبون للفتوى بمكة في أيام الموسم‬
‫ُ‬
‫(‪)4‬‬
‫بأال ُي ْس َت ْف َتى غيرهم" ‪ ،‬وقد فاضت كتب التراجم‬
‫قوما ُي َعي ُِنو َنهم‪ ،‬ويأمرون َّ‬
‫ُ‬
‫واألخبار بكثيرٍ من تلك الروايات‪ ،‬فأخرج البخاري في "تاريخه الكبير"‬
‫والفاكهِ ي ‪( --‬ت ‪272‬هـ) في "أخبار مكة" ‪-‬بسنديهما‪ -‬عن‬ ‫ِ‬

‫(‪ )1‬الفقيه والمتفقه ‪.324/2‬‬


‫(‪ )2‬الفقيه والمتفقه ‪ ،324/2‬البحر الرائق ‪ ،286/6‬أسنى المطالب ‪ ،283/4‬مطالب أولي‬
‫النهى ‪.437/6‬‬
‫(‪ )3‬منار أصول الفتوى ص ‪.259‬‬
‫(‪ )4‬الفقيه والمتفقه ‪.324/2‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2746‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫عبد اهلل بن إبراهيم بن عمر بن كيسان‪ ،‬عن أبيه قال‪" :‬أَ ْذ ُكر ُهم في زمن بني‬
‫ُ‬
‫الناس إال عطاء بن أبي رباح‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صائحا َيصي ُح‪" :‬ال ُي ْفتي َ‬
‫ً‬ ‫الحاج‬
‫ِ‬ ‫أمية يأمرون إلى‬
‫ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫ور ِو َي عن يعقوب بن كاسب ‪-‬‬ ‫فإن لم يكن عطاء‪ ،‬فعبد اهلل بن أبي ُن َج ْيح" ‪ُ ،‬‬
‫صائحا‬
‫ً‬ ‫بعض أهل العلم قال‪ :‬سمعت‬ ‫‪( -‬ت ‪241‬هـ) أنه قال‪" :‬حدثني ُ‬
‫الحاج َّإال يحيى بن سعيد‪،‬‬
‫َّ‬ ‫يصيح بمكة في أيام مروان بن محمد‪ :‬ال يفتي‬ ‫ُ‬
‫ومالك بن أنس"(‪ ،)2‬وروى أبو عبد اهلل محمد بن حفص‬
‫ُ‬ ‫وعبيد اهلل بن عمرو‪،‬‬
‫ُ‬
‫البغدادي (ت ‪331‬هـ) في "ما رواه األكابر عن مالك بن أنس" ‪-‬بسنده‪ -‬عن‬
‫مناديا ينادي‬
‫ً‬ ‫عبد اهلل بن وهب ‪( --‬ت ‪197‬هـ) أنه قال‪" :‬سمعت‬
‫وابن أبي ِذ ْئب (ت ‪159‬هـ)"(‪،)3‬‬
‫مالك بن أنس‪ُ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫الناس إال‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫بالمدينة‪ :‬أ َال َال ُي ْفتي َ‬
‫ت‬‫"حج ْج ُ‬
‫َ‬ ‫وهب ‪-‬أيضا‪ -‬أنه قال‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫وروى الذهبي (ت ‪748‬هـ) عن عبد اهلل بن‬
‫ُّ‬
‫مالك‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫الناس إال‬
‫َ‬ ‫وصائح يصيح‪ :‬ال ُي ْف ِتي‬
‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫ثمان وأربعين ومئة‪،‬‬ ‫سن َة‬
‫وعبدالعزيز بن أبي سلمة الماجشون"(‪.)4‬‬
‫الحال في‬
‫ُ‬ ‫وهكذا كان حال اإلفتاء على مر العصور‪ ،‬وإذا كان هذا هو‬
‫(‪ )1‬التاريخ الكبير‪ ،‬لإلمام البخاري ‪ 463/6‬ح رقم (‪ )2999‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪،.‬‬
‫تحقيق‪ :‬السيد هاشم الندوي‪ ،‬أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه‪ ،‬للفاكهي ‪ 333/2‬ح‬
‫رقم (‪ )1643‬ط‪ .‬دار خضر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1414‬هـ‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عبد الملك‬
‫دهيش‪.‬‬
‫(‪ )2‬سير أعالم النبالء‪ ،‬لشمس الدين الذهبي ‪ 181/6‬ط‪ .‬دار الحديث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬سنة ‪1427‬هـ‬
‫‪2006‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬ما رواه األكابر عن مالك بن أنس‪ ،‬ألبي عبد اهلل البغدادي ص ‪ 61‬ط‪ .‬مؤسسة الريان‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪1416‬هـ‪ ،‬تحقيق‪ :‬عواد الخلف‪.‬‬
‫(‪ )4‬سير أعالم النبالء ‪.16/7‬‬

‫‪2747‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫وحال الفوضى في‬ ‫وأوكد‪ ،‬السيما‬ ‫ِ‬


‫ُ‬ ‫األزمنة الماضية‪ ،‬فإن ذلك في زماننا أولى ْ‬
‫اإلفتاء اإللكتروني ما وصفناه؟!‪.‬‬
‫بوالة األمر والقائمين على شأن التقنين في‬ ‫ِ‬ ‫ومن أجل ذلك فإننا ُنهِ يب‬
‫قانون ُي َن ِظم أمر الفتوى بجميع أشكالها ‪-‬ال سيما‬ ‫ٍ‬ ‫البالد من أجل استصدار‬
‫الم َن َّص ِبين لإلفتاء الرسمي‬ ‫ِ‬
‫المختصين من‬ ‫ويجرم على غير‬ ‫ِ‬ ‫اإللكترونية منها‪،-‬‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫وسدا‬ ‫درءا للمفاسد الواقعة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ًّ‬ ‫في البالد التصد َي لها‪ ،‬واالفتئات على أهلها؛ ً‬
‫ىء‬ ‫ِ ِ‬
‫ألبواب الفوضى واالنحراف‪ ،‬ولع َّلنا بموجب هذا القانون المنشود ُن ْنش ُ‬
‫الشاذ الصادر عن غير‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بمراقبة المحتوى اإلفتائي اإللكتروني‬ ‫تختص‬ ‫هيئ ًة عليا‬
‫ُّ‬
‫مقد ِميه ‪-‬قدر اإلمكان‪ -‬ومعاقبتهم‪ ،‬حتى تنبط األمور‪ ،‬ويرتدع‬ ‫أهله‪ ،‬ومالحقة ِ‬ ‫ِ‬
‫المتطاولون‪.‬‬
‫قال ابن نجيم ‪( --‬ت ‪970‬هـ)‪" :‬وينبغي لإلمام أن يسأل أهل‬
‫العلم المشهورين في عصره عمن يصلح للفتوى؛ ليمنع من ال يصلح‪،‬‬
‫ِ‬
‫اإلمام‬ ‫"وطريق‬
‫ُ‬ ‫ويتوعده بالعقوبة بالعود"(‪ ،)1‬وقال اإلمام النووي‪:- -‬‬
‫ِ‬
‫معرفة من يصلح للفتيا أن يسأل علماء وقته‪ ،‬ويعتمد أخبار الموثوق‬ ‫إلى‬
‫بهم"(‪.)2‬‬
‫اإلفتاء من‬
‫َ‬ ‫عد ابن خلدون ‪(--‬ت‪808‬هـ) في "تاريخه"‬ ‫هذا وقد َّ‬
‫الواليات والوظائف الدينية التي ينبغي لولي األمر أن ي ِ‬
‫نص َب فيها أه َلها‬
‫ويزجر غيرهم من االفتئات عليهم ومنازعتهم في وظيفتهم‪ ،‬فقال ‪:--‬‬

‫(‪ )1‬البحر الرائق ‪.286/6‬‬


‫(‪ )2‬آداب الفتوى والمفتي والمستفتي ص ‪.18،17‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2748‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫ور ِد الفتيا إلى من هو ٌ‬


‫أهل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أهل العلم والتدريس‪َ ،‬‬
‫فللخليفة تص ُّف ُح ِ‬ ‫"وأما الفتيا‬
‫وإعانته على ذلك‪ ،‬ومنع من ليس أهالً لها وزجره؛ ألنها من مصالح‬ ‫ُ‬ ‫لها‪،‬‬
‫المسلمين في أديانهم‪ ،‬فتجب عليه مراعاتها؛ لئال يتعرض لذلك من ليس‬
‫بأهل في ِض َّل الناس"(‪.)1‬‬
‫ٍ ُ‬
‫وذكر الشيخ ابن القيم‪( - -‬ت ‪ 751‬هـ) تأثيم من أقر هؤالء‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫اعتمادا‬
‫ً‬ ‫المتطاولين على صنيعهم‪ ،‬وتباطأ عن منعهم من ذلك مع قدرته عليه؛‬
‫منه على أن أمر اإلفتاء كالتطبب والمداواة‪ ،‬ال ُيقر عليه من ال يحسنه‪،‬‬
‫ويعاقب باإلقدام عليه دون علم وتمكن‪ ،‬فقال ‪" :--‬من أفتى الناس‬
‫عاص‪ ،‬ومن أقره من والة األمور على ذلك فهو‬ ‫بأهل للفتوى فهو آثم ٍ‬
‫ٍ‬ ‫وليس‬
‫َّ‬ ‫ٌ‬
‫آثم ‪-‬أيضا‪ ،-‬قال أبو الفرج ابن الجوزي ‪( --‬ت ‪597‬هـ)‪ :‬ويلزم ولي‬
‫ُّ‬ ‫ٌ‬
‫الركب وليس له علم‬ ‫يد ُّل‬ ‫ِ‬
‫منع ُهم؛ كما فعل بنو أمية‪ ،‬وهؤالء بمنزلة من ُ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫األمرِ ُ‬
‫الناس إلى القبلة‪ ،‬وبمنزلة من ال معرفة‬ ‫ِ‬
‫بالطريق‪ ،‬وبمنزلة األعمى الذي ُي ْرش َد َ‬
‫حاال من هؤالء كلهم‪ ،‬وإذا تعين‬‫الناس‪ ،‬بل هو أسوأ ً‬ ‫ِب َ‬‫بالطب وهو يطب ُ‬
‫ِ‬ ‫له‬
‫َّ‬
‫التطبب من مداواة المرضى‪ ،‬فكيف بمن لم‬ ‫ُّ‬ ‫على ولي األمر منع من لم يحسن‬
‫يعرف الكتاب والسنة ولم يتفقه في الدين؟!‪ ..‬وكان شيخنا ‪-‬يقصد الشيخ ابن‬
‫شديد اإلنكار على هؤالء‪ ،‬فسمعته يقول‪ :‬قال لي‬
‫َ‬ ‫تيمية ‪( ‬ت ‪728‬هـ)‪-‬‬
‫ِ‬
‫محتسبا على الفتوى؟‪ ،‬فقلت له‪ :‬يكون على الخبازِ ين‬ ‫ت‬ ‫بعض هؤالء‪ِ :‬‬
‫َّ‬ ‫ً‬ ‫أجع ْل َ‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬ديوان المبتدأ والخبر في تا ريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن األكبر‪،‬‬
‫البن خلدون ‪ 274/1‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1408‬هـ ‪1988‬م‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫خليل شحادة‪.‬‬

‫‪2749‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫ِ‬
‫محتسب؟!"(‪.)1‬‬ ‫ب‪ ،‬وال يكون على الفتوى‬ ‫ِ‬
‫والطباخين محتس ٌ‬
‫َّ‬
‫يدل‬
‫وقد روي في األخبار عن سيدنا عمر بن الخطاب ‪ --‬ما ُّ‬
‫ٍ‬
‫وتنظيم‬ ‫واحتساب ونظرٍ‬
‫ٍ‬ ‫تنصيب‬
‫ٍ‬ ‫تحتاج إلى‬ ‫اإلفتاء والي ٌة‬ ‫على أنه كان يرى أن‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫من والة األمور‪ ،‬فأخرج الدرارمي ‪( --‬ت ‪255‬هـ) في سننه‪ ،‬وأبو بكر‬
‫ُّ‬
‫الدينوري (ت ‪333‬هـ) في "المجالسة"‪ ،‬وابن عبد البر (ت ‪463‬هـ) في "جامع‬
‫بيان العلم‪ ،‬عن ابن سيرين ‪ --‬أنه قال‪" :‬قال عمر ألبي مسعود‬
‫ارها من َت َو َّلى‬ ‫ِ‬
‫الناس ولست بأمير! فول َح َّ‬‫َ‬ ‫ت أنك ُت ْف ِتي‬ ‫الب ْدري‪ :‬نُب ِْئ ُ‬‫َ‬
‫معقبا على عبارة سيدنا‬ ‫َقارها " ‪ ،‬قال اإلمام الذهبي ‪( --‬ت ‪748‬هـ) ِ‬ ‫)‬‫‪2‬‬‫)‬ ‫(‬‫‪3‬‬‫(‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫ٍ (‪)4‬‬
‫أفتى بال إ ْذن" ‪.‬‬ ‫اإلمام من َ‬
‫ُ‬ ‫يمنع‬
‫مذهب عمر أن َ‬
‫َ‬ ‫"يدل على أن‬
‫عمر هذه‪ُّ :‬‬
‫يحدث عن‬ ‫وكذا روى ابن وهب ‪ --‬عن سفيان بن عيينة أنه كان ِ‬
‫الداري استأذن عمر ‪ --‬في أن َي ُق َّص ‪-‬أي‬ ‫َّ‬ ‫عمرو بن دينار‪" :‬أن تميم ًا‬
‫ِ‬
‫ت‬‫يتصدر لوعظ الناس ونصحهم‪ -‬فلم يأذن له عمر‪ ،‬وقال له‪" :‬إن شئت أَذ ْن ُ‬
‫الذ ْب ُح" وأشار بيده إلى َح ْل ِقه"(‪ ،)5‬وفي بعض األخبار أنه أذن له بعد‬
‫َل َك‪ ،‬وهو َّ‬

‫(‪ )1‬إعالم الموقعين ‪.217/4‬‬


‫ومشقتها من تو َّلى خيرها ودعتها‪ ،‬أي‪ :‬اترك األمر ألهله‪.‬‬
‫َّ‬ ‫شدتها‬ ‫مثل عربي معناه‪ِ :‬‬
‫ول َّ‬ ‫(‪ )2‬هو ٌ‬
‫َ‬
‫(‪ )3‬المجالسة وجواهر العلم‪ ،‬ألبي بكر الدينوري ‪ 278/6‬ط‪ .‬جمعية التربية اإلسالمية‪،‬‬
‫البحرين‪ ،‬سنة ‪ 1419‬هـ‪ ،‬تحقيق‪ :‬مشهور آل سليمان‪ ،‬سنن الدارمي‪ ،‬باب‪ :‬الفتيا وما فيه‬
‫من الشدة ح رقم (‪ ،) 170‬جامع بيان العلم وفضله‪ ،‬البن عبد البر ‪ 143/2‬ط‪ .‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬سنة ‪1398‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )4‬سير أعالم النبالء ‪.105/4‬‬
‫(‪ )5‬الجامع في الحديث‪ ،‬البن وهب ص ‪ 665‬ط‪ .‬دار ابن الجوزي‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫═‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2750‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫كل أسبوع‪ ،‬كما ورد في الخبر عن حميد بن عبد الرحمن‪" :‬أن‬


‫يوما من ِ‬
‫ذلك ً‬
‫الداري استأذن عمر ‪ --‬أن ي ُق َّص‪ ،‬فلم يأذن له‪ ،‬ثم استأذنه‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫تميما‬
‫ً‬
‫وأعظُهم‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫فقال له عمر‪ :‬تقول ماذا ؟‪ ،‬فقال‪ " :‬أَ ْقرأُ عليهم‬
‫القرآن وأذك ُرهم َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عثمان ‪ --‬فأذن له‪ ،‬ثم‬ ‫واحدا‪ ،‬ثم استأذن‬ ‫يوما‬ ‫َِ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫فأذ َن له في األسبوع ً‬
‫واحدا‪ ،‬فلم يأذن له"(‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫يوما‬
‫عمر ً‬ ‫واحدا‪ ،‬وقد كان استزاد‬ ‫ً‬ ‫وما‬
‫استزاده فزاده ي ً‬
‫َ‬
‫تنصيب المفتي وإجازة ولي األمر له باإلفتاء‬
‫ِ‬ ‫صريح في ضرورة‬
‫ٌ‬ ‫وهذا الخبر‬
‫ُ‬
‫بعد سؤال أهل العلم ومشاورتهم في أمر تنصيبه‪ ،‬فإذا كان مجرد التصدي‬
‫إذن السلطان في زمانهم‪ ،‬فكيف‬ ‫للعامة بالوعظ والنصح واإلرشاد يحتاج إلى ِ‬
‫باإلفتاء في هذا الزمان؟!‪.‬‬

‫‪h‬‬
‫═‬
‫‪1416‬هـ ‪1995‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬مصطفى حسن أبو الخير‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي عاصم في المذكر والتذكير والذكر ص‪ 65‬ط‪ .‬دار المنار‪ ،‬الرياض‪ ،‬سنة‬
‫‪1413‬هـ‪.‬‬

