Professional Documents
Culture Documents
FISB - Volume 4 - Issue 4 - Pages 2693-2798
FISB - Volume 4 - Issue 4 - Pages 2693-2798
إعداد
أ.د.م .أمحد سعد علي الربعي
أستاذ الفقه المقارن المساعد بجامعة األزهر
كلية الدراسات اإلسالمية والعربية للبنين بالقاهرة
ملخص البحث:
هدفت في هذا البحث تسليط الضوء على لوازم الفتوى الشرعية وضوابطها عند
الفقهاء ،والمقارنة بينها وبين واق ِع اإلفتاء اإللكتروني المعاصر ،منب ًِها على ضرورة قصر
ِ
سلطة ولي األمر في ِ
ومؤك ًدا على ِ
مؤسسات اإلفتاء الرسمية، الفتوى اإللكترونية على
َّ
ِ
والتصدي لظاهرة اإلفتاء الموحدة، تقنين الفتوى ،واإللزام بالفتوى اإللكترونية
َّ
مؤص ًال لكون ذلك ِ ِ
والعقوبات الزاجرة، اإللكتروني غيرِ الرسمي بالقوانين الر ِادعة،
َّ
شتى العصورِ ،من ِ ِ
شرعيا التزمه وال ُة األمر والعلماء الراسخون في َّ ًّ واإللزام أمرا
ً
التصدي
لدن رسول اهلل وصحابته الكرام ،وما تاله؛ فإن اهلل -تعالى -يزع بالسلطان
ما ال يزع بالقرآن.
الموحدة ،فتوى
َّ الكلمات المفتاحية :اإلفتاء غير الرسمي ،تقنين الفتوى ،الفتوى
ِ
المقلد ،أمين الفتوى.
كل خطاب، يصدر ُّ
َّ كل كتاب ،وباسمه
الحمد هلل الذي بحمده يستفتح ُّ
محمد ِ
عبد اهلل ٍ ِ
سيدنا وبذكره يستأنس األحباب ،والصالة والسالم على
ِ
وشمس دين اإلسالم. ِ
المرسلة ِ
الرحمة مفتاح
ِ ِ
ورسوله ،وصفيِه وحبيبِه،
ثم أما بعد ...
بمواق ِعه
ِ اليوم إلى العالم االفتراضي
َ
ِ
المجتمعات فإنه وبسبب َت َح ُّو ِل
ِ
وسائله مقصورا على واإلفتاء االستفتاء يعد ِ
ً ُ ُ الذكية ،لم ُ
َّ
وتطبيقاته اإللكترونية
ِ
والمشافهة بين المفتي ِ
اللقاء التقليدية التي ُعهِ َدت من قبل ،والتي تعتمد على َّ
المنصات اإللكترونية المختلف ُة من أهم وسائلُ والمستفتي؛ حيث أضحت
اليوم أدا ًة
َ صناعة الفتوى في العصر الحاضر ،وأصبحت الفتوى اإللكتروني ُة
تتواصل من خاللها مع قطا ٍع ُ ِ
اإلفتاء الر ْسمي ِة عبر العالم، ِ
لمؤسسات مهم ًة
َّ َّ َّ
حواجز ٍ
شتى األماكن والبلدان ،من غير حدود فاصلة ،أو
َ واس ٍع من الناس في َّ
واجب الوقت الذي تمليه علينا مقتضيات العصر عائقة ،وال شك أن هذا هوٍ
ُ
وظرو ُفه.
ِ
القيام لكن مما ِ
يعكر على هذه المؤسسات عم َلها ،ويعيق حركتها دون
الصفحات المشبوهة،
ُ ِ
المأمول في مجال اإلفتاء اإللكتروني ،تلك بدورها
ٍ
جماعات أو والتطبيقات الغير رسمية ،المنسوب ُة إلى المتطر َفة،
ِ والمواقع
َّ ُ ُ ُ
وبالتطرف
ِ ويش العلمي ،والعجزِ ِ
الفقهي ،بل ٍ
أشخاص عرِ فوا بالت ْش ِ أحزاب أو
ٍ
َ ْ َّ ُ
ِ
المقصود على ِ
واالجتراء العم ِدي، والتضليل
ِ واإلرهاب القولي،
ِ الفكري،
ْ
ِ
للعوام المنصبِين لإلفتاء الر ْسمي في البلدان ،وإظهارِ هم العلماء والمفتين
َّ َّ
مع لقولهم ،وال ُي ْؤ َبه لفتاويهم، ٍ ٍ
وعلماء دولة ،ال ُي ْست ُ
ُ سلطة، شيوخ
ُ على أنهم
ساروا خل َفهم،
شباب األمةُ ، ِ أعدادا هائل ًة من
ً حتى استمالوا بهذه المزاعم
يتبعه
الواحد منهم ُ
َ سوادهم في هذا العالم االفتراضي ،حتى وجدنا
َ وكثروا
َّ
الماليين من المتابعين ،وليتهم قصروا حدي َثهم
ُ اإللكتروني
ِ على حسابِه
ِ
الخوض في مسائل تتعلق بالمصالح لمتابعيهم على النصح واإلرشاد ،دون
ِ
ومنازعة ِ
أهله الر ْسميِين، ِ
اإلفتاء، ِ
التصدي ألمر ِ
العامة للبالد والعباد ،ودون
َّ
عمت بصنيعهم الفوضى ،واضطربت بتصرفاتهم األوضاع. حتى َّ
تسليط الضوء على ظاهرة اإلفتاء
َ وقد هدفت من هذه الدراسة
مبرزا مخاطرها وأضرارها ،منب ًِها على ضرورة ً اإللكتروني غيرِ الرسمي،
َ َّ
ِ ِ
التصدي لها من قبل والة األمر بالتقنين والعقوبة؛ وقصرِ اإلفتاء اإللكتروني
اإلفتاء الر ْسمية في البالد ،حتى تنضبط األمور وتستقيم ِ ِ
منصات على
َّ
الموازين ،وقد أردت في هذه الدراسة التأكيد على أهمية تقنين الفتوى
نصبين من قبل
الم َّ
الر ْسميِين ُ وتنظيمها في البالد وضرورة قصرِ ها على المفتين
َّ
متعرضا لمسألة توحيد الفتوى وحكم إلزام المفتي بالقول ً والة األمور،
مؤص ًال لجميع ذلك بما جرى عليه العرف والعمل منذ زمن النبي ِ الواحد،
وما تاله من العصور.
وقد عنونت لهذه الدراسة باسم" :إشكالية الهُوِ يَّة في ال َفت ْ َوى اإللكترونية
ِ
العالم ِ
الفتاوى في الشر ِعية وفَ ْو َضى -دراسة فقهية حول لَ َوازِ م ال َفتْوى
َّ ْ َّ
االفتراضي".
خطة الدراسة:
ِ
وثالثة مباحث وخاتمة، ٍ
مقدمة جاءت خطة هذه الدراسة مشتمل ًة على
أما المقدمة فقد تكلمت فيها عن أهمية البحث وسبب اختياره وخطة الدراسة
فيه ،وأما المباحث فقد جاءت على النحو التالي:
المبحث األول :ماهية الفتوى اإللكترونية وحكمها.
وفيه ثالثة مطالب:
المطلب األول :التعريف بالفتوى اإللكترونية.
المطلب الثاني :وسائل الفتوى اإللكترونية.
المطلب الثالث :مشروعية الفتوى اإللكترونية وضوابطها عند الفقهاء.
لوازِ م الشرعية وواقع العالم االفتراضي.
المبحث الثانيُ :هوِ َّية المفتي بين الَّ َ
وفيه خمسة مطالب:
المطلب األول :المفتي وشروطه في الفقه اإلسالمي.
ِ
المفتين ومراتبهم عند الفقهاء. طبقات
ُ المطلب الثاني:
ُ
ِ
ونقلهِ م لفتاوى المطلب الثالث :حكم اإلفتاء من المق ِلدين والعوام
المجتهدين.
المطلب الرابع :اإلفتاء من خالل أمناء الفتوى الذين لم يبلغوا درجة
االجتهاد.
المطلب الخامس :واقع الفتوى اإللكترونية في العالم االفتراضي.
املبحث األول
ماهية الفتوى اإللكرتونية وحكمها
املطلب األول
التعريف بالفتوى اإللكرتونية ووسائلها
الفتوى يف اللغة:
ال َف ْتوى في اللغة اسم يوضع موضع اإلفتاء ،وهو اإلجاب ُة عن سؤال
ٌ
إفتاء أو َف ْتوى، ِ
السائل ،فيقال :أفتيت فال ًنا في مسألته ،إذا أجبته عنها ،واالسم ٌ
الفقيه ،فيقال :الفتوى فيه كذا ،كما
ُ وتطلق كذلك على الجواب الذي أفتى به
الفقيه في
ُ يخر ُجه
تطلق الفتوى عند أهل اللغة على الحكم الجديد الذي ِ
جديدا.
ً حكما
ً النوازل والمستجدات ،فيقال :أفتى المفتى ،إذا أحدث
وال َفتوى -بفتح الفاء -لغة أهل المدينة ،وقد يقال لها -أيضاُ -ف ْتيا،
َ
الحدث
ُ الشاب
ُّ و ُف ْتوى -بضم الفاء ،-وهي مشتق ٌة عند العرب من ال َف ِتي ،وهو
للم ْش ِكل من األحكام ،صار المفتي تبيينا ُ
شب وقوي؛ ألنها لما كانت ً الذي َّ
قويا(.)1 ِ ِ
فتيا ًّ
ويصير ًّ
َ
يشب
يقوي بفتواه هذا المشك َل بالبيان حتى َّ
كأنه ِ
( )1تهذيب اللغة ،لألزهري مادة (فتا) 234/14ط .دار إحياء التراث العربي ،بيروت ،الطبعة
األولى 2001م ،تحقيق :محمد عوض مرعب ،المحكم والمحيط األعظم ،البن سيدة
مادة (ف ت ي) 524/9ط .دار الكتب العلمية ،بيروت ،الطبعة األولى 1421هـ
2000م ،تحقيق :عبد الحميد هنداوي ،لسان العرب ،البن منظور مادة (فتا) 147/15
وما بعدها ط .دار إحياء التراث العربي ،الطبعة األولى 1405هـ.
( )1المغرب في ترتيب المعرب ،ألبي الفتح المطرزي ص 315ط .دار الكتاب العربي،
د.ت.
( )2الذخيرة ،للقرافي 121/10ط .دار الغرب اإلسالمي ،بيروت ،الطبعة األولى 1994م،
تحقيق :محمد حجي.
( )3مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى ،للرحيباني 437/6ط .المكتب اإلسالمي،
الطبعة الثانية 1415هـ 1994م.
( )4كشاف القناع عن متن اإلقناع ،للبهوتي 379/6ط .دار الكتب العلمية ،بيروت ،الطبعة
األولى 1418هـ ،كشف المخدرات والرياض المزهرات لشرح أخصر المختصرات،
═
h
═
لعبد الرحمن البعلي 817/2ط .دار البشائر اإلسالمية ،بيروت ،الطبعة األولى 1423هـ
2002م.
( )1ينظر :أدب المفتي والمستفتي ،البن الصالح ص 96وما بعدها ط .مكتبة العلوم
والحكم ،المدينة المنورة ،الطبعة الثانية 1423هـ 2002م ،آداب الفتوى والمفتي
والمستفتي ،للنووي ص 28وما بعدها ،ط .دار الفكر ،دمشق ،الطبعة األولى 1408هـ،
تحقيق :بسام الجابي ،قواعد الفقه ،محمد عميم اإلحسان البركتى ص 571ط .الصدف،
كراتشي ،الطبعة األولى 1407هـ 1986م.
املطلب الثاني
وسائل الفتوى اإللكرتونية
ظهرت في القرن الماضي مجموع ٌة من التقنيات العديدة التي أ َّثرت في
بالغا ،وكان من أهم هذه التقنيات التي هيمنت على الحياة
تأثيرا ً حياة الناس
ً
واالتصال من خاللها
ُ الحواسيب الشخصية ،Personal Computers
ُ البشرية،
بين األشخاص عبر شبكة "اإلنترنت" " ،"Internetتلك الشبكة العالمية التي
ُت َعد من أعظم االكتشافات في مجال االتصاالت وتكنولوجيا المعلومات؛ إذ
من خاللها يمكن االتصال بين الماليين من البشر عبر الكرة األرضية لتبادل
وعدد ٍ
ثوان معدودة( ،)1ومنذ أن نشأت هذه الشبكة البيانات والمعلومات في
ُ
ٍ
ازدياد ملحوظ ،وكذا عدد األجهزة المنضمة للشبكة ظل المستخدمين لها في
يوما بعد يوم ،فبعد أن بدأت الشبكة بأربعة أجهزة حاسوبية فقط في عام
يزداد ً
1969م ،وصل عد األجهزة المتصلة بالشبكة بنهاية عام 1999م إلى أكثر من
60مليون جهاز( ، )2هذا بنهاية القرن الماضي فقط ،فكيف الحال مع بداية
القرن الحالي وظهور الهواتف الذكية المحمولة التي هيمنت على الحياة
كل إنسان ؟! ..ال شك أن هذا التقدم البشرية بصورة هائلة ،وأصبحت في ِ
يد ِ
التكنولوجي الهائل كان له بالغ األثر على الثقافة الدينية لألفراد والمجتمعات،
( )1شبكة اإلنترنت :منشأ وتطورا وخدمات ،د .وجدي عبد الفتاح سواحل ،مقال منشور
بالمجلة العربية العلمية للفتيان سنة 2001م ،مج ،5ع ،9ص 11-10بتصرف.
( )2اإلنترنت ،عبد اهلل مسعود األرقط بحث منشور بمجلة العلوم اإلنسانية والتطبيقية ،كلية
العلوم اإلنسانية والتطبيقية ،الجامعة األسمرية اإلسالمية ،زليتن ،ليبيا ،ع ،7سنة 2005م،
ص .360
وكان له أثره البالغ -أيضا -على صناعة اإلفتاء واستصدار الفتوى؛ فلم يعد
اليوم -في كثير من األحيان -يعتمد على التالقي والمشافهة بين المفتي
َ اإلفتاء
والمستفتي كما كان من قبل ،بل أصبح -في الكثير الغالب -يقدم بواسطة
ٍ
أدوات ثالث: هذه التكنولوجيا عبر
( )1توظيف تطبيقات األجهزة "الهواتف" الذكية في التوعية بقضايا األسرة في سلطنة عمان،
وضحة بنت سلمان ،بحث منشور بمجلة دراسات في الخدمة االجتماعية والعلوم
اإلنسانية -كلية الخدمة االجتماعية -جامعة حلوان ،ع ،39ج ،16ص – 271عدد
أكتوبر 2015م.
جواله -على سبيل المثال متجر play storeالخاص باألجهزة التي تعمل
بنظام تشغيل أندرويد Androidأو متجر App Storeالخاص باألجهزة التي
تعمل بنظام تشغيل - IOSليقوم بتنصيب البرنامج أو التطبيق الذي يريده على
ِ
هاتفه الذكي واالنتفاع بما يقدمه التطبيق من خدمات أو معلومات.
