Professional Documents
Culture Documents
أحكام الطلاق التعسفي
أحكام الطلاق التعسفي
جامعة ديالى
قسم القانون
أحكـام
ّ
الطالق التعسفي
إشراف
أ .م .د .أمحد علي بريسم
2018م 1439هـ
بسم اهلل الرمحن الرحيم
(أ)
اإلهــــداء
أصدقائي
الباحثة
نمارق ياسر حسن
(ب)
شكر وعرفان
الحمد والشكر هلل تعالى الذي وفّقني التمام هذا البحث ..
(ج)
قائمة المحتويات
(د)
المقدمة
يرتبط القانون والشرع االسالمي بأواصر قوية ،وان القانون هو لسان القرآن رغم
اعتقاد األغلبية أن هناك اختالفاً كبي اًر بينهما ،فهو يشتركان بأنهما قواعد سلوك اجتماعي
تنظم العالقات الناشئة بين أفراد المجتمع .وان علم الفقه االسالمي من أشرف العلوم
وأعظمها ،إذ به يعرف الحالل من الحرام ،وبه تستقيم عادات الناس ومعامالتهم .
ويكتسب موضوع الطالق أهمية كبيرة في هذا المجال ،ومهما كان االسم الذي يطلق
على الطالق ،فهو تفريق بين زوجين اتفقا على العيش المشترك مدى الحياة بموجب عقد
شرعي ،إال أن الطالق التعسفي هو أن يقدم الرجل على إنهاء عقد النكاح بينه نكاح
ٍ
موجبة لذلك فيقع على الزوجة ضرر كبير وبين زوجته دون أسباب
أهمية البحث :
تكمن أهمية البحث في ما لموضوع الطالق ،وباألخص الطالق التعسفي من أهمية
كبيرة في الحياة االنسانية ،وبصورة خاصة في وقتنا الحالي .
اشكالية البحث :
ما هي المعايير واألسس التي على أساسها يتم تحديد ما إذا كان الزوج متعسفاً في
استعمال حقه في الطالق ،أم ال ،وكذلك تحديد حالة وصورة التعسف الحاصل .
منهج البحث :
اعتمدت الباحثة المنهج الوصفي والتحليلي في دراسة البحث ،إذ تم عرض ما يخص
الطالق التعسفي في الشريعة االسالمية ،وكذلك القوانين الخاصة بالطالق التعسفي
ومقارنتها مع القوانين المشابهة في االقطار العربية .
خطة البحث :
ماهية
ّ تم تقسيم موضوع البحث على مقدمة مبحثين :جاء المبحث األول بعنوان (
التعسفي ) ،وقد قسم على مطلبين :تطرقنا في المطلب األول إلى تعريف الطالق ّ الطالق
التعسفي لغةً ،فقهاً ،قانوناً ،أما المطلب الثاني ،فقد تناولنا فيه أنواع الطالق التعسفي ،
وحكمه ،والحكمة منه .
أما المبحث الثاني فقد حمل عنوان ( صور الطالق التعسفي وموقف القانون والشريعة
منه ) وقد قسم على مطلبين أيضاً ُ :و ِسم المطلب األول بعنوان ( صور الطالق التعسفي )
،فيما جاء المطلب الثاني بعنوان ( موقف قانون االحوال الشخصية العراقي والشريعة
االسالمية من الطالق التعسفي ) .
وختم البحث بخاتمة ذكرنا فيها ما استخلصناه من هذا البحث ،مع قائمة بالمصادر
ُ
التي استخدمناها النجاز هذا البحث .
المبحث األول
التعسفي
ّ ماهية الطالق
ّ
مهما كان االسم الذي يطلق على الطالق ،فهو تفريق بين زوجين اتفقا على العيش
المشترك مدى الحياة بموجب عقد نكاح شرعي ،إال أن الطالق التعسفي هو أن يقدم الرجل
ٍ
موجبة لذلك فيقع على الزوجة ضرر على إنهاء عقد النكاح بينه وبين زوجته دون أسباب
المادي
ّ كبير لذا أجاز لها الشرع المطالبة بكامل حقوقها الواردة في عقد الزواج والتعويض
عن الضرر النفسي الذي وقع عليها ،لقد حرص الشرع على حماية المرأة وصون حقوقها
أن الطالق طالقاً تعسفياً أو غير ذلك هو القاضي الشرعي في
يحدد ّ
والشخص الذي ّ
المحكمة الشرعية .
المطلب األول
تعريف الطالق التعسفي لغ ًة ،فقهاً ،قانوناً
الطالق لغةً :يعرف بأنه رفع القيد أو إزالة الوثاق وقد شاع استعمال التطليق في حل عقدة
()1
. النكاح واالطالق في حل غيرها
وعِّرف أيضاً :هو رفع قيد ( عقدة ) النكاح المنعقد بين الزوجين بألفاظ مخصوصة التخلية
ُ
واالرسال (. )2
عرفه
عرف الفقه االسالمي الطالق ،وتوسع الفقهاء في ذلك ،فقد ّ
أما الطالق فقهياً :فقد ّّ
الحنفية والحنابلة :بأنه رفع قيد النكاح في الحال أو في المال بلفظ مشتق من ( ط ،ل ،
ق ) أو ما في معناه ما يفيد ذلك صراحة أو داللة صادرة من الزوج أو من يقوم مقامه
()3
. فيرتفع قيد النكاح بالطالق في الحال أو كان بائناً ،أو في المال إذا كان رجعياً
وعرفه الشافعية :بأنه حل عقدة النكاح بلفظ الطالق .
ّ
()1
شهاب الدين أبو عمرو ،القاموس المحيط . 739 :
()2
ابن منظور ،لسان العرب . 225 :
()3
ابن قدامة المقدسي ،المغني . 363/7 :
()1
. وعرفه النووي في تهذيبه :بأنه تصرف مملوك للزوج يحدثه بال سبب وينقطع النكاح
ّ
والطالق في فقه االباضية :هو رفع قيد الزواج في الحال أو في المال ،وله مرجعة الزوجة
()2
. ما دامت في العدة كرهت أم رضيت
والطالق في فقه الشيعة :هو اللفظ المزيل لعقد النكاح من غير فسخ وما في حكمه بلفظ
()3
. صريح أو كنائي وال يقع بمجرد النية
وعرفه المالكية :بأنه صفة حكمية ترفع صلة تمتع الزوج بزوجته موجباً تكررها مرتين زيادة
ّ
على األولى للتحريم (. )4
وان علماء الشريعة االسالمية عندما أوردوا جملة من التعاريف فاتفقت في كون الطالق
هو رفع القيد وفك وثاق الزوجية ،وهو إزالة قيد النكاح بغير عوض بصيغة ( طالق ) .
