You are on page 1of 55

‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫‪1‬‬
‫الفكر التطوري قبل داروين‬

‫• موسوعة ستانفورد للفلسفة‬


‫ترجمة‪ :‬رامي رأفت‬

‫الت‬
‫فلسف شامل حول الفكر التطوري قبل داروين‪ ،‬يبحث يف األسس المبكرة لألفطار التطورية‪ ،‬والتحولت ي‬ ‫ي‬ ‫مدخل‬
‫طرأت يف فت يت األنوار والقرن التاسع عش؛ نص متجم لد‪ .‬فيليب صلون‪ ،‬ومنشور عىل (موسوعة ستانفورد‬
‫ا‬
‫والت قد تختلف قليًل عن النسخة‬
‫ه للنسخة المؤرشفة يف الموسوعة عىل هذا الرابط‪ ،‬ي‬ ‫للفلسفة)‪ .‬ننوه بأن التجمة ي‬
‫األختة بعض التحديث أو التعديل من فينة ألخرى منذ تتمة هذه التجمة‪.‬‬ ‫ر‬ ‫الدارجة للمقالة‪ ،‬حيث أنه قد يطرأ عىل‬
‫خص بالشكر محرري موسوعة ستانفورد‪ ،‬وعىل رأسهم د‪ .‬إدوارد زالتا‪ ،‬عىل تعاونهم‪ ،‬واعتمادهم للتجمة‬ ‫ً‬
‫وختاما‪ ،‬ن ّ‬

‫والنش عىل مجلة حكمة‪.‬‬

‫‪1‬‬‫‪Sloan, Phillip, "Evolutionary Thought Before Darwin", The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Winter 2019 Edition),‬‬
‫‪Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/win2019/entries/evolution-before-darwin/>.‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪1‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫) مالحظة احملرر‪ :‬ظهر الكثري من احملتوى يف املدخل التايل يف األصل يف املدخل بعنوان مفهوم التطور‪/‬‬
‫‪ The Concept of Evolution‬إىل عام ‪ .1872‬مت تقسيم األخري إىل مدخلني‬
‫منفصلني)‪.‬‬

‫يشري مصطلح "التطور" يف املناقشات املعاصرة إىل نظرية تغيري األنواع العضوية مبرور الوقت‪ .‬فقبل‬
‫حصري‪-‬‬
‫ً‬ ‫النصف الثاين من القرن التاسع عشر‪ ،‬كان املصطلح يُستخدم يف املقام األول ‪-‬إن مل يكن‬
‫أيضا‬
‫ابملعىن اجلنيين‪ ،‬لإلشارة إىل تطور اجلنني الفردي‪ .‬حتيط أوجه الغموض نفسها يف االستخدام ً‬
‫ابملصطلح األملاين "‪ "Entwicklungsgeschichte‬الذي استخدم يف األصل يف سياق علم‬
‫األجنة ‪ .Embryological‬يف عام ‪ ،1852‬استخدم الفيلسوف اإلجنليزي هربرت سبنسر‬
‫‪ )1903-1820( Herbert Spencer‬هذا املصطلح لإلشارة إىل التغريات الكونية والبيولوجية‬
‫من "التجانس" إىل "عدم التجانس"‪ ،‬وحتدث هناك عن "نظرية التطور"‪ .‬بينما يف ستينيات القرن التاسع‬
‫عشر‪ ،‬مت استخدام املصطلح يف بعض السياقات لإلشارة إىل تغري األنواع‪ .i‬مل يستخدم داروين نفسه هذا‬

‫املصطلح احملدد لنظريته حىت كتاب "أصل اإلنسان" )‪ً .(1871‬‬


‫نظرا ألن هذه املقالة ستدرس التاريخ‬
‫الواسع هلذه النظريت قبل كتاب أصل األنواع‪ ،‬فإن مصطلح "التحولية أو تطفر األنواع"‪ ،‬وهو‬
‫مصطلح أصبح شائع االستخدام يف املصادر البيولوجية الفرنسية حوايل عام ‪ ،1835‬سيتم استخدامه‬
‫بشكل عام يف هذه املقالة لتعيني نظرية تغريت األنواع قبل التحول يف املعىن يف ستينيات القرن التاسع‬
‫حصري‪ ،‬بنظرية االنتقاء‬
‫ً‬ ‫عشر‪ .‬منذ عمل داروين‪ ،‬ارتبط مصطلح "التطور" بشكل منوذجي‪ ،‬إن مل يكن‬
‫الطبيعي (أو االنتخاب الطبيعي) ابعتباره السبب الرئيسي الذي بواسطته تغريت هذه األنواع عرب الزمن‬
‫التارخيي‪.‬‬

‫يقدم هذا املدخل مراجعة اترخيية واسعة للموضوع حىت "الثورة الداروينية"‪ .‬سيتم التعامل مع الفرتة‬
‫الداروينية يف املدخل املنفصل‪ :‬داروين‪ :‬من أصل األنواع إىل أصل اإلنسان‪Darwin: From /‬‬

‫‪ ‬سيتم األخذ بمصطلح التحولية‪ ،‬حيث تعبر عن فكرة النظرية أفضل من كلمة التطفّر‪ ،‬التي ربما ت ُحدِث لغط مع مصطلح "الطفرة"‪ ،‬والتي هي نظرية أحدث منها‪ .‬المترجم‪.‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪2‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫‪ .the Origin of Species to the Descent of Man‬سيتم فحص القضاي‬


‫حتت العناوين التالية‪:‬‬

‫الفهرسة‬
‫الفهرسة ‪3 ................................................................................‬‬

‫‪ .1‬ثباتية األنواع‪ ،‬والتغيري يف العصور القدمية ‪4 .................................................‬‬

‫‪ 1.1‬املناقشات الكالسيكية (القدمية) ‪4 ...................................................‬‬

‫‪ 2.1‬التنقيحات الدراسية ‪7 ...............................................................‬‬

‫‪ .2‬األسس احلديثة املبكرة ‪9 ..................................................................‬‬

‫‪ 1.2‬التاريخ الديكاريت للطبيعة ‪9 ..........................................................‬‬

‫‪ 2.2‬امليكانيزم‪ ،‬ونظرية ما قبل الوجود‪ ،‬وثبات األنواع ‪12 ..................................‬‬

‫‪ 3.2‬املراجعات النيوتونية ‪17 .............................................................‬‬

‫‪ 4.2‬حيوية الطبيعة وتغيري األنواع ‪18 .....................................................‬‬

‫‪ .3‬حتولية بوفون يف تنويرية "التاريخ الطبيعي"‪21 ................................................‬‬

‫‪ 1.3‬بوفون‪ ،‬املنهج يف" التاريخ الطبيعي" ‪23 ..............................................‬‬

‫‪ 2.3‬بوفون‪ ،‬عن اجليل ‪25 ...............................................................‬‬

‫‪ 3.3‬إعادة تصور األنواع ‪27 .............................................................‬‬

‫‪ 4.3‬االحنطاط التارخيي لألنواع ‪29 ........................................................‬‬

‫‪ 5.3‬االستقبال للـ" التاريخ الطبيعي "لبوفون ‪31 ...........................................‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪3‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫‪ .4‬التحولية‪ ،‬يف أوائل القرن التاسع عشر ‪32 ..................................................‬‬

‫‪ 1.4‬التحولية الفرنسية ‪33 ............................................ 1790- 1830‬‬

‫‪ 2.4‬التحولية البيطانية ‪39 ............................................. 1830-1859‬‬

‫‪ .5‬امللخص واالستنتاج ‪43 ...................................................................‬‬

‫• املراجع‬
‫• أدوات أكادميية‬
‫• مصادر أخرى على اإلنرتنت‬
‫• مداخل ذات صلة‬

‫‪ .1‬ثباتية األنواع‪ ،‬والتغيري يف العصور القدمية‬


‫املناقشات الكالسيكية (القدمية)‪1.1‬‬
‫مفهوما قدميًا‪ .‬فقد شكلت انعكاسات‬
‫ً‬ ‫يف كث ٍري من النواحي‪ ،‬تعُد الفكرة العامة إلمكانية تغيري األنواع‬
‫إمبيدوكليس ‪ 35-495( Empedocles‬قبل امليالد)‪ ،‬وآراء علماء الذرة اليواننيني بني ‪-‬فالسفة‬
‫الطبيعة ما قبل سقراط‪ -‬ترا ًًث كالسيكيًا حيث مت تطوير الكثري من التكهنات بشأنه الح ًقا‪ .‬مجعت هذه‬
‫التكهنات لفرتة ما قبل سقراط بني أساطري األصول الطبيعية مع أتمالت يف طريقة عمل العمليات‬
‫الشبيهة ابلصدفة إلنشاء حساب طبيعي ألصول أشكال احلياة احلالية (انظر مدخل‪ :‬املذهب الذري‬
‫القدمي‪ .)Ancient Atomism /‬على وجه اخلصوص‪ ،‬حيث أعاد الشاعر الروماين تيتوس‬
‫لوكريتيوس ‪( Titus Lucretius‬حوايل ‪ 50-99‬قبل امليالد) تكهنات فرتة ما قبل سقراط حول‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪4‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫الذرة يف الكتاب اخلامس من كتابه "حول طبيعة األشياء"‪ ،ii‬كان هناك مصدر متاح يف العصور القدمية‬
‫وهو وضع نظرية حساب األصل التدرجيي للكائنات احلية من فوضى ذرية أولية‪ ،‬ومن خالل عملية غري‬
‫موجهة‪ ،‬تقوم بفرز أفضل األشكال املالئمة‪ ،‬وإزالة تلك اليت ال تناسب ظروفها‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬قوبلت الروايت التخمينية للذرات األوائل على عدة مستويت من التقاليد الفلسفية السائدة‬
‫التالية‪ ،‬كاألفالطونية‪ ،‬واألرسطية‪ ،‬واألفالطونية اجلديدة‪ ،‬والرواقية‪ .‬فقد قدمت كتاابت أفالطون ‪Plato‬‬
‫(‪ 327-427‬قبل امليالد)‪ ،‬وال سيما أسطورة اخللق الطويلة‪ ،‬حماورة تيموس‪-‬احملاورة األفالطونية الوحيد‬
‫للحجج ضد التقليد الذري‪ .‬تُعد‬ ‫مؤثرا غري كتايب ُ‬
‫مصدرا ً‬
‫ً‬ ‫املتاحة ابستمرار يف التقليد الغريب الالتيين‪-‬‬
‫هذه احملاورة مبثابة املوضع الكالسيكي ملفهوم األصل ‪-‬املفروض خارجيًا‪ -‬للكائنات احلية من خالل‬
‫عامل حريف ذكي‪ ،‬الذي أيمر مبسألة متصورة ريضيًا يف كون عقالين‪ ،‬يتضمن الكائنات احلية وف ًقا‬ ‫ِ‬
‫لألمناط البدائية األبدية أو املُثل‪ ،‬اليت تَد ِرك من خالل هذا النشاط كال من الغايت اجلمالية والعقالنية‪.‬‬
‫بدأ حساب أفالطون التقليد الطويل من التفكري الذي استمر يف األفالطونية اجلديدة ويف جوانب الرواقية‬
‫لتشكيل أساس احلجة القائلة أبن الكائنات العضوية ال ميكن تفسريها بعمليات شبيهة ابلصدفة سواء‬
‫يف أصوهلا أو يف تصميمها املعقد‪ .‬كما مت التطوير بشكل خاص يف الكتاابت املؤثرة للطبيب اليوانين‬
‫كلوديوس جالينوس ‪ 129 -200( Claudius Galenus‬قبل امليالد)‪ ،‬حيث اعتمد الرتاث‬
‫الطويل يف علوم احلياة على علم التشريح كدليل على التصميم العقالين‪ .‬كما تفاعلت تفسريات "التصميم‬
‫الغائي" بطرق معقدة مع مفاهيم اخللق اليهودية واملسيحية واإلسالمية‪ .iii‬كما أن هنالك معىن شائع لـ‬
‫كثريا ما متت مواجهته يف مناقشات التطور منذ داروين ‪-‬وهو التصميم املفروض خارجيًا‬ ‫"علم الغائية" ً‬
‫بواسطة عامل ذكي (خالق الكون املادي‪ ،‬أو الطبيعة‪ ،‬أو هللا) على مادة موجودة مسب ًقا‪ -‬ينشأ يف هذه‬
‫املناقشات القدمية وال يتم حتديده بدقة مع املفهوم الكتايب للخلق من العدم ‪Creatio Ex‬‬
‫‪.ivNihilo‬‬

‫‪ ‬ديميورجوس‪ ،‬وهي الكلمة باليونانية القديمة ‪ Δημιουργός‬وتعني حرفيًا‪ ،‬خالق الكون المادي‪ -‬المترجم‪.‬‬
‫‪‬‬
‫التيني‪.‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪5‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫ففي كتاابت أرسطو ‪ 322–384( Aristotle‬قبل امليالد) البيولوجية األساسية‪ ،‬مت استبدال الغائية‬
‫اخلارجية للمصمم‪-‬اخلالق بغاية غائية داخلية مرتبطة ابلفعل اجلوهري لسبب داخلي‪ -‬يف الكائنات احلية‬
‫بروحهم اخلربية "إبسيكي"‪ ،‬واليت تعمل على أهنا السبب الرمسي والنهائي و َّ‬
‫الفعال للحياة‪ .v‬كما مل يؤيد‬
‫‪vi‬‬
‫كدا بدالً من ذلك على خلود النظام العاملي‪ .‬على األقل‬
‫أيضا مفهوم األصل التارخيي للعامل ‪ ،‬مؤ ً‬
‫أرسطو ً‬
‫هكذا فُهم يف تقليد الالحقني‪.vii‬‬

‫أيضا‬
‫قضية أخرى عاجلها أرسطو على نطاق واسع ذات صلة مبفهوم األنواع "التطور اجلنيين"‪ .‬كان هلا ً‬
‫آًثر مهمة يف املناقشات الالحقة‪ .‬ففي التقاليد املدينة بطريقة ما لفلسفة أرسطو الطبيعية‪ ،‬التوليد اجلنسي‬
‫والتطور اجلنيين الالحق للفرد من املادة البدائية‪ ،‬هي عملية متسلسلة حتدث يف الوقت املناسب حتت‬
‫أتثري الروح الغائية (إبسيكي)‪ .‬يف حساب أرسطو نفسه‪ ،‬عادة ما يستمد هذا املثل‪/‬الروح كما هو من‬
‫ُ‬
‫األصل‪ ،‬ويكونوا الذكور‪ ،‬ولكن ميكن أيضا أن تستمد من مكان اخر‪ ،‬وميكن حىت من الشمس‪ ،‬كما‬
‫استخدمه يف شرح أصل األشكال اليت ولدت بطريقة عفوية‪.viii‬‬
‫‪‬‬
‫أساسا ملعىن واحد لكلمة "املثل" "إيدوس"‬
‫أيضا ً‬ ‫شكلت نظرية عبور الروح كشكل جوهري يف اجليل ً‬
‫ُ‬
‫يف أعمال أرسطو البيولوجية ‪-‬ابعتبارها الشكل الفردي املتناثر الذي يستمر يف التوليد إىل األبد‪ .‬على‬
‫الرغم من ارتباطها بنظرية معقدة للتجريد العقلي ابلعام يف الفكر واللغة‪ ،‬فإن "املثل" هبذا املعىن البيولوجي‬
‫ُ‬
‫فردا آخر‪ .ix‬أمهية هذا املعىن لكلمة "املثل" على‬
‫ليست كلية‪ ،‬ولكنها تسلسل تسلسلي أبدي لفرد يولد ً‬
‫ُ‬
‫أهنا متميزة عن معىن "األنواع ابعتبارها كلية" هلا أمهية يف العديد من القضاي اليت مت استكشافها يف‬
‫القسمني ‪ 3.3‬و‪ 4.3‬أدانه‪ .‬تتعلق إحدى القضاي التفسريية يف تفسري مفهوم أرسطو لألنواع مبدى‬
‫التزامه بتأكيد أي شيء يتجاوز خلود اجملموعات الرئيسية الثالث (نوع) ‪-‬النبااتت واحليواانت والبشر‪-‬‬
‫بدالً من خلود كل نوع فردي (املثل‪/‬إيدوس)‪.x‬‬
‫ُ‬

‫‪ ‬وهي باليونانية القديم ‪.Ψυχή‬‬


‫وتعني الشكل المنظور‪.‬‬ ‫‪ ‬باليونانية القديمة ‪Εἶδος‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪6‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫‪ 2.1‬التنقيحات الدراسية‬
‫تنوعت تداعيات فكر أرسطو املعقد للمناقشات الالحقة حول املثل‪/‬األنواع‪ ،‬واليت ولدت من خالل‬
‫ُ‬
‫استعادة كتاابته يف الغرب الالتيين يف القرنني الثاين عشر والثالث عشر‪ .‬من انحية‪ ،‬يبدو أن املطلب‬
‫امليتافيزيقي الواضح ألرسطو أبن تكون الروح كشكل (مثل) ًثبتة‪ ،‬ومستمرة خالل عملية توليد ِ‬
‫"مثل‬ ‫ُ‬
‫ِمن ِمثل"‪ ،‬يبدو أن الكثري من التقاليد ترقى إىل إنكار إمكانية أن ميكن أن تتغري األنواع مبرور الوقت يف‬
‫نظرا‬
‫متاما‪ً .‬‬
‫خصائصها األساسية‪ ،‬على الرغم من أن التكيف احمللي يف اخلصائص "العرضية" كان ممكنًا ً‬
‫ومثل غري مادي وأبدي‪ ،‬فإن التمايز‬
‫ألن الكائنات الفردية كانت تعترب مركبات ديناميكية لركيزة مادية‪ُ ،‬‬
‫العرضي للشكل األساسي يف األفراد مل يؤثر على التحمل امليتافيزيقي لألنواع‪ .‬كما جعل انقراض األنواع‬
‫كمثل بشكل متسلسل عرب الزمن عن طريق‬
‫مستحيال ميتافيزيقيًا‪ .‬يف الكائنات احلية‪ ،‬يتم مترير الروح – ُ‬
‫ً‬
‫أساسا ميتافيزيقيًا ملفهوم بقاء األنواع دون‬
‫للمثل‪ .‬قُدم هذا ً‬
‫فعل التوليد‪/‬التكاثر خللق استمرارية أبدية ُ‬
‫االعتماد على عامل خالق خارجي‪.‬‬

‫أيضا نظرية "اخللق اإلهلي" املعتَمد يف الفكر اليهودي‬


‫يف خلفية مناقشة العصور الوسطى الالمعة‪ ،‬كانت ً‬
‫ُ‬
‫واملسيحي واإلسالمي املوروث‪ .‬قد تطلب هذا التمييز بني األصل األول لألنواع يف الزمن التارخيي‪ ،‬واجليل‬
‫الطبيعي للفرد‪ .‬إذا كان أصل األنواع يُعزى إىل الفعل اإلهلي‪ ،‬فإن الظهور الزمين هلذه األنواع مل يكن‬
‫فوري‪ .‬كانت هذه العقيدة أساس نظرية أوغسطينوس أسقف هيبو ‪-354( Augustine‬‬ ‫ابلضرورة ً‬
‫‪ )430‬للخلق األصلي للبذور البدائية (‪ )Rationes Seminales‬لكل نوع يف حلظة أولية من‬
‫الزمن‪ ،‬ولكن مع ظهور األنواع يف الزمن التارخيي كاحتمالية‪ .xi‬مسحت نظرية اخللق املؤقت هذه ‪-‬اليت‬
‫مت طرحها ابلتفصيل يف أطروحته "التفسري احلريف لسفر التكوين ‪The Literal‬‬
‫‪ -"Interpretation Of Genesis‬ألوغسطينوس أن جيادل أبن األنواع نشأت ابلتتابع يف‬
‫الزمن التارخيي بدالً من ظهورها كلها مرة واحدة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫كلمة التينية‪ -‬ت ُرجمت بشكل مختلف كمبادئ جينية‪ ،‬أو سببية‪ ،‬أو العقل البدائي‪ ،‬أو العوامل األصلية‪ ،‬أو األسباب أو الفضائل األساسية‪ ،‬أو المبادئ الشبيهة بالبذرة‪ ،‬وهي نظرية الهوتية حول أصل األنواع‪ .‬إنها العقيدة القائلة بأن هللا‬
‫خلق العالم في شكل بذور‪ ،‬مع بعض اإلمكانات‪ ،‬والتي تطورت بعد ذلك أو تكشّفت وفقًا لذلك بمرور الوقت‪ .‬الغرض منه هو التوفيق بين اإليمان بأن هللا خلق كل األشياء‪ ،‬والحقيقة الواضحة أن األشياء الجديدة تتطور باستمرار‪.‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪7‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫استعادت عمليات االسرتداد النصية العظيمة يف الغرب الالتيين للعلوم والطب والفلسفة اليواننية من‬
‫عموما بتفسريات إسالمية‪ ،‬هذه النصوص يف‬ ‫القرن الثاين عشر حىت القرن اخلامس عشر‪ ،‬مصحوبة ً‬
‫سياق الهويت مت تعريفه بقوة من قِبل األوغسطينية واألفالطونية اجلديدة‪ .‬إن التفاعل بني هذا التقليد‬
‫املوجود ُمسب ًقا مع وجهات النظر الفلسفية اجلديدة حدد فرتة معقدة من اهلياج الفكري الذي عرف‬
‫الكثري من التاريخ الفكري والعلمي الالحق للغرب‪.xii‬‬

‫تطلبت اجلهود املتواصلة اليت بذهلا كبار املؤيدين‪ ،‬مثل توما األكويين ‪Thomas Aquinas‬‬
‫(‪ ،)1274-1225‬جللب جمموعة ضخمة من األعمال األرسطية املستعادة حديثًا إىل حوار مع‬
‫األفالطونية اجلديدة املسيحية واألوغسطينية‪ ،‬رؤى جديدة ملفهوم العالقة بني الروح واجلسد‪ ،‬استقاللية‬
‫النظام الطبيعي ودور األسباب الثانوية يف خلق العامل‪.‬‬