ٍ
جهة -رسمي ًة كانت أو غير ألي
وهذه التطبيقات الذكية -أيضا -يمكن ِ
َ
رسمية -تصميمها وتطويرها على نظم التشغيل المختلفة ،كما يمكن -أيضا-
ِ
العادي ين تطويرها وتوجيهها للجمهور؛ ألن نظام أندرويد Android لألفراد
ويطور
ِ ِ
يصمم ٍ
شخص بأن نظام مفتوح المصدر ( )Open Sourceيسمح ألي
ٌ
تطبيقات تعمل على هذا النظام(.)1
ولمعرفة نوعية تطبيقات الفتوى الموجودة اآلن على متاجر الهواتف
ومطوريها ،يمكن الدخول على متجر play store
ِ ِ
مصدريها الذكية ،ومعرفة
أو متجر App Storeوالبحث فيه بكلمة "فتوى" أو "إفتاء" وستظهر لنا
ٍ
رسمية تارة، ٍ
لجهات ِ
المتخص َصة في اإلفتاء التابعة عشرات من التطبيقات
ٌ
ِ
التابعة ألشخاص بأعيانهم. ولجهات غير رسمية تارة أخرى ،أو حتى
( )1ينظر :مقال بعنوان :احترس من أخطر اكتشافات العصر األندرويد ،سعيد أبو النصر،
مجلة االقتصاد والمحاسبة ،عدد 658سنة 2015م ،ص .42-41وينظر -أيضا:-
خطوات تصميم وتطوير تطبيق على نظام Androidفي الموقع الرسمي ألندرويد
https://developer.android.com/
( )1ينظر :توظيف التنظيمات اإلرهابية لوسائل التواصل االجتماعي ،دراسة وصفية للمخاطر
وكيفية المواجهة ،د .طارق ميرغني ،بحث منشور بمجلة كلية الدعوة واإلعالم ،جامعة
القرآن الكريم والعلوم اإلسالمية ،ع /4ص 6وما بعدها سنة 2018م ،شبكات التواصل
االجتماعي ،منافع التواصل ومضار القرصنة ،د .خليل عبد اهلل حسين ،بحث منشور
بمجلة جامعة غرب كردفان للعلوم واإلنسانيات ،ع /6ص 57وما بعدها سنة 2012م.
h
املطلب الثالث
مشروعية الفتوى اإللكرتونية وضوابطها عند الفقهاء
شك أن الفتوى الشفوي َة التي تعتمد على التالقي والمشافهة بينال َّ
المفتي والمستفتي ،هي األصل في استصدار الفتوى والحصول عليها؛ فقد
كانوا قديما يضربون أكباد اإلبل طلبا للفتوى من ِ
أهلها المعتبرين المشهورين
ً
بين العامة والخاصة بأهليتهم لإلفتاء.
َّ
قال الخطيب البغدادي ( --ت 463هـ) " :أول ما يلزم المستفتي
إذا نزلت به نازل ٌة أن يطلب المفتي؛ ليسأله عن حكم نازلته ،فإن لم يكن في
ِ
مح َّل ِته ،وجب عليه أن يمضي إلى الموضع الذي يجده فيه ،فإن لم يكن ببلده،
لف في ٍ
واحد من الس ِ داره ،فقد رحل غير
َّ ُ الرحيل إليه وإن َب ُع َدت ُ
ُ لزمه
مسألة"(.)1
ِ
الكتابة في ٍ
أساس على بشكل
ٍ تعتمد
ُ لكن الفتاوي اإللكترونية اآلن
وواقع مشروع
ٌ وجوابا أمر سؤاال
ً السؤال وفي الجواب ،والكتاب ُة في اإلفتاء
ٌ ً ٌ
قديما( ،)2وإن كانوا قد اعتبروها على خطرٍ -كما قال اإلمامان ابن
ً عند الفقهاء
( )1الفقيه والمتفقه ،للخطيب البغدادي 375/2ط .دار ابن الجوزي ،السعودية ،الطبعة
الثانية 1421هـ ،تحقيق :عادل الغرازي.
( )2البحر الرائق شرح كنز الدقائق ،ابن نجيم 291/6ط .دار الكتاب اإلسالمي ،د.ت،.
الفقيه والمتفقه ،382/2أدب المفتي والمستفتي ،البن الصالح ص ،134آدب الفتوى
والمفتي والمستفتي للنووي ص ،44روضة الطالبين وعمدة المفتين ،للنووي 92/8ط.
دار الكتب العلمية ،بيروت ،د.ت ،.تحقيق :عادل عبد الموجود ،وعلي معوض ،أسنى
المطالب في شرح روض الطالب ،الشيخ زكريا األنصاري 282/4ط .دار الكتاب
═
()1
الفقهاء
ُ ا ه
َ ر ي ولم ، والنووي (ت 676هـ)- - ُّ الصالح (ت 643هـ)
ََ َّ
"الواجب كتعي ِن الجواب بالمشافهة ،ومن أجل ذلك قالوا: ِ
ُ متعي َن ًة على المفتي ُّ َّ
لسان ال بالب َنان" يقصدون بالبنان :الكتابة ،ومن ثمِ ()2 ِ
َّ َ الجواب بال َ ُ على المفتي
بيت المال ،أن رزق له من ِ ِ لم ُي ِج ْز
كفايته وال َ ُ
َ يجد
للمفتي الذي ال ُ الفقهاء
ُ
ب تبلي ٍغ ِ ِ ِ ِ
يأخذ أجر ًة من المستفتي على فتواه بالقول واللسان؛ ألن الفتيا َم ْنص ُ
ورسوله ،فال يجوز المعاوض ُة عليها ،بينما أجازوا له -تو ُّس ًعا ِ عن ِ
اهلل
تلزم الجواب له؛ ألن الكتاب َة ال ِ ِ
كتابة واحتياال -أن يأخذ منه أجرا على ً
ُ ً
زائد عن اإلفتاء، شيء ٌ مثلها من المستفتي؛ ألنها المفتي ،فجاز له أخ ُذ أَجرِ ِ
ٌ ْ
بخالف المشافهة( ،)3وقد حكي عن بعض الفقهاء األقدمين تورعهم عن
═
اإلسالمي ،د.ت ،.صفة الفتوى ،البن حمدان ص 57ط .المكتب اإلسالمي ،بيروت،
سنة 1397هـ ،تحقيق :محمد ناصر الدين األلباني ،العقد التليد في اختصار الدر النضيد
المسمى بالمعيد في أدب المفيد والمستفيد ،عبد الباسط بن موسى العلموي ص 198
ط .مكتبة الثقافة الدينية ،الطبعة األولى 1424هـ 2004م ،تحقيق :مروان العطية.
( )1أدب المفتي البن الصالح ص ،135 ،134آدب الفتوى للنووي ص .44
( )2الدر المختار للحصكفي شرح تنوير األبصار للتمرتاشي 92/6مطبوع مع حاشية ابن
عابدين ط .دار الفكر ،بيروت ،الطبعة الثانية 1412هـ 1992م ،تكملة حاشية رد المحتار
المسماة قرة عيون األخبار تكملة رد المحتار على الدر المختار ،لمحمد عالء الدين ابن
عابدين 473/1ط .دار الفكر ،بيروت1415 ،هـ 1995م ،لسان الحكام في معرفة
األحكام ،البن الشحنة ص 219ط .البابي الحلبي ،القاهرة ،الطبعة الثانية 1393هـ
1973م.
( )3البحر الرائق ،291/6تكملة حاشية رد المحتار ،471/1روضة الطالبين ،96/8أسنى
المطالب ،283/4لسان الحكام في معرفة األحكام ص ، 219المسودة في أصول الفقه،
═
المروزِ ي -- ُّ الفتوى بالكتابة ،كما نقل عن القاضي أبي حامد
الر َقاع()1؛ وذلك مخافة
الهروب من الفتوى في ِ
ِ (ت362هـ) أنه كان كثير
َ
الكذب والتدليس على المفتين بالزيادة في الكتاب بما ليس منه ،ومخافة
اإلشكال أو اإليهام أو عدم اإليضاح في كتاب السائل ،األمر الذي يتعذر معه
الفقهاء -- حال المستفتي ،ومن أجل ذلك َضب َط اإلفتاء وفق مقتضى ِ
ُ َ ُ
المانعة من الوقوع في تلك ِ بالضوابط الشرعي ِة
ِ قديما الفتوى الكتابي َة
َّ ً
ِ
االستفتاء تأمال شافيا ،كلم ًة بعد كلمة، ِ
رقعة المحاذير ،فنصوا على ِ
لزوم تأم ِل
ً ُّ
ِ
المستفتي مفهوم ،سأل عنه ٍ كالما غير بحيث إذا رأى المفتي كلم ًة مشتب َِه ًة أو
ً
لحنا في السؤال يحيل المعنى ،أصلحه؛ حتى يستقيم قبل الجواب ،وإن رأى ً
جوابه( ،)2وقد كان القاضي أبو الطيب الطبري ( --ت 450هـ) -من
الرقاع التي كانت ترفع إليه(.)3
أكابر الشافعية -يفعل ذلك في ِ
═
آلل تيمية ص 546 ،545ط .دار الكتاب العربي ،د.ت ،.تحقيق :محمد محيى الدين
عبد الحميد ،إعالم الموقعين عن رب العالمين ،البن القيم 231/4ط .مكتبة الكليات
األزهرية ،القاهرة ،سنة 1388هـ 1968م ،تحقيق :طه عبد الرؤف سعد ،اإلنصاف في
معرفة الراجح من الخالف ،للمرداوي 126/11ط .دار إحياء التراث العربي ،بيروت،
الطبعة األولى 1419هـ.
( )1أدب المفتي البن الصالح ص ،135 ،134آدب الفتوى للنووي ص .44
( )2البحر الرائق ،291/6الفقيه والمتفقه ،387/2أدب المفتي البن الصالح ص ،137آدب
الفتوى للنووي ص ،47روضة الطالبين ،93/8أسنى المطالب ،282/4صفة الفتوى ص
،58كشاف القناع ،384/6العقد التليد ص .200
( )3الفقيه والمتفقه .387/2
ِ
البياض في الكتاب بقلمه على مواض ِع ِ يخط
َّ كما اشترطوا عليه أن
الكذب ِ
بالخط ،وأن َي ِص َل بين السطورِ وال يدع فرا ًغا؛ حتى ال يقع ويشغلها
ُ
ٍ
كلمات لم يكتبها في الجواب(.)1 عليه بإضافة
السائل شيئًا ال
ِ بكتاب
ِ وألزموا المفتي بالتوقف عن الجواب إذا كان
تفصيل من السائل ،وعجز عن فهمه( ،)2وألزموه ٍ ِ
زيادة يفهمه ،أو يحتاج إلى
لنجيب عنه" أو نحو ذلكَ الشرح
ِ يرد على كتابِه بقوله"ِ :ليزِ ْد المستفتي في
أن َّ
َ
شفاها"( ،)3وذلك السائل لنخاطبه
ُ "ليحضر من العبارات ،وإن شاء كتب له:
ً ُ ْ
ٍ
لمزيد من ٍ
مشافهة كما لو كانت الفتوى متعلق ًة بباب الطالق؛ فإنها تحتاج إلى
التثبت.
الفقهاء --في فتوى ُ الضوابط المنصوص َة اشترطَها
َ لكن هذه
المفتي وأهلي ُته؛ إذ إنهم -تعالى -لم ِ شخص ِ
بالمكاتبة ُع ِلم فيها
َّ ُ َ
ِ
الكتابية جوابه في الفتوى ِ
المفتي تزييل
ِ التنصيص على ضرورة قديما ُي ْه ِم ُلوا
َ َ ً
ٍ
فالن الفالني، المعروف به بين الناس ،فيقول :كتبه فال ٌن بن ِ ِ
اسمه بذكر
ُّ
الناس أن ٍ ٍ ٍ
نفسه إلى ما ُي ْع َر ُف به من قبيلة أو صنعة أو صفة؛ حتى يتأكد ُ فينسب َ
خطالتأكد من ِ
ِ الفتوى صادر ٌة منه ال من غيره( ،)4كما ألزموا المستفتي ضرور َة
( )1الفقيه والمتفقه ،387/2أدب المفتي البن الصالح ص ،145آداب الفتوى للنووي ص
،47أسنى المطالب ،282/4صفة الفتوى ص ،63 ،59كشاف القناع ،385/6العقد
التليد ص .204 ،200
( )2البحر الرائق ،291/6قواعد الفقه ،محمد عميم اإلحسان البركتي ص . 582
( )3الفقيه والمتفقه ،395/2آداب الفتوى للنووي ص .63
( )4آداب الفتوى للنووي ص ،51،50روضة الطالبين ،99/8أسنى المطالب ،285/4
═
h
املبحث الثاني
هوية املفيت بني اللوازم الشرعية وواقع العامل االفرتاضي
املطلب األول
املفيت وشروطه يف الفقه اإلسالمي
تصح منه ِ
المفتي ال اتفق الفقهاء واألصوليون --على أن
ُّ
ِ
فالمفتي عندهم هو المجتهد( ،)1قال ابن الفتوى حتى يكون من أهل االجتهاد،
الهمام ( --ت861هـ) في "شرح الهداية"" :ال يفتي إال المجتهد ،وقد
استقر رأي األصوليين على أن المفتي هو المجتهد"( ،)2وقال أبو الوليد ابن
( )1لسان الحكام ص ،218البحر الرائق ، 289/6المنتقى شرح موطأ اإلمام مالك ،ألبي
الوليد الباجي 183/5ط .مطبعة السعادة -مصر -الطبعة األولى 1332هـ ،أنوار البروق
في أنواء الفروق ،القرافي 183/2وما بعدها ط .دار الكتب العلمية -بيروت -سنة
1418هـ 1998م ،تحقيق :خليل المنصور ،االجتهاد ،إلمام الحرمين الجويني ص ،125
124ط .دار القلم -دمشق -الطبعة األولى 1408هـ ،تحقيق :عبد الحميد أبو زيد،
التبصرة في أصول الفقه ،ألبي إسحاق الشيرازي ص 127ط .دار الكتب العلمية-
بيروت -الطبعة الثانية 1424هـ 2003م ،العدة في أصول الفقه ،القاضي أبو يعلى
877/3د.ط .الطبعة الثانية سنة 1410هـ 1990م ،تحقيق :أحمد بن علي المباركي،
شرح الكوكب المنير ،البن النجار 557/4ط .مكتبة العبيكان -الطبعة الثانية 1418هـ
1997م ،تحقيق :محمد الزحيلي ،نزيه حماد ،إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم
األصول ،للشوكاني 247/2ط .دار الكتاب العربي -الطبعة األولى 1419هـ 1999م،
تحقيق :أحمد عزو عناية.