‫‪2751‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫املطلب الثاني‬
‫سلطة ولي األمر يف توحيد الفتوى اإللكرتونية الرَّمسية واإللزام بها‬
‫قانون في البالد ِ‬
‫ينظم أمر اإلفتاء‬ ‫ٍ‬ ‫بعد ما قررناه من ضرورة استصدار‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫المختصين به في البالد دون‬ ‫اإللكتروني وغيرِ ه من أنواع اإلفتاء‪ ،‬ويعيِن‬
‫أه ِله على منصات‬ ‫اعتالء منصبِه‪ ،‬ومنازع َة ْ‬
‫َ‬ ‫ويجرم على من عداهم‬ ‫ِ‬ ‫غيرهم‪،‬‬
‫اإلفتاء المختلفة‪ ،‬وبعد ما تقرر بسطه من مشروعية ذلك التقنين والتنظيم‪-‬‬
‫َّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫إلزام المفتين في المسائل االجتهادية بقول واحد يتعين‬ ‫ِ‬ ‫تبقى عندنا مسأل ُة‬
‫َّ‬
‫القول‬
‫ُ‬ ‫ات اإلفتاء الرسمي في البالد‪ ،‬بحيث يصير هذا‬ ‫اإلفتاء به في جميع منص ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫بقية األقوال واالجتهادات األخرى في المسألة‪ -‬هو الفتوى‬ ‫‪-‬دون غيره من ِ‬
‫الرسمية التي يجري عليها العمل في البالد‪ ،‬والتي يحظر أن ُي ْف َتى في البالد‬
‫َّ‬
‫يسمى بـ‪" :‬توحيد الفتوى" أو " الفتوى الر ْسمية الم ْلزِ مة"‪ ،‬وهي‬ ‫بغيرها‪ ،‬وهو ما َّ‬
‫َّ َّ‬
‫بمذهب‬
‫ٍ‬ ‫قديما في كتاب القضاء في مسألة إلزام القاضي‬ ‫ً‬ ‫مسأل ٌة بحثها الفقهاء‬
‫الكالم فيها حديثًا من الفقهاء المعاصرين في‬‫ُ‬ ‫معين ال يقضي إال به‪ ،‬كما ُب ِس َط‬
‫ٍ‬
‫الناس بالتقاضي على‬ ‫ِ‬
‫وإلزام ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلسالمية‬ ‫بحوثهم حول مشروعية تقنين الشريعة‬
‫ٍ‬
‫واحد ‪ -‬كما هو معمول به اآلن في مصر وغيرها من البلدان‪ ،-‬وقد‬ ‫رأي‬
‫ٍ‬
‫قديما ما بين مان ٍع ومؤيِد‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء ‪ --‬في ذلك ً‬
‫ِ‬
‫الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة ‪ --‬يرون عدم‬ ‫فجمهور‬
‫ُ‬
‫مطالب بالحكم بما رآه‬
‫ٌ‬ ‫جواز ذلك الشرط في ِ‬
‫حق القاضي المجتهد؛ ألنه‬
‫ط عليه(‪ ،)1‬قال ابن القيم ‪" :--‬وطَر ُد هذا‪ :‬أن‬
‫اشترِ َ‬
‫راجحا ال بما ُ‬
‫ً‬
‫ْ‬

‫(‪ )1‬تبصرة الحكام ‪ ،24/1‬مواهب الجليل ‪ ،98/6‬الحاوي الكبير للماوردي ‪ 25،24/16‬ط‪.‬‬


‫═‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2752‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫معين‪ ،‬بطل الشرط"(‪ ،)1‬وروى ابن‬


‫ٍ‬ ‫بمذهب‬
‫ٍ‬ ‫ط عليه َّأال ُي ْف ِتى َّإال‬ ‫ِ‬
‫المفتي متى ُشرِ َ‬
‫سعد في "طبقاته" بسنده عن اإلمام مالك ‪ --‬أنه قال‪" :‬لما َح َّج‬
‫المنصور ‪ ،‬دعاني‪ ،‬فدخلت عليه‪ ،‬فحادثته‪ ،‬وسألني‪ ،‬فأجبته‪ ،‬فقال‪ :‬عزمت أن‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫أبعث إلى كل مصرٍ من‬ ‫فت ْن َس َخ ُن َس ًخا‪ ،‬ثم‬
‫ُ‬ ‫آمر بكتبك هذه ‪ -‬يعني‪ :‬الموطأ‪ُ -‬‬
‫بنسخة‪ ،‬وآمرهم أن يعملوا بما فيها‪ ،‬ويدعوا ما سوى ذلك‬ ‫ٍ‬ ‫أمصارِ المسلمين‬
‫وعلمهم‪ ،‬قلت‪:‬‬ ‫ِ‬
‫المدينة‬ ‫أهل‬
‫العلم رواي ُة ِ‬‫ِ‬ ‫المحد ِث؛ فإني رأيت َ‬
‫أصل‬ ‫َ‬ ‫من العلم‬
‫ُ‬
‫الناس قد ِسي َقت إليهم أقاويل‪ ،‬وسمعوا‬ ‫َ‬ ‫يا أمير المؤمنين‪ ،‬ال تفعل؛ فإن‬
‫قوم بما ِس َيق إليهم‪ ،‬وعملوا به‪ ،‬ودانوا به‪،‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫ٍ‬
‫روايات‪ ،‬وأخذ ُّ‬ ‫ورو ْوا‬
‫أحاديث‪َ ،‬‬
‫رد ُهم عما‬‫وإن َّ‬ ‫من اختالف أصحاب رسول اهلل ‪ ‬وغيرهم‪َّ ،‬‬
‫بلد ألنفسهم‪،‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫أهل ِ‬ ‫الناس وما هم عليه‪ ،‬وما اختار ُ‬ ‫شديد‪ ،‬فدع‬
‫ٌ‬ ‫اعتقدوه‬
‫َ‬
‫فقال‪ :‬لعمري‪ ،‬لو طاوعتني ألمرت بذلك"(‪.)2‬‬
‫الشرط وأوجبوا على القاضي‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫المتأخرين أجازوا ذلك‬ ‫جمعا من‬ ‫لكن‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫مجتهدا كان أو غير مجتهد‪-‬؛ ألن التولية قد َح َصر ْته في ذلك‪،‬‬
‫ً‬ ‫االلتزام به ‪-‬‬
‫َ‬

‫═‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪1419‬هـ ‪1999‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬عادل عبد‬
‫الموجود‪ ،‬علي معوض‪ ،‬روضة الطالبين ‪ ،103/8‬أسنى المطالب ‪ ،287/4‬المغني شرح‬
‫مختصر الخرقي‪ ،‬موفق الدين ابن قدامة ‪ 93/10‬ط‪ .‬مكتبة القاهرة‪ ،‬سنة ‪1388‬هـ‬
‫‪ 1968‬م‪ ،‬شرح منتهى اإلرادات المسمى‪ :‬دقائق أولي النهى لشرح المنتهى‪ ،‬للبهوتي‬
‫‪ 491/3‬ط‪ .‬عالم الكتب‪ ،‬الطبعة األولى ‪1414‬هـ ‪1993‬م‪.‬‬
‫(‪ )1‬إعالم الموقعين ‪.185/4‬‬
‫(‪ )2‬الطبقات الكبرى ‪.468/5‬‬

‫‪2753‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫يتعداه‪ ،‬كما هو المذهب عند متأخري الحنفية(‪، )1‬‬


‫َّ‬ ‫فلم َي ُج ْز له أن‬
‫ِ‬
‫المالكية حكاه الدسوقي ‪( --‬ت ‪1230‬هـ) عنهم(‪،)2‬‬ ‫وقول لبعض‬ ‫ٌ‬
‫واختيار التقي السبكي ‪( --‬ت ‪756‬هـ) في "فتاويه"(‪.)3‬‬
‫زمن‪ ،‬حتى‬
‫القول هو ما سار عليه العمل في جميع األقطار منذ ٍ‬
‫ُ‬ ‫وهذا‬
‫بصحيح مذهبِه‬
‫ِ‬ ‫الح ْص َكفي ‪( --‬ت ‪1088‬هـ)‪" :‬ولو قي َده السلطا ُن‬ ‫قال َ‬
‫َّ‬
‫معزوال عنه"(‪ ،)4‬أي‪" :‬عن غير ما ُقيِد به"(‪.)5‬‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬
‫خالف؛ لكونه‬ ‫كزماننا‪ ،‬تقيد بال‬
‫َّ‬
‫األزمنة األولى التي‬‫ِ‬ ‫فمحمول عندي على‬ ‫ٌ‬ ‫الجمهور‬ ‫وأما ما ذهب إليه‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫اللجوء إلى‬ ‫لكنا في زماننا ليس لنا بد من‬ ‫ِ‬
‫عدد القضاة المجتهدين‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫كثر فيها‬
‫ودفعا‬ ‫والقانون الملزِ م؛ ضب ًطا لألمور‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫العمل بالفتوى الرسمية الموح ِ‬
‫دة‬
‫ً‬ ‫َّ‬ ‫َّ ْ َّ‬
‫للفوضى‪ ،‬وإنني ْأس َت ْش َه ُد ههنا بعبارة اإلمام الشاطبي ‪( --‬ت ‪790‬هـ)‬
‫درجة االجتهاد‪ ،‬وحين‬ ‫ِ‬ ‫الحاكم بلو َغ‬‫ِ‬ ‫حاكيا فيها عن زمنه‪ ،‬فقال‪" :‬شرطوا في‬
‫ً‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ُف ِق َد‪ ،‬لم يكن ُبد من االنضباط إلى أمرٍ واحد‪ ،‬كما فعل وال ُة قرطبة حين‬
‫ٍ‬
‫فالن‪،‬‬ ‫بمذهب‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫فالن َما َو َج َده‪ ،‬ثم‬ ‫بمذهب‬
‫ِ‬ ‫الحاكم َّأال يحكم َّإال‬ ‫ِ‬ ‫شرطوا على‬
‫المفاسد المتوقعة"(‪.)6‬‬ ‫ُ‬ ‫األحكام بذلك‪ ،‬وارتفعت‬ ‫ُ‬ ‫فانضبطت‬

‫(‪ )1‬الدر المختار مع حاشية ابن عابدين ‪.408 ،407/5‬‬


‫(‪ )2‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير‪ ،‬للشيخ محمد بن عرفة الدسوقي ‪ 130/4‬ط‪ .‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫(‪ )3‬فتاوي السبكي‪ ،‬لتقي الدين السبكي ‪ 13،12/2‬ط‪ .‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫(‪ )4‬الدر المختار ‪.408/5‬‬
‫(‪ )5‬حاشية ابن عابدين ‪.408/5‬‬
‫(‪ )6‬الموافقات‪ ،‬للشاطبي ‪ 95/5‬ط‪ .‬دار ابن عفان‪ ،‬الطبعة األولى ‪1417‬هـ ‪1997‬م‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫═‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2754‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫ِ‬
‫الواحد‪ ،‬وهو الفتوى‬ ‫ِ‬
‫الضبط واالنضباط إلى األمرِ‬ ‫فال مناص إذن من‬
‫نصا قطعي الداللة‬
‫تخالف ًّ‬
‫ُ‬ ‫المعتمد ُة والم ْلزِ م ُة للجميع ‪-‬ما دامت ال‬
‫َ‬ ‫الرسمي ُة‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫مجمعا عليه عند فقهاء األمة‪ -‬حتى وإن رأى‬‫ً‬ ‫والثبوت‪ ،‬وال تخالف أمرا‬
‫ً‬
‫عين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البعض أنها صدرت مواف َق ًة لمراد السلطان واستجاب ًة لطلبِه؛ فإن ذلك هو ُ‬ ‫ُ‬
‫الشرعية‪ ،‬ومقتضى المصلحة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السياسة‬
‫اإلمام إذا‬‫ِ‬ ‫"اجتهاد‬ ‫ِ‬
‫"الغياثي"‪:‬‬ ‫قال إمام الحرمين الجويني ‪ --‬في‬
‫ُ‬
‫فيتحتم‬ ‫قوما‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫َّ‬ ‫موج ِب اجتهاده ً‬ ‫مظنونة‪ ،‬ودعا إلى‬ ‫مسألة‬ ‫حكم في‬ ‫أدى إلى‬ ‫َّ‬
‫الصديق ‪--‬‬ ‫ُ‬ ‫اإلمام‪ ،‬كما قاتل‬ ‫اإلمام‪ ،‬فإن أَ َب ْوا قاتلهم‬ ‫ِ‬ ‫عليهم متابع ُة‬
‫ُ‬
‫قطعا فيما‬ ‫ِ‬
‫اتباع اإلمام ً‬ ‫ُ‬ ‫مانعي الزكاة في القصة المعروفة‪ ...‬إلى أن قال‪" :‬يجب‬
‫تأتي‬ ‫الت َح ِري‪ ،‬لما َّ‬ ‫ِ‬
‫اتباع اإلمام في مسائل َّ‬ ‫ُ‬ ‫الم ْج َت َه َدات‪ ...‬ولو لم يتعين‬
‫َّ‬ ‫يراه من ُ‬
‫كل َخ ْص ٍم بمذه ِبه ومطلبه‪،‬‬ ‫والس َت ْم َس َك ُّ‬ ‫المجته َدات‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الخصومات في‬ ‫فصل‬‫ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫خصومات ال تنقطع‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫خالف الفقهاء مرتبكين في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مجال‬ ‫الخصماء في‬ ‫وبقي‬
‫ُ‬
‫العباد في موارد االجتهاد"(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حكومات‬ ‫ومعظم‬
‫ُ‬
‫الحاكم في‬ ‫ِ‬ ‫وقال اإلمام القرافي ‪ --‬في "فروقه"‪" :‬اعلم أن حكم‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الحاكم‪،‬‬ ‫لمذهب‬ ‫المخالف عن مذه ِبه‬ ‫وير ِج ُع‬ ‫الخالف‪،‬‬ ‫يرفع‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫مسائل االجتهاد ُ‬
‫عما كانت عليه على القول الصحيح من مذاهب‬ ‫ِ‬
‫وتتغي ُر فتياه بعد الحكم َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العلماء‪ ،‬فمن ال يرى وقف المشاع‪ ،‬إذا حكم حاكم بصحة وقفه‪ ،‬ثم ُرف َعت‬
‫ٌ‬

‫═‬
‫مشهور حسن‪.‬‬
‫(‪ )1‬غياث األمم في التياث الظلم‪ ،‬إلمام الحرمين الجويني ص ‪ 217‬ط‪ .‬مكتبة إمام‬
‫الحرمين‪ ،‬الطبعة الثانية‪1401 ،‬هـ تحقيق‪ :‬عبد العظيم الديب‪.‬‬

‫‪2755‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫يحل له بعد ذلك أن ُي ْف ِتي‬ ‫الواقع ُة لمن كان يفتي ببطالنه‪ ،‬ن َّف َذه وأمضاه‪ ،‬وال ُّ‬
‫طالق‪ ،‬فتزوجها‪ ،‬وحكم حاكم‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫تزوجتك‪ ،‬فأنت‬ ‫ببطالنه‪ ،‬وكذلك إذا قال‪ :‬إن‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫النكاح‪ ،‬وال‬ ‫لزوم الطالق له‪ُ ،‬ي ْن ِف ُذ هذا‬ ‫بصحة هذا النكاح‪ ،‬فالذي كان يرى‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يحل له بعد ذلك أن يفتي بالطالق‪ ...‬الخ"(‪.)1‬‬
‫فالحاصل أن الفقه اإلسالمي‪ -‬وفق عبارة الشيخ الزرقا ‪( -‬ت‬
‫شمول ِ‬
‫بعض‬ ‫ِ‬ ‫يحد َد من‬ ‫ٍ‬
‫خليفة أو سواه‪ ،‬أن ِ‬ ‫لولي األمر من‬
‫أقر ِ‬ ‫‪1420‬هـ) "قد‬
‫َّ‬
‫مرجوح إذا اقتضت‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ضعيف‬ ‫ٍ‬
‫بقول‬ ‫بالعمل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وتطبيقها‪ ،‬أو يأمر‬ ‫األحكام الشرعية‬
‫العمل به؛ وفقا لقاعدة‬
‫ُ‬ ‫الراجح الذي يجب‬
‫ُ‬ ‫المصلح ُة الزمني ُة ذلك‪ ،‬فيصبح هو‬
‫بتبدل األزمان"(‪ ،)2‬وأن نصوص‬ ‫ِ‬
‫األحكام ُّ‬ ‫"تبدل‬
‫"المصالح المرسلة" وقاعدة ُّ‬
‫يد أن السلطان إذا أمر بأمرٍ في موضو ٍع‬ ‫الفقهاء في مختلف األبواب ُت ِف ُ‬
‫قابل لالجتهاد وغيرِ مصادم للنصوص القطعية‪ -‬كان أمره‬ ‫ٍ‬ ‫اجتهادي ‪-‬أي‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫واجبة‬ ‫ٍ‬
‫طارئة‬ ‫ٍ‬
‫لمصلحة‬ ‫ِ‬
‫العقود‬ ‫بعض‬
‫شرعا‪ ،‬فلو منع َ‬ ‫ِ‬
‫االحترام والتنفيذ‬ ‫واجب‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫منعه‬ ‫الرعاية‪ ،‬وقد كانت تلك العقود جائز ًة نافذ ًة شرعا‪ ،‬فإنها تصبح بمقتضى ِ‬
‫ُ‬
‫(‪)3‬‬
‫باطل ًة أو موقوف ًة على حسب األمر" ‪ ،‬فهذا هو الفقه الذي ينبغي الوقوف‬

‫(‪ )1‬الفروق ‪.179/2‬‬


‫(‪ )2‬ولفظ القاعدة عند الفقهاء‪" :‬ال ينكر تغير األحكام بتغير األزمان" [ينظر‪ :‬مجلة األحكام‬
‫العدلية مع شرحها درر الحكام‪ ،‬لعلي حيدر أفندي (مادة ‪ 47/1 )39‬ط‪ .‬دار الجيل‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪1411‬هـ ‪1991‬م‪ ،‬تعريب‪ :‬فهمي الحسيني‪ ،‬قواعد الفقه‪ ،‬لمحمد عميم‬
‫اإلحسان البركتي ص ‪.]113‬‬
‫(‪ )3‬الم دخل الفقهي العام‪ ،‬للشيخ مصطفى أحمد الزرقا ‪ 215/1‬وما بعدها ط‪.‬دار القلم‪،‬‬
‫دمشق‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1425‬هـ ‪2004‬م‪.‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2756‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫عليه والمصير إليه(‪.)1‬‬


