You are on page 1of 162

‫ﺷﺒﻜﺔ‬

www.alukah.net


‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫مجيع حقوق الطبع‬


‫حمفوظة للناشر‬
‫وال جيوز نهائ ًيا نشر‬
‫أو اقتباس‬
‫أو اختزال‬
‫أو نقل أي جزء من‬
‫الطبعة األوىل‬ ‫الكتاب دون احلصول‬
‫‪1436‬هـ ‪2015 -‬م‬ ‫على إذن كتابي‬
‫من الناشر‬
‫رقم اإليداع‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
www.alukah.net

‫تأليف‬


‫ﺷﺒﻜﺔ‬
www.alukah.net


‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫‪‬‬
‫‪Y‬‬
‫احلم�د هلل رب العاملين‪ ،‬والصلاة والسلام على خات�م‬
‫األنبياء واملرسلني‪ ،‬نبينا حممد وعىل آله وصحبه أمجعني‪.‬‬

‫أمابعد‪:‬‬
‫فإن َقصص الصحابة ‪ M‬مدرس� ٌة عظيم ٌة اع َتنى هبا‬
‫الق�رآن‪ ،‬واع َتن َْت هبا س�ن ُة رس�ول اهلل‪ ،0‬لكي َّ‬
‫يتأس�ى‬ ‫ُ‬
‫الكبار والصغار‪ ،‬والرجال والنس�اء؛‬
‫ُ‬ ‫ويسير عىل طريقهم‬
‫َ‬ ‫هبم‬
‫ألن أصحاب النب�ي ‪0‬من املهاجرين واألنصار قدموا‬
‫وأعطوا لإلسالم وقتهم وجهدهم وأمواهلم‪ ،‬فكانوا خري جيل‬
‫يف خري أمة أخرجت للناس‪.‬‬

‫ب�ل ه�م أفضل م�ن أصحاب نب�ي اهلل موس�ى ‪،S‬‬


‫وأفضل م�ن احلواريني الذين صاحبوا عيس�ى ‪ .S‬ومن‬
‫أجل ذلك أهيا األبن�اء أثنى اهلل عليهم يف القرآن‪ ،‬وأثنى عليهم‬
‫ومدحهم رسول اهلل ‪.0‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫‪[ :4‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭟﭠﭡﭢ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ] [‪.]100 :G‬‬ ‫ﭣ‬

‫َو‪[ :6‬ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ]‬
‫[‪]29 :W‬‬

‫وقال رسول اهلل‪« :0‬خري أميت قرنى‪.»...‬‬

‫وقال‪« :‬ال تسبوا أصحابي‪.»...‬‬

‫وه�ذا ‪ -‬أبنائ�ي األع�زاء ‪ -‬كت�اب‪« :‬قص���ص الصحابة‬


‫لألطف���ال» قم�ت بكتابته بع�د أن وفقني اهلل ورشفن�ي بكتابة‬
‫كتاب «قصص األنبي���اء لألطفال»‪ ،‬وكتاب «قصص القرآن‬
‫لألطف���ال»‪ ،‬وهاه�و ‪ -‬أبنائ�ي ‪ -‬كت�اب «قص���ص الصحاب���ة‬
‫لألطف���ال»‪ ،‬فق�د اس�تعنت باهلل تع�اىل يف كتابت�ه‪ ،‬وقد جعلت‬
‫أسلوبه سهلاً و ُمبس ًطا؛ حتى يتمكن األبناء من فهمه وقراءته‪،‬‬
‫والرسل‪،‬‬
‫ويكون عو ًنا هلم عىل معرفة أفضل اخللق بعد األنبياء ُ‬
‫‪6‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫وه�م جي�ل الصحاب�ة الذي�ن صاحبوا رس�ول اهلل‪،0‬‬


‫وماتوا عىل ما كان عليه‪.0‬‬

‫خالصا لوجهه الكريم‪.‬‬


‫ً‬ ‫نسأل اهلل أن يتقبله‬

‫كتبه‬

‫عضو احتاد ال ُك ّتاب املسلمني‬


‫ومؤلف برابطة العامل اإلسالمي برقم (ج‪)745 /‬‬
‫حمافظة البحرية ‪ -‬حدائق كفر الدوار‬
‫‪01223840012 - 01125807887‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫أبي بكر الصديق ‪I‬‬

‫أبو بكر الصديق‪ :‬هو عبد اهلل بن عثامن بن عامر بن سعد‪،‬‬


‫من‪ :‬بني تيم‪ ،‬واس���م أمه‪ :‬أم اخلري سلمى بنت صخر بن عامر‪،‬‬
‫مات�ت مس�لمة‪ ،‬وكان أب�و بكر يس�مى «عتي ًقا»‪ ،‬فق�د نظر إليه‬
‫رسول اهلل‪ 0‬وقال‪ :‬هذا عتيق اهلل من النار‪.‬‬

‫كان أبو بكر قبل اإلسالم ال يرشب اخلمر‪ ،‬وال حيب اللهو‬
‫واألغاين وعبادة األصنام‪.‬‬
‫وكان يف مك�ة كل قبيلة هلا عم�ل تقوم به‪ ،‬وكان «بنو تيم»‬
‫وه�م قبيلة أيب بكر ضعف�اء‪ ،‬وعددهم قلي�ل‪ ،‬وأمواهلم قليلة‪،‬‬
‫فل�م يتول�وا أي عم�ل لقريش‪ ،‬حت�ى خرج أبو بك�ر من بينهم‬
‫ف�كان يعطف عىل الفقري ويس�اعد املظلوم‪ ،‬وينرص الضعيف ‪،‬‬
‫فت�وىل أمر ( الديات)((( يف قريش‪ ،‬يدفعها ويزيد عليها‪ ،‬فأحبه‬
‫أهل قريش مجي ًعا جلامل وحسن أخالقه وأفعاله‪.‬‬
‫(‪ )1‬الدي���ات‪ :‬مج�ع دي�ة‪ ،‬وه�و مبلغ م�ن امل�ال ُيدفع أله�ل القتي�ل إذا رضوا‬
‫بذلك‪.‬‬
‫‪8‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫إسالم أبي بكر‬

‫تعرف أبو بكر عىل األمني‬


‫بني شعاب مكة‪ ،‬وحول الكعبة َّ‬
‫حممد ‪ ،0‬ومل يكن قد أرسله اهلل نب ًيا بعد‪ ،‬ولكن مجعهام‬
‫تق�ارب الس�ن‪ ،‬فأب�و بك�ر أصغ�ر م�ن رس�ول اهلل ‪0‬‬

‫بعامين‪ ،‬ومجعهام حب اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ -‬وعبادته‪ ،‬واألمانة‪ ،‬وفعل‬


‫اخلري‪ ،‬وقول احلق‪ ،‬فكانا صديقني قبل اإلسالم‪.‬‬

‫حممدا ‪ 0‬رس�ولاً للناس‪ ،‬كان‬


‫وي�وم أن بع�ث اهلل ً‬
‫أبو بكر أول املؤمنني به‪.‬‬

‫وقصة إسالم أيب بكر قصرية وعجيبة‪ ،‬فلقد ذهب أبو بكر‬
‫إىل رس�ول اهلل ‪ 0‬مل�ا عل�م ببعثته فق�ال‪ :‬يا أبا القاس�م‬
‫ما الذي بلغني عنك؟‪.‬‬
‫قال‪ :‬وما بلغك عني يا أبا بكر؟‪.‬‬
‫قال‪ :‬إنك تدعو إىل اهلل وتزعم أنك رسول اهلل‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫ونذيرا‪ ،‬وأرسلني‬
‫ً‬ ‫بشريا‬
‫قال‪ :‬نعم يا أبا بكر إن اهلل جعلني ً‬
‫للناس مجي ًعا‪.‬‬

‫فق�ال أبو بكر‪ :‬واهلل ما جربت علي�ك كذ ًبا قط(((‪ ،‬وإنك‬


‫خلليق((( بالرس�الة؛ لعظم أمانتك‪ ،‬وصلتك لرمحك‪ ،‬وحس�ن‬
‫فعالك‪ ،‬ثم أسلم أبو بكر ‪.I‬‬

