You are on page 1of 4

‫المحاضرة الخامسة ‪ :‬أساس و نطاق تطبيق القانون اإلداري‬

‫عند تناول القانون اإلداري نقوم بالبحث عن أساسه لتحديد سبب تطبيق قواعده على األجهزة‬
‫اإلدارية و أنشطتها و ليس قواعد القانون المدني ‪ ،‬كما نبحث في معياره ال ذي به يتم تحديد‬
‫نطاق و مجال تطبيقه‪.‬‬
‫و نظرا لما يعرفه القانون اإلداري من تطورات سريعة في قواعده و أساسه و نطاق تطبيقه ‪،‬‬
‫فقد أخذ كل من الفقه و القضاء بعدة نظريات ل تحديد أساس و نطاق القانون اإلداري منها‪:‬‬

‫‪/1‬المعيار العضوي أو الشكلي‪:‬‬


‫نشأ هذا المعيار بصدور القانون رقم ‪ 24/16‬الصادر في أوت ‪ 1790‬القاضي بإستقالل‬
‫الوظيفة القضائية عن األعمال اإلدارية ‪ ،‬حيث بموجبه يكون العمل إداريا إذا صدر عن جهة‬
‫إدارية مثل الوزارة ‪ ،‬الوالية ‪ ،‬البلدية ‪ ،‬المؤسسة العمومية‪.‬‬
‫‪-‬تقديره ‪ :‬رغم تميز هذا المعيار بالبساطة و الوضوح في تحديد مجال تطبيق القانون‬
‫اإلداري ‪ ،‬إال أنه منتقد لتركيزه على الشكل الخارجي للعمل دون اإلهتمام بطبيعته ‪ ،‬كما أنه‬
‫غير دقيق لوجود أعمال إدارية تخضع للقضاء العادي و القانون المدني‪.‬‬

