Professional Documents
Culture Documents
سؤال المواطنة في الفلسفة اليونانية بين الطابع المثالي، الواقعي والكوني - أفلاطون، أرسطو والمدرسة الرواقية
سؤال المواطنة في الفلسفة اليونانية بين الطابع المثالي، الواقعي والكوني - أفلاطون، أرسطو والمدرسة الرواقية
*1
د .جواق مسري
1جامعة عبد احلميد مهري ،قسنطينة .2اجلزائرphilo.samirdjouak@gmail.com .
Summary امللخص
This study aims to address the هتدف هذه الدراسة إىل معاجلة مفهوم املواطنة والتأويالت
concept of citizenship and the different
interpretations it took within Greek اليت أخذها يف الفلسفة اليواننية عرب ثالث حمطات فكرية أساسية:
philosophy over three periods of thought:
أفالطون ،أرسطو واملدرسة الرواقية.
Plato, Aristotle and Stoicism.
The result shows that this concept is وقد متَّ التوصل إىل ٍ
نتيجة مفادها أن ظهور مطلح املواطنة كان مقروانً
strongly linked to the Greek city, also to
the nature of Greek society which admits ط بطبيعة اجملتمع اليوانين الذي يُقر
ابملدينة اليواننية ،كما كانت ترتب ُ
social stratification, where citizenship is ابلطبقية ،ومن مثة فقد كانت صفة املواطنة /املواطن ُُتنح للفرد ذو
only offered to the individual whose origin
is Greek, it is his only right to participate األصل اليوانين فقط وهو وحده الذي يسمح له ابملشاركة السياسية
in the management of the state.
يف تسيري شؤون الدولة.
In the light of this reality of social
stratification, three approaches to تربز لنا ثالث مقارابت أساسية يف
على ضوء هذا الواقع الطبقي ُ
citizenship appear an idealistic approach,
which aims to build a correct society تناول مفهوم املواطنة ،األوىل مقاربة مثالية تروم إىل أتسيس جمتمع
within an ideal republic, the second عادل يف مجهورية مثالية .الثانية مقاربة واقعية تروم إىل أتسيس مواطنة
approach, consists in building a realistic
citizenship on real land, the third it is a متساوية على أرض الواقع .أما الثالثة فهي مقاربة كونية تستوعب كل
universal approach that encompasses all
االنسانية.
of humanity.
Keywords : Citizenship, ideal الكلمات املفتاحية :املواطنة ،املواطنة املثالية ،املواطنة الواقعية ،املواطنة
citizenship, real citizenship, universal
citizenship.
الكونية.
*
د .جواق مسريphilo.samirdjouak@gmail.com :
مقدمة:
ارتبط ظهور مفهوم املواطنة ابملدينة اليواننيَّة ،La cité grecqueوقد كانت صفة مُميزة لليوانين
احلر ،صاحب اجلنسيَّة اليواننيَّة ،Nationalité grecqueكما كانت تمعىن مبشاركة املواطن/اليوانين
ب ال يمتاح لغري اليوانين من األجانب أو األفراد الذين ينتمون ومكس ٌ
ّ حق
السياسيَّة يف تسيري شؤون املدينة ،وهو ٌ
إىل الطبقات االجتماعيَّة األخرى (الصناع والعبيد) ،ولئِّّن قمدر أ ّن يكون ظهور مفهوم املواطنة يف مُمتم ٍع طبق ٍي
من املقارابت الفلسفيَّةَّ ،إما أن تمزكي هذا الواقع الطبقي وتمق ِّّدم
كان من الطبيعي جداً بروز العديد ّ ابمتيازَّ ،
تضم اجلميع بتقاليدهم ِّ
ؤسس وفقاً لذلك النقد رؤيَّة كونيَّة ّ
مسوغات اثنيَّة واخالقيَّة للدفاع عنه ،أو أن تنتقده وتم ّ
كل مقاربة فلسفيّة –ابختالف منابعها وتوجهها -تصورها املتنوعة ،ويف مجيع األحوال ،لقد أقامت ّوثقافاهتم ّ
من ذاك الواقع.
للمواطنة وفقاً ملوقفها ّ
انظمها هو املثال،
يف هذا الصدد ،تربز َه مهنا؛ املقاربة املثالية اليت تكون غايتها أتسيس مُمتمع عادل م
على حنو ما جنده عند "أفالطون" ،واملقاربة الواقعيَّة اليت سعت إىل جتسيد مفهوم املواطنة على أرض الواقع وليس
يف مجهوريَّة املثال ،ويمعزى الفضل يف ذلك إىل "أرسطو" ،واملقاربة الكونيَّة اليت أجنزهتا املدرسة الرواقيَّة ،واليت تعَّد
امت اىل اخراج املواطنة من خندقها الضيق واضفاء عليها صبغة كونيَّة/عامليَّة ،عن
َّأول حماولة فلسفيَّة اترخييَّة ر ْ
طريق خضوع املواطن لقواعد كونية و ِّ
العيش وفقاً هلا.
تبعاً هلذا التأسيس؛ ميكن صياغة اإلشكالية الرئيسة هلذه الدراسة على النحو التايل :ما مفهوم املواطنة؟
ما هي التشكالت اليت اختذها املفهوم يف كل مرة عرب صريورة اترخييَّة مُمتدة منذ "أفالطون" وصوالً إىل املدرسة
الرواقية مروراً بـ "أرسطو"؟
يموجهنا العنوان إىل محماولة الوقوف أوالً عند املعىن اللغوي ملفهوم املواطنة ،كي منمَر اثنياً إىل املعىن
التطرق إىل التحوالت والتأويالت اليت أخذها املفهوم يف القولِّ السبق قبل
االصالحي له ،وهو إجراءٌ منهجي له م
الفلسفي اليوانين منذ "أفالطون" إىل املدرسة الرواقية مرورا بـ "أرسطو" ،فما مفهوم املواطنة لغوايً واصطالحاً؟
ط يف هذا املقام ،داللةٌ لغويَّة وأخرى اصطالحيَّة فلسفيَّة ،جلها متداولةٌ على ٍ
نطاق واس ٍع ،ومع ختتل م
م م
املتداو مل يف شأهنا ،إذ يتضح ،أن
القو مل َّ
استحضار ذلك ّ
م وجب
السؤال عن مفهوم املواطنةَ ، ذلك ،مىت أمست ِّّ
حضر م
إىل البيئة اليواننيَّة وحضارهتا ِّ
إرجاع ممفردة املواطنة ّ
تتفق إبمجاع على ِّ
مجيع القواميس واملعاجم يف هذا املوضوع ،م
جند إمجاعاً ههنا ،على أ ّن ممفردة املواطنة جرى استخدامها
كما قد مالقدمية خصوصا مدينة أثينا َّ ،Athènes
تنحدر من كلمة "مدينة" «،»Cité
م يف اللسان الفرنسي ،Citoyennetéمن "مواطن" ،citoyenاليت
ستخدم ههنا ابملعىن نفسه للكلمة اليواننيّة
م األص ِّل الالتيين ( civisمواطن) ،و( civitasمدينَة) ،وتم
ذات ّوهي م
س على معيارين يتأس م
( ،)Polisواليت تعين مُمتمع حتكمه القوانني َّ ،une société régie par des lois
أساسيني ومتكاملني مها :احلقوق والواجبات ،حيث تعرتف الدولة ابألفراد كمواطنني أحرار ومتساويني ،كما َّ
إن
املهام الرئيسة للدولة ههنا ،هي أن توفر عنصر احلماية واحلريَّة ملواطنيها ،على الرغم من َّ
أن هذا التصور من َّ
للمواطنة يف البيئة اليواننيَّة ،كان ضيقاً للغايَّة ،إذ خيص فئة قليلة هم اليواننيون ابلطبيعة أحراراً ومتساويني ،وهم
السياسة la vie politiqueوالوصول إىل القضاء واحلكم ،وعليه َّ
فإن َّ وحدهم من ميكنهم املشاركة يف احلياة
هذا التصور يمقصي الفئات األخرى من النساء واملقيمني األجانب والعبيد ،من هذا احلق السياسي واالجتماعي.
)(Morfaux, 2005, p:77
أي ال تنتمي
فهم مجاعات ال تنتمي إىل القيم اجلغرافيَّة والتقاليد الثقافيَّة الواحدة اليت جتمع اليواننينيّ ،
إىل القوميَّة الواحدة ،سواء من الناحيَّة اجلغرافيَّة (مكان الوالدة/االقامة) ،أو من الناحيَّة االثنيَّة (األصل اليوانين)،
أو من الناحيَّة احلضارية والثقافيَّة (اللغة ،التاريخ ،التقاليد) ،وقد نبه الفيلسوف األملاين "يورغن هابرماس" إىل
هذه الفكرة ،حيث كان بصدد التأصيل اللغوي ملفهوم املواطنة ،اليت تعين -يف نظّره" -وفقاً هلذا االستخدام
مجاعات ٍ
أصل ،ممندُمةٌ جغرافياً من خالل االستعمار واجلوار ،وثقافياً من خالل م الكالسيكيَّ ،
فإن األمم هي
اللغة والعادات والتقاليد املشرتكة ،ولكنها مل تندمج سياساً ،بعد يف تنظيم رمسي".
ويف ِّ
ذات السياق ،يمشري فيلسوف التواصليَّة "هابرماس" ،إىل أ ّن اتريخ نشوء الدولة القوميَّة L’Etat-
املتداول حينها ملصطلح
nationيتزامن مع نشوء "األمة" ،Nationوابلعودة إىل القاموس الروماين والفهم ّ
أتويل و ٍ
احد، "األمة" ،فإنه حسب القراءة الفلسفيَّة اهلابرماسيَّة ،مل ت ّكن حت ِّّمل إالَّ داللة واحدة ،إذّ محتيل إىل ٍ
بوصفها "إهلة الوالدة واألصل/املصدر"،la déesse de la naissance et de la provenance
أعني "هابرماس" ،كلمة "األمة" تتقاطع يف داللتها مع مفاهيم أخرى كـ "اجلنس" وهي هبذا التأويل ،ويف ِّّ
أي ابعتبارها شعوب ما قبل سياسيَّة ،غري منظمة ،متوحشة وبربريَّة.
و"الشعب" ،وعلى خالف "املدينة"ّ ،
()Habermas, 1998, p:70
إالَّ َّ
أن اإلشكاليَّة السياسيَّة الرئيسة للمواطنة اليت أصبحت مطروحة اآلن يف الدميقراطيات احلاليَّة ،واليت
تعيش تعدديَّة اثنيَّة وثقافيَّة وتتغىن بشعارات الدميقراطيَّة وحريَّة الرأي ،يف البحث عن ٍ
سبيل لفتح ابب املشاركة
الفعالة la participation effectiveجلميع املواطنني يف احلياة السياسيَّة وصناعة القوانني ،يعين هذا
أي شخص ومهما كانت خلفياته الثقافيَّة والعقديَّة واالثنيَّة يمسمح له ابملشاركة السياسيَّة وابداء الرأي
القول ،أ ّن ّ
ّ
حول قضااي اجملتمع واملسامهة يف ما يهم الصاحل العام ،شريطة احرتام القوانني واحلرايت األساسيَّة
لألفراد)Morfaux, 2005, p:77).
وقد نتج عن هذه الرؤيَّة ،ممقاربة جديدة تنظر للمواطنة بوصفها "مواطنة عامليَّة" Citoyenneté
أي َّ
أن االنتماء الوحيد هو لإلنسانية ،la seul appartenance à l’Humanité َّ ،Mondiale
تتأسس على قيمة املساواة يف احلقوق والواجبات ابلنسبة للجميع ،ممتجاوزة بذلك التمييز على أساس
حيث َّ
م
اللغة أو اللون أو املعتقد الذي كانت تتأسس عليه مواطنة الدولة-األمة) Morfaux, 2005, p:77(.
القول ،أ ّن احلريَّة واملساواة هي املقومات األساسيَّة اليت يقوم عليها املفهوم املعاصر للمواطنة،
وعليه ،ممي ّكن ّ
"معجم املصطلحات السياسيَّة" ،املواطنة بناءً
عرف م هذا ما أكدته مج ُّل معاجم وقواميس العلوم السياسيَّة ،حيث يم ِّّ
على خصائص احلريَّة واملساواة واملشاركة الفعالة واملسؤولة للمواطنني ،إذّ "تعين أ ّن كل املواطنني يف اجملتمع
متساويني يف احلقوق والواجبات ،وتعتمد املواطنة على املساواة واحلرية واملشاركة واملسؤولية االجتماعية (كل
أي متييز بسبب الدين أو اجلنس أو اللون أو املستوى االقتصادي أو
الناس فوق تراب الوطن سواسيّة بدون ّ
االنتماء السياسي)(".العلوي ،2014 ،ص)59:
فاملواطنة يف اجملتمعات املعاصرة ،مل تعد توصيفاً لإلقامة أو ملكان السكن والوالدة ،وال ختضع لالعتبارات
االثنيَّة والقومية واللغوية والعقديَّة اليت يشرتك فيها اجلميع ،ويمقصى منها كل من خيالفها ،وقد عرب فيلسوف
التواصليَّة "يورغن هابرماس" عن نقده الشديد هلذه الرؤيَّة ،يف مقالته املوسومة بـ "املواطنة واهلويَّة القوميَّة"
« ،»citoyenneté et identité nationaleعلماً َّ
أن حرف "الواو" هنا ال يمستخدم للعطف واجلمع
بينه َّما
بني املواطنة والقوميَّة ،بل على الضد من ذلك ،إذ يمستخدم لفك هذا التعالق العضوي الذي ما فتئ جيمع م ّ
ردحاً من الزمن ،فلئِّّن قمدر ملفهوم املواطنة أ ّن يتخذ مدة طويلة معىن االنتماء إىل دولة قوميَّة ،فقد أصبحت
فهم من
توصيفاً لوضع مواطن le statut du citoyenيتمتع حبقوقه املدنيَّة ، les droits civiquesيم ّ
خيضع إىل االعتبارات التقليديَّة
تتأسس على قيم اهلويَّة القوميَّة الضيقة ،حيث االنتماء ال م هذاَّ ،
أن املواطنة مل تعد َّ
(مكان االقامة والوالدة) ،ففي دولة القانون الدميقراطيَّة L’Etat de droit démocratiqueمُي ّدد
انتماء املواطنني إىل الدولة حسب فهمهم الذايت وحريتهم وارادهتم وقناعاهتم ،بوصفهم مواطنني أحرار ومتساويني
)Habermas, 1998, p:73( .citoyens libres et égaux
أكثر
آخر يعد م فهم َ
عموماً ،على خالف ما هو موجود يف االشتغال الفكري اليوانين والروماين ،هناك ٌ
س تعريفاً ِّ
ليؤس َ
راهنيَّةً مبّا يتالءم مع الدولة احلديثة ،إذّ يتجاوز املفهوم الغريب للمواطنة ههنا ،النزعة الضيقة تلكّ ،
وتستند على أ ِّ
مطر احلقوق والواجبات، م تقوم على قاعدة القانون
بني "الفرد والدولة" ،م
جديداً للمفهوم بوصفه عالقة َّ
حقوق سياسيَّةٍ من ٍ ٍ
الفرد ّ
َّد معاملم عضويتها مبَّا ميتلكه ميتضح أننا إزاء مرؤية جديدة للمواطنة ،تتحد م
م وتبعاً لذلك
كحق االنتخاب والتصويت وتويل املناصب االجتماعيَّة والسياسيَّة ،ومبَّا عليه من و ٍ
اجبات يم َلزمم عليه ومدنيَّة ِّ
ّ
اجنازها ،ومميكننا أ ّن نمشري يف هذا الصدَّد إىل تعريف "دائرة املعارف الربيطانية" « «Encyclopédie
تلك
ددها قَانمون تلك الدولَة ،ومبا تَتضمنمه َ Britannicaاملواطنة علَّى َّأهناَ «:عالقة بني فرد ودولَة كما مُي م
أن املواطنَة على وجه العم مموم تمسبِّ مغ على املواطن محقوقاً سيَاسيَّة،
الدولَة (َّ )...
وح مقوق يف تلك َ من واجبَات م
العالقَة ّ
َ
العامة(».الكواري ،2001 ،ص)30:
مثل َحق االنتخاب وتَويل املنَاصب َ
ْ
ِّ
الغالب عنها ،فقد متَّت االشارة عادة ما تكون الداللة اللغويَّة مموجهة للداللة االصطالحيَّة ،وتعبرياً يف
شرتك سواءٌ أكان سياسي أوكيان م ٍتوصيف لالنتماء إىل ٍ ٌ سابقاً إىل أ ّن املواطنة يف داللتها اللغويَّة ماهي إالَّ
م
اجتماعي أو عقدي ،ويؤسس ذلك االنتماء على املشاركة يف ص ِّنع الرأي و ِّ
اختاذ القرار ،وفعالً فالباحث عن م م
أن مفهوم املواطنة ال مُييل إالَّ إىل االنتماء إىل ُمتمع سياسي
الداللة االصالحيَّة ال مميكنه إالَّ االنتهاء إىل القولَّ ،
،Communauté politiqueبيد َّ
أن هذا االنتماء يعين ،يف ممجلة ما يعنيه ،مشاركة املواطنني الفعالة يف
مجيع القرارات اليت تتعلق بـاجملتمع ،ففي اجلمهورايت احلرةَّ ،
إن مشاركة املواطنني هي مشاركة ضرورية يف القرارات
املشرتكة ( Blay, 2005, p:135(.décisions communes
ِّ
رسم التوس ِّل ابلدراسة م
املوسومة بـ "الدولة وإشكاليَّة املواطنة" ،-م من خالل ّ وممي ّكن يف هذا الص ّددّ - ،
مثلما هو عليه اآلن يف داللتها احلديثة ٍ
كحق دستور ٍي، السياق التارخيي لتطور مفهوم املواطنة ليمصبح متعارفاً عليهَّ ،
من أبعاد املواطنة وهي املدنيَّة
كل مرحلة منها بمعداً رئيساً ّ
ومتكاملة ،شكلت ّ
احل رئيسيَّة م
من خالل ثالث مر َ
ّ
االجتماعي( .هناك مالحظة أساسيَّة جتدر اإلشارة إليها يف هذا الص ّدد ،وهي أن هذا التقسيم يف
َّ والسياسيَّة و
مراحل وأبعاد املواطنة يعود إىل دراسة "ت .ه .مارشال" « »T.H. Marshallاملوسومة ب ـ "املواطنة والطبقات
اعتمد عليها الباحث "سيدي حممد ولديب"
االجتماعيَّة" « ،»Citizenship and Social Classوقد َّ
يف كتابه هذا الذي توسلنا به ههنا "الدولة واشكالية املواطنة ،قراءة يف مفهوم املواطنة العربية" ،بعد أن وجدان أن
حتليله للفكرة َّ
كان أكثر تعمقاً واقناعاً).
ففي املرحلة األوىل ،واليت أتيت زمانياً خالل القرن السابع عشر ،برزت ما يمسمى ب ـ "املواطنة املدنيَّة"
اف حبق املساواة القول هبا ،هي االعرت م
إن أهم النتائج اليت متخضت جراء ّ «َّ ،»La Citoyenneté Civile
املساس بكرامة صاحب ِّ التعبري عنه حبر ٍية مطلقة دون
كما صرحت ابحلق يف إدالء الرأي و ِّ
يف املعاملة أمام القانونَّ ،
من ذلك كله ،فقط ٍ ٍ
الرأي أو انتقاصاً منه ،ومُمارسة املمعتقد دون ضغط أو مسلطة ،واحلق يف االمتالك ،واألهم ّ
نفس احلظوظ يف الدفاع عن حقوقهم يف حالة استيالهبامن االستفادة من ِّ
مكنت "املواطنة املدنيَّة" ،املواطنني َّ
وضياعها(.ولديب ،2011 ،ص)50:
اعات ونز ٍ
اعات عاصرها هذا ط به من صر ٍ كان "أفالطون" على وع ٍي ٍ
دقيق ابلواقع اليوانين وما ارتب َ َّ
ِّ
النهوض دفع به هذا الوعي للمشاركة يف العمل السياسي و
الفيلسوف ،خبصائصها وتناقضاهتا ورهاانهتا ،وقد َ
ِّ
التأليف يف السياسيَّة ،وميكن للمشتغل على حماوراته املختلفة ،وما يثوي بداخلها ،أن ِّ
حبال الدولة والتوجه حنو
تفهم سعيه الشغوف إلقامة
قرب ،وبذلك مميكن ُّ ِّ
يستبصر جتربة حياتيَّة واقعيَّة عاشها "أفالطون" والحظها عن ٍ
ّ
مُمتم ٍع سياسي ممستقر وعادل ،وهو املوضوع املركزي الذي يثوي داخل ممصنفه االساسي "اجلمهوريَّة" La
خاصة السياسيَّة والرتبوية واألخالقيَّة منها ،ولعل ُمَّا
املتنوعةّ ،
كما بقيَّة مصنفاته األخرى ّ
َّ ،République
يمستحسن االشارة إليه هنا ،هو اعتماد هذا الفيلسوف على الربانمج الرتبوي ممعوالً عليه يف صناعة ممواط ٍن صاحلٍ،
بل وإنه يمراهن عليها من أجل الرتقي ابملواطن ومن مثة اجملتمع ،نقرأ لـ "أفالطون" «:فالرتبيَّة والتهذيب إذ ما
أحسن توجيههما ،كونوا أانساً أخياراً ،وهؤالء األخيار بدورهم إذ ما انتفعوا بتعليمهم كامل ،يغدون أفضل من
كل ما سبقهم وترتقي كل صفاهتم(».أفالطون ،2003 ،ص)292:
ِّ
النهوض حبال اجملتمع وعي "أفالطون" القلق خبصوص
يسكن َّ
م تٌعرب هذه اجلملة عن اهلَّم الفكري الذي
اليوانين ،وهو السعي الذي رام إىل حتقيقه طيلة مساره الفكري والفلسفي ،وعالوةً على ذلك ،فإن هذه اجلملة
فصل موضوع املواطنة عند
ستحسن االشارة إليها يف هذا الصدد ،وهي أنه ال مميكن م
م تمنبهنا إىل مالحظة أساسيَّة يم
اشج الكبري احلاصل بني
حول الرتبية والعدالة والقانون ،نظراً لطبيعة التو م
هذا الفيلسوف عن بقيَّة أتمالته األخرى ّ
أن مجيع أتمالت هذا الفيلسوف وغين عن البيان ،واحلالة هتهَّ ،
هذه املوضوعات يف املنت الفلسفي لـ"أفالطون"ٌ .
أتت من ٍ
أتمل اليوانين حول اجملتمع السياسي وما يرتبط به من مفاهيم أخرى كالعدالة والدميقراطيَّة والرتبيَّة ،مل ِّ
ّ
سابقة اترخييَّة وما عايشه يف عصرهِّ ،بل كان نتيجة مالحظة "أفالطون" هو ٍس فكر ٍي بعي ٌد عن ٍ
نظر ٍي فارٍغ ،أو عن َّ
حلول انجعة مبقتضاها يتِّّم
تقدمي ٍ اخفاق األمنوذج الدميقراطي الذي طرحه "صولون" ،ودستور "بركليس" ،يف ِّ
ِّ
اخراج اجملتمع اليوانين من اضطراابته إىل ضمان استقراره(.النشار ،2005 ،ص )33-29:وهي ٌ
جتارب سياسيَّة
االحتكام إىل النهج الدميقراطي الذي ينزعم إىل تقدمي مساواةٍ بني أفراد اجملتمع ،ذلك َّ
أن ِّ أثبتت لـ "أفالطون" عدم
ْ
املناصب العامة و ِّ
ابداء الرأي ِّ نفس قَ ِّ
دم املساواة للمسامهَّة يف أي أ ّن األفراد ليسوا على ِّ
الواقع أثبَت خالف ذلك؛ ّ
حول قضااي الشأن العام(.ديلو ،2000 ،ص )68:هذا من جهة ،ومن ٍ
جهة أخرى ،أييت ازدراءم "أفالطون" ّ ّ
كد من حياته يفمقتل أستاذه "سقراط" ،وهو الذي أمضى الو َّ للسياسية الدميقراطيَّة يف اعتبارها املسؤولة عن ِّ
أدت لتحصيل ِّ
اخلري ملا ْ ِّ سبيل تعليم الفضيلة والعدالة وطاعة القانون ،فلو كانت الدميقراطيَّة سبيالً ِّ
للعدل وهنجاً ِّ
للسم.
عرب جترعه م
بـ "سقراط" إىل تلك النهاية البائسة َ
هذه القناعة الفكرية اليت انتهى إليها "صاحب احملاورات" قادته إىل البحث عن قاعدةٍ أخرى أكثر قوةٍ
االجتماعية اليت جيدر به االنتماءم إليها ،من جهة ،وتكوين شخصية احلاكم –الفيلسوف الذي سيمسري شؤون
الدولة العادلة ،وابلتايل تتح َق مق املواطنة حينها ،أي يف حالة "ما اقتصرت كل من الطوائف الثالث :الصناع
واحملاربني واحلكام على ُماهلا اخلاص ،وتولت كل منها العمل الذي يالئمها يف الدولة(".أفالطون،2003 ،
ص)307:
ملا كانت العدالة كما أرسى دعائمها "أفالطون" يف منت كتابه األساسي "اجلمهورية" تمفيدَّ «:
إن على
كل فرد أ ّن يمؤدي وظيفته احلقة ،دون أن يتدخل يف شؤون غريه(».أفالطون ،2003 ،ص )316:كما يقول
يف ٍ
نص آخرَّ «:
إن من العدل أن ينصرف املرء إىل شؤونه دون أن يتدخل يف شؤون غريه(».أفالطون،2003 ،
وفئة وظيفتها ومنزلتها اخلاصة دون أن تتدخل يف شؤون طبقة ٍ
ابب العدل أن حترتم كل ٍ ص )305:وعليه ،فمن ِّ
ِّ كل واحدةٍ أن تتفاىن يف ِّ
س،
سيؤس م
تقدمي واجبها ،هذا االحرتام لكل فئة لطبقتها ،هو ما ّ كما جيب على ِّّ
غريهاَّ ،
اجملتمع كياانً متناغماً يف ّ ِّ
م سيتصريم
َّ أعني "أفالطون" ،للمواطنة وللوحدة السياسيَّة واالجتماعيَّة ،ومبقتضاها
ممنسجماً ،ف ـ َّ
"إن أعظم أسباب كمال الدولة هو تلك الفضيلة اليت جتعل كال من األطفال والنساء والعبيد واألحرار
والصناع واحلاكمني واحملكومني يؤدي عمله دون أن يتدخل يف عمل غريه(".أفالطون ،2003 ،ص)305:
بني أهم األعالم الفلسفيَّة يف اتريخ الفكرال حاجة بنا إىل التذكري إىل أن "أرسطو" يعَّد حبق من ِّ
من اجملاالت :كالرتبية ،السياسية ،األخالق، ٍ
الفلسفي ،اليوانين والكوين ،على حد سواء ،بتأثريه اهلائل يف العديد ّ
ُيتل مركزاً أساسياً يف مدونة هذا الفيلسوف،
أن مفهوم املواطنة مكما ال حاجة إىل التذكري أيضاً ،إىل َّ
املنطق...اخلّ .
شتغل على ِّ ِّ
خاصة اليت يوليها هلذا
منت هذا الفيلسوف إدر ماك تلك املكانة ّ الفكريَّة والسياسيَّة ،وإبمكان ِّّ
أي مم ٍ
حني نعتربم أ ّن
ازف َّ
كما قد ال نمبالغ أو مجن م
السياسة" ّ .La Politique َّ خاصة يف مصنفه العممدة "يف
املفهومَّ ،
قدمت حتليالً دقيقاً ملفهوم املواطنة
ْ بني أهم األعمال الفكريَّة اليت
من ّ السياسة" ،-يـمعَّد ّ
َّ عمله الرصني هذا "-يف
جهة أخرى. ول بتارخييه وتراثه الفكري ،من جهة ،كما كا ّن موصوالً بواقعه وعصره إاب َن تلك الفرتة ،من ٍ املوص ِّ
ُّ
ّ
االهنمام بدراسة الدولة ودساتريها حبكم أهنا متثّل
م ومقصده األساسي ،من كل ذلك ،هو وقد كا ّن غرضه الرئيس َّ
يقصده املواطنون(.أرسطو ،د.ت ،ص)92: ِّ
اخلري األعظم الذي ّ
الدوِّل االهنمام واالختيار الفكري لـ "أرسطو" ضرورة القيام بدراسة اترخييَّة -حتليليَّة ِّ
لنشوء َّ لقد محَّل هذا َّ
ٍ
مجاعة ِّ
االنتماء إىل وحقيق ابإلشارة هنا ،إىل أ ّن هذا الفيلسوف يمؤكد على ضرورةِّ وتطورها ووظائفها وغايتها.
ٌ
كما الرتبويَّة .وميكن القولَّ ،
أن ِّ
نصوصه األخالقية والسياسيَّة َّ أكثر من موق ٍع يف ما ،و َّ
أن هذا التأكيد يوجد يف َ
حتقيق ِّ
اخلري األمسى، ِّ ٍ ٍ
من االنتماء إىل مجاعة سياسيَّة ،يف عمرف "أرسطو" الفكري والفلسفي ،هي م الغاية األساسيَّة ّ
السياسة" «:كل دو ٍلة هي ابلبديهيَّة اجتماع وكلَّ ِّ
لصاحب مؤلف "يف اجتماع إنساين .نقرأ
ٍ بوصفه غايةم كل
ٍ
خري، يتألف إالَّ خلري ،مادام الناس أايًكانوا ال يعلمون أبداً شيئاً إالَّ وهم يقصدون إىل ما م
يظهر هلم أنه ّ اجتماع ال م
نوع ما ،و َّ
أن أهم اخلريات كلها جيب أن يكون موضوع أهم فبني إذن َّ
أن كل االجتماعات ترمي إىل اخلري من ٍ ٌّ
االجتماعات ذلك الذي يشمل اآلخر كلها ،وهذا هو الذي يمسمى ابلضبط الدولة أو االجتماع
السياسي(».أرسطو ،د.ت ،ص)92:
على ِّ
ضوء ما سبق ،فإذا كانت كل دو ٍلة هي ابلبديهية اجتماع ،و َّ
أن الغاية األساسيَّة اليت يرنو إليها كل
تفهم املقصود احلقيقي من عبارة "أرسطو" ،وهي
حتقيق اخلري البشري ،فإنه إبمكاننا ،تبعاً لذلكُّ ،
اجتماع هي م
عرض السياق التارخيي لنشوء الدول ،والغرض األساسي منها ،يمقدم عرضاً من ِّبعد أن ينتهي "أرسطو" ّ
ِّ
وضع تعريف للمواطن مُمرداً من ِّّ
كل النقائص ،اهلّم الفكري ومفصالً عن مسات املواطن احلقيقي ،وقد مثُّل م ممطوال م
ٍ
غامضة ،واختلفت كان ذو ٍ
طبيعة أن مفهوم املواطن يف عصره وواقعه َّ وعي "أرسطو" ،خصوصاً و َّ
يسكن َّ م الذي
أصل لد واإلقامة ،أو على ِّ مكان املو ِّ
أساس ِّ
يف له على ِّتقدمي تعر ٍ
من ذهب إىل ِّ
أساس ّ بني َّ َ
حوله الرؤى واملواقفّ ، ّ
أن هذا الشرف بعي ٌد عنهم؟،تصنيف األجانب والعبيد ،فهل مميكن اعتبارهم مواطنون أم َّ
م ِّ
األب واألم ،مثَّ ما
يكشف هذا السؤال عن صعوبة وضع تعريف للمواطن .لنستمع إىل قول أرسطو «:ال يكون املرء مواطناً مبحل
م
اإلقامة وحدهَّ ،
ألن حمل اإلقامة ميلكه أيضاً األجانب املقيمون والعبيد ،كذلك ال يكون املرء مواطناً مبجرد حق
ألن َّ
هذا احلق مميكن أن مخي َول مبجرد ممعاهدة جتارية ،فمحل االقامة املدعاة لدى القضاء مدعياً أو ممدعى عليهَّ ،
نقائص ،هو اهلاجس األساسي الذي َ من أيَِّّة مل للمواطنٍ ،
خال َّ أن وضع تعر ٍ
يف كا ٍ هكذا ميكن القولَ َّ ،
السماتِّ نذر له "أرسطو" جهده الفكري والفلسفي .وقد اهتدى "أرسطو" ،بعد هذا العرض ،إىل َّ
من ّ أن ّ
همة تسي ّري شؤون الدولة أن املواطن احلق من يوّكل ِّ
إليه مم َّ األساسيَّة للمواطنة هي املشاركة يف الشؤون السياسيَّة ،و َّ
ّم م
السمة املميزة للمواطن احلق ،على الوجه األمتَّ ،إمنا هي التمتع بوظائف القاضيِّ ِّ ِّ
والقيام بوظائف احلمكم فيها "إن ّ
واحلكم(".أرسطو ،د ت ،ص)182:
من العناصريتضحُ ،مَّا سبق ،أ ّن التعريف الذي قدمه "أرسطو" للمواطن واملواطنة ،يمقصي الكثري ّ
بقي أسرياً للمجال التداويل
األساسيَّة املكونَّة للمجتمع والدولة ،كاألطفال والنساء والعبيد والشيوخ ،وهو يف ذلك َّ
اليوانين القائم على الطبقيَّة ،خاصة وأ ّن ح َّججه املختلفة اليت قدمها للحصول على شرعيَّة ذلك االقصاءِّ ،
وتبيان م ّ
ٍ
وصلبة ،وممي ّكن القول ،تبعاً لذلك أيضاً ،أنه على تستند إىل أرضيَّ ٍة ٍ
قوية عادل ،هي ضعيفةٌ جداً وال م
أنه إقصاءٌ ٌ
كان ّيعِّج هبا عصره حول املواطن واملواطنة ،وقد الرغم من حماوالت "أرسطو" للخروج من ِّ
خندق التصورات اليت َّ
:3 .2املدرسة الرواقيَّة واملواطنة الكونية :من مواطنة املدينة إىل مواطنة العال
حيث كان
يعود إىل "زينون" ،نسبةً إىل الرواق ،مإن فضل تسميَّة هذه املدرسة ب ـ "الرواقية" وأتسيسها ،م
يف أبهم حماورها ومساعيها ومراميها. أجل مزيَِّّة ِّ
عرض فلسفته اجلديدة والتعر ِّ النقاش الفكري من ِّ ٍ
حلقات من ِّ دير
يم م
احل ِّ ِّ
عرب ثالثة مر َ
ستحسن بنا اإلشارة يف ذات السياق ،إىل أ ّن التطور التارخيي-الفكري هلذه املدرسة كان َ
م كما يم
ّ
هت مج ُّل األحباث والدراسات إىل تقسيمها على النحو اآليت :الرواقيَّة القدمية -الرواقيَّة الوسطى- أساسيَّة اجت ْ
تص ملِّ ئيس ،إذ َّ ِّ الرواقيَّة احلديثة .إالَّ أن ذلك ال مينع أبداً من ِّ ِّ
وشائج دقيقةٌ ّ
ٌ إن هناك تتبع اخليط الناظم لفكرها الر ْ ّ م
ِّ
األهداف تصل بني مراحلها املختلفة ،توحي بوحدةِّ املنطلقات و ِّ
الوفاء لنفس ِّ بني تلك املر ِّ
ومسالك سريَّة ّ
ٌ احل، ّ
شتغل على هذه الفلسفة ،وجود خاصيتني أساسيتني أي مم ٍ ِّ واشرت ٍ
يلفت انتباهَ ّ
اخلصائص ،وفعالً ،إ ّن ما م اك يف
امليز بينه وبني غريه:
قيم َّ
ميتاز هبما الفيلسوف /املواطن الرواقي ،إىل درجة أهنا تم م
م
تتعلق األوىل ب ـ "املتطلبات القاسية للتفاين من أجل الدولة وواجب أتدية اخلدمة العامة ،فجاءت الفضيلة
م
وفق قواعد كونية املدنية يف أعلى املصاف ،والثانية :االميان أبن على املرء أن يكون مواطناً عاملياً عن طريق ِّ
العيش َ
للتصرف الصاحل ،وهكذا علّمت الرواقية أن الفرد ككائن سياسي فاضل ينبغي أن يكون مخملصاً وأن يشعر ٍ
بوالء ُّ
ٍ
عميق ٍ
لكل من دولته والقانون الطبيعي الكوين ،إذ إنه عضو يف كل من املدينة ،Polisوهي الدولة املوجودة
قانونياً ودستورايً ،واملدينة العاملية ،Cosmopolisوهي فكرة ُمازية للمجتمع الكوين األخالقي(".هيرت،
،2008ص)63:
وهكذا َّ
فإن مبدأ "العامليَّة" ،هو املبدأ الذي تقوم عليه الفلسفة الرواقيَّة ،بل هو جوهرها وحمورها األساسي.
بغض النظر عن تفاوهتم االجتماعي ولون بشرهتم وجنسهم وأصلهم ،فهم مجيعاً مواطنون،أن مجيع البشر ِّّ
أي َّ
َّ
ب أ ّن يمعاملوه ،أي أن تكون معاملة أخالقية حسنة ٍ
عامل اآلخر كمواطن ،مثل ما مُي م
وجيب على كل فرد أ ّن يم َ
كانت دعوة إىل ضرورة التوافق بني ِّ
بني اجلميع يف مدينة اإلنسانيّة .ألن "الفلسفة الرواقية يف جوهرها ْ
متبادلة َّ
افق على أساس أن جوهر االنسان والطبيعة
الطبيعة االنسانية والطبيعة اخلارجيَّة مبعناها الواسع ،ويقوم هذا التو م
واحد هو العقل ،فالعقل االنساين إمنا هو جزء من العقل الكلي للعامل ( )...ومن هنا كانت دعوة الرواقية اىل
التوافق بني العقل االنساين والعقل اإلهلي(".النشار ،2005 ،ص.)102،101:
بني العقل االنساين والعقل االهلي ،هو افق ّحتقيق التو ِّ
بني أهم النتائج اليت متخضت عن ِّ كان من ِّ
لقد َّ
ِّ
التفاوت بينهم ،إالَّ التفاوت يف قيم املساواةِّ بني اجلميع ،ونب مذ
اخلضوع له ،وابلتايل إرساءم ِّ
َ االحتكام إىل القانون ،و
م
ِّ
اختالف أدوارهم فيها ،وعليه أتى ِّ
تفاوت منزلتهم االجتماعيَّة و العامل األساسي يف القدرات واملؤهالت اليت هي
م
يليق هبم كبش ٍر،
بشكل حس ٍن ،مبَّا م
ٍ يستحسن معاملتهم
م موقفهم املـمناهض لسياسة معاملة العبيد معاملة سيئة ،إذ
وابجلملة ،لقد جعلهم ذلك التوافق "يؤمنون ابملبدأ الشهري العيش وفقا للطبيعة ،وعلى الصعيد السياسي يكون
نتيجة االميان هبذا املبدأ ،اإلميان أبن مجيع البشر سواسيَّة ال فرق طبيعي بينهم ( )...ومن مثَّة فإن على االنسان
احلكيم أن يدرك أنه ومجيع ما يف العامل من كائنات خيضعون لقانون واحد مسيطر وهو القانون احلاكم واملوجه
لكل ما جيري يف الكون(".النشار ،2005 ،ص)102 :
ابجلملة ،مميكن القول أن الرواقية تعد من الناحية التارخييّةّ ،أول حماولة فلسفيَّة نظََّرت للمواطن العاملي
من أهم الروافد الفكريَّة جنازف حني نقول ،أهنا تمعد ٍ
حبق ّ فنحن ال نبالغ أو
م وللقيم االخالقية الكونية ،من مثة ،م
واملرجعيات الفلسفية اليت هنلت منها األطروحات الفلسفية املعاصرة اليت تمنافح بقوة عن حقوق االنسان العامليَّة
ِّ
التباينات املؤسسة للمواطن الكوكيب ،كاألخوة والتسامح والتعايش على الرغم من االختالفات و
َّ وعن القيم الكونية
بني األفراد ،إذّ قدمت هذه الفلسفة ترسانة من املفاهيم اليت أعملَّها اخلطاب املعاصر يف ِّ
سبيل دفاعه عن األقليات ّ
واملنبوذين واملهمشني ،جلهة أن اجلميع ينتمي إىل مدينة االنسانيَّة العاملية.
خاُتة:
على سبيل اخلتام ،مميكن القول ،أن مفهوم املواطنة يعود من حيث النشأة إىل املدينة اليواننية (أثينا)،
وقد كانت تعين –يف مجلة ما تعنيه -احلق يف املشاركة السياسية واالجتماعية لتسيري شؤون الدولة وتويل املناصب
العليا فيها بني مواطنني أحرار ومتساويني ،إال أن هذه املشاركة كانت مقصورة فقط على الفرد ذو األصل اليوانين
أتسست على الواقع اليوانين القائم على الطبقية االجتماعية ،ومن مثة فإن هذا
ْ كما أن هذه الرؤية للمواطنة
التصور اليوانين للمواطنة كان ضيقاً للغاية إذ يمقصي الفئات والطبقات االجتماعية األخرى من األجانب واملقيمني
والعبيد والصناع ..اخل .وقد مثل هذا الواقع اليوانين اخللفية الفكرية احلاكمة يف كل مقاربة فلسفية حول املواطنة،
إما أن تمزكي هذا الواقع أو تتجاوزه.
-2املقاربة الواقعية :واليت يمعزى الفضل يف أتسيسها إىل "أرسطو" ،وإن كانت هذه املقاربة أقل حدةً
من سابقتها إال أهنا ال تنفصل هي األخرى عن الواقع اليوانين ،إذ مبقتضاها يرى "أرسطو" أن املواطنة احلقة
تكمن يف تضافر جهود اجلميع وكل من طبقته اليت ينتمي إليها من أجل احلفاظ على الدولة وسالمتها على
اجتماع بشري.
ٍ أساس أن ذلك هو اخلري األمسى لكل
-3املقاربة الكونية :واليت يعود الفضل يف تشييدها إىل املدرسة الرواقية ،لقد رامت املدرسة الرواقية إىل
مُماوزة الواقع اليوانين القائم على النزعة الطبقية واالقصائية عرب ارساء قيم املواطنة الكونية والعيش وفقاً هلا ،فأن
تكون مواطناً يف املدينة فأنت يف الوقت ذاته مواطن يف العامل.
.1قائمة املصادر:
_ أرسطو .السياسة .تر :أمحد لطفي السيد .مصر :الدار القومية للطباعة والنشر.
_ أفالطون .)2001( .حماكمة سقراط ،حماورة أوطيفرون -الدفاع -أقريطون .تر :عزت قرين .مصر :دار قباء
للطباعة والنشر والتوزيع.
_ أفالطون .)2003( .اجلمهورية .تر :فؤاد زكراي .مصر :دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر.
.2قائمة املراجع:
_ العلوي ،ايسر .)2014( .معجم املصطلحات السياسية .البحرين :معهد البحرين للتنمية السياسية.
_ الكواري ،على خليفة .)2001( .املواطنة والدميقراطية يف البلدان العربية .لبنان :مركز دراسات الوحدة
العربية.
_ النشار ،مصطفى .)2005( .الفلسفة السياسية من صولون إىل ابن خلدون .مصر :الدار املصرية للنشر
والتوزيع.
_ دورتييه ،جان فرنسوا .)2009( .معجم العلوم االنسانية .تر :جورج كنتورة .لبنان :املؤسسة اجلامعية
للدراسات والنشر والتوزيع.
_ ديلو ،ستيفن .)2000( .التفكري السياسي والنظرية السياسية واجملتمع املدين .تر :بيع وهبة .مصر
_ هيرت ،ديريك .)2008( .اتريخ موجز للمواطنة .تر :آصف انصر ومكرم خليل .لبنان :دار الساقي.
_ ولديب ،سيد حممد .)2001( .الدولة واشكالية املواطنة ،قراءة يف مفهوم املواطنة العربية .األردن :دار
كنوز املعرفة للنشر والتوزيع.