Professional Documents
Culture Documents
المقطع الثاني النظام القانوني للمرفق العام
المقطع الثاني النظام القانوني للمرفق العام
تقديم المقطع:
إن خصوصية المرفق العام وارتباطه بالمصلحة العامة كهدف من جهة ،وتبعيته للسلطة
العمومية من جهة ثانية يجعل النظام القانوني الذي يفترض أن يخضع له المرفق العام نظاما خاصا
ومتميزا ،كما أن تنوع المرافق العامة يجعل من الصعب بناء نظام قانوني موحد يمكن تطبيقه على كل
المرافق في الدولة.
يميز فقهاء القانون اإلداري عند تحليل النظام القانوني للمرافق العامة بين المرافق العامة
تقليديا ّ
ذات الطابع اإلداري ،أي تلك المرافق العامة التقليدية التي تحمل فعال صفة المرفق العام والتي يشيع
لدى فقهاء القانون اإلداري وصفها بالمرافق العامة "الخالصة" ،وبين المرافق العامة ذات الطابع
الصناعي والتجاري ،ويمثل هذا التمييز أحد مظاهر تراجع نظرية المرفق العام بسبب التطورات التي
طرح
حصلت على إثر األزمة االقتصادية التي أدت إلى ظهور نوع جديد من المرافق العامة ،وقد ُ
التساؤل حول ما إذا كان يفترض أنها تخضع للقانون اإلداري.
إن المرافق العامة الخالصة هو تعبير ابتكره القضاء اإلداري في فرنسا ،وهو يقصد به المرافق
العامة ذات الطابع اإلداري ،أو المرافق العامة المرتبطة بالوظائف التقليدية للدولة ،وهذه المرافق
تخضع في نظامها للقانون اإلداري من حيث المبدأ مع االعتراف بوجود استثناءات عندما يتعلق األمر
باللجوء إلى أساليب القانون الخاص في تسيير هذه المرافق.
1
في الحاالت التي ينص فيها القانون صراح ًة على خالف ذلك.
بدأ القضاء اإلداري الفرنسي في وضع معايير للتمييز بين المرافق العامة ذات الطابع اإلداري
طابع الصناعي والتجاري سنوات العشرينيات من القرن الماضي ،حيث افترض
والمرافق العامة ذات ال ّ
بداية أن كل مرفق عام هو مرفق عام إداري ما لم يكن قابال للمقارنة بمؤسسة خاصة في النواحي
الثالثة :هدف المرفق ،ومصدر تمويله ونظام إدارته.
لكن وفي تطور الحق أصبح القاضي يقبل بوجود إمكانية أن يكون المرفق العام صناعياً
وتجارياً إذا كانت هذه الطبيعة محددة مباشرة بموجب نص تشريعي أو تنظيمي .وعلى الرغم من أن
وصف صراح ًة بعض المرافق كمرافق عامة ذات طابع صناعي وتجاري ،إال أنه استخدم المشرع
ّ
بخفة إلى حد ما ،عبارة "ذات طابع صناعي وتجاري" ،للتدليل في بعض الفرضيات على أحياناً،
مرافق ال تخضع لقواعد المحاسبة اإلدارية.
من حيث المبدأ ،فإن القانون المطبق على المرافق العامة الصناعية والتجارية هو القانون
الخاص ،ويتولى القاضي العادي النظر في منازعاتها ،وذلك بغض النظر عن الشخص الذي يدير
يطبق القانون اإلداري على
المرفق سواء أكان عاما أم خاصاً ،ولكن هناك استثناءات يمكن فيها أن ّ
هذه المرافق.
من الجدير بالذكر أنه يمكن أن تمارس هيئة هي نفسها نشاطات مرفق عام إداري ونشاطات
ذات طابع صناعي وتجاري ،وذلك بديهي بالنسبة للجماعات العامة للدولة (البلديات مثال) ،التي
تشكل نشاطاتها الصناعية والتجارية استثناء بالنسبة لنشاطاتها اإلدارية.
ّ
-2المبادئ التي تحكم سير المرفق العام
على الرغم من تنوع األنظمة القانونية التي تحكم المرافق العامة ،إال أن هناك مبادئ أساسية
استقر عليها القضاء اإلداري واستنبطها الفقه اإلداري يمكن اعتبارها مبادئ أساسية تحكم عمل المرافق
العامة بغض النظر عن طبيعتها أو طبيعة الحاجات العامة التي تسعى ألدائها.
➢ مبدأ المساواة
2
إن مبدأ مساواة المرتفقين أمام المرفق العام هو إحدى تطبيقات المبدأ الدستوري المتمثل في
المساواة بين األفراد .كما أن له طابع المبدأ العام للقانون حتى بدون نص ،ويعاقب على انتهاكه
بإعالن بطالن التصرفات التي خرقته سواء أتعّلق األمر بالمرافق العامة اإلدارية ،أو حتى تلك المرافق
طابع الصناعي والتجاري.
ذات ال ّ
غير أنه من المهم اإلشارة إلى أنه بالنسبة للمرافق ذات الطابع الصناعي والتجاري تحديدا ،فإنه
يمكن أن توضع بعض الشروط التمييزية التي تفرضها القواعد التجارية ،لكن المبدأ يظل أنه كل من
تطبق على المرتفقين المماثلين له.
يوجد في نفس الوضعية يجب أن يعامل بنفس القواعد التي ّ
والحقيقة أن لهذا المبدأ محتوى واسع جدا ،فهو يشمل المساواة بين المنتفعين في الحقوق
واألعباء التي تترتب على حصولهم على الخدمة ،فكل فرد وبمجرد أن تتوافر فيه شروط االستفادة من
يقدمها المرفق العام يحق له االستفادة من هذه الخدمة دون تمييز يمكن أن
الخدمة العمومية التي ّ
يستهدفه ،وال يمكن أن تختلف رسوم الخدمة ألي اعتبارات شخصية سوى تلك التي قد تتعّلق باختالف
وضعية المرتفقين تجاه المرفق أو ضرورات المصلحة العامة ،كما أنه يجب تنظيم المرفق بشكل
ٍ
متساو ودون تمييز. يسمح لكل المرتفقين بالنفاذ إليه بشكل
ويعتقد بعض الفقهاء أن مبدأ المساواة أمام الوظائف العامة هو إحدى تطبيقات المساواة أمام
المرافق العامة بحيث يتوجب أن يكون لكل أولئك الذين يرغبون في الوصول إلى الخدمة العامة إذا
طا معينة ،حقاً متساوياً في التنافس ،أي في الحصول على وظيفة عامة ،وهم يخضعون
استوفوا شرو ً
بناء على جدارتهم وحدها دون أي اعتبار
الختبارات يتم في نهايتها تصنيفهم بترتيب حسابي صارم ً
آخر.
كما ينجم عن مبدأ المساواة أمام المرفق العام مبدأ آخر ال يقل أهمية وهو ذلك الذي يتمثل في
مبدأ حياد المرفق ،والذي يفترض أن تطبق كل القواعد المتعلقة باالستفادة من الخدمة على الجميع
بغض النظر عن معتقداتهم أو عرقهم أو جنسهم ،وأال يتم اقصاء أي فرد أو مجموعة أفراد بسبب
معتقدهم أو عرقهم.
يعتبر مبدأ استم اررية المرافق العامة التطبيق اإلداري للمبدأ الدستوري المتمثل في استم اررية
3
الدستورية ،ويعتبر هذا المبدأ عنص ار جوهريا في نظرية المرفق العام التي
الدولة وانتظام مؤسساتها ّ
تذهب إلى أن الدولة كلها عبارة عن شبكة مرافق عامة ويجب أن تبقى مستمرة.
ولضمان استمرار المرفق العام فإن هناك العديد من المبادئ والقواعد التي يمكن استخالصها
من القانون ومن اجتهادات القضاء اإلداري والتي تحكم عمل المرفق ّ
وتقيد أعوانه بحيث ال يتعطل
سير المرفق ومن هذه المبادئ مثال:
على الرغم من أن اإلضراب يعد حقا للموظف عموماً ،إال أن القانون يقيده بمجموعة قيود
تهدف أساسا إلى ضمان عدم انقطاع الخدمة ،بل إن هناك من المرافق ذات األهمية الحيوية التي
مرفق عامة يتوجب فيها
يمنع فيها اإلضراب أصال كمرفق القضاء ،أو مرفق الدفاع ،كما أن هناك ا
ضمان الحد األدنى من الخدمة كمرافق الصحة.
ينظم قانون الوظيفة العامة استقالة الموظفين ويقيدها بإجراءات خاصة تضمن عدم شغور
المنصب بما قد يؤدي إلى انقطاع أداء المرفق لخدماته أو تذبذبها ،ومن بين اإلجراءات والقواعد مثال
عدم نفاذ أثر االستقالة إال بعد موافقة السلطة اإلدارية المؤهلة ،أو بعد سكوتها عن الرد على االستقالة
التي تعد نافذة بعد فوات هذه الفترة.
أقر القضاء اإلداري في فرنسا صالحية األعمال والتصرفات التي تصدر من الشخص الغريب
عن المرفق الذي يتولى في ظل ظروف معينة بعض الصالحيات المرتبطة بتسيير المرفق وضمان
استم ارره ،رغم أن هذه التصرفات يفترض أنها معيبة بعدم االختصاص ،وهكذا فإن الموظف الفعلي
يحل محل الموظف القانوني وتكون أعماله سليمة ولكن بتوافر شرطين أساسين :يتعّلق األول بحسن
نية الموظف الفعلي ومعقولية تدخله في ضمان استمرار المرفق ،والثاني أن يكون عمل الموظف
الفعلي قد اتخذ وفق األشكال والشروط القانونية وفي حدود االختصاص الممنوح ألعوان المرفق.
4
تكيف المرفق العام
➢ مبدأ ّ
يعني مبدأ قابلية المرفق العام للتكيف أن يكون نظام المرفق وقواعد عمله قابلة دائما للتغير بما
يتطلبه تطور حاجات المجتمع وتغير مظاهر المصلحة العامة عبر الزمن ،وذلك لتحقيق أكبر قدر
من الفعالية والجودة في أداء الخدمات العامة ،ومواكبة التطورات التقنية والتكنولوجية وتسخيرها في
مجال الخدمة العمومية.
يتعّلق إذن هذا المبدأ بتغيير واقعي يمكن أن يؤدي إلى تغيير قانوني أو إداري في قواعد عمل
المرفق أو أساليب إدارته ،وعلى الرغم من أهمية هذا المبدأ ،إال أنه ال ينص عليه المشرع صراح ًة،
للتغير أمر طبيعي ،إذ أن المصلحة العامة هي سبب وجود المرفق العام،
إن قابلية المرفق العام ّ
وبمجرد أن تتغير هذه المصلحة ،تحت تأثير التطورات الداخلية أو الخارجية لها ،يجب على المرفق
فعال.
أن يتكيف مع هذه التعديالت بشكل صحيح أو ّ
ويتم فرض هذا المبدأ على المسؤولين عن المرفق بحيث يجب أن تأخذ التعديالت في المرفق
أيضا التكيف مع التغيرات في الظروفبعين االعتبار التطورات الواقعية والقانونية ،ويجب عليهم ً
ونظر ألن هذا التغيير يعد
ًا الواقعية التي من المحتمل أن تؤثر على خصائص المصلحة العامة،
قانونيا على اإلدارة ،فإنه ُيفرض بحكم الواقع على مستخدمي المرفق.
ً اما
التز ً
أيضا على أعوان المرفق ،الذين يجب عليهم االلتزام بالطبيعة القانونية
كما ينطبق هذا المبدأ ً
لوضعهم عندما يكونون موظفين حكوميين أو موظفين عموميين ،إذ ليس لديهم الحق المكتسب في
الحفاظ على وضعهم كما هو ،ويمكن أن يخضعوا النقل ،وتعديل نظم الترقية الوظيفية ،وإلغاء
محدد بقرار
الخدمات ،وتخفيض الرواتب ،وما إلى ذلك .وباختصار ،بما أن وضع هؤالء األعوان ّ
فردي أحادي الجانب وليس عقد فهو غير "قابل للتفاوض" .وبالمثل ،يجب على المستخدمين
والموظفين المتعاقدين في المرفق العام أن يتكيفوا أيضاً مع األساليب الجديدة لتنفيذه وتشغيله .ومن
هذا المبدأ تستمد اإلدارة على وجه الخصوص سلطتها في تعديل شروط العقد اإلداري من جانب واحد
عندما تتطلب الوظيفة العمومية المعنية ذلك.
5