‫‪/2‬معيار الغاية أو الهدف‪:‬‬


‫حسبه تحدد طبيعة النشاط اإلداري إنطالقا من هدفه ‪ ،‬فإذا كان يهدف لتحقيق المصلحة العامة‬
‫فيعد عمال إداريا يفصل القضاء ا إلداري في منازعاته و تحكمه قواعد القانون اإلداري ‪ ،‬أما‬
‫إذا كان هدفه تحقيق مصلحة خاصة فال يعد عمال إداريا و يخضع للقانون و القضاء العادي‪.‬‬
‫‪-‬تقديره ‪ :‬بالرغم من موضوعية هذا المعيار إال أن الفقه اإلداري إنتقده لعدم دقته في تحديد‬
‫أساس و نطاق القانون اإلداري‪ ،‬بسب ب كون المصلحة العامة فكرة غامضة و مطاطة و مرنة‬
‫قابلة للتغيير تبعا للظروف الزمنية و المكانية‪.‬‬
‫‪/3‬معيار التمييز بين أعمال السلطة العامة و أعمال اإلدارة العادية ‪:‬‬
‫ظهر هذا المعيار في بداية القرن التاسع عشر ‪ ،‬حيث قسم أعمال اإلدارة إلى نوعين أعمال‬
‫السلطة العامة ‪ ،‬التي تصدرها اإلدارة إنطالقا من إمتيازاتها الخاصة بإصدار أوامر ملزمة‬
‫لألفراد ‪ ،‬و تخضع ألحكام القانون و القضاء اإلداري‪.‬‬
‫إضافة ألعمال اإلدارة العادية التي تصدرها بإعتبارها شخص عادي يبيع و يشتري و يؤجر‬
‫مثل األفراد و تخضع ألحكام القانون و القضاء العادي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪-‬تقديره ‪ :‬أعتبر هذا المعيار غير حاسم بسبب كونه بني على فكرة قانونية خاطئة ‪ ،‬تتمثل‬
‫في إزدواج الشخصية القانونية للدولة ‪ ،‬التي ليس لها إال شخصية قانونية واحدة‪.‬‬
‫‪ /4‬معيار السلطة العامة‪:‬‬
‫يعد أول معيار ظهر في الفقه الفرنسي لتحديد أساس القانون و حدود إختصاص القضاء‬
‫اإلداري ‪ ،‬أساسه تقسيم أعمال اإلدارة إلى صنفين األول أعمال السلطة العامة و الثاني أعمال‬
‫اإلدارة العامة العادية ‪ ،‬و هو معيار ظهر في أواسط القرن التاسع عشر حيث حظي بإهتمام‬
‫فقهاء ذلك القرن خاصة الفقيه إدوارد الفيريار و بارتملي ‪ ،‬اللذين حاوال جعل هذا المعيار‬
‫ن ظرية أساسية تفصل بين ما هو إداري و ما هو عادي‪.‬‬
‫حيث أن الدولة تتضمن أعمال تستند إلى فكرة السلطة العامة تجعل اإلدارة حينها تعمد إلى‬
‫إصدار أوامر وقرارات تدخل فيما يسمى بالقانون اإلداري و تخضع إلختصاص القضاء‬
‫اإلداري ‪ ،‬أما إذا كانت اإلدارة ال تعمل وفق السلطة العامة فحينها تتصرف مثل الفرد العادي‬
‫في معامالته العادية مثل اإليجار و البيع و تخضع حينها للقانون الخاص المدني و‬
‫إلختصاص القضاء العادي‪.‬‬
‫‪-‬تقديره ‪ :‬لم يكن هذا المعيار حاسما و كافيا ‪ ،‬إذ أن نشاطات اإلدارة العامة تمزج بين أعمال‬
‫السلطة العامة و اإلدارة العادية في نفس الوقت ‪ ،‬و حينها ال يمكن إعطاء وصف واحد محدد‬
‫لعمل اإلدارة ‪ ،‬مما يجعل مدرسة السلطة العامة تعجز على التفريق بين العملين‪.‬‬
‫و أعتبر هذا أكبر عجز لهذه المدرسة بالرغم ما حققته من نجاح كبير‪ ،‬و هو األمر الذي أدى‬
‫إلى ظهور فكرة المرفق العام‪.‬‬
‫‪/5‬معيار المرفق العام‪:‬‬
‫معيار مادي يرتكز على أعمال اإلدارة و نشاطها ‪ ،‬حيث يقصد بالمرفق العام كل مشروع‬
‫تديره الدولة بنفسها أو تحت إشرافها إلشباع الحاجات العامة بما تحقق المصلحة العامة‪.‬‬
‫و قد أعتبر هذا المعيار كأساس للقانون اإلداري و إلختصاص القضاء اإلداري بداية من‬
‫منتصف القرن التاسع عشر ‪ ،‬بحيث يرجع معظم الفقهاء مثل هوريو موريس فكرة المرفق‬
‫العام إلى قرار بالنكو الشهير الذي أصدرته محكمة التنازع الفرنسية بتاريخ ‪،1873/02/08‬‬
‫و التي حك م القضاء إزاءها بأن العمل يكون إداريا إذا إتصل بالمرفق العام‪ ،‬و يختص القضاء‬
‫اإلداري بالنظر و الفصل في منازعاته مطبقا في ذلك قواعده التي تختلف عن قواعد القانون‬
‫الخاص‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫و يعتبر الفقيه ليون ديجي مؤسس مدرسة المرفق العام التي بناها على أساس رفضه لفكرة‬
‫الشخصية المعنوية و فكرة السيادة و السلطة العامة ‪ ،‬فالدولة في نظره عبارة عن كتلة‬
‫ضخمة و مجموعة كبيرة من المرافق العامة ينشئها و يديرها و يقودها الحكام بإعتبارهم‬
‫عمال المرافق العامة و ذلك لتحقيق أهداف التضامن اإلجتماعي المختلفة‪.‬‬
‫أما عن طبيعة العالقة بين المر فق العام و القانون اإلداري عند أنصار هذه المدرسة ‪ ،‬هي‬
‫إعتبار فكرة المرفق العام حجر الزاوية في بناء نظرية القانون اإلداري و محوره ‪ ،‬حيث‬
‫هي األصل و األساس الوحيد الذي يبرر وجود قواعد القانون اإلداري غير المألوفة في نطاق‬
‫القانون الخاص‪ ،‬و هي وحدها المحددة لنطاق تطبيق القانون اإلداري و مجال إختصاص‬
‫القضاء اإلداري‪.‬‬
‫و رغم النجاح الذي القته هذه النظرية ‪ ،‬إال أنه في بعض الحاالت عند وجود المرفق العام‬
‫فالقاضي يحكم بالقانون العادي ‪ ،‬مما أدى إلى ظهور أزمة المرفق العام‪.‬‬
‫‪-‬أزمة المرفق العام‪ :‬على الرغم من الدور الذي لعبته فكرة المرفق العام في بناء و تأسيس‬
‫الق انون اإلداري ‪ ،‬إال أنها تأثرت بعوامل التطور التي أحدثت بها خلال ‪ ،‬بحيث أصبحت‬
‫عاجزة على أن تكون األساس الوحيد للقانون اإلداري ‪ ،‬فتحولت إلى فكرة مطاطة غير كافية‬
‫في تأسيس القانون اإلداري و تحديد نطاق تطبيقه و مجال إختصاصه اإلداري‪.‬‬
‫‪-‬أسباب األزمة‪- :‬تظافر عوامل التطور في الحياة العامة و اإلقتصادية و اإلجتماعية بسبب‬
‫تقدم الحياة و الحروب و ظهور الدولة المتدخلة و الدولة اإلشتراكية‪.‬‬
‫‪-‬إهتزاز األساس الفلسفي و اإليديولوجي الذي قامت عليه فكرة المرفق العام‪.‬‬
‫‪-‬التطور الذي أصاب نظرية المرفق العام ذاتها أدى إلى هدمها كأساس و معيار للقانون‬
‫اإلداري‪.‬‬
‫‪-‬مظاهر األزمة ‪ :‬تتجلى في الصور التالية‪:‬‬
‫‪ /1‬قصور فكرة المرفق العام و عجزها في أن تحتوي و تشمل كل موضوعات القانون‬
‫اإلداري ‪ /2‬تميزها بكونها فضفاضة شديدة اإلتساع ‪ ،‬بحيث أصبحت تشمل موضوعات و‬
‫أنشطة غي ر إدارية بطبيعتها مثل إدخال عقود اإلدارة العامة المدنية في نطاق تطبيق القانون‬
‫اإلداري ‪ ،‬و هو أمر غير منطقي و غير مقبول‪.‬‬
‫‪/3‬عدم مسايرة معيار المرفق العام لتطورات المجتمعات المعاصرة المجسدة في ظهور‬
‫المرافق اإلقتصادية الناتجة عن تدخل الدولة في المجال الصناعي و التجاري‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ /4‬غموض فكرة المرفق العام كأساس و معيار للقانون ‪ ،‬بسبب عدم تسليم الفقهاء بإخضاع‬
‫المرافق اإلقتصادية للقانون اإلداري ألنها مرافق تحكمها إجراءات تتسم بالسرعة و ليس‬
‫البطء و التعقيد كما في المرافق اإلدارية ‪ ،‬لذا يرى بعض الفقه أنه فكرة غامضة دون محتوى‬
‫أو مضمون يمكن اإلعتماد عليه في تأسيس القانون اإلداري و تحديد مجال تطبيقه‪.‬‬
‫‪-‬تقديره ‪ :‬لقد هدمت فكرة المرفق العام من قبل األزمة التي أصابتها و جعلتها عاجزة على أن‬
‫تكون المعيار السليم الوحيد الكافي لتحديد نطاق القانون اإلداري و مجال إختصاص القضاء‬
‫اإلداري‪.‬‬

‫‪/6‬معيار السلطة العامة الحديث‪:‬‬


‫حا ول بعض الفقه تجديد فكرة السلطة لجعلها معيارا وحيدا للقانون اإلداري و إخ تصاص‬
‫القضاء اإلداري‪ ،‬مثل الفقيه جورج فيدل الذي أكد أن فكرة السلطة العامة ال تعني فقط‬
‫إستخدام اإلدارة إلم تيازات و سلطات القانون العام بإعتبارها سلطة آمرة ‪ ،‬و إنما تشمل أيضا‬
‫القيود الواردة على حرية اإلدارة و التي تفرض عليها إلتزامات أشد من إلتزامات األفراد في‬
‫ظل القانون الخاص ‪ ،‬مثل تقيد اإلدارة أثناء تعاقدها بإتباع أساليب و إجراءات محددة قانونا‪.‬‬

‫‪ /7‬المعيار المزدوج ( معيار الجمع بين السلطة العامة و المرفق العام)‪:‬‬


‫بسبب ما عرفته المعايير السالفة الذكر من إنتقادات حول كونها ال تشكل أساسا وحيدا للقانون‬
‫اإلداري و إلختصاص القضاء اإلداري ‪ ،‬إتجه الفقه نحو الجمع بين فكرتي السلطة العامة و‬
‫المرفق العام ليكون النشاط إداريا يحكمه القانون اإلداري و يفض نزاعاته القضاء اإلداري‬
‫عندما تتوفر قواعد و أحكام كل من ‪:‬‬
‫أ ‪-‬نظرية المرفق العام ‪ :‬يكون العمل حسبها إداريا أو نشاطا متعلقا بإدارة مرفق عام‪.‬‬
‫ب ‪ -‬نظرية السلطة العامة‪ :‬تستخدم اإلدارة حسبها في نشاطها إمتيازات و سلطات إستثنائية‬
‫غير مألوفة في القانون الخاص‪.‬‬

‫‪4‬‬

You might also like