( )2شرح فتح القدير ،لكمال الدين ابن الهمام 265/7ط .دار الفكر -بيروت -د.ت.
h
( )1المستصفى ص .342
املطلب الثاني
طبقات املفتني ومراتبهم عند الفقهاء
ِ
وقوة قسم الفقهاء --المفتين بحسب رتبتهم في االجتهاد
ٍ
طبقات ،فذكروا أن المجتهد الذي يجوز تصرفهم في استنباط األحكام ،إلى
له اإلفتاء دون غيره ،يقع على نوعين:
( )1شرح منظومة عقود رسم المفتي ،البن عابدين ص ، 11ضمن مجموع الرسائل للمؤلف،
ط .دار إحياء التراث العربي ،بيروت ،د.ت ،.إرشاد أهل الملة على إثبات األهلة ،للشيخ
محمد بخيت المطيعي ص ،248ط .دار ابن حزم ،بيروت ،الطبعة األولى 1421هـ-
2000م ،صفة الفتوى ص.15
( )2أدب المفتي البن الصالح ص ،87صفة الفتوى البن حمدان ص .16
( )3الرد على من أخلد إلى األرض وجهل أن االجتهاد في كل عصر فرض ،لجالل الدين
السيوطي ص ،93ط .مؤسسة شباب الجامعة ،اإلسكندرية1405 ،هـ 1985 -م تحقيق:
د .فؤاد عبد المنعم أحمد.
( )1أدب المفتي البن الصالح ص ،91الرد على من أخلد إلى األرض ص ،93اإلنصاف
للدهلوي ص ، 45المدخل إلى مذهب اإلمام أحمد بن حنبل ،البن بدران ص ،195ط.
دار الكتب العلمية ،بيروت ،الطبعة األولى 1996م.
( )2أدب المفتي البن الصالح ص .91
( )3الرد على من أخلد إلى األرض ص.94،93
باق إلى ِ
قيام الساعة؛ ألن فرض ِ
المفتين ٍ النوع من ِ
المتبوعة ،--وهذا
ُ
خلو
خالف بينهم في جواز ِ ٌ الكفاية يتأتى بهم -كما ذكروا ،)1(-وإن كان ثمت
كل ٍ
بحجة في ِ األرض لن تخلو من ٍ
قائم هلل َ ٍ
مجتهد ،واألولى أن العصرِ عن
َ
ٍ
وزمان ،باستثناء آخر الزمان عند وقوع أشراط الساعة الكبرى(.)2 دهرٍ
المنتسب يقع على مراتب:
ُ وهذا
ب": ِ
مطلق منتس ٌ
ٌ "مجتهد
ٌ المرتبة األولى:
الم ْك َنـ َة في االجتهاد في األصول
مطلق فى اجتهاده؛ لكونه حاز ُ ٌ فهو
المست ِقل ،إال
َ معا ،واستجمع من شروط االجتهاد ما اجتمع في وفي الفروع ً
الكلي ِة في االجتهاد
طريقته ِ
ِ ٍ
ألحد من األئمة األربعة؛ لجريِه على منتسب أنه
َّ ٌ
احبين -أبي يوسف ومحمد -مع أبى حنيفة ،وابن واستعمال األدلـة ،كالص ِ
ِ
َّ َ ْ
القاسم مع مالك ،والمزني مع الشافعى ،وأضرابهم (.)3
═
بعدها ،صفة الفتوى البن حمدان ص ،17المدخل البن بدران ص.196
"مجتهد التخريج":
ُ المرتبة الثانية:
ممن سبقه،مقي ٌد في المذهب ،وهو أدنى رتب ًة َّ وم ْن دونه مجتهد
وهو َ
ٌ َّ
ِ
بأصول إمامه وقواعده()1؛ إذ ال يستطيع مخالفتها وال لتقي ِده ِ
وسمي ُم َق َّي ًدا؛ ُّ
يع
االجتهاد فيها ،لكنه مع ذلك وصل في المذهب مرتب ًة من االجتهاد يستط ُ َ
بها أن يجتهد في الفروع الفقهية بتخريج أحكام النوازل المسائل التي ال رواي َة
نصوص ِ يخرجها على إحدى ِ
وقواعده ،أو ِ أصول ِ
إمامه ِ فيها عن ِ
إمامه على
أصول ِ
إمامه َ مسألة مشابهة ،وال يقدر على ذلك قطعا إال من ِ
حف َظ ٍ ِ
إمامه في
ً َ ُ
كل مذهب ،ومن بلغ مبلغهم أصحاب الوجوه في ِ
ِ وعه ،وهذه صف ُة
وح َوى فر ََ
وعدوا في مرتبتهم ،وهؤالء وإن لم يبلغوا رتب َة الزمن ُ ممن تأخروا في َّ
ِ
بمقلدين قطعا ،بل إنهم االجتهاد المطلق -كالطبقة التي تعلوهمَّ -إال ليسوا
عال فى الحفظ تامة بالفروع ،ولهم قدم ٍ وخبرة ٍ
ٍ ٍ
واستدالل، أصحاب نظرٍ
ٌ ُ
()2
للمذهب واإلحاطة بجميع فروع إمامهم المنصوصة .
"مجتهد الترجيح":
ُ المرتبة الثالثة:
مجتهد مقي ٌد فى المذهب -أيضا ،-لم يبلغ في التخريج واالستنباط وهو
ٌ َّ
مبلغ الطبقات التي تعلوه؛ إما لكونه لم يبلغ في حفظ المذهب مبلغهم ،وإما
بعض منمقصرا في ٍلكونه لم ير َت ْض في التخريج كارتياضهم ،أو لكونه ِ
َْ
لمذهب
ِ حافظ
ٌ الن ْفس،
فقيه َّ
شروط التخريج التى نصوا عليها ،لكنه مع ذلك ُ
قادر على الترجيح بين ٌ عارف بأد َّل ِته،
ٌ ضابط لمآخذه،
ٌ محيط بأصوله،
ٌ ِ
إمامه،
جة عن أئمة المذهب ،وبيان صحيحها واألوجه المخر ِ
ِ األقوال المنقولة،
َّ
وضعيفها ،فهذا يقتصر عمله على الترجيح فقط ،وال يرقى إلى رتبة التخريج
مبنيا على األقيسة الجلي ِة المقطو ِع فيها واإللحاق ،إال ما كان من اإللحاقات ًّ
َّ
بنفي الفارق(.)1
بالن ْقل":
المرتبة الرابعة" :مجتهد ال ُف ْت َيا َّ
ِ
واضحات المذهب قام بحفظ مذهبه ،و َن َقله بعد ما َفهِ م ِ مجتهد فى
ٌ وهو
ومشكالتها ،مع قدرته على التمييز بين األقوى من الروايات واألقوال، ِ ِ
مسائله
ضعيف يى تقرير أدلة المذهب ،وتحريرِ
ٌ وبين األضعف منها ،لكنه مع ذلك
االعتماد على َن ْق ِله وفتواه بالمنقول ،مما يحكيه من
َ أقيسته ،فهذا أجازوا
أبدا إلى مرتبة ترجيح ٍ
قول ِ
ومنصوصات إمامه ،وال يعلو ً ِ
مسطورات مذه ِبه،
حكم فيما ليس بمنصوص وال ٍ تخريج
ِ على آخر ،وباألحرى ال يرقى إلى
ِ
طول منقولَّ ،إال إذا وجد في المنقول ما هـو في معناه ،بحيث ُي ْدرِ ُك من غير
تأم ٍل وفكر أنه ال فارق بينهما ،فيجوز له في مثل هذه الحالة اإللحاق
ُّ
()2
والتخريج .
( )1رسم المفتي ص ،12النافع الكبير ص ،9أدب المفتي البن الصالح ص ،98الرد على
من أخلد إلى األرض ص ،97صفة الفتوى البن حمدان ص ،22المدخل البن بدران
ص.196
( )2رسم المفتي ص ،12النافع الكبير ص ،9أدب المفتي البن الصالح ص ،99،98الرد
على من أخلد إلى األرض ص ،97صفة الفتوى البن حمدان ص ،23المدخل البن
═
═
بدران ص.197
( )1التقرير والتحبير على تحرير الكمال ابن الهمام ،البن أمير حاج 346/3ط .دار الكتب
العلمية ،بيروت ،الطبعة الثانية 1403هـ 1983م ،لسان الحكام في معرفة األحكام ص
.218
( )2تبصرة الحكام في أصول األقضية ومناهج األحكام ،البن فرحون 76/1ط .مكتبة
الكليات األزهرية ،الطبعة األولى 1406هـ 1986م ،مواهب الجليل في شرح مختصر
خليل ،الحطاب 33،32/1ط .دار الفكر ،بيروت ،الطبعة الثالثة 1412هـ 1992م.
h
( )1الفروق 183/2وما بعدها بتصرف.
املطلب الثالث
حكم اإلفتاء من املقلِّدين والعوا ّم ونقلِهِم لفتاوي اجملتهدين
ِ
وطبقاتهم في الفتوى ،فليس بعدهم من ِ
المفتين تب
بعد أن ذكرنا ُر َ
ٍ
بحال من األحوال، تحل لهم الفتوى ِ
المقل ُدون والعوام ،وهؤالء ال ُّ الناس إال
حق لهم فيه ،قال ابن الصالح --
لتجرئهم على ما ال َّ
ُّ وإن أَ ْف َت ْوا ِأث ُموا؛
أصناف المفتين وشروطُهم،
ُ بعد انتهائه من ذكر طبقات المفتين السابقة" :هذه
وهي خمس ٌة -يعني خمس ُة أصناف ،-وما ِم ْن ِص ْن ٍف منها َّإال ويشترط فيه
الن ْف ِس ،وذلك فيما عدا الصنف األخير الذي هو ُ
بعض وفقه َّ
ُ حفظ المذهب،
ُ
وتصدى لها ،وليس َّ ما يشترط في هذا القبيل ،فمن انتصب في منصب ال ُف ْتيا
واحد من هذه األصناف الخمسة ،فقد باء بأمرٍ عظيم ﴿ ،أَ َال َيظُن ٍ ِ
صفة على
الت َص ِدي لل ُف ْتيا ظَانًّا كو َنه من ون﴾ (المطففين ،)4:ومن أراد َّ أُو َل ِئ َك أَ َّن ُهم َّم ْب ُعوثُ َ
َ
وليت ِق اهلل ربه -تبارك اهلل وتعالى ،-وال ُي ْخ َد َع َّن عن نفسهَّ ،فليتهِ م َ أهلهاَّ ،
ِ
بالوثيقة لنفسه والنظرِ لها"(.)1 ِ
األخذ
ٍ
صفة وقال ابن حمدان ( --ت 695هـ)" :فمن أفتى وليس على
عاص آثم؛ ألنه ال يعرف ٍ ٍ
ضرورة ،فهو من الصفات المذكورة من غير
ٌ
الصواب وضده ،فهو كاألعمى الذي ال ِ
يقل ُد البصير فيما ُي ْع َتبر له البصر؛ ألنه
َُ َ
الصواب وضده"(.)2
َ بفقد البصر ال يعرف
املطلب الرابع
اإلفتاء من خالل أمناء الفتوى الذين مل يبلغوا درجة االجتهاد
المقل ُد الذي لم ِ
يص ْل إلى ِ بعد ما تقرر سابقا من أنه ال يجوز أن ِ
ينق َل
َّ
نصا ٍ
ينقل عن إمام مذهبه ًّ
السابقة ،ال يجوز له أن َ أدنى رتبة من ر َت ِب االجتهاد َّ
ِ
واألصول ،لكنها للناقل هذا مذاكر ٌة واسع ٌة في الفقه
ِ يفتي به للناس ،وإن كان
السؤال أص ْلناه ،فقد يرِ د ِ ِ ِ
ُ لم تص ْل إلى درجة حفظ المذهب على النحو الذي َّ
العمل في دور اإلفتاء ومؤسسات الفتوى ُ ٍ
حينئذ عن مشروعية ما جرى عليه
ٍ
واحد الرسمية من تعيين أمناء للفتوى قد ال يبلغون -في الغالب -مبلغ أدنى
من هؤالء المجتهدين في المذاهب األربعة ،فكيف يتأتى لهم اإلفتاء ونقل
الفتوى للمستفتين من غير أن يتضلعوا بكامل الصفات والشروط التي
ذكرت؟!.
أبدا على رأي من قصر من الفقهاء جواز
ال شك أن األمر ال يستقيم ً
مجتهدا مطلقا ،أو مقي ًدا في
ً ِ
المجتهد خاصة -سواء كان اإلفتاء على
َّ
جريا منهم على ما كان األزمنة األولى وما جرى عليه
ً المذهب-؛ وذلك
منصوص لبعض
ٌ العمل فيها من منع غير المجتهدين من اإلفتاء ،وهو قولُ
مذهب من أجاز إفتاء
ِ العمل على
ُ األصوليين والفقهاء( ،)1وكذا ال يستقيم هذا
( )1ينظر :أدب المفتي البن الصالح ص ،102اإلبهاج في شرح المنهاج ،تقي الدين
السبكي وولده تاج الدين 268/3ط .دار الكتب العلمية ،بيروت ،سنة 1995م ،البحر
المحيط ،337/8التحبير شرح التحرير ،لعالء الدين المرداوي ،تحقيق :د .عبد الرحمن
الجبرين ،د .عوض القرني ،د .أحمد السراح 4070/8وما بعدها ،ط .مكتبة الرشد،
الرياض ،الطبعة األولى 1421هـ 2000م ،شرح جالل الدين المحلي على جمع
═
قول آخر
ٌ المقلد عند انعدام المجتهد خاصة؛ للحاجة والضرورة ،وهو ِ
ٌ
منصوص في المسألة( )1ال يسعفنا في هذا المقام.
ٌ
ِ
اإلفتاء جواز جمع من العلماء، نص عليه
ُ ٌ تبعا لما َّ
لكن المختار عندي ً
ٍ
حاك قادرا على االجتهاد والترجيح؛ على اعتبار أنه للمقلد وإن لم يكن ِ
ً
ونس ِبتها إلى اإلمام ِ
مؤتمن على َن ْقلها ْ
ٌ أمين َف ْتوى ،أي:
ُ للفتوى ال ُم ْف ٍت ،فهو
رواة األحاديث ،من غير أن ُي َس َّمى ِ
المنقولة عنه ،شأنه في ذلك شأن ِ المجتهِ د
يصرح
ناقل لما يفتي به عن إمامه وإن لم ِ
صنيعه هذا فتوى ،ألنه في األصل ٌ
ُ
()2
بنقله عنه .
ِ
مجتهد، أقوال ال
َ ِ
المجتهد ممن يحفظ قال ابن الهمام " :--غير
ُ
ِ والواجب عليه إذا ُس ِئ َل أن يذكر َ
قول المجتهد كأبي حنيفة على ت،فليس بم ْف ٍ
ُ ُ
أن ما يكون في زماننا من فتوى الموجودين ليس بفتوى، فعرِ َف َّ ِ
جهة الحكايةُ ،
═
الجوامع ،مطبوع مع حاشية العطار على شرح المحلي 437/2وما بعدها ،ط .دار الكتب
العلمية ،بيروت ،د.ت ،.إرشاد الفحول ،247/2منار أصول الفتوى وقواعد اإلفتاء
باألقوى ،للشيخ إبراهيم اللقاني ،تحقيق :د .عبد اهلل الهاللي ص ،341ط .وزارة
األوقاف والشئون اإلسالمية بالمغرب ،سنة 1423هـ2002 ،م.
( )1ينظر المراجع السابقة.