‫هذا‪ ،‬وقد شحنت كتب الفقه اإلسالمي‪ -‬سل ًفا وخل ًفا‪ -‬بما قررناه من‬

‫تدل على فوضى الفتاوي اإللكترونية‬ ‫ٍ‬


‫واقعة من الوقائع التي ُّ‬ ‫(‪ )1‬والمقام ههنا يدعوني لذكر‬
‫التي نعانيها اليوم في صفحات التواصل االجتماعي وغيرها من المواقع التي تابعت عددا‬
‫منها ليس بالقليل أثناء كتابتي لهذا البحث‪ ،‬وملخص الواقعة أن سيد ًة أرسلت سؤاال إلى‬
‫دار اإلتاء المصرية عبر تطبيقها الرسمي على الهواتف الذكية‪ ،‬ونصه كالتالي‪ " :‬نحن أربع‬
‫بنات وأختي الصغيرة سيتم زواجها بعد أسبوعين‪ ،‬ووالدي متوفى‪ ،‬وليس لدينا أخوة‪،‬‬
‫وعندنا عم واحد فقط وال يسأل عنا‪ ،‬أخذ ورثه وال يفعل أي شيء من أجلنا‪ ،‬وليس لدينا‬
‫خال‪ ،‬فهل يجوز أن يكون وليها في العقد زوج أختي الكبيرة؟"‪ -‬فجاءتها الفتوى من دار‬
‫اإلفتاء بأنه يجوز خلو عقد الزواج من ولي عند أبي حنيفة‪ ،‬فيجوز للرشيدة بكرا كانت أم‬
‫ثيبا أن تزوج نفسها بغير ولي‪ ،‬وهذ هو المعمول به في الديار المصرية وغيرها من‬
‫قضاء‪ ...‬الخ الفتوى‪ .‬فأخذت السيدة نسخة من الفتوى هذه وأرسلتها إلى صفحة‬
‫ً‬ ‫البلدان‬
‫على الفيس بوك ‪ Facebook‬باسم "فتاوي معاصرة"‪ ،‬يديرها من داخل مصر مجموع ٌة‬
‫هوياتهم ومؤهالتهم‪ -‬ألصقت السيد ُة على هذه الصفحة‬
‫من األشخاص الذين ال تُ ْع َلم َّ‬
‫نص الفتوى الصادرة لها من دار اإلفتاء وسألت مديري الصفحة عن الفتوى بقولها‪ " :‬هل‬
‫باطل؛ النعدام‬
‫ٌ‬ ‫أحد مديري الصفحة بأن النكاح‬
‫يجوز زوج أختي يكون وليها؟" ‪ -‬ليجيبها ُ‬
‫الولي‪ ،‬عمال بحديث النبي ‪" :‬ال نكاح إال بولي‪ ...‬الحديث"‪ ،‬حتى وإن‬
‫ٍ‬
‫لمخلوق في معصية الخالق‪ ...‬الخ ما‬ ‫جرى على ذلك العمل في البالد؛ ألنه ال طاعة‬
‫أمثال هؤالء ليعبثوا في أمر اإلفتاء إلى هذا الحد؟!‪.‬‬
‫ُ‬ ‫يعقل أن يترك‬
‫ُ‬ ‫أجاب به‪ .‬فهل‬
‫وقد نشر هذا المنشور على الصفحة المذكورة بتاريخ ‪2020/2/11‬م‪ ،‬وعنوانه على‬
‫الحساب المذكور‪:‬‬
‫‪https://m.facebook.com/groups/275013542854455?view=perma‬‬
‫‪link&id=1042172702805198‬‬

‫‪2757‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫ِ‬
‫والقضاة بما أُ ْلزِ ُموا به من السلطان من آراء وأقوال في مسائل‬ ‫التزام المفتين‬
‫نصوصا قطعية‪ ،‬ففي الخبر عن عبيد بن َن ْضلة‬
‫ً‬ ‫إجماعا وال‬
‫ً‬ ‫اجتهادية ال تصادم‬
‫قال‪" :‬كان عمر ‪-‬يعني ابن الخطاب‪ -‬وعبد اهلل ‪-‬يعني ابن مسعود ‪--‬‬
‫الس ْد ُس خيرا له في‬ ‫بالجد مع األخوة ما بينه وبين أن يكون‬ ‫ِ‬ ‫ي َق ِ‬
‫اسمان‬
‫ً‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫بالجد‪،‬‬ ‫مقاسمتهم‪ ،‬ثم إن عمر كتب إلى عبد اهلل‪ :‬ما أرى َّإال أ َّنا قد أَ ْج َح ْفنا‬
‫فقاس ْم به من اإلخوة ما بينه وبين أن يكون الثلث خيراً‬ ‫فإذا جاءك كتابي هذا‪ِ ،‬‬
‫الحديث يفيد أن عبد اهلل بن‬ ‫ُ‬ ‫له من مقاسمتهم‪ ،‬فأخذ بذلك عبد اهلل"(‪ ،)1‬فهذا‬
‫المجتهد الورع‪ ،‬مفتي الكوفة في خالفة سيدنا‬ ‫ُ‬ ‫مسعود ‪ --‬وهو اإلمام‬
‫بأن ميراثه إذا اجتمع‬ ‫ِ‬
‫الجد َّأو َل األمرِ َّ‬ ‫عمر ‪ --‬كان ُي ْف ِتي ويقضي في‬
‫يقل نصيبه عن‬ ‫ألب‪ ،‬أن يقاسمهم كأ ٍخ معهم بشرط َّأال َّ‬ ‫مع اإلخوة األشقاء أو ٍ‬
‫ُ‬
‫السدس‪ ،‬ثم إن سيدنا عمر بن الخطاب‬ ‫ُ‬ ‫قل عن السدس‪ ،‬أُ ْع ِطي‬ ‫السدس‪ ،‬فإن َّ‬
‫َ‬
‫بالجد مع اإلخوة بشرط أال‬ ‫ِ‬ ‫‪ --‬كتب إليه ‪-‬وكان الخليف َة‪ :-‬أن قاسم‬
‫يقل نصيبه عن الثلث‪ ،‬فالتزم سيدنا عبد اهلل بن مسعود ‪ --‬ذلك في‬
‫ُ‬
‫أئمتنا"‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بقضاء ِ‬ ‫أقضيته وفتاويه‪ ،‬وكان يقول في ذلك‪" :‬إنما َن ْق ِضي‬

‫(‪ )1‬أخرجه سعيد بن منصور في سننه‪ ،‬كتاب‪ :‬الف رائض‪ /‬باب‪ :‬قول عمر في الجد‪ ،‬ح رقم‬
‫(‪ 66/1 )59‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪1985‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬حبيب‬
‫الرحمن األعظمي‪ ،‬و أخرجه البيهقي في السنن الكبرى‪ ،‬كتاب‪ :‬الفرائض‪ /‬باب‪ :‬كيفية‬
‫المقاسمة بين الجد واإلخوة واألخوات‪ ،‬ح رقم (‪ 408/6 ،)12437‬ط‪ .‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1424‬هـ ‪2003‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عبد القادر عطا‪ .‬وقال‬
‫صحيح" [ينظر‪ :‬فتح الباري شرح صحيح‬
‫ٌ‬ ‫ابن حجر –‪ -‬في "الفتح"‪" :‬سنده‬
‫البخاري‪ ،‬البن حجر ‪ 21/12‬ط‪ .‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪1379 ،‬هـ]‪.‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2758‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫أخ لنا في‬


‫الضبِي قال‪" :‬توفي ٌ‬
‫كما ورد في الحديث عن شعبة بن التوأم َّ‬
‫الجد مع‬
‫َّ‬ ‫وإخوته‪ ،‬فأتينا ابن مسعود فأعطى‬
‫َ‬ ‫جده‬
‫عهد عمر بن الخطاب‪ ،‬وترك َّ‬
‫وإخوته‪،‬‬
‫َ‬ ‫جده‬ ‫ٍ‬
‫عثمان‪ ،‬وترك َّ‬ ‫آخر في عهد‬ ‫أخ لنا‬ ‫السدس‪ ،‬ثم توفى ٌ‬ ‫ِ‬
‫اإلخوة‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫الثلث‪ ،‬فقلنا‪ :‬أما أتيناك في أخينا‬
‫َ‬ ‫الجد مع اإلخوة‬ ‫َّ‬ ‫فأتينا ابن مسعود فأعطى‬
‫السدس‪ ،‬ثم جعلت له اآلن الثلث؟!‪ ،‬فقال‬ ‫ِ‬
‫للجد مع اإلخوة‬ ‫األول فجعلت‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫طائفة من أهل‬ ‫عبد اهلل‪ :‬إنما نقضي بقضاء أئمتنا"(‪ ،)1‬ومن أجل ذلك ُن ِق َل عن‬
‫معلوم مع اإلخوة‪ ،‬إنما هو على حسب ما‬
‫ٌ‬ ‫شيء‬
‫ٌ‬ ‫للج ِد‬
‫العلم قولهم‪" :‬ليس َ‬
‫َي ْق ِضي فيه الخليفة"(‪.)2‬‬
‫ومن قبيل ذلك ما ثبت من أن القضاء والفتوى كانت في زمن النبي‬
‫يرث‬
‫المسلم ال ُ‬ ‫‪ ‬والخلفاء األربعة ‪-‬رضوان اهلل عليهم‪ -‬على أن‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫األربعة وجماهير‬ ‫ِ‬
‫األئمة‬ ‫قريبه الكافر إذا مات‪ ،‬وهذا هو المذهب عند‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الصحابة والتابعين ‪-‬رضوان اهلل عليهم أجمعين‪-‬؛ عمال بحديث النبي‪-‬‬
‫يرث المسلم الكافر‪ ،‬وال الكافر المسلم"(‪ ،)3‬لكن ُر ِو َي‬
‫‪" :-‬ال ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه سعيد بن منصور في سننه‪ ،‬كتاب الفرائض‪ /‬باب‪ :‬قول عمر في الجد‪ ،‬ح رقم‬
‫(‪ ، 67/1 )61‬والحديث ذكره ابن حزم في "المحلى" وقال‪" :‬الرواية عن عمر –يعني في‬
‫هذا الحديث‪ -‬في غاية الصحة" [المحلى باآلثار‪ ،‬البن حزم ‪ 307،308/8‬ط‪ .‬دار الفكر‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬د‪.‬ت]‪.‬‬
‫(‪ )2‬المحلى‪ ،‬البن حزم ‪.307/8‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أسامة بن زيد ‪ --‬في كتاب‪ :‬الفرائض‪/‬‬
‫باب‪ :‬ال يرث المسلم الكافر وال الكافر المسلم ح رقم (‪ ،)6764‬ومسلم في صحيحه في‬
‫أول كتاب الفرائض ح رقم (‪.)1614‬‬

‫‪2759‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫كمعاذ ومعاوية ‪ --‬وبعض التابعين؛ كسعيد بن‬ ‫ٍ‬ ‫عن بعض الصحابة؛‬
‫ِ‬
‫المسلم‬ ‫المسيب ومحمد بن الحنفية ومسروق وغيرهم‪ ،‬أنهم قالوا بتوريث‬
‫نكاح نسائهم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫توريث الكافرِ من المسلم؛ احتجاجا ِ‬
‫بح ِل‬ ‫ِ‬ ‫من الكافرِ ‪ ،‬وعدم‬
‫فقالوا‪ :‬ننكح نساءهم وال ينكحون نساءنا‪ ،‬فكذلك نرثهم وال يرثوننا(‪ ،)1‬وورد‬
‫المذهب‪،‬‬
‫ِ‬ ‫شريحا القاضي (ت ‪78‬هـ) بهذا‬
‫ً‬ ‫أن سيدنا معاوية ‪ --‬ألزم‬
‫فالتزمه رغم أنه كان يذهب مذهب الجمهور في هذه المسألة‪ ،‬وكان ‪‬‬
‫َ‬
‫قضاء أميرِ المؤمنين"؛ فروى‬‫ُ‬ ‫إذا قضى بإلزام معاوية ‪ --‬يقول‪" :‬هذا‬
‫رجل إلى معاوية‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫سعيد بن منصور في "سننه" عن الشعبي أنه قال‪" :‬جاء‬ ‫ُ‬
‫ينفع ِني؟ قال‪ :‬بل ينفعك؛ فما ذاك؟ فقال‪ :‬إن‬ ‫يضرني أم ُ‬
‫اإلسالم ُّ‬
‫َ‬ ‫أرأيت‬
‫َ‬ ‫فقال‪:‬‬
‫أباه كان نصرانياً‪ ،‬فمات أبوه على نصراني ِته‪ ،‬وأنا مسلم‪ ،‬فقال إخوتي ‪-‬وهم‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫إيت ِني بهم‪ ،‬فأتاه بهم‪،‬‬
‫بميراث أبينا منك‪ ،‬فقال معاوية‪ِ :‬‬
‫ِ‬ ‫نصارى‪ :-‬نحن أولى‬
‫ميراث أبيكم شرع سواء‪ ،‬وكتب معاوي ُة إلى ِ‬
‫زياد بن أبيه‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫فقال‪ :‬أنتم وهو في‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫كتابه‬
‫الكافر من المسلم‪ ،‬فلما انتهى ُ‬ ‫أن َو ِرث المسلم من الكافر‪ ،‬وال ِ‬
‫تورث‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يورث‬‫زياد أرسل إلى شريح‪ ،‬فأمره أن يورث المسلم من الكافرِ ‪ ،‬وال ِ‬ ‫إلى ٍ‬
‫َ‬
‫شريح قبل ذلك ال َيو ِرث الكافر من المسلم‪ ،‬وال‬ ‫ٌ‬ ‫الكافر من المسلم‪ ،‬وكان‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫بقوله‪ ،‬فكان إذا قضى بذلك يقول‪:‬‬ ‫المسلم من الكافر‪ ،‬فلما أمره زياد‪ ،‬قضى ِ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬المبسوط للسرخسي ‪ 30/30‬ط‪ .‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬سنة ‪1414‬هـ ‪1993‬م‪ ،‬الذخيرة‬
‫للقرافي ‪ ،21/13‬بداية المجتهد ونهاية المقتصد‪ ،‬البن رشد الحفيد ‪ 353،352/2‬ط‪.‬‬
‫مصطفى البابي الحلبي‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪1395‬هـ ‪1975‬م‪ ،‬الحاوي الكبير ‪ 78/8‬وما‬
‫بعدها‪ ،‬نهاية المطلب في دراية المذهب‪ ،‬للجويني ‪ 21/9‬ط‪ .‬دار المنهاج‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪1428‬هـ ‪2007‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عبد العظيم الديب‪ ،‬المغني‪ ،‬البن قدامة ‪.367/6‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2760‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫هذا قضاء أمير المؤمنين"(‪.)1‬‬


‫يرث المسلم‬
‫وأخرج ابن أبي شيبة بسنده عن الزهري أنه قال‪" :‬كان ال ُ‬
‫ُ‬
‫الكافر‪ ،‬وال الكافر المسلم على عهد رسول اهلل ‪ ‬وال على عهد‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ث المسلم من‬ ‫أبي بكر وعمر وعثمان‪ ،‬فلما ولي معاوي ُة بن أبي سفيان َو َّر َ‬
‫َ‬
‫الخلفاء حتى قام عمر بن‬
‫ُ‬ ‫يورث الكافر من المسلم‪ ،‬فأخذ بذلك‬ ‫الكافر‪ ،‬ولم ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫يزيد بن عبد الملك‪ ،‬فلما قام‬
‫الس َّن َة األولى‪ ،‬ثم أخذ بذلك ُ‬
‫عبد العزيز فراجع ُّ‬
‫هشام بن عبد الملك أخذ ِ‬
‫بسنة الخلفاء"(‪.)2‬‬ ‫ُ‬
‫متأخروا الحنفية عن أئمتهم القول بأن "طاعة اإلمام في غيرِ‬ ‫ِ‬ ‫وقد نقل‬
‫صومه"(‪ ،)3‬ففي المذهب‬ ‫معصية واجبةٌ‪ ،‬حتى لو أنه أمر بصوم ٍ‬
‫يوم‪َ ،‬و َج َب‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬
‫كل ركعة‪ ،‬ففي‬‫ثالث في ِ‬‫ٌ‬ ‫عندهم ‪-‬مثال‪ -‬أن التكبيرات الزوائد في صالة العيد‬
‫ٍ‬
‫تكبيرات زوائد‪ ،‬ثم يقرأ‬ ‫ِ‬
‫الركعة األولى يكبِر تكبير َة االفتتاح‪ ،‬ويتبعها بثالث‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫تكبيرات زوائد‪ ،‬ثم يكبر‬ ‫ويكبر للركوع‪ ،‬وفي الثانية يكبر بعد القراءة ثالث‬

‫(‪ )1‬أخرجه سعيد بن منصور في سننه‪ ،‬كتاب‪ :‬الفرائض‪ /‬باب‪ :‬ال يتوارث أهل ملتين‪ ،‬ح رقم‬
‫ضعيف بسبب مجالد بن سعيد"‬
‫ٌ‬ ‫إسناد‬
‫ٌ‬ ‫(‪ .)146‬وقال الحافظ ابن حجر –‪" :-‬هو‬
‫[المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية‪ ،‬البن حجر العسقالني‪ ،‬تحقيق‪ :‬مجموعة من‬
‫الباحثين في رسائل جامعية‪ ،‬تنسيق د‪ .‬سعد الشثري ‪ 41/8‬ط‪ .‬دار العاصمة‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى سنة ‪1419‬هـ ‪1998‬م]‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه‪ ،‬كتاب‪ :‬الفرائض‪ /‬باب‪ :‬من قال‪ :‬ال يرث المسلم‬
‫الكافر‪ ،‬ح رقم (‪ 284/6 ،)31448‬ط‪ .‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األولى ‪1406‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )3‬غمز عيون البصائر في شرح األشباه والنظائر‪ ،‬الحموي ‪ 373/1‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪1405‬هـ ‪1985‬م‪ ،‬حاشية ابن عابدين ‪.422/5‬‬

‫‪2761‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫للركوع‪ ،‬ويركع‪ ،‬وهذا هو قول ابن مسعود ‪ ،--‬وخالفه ابن عباس ‪-‬‬
‫تسع أو عشر‬
‫‪ -‬في ذلك‪ ،‬ورأى أن التكبيرات الزوائد في صالة العيد ٌ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫تكبيرة‬ ‫ٍ‬
‫تكبيرات منها في األولى بعد‬ ‫خمس‬ ‫‪-‬على اختالف الراوايات‪،-‬‬
‫ُ‬
‫خمس‪ ،‬يقرأ بعدها ثم يكبر للركوع‪ ،‬ويركع‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫وأربع في الثانية أو‬
‫ٌ‬ ‫االفتتاح‪،‬‬
‫ِ‬
‫الوالة‬ ‫ِ‬
‫ألوالده من بني العباس أخذوا على‬ ‫ورو ْوا أن الخالفة لما صارت‬
‫َ‬
‫العيد على مذهب ِ‬
‫جدهم عبد اهلل بن‬ ‫ِ‬ ‫وكتبوا في مناشيرهم أن يصلوا صال َة‬
‫عباس‪ ،‬وقد ُر ِو َي عن القاضي أبي يوسف ‪( --‬ت ‪182‬هـ) أنه كان‬
‫العيد بتكبيرِ ابن عباس؛ ألن الخليفة هارون الرشيد ‪( --‬ت‬
‫َ‬ ‫يصلي‬
‫‪193‬هـ) ألزمه بذلك‪ ،‬وكذا روي عن محمد بن الحسن ‪( --‬ت‬
‫المذهب‪ :‬أن هارون‬‫ِ‬ ‫الصنيع في‬
‫ُ‬ ‫‪189‬هـ) أنه فعل ذلك ‪-‬أيضا‪ ،-‬وتأويل هذا‬
‫جده‪ ،‬ففعال ذلك امتثاالً ألمره‪ ،‬وإظهار ًا لمتابعته‪ ،‬ال‬‫أَمرهما أن يكبِرا تكبير َة ِ‬
‫ََ‬
‫(‪)2‬‬ ‫ٍ‬
‫بمعصية واجب ٌة" ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اإلمام فيما ليس‬ ‫)‬‫‪1‬‬ ‫(‬
‫مذهباً واعتقاداً ‪ ،‬قالوا‪" :‬ألن طاع َة‬
‫العثمانية صدر أمر سلطاني بعدم جواز شراء ِ‬
‫عبيد‬ ‫ِ‬ ‫وكذا في زمن الخالفة‬
‫ٌ‬
‫تصحيح شرائهم حيل ًة للتخلص‬
‫ُ‬ ‫وهربوا منها؛ حتى ال ُي َّت َخ َذ‬
‫ُ‬ ‫العسكرية إذا أَ ِب ُقوا‬
‫من الخدمة العسكرية‪ ،‬وكان مفتي الدولة العثمانية من كبار علماء المذهب‬
‫الحنفي حينها‪ ،‬وهو المفتي أبو السعود أفندي ‪( --‬ت ‪982‬هـ )‪ ،‬وقد‬
‫منصب اإلفتاء الرسمي في البالد في زمن السلطان سليمان القانوني (ت‬
‫َ‬ ‫ولى‬