‫ومن�ذ هذه اللحظة عرف أبو بكر أن اإلسلام هو الطريق‬


‫إىل اجلنة‪ ،‬وأن من أس�لم ال بد أن يضحي بنفسه وماله‪ ،‬فذهب‬
‫إىل عثمان ب�ن عفان‪ ،‬والزبري ب�ن العوام‪ ،‬وطلح�ة بن عبيد اهلل‬
‫فأس�لموا عىل يديه وهم من العرشة املبرشين باجلنة‪ ،‬حتى نظر‬
‫إلي�ه رس�ول اهلل ‪ 0‬فقال‪ :‬ه�ذا عتيق((( اهلل م�ن النار‪،‬‬
‫فسمي أبو بكر من يومها‪ :‬العتيق‪.‬‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬مل أعرف عنك الكذب‪.‬‬


‫(‪ )2‬جدير‪.‬‬
‫(‪ )3‬عتيق‪ :‬احلر ومعناه أن اهلل نجاه من عذاب النار‪.‬‬

‫‪10‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫وحتول اإليامن يف قلبه إىل جبل ال حتركه الزالزل‪ ،‬وال يقبل‬


‫أن يبيعه بامل الدنيا كله حتى صار أبو بكر هو الرجل الذي إذا‬
‫وض�ع إيامنه يف كفة ميزان‪ ،‬ووض�ع إيامن األمة يف كفة أخرى‪،‬‬
‫لرجحت كفة أيب بكر إىل يوم القيامة‪.‬‬

‫موقف أبي بكر مع بالل بن رباح‬


‫ً‬
‫خط�أ أن أبا بك�ر كان غن ًيا؛ ألنه ورث‬ ‫يظ�ن بعض الناس‬
‫صحيحا‪ ،‬فإن أبا بكر كان‬
‫ً‬ ‫املال عن أبيه أو أمه‪ ،‬ولكن ليس هذا‬
‫تاجرا صاد ًقا فأغناه اهلل حتى وصل ماله أربعني ألف درهم‪.‬‬
‫ً‬
‫وكان رجًل�اً كثير العيال ينف�ق عىل أهله‪ ،‬ب�ل وينفق عىل‬
‫أبيه الذي أصابه العمى آخر حياته‪ ،‬وعىل أمه التي عجزت هي‬
‫أيضا‪.‬‬
‫األخرى عن العمل‪ ،‬بل وينفق عىل إخوته الصغار ً‬

‫باإلسلام‬ ‫حممدا ‪0‬‬


‫وحينام أرس�ل اهلل ‪ D‬نبيه ً‬

‫ظ َّل�ت الدع�وة ً‬
‫رسا ثالث س�نوات كامل�ة‪ ،‬ثم أم�ر اهلل نبيه أن‬
‫يعلن دعوته للناس مجي ًع�ا‪ ،‬ومن حلظتها بدأ املرشكون يعادون‬
‫اإلسالم وأهله فعذبوا الضعفاء‪ ،‬و حاربوا األغنياء‪ ،‬حتى كان‬
‫‪n‬‬ ‫‪11‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫القادم�ون إىل مكة يس�معون آه�ات املعذبني وأ َّن�ات الضعفاء‬


‫تنبعث من املسلمني الذين أوذوا يف سبيل اهلل‪.‬‬

‫عبدا حبش ًيا‬


‫ونظر أبو بكر بعينه إىل بالل وهو يعذب وكان ً‬
‫لرج�ل من الكفار اس�مه «أمية بن خل�ف»‪ ،‬وكان بالل يوضع‬
‫َ‬
‫عري�ان على رم�ال مكة‪ ،‬ث�م يوضع احلج�ر الكبري على بطنه‪،‬‬
‫ويرب�ط باجلبال ويش�ده صبي�ان مكة وهم يس�خرون منه وهو‬
‫حد َأ ٌ‬
‫حد‪.‬‬ ‫يردد كلمته اخلالدة‪َ :‬أ ٌ‬

‫وحت�رك أبو بكر فذهب إىل داره وأحرض املال ثم ذهب إىل‬
‫أمية بن خلف فقال له‪ :‬بعني باللاً ‪.‬‬
‫قال‪ :‬أبيعه بخمس أواق من الذهب‪ ،‬فاشرتاه أبو بكر‪.‬‬
‫فق�ال أمية‪ :‬لو دفع�ت واحدة فقط لكن�ت رضيت‪ ،‬فقال‬
‫أبو بكر‪ :‬لو طلبت أنت مائة أوقية ألعطيتك‪.‬‬

‫وهك�ذا يرى أبو بك�ر أن ماله إنام ه�و هلل تعاىل‪ ،‬فال يبخل‬
‫به عىل املس�لمني يف مكة بل يدفعه إليهم ليخلصهم من عذاب‬

‫‪12‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫املرشكني‪ ،‬حتى قال رس�ول ‪ 0‬اهلل عن أيب بكر وبالل‪:‬‬


‫سيدنا أعتق((( سيدنا‪.‬‬
‫ومل يك�ن بلال وحده هو الذي اشتراه أبو بك�ر‪ ،‬بل كان‬
‫يبحث عن العبيد الذين أس�لموا فيشترهيم بامله حتى قالوا يف‬
‫مكة‪ :‬إنه يشرتهيم ليدفعوا عنه‪.‬‬

‫وين�زل القرآن برباءة أيب بكر‪ ،‬فيقول اهلل تعاىل عن أيب بكر‬
‫[ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ]‬

‫[‪]21 - 17 :w‬‬

‫وهك�ذا عرف اجلمي�ع املس�لمون واملرشك�ون أن أبا بكر‬


‫إنما دف�ع ماله يف س�بيل اهلل‪ ،‬ال لغرض دني�وي أو فخر يتباهى‬
‫ب�ه بين الن�اس‪ ،‬وهذه ه�ي صف�ات املؤمنين ومنهم أب�و بكر‬
‫‪.I‬‬

‫(‪ )1‬أعتق‪ :‬حرره وخلصه من العبودية‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪13‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫دفاع أبي بكر عن رسول اهلل ‪0‬‬

‫ذات م�رة وقف رس�ول اهلل‪ 0‬يف مكة أمام الكعبة‬


‫يتل�و الق�رآن على املرشكين فقام�وا علي�ه يرضبون�ه‪ ،‬ورآهم‬
‫أبو بكر فقام مداف ًعا عن النبي ‪ 0‬وهو يقول‪:‬‬

‫أتقتل�ون رجًل�اً أن يق�ول ريب اهلل؟ فرتك املرشك�ون النبي‬


‫واهنال�وا رض ًب�ا على أيب بكر وهو صاب�ر وقد ورم‬ ‫‪0‬‬

‫وجه�ه وانتف�خ فلم يعرف�وا عينه م�ن أنفه‪ ،‬فق�د اختفت معامل‬
‫وجهه متا ًما‪ ،‬وظنوه قد مات فرتكوه‪.‬‬

‫وج�اء «بنو تيم» فحملوا أبا بكر إىل بيته وأقس�موا ليقت ُل َّن‬
‫م�ن رضب أبا بكر إذا مات هو؟ وأفاق أبو بكر‪ ،‬فلام أفاق كان‬
‫أول ما سأل عنه‪ :‬ماذا فعل رسول اهلل؟‪.‬‬
‫كفارا‪.‬‬
‫فغضب قومه منه؛ ألهنم كانوا ً‬
‫وقالوا ألمه‪ :‬أطعميه شي ًئا واسقيه ما ًء‪.‬‬

‫‪14‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫فق�ال أب�و بك�ر‪ :‬ال واهلل ال أرشب وال أذوق طعا ًما حتى‬
‫أعلم ما فعل رس�ول اهلل‪ :‬فنظرت أم�ه إليه وهي تتأمل ملا حدث‬
‫له‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬واهلل ال أعلم ماذا فعل صاحبك هذا؟‪.‬‬
‫فق�ال‪ :‬اذهبي إىل فاطمة بنت اخلطاب فاس�أليها ماذا فعل‬
‫رسول اهلل؟‪.‬‬

‫وخرجت األم وهي تبحث عن فاطمة بنت اخلطاب‪ ،‬وإن‬


‫كانت تتأمل من أجل ولدها الذي س�الت دماؤه‪ ،‬وتورم وجهه‪،‬‬
‫حتى وصلت إىل بي�ت فاطمة بنت اخلطاب وظنت فاطمة أهنا‬
‫جاسوسة لقريش‪.‬‬