( )2شرح فتح القدير البن الهمام ،256/7البحر الرائق ،289/6قواعد الفقه للبركتي ص
،566،565المنتقى شرح الموطأ ،للباجي ،183/5آداب الفتوى للنووي ص ،41 ،32
الفتاوى الفقهية الكبرى ،البن حجر الهيتمي 296/4ط .دار الفكر ،بيروت ،د.ت ،.صفة
الفتوى ص ،25منار أصول الفتوى للشيخ إبراهيم اللقاني ص .341
نقل ِ
كالم المفتي؛ ليأخذ به المستفتي"(.)1 بل هو ُ
ِ
حكايته القول المحلي ( --ت 864هـ) عقب ِ وقال الجالل
ناقال ِ
المقلد وإن لم يكن قادرا على التفريع واالجتهاد؛ باعتباره ً بجواز إفتاء
الواقع في األعصارِ المتأخرة"( .)2قال ابن
ُ إمامه ال ُم ْف ٍت ،قال" :وهذا
عن ِ
ِ
المحلي السابقة: حجر الهيتمي ( --ت 974هـ) ِ
معل ًقا على عبارة
لئال
قريب؛ َّ اعتماده لذلك القول ،وهو ِ
المحلي المذكور يفهِ م ِ
الجالل "كالم
ٌ َ ُ ُ
المتأخرين بإفتائهم مع قصورهم عن درجة ِ يلزم عليه تأثيم كثيرٍ من
ُ
()3
المذكورين في كالم النووي ، "-يعني :ما ذكره النووي في طبقات
المجتهدين الذين يجوز لهم اإلفتاء ،والذين مر ذكرهم في المطلب الثاني من
َّ
هذا المبحث.
ِ
"المفتي وقال ابن قدامة ( --ت 620هـ) في "شرح الخرقي":
يجوز أن يخبر بما سمعَّ ،إال أنه ال يكون ُم ْف ِتيا في تلك الحال ،وإنما هو
ً
معموال
ً بعينه من أهل االجتهاد ،فيكون رجل ِ
ٍ مخبر ،فيحتاج أن ُي ْخ ِبر عن
ٌ
بخبره ال بفتياه"(.)4
( )1شرح فتح القدير ،البن الهمام ،256/7البحر الرائق ، 289/6مجمع األنهر في شرح
ملتقى األبحر ،داماد أفندي 154/2ط .دار إحياء التراث العربي ،د.ت ،.آداب الفتوى
للنووي ص .41
( ) 2عقد الجيد في أحكام االجتهاد والتقليد ،ولي اهلل الدهلوي ،تحقيق :مجب الدين
الخطيب ص 21ط .المطبعة السلفية ،القاهرة ،د.ت.
( )3أدب المفتي والمستفتي البن الصالح ص ،104آداب الفتوى للنووي ص .32
( )1أدب المفتي البن الصالح ص ، 103آداب الفتوى للنووي ص ،34 ،33صفة الفتوى
البن حمدان ص .26،25
( )2أدب المفتي ص .103
والمختار :أن
ُ بادشاة البخاري972( - -هـ) في "شرح التحرير"" :
ِ
للمقلد قو َله ،فإنه ِ
اإلمام ،ثم حكى كالم عد ًالَ ،فهِ م
الراوي عن األئمة إن كان ْ
َ َ
()1
كتابا
يكتفي به" ،وقال الشيخ ابن حجر الهيتمي" :- -ليس لمن قرأ ً
جازما
ً علما
العامي إال فيما علم من مذه ِبه ً أو كتبا ولم يتأهل لإلفتاء أن ُي ْف ِتي
َّ ً
ونقضه بلمس الذكر ،أو بلمس ِ النية في الوضوء، ِ ترد َد فيه؛ كوجوب ال ُّ
األجنبية ،ونحو ذلك مما ال ِمر َي َة فيه ،بخالف مسائل الخالف ،فإنه ال يفتي
ْ
موثوق به، ٍ كتاب
ٍ مفت آخر غيره ،أو عن ٍ فيها ،نعم إن ن َق َل له الحكم عن
َ
ٍ ()2 ِ
ناقل ال ُم ْفت" .اعتماد قوله؛ ألنه حينئذ ٌ ُ عد ًال ،جاز للعامي وكان الناقل ْ
اليوم في البلدان من الفتوى الر ْسمية ِ
َ َّ َّ مؤسسات ْ فعل َّ وعلى هذا يتخرج ُ
أمناء للفتوى في لجان اإلفتاء المختلفة ،مع عدم وصولهم إلى درجة َ ْتنصيبهم
بنق ِل الفتوى الر ْسمية
َّ تقي ِدهم ْ ِ
االجتهاد في المذهب ،فإنه ال بأس بذلك بشرط ُّ
المنصوص عليها من المجتهدين ،ويكون فع ُلهم هذا من باب ا َّلن ْق ِل ال من ِ
المكتوبة أو الشفهي ِة أوِ صنيعهم هذا بباب الفتوى ُ باب اإلفتاء ،سواء تعلق
َّ
الزم في هذا الزمان ،وإال تع َّطل ٌ شك أن المصير إلى ذلك اإللكترونية ،وال َّ
التساعمي المعتمد ،وتوسد األمر من ليس أهله؛ وذلك نظرا ِ الر ْس ِ باب اإلفتاء
ً َ َّ َ َّ ُ
دائرة الفتوى في هذا الزمان ،وتنوع مجاالتها ،وكثرة أعداد المستفتين عبر
بن
الوسائل المختلفة ،اإللكترونية منها والتقليدية ،وقد أشار الشيخ العالم ُة ا ُ
كالمه إلى زمنه -
َ دقيق العيد ( --ت 702هـ) إلى ذلك ،فقال صار ًفا
( )1تيسير التحرير ،لمحمد أمين البخاري المعروف بأمير بادشاة ،شرح التحرير البن الهمام
251/4ط .مصطفى البابي الحلبي ،القاهرة ،سنة 1351هـ 1932م.
( )2الفتاوي الفقهية الكبرى .296/4
ِ
المجتهد ِ
حصول "توقيف ال ُف ْتيا على
ُ ناهيك عن أزماننا -فقال :--
َ
فالمختار :أن الراوي
ُ ِ
الخلق في أهوائهِ م، ِ
استرسال ٍ
عظيم ،أو حرج
ٍ ُي ْف ِضي إلى
ِ
كالم اإلمام ،ثم حكى فهم ِ
األئمة المتقدمين إذا كان َع ْد ًال ،م ِتم ِك ًنا من ِ عن
ُ َ
العامي أنه حكم
ُ ِ للمقل ِد قو َله ،فإنه يُ ْك َت َفي به؛ ألن ذلك مما يغلب على ِ
ظن ِ
اإلجماع في زماننا على هذا النوع من الفتيا ،هذا مع
ُ اهلل عنده ،وقد انعقد
ِ
الصحابة ُك َّن يرجعن في أحكام الحيض وغيرِ ه إلى نساء الضروري بأن
ِ العلم
َ
أزواج ُهن عن النبي ،وكذلك فعل علي -- ُ ما ُي ْخبِر به
ُ
()1
الم ْذي ،وفي مسألتنا أظهر؛ فإن مراجعة النبي المقداد في قصة َ
َ حين أرسل
ِ
لألئمة السابقين متعذرة، ِ
المقلد اآلن إذ ذاك ممكن ٌة ،ومراجع ُة
()2
وقد أطبق الناس على تنفيذ أحكام القضاة مع عدم شرائط االجتهاد اليوم"
انتهى.
ِ
المجتهد ُي ْف ِضي ِ
حصول "توقيف ال ُف ْتيا على
ُ فقوله --في زمانه:
َ
ِ
الخلق في أهوائهِ م ...الخ" ،يلفت أنظارنا اليوم ِ
استرسال ٍ
عظيم ،أو حرج
ٍ إلى
ِ
المنوط بالمؤسسات الدينية ودور اإلفتاء الر ْسمية في الد ْورِ الهام
إلى مدى َّ
َّ َّ
مصر وغيرِ ها من البلدان في تطوير وسائل الفتوى بما يتواكب مع تلك
َ
( )1يقصد أن المقداد نقل فتوى النبي في المذي لعلي ،واعتمدها علي -
رجال َم َّذ ًاء وكنت أستحيى
-وأخذ بها ،كما ورد في حديث علي أنه قال" :كنت ً
أن أسأل النبي لمكان ابنته ،فأمرت المقداد بن األسود ،فسأله ،فقال :يغسل
ذكره ويتوضأ" (أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب :الحيض /باب المذي ،وأخرجه
َ
البخاري في صحيحه -أيضا -في مواضع عدة بألفاظ مختلفة).
( )2ينظر :البحر المحيط ،360/8التقرير والتحبير البن أمير حاج .348/3
h
املطلب اخلامس
واقع الفتوى اإللكرتونية يف العامل االفرتاضي
ُت ِ
شكل المواقع اإللكترونية وصفحات الويب websitesاليوم على
هائال ال حصر له؛ حيث تتسابق الهيئات والمؤسسات
عددا ً
ً شبكة اإلنترنت
الحكومية وغير الحكومية واألحزاب والجماعات بل واألفراد إلى إنشاء
المواقع اإللكترونية وتحديثها باستمرار ،حتى أضحت المواقع اإلسالمية التي
مقدر ًة بالماليين( ،)1وقد
تعتني بالحديث عن الدين اإلسالمي بجميع جوانبه َّ
بدأت نشأ ُة هذ المواقع اإلسالمية في بداية التسعينات من القرن الماضي على
فئات من الطالب والمتعلمين بهدف التعريف بالدين ونشر الدعوة ،وكان يد ٍ
أكثرهم من الهواة وليسوا من أهل االختصاص الشرعي( ،)2وسرعان ما
تطورت حتى ظهرت المواقع الخاصة باألحزاب والجماعات اإلسالمية َّ
المختلفة؛ كجماعة كذا وحزب كذا ،...ثم جاءت المرحلة الثالثة ،وهي
مرحلة المواقع اإلسالمية الخاصة بالمشايخ ،كموقع الشيخ فالن ،والشيخ
فالن ،...والمواقع الخاصة بالجمعيات األهلية والمؤسسات اإلسالمية
( )1المواقع الدينية اإلسالمية ،محتواها وتنظيمها واستخدامها ،د .ناصر بن محمد السويدان،
بحث منشور ضمن أعمال مؤتمر المحتوى العربي في اإلنترنت ،التحديات والطموح،
جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية ،مج /3ص 452-450سنة 2011م.
( )2المواقع اإلسالمية في اإلنترنت وفاعليتها ،د .عبد الحق حميش ،بحث ضمن أعمال
المؤتمر العالمي التاسع :الشباب واالنفتاح العالمي ،الندوة العالمية للشباب اإلسالمي،
الرياض ،نوفمبر سنة 2002م ،ص .430 ،429
الخيرية ...الخ( ، )1وكل هذه المواقع تقوم على تقديم الفتوى للمستخدمين
خصصتها بداخلها لإلفتاء.
من خالل روابط َّ
بكل سهولة الدخول على هذه المواقع وتقييم محتواها بعد
ويمكن لنا ِ
تتبعها من خالل محركات البحث العامة كجوجل googleوغيره ،أو من
المخصصة في البحث عن المواقع اإلسالمية
َّ خالل المواقع اإللكترونية
العربية اإلسالمية للمواقع سلطان كدليل خاصة،
،http://www.sultan.org/a/وغيره من المواقع التي يمكن الرجوع إليها
في ذلك.
وفي السنوات األخيرة ظهرت مواقع وبرامج التواصل االجتماعي
Social Mediaكفيسبوك Facebookوتليجرام Telegramوإنستجرام
Instagramوتويتر Twitterويوتيوب YouTubeوآسك إف إم Ask FM
المؤسسات الحكومية وغير الحكومية،
ُ وريديت Redditوغيرها ،فأنشأت
والتنظيمات واألشخاص باتجاهاتهم المختلفة وثقافاتهم المتفاوتة على هذه
خصصوها لتقديم الفتوى للمستفتين ،وتفاعل معها ٍ ٍ
المواقع صفحات وقنوات َّ
ِ
الذكية الماليين من المتابعين عبر العالم ،كما ظهرت بظهور الهواتف ُ
واسعا رواجا المخصصة لإلفتاء والتي القت ِ
الذكية ِ
التطبيقات مجموع ٌة من
ً ً َّ
من قبل المستخدمين.
( )1إدارة المواقع اإلسالمية ،دراسة مسحية ،د .عدنان بن خليل باشا ،د .حسن السريحي،
بحث ضمن أعمال المؤتمر العالمي التاسع :الشباب واالنفتاح العالمي ،الندوة العالمية
للشباب اإلسالمي ،الرياض ،نوفمبر سنة 2002م ،ص .507 ،506
نجد من بين تلك المنصات اإللكترونية الهائلة ما يتبع ُ وإننا إذ
أنيط بها أمر اإلفتاء الرسمي في البلدان اإلسالمية،
َ ٍ
مؤسسات ديني ًة رسمي ًة
َّ ُ
كدار اإلفتاء المصرية ،والمركز العالمي للفتوى اإللكترونية التابع لمشيخة
األزهر الشريف ،وذلك من خالل موقعيهما الرسميين على شبكة اإلنترنت،
َّ ْ
أو من خالل تطبيقاتهما المتاحة للهواتف الذكية على متجر بالي play store
أو اآلب ستور ، App Storeأو من خالل صفحاتهما وقنواتهما على مواقع
التواصل االجتماعي ،وكذا دور اإلفتاء الرسمية في جميع البلدان ،إال أننا
َّ
تع ُّج
الرسمي التي ُ
ِ هائال من منصات اإلفتاء الغيرِ ً عددا
ً نجد مقابل ذلك
ٍ
وجماعات باالضطراب والفوضى والتطرف ،والتي أُ ِع َّدت من قبل تنظيمات
ات الرسمية في البلدان ،ومنها ما عرفت بالتطرف واإلرهاب ،ومعاداة المؤسس ِ
َّ َّ َّ َ ُّ
التوجه -أيضا -من خالل فتاويهم ِ ٍ
ألشخاص بأعيانهم ُعرِ فوا بهذا تابع
هو ٌ
ألشخاص مجهولي الهويةٍ تابع
المتطرفة ،وأقوالهم الهادمة ،بل ومنها ما هو ٌ ِ
تصد ُروا من خاللها
َّ وحسابات وهمية بأسماء مستعارة ٍ ٍ
صفحات قاموا بإنشاء
َّ
منصات اإلفتاء اإللكتروني عبر ذلك العالم االفتراضي ،حتى أوقعوا الناس في
التلبيس والتزييف والفوضى.
وإنني قد اهتممت منذ كتابتي في هذا البحث بمتابعة العديد من تلك
المنصات اإللكترونية الغير الرسمية ،ومتابعة فتاويها وتفاعل األشخاص
َّ
ٍ
طلعت على ك ٍم عريض من الخطإ والتضليل واالجتراء على
العاديِين معها ،وا َّ
المنصات ،حتى شعرت بمدى المسؤولية التي ألقاها اهلل -
َّ دين اهلل في هذه
المتخصصين ،وشعرت بمدى ِ ِ
العلماء ِ
عاتق ِ
عاتقنا وعلى تعالى -على
الناس -قدر اإلمكان -من هذه الفوضى بانتشال ِ
ِ ِ
واإلثم إن لم نقم ِ
المساءلة
العارمة.