‫(‪ )1‬المحيط البرهاني في الفقه النعماني‪ ،‬البن مازة ‪ 97/2‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪1424‬هـ ‪ 2004‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الكريم الجندي‪ ،‬العناية شرح الهداية‪،‬‬
‫للبابرتي ‪ 74/2‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،.‬البحر الرائق ‪ ،173/2‬حاشية ابن عابدين ‪.172/2‬‬
‫(‪ )2‬حاشية ابن عابدين ‪.172/2‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2762‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫‪974‬هـ)‪ ،‬فكان ‪ --‬ي ْف ِتي بعدم جواز ذلك البيع وعدم ِ‬


‫نفاذه؛ تنفيذا‬ ‫ُ‬
‫فقهاء الحنفي ِة على ذلك من بعده‪ ،‬وقالوا بعدم صحة‬
‫ُ‬ ‫لألمر السلطاني‪ ،‬وأقره‬
‫َّ‬
‫البيع‪ ،‬وأن للعسكرية استردادهم من مشتريهم‪ ،‬ويرجع المشترون على بائعهم‬
‫(‪)1‬‬
‫يصح‬‫ُّ‬ ‫ال‬ ‫"ألنه‬ ‫بقوله‪:‬‬ ‫ذلك‬ ‫على‬ ‫‪-‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪-‬‬ ‫عابدين‬ ‫ابن‬ ‫علق‬ ‫وقد‬ ‫‪،‬‬ ‫بالثمن‬
‫يصح‬ ‫ِ‬
‫إعطاء اإلذن‪ ،‬ال‬ ‫ممنوعا من‬ ‫ِ‬
‫القاضي‪ ،‬وحيث كان القاضي‬ ‫بيعه بال ِ‬
‫إذن‬
‫ُّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫يستفيد الوالي َة من السلطان"(‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫إذ ُنه؛ ألنه‬
‫نص المتأخرون من الحنفية في مسألة عدم سماع الدعوى المالية‬
‫وكذا َّ‬
‫ِ‬
‫الوقف واإلرث؛‬ ‫بالتقادم على أنها ال تُسمع بعد خمس عشر َة ٍ‬
‫سنة َّإال في‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫(‪)3‬‬
‫لصدور األمر السلطاني للقضاة والمفتين بذلك ‪ ،‬فقال السيد الحموي ‪-‬‬
‫شيخ‬
‫ُ‬ ‫‪( -‬ت ‪1098‬هـ) في "حاشيته على األشباه"‪" :‬أخبرني أستاذي‬
‫بالم ْن َقارِ ي (ت ‪1053‬هـ) أن السالطين اآلن‬ ‫اإلسالم يحيى أفندي الشهير ِ‬
‫خمس عشر َة‬
‫َ‬ ‫يأمرون قضاتهم في جميع ُو َال ِتهم َّأال يسمعوا دعوى بعد ُم ِض ِي‬
‫سنة‪ ،‬سوى الوقف واإلرث"(‪ ،)4‬وقد كان المفتي أبو السعود ‪ --‬يفتي‬
‫المحق ُق ابن عابدين ‪--‬‬ ‫ِ‬ ‫التزاما بأمر السلطان(‪ ،)5‬وسئل‬ ‫بذلك؛‬
‫ً‬
‫دار ساكنين‬ ‫ٍ‬
‫(‪1252‬هـ) في "تنقيح الفتاوي الحامدية" فيما إذا كان لجماعة ٌ‬

‫(‪ )1‬الدر المختار مع حاشية ابن عابدين ‪.288/4‬‬


‫(‪ )2‬حاشية ابن عابدين ‪.288/4‬‬
‫(‪ )3‬األشباه والنظائر‪ ،‬البن نجيم ص ‪ 194‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪1419‬هـ ‪1999‬م‪ ،‬مجمع األنهر ‪. 171/2‬‬
‫(‪ )4‬غمز عيون البصائر ‪.338،337/2‬‬
‫(‪ )5‬الدر المختار للحصكفي مع حاشية ابن عابدين ‪.419/4‬‬

‫‪2763‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫ٍ‬
‫معارض‬ ‫فيها‪ ،‬ومتصرفين بها بطريق الملك مد ًة تزيد على عشرين سنة بال‬
‫ٍ‬
‫بحصة في الدار‪ ،‬وهم ينكرون‪ ،‬ومضت‬ ‫يدعي عليهم‬ ‫رجل َّ‬
‫ٌ‬ ‫لهم‪ ،‬واآلن قام‬
‫ٍ‬
‫واحدة‪ ،‬فهل‬ ‫ٍ‬
‫ببلدة‬ ‫والكل مقيمون‬
‫ُّ‬ ‫شرعي‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫يدع ذلك بال مان ٍع‬
‫هذه المد ُة ولم َّ‬
‫مسموعة للمنع السلطاني؟ ‪ -‬فأجاب ‪ --‬بقوله‪" :‬نعم‪،‬‬‫ٍ‬ ‫تكون دعواه غير‬
‫َ‬
‫القضاء‬
‫َ‬ ‫ال تسمع إال بأمرٍ سلطاني؛ حيث َّ‬
‫خصص السلطا ُن ‪-‬نصره اهلل تعالى‪-‬‬
‫بذلك‪ ،‬وأمر ِ‬
‫بعدم سماعها"(‪.)1‬‬
‫الفقهاء والمفتون من غير الحنفية هذا األمر السلطاني وأفتوا‬
‫ُ‬ ‫وكذا التزم‬
‫و َق َض ْوا به‪ ،‬فأفتى به الشافعي الصغير شمس الدين الرملي ‪( --‬ت‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫‪1004‬هـ) كما نقل عنه محمد بن شرف الدين الخليلي (ت ‪1147‬هـ) في‬
‫"فتاويه" من قوله‪" :‬ومتى قرر السلطا ُن ‪-‬نصره اهلل تعالى‪ -‬للقاضي مد ًة‪ ،‬ومنعه‬
‫سماعها في‬ ‫ٍ‬
‫كمعزول‪ ،‬فال يملك‬ ‫سماع الدعوى فيما زاد عليها‪ ،‬صار في ذلك‬
‫َ‬
‫َ‬
‫الزيادة المذكورة"‪ ،‬وأفتى الخليلي بذلك؛ تبعا له(‪ ،)2‬ونقل الب َجيرِ مي ‪-‬‬
‫ُ ْ ُّ‬
‫‪( -‬ت‪1221‬هـ) في "حاشيته على اإلقناع" أن الشيخ علي بن يحيى‬
‫الزيادي (ت ‪1024‬هـ) كان يفتي بذلك تبعا لشيخه (م ر) يقصد‪ :‬الشمس‬
‫الرملي‪ ،)3( - -‬ونقل الشيخ الشرواني ‪( --‬ت ‪1289‬هـ) في‬
‫قضاة العصرِ أنهم ممنوعون من ِقب ِل‬
‫ِ‬ ‫"اشتهِ ر عن‬
‫ُ‬ ‫حاشيته على "التحفة" قو َلهم‪:‬‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية‪ ،‬البن عابدين ‪ 5/2‬ط‪ .‬دار المعرفة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬فتاوى الخليلي على المذهب الشافعي‪ ،‬محمد بن َشرف الدين الخليلي‪ 167/1‬د‪.‬ط‪،.‬‬
‫َ‬
‫د‪.‬ت‪.‬‬
‫(‪ )3‬تحفة الحبيب على شرح الخطيب‪ ،‬للشيخ سليمان البجيرمي ‪ 437/4‬ط‪ .‬دار الفكر‪،‬‬
‫بيروت‪1415 ،‬هـ ‪1995‬م‪.‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2764‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫يتيم أو ٍ‬
‫وقف‪ ،‬أنه‬ ‫مال ٍ‬ ‫السلطان بعدم سماعها بعد خمس عشر َة ٍ‬
‫سنة إال في ِ‬
‫َ‬
‫ووجهه ظاهر؛ ألنه ال يتصرف إال بحسب ما تقتضيه‬
‫ُ‬ ‫يمتنع عليه سماعها‪،‬‬
‫ٌ‬
‫التولية"(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫االلتزام بأمرِ‬ ‫مسألة دوام‬ ‫ِ‬ ‫هذا‪ ،‬وقد تكلم الفقهاء ‪ - -‬في‬
‫فأفت ْوا بأنه‬
‫السلطان بعد موته أو خلعه‪ ،‬هل يلتزم المفتون والقضاة به‪ ،‬أو ال؟‪َ ..‬‬ ‫ِ‬
‫تجديد لألمرِ من ِقب ِل السلطان الجديد‪ ،‬قال الحموي ‪:--‬‬ ‫ٍ‬ ‫َال ُب َّد من‬
‫َ‬
‫السلطا ُن‪ُ ،‬عرِ َض عليه قانو ُن َم ْن َقب َله‪ ،‬وأخذ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫"ألنه ُعل َم من عادتهم أ َّنه إذا تو َّلى ُّ‬
‫اعه"(‪.)2‬‬‫باتب ِ‬ ‫أمره ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫العمل باألمرِ‬ ‫َ‬ ‫وال شك أن المسائل التي التزم المفتون والقضا ُة فيها‬
‫تدل على ما قررناه من‬ ‫ومتعددة في الفقه اإلسالمي‪ ،‬وجميعها ُّ‬ ‫ِ‬ ‫السلطاني كثير ٌة‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫وأقوال‬ ‫البالد من آراء‬ ‫ِ‬ ‫وقضاء‪ -‬بما قرره السلطا ُن في‬ ‫إفتاء‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ً‬ ‫وجوب االلتزام ‪ً -‬‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫قطعيا‪ ،‬قال‬ ‫ًّ‬ ‫نصا‬‫إجماعا‪ ،‬وال ُت َعارِ ُض ًّ‬
‫ً‬ ‫تصادم‬
‫ُ‬ ‫اجتهادية ال‬ ‫مسائل‬
‫َ‬ ‫صادرة في‬
‫معل ًقا على مسألة االلتزام باألمر السلطاني في عدم‬ ‫السيد الحموي ‪ِ --‬‬
‫المباح واجبا"(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫السلطان ُيصيِر‬ ‫سماع الدعوى بالتقادم‪ ،‬قال‪" :‬ألن أمر‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ومن أجل ذلك وردت المادة رقم (‪ )1801‬من مجلة األحكام العدلية‬
‫خصوص؛ ِل َما‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مجتهد في‬ ‫لتنص على أنه‪" :‬لو صدر أمر سلطاني بالعمل برأي‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬

‫(‪ )1‬حاشية الشرواني على تحفة المحتاج شرح المنهاج‪ ،‬للشيخ عبد الحميد الشرواني‬
‫‪ 140/5‬طبعة سنة ‪ 1357‬هـ ‪ 1983‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬غمز عيون البصائر ‪ ،337/2‬حاشية ابن عابدين ‪.420/5‬‬
‫(‪ )3‬غمز عيون البصائر ‪.371/2‬‬

‫‪2765‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫برأي‬
‫ولمصلحة العصرِ أوفق‪ ،‬فليس للقاضي أن يعمل ِ‬‫ِ‬ ‫أرفق‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بالناس ُ‬ ‫رأيه‬
‫أن َ‬
‫َّ‬
‫حكمه"(‪.)1‬‬ ‫مناف لرأي ذلك المجتهد‪ ،‬وإذا َع ِمل ال ينف ُذ‬ ‫ٍ‬
‫مجتهد آخر ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ‬

‫‪h‬‬

‫(‪ )1‬مجلة األحكام العدلية مع شرحها درر الحكام ‪.598/4‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2766‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫املطلب الثالث‬
‫تثقيف املستفتني عرب املواقع اإللكرتونية والتطبيقات الذَّكِيَّة‬
‫إن من سبل ضبط الفتوى اإللكترونية في العالم االفتراضي ‪-‬أيضا‪-‬‬ ‫َّ‬
‫تثقيف المستفتين عبر وسائل اإلعالم المختلفة عن الطرق الشرعية والمسائل‬
‫بدءا من اختيار الموقع اإللكتروني‬
‫الضرورية المتعلقة باالستفتاء اإللكتروني‪ً ،‬‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫مسألة‬ ‫والتنبه إلى‬ ‫الم ْثلى لصياغة السؤال‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫المراد لالستفتاء‪ ،‬والطريقة ُ‬
‫ِ‬
‫خصوصية الفتوى اإللكترونية بصاحبها في بعض األحيان‪ ...‬إلى غير ذلك من‬
‫المسائل التي نراها مهم ًة في عملية ضبط الفتوى اإللكترونية‪ ،‬والتي سأتناولها‬
‫بالتفصيل في المسائل التالية‪:‬‬

‫املسألة األوىل‪ :‬البحث عن أهلية املفيت يف االستفتاء اإللكرتوني (اختيار املوقع‬


‫اإللكرتوني)‪:‬‬
‫البحث‬
‫ُ‬ ‫الفقهاء على المستفتين‪ ،‬هي‬ ‫ِ‬
‫الواجبات التي أوجبها‬ ‫إن من ِ‬
‫أهم‬
‫ُ‬
‫فشرط االستفتاء ‪-‬‬
‫ُ‬ ‫حري عن أهلية المفتي ومدى توافر شروط اإلفتاء فيه‪،‬‬
‫والت ِ‬
‫َّ‬
‫ظن المستفتي أن من يستفيه من أهل االجتهاد‪ ،‬وال‬ ‫قطعا‪ -‬أن يغ ُل َب على ِ‬ ‫ً‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫صفحة أو موق ٍع ال يعلم‬ ‫يتوجه بالسؤال إلى‬ ‫بحال من األحوال أن‬ ‫ٍ‬ ‫يحل له‬
‫ُّ‬
‫َّ‬
‫تثقيف‬
‫ُ‬ ‫جوابا‪ ،‬وهذا مما ينبغي‬ ‫ً‬ ‫فضال عن أن يأخذ عنه‬ ‫ً‬ ‫ُهوِ َّي َة صاحبِه‪،‬‬
‫المنشود في‬
‫ُ‬ ‫در القانو ُن‬
‫است ْص َ‬
‫بشتى الطُّرق إليه‪ ،‬ولو ُ‬ ‫وإرشادهم َّ‬
‫ُ‬ ‫المستفتين فيه‪،‬‬
‫لك ِف َينا مؤن َة التثقيف واإلرشاد‪.‬‬
‫ذلك‪ُ ،‬‬
‫أن من‬
‫"إن األم َة مجمع ٌة على َّ‬
‫قال إمام الحرمين الجويني‪َّ :- -‬‬

‫‪2767‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫عنت له َح ِادث ٌة‪ ،‬لم َي ُس ْغ له أن يستفتي ِفيها َّ‬


‫كل َم ْن َي ْل َقاه"(‪.)1‬‬ ‫َّ‬
‫البحث‬
‫ُ‬ ‫قطعا‬
‫وقال ابن الصالح ‪" :--‬يجب عليه ‪-‬أي المستفتي‪ً -‬‬
‫معرفته‬ ‫ِ‬
‫يستفتيه لإلفتاء إذا لم يكن قد تقدمت‬ ‫الذي يعرف به صالحي َة من‬
‫ُ‬
‫منصب‬
‫ِ‬ ‫اعت َزى إلى العلم‪ ،‬وإن انتصب في‬
‫كل من َ‬
‫استفتاء ِ‬
‫ُ‬ ‫بذلك‪ ،‬وال يجوز له‬
‫مناصب أهل العلم بمجرد ذلك"(‪.)2‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التدريس أو غيره من‬
‫علمه‬ ‫استفتاء من ُعرِ ف‬ ‫ِ‬ ‫الفقهاء مطل ًقا في جوازِ‬ ‫هذا‪ ،‬ولم يختلف‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫حرمة استفتاء من ُع ِلم‬ ‫ِ‬ ‫أهليته لإلفتاء‪ ،‬وكذا لم يختلفوا ‪-‬أيضا‪ -‬في‬ ‫واشتهِ رت‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫َج ْه ُله وعدم أهليته‪ ،‬وقد حكى الزركشي ‪( --‬ت ‪794‬هـ) اإلجماع في‬
‫علمه وعدالتُه‪ ،‬بأن يراه ُم ْن َت ِصبا لذلك‪،‬‬ ‫َ‬
‫ذلك‪ ،‬فقال‪" :‬وإنما َي ْسأ ُل من ُعرِ َف ُ‬
‫ً‬
‫بضد ذلك‬ ‫ِ‬ ‫سؤاله والرجوع إليه‪ ،‬وال يجوز لمن ُعرِ َف‬ ‫ِ‬ ‫والناس متفقون على‬
‫الرازي ‪( --‬ت ‪606‬هـ) في "المحصول"‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫اإلمام‬
‫ُ‬ ‫إجماعا"(‪ ،)3‬وقال‬
‫ً‬
‫ظنه أن من يفتيه من‬ ‫"اتفقوا على أنه ال يجوز له االستفتاء َّإال إذا َغ َلب على ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫أهل االجتهاد ومن أهل الورع‪ ،‬وذلك إنما يكون إذا رآه ُم ْن َتصبا للفتوى‬
‫ً‬
‫سؤاله‪ ،‬واتفقوا على أنه ال يجوز‬ ‫ِ‬ ‫الخلق‪ ،‬ويرى اجتماع المسلمين على‬ ‫ِ‬ ‫بمشهد‬
‫للعامي أن يسأل من يظنه غير ٍ‬
‫عالم وال ُم َت َد ِين"(‪.)4‬‬
‫الحال الذي ُجهِ ل ِع ْل ُمه من عدمه‪ ،‬فقد حكى الغزالي ‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫مجهول‬
‫ُ‬ ‫وأما‬
‫(‪ )1‬االجتهاد‪ ،‬إلمام الحرمين الجويني ص ‪.128‬‬
‫(‪ )2‬أدب المفتي والمستفتي ‪.158‬‬
‫(‪ )3‬البحر المحيط ‪.362/8‬‬
‫(‪ )4‬المحصول‪ ،‬للرازي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬طه جابر العلواني ‪ 81/6‬ط‪ .‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة‬
‫الثالثة ‪1418‬هـ ‪1997‬م‪.‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2768‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫القول بجواز استفتائه(‪.)1‬‬