‫فقال�ت األم الت�ي تري�د إراح�ة ولده�ا‪ :‬قوم�ي فاذهب�ي‬


‫مع�ي إليه ووصل�ت فاطمة إىل أيب بكر فلما رأت وجهه هكذا‬
‫رصخت‪ .‬وقالت‪ :‬أسأل اهلل أن ينتقم لك‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪15‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫فق�ال هلا وه�و ال يفكر إال يف رس�ول اهلل ‪ :0‬ماذا‬


‫فعل رس�ول اهلل؟ قالت‪ :‬هو س�امل صاح‪ .‬وهنا نظرت األم إىل‬
‫ولده�ا تريده أن يرشب‪ ،‬ونظر هو إليه�ا فقال‪ :‬ال واهلل ال آكل‬
‫وال أرشب حتى أرى رسول اهلل بعيني‪.‬‬

‫وخرج أبو بكر وهو ال يقدر عىل محل نفس�ه‪ ،‬فاس�تند عىل‬
‫أمه‪ ،‬وعلى فاطمة حتى وصل إىل رس�ول اهلل ‪ 0‬فأول‬
‫ما دخل عليه انكب عىل قدميه يقبلهام‪.‬‬

‫ويق�ول‪ :‬ب�أيب أنت وأمي يا رس�ول اهلل‪ ،‬لي�س يب إال ما يف‬


‫وجه�ي وهذه أمي بارة بوالدهيا فادع اهلل أن هيدهيا‪ ،‬ورق قلب‬
‫النبي ‪0‬فبكي‪ ،‬وبكى أبو بكر ثم تعانقا يف مشهد مؤثر‬
‫عميق التأثري‪.‬‬

‫تصديق أبي بكر لرسول اهلل ‪0‬‬

‫اش�تد إيذاء قري�ش للنبي ‪ 0‬وأصحاب�ه‪ ،‬فأمر اهلل‬


‫نبي�ه أن يبلغ أصحابه باهلجرة من مكة إىل احلبش�ة‪ ،‬فقام بعض‬

‫‪16‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫الصحاب�ة ممن ناهلم األذى‪ ،‬واش�تد هب�م التعذيب فهاجروا إىل‬


‫احلبش�ة‪ ،‬وخرج أبو بك�ر يريد اهلجرة إىل احلبش�ة فقابله رجل‬
‫من املرشكني اسمه «ربيعة بن الدغنة» فقال له‪ :‬مثلك يا أبا بكر‬
‫ال خيرج‪ ،‬وال خُيرج‪ ،‬إنك تكس�ب املعدوم(((‪ ،‬وتصل الرحم‪،‬‬
‫الكل(((‪ ،‬و ُتق�ري((( الضيف وتعني عىل نوائب احلق‪،‬‬
‫وحتمل ّ‬
‫فأنا لك جار‪ ،‬ارجع واعبد ربك‪.‬‬
‫وع�اد أبو بكر إىل مكة‪ ،‬وطاف ابن الدغنة يف قريش يعلن‬
‫أنه قد أجار((( أبا بكر‪.‬‬

‫فق�ال املرشك�ون له‪ :‬اجعل�ه يعبد رب�ه يف بي�ت بعيد وإال‬


‫مسجدا يف فناء‬
‫ً‬ ‫أس�لم الرجال والنساء عىل يديه‪ ،‬وبنى أبو بكر‬
‫الدار يصيل فيه‪ ،‬ويرتل القرآن‪ ،‬فاستمع النساء واألطفال إليه‪،‬‬

‫(‪ )1‬تساعد املسكني وتتصدق عليه‪.‬‬


‫(‪ )2‬تساعد املتعبني والعجزة‪.‬‬
‫(‪ )3‬تكرم الضيف‪.‬‬
‫(‪ )4‬محى وساعد‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪17‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫الد ُغنَّة فجاء إىل أيب بكر يقول له‪:‬‬


‫فأعجبوا بالقرآن‪ ،‬فعرف ابن ُّ‬
‫اخفض صوتك يف الصالة وقراءة القرآن‪.‬‬

‫فقال أب�و بكر‪ :‬فإين أرد إليك ج�وارك وأريض بجوار اهلل‬
‫‪.D‬‬

‫إن�ه اإليمان ال�ذي خل�ق م�ن أيب بك�ر رجًل�اً ال خياف يف‬
‫اهلل لوم�ة الئ�م‪ ،‬يتحمل الع�ذاب راض ًيا بقض�اء اهلل‪ ،‬وال يقبل‬
‫أن خيف�ي إسلامه ب�ل يعلن�ه ويفخر ب�ه‪ ،‬ويصدق رس�ول اهلل‬
‫‪ 0‬يف كل م�ا يق�ول‪ ،‬فها هو رس�ول اهلل ‪ 0‬بعد‬
‫عودته من رحل�ة اإلرساء واملعراج يكذبه املرشكون ويتهمونه‬
‫باجلنون‪ ،‬فجاء أبو بكر يف تلك اللحظة‪.‬‬

‫فقال�وا ل�ه‪ :‬إن صاحب�ك يزع�م أن�ه ذه�ب إىل بي�ت‬


‫املق�دس وع�اد يف ليل�ة واحدة‪ ،‬واعتق�دوا مجي ًعا أنه س�يكذب‬
‫رسول اهلل ‪ ،0‬ولكنه قال‪ :‬لو كان رسول اهلل قال ذلك‬
‫فهو صادق‪.‬‬

‫‪18‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫فقالوا‪ :‬كيف تصدقه يف هذا األمر؟ قال‪ :‬أصدقه أن القرآن‬


‫ينزل عليه من السامء فكيف ال أصدقه يف هذا األمر‪.‬‬

‫صدق نبيه يف كل‬


‫وهن�ا صار أبو بكر هو «الصديق» الذي ّ‬
‫م�ا يقول‪ ،‬وما أحىل هذا اللقب اجلديد الذي صار ُينادى به من‬
‫يومها إىل قيام الساعة‪ :‬أبو بكر الصديق‪.‬‬

‫هجرة أبي بكر مع رسول اهلل ‪0‬‬

‫وكان�ت اهلجرة تل�ك الرحلة الش�اقة من مك�ة إىل املدينة‬


‫رسا‪ ،‬ومل يبق إال النبي وأبو بكر وبعض‬
‫فكان الرجال خيرجون ً‬
‫الضعفاء‪ ،‬وكانت قريش تنوي قتل النبي ‪ 0‬واستعدت‬
‫جيدا‪.‬‬
‫لذلك ً‬

‫ويف س�اعة كان اجلمي�ع ال خيرج من بيته فيها لش�دة احلر‪،‬‬


‫خ�رج النبي ‪ S‬إىل بي�ت أيب بكر‪ ،‬فطرق عليه بابه‪ ،‬وفتح‬
‫أبو بكر لرس�ول اهلل ‪ ،0‬وأخربه النبي أنه سيهاجر معه‬
‫إىل املدينة ففرح أبو بكر حتى بكى من شدة الفرح‪ ،‬إنه ال خياف‬

‫‪n‬‬ ‫‪19‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫شي ًئا رغم علمه أنه قد يموت مع رسول اهلل‪ ،0‬ولكن‬


‫الثقة بنرص اهلل كانت أقوى يف قلبه من أي يشء آخر‪ ،‬وهو يعلم‬
‫جيدا أن اهلل حيفظ رسوله من أي أذى وسوء‪.‬‬
‫ً‬

‫فق�ام الصديق وأخذ ماله كله لينفقه يف رحلة اهلجرة حتى‬


‫قال له رسول اهلل ‪ :0‬ماذا أبقيت ألهلك؟‪.‬‬
‫قال‪ :‬أبقيت هلم اهلل ورسوله‪.‬‬
‫ولس�نا نعرف رجلاً يف التاريخ ضحى بكل ما يملك مثلام‬
‫فعل أبو بكر الذي جعل ماله وأهله ونفسه يف خدمة اإلسالم‪،‬‬
‫وألول مرة يس�بق أبو بكر رس�ول اهلل ‪ 0‬يف يشء حني‬
‫دخ�ل الغار يوم اهلج�رة ليفتش فيه عن أي حي�ة أو عقرب قد‬
‫يؤذي رسول اهلل‪.‬‬