‫فيما يتعلق مبسألة ثبات األنواع وأصلها‪ ،‬تعامل األكويين مع هذا يف حوار مع نظرية أوغسطينوس يف‬
‫‪Summa‬‬ ‫اخللق املتسلسل‪ .‬كما يعلق يف مؤلفه الرئيسي‪" ،‬اخلالصة الالهوتية‬
‫‪ :"Theologiae‬األنواع اجلديدة‪ ،‬إذا ظهرت‪ ،‬موجودة مسب ًقا يف بعض القوى النشطة‪ .‬يقرتح هذا‬
‫االدعاء قراءة ألرسطو افرتضت الثبات األساسي لكل ُمثل جوهري ميكن حتديده‪ ،‬وخلود كل نوع منذ‬
‫اخللق‪ .‬لكن جيب قراءة هذا االستنتاج يف سياق نظرية األكويين املعقدة عن اخللق‪ ،‬ومناقشات مشكلة‬
‫املسلمات يف الفلسفة املدرسية املتأخرة (انظر مدخل‪ :‬مشكلة القرون الوسطى للمسلمات‬
‫‪ .xiii)Medieval Problem Of Universals‬مينع هذا السياق أي صورة بسيطة‬
‫للفكر املدرسي فيما يتعلق مبسألة دوام األنواع‪ ،‬وال ميكن االدعاء أبن أرسطو أو الدراسات الالحقة‬
‫لألكويين هم املسؤولون عن املوقف "اجلوهري" القوي الذي يُنسب إليهم غالبًا يف األدبيات‪ .xiv‬فكما‬
‫هو موضح أدانه‪ ،‬ميكن القول أبن مفهوم األنواع مل "يتم تقويته" إال يف الفرتة احلديثة املبكرة مع ظهور‬
‫الفلسفة امليكانيكية اآللية وعلم األجنة املسبق املصاحب هلا‪ .‬إن موقف "اجلوهرية القوية" غالبا ما‬
‫تُنسب إىل أرسطو والسكوالستسية‪ ،xv‬حيث هو واضح نتاج التطورات التارخيية يف وقت الحق‪.xvi‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪8‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫‪ .2‬األسس احلديثة املبكرة‬


‫‪ 1.2‬التاريخ الديكاريت للطبيعة‬
‫إن إعادة إدخال النظرية الذرية اليواننية والرومانية يف عصر النهضة‪ ،‬مع استعادة (‪ )1417‬وطباعة‬
‫(‪ )1473‬قصيدة لوكريتيوس الفلسفية عن "طبيعة األشياء ‪On The Nature Of‬‬
‫‪ ،"Things‬قَ َد َمت جلمهور أورويب متعلم سلسلة من التكهنات الكونية املؤثرة اليت تضمنت حساب‬
‫طبيعي ألصل األنواع املدجمة يف علم الكون املادي غري الغائي‪ ،‬الذي يتناقض بشكل ملحوظ مع التقاليد‬
‫املدرسية واألرسطية واألوغسطينية‪-‬األفالطونية‪ .‬ففي القرن الثامن عشر‪ ،‬كانت هذه التخمينات‪ ،‬وتلك‬
‫املستمدة من مصادر ذرية أخرى (انظر املدخل‪ :‬الفلسفة الطبيعية يف عصر النهضة ‪Natural‬‬
‫‪ ،)Philosophy In The Renaissance‬واليت غالبًا يف خلفية أتمالت حديثة مبكرة‬
‫حول أصول األنواع‪ ،‬وحتوهلا احملتمل مبرور الوقت طوال القرن الثامن عشر‪.xvii‬‬

‫كانت نقطة انطالق جديدة يف التأمالت املنهجية حول أصل األرض والكائنات احلية‪ ،‬واليت تُظهر‬
‫أيضا عن التكهنات الذرية‪ ،‬وهي تواريخ على وجه التحديد من‬
‫بعض التشابه واالختالفات الرئيسية ً‬
‫أتليف الفلسفة الطبيعية وامليتافيزيقا اليت وضعها رينيه ديكارت ‪-1596( René Descartes‬‬
‫‪ )1650‬يف كتابه "املبادىء للفلسفة ‪( Principia Philosophiae‬التيين)"(طبعة أوىل‬
‫‪ ،1644‬طبعة ًثنية ‪ .)1647‬وسعت هذه األطروحة وخلصت القضاي اليت طورها يف وقت سابق يف‬
‫"العامل‪ ،‬أو رسالة على الضوء ‪( Le Monde‬فرنسي)"‪ ،‬وهو عمل نُشر بعد وفاته فقط يف عام‬
‫‪ ،1664‬مع ظهور طبعة حمسنة يف عام ‪.1677‬‬

‫من املهم لفهم االنعكاسات الالحقة على "اتريخ" الطبيعة‪ ،‬أن ندرك أن هذه التكهنات الديكارتية حول‬
‫اتريخ األرض والنظام الشمسي‪ ،‬قد مت تقدميها يف شكل فرضية معاكسة للحقائق‪ ،‬سعت صراحةً إىل‬
‫جتنب التعارض مع الالهوت املقبول لتفسريات األصل‪ .xviii‬يف احلساب االفرتاضي املقدم يف كتابه‬
‫املبادىء للفلسفة‪ ،‬اشتق ديكارت األرض من جنم ابرد "ساب ًقا ‪ ...‬مثل الشمس"‪ .xix‬وذلك من خالل‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪9‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫تصلبها التدرجيي يف دوامة مساوية كبرية‪ ،‬حيث تشكلت األرض‪ .‬ولقد َّ‬
‫شكل اجلفاف والتصدع الالحقان‬
‫أحواض احمليطات والقارات وسالسل اجلبال‪.‬‬

‫كانت الثغرة البارزة يف وصف ديكارت‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬هي فشله يف دمج أصول الكائنات احلية يف قصته‬
‫الطبيعية مع اخللق ابلقوانني الطبيعية‪ .‬على الرغم من أن املخطوطات تعرض الدرجة اليت حاول هبا‬
‫ديكارت يف عدة مناسبات إجياد بعض الروابط بني فلسفته الطبيعية العامة والتكوين اجلنيين للكائنات‬
‫احلية‪ ،‬إال أن هذه االنعكاسات مل تظهر يف الطباعة خالل حياته‪ .xx‬ويف كتابه املبادىء‪ ،‬يتخطى ببساطة‬
‫حول قضية حساب طبيعي من أصل احلياة وأصل األنواع الفردية‪ .‬بدالً من ذلك‪ ،‬يف اجلزء ‪ ،4‬املكرس‬
‫بشكل عام ألصل األرض وخصائصها الفيزيئية‪ ،‬يقفز (يف القضية ‪ )188‬من مناقشة املغناطيسية إىل‬
‫إشارة موجزة إىل اجلزأين ‪ 5‬و‪ 6‬من كتابه‪ ،‬واليت ستتعامل مع احليواانت والبشر‪ .xxi‬لكن املبادئ ال‬
‫شبيها بتلك اليت وردت يف‬ ‫تقدم سوى مناقشة موجزة ملختلف احلواس والتفاعل بني اجلسد والروح ً‬
‫أطروحته املبكرة غري املنشورة "عن اإلنسان" (الطبعة األوىل ابلالتينية ‪ ،1662‬والطبعة الثانية ابلفرنسية‬
‫‪ .)1664‬فقد أتسست هذه التخمينات على مفهوم آلة التمثال االفرتاضية اليت مت إنشاؤها مباشرة من‬
‫خالل الفعل اإلهلي‪ ،‬ومتتلك على الفور مجيع الوظائف والرتكيبات البشرية‪.xxii‬‬

‫نقلت تكهنات ديكارت إىل خلفائه قضيتني على األقل تتعلقان أبصل واتريخ األنواع احلية‪.‬‬

‫أوالا‪ ،‬من خالل تقدمي التفسري التارخيي ألصل النظام الشمسي والعامل كفرضية معاكسة‪ ،‬كوسيلة لفهم‬
‫حسااب حقيقيًا حرفيًا‪ .‬حيث قدَّم‬
‫ً‬ ‫اتريخ الطبيعة الذي مت تكييفه مع قيود العقل البشري‪ ،‬بدالً من اعتباره‬
‫ديكارت ِخيار قراءة خيالية حبتة للعلوم التارخيية استمرت حىت القرن التاسع عشر‪.xxiii‬‬

‫اثنياا‪ ،‬مل ُُِيل دمج الكائنات احلية يف الفلسفة الطبيعية اجلديدة للمذهب الطبيعي اآليل‪ .‬إذا كان هناك‬
‫أي شيء‪ ،‬فإن انعكاسات ديكارت قد أبرزت مشكلة تقدمي تفسري طبيعي ألصول الكائنات احلية‪.‬‬

‫ميكن تتبع تقليدين يف أعقاب انعكاسات ديكارت‪ .‬بدءًا من ‪De Solido Intra‬‬
‫‪Solidum Naturaliter Contento Dissertationis Prodromus‬‬
‫‪ ‬التيني‪ -‬وهي إحدى األطروحات المبكرة التي تحاول شرح حدوث الحفريات في الصخور الصلبة‪.‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪10‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫‪ 1669‬من قبل الدمناركي نيكوالس ستينو ‪ Nicholas Steno‬الديكاريت (‪،)1686-1638‬‬


‫بدأت اجلهود لرسم األصول التارخيية من الكائنات احلية يف علم الكونيات الديكاريت‪ ،‬يف هذه احلالة يف‬
‫املقام األول عن طريق منح تلك احلفريت اليت كانت بقاي كائنات موجودة على األرض واليت تشكلت‬
‫اترخييًا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬مل يكن هناك أي جهد يُبذل لتفسري أصول هذه الكائنات على املبادئ‬
‫الديكارتية‪.xxiv‬‬

‫أسس التقليد الثاين سلسلة من التأمالت املنشورة يف أواخر القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر‪،‬‬
‫واليت أصبحت تُعرف يف األدبيات الالحقة ابسم "نظرايت األرض"‪ .‬بدأ هذا التقليد مع ‪Telluris‬‬
‫‪ ،Theoria Sacra‬وكانت الطبعة اإلجنليزية ‪ ،1684‬بواسطة رجل الدين اإلجنليزي توماس‬
‫برينت ‪ .)1715-1635( Thomas Burnet‬سعى برينت إىل التوفيق بني حساب اترخيي‬
‫مشتق من الديكاريت ألصول األرض مع حساب اخللق لتقليد املوسوي (نسبة إىل موسى كاتب التوراة)‪.‬‬
‫يف حساب برينت‪ ،‬بدأت األرض من الفوضى األصلية اليت شكلها الفعل اإلهلي إىل األرض احلالية من‬
‫خالل سلسلة من التغيريات اليت تضمنت الفصل التدرجيي للقارات‪ ،‬وعكس القطبني‪ ،‬وفيضان املوسوي‪.‬‬
‫لشرح أصل الكائنات احلية‪ ،‬اعتمد برينت على "اخلصوبة التلقائية لألرض" يف عامل اجلنة (جنة عدن‬
‫التوراتية) البدائي‪ ،‬بدالً من اخللق املباشر لألشكال‪/‬املثل من خالل الفعل اإلهلي‪ .xxv‬من خالل ربط‬
‫ُ‬
‫هذا احلساب ابلقصة التوراتية لإلصحاح األول من سفر التكوين‪ ،‬لقد انفصل برينت عن الواقعية املضادة‬
‫مفرتضا لتاريخ تطور الطبيعة على غرار الديكاريت‪ ،‬والذي‬
‫ً‬ ‫تفسريا حرفيًا‬
‫الديكارتية‪ ،‬حيث قدم ألول مرة ً‬
‫أيضا أصول األشكال احلية‪.‬‬
‫تضمن ً‬

‫‪‬‬
‫التيني‪ -‬وتعني النظرية المقدسة لألرض‪ .‬نُشر الجزء األول عام ‪ 1681‬باللغة الالتينية‪.‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪11‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫‪ 2.2‬امليكانيزم‪‬ونظرية ما قبل الوجود‪ ،‬وثبات األنواع‬


‫روايت خمتلفة قُدمت يف تقليد "نظرية األرض" الالحقة‪ ،‬كما مت تضخيمها من قبل هذه الفالسفة‬
‫الطبيعية كجون راي ‪ ،)1705-1627( John Ray‬وجون وودوارد‪John Woodward‬‬
‫(‪ ،)1728-1665‬ووليام ويستون ‪ ،)1752-1667( William Whiston‬حيث فشلت‬
‫يف حتقيق موقف إمجاعي حول مسألة التفسري الطبيعي ألصول الكائنات احلية‪ .xxvi‬فقد قدمت‬
‫االنعكاسات اجلديدة حول األصل اجلنيين للكائن احلي الفردي يف القرن السابع عشر كنقطة مركزية‬
‫معينة‪ ،‬وكانت االنعكاسات حول هذه القضية مرتبطة ارتباطًا وثي ًقا ابلتكهنات حول أصول األنواع‪.‬‬

‫أيضا نقاشات حول إمكانية التولد التلقائي‬


‫يف سياق القرن السابع عشر‪ ،‬تضمنت قضية أصول األنواع ً‬
‫لألشكال أو األنواع‪ .xxvii‬أضعف دحض التجارب الذي أجراه فرانشيسكو ريدي ‪Francesco‬‬
‫‪ )1667-1626( Redi‬لنظريت األصل اليت تعتمد على التولد الذايت‪ ،‬مثل تلك اليت اقرتحها‬
‫دائما تفسري الدليل على التولد‬
‫توماس برينت‪ ،‬حيث اإلميان ابلوالدة التلقائية‪ ،‬لكنه مل يهدمها‪ .‬قد ميكن ً‬
‫التلقائي من خالل اللجوء إىل نظرية أوغسطينوس عن "البذور" أو "اجلراثيم" املوجودة مسب ًقا‪.‬‬

‫إن األحباث التجريبية الواسعة على جيل من الطيور والثدييات اليت قام هبا وليام هاريف ‪William‬‬
‫‪ ،)1657-1578( Harvey‬واليت نشرت يف وقت متأخر من حياته يف كتابه‬
‫"‪( "Exercitationes De Generatione Animalium‬التيين‪ -‬ويعين‬
‫ت أن تكون قنبلة يف هذه املناقشة‪ .‬زعمت‬ ‫مالحظات على جيل من احليواانت) يف ‪ ،1651‬وثـَبَ َ‬
‫دراسات هاريف الدقيقة أهنا دحضت على أسس جتريبية كل من نظرية املادة‪-‬املثل األرسطية للتوليد‬
‫ُ‬
‫اجلنسي‪ ،‬وكذلك نظرية" البذور املزدوجة "القائمة على افرتاض وجود السائل املنوي املتكافئ للذكور‬
‫واإلانث‪ .‬وقد مت تبين هذه النظرية األخرية من قبل علماء الذرات القدامى من قِبل جالينيك ‪Galenic‬‬
‫وأبقراط ‪ Hippocratic‬الطبيني‪ ،‬وأغلبية أطباء عصر النهضة‪ .‬نظرية البذور املزدوجة مت قبوهلا من‬

‫‪‬‬
‫تترجم كلمة ‪ Mechanism‬عادة في العربية باآللية‪ ،‬لكن هذه الترجمة ال تفي في الحقيقة بالمعنى الدقيق للفظ األجنبي‪ ،‬فأصل كلمة "آلة" من المص در آل يئول أي انتهى إلى مآل وإلى نهاية‪ ،‬ومن ثم فاآللية تعني األتوماتيكية أي‬
‫ً‬
‫ووصوال إلى نتيجة‬ ‫الحركة الذاتية ‪ .Outo- Matic‬أما الماكينة –وهو لفظ امتصته العربية من الالتينية وصار شائع االستعمال‪ -‬فتتآلف من عدة آليات‪ ،‬أي من عدة حركات آلية تؤدي كل حركة منها إلى األخر‪ ،‬ابتدا ًء من حدث معين‬
‫بدال من "آلية" كترجمة أوفى وأدق‪ .‬أنظر كتاب الداروينية واإلنسان‪ ،‬للدكتور صالح عثمان‪ .‬طبعة ‪ ،2001‬ص ‪.29‬‬ ‫ما مرورً ا بعدة خطوات‪ .‬ومن هنا جاء استخدامنا لكلمة "ميكاميزم" ً‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪12‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫قبل علماء الذرة يف وقت مبكر بعد احلداثة مثل بيري جازيندي ‪-1592( Pierre Gassendi‬‬
‫‪ ،)1655‬وانًثنيال هاميور ‪ .xxviii)1685-1613( Nathaniel Highmore‬نتيجة لذلك‪،‬‬
‫أخريا يف عام ‪ ،1677‬حيث اعتمد‬
‫عندما نُشرت تكهنات ديكارت حول التكوين اجلنيين بعد وفاته ً‬
‫أيضا على مزيج من البذرة الذكرية واألنثوية اليت تنظمها قوانني الطبيعة ونظرية الدوامة ‪Vortex‬‬
‫ً‬
‫‪ ،Theory‬فقد قوبلوا عاد ًة ابلسخرية (انظر االقتباس جلاردن أدانه‪ -‬سيأيت ذكره)‪ .‬كانت استفسارات‬
‫هاريف األجنة املفصلة لعام ‪ 1651‬قد قوضت ابلفعل بشكل خطري القواعد التجريبية هلذه االدعاءات‪.‬‬
‫لذلك كان من الصعب أن جتد أي مؤلف يؤيد احلل كما قدمه ديكارت‪.‬‬

‫هذه الصعوابت التجريبية مع كل من النظريت املوروثة الرئيسية للتوليد‪ ،‬وكذلك مع التفسريات البديلة‬
‫"امليكانيزمية" اجلديدة للتكوين اجلنيين جلازيندي وهاميور وديكارت أنتجت أزمة مفاهيمية داخل برانمج‬
‫امليكانيزمية العاملية اليت اقرتحت أن امليكانيزمية العاملية ال ميكن أن تتعامل سببيًا مع واحدة من أهم‬
‫القضاي يف فلسفة الطبيعة‪ .‬هناك حاجة إلجياد حل آخر‪.‬‬

‫نتيجة لفشل التخلق املتوايل "امليكانيكي"‪ ،‬حل امليكانيكيون ما بعد الديكارتيني هذه املسألة بنظرية‬
‫"الوجود املسبق ‪ ."Pre-Existence‬ميكن إرجاع األسس العلمية هلذا إىل عمل عامل امليكروسكوب‬
‫ين زفامردام ‪ )1680-1637( Jan Swammerdam‬يف أواخر ستينيات القرن السادس عشر‪،‬‬
‫وذلك على أساس مالحظاته اجملهرية حول تطور احلشرات‪ .‬جاء هذا التطور الفلسفي هلذه النظرية من‬
‫قبل الفرنسي الكاهن واألوراتواري (نسبة جلمعية األوراتوار) نيكوالس مالربانش ‪Nicholas‬‬
‫مؤثرا بـ " ‪Recherche De La Vérité‬‬
‫‪ ،)1715-1638( Malebranche‬الذي كان ً‬
‫وتنعين البحث عن احلقيقة"‪ ‬يف ‪ ،1674‬إلعادة صياغة العديد من املبادئ الديكارتية يف إطار‬
‫"التوحيدية"امليكانيزمية العاملية‪ .xxix‬يف هذا العمل‪ ،‬قدم مالربانش نظرية جديدة للتوليد‪ ،‬واليت تسمى‬
‫بدقة نظرية "الوجود املسبق"‪ .‬وف ًقا لوجهة النظر هذه‪ ،‬مل يتم خلق الكائن اجلديد يف الزمن الدنيوي‪،‬‬
‫موجودا مسب ًقا منذ اخللق األصلي للعامل‪ .‬هذه النظرية‪ ،‬اليت غالبًا ما تدعمها مناشدات لنظرية‬
‫ً‬ ‫ولكنه كان‬
‫أوغسطني حول خلق البذور األصلية (انظر أعاله القسم ‪ ،)2.1‬كان من املفرتض أن تصبح النظرية‬
‫‪ ‬عالج فيه طبيعة العقل البشري وكيفية استخدامه لتجنب الخطأ في العلوم‪ ،‬ووضع الكتاب األساس لسمعة مالبرانش وأفكاره الفلسفية‪.‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪13‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫النموذجية ملا يقرب من قرن من الزمان‪ ،‬وكانت مرتبطة ارتباطًا وثي ًقا بنسخة من الفلسفة امليكانيكية‪.‬‬
‫ميكن تتبع التعبريات املختلفة لنظرية الوجود املسبق يف التعليم العام واألعمال املنشورة ملفسرين مؤثرين يف‬
‫الطب األكادميي مثل هريمان بويرهاف ‪ )1738-1668( Hermann Boerhaave‬من‬
‫أيضا يف العديد من الرسائل العلمية يف أوائل القرن الثامن عشر‪ .‬لكن‬
‫جامعة ليدن‪ .‬مت اعتماد النظرية ً‬
‫متت إزالة مسألة أصل ٍ‬
‫كل من الفرد واجلنس من خالل هذه النظرية إىل الفعل اإلهلي عند اخللق األول‬
‫للعامل‪.xxx‬‬

‫ميكن التمييز بني ثالث متغريات على األقل من نظرية الوجود املسبق‪ .‬افرتض اثنان من هؤالء وجود‬
‫أشكال يف املنمنمات‪/‬الصور املصغرة‪ ،‬إما مغطاة يف مبيض األنثى‪ ،‬النسخة األصلية‪ ،‬أو بعد اكتشاف‬
‫احليواانت املنوية بواسطة أنطون فان ليفينهوك ‪ Anton Van Leeuwenhoek‬يف ‪ ،1677‬يف‬
‫خصييت الذكر‪ .‬هذه اإلصدارات اثنني من "التكوين املسبق للكائنات ‪"Pre-formationism‬‬
‫بشكل عام أصبحت اخليارات الرئيسية اليت يكتشفها املرء يف األدبيات الطبية وأمراض النساء املهنية يف‬
‫الفرتة من ‪ 1670‬إىل ‪ .1740‬البديل الثالث‪ ،‬الذي كان له عدد قليل من األتباع يف القرن السابع‬
‫شائعا بشكل خاص حبلول سبعينيات القرن الثامن عشر‪،‬‬
‫عشر وأوائل القرن الثامن عشر‪ ،‬ولكنه أصبح ً‬
‫نظرا لبياهنا األول الواضح لكلود بريولت‬
‫كان نظرية "اجلراثيم ‪ُ "Germs‬مسبقة التشكيل‪/‬التكوين‪ً ،‬‬
‫‪ .)1680-1608( Claude Perrault‬كانت نظرية بريولت هذه ‪-‬اليت تشبه إىل حد بعيد‬
‫الرواية األوغسطينية‪ -‬تنص على أن أوىل الكائنات احلية تَشكلت عند اخللق األصلي كبذور متناثرة يف‬
‫الرتبة‪ ،‬واليت مت أخذها منها مع الطعام‪ .‬يف ظل الظروف املناسبة وداخل الكائنات احلية الصحيحة‪ ،‬مت‬
‫زرع هذه "اجلراثيم" يف املبايض‪ ،‬واليت تطورت منها بعد ذلك يف استجابة للتلقيح‪ .‬يف مجيع الروايت‬
‫الثالثة‪ ،‬وفر فعل اإلخصاب والتلقيح الفرصة‪ ،‬وليس السبب‪ ،‬لتطور الكائنات احلية يف الوقت املناسب‪.‬‬