‫َ‬ ‫االختالف فيه‪ ،‬وحكى عن ٍ‬
‫قوم‬ ‫َ‬ ‫‪-‬‬
‫ِ‬
‫استفتائه مطل ًقا‪ ،‬قالوا‪ :‬ألنه ال‬ ‫منع‬
‫لكن الراجح المعتمد عند أهل العلم‪ُ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ضعف الغزالي‬
‫َّ‬ ‫وقد‬ ‫‪،‬‬ ‫األصل في الناس العلم‬
‫ُ‬ ‫جاهال‪ ،‬وألنه ليس‬
‫ً‬ ‫يؤمن كونه‬
‫‪ --‬قول من قال بالجواز‪ ،‬وحكم عليه بالفساد‪ ،‬فقال‪" :‬وإن سأل من ال‬
‫كل‬
‫فاسد؛ ألن َّ‬
‫ٌ‬ ‫قوم‪ :‬يجوز‪ ،‬وليس عليه البحث‪ ،‬وهذا‬
‫َي ْعرِ ُف َج ْه َله‪ ،‬فقد قال ٌ‬
‫ِ‬
‫األمة معرفة‬ ‫قول غيره‪ ،‬فيلزمه معرف ُة ِ‬
‫حاله‪ ،‬فيجب على‬ ‫قبول ِ‬
‫من وجب عليه ُ‬
‫يد ِعي‬ ‫ٍ‬
‫مجهول َّ‬ ‫بكل‬
‫حال الرسول ‪ ‬بالنظر في معجزته‪ ،‬فال يؤمن ِ‬
‫أنه رسول اهلل‪ ،‬ووجب على الحاكم معرف ُة ِ‬
‫حال الشاهد في العدالة‪ ،‬والمفتي‬
‫حال اإلمام والحاكم‪ ،‬وعلى الجملة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الرعية معرف ُة ِ‬ ‫معر ُفة ِ‬
‫حال الراوي‪ ،‬وعلى‬
‫أجهل من السائل؟"(‪.)3‬‬
‫َ‬ ‫كيف َي ْسأَ ُل من ُي َت َص َّو ُر أن يكون‬

‫املسألة الثانية‪ :‬طرق العلم بأهلية املفيت يف االستفتاء اإللكرتوني‪:‬‬


‫ِ‬
‫المستفتي عن أهلية المفتي‬ ‫بعد ما تقرر من القول بوجوب استفسارِ‬
‫َّ‬
‫الذي سوف يستفتيه للتأكد من صحة التوجه إليه بالفتوى‪ ،‬كان ال بد من‬
‫الفقهاء للوصول إلى ذلك‪ ،‬والتي أرشدنا‬ ‫ُ‬ ‫نص عليها‬‫البحث في الطرق التي َّ‬
‫ِ‬
‫والمقل ُدون‬ ‫عوام الناس‬ ‫تسهيال على المستفتين الذين هم‬ ‫ً‬ ‫إليها أهل العلم؛‬
‫ُّ‬
‫أمثال هؤالء ال يستطيعون ‪-‬‬‫منهم‪ ،‬الذين ال يميِزون بين الحجج واألقوال‪ ،‬ف ُ‬
‫فرقوا بين من بلغ منهم رتب َة‬ ‫ِ‬
‫المتصدرين لإلفتاء‪ ،‬وال أن ُي ِ‬ ‫ٍ‬
‫بحال‪ -‬أن يميِزوا بين‬

‫(‪ )1‬المستصفى ص ‪.373‬‬


‫(‪ )2‬البحر المحيط ‪.362/8‬‬
‫(‪ )3‬المستصفى ص ‪.373‬‬

‫‪2769‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫طالب‬
‫ِ‬ ‫كل‬
‫يصلح لالستفتاء‪ ،‬وليس ُّ‬ ‫ٍ‬
‫داعية‬ ‫كل‬ ‫ِ‬
‫االجتهاد ومن لم يبلغ؛ إذ ليس ُّ‬
‫ُ‬
‫فقيها ُم ْفتيا‪.‬‬
‫علم ً‬
‫ً‬
‫وقد حصر الفقهاء ‪ --‬طرق العلم بأهلية المفتي لإلفتاء في‬
‫طريقين‪:‬‬
‫ِ‬
‫األثبات‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والعدول‬ ‫ِ‬
‫الثقات‬ ‫إخبار‬ ‫أولهما‪:‬‬
‫ُ‬
‫تصدرِ هذا المفتي لإلفتاء‬
‫ُّ‬ ‫وثانيهما‪ :‬الشهر ُة واالستفاض ُة الحاصل ُة من‬
‫ِ‬
‫سؤاله دون نكير(‪.)1‬‬ ‫بمشهد من أعيان الناس‪ ،‬وأخذهم عنه‪ ،‬وإجماعهم على‬ ‫ٍ‬

‫"فمبلغه ‪-‬أي المستفتي‪ -‬أن‬ ‫ُ‬ ‫قال إمام الحرمين الجويني ‪:--‬‬
‫ات أن الذي‬ ‫والث َق ِ‬
‫األثبات ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بقول‬ ‫أحوال العلماء‪ ،‬حتى إذا تقرر لديه‬ ‫ِ‬ ‫يسأل عن‬
‫َّ‬
‫حينئذ"‪ ،‬ثم قال ‪" :--‬ولو قال‬ ‫ٍ‬ ‫االج ِت َه ِاد‪ ،‬في ْس َتفتي‬
‫ُ‬ ‫مبلغ ْ‬
‫بالغ َ‬‫ُي ْس َت ْف َتي منه ٌ‬
‫ِ‬
‫االجت َهاد‪ ،‬كان‬ ‫مبلغ‬
‫َ‬ ‫قائل‪ :‬إنه ال يست ْفتي َّإال من استفاضت األخبار عن ب ُل ِ‬
‫وغه‬ ‫ٌ‬
‫ُ‬ ‫ُْ ً َ‬
‫تمال"(‪.)2‬‬
‫ذلك ُم ْح ً‬
‫لكن هذه الطرق ‪-‬من وجهة نظري‪ -‬وإن كانت صالح ًة للعلم بأهلية‬ ‫َّ‬
‫ظل االستفتاء اإللكتروني‬
‫المفتي لإلفتاء في األزمنة الماضية‪ ،‬إال أنها اليوم في ِ‬
‫بحال؛ ألن كثيرا من مواقع وحسابات اإلفتاء اإللكترونية اآلن غير‬ ‫ٍ‬ ‫ال تصلح‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫منت َح َلة‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬ ‫الهوية‪ ،‬وقد ُي ْن ِشئُها مديروها‬ ‫ِ‬
‫بأسماء وهمية‪ ،‬أو بشخصيات َ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫معلومة‬
‫بحسابات مسروقة‪ ،‬بل وعلى فرض التأكد من صحة الموقع والحساب‬ ‫ٍ‬

‫(‪ )1‬البحر الرائق ‪ ،290/6‬حاشية ابن عابدين ‪ ، 359/5‬أدب المفتي والمستفتي البن الصالح‬
‫ص ‪ ،159،158‬المسودة في أصول الفقه ص ‪.472‬‬
‫(‪ )2‬االجتهاد ص‪.129‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2770‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫المتطرفة‬
‫ِ‬ ‫مؤس ِسه؛ فإن كثيرا من الجماعات‬ ‫نسبته إلى ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وصدق‬ ‫اإللكتروني‪،‬‬
‫ً‬
‫كالمهم وتح ُلو فتاويهم ألتباعهم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫يروق‬
‫ُ‬ ‫مؤهلين لإلفتاء‪،‬‬ ‫واألشخاص الغير َّ‬
‫ميين‬ ‫أهل الفتوى الر ْس ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫استحقاق‬ ‫أن استحقا َقهم لإلفتاء أكثر من‬ ‫وي َر ْون َّ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫المنصبِين من قبل السلطان‪ ،‬ويزي ُِنون للعوام ذلك‪ ،‬بل ويح ُّثونهم عليه‪،‬‬ ‫َّ‬
‫ات األَ ْثبات دون من عداهم‪ ،‬ومن‬ ‫ويرشدونهم إليه؛ بحجة أن هؤالء هم ِ‬
‫الث َق ُ‬
‫ِ‬
‫باالستفاضة وال بالتواتر؛ ألن‬ ‫ثم قال النووي‪" :- -‬ال يكتفي‬
‫َّ‬
‫العام ِة ال يوثق بها‪ ،‬وقد يكون أصلها التلبيس" ‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫َّ‬ ‫االستفاض َة والشهر َة بين‬
‫بشد ٍة‪ -‬بضرورة قصرِ االستفتاء اإللكتروني‬ ‫القول ‪َّ -‬‬‫ِ‬ ‫األمر الذي يدفعني إلى‬
‫اإلفتاء الرسمية داخل البالد‪ ،‬كدار اإلفتاء المصرية‪ ،‬والمركز‬ ‫ِ‬ ‫على منصات‬
‫َّ‬
‫العالمي للفتوى اإللكترونية التابع لمشيخة األزهر الشريف بجميع منصاتهما‬
‫اإللكترونية المختلفة‪ ،‬ولجان الفتوى الرسمية التابعة لمجمع البحوث‬
‫السلطاني‬
‫ِ‬ ‫وجوب ِ‬
‫إلزام المستفتين بذلك باألمرِ‬ ‫ِ‬ ‫اإلسالمية ولألزهر الشريف‪ ،‬و‬
‫ٍ‬
‫بدول سبقتنا إلى ذلك منذ زمن‪ ،‬فقد صدر في المملكة‬ ‫والقانون الملزم؛ ِ‬
‫تأسيا‬
‫ً‬
‫العربية السعودية األمر الملكي برقم (‪ /13876‬ب) بتاريخ ‪1431/9/ 2‬هـ‪،‬‬
‫ُ‬
‫بقصر الفتوى على أعضاء هيئة كبار العلماء‪ ،‬ومن تأذن لهم الهيئ ُة من‬
‫المؤه ِلين لإلفتاء‪ ،‬ومعاقبة ِ‬
‫كل من نازعهم في هذا األمر‪ ،‬باستثناء الفتاوى‬ ‫َّ‬
‫الفردية غير المعلنة في أمور العبادات والمعامالت واألحوال الشخصية‪،‬‬
‫ألي موضو ٍع‬
‫ائل والمسؤول‪ ،‬دون التطرق ِ‬
‫بشرط أن تكون خاص ًة بين الس ِ‬
‫ِ‬
‫المرجوحة‪ ،‬وأقوالهم‬ ‫أهل العلم‬ ‫ِ‬
‫ومفردات ِ‬ ‫ِ‬
‫شواذ اآلراء‪،‬‬ ‫ِ‬
‫مشمول‬ ‫يدخل في‬
‫المهجورة‪ ،‬ولو أ َّننا طبقنا نظير ذلك في بالدنا‪ ،‬النضبطت األمور‪ ،‬وانزجر‬
‫َّ‬
‫(‪ )1‬آداب الفتوى ص ‪.72‬‬

‫‪2771‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫المتطاولون؛ فالفتاوي اإللكترونية الشاذة والمتطرفة من أخطر أنواع الجرائم‬


‫كل البالد واألوطان‪.‬‬
‫واألمن المجتمعيين في ِ‬ ‫السلم‬ ‫المعلوماتية التي ِ‬
‫تهدد ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫املسألة الثالثة‪ :‬تثقيف املستفتني يف صياغة السؤال وخصوصية الفتوى‬
‫اإللكرتونية‪:‬‬
‫والمسأل ُة التي أريد أن أختم بها بحثي هذا‪ ،‬هي التنبيه على ضرورة‬
‫ِ‬
‫سؤاله عبر‬ ‫ِ‬
‫إنشاء‬ ‫ِ‬
‫الكيفية المثلى في‬ ‫ِ‬
‫وإرشاده إلى‬ ‫تثقيف المستفتي اإللكتروني‬
‫الموقع اإللكتروني أو التطبيق الذكي لمؤسسة اإلفتاء الر ْسمية‪ ،‬وذلك بأن ُي َنبه‬
‫َّ‬ ‫َّ َّ‬
‫ِ‬
‫كتابة‬ ‫ىء فيها سؤا َله على ضرورة‬ ‫ِ‬
‫سي ْنش ُ‬
‫ُ‬
‫المؤسسة في الصفحة التي‬
‫َّ‬ ‫من قبل‬
‫بلده التي يقيم فيها؛ ألن ذلك ربما احتاج إليه المفتي اإللكتروني في بناء‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫فتواه‪ ،‬ال سيما وأن منصات الفتوى اإللكترونية الرسمية في بالدنا موجهة‬
‫تخص أمرا ي ْع َتمد على‬
‫ُّ‬ ‫لجميع ربوع الدنيا وأقطارها‪ ،‬وربما كانت الفتوى‬
‫ً‬
‫المحكمة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫لكل ٍ‬
‫بلد عرفه المعتبر‪ ،‬وعادته‬ ‫اختالف األعراف والبلدان؛ فإن ِ‬
‫كما ينبغي التنبيه على المستفتي ‪-‬أيضا‪ -‬بذكر التفاصيل التي يغلب على‬
‫قديما‬ ‫ظنه تأثيرها في الفتوى واحتياج المفتي لمعرفتها‪ ،‬وقد كان الفقهاء‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫ينبهون المستفتين إلى ذلك في الفتوى المكتوبة‪ ،‬وكان بعض الفقهاء ممن له‬
‫العلم ِ‬
‫ببلده(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫أهل‬
‫رجل بعينه من ِ‬ ‫ٍ‬
‫رقعة كتبها ٌ‬ ‫رياس ٌة في اإلفتاء ال يفتي إال في‬
‫وأخيرا‪ ،‬تنبيه المستفتين إلى مسألة اختصاص الفتوى اإللكترونية‬
‫ٍ‬
‫مستفت هو‬ ‫كل‬
‫فرض ِ‬ ‫ِ‬
‫المتاحة بأن َ‬ ‫الوسائل‬
‫ِ‬ ‫كل‬
‫بصاح ِبها‪ ،‬والتأكيد عليهم عبر ِ‬
‫ٍ‬
‫بحث‬ ‫بتصفح في مواقع اإلفتاء المختلفة‪ ،‬أو‬
‫ٍ‬ ‫االكتفاء‬ ‫السؤال‪ ،‬وأنه ال يجزئه‬
‫ُ‬
‫(‪ )1‬آداب الفتوى ص‪.85‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2772‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫ِ‬
‫البحث عن الفتاوي القديمة المشابهة لفتواه‪ ،‬وأن ذلك ال يغنيه‬ ‫ِ‬
‫محركات‬ ‫في‬
‫عن سؤال أهل االختصاص؛ فإن كثيرا من الفتاوي تختلف باختالف األزمنة‬
‫واألمكنة‪ ،‬بل وباختالف حال السائل نفسه ‪-‬كما ال يخفى على أهل‬
‫لعامي أن‬
‫ٍ‬ ‫االختصاص‪ ،-‬حتى قال الزركشي ‪"--‬في البحر"‪" :‬ال يجوز‬
‫يعمل بفتوى م َضت ٍ‬
‫لعام ِ‬
‫مثله"(‪.)1‬‬ ‫َ ْ‬
‫عرض مثل هذه‬ ‫ِ‬ ‫عدم‬ ‫ومن أجل ذلك فإنني أرى أنه من المستحسن‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫األرشفة‬ ‫الفتاوي في مواقع وتطبيقات اإلفتاء الرسمية‪ ،‬واالكتفاء في‬
‫ِ‬
‫الثابتة‬ ‫المعروضة في المنصات اإللكترونية للبحث والتصفح على الفتاوي‬
‫التي ال تختلف باختالف األشخاص واألزمان والبلدان‪ ،‬كتلك الفتاوي‬
‫المعتمدة على النصوص القطعية الثابتة‪ ،‬كفتاوي الميراث ونحوها‪ ،‬أو الفتاوي‬
‫التي جرى عليها العمل في البالد وسارت عليها أحكام القضاء‪ ،‬وما كان من‬
‫ذلك القبيل فحسب ‪ ،‬وإال فلو أردنا أرشفة جميع الفتاوى وعرضها على‬
‫تسهيال للدارسين والباحثين‪ ،‬فليكن ذلك بطريقة تقنية‬
‫ً‬ ‫المنصات اإللكترونية‬
‫العوام عن تتبعها والعمل بها‪.‬‬
‫َّ‬ ‫تعيق‬