‫تقوى وعدل أبي بكر ‪I‬‬

‫وزيري الصدق لرس�ول اهلل‪،‬‬


‫كان عمر وأبو بكر ‪َ L‬‬
‫وأول املس�لمني يف كل أمر يأمر به رسول اهلل‪ ،0‬وكان‬

‫‪20‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫شديدا‪ ،‬فكانا يتنافسان يف أعامل اخلري‬


‫ً‬ ‫كل منهام حيب اآلخر ح ًبا‬
‫يريد كل واحد منهام أن يسبق اآلخر‪.‬‬

‫وكان أب�و بكر دائًم�اً يف املقدمة‪ ،‬ففي يوم غ�زوة تبوك قال‬
‫عمر‪ :‬اليوم أس�بق أبا بكر‪ ،‬وذهب بنصف ماله إىل رس�ول اهلل‬
‫‪ ،0‬فق�ال ل�ه النب�ي ‪« :0‬ماذا أبقي���ت ألهلك‬
‫يا عمر»؟‪.‬‬

‫قال‪ :‬أبقيت هلم نصف مايل‪ .‬وجاء أبو بكر فوضع مالاً يف‬
‫حج�ر رس�ول اهلل ‪ ،0‬فقال ل�ه‪« :‬م���اذا أبقيت ألهلك‬
‫يا أبا بكر»‪ ،‬فقال‪ :‬أبقيت هلم اهلل ورسوله‪.‬‬

‫وع�رف عم�ر أن أب�ا بك�ر قد س�بقه ه�ذه امل�رة إىل اخلري‪،‬‬


‫ومل تك�ن هذه هي املرة الوحيدة التي يس�بق فيها أبو بكر عمر‪،‬‬
‫فق�د خ�رج رس�ول اهلل ‪ 0‬على املس�لمني بع�د صالة‬
‫صائما»؟ قال عمر‪:‬‬
‫ً‬ ‫الصب�ح ثم قال‪« :‬م���ن منكم اليوم أصبح‬
‫أم�ا أنا يا رس�ول اهلل بِ ُّ‬
‫�ت ال أحدث نفسي بالصوم وأصبحت‬
‫مفطرا‪.‬‬
‫ً‬
‫‪n‬‬ ‫‪21‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫قال أبو بكر‪ :‬أنا يا رسول اهلل بت الليلة وأنا أحدث نفيس‬
‫بالصوم فأصبحت صائماً ‪.‬‬

‫مريضا؟»‬
‫ً‬ ‫فقال رسول اهلل ‪« :0‬أيكم عاد((( اليوم‬
‫قال عمر‪ :‬إنام صلينا اآلن فقط فكيف نعود املريض؟‪.‬‬

‫قال أبو بكر‪ :‬أنا يا رسول اهلل أخربوين أن أخي عبد الرمحن‬
‫ابن عوف مريض‪ ،‬فجعلت طريقي عليه‪ ،‬فسألت عنه ثم أتيت‬
‫املسجد‪.‬‬

‫فقال النبي‪« :0‬أيكم تصدق اليوم بصدقة»‪.‬‬

‫قال عمر‪ :‬يا رسول اهلل ما زلنا معك فكيف نتصدق؟‪.‬‬

‫قال أبو بكر‪ :‬أنا يا رس�ول اهلل دخلت املس�جد‪ ،‬فإذا سائل‬
‫يسأل‪ ،‬وولد لعبد الرمحن بن أيب بكر معه كرسة خبز‪ ،‬فأخذهتا‪،‬‬
‫فأعطيتها السائل‪.‬‬

‫مريضا‪.‬‬
‫(‪ )1‬زار ً‬

‫‪22‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫فق�ال النبي‪« :0‬فأبش���ر باجلنة‪ ،‬أبش���ر باجلنة»‬


‫إىل اخلري بعد رس�ول اهلل ‪0‬‬ ‫فأب�و بكر هو الس�ابق دائماً‬
‫حتى من عمر بن اخلطاب ‪.I‬‬

‫عجوزا‪ ،‬فذهب يساعدها‬


‫ً‬ ‫ويو ًما من األيام رأى عمر امرأ ًة‬
‫يف أمورها‪ ،‬فوجد أن رجلاً قد سبقه فساعد هذه العجوز‪ ،‬ويف‬
‫اليوم التايل حدث نفس األمر‪ ،‬فقال عمر للمرأة‪ :‬من ساعدك؟‬
‫رج�ل يأيت إ ّىل كل يوم‪ ،‬وانتظر عم�ر ً‬
‫بعيدا يراقب بيت‬ ‫ٌ‬ ‫قال�ت‪:‬‬
‫املرأة العجوز‪ ،‬حتى وجد الصديق هو الذي يس�اعدها‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ما سابقت أبا بكر يف يشء إال سبقني إليه‪.‬‬

‫ذات م�رة حدث بني أيب بكر ورجل من املس�لمني اس�مه‬


‫ربيعة األس�لمي خصومة‪ ،‬فق�ال أبو بكر كلم�ة كرهها ربيعة‪،‬‬
‫عيل‬
‫ون�دم أب�و بكر عىل هذه الكلمة‪ ،‬فقال لربيع�ة‪ :‬يا ربيعة ُر ّد ّ‬
‫مثلها‪.‬‬
‫فقال ربيعة‪ :‬ما أنا بفاعل‪.‬‬
‫فقال أبو بكر‪ :‬لتقول ّن أو ألذهب ّن إىل رسول اهلل‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪23‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫فانطلق أبو بكر إىل رسول اهلل‪ ،‬وجاء قوم ربيعة وأهله‪.‬‬

‫فقالوا‪ :‬رحم اهلل أبا بكر يقول ما قال‪ ،‬ثم يش�تكي لرسول‬
‫اهلل؟ فق�ال ربيع�ة‪ :‬أتدرون م�ن هذا أبو بكر؟ إن�ه ثاين اثنني يف‬
‫الغار‪ ،‬وذو ش�يبة يف اإلسلام‪ ،‬إياكم أن يعلم ما قلتم فيغضب‬
‫فيحدث رسول اهلل فيغضب رسول اهلل لغضبه‪ ،‬فيغضب‬
‫ّ‬ ‫مني‪،‬‬
‫اهلل لغضب رسول اهلل وأيب بكر‪.‬‬

‫ووص�ل أبو بكر إىل رس�ول اهلل ‪ 0‬وحكى ما كان‬


‫بينه وبني ربيعة‪ ،‬فجاء ربيعة‪.‬‬

‫فق�ال ل�ه رس�ول اهلل‪« :0‬ي���ا ربيع���ة مال���ك‬


‫والصديق»؟‪.‬‬

‫فق�ال‪ :‬ي�ا رس�ول اهلل‪ :‬لقد ق�ال يل ك�ذا وك�ذا‪ ،‬حتى قال‬
‫كلم�ة كرهته�ا‪ ،‬فق�ال يل‪ :‬ق�ل كما قل�ت ل�ك فأبي�ت‪ ،‬فق�ال‬
‫رس�ول اهلل‪« :0‬ال ت���رد عليه‪ ،‬ولكن ق���ل‪ :‬قد غفر اهلل‬
‫لك يا أبا بكر»‪.‬‬

‫‪24‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫نع�م كان هذا ه�و تفضيل النب�ي ‪ 0‬أليب بكر عىل‬


‫غيره من الصحابة؛ ألنه يرى في�ه النصري يف كل وقت بعد اهلل‬
‫تع�اىل‪ ،‬وهو الذي يقول‪ :‬ما نفعني مال ق�ط قدر ما نفعني مال‬
‫أيب بكر‪.‬‬

‫فبكى أبو بكر وقال‪ :‬وهل أنا ومايل إال لك يا رس�ول اهلل‪،‬‬
‫يدا ‪ -‬يعني‬
‫فريد عليه رس�ول اهلل فيقول‪ :‬ما أح�د أعظم عندي ً‬
‫قدرا ‪ -‬من أيب بكر‪ ،‬واساين بنفسه وماله وأنكحني ابنته(((‪.‬‬
‫ً‬
‫ثم يقول رس�ول اهلل موص ًيا املس�لمني ب�أيب بكر ‪:I‬‬
‫يدا يكاف ُئه اهلل هبا يوم القيامة»‪.‬‬
‫«إن له ً‬