‫كان يُنظر إىل نظرية الوجود املسبق حلل العديد من املشاكل‪:‬‬


‫ُ‬
‫أوالا‪ ،‬أوضح االرتباط الوثيق للبنية والوظيفة الذي بدا أنه يتطلب وجود أجزاء من الكائن احلي يف نظام‬
‫متكامل‪ .‬من املفرتض أن القلب ال ميكن أن خيفق بدون العصب‪ ،‬وال ميكن أن توجد األعصاب بدون‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪14‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫موجودا مسب ًقا‪ .‬لذا بدا من‬


‫ً‬ ‫القلب‪ .‬وابلتايل‪ ،‬كما ذهبت احلُجة‪ ،‬جيب أن يكون الكائن احلي أبكمله‬
‫الصعب تفسري وجود مثل هذه األنظمة املتكاملة من خالل التطور املتسلسل لألجزاء‪ ،‬كما هو مضمن‬
‫يف نظريت التطور األرسطية وغريها من النظريت "الالجينية"‪.‬‬

‫اثنياا‪ ،‬متت مواءمة هذا احلساب بسهولة مع التطورات الالهوتية يف القرن السابع عشر‪ ،‬ال سيما يف‬
‫القارة‪ ،‬حيث كان التأثري القوي لالهوت األوغسطيين على الكالفينية (الربوتستانتية) واليانسينية‬
‫وضوحا‪ .‬مثال لذلك‪ ،‬نصت على نقل اخلطيئة األصلية‪ .‬احلل الذي ظهر كان‬ ‫ً‬ ‫(الكاثوليكية) أكثر‬
‫ميكانيزمية "إميانية" أكدت قدرة هللا املطلقة وسلبية الطبيعة املقابلة‪.xxxi‬‬

‫امليزة الثالثة لنظرية الوجود املسبق‪ ،‬على األقل يف اإلصدارات اليت احتضنت تفسري "اجلراثيم ُمسبقة‬
‫ُ‬
‫التشكيل"‪ ،‬هي أهنا مسحت بظهور احلياة يف الزمن الدنيوي‪ ،‬والذي بدا أنه اقرتاح وجود أشكال‬
‫احلفريت‪ .‬يف الوقت نفسه‪ ،‬مل تتضمن أي نسخ من نظرية الوجود املسبق أي تغيري يف األنواع أو تطور‬
‫ُ‬
‫نوع من نوع آخر يف الوقت املناسب‪.‬‬

‫أخريا‪ ،‬ميكن التوفيق بني نسخة من نظرية تكوين اجلنني مع أفضل املالحظات اجملهرية يف أواخر القرن‬
‫ا‬
‫السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر‪ ،‬حيث مت اإلبالغ عن هذه من قبل خرباء يف هذه األداة مثل‬
‫أنطون فان ليفينهوك ‪ ،)1723-1632( Anton Van Leeuwenhoek‬ين زفامردام ‪Jan‬‬
‫‪ ،Swammerdam‬ومارتشيلو ملبيغي ‪ ،)1694–1628( Marcello Malpighi‬وهنري‬
‫بيكر ‪.)1774–1690( Henry Baker‬‬

‫أثرت نظريت الوجود املسبق لألصل اجلنيين بشكل مباشر على مسألة حتول األنواع‪ .‬أوالا‪ ،‬قاموا إبزالة‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫مجيعا أصل األنواع‪،‬‬‫وضعوا ً‬ ‫الكائن احلي بشكل فعال من أتثريات الظروف احمللية والظروف البيئية‪ .‬اثنياا‪ُ ،‬‬
‫وكذلك على األقل أصل بدائية الكائن احلي الفردي‪ ،‬يف حلظة يف اخللق اإلهلي األصلي‪ .‬يوضح اقتباس‬
‫من مقال مراجعة معاصر عدة جوانب من أطروحة الوجود املسبق‪:‬‬
‫ُ‬
‫"‪ ...‬وابلفعل‪ ،‬فإن مجيع قوانني احلركة اليت مت اكتشافها حىت اآلن‪ ،‬ال ميكن إال أن تقدم وص ًفا‬
‫جدا لتكوين نبات أو حيوان‪ .‬حنن نرى كيف جاء ديكارت بشكل ابئس عندما بدأ‬ ‫ضعي ًفا ً‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪15‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫بتطبيقها على هذا املوضوع؛ لقد مت تشكيلها من خالل القوانني اليت حىت اآلن غري معروفة‬
‫جدا أن قوة التحمل جلميع النبااتت واحليواانت اليت كانت يف‬
‫للبشرية‪ ،‬ويبدو أنه من احملتمل ً‬
‫أي وقت مضى‪ ،‬أو ستكون يف أي وقت‪ ،‬قد تشكلت [منذ أتسيس العامل] من قِبل اخلالق‬
‫‪xxxii‬‬
‫كلي القدرة‪ ،‬يف األول من كل نوع منها"‪.‬‬
‫كانت النتيجة املباشرة هلذه النظرية صالبة وقساوة جديدة أعطيت ملفهوم األنواع اليت مل تكن متتلكها يف‬
‫حادا بني اخلصائص‬
‫متييزا ً‬
‫التقاليد األرسطية والسكوالستيكية‪ .‬فقد عززت نظرية الوجود املُسبق ً‬
‫"األساسية" و "العرضية" إىل درجة ال يتضمنها التقليد السابق‪ .‬يف الوقت نفسه‪ ،‬جعلت نظرية الوجود‬
‫املسبق من الصعب تفسري الظواهر التجريبية الواضحة‪ ،‬مثل البشاعة‪ ،‬وجتديد األجزاء املفقودة‪ ،‬وتشابه‬
‫ُ‬
‫النسل مع كال الوالدين‪ ،‬والدليل على التباين اجلغرايف‪ ،‬واالختالفات العرقية‪ ،‬ووجود أشكال هجينة مثل‬
‫البغل‪ .‬بدا من الضروري أن نعزو هذه االحنرافات إىل الفعل اإلهلي يف اخلليقة األصلية‪ .‬وابلتايل أدت‬
‫هذه الصعوابت يف النظرية إىل جمموعة متنوعة من االنتقادات اليت أدت يف النهاية إىل سقوط نظرية‬
‫الوجود املسبق يف شكلها األصلي‪ ،‬على الرغم من أن النظرية كان هلا اتريخ الحق طويل من خالل‬
‫ُ‬
‫‪xxxiii‬‬
‫تعديل نظرية "اجلرثومة" ‪.‬‬

‫شكل ما من أشكال نظرية الوجود املسبق للتوليد بني عامي ‪ 1670‬و‪ 1740‬بعض‬ ‫تقدم هيمنة ٌ‬
‫ُ‬
‫التفسري لقلة اجلهود بني الفالسفة الطبيعيني لتطوير نظريت التحويلية ألصول األنواع يف نفس الفرتة‪.‬‬
‫وكان االستثناء امللحوظ هلذا ادعاء علم الكونيات األبيقوري حيث تشبه بعض جوانب قصيدة‬
‫لكريتيوس ‪ُ ،Lucretius‬وضعت من قِبل الفرنسي الفيلسوف بنوا دي ماييه ‪Benôit De‬‬
‫‪ )1738-1656( Maillet‬يف خمطوطته اخلاصة املتداولة ‪ ،Telliamed‬واليت كانت معروفة‬
‫يف الدوائر الفرنسية ملدة عشر سنوات قبل نشرها يف عام ‪ .1748‬يف هذا العمل قدم دي ماييه تكهنات‬
‫جريئة حول كيفية تطور الكائنات البحرية إىل أشكال برية مع مرور الوقت‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن الفرتة اليت‬
‫سبقت منتصف القرن الثامن عشر هيمنت عليها نظرية التوليد العضوي اليت حالت فعليًا دون التطور‬

‫‪ ‬حيث يحمل الكتاب عنوان "اسمه بالعكس"‪.‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪16‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫الطبيعي لألنواع‪ .‬ميكن النظر إىل تطور التحولية العلمية على أنه مرتبط ارتباطًا وثي ًقا بنظريت التوليد‬
‫اجلديدة‪ ،‬وكذلك بتطوير املفاهيم "النشطة" بدالً من املفاهيم "السلبية" للمادة‪.‬‬

‫‪ 3.2‬املراجعات النيوتونية‬
‫كان إلدخال الفلسفة الطبيعية النيوتونية (نسبةَ إىل السري نيوتن وفلسفته) يف هذه املناقشة عواقب غامضة‬
‫اعتمادا على التفسريات املعطاة لفلسفة نيوتن الطبيعية‪ .‬أسس نيوتن "املبادئ الرايضية للفلسفة الطبيعية‬
‫ً‬
‫‪ "Philosophiæ Naturalis Principia Mathematica‬لعام ‪ ،1687‬مع‬
‫يضا مفهوم‬
‫نقدا أساسيًا للديكارتية‪ ،‬وقدم أ ً‬
‫اإلصدارات املنقحة الالحقة يف ‪ 1713‬و‪ ،1726‬وكان ً‬
‫"الفعل عن بعد" يف التفسريات املادية‪ .‬بتوسيع مفهوم "القوى النشطة" إىل املستوى اجلزئي يف "البصرايت‬
‫‪ "Opticks‬لعام ‪( 1704‬ابإلجنليزية)‪ ،‬مع تنقيحات مهمة يف طبعات ‪( 1706‬ابالتينية)‪،1717 ،‬‬
‫‪ ،1730 ،1721‬أدخل نيوتن يف املناقشات البيولوجية قضاي جديدة حيث لعبت دورها بطرق معقدة‬
‫يف العقود الالحقة‪.‬‬

‫مفهوما للمادة "الديناميكية" اليت ميكن‬


‫ً‬ ‫يف القراءة لنيوتن‪ ،‬قدم مفهومه للقوى النشطة يف علم احلياة‬
‫استخدامها كمربر لعلم األجنة احليوي اجلديد وحىت املفهوم غري اآليل للطبيعة اليت متتلك قوى‬
‫جوهرية‪ .xxxiv‬مت اتباع هذا اخليار من قبل العديد من ال ُكتَّاب األطباء الفرنسيني الذين استخدموا احلجج‬
‫النيوتونية لتأسيس نظرية طبية "حيوية"‪ ،‬مت تطوير تفسري خاص يف جامعة مونبلييه ‪Montpellier‬‬
‫يف العقود األوىل من القرن الثامن عشر‪.xxxv‬‬

‫لكن يف التفسري األكثر "ميكانيزمية" للنيوتونية‪ ،‬احتفظ هذا ابلطابع اخلامل للمادة وأيد العديد من‬
‫السمات الرئيسية للميكانيكا احليوية الديكارتية‪ ،‬ولكن مع إضافة القياس الكمي الريضي وبعض‬
‫استخدام القوة الصغرية اجلذابة واملثرية لالمشئزاز‪ .xxxvi‬يف هذا التقليد من التفسري‪ ،‬جيد املرء التز ًاما‬
‫ابلتشكيل امليكانيزمي وحىت نظرية "الوجود املسبق" القوية‪ .‬ميكن اتباع ذلك يف النظريت الطبية هلرمان‬
‫بورهاف ‪ ،Hermann Boerhaave‬وأرشيبالد بيتكرين ‪Archibald Pitcairne‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪17‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫(‪ ،)1713-1652‬وريتشارد ميد ‪ ،)1754-1673( Richard Mead‬وغريهم من أخصائيي‬


‫املعاجلة امليكانيكية النيوتونيني الذين كانوا عادةً على اتصال بكليات الطب اهلولندية العظيمة‪.xxxvii‬‬

‫أيضا يف االستفسار الطويل احلادي والثالثني يف البصرايت ضد "بناء العامل"‬


‫كان نيوتن قد جادل ً‬
‫ابلشكل الديكاريت‪ ،‬كما نوقش أعاله‪ .‬رأى نيوتن هذا على أنه ادعاء أبن العامل "قد ينشأ من فوضى‬
‫بسبب جمرد قوانني الطبيعة"‪ ،xxxviii‬وأدان هذا ابعتباره "غري فلسفي"‪ .xxxix‬لقد تضمن إحياء علم‬
‫اضحا عن هذه القيود النيوتونية‪ .‬سيتم‬
‫انفصاال و ً‬
‫ً‬ ‫الكونيات التارخيي املفسر واقعيًا يف القرن الثامن عشر‬
‫تطوير هذا التحول يف القسم التايل‪.‬‬

‫‪ 4.2‬حيوية الطبيعة وتغيري األنواع‬


‫يف القرن الثامن عشر مت تطوير تصورات جديدة لعالقة الكائنات العضوية بتاريخ العامل‪ ،‬وعالقة بقاء‬
‫األنواع هبذا التاريخ‪ .‬ومشل ذلك اهنيار امليكانيزمية العاملية‪ ،‬وإدخال نظريت ديناميكية للمادة‪ ،‬ونظريت‬
‫جديدة للتكوين اجلنيين‪ ،‬وإعادة صياغة مفاهيم العالقة بني الزمن والعامل املادي‪ .‬كما تضمنت صياغة‬
‫مفاهيم تقدمية وتنموية‪ ،‬وليست "احناللية"‪ ،‬لتاريخ احلياة‪ .‬املناقشة التالية سوف تدرس بشكل انتقائي‬
‫جوانب هذه التطورات‪ .‬حيث تتم إحالة القارئ إىل التوليفات التارخيية احلديثة الرئيسية‪ ،‬وذلك ملزيد من‬
‫التطوير للسياق الفكري والعلمي األكثر عمومية‪.xl‬‬

‫ترتبط هذه التطورات يف جوانب عديدة بطريقة ما إبدخال مفاهيم أكثر ديناميكية للمادة‪ ،‬واليت ظهرت‬
‫يف التفاعل بني النيوتونية والليبنيزية (نسبة إىل فلسفة ليبنيز وأتباعه) يف العقود األوىل من القرن الثامن‬
‫عشر‪ ،‬وخاصة يف املناقشات الفرنسية‪ .xli‬كما هو موضح يف القسم السابق‪ ،‬فتحت هذه املناقشة مقدمة‬
‫نيوتن يف تساؤوالت يف البصرايت ملفهوم القوى الدقيقة النشطة اليت ميكن أن تفسر الظواهر الكيميائية‬
‫الدقيقة والكهرابئية‪ .‬كما طور جوتفريد ليبنيز ‪ )1716-1646( Gottfried Leibniz‬الفلسفة‬
‫مؤثرا بواسطة‬
‫الطبيعية العظيمة األخرى يف القارة‪ ،‬ومت تنظيمها وتوسيعها لتصبح برانجمًا فلسفيًا منهجيًا ً‬
‫تعقيدا للمادة اليت‬
‫كريستيان وولف ‪ ،)1754-1679( Christian Wolff‬ووضع نظرية أكثر ً‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪18‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫وتوجيها‬
‫ً‬ ‫ميزت بني خصائص "املادة" الظاهراتية كما تصورها نيوتن‪ ،‬وتلك اليت هلا "مادة" أكثر نشاطًا‬
‫غائيًا‪ ،‬متأصلة يف القوة (يف املقابل)‪ .‬يف الفيزيء‪ ،‬ظهر هذا التطور يف القارة يف جدل "القوة احلية ‪Vis‬‬
‫‪( Viva‬التيين)"‪ ،‬والذي كان ً‬
‫مهتما يف البداية ابحلفاظ على القوة يف االصطدامات‪ .‬مث امتد ليشمل‬
‫املزيد من القضاي امليتافيزيقية األساسية اليت كان هلا أتثري معقد على علوم احلياة‪.‬‬

‫يف علوم احلياة‪ ،‬ظهرت هذه القضاي يف النقاشات حول دور القوى احليوية يف تفسري اخلصائص احلية‪،‬‬
‫حيث مت تطويرها بشكل خاص يف املناقشات الفرنسية يف التفاعالت املعقدة للفلسفات الطبيعية النيوتونية‬
‫والليبنيزية‪-‬الوولفية‪ .‬ومن األمثلة املؤثرة على هذا التوليف إميلي دو شاتليه ‪Émilie Du Châtelet‬‬
‫(‪ )1749-1706‬يف "أساسيات الفزايء ‪( "Institutions De Physique‬الطبعة األوىل‬
‫‪ ،1740‬الطبعة الثانية ‪ .)1742‬هذه الرتكيبات اهلجينة النيوتونية‪-‬الليبنيزية‪ ،‬اليت جتمع بني جوانب‬
‫قوى نيوتن "النشطة أو احليوية" مع نظرية املواند (اجلوهر الفرد) واملادة من الليبنيزية‪ ،‬مت توسيعها الح ًقا‬
‫إىل مناقشات علم األجنة ‪ Embryology‬من قبل بيري دي موبرتويس ‪Pierre De‬‬
‫‪ ،)1759-1698( Maupertuis‬كما سيتم تطويره يف القسم التايل‪ ،‬بواسطة جورج لويس يل‬
‫كلريك ‪ ،Georges-Louis Leclerc‬كونت دي بوفون ‪–1707( Comte De Buffon‬‬
‫‪ )1788‬يف أربعينيات القرن الثامن عشر‪.‬‬

‫يف هذه املناقشات‪ ،‬نواجه أول تكهنات منهجية حديثة مبكرة تربط بني النظريت الطبيعية لتاريخ‬
‫األرض‪ ،‬والتطور اجلنيين‪ ،‬وتغريات األنواع العضوية استجابة للتغريات اخلارجية لظروف احلياة‪ .‬تتطور هذه‬
‫الروابط مباشرة من انتقادات نظرية الوجود املسبق للجيل من قِبل موبرتيوس ‪ Maupertuis‬و بوفون‬
‫‪ ،Buffon‬اللذين قاما بطرق خمتلفة ولكن ذات صلة إبعادة صياغة علم األجنة الالجيين "امليكانيكي"‬
‫الذي سبق أن دعا إليه ديكارت واملنظرون الذريون‪ .‬على غرار هذه النظريت املهملة (انظر أعاله‪،‬‬
‫القسم ‪ ،)2.2‬مت افرتاض وجود "بذور" مكافئة للذكور واإلانث‪ ،‬واليت افرتض بعد ذلك أهنا تتحد يف‬
‫اجليل اجلنسي لتكوين اجلنني‪ .‬ولقد استكملت اإلصدارات اجلديدة من القرن الثامن عشر حساابت‬
‫القرن السابع عشر بدور جديد للمفاهيم الديناميكية للمادة والقوى املنظمة املتأصلة‪ .‬ففي حالة بوفون‪،‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪19‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫كانت هذه االدعاءات مدعومة مبالحظات جمهرية مثرية للجدل يفرتض أهنا دحضت االدعاءات‬
‫املعارضة اليت قدمها ويليام هاريف ‪ William Harvey‬قبل قرن من الزمان‪.‬‬

‫ميكننا بشكل مالئم أتريخ هذه التطورات من ختمينات بيري دي موبرتيوس ‪Pierre De‬‬
‫‪ ،Maupertuis‬املطروحة يف أطروحتني‪ ،‬املعروفة ابسم "فينوس الفيزايئية ‪Vénus‬‬
‫‪ "Physique‬اليت نُشرت عام ‪ .1745‬للتعامل مع صعوبة شرح كيفية استخالص البذور الذرية من‬
‫الذكر واألنثى ميكن تشكيلها يف تعقيد اجلنني‪ ،‬حيث اعتمد موبرتيوس على نوع من اجلذب النيوتوين‬
‫أيضا عناصر من نظرية املوندو الليبنيزية‪ .‬يف صيغته األخرية لعام‬
‫املتأصل يف هذه البذور والذي تضمن ً‬
‫‪ ،1751‬توسع يف هذا األمر بدعوى أن اجلسيمات نفسها ُمنحت مبدأ داخليًا أدى هبا إىل ترتيب‬
‫نفسها لتشكيل أجزاء معينة من اجلنني‪ .‬ديناميكية موبرتيوس "التخلق املتوايل ‪ "Epigenesist‬دمج‬
‫كل من امليكانيزمية واملادية الديناميكية‪.xlii‬‬

‫يوجد ‪-‬على األقل‪ -‬ثالث طرق أثبتت بواسطتها أن التغيري يف النظرية اجلنينية الذي وضعه موبرتيس‪،‬‬
‫والذي وضعه بوفون الح ًقا‪ ،‬وثيق الصلة ابملسألة األوسع اخلاصة ابلتحول التارخيي لألنواع‪:‬‬

‫أوالا‪ ،‬هذا التفسري اجلديد لألصل اجلنيين للكائن احلي يعين أنه منظم يف الواقع يف زمن اترخيي بدالً من‬
‫وجوده مسب ًقا‪ ،‬ويتكشف ببساطة يف حلظة مناسبة‪.‬‬

‫اثنياا‪ ،‬تضمنت نظرية وراثة املواد اليت أوضحت انتقال السمات اجلسدية من جيل إىل اجليل التايل من‬
‫خالل انتقال جسيمات املادة‪.‬‬

‫اثلثاا‪ ،‬ال يتم ضمان احلفاظ على هوية األنواع إال من خالل النقل الدقيق هلذا املرياث املادي‪ .‬إذا أتثر‬
‫هذا النقل بظروف خارجية أبي شكل من األشكال‪ ،‬من املمكن حدوث تغيري اترخيي كبري يف نسل‬
‫السلف واألحفاد‪ .‬هذه اخليارات‪ ،‬اليت مت فتحها من خالل تكهنات موبرتيوس‪ ،‬مت تطويرها الح ًقا ضمن‬
‫إطار مؤسسي بواسطة بوفون‪.‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪20‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫‪ .3‬حتولية بوفون يف تنويرية "التاريخ الطبيعي"‬


‫معا يف عمل بوفون‪ .‬يف حتول مهين رائع‬
‫مت مجع جمموعة القضاي املعقدة املوضحة يف القسم الثاين السابق ً‬
‫يف عام ‪ 1739‬انتقل فيه من منصبه كعامل ريضيات متقاعد يف األكادميية امللكية للعلوم يف ابريس‪ ،‬إىل‬
‫تعيني ملكي يف جملس إدارة حديقة امللك والتاريخ الطبيعي ‪ Jardin Du Roi‬يف ابريس‪ ،‬بوفون‬
‫جلب معه إىل جمال التاريخ الطبيعي وإىل تفكريه يف قضاي يف علم األحياء إملامه العميق ابملناقشات‬
‫ف عن كثب من‬ ‫النظرية الرئيسية اليت قسمت النيوتونيني والديكارتيني والليبنيزيني يف عصره‪ .‬كما تعر َ‬
‫خالل صديقه موبرتيوس على النقاشات حول نظرية األجيال ونظريت األرض‪ .‬لقد صاغ هذه املكوانت‬
‫يف جمموعة من وجهات النظر اجلديدة اليت كان من املفرتض أن حتدد هنجه اجلديد يف علوم احلياة على‬
‫مدار نصف القرن األخري من نظام بوربون امللكي ‪ .Bourbon Monarchy‬يف تفسري هذه‬
‫املقالة‪ ،‬كان بوفون الشخصية الرئيسية اليت مجعت جمموعة من القضاي اليت شكلت الشروط املسبقة‬
‫للتحولية يف علم األحياء‪ ،‬على الرغم من أنه لن ينتقل هو نفسه إىل هذه املنطقة النظرية‪ .‬فمن خالل‬
‫كتاابته اليت حظيت بشعبية كبرية‪ ،‬واليت تُرمجت إىل مجيع اللغات األوروبية الرئيسية‪ ،‬كان له أتثري على‬
‫املناقشات اليت تراوحت بني سانت بطرسربغ يف روسيا وفريجينيا يف املستعمرات األمريكية‪.‬‬

‫قادرا على ممارسة مثل هذا التأثري ابألساس املؤسسي امللموس الذي قدمته حديقة امللك‪،‬‬
‫كان بوفون ً‬
‫مع اجمللس االستشاري الكبري املصاحب للعينات اليت مت مجعها من مجيع أحناء العامل‪ .‬حتت قيادته‪ ،‬مت‬
‫إنشاء مركز ابرز لألحباث يف علم التشريح املقارن والكيمياء وعلم املعادن وعلم النبات والدراسة اجلغرافية‬
‫احليوية‪ .xliii‬من خالل توفري إطار مؤسسي هلذه االستفسارات‪ ،‬ميكن أن ختضع التخمينات‬
‫واالنعكاسات النظرية ملؤرخي الطبيعة يف القرن الثامن عشر لنقد منظم‪ ،‬وفحص متخصص يف سياق‬
‫إطارا‬
‫غري موجود يف مكان آخر يف العلوم الطبيعية التارخيية لتلك الفرتة‪ .‬قدمت رؤية بوفون النظرية ً‬
‫ملموسا متكن أولئك املرتبطون مباشرة بـالـ ‪ Jardin‬من تطوير أتمالت إضافية حول قضاي مثل طبيعة‬
‫ً‬
‫ومدة األنواع‪ ،‬وأمهية الدراسات التشرُيية املقارنة‪ ،‬والعالقات التارخيية لألشكال‪ ،‬ومعىن األحافري‪،‬‬
‫والعالقات املنهجية للكائنات احلية مع بعضها البعض‪ .‬كان ُمعاصر بوفون‪ ،‬كارولوس لينيوس‬

‫‪ ‬لعب بوفون دورً ا أساسيًا في تحويل ‪ Jardin du Roi‬حديقة الملك إلى مركز أبحاث ومتحف رئيسي‪ .‬كما قام بتوسيعها‪ ،‬وترتيب شراء قطع األرض المجاورة والحصول على عينات نباتية وحيوانية جديدة من جميع أنحاء العالم‪.‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪21‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫‪ ،)1778-1707( Carolus Linnaeus‬أستاذ الطب وعلم النبات يف جامعة أوبساال يف‬


‫السويد بعد عام ‪ ،1741‬له سلطة مماثلة يف جمال التاريخ الطبيعي‪ ،‬لكن مل يكن لدى لينيوس املوارد‬
‫والسلطة املؤسسية اليت متيزت هبا جاردان يف آخر أيم مملكة بوربون‪.‬‬

‫أدى هذا الظهور املتزامن هلاتني الشخصيتني الرئيسيتني يف علوم "التاريخ الطبيعي" لعصر التنوير األوسط‬
‫إىل تنافس كبري بني تقاليد البحث اليت من شأهنا أن تلعب على عدة جبهات‪ .‬عند بوفون‪ ،‬كان لدى‬
‫املرء منوذج ملنظر الطبيعة الكبري والبليغ الذي طور موضوعات رئيسية يف فلسفة التنوير الطبيعية‪ ،‬وطبقها‬
‫على املوضوعات البيولوجية‪ .‬بينما عند لينيوس‪ ،‬كان للمرء ِ‬
‫منظ ًما متدينًا للعامل الطبيعي يف عصره‪ ،‬والذي‬
‫شكل جملد "نظام الطبيعة ‪ "System Of Nature‬الضخم (الطبعة األوىل ‪ ،)1735‬إىل‬ ‫َّ‬
‫جانب العديد من األعمال األخرى‪ ،‬أساس التصنيف البيولوجي احلديث‪ .‬مهدت مناهجهم املختلفة‬
‫املسرح لصراع نظري كبري بني التقاليد يف العلوم التارخيية الطبيعية اليت مت جتميعها يف هناية املطاف يف‬
‫القرن التاسع عشر‪.xliv‬‬

‫إن تطوير بوفون للتحقيق النظري الواسع يف العلوم الطبيعية يف إطار هيكل مؤسسي ترعاه الدولة يستدعي‬
‫االهتمام اخلاص الذي يُعطى هنا ملسامهته يف اتريخ النظرية التطورية‪ .‬ومشلت هذه‪:‬‬

‫(‪ )1‬ثورته املنهجية يف نظرية املعرفة لعلوم التاريخ الطبيعي؛‬


‫)‪ (2‬حتليله‪ ،‬واحلل املقرتح ملشكلة التوليد احليواين والنبايت‪.‬‬
‫)‪ (3‬إعادة تصوره ملفهوم األنواع البيولوجية‪.‬‬
‫)‪ (4‬هنجه اجلغرايف احليوي لقضاي توزيع احليواانت وتنوعها‪.‬‬
‫)‪ (5‬اهتمامه النظري املتجدد بقضاي علم الكونيات و"نظرية األرض"‪.‬‬

‫(‪ )6‬و ً‬
‫أخريا‪ ،‬نُشر جتميعه اخلتامي لتاريخ األرض واحلياة يف احلساب الطبيعي الكبري ابعتباره كتابه الضخم‬
‫"عهود الطبيعة ‪) "Les Époques De La Nature‬من ‪ 1778‬إىل ‪ ،1779‬والذي قدم‬
‫منوذجا لتوليفات مماثلة من القرن التاسع عشر‪ .‬من خالل هذا املزيج من عدة سطور من البحث السابق‪،‬‬
‫ً‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪22‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫طرح بوفون سلسلة من األسئلة النظرية اليت مت استكشافها من قِبل ُخلفاء مهمني مرتبطني مبتحف ابريس‬
‫يف القرن التاسع عشر ويف التاريخ الطبيعي بشكل عام‪.‬‬

‫‪ 1.3‬بوفون‪ ،‬املنهج يف "التاريخ الطبيعي"‬


‫يف موقعه كفيلسوف طبيعي ‪-‬يف حواره عن أعمال نيوتن‪ ،‬ديكارت‪ ،‬ليبنيز‪ ،‬كلريوت‪ ،‬املوسوعيني‬
‫الفرنسيني‪ ،‬والفالسفة اإلجنليز الرئيسيني يف عصره‪ -‬استكشف بوفون األسئلة املنهجية والفلسفية‬
‫التأسيسية للتنوير ابالقرتان مع حتليله ألسئلة جتريبية‪ .‬كان أحد التعبريات عن هذه الرؤية األوسع نطاقًا‬
‫هو الطريقة غري العادية اليت سعى من خالهلا إىل التحقق من صحة التحقيق يف التاريخ الطبيعي فيما‬
‫يتعلق بنظرية املعرفة الطبيعية اليت اعتربها العلماء رواية يف ذلك الوقت‪ .xlv‬يف تطوير هنج منهجي جديد‬
‫للتاريخ الطبيعي‪ ،‬ادعى بوفون أن يؤسس حججه على شكل من أشكال اليقني التجريب ‪-‬احلقيقة املادية‬
‫‪ -Verité Physique‬اليت يتم احلصول عليها من خالل االستقصاءات يف العالقات امللموسة‬
‫للكائنات يف عالقاهتم املادية‪ .‬لقد عارض هذه "التجريدات" يف الفيزيء الريضية‪ ،‬وتوسعها‪ ،‬على ما‬
‫يبدو‪ ،‬احلجة الليبنيزية املستوحاة ضد نيوتن كما مت تطويرها يف أساسيات إميلي دو شاتليه ‪Émilie‬‬
‫‪ ،)1749-1706( Du Châtelet’s‬عمل من املعروف أن بوفون قد قرأه وأعجب به عندما‬
‫انتقل إىل مسريته املهنية يف التاريخ الطبيعي‪ .xlvi‬كما طور بوفون هذه احلجة يف "خطاب حول املنهج"‬
‫الذي فتح اجمللد األول من كتابه "التاريخ الطبيعي ‪ ،(1749) "Histoire Naturelle‬حيث‬
‫جادل بوفون أبن العلم القائم على املالحظة املتكررة للعالقات املادية امللموسة لألجسام ميكن أن ُيقق‬
‫درجة من اليقني املعريف يفوق ذلك املتاح من التحليل الريضي للطبيعة‪ .xlvii‬وعلى أساس هذا اإلطار‬
‫بعيدا عن مشروع‬
‫املعريف اجلديد‪ ،‬املوجه للبحث عن احلقيقة "املادية"‪ ،‬وجه بوفون ابلتايل التاريخ الطبيعي ً‬
‫تصنيفي يف املقام األول‪ .‬فكان املشروع األخري‪ ،‬الذي جتلى يف أعمال لينيوس املعاصر‪ ،‬قام بوفون ابنتقاد‬
‫لفرضه تصنيفات "جمردة" على الطبيعة‪ .‬ففي مكانه‪ ،‬سعى بوفون لتحليل الكائنات احلية فيما يتعلق‬
‫بظروف وجودهم املادية‪ .‬فقد كان من املقرر أن يركز هذا على عالقاهتم اإلجنابية‪ ،‬والتوزيع اجلغرايف‬
‫احليوي‪ ،‬ويف أعماله الالحقة‪ ،‬على صالهتم بعلم الكونيات واجليولوجيا التارخيية‪.‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪23‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫وقد وضعت هذه األفكار يف العمل الرئيسي بوفون‪ ،‬و يف التاريخ الطبيعي‪Histoire ،‬‬
‫‪Naturelle, Générale Et Particulière, Avec La Description Du‬‬
‫‪ .Cabinet Du Roi‬يف هذه املناقشات تعامل بوفون مع قضاي يف نظرية املعرفة التأسيسية‬
‫ومنهجية العلوم الطبيعية والتارخيية‪ ،‬كذلك مع العموميات وخصوصيات الكائنات العضوية‪ .‬كان القصد‬
‫مسحا جملموعة كاملة من احليواانت والنبااتت واملعادن‪ .‬يف حتقيقه الفعلي‪،‬‬
‫من العمل يف األصل أن يكون ً‬
‫جملدا بني عامي ‪ 1749‬و‪1767‬‬
‫كان أكثر حمدودية‪ .‬ظهرت السلسلة األوىل املكونة من أربعة عشر ً‬
‫وتناولت نشأة النظام الشمسي واألرض‪ ،‬وتوليد احليواانت‪ ،‬واختالف األنواع البشرية‪ ،‬والتاريخ الطبيعي‬
‫لذوات األربع‪ ،‬والقردة األولية‪ .‬وقد متت كتابة اجمللدات لذوات األربع الرئيسية من السلسلة األوىل‪ ،‬اليت‬
‫بدأت يف عام ‪ ،1753‬ابلتعاون مع عاملة التشريح املقارن ماري لويس دوبنتون ‪Marie-Louis‬‬
‫‪ .)1800-1716( Daubenton‬وقدمت سلسلة من سبع جملدات من اإلضافات (‪-1774‬‬
‫‪ )1789‬أتمالت وإضافات هلذه املقاالت‪ ،‬وتوسعت يف وجهات نظره حول اتريخ األرض‪ ،‬وذوات‬
‫األربع‪ ،‬واألنثروبولوجيا‪ .‬كما حتدثت عن جتارب على قوة اخلشب‪ ،‬وتربيد املعادن اليت طبقها لتحديد‬
‫عمر األرض‪ .‬يف اجمللد اخلامس التكميلي (‪ ،)1778‬قدم بوفون جتميعه الكبري لعلم الكونيات‪ ،‬واتريخ‬
‫األرض‪ ،‬واتريخ احلياة‪ .Les Époques De La Nature ،‬كما تناولت اخلمسة اجمللدات‬
‫اإلضافية (‪ )1888-1783‬قضاي املعادن‪ ،‬والكيمياء‪ ،‬والنار‪ ،‬والقوى الرئيسية للطبيعة‪ ،‬وخاصة‬
‫الكهرابء واملغناطيسية‪.‬‬

‫كذلك قدمت "عهود األرض ‪ ،"Epochs Of Nature‬اليت طُبعت منفصلة (‪ )1779‬وترمجت‬


‫إىل األملانية عام ‪ ،1781‬توليفة كبرية من علم الكونيات التارخيي‪ ،‬واتريخ األرض‪ ،‬واتريخ احلياة الذي‬
‫كان له أتثري على العديد من التوليفات الالحقة اليت مت تطويرها ابللغة األملانية (هريدر ‪،Herder‬‬
‫شيلينج ‪ ،)Schelling‬وابللغة الفرنسية (السيبيد ‪ )Lacépède‬ورمبا اإلجنليزية (تشامربز‬
‫‪ )Chambers‬التاريخ الطبيعي‪ .‬ولقد استمرت االستفسارات اخلاصة مبجموعات احليواانت بعد وفاته‬
‫من قِبل زميله برانرد دي السيبيد ‪ ،)1825-1756( Bernard De Lacépède‬الذي وسع‬
‫هنج بوفون العام جتاه الزواحف (‪ ،)1789-1788‬واألمساك (‪ ،)1803-1798‬واحليتانيات‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪24‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫(‪ .)1804‬لقد أصبح "عصر بوفون" حقبة حمددة يف التاريخ الطبيعي‪ ،‬وأنشأ حديقة امللك وخليفتها‬
‫الثوري‪ ،‬املتحف الوطين للتاريخ الطبيعي ‪،Muséum National D’histoire Naturelle‬‬
‫ابعتباره املركز املؤسسي األول للبحث التارخيي الطبيعي خالل القرن التاسع عشر‪.xlviii‬‬

‫سردا‬
‫يف حديثه عن اتريخ األرض‪ ،‬خالف بوفون تقليد ديكارت "الواقعي املضاد"‪ .‬حيث قدم مكانه ً‬
‫وح ْرفيًا علميًا ألصول األرض وأشكال حياهتا‪ .‬كما أن أسلوب بوفون اجلديد يف االستقصاء‬
‫دنيوي َ‬
‫ً‬
‫أيضا عن ارتباطه الطويل ابلالهوت الطبيعي املصمم بعناية‪ ،‬والذي طوره مؤرخو‬
‫التارخيي الطبيعي فصله ً‬
‫الطبيعة الربيطانيون بعد جون راي ‪ .)1705-1627( John Ray‬كانت هذه ميزة أخرى ُمتيز‬
‫أسلوبه يف التاريخ الطبيعي عن أسلوب لينيوس‪ .‬إذا مل يكن وحده املسؤول عن "كسر حدود الوقت"‪،‬‬
‫فقد كان مع ذلك أحد الشخصيات الرئيسية يف "ثورة الزمن" يف القرن الثامن عشر األخري‪ .xlix‬على‬
‫الرغم من أن كل هذه النقاط قُدمت قبل كتاب العهود ‪ 1779-1778‬يف شكل جمزأ‪ ،‬ويف كثري من‬
‫األحيان بدون تطور ٍ‬
‫مرض من وجهة نظر فلسفية عامة‪ ،‬فإن عرضها يف أعمال بوفون ذات التأثري الواسع‬
‫أثر بعمق على التقليد الالحق للتاريخ الطبيعي‪.‬‬

‫‪ 2.3‬بوفون‪ ،‬عن اجليل‬


‫يتم عرض املظهر امللموس ملزيج بوفون من املنهجية اجلديدة واالستقصاء التجريب ألول مرة بواسطة‬
‫معاجلته للجيل اجلنيين يف اجمللد الثاين من كتابه التاريخ الطبيعي (‪ .)1749‬تكمن هذه املبادئ ً‬
‫أيضا‬
‫يف حتليله غري العادي ملعىن "األنواع" يف التاريخ الطبيعي‪ .‬يف كلتا احلالتني‪ ،‬يبدو أن مفهوم اليقني املعريف‬
‫دورا أساسيًا يف أتمالته‪ .‬ابتباعه لقيادة صديقه‬
‫املكتسب من "التواتر املستمر" لألحداث قد لعب ً‬
‫مستمدا أصل اجلنني من‬
‫ً‬ ‫أيضا نظرية بذرة الذكور واإلانث لشرح التكاثر اجلنسي‪،‬‬
‫موبرتيوس‪ ،‬أيد بوفون ً‬
‫اخلليط امليكانيكي هلذه املكوانت‪ .‬التضخيم بناءً على تكهنات موبرتيوس السابقة (انظر أعاله‪ ،‬القسم‬
‫‪َ ،)4.2‬شَر َح تنظيم جسيمات هاتني البذرتني يف كل منظم من خالل قوى دقيقة حمددة بشكل وثيق‬
‫مع قوى اجلذب النيوتونية اليت شكلت جمال قوة منظم‪" ،‬قالب داخلي"‪ ،‬تلك املادة املستوعبة ابلرتتيب‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪25‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫الصحيح للتطور اجلنيين‪ .‬من منظور اترخيي أطول‪ ،‬عملت نظرية بوفون عن القالب الداخلي بطريقة‬
‫مشاهبة ملفهوم أرسطو عن شكل جوهري‪ ،‬ومن احملتمل أهنا أتثرت مبناقشات أرسطو يف ‪De‬‬
‫‪( Generatione Animalium‬انظر أعاله‪ ،‬القسم ‪ .)1.1‬يعمل هذا "القالب" كمبدأ جوهري‬
‫للتنظيم الذي يعمل يف الشركة مع املادة هليكل الكائن احلي املوحد عن طريق التطور التدرجيي‪ .‬يضمن‬
‫أيضا إدامة اإلعجاب ابملِثل مبرور الوقت‪ .‬على عكس الشكل اجلوهري ألرسطو‪ ،‬فإن‬ ‫القالب الداخلي ً‬
‫قالب بوفون الداخلي ليس له هنائية داخلية يف عمله‪ .‬كما أنه ليس مبدأ احليوية‪.‬‬

‫هلذا السبب‪ ،‬طُلب من بوفون من الناحية املفاهيمية إسناد بعض الصالحيات اجلديدة للمسألة حلساب‬
‫اإلجراءات احليوية‪ .‬يف متابعة هذا اخليار‪ ،‬كسر مع امليكانيزمية العاملية وافرتاض سلبية املادة اليت كانت‬
‫أيضا أوجه‬
‫جوهري للفلسفة امليكانيكية وبعض تفسريات نيوتن (انظر أعاله‪ ،‬القسم ‪ .)3.2‬هناك ً‬
‫ً‬ ‫مكوان‬
‫ً‬
‫تشابه مهمة بني "احليوية" اجلديدة اخلاصة به‪ ،‬وبني تلك املوجودة يف مناقشات ليبنيز مثل تلك اليت مت‬
‫شرحها يف ‪ Institutions De Physique‬إميلي دو شاتليه يف عام ‪ .l1740‬إلعطاء تفسري‬
‫معقول للتكوين اجلنيين‪ ،‬جيب‪ ،‬ابلتايل‪ ،‬أن تُنسب اخلصائص احليوية إىل نوع معني من املادة يقتصر على‬
‫الكائنات احلية‪ ،‬وهي اجلزيئات العضوية ‪ ،Organic Molecules‬اليت هلا خصائصها الديناميكية‬
‫واحملددة املتأصلة‪.‬‬

‫مهما يف اتريخ علوم‬


‫تطورا ً‬
‫ميثل تقدمي بوفون ملفهوم املادة "احليوية" ‪-‬حىت مع وجود قيود على أفعاهلا‪ً -‬‬
‫احلياة يف هذه الفرتة‪ .‬لقد حطمت وحدة املادة اليت افرتضتها التقاليد النيوتونية واجلاسندية والديكاريت‪،‬‬
‫وبطريقة حمدودة وضع بوفون عند افتتاح الثورة "احليوية" اليت بدأت االنعكاسات األوىل حول حتولية‬
‫أبدا إىل هذا اجملال اجلديد‪.li‬‬
‫األنواع احلقيقي‪ ،‬على الرغم من أن بوفون نفسه مل ينتقل ً‬
‫يف عروضه التقدميية األصلية‪ ،‬تصور بوفون هذه القوالب الداخلية وحدد اجلزيئات العضوية اليت نشأت‬
‫من اخللق اإلهلي‪ .‬مع تقدم التاريخ الطبيعي‪ ،‬على أية حال‪ ،‬نظر بوفون بشكل متزايد إىل اجلزيئات‬
‫العضوية املراد تشكيلها من مادة "وحشية" أصلية غري متمايزة‪ ،‬وشوهدت القوالب الداخلية نفسها تنشأ‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪26‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫تلقائيًا‪ ،‬وحصلت على خصوصية عملها من قوى اجلذب التفاضلية بني أشكال خمتلفة من اجلسيمات‬
‫العضوية‪.lii‬‬

‫‪ 3.3‬إعادة تصور األنواع‬


‫كان يتبع حله املقرتح لقضية التوليد العضوي الذي تناول بوفون بعد ذلك مسألة األنواع العضوية‬
‫ودوامها‪ .‬يف اجمللد الرابع من التاريخ الطبيعي )‪ ،(1753‬املخصص لذوات األربعة احمللية الكبرية‪ ،‬أًثر‬
‫بوفون أوالً خيار "حتولية األنواع"‪ ،‬فقط لرفضه‪ .‬يف مقال "‪ "The Ass‬املخصص للحمار احمللي‪ ،‬لفت‬
‫بوفون االنتباه إىل التشابه التشرُيي الوثيق بني احلصان واحلمار‪ ،‬كما أوضحت األوصاف التشرُيية‬
‫ملعاونه دوبنتون ‪ .Daubenton‬يشري هذا التشابه بقوة إىل وحدة أساسية للخطة جلميع األشخاص‬
‫اشتق يف وقت اترخيي من ساق‬
‫الرابعي‪ ،‬وهو تشابه يزيد من احتمال أن يكون كل رابعي األرجل قد ُ‬
‫واحد (‪ )Souche‬اليت "على التوايل‪ ،‬أنتجت‪ ،‬ابلكمال واالحنطاط‪ ،‬مجيع احليواانت األخرى"‪ .liii‬يف‬
‫خطوة أربكت املعلقني منذ ذلك احلني‪ ،‬رفض بوفون هذا االحتمال وبدالً من ذلك جادل أنه بسبب‬
‫عقم اهلجينة‪ ،‬جيب أن تكون األنواع خمتلفة منذ البداية‪.‬‬

‫أشكاال عديدة مت اختذها يف تفسري رفض بوفون األويل للتحولية يف عام ‪ ،1753‬وتطوره الالحق‬
‫ً‬
‫لوجهات النظر التطورية األولية مع تقدم التاريخ الطبيعي‪ .liv‬احلجة يف هذه املقالة هي أن ً‬
‫كال من رفض‬
‫تطورا متماس ًكا ومتس ًقا‬
‫بوفون األويل للتحولية‪ ،‬وتطوره الالحق حنو قبول تغيري األنواع التارخيية‪ ،‬يعكس ً‬
‫ملفهومه عن "احلقيقة املادية" (انظر أعاله‪ ،‬القسم ‪ .)1.3‬ابالعتماد على أتكيده على التكرار املتسلسل‬
‫كأساس للحقيقة الفيزيئية‪ ،‬يتم احلفاظ على األنواع يف الوقت املناسب وإعطاء واقعها األنطولوجي من‬
‫خالل تكرار مرور القالب الداخلي الذي يشكل اجلزيئات العضوية إىل كائن حي جديد يف الوقت‬
‫املناسب‪.‬‬

‫هذا التحليل ضمنيًا لبوفون إعادة تعريف مهمة ملفهوم األنواع العضوية‪ ،‬إعادة تعريف أثرت على تقليد‬
‫التاريخ الطبيعي‪ ،‬وعلم األحياء منذ مخسينيات القرن الثامن عشر‪ .‬رفض بوفون صراحة املعىن املقبول‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪27‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫منذ زمن طويل لـ "األنواع" كمعىن كلي ‪ -‬أو‪ ،‬بلغة حديثة‪ ،‬مفهوم طبقي‪ ،‬يتكون من جمموعة من األفراد‬
‫على أساس امتالك خصائص تعريف صرُية‪ .‬كان هذا هو املعىن الضمين يف تصنيف ليين ‪Linnaean‬‬
‫يف عصره‪ .‬انتقد هذا املفهوم بوفون على أنه معىن "جمرد" لألنواع‪ .‬على النقيض من ذلك‪ ،‬عرف بوفون‬
‫حصري على أنه اخلالفة التارخيية لألسالف واألحفاد املرتبطني ابالتصال‬
‫ً‬ ‫نوعا ما يف التاريخ الطبيعي‬
‫ً‬
‫املادي عرب اجليل‪ .‬مثل هذا النوع‬

‫‪ ...‬ليس العدد وال جمموعة األفراد املتشاهبني الذين يشكلون النوع؛ إن اخلالفة املستمرة‬
‫والتجديد املستمر هلؤالء األفراد هو الذي يشكلها‪.lv‬‬
‫العالمة التجريبية هلذه الوحدة األساسية لألنواع مبرور الوقت هي قدرة أعضائها على التزاوج وإنتاج ذرية‬
‫خصبة‪ ،‬وهو معيار له األسبقية على أوجه التشابه يف علم التشريح أو عادات احلياة‪ .‬جيب أن يكون‬
‫نسال خصبًا‪ ،‬مهما كان تشاهبهما‬ ‫احلصان واحلمار نوعني خمتلفني ألهنما ال يستطيعان التزاوج وينتج ً‬
‫التشرُيي‪ .‬من انحية أخرى‪ ،‬جيب أن تشكل الكالب‪ ،‬على الرغم من االختالفات املورفولوجية الكبرية‬
‫احدا بسبب قابليتها للتفاعل‪.‬‬
‫نوعا و ً‬
‫بني السالالت‪ً ،‬‬
‫يف حتديد هذا املعىن اجلديد لـ "األنواع" يف التاريخ الطبيعي‪ ،‬ومتييزه عن املعىن البديل لألنواع كعموم‬
‫منطقي‪ ،‬كان بوفون يفعل أكثر من متييز "الفئة" من "التصنيف" حيث أصبحت هذه املصطلحات يفهم‬
‫يف فلسفة علم األحياء املعاصرة‪ .‬مبعىن هام‪ ،‬قدم بوفون معارضة بني هذين املعنيني لكلمة "األنواع"‬
‫املوجودة يف التقليد الذي يعود إىل أرسطو (انظر أعاله‪ ،‬القسم ‪ ،)1.1‬ماحنًا "الواقع" يف علم األحياء‬
‫فقط لألنواع اليت مت تصورها على أهنا تعاقب مادي ألفراد يتشاركون يف انتشر القالب الداخلي نفسه يف‬
‫الوقت املناسب‪ .‬على النقيض من ذلك‪ ،‬اعترب بوفون فهم األنواع مبعىن مفهوم الطبقة العاملية "جمردة"‬
‫و"مصطنعة"‪.‬‬

‫هذه املعارضة الصرُية ملعنيني من "األنواع" اليت قدمها بوفون‪ ،‬واملفاهيم املتناقضة املرتبطة ساب ًقا بعالقة‬
‫معقدة بني الفكر والعامل داخل املناقشات األرسطية واملدرسية‪ ،‬قد اعتربها بعض املعلقني مبثابة إشارة إىل‬
‫إدخال ارتباك أساسي حول مفهوم األنواع يف املناقشات الالحقة يف األدبيات البيولوجية‪ .‬هذا على‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪28‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫األقل أحد األسباب الكامنة وراء ما يسمى "مشكلة األنواع"‪ .‬يف التوسع التارخيي‪ ،‬تستمر هذه القضاي‬
‫يف توليد اخلالفات املعاصرة اليت تعارض مفاهيم "األنواع كمجموعات" على مفاهيم "األنواع كأفراد‬
‫مكاين‪-‬زماين"‪.lvi‬‬

‫‪ 4.3‬االحنطاط التارخيي لألنواع‬


‫التطورات الالحقة يف فكر بوفون جتاه ما فسره التقليد األقدم للمعرفة عن طريق اخلطأ على أنه "تطورية"‪،‬‬
‫تضمنت التوسيع التدرجيي ألنواعه الطبيعية‪-‬التارخيية أو "املادية" لتشمل درجات أوسع وأوسع من العالقة‬
‫املادية‪ .‬هذا التوسع ملفهومه األصلي لألنواع يعرب عنه بوفون بلغة "احنطاط‪/‬احنالل‬
‫‪ "Degeneration‬األشكال يف الوقت املناسب استجابة للظروف البيئية‪.‬‬

‫عادت املواجهة مع جمموعة كبرية من البياانت اجلديدة من املستعمرات والرحالت االستكشافية إىل‬
‫ابريس أثناء كتابة التاريخ الطبيعي‪ ،‬أًثر إعجاب بوفون ابلدرجة اليت يبدو أن األنواع تتأثر ابلظروف‬
‫اخلارجية‪ ،‬مثل أنه من مصدر واحد ميكن أن تنشأ العديد من "احنطاطات" يف بعض اجملموعات‪ .‬شكل‬
‫هذا األساس املفاهيمي ملفهومه عن العرق على أنه متميز عن تـنـوع لنني‪ .‬كان "العرق" ابملعىن البوفوين‬
‫مبثابة احنطاط اترخيي من سلف مشرتك‪ ،‬اليت حافظت على االرتباط املادي والتارخيي بنموذج املصدر‬
‫املشرتك هذا‪ .‬لكن هذا النسب ميكن أن خيضع لتمايز وراثي كبري وشبه دائم يف سالالت خمتلفة‪ ،‬مع‬
‫تفسري سبب هذه االحنطاطات من خالل تغيريات طفيفة يف اجلزيئات العضوية اليت تنتجها الظروف‬
‫البيئية املتغرية مع هجرة نوع مادي إىل بيئات جديدة‪ .‬أثرت هذه التغيريات الطفيفة بدورها على "القالب‬
‫الداخلي"‪ .‬مت تطويره أبكرب قدر من التفصيل يف مقالته الطويلة‪" ،‬حول احنطاط احليواانت" يف اجمللد‬
‫الرابع عشر (‪ )1766‬من التاريخ الطبيعي‪ ،‬امتدت نظرية بوفون حول احنطاط األنواع إىل حد السماح‬
‫بتجميع ذوات األربع لكل من القدمي‪ ،‬وعوامل جديدة يف عدد حمدود من الرئيسيات "الفصائل"‬
‫و"األنواع"‪ ،‬أنه من نقاط املنشأ يف نصف الكرة األوروبية الشمالية‪ ،‬حتولت أو احنطت مبرور الوقت‬

‫‪ ‬جرى تعريف معنى االنحطاط تعريفًا ضعيفًا‪ ،‬ولكن يمكن وصفه بأنه تغيّر الكائن الحي من شكل أكثر تعقيدًا إلى شكل أبسط وأقل تمايزً ا‪ ،‬ويرتبط بمفاهيم االنحدار البيولوجي للقرن التاسع عشر‪.‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪29‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫استجابةً للهجرة إىل مناطق جديدة‪ .‬من خالل تضمني البشر يف هذا السيناريو الطبيعي يف كتاابته‬
‫الالحقة‪ ،‬وافرتاض أن السالالت البشرية قد خضعت لتغريات تنكسية مماثلة عندما هاجروا من نقطة‬
‫دورا رئيسيًا يف تطوير نظرية التنوير العرقية‪.lvii‬‬
‫أصلهم املفرتضة للبشر يف القوقاز‪ ،‬لعبت نظرية بوفون ً‬
‫اختذ بوفون بعد ذلك بعض اخلطوات حنو اجلمع بني أطروحة االحنطاط التارخيي لألنواع‪ ،‬ونظريته يف علم‬
‫الكونيات التارخيي يف ‪ ،Les Époques De La Nature‬الذي نُشر ألول مرة كملحق للتاريخ‬
‫الطبيعي يف عام ‪ .1778‬يف هذه األطروحة أعاد صياغة كِتابه التكهنات السابقة حول "نظرية األرض"‪،‬‬
‫اليت انطلقت ألول مرة يف عام ‪ ،1749‬مضيفةً إىل ذلك التسلسل الزمين التارخيي لعمر األرض الذي‬
‫مت حتديده جتريبياً يف سبعينيات القرن الثامن عشر من خالل دراسات كمية على جماالت تربيد املعدن‪.‬‬
‫يف هذا التوليف اخليايل‪ ،‬وابالعتماد على قراءة جمازية لسفر التكوين التورايت اإلصحاح األول‪ ،‬مجع بوفون‬
‫اتريخ األرض مع تسلسل اترخيي لظهور األشكال احلية‪ .lviii‬وبذلك وسع النطاق الزمين لتاريخ األرض‬
‫إىل حد كبري إىل ما هو أبعد من التسلسل الزمين "املوسوي" املقبول الذي يقل عن ‪ 10000‬سنة من‬
‫بداية العامل حىت الوقت احلاضر‪ ،‬إىل ما يقرب من ‪ 75000‬سنة يف النسخة املنشورة‪ ،‬وأكثر من مليوين‬
‫سنة يف مسودة املخطوطة‪ .‬يف هذه األطروحة‪ ،‬قدم بوفون حالً طبيعيًا للمعضلتني الديكارتيتني املوروثتني‪.‬‬
‫أوالا‪ ،‬مت تقدمي خمططه كحساب واقعي‪ .‬اختفت اللغة الديكارتية للواقعية املضادة‪ .‬اثنياا‪ ،‬دمج اتريخ‬
‫األشكال احلية يف هذا التاريخ الشامل للعامل‪ .‬ابإلضافة إىل تطبيع نظريته عن القوالب الداخلية واجلزيئات‬
‫العضوية‪ ،‬فقد نشأ كالمها اآلن من خالل القوانني الطبيعية من اجلذب الطبيعي ألشكال خمتلفة من‬
‫املادة‪ ،‬ومن التغريات يف املادة‪ ،‬حيث تربد األرض من أصلها من املادة اليت أطلقتها الشمس‪ .‬فقد نشأت‬
‫احليواانت أوالً عن طريق التكتل التلقائي هلذه اجلزيئات العضوية على األرض الباردة‪.lix‬‬

‫قدم كتاب العهود ً‬


‫أيضا خمططًا لتسلسل اترخيي من األشكال يف سلسلة من ستة "عهود" رئيسية أعطيت‬
‫تواريخ حمددة للمدة‪ .‬يبدأ هذا أبصل األرض من جنم ابرد‪ ،‬مث يصف بداية الطبيعة احلية مع احلياة البحرية‬
‫أصال‬
‫والنبااتت يف املراحل األوىل من اتريخ األرض‪ ،‬وينتهي ابألشكال احلالية‪ ،‬حىت أن روايته اقرتح ً‬
‫طبيعيًا للبشر‪ ،‬على الرغم من ترك هذه القضية غامضة‪ .‬تظهر البشرية‪ ،‬بدون تفسري يف النص‪ ،‬يف حالة‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪30‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫غري فردوسية يف خطوط العرض الشمالية ألوراسيا ‪ ،Eurasia‬حماطة ابحليواانت الشرسة والزالزل‬
‫والفيضاانت‪ ،‬ويف حالة اجتماعية بدائية تتطلب التعاون من أجل البقاء‪ .‬إن استخدام بوفون الليربايل‬
‫لشكل من أشكال التوليد التلقائي الذي مسح أبصل حىت جمموعات احليواانت الرئيسية من تكتل‬
‫معا مع تربيد األرض‪ ،‬جعل االشتقاق الفعلي لألشكال من األشكال السابقة غري‬
‫اجلزيئات العضوية ً‬
‫استخداما أكثر‬
‫ً‬ ‫ضروري‪ .‬من نو ٍاح عديدة‪ ،‬تطلب تطوير نظريت التحول احلقيقية من قبل خلفاء بوفون‬
‫تقييدا إلمكانية التوليد التلقائي‪.‬‬
‫ً‬

‫‪ 5.3‬االستقبال للـ "التاريخ الطبيعي" لبوفون‬


‫خارج حدود حديقة ابريس‪ ،‬كانت االنعكاسات املستوحاة من بوفون يف مناقشات أوسع يف أواخر‬
‫عصر التنوير معقدة‪ .‬على سبيل املثال‪ ،‬كان االستقبال لكتاب ‪Des Époques De La‬‬
‫أبدا إىل اللغة اإلجنليزية حىت وقت قريب (‪ ،)2018‬ويبدو أنه‬ ‫‪lx‬‬
‫متفاوات ‪ .‬مل يُرتجم العمل ً‬
‫ً‬ ‫‪Nature‬‬
‫ضئيال يف املناقشات الناطقة ابإلجنليزية‪ ،‬على عكس التأثري الكبري ألعمال لينيوس‪ ،‬واليت‬
‫دورا ً‬
‫لعب ً‬
‫أيضا مع‬
‫حظيت برتمجة وعرض بريطانيني واسعني‪ .‬كان الطابع التخميين اجلريء للعصور على خالف ً‬
‫التحقيقات املهنية اجلديدة يف اجليولوجيا والتاريخ الطبيعي اليت قام هبا جيل أصغر من علماء الطبيعة‬
‫الذين رمبا تبنوا مذهب بوفون الطبيعي وامتداد علم األرض‪ ،‬ولكن ليس أسلوبه اخلطايب الكبري‪.lxi‬‬

‫مع ذلك‪ ،‬أظهرت األحباث التارخيية‪ ،‬أن كتاب العهود كان هلا اتريخ مؤثر عند انطقي األملانية‪ .lxii‬متت‬
‫مهما يف تطوير‬
‫دورا ً‬
‫ترمجة األطروحة بسرعة (‪ )1781‬إىل األملانية يف سانت بطرسربغ‪ ،‬ويبدو أهنا لعبت ً‬
‫التارخيية األملانية‪ .lxiii‬فعلى الرغم من أن الروابط يف حاجة إىل مزيد من البحث العلمي‪ ،‬فإن أتثري كتاب‬
‫العهود بوفون على التحول التارخيي الذي رمسه بعد بضع سنوات يوهان جوتفريد هريدر ‪Johann‬‬
‫‪ )1803-1744( Gottfried Herder‬يف اجمللد األول من كتابه الرائع "أفكار حول فلسفة‬

‫‪‬‬
‫هي كتلة أرضية مكونة من قارتي أوروبا وآسيا‪ .‬تشكلت قبل حوالي ‪ 350‬مليون سنة بعد اندماج القارات‪.‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪31‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫اتريخ البشرية ‪Ideen Zur Philosophie Der Geschichte Der‬‬


‫‪ ،)1791-1784( "Menschheit‬حيث مت اقرتاحه من خالل عدة أسطر من األدلة‪.lxiv‬‬

‫مع ذلك‪ ،‬احنرف هريدر بشكل ملحوظ عن بوفون يف تطوير نظريته التارخيية اخلاصة عن الكون وتطور‬
‫احلياة‪ ،‬ويف النهاية يف الثقافة البشرية‪ ،‬على إطار من التقدم الغائي القائم على نظرية "حيوية" للمادة‪.‬‬
‫ابلنسبة إىل هريدر‪ ،‬ليس الكائن احلي الفردي فحسب‪ ،‬بل الطبيعة ككل تتطور حتت أتثري قوة عضوية‬
‫داخلية تقودها إىل تطوير مراحل أعلى وأعلى من احلياة‪ ،‬مما يؤدي يف النهاية إىل التطور النهائي للبشرية‬
‫يف التاريخ‪.‬‬

‫‪ .4‬التحولية‪ ،‬يف أوائل القرن التاسع عشر‬


‫حبلول أوائل القرن التاسع عشر‪ ،‬ميكن للمرء أن يتبع عدة خطوط انعكاس تقبل شكالً من أشكال‬
‫مكوان رئيسيًا يف تطوير الفلسفة الطبيعية األملانية‪،‬‬
‫حتولية األنواع‪ .‬يف أملانيا‪ ،‬شكلت انعكاسات هريدر ً‬
‫والعلم"الومهي" الذي توسع يف كتاابت يوهان جوته ‪،)1832-1749( Johann Goethe‬‬
‫فريدريش شيلينج ‪ ،)1854-1775( Friederich Schelling‬جوتفريد تريفريانوس‬
‫‪ )1837-1776( Gottfried Treviranus‬والعديد من اآلخرين الذين دافعوا عن نسخة من‬
‫فلسفة تقدمية اترخيية للطبيعة مع على األقل "التطور" إن مل يكن التحولية الفعلية لألنواع يف الوقت‬
‫املناسب‪ .lxv‬يف اجلزر الربيطانية يف الفرتة نفسها‪ ،‬قدمت االنعكاسات يف اجمللد الثاين من كتابه "قوانني‬
‫احلياة العضوية ‪ )1796-1794( "Zoonomia‬إليرامسوس داروين ‪Erasmus Darwin‬‬
‫(‪ ،)1802-1731‬سلف تشارلز داروين‪ ،‬حيث قدم نظرية تطور األنواع على أساس مفهوم املادة‬
‫احلية الديناميكية‪ .‬مع االعرتاف هبذه اخلطوط املتعددة من التفكري يف القضاي‪ ،‬واليت ميكن متابعة كل‬
‫منها ابلتفصيل‪ ،‬فإن التطوير املؤسسي هلذه املناقشات حول حتول األنواع فيما يتعلق ابلتاريخ اجليولوجي‬
‫ميكن متابعته بسهولة من خالل مناقشاهتم الفرنسية‪ ،‬وهذه األفكار الفرنسية كانت مهمة بشكل خاص‬
‫للتشكيل املبكر للتطورات النظرية اخلاصة بتشارلز داروين‪.‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪32‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫‪ 1.4‬التحولية الفرنسية ‪1830-1790‬‬


‫انتهت قيادة بوفون للحديقة امللكية بوفاته يف أبريل من عام ‪ 1788‬على حافة التغيريات االجتماعية‬
‫والسياسية والعلمية اهلائلة اليت كانت ستتفوق على فرنسا بعد عام‪ .‬ابعتبارها املنظمة العلمية الرئيسية‬
‫الوحيدة اليت جنت من تفكيك مجيع مؤسسات االمتياز األخرى مبوجب االتفاقية يف صيف عام ‪،1793‬‬
‫وإعادة هيكلة املتحف الوطين للتاريخ الطبيعي ‪Muséum National D’histoire‬‬
‫‪ Naturelle‬استمرار خل ًفا ملا بعد الثورة للحديقة امللكية‪ .lxvi‬يف هذا الشكل اجلديد‪ ،‬قُدم سياقًا‬
‫مؤسسيًا مت فيه متابعة العديد من جوانب مهمة بوفون الكربى يف التاريخ الطبيعي يف العقود اليت أعقبت‬
‫‪lxvii‬‬
‫جديدا لعمل لينيوس‬
‫ً‬ ‫تقديرا‬
‫ً‬ ‫ا‬‫أيض‬
‫ً‬ ‫املتحف‬ ‫ج‬‫أدر‬ ‫اجلديدة‪،‬‬ ‫ية‬
‫ر‬ ‫للجمهو‬ ‫الثوري‬ ‫السياق‬ ‫يف‬ ‫‪.‬‬ ‫وفاته‬
‫واملشروع التصنيفي الذي أهلمه‪ .‬حظي لينيوس ابإلعجاب والشعبية من قِبل جان جاك روسو ‪Jean‬‬
‫‪ ،Jacques Rousseau‬وابلنسبة لبيولوجيا اجلمهورية الفرنسية‪ ،‬كان ينظر إىل لينيوس وهنجه‬
‫الوصفي يف علم األحياء يف تناقض إجيايب مع أسلوب بوفون‪ ،‬الذي كان يُنظر إليه على أنه رمز للنظام‬
‫القدمي‪ .‬أصبحا قائدا التاريخ الطبيعي يف الواقع ابلنسبة لعلماء الطبيعة الفرنسيني ما وصفه جورج كوفييه‬
‫‪ )1832-1769( George Cuvier‬فيما بعد أبهنما "ينبوعان" استلهموا منهما بشكل مشرتك‪.‬‬

‫جديدا من التخصص يف البحث ضمن ما كان يُنظر‬ ‫نوعا ً‬‫كما خلقت إعادة التنظيم الثوري للحديقة ً‬
‫إليه ساب ًقا على أنه "اتريخ طبيعي"‪ .‬أُنشئت إعادة التنظيم عام ‪ 1793‬داخل املتحف اثين عشر كرسيًا‬
‫منفصالً يف وضع متسا ٍو‪ ،‬واليت منحت أفر ًادا حمددي السيطرة على أجزاء من اجملموعات والعمل البحثي‬
‫الذي مت إجراؤه داخل هذه األقسام‪ ،‬وبذلك أسست تقسيمات صارمة جديدة يف التاريخ الطبيعي‪.‬‬
‫ُو ِض َعت "الثدييات والطيور" حتت قيادة إتيان جوفروي سانت هيلري ‪Etienne Geoffroy‬‬
‫‪ .)1844-1772( Saint-Hilaire‬مت وضع قسم "الزواحف واألمساك" لبوفون البديل برانرد دي‬
‫السيبيدي ‪ .)1825-1756( Bernard De Lacépède‬أعطيت "تشريح اإلنسان" ألنطوان‬
‫بوراتل ‪ .)1832-1742( Antoine Portal‬أدى إنشاء كرسي جديد لعلم التشريح املقارن‪ ،‬مع‬
‫وجود متحف منفصل مرافق مت إنشاؤه يف عام ‪ ،1802‬إىل توفري املنصب لعامل احليوان األلزاسي الشاب‬
‫جورج كوفييه ‪ .Georges Cuvier‬مت وضع اجملموعة الكبرية من األشكال‪ ،‬اليت كانت تُعرف ساب ًقا‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪33‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫ابسم "الديدان" فقط‪ ،‬حتت سيطرة جان اببتيست بيري أنطوان دي مونيه ‪Jean Baptiste Pierre‬‬
‫‪ ،Antoine De Monet‬شوفالييه دي المارك ‪-1744( Chevalier De Lamarck‬‬
‫‪- )1829‬زميل بوفون السابق‪ .‬مت إنشاء كراسي أخرى يف علم النبات وعلم احلفريت وعلم وظائف‬
‫األعضاء املقارن واألنثروبولوجيا‪ ،‬أو سيتم تطويرها يف القرن التاسع عشر‪ .‬كل هذه اهلياكل املؤسسية‬
‫اجلديدة قسمت "التاريخ الطبيعي" التقليدي‪ ،‬وسهلت التحقيقات املهنية يف جماالت حمددة من علوم‬
‫احلياة اليت تتعلق بطبيعة األنواع‪ ،‬وتفسريات النظم التصنيفية‪ ،‬والتاريخ واجلغرافيا احليوية لألرض‪.lxviii‬‬

‫يف هذا السياق‪ ،‬ومن خالل موقعه كأول حامل لرائسة قسم "الديدان ‪ ،"Vers‬طور جان اببتيست‬
‫دي المارك ‪ Jean Baptiste De Lamarck‬خالل فرتة واليته أول نظرية متماسكة لتغيري‬
‫األنواع عرب الزمن التارخيي‪ ،‬واليت عُرفت يف النهاية ابملصطلح اجلديد – التحويلية أو التطفرية‬
‫‪ .Transformisme‬يثبت المارك يف كثري من النواحي االدعاء أبنه أول مفكر تطوري حقيقي‬
‫يقع داخل مؤسسة علمية حمرتفة‪.‬‬

‫ظهرت نظرية المارك عن حتولية األنواع تدرجييًا يف حماضراته السنوية يف متحف "حيواانت بال فقرات"‬
‫واليت بدأت عام ‪ .1794‬وبصفته الشاغل اجلديد للكرسي املخصص هلذه اجملموعة الواسعة من‬
‫األشكال‪ ،‬قام المارك يف عام ‪ 1794‬إبعادة تنظيم ضخمة جملموعات املتحف من هذه احليواانت‪.‬‬
‫ولتحقيق ذلك‪ ،‬قام بتكييف طريقة ترتيب جمموعات النبااتت اليت طورها يف عمله السابق يف علم النبات‬
‫الفرنسي ‪ 1778‬من أجل تنظيمهم التصنيفي‪ ،‬واليت مت إنشاؤها خالل سنوات تكوينه عندما كان يعمل‬
‫يف احلديقة امللكية كعامل نبات‪ .‬يف هذا العمل النبايت املبكر كان قد أمر اجملموعات ابلتسلسل من األكثر‬
‫تعقيدا إىل األكثر بساطة‪ .‬مث تبىن المارك طريقة مماثلة لرتتيبه األويل جملموعات احليواانت الالفقارية‪.‬‬
‫ً‬
‫مث زوده هذا الشكل اخلطي إلعادة ترتيب تصنيف الالفقاريت بقاعدة جتريبية مت من خالهلا تطوير نظريته‬
‫التحويلية‪ .lxix‬مت شرحه من خالل حماضراته السنوية يف املتحف‪ ،‬ومتكن المارك من تطوير هذه احلجج‬
‫ضد جمموعة واسعة من جمموعات احليواانت الالفقارية يف املتحف‪.‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪34‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫تطورا لنظريته يف "فلسفة علم‬


‫يف ضوء التفسريات العديدة آلراء المارك اليت ظهرت منذ العرض األكثر ً‬
‫احليوان ‪ ،1809 ”Philosophie Zoologique‬جيب تفصيل امليزات األساسية‬
‫النعكاسات المارك بعناية‪ .‬يف معظم املصطلحات األساسية‪ ،‬كانت نظريته عن تغيري األنواع مرتبطة‬
‫بعكسه للرتتيب التصنيفي لألشكال املقدمة يف األصل يف ترتيباته املنهجية املبكرة‪ .‬يف تصنيفاته األصلية‪،‬‬
‫تعقيدا (رأسيات األرجل)‪،‬‬
‫مت ترتيب هذه اجملموعات يف سلسلة خطية تبدأ أبكثر أشكال الالفقاريت ً‬
‫وتنتهي يف أقلها تنظيماً (النقاعيات)‪ .‬حبلول عام ‪ ،1800‬قرر المارك أن هذا الرتتيب مصطنع‪ ،‬وأن‬
‫الرتتيب "الطبيعي" كان من البسيط إىل املعقد‪ .‬تضمنت النظرية التطورية اليت طورها الح ًقا االدعاء أبن‬
‫أيضا التسلسل التارخيي الذي مت من خالله إنشاء أشكال من أخرى‬
‫هذا الرتتيب اجلديد للرتتيب كان ً‬
‫مبرور الوقت‪.‬‬

‫مت تقدمي هذه االستنتاجات اجلديدة ألول مرة يف حماضرات املتحف عام ‪ ،1800‬مث مت تطويرها مبزيد‬
‫من التفصيل يف طباعة كتابه "البحث يف تنظيم اهليئات املنظمة ‪Recherches Sur‬‬
‫‪ ،)1802( "L'organisation Des Corps Organisés‬مع العرض الكامل يف‬
‫أيضا بشكل ملموس يف ترتيب العينات يف معرض علم‬
‫فلسفة علم احليوان‪ .‬مت عرض استنتاجاته النظرية ً‬
‫احليوان الرئيسي ابملتحف الذي كان لديه سيطرة أساسية عليه‪ .‬مت بعد ذلك التعبري عن بعض التفاصيل‬
‫املهمة األخرى ألفكاره يف العديد من مقاالته للطبعة الثانية من كتاب جوزيف فريي ‪Joseph Virey‬‬
‫"القاموس اجلديد للتاريخ الطبيعي ‪Nouveau Dictionnaire D’histoire‬‬
‫‪ ،lxx"Naturelle‬ويف اخلطاب التمهيدي الطويل لعمله الرئيسي يف مراجعة تصنيفية لالفقاريت‪،‬‬
‫"التاريخ الطبيعي للحيواانت الالفقارية ‪Histoire naturelle des animaux sans‬‬
‫‪ .)1822-1815( "vertèbres‬شكلت االدعاءات التالية جوهر نظريته الناضجة‪:‬‬

‫‪ .1‬أصل الكائنات احلية هو يف البداية من خالل التكاثر التلقائي‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يقتصر هذا العمل على‬
‫أصول أبسط أشكال احلياة من الناحية اهليكلية والبسيطة ‪ -‬النقاعيات‪ .‬مت تطوير مجيع األشكال الالحقة‬
‫ابلضرورة بطريقة ما مبرور الوقت من البداية االبتدائية يف هذه األشكال اجملهرية البسيطة‪.‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪35‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫‪ .2‬إن الفاعلية السببية وراء هذا "الصعود"‪ ،‬بدالً من "االحنطاط"‪ ،‬اتريخ احلياة عرب الزمن يتم توفريها من‬
‫خالل نشاط الوكاالت املادية الديناميكية ‪-‬السعرات احلرارية والسوائل الكهرابئية‪ .‬تنتج هذه الوكاالت‬
‫أيضا الزخم الذي تؤدي به هذه األشكال إىل ظهور أشكال‬ ‫املادية التوليد التلقائي للنقاعيات وتوفر ً‬
‫أعلى من التعقيد‪ ،‬واالنتقال إىل الشعوعيات ‪ ،Radiarians‬وهكذا دواليك‪ .‬ابالنتقال إىل ما وراء‬
‫عموما " حيوية " من‬ ‫التمييز بني املادة "اخلاملة" و "احلية" ملُعلمه بوفون‪ ،‬ميكن اعتبار نظريت المارك ً‬
‫حيث أهنا تنسب ديناميكية حقيقية إىل املادة احلية‪ ،‬ومتنحها القدرة على إنشاء أشكال وهياكل جديدة‬
‫من خالل سلطاهتا الكامنة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن جاذبية المارك للدور السبب للسوائل األثيريية النيوتونية‪،‬‬
‫قد أسست نظريته على مفهوم املادة الفعالة بدالً من القوى احليوية اخلاصة فائقة اإلضافة‪ ،‬ويف هذا‬
‫الصدد ميكن تسميتها نظرية "املادية احليوية"‪.‬‬
‫‪ .3‬احملور الرئيسي للتحول الالماركي هو سلسلة خطية تتحقق يف الوقت املناسب‪ .‬ينتقل هذا من األشكال‬
‫تعقيدا‪ .‬ينتج عن هذا حمور من أربعة عشر جمموعة أولية‬
‫األبسط على نطاق التنظيم إىل األشكال األكثر ً‬
‫رئيسية تنتهي إىل الثدييات‪ .‬يوازي هذا الرتتيب اخلطي "الطبيعي" لتصنيف اجملموعات اليت طورها يف‬
‫نظامه التصنيفي‪ .‬يتم حتديد املوضع يف السلسلة يف املقام األول من حيث التكوين اهليكلي والوظيفي‬
‫للجهاز العصب‪.‬‬
‫‪ .4‬السمة األكثر شهرة للالماركية يف التقليد الالحق ‪-‬نظرية التحولية من خالل وراثة الصفات املكتسبة‪-‬‬
‫تعمل كعملية ًثنوية ومتنوعة يتم من خالهلا تكييف جمموعات احليواانت الرئيسية مع الظروف احمللية‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فإن هذا التكيف ليس هو السبب الرئيسي للتحول من جمموعة إىل أخرى‪ .‬وابلتايل‪ ،‬على‬
‫عكس نظرية داروين الالحقة‪ ،‬فإن التطور األساسي للحياة ال يتم من خالل التكيف احمللي‪.‬‬
‫‪ .5‬ومع ذلك‪ ،‬قد حتدث التحوالت الرئيسية بني اجملموعات األقل من خالل عمل استخدام اهلياكل وإمهاهلا‪.‬‬
‫على سبيل املثال‪ ،‬يُفرتض أن حتول الرئيسيات إىل بشر قد حدث عن طريق هذه العملية التكيفية‪.‬‬
‫تُشكل تنقيحات النقطة الثالثة أهم تغيري يف هذه النقاط اخلمس بعد عام ‪ ،1809‬على الرغم من أن‬
‫ارتباط هذه التغيريات بنظرية المارك األصلية للتحولية ال يزال غري واضح‪ .‬يف كل من الرسم التخطيطي‬
‫املوفر كملحق للجزء األول من فلسفة علم احليوان ويف اخلطاب التمهيدي للتاريخ الطبيعي للحيواانت‬
‫استجااب على األرجح النتقادات زميله األصغر‬
‫ً‬ ‫الالفقارية‪ ،‬قدم المارك صورة متفرعة لتطور اجملموعة‪.‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪36‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫جورج كوفييه اليت كانت موجهة إىل مفهوم العالقات اخلطية للمجموعات (انظر أدانه)‪ ،‬اعرتف المارك‬
‫تعقيدا لعالقات اجملموعة‪ ،‬مع إظهار البعض سالالت مستقلة وحىت نقاط خمتلفة من‬
‫بنمط متفرع أكثر ً‬
‫األ صل‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬مل يتم تطوير هذه القضية يف أي صياغة نظرية من قبل المارك نفسه‪ ،‬ومل يكن هلا‬
‫أتثري كبري على الفهم التارخيي لالماركية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كان لبعض هذه العناصر يف نظرية المارك الالحقة‬
‫بعض التأثري على القراءات الربيطانية‪.lxxi‬‬

‫داخل حدود املتحف‪ ،‬مت إجراء تطورات موازية‪ ،‬إن مل تكن مستمرة على الفور‪ ،‬للقضاي ذات الصلة‬
‫اليت تؤثر على حتولية األنواع من قبل زميل المارك األصغر‪ ،‬وحامل كرسي الثدييات والطيور‪ ،‬عامل التشريح‬
‫املقارن إيتيان جيفروي سانت هيلري ‪.)1844-1772( Etienne Geoffroy St. Hilaire‬‬
‫اهتماما بقضية حتولية األنواع من أتثري التشريح املقارن لعالقات األشكال‪ ،‬استكشف جيفروي‬ ‫ً‬ ‫أقل‬
‫سانت هيلري "وحدة النوع" التشرُيية ‪-‬التشابه امللحوظ للبنية التشرُيية بني الكائنات اليت كشف عنها‬
‫التشريح املقارن‪ .‬اتبع جيفروي سانت هيلري هذه القضية يف حماضراته يف املتحف ويف العديد من األوراق‪،‬‬
‫حيث شرع يف العمل على اآلًثر املرتتبة على التشابه التشرُيي الداخلي للفقاريت‪ .‬بناءً على مبدأين‬
‫رئيسيني‪" ،‬مبدأ االتصال" و"قانون التوازن"‪ ،‬لفت جيفروي سانت هيلري االنتباه إىل اآلًثر املرتتبة على‬
‫علم التشريح املقارن لوحدة مملكة احليوان‪ .‬يف منتصف عشرينيات القرن التاسع عشر‪ ،‬طور جيفروي‬
‫سانت هيلري موق ًفا اترخييًا أكثر فيما يتعلق بعالقة وحدة النوع بقضاي السجل األحفوري وتطور احلياة‪.‬‬

‫حبلول عام ‪ ،1823‬وسع جيفروي سانت هيلري نظريته عن "وحدة النوع" إىل االدعاء أبنه حىت‬
‫الالفقاريت تشارك يف خطة مشرتكة مع الفقاريت‪ ،‬وحبلول عام ‪ 1825‬كان قد اعتنق نسخة حمدودة‬
‫من التحولية‪ .‬أدى ذلك إىل معارضة مباشرة ملزاعم صديقه وزميله جورج كوفييه‪ ،‬الذي شغل منصب‬
‫رئيس قسم التشريح املقارن‪ .‬قادت أحباث كوفييه يف علم التشريح املقارن وعلم األحافري إىل استنتاج أن‬
‫احليواانت تشكلت على سلسلة من أربع خطط جسدية متميزة ومستقلة (الفروع) واليت قد تظهر بعض‬
‫الوحدة من النوع داخل الفروع‪ ،‬ولكن ليس بني هذه اخلطط‪ .‬كانت هذه الدعامة األساسية ملعارضة‬
‫كوفييه للتحولية‪ ،‬وكانت مبثابة مصدر قوي ملعارضة التحولية إىل العصر الدارويين‪.‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪37‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫تكمن هذه النزاعات حول "وحدة النوع" يف أساس "اجلدل الكبري" الذي اندلع يف علم احلياة الفرنسي‬
‫يف أواخر عشرينيات القرن التاسع عشر بني جيفروي سانت هيلري‪ ،‬وكوفييه‪ ،‬وتالميذمها‪ .lxxii‬يشكل‬
‫أيضا إحدى املواجهات التارخيية بني املفاهيم املختلفة للبيولوجيا اليت أثرت على العديد من‬
‫هذا النقاش ً‬
‫جوانب علوم احلياة يف القرن التاسع عشر‪ .‬لقد رسم خطوط التقسيم داخل علم األحياء الفرنسي‪ ،‬وحىت‬
‫الربيطاين‪ ،‬حول عالقة الكائنات احلية ابلتاريخ‪ ،‬ومشل بشكل مباشر إمكانية تغيري األنواع‪ .‬ساعد هذا‬
‫أيضا يف تركيز القضاي يف علم احلياة الفرنسي بطريقة أثرت بشكل كبري على االستقبال الفرنسي‬
‫النقاش ً‬
‫السلب الالحق لعمل داروين‪ .‬كان هذا النقاش يف هناية املطاف يشمل قضاي علم احلفريت‪ ،‬وعلم‬
‫التشريح املقارن‪ ،‬وحتولية األنواع‪ ،‬وعالقة الشكل ابلوظيفة‪.‬‬

‫عموما‪ ،‬إىل‬
‫أدت حجج كوفييه‪ ،‬اليت عززهتا السلطة اليت ُيملها يف علم التشريح الفرنسي املقارن والعلوم ً‬
‫هيمنة مناصبه يف أكادميية ابريس للعلوم ‪ .Académie Des Sciences‬ومع ذلك‪ ،‬ظل تقليد‬
‫قوي داخل املتحف‪ .‬استمر يف ذلك من قِبل أفراد مثل أنطوان إتيان سرييس‬
‫تيارا ً‬
‫جيفروي سانت هيلري ً‬
‫‪ ،)1868-1786( Antoine Etienne Serres‬الذين مت تقديس حججهم للتسلسل التارخيي‬
‫لألشكال‪ ،‬املدعومة ابألدلة اجلنينية‪ ،‬يف الدوائر املورفولوجية مثل قانون ميكل‪-‬سرييس لالستعادة‪.lxxiii‬‬
‫خارج العلوم األكادميية الفرنسية الرمسية‪ ،‬حظيت نظريت جيفروي سانت هيلري بقبول واسع ألولئك‬
‫خبريا‬
‫الذين رأوا أمهية علم األجنة التنموي لقضاي العالقة اجلماعية‪ ،‬وهي قضية جتاهلها كوفييه‪ ،‬بصفته ً‬
‫معتدال يف التكوين‪ .‬االهتمام احلايل ابلعالقة بني التطور وعلم األحياء النمائي التطوري ‪-‬الذي يُطلق‬
‫ً‬
‫عليه عاد ًة "‪ Evo–Devo‬وهي ‪ -"Evolutionary Developmental Biology‬حفز‬
‫جديدا آبراء جيفروي سانت هيلري‪.‬‬
‫اهتماما ً‬
‫ً‬

‫‪ ‬شكل سيرس النظرية الجينية بين عامي ‪ 1824‬و‪ ،1826‬بناء على أعمال ميكل فيما أصبح يُعرف باسم "قانون ميكل‪-‬سيرس"‪ .‬كانت هذه محاولة للربط بين علم األجنة المقارن وبين "نمط التوحيد" في العالم العضوي‪ .‬دعم الفرضية‬
‫ايتيان جيفروي سانت هيالر‪ ،‬وأصبحت الفرضية جز ًءا ها ًما من أفكاره‪ .‬افترضت الفرضية أن التحوالت الماضية في الحياة قد تكون بسبب أسباب بيئية عاملة على الجنين‪ً ،‬‬
‫بدال من عملها على البالغين كما في الالماركية‪..‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪38‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫‪ 2.4‬التحولية البيطانية ‪1859-1830‬‬


‫أتثرت مناقشات التحولية يف اجلزر الربيطانية يف فرتة ما قبل الداروينية بشكل خاص ابلتأمالت الفرنسية‬
‫واملناقشات الفرنسية اليت دارت يف املتحف‪ ،‬بعد توقف احلروب النابليونية يف ‪ ،1815-1814‬عندما‬
‫تطورت اتصاالت جديدة واسعة النطاق بني العلماء الفرنسيني والربيطانيني‪ .‬ابإلضافة إىل االنعكاسات‬
‫أيضا مقدمات مهمة للتطور التقدمي األملاين الذي دخل العلوم الربيطانية يف‬‫الفرنسية‪ ،‬كانت هناك ً‬
‫العقود األوىل من القرن التاسع عشر‪ .‬إن االعرتاف بعمليات النقل القارية هذه إىل اجلزر الربيطانية‪ ،‬ال‬
‫جديدا لفهم االنعكاسات حول تغري األنواع يف بريطانيا يف‬
‫إطارا ً‬
‫سيما يف السياقات الطبية‪ ،‬قد وفر ً‬
‫الفرتة اليت سبقت ظهور عمل داروين‪.lxxiv‬‬

‫لقد لعب عامل التشريح املقارن يف إدنربة‪ ،‬روبرت إدموند جرانت ‪Robert Edmond Grant‬‬
‫مهما يف إدخال املناقشات الفرنسية إىل اجلزر الربيطانية‪ .‬كما عمل كأول‬
‫دورا ً‬
‫(‪ً ،)1874-1793‬‬
‫شااب يف كلية الطب جبامعة إدنربة (‪-1825‬‬‫معلم لتشارلز داروين يف العلوم عندما كان داروين طالبًا ً‬
‫‪ .)1827‬وقد عمل جرانت مباشرة مع القضاي اليت جتري مناقشتها يف الوقت بني جيفروي سانت‬
‫هيلري‪ ،‬وكوفييه‪ ،‬والمارك‪ ،‬وقد دافع عن نوع خمتلف من حتولية الماركي‪-‬جوفروي يف كتاابته‪ ،‬وهي‬
‫موضوعات مت شرحها يف حماضراته حول التشريح املقارن يف الكلية اجلامعية اجلديدة لندن حيث أصبح‬
‫أول أستاذ يف علم التشريح املقارن يف عام ‪.1827‬‬

‫أيضا ُمدخالت قوية لفلسفة الطبيعة األملانية اليت دخلت يف املناقشات‬


‫متت اإلضافة إىل هذا التقليد ً‬
‫الربيطانية يف عشرينيات القرن التاسع عشر‪ ،‬ومت شرحها بشكل خاص يف حماضرات هينرتين يف التشريح‬
‫املقارن يف الكلية امللكية للجراحني‪ ،‬واليت ألقاها اجلراح الربيطاين جوزيف هنري جرين ‪Joseph‬‬
‫أبعادا عديدة للفلسفة‬
‫‪ .)1863 -1791( Henry Green‬حيث استورد جرين يف حماضراته ً‬
‫الطبيعية لشيلينج اليت استخدمها لتطوير نظرية ديناميكية لعالقة األنواع واليت مجعت أعمال المارك‬
‫وكوفييه‪ ،‬واملنظر الطب جبامعة جوتنجن ‪ ،Göttingen‬يوهان بلومنباخ ‪Johann‬‬
‫‪ .lxxv)1840-1752( Blumenbach‬هذه املوضوعات ستستمر يف السلسلة الرئيسية من‬
‫احملاضرات اليت ألقاها تلميذ جرين يف كلية اجلراحني‪ ،‬عامل التشريح املقارن ريتشارد أوين ‪Richard‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪39‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫‪ ،)1892-1804( Owen‬احلائز على كرسي اهلينرتين املرموق يف التشريح املقارن من ‪ 1837‬إىل‬


‫‪ .lxxvi1856‬حماضرات أوين اليت حضرها على نطاق واسع بني عامي ‪ 1837‬و‪ 1856‬جلبت العديد‬
‫من قضاي التشريح وعلم األحياء وعلم األجنة للتأثري على مسائل العالقة بني األنواع والتغيري‪.‬‬

‫جديدا ألمهية نزاع كوفييه‪-‬جوفروي وجعله يؤثر‬


‫تفسريا ً‬
‫ً‬ ‫يف هذه احملاضرات وكتاابته املنشورة‪ ،‬طور أوين‬
‫أيضا طرح أوين نظرية النموذج البدائي للفقاريت‬
‫على قضاي التطور التارخيي لألنواع‪ .‬ويف هذه احملاضرات ً‬
‫يف حماضراته يف اهلنرتين يف عام ‪ ،1845‬وهو موضوع أوضحه يف جمموعة مهمة من املنشورات يف عامي‬
‫‪ 1847‬و‪ .1848‬توظيف جوانب من فلسفة ويليام ويويل ‪ William Whewell‬يف العلوم‬
‫لتطوير هذه احلجج‪ ،‬شرح أوين نظرية وحدة النوع فيما يتعلق ابلشكل والوظيفة الكوفرييني من خالل‬
‫افرتاض منوذج أصلي مثايل‪ .‬عمل هذا التجريد ابلنسبة ألوين على حد سواء كمثالية متسامية مشابه‬
‫أيضا كقانون جوهري يعمل يف املادة‪ ،‬مت تصوره على تشبيه القانون النيوتوين‪ ،‬الذي‬
‫للمثل األفالطوين‪ ،‬و ً‬
‫ُ‬
‫حكم تطور األشكال يف الوقت املناسب‪ .lxxvii‬من خالل هذه النظرية‪ ،‬ادعى أوين أنه يستطيع أن‬
‫يشرح بشكل متماسك كالً من التشابه العميق لألشكال يف تشرُيها الداخلي ‪-‬املوضوع الذي أكده‬
‫أيضا التالؤم الوثيق للبنية والوظيفة مع "ظروف وجود" الكائن احلي‪ ،‬البصرية‬
‫جيفروي سانت هيلري‪ -‬و ً‬
‫اليت أكدها كوفييه‪.‬‬

‫متييزا حامسًا بني أوجه التشابه يف "التماثل"‪،‬‬


‫للتمييز بني هذين املعنيني للعالقة‪ ،‬أدخل أوين يف األدبيات ً‬
‫مما يعين وجود األجزاء "نفسها" يف كل جمموعة متنوعة من األنواع والوظائف ‪-‬العالقات اجليفروية‪-‬‬
‫وتلك اخلاصة بـ "القياس"‪ ،‬تشري فقط إىل تشابه األجزاء يف تكيفاهتا الوظيفية ‪-‬العالقات الكوفيريية‪.‬‬
‫أخريا إعطاء‬
‫تطوير مفهوم التنادد هذا فيما يتعلق بنظريته عن النموذج األصلي‪ ،‬ادعى أوين أنه يستطيع ً‬
‫معىن متماسك ملفهوم "التشابه" يف العالقات التشرُيية‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬عندما طور أوين هذه النظرية‬
‫أيضا كقانون‬
‫فيما يتعلق بعمله يف السجل األحفوري‪ ،‬أدت نظرية النموذج األصلي‪ ،‬اليت مت تصورها ً‬
‫جوهري يعمل يف التاريخ‪ ،‬إىل تبين أوين ملفهوم تفرع وتنويع عالقات األشكال على أهنا اختالفات عن‬
‫هذا‪ .‬النموذج النموذجي املثايل مبرور الوقت‪ .‬وهكذا كسر أوين مع التقدم التارخيي اخلطي من البسيط‬
‫إىل املعقد املفرتض يف النظريت التحويلية مثل نظريت المارك‪ ،‬ال سيما يف كتاابت المارك قبل عام‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪40‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫‪ .1815‬كما ميز هذا النوع من العالقة التارخيية عن تلك اليت دعا إليها بعض املتحولني البدائيني األملان‬
‫الذين طوروا أفكارهم على مناذج خطية‪.‬‬

‫حتوال حقيقيًا لألنواع ‪-‬فاألنواع ال تتغري اترخييًا أحدها إىل‬


‫من انحية أخرى‪ ،‬ال ميكن اعتبار منوذج أوين ً‬
‫"قانوان" شبه نيوتوين ُيكم التطور يف الوقت وليس‬
‫ً‬ ‫آخر‪ ،‬والنموذج األصلي موجود مبعىن ما ابعتباره‬
‫كنوع اترخيي حقيقي‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن دمج علم التشريح املقارن وعلم احلفريت وحىت علم األجنة يف‬
‫متطورا للعالقة أعاد داروين تفسريه الح ًقا من وجهة نظر نظريته يف االشتقاق‬
‫منوذجا ً‬
‫هذا اإلطار وضع ً‬
‫املادي من أسالف التاريخ املشرتكني‪.‬‬

‫شيوعا‪ ،‬انتشرت حتولية األنواع على نطاق واسع يف املناقشات الناطقة ابإلجنليزية قبل‬
‫على مستوى أكثر ً‬
‫الداروينية من خالل الظهور يف عام ‪ 1844‬لعلم الكونيات التطوري الكبري الذي طرحه بشكل جمهول‬
‫الناشر االسكتلندي روبرت تشامربز ‪ )1871-1802( Robert Chambers‬يف كتابه الشهري‬
‫" آاثر التاريخ الطبيعي من اخللق ‪Vestiges Of The Natural History Of‬‬
‫‪ ،"Creation‬وهو عمل أعد اجملتمع الفيكتوري يف إجنلرتا‪ ،‬وكذلك أمريكا قبل احلرب األهلية‪ ،‬لنظرية‬
‫تقييدا لعام ‪ .lxxviii1859‬أكثر شبهاً بعهود بوفون يف الطبيعة‪ ،‬وتكهنات هريدر‪ ،‬أكثر‬
‫داروين األكثر ً‬
‫تطوري بدأ ببدايت سدمي للكون‪ ،‬وانتقل يف اجتاه غائي حىت‬
‫من كتاابت المارك‪ ،‬اقرتح تشامربز خمططًا ً‬
‫البشرية‪ ،‬مع تطور واسع لألنواع يف سلسلة الوجود‪ .‬يف هذا املخطط الكبري‪ ،‬قام بدمج رؤى من علم‬
‫احليوان الفرنسي والتقدم اجليولوجي‪ ،‬مع كل هذا العمل حتت تصرفات قانون طبيعي موحد واحد عظيم‪.‬‬
‫مت نشر هذه الرؤية بشكل أكرب من خالل دجمها يف قصيدة ألفريد لورد تينيسون ‪Alfred Lord‬‬
‫‪" Tennyson‬امللحمية ‪ .(1850) "Memoriam‬على الرغم من شعبية أعمال تشامربز‪،‬‬
‫نسخا أكثر من "أصل األنواع‬ ‫واليت مرت أبحد عشر طبعة حبلول هناية القرن التاسع عشر وبيعت ً‬
‫‪ "Origin Of Species‬لداروين‪ ،‬كان اجملتمع العلمي الربيطاين إمجاعيًا بشكل أساسي على‬
‫رفضه لتكهنات تشامربز‪ .‬من نو ٍاح عديدة‪ ،‬شكلت هذه املعارضة لكتاب اآلاثر من قِبل أعضاء قياديني‬
‫احدا للمقاومة املهنية للنظرية الداروينية‪ .‬الالحقة (انظر‬
‫مصدرا رئيسيًا و ً‬
‫ً‬ ‫يف املؤسسة العلمية الفيكتورية‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪41‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫املدخل عن‪ :‬داروين‪ ،‬من أصل األنواع إىل والدة اإلنسان ‪Darwin: From the‬‬
‫‪ ،Origin of Species to the Descent of Man,‬القسم ‪.)3‬‬

‫كما دعا مهندس السكك احلديدية الربيطاين واملفكر العام‪ ،‬هربرت سبنسر ‪Herbert Spencer‬‬
‫أتثريا فلسفيًا يف إجنلرتا ما قبل الداروينية‪ .‬حيث‬
‫(‪ )1903–1820‬إىل نظرية التطور التطوري األكثر ً‬
‫أتثر بشروح الالماركية من قبِل تشارلز ليل ‪ Charles Lyell‬يف اجمللد الثاين من كتاب ليل "مبادئ‬
‫اجليولوجيا ‪ ،)1833-1830( "Principles Of Geology‬ومن خالل كتاابت كارل‬
‫ارنست فون ابير ‪ Karl Ernst Von Baer‬على التنمية اجلنينية‪ ،‬وأيضا من خالل حماضرات‬
‫هونترياين لريتشارد أوين على علم العظام من الفقاريت اهليكل العظمي‪ ،‬الذي حضرها سبنسر يف عام‬
‫‪ ،lxxix1851‬دخل سبنسر يف املناقشات الربيطانية حول التحولية يف عام ‪ 1852‬بتأييده لـ "فرضية‬
‫التطور"‪ .lxxx‬بدأ هذا يف أتمالته الواسعة حول تطور اجملتمع واإلنسانية الذي ُيكمه القانون‪ ،‬والذي مت‬
‫تطويره ابلتفصيل يف أعمال مثل "املبادئ األوىل ‪ ،"First Principles‬اليت نُشرت عام‬
‫‪ .lxxxi1862‬قبل استخدام املصطلح من قبل داروين‪ ،‬حتدث سبنسر عن "تطور" احلياة والكون من‬
‫أيضا‪ ،‬اقرتض داروين املصطلح‬
‫بدايت مادية‪ ،‬مع تغري األنواع نتيجة لعمل القوى الطبيعية‪ .‬ومن سبنسر ً‬
‫"البقاء لألصلح" كمرادف لـ "اختياره الطبيعي" يف الطبعة اخلامسة من كتاب أصل األنواع يف عام‬
‫‪ .1869‬على الرغم من ظهور مبادئ سبنسر األوىل بعد نشر أصل داروين‪ ،‬فقد مت تطوير حتولية سبنسر‬
‫بشكل عام بشكل مستقل عن عمل داروين‪ ،‬ويظهر تقارًاب وثي ًقا مع انعكاسات المارك وتشامربز‬
‫والتطور التارخيي ألوين‪.‬‬

‫غالبًا ما كان يُنظر إىل سبنسر‪ ،‬بدالً من داروين‪ ،‬على أنه املنظر األساسي للداروينية "االجتماعية" يف‬
‫أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين‪ .lxxxii‬حىت أن أتثري سبنسر يف مجيع أحناء العامل جعل‬
‫أعماله وسيلة مت من خالهلا إدخال الداروينية ألول مرة يف املناقشات غري الغربية‪ .lxxxiii‬مت استكشاف‬
‫هذا التجاور غري املعتاد بني سبنسر وداروين يف داروين‪ ،‬من أصل األنواع إىل والدة اإلنسان‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪42‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫‪Darwin: From the Origin of Species to the Descent of‬‬


‫‪( ،Man,‬القسم ‪.)1.3‬‬

‫‪ .5‬امللخص واالستنتاج‬
‫سعى السيناريو التارخيي الطويل امللخص يف املدخل احلايل إىل إظهار تعقيد التحولية يف علم األحياء يف‬
‫ُ‬
‫الفرتة اليت سبقت ظهور الداروينية‪ .‬كان على هذه اخللفية املعقدة أن يطور داروين نظريته اخلاصة حول‬
‫أصل األشكال وتنوعها‪ .‬كان يعتمد بعدة طرق على هذه املناقشات املوجودة مسب ًقا يف املصادر الفرنسية‬
‫وحىت األملانية‪ .‬سيتم إجراء مزيد من االستكشاف هلذا يف داروين‪ ،‬من أصل األنواع إىل والدة اإلنسان‬
‫‪Darwin: From the Origin of Species to the Descent of‬‬
‫‪.Man,‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪43‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫المراجع‬
• Appel, Toby A., 1987, The Cuvier-Geoffroy Debate: French Biology in the
Decades Before Darwin, Oxford: Oxford University Press.
• Aquinas, Thomas, Summa Theologiae, in S. Thomae de Aquino, Opera omnia,
[available online].
• Aristotle, The Complete Works of Aristotle: the Revised Oxford Translation, 2
volumes, Jonathan Barnes (ed.), Princeton, NJ: Princeton University Press,
1984.
• Aucante, Vincent, 2006, “Descartes’s Experimental Method and the
Generation of Animals”, in Smith 2006: 65–79.
doi:10.1017/CBO9780511498572.004
• Augustine of Hippo, [GL], De Genesi ad Litteram, translated by J. H. Taylor
as The Literal Meaning of Genesis (Ancient Christian Writers, 41), New York:
Newman Press, 1982. (Latin text available online)
• Blanckaert, Claude, Claudine Cohen, Pietro Corsi, and Jean-Louis Fischer (eds.),
1997, Le Muséum au Premier siècle de son Histoire, Paris: Editions du Muséum
national d’histoire naturelle.
• Bowler, Peter J., 1975, “The Changing Meaning of ‘Evolution’”, Journal of the
History of Ideas, 36(1): 95–114. doi:10.2307/2709013
• –––, 2003, Evolution: the History of an Idea, third edition, Berkeley, CA:
University of California Press.
• Buffon, Georges-Louis LeClerc, Le Comte de, 1753, “L’asne” (the ass) , Histoire
Naturelle, volume 4. Collected in Buffon [OP].
• –––, 1765, “De la Nature. Seconde Vue”, in Histoire Naturelle, volume 13, Paris:
L’Imprimerie Royale, pp. i–xx. Collected in Buffon [OP]. [Buffon 1765 available
online]
• –––, 1779, Les Époques de la Nature, Paris: De l’imprimerie royale. Critical
edition, Jacques Roger (ed.), Paris: Muséum national d’histoire naturelle, 1962,
reissued 1988; translated into German as Epochen der Natur, St. Petersburg,
1781; translated into English as The Epochs of Nature, J. A. Zalasiewicz, Anne-
Sophie Milon, and Mateusz Zalasiewicz (trans.), Chicago: The University of
Chicago Press, 2018. Divided into the “First Discourse” and seven “Epochs”.
• –––, [OP], Oeuvres philosophiques, Jean Piveteau (ed.), Paris: Presses
Universitaires de France, 1954.

Copyright 2021© ‫حكمة‬ 44


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

• –––, [HN], Histoire naturelle, génèrale et particulière, introduit et annoté par


Stéphane Schmitt, avec la collaboration de Cédric Crémière, 13 volumes, Paris:
Champion, 2007– 2019.
• Burkhardt, Richard W., Jr., 1977, The Spirit of System: Lamarck and
Evolutionary Biology, Cambridge, MA: Harvard University Press.
• Burnet, Thomas, 1684 & 1690 [1965], The Theory of the Earth, London,
originally published in two parts, 1684 and 1690, in English, reprinted later
as The Sacred Theory of the Earth. Reprinted with an introduction by Basil
Willey, London: Centaur Press, 1965. The two parts were first published in Latin
as Telluris theoria sacra, 1681 and 1689. [Burnett 1684 available online]
• Carroll, William E., 2015, “After Darwin, Aquinas: A Universe Created and
Evolving”, in Darwin in the Twenty-First Century: Nature, Humanity, and God,
Phillip R. Sloan, Gerald P. McKenny, and Kathleen Eggleson (eds.), Notre Dame,
Indiana: University of Notre Dame Press.
• Chambers, Robert, 1844 [1994], Vestiges of the Natural History of Creation,
Edinburgh. A facsimile reprint of first edition, James A. Secord (ed.), Chicago:
University of Chicago Press, 1994. [Chambers 1844 third edition, 1845,
available online]
• Châtelet, Émilie Du, 1740, Institutions de Physique (Foundations of Physics),
Paris; second edition under the title Institutions physique, 1742; English
translation of first edition available online.
• Corsi, Pietro, 1983 [1988], Oltre Il Mito: Lamarck e Le Scienze Naturali Del Suo
Tempo, (Saggi 255), Bologna: Mulino. Translated, with revisions and updates,
as The Age of Lamarck : Evolutionary Theories in France 1790–1830, Jonathan
Mandelbaum (trans.), Berkeley, CA: University of California Press.
• –––, 2001, Lamarck: Genèse et enjeux du transformisme, 1770–1830, Paris:
CNRS Editions. Revised version of Corsi 1983 [1988].
• Dales, Richard C. and Omar Argerami, 1991, Aristotle’s Teaching on the
Eternity of the World in Medieval Latin Texts on the Eternity of the World,
Leiden: Brill. doi:10.1163/9789004246720.008
• Deason, Gary B., 1986, “Reformation Theology and the Mechanistic
Conception of Nature”, in God and Nature: Historical Essays on the Encounter
Between Christianity and Science, David C. Lindberg, and Ronald L. Numbers
(eds.), 1986, Berkeley: University of California Press, 167–191.
• Descartes, René, 1664 [1972], Traité de l’homme. Translated as Treatise of
Man, Thomas Steele Hall (trans.) (Harvard Monographs in the History of
Science), Cambridge, MA: Harvard University Press.

Copyright 2021© ‫حكمة‬ 45


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

• –––, 1647 [1983], Principia Philosophiae. Translated as Principles of


Philosophy, second edition, V. R. Miller and R. P. Miller (trans.), Dordrecht:
Reidel, 1983.
• –––, 1677, L’homme, et la formation du foetus, Paris. [Descartes 1677 available
online]
• Desmond, Adrian J., 1989, The Politics of Evolution: Morphology, Medicine, and
Reform in Radical London, (Science and Its Conceptual Foundations), Chicago:
University of Chicago Press.
• Detlefsen, Karen, 2006, “Explanation and Demonstration in the Haller-Wolff
Debate”, in Smith 2006: 235–261. doi:10.1017/CBO9780511498572.012
• Dupré, John, 1993, The Disorder of Things, Cambridge, MA: Harvard University
Press.
• Elshakry, Marwa, 2013, Reading Darwin in Arabic, 1860–1950, Chicago: The
University of Chicago Press.
• Ereshefsky, Marc (ed.), 1992, The Units of Evolution: Essays on the Nature of
Species, Cambridge, MA: MIT Press.
• Fisher, Saul, 2006, “The Soul as Vehicle for Genetic Information: Gassendi’s
Account of Inheritance”, in Smith 2006: 103–123.
doi:10.1017/CBO9780511498572.006
• Garden, George, 1686, “A Discourse Concerning the Modern Theory of
Generation”, Philosophical Transactions of the Royal Society of London,
17(192): 474–483. doi:10.1098/rstl.1686.0085
• Gaukroger, Stephen, 2006, The Emergence of a Scientific Culture: Science and
the Shaping of Modernity 1210–1685, Oxford: Oxford University Press.
doi:10.1093/acprof:oso/9780199296446.001.0001
• –––, 2010, The Collapse of Mechanism and the Rise of Sensibility: Science and
the Shaping of Modernity, 1680–1760, Oxford: Oxford University Press.
doi:10.1093/acprof:oso/9780199594931.001.0001
• Ghiselin, Michael T., 1997, Metaphysics and the Origin of Species, (SUNY Series
in Philosophy and Biology), Albany, NY: State University of New York Press.
• Gould, Stephen Jay, 1977, Ontogeny and Phylogeny, Cambridge, MA: Belknap
Press of Harvard University Press.
• Greene, John C., 1959, The Death of Adam: Evolution and Its Impact on
Western Thought, Ames, Iowa: Iowa State University Press.

Copyright 2021© ‫حكمة‬ 46


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

• Grene, Marjorie and David Depew, 2004, The Philosophy of Biology: An


Episodic History, Cambridge: Cambridge University Press.
doi:10.1017/CBO9780511819018
• Guerrini, Anita, 1987, “Archibald Pitcairne and Newtonian Medicine”, Medical
History, 31(1): 70–83. doi:10.1017/S0025727300046329
• Haines, Valerie A., 1988, “Is Spencer’s Theory an Evolutionary
Theory?”, American Journal of Sociology, 93(5): 1200–1223.
doi:10.1086/228869
• Harvey, William, 1651, Exercitationes de generatione animalium, London.
Translated as The Generation of Animals in The Words of William Harvey, M.D.,
Robert Willis (trans.), London: C. and J. Adlard, 1847. [Harvey 1651 [1847]
available online]
• Hoffheimer, Michael H., 1982, “Maupertuis and the Eighteenth-Century
Critique of Preexistence”, Journal of the History of Biology, 15(1): 119–144.
doi:10.1007/BF00132007
• Hofstadter, Richard, 1944 [1955], Social Darwinism in American Thought,
Philadelphia, PA: University of Pennsylvania Press. Revised edition, Boston:
Beacon, 1955.
• Hoquet, Thierry, 2005, Buffon: Histoire Naturelle et Philosophie, (Les dix-
huitièmes siècles, 92), Paris: Champion.
• –––, 2007, Buffon-Linné: Éternels Rivaux de La Biologie?, (Quai Des Sciences),
Paris: Dunod.
• Hull, David L., 1965 [1992], “The Effect of Essentialism on Taxonomy – Two
Thousand Years of Stasis” (two parts), The British Journal for the Philosophy of
Science, 15(60): 314–326 and 16(61): 1–18. Reprinted in Ereshefsky 1992: 199–
225. doi:10.1093/bjps/XV.60.314 doi:10.1093/bjps/XVI.61.1
• –––, 1999, “On the Plurality of Species: Questioning the Party Line”, in R.A.
Wilson 1999: 23–48.
• Jin, Xiaoxing, 2019, “Translation and Transmutation: The Origin of Species in
China”, The British Journal for the History of Science, 52(1): 117–141.
doi:10.1017/S0007087418000808
• Lamarck, Jean Baptiste Pierre Antoine de Monet de, 1798, Flore françoise, ou,
Description succincte de toutes les plantes qui croissent naturellement en
France, 3 volumes, Paris: l’Imprimerie Royale. doi:10.5962/bhl.title.9461
[Available online Lamarck 1798 vol. 1, Lamarck 1798 vol. 2, Lamarck 1798 vol.
3]

Copyright 2021© ‫حكمة‬ 47


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

• –––, 1809, Philosophie Zoologique, two volumes, Paris: Dentu. [Available


online Lamarck 1809 vol. 1, Lamarck 1809 vol. 2]
• –––, 1815–22, Histoire naturelle des animaux sans vertèbres, Paris: Verdière.
doi:10.5962/bhl.title.12712 [Lamarck 1815–22, vol. 1, available online]
• –––, 1817–19 [1991], various articles from the Nouveau dictionnaire d’histoire
naturelle, 36 volumes, Joseph Virey (ed.), Paris: Chez Deterville. Lamarck’s
articles were published in Articles d’Histoire naturelle, Jacques Roger and
Goulven Laurent (eds.), Paris: Belin, 1991.
• Le Guyader, Hervé, 1998 [2004], Etienne Geoffroy Saint-Hilaire, 1772–1844: Un
Naturaliste Visionnaire, (Un Savant, Une Époque), Paris: Belin. Translated
as Étienne Geoffroy Saint-Hilaire, 1772–1844: A Visionary Naturalist, Marjorie
Grene (trans.), Chicago: University of Chicago Press, 2004.
• Lennox, James G., 1985 [2001], “Are Aristotelian Species Eternal?”, in Aristotle
on Nature and Living Things: Philosophical and Historical Studies: Presented to
David M. Balme on His Seventieth Birthday, Allan Gotthelf (ed.), Pittsburgh, PA:
Mathesis Publications, 67–84. Reprinted in Lennox 2001: 131–159.
• –––, 1987 [2001], “Kinds, Forms of Kinds, and the More and the Less in
Aristotle’s Biology”, in Philosophical Issues in Aristotle’s Biology, Allan Gotthelf
and James G. Lennox (eds.), Cambridge: Cambridge University Press, 339–359.
Reprinted in Lennox 2001: 160–181. doi:10.1017/CBO9780511552564.019
• –––, 1993, “Darwin Was a Teleologist”, Biology & Philosophy, 8(4): 409–421.
doi:10.1007/BF00857687
• –––, 2001, Aristotle’s Philosophy of Biology: Studies in the Origins of Life
Science, Cambridge: Cambridge University Press.
• Lightman, Bernard V. (ed.), 2016, Global Spencerism: The Communication and
Appropriation of a British Evolutionist, (Cultural Dynamics of Science, 1),
Leiden: Brill.
• Lovejoy, Arthur O., 1911 [1959], “Buffon and the Problem of Species”, two
parts, Popular Science Monthly, 79(November): 464–473 and 79(December):
554–567. Reprinted, 1959, Forerunners of Darwin: 1745–1859, Bentley Glass,
Owsei Temkin, and William L. Strauss (eds.), Baltimore, MD: Johns Hopkins
Press, 84–113.
• Lucretius, Titus, [RN], The Way Things Are: the De Rerum Natura of Titus
Lucretius Carus, translated by Rolfe Humphries, Bloomington, IND: Indiana
University Press, 1968.
• Malebranche, Nicholas, 1674/75, De la Recherche de la vérité (Concerning the
Search after Truth), two volumes, Paris. [Malebranche 1674/75 available
online]

Copyright 2021© ‫حكمة‬ 48


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

• Maillet, Benôit de, 1748, Telliamed ou entretiens d’un philosophe indien avec
un missionnaire françois, sur la diminution de la Mer, la formation de la Terre,
l’Origine de l’Homme, etc., Jean Baptiste de Mascrier (ed.), Amsterdam.
[Maillet 1748 available online]
• Maupertuis, Pierre de, 1745, Vénus physique. [available online]
• Newton, Isaac, 1687, Philosophiæ Naturalis Principia
Mathematica (Mathematical Principles of Natural Philosophy), London.
• –––, 1730, Opticks: Or, A Treatise of the Reflections, Refractions, Inflections
and Colours of Light, fourth edition, London: William Innys, first edition in
1704. [Newton 1730 available online]
• Oderberg, David S., 2007, Real Essentialism, New York and London: Routledge.
• Oldroyd, David, 1996, Thinking About the Earth: A History of Ideas in Geology,
Cambridge, MA: Harvard University Press.
• Pusey, James Reeve, 1983, China and Charles Darwin, (Harvard East Asian
Monographs, 100), Cambridge, MA: Council on East Asian Studies, Harvard
University.
• Pyle, Andrew, 2006, “Malebranche on Animal Generation: Preexistence and
the Microscope”, in Smith 2006: 194–214.
doi:10.1017/CBO9780511498572.010
• Reill, Peter H., 1992, “Buffon and Historical thought in Germany and Great
Britain”, in Buffon 88: actes du Colloque international pour le bicentenaire de
la mort de Buffon (Paris, Montbard, Dijon, 14–22 juin 1988), Jean Gayon (ed.),
Paris: J. Vrin, 667–680.
• –––, 2005, Vitalizing Nature in the Enlightenment, Berkeley: University of
California Press.
• Richards, Richard A., 2010, The Species Problem: A Philosophical Analysis,
Cambridge: Cambridge University Press. doi:10.1017/CBO9780511762222
• Richards, Robert J., 2002, The Romantic Conception of Life: Science and
Philosophy in the Age of Goethe, (Science and Its Conceptual Foundations),
Chicago: University of Chicago Press.
• Roe, Shirley A., 1981, Matter, Life, and Generation: Eighteenth-Century
Embryology and the Haller-Wolff Debate, Cambridge: Cambridge University
Press.
• Roger, Jacques, 1963 [1997], Sciences de la Vie dans la Pensée Française de
XVIIIe Siècle, Paris: Amand Colin. Translated as The Life Sciences in Eighteenth-
Century French Thought, Keith Rodney Benson (ed.). Robert Ellrich (trans.),
second edition, Stanford, CA: Stanford University Press.

Copyright 2021© ‫حكمة‬ 49


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

• –––, 1989 [1997], Buffon, un Philosophe au Jardin du Roi, Paris: Librairie


Arthème Fayard. Translated as Buffon: A Life in Natural History, L. Pearce
Williams (ed.). Sarah Lucille Bonnefoi (trans.), (Cornell History of Science
Series), Ithaca, NY: Cornell University Press, 1997.
• Rudwick, Martin John Spencer, 1972, The Meaning of Fossils: Episodes in the
History of Palaeontology, (History of Science Library), London: Macdonald.
• –––, 2005, Bursting the Limits of Time: The Reconstruction of Geohistory in the
Age of Revolution, Chicago: University of Chicago Press.
• Rupke, Nicolaas A., 1993, “Richard Owen’s Vertebrate Archetype”, Isis, 84(2):
231–251. doi:10.1086/356461
• –––, 1994, Richard Owen: Victorian Naturalist, New Haven, CT: Yale University
Press.
• –––, 2009, Richard Owen: Biology Without Darwin, Chicago, IL: University of
Chicago Press.
• Schmitt, Stéphane, 2019, “From Paris to Moscow via Leipzig (1749–1787):
Translational Metamorphoses of Buffon’s Histoire naturelle”, Erudition and
the Republic of Letters, 4: 33–74.
• Schofield, Robert E., 1970, Mechanism and Materialism: British Natural
Philosophy in an Age of Reason, Princeton, NJ: Princeton University Press.
• Secord, James A., 2000, Victorian Sensation: The Extraordinary Publication,
Reception, and Secret Authorship of Vestiges of the Natural History of Creation,
Chicago, IL: University of Chicago Press.
• Sedley, David N., 2007, Creationism and Its Critics in Antiquity, (Sather Classical
Lectures, 66), Berkeley, CA: University of California Press.
• Shank, John B., 2008, The Newton Wars and the Beginning of the French
Enlightenment, Chicago, Il.: University of Chicago Press.
• Sloan, Phillip R., 1973, “The Idea of Racial Degeneracy in Buffon’s Histoire
naturelle”, Studies in Eighteenth Century Culture, 3: 293–321.
• –––, 1987, “From Logical Universals to Historical Individuals: Buffon’s Idea of
Biological Species”, in J-L. Fischer and J. Roger (eds.), Histoire du Concept
d’Espèce dans les Sciences de la Vie, Paris: Fondation Singer-Polignac, 101–140.
• –––, (ed.), 1992, Richard Owen’s Hunterian Lectures, May–June 1837, Chicago:
University of Chicago Press.
• –––, 1997, “Lamarck in Britain: Transforming Lamarck’s Transformism”,
in Jean-Baptiste Lamarck: 1744–1829, Goulven Laurent (ed.), Paris: Éditions du
CTHS, 667–687.

Copyright 2021© ‫حكمة‬ 50


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

• –––, 2003, “Whewell’s Philosophy of Discovery and the Archetype of the


Vertebrate Skeleton: The Role of German Philosophy of Science in Richard
Owen’s Biology”, Annals of Science, 60: 39–61. doi:10.1080/713801780
• –––, 2006a, “Kant on the History of Nature: The Ambiguous Heritage of the
Critical Philosophy for Natural History”, Studies in History and Philosophy of
Science Part C: Studies in History and Philosophy of Biological and Biomedical
Sciences, 37(4): 627–648. doi:10.1016/j.shpsc.2006.09.003
• –––, 2006b, “Natural History”, in The Cambridge History of Eighteenth-Century
Philosophy, volume 2, Knud Haakonssen (ed.), Cambridge: Cambridge
University Press, 903–938. doi:10.1017/CHOL9780521867436.012
• –––, 2007, “Kant and British Bioscience”, in Understanding Purpose: Kant and
the Philosophy of Biology, (NAKS Studies in Philosophy, 8), Philippe Huneman
(ed.), Rochester, NY: University of Rochester Press, 149–171.
• –––, 2013, “The Species Problem and History”, Studies in History and
Philosophy of Science Part C: Studies in History and Philosophy of Biological and
Biomedical Sciences, 44(2): 237–241. doi:10.1016/j.shpsc.2013.01.001
• –––, 2014, “The Essence of Race: Kant and Late Enlightenment
Reflections”, Studies in History and Philosophy of Science Part C: Studies in
History and Philosophy of Biological and Biomedical Sciences, 47(A): 191–195.
doi:10.1016/j.shpsc.2014.06.001
• –––, 2019, “Metaphysics and ‘Vital’ Materialism: Émilie Du Châtelet and the
Origins of French Vitalism”, in Philosophy of Biology before Biology, Cécilia
Bognon-Küss and Charles T. Wolfe (eds.), London: Routledge, chp. 3.
• Smith, Justin E. H. (ed.), 2006, The Problem of Animal Generation in Early
Modern Philosophy, Cambridge: Cambridge University Press.
doi:10.1017/CBO9780511498572
• Spary, E. C., 2000, Utopia’s Garden: French Natural History from Old Regime to
Revolution, Chicago: University of Chicago Press.
• Spencer, Herbert, 1852, “The Development Hypothesis”, The Leader, March 20
(published anonymously). Reprinted in his Essays Scientific, Political &
Speculative, three volumes, London: Williams and Norgate, 1891, pp.1–7.
[Spencer 1852 available online]
• Stamos, David N., 2003, The Species Problem: Biological Species, Ontology, and
the Metaphysics of Biology, Lanham: Lexington Books.
• Steno, Nicholas, 1669, De solido intra solidum naturaliter contento
dissertationis prodromus, Florence. Translated as The prodromus of Nicolaus
Steno’s dissertation concerning a solid body enclosed by process of nature

Copyright 2021© ‫حكمة‬ 51


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

within a solid, John Garrett Winter (trans.), New York: Macmillan, 1916. [Steno
1669 and Steno 1669 [1916] available online]
• Terrall, Mary, 2002, The Man Who Flattened the Earth: Maupertuis and the
Sciences in the Enlightenment, Chicago: The University of Chicago Press.
• Wheeler, Quentin D. and Rudolf Meier (eds.), 2000, Species Concepts and
Phylogenetic Theory: A Debate, New York: Columbia University Press.
• Wilkins, John S., 2009, Species: A History of the Idea, (Species and Systematics
1), Berkeley, CA: University of California Press.
• Wilson, Catherine, 2006, “Kant and the Speculative Sciences of Origins”, in
Smith 2006: 375–401. doi:10.1017/CBO9780511498572.017
• Wilson, Robert A. (ed.), 1999, Species: New Interdisciplinary Essays,
Cambridge, MA: MIT Press.
• Winsor, Mary P., 2006, “The Creation of the Essentialism Story: An Exercise in
Metahistory”, History and Philosophy of the Life Sciences, 28(2): 149–174.
• Wolfe, Charles, 2014, “On the Role of Newtonian Analogies in Eighteenth-
Century Life Science”, in Newton and Empiricism, Zvi Biener and Eric Schliesser
(eds.), Oxford: Oxford University Press, 223–261.
doi:10.1093/acprof:oso/9780199337095.003.0010
• Zammito, John H., 2018a, The Gestation of German Biology: Philosophy and
Physiology from Stahl to Schelling, Chicago: University of Chicago Press.
• –––, 2018b, “From Natural History to the History of Nature: Kant Between
Buffon and Herder”, in Rethinking Kant 5, Pablo Muchnik and Oliver Thorndike
(eds.), Newcastle upon Tyne: Cambridge Scholars Publishing, 281–310.

‫أدوات أكاديمية‬
How to cite this entry.

Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.

Look up this entry topic at the Indiana Philosophy Ontology Project (InPhO).

Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

Copyright 2021© ‫حكمة‬ 52


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫مصادر أخرى على اإلنترنت‬


• The Biodiversity Heritage Library has some works available online by, among
others,
o George-Louis LeClerc, Comte de Buffon
• Carl Linnaeus, Botanical History, article by Louise Petrusson, hosted by the
Swedish Museum of Natural History.
• History of Evolutionary Thought, hosted by University of California, Berkeley

‫مداخل ذات صلة‬


adaptationism | altruism | altruism: biological | Aristotle, General Topics:
biology | biology: philosophy of | Châtelet, Émilie
du | creationism | Darwinism | Descartes, René | evolution: cultural | evolution:
from Origin of Species to the Descent of Man | fitness | genetics:
evolutionary | life | Malebranche, Nicolas | natural selection | natural selection: units
and levels of | species | Spencer, Herbert | teleology: teleological notions in
biology | Whewell, William

Acknowledgments
The author wishes to acknowledge the valuable comments of colleagues on this article,
and particularly those by David Depew, Robert J. Richards and M. Katherine Tillman.
Additional debt is due to Michael Ruse, Edward Zalta, and the anonymous reviewers
for the Stanford Encyclopedia of Philosophy.

i
Bowler 1975.
ii
Lucretius [RN].
iii
Sedley 2007.

Copyright 2021© ‫حكمة‬ 53


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

iv
Carroll 2015.
v
Aristotle, De Anima II: 415b, 10–30.
vi
Physics, I: 192a, 25–34.
vii
Dales and Argerami 1991.
viii
Aristotle, De generatione animalium, III: 762a, 20–35.
ix
De Anima, II: 415b, 1–10.
x
De generatione animalium, II: 731b, 32–732a5.
xi
Augustine, VI.13.23–25, [GL, 175–76].
xii
Gaukroger 2006: chp. 2.
xiii
Wilkins 2009: Ch. 3.
xiv
R.A. Richards 2010: chp. 2.
xv
Hull, 1992.
xvi
R.A. Richards 2010; Wilkins 2009; Oderberg 2007: chp. 9; Winsor 2006; Lennox 1985, 1987.
xvii
Bowler 2003: chp. 2; Oldroyd 1996; Greene 1959.
xviii
Descartes 1647 [1983: 181].
xix
Ibid.
xx
Aucante 2006.
xxi
Descartes 1647 [1983: 275–276].
xxii
Descartes 1664 [1972: 1–5].
xxiii
Sloan 2006a.
xxiv
Rudwick 1972.
xxv
Burnet 1684: bk 2, chp. 2, para. 4, p. 187 [1965: 141].
xxvi
Rudwick 1972, 2005.
xxvii
Roger 1963 [1997: chp. 2].
xxviii
Fisher 2006.
xxix
Gaukroger 2010: chp.2.
xxx
Pyle 2006; Roger 1963 [1997: chp. 6].
xxxi
Deason 1986; Roger 1963 [1997: chp. 6].
xxxii
Garden 1691: 476–477.
xxxiii
Detlefsen 2006; Roger 1963 [1997: chp. 7]; Roe 1981.
xxxiv
Schofield 1970: chp. 9.
xxxv
Wolfe 2014; Gaukroger 2010: chps. 10–11.
xxxvi
Schofield 1970: chp. 1.
xxxvii
Guerrini 1987.
xxxviii
Newton 1730: 378.
xxxix
ibid., 401.
xl
Zammito 2018a; Gaukroger 2010; Reill 2005; Rudwick 2005.
xli
Shank 2008.
xlii
Terrall 2002: chp. 7; Hoffheimer 1982.
xliii
Spary 2000.
xliv
Hoquet 2007.
xlv
Hoquet 2005; Sloan 2006b; Roger 1963 [1997: chp. 9], 1989 [1997: chp. 6].
xlvi
Sloan 2019.
xlvii
Hoquet 2005; Grene & Depew 2004; Roger 1989 [1997: chp. 6]; Sloan 2006b.
xlviii
Spary 2000: chp. 1; Blanckaert et al. (eds) 1997; Corsi 1983 [1988], 2001.

Copyright 2021© ‫حكمة‬ 54


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

xlix
Rudwick 2005.
l
Sloan 2019.
li
Reill 2005: chp. 1.
lii
Buffon “De la Nature. Seconde vue”, 1765, [OP, 38–41].
liii
Buffon 1753, [OP, 355].
liv
Bowler 2003: chp. 3; Lovejoy 1911 [1959].
lv
Buffon 1753, [OP, 355].
lvi
Dupré 1993; Ereshefsky (ed.) 1992; Ghiselin 1997; Hull 1999; R.A. Richards 2010; Sloan 2013; Stamos 2003; Wheeler & Meier
(eds) 2000; Wilkins 2009; R.A. Wilson (ed.) 1999; and the entry on species in this encyclopedia.
lvii
Sloan 1973, 2014.
lviii
Buffon 1779.
lix
Buffon 1779: Fifth Epoch.
lx
Roger “Introduction” in Buffon 1779, [1988, cxxiv].
lxi
Rudwick 2005: chp. 3.
lxii
Schmitt, 2019.
lxiii
Reill 1992.
lxiv
Zammito 2018a: 180–185, 2018b.
lxv
Zammito 2018a: chps. 8,9,11; R. J. Richards 2002: chps. 2,3,8.
lxvi
Blanckaert et al. (eds) 1997.
lxvii
Corsi 1983 [1988: chp. 1].
lxviii
Corsi 1983 [1988: chp. 1]; Appel 1987.
lxix
Burkhardt 1977.
lxx
extracted in Lamarck 1817–19 [1991].
lxxi
Sloan 1997.
lxxii
Appel 1987.
lxxiii
Gould 1977: chp. 3.
lxxiv
Rupke 2009; R.J. Richards 2002; Sloan 2007, 2003, 1992; Desmond 1989.
lxxv
Sloan 2007.
lxxvi
Rupke 1994, 1993; Sloan (ed.) 1992.
lxxvii
Sloan 2003; R. J. Richards 2002: chp. 14; Rupke 1993.
lxxviii
Secord 2000.
lxxix
Rupke 1994: 206.
lxxx
Spencer 1852.
lxxxi
Haines 1988.
lxxxii
Hofstadter 1944 [1955]; see also the entry on Herbert Spencer.
lxxxiii
Jin 2019; Lightman (ed.) 2016; Elshakry 2013; Pusey 1983.

Copyright 2021© ‫حكمة‬ 55

You might also like