‫‪h‬‬
‫(‪ )1‬البحر المحيط ‪.361/8‬‬

‫‪2773‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫اخلامتة‬
‫المنن‬
‫ُ‬ ‫تزاد‬
‫الحمد هلل الذي بحمده تتم الصالحات‪ ،‬وبشكره ُت ْس ُ‬
‫حمات والبركات‪ ،‬ثم أما‬
‫ُ‬ ‫والن َف َحات‪ ،‬والصالة والسالم على من به تتنزل الر‬
‫َّ‬
‫َّ‬
‫بعد‪:‬‬
‫فقد بان لنا من خالل هذه الدراسة مجموع ٌة من األمور المهمة‪ ،‬أجملها‬
‫فيما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أهمية الفتوى اإللكترونية في ِ‬
‫سد حاجات المستفتين عبر العالم‬
‫كل زمان ومكان‪.‬‬
‫والتواصل معهم في ِ‬
‫ؤمن فيها من الكذب والتدليس على‬
‫ثانيا‪ :‬مشروعية الفتوى اإللكترونية التي ُي َ‬
‫المفتين‪ ،‬ويرتفع فيها اإلشكال واإليهام‪.‬‬
‫إفتاء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سواء كان ً‬
‫ً‬ ‫لمنصب اإلفتاء‪،‬‬
‫ِ‬ ‫االجتهاد‬ ‫اشتراط‬ ‫االتفاق على‬ ‫حصول‬
‫ُ‬ ‫ثالثا‪:‬‬
‫إفتاء إلكترونيا‪.‬‬
‫تقليديا أو ً‬
‫ًّ‬
‫بم ْف ٍت‪ ،‬ويجوز أن‬
‫أقوال المجتهدين‪ ،‬ليس ُ‬
‫َ‬ ‫رابعا‪ :‬غير المجتهد ممن يحفظ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ينقل فتوى المجتهد للمستفتين على جهة الحكاية والنقل‪ ،‬ال على‬
‫مؤس َسات اإلفتاء الرسمية‬‫العمل في َّ‬
‫ُ‬ ‫سبيل الفتوى‪ ،‬وما جرى عليه‬
‫تنصيب أمناء للفتوى لم يبلغوا درجة االجتهاد‪ ،‬مخر ٌج على ذلك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫من‬
‫َّ‬
‫الناتجين من‬ ‫خامسا‪ :‬مدى االضطراب والفوضى في الفتاوي اإللكترونية‬
‫َْ‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫الصفحات اإللكترونية والمواق ِع غير الرسمية التي تصدر لإلفتاء من‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫لإلفتاء‪ ،‬ومن ُعرِ فوا بأفكارهم المتطرفة‬ ‫أهال‬
‫خاللها من ليسوا ً‬
‫وأقوالهم الشاذة‪.‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2774‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫القبيح لإلفتاء اإللكتروني؛ بسبب تجرؤ أمثال هؤالء‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الوجه‬ ‫ظهور‬ ‫سادسا‪:‬‬
‫ُ‬
‫وتوجهِ هم‬ ‫المختصين‪ ،‬وبسبب عدم ِ‬
‫فقه المستفتين‬ ‫ِ‬ ‫على أهل الفتوى‬
‫ُّ‬
‫المختصة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫بالسؤال للمواقع والمنصات غير‬
‫ِ‬
‫الرسمية في هذا‬ ‫سابعا‪ :‬ضرورة الحضور بقوة من قبل مؤسسات اإلفتاء‬
‫العالم االفتراضي‪ ،‬ومواجهة ما اشتمل عليه من محتوى متطرف َّشاذ‪.‬‬
‫ولي األمر في تنصيب المفتين الر ْسميين‪ ،‬ومن ِع‬ ‫ِ‬
‫سلطة ِ‬ ‫ثامنا‪ :‬التأكيد على‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫وسلطته في توحيد الفتوى الر ْسمية في‬ ‫ِ‬
‫التصدي لإلفتاء‪،‬‬ ‫غيرهم من‬
‫َّ‬
‫البالد‪ ،‬وإلزام المفتين والمستفتين بها وفق الضوابط التي نبه عليها‬
‫َّ‬
‫الفقهاء في ذلك‪.‬‬
‫متعارف عليها في الدولة‬ ‫رسمي ٌة‪ ،‬ووالي ٌة ديني ٌة‬ ‫اإلفتاء وظيفة‬ ‫تاسعا‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬ ‫ٌ ْ َّ‬ ‫ُ‬
‫ولي‬
‫بتنصيب من ِ‬
‫ٍ‬ ‫يتوالها أه ُلها‬
‫َّ‬ ‫اإلسالمية منذ نشأتها حتى اآلن‪،‬‬
‫المنصبين‪.‬‬
‫َّ‬ ‫األمر‪ ،‬ويعاقب من زاحمهم فيها من غير‬
‫عاشرا‪ :‬مشروعية قصر اإلفتاء اإللكتروني على منصات اإلفتاء الر ْسمية دون‬
‫َّ َّ‬
‫غيرها‪ ،‬كما سار عليه العمل في عصور الدولة اإلسالمية من غير‬
‫نكير‪.‬‬
‫فإن الدراسة ُتهِ يب بوالة األمر والقائمين على شأن التقنين في‬ ‫وأخيرا‪َّ ،‬‬
‫ويجرم على‬
‫ِ‬ ‫قانون ُي َن ِظم أمر الفتوى بجميع أشكالها‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫البالد من أجل استصدار‬
‫ِ‬
‫التصدي لها‪ ،‬واالفتئات على أهلها؛‬ ‫ِ‬
‫البالد‬ ‫المنصبين لإلفتاء الرسمي في‬ ‫غير‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫وسدا ألبواب الفوضى واالنحراف‪.‬‬ ‫ًّ‬ ‫درءا للمفاسد الواقعة‪،‬‬
‫وذلك ً‬
‫تختص بمراقبة المحتوى اإلفتائي‬ ‫كما أن الدراسة تقترح إنشاء ٍ‬
‫هيئة عليا‬
‫ُّ‬

‫‪2775‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫أهله‪ ،‬ومعاقبة ِ‬
‫مقد ِميه ‪-‬قدر اإلمكان‪-‬؛‬ ‫ِ‬
‫الشاذ الصادرِ عن غير ِ‬ ‫اإللكتروني‬
‫فإن اهلل ‪ -‬تعالى‪ -‬يزع بالسلطان ما ال يزع بالقرآن‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وصلى اهلل على سيدنا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫‪h‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2776‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫ثبت املراجع‬
‫‪ -1‬القرآن الكريم‪.‬‬

‫أوال‪ :‬كتب احلديث وعلومه‪:‬‬


‫‪ -2‬أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه‪ ،‬للفاكهي‪ ،‬ط‪ .‬دار خضر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية‬
‫‪1414‬هـ‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عبد الملك دهيش‪.‬‬
‫‪ -3‬البدر المنير في تخريج األحاديث واألثار الواقعة في الشرح الكبير‪ ،‬البن الملقن‪،‬‬
‫تحقيقي‪ :‬مصطفى أبو الغيط‪ ،‬وآخرون‪ ،‬ط‪ .‬دار الهجرة‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪1425‬هـ ‪2004‬م‪.‬‬
‫‪ -4‬التاريخ الكبير‪ ،‬لإلمام البخاري‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،.‬تحقيق‪ :‬السيد هاشم‬
‫الندوي‪.‬‬
‫‪ -5‬جامع بيان العلم وفضله‪ ،‬البن عبد البر‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬سنة‬
‫‪1398‬هـ‪.‬‬
‫‪ -6‬الجامع في الحديث‪ ،‬البن وهب‪ ،‬ط‪ .‬دار ابن الجوزي‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪1416‬هـ ‪1995‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬مصطفى حسن أبو الخير‪.‬‬
‫‪ -7‬سنن الدارمي‪ ،‬ألبي محمد الدارمي‪ ،‬ط‪ .‬دار المغني للنشر والتوزيع‪ ،‬السعودية‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪1412‬هـ ‪ ،2000‬تحقيق‪ :‬حسين سليمان الداراني‪.‬‬
‫‪ -8‬سنن سعيد بن منصور‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪1985‬م‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬حبيب الرحمن األعظمي‪.‬‬
‫‪ -9‬السنن الكبرى‪ ،‬للبيهقي‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1424‬هـ‬
‫‪2003‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عبد القادر عطا‪.‬‬
‫‪ -10‬صحيح البخاري أو الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول اهلل‬
‫‪ ‬وسننه وأيامه‪ ،‬محمد بن إسماعيل البخاري‪ ،‬ط‪ .‬دار طوق النجاة‪،‬‬
‫مصورة عن الطبعة السلطانية‪ ،‬الطبعة األولى ‪1422‬هـ‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد زهير‪.‬‬
‫‪ -11‬صحيح مسلم‪ ،‬لمسلم بن الحجاج‪ ،‬ط‪ .‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬مصورة من الطبعة‬

‫‪2777‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫التركية المطبوعة بإستانبول سنة ‪1334‬هـ‪.‬‬


‫‪ -12‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ ،‬البن حجر‪ ،‬ط‪ .‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪1379 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -13‬ما رواه األكابر عن مالك بن أنس‪ ،‬ألبي عبد اهلل البغدادي‪ ،‬ط‪ .‬مؤسسة الريان‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪1416‬هـ‪ ،‬تحقيق‪ :‬عواد الخلف‪.‬‬
‫‪ -14‬المجالسة وجواهر العلم‪ ،‬ألبي بكر الدينوري‪ ،‬ط‪ .‬جمعية التربية اإلسالمية‪،‬‬
‫البحرين‪ ،‬سنة ‪1419‬هـ‪ ،‬تحقيق‪ :‬مشهور آل سليمان‪.‬‬
‫‪ -15‬المذكر والتذكير والذكر‪ ،‬البن أبي عاصم‪ ،‬ط‪ .‬دار المنار‪ ،‬الرياض‪ ،‬سنة ‪1413‬هـ‪.‬‬
‫‪ -16‬المصنف‪ ،‬البن أبي شيبة‪ ،‬ط‪ .‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األولى ‪1406‬ه‪.‬‬
‫‪ -17‬المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية‪ ،‬البن حجر العسقالني‪ ،‬تحقيق‪ :‬مجموعة‬
‫من الباحثين في رسائل جامعية‪ ،‬تنسيق د‪ .‬سعد الشثري‪ ،‬ط‪ .‬دار العاصمة‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى سنة ‪1419‬هـ ‪1998‬م‬
‫‪ -18‬معالم السنن‪ ،‬للخطابي‪ ،‬ط‪ .‬المطبعة العلمية‪ ،‬حلب‪ ،‬الطبعة األولى ‪1351‬هـ‬
‫‪1932‬م‪.‬‬
‫‪ -19‬المنتقى شرح موطأ اإلمام مالك‪ ،‬ألبي الوليد الباجي‪ ،‬ط‪ .‬مطبعة السعادة‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪1332‬هـ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬كتب اللغة واملعاجم‪:‬‬


‫‪ -20‬تهذيب اللغة‪ ،‬لألزهري‪ ،‬ط‪ .‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪2001‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عوض مرعب‪.‬‬
‫‪ -21‬لسان العرب‪ ،‬البن منظور‪ ،‬ط‪ .‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬الطبعة األولى ‪1405‬ه‪.‬‬
‫‪ -22‬المحكم والمحيط األعظم‪ ،‬البن سيدة‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪1421‬هـ ‪2000‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الحميد هنداوي‪.‬‬
‫‪ -23‬المغرب في ترتيب الم عرب‪ ،‬ألبي الفتح المطرزي‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتاب العربي‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬كتب أصول الفقه والقواعد الفقهية‪:‬‬


‫‪ -1‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬لآلمدي‪ ،‬ط‪ .‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪،.‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2778‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫تحقيق‪ :‬عبد الرزاق عفيفي‪.‬‬


‫‪ -2‬إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم األصول‪ ،‬للشوكاني‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتاب‬
‫العربي‪ ،‬الطبعة األولى ‪1419‬هـ ‪1999‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد عزو عناية‪.‬‬
‫‪ -3‬إرشاد المهتدين إلى نصرة المجتهدين‪ ،‬للسيوطي‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،.‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -4‬األشباه والنظائر‪ ،‬البن نجيم‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪1419‬هـ ‪1999‬م‪.‬‬
‫‪ -5‬أنوار البروق في أنواء الفروق‪ ،‬القرافي‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬سنة‬
‫‪1418‬هـ ‪1998‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬خليل المنصور‪.‬‬
‫‪ -6‬البحر المحيط في أصول الفقه‪ ،‬للزركشي‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتبي‪-‬الطبعة األولى ‪1414‬هـ‬
‫‪1994‬م‪.‬‬
‫‪ -7‬التبصرة في أصول الفقه‪ ،‬ألبي إسحاق الشيرازي‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ‪1424‬هـ ‪2003‬م‪.‬‬
‫‪ -8‬التقرير والتحبير على تحرير الكمال ابن الهمام‪ ،‬البن أمير حاج‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1403‬هـ ‪1983‬م‪.‬‬
‫‪ -9‬تقرير االستناد في تفسير االجتهاد‪ ،‬للسيوطي‪ ،‬ط‪ .‬دار الدعوة‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪1403‬هـ‪ ،‬تحقيق‪ :‬فؤاد عبد المنعم‪.‬‬
‫‪ -10‬تيسير التحرير‪ ،‬لمحمد أمين البخاري المعروف بأمير بادشاة‪ ،‬شرح التحرير البن‬
‫الهمام‪ ،‬ط‪ .‬مصطفى البابي الحلبي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬سنة ‪1351‬هـ ‪1932‬م‪.‬‬
‫‪ -11‬االجتهاد‪ ،‬إلمام الحرمين الجويني‪ ،‬ط‪ .‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬الطبعة األولى ‪1408‬هـ‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬عبد الحميد أبو زيد‪.‬‬
‫‪ -12‬الرد على من أخلد إلى األرض وجهل أن االجتهاد في كل عصر فرض‪ ،‬لجالل‬
‫الدين السيوطي ‪ ،‬ط‪ .‬مؤسسة شباب الجامعة‪ ،‬اإلسكندرية‪1405 ،‬هـ‪1985‬م تحقيق‪:‬‬
‫د‪ .‬فؤاد عبد المنعم أحمد‪.‬‬
‫‪ -13‬شرح الكوكب المنير‪ ،‬البن النجار‪ ،‬ط‪ .‬مكتبة العبيكان‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1418‬هـ‬

‫‪2779‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫‪1997‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد الزحيلي‪ ،‬نزيه حماد‪.‬‬


‫‪ -14‬العدة في أصول الفقه‪ ،‬القاضي أبو يعلى‪ ،‬د‪.‬ط‪ .‬الطبعة الثانية سنة ‪1410‬هـ ‪1990‬م‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬أحمد بن علي المباركي‪.‬‬
‫‪ -15‬غمز عيون البصائر في شرح األشباه والنظائر‪ ،‬الحموي‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪1405‬هـ ‪1985‬م‪.‬‬
‫‪ -16‬غياث األمم في التياث الظلم‪ ،‬إلمام الحرمين الجويني‪ ،‬ط‪ .‬مكتبة إمام الحرمين‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪1401 ،‬هـ تحقيق‪ :‬عبد العظيم الديب‪.‬‬
‫‪ -17‬قواعد الفقه‪ ،‬محمد عميم اإلحسان البركتي‪ ،‬ط‪ .‬الصدف‪ ،‬كراتشي‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪1407‬هـ ‪1986‬م‪.‬‬
‫‪ -18‬المحصول‪ ،‬للرازي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬طه جابر العلواني‪ ،‬ط‪ .‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة‬
‫الثالثة ‪1418‬هـ ‪1997‬م‬
‫‪ -19‬المدخل إلى مذهب اإلمام أحمد بن حنبل‪ ،‬البن بدران‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪1996‬م‪.‬‬
‫‪ -20‬المستصفى من علم األصول‪ ،‬للغزالي‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪1413‬هـ ‪1993‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عبد السالم عبد الشافي‪.‬‬
‫‪ -21‬المسودة في أصول الفقه‪ ،‬آلل تيمية‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتاب العربي‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،.‬تحقيق‪ :‬محمد‬
‫محيي الدين عبد الحميد‪.‬‬
‫‪ -22‬الموافقات‪ ،‬للشاطبي‪ ،‬ط‪ .‬دار ابن عفان‪ ،‬الطبعة األولى ‪1417‬هـ ‪1997‬م‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫مشهور حسن‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬كتب الفقه احلنفي‪:‬‬


‫‪ -23‬البحر الرائق شرح كنز الدقائق‪ ،‬ابن نجيم‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتاب اإلسالمي‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -24‬تكملة حاشية رد المحتار المسماة قرة عيون األخبار تكملة رد المحتار على الدر‬
‫المختار‪ ،‬لمحمد عالء الدين ابن عابدين‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪1415 ،‬هـ ‪1995‬م‪.‬‬
‫‪ -25‬حاشية ابن عابدين المسماة رد المحتار على الدر المختار‪ ،‬البن عابدين‪ ،‬ط‪ .‬دار‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2780‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1412‬هـ ‪1992‬م‪.‬‬


‫‪ -26‬الدر المختار للحصكفي شرح تنوير األبصار للنسفي‪ ،‬مطبوع مع حاشية ابن‬
‫عابدين‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1412‬هـ ‪1992‬م‪.‬‬
‫‪ -27‬شرح فتح القدير‪ ،‬لكمال الدين ابن الهمام‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -28‬العناية شرح الهداية‪ ،‬للبابرتي‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -29‬المبسوط‪ ،‬للسرخسي‪ ،‬ط‪ .‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬سنة ‪1414‬هـ ‪1993‬م‪.‬‬
‫‪ -30‬مجمع األنهر في شرح ملتقى األبحر‪ ،‬لداماد أفندي‪ ،‬ط‪ .‬دار إحياء التراث العربي‪،‬‬
‫د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -31‬المحيط ال برهاني في الفقه النعماني‪ ،‬البن مازة‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪1424‬هـ ‪2004‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الكريم الجندي‪.‬‬
‫‪ -32‬النافع الكبير شرح الجامع الصغير‪ ،‬للشيخ اللكنوي‪ ،‬ط‪ .‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪1406‬هـ ‪1986‬م‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬كتب الفقه املالكي‪:‬‬


‫‪ -33‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير‪ ،‬للشيخ محمد بن عرفة الدسوقي‪ ،‬ط‪ .‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -34‬الذخيرة‪ ،‬للقرافي‪ ،‬ط‪ .‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪1994‬م‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬محمد حجي‪.‬‬
‫‪ -35‬مواهب الجليل في شرح مختصر خليل‪ ،‬الحطاب‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫الثالثة ‪1412‬هـ ‪1992‬م‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬كتب الفقه الشافعي‪:‬‬


‫‪ -36‬أسنى المطالب في شرح روض الطالب‪ ،‬الشيخ زكريا األنصاري‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتاب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -37‬األم‪ ،‬لإلمام الشافعي‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1403‬هـ ‪1983‬م‪.‬‬
‫‪ -38‬تحفة الحبيب على شرح الخطيب‪ ،‬للشيخ سليمان البجيرمي‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪،‬‬

‫‪2781‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫بيروت‪1415 ،‬هـ ‪1995‬م‪.‬‬


‫‪ -39‬حاشية الشرواني على تحفة المحتاج شرح المنهاج‪ ،‬للشيخ عبد الحميد الشرواني‪،‬‬
‫طبعة سنة ‪ 1357‬هـ ‪1983‬م‪.‬‬
‫‪ -40‬روضة الطالبين وعمدة المفتين‪ ،‬للنووي‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪،.‬‬
‫تحقيق‪ :‬عادل عبد الموجود‪ ،‬وعلي معوض‪.‬‬
‫‪ -41‬نهاية المطلب في دراية المذهب‪ ،‬للجويني‪ ،‬ط‪ .‬دار المنهاج‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪1428‬هـ ‪2007‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عبد العظيم الديب‪.‬‬