‫ويو ًم�ا م�ن األيام ن�زل جربي�ل ‪ S‬عىل رس�ول اهلل‬


‫‪ 0‬فوج�د أب�ا بكر ق�د جلس وه�و يرتدي عب�اءة فيها‬
‫رقع كثرية‪.‬‬

‫فقال جربيل‪ :‬مايل أرى أبا بكر عليه عباءة فيها رقعة‪.‬‬

‫(‪ )1‬زوجني ابنته وهي عائشة ‪.J‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪25‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫علي قبل الفتح» فتح‬


‫فق�ال النبي‪« :0‬أنفق ماله ّ‬
‫مكة‪.‬‬

‫فق�ال جربي�ل‪ :‬ف�إن اهلل ‪ D‬يقرأ عليك السلام ويقول‬


‫لك‪« :‬قل أليب بكر‪ :‬هل أنت راض عن اهلل؟»‪.‬‬

‫فقال رس�ول اهلل ‪ 0‬أليب بكر‪« :‬إن اهلل ‪ D‬يقرأ‬


‫عليك السالم ويقول لك‪ :‬هل أنت راض عنه يف فقرك هذا؟»‬
‫فقال أبو بكر‪ :‬وهل أغضب عىل ريب‪ ،‬أنا عن ريب راض‪ ،‬أنا عن‬
‫ريب راض‪ ،‬أنا عن ريب راض‪ .‬وميض رس�ول اهلل ‪ 0‬إىل‬
‫اهلل ‪ D‬وهو راض عن أيب بكر الصديق‪.‬‬

‫خالفة أبي بكر ‪I‬‬

‫بعد وفاة النبي‪ 0‬نظر املس�لمون من هو أفضلهم‪،‬‬


‫خريا من أيب بكر‪ ،‬فصار هو أول خليفة للمس�لمني‬
‫فل�م جيدوا ً‬
‫بع�د النب�ي‪ ،0‬فح�ارب املرتدي�ن الذين رفض�وا دفع‬
‫ال�زكاة‪ ،‬فنصره اهلل عىل أولئك‪ ،‬ثم سير اجلي�وش لتفتح بالد‬
‫فارس والروم وتنرش اإلسالم هناك‪.‬‬

‫‪26‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫ف�كان س�يف اهلل املس�لول خالد ب�ن الوليد يفت�ح يف بالد‬


‫ف�ارس‪ ،‬وتس�قط املدن يف يدي�ه الواحدة تلو األخ�رى‪ ،‬ويعلو‬
‫األذان هناك بدلاً من تلك النريان التي كانت تعبد من دون اهلل‬
‫أفواجا‪ ،‬ففتح اهلل عىل‬
‫ً‬ ‫‪ ،D‬وصار الناس يدخلون يف دين اهلل‬
‫املس�لمني معظم بالد فارس حت�ى أتم عمر بن اخلطاب فتحها‬
‫يف خالفته‪.‬‬
‫وكان�ت جيوش املس�لمني يف الش�ام بقي�ادة أيب عبيدة بن‬
‫اجلراح‪ ،‬وعمرو بن العاص تش�ق الصحراء يف طريقها إىل بيت‬
‫املق�دس لتحرره من أيدي الروم‪ ،‬لتعلو راية ال إله إال اهلل فوق‬
‫رب�ا الش�ام‪ ،‬وتظل الفتوح�ات يف عهد أيب بك�ر ‪ I‬كثرية‬
‫حتى اتس�عت دولة اإلسالم‪ ،‬ودخل يف اإلسالم عدد كبري من‬
‫الناس يف البالد املفتوحة‪.‬‬
‫وكان م�ن أعامل أيب بك�ر العظيمة مج�ع املصحف أو مجع‬
‫القرآن يف مصحف واحد بمساعدة عمر بن اخلطاب ‪،I‬‬
‫ومس�اعدة زي�د ب�ن ثاب�ت ‪ ،I‬وظ�ل املصح�ف يف بيت‬

‫‪n‬‬ ‫‪27‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫حفص�ة أم املؤمنني حتى أخذه عثامن بن عفان يف خالفته ومجع‬


‫املسلمني عليه‪.‬‬
‫ويف ي�وم من أيام العام الثالث عشر للهجرة كان أبو بكر‬
‫الصديق عىل فراش�ه ينتظر قدوم ملك املوت‪ ،‬فقال له أهله من‬
‫حوله‪ :‬هل نحرض لك طبي ًبا؟‪.‬‬

‫فق�ال‪ :‬ق�د رآين الطبيب‪ .‬فقال�وا له‪ :‬فامذا ق�ال؟ قال‪ :‬لقد‬
‫قال‪ :‬إين فعال ملا أريد‪.‬‬

‫ثم أرس�ل أب�و بكر بكل ما يملك إىل بيت مال املس�لمني‪،‬‬
‫فل�م يك�ن ألهل�ه من بع�ده يشء م�ن مرياث�ه‪ ،‬ثم ج�اءه ملك‬
‫امل�وت ليقبض روحه لتصعد إىل اهلل ‪ ،D‬لتالقي روح النبي‬
‫‪0‬يف السماء بع�د أن ف�رق بينهام امل�وت‪ ،‬ليجمع بينهام‬
‫اهلل تعاىل يف مستقر رمحته‪.‬‬

‫‪sss‬‬

‫‪28‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫عمر بن الخطاب ‪I‬‬

‫عم���ر بن اخلط���اب‪ :‬هو عمر ب�ن اخلطاب ب�ن نفيل‪ ،‬أمه‬


‫هي‪ :‬حنتمة بنت هاشم بن املغرية‪.‬‬

‫أصابت�ه دع�وة رس�ول اهلل‪ ،0‬فق�د كان‬


‫‪ O‬يدع�و ويق�ول‪« :‬الله���م أع���ز اإلس�ل�ام بأحب‬
‫الرجلني إليك‪ :‬بعمر بن اخلطاب أو بأبي جهل بن هش���ام»‪،‬‬
‫فكان أحبهام إليه عمر بن اخلطاب ‪.I‬‬

‫إسالم عمر بن الخطاب‬

‫على رم�ال مك�ة كانت قط�رات الدم�اء تنزف م�ن يارس‬


‫وس�مية ‪ ، L‬وكان�ت رصخ�ات العذاب ترتف�ع من فم‬
‫الضعفاء واملظلومني واملقهورين ليس لسبب إال ألهنم أسلموا‬
‫حممدا رسول اهلل‪.‬‬
‫وشهدوا أن ال إله إال اهلل وأن ً‬

‫‪n‬‬ ‫‪29‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫ويف ركن من أركان مكة وقف ذلك الشاب القوي الشديد‬


‫ٍ‬
‫جوار((( يعذهبن‪ ،‬ثم تركهن‬ ‫عمر بن اخلطاب قد أمسك بثالث‬
‫قائالً‪ :‬إين مل أتر ككن إال ماللة ‪ -‬أي بعد أن مللت منكن‪.‬‬
‫ومضى بع�د ذلك وه�و يلعن ذل�ك اليوم ال�ذي ظهر فيه‬
‫اإلسلام ودعوت�ه‪ ،‬وألن�ه ش�اب كبقية ش�باب قري�ش ذهب‬
‫رسي ًعا إىل حانوت اخلمر ليرشهبا هناك‪ ،‬فوجد احلانوت مغل ًقا‪،‬‬
‫وأخريا قرر الذهاب‬
‫ً‬ ‫فذهب يبحث ع�ن أصدقائه فلم جيدهم‪،‬‬
‫حمم�دا ‪0‬قائًم�اً‬
‫ً‬ ‫إىل الكعب�ة ليط�وف هب�ا‪ ،‬وهن�اك رأى‬
‫يصيل‪.‬‬
‫فق�ال عمر يف نفس�ه‪ :‬لو أين اس�تمعت إىل م�ا يقول حممد‬
‫الليلة‪ ،‬ثم اختبأ وراء ثياب الكعبة‪ ،‬وبدأ رس�ول اهلل ‪0‬‬