يتمدد
َّ إرهابيا كتنظيم "داعش" ما كان له أن
ًّ تنظيما
ً فلنا أن نتخيل أن
َّ
الشباب بأفكاره وفتاويه المتطرفة إال من خالل تلك المنصات
ِ وينتشر بين
اإللكترونية والحسابات الشخصية على مواقع التواصل االجتماعي( ،)1والتي
استخدم فيها التنظيم سالح الفتاوي في استقطاب الشباب بفتاوي التكفير
ُ
والخالفة والتمكين وجواز التعامل بالعمالت االفتراضية المشفرة لتلقي
التمويالت ...وغير ذلك من تلك الفتاوي المغلوطة المخالفة لما جرى عليه
العمل واإلفتاء في مؤسسات الرسمية.
واحدا كهذا التنظيم يمتلك من
ً تنظيما
ً ولنا أن نتخيل -أيضا -أن
َّ
المنصات اإللكترونية ما يقدر بعشرات اآلالف من المنصات ،ففي الحادي
والعشرين من شهر نوفمبر الماضي (2019/11/21م) أعلنت الشرطة
األوروبية (يوروبول) أنها قامت -بالتعاون مع أكبر المنصات اإللكترونية
كجوجل واليوتيوب والتويتر والتليجرام وغيرها -بحملة إلكترونية على
منصات وشبكات "داعش" اإللكترونية ،لتعلن بعد أيام قليلة أنها تمكنت من
وحساب إلكتروني( ،)2ناهيك عن
ٍ ٍ
منصة ألف
ست وعشرين َ إغالق (ٍ )26.000
( )1ينظر :الموقع اإللكتروني للمركز األوروب ي لدراسات مكافحة اإلرهاب واالستخبارات،
مقالة بعنوان :منصات داعش على اإلنترنيت و انعكاساتها على أوروبا ،منشورة في
ديسمبر 2019 /27م ،تم االطالع عليها بتاريخ ( – )2020/2/13رابط المقالة:
https://www.europarabct.com/%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%
AA%D9%81%D8%A7%D8%B5%D9%8A%D9%84
( )2مقالة بعنوان :أكبر حملة إلكترونية ضد داعش منذ عام 2015تصيب داعش بالشلل
═
ِ
أقوالهم والشذوذ بالتطرف في عن الحسابات الشخصية التابعة لمشايخ ُعرِ فوا
ُّ
فتاويهم ،والحسابات والمنصات التي تدار من قبل ٍ
أناس مجهولين، في ِ
الحال إلى
ُ ويتبعها الماليين من المتابعين والمستفتين ،حتى وصل بالناس
خصصوها لإلفتاء على مواقع التواصل ٍ
رسمية ٍ
صفحات غير إنشائهم
َّ
أي
يحق له التوجه بالسؤال ليجيبه ُّ
انضمام العضوِ لها ُّ
ُ االجتماعي ،وبمجرد
أي ويحق له هو اآلخر اإلجابة على ِ
ُّ أحد من المتابعين لتلك الصفحات،
سؤال يرد على الصفحة من قبل المستخدمين اآلخرين ،حتى نال أمر اإلفتاء ٍ
ُ
اإللكتروني في يومنا هذا ما نال.
أشخاص للفتوى ،لي َت َتبعوا من
ٌ صفحات غير رسمي ٍة أنشأها
ٍ تتبعت
ُ لقد
َّ َّ َ
خاللها الفتاوى المعتمدة الصادرة عن دور اإلفتاء الرسمية في البالد -كدار
َّ
ِ
اإلفتاء المصرية ،والمركز العالمي للفتوى اإللكترونية -من أجل إعادة عرضها
بغرض ِ
نقدها وتحذير الناس من العمل بها ،حتى وإن كانت من الفتاوى التي
جرى عليها العمل في البالد.
وال شك أن مثل العمل وحده ٍ
كاف في إشاعة الفوضى واالضطراب في
القبيح لإلفتاء
ُ الوجه
ُ البلدان والمجتمعات ،حتى برز بمثل هذه التصرفات
واالستفتاء اإللكتروني؛ بسبب تجرؤ أمثال هؤالء على أهل الفتوى
وتوجهِ هِ م بالسؤال لغير أهله ،األمر ِ
المختصين ،وبسبب عدم فقه المستفتين
ُّ
═
والتخبط ،صادرة عن المركز اإلعالمي بدار اإلفتاء المصرية 2019/12/3م .تم االطالع
عليها بتاريخ 2020/2/14م ،رابط المقالة على الموقع الرسمي لدار اإلفتاء المصرية:
https://www.dar-alifta.org/ar/Viewstatement.aspx?sec=media
&ID=6875
ٍ
بقوة في هذا العالم االفتراضي ،وفرض الرقابة الحضور الذي يفرض علينا
َ
والشاذ.
الموجه َّ
َّ على هذا المحتوى اإللكتروني
h
املبحث الثالث
سبل ضبط الفتوى اإللكرتونية يف العامل االفرتاضي
املطلب األول
سلطة ولي األمر يف تنصيب املفتني ومعاقبة املتصدِّرِين للفتوى
اإللكرتونية دون إذن
رسول اهلل
ُ توالها
إن وظيف َة اإلفتاء وظيف ٌة قديم ٌة في الدولة اإلسالميةَّ ،
رسالته؛ إذ هو المفتي األعلم، ِ ِ
حياته بحكم في
ٍ
وظيفة إال وتح َّققت فيه ديني أو
ٍ منصب
ٍ والقاضي األحكم ،وما من
أبدا أن النبي ترك هذه الوظيفة لجمو ِع ،ولم يرد ً
َّ
الصحابة -رضوان اهلل عليهم -مع فضلهم وورعهم وشدة تقواهم؛ ألنه
ِ
اإلفتاء على العلم واالجتهاد ،ال على مطلق مدار أمرِ يعلم أن
َ
ٍ
بأناس معدودين الورع والتقوى ،ومن أجل ذلك أناطها النبي
من صحابته ،فأخرج ابن سعد ( --ت 230هـ) في "طبقاته" بسنده عن
ابن عمر " --أنه سئلَ :م ْن كان ُي ْف ِتي في زمن رسول اهلل
؟ ،فقال :أبو بكر وعمر ،ما أعلم غيرهما"( ،)1وروى -بسنده-
عن محمد بن سهل بن أبي حثمة عن أبيه ،أنه قال" :كان الذين يفتون على
عهد رسول اهلل ثالث ٌة من المهاجرين ،وثالث ٌة من األنصار :عمر،
( )1الطبقات الكبرى ،البن سعد 254/2ط .دار الكتب العلمية ،بيروت ،الطبعة األولى
1410هـ 1990م ،تحقيق :محمد عبد القادر عطا.
وعثمان ،وعلي ،وأُ َبي بن كعب ،ومعاذ بن جبل ،وزيد بن ثابت"( ،)1ولم تزد
ٍ
حدود من الصحابة الكرام، بقي ُة اآلثارِ واألخبارِ على هؤالء النفر سوى ٍ
عدد م
العلماء بمجموعهم اثني َع َشر َن ْف ًسا( ،)2ومنهم من زاد على ذلك
ُ حتى بلغ
عددا قليال(.)3
ً
ِ
باالحتكام ِ
الصحابة ولقد ألزم النبي من عدا هؤالء من
ُّ
ِ
إلى قول هؤالء المفتين ،وعدم االفتئات عليهم ،ففي الصحيح في قصة المرأة
الزاني اختصم مع زوجها إلى التي ُر ِجمت وقد زنى بها أجير ِ
زوجها ،أن والد َّ ُ َ
رسول اهلل فقال" :يا رسول اهلل ،إن ابني كان َع ِسي ًفا على هذا،
ٍ
بمائة من الغنم فزنى بامرأته ،فقالوا لي :على ابنك الرجم ،ففديت ابني منه
العلم فقالوا :إنما على ابنكِ أهل
وخادم ،-ثم سألت ٍَ ٍ
ووليدة -وفي رواية:
أهل ()1
وتغريب عام ...الخ الحديث" ،وفي رواية مسلم" :فسألت َ جلد ٍ
مائة ُ
ُ
أص ْلناه من لزوم سؤال أهل العلم
دليل على ما َّ
ٌ العلم فأخبروني"( ،)2وفيه
المعروفين بأعيانهم.
وفي الحديث عن جابر بن عبد اهلل أنه قال" :خرجنا في سفرٍ فأصاب
رأسه فاحتلم ،فقال ألصحابه :هل تجدون لي رجالً معنا حجر ،فشجه في ِ
َّ ُ ٌ َ َ
تقدر على الماء ،فاغتسل
ُ التيمم ،فقالوا :ال نجد لك رخص ًة ،وأنت
رخص ًة في ُّ
فمات" ،يقول جابر" :فلما قدمنا على النبي أخبرناه بذلك،
الع ِي السؤال ،إنما
شفاء َ
ُ فقال :قتلوه قتلهم اهلل ،أَ َال سأُلوا إذا لم يعلموا؛ فإنما
ويعصب على ُجر ِحه ِخرق ًة ،ثم يمسح عليها ،ويغسل ِ يتيمم
كان يكفيه أن َّ
ْ
عنفهم النبي على َّ سائر جسده"( ،)3فانظر -رحمك اهلل -كيف
ُّ َ
لكل
مقالته الرادعة ِ
َ أهال لإلفتاء ،وقال فتواهم؛ ألنهم ليسوا ً
الم ْجترئين" :قتلوه َق َت َلهم اهلل" ،قال الخطابي ( --ت 388هـ) في ُ
العلم أنه َعابهم بالفتوى بغير ٍ
علم، ِ "معالم السنن"" :في هذا الحديث من
َُ
( )1أخرجه البخاري في صحيحه ،كتاب :الصلح /باب :إذا اصطلحوا على صلح جور
فالصلح مردود.
( )2أخرجه مسلم في صحيحه ،كتاب :الحدود /باب :من اعترف على نفسه بالزنا.
( ) 3أخرجه أبو داود في سننه ،كتاب :الطهارة /باب :في المجروح يتيمم ،ح رقم (،)336
ثقات" ثم قال" :ال جرم
ٌ ِ
رجاله كل
إسناد ُّ قال ابن الملقن في الحكم على الحديث" :هذا
ٌ
أخرجه ابن السكن في سننه الصحاح المأثورة ،واحتج به ابن الجوزي ،وأما البيهقي
شيء في الباب ،وإنه ليس بقوي...الخ" [البدر المنير في تخريجٍ أصح فقال :إنه
ُّ
األحاديث واألثار الواقعة في الشرح الكبير ،البن الملقن ،تحقيقي :مصطفى أبو الغيط،
وآخرون 616،615/2ط .دار الهجرة ،الرياض ،الطبعة األولى 1425هـ 2004م].
اإلثم َق َت َل ًة له"(.)1
ِ الوعيد؛ بأن دعا عليهم وجعلهم في
َ وألحق بهم
فهذا كان حال اإلفتاء في زمن رسول اهلل ،وعلى هذا
ِ
اإلفتاء في زمن الخلفاء الراشدين -رضوان اهلل عليهم -كما الحال سار أمر
ُ
ذكر ابن سعد --في "طبقاته" ،فأخرج بسنده عن عبد الرحمن بن
يد فيه
أمر ُيرِ ُ القاسم عن أبيه" :أن أبا بكر الصديق --كان إذا نزل به
ٌ
وعبد الرحمن بن َ وعليا
ًّ وعثمان
َ أهل الرأي وأهل الفقه ،دعا عمر
مشاور َة ِ
َ
"وكل هؤالء كان ُّ وزيد بن ثابت" ،قال:
َ كعب
ٍ عوف ومعا َذ بن جبل وأبي بن
َّ
ُي ْف ِت ي في خالفة أبي بكر ،وإنما تصير فتوى الناس إلى هؤالء النفر ،فمضى أبو
الن َفر ،وكانت الفتوى تصير بكر على ذلك ،ثم ولي عمر فكان يدعو هؤالء
ُ َّ َ ُ
()2
وهو خليف ٌة إلى عثمان وأبي وزيد" .
طا في العصر األول ،وكان المفتون ِ
اإلفتاء مضبو ً فهكذا كان أمر
ُ
أحد على منازعتهم ،لكن
معينين بأسمائهم ،وال يجرؤ ٌ ِ
بأشخاصهم، معروفين
َّ
ِ
اإلسالمية وكثر المسلمون وتفرقوا في البلدان ،تجرأ ِ
الدولة لما اتسعت رقع ُة
على منصب اإلفتاء من ليس بأَ ْه ٍل ،كما ُّ
تدل عليه الرواية عن مالك بن أنس -
رجل أنه دخل على ربيعة -يقصد ربيعة بن عبد ٌ -أنه قال" :أخبرني
الرحمن ( ت 136هـ) -فوجده يبكي ،فقال :ما يبكيك؟ وارتاع لبكائه،
است ْف ِتي َم ْن َال ِع ْلم له ،وظهر أد َخ َل ْت عليك مصيب ٌة؟ فقال :ال ،ولكن
فقال لهَ :
َ ُ َ
( )1معالم السنن ،للخطابي 104/1ط .المطبعة العلمية ،حلب ،الطبعة األولى 1351هـ
1932م.
( )2الطبقات الكبرى .267/2
ِ
والة األمرِ في اإلسالم أمر عظيم"( ،)1حتى دعت الحاج ُة إلى ضرورة تدخل
ٌ
نص لضبط ميزان الفتوى؛ فإن اهلل -تعالى -يزع بالسلطان ما ال يزع بالقرآن ،ف َّ
ِ
أحوال ٍ
زمان لتص ُّفح كل ِ
والة األمر في ِ تدخل
تعين ُّ
الفقهاء --على ُّ
تصدر دون تنصيب(،)2 َّ ِ
ومعاقبة من وتنصيب من يصلح منهم لإلفتاء،
ِ المفتين
العلماء :ينبغي
ُ قال الشيخ إبراهيم الل َّقاني ( --ت 1041هـ)" :قال
عمن يصلح لإلمام أن يبحث ويسأل أهل العلم المشهورين في عصره َّ
منعه وتوعده بالعقوبة إن عاد
للفتوى؛ ليمنع من ال يصلح لها؛ إذ يجب عليه ُ
ِ
الفساد في الدين"(.)3 لتعاطيها؛ ألنه من دف ِع
ِ
األمة في الدولة اإلسالمية في زمن بني أمية عمل
وقد جرى على ذلك ُ
من غير نكيرٍ ،حتى قال الخطيب البغدادي " :--ينبغي إلمام المسلمين
أن يتصفح أحوال المفتين ،فمن كان يصلح للفتوى أقره عليها ،ومن لم يكن
َّ
بأال يتعرض لها ،وأوعده بالعقوبة إن لم ينته
من أهلها منعه منها ،وتقدم إليه َّ
عنها ،وقد كان الخلفاء من بني أمية ُي َن ِصبون للفتوى بمكة في أيام الموسم
ُ
()4
بأال ُي ْس َت ْف َتى غيرهم" ،وقد فاضت كتب التراجم
قوما ُي َعي ُِنو َنهم ،ويأمرون َّ
ُ
واألخبار بكثيرٍ من تلك الروايات ،فأخرج البخاري في "تاريخه الكبير"
والفاكهِ ي ( --ت 272هـ) في "أخبار مكة" -بسنديهما -عن ِ
عبد اهلل بن إبراهيم بن عمر بن كيسان ،عن أبيه قال" :أَ ْذ ُكر ُهم في زمن بني
ُ
الناس إال عطاء بن أبي رباح، ِ ِ
صائحا َيصي ُح" :ال ُي ْفتي َ
ً الحاج
ِ أمية يأمرون إلى
ُ
()1
ور ِو َي عن يعقوب بن كاسب - فإن لم يكن عطاء ،فعبد اهلل بن أبي ُن َج ْيح" ُ ،
صائحا
ً بعض أهل العلم قال :سمعت ( -ت 241هـ) أنه قال" :حدثني ُ
الحاج َّإال يحيى بن سعيد،
َّ يصيح بمكة في أيام مروان بن محمد :ال يفتي ُ
ومالك بن أنس"( ،)2وروى أبو عبد اهلل محمد بن حفص
ُ وعبيد اهلل بن عمرو،
ُ
البغدادي (ت 331هـ) في "ما رواه األكابر عن مالك بن أنس" -بسنده -عن
مناديا ينادي
ً عبد اهلل بن وهب ( --ت 197هـ) أنه قال" :سمعت
وابن أبي ِذ ْئب (ت 159هـ)"(،)3
مالك بن أنسُ ،
ٌ الناس إال ِ َ
بالمدينة :أ َال َال ُي ْفتي َ
ت"حج ْج ُ
َ وهب -أيضا -أنه قال: ٍ وروى الذهبي (ت 748هـ) عن عبد اهلل بن
ُّ
مالك،
ٌ الناس إال
َ وصائح يصيح :ال ُي ْف ِتي
ٌ
ٍ
ثمان وأربعين ومئة، سن َة
وعبدالعزيز بن أبي سلمة الماجشون"(.)4
الحال في
ُ وهكذا كان حال اإلفتاء على مر العصور ،وإذا كان هذا هو
( )1التاريخ الكبير ،لإلمام البخاري 463/6ح رقم ( )2999ط .دار الفكر ،بيروت ،د.ت،.