‫سابعا‪ :‬كتب الفقه احلنبلي‪:‬‬


‫‪ -42‬اإلنصاف في معرفة الراجح من الخالف‪ ،‬للمرداوي‪ ،‬ط‪ .‬دار إحياء التراث العربي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬الطببعة األولى ‪1419‬هـ‪.‬‬
‫‪ -43‬كشاف القناع عن متن اإلقناع‪ ،‬للبهوتي‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪1418‬هـ‪.‬‬
‫‪ -44‬كشف المخدرات والرياض المزهرات لشرح أخصر المختصرات‪ ،‬لعبد الرحمن‬
‫البعلي‪ ،‬ط‪ .‬دار البشائر اإلسالمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪1423‬هـ ‪2002‬م‪.‬‬
‫‪ -45‬شرح منتهى اإلرادات المسمى‪ :‬دقائق أولي النهى لشرح المنتهى‪ ،‬للبهوتي‪ ،‬ط‪ .‬عالم‬
‫الكتب‪ ،‬الطبعة األولى ‪1414‬هـ ‪1993‬م‪.‬‬
‫‪ -46‬مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى‪ ،‬للرحيباني‪ ،‬ط‪ .‬المكتب اإلسالمي‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ‪1415‬هـ ‪1994‬م‪.‬‬

‫ثامنا‪ :‬كتب الفقه الظاهري‪:‬‬


‫‪ -47‬المحلى باآلثار‪ ،‬البن حزم‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫تاسعا‪ :‬كتب الفتاوي واألقضية والفقه العام‪:‬‬


‫‪ -48‬آداب الفتوى والمفتي والمستفتي‪ ،‬للنووي‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪1408‬هـ‪ ،‬تحقيق‪ :‬بسام الجابي‪.‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2782‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫‪ -49‬أدب المفتي والمستفتي‪ ،‬البن الصالح‪ ،‬ط‪ .‬مكتبة العلوم والحكم‪ ،‬المدينة المنورة‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ‪1423‬هـ ‪2002‬م‪.‬‬
‫‪ -50‬إرشاد أهل الملة على إثبات ا ألهلة‪ ،‬للشيخ محمد بخيت المطيعي‪ ،‬ط‪ .‬دار ابن‬
‫حزم‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪1421‬هـ ‪2000‬م‪.‬‬
‫‪ -51‬إعالم الموقعين عن رب العالمين‪ ،‬البن القيم‪ ،‬ط‪ .‬مكتبة الكليات األزهرية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫سنة ‪1388‬هـ ‪1968‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬طه عبد الرؤف سعد‪.‬‬
‫‪ -52‬اإلنصاف في بيان أسباب االختالف‪ ،‬للشاه ولى اهلل أحمد عبد الرحيم الدهلوي‪ ،‬ط‪.‬‬
‫المطبعة السلفية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1398‬هـ‪.‬‬
‫‪ -53‬تبصرة الحكام في أصول األقضية ومناهج األحكام‪ ،‬البن فرحون‪ ،‬ط‪ .‬مكتبة‬
‫الكليات األزهرية‪ ،‬الطبعة األولى ‪1406‬هـ ‪1986‬م‪.‬‬
‫‪ -54‬شرح منظومة عقود رسم المفتي‪ ،‬البن عابدين‪ ،‬ضمن مجموع الرسائل للمؤلف‪،‬‬
‫ط‪ .‬دار إحياء التراث العربى‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -55‬صفة الفتوى‪ ،‬البن حمدان‪ ،‬ط‪ .‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬سنة ‪1397‬هـ‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫محمد ناصر الدين األلباني‪.‬‬
‫‪ -56‬العقد التليد في اختصار الدر النضيد المسمى بالمعيد في أدب المفيد والمستفيد‪،‬‬
‫عبد الباسط بن موسى العلموي‪ ،‬ط‪ .‬مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬الطبعة األولى ‪1424‬هـ‬
‫‪2004‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬مروان العطية‪.‬‬
‫‪ -57‬العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية‪ ،‬البن عابدين‪ ،‬ط‪ .‬دار المعرفة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -58‬فتاوى الخليلي على المذهب الشافعي‪ ،‬محمد بن َشرف الدين الخليلي‪ ،‬د‪.‬ط‪،.‬‬
‫َ‬
‫د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -59‬فتاوي السبكي‪ ،‬لتقي الدين السبكي‪ ،‬ط‪ .‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -60‬الفتاوي الفقهية الكبرى‪ ،‬البن حجر الهيتمي‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -61‬الفقيه والمتفقه‪ ،‬للخطيب البغدادي‪ ،‬ط‪ .‬دار ابن الجوزي‪ ،‬السعودية‪ ،‬الطبعة الثانية‬
‫‪1421‬هـ‪ ،‬تحقيق‪ :‬عادل الغرازي‪.‬‬

‫‪2783‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫‪ -62‬الفكر السامي في تاريخ الفقه اإلسالمي‪ ،‬لمحمد بن الحسن الحجوي‪ ،‬ط‪ .‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪1416‬هـ ‪1995‬م‪.‬‬
‫‪ -63‬لسان الحكام في معرفة األحكام‪ ،‬البن الشحنة‪ ،‬ط‪ .‬البابي الحلبي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪1393‬هـ ‪1973‬م‪.‬‬
‫‪ -64‬مجلة األحكام العدلية مع شرحها درر الحكام لعلي حيدر أفندي‪ ،‬ط‪ .‬دار الجيل‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪1411‬هـ ‪1991‬م‪ ،‬تعريب‪ :‬فهمي الحسيني‪.‬‬
‫‪ -65‬المدخل الفقهي العام‪ ،‬للشيخ مصطفى أحمد الزرقا‪ ،‬ط‪ .‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪1425‬هـ ‪2004‬م‪.‬‬
‫‪ -66‬منار أصول الفتوى وقواعد اإلفتاء باألقوى‪ ،‬للشيخ إبراهيم اللقاني‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫د‪ .‬عبد اهلل الهاللي‪ ،‬ط‪ .‬وزارة األوقاف والشئون اإلسالمية بالمغرب‪ ،‬سنة ‪1423‬هـ‪،‬‬
‫‪2002‬م‪.‬‬

‫عاشرا‪ :‬كتب التاريخ والسرية والطبقات‪:‬‬


‫‪ -67‬ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن األكبر‪،‬‬
‫البن خلدون‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1408‬هـ ‪1988‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬خليل‬
‫شحادة‪.‬‬
‫‪ -68‬سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد‪ ،‬محمد بن يوسف الصالحي الشامي‪ ،‬ط‪.‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪1414‬هـ ‪1993‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬عادل عبد‬
‫الموجود‪ ،‬على معوض‪.‬‬
‫‪ -69‬سير أعالم النبالء‪ ،‬لشمس الدين الذهبي‪ ،‬ط‪ .‬دار الحديث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬سنة ‪1427‬هـ‬
‫‪2006‬م‪.‬‬
‫‪ -70‬الطبقات الكبرى‪ ،‬البن سعد‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪1410‬هـ ‪1990‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عبد القادر عطا‪.‬‬

‫حادي عشر‪ :‬كتب وأحباث أخرى‪:‬‬


‫‪ -71‬أثر المواقع اإللكترونية على الثقافة الدينية‪ ،‬دراسة ميدانية على عينة من طالب‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2784‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫جامعة جنوب الوادي‪ ،‬د‪ .‬عبد الفتاح تركي موسى‪ ،‬بحث منشور في حولية كلية‬
‫اآلداب‪ ،‬جامعة عين شمس‪ ،‬مج ‪ ،44‬سنة ‪2016‬م‪.‬‬
‫‪ -72‬إدارة المواقع اإلسالمية‪ ،‬دراسة مسحية‪ ،‬د‪ .‬عدنان بن خليل باشا‪ ،‬د‪ .‬حسن‬
‫السريحي‪ ،‬بحث ضمن أعمال المؤتمر العالمي التاسع‪ :‬الشباب واالنفتاح العالمي‪،‬‬
‫الندوة العالمية للشباب اإلسالمي‪ ،‬الرياض‪ ،‬نوفمبر سنة ‪2002‬م‪.‬‬
‫‪ -73‬بناء و تصميم مواقع الحكومة اإللكترونية‪ ،‬أحمد عزت حسن‪ ،‬ورقة عمل منشورة‬
‫ضمن فعاليات ندوة الحكومة اإللكترونية‪ :‬مجاالت وآليات التنفيذ وورشة عمل‬
‫طرق بناء مواقع الحكومة اإللكترونية‪ ،‬المنظمة من قبل المنظمة العربية للتنمية‬
‫واإلدارة‪-‬جامعة الدول العربية‪ 15-11 ،‬فبراير ‪2007‬م‪.‬‬
‫‪ -74‬توظيف تطبيقات األجهزة "الهواتف" الذكية في التوعية بقضايا األسرة في سلطنة‬
‫عمان‪ ،‬وضحة بنت سلمان‪ ،‬بحث منشور بمجلة دراسات في الخدمة االجتماعية‬
‫والعلوم اإلنسانية‪ ،‬كلية الخدمة االجتماعية‪ ،‬جامعة حلوان‪ ،‬ع ‪ ،39‬ج ‪ ،16‬أكتوبر‬
‫‪2015‬م‪.‬‬
‫‪ -75‬توظيف التنظيمات اإلرهابية لوسائل التواصل االجتماعي‪ ،‬دراسة وصفية للمخاطر‬
‫وكيفية المواجهة‪ ،‬د‪ .‬طارق ميرغني‪ ،‬بحث منشور بمجلة كلية الدعوة واإلعالم‪،‬‬
‫جامعة القرآن الكريم والعلوم اإلسالمية‪ ،‬عدد ‪ ،4‬سنة ‪2018‬م‪.‬‬
‫‪ -76‬شبكة اإلنترنت‪ :‬منشأ وتطورا وخدمات‪ ،‬د‪ .‬وجدي عبد الفتاح سواحل‪ ،‬مقال منشور‬
‫بالمجلة العربية العلمية للفتيان سنة ‪2001‬م‪ ،‬مج ‪ ،5‬ع ‪.9‬‬
‫‪ -77‬شبكات التواصل االجتماعي‪ ،‬منافع التواصل ومضار القرصنة‪ ،‬د‪ .‬خليل عبد اهلل‬
‫حسين‪ ،‬بحث منشور بمجلة جامعة غرب كردفان للعلوم واإلنسانيات‪ ،‬ع ‪ ،6‬سنة‬
‫‪2012‬م‪.‬‬
‫‪ -78‬المواقع اإلسالمية في اإلنترنت وفاعليتها‪ ،‬د‪ .‬عبد الحق حميش‪ ،‬بحث ضمن أعمال‬
‫المؤتمر العالمي التاسع‪ :‬الشباب واالنفتاح العالمي‪ ،‬الندوة العالمية للشباب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬الرياض‪ ،‬نوفمبر سنة ‪2002‬م‪.‬‬

‫‪2785‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫‪ -79‬المواقع الدينية اإلسالمية‪ ،‬محتواها وتنظيمها واستخدامها‪ ،‬د‪ .‬ناصر بن محمد‬


‫السويدان‪ ،‬بحث منشور ضمن أعمال مؤتمر المحتوى العربي في اإلنترنت‪،‬‬
‫التحديات والطموح‪ ،‬جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬مج ‪ ،3‬سنة ‪2011‬م‪.‬‬

‫‪h‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2786‬‬


‫الفقه الـمقـــارن‬

Record the references


1-The Holy Quran
First: Language books and dictionaries.
2-Tahtheb Al-Lughah, by Al-Azhari, P. Dar Ehyaa Al-Turath Al-
Arabi, Beirut, first edition 2001 AD, Editing: Muhammad Awad
Mereb.
3-Lisan Al Arab, by Ibn Manzur, P. Dar Ehyaa Al-Turath Al-Arabi,
first edition 1405 AH.
4-Al-Muhkam Wa Al-Mohet Al-Azam, by Ibn Sayyida, i. Dar al-
Kutub al-Ilmiyya, Beirut, first edition 1421 AH 2000 AD, Edited
by: Abdel Hamid Hindawi.
5-Al-Maghreb Fi Tarteb Al-Mu'arrab, by Abu Al-Fath Al-Matrizi, P.
Dar Al-Kitab Al-Arabi, d.T.
Second: Hadith books and its sciences:
6-Akhbar Makkah Fi Qadem Al-Dahr Wa Hadithuh, by Al-Fakihi, i.
Dar Khader, Beirut, second edition 1414 AH, Editing: Dr. Abdul
Malik Dahish.
7-Al-Tariekh Al-Kaber, by Imam Al-Bukhari, p. Dar Al-Fikr, Beirut,
d.T. Editing: Mr. Hashem Al-Nadawi.
8-Jami' Bayan Al-Elm Wa Fadluh, by Ibn Abd al-Barr, p. Dar al-
Kutub al-Ilmiyya, Beirut, year 1398 AH.
9-Al-Jami’ Fi Al-Hadith, by Ibn Wahb, p. Dar Ibn al-Jawzi, Riyadh,
first edition 1416 AH 1995 AD, Editing: Dr. Mustafa Hassan Abu
al-Khair.
10-Sunan Al-Darmi, by Abu Muhammad Al-Darmi, i. Dar Al-
Mughni for Publishing and Distribution, Saudi Arabia, first
edition 1412 AH 2000, Editing: Hussein Suleiman Al-Darani.
11-Sunan Sa'eed bin Mansour, p. Dar al-Kutub al-Ilmiyya, Beirut,
first edition, 1985 AD, Edited by: Habib al-Rahman al-Azami.
12-Al-Sunan Al-Kubra, by Al-Bayhaqi, i. Dar al-Kutub al-Ilmiyya,
Beirut, third edition 1424 AH 2003 AD, Editing: Muhammad

2787 ‫م‬2021 / ‫هـ‬1443 ‫ مجادى األوىل‬:‫العدد الرابع‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

Abdul Qadir Atta.


13-Sahih Al-Bukhari - Al-Musnad Al-Sahih Al-Mukhtasar Min
Umour Rasol Allah, may God’s prayers and peace be upon
him, Wa Sunanuh Wa Ayamuh, Muhammad bin Ismail al-
Bukhari, P. Dar Touq Al-Najat, illustrated by the Royal Edition,
first edition 1422 AH, Editing: Muhammad Zuhair.
14-Sahih Muslim, by Muslim bin Al-Hajjaj, p. Dar Al-Jeel, Beirut,
illustrated by the Turkish edition printed in Istanbul in the
year 1334 AH.
15-Ma Rawah Al-Akaber 'An Malik bin Anas, to Abu Abdullah Al-
Baghdadi, p. Al Rayan Foundation, Beirut, first edition 1416
AH, Editing: Awwad Al-Khalaf.
16-Al-Mogalasa Wa Jawahir Al-Elm, by Abu Bakr Al-Dinori, P.
Islamic Education Society, Bahrain, year 1419 AH, Editing:
Mashhour Al Suleiman.
17-Al-Muthakar Wa Al-Tathker Wa Al-Thakar, by Ibn Abi Asim, P.
Dar Al-Manar, Riyadh, 1413 AH.
18-Al-Musannaf, by Ibn Abi Shaybah, P. Al-Rushd Library, Riyadh,
first edition 1406 AH.
19-Al-Musannaf, by Abu Bakr Abd al-Razzaq al-San’ani, p. The
Islamic Office, Beirut, second edition, 1403 AH, Edited by:
Habib al-Rahman al-Azami.
20-Al-Muntaqa Sharh Muwatta’ Al-Imam Malik, by Abu Al-Walid
Al-Baji, p. Al-Saada Press, Egypt, first edition 1332 AH.
Third: Books of Usul al-Fiqh and Jurisprudence:
21-Al-Ehkam Fi Usoul Al-Ahkam, by Al-Lamdi, P. The Islamic
Office, Beirut, d.T., Editing: Abdel Razzaq Afifi.
22-Ershad Al-Fuhul Ela Tahqiq Al-Haq Min Elm Al-Usoul, by Al-
Shawkani, P. Dar al-Kitab al-Arabi, first edition 1419 AH 1999
AD, Editing: Ahmed Ezzo Inaya.
23-Ershad Al-Muhtaden Ela Nasrat Al-Mugtahedin, by Al-Suyuti,
d.T.

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ 2788


‫الفقه الـمقـــارن‬

24-Al-Ashbah Wa Al-Naza'ir, by Ibn Njeim, P. Dar al-Kutub al-


Ilmiyya, Beirut, first edition 1419 AH 1999 AD.
25-Anwar Al-Buruq Fi Anwaa Al-Furuq, Al-Qarafi, P. Dar al-Kutub
al-Ilmiyya, Beirut, 1418 AH 1998 AD, Editing: Khalil al-Mansur.
26-Al-Bahr Al-Moheet Fi Usoul Al-Fiqh, by Al-Zarkashi, P. Dar Al
Ketbi - First Edition 1414 AH 1994 AD.
27-Al-Tabsera Fi Usul Al-Fiqh, by Abu Ishaq al-Shirazi, i. Dar al-
Kutub al-Ilmiyya, Beirut, second edition, 1424 AH, 2003 AD.
28-Al-Taqrir Wa Al-Tahbir AlaTahrir Al-Kamal Ibn Al-Hamam, by
Ibn Amir Haj, p. Dar al-Kutub al-Ilmiyya, Beirut, second
edition, 1403 AH, 1983 AD.
29-Taqrir Al-Estinad Fi Tafsir Al-Ijtihad, by Al-Suyuti, i. Dar al-
Da`wah, Alexandria, first edition 1403 AH, Edited by: Fouad
Abdel Moneim.
30-Tayseer Al-Tahrir, by Muhammad Amin al-Bukhari, known as
Amir Badshah, Sharh al-Tahrir by Ibn al-Hamam, p. Mustafa
Al-Babi Al-Halabi, Cairo, year 1351 AH 1932 AD.
31-Al-Ijtihad, by Imam Al-Haramayn Al-Juwayni, p. Dar al-Qalam,
Damascus, first edition 1408 AH, Editing: Abdul Hamid Abu
Zaid.
32-Al-Rad Ala Man Akhlad Ela Al-Ard Wa Gahel An Al-Ijtihad Fi kol
'Asr Fard, by Jalal al-Din al-Suyuti, i. University Youth
Foundation, Alexandria, 1405 AH 1985 AD. Editing: Dr. Fouad
Abdel Moneim Ahmed.
33-Sharh Al-Kawkab Al-Munir, by Ibn Al-Najjar, P. Obeikan
Library, second edition 1418 AH 1997 AD, Editing:
Muhammad Al-Zuhaili, Nazih Hammad.
34-Al-'Eda Fi Usoul Al-Fiqh, Judge Abu Yala, d. The second edition,
1410 AH, 1990 AD, Edited by: Ahmed bin Ali Al-Mubaraki.
35-Ghamz 'Youn Al-Basaair Fi Sharh Al-Ashbah Wa Al-Naza'ir, Al-
Hamawi, P. Dar al-Kutub al-Ilmiyya, Beirut, first edition 1405
AH 1985 AD.