ومن الفقهاء من قال بأن الطالق :هو رفع قيد النكاح بلفظ مخصوص صريحاً أو
()5
. أو إشارة كناية
والمالحظ على ذلك أن الفقهاء كان إجماعهم ناجماً عن وحدة الموضوع في التشريع
السماوي الوارد في القرآن الكريم ،ومن اآليات الكريمة قوله تعالى ﴿ :اوإِن ياتا اف َّرقاا يُغْ ِن اللَّ هُ
ِ ِ ِِ
ُك اَل ِّمن اس اعته اواكا ان اللَّ هُ اواس ًعا احك ً
يما ﴾ (. )6
يم ﴾ وما ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى ﴿ :وإِ ْن عزموا الطَّاَل اق فاِإ َّن اللَّه س ِم ِ
يع اعل ٌ ا ا ٌ ا ااُ
()1
.لذلك فإن التعريف الشرعي للطالق هو ( :تصرف مملوك للرجل يتم بموجبه حل
()2
.وان األخذ بهذا التعريف هو األقرب شرعاً . رابطة الزواج وانهاء العالقة الزوجية )
()1
زكريا بن محمد بن زكريا األنصاري ،أسمى المطالب في شرح روضة الطالب . 263/3 :
()2
د .وهبة الزحيلي ،الفقه االسالمي وأدلته . 219 :
()3
علي الخفيف ،فرق الزواج في المذاهب االسالمية . 507 :
()4
محمد بن عبد اهلل الخراشي المالكي ،شرح مختصر خليل للخرشي . 12/4 :ومصطفى الزلمي ،
أحكام الزواج والطالق . 1995 :وأحمد بن غنيم بن سالم النفراوي األزهري المالكي ،الفواكه الدواني
على رسالة ابن أبي زيد القيرواني . 30 / 2 :
()5
د .أحمد الكبيسي ،االحوال الشخصية في الفقه والقضاء والقانون ،الزواج والطالق . 160/ 1 :
()6
سورة النساء ،اآلية . 130
()1
سورة البقرة ،اآلية . 227
الطالق قانوناً :
عرفه القانون العراقي في نص المادة الرابعة والثالثون من قانون األحوال الشخصية
فقد ّ
رقم 188لسنة 1959المعدل بقوله :الطالق رفع قيد الزواج بإيقاع من الزوج أو من
الزوجة وان وكلت به أو فوضت أو من القاضي .وال يقع الطالق إال بالصيغة المخصصة
له شرعاً .
وان هذا التعريف يتوافق مع التعاريف التي أشار إليها فقهاء المسلمين على مختلف
مذاهبهم ،وان السبب في ذلك أن القانون العراقي يعتمد على الشريعة في قضايا األحوال
الشخصية حين إن المادة األولى من القانون رقم 188لسنة 1959قد جاء فيها :
-1تسري النصوص التشريعية في هذا القانون على جميع المسائل التي تتناولها هذه
النصوص في لفظها أو في فحواها .
-2إذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه فيحكم بمقتضى مبادئ الشريعة اإلسالمية
األكثر مالءمة لنصوص هذا القانون .
-3تسترشد المحاكم في كل ذلك باألحكام التي أقرها القضاء والفقه اإلسالمي في
العراق وفي البالد اإلسالمية األخرى التي تتقارب قوانينها من القوانين العراقية.
وان الزواج الدائم هو المالئمة للفطرة االنسانية ،وأن يكون هذا الزواج هو الغاية النشاء
اجا لِّتا ْس ُكنُوا إِل ْاي اها ِ ِِ ِ
األسرة ،وقد ورد قوله تعالى ﴿ :اوم ْن آيااته أا ْن اخلا اق لا ُكم ِّم ْن أان ُفس ُك ْم أا ْزاو ً
ات لِّاق ْوٍم ياتا اف َّك ُرو ان ﴾ (. )3
ك اَلي ٍِ ِ
او اج اع ال با ْي نا ُكم َّم او َّدةً اوار ْح امةً إِ َّن في اذل ا ا
ولقد شرع الزواج لتلك المقاصد السامية التي يشعر كل زوج بالميل إلى صاحبه ،
وبحاجة إلى معونته على إنماء هذه األسرة ،ولكن المرء قد يخدعه شعوره وحبه ،فيخطئ
في اختيار زوجته ،ثم يتبين بعد الزواج سوء االختيار ،فيحل الخطأ والخصام محل
الصفاء والوئام ،وتصبح حياة الزوجين مع بعضهما مستحيلة ،وهذه المشاكل ال تحل إالّ
بالطالق .
()2
القاضي سالم روضان الموسوي ،تطبيقات القضاء العراقي في قانون األحوال الشخصية رقم 188
لسنة . 130 : 1959
()3
سورة الروم ،اآلية . 21
بد أن تجعل للناس
والشريعة االسالمية بما عرف عنها من العدل واإلنصاف ،ال ّ
مخرجاً من ضيق وتيسِّر لهم أسباب الخالص من هذه المشاكل ،وتفتح لهم الطريق إلى
حياة زوجية أكثر سعادة وسالم .والشريعة االسالمية تحرص على بقاء الرابطة الزوجية
وتقره كوسيلة لحسم الخالف بين الزوجين .لم يعد باالمكان
وتكره الطالق ،ولكن تعترف به ّ
االستمرار في حياتهما الزوجية ،فإذا وقع الطالق ،جاز للمرأة أن تتزوج بعد انتهاء عدتها
()1
. ،ال يحق للزوج أن يمنعها من الزواج
وقد جعل االسالم الطالق بيد الزوج البالغ العاقل ؛ وذلك ألن الطالق ينهي العالقة
الزوجية ويهدم األسرة ،وكثي اًر ما يشتت شمل األوالد ،كما ان الزوج يتحمل معظم مضاره
من الناحية المادية ،وقد يكون خير وبركة للزوجين أحياناً عند استحكام الشقاق والخالف
()2
. واستحالة استمرار الحياة الزوجية
وبناء
ً لذلك فقد نظم الفقه والقانون عملية الطالق والتفريق في مجموعة من األحكام ،
على منطوق داللة الحديث النبوي الشريف ( :أبغض الحالل عند اهلل الطالق ) (، )3
مما يهتز له العرش ،فقد روي عنفالطالق في وضعه األصلي هو مبغوض من اهلل ،وانه ّ
االمام الصادق ( عليه السالم ) أنه قال ( :تزوجوا وال تطلقوا فإن الطالق يهتز له العرش )
()4
.
وعلل السيد فضل اهلل ذلك ... ( :ألن في تعبير عن مدى خطره على استقرار األسرة
واخالله بوظيفتها ،من حيث أن العرش هو موقع إدارة رمزي الوجود وتنظيم أموره ،فيهتز
()1
،فإن لكل خلل يحدث في الحياة ،المكروه من الطالق ما يكون لغير ضرورة تفرضه )
أوقع الرجل الطالق دون سبب معقول أو حاجة ماسة ،فهو تفريط في مقتضى الميثاق من
الوفاء وتفريط في بناء األسرة ،ومعلوم أن بناء األسرة مقصد شرعي .
()1
علي حسب اهلل ،عيون المسائل الشرعية في االحوال الشخصية . 143 :
()2
محمد جواد مغنية ،الفقه على المذاهب الخمسة . 432 :
()3
السيوطي ،جالل الدين عبد الرحمن ،األشباه والنظائر . 7 :
()4
الطبرسي ،مكارم األخالق . 216 :
()1
فضل اهلل ،السيد محمد حسين ،فقه الشريعة . 575 :
المطلب الثاني
أنواع الطالق التعسفي ،وحكمه ،والحكمة منه
()1
د .أحمد الكبيسي ،االحوال الشخصية في الفقه والقضاء والقانون . 221 :
()2
المصدر نفسه والصفحة نفسها .
أما الطالق المعلق :هو ما ربط على حصول أمر في المستقبل بأداة من أدوات الشرط ،
خرجت من البيت ِ
فأنت طالق . ِ كأن يقول الزوج لزوجته إن
ثالثاً :من حيث الرجعة من عدمه ،يقسم إلى رجعي وبائن .
العدة دون عقد
فالطالق الرجعي :هو ما يملك فيه الزوج حق مراجعة زوجته ما دامت في ّ
()1
يرد زوجته ويسترجعها إلى عصمته ،أي بما .أي يمكن للزوج أن ّ أو مهر جديدين
معناه يمكنه تدارك الموقف والعودة عن الطالق ،وهذا النوع من الطالق ضمن الرجعي إذا
استرجع الرجل زوجته سواء بالقول أو الفعل ،أما في حالة انقضاء ثالثة قروء ،ولم يعيدها
فإن الطالق دخل في حكم البائن بينونة صغرى ،وخالل عدة الطالق الرجعي إذا مات أحد
عدة الطالق لم تنقضي ،وتكون النفقة في هذه الفترة واجبة على
الزوجين ورثه اآلخر طالما ّ
الزوج ،بمعنى أدق فإنه بما أن الزوج قائم فيبقى كل شيء قائم ،ويشار بما أن الطالق
الرجعي يعتبر طلقة أولى ،أي أنه في حالة وقوع طلقتين أخريين تنتهي الرابطة الزوجية
نهائياً ،ورجوع الزوجين لبعضهما ال يمحو أثر الطلقة الواقعة ،وتنقضي عدتها في بيت
الزوجية .
أما الطالق البائن ،فينقسم إلى :بائن بينونة صغرى ،وبائن بينونة كبرى .
فالطالق البائن بينونة صغرى :ويحل فيه للزوج إعادة زوجته بعقد ومهر جديدين ،أي أنه
الطالق الذي يرمي فيه الزوج على زوجته يمين الطالق لمرة واحدة أو مرتين ،أي دون
ثالث طلقات ،ويدخل الطالق ضمن حكم البينونة الصغرى في حالة عدم مراجعتها خالل
العدة ،وفي نطق الزوج بالطالق ثالث مرات أو قال لزوجته ِ
أنت طالق بالثالثة ،فإن ذلك
()2
. يحتسب بمثابة طلقة واحدة فقط
()1
د .محمد سمارة ،أحكام وآثار الزوجية ،شرح مقارن لقانون األحوال الشخصية األردني . 296 :
()2
نفس المصدر السابق . 297 :
-1منح االسالم الزوج الحق باسترجاع زوجته المطلقة طالقاً بائناً بينونة صغرى بعقد
ومهر جديدين لكن دون الحاجة إلى الزواج من غيره ،كما يشترط رضا الزوجة
وذلك في حالة عدم انتهاء مدة العدة ( ثالثة قروء ) .
-2سلب االسالم من الرجل حق استرجاع زوجته المطلقة طالقاً بائناً بينونة صغرى
بعد انتهاء العدة ،ويدخل بذلك الطالق ضمن أحكام الطالق البائن بينونة كبرى
()1
.
حرم فيه على الزوج التزوج من مطلّقته التي طلّقها أما الطالق البائن بينونة كبرى :وهو ما ّ ّ
عدتها ،فإن افترقت من الزوج الثاني بوفاة أو طالق ،جاز له ثالثة متفرقات ومضت ّ
ان اواَل يا ِحلُّ لا ُك ْم أان اك بِمعر ٍ
وف أاو تاس ِريح بِِإحس ٍ ِ ِ َّ
ْ ْ ٌ ْا س ٌ ا ُْ التزوج بها لقوله تعالى ﴿ :الط اَل ُق ام َّرتاان فاإ ْم ا
ود اللَّ ِه ِ ِ ود اللَّ ِه ِ ِ
فا اَل يما ُح ُد ا فاِإ ْن خ ْفتُ ْم أ َّاَل يُق ا يما ُح ُد ا
وه َّن اش ْيئًا إََِّل أان يا اخافاا أ َّاَل يُق ا
تاأْ ُخ ُذوا م َّما آتا ْيتُ ُم ُ
ُه ُم كود اللَّ ِه فاأُولاٰئِ ا
اوامن ياتا اع َّد ُح ُد ا ت وها
يما افْ تا اد ْ ِ ْك ح ُد ُ ِ
ود اللَّ ه فا اَل تا ْعتا ُد ا
اح اعلاْي ِه اما ف ا ُجنا ا
ِ ِ
بِه تل ا ُ
الظَّالِ ُمو ان ﴾ ( ، )2فإن هذا النوع من الطالق يفسخ الرابطة الزوجية نهائيا ويزيلها ،وان اهلل
شرع الطالق إالّ ّأنه لم يجعله الخطوة األولى ،بل جعل خطوات عديدة
سبحانه وتعالى قد ّ
تسبقه حرصاً على استم اررية الحياة الزوجية واستنفاذا لكل الطرق والوسائل لحمايتها
ال واستئنافها بصورة صحيحة ،وهذه الخطوات وردت في اآلية الكريمة لقوله تعالى ِّ ﴿ :
الر اج ُ
ات قاانِتا ٌ
ات ض اوبِ اما أان اف ُقوا ِم ْن أ ْام اوالِ ِه ْم فا َّ
الصالِ اح ُ َّل اللَّ هُ با ْع ا
ض ُه ْم اعلا ٰى با ْع ٍ قا َّو ُامو ان اعلاى الن ِ ِ
ِّساء ب اما فاض ا ا
ضِ
اج ِع وه َّن فِي ال اْم ا
ج ُر ُ وه َّن او ْاه ُ وزُه َّن فا ِعظُ ُ شا الَلتِي تا اخافُو ان نُ ُ ظ اللَّ هُ او َّ ب بِ اما اح ِف ا احافِظا ٌ
ات لِّ ْلغاْي ِ
يَل إِ َّن اللَّ ها اكا ان اعلِياا اكبِ ًيرا ﴾ (. )3 وه َّن فاِإ ْن أاطا ْعنا ُك ْم فا اَل تا ْب غُوا اعلاْي ِه َّن اسبِ ً
ض ِربُ ُ
اوا ْ
وزُه َّن فاعِظُ ُ
وه َّن ﴾ . شا الَلتِي تا اخافُو ان نُ ُ فالخطوة األولى ( :الموعظة ) لقوله تعالى َّ ﴿ :
أما الخطوة الثانية :فهي ( الهجر ) في المضاجع ،لقوله سبحانه وتعالى ﴿ :او ْاه ُج ُر ُ
وه َّن
ضِ
اج ِع ﴾ . ال اْم ا فِي
ض ِربُ ُ
وه َّن ﴾ ،والضرب أما الخطوة الثالثة :فهي الضرب غير المبرح ،لقوله تعالى ﴿ :اوا ْ ّ
غير المبرح ،الذي ال يسبب ألماً أو جرحاً ،وال يترك لوعاً أو أث اًر أو عطالً ( عج اًز ) .
()1
د .محمد سمارة ،أحكام وآثار الزوجية ،شرح مقارن لقانون األحوال الشخصية األردني . 296 :
()2
سورة البقرة ،اآلية . 229
()3
سورة النساء ،اآلية . 34
وزا أ ْاو
شً ت ِمن با ْعلِ اها نُ ُ أما الخطوة الرابعة :فهي ( الصلح ) ،لقوله تعالى ﴿ :اوإِ ِن ْام ارأاةٌ اخافا ْ ّ
الش َّح اوإِنس ُّ الصلْح اخي ر وأ ِ ِ ضا فا اَل جنااح اعلاي ِهما أان ي ِ إِ ْع ارا ً
ُحض ارت ْاْلان ُف ُ ْحا او ُّ ُ ْ ٌ ا ْ صل ً صل احا با ْي نا ُه اما ُ ُْ ُ ا ْ ا
تُ ْح ِسنُوا اوتاتَّ ُقوا فاِإ َّن اللَّ ها اكا ان بِ اما تا ْع املُو ان اخبِ ًيرا ﴾ (. )1
أما الخطوة الخامسة :فهي ( التحكيم ) ،لقوله تعالى ﴿ :اوإِ ْن ِخ ْفتُ ْم ِش اقا اق با ْينِ ِه اما فاابْ اعثُوا ّ
يما اخبِ ًيرا ﴾ ِ ِ ِِ
ص اَل ًحا يُ اوفِّ ِق اللَّ هُ با ْي نا ُه اما إِ َّن اللَّها اكا ان عال ً
اح اك ًما ِّم ْن أ ْاهله او اح اك ًما ِّم ْن أ ْاهل اها إِن يُ ِري ادا إِ ْ
()2
()3
. ،وهي أفضل طريقة لحل النزاعات والقضاء على الخصومات
فاتباع الزوج لهذه الخطوات قبل إقدامه على الطالق يعتبر قرينة تنفي التعسف من
جانبه في إيقاع الطالق .
ويقع الطالق على عدة أوجه ،فهناك نوع من الطالق ،يعطي الشرع فيه للزوج
عدتها وهي ثالثة أشهر ،ونوع آخر من الطالق سمح للزوج
فرصة لمراجعة زوجته خالل ّ
ٍ
ومهر جديدين .ونوع ثالث ،وهو األصعب إذ جعل شرطاً ألحقية بمراجعة زوجته ٍ
بعقد
للزوج في مراجعة زوجته أن تنكح من زوج آخر .لقد كان هذا التشديد حكمة ربانية كي ال
()1
سورة النساء ،اآلية . 128
()2
سورة النساء ،اآلية . 35
()3
مصطفى ابراهيم الزلمي ،مدى سلطان اإلرادة في الطالق في الشرائع والقوانين واالعراف خالل أربعة
آالف سنة . 142 :
()4
السيوطي ،األشباه والنظائر . 7 :
()5
الطبرسي ،مكارم األخالق . 216 :
يكون الطالق سالحاً بيد الرجل يسهل استعماله ،بل عليه التريث والتفكير الطويل باستخدام
()1
. هذا الحق
ولم يجعل الشرع ،المرأةَ فريسةً سهلة للرجل ،بل أباح لها أن تطلب الطالق من
أن استمرار الحياة معه قد يوقعها في الفاحشة ،وهو ما يسمى بالمخلعة ،
زوجها إذا رأت ب ّ
كما أباح الشرع للقاضي أن يطلق الزوجة إذا غاب عنها زوجها لمدة طويلة دون أن تعرف
أن يسافر دون أن تعلم عنه أية معلومات لفترة طويلة ،أو أسي اًر أو مكان وجوده ،مثل
مختطفاً أو مفقوداً في حرب ،أو أن يكون الزوج قد ترك أسرته وزوجته هجراناً دون أي
اتفاق مسبق بينهما .
()1
مصطفى ابراهيم الزلمي ،مدى سلطان اإلرادة في الطالق في الشرائع والقوانين واالعراف خالل أربعة
آالف سنة . 142 :
()2
علي حسب اهلل ،عيون المسائل الشرعية في االحوال الشخصية . 143 :
-2مستحب للضرر :ويكون مستحباً إذا كان استم ارر الرابطة الزوجية سيلحق ضر اًر
بالزوجة ،فيستحب وقوع الطالق إلزالة أثر الضرر .
-3حرام :إذا كان الطالق خالل فترة حيض المرأة ،ويعتبر طالقاً بدعياً .
لح أو مقنع .
-4مكروهاً :إذا كان دون وجود سبب ُم ّ
-5واجباً :في حال اتفق أهل الزوجين على وجوب وقوع الطالق لعدم امكانية إصالح
()1
. الرابطة الزوجية بينهما
()1
علي حسب اهلل ،عيون المسائل الشرعية في االحوال الشخصية . 144 :
المبحث الثاني
صور الطالق التعسفي وموقف القانون والشريعة منه
إن قانون األحوال الشخصية قد اكتفى بذكر بعض المعايير التي يمكن اللجوء إليها ّ
وبناء على ذلك ال يمكن تحديد
ً لمعرفة إذا كان الطالق قد استعمل بتعسف من الزوج أم ال ،
ألن هناك صعوبة في التحديد ،واّنما يتم
صور الطالق التعسفي على سبيل الحصر ؛ ّ
تحديدها على سبيل المثال .
أما موقف قانون االحوال الشخصية من الطالق التعسفي ،فهو أن الزوج الذي يطلق
ّ
زوجته دون سبب ،فإنه يعتبر في هذه الحالة متعسفاً في الطالق ؛ لذلك يوجب قانون
االحوال الشخصية على الزوج التعويض .
أما موقف الشريعة االسالمية من الطالق التعسفي ،فالمعنى الشرعي للطالق هو ّ
انفصال الزوجين عن بعضهما ،وان كلمة الطالق أو الفراق ينطق بها الرجل العاقل أمام
أو بغيابها أو أمام القاضي ؛ لذلك حرص االسالم على استمرر الحياة زوجته
()1
. الزوجية وعلى حماية حقوق الزوجين
()1
عبد الرحمن الصابوني ،مدى حرية الزوجين في الطالق في الشريعة االسالمية . 99 :
المطلب األول
صور الطالق التعسفي
()1
األستاذ أحمد العيسوي ،نظرية التعسف في استعمال الحق في الفقه االسالمي . 116 :
()2
المعدل :المادة . 39
ّ قانون األحوال الشخصية العراقي رقم 188لسنة 1959
من أسباب الطالق حاجة نفسية ،وقد تكون مما يجب ستره ،وهي في كل األحوال
رد
أو أكثرها ال يجوز أن تعرض أمام القضاء ويتنازعها الخصوم فيما بينهم .وقد ّ
بعض الفقهاء على ذلك بقولهم أن الخشية من إذاعة أسرار الناس والتي من أجلها
أما القول أن من
يمتنع القضاء من نظرها ليست أولى مما أبيح الطالق من أجله ،و ّ
أسباب الطالق ما تكون نفسية ،ومن المصلحة أن ال يعاشر المرء شخصاً ال
()1
. ينسجم معه ،فإن هذا يعود إلى ضمير الزوج ،ال سلطة للقضاء عليه
والتعسف ال ينحصر على طالق الزوج لزوجته دون سبب معقول ،بل إن
طالق الزوج لزوجته بسبب خارج عن إ رادتها كأن تكون عقيمة يعتبر تعسفاً سواء
كان يعلم بأنها عقيمة قبل الزواج أم ال يعلم ،وقد ذهبت محكمة التمييز االتحادية في
قرار لها ( وجد بأن القرار غير صحيح ومخالف للقانون ،وذلك ألن المدعى عليه
هو الذي أقام الدعوى المرقمة /2779ش 2007/للتفريق قبل الدخول ،ثم طلب
إيقاع الطالق أمام المحكمة ،وفعالً أوقع الطالق رغم نصح المحكمة بالعدول عنه
مما يجعله متعسفاً في إيقاعه دون سبب ،لذا قرر نقض الحكم المميز واعادة الدعوى
()2
. إلى محكمتها للسير وفق ما تقدم )
وفي قرار آخر لمحكمة التمييز االتحادية جاء فيه ( إن موافقة الزوجة المدعى
عليها على الطالق ال يغير من األمر شيئاً ألن الطالق بيد الزوج وبذلك استحقت
التعويض ،وكان على المحكمة إجراء تحقيقاتها على ضوء أحكام المادة 3/39من
قانون األحوال الشخصية واصدار القرار القانوني على ضوء ما يتراءى لها بالنتيجة )
()1
.
()1
عبد الرحمن الصابوني ،مدى حرية الزوجين في الطالق في الشريعة االسالمية . 98 :
()2
قرار محكمة التمييز االتحادية المرقم / 3183شخصية أولى / 2007في ، 2010/7/22منشور
في مجموعة المحامي دريد سلمان الجنابي ،ص . 145
()1
قرار محكمة التمييز االتحادية المرقم / 2686شخصية أولى / 2003في ( 2003/11/6قرار
غير منشور ) .
ب -طالق المرتد :المرتد َمن كان مسلماً عاقالً بالغاً ،ثم رجع وارتد عنه ،واالرتداد
ْح ار ِام
الش ْه ِر ال ا
()2
أفحش وأفظع الكفر على اإلطالق .قال تعالى ﴿ :يا ْسأالُونا ا
ك اع ِن َّ
يل اللَّ ِه وُك ْفر بِ ِه والْمس ِج ِد الْحر ِام وإِ ْخر ِ ِ
اج أ ْاهل ِه م ْنهُ
اا ا ا ُ ا ٌ ا اْ ص ٌّد اعن اسبِ ِ ال فِ ِيه قُل قِتا ٌ ِ ِ
ال فيه اكبِ ٌير او ا ْ
قِتا ٍ
أا ْكبا ُر ِعن اد اللَّ ِه اوال ِْف ْت ناةُ أا ْكبا ُر ِم ان الْ اق ْت ِل اواَل يا ازالُو ان يُ اقاتِلُونا ُك ْم احت ٰ
َّى يا ُردُّوُك ْم اعن ِدينِ ُك ْم إِ ِن
ت أا ْع امال ُُه ْم فِي ُّ
الدنْ ياا ك احبِطا ْ ت او ُه او اكافِ ٌر فاأُولاٰئِ ا استاطااعُوا اوامن يا ْرتا ِد ْد ِمن ُك ْم اعن ِدينِ ِه فا يا ُم ْ ْ
ِ ِ او ْاَل ِخ ارةِ اوأُولاٰئِ ا
()3
تد الزوج بانت زوجته منه يها اخال ُدو ان ﴾ .واذا ار ّ اب النَّا ِر ُه ْم ف ا اص اح ُ كأْ
وال ترثه ألن اتحاد الدين شرط من شروط الميراث ،وهذا هو األصل ،إال أن
الفقهاء ألحقوا المرتد بحكم المريض مرض الموت ،واعتبروه فا اًر من توريث زوجته ،
فيرد عليه قصده ،حيث نص الفقهاء على أن المرتد ترثه امرأته المسلمة إذا مات أو
()4
. العدة
قتل على ردته وهي في ّ
ك في
ولم يبين قانون األحوال الشخصية صراحة موقفه من طالق المرتد ،وال ش ّ
أنه تابع ألحكام الشريعة االسالمية ،حيث أن المادة األولى من قانون األحوال
الشخصية العراقي رقم 188لسنة ، 1959وفي الفقرة 2 /جاء فيها ( إذا لم يوجد
نص تشريعي يمكن تطبيقه فيحكم بمقتضى مبادئ الشريعة االسالمية األكثر مالئمة
لنصوص هذا القانون .
ت -طالق الغضبان :من صور التعسف في الطالق هو أن يطلق الرجل زوجته وهو
في حالة غضب ،فللعلماء نظر في طالقه ،وكما يلي :
ذهب جماهير أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة إلى وقوع طالق الغضبان ،فقد
قال الدسوقي المالكي ( يلزم طالق الغضبان ولو اشتد غضبه ،خالفاً لبعضهم ،وبمثله
قال الصاوي .
وقال في فتح المعين من كتب الشافعية ( واتفقوا على وقوع طالق الغضبان ،وان
ادعى زوال شعوره بالغضب ) . ّ
وقال في إعانة الطالبين ( واتفقوا على وقوع طالق الغضبان ) .
()2
محمد جواد مغنية ،فقه االمام جعفر الصادق . 297 :
()3
سورة البقرة ،اآلية . 217
()4
العالمة الشيخ عبد الكريم الحلي ،األحكام الجعفرية في األحوال الشخصية .104 :
وقد سئل الشمس الرملي عن الحلف بالطالق حالة الغضب الشديد المخرج عن
االشعار :هل يقع الطالق أم ال ؟ وهل يصدق الحالف في دعواه شدة الغضب وعدم
االشعار ؟
فأجاب :بأنه ال اعتبار بالغضب فيها .نعم ،إذا كان زائل العقل ُع ِذر .
وقال في مطلب أولي النعمى من كتب الحنابلة ،ويقع الطالق معن غضب ولم يزل
عقله بالكلية .وقال ابن رجب في شرح االربعين النووية :ما يقع من الغضبان من طالق
أو يمين ،فإنه يؤاخذ بذلك كله بغير خالف ،ثم ذكر أن ابن القيم من الحنابلة وعتاق
()1
. مال الى القول بعدم وقوع طالق الغضبان
كما أفتى العالّمة محمد بن اسماعيل العمراني ،بمثل ما أفتى به الجماهير من أهل
تقدم وكان يقول دائماً ،كلما جاءه هذا السؤال :االنسان ال يطلّق دائماً إالّ في
العلم كما ّ
حالة الغضب ،ولم نسمع يوماً أن أحداً طلّق امرأته وهو يضحك ،أو أنه طلقها في حالة
()2
. الفرح والمرح معها ( وهو يرقص معها ) ،فالطالق غالباً ما يقع في حالة غضب
ومن األدلة على وقوع طالق الغضبان :
في وفي أوس بن صامت حديث خولة بنت ثعلبة ( امرأة أوس بن الصامت ) ،قالت :واهلل ّ
عز وج ّل – صدر سورة المجادلة .قالت كنت عنده وكان شيخاً كبي اًر ،وقد ساء
أنزل اهلل – ّ
بشيء فغضب ،فقال :أنت علي كظهر ٍ علي يوماً فراجعته
خلقه وضجر .قالت فدخل ّ
أخي ،وفيه أمره صلى اهلل عليه وآله وسلّم ( بعتق رقبة ،ثم صيام شهرين متتابعين ،ثم
()1
. بإطعام ستين مسكيناً )
أما قانون األحوال الشخصية العراقي ،فقد جاء في المادة الخامسة والثالثون منه ( :ال
ّ
يقع طالق األشخاص اآلتي بيانهم :السكران والمجنون والمعتوه والمكروه ومن كان فاقد
التمييز ومن غضب أو مصيبة مفاجئة أو كبر أو مرض .المريض في مرض الموت أو في
حالة يغلب فيها الهالك ،إذا مات في ذلك المرض أو تلك الحالة ورثته زوجته .
()1
مصطفى ابراهيم الزلمي ،مدى سلطان اإلرادة في الطالق . 123 :
()2
علي الخفيف ،فرق الزواج في المذاهب االسالمية . 508 :
()1
العاملي ،الشهيد محمد جمال الدين مكي ،الروضة البهية . 396 :
وعلى الرغم من اختالف آراء الفقهاء في حكم طالق الغضبان ،فإن القيم الجوزية قال
()2
.
أن طالق الغضبان ال يقع
ب ّ
وكذلك أخذ بهذا الرأي قانون األحوال الشخصية العراقي في المادة الخامسة والثالثين
منه .
()2
د .مصطفى ابراهيم الزلمي ،مدى سلطان اإلرادة في الطالق . 123 :
()1
العاملي ،الشهيد محمد جمال الدين مكي ،الروضة البهية . 397-396 :بموجب القرار 807في
، 1973/7/25أصدر القانون رقم 77لسنة 1983وتعديالته ،وهو حق الزوجة بالسكن في الدار أو
الشقة التي كانت تسكنها .
()2
الدمشقي ،محمد بن عبد الرحمن ،رحمة األمة في اختالف األئمة . 228 :
()3
نفس المصدر السابق .
وقد جاء في تعريفه ( :وهو الطالق مع التيام االخالق ،أي :أخالق الزوجين ،فإنه
()4
. ما من شيء مما أحله اهلل تعالى أبغض إليه من الطالق وذلك حيث ال موجب له )
()5
. وداللة الحديث النبوي الشريف ( :إن أبغض الحالل عند اهلل الطالق )
وقد ذكر الشيخ الطبرسي عن أبي جعفر ( ع ) أنه قال :قال رسول اهلل ( ص ) :
()6
. ( أوصاني جبريل ( ع ) بالمرأة حتى ظننت أنه ال ينبغي طالقها إالّ من فاحشة ّبينة )
يحرم الطالق رغم مبغوضيته ،وذلك ليس ألجل وفي القول بكراهيته حكمة وعدالة ،لم ّ
المرأة بحيث لو رضيت أو أرضيت هي وأهلها لما كان مبغوضاً رغم أنه قد يؤدي إلى
أضرار جسيمة على المرأة ،من فقدانها للمعيل ،بعد أن كانت نفقتها على زوجها ،
وأ صبحت فرصة زواجها مرة أخرى ضئيلة ،وقد تعاني من آثار نفسية قد تنقلب إلى آثار
سلوكية ،باالضافة إلى النظرة االجتماعية المجحفة في حق المطلقة .إال أن الطالق يبقى
كالنكاح في أن أساس كل منهما العالقة االنسانية ،فإذا كره أحدهما اآلخر ،وعزفا عن
()1
. االستمرار ،فلهما أن ينفصال حيث يصعب التعايش
فعلى الرغم من أن روايات الطالق وان شملت على أدوات النهي ،لكن لم يقل أحد من
الفقهاء بحرمته إالّ فيما ذكرنا نظ اًر إلى أن النهي في غير العبادة ال يفسده المعاملة ،ولكن
()2
. مرتكب النهي يأثم
()4
السيوطي ،االشباه والنظائر . 7 :
()5
العاملي ،الروضة البهية . 397-396 :
()6
الطبرسي ،مكارم االخالق . 216 :
()1
العاملي ،الشهيد محمد جمال الدين مكي ،الروضة البهية . 383 :
()2
المصدر نفسه . 384 :
المطلب الثاني
موقف قانون األحوال الشخصية العراقي والشريعة اإلسالمية من الطالق التعسفي
()1
د .أحمد الكبيسي ،االحوال الشخصية في الفقه والقضاء والقانون ،الزواج والطالق . 161/ 1 :
()2
القانون رقم 51لسنة 1985قانون تعديل قانون االحوال الشخصية العراقي المرقم 188لسنة
. 1959
حماية الزوجة التي أصابها الضرر وتعويضها عن ذلك باعتبار أن حق الطالق يخضع
إلشراف القضاء .
وقد أورد القانون المذكور حالة التعسف في استعمال حق الطالق ،حيث جاء في
المادة ( ) 3/39منه ( :إذا طلّق الزوج زوجته وتبين للمحكمة أن الزوج متعسف في
طالقها وأن الزوجة أصابها ضرر من جراء ذلك ،تحكم المحكمة بطلب منها على مطلقها
بتعويض بتناسب وحالته المادية ودرجة تعسف يقدر جملة على أن ال يتجاوز نفقتها لمدة
سنتين عالوة على حقوقها الثابتة األخرى .
المشرع العراقي وضع بعض الضوابط والمعايير لتحديد
ّ ويظهر من هذا النص أن
ناء
حالة التعسف وحسب سلطة المحكمة التقديرية ،ومن خالل وقائع الدعوى المنظورة وب ً
على طلب الزوجة المطلقة التي أصابها الضرر بسبب الطالق .
()1
بهذه الفكرة من حيث التعسف والتعويض ،ووضعت وأخذت بعض القوانين العربية
حكماً لها على مطلقها بالتعويض الذي يراه مناسباً بشرط أن ال يتجاوز نفقتها على سنة ،
ويدفع هذا التعويض جملة أو تقسيطاً حسب مقتضى الحال ،ويراعى في ذلك الزوج يس اًر
وعس اًر ،وال يؤثر ذلك على الحقوق الزوجية األخرى للمطلقة بما فيها النفقة .
بد من االشارة إلى بعض األسس والمعايير المتفق عليها والدالة على التعسف
وال ّ
والمدى الذي بموجبه تستحق المطلقة التعويض ،وأغلب هذه المعايير متفق عليها بين
عدا بعض االختالفات البسيطة في تحديد مقدار التعويض الذي تستحقه البلدان العربية
()2
،نذكر منها :مشروع قانون االحوال الشخصية العربي المطلقة وكيفية تقديره وتسديده
الموحد ،وقد أخذ بفكرة الطالق التعسفي ،حيث نصت المادة ( / 97ب ) منه على أن :
إذا تعسف المطلِّق في استعمال حقه في الطالق ، ( للمطلقة حق طلب التعويض
ويقدره القاضي بما ال يزيد على نفقة ثالث سنين ) ،وجاء في الفقرة ( أ ) من المادة ذاتها
أنه ( :تستحق المطلقة المدخول بها المتعة حسب يسر المطلِّق وحال المطلَّقة ) .
()1
القاضي عبد القادر ابراهيم علي ،تفسير آيات األحكام من القرآن الكريم المتعلقة بعمل القضاء :
. 27-26
()2
الشاطبي ،ابراهيم بن موسى النخمي ،الموافقات في أصول الشريعة . 265 :
والمتفق عليه هو أن القانون العراقي والسوري واألردني ،جاءت نصوصها مطابقة
بالنسبة لمعايير الطالق التعسفي ،سواء كان الطالق قبل الدخول أم بعده ،وهذا هو مذهب
ات متاعٌ بِالْمعر ِ ِ
الظاهرية والذين استندوا على عمومية اآلية الكريمة ﴿ اولل ُْمطالَّ اق ِ ا ا
()1
وف اح اقا اعلاىا ُْ
ين ﴾ ( ، )2بينما القانون المصري ومشروع قانون االحوال الشخصية العربي الموحد ِ
ال ُْمتَّق ا
نص عل ى حالة طالق الزوجة المدخول بها فقط ،حيث يعتبر الطالق تعسفي ،أما غير
المدخول بها فال يعتبر مطلقها متعسفاً وان توافرت الشروط الالزمة له .
ونرى أن ما ت بناه القانون العراقي والقوانين العربية المشابهة ،هو الراجح ؛ ألنه قد
تصاب الزوجة المطلقة غير المدخول بها بالضرر نفسه الذي تصاب المطلقة المدخول بها
،وقد يكون ضر اًر مادياً أو أدبياً مؤثر على سمعة وشرف الزوجة التي تطق قبل الدخول بها
دون سبب مقنع مما سيؤدي إلى تشويه سمعنها ،فالضرر الذي يصيبها ال يختلف عن
الضرر الذي يصيب المطلقة المدخول بها ،بل قد يكون أشد منه في بعض األحيان .
أما بالنسبة للشروط والمعايير ،فإن القانون العراقي لم يختلف عن القوانين العربية
ّ
األخرى خصوصاً فيما يتعلق بوقوع الطالق دون سبب أو دون تقصير من الزوجة ،وأن ال
جراء الطالق .
يكون بطلبها أو رضاها وأال يصيبها ضرر من ّ
()1
قرار تمييزي /652شخصية 1992 /في ( 1992/3/9غير منشور ) .وكذلك قراري محكمة
األحوال الشخصية في الكاظمية المرقمين 150و 904في 1994/3/9و 1995/3/14على التوالي
( غير منشورين ) .
()2
سورة البقرة ،اآلية . 241
ومعنى الكناية :كل لفظ احتمل الطالق مثل ( الحقي بأهلك ) ،وطريقة النطق بهذه
األلفاظ هي أن ينطق بها الرجل العاقل أمام زوجته أو بغيابها أو أمام القاضي .
ولقد حرص االسالم على حماية حقوق الزوجين ،وحرص على استمرار الحياة الزوجية
بينهما ؛ ألن أصل الزواج قائم على االستمرار ،إالّ أنه قد يحصل بعض األحيان أن تصبح
الحياة بين الزوجين مستحيلة ،وأن يستنفذوا كل سبل العيش المشترك ،فيصبح الطالق
مصلحة تنعكس على أفراد األسرة ،ويجب على المسلم أن ال يلجأ إليه إالّ في حالة
استعصاء المصالحة واستحالتها ،ولصبر الزوج على زوجته أو العكس أج اًر كبي اًر .
لما كان سوء النية والتحايل لتحصيل المفاسد واألضرار
فالجزاء الشرعي للتعسف هو ّ ،
،هما أكثر أسباب التعسف ؛ لذا وجب على القاضي أن تكون له خبرة واسعة بقرائن
()1
. االحوال وفقه نافذ بأحوال الناس االجتماعية
وبما أن األصل في جزاء التعسف – باعتباره نية باطنة – فمن الصحيح وضع حكماً
دنيوياً عليه بواسطة القضاء على السرائر التي ال يعلمها إالّ اهلل ؛ لذلك فجزاؤه هو جزاء
أخروي الرتباطه بالمقاصد واألغ ارض التي يصعب الوقوف عليها واثباتها ،وذلك يتطلب
توجه النفوس إلى ضرورة العمل بأحكام الدين واتباع أوامر اهلل تعالى ،واجتناب نواهيه ،لما
()2
.
السر والعلن وااللتزام بما أمر
يتولد عنها من مراقبة اهلل في ّ
وقد يشكل على أن الضرر المعنوي ليس ماالً ،فال يمكن تعويضه بمال ،وأنه يتعذر
كالدية ،ومهر المثل ،وبدل
ّ وزن قيمته ،لكن الشريعة جاءت بتعويض ما ليس بمال :
الخلع ( ، )3وعليه فال مانع من تقدير الضرر المعنوي والتعويض عنه كما سبق ،وان ذكرنا
ألن أغلبها يعود إلى أمور نفسية ،وهذا
ان مجاالت التعسف أمور غير واضحة للعيان ؛ ّ
يؤدي إلى صعوبة تحديد الضابط في معرفة التعسف ،كمعيار يهتدي به القاضي ،ولكن
()1
: يمكن أن نذكر بعض المعايير للتعسف والتي يمكن االستهداء بها
أ -أن يتصرف الزوج تصرفاً مباحاً أو مكروهاً أو مندوباً ،لكنه يقصد به االضرار
أو بأهلها ،كمن تزوج إض ار اًر بزوجته األولى وترك زوجته االولى كالمعلقة بزوجته
()1
القدومي ،عبير شاكر ،التعسف في استعمال الحق في االحوال الشخصية . 173 :
()2
األستاذ أحمد العيسوي ،نظرية التعسف في استعمال الحق في الفقه االسالمي . 116 :
()3
أبو سنة ،د .أحمد فهمي ،النظريات العامة للمعامالت . 101-100 :
()1
أبو سنة ،د .أحمد فهمي ،النظريات العامة للمعامالت . 101 :
،فالعنوان األولي في مثل هذه الصورة هو الجواز ،إالّ أنها حصلت ألغرض
االضرار ،وجزاء هذا النمط من التعسف بعد ثبوت إرادة الفراق ،هو استخدام الحق
ان يردعه القاضي ( من خالل بعض القرائن المقدمة ) باالضافة إلى العقاب
والمؤاخذة عند اهلل تعالى .
ب -أن يقصد تحقيق مصلحة مشروعة أو رفع الضرر عن نفسه ،إال أن ذلك ينتج عنه
ضر اًر أعظم من المصلحة المجلوبة أو الضرر المدفوع كاالحتكار وهو أيضاً كمن
طلّق زوجته لرغبة زوجة أخرى فله مصلحة ،ولكن ينتج عنها ضرر بالغير .
ت -أن يستعمل حقه بما لم يتعارف عليه بين الناس ،كمن سقى زرعه بشكل غير
معتاد فأتلف زرع جاره ،وهو بذلك قد أثم وعليه الضمان .
ث -فيمن أوقع نفسه في موضوع يترتب على عدم احتراسه اض ار اًر قطعاً ،وهو كمن
أراد أن يصيد طي اًر فطاش سهمه وأصاب إنساناً ،أو من استعمل في الدفاع الشرعي
()2
. ال تدعو إليه الضرورة سالحاً
والسبب في ذلك يعود إلى أن مآالت االفعال معتبرة في الشريعة للحكم على االفعال
جواز أو حرمة بحسب النص أو المال فبيع السالح جائز ،لكنه إذا بيع إلى أهل الفتنة
انقلب حراماً ،والكذب لوحده حرام ،لكنه لو استخدم الصالح ذات البين صار جائ اًز ،
تحول لحرمة القصد
والطالق لوحده مباح أو مكروه ،لكنه إذا كان تحت قصد االضرار ّ ،
،ال سيما إذا كان قصده غير مشروع ،كما لو طلب من زوجته أم اًر محرماً فلم تجبه
فطلّقها ،أو طلقها في ظرف يشتبه الناس أنه طلقها لمس في عفّتها ،فهذا كله مع القصد
ال يخلو من حكم التحريم .
وترتكز فكرة تحريم التعسف على الخطأ التقصيري مما كان الفقهاء يطلقون عليه
التعدي والتفريط ،لكنه في مجال الطالق التعسفي يكون التعدي أو التفريط مما يسبب
()1
. أض ار اًر معنوية
وعليه ومما ذكرناه أن :
()2
السلمي ،عز الدين بن عبد السالم ،قواعد االحكام في مصالح االنام . 12 :
()1
الشاطبي ،ابراهيم بن موسى النخمي ،الموافقات في أصول الشريعة . 266 :
-1المعيار االول /مبني على حرمة قصد الضرر ويكشف التعسف من خالل مالحظة
االضرار غير االعتيادية الناتجة عن الطالق التعسفي .
المضرة الحاصلة للمطلقة .
ّ -2المعيار الثاني /لعدم الموازنة بين مصلحة الزوجة و
-3المعيار الثالث /مبني على مخالفة عرف العقالء .
-4المعيار الرابع /مبني على عدم االحتراس فيما يجب مراعاته .
ومع ذلك نرى أن المعايير المذكورة مبنية على أساس فلسفي ،وهو أن حق الفرد
( الحق الشخصي ) في الشريعة ال يمكن أن يكون حقاً خاصاً محضاً ،وانما للمجتمع حصة
()2
. في حقوقه ويلزمه مراعاته ،ولكن ال يلحق الخصوص مضرة ال تنجبر
ونلحظ من أنواع الجزاء المختلفة على إساءة الشخص استعمال حقه ،نلحظ محاولة
االسالم الدائمة لدفع الشخص للتصرف في إطار حقه الموضوعي ،جلباً للمصلحة دون
وال مجاوزة ،وأن الجزاء الدنيوي مع تنوعه ،قد ال يردع ما لم يكن الرادع الجزاء إساءة
عز وج ّل ،وهي الميزة التي تميزت بها القوانين االسالمية على القوانين
األخروي ومراقبة اهلل ّ
الوضعية .
واذا اجتمعت مصالح ومفاسد :فإن أمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد فعلنا ذلك ،
وان تعذر الدرء والتحصيل :إن كانت المفسدة أعظم من المصلحة درأنا المفسدة وال نبالي
()3
. بفوات المصلحة
وقد يصار إلى الحكم بالتعويض عند العجز عن إزالة الضرر ،تبعاً لتحقيق ربط
الضرر بالنوايا بواسطة األدلة الكافية ( ألن االصل في الضمان أو التعويض المالي في
الشريعة االسالمية أنه لجبر الضرر وليس للعقوبة ،وما يسببه الطالق التعسفي ليس
األضرار المادية فحسب ،ألن الضرر المعنوي الذي يتركه الطالق مما ال يمكن جبره مهما
()1
. كان التعويض
()2
نفس المصدر السابق . 38 :
()3
القدومي ،التعسف في استعمال الحق . 173 :
()1
السنهوري ،عبد الرزاق ،الوسيط في شرح القانون المدني الجديد . 51 :
الخاتمـة
استنتجنا من البحث بأن :
الطالق :هو تفريق بين زوجين اتفقا على العيش المشترك مدى الحياة بموجب عقد
نكاح شرعي ،وهو من أبغض الحالل عند اهلل .
إن الطالق التعسفي هو أن يقدم الرجل على إنهاء عقد النكاح بينه وبين زوجته دون
أسباب موجبة لذلك فيقع على الزوجة ضرر كبير .
وتقره كوسيلة لحسم الخالف بين
الشريعة االسالمية تكره الطالق ولكنها تعترف به ّ
زوجين لم يعد باالمكان االستمرار على حياتهما الزوجية .
ألن هناك صعوبة في
ال يمكن تحديد صور الطالق التعسفي على سبيل الحصر ؛ ّ
التحديد تكمن في اختالف األعراف والتقاليد االجتماعية من مكان آلخر ،ومن زمان
آلخر .
من صور الطالق التعسفي على سبيل المثال :الطالق دون سبب معقول ،وطالق
المرتد ،طالق الغضبان .
رتّب قانون األحوال الشخصية أث اًر على هذا التعسف ،وهو استحقاق التعويض ،
ولكن بعد أن تتوفر شروط حددها القانون العتبار الطالق وقع متعسفاً من الزوج ،
مسوغ أو ضرورة ،
وهذه الشروط هي :أن يقع الطالق من قبل الزوج من دون سبب ّ
وأن ال يكون وقوعه بسبب سوء تصرف الزوجة ،وأن تصاب الزوجة بضرر من
جراء هذا الطالق .
ّ
جاء القانون رقم 51لسنة 1985قانون تعديل قانون االحوال الشخصية ،أن
األسباب الموجبة لتشريعه هي حماية للزوجة المطلقة من تعسف زوجها في إيقاع
الطالق .
المشرع العراقي بعض الضوابط والمعايير لتحديد حالة التعسف وحسب سلطة
ّ وضع
المحكمة التقديرية :المعيار االول ،مبني على حرمة قصد الضرر ويكشف التعسف
من خالل مالحظة االضرار غير االعتيادية الناتجة عن الطالق التعسفي ،المعيار
المضرة الحاصلة للمطلقة ،والمعيار
ّ الثاني ،فلعدم الموازنة بين مصلحة الزوجة و
مبني على مخالفة عرف العقالء ،بينما المعيار الرابع مبني على الثالث ،
يجب مراعاته . عدم االحتراس فيما
المصادر