‫يقرأ القرآن‪.‬‬
‫فقال عمر يف نفسه بعد أن تعجب من حالوة القرآن‪ :‬واهلل‬
‫إنه لش�اعر‪ ،‬فقرأ النب�ي ‪[ :0‬ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ] [‪.]41 - 40 :C‬‬
‫(‪ )1‬جواري‪ :‬مجع جارية وهي املرأة اململوكة‪.‬‬
‫‪30‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫فقال عمر‪ :‬إنه كاهن(((‪.‬‬


‫فقرأ النبي ‪[ :0‬ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ]‬
‫[‪]42 :C‬‬

‫وب�دأ عمر بن اخلطاب يراجع نفس�ه يف هذه الليلة بعد أن‬


‫أث�ر الق�رآن يف قلبه ويف نفس�ه‪ ،‬ولك�ن كيف يس�لم وهو ذلك‬
‫الق�ريش م�ن بني عدي‪ ،‬وهو س�فري قوم�ه‪ ،‬وهو أكث�ر الناس‬
‫متسكًا بعادات أهله وتقاليدهم‪ ،‬كانت هذه هي موانع اإلسالم‬
‫الت�ي جعلت إسلام عمر يتأخر قليًل�اً ‪ ،‬إال أن اهلل تعاىل أراد له‬
‫اخلري فأسلم واتبع رسول اهلل ‪.0‬‬
‫خ�رج عمر يو ًما قد أمس�ك بس�يفه وهو غضب�ان‪ ،‬فقابله‬
‫رجل من بني زهرة ‪ -‬وهم أخوال النبي ‪.0‬‬
‫فقال له‪ :‬إىل أين يا عمر؟ قال‪ :‬إىل حممد فأقتله‪.‬‬
‫فق�ال الرج�ل‪ :‬وكي�ف تأمن بني هاش�م‪ ،‬وبن�ي زهرة إن‬
‫حمم�دا‪ .‬فق�ال عمر‪ :‬يب�دو أنك ق�د تركت دي�ن قومك‬
‫ً‬ ‫قتل�ت‬
‫حممدا‪.‬‬
‫واتبعت ً‬
‫(‪ )1‬الكاهن‪ :‬هو من يقوم بخدمة املعبد‪ ،‬ويدعي معرفة الغيب النسبي‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪31‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫فق�ال الرج�ل‪ :‬ب�ل العج�ب ي�ا عم�ر أن أخت�ك فاطمة‪،‬‬


‫حممدا‪.‬‬
‫وزوجها سعيد بن زيد قد أسلام‪ ،‬واتبعا ً‬
‫ومش�ى عمر إىل دار أخته حتى وصل إليها‪ ،‬وكان عندهم‬
‫الصحايب اجلليل «خباب بن األرت» فلام س�مع خباب صوت‬
‫عمر جرى برسعة واختبأ يف البيت‪ ،‬فقال عمر‪ :‬ما هذا الصوت‬
‫الذي سمعته عندكم‪.‬‬
‫فقالت أخته‪ :‬إننا كنا نتحدث فيام بيننا‪.‬‬
‫فقال عمر‪ :‬هل تركتام دين آبائكام وأجداد كام؟ قال سعيد‪:‬‬
‫يا عمر أرأيت لو كان احلق يف غري دينك؟ فقام عمر إىل س�عيد‬
‫أرضا‪ ،‬فقامت فاطم�ة تدافع عن زوجها‪،‬‬
‫فرضب�ه حتى طرحه ً‬
‫فدفعها عمر بيده فسالت الدماء منها‪.‬‬
‫فقالت وهي غضبانة‪ :‬يا عمر احلق يف غري دينك‪ ،‬أشهد أن‬
‫حممدا رسول اهلل‪.‬‬
‫ال إله إال اهلل‪ ،‬وأن ً‬
‫ومل�ا رأى عم�ر الدم يس�يل عىل وج�ه أخت�ه رق قلبه هلا‪،‬‬
‫فق�ال‪ :‬أعطوين هذا الكتاب الذي عندكم‪ .‬وكان عندمها كتاب‬
‫فيه سورة [ﭵ]‪.‬‬
‫‪32‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫فقال�ت أخت�ه‪ :‬إنك نجس وال يمس�ه إال املطه�رون‪ ،‬فقم‬


‫واغتس�ل‪ ،‬فقام عمر فاغتسل ثم عاد إليهام‪ ،‬وكان يقرأ ويكتب‬
‫فب�دأ يف تالوة آيات اهلل‪[ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ]‬

‫[‪ ]2 - 1 :c‬حت�ى وصل إىل قوله تع�اىل‪[ :‬ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬


‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ] [‪.]14 :c‬‬

‫وأح�س عمر بروعة القرآن وعظمت�ه‪ ،‬وتبني صدق النبي‬


‫‪ 0‬يف دعوته‪.‬‬

‫فقال‪ :‬دلوين عىل حممد‪.‬‬

‫فلام س�مع خباب هذا خ�رج إىل عمر فق�ال‪ :‬أبرش يا عمر‬
‫فقد س�معت رس�ول اهلل ‪ 0‬يدعو فيق�ول‪« :‬اللهم أعز‬
‫اإلسالم بأحد العمرين عمر بن اخلطاب أو عمرو بن هشام»‪،‬‬
‫وإين ألرجو اهلل أن تكون أنت يا عمر‪.‬‬

‫وخرج�وا مجي ًع�ا يري�دون رس�ول اهلل ‪ 0‬حت�ى‬


‫وصل�وا إىل دار األرق�م‪ ،‬وكان مح�زة بن عبد املطلب أس�د اهلل‬

‫‪n‬‬ ‫‪33‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫ورس�وله واق ًف�ا عىل باب ال�دار ومعه بع�ض الصحابة‪ ،‬وكان‬
‫محزة قو ًيا تساوي قوته قوة عمر ‪.I‬‬

‫فقال بعض الصحابة‪ :‬هذا عمر فلام رآهم محزة خائفني قال‪:‬‬
‫خريا يس�لم ويتبع النبي‪،0‬‬
‫نعم هذا عمر إن يرد اهلل به ً‬
‫وإال قتلن�اه‪ ،‬ودخل عم�ر عىل رس�ول اهلل ‪ 0‬فقام إليه‬
‫رسول اهلل فأمسكه من ثيابه‪.‬‬

‫وق�ال‪ :‬أما ُتس�لم ي�ا عمر؟ الله�م أعز اإلسلام بعمر بن‬
‫اخلطاب‪.‬‬

‫حممدا‬
‫فقال عمر بن اخلطاب‪ :‬أش�هد أن ال إله إال اهلل وأن ً‬
‫رسول اهلل‪.‬‬

‫وكبرّ املس�لمون تكبرية س�معها أهل مك�ة‪ ،‬ونزل جربيل‬


‫‪ S‬من السامء يقول‪ :‬يا حممد‪ ،‬استبرش أهل السامء بإسالم‬
‫وعزا‬ ‫عمر بن اخلطاب‪ ،‬وكان إسالم عمر ح ًقا ً‬
‫فتحا للمسلمني ً‬
‫هلم‪.‬‬

‫‪34‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫وحين نط�ق عمر بالش�هادتني عرف م�ن داخل�ه أن هذا‬


‫عزيزا قو ًيا‬
‫الدي�ن هو األقوى‪ ،‬وأن من أس�لم ال بد أن يك�ون ً‬
‫أحدا إال اهلل تعاىل‪ ،‬فإذا به يقول لرسول اهلل ‪:0‬‬
‫ال خيشى ً‬
‫يا رسول اهلل ألسنا عىل احلق إن متنا أو حيينا؟‪.‬‬