2789 ‫م‬2021 / ‫هـ‬1443 ‫ مجادى األوىل‬:‫العدد الرابع‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

36-Ghiyath Al-Ummām Fi Al-Tiyath Al-Zulam, by Imam al-


Haramayn al-Juwayni, i. Imam Al-Haramain Library, second
edition, 1401 AH, Edited by: Abdul Azim Al-Deeb.
37-Qawa'id Al-Fiqh, Muhammad Ameem Al-Ihsan Al-Barakti, p.
Al-Sadf, Karachi, first edition, 1407 AH, 1986 AD.
38-Al-Mahsoul, by Al-Razi, Editing: Dr. Taha Jaber Al-Alwani, P. Al-
Resala Foundation, third edition 1418 AH 1997 CE.
39-Al-Madkhal Ela Mathhab Al-Imam Ahmad bin Hanbal, by Ibn
Badran, p. Dar al-Kutub al-Ilmiyya, Beirut, first edition, 1996
AD.
40-Al-Mustafa min Ilm Al-Osoul, by Al-Ghazali, p. Dar al-Kutub al-
Ilmiyya, Beirut, first edition 1413 AH 1993 AD, Editing:
Muhammad Abd al-Salam Abd al-Shafi.
41-Al-Musuadda Fi Usoul al-Fiqh, by Al Taymiyyah, i. Dar al-Kitab
al-Arabi, d.T. Editing: Muhammad Muhyi al-Din Abd al-Hamid.
42-Al-Mwafaqat, by Al-Shatby, P. Dar Ibn Affan, first edition 1417
AH 1997 AD, Editing: Mashhour Hassan.
Fourth: Hanafi fiqh books:
43-Al-Bahr Al-Ra'iq Sharh Kanz Al-Daqa'iq, Ibn Njeim, p. Islamic
Book House, d.T.
44-Takmilat Hashiyat Rad Al-Muhtar Al-Mosamah Qurrat 'Oyoun
Al-Akhbar Takmilat Rad Al-Muhtar Ala Al-Durr Al-Mukhtar, by
Muhammad Alaa Al-Din Ibn Abdeen, P. Dar Al-Fikr, Beirut,
1415 AH 1995 AD.
45-Hashiyat Ibn Abdin Al-Mosamah Rad Al-Muhtar 'Ala Al-Durr
Al-Mukhtar, by Ibn Abdin, P. Dar Al-Fikr, Beirut, second
edition 1412 AH 1992 AD.
46-Al-Durr Al-Mukhtar by Al-Hasakfi, Sharh Tanweer Al-Absar by
Al-Nasfi, printed with the footnote of Ibn Abidin, P. Dar Al-
Fikr, Beirut, second edition 1412 AH 1992 AD.
47-Sharh Fath Al-Qadeer, by Kamal al-Din Ibn al-Hamam, p. Dar
Al-Fikr, Beirut, d.T.

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ 2790


‫الفقه الـمقـــارن‬

48-Al-'Enaya Sharh Al-Hedaya, by Baberti, P. Dar Al-Fikr, d.t.


49-Al-Mabsout, by Sarkhasi, P. Dar Al-Ma'rifa, Beirut, year 1414
AH 1993 AD.
50-Mogama' Al-Anhur Fi Sharh Moltaqa Al-Abhur, by Damad
Effendi, p. Dar Ehyaa Al-Turath Al-Arabi, d.
51-Al-Mohet Al-Burhani Fi Al-Fiqh Al-Nu’mani, by Ibn Maza, p.
Dar al-Kutub al-Ilmiyya, Beirut, first edition 1424 AH/2004 AD,
Edited by: Abdul Karim al-Jundi.
52-Al-Nafi’ Al-Kabeer, Sharh Al-Jami' Al-Sagheer, by Sheikh Al-
Laknawi, P. World of Books, Beirut, first edition 1406 AH 1986
AD.
Fifth: The Maliki Fiqh Books:
53-Hashiyat Al-Desouki Ala Al-Sharh Al-Kaber, by Sheikh
Muhammad bin Arafa Al-Desouki, p. Dar Al-Fikr, d.t.
54-Al-Thakhira, by Al-Qarafi, P. Dar al-Gharb al-Islami, Beirut, first
edition 1994 AD, Editing: Muhammad Hajji.
55-Mawaheb Al-Galel Fi Sharh Mukhtasar Khalil, Al-Hattab, P. Dar
Al-Fikr, Beirut, third edition 1412 AH 1992 AD.
Sixth: The books of Shafi'i jurisprudence:
56-Asna Al-Matalib Fi Sharh Rawd Al-Talib, Sheikh Zakaria Al-
Ansari, p. Dar Al-Kitab Al-Islami, d.t.
57-Al-'Um, by Imam Al-Shafi’i, P. Dar Al-Fikr, Beirut, second
edition 1403 AH 1983AD.
58-Tuhfat Al-Habib Ala Sharh Al-Khatib, by Sheikh Suleiman al-
Bajirmi, P. Dar Al-Fikr, Beirut, 1415 AH 1995 AD.
59-Hashiyat Al-Sharwani Ala Tuhfat Al-Muhtaj Sharh Al-Minhaj,
by Sheikh Abdul Hamid Al-Sharwani, edition of the year 1357
AH 1983AD.
60-Rawdat Al-Talibin Wa Omdat Al-Muftien, by Al-Nawawi, P. Dar
al-Kutub al-Ilmiyya, Beirut, d.T. Editing: Adel Abdel-Mawgod,
and Ali Moawad.

2791 ‫م‬2021 / ‫هـ‬1443 ‫ مجادى األوىل‬:‫العدد الرابع‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

61-Nehayt Al-Matlab Fi Derayt Al-Mathhab, by Al-Juwayni, P. Dar


Al-Minhaj, first edition 1428 AH 2007 AD, Editing: Dr. Abdel
Azim El Deeb.
Seventh: Books of Hanbali Fiqh:
62-Al-Ensaf Fi Ma'rifat Al-Rageh Min Al-Khelaf, by Al-Mardawi, P.
Dar Ehyaa Al-Turath Al-Arabi, Beirut, first edition, 1419 AH.
63-Kashaf Al-Qena' 'An Matn Al-Eqna', by Al-Bahouti, P. Dar al-
Kutub al-Ilmiyya, Beirut, first edition, 1418 AH.
64-Kashf Al-Mokhadarat Wa Al-Riyad Al-Muzhirat Lisharh Akhsar
Al-Mukhtasarat, by Abd al-Rahman al-Baali, P. Dar Al-Bashaer
Al-Islamiyyah, Beirut, first edition, 1423 AH, 2002 AD.
65-Sharh Muntaha Al-Eradat named: Daqa'iq Oli Al-Nuha Fi Sharh
Ghayt Al-Muntaha, by Al-Bahouti, P. The World of Books, first
edition 1414 AH 1993 AD.
66-Matalib Oli Al-Nuha Fi Sharh Ghayat Al-Muntaha, by Al-
Rahibani, P. The Islamic Office, second edition 1415 AH 1994
AD.
Eighth: Books of apparent jurisprudence:
67-Al-Muhalla BilAthar, by Ibn Hazm, P. Dar Al-Fikr, Beirut, d.t.
Ninth: Books of Fatwas, Jurisprudence and General
Jurisprudence:
68-Adab Al-Fatwa Wa Al-Mufti Wa Mustafti, by Al-Nawawi, P. Dar
Al-Fikr, Damascus, first edition 1408 AH, Editing: Bassam Al-
Jabi.
69-Adab Al-Mufti Wa Al-Mustafti, by Ibn Al-Salah, p. Library of
Science and Governance, Medina, second edition, 1423 AH,
2002 AD.
70-Ershad Ahl Al-Mella 'Ala Ethbat Al-Ahela, by Sheikh
Muhammad Bakhit Al-Mutai’i, p. Dar Ibn Hazm, Beirut, first
edition 1421 AH 2000 AD.
71-E'lam Al-Mawq'ien 'An Rab Al-'Alamein, by Ibn al-Qayyim, p.

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ 2792


‫الفقه الـمقـــارن‬

Al-Azhar Colleges Library, Cairo, year 1388 AH 1968 AD,


Editing: Taha Abdel-Raouf Saad.
72-Al-Ensaf Fi Bayan Asbab Al-Ekhtilaf, by Shah Wali Allah Ahmad
Abd al-Rahim al-Dahlawy, p. Salafi Press, Cairo, second
edition 1398 AH.
73-Tabserat Al-Hukkam Fi Usoul Al-Aqdia Wa Manahij Al-Ahkam,
by Ibn Farhoun, P. Al-Azhar Colleges Library, first edition 1406
AH 1986 AD.
74-Sharh Manzomat 'Uqud Rasm Al-Mufti, by Ibn Abdeen, within
the author’s total letters, P. Dar Ehyaa Al-Turath Al-Arabi,
Beirut, d.
75-Sifat Al-Fatwa, by Ibn Hamdan, P. The Islamic Office, Beirut,
year 1397 AH, Editing: Muhammad Nasir al-Din al-Albani.
76-Al-'Akd Al-Talid Fi Ekhtisar Al-Dur Al-Nadid called Al-Mu’id Fi
Adab Al-Mufid Wa Al-Mustafid, Abdul Basit bin Musa Al-
Alamawi, p. Religious Culture Library, first edition 1424 AH
2004 AD, Editing: Marwan Al-Attiyah.
77-Al-'Uqud Al-Duriya Fi Tanqieh Al-Fatawa Hamidiyah, by Ibn
Abdeen, P. Dar Al-Ma'rifa, d.t.
78-Fatawa Al-Khalili Ala Al-Mathhab Al-Shafi’i, Muhammad bin
Sharaf Al-Din Al-Khalili, d.t.
79-Fatawa Al-Subki, by Taqi Al-Din Al-Subki, P. Dar Al-Ma'rifa,
Beirut, d
80-Al-Fatawa Al-Fiqhya Al-Kubra, by Ibn Hajar Al-Haytami, p. Dar
Al-Fikr, Beirut, d.t.
81-Al-Faqih Wa Al-Mutafaqeh, by Al-Khatib Al-Baghdadi, p. Dar
Ibn al-Jawzi, Saudi Arabia, second edition 1421 AH, Editing:
Adel Al-Gharazi.
82-Al-Fikr Al-Sami Fi Tariekh Al-Fiqh Al-Islami, by Muhammad ibn
al-Hasan al-Hajwi, P. Dar al-Kutub al-Ilmiyya, Beirut, first
edition, 1416 AH, 1995 AD.
83-Lisan Al-Hukkam Fi Ma’rifat Al-Ahkam, by Ibn Al-Shihnah, P.

2793 ‫م‬2021 / ‫هـ‬1443 ‫ مجادى األوىل‬:‫العدد الرابع‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

Al-Babi Al-Halabi, Cairo, second edition 1393 AH 1973 AD.


84-Magalat Al-Ahkam Al-'Adlia Ma' Sharhaha Durar Al Hakam by
Ali Haidar Effendi, P. Dar Al-Jeel, first edition 1411 AH 1991
AD, Arabization: Fahmi Al-Husseini.
85-Al-Madkhal Al-Fiqhi Al-'Am, by Sheikh Mustafa Ahmed Al-
Zarqa, p. Dar al-Qalam, Damascus, second edition, 1425 AH,
2004 AD.
86-Manar Usoul Al-Fatwa Wa Qawa'id Al-Iftaa Bilaaqwa, by
Sheikh Ibrahim Al-Laqani, Editing: Dr. Abdullah Al-Hilali, P.
Ministry of Awqaf and Islamic Affairs in Morocco, year 1423
AH, 2002 AD.
Tenth: History books, biography and classes:
87-Diwan Al-Mobtadaa Wa Al-Khabar Fi Tariekh Al-Arab Wa Al-
Barbar Wa Man 'Asarahum Min Thawi Al-Shaan Al-Akbar, by
Ibn Khaldun, p. Dar Al-Fikr, Beirut, second edition 1408 AH
1988 AD, Editing: Khalil Shehadeh.
88-Subul Al-Huda Wa Al-Rashad Fi Serat Khair Al-Ebad,
Muhammad bin Yusuf Al-Salihi Al-Shami, P. Dar al-Kutub al-
Ilmiyya, Beirut, first edition 1414 AH 1993 AD, Editing: Adel
Abdel-Mawgod, Ali Moawad.
89-Siar A'lam Al-Nubalaa, by Shams Al-Din Al-Dhahabi, P. Dar Al-
Hadith, Cairo, 1427 A.H. 2006 A.D.
90-Al-Tabaqat Al-Kubra, by Ibn Saad, P. Dar al-Kutub al-Ilmiyya,
Beirut, first edition 1410 AH 1990 CE, Edited by: Muhammad
Abdul Qadir Atta.
Eleventh: Other books and research:
91-Athar Al-Mawaqi' Al-Electronia Ala Al-Thaqafa Al-Denia, a field
study on a sample of South Valley University students, d.
Abdel-Fattah Turki Moussa, research published in the
Yearbook of the Faculty of Arts, Ain Shams University, Volume
44, 2016 AD.

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ 2794


‫الفقه الـمقـــارن‬

92-Edarat Al-Mawaqi' Al-Islamia, a survey study, d. Adnan bin


Khalil Pasha, d. Hassan Al-Suraihi, research within the work of
the Ninth International Conference: Youth and Global
Openness, World Assembly of Muslim Youth, Riyad,
November 2002 AD.
93-Benaa Wa Tasmim Mawaqi' Al-Hukuma Al-Electronia, Ahmed
Ezzat Hassan, a working paper published within the activities
of the e-government symposium: areas and mechanisms of
implementation and a workshop on ways to build e-
government websites, organized by the Arab Organization for
Development and Administration - League of Arab States,
February 11-15, 2007.
94-Employing smart phone applications in raising awareness of
family issues in the Sultanate of Oman, Wadha bint Salman,
research published in the Journal of Studies in Social Work
and Human Sciences, Faculty of Social Work, Helwan
University, p. 39, c. 16, October 2015.
95-Terrorist organizations’ use of social media, a descriptive
study of risks and how to confront them, d. Tariq Mirghani,
research published in the Journal of the College of Da`wah
and Media, University of the Noble Qur’an and Islamic
Sciences, Issue 4, 2018.
96-Shabakat Al-Internet: Origin, Development and Services, d.
Wajdi Abdel-Fattah Sahel, an article published in the Arab
Scientific Journal for Boys in 2001, volume 5, p. 9.
97-Shabakat Al-Tawasul Al-Egtima'i, the benefits of
communication and the harms of piracy, d. Khalil Abdullah
Hussein, research published in the West Kordofan University
Journal of Sciences and Humanities, Vol. 6, 2012.
98-Islamic websites on the Internet and their effectiveness, d.
Abdel Haq Himmish, research within the work of the Ninth
International Conference: Youth and Global Openness, World

2795 ‫م‬2021 / ‫هـ‬1443 ‫ مجادى األوىل‬:‫العدد الرابع‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

Assembly of Muslim Youth, Riyadh, November 2002 AD.


99-Islamic religious websites, their content, organization and use,
d. Nasser bin Muhammad Al-Suwaidan, published research
within the work of the Arab Content Conference on the
Internet, Challenges and Ambition, Imam Muhammad bin
Saud Islamic University, Volume 3, 2011 AD.

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ 2796


‫الفقه الـمقـــارن‬

‫فهرس املوضوعات‬
‫الصفحة‬ ‫املوضـــــــــــــــــــوع‬
‫المقدمة ‪2697 ...............................................................................‬‬
‫خطة البحث ‪2699 ..........................................................................‬‬
‫التعريف بالفتوى اإللكترونية ووسائلها‪2701 ..............................................‬‬
‫تعريف الفتوى في اللغة‪2701 ..............................................................‬‬
‫تعريف الفتوى في االصطالح ‪2702 .......................................................‬‬
‫وسائل الفتوى اإللكترونية ‪2704 ...........................................................‬‬
‫مشروعية الفتوى اإللكترونية وضوابطها عند الفقهاء ‪2710 ...............................‬‬
‫المفتي وشروطه في الفقه اإلسالمي‪2717 .................................................‬‬
‫طبقات المفتين ومراتبهم عند الفقهاء ‪2719 ...............................................‬‬
‫المجتهد المطلق المستقل‪2719 ............................................................‬‬
‫المجتهد المنتسب ومراتبه عند الفقهاء ‪2720 ..............................................‬‬
‫المقلدين والعوام ِ‬
‫ونقلهِ م لفتاوي المجتهدين‪2727 .....................‬‬ ‫ِ‬ ‫حكم اإلفتاء من‬
‫اإلفتاء من خالل أمناء الفتوى الذين لم يبلغوا درجة االجتهاد ‪2728 .....................‬‬
‫ِ‬
‫المقلد للفتوى ‪2730 .....................................................‬‬ ‫طرق نقل األمين‬
‫شروط أمين الفتوى ‪2731 ..................................................................‬‬
‫أمين الفتوى‪2732 ..................................................‬‬
‫عمل المستفتي بفتوى ِ‬
‫واقع الفتوى اإللكترونية في العالم االفتراضي‪2736 ......................................‬‬
‫سبل ضبط الفتوى اإللكترونية في العالم االفتراضي ‪2742 ...............................‬‬
‫ِ‬
‫المتصدرِ ين للفتوى اإللكترونية‬ ‫سلطة ولي األمر في تنصيب المفتين ومعاقبة‬
‫دون إذن ‪2742..............................................................................‬‬
‫سلطة ولي األمر في توحيد الفتوى اإللكترونية الرسمية واإللزام بها ‪2752 ..............‬‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫تثقيف المستفتين عبر المواقع اإللكترونية والتطبيقات ال َّذكية ‪2767 ......................‬‬
‫َّ‬

‫‪2797‬‬ ‫العدد الرابع‪ :‬مجادى األوىل ‪1443‬هـ ‪2021 /‬م‬


‫إشكالية اهلوية يف الفتوى اإللكرتونية‬

‫البحث عن أهلية المفتي في االستفتاء اإللكتروني(اختيار الموقع اإللكتروني) ‪2767 ...‬‬


‫حكم استفتاء مجهول الحال ‪2768 ........................................................‬‬
‫طرق العلم بأهلية المفتي في االستفتاء اإللكتروني ‪2769 ................................‬‬
‫تثقيف المستفتين في صياغة السؤال وخصوصية الفتوى اإللكترونية‪2772 ..............‬‬
‫الخاتمة وأهم النتائج والتوصيات‪2774 ...................................................‬‬
‫ثبت المراجع‪2777 .........................................................................‬‬
‫فهرس الموضوعات‪2797 .................................................................‬‬

‫‪h‬‬

‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية بنني بأسوان‬ ‫‪2798‬‬

You might also like