تحقيق :السيد هاشم الندوي ،أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه ،للفاكهي 333/2ح
رقم ( )1643ط .دار خضر ،بيروت ،الطبعة الثانية 1414هـ ،تحقيق :د .عبد الملك
دهيش.
( )2سير أعالم النبالء ،لشمس الدين الذهبي 181/6ط .دار الحديث ،القاهرة ،سنة 1427هـ
2006م.
( )3ما رواه األكابر عن مالك بن أنس ،ألبي عبد اهلل البغدادي ص 61ط .مؤسسة الريان،
بيروت ،الطبعة األولى 1416هـ ،تحقيق :عواد الخلف.
( )4سير أعالم النبالء .16/7
( )1ديوان المبتدأ والخبر في تا ريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن األكبر،
البن خلدون 274/1ط .دار الفكر ،بيروت ،الطبعة الثانية 1408هـ 1988م ،تحقيق:
خليل شحادة.
ِ
محتسب؟!"(.)1 ب ،وال يكون على الفتوى ِ
والطباخين محتس ٌ
َّ
يدل
وقد روي في األخبار عن سيدنا عمر بن الخطاب --ما ُّ
ٍ
وتنظيم واحتساب ونظرٍ
ٍ تنصيب
ٍ تحتاج إلى اإلفتاء والي ٌة على أنه كان يرى أن
ُ َ
من والة األمور ،فأخرج الدرارمي ( --ت 255هـ) في سننه ،وأبو بكر
ُّ
الدينوري (ت 333هـ) في "المجالسة" ،وابن عبد البر (ت 463هـ) في "جامع
بيان العلم ،عن ابن سيرين --أنه قال" :قال عمر ألبي مسعود
ارها من َت َو َّلى ِ
الناس ولست بأمير! فول َح ََّ ت أنك ُت ْف ِتي الب ْدري :نُب ِْئ َُ
معقبا على عبارة سيدنا َقارها " ،قال اإلمام الذهبي ( --ت 748هـ) ِ )2) (3(
ً َّ
ٍ ()4
أفتى بال إ ْذن" . اإلمام من َ
ُ يمنع
مذهب عمر أن َ
َ "يدل على أن
عمر هذهُّ :
يحدث عن وكذا روى ابن وهب --عن سفيان بن عيينة أنه كان ِ
الداري استأذن عمر --في أن َي ُق َّص -أي َّ عمرو بن دينار" :أن تميم ًا
ِ
تيتصدر لوعظ الناس ونصحهم -فلم يأذن له عمر ،وقال له" :إن شئت أَذ ْن ُ
الذ ْب ُح" وأشار بيده إلى َح ْل ِقه"( ،)5وفي بعض األخبار أنه أذن له بعد
َل َك ،وهو َّ
h
═
1416هـ 1995م ،تحقيق :د .مصطفى حسن أبو الخير.
( )1أخرجه ابن أبي عاصم في المذكر والتذكير والذكر ص 65ط .دار المنار ،الرياض ،سنة
1413هـ.
املطلب الثاني
سلطة ولي األمر يف توحيد الفتوى اإللكرتونية الرَّمسية واإللزام بها
قانون في البالد ِ
ينظم أمر اإلفتاء ٍ بعد ما قررناه من ضرورة استصدار
َ
ِ
المختصين به في البالد دون اإللكتروني وغيرِ ه من أنواع اإلفتاء ،ويعيِن
أه ِله على منصات اعتالء منصبِه ،ومنازع َة ْ
َ ويجرم على من عداهم ِ غيرهم،
اإلفتاء المختلفة ،وبعد ما تقرر بسطه من مشروعية ذلك التقنين والتنظيم-
َّ
ٍ ٍ ِ
إلزام المفتين في المسائل االجتهادية بقول واحد يتعين ِ تبقى عندنا مسأل ُة
َّ
القول
ُ ات اإلفتاء الرسمي في البالد ،بحيث يصير هذا اإلفتاء به في جميع منص ِ
ُ َّ َّ ُ
بقية األقوال واالجتهادات األخرى في المسألة -هو الفتوى -دون غيره من ِ
الرسمية التي يجري عليها العمل في البالد ،والتي يحظر أن ُي ْف َتى في البالد
َّ
يسمى بـ" :توحيد الفتوى" أو " الفتوى الر ْسمية الم ْلزِ مة" ،وهي بغيرها ،وهو ما َّ
َّ َّ
بمذهب
ٍ قديما في كتاب القضاء في مسألة إلزام القاضي ً مسأل ٌة بحثها الفقهاء
الكالم فيها حديثًا من الفقهاء المعاصرين فيُ معين ال يقضي إال به ،كما ُب ِس َط
ٍ
الناس بالتقاضي على ِ
وإلزام ِ ِ
اإلسالمية بحوثهم حول مشروعية تقنين الشريعة
ٍ
واحد -كما هو معمول به اآلن في مصر وغيرها من البلدان ،-وقد رأي
ٍ
قديما ما بين مان ٍع ومؤيِد:
اختلف الفقهاء --في ذلك ً
ِ
الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة --يرون عدم فجمهور
ُ
مطالب بالحكم بما رآه
ٌ جواز ذلك الشرط في ِ
حق القاضي المجتهد؛ ألنه
ط عليه( ،)1قال ابن القيم " :--وطَر ُد هذا :أن
اشترِ َ
راجحا ال بما ُ
ً
ْ
═
دار الكتب العلمية ،بيروت ،الطبعة األولى 1419هـ 1999م ،تحقيق :عادل عبد
الموجود ،علي معوض ،روضة الطالبين ،103/8أسنى المطالب ،287/4المغني شرح
مختصر الخرقي ،موفق الدين ابن قدامة 93/10ط .مكتبة القاهرة ،سنة 1388هـ
1968م ،شرح منتهى اإلرادات المسمى :دقائق أولي النهى لشرح المنتهى ،للبهوتي
491/3ط .عالم الكتب ،الطبعة األولى 1414هـ 1993م.
( )1إعالم الموقعين .185/4
( )2الطبقات الكبرى .468/5
ِ
الواحد ،وهو الفتوى ِ
الضبط واالنضباط إلى األمرِ فال مناص إذن من
نصا قطعي الداللة
تخالف ًّ
ُ المعتمد ُة والم ْلزِ م ُة للجميع -ما دامت ال
َ الرسمي ُة
َّ َّ
مجمعا عليه عند فقهاء األمة -حتى وإن رأىً والثبوت ،وال تخالف أمرا
ً
عين ِ ِ ِ
البعض أنها صدرت مواف َق ًة لمراد السلطان واستجاب ًة لطلبِه؛ فإن ذلك هو ُ ُ
الشرعية ،ومقتضى المصلحة. ِ ِ
السياسة
اإلمام إذاِ "اجتهاد ِ
"الغياثي": قال إمام الحرمين الجويني --في
ُ
فيتحتم قوما، ِ ِ ٍ ٍ ٍ
َّ موج ِب اجتهاده ً مظنونة ،ودعا إلى مسألة حكم في أدى إلى َّ
الصديق -- ُ اإلمام ،كما قاتل اإلمام ،فإن أَ َب ْوا قاتلهم ِ عليهم متابع ُة
ُ
قطعا فيما ِ
اتباع اإلمام ً ُ مانعي الزكاة في القصة المعروفة ...إلى أن قال" :يجب
تأتي الت َح ِري ،لما َّ ِ
اتباع اإلمام في مسائل َّ ُ الم ْج َت َه َدات ...ولو لم يتعين
َّ يراه من ُ
كل َخ ْص ٍم بمذه ِبه ومطلبه، والس َت ْم َس َك ُّ المجته َدات، ِ
الخصومات في فصلُ
ْ َ
خصومات ال تنقطع، ٍ خالف الفقهاء مرتبكين في ِ ِ
مجال الخصماء في وبقي
ُ
العباد في موارد االجتهاد"(.)1 ِ ِ
حكومات ومعظم
ُ
الحاكم في ِ وقال اإلمام القرافي --في "فروقه"" :اعلم أن حكم
َ
ِ
الحاكم، لمذهب المخالف عن مذه ِبه وير ِج ُع الخالف، يرفع
ِ ُ َْ َ مسائل االجتهاد ُ
عما كانت عليه على القول الصحيح من مذاهب ِ
وتتغي ُر فتياه بعد الحكم َّ َّ
ِ ِ ِ
العلماء ،فمن ال يرى وقف المشاع ،إذا حكم حاكم بصحة وقفه ،ثم ُرف َعت
ٌ
═
مشهور حسن.
( )1غياث األمم في التياث الظلم ،إلمام الحرمين الجويني ص 217ط .مكتبة إمام
الحرمين ،الطبعة الثانية1401 ،هـ تحقيق :عبد العظيم الديب.
يحل له بعد ذلك أن ُي ْف ِتي الواقع ُة لمن كان يفتي ببطالنه ،ن َّف َذه وأمضاه ،وال ُّ
طالق ،فتزوجها ،وحكم حاكم ٌ ِ
تزوجتك ،فأنت ببطالنه ،وكذلك إذا قال :إن
ٌ َ
النكاح ،وال لزوم الطالق لهُ ،ي ْن ِف ُذ هذا بصحة هذا النكاح ،فالذي كان يرى ِ
َ َ
يحل له بعد ذلك أن يفتي بالطالق ...الخ"(.)1
فالحاصل أن الفقه اإلسالمي -وفق عبارة الشيخ الزرقا ( -ت
شمول ِ
بعض ِ يحد َد من ٍ
خليفة أو سواه ،أن ِ لولي األمر من
أقر ِ 1420هـ) "قد
َّ
مرجوح إذا اقتضت
ٍ ٍ
ضعيف ٍ
بقول بالعمل
ِ ِ
وتطبيقها ،أو يأمر األحكام الشرعية
العمل به؛ وفقا لقاعدة
ُ الراجح الذي يجب
ُ المصلح ُة الزمني ُة ذلك ،فيصبح هو
بتبدل األزمان"( ،)2وأن نصوص ِ
األحكام ُّ "تبدل
"المصالح المرسلة" وقاعدة ُّ
يد أن السلطان إذا أمر بأمرٍ في موضو ٍع الفقهاء في مختلف األبواب ُت ِف ُ
قابل لالجتهاد وغيرِ مصادم للنصوص القطعية -كان أمره ٍ اجتهادي -أي
ُ
ِ
واجبة ٍ
طارئة ٍ
لمصلحة ِ
العقود بعض
شرعا ،فلو منع َ ِ
االحترام والتنفيذ واجب
ً َ
منعه الرعاية ،وقد كانت تلك العقود جائز ًة نافذ ًة شرعا ،فإنها تصبح بمقتضى ِ
ُ
()3
باطل ًة أو موقوف ًة على حسب األمر" ،فهذا هو الفقه الذي ينبغي الوقوف
ِ
والقضاة بما أُ ْلزِ ُموا به من السلطان من آراء وأقوال في مسائل التزام المفتين
نصوصا قطعية ،ففي الخبر عن عبيد بن َن ْضلة
ً إجماعا وال
ً اجتهادية ال تصادم
قال" :كان عمر -يعني ابن الخطاب -وعبد اهلل -يعني ابن مسعود --
الس ْد ُس خيرا له في بالجد مع األخوة ما بينه وبين أن يكون ِ ي َق ِ
اسمان
ً ُّ ُ
ِ
بالجد، مقاسمتهم ،ثم إن عمر كتب إلى عبد اهلل :ما أرى َّإال أ َّنا قد أَ ْج َح ْفنا
فقاس ْم به من اإلخوة ما بينه وبين أن يكون الثلث خيراً فإذا جاءك كتابي هذاِ ،
الحديث يفيد أن عبد اهلل بن ُ له من مقاسمتهم ،فأخذ بذلك عبد اهلل"( ،)1فهذا
المجتهد الورع ،مفتي الكوفة في خالفة سيدنا ُ مسعود --وهو اإلمام
بأن ميراثه إذا اجتمع ِ
الجد َّأو َل األمرِ َّ عمر --كان ُي ْف ِتي ويقضي في
يقل نصيبه عن ألب ،أن يقاسمهم كأ ٍخ معهم بشرط َّأال َّ مع اإلخوة األشقاء أو ٍ
ُ
السدس ،ثم إن سيدنا عمر بن الخطاب ُ قل عن السدس ،أُ ْع ِطي السدس ،فإن َّ
َ
بالجد مع اإلخوة بشرط أال ِ --كتب إليه -وكان الخليف َة :-أن قاسم
يقل نصيبه عن الثلث ،فالتزم سيدنا عبد اهلل بن مسعود --ذلك في
ُ
أئمتنا". ِ
بقضاء ِ أقضيته وفتاويه ،وكان يقول في ذلك" :إنما َن ْق ِضي
( )1أخرجه سعيد بن منصور في سننه ،كتاب :الف رائض /باب :قول عمر في الجد ،ح رقم
( 66/1 )59ط .دار الكتب العلمية ،بيروت ،الطبعة األولى 1985م ،تحقيق :حبيب
الرحمن األعظمي ،و أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ،كتاب :الفرائض /باب :كيفية
المقاسمة بين الجد واإلخوة واألخوات ،ح رقم ( 408/6 ،)12437ط .دار الكتب
العلمية ،بيروت ،الطبعة الثالثة 1424هـ 2003م ،تحقيق :محمد عبد القادر عطا .وقال
صحيح" [ينظر :فتح الباري شرح صحيح
ٌ ابن حجر – -في "الفتح"" :سنده
البخاري ،البن حجر 21/12ط .دار المعرفة ،بيروت1379 ،هـ].