‫فق�ال رس�ول اهلل‪« :‬بلى‪ ،‬والذي نفس���ي بي���ده إنكم على‬


‫احلق إن متم أو حييتم»‪.‬‬

‫فق�ال عمر‪َ :‬ف ِل َم ختتفي يا رس�ول اهلل‪ ،‬والذي بعثك باحلق‬


‫لنخرجن إليهم‪.‬‬

‫وخ�رج املس�لمون يف صفين‪ ،‬ص�ف يتقدم�ه مح�زة ب�ن‬


‫عب�د املطل�ب‪ ،‬واآلخ�ر يتقدم�ه عمر ب�ن اخلطاب‪ ،‬فلما رأى‬
‫املرشك�ون ه�ذا املش�هد اغتاظ�وا‪ ،‬وعلا احل�زن وجوهه�م‪،‬‬
‫ومل يس�تطع أح�د منه�م أن يق�وم إىل صفين أحدمه�ا فيه عمر‬
‫واآلخ�ر محزة‪ ،‬وجرى االس�م اجلديد لعمر س�هلاً عىل ألس�نة‬
‫اجلمي�ع فقد سماه رس�ول اهلل «الفاروق» الذي ف�رق بني احلق‬
‫والباطل‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪35‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫وط�اف املس�لمون بالكعب�ة‪ ،‬يتقدمهم الف�اروق عمر بن‬


‫اخلط�اب الذي غريه اإلسلام حت�ى جعله عظيماً م�ن العظامء‬
‫املعدودين يف التاريخ‪.‬‬

‫أعز اهلل اإلسالم بعمر ‪I‬‬


‫ضاق�ت مك�ة باملس�لمني فأمره�م رس�ول اهلل ‪0‬‬

‫بعي�دا عن أعني‬
‫ً‬ ‫رسا‬
‫باهلج�رة إىل املدين�ة‪ ،‬وكان اجلمي�ع هياجر ً‬
‫واحدا هو الذي هاجر علنًا دون خوف أو‬
‫ً‬ ‫املرشكين إال رجلاً‬
‫وجل‪ ،‬ومن غريه إن مل يكن هو عمر بن اخلطاب‪.‬‬

‫قام عمر إىل الكعبة فصىل ركعتني‪ ،‬ثم أخذ حفنة من تراب‬
‫ألقاها يف وجه اجلالسني يف الكعبة وحوهلا‪.‬‬

‫ث�م قال‪ :‬ش�اهت الوجوه‪ ،‬م�ن أراد أن َي ْي َتم ولده‪ ،‬وترمل‬


‫زوجت�ه فليتبعني وراء ه�ذا الوادي‪ .‬وأخذ عمر س�يفه ومىض‬
‫يف طريقه إىل املدينة‪ ،‬فلم يس�تطع أحد أن يسري وراءه خو ًفا من‬
‫قوت�ه وبطش�ه إال عدد قليل من املس�لمني الضعف�اء احتموا به‬

‫‪36‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫حت�ى خرجوا م�ن مكة ثم دهلم عىل الطري�ق‪ ،‬ووصل عمر إىل‬
‫املدينة قبل النبي ‪.0‬‬

‫وكان يف اس�تقباله م�ع املس�لمني من األنص�ار حتى جاء‪،‬‬


‫وهن�اك كان�ت املدين�ة مدين�ة لإليمان‪ ،‬ومدين�ة للمؤمنين‪،‬‬
‫تآخ�ى فيها املهاج�رون واألنص�ار حتت ش�عار [ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ] [‪.]10 :Y‬‬

‫وكان عمر يف طليعة املجاهدين يف سبيل اهلل حيمل السيف‬


‫وق�ت الش�دة مداف ًع�ا ع�ن رس�ول اهلل ‪ ،0‬ويم�د ي�د‬
‫العون للمسلمني إذا احتاجوه‪ ،‬ويدفع بامله يف سبيل اهلل‪ ،‬حتى‬
‫وزيرا له مع أيب‬
‫أكرمه رس�ول اهلل ‪0‬فقر به منه وجعله ً‬
‫ش�ديدا يف احلق سماه‬
‫ً‬ ‫بك�ر‪ ،‬ثم تزوج بابنته حفصة‪ ،‬وألنه كان‬
‫رس�ول اهلل ‪« 0‬أبو حف�ص»‪ ،‬أي «األس�د»‪ ،‬فكان هو‬
‫الفاروق أبو حفص عمر بن اخلطاب‪.I‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪37‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫عبادة عمر ‪I‬‬

‫كان لعم�ر ‪ I‬م�ع الق�رآن ح�ال خاص�ة‪ ،‬فق�د كان‬


‫يرتبط بالقرآن ارتبا ًطا وثي ًقا حيب سامعه وترتيله‪ ،‬ويسمع اآلية‬
‫فيغمي عليه ويزوره املسلمون يظنونه ً‬
‫مريضا ال يعلمون ما به‪،‬‬
‫وإنام هو ملجرد سامعه آية من القرآن أثرت يف نفسه وقلبه‪.‬‬

‫لك�ن العجي�ب ح ًق�ا ما يقول�ه رس�ول اهلل ‪0‬عن‬


‫عمر‪« :‬إن اهلل عند لسان عمر وقلبه»‪.‬‬
‫ث�م يق�ول‪« :0‬احل���ق بع���دي م���ع عم���ر ب���ن‬
‫اخلطاب»‪.‬‬
‫والعج�ب هنا أن عمر كان ينط�ق بالقرآن قبل نزوله‪ ،‬نعم‬
‫كان عمر يقول شي ًئا فإذا بالقرآن يتنزل كام قاله عمر بالضبط‪.‬‬
‫ذات م�رة‪ ،‬كان عمر يكتب لرس�ول اهلل ‪ 0‬ما نزل‬
‫عليه من القرآن ألنه كان كات ًبا للوحي‪.‬‬

‫فق�رأ النب�ي‪[ :0‬ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬


‫ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮥﮦﮧ‬
‫‪38‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫ﮨﮩﮪﮫ ﮬﮭﮮﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ] [‪.]14 - 12 :i‬‬

‫وهن�ا ق�ال عم�ر متعج ًبا من ق�درة اهلل يف خلق اإلنس�ان‪:‬‬


‫[ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ] [‪.]14 :i‬‬

‫فتبس�م رس�ول اهلل وهو يقول‪« :‬اكتبها ي���ا عمر فهكذا‬


‫أنزهلا اهلل تعاىل»‪.‬‬

‫وهك�ذا نطق عمر بالق�رآن قبل نزوله ليك�ون عالمة عىل‬


‫قوة اإليامن‪ ،‬وطهارة القلب‪ ،‬ودليلاً عىل أن اهلل عند لسان عمر‬
‫وقلبه‪.‬‬

‫ث�م ت�رى عمر مرة أخ�رى يف الكعبة مع رس�ول اهلل يقول‬


‫له‪ :‬يار س�ول اهلل لو اختذنا من مقام إبراهيم مصيل فنزل القرآن‬
‫مواف ًقا لقول عمر‪[ :‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ]‬

‫[‪]125 :2‬‬

‫وبلغه مرة أن رسول اهلل ‪ 0‬قد طلق زوجاته‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪39‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫فقال عمر‪[ :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬

‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ] [‪.]5 :6‬‬

‫أيضا كام نطقه�ا عمر ‪ ،I‬وهكذا ينطق‬


‫فنزل�ت اآلية ً‬
‫عمر باحلق‪ ،‬وال زال ينطق باحلق حتى توفاه اهلل‪.D‬‬

‫ومن ش�دة إيامن عم�ر كان الش�يطان خياف من�ه‪ ،‬فقال له‬
‫فجا((( إال‬
‫رس�ول اهلل‪« :0‬ما رآك الش���يطان س���ال ًكا ً‬
‫فجا آخر غري فجك»‪.‬‬
‫سلك ً‬
‫وذات م�رة كان�ت عن�د رس�ول اهلل ‪ 0‬جاري�ة‬
‫�عرا‪ ،‬فلما اس�تأذن عم�ر على‬ ‫ِ‬ ‫ُّ ِ‬
‫بال�دف وتغن�ي ش ً‬ ‫تضرب‬
‫رسول اهلل ‪ 0‬ليدخل إليه‪ ،‬هربت اجلارية بدفها‪ ،‬فضحك‬
‫رس�ول اهلل ‪ ،0‬وق�ال‪« :‬إن الش���يطان ليخ���اف من���ك‬
‫يا عمر»‪.‬‬

‫وين�ام النب�ي ‪0‬فريى يف نوم�ه أنه يف اجلن�ة‪ ،‬وبينام‬


‫قرصا بجواره امرأة تتوضأ‪.‬‬
‫هو يميش يف اجلنة إذ رأى ً‬

‫(‪ )1‬ماش ًيا يف طريق‪.‬‬


‫‪40‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫فقال رسول اهلل ‪« :0‬ملن هذا القصر»؟‪.‬‬

‫فقالوا‪ :‬لعمر بن اخلطاب‪.‬‬

‫فق�ال النب�ي ‪« :0‬فتذك���رت غرية عم���ر‪ ،‬فوليت‬


‫مدب ًرا»(((‪.‬‬

‫فبكى عمر ‪ I‬وهو يقول‪ :‬وهل أغار عليك يا رسول‬


‫اهلل؟‪.‬‬

‫جي�دا مقدار اإليمان يف قلب‬


‫ً‬ ‫يعل�م‬ ‫إن النب�ي ‪0‬‬

‫الف�اروق‪ ،‬فرأى الش�يطان خي�اف منه‪ ،‬ب�ل ويبشره باجلنة مع‬


‫العشرة املبرشين باجلن�ة‪ ،‬لقد رآه رس�ول اهلل ‪ 0‬مؤمنًا‬
‫ح ًّقا‪ ،‬وكأن اإليامن يف قلبه شالل جارف أو هنر متدفق‪.‬‬

‫وإنك لتعجب ح ًقا حني ترى النبي ‪ 0‬يقول لعمر‬


‫وه�و ذاهب إىل احل�ج‪« :‬يا أخي أش���ركنا يف ص���احل دعائك‬
‫وال تنس���نا»‪ ،‬وخ�رج عم�ر وقد مل�ك الدنيا بيده حين قال له‬
‫رس�ول اهلل ‪« :0‬ي���ا أخ���ي» لق�د ص�ار ً‬
‫أخ�ا للنب�ي‬

‫(‪ )1‬جريت برسعة‪.‬‬


‫‪n‬‬ ‫‪41‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫‪ ،0‬ب�ل إنه يطلب منه الدعاء له‪ ،‬فأي رشف أعظم من‬
‫هذا الرشف‪.‬‬

‫كان عمر ينادي يف أيب موسى األشعري صاحب الصوت‬


‫احلس�ن بالق�رآن فيقول له‪ :‬ش�وقنا إىل ربن�ا‪ ،‬وهلل َد ُّر رجل مثل‬
‫عمر يركب س�فينة القرآن ليلحق باملؤمنين مجي ًعا‪ ،‬ويكون مع‬
‫اهلل تع�اىل يف كل حلظ�ة‪ ،‬حتى قالت عنه ام�رأة رفضت الزواج‬
‫منه‪ :‬إنه رجل ينظر بعينه إىل ربه‪ ،‬ال يفكر يف أمر دنياه‪.‬‬

‫حياة عمر بعد وفاة رسول اهلل ‪0‬‬

‫ش�ديدا عليه‬
‫ً‬ ‫تويف رس�ول اهلل ‪ 0‬فحزن عمر حز ًنا‬
‫كام حزن املسلمون‪.‬‬

‫وب�دأت خالف�ة أيب بكر الصدي�ق فكان عمر نع�م العون‬


‫لصاحب�ه أيب بكر يس�اعده‪ ،‬ويتوىل القضاء يف أمور املس�لمني‪،‬‬
‫ويراجع أبا بكر يف كل أمر خيتص بشئون املسلمني‪ ،‬ومن أعامل‬
‫عمر يف خالفة أيب بكر عمل عظيم هو «مجع القرآن الكريم»‪.‬‬

‫‪42‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫فف�ي معرك�ة الياممة الت�ي دارت بني املس�لمني واملرتدين‬


‫قت�ل ع�دد كبري م�ن حفظة الق�رآن‪ ،‬فخشي عمر على القرآن‬
‫أن يضي�ع بم�وت هؤالء فأش�ار عىل أيب بكر ب�أن جيمع القرآن‬
‫يف مصح�ف خش�ية الضي�اع‪ ،‬وريض أبو بكر هب�ذا‪ ،‬ومجع زيد‬
‫اب�ن ثابت املصحف وجعله يف بي�ت حفصة بنت عمر‪ ،‬وزوج‬
‫النبي‪.0‬‬

‫خالفة عمر ‪I‬‬

‫وألن احلي�اة ال تدوم وال تطول فقد تويف أبو بكر الصديق‬
‫‪ ، I‬فت�وىل اخلالف�ة عم�ر ب�ن اخلطاب وصار ه�و خليفة‬
‫املسلمني‪ ،‬وكان املسلمون ينادونه‪ :‬يا خليفة خليفة رسول اهلل‪،‬‬
‫فكان ندا ًء ثقيلاً ‪.‬‬

‫حتى جاء رجل من األعراب فقال‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬فأحب‬


‫املسلمون هذا اللقب‪ ،‬وصار عمر بن اخلطاب أمري املؤمنني‪.‬‬

‫لقد كانت خالفة عمر مثالاً للحاكم العادل الذي يضحي‬


‫بنفس�ه‪ ،‬وماله‪ ،‬وولده م�ن أجل إقامة الع�دل يف رعيته‪ ،‬وكان‬
‫‪n‬‬ ‫‪43‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫مث�الاً للرج�ل الزاهد يف الدنيا‪ ،‬أي ذل�ك الرجل الذي يرفض‬


‫امل�ال واجلاه وال يقبل إال بالقليل فيحرم نفس�ه الطعام‪ ،‬وجيوع‬
‫أوالده حتى يأكل املسلمون مجي ًعا‪.‬‬

‫ذات م�رة ح�دث اجلف�اف يف ش�به اجلزي�رة العربية حتى‬


‫اس�ودت األرض فكانت كاألرض املحروقة فسمي هذا العام‬
‫«عام الرمادة»‪.‬‬

‫وكان املس�لمون يف ضي�ق م�ن العيش‪ ،‬فحرم عمر نفس�ه‬


‫الطع�ام والرشاب‪ ،‬حت�ى كان يأكل اخلل والزي�ت وهو رجل‬
‫أبي�ض‪ ،‬فلما أكثر م�ن أكل اخل�ل والزيت صار وجهه أس�و َد‪،‬‬
‫ونحل جس�مه حتى أو ش�ك عىل املوت جو ًعا‪ ،‬ومل يأكل اخلبز‬
‫وال اللحم حتى نزل املطر وذهب اجلفاف‪.‬‬

‫ووقف عمر خطي ًبا يف املس�لمني وهو أمري للمؤمنني‪ ،‬ويف‬


‫ثوب�ه اثنتي عرشة رقعة وبيت امل�ال يف يده‪ ،‬لكنه يرى اهلل‪D‬‬

‫رقي ًب�ا عليه فال متتد يده إىل مال املس�لمني‪ ،‬ويرفض أن يتقاىض‬
‫أج�را إال م�ا يكفيه لطع�ام أهله‪ ،‬ونفق�ة عياله‪ ،‬وم�ا حيج به أو‬
‫ً‬
‫‪44‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫يعتم�ر‪ .‬ثم يأيت وفد من بالد فارس فيقول‪ :‬أين أمري املؤمنني؟‬
‫فأش�اروا إىل عم�ر‪ ،‬فنظروا إليه نائماً على األرض قد جعل يده‬
‫وس�ادة ل�ه‪ ،‬بال ح�رس وال سلاح فقال�وا قولتهم الش�هرية‪:‬‬
‫حكمت‪ ،‬فعدلت‪ ،‬فأمنت‪ ،‬فنمت يا عمر‪.‬‬

‫وهو نفس�ه الذي بعث إليه املسلمون ملا فتحوا الشام لكي‬
‫يتس�لم مفاتيح بيت املقدس‪ ،‬فخرج من املدينة بعباءة فيها أكثر‬
‫م�ن رقعة‪ ،‬يركب بغلته أو ناقته‪ ،‬ومعه غالمه «أس�لم» وأحس‬
‫عمر بأن غالمه قد أصابه التعب يف هذه الرحلة‪.‬‬

‫فق�ال‪ :‬يا أس�لم أركب أنا بعض الوق�ت‪ ،‬ثم تركب أنت‪،‬‬
‫وتب�ادل كل منهام الركوب حتى أوش�كا عىل الدخول إىل بيت‬
‫ِ (((