( )1أخرجه سعيد بن منصور في سننه ،كتاب الفرائض /باب :قول عمر في الجد ،ح رقم
( ، 67/1 )61والحديث ذكره ابن حزم في "المحلى" وقال" :الرواية عن عمر –يعني في
هذا الحديث -في غاية الصحة" [المحلى باآلثار ،البن حزم 307،308/8ط .دار الفكر،
بيروت ،د.ت].
( )2المحلى ،البن حزم .307/8
( )3أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أسامة بن زيد --في كتاب :الفرائض/
باب :ال يرث المسلم الكافر وال الكافر المسلم ح رقم ( ،)6764ومسلم في صحيحه في
أول كتاب الفرائض ح رقم (.)1614
كمعاذ ومعاوية --وبعض التابعين؛ كسعيد بن ٍ عن بعض الصحابة؛
ِ
المسلم المسيب ومحمد بن الحنفية ومسروق وغيرهم ،أنهم قالوا بتوريث
نكاح نسائهم،
ِ توريث الكافرِ من المسلم؛ احتجاجا ِ
بح ِل ِ من الكافرِ ،وعدم
فقالوا :ننكح نساءهم وال ينكحون نساءنا ،فكذلك نرثهم وال يرثوننا( ،)1وورد
المذهب،
ِ شريحا القاضي (ت 78هـ) بهذا
ً أن سيدنا معاوية --ألزم
فالتزمه رغم أنه كان يذهب مذهب الجمهور في هذه المسألة ،وكان
َ
قضاء أميرِ المؤمنين"؛ فروىُ إذا قضى بإلزام معاوية --يقول" :هذا
رجل إلى معاوية،
ٌ سعيد بن منصور في "سننه" عن الشعبي أنه قال" :جاء ُ
ينفع ِني؟ قال :بل ينفعك؛ فما ذاك؟ فقال :إن يضرني أم ُ
اإلسالم ُّ
َ أرأيت
َ فقال:
أباه كان نصرانياً ،فمات أبوه على نصراني ِته ،وأنا مسلم ،فقال إخوتي -وهم
ٌ َّ
إيت ِني بهم ،فأتاه بهم،
بميراث أبينا منك ،فقال معاويةِ :
ِ نصارى :-نحن أولى
ميراث أبيكم شرع سواء ،وكتب معاوي ُة إلى ِ
زياد بن أبيه: ِ فقال :أنتم وهو في
ٌ ٌ
كتابه
الكافر من المسلم ،فلما انتهى ُ أن َو ِرث المسلم من الكافر ،وال ِ
تورث
َ َ
يورثزياد أرسل إلى شريح ،فأمره أن يورث المسلم من الكافرِ ،وال ِ إلى ٍ
َ
شريح قبل ذلك ال َيو ِرث الكافر من المسلم ،وال ٌ الكافر من المسلم ،وكان
َ َ
بقوله ،فكان إذا قضى بذلك يقول: المسلم من الكافر ،فلما أمره زياد ،قضى ِ
ٌ َ
( )1المبسوط للسرخسي 30/30ط .دار المعرفة ،بيروت ،سنة 1414هـ 1993م ،الذخيرة
للقرافي ،21/13بداية المجتهد ونهاية المقتصد ،البن رشد الحفيد 353،352/2ط.
مصطفى البابي الحلبي ،مصر ،الطبعة الرابعة 1395هـ 1975م ،الحاوي الكبير 78/8وما
بعدها ،نهاية المطلب في دراية المذهب ،للجويني 21/9ط .دار المنهاج ،الطبعة األولى
1428هـ 2007م ،تحقيق :د .عبد العظيم الديب ،المغني ،البن قدامة .367/6
( )1أخرجه سعيد بن منصور في سننه ،كتاب :الفرائض /باب :ال يتوارث أهل ملتين ،ح رقم
ضعيف بسبب مجالد بن سعيد"
ٌ إسناد
ٌ ( .)146وقال الحافظ ابن حجر –" :-هو
[المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية ،البن حجر العسقالني ،تحقيق :مجموعة من
الباحثين في رسائل جامعية ،تنسيق د .سعد الشثري 41/8ط .دار العاصمة ،الطبعة
األولى سنة 1419هـ 1998م].
( )2أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ،كتاب :الفرائض /باب :من قال :ال يرث المسلم
الكافر ،ح رقم ( 284/6 ،)31448ط .مكتبة الرشد ،الرياض ،الطبعة األولى 1406هـ.
( )3غمز عيون البصائر في شرح األشباه والنظائر ،الحموي 373/1ط .دار الكتب العلمية،
بيروت ،الطبعة األولى 1405هـ 1985م ،حاشية ابن عابدين .422/5
للركوع ،ويركع ،وهذا هو قول ابن مسعود ،--وخالفه ابن عباس -
تسع أو عشر
-في ذلك ،ورأى أن التكبيرات الزوائد في صالة العيد ٌ
ٌ
ِ
تكبيرة ٍ
تكبيرات منها في األولى بعد خمس -على اختالف الراوايات،-
ُ
خمس ،يقرأ بعدها ثم يكبر للركوع ،ويركع، ٌ وأربع في الثانية أو
ٌ االفتتاح،
ِ
الوالة ِ
ألوالده من بني العباس أخذوا على ورو ْوا أن الخالفة لما صارت
َ
العيد على مذهب ِ
جدهم عبد اهلل بن ِ وكتبوا في مناشيرهم أن يصلوا صال َة
عباس ،وقد ُر ِو َي عن القاضي أبي يوسف ( --ت 182هـ) أنه كان
العيد بتكبيرِ ابن عباس؛ ألن الخليفة هارون الرشيد ( --ت
َ يصلي
193هـ) ألزمه بذلك ،وكذا روي عن محمد بن الحسن ( --ت
المذهب :أن هارونِ الصنيع في
ُ 189هـ) أنه فعل ذلك -أيضا ،-وتأويل هذا
جده ،ففعال ذلك امتثاالً ألمره ،وإظهار ًا لمتابعته ،الأَمرهما أن يكبِرا تكبير َة ِ
ََ
()2 ٍ
بمعصية واجب ٌة" . ِ
اإلمام فيما ليس )1 (
مذهباً واعتقاداً ،قالوا" :ألن طاع َة
العثمانية صدر أمر سلطاني بعدم جواز شراء ِ
عبيد ِ وكذا في زمن الخالفة
ٌ
تصحيح شرائهم حيل ًة للتخلص
ُ وهربوا منها؛ حتى ال ُي َّت َخ َذ
ُ العسكرية إذا أَ ِب ُقوا
من الخدمة العسكرية ،وكان مفتي الدولة العثمانية من كبار علماء المذهب
الحنفي حينها ،وهو المفتي أبو السعود أفندي ( --ت 982هـ ) ،وقد
منصب اإلفتاء الرسمي في البالد في زمن السلطان سليمان القانوني (ت
َ ولى
( )1المحيط البرهاني في الفقه النعماني ،البن مازة 97/2ط .دار الكتب العلمية ،بيروت،
الطبعة األولى 1424هـ 2004م ،تحقيق :عبد الكريم الجندي ،العناية شرح الهداية،
للبابرتي 74/2ط .دار الفكر ،د.ت ،.البحر الرائق ،173/2حاشية ابن عابدين .172/2
( )2حاشية ابن عابدين .172/2
ٍ
معارض فيها ،ومتصرفين بها بطريق الملك مد ًة تزيد على عشرين سنة بال
ٍ
بحصة في الدار ،وهم ينكرون ،ومضت يدعي عليهم رجل َّ
ٌ لهم ،واآلن قام
ٍ
واحدة ،فهل ٍ
ببلدة والكل مقيمون
ُّ شرعي،
ٍ يدع ذلك بال مان ٍع
هذه المد ُة ولم َّ
مسموعة للمنع السلطاني؟ -فأجاب --بقوله" :نعم،ٍ تكون دعواه غير
َ
القضاء
َ ال تسمع إال بأمرٍ سلطاني؛ حيث َّ
خصص السلطا ُن -نصره اهلل تعالى-
بذلك ،وأمر ِ
بعدم سماعها"(.)1
الفقهاء والمفتون من غير الحنفية هذا األمر السلطاني وأفتوا
ُ وكذا التزم
و َق َض ْوا به ،فأفتى به الشافعي الصغير شمس الدين الرملي ( --ت
ُ ُّ
1004هـ) كما نقل عنه محمد بن شرف الدين الخليلي (ت 1147هـ) في
"فتاويه" من قوله" :ومتى قرر السلطا ُن -نصره اهلل تعالى -للقاضي مد ًة ،ومنعه
سماعها في ٍ
كمعزول ،فال يملك سماع الدعوى فيما زاد عليها ،صار في ذلك
َ
َ
الزيادة المذكورة" ،وأفتى الخليلي بذلك؛ تبعا له( ،)2ونقل الب َجيرِ مي -
ُ ْ ُّ
( -ت1221هـ) في "حاشيته على اإلقناع" أن الشيخ علي بن يحيى
الزيادي (ت 1024هـ) كان يفتي بذلك تبعا لشيخه (م ر) يقصد :الشمس
الرملي ،)3( - -ونقل الشيخ الشرواني ( --ت 1289هـ) في
قضاة العصرِ أنهم ممنوعون من ِقب ِل
ِ "اشتهِ ر عن
ُ حاشيته على "التحفة" قو َلهم:
َ
( )1العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية ،البن عابدين 5/2ط .دار المعرفة ،د.ت.
( )2فتاوى الخليلي على المذهب الشافعي ،محمد بن َشرف الدين الخليلي 167/1د.ط،.
َ
د.ت.
( )3تحفة الحبيب على شرح الخطيب ،للشيخ سليمان البجيرمي 437/4ط .دار الفكر،
بيروت1415 ،هـ 1995م.
يتيم أو ٍ
وقف ،أنه مال ٍ السلطان بعدم سماعها بعد خمس عشر َة ٍ
سنة إال في ِ
َ
ووجهه ظاهر؛ ألنه ال يتصرف إال بحسب ما تقتضيه
ُ يمتنع عليه سماعها،
ٌ
التولية"(.)1
ِ
االلتزام بأمرِ مسألة دوام ِ هذا ،وقد تكلم الفقهاء - -في
فأفت ْوا بأنه
السلطان بعد موته أو خلعه ،هل يلتزم المفتون والقضاة به ،أو ال؟َ .. ِ
تجديد لألمرِ من ِقب ِل السلطان الجديد ،قال الحموي :-- ٍ َال ُب َّد من
َ
السلطا ُنُ ،عرِ َض عليه قانو ُن َم ْن َقب َله ،وأخذ ِ
ْ "ألنه ُعل َم من عادتهم أ َّنه إذا تو َّلى ُّ
اعه"(.)2باتب ِ أمره ِ
َ َ
العمل باألمرِ َ وال شك أن المسائل التي التزم المفتون والقضا ُة فيها
تدل على ما قررناه من ومتعددة في الفقه اإلسالمي ،وجميعها ُّ ِ السلطاني كثير ٌة
َّ
ٍ
وأقوال البالد من آراء ِ وقضاء -بما قرره السلطا ُن في إفتاء ِ
َّ ً وجوب االلتزام ً - ِ
ٍ ٍ
قطعيا ،قال ًّ نصاإجماعا ،وال ُت َعارِ ُض ًّ
ً تصادم
ُ اجتهادية ال مسائل
َ صادرة في
معل ًقا على مسألة االلتزام باألمر السلطاني في عدم السيد الحموي ِ --
المباح واجبا"(.)3 ِ
السلطان ُيصيِر سماع الدعوى بالتقادم ،قال" :ألن أمر
ً َ ُ َ
ومن أجل ذلك وردت المادة رقم ( )1801من مجلة األحكام العدلية
خصوص؛ ِل َما ٍ ٍ
مجتهد في لتنص على أنه" :لو صدر أمر سلطاني بالعمل برأي
ٌ َّ
( )1حاشية الشرواني على تحفة المحتاج شرح المنهاج ،للشيخ عبد الحميد الشرواني
140/5طبعة سنة 1357هـ 1983م.
( )2غمز عيون البصائر ،337/2حاشية ابن عابدين .420/5
( )3غمز عيون البصائر .371/2
برأي
ولمصلحة العصرِ أوفق ،فليس للقاضي أن يعمل ِِ أرفق، ِ
بالناس ُ رأيه
أن َ
َّ
حكمه"(.)1 مناف لرأي ذلك المجتهد ،وإذا َع ِمل ال ينف ُذ ٍ
مجتهد آخر ٍ
ُ َ
h
املطلب الثالث
تثقيف املستفتني عرب املواقع اإللكرتونية والتطبيقات الذَّكِيَّة
إن من سبل ضبط الفتوى اإللكترونية في العالم االفتراضي -أيضا- َّ
تثقيف المستفتين عبر وسائل اإلعالم المختلفة عن الطرق الشرعية والمسائل
بدءا من اختيار الموقع اإللكتروني
الضرورية المتعلقة باالستفتاء اإللكترونيً ،
َّ
ِ
مسألة والتنبه إلى الم ْثلى لصياغة السؤال،
ُّ المراد لالستفتاء ،والطريقة ُ
ِ
خصوصية الفتوى اإللكترونية بصاحبها في بعض األحيان ...إلى غير ذلك من
المسائل التي نراها مهم ًة في عملية ضبط الفتوى اإللكترونية ،والتي سأتناولها
بالتفصيل في المسائل التالية:
طالب
ِ كل
يصلح لالستفتاء ،وليس ُّ ٍ
داعية كل ِ
االجتهاد ومن لم يبلغ؛ إذ ليس ُّ
ُ
فقيها ُم ْفتيا.
علم ً
ً
وقد حصر الفقهاء --طرق العلم بأهلية المفتي لإلفتاء في
طريقين:
ِ
األثبات. ِ
والعدول ِ
الثقات إخبار أولهما:
ُ
تصدرِ هذا المفتي لإلفتاء
ُّ وثانيهما :الشهر ُة واالستفاض ُة الحاصل ُة من
ِ
سؤاله دون نكير(.)1 بمشهد من أعيان الناس ،وأخذهم عنه ،وإجماعهم على ٍ
"فمبلغه -أي المستفتي -أن ُ قال إمام الحرمين الجويني :--
ات أن الذي والث َق ِ
األثبات ِ
ِ ِ
بقول أحوال العلماء ،حتى إذا تقرر لديه ِ يسأل عن
َّ
حينئذ" ،ثم قال " :--ولو قال ٍ االج ِت َه ِاد ،في ْس َتفتي
ُ مبلغ ْ
بالغ َُي ْس َت ْف َتي منه ٌ
ِ
االجت َهاد ،كان مبلغ
َ قائل :إنه ال يست ْفتي َّإال من استفاضت األخبار عن ب ُل ِ
وغه ٌ
ُ ُْ ً َ
تمال"(.)2
ذلك ُم ْح ً
لكن هذه الطرق -من وجهة نظري -وإن كانت صالح ًة للعلم بأهلية َّ
ظل االستفتاء اإللكتروني
المفتي لإلفتاء في األزمنة الماضية ،إال أنها اليوم في ِ
بحال؛ ألن كثيرا من مواقع وحسابات اإلفتاء اإللكترونية اآلن غير ٍ ال تصلح
ُ ً
منت َح َلة ،أو ٍ الهوية ،وقد ُي ْن ِشئُها مديروها ِ
بأسماء وهمية ،أو بشخصيات َ
َ َّ معلومة
بحسابات مسروقة ،بل وعلى فرض التأكد من صحة الموقع والحساب ٍ
( )1البحر الرائق ،290/6حاشية ابن عابدين ، 359/5أدب المفتي والمستفتي البن الصالح
ص ،159،158المسودة في أصول الفقه ص .472
( )2االجتهاد ص.129
المتطرفة
ِ مؤس ِسه؛ فإن كثيرا من الجماعات نسبته إلى ِ ِ ِ
وصدق اإللكتروني،
ً
كالمهم وتح ُلو فتاويهم ألتباعهم،
ُ يروق
ُ مؤهلين لإلفتاء، واألشخاص الغير َّ
ميين أهل الفتوى الر ْس ِ
ِ ِ
استحقاق أن استحقا َقهم لإلفتاء أكثر من وي َر ْون َّ
َّ ُ َ
المنصبِين من قبل السلطان ،ويزي ُِنون للعوام ذلك ،بل ويح ُّثونهم عليه، َّ
ات األَ ْثبات دون من عداهم ،ومن ويرشدونهم إليه؛ بحجة أن هؤالء هم ِ
الث َق ُ
ِ
باالستفاضة وال بالتواتر؛ ألن ثم قال النووي" :- -ال يكتفي
َّ
العام ِة ال يوثق بها ،وقد يكون أصلها التلبيس" ،
()1
َّ االستفاض َة والشهر َة بين
بشد ٍة -بضرورة قصرِ االستفتاء اإللكتروني القول َّ -ِ األمر الذي يدفعني إلى
اإلفتاء الرسمية داخل البالد ،كدار اإلفتاء المصرية ،والمركز ِ على منصات
َّ
العالمي للفتوى اإللكترونية التابع لمشيخة األزهر الشريف بجميع منصاتهما
اإللكترونية المختلفة ،ولجان الفتوى الرسمية التابعة لمجمع البحوث
السلطاني
ِ وجوب ِ
إلزام المستفتين بذلك باألمرِ ِ اإلسالمية ولألزهر الشريف ،و
ٍ
بدول سبقتنا إلى ذلك منذ زمن ،فقد صدر في المملكة والقانون الملزم؛ ِ
تأسيا
ً
العربية السعودية األمر الملكي برقم ( /13876ب) بتاريخ 1431/9/ 2هـ،
ُ
بقصر الفتوى على أعضاء هيئة كبار العلماء ،ومن تأذن لهم الهيئ ُة من
المؤه ِلين لإلفتاء ،ومعاقبة ِ
كل من نازعهم في هذا األمر ،باستثناء الفتاوى َّ
الفردية غير المعلنة في أمور العبادات والمعامالت واألحوال الشخصية،
ألي موضو ٍع
ائل والمسؤول ،دون التطرق ِ
بشرط أن تكون خاص ًة بين الس ِ
ِ
المرجوحة ،وأقوالهم أهل العلم ِ
ومفردات ِ ِ
شواذ اآلراء، ِ
مشمول يدخل في
المهجورة ،ولو أ َّننا طبقنا نظير ذلك في بالدنا ،النضبطت األمور ،وانزجر
َّ
( )1آداب الفتوى ص .72
ِ
البحث عن الفتاوي القديمة المشابهة لفتواه ،وأن ذلك ال يغنيه ِ
محركات في
عن سؤال أهل االختصاص؛ فإن كثيرا من الفتاوي تختلف باختالف األزمنة
واألمكنة ،بل وباختالف حال السائل نفسه -كما ال يخفى على أهل
لعامي أن
ٍ االختصاص ،-حتى قال الزركشي "--في البحر"" :ال يجوز
يعمل بفتوى م َضت ٍ
لعام ِ
مثله"(.)1 َ ْ
عرض مثل هذه ِ عدم ومن أجل ذلك فإنني أرى أنه من المستحسن
ُ
ِ
األرشفة الفتاوي في مواقع وتطبيقات اإلفتاء الرسمية ،واالكتفاء في
ِ
الثابتة المعروضة في المنصات اإللكترونية للبحث والتصفح على الفتاوي
التي ال تختلف باختالف األشخاص واألزمان والبلدان ،كتلك الفتاوي
المعتمدة على النصوص القطعية الثابتة ،كفتاوي الميراث ونحوها ،أو الفتاوي
التي جرى عليها العمل في البالد وسارت عليها أحكام القضاء ،وما كان من
ذلك القبيل فحسب ،وإال فلو أردنا أرشفة جميع الفتاوى وعرضها على
تسهيال للدارسين والباحثين ،فليكن ذلك بطريقة تقنية
ً المنصات اإللكترونية
العوام عن تتبعها والعمل بها.
َّ تعيق
h
( )1البحر المحيط .361/8
اخلامتة
المنن
ُ تزاد
الحمد هلل الذي بحمده تتم الصالحات ،وبشكره ُت ْس ُ
حمات والبركات ،ثم أما
ُ والن َف َحات ،والصالة والسالم على من به تتنزل الر
َّ
َّ
بعد:
فقد بان لنا من خالل هذه الدراسة مجموع ٌة من األمور المهمة ،أجملها
فيما يلي:
أوال :أهمية الفتوى اإللكترونية في ِ
سد حاجات المستفتين عبر العالم
كل زمان ومكان.
والتواصل معهم في ِ
ؤمن فيها من الكذب والتدليس على
ثانيا :مشروعية الفتوى اإللكترونية التي ُي َ
المفتين ،ويرتفع فيها اإلشكال واإليهام.
إفتاء ِ ِ ِ
سواء كان ً
ً لمنصب اإلفتاء،
ِ االجتهاد اشتراط االتفاق على حصول
ُ ثالثا:
إفتاء إلكترونيا.
تقليديا أو ً
ًّ
بم ْف ٍت ،ويجوز أن
أقوال المجتهدين ،ليس ُ
َ رابعا :غير المجتهد ممن يحفظ
ُ
ِ
ينقل فتوى المجتهد للمستفتين على جهة الحكاية والنقل ،ال على
مؤس َسات اإلفتاء الرسميةالعمل في َّ
ُ سبيل الفتوى ،وما جرى عليه
تنصيب أمناء للفتوى لم يبلغوا درجة االجتهاد ،مخر ٌج على ذلك.
ِ من
َّ
الناتجين من خامسا :مدى االضطراب والفوضى في الفتاوي اإللكترونية
َْ ً
ِ
الصفحات اإللكترونية والمواق ِع غير الرسمية التي تصدر لإلفتاء من
َّ
ِ
لإلفتاء ،ومن ُعرِ فوا بأفكارهم المتطرفة أهال
خاللها من ليسوا ً
وأقوالهم الشاذة.
أهله ،ومعاقبة ِ
مقد ِميه -قدر اإلمكان-؛ ِ
الشاذ الصادرِ عن غير ِ اإللكتروني
فإن اهلل -تعالى -يزع بالسلطان ما ال يزع بالقرآن.
هذا ،وصلى اهلل على سيدنا محمد ،وعلى آله وصحبه وسلم.
h
ثبت املراجع
-1القرآن الكريم.
-49أدب المفتي والمستفتي ،البن الصالح ،ط .مكتبة العلوم والحكم ،المدينة المنورة،
الطبعة الثانية 1423هـ 2002م.
-50إرشاد أهل الملة على إثبات ا ألهلة ،للشيخ محمد بخيت المطيعي ،ط .دار ابن
حزم ،بيروت ،الطبعة األولى 1421هـ 2000م.
-51إعالم الموقعين عن رب العالمين ،البن القيم ،ط .مكتبة الكليات األزهرية ،القاهرة،
سنة 1388هـ 1968م ،تحقيق :طه عبد الرؤف سعد.
-52اإلنصاف في بيان أسباب االختالف ،للشاه ولى اهلل أحمد عبد الرحيم الدهلوي ،ط.
المطبعة السلفية ،القاهرة ،الطبعة الثانية 1398هـ.
-53تبصرة الحكام في أصول األقضية ومناهج األحكام ،البن فرحون ،ط .مكتبة
الكليات األزهرية ،الطبعة األولى 1406هـ 1986م.
-54شرح منظومة عقود رسم المفتي ،البن عابدين ،ضمن مجموع الرسائل للمؤلف،
ط .دار إحياء التراث العربى ،بيروت ،د.ت.
-55صفة الفتوى ،البن حمدان ،ط .المكتب اإلسالمي ،بيروت ،سنة 1397هـ ،تحقيق:
محمد ناصر الدين األلباني.
-56العقد التليد في اختصار الدر النضيد المسمى بالمعيد في أدب المفيد والمستفيد،
عبد الباسط بن موسى العلموي ،ط .مكتبة الثقافة الدينية ،الطبعة األولى 1424هـ
2004م ،تحقيق :مروان العطية.
-57العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية ،البن عابدين ،ط .دار المعرفة ،د.ت.
-58فتاوى الخليلي على المذهب الشافعي ،محمد بن َشرف الدين الخليلي ،د.ط،.
َ
د.ت.
-59فتاوي السبكي ،لتقي الدين السبكي ،ط .دار المعرفة ،بيروت ،د.ت.
-60الفتاوي الفقهية الكبرى ،البن حجر الهيتمي ،ط .دار الفكر ،بيروت ،د.ت.
-61الفقيه والمتفقه ،للخطيب البغدادي ،ط .دار ابن الجوزي ،السعودية ،الطبعة الثانية
1421هـ ،تحقيق :عادل الغرازي.
-62الفكر السامي في تاريخ الفقه اإلسالمي ،لمحمد بن الحسن الحجوي ،ط .دار
الكتب العلمية ،بيروت ،الطبعة األولى ،سنة 1416هـ 1995م.
-63لسان الحكام في معرفة األحكام ،البن الشحنة ،ط .البابي الحلبي ،القاهرة ،الطبعة
الثانية 1393هـ 1973م.
-64مجلة األحكام العدلية مع شرحها درر الحكام لعلي حيدر أفندي ،ط .دار الجيل،
الطبعة األولى 1411هـ 1991م ،تعريب :فهمي الحسيني.
-65المدخل الفقهي العام ،للشيخ مصطفى أحمد الزرقا ،ط .دار القلم ،دمشق ،الطبعة
الثانية 1425هـ 2004م.
-66منار أصول الفتوى وقواعد اإلفتاء باألقوى ،للشيخ إبراهيم اللقاني ،تحقيق:
د .عبد اهلل الهاللي ،ط .وزارة األوقاف والشئون اإلسالمية بالمغرب ،سنة 1423هـ،
2002م.
جامعة جنوب الوادي ،د .عبد الفتاح تركي موسى ،بحث منشور في حولية كلية
اآلداب ،جامعة عين شمس ،مج ،44سنة 2016م.
-72إدارة المواقع اإلسالمية ،دراسة مسحية ،د .عدنان بن خليل باشا ،د .حسن
السريحي ،بحث ضمن أعمال المؤتمر العالمي التاسع :الشباب واالنفتاح العالمي،
الندوة العالمية للشباب اإلسالمي ،الرياض ،نوفمبر سنة 2002م.
-73بناء و تصميم مواقع الحكومة اإللكترونية ،أحمد عزت حسن ،ورقة عمل منشورة
ضمن فعاليات ندوة الحكومة اإللكترونية :مجاالت وآليات التنفيذ وورشة عمل
طرق بناء مواقع الحكومة اإللكترونية ،المنظمة من قبل المنظمة العربية للتنمية
واإلدارة-جامعة الدول العربية 15-11 ،فبراير 2007م.
-74توظيف تطبيقات األجهزة "الهواتف" الذكية في التوعية بقضايا األسرة في سلطنة
عمان ،وضحة بنت سلمان ،بحث منشور بمجلة دراسات في الخدمة االجتماعية
والعلوم اإلنسانية ،كلية الخدمة االجتماعية ،جامعة حلوان ،ع ،39ج ،16أكتوبر
2015م.
-75توظيف التنظيمات اإلرهابية لوسائل التواصل االجتماعي ،دراسة وصفية للمخاطر
وكيفية المواجهة ،د .طارق ميرغني ،بحث منشور بمجلة كلية الدعوة واإلعالم،
جامعة القرآن الكريم والعلوم اإلسالمية ،عدد ،4سنة 2018م.
-76شبكة اإلنترنت :منشأ وتطورا وخدمات ،د .وجدي عبد الفتاح سواحل ،مقال منشور
بالمجلة العربية العلمية للفتيان سنة 2001م ،مج ،5ع .9
-77شبكات التواصل االجتماعي ،منافع التواصل ومضار القرصنة ،د .خليل عبد اهلل
حسين ،بحث منشور بمجلة جامعة غرب كردفان للعلوم واإلنسانيات ،ع ،6سنة
2012م.
-78المواقع اإلسالمية في اإلنترنت وفاعليتها ،د .عبد الحق حميش ،بحث ضمن أعمال
المؤتمر العالمي التاسع :الشباب واالنفتاح العالمي ،الندوة العالمية للشباب
اإلسالمي ،الرياض ،نوفمبر سنة 2002م.
h
فهرس املوضوعات
الصفحة املوضـــــــــــــــــــوع
المقدمة 2697 ...............................................................................
خطة البحث 2699 ..........................................................................
التعريف بالفتوى اإللكترونية ووسائلها2701 ..............................................
تعريف الفتوى في اللغة2701 ..............................................................
تعريف الفتوى في االصطالح 2702 .......................................................
وسائل الفتوى اإللكترونية 2704 ...........................................................
مشروعية الفتوى اإللكترونية وضوابطها عند الفقهاء 2710 ...............................
المفتي وشروطه في الفقه اإلسالمي2717 .................................................
طبقات المفتين ومراتبهم عند الفقهاء 2719 ...............................................
المجتهد المطلق المستقل2719 ............................................................
المجتهد المنتسب ومراتبه عند الفقهاء 2720 ..............................................
المقلدين والعوام ِ
ونقلهِ م لفتاوي المجتهدين2727 ..................... ِ حكم اإلفتاء من
اإلفتاء من خالل أمناء الفتوى الذين لم يبلغوا درجة االجتهاد 2728 .....................
ِ
المقلد للفتوى 2730 ..................................................... طرق نقل األمين
شروط أمين الفتوى 2731 ..................................................................
أمين الفتوى2732 ..................................................
عمل المستفتي بفتوى ِ
واقع الفتوى اإللكترونية في العالم االفتراضي2736 ......................................
سبل ضبط الفتوى اإللكترونية في العالم االفتراضي 2742 ...............................
ِ
المتصدرِ ين للفتوى اإللكترونية سلطة ولي األمر في تنصيب المفتين ومعاقبة
دون إذن 2742..............................................................................
سلطة ولي األمر في توحيد الفتوى اإللكترونية الرسمية واإللزام بها 2752 ..............
َّ
ِ
تثقيف المستفتين عبر المواقع اإللكترونية والتطبيقات ال َّذكية 2767 ......................
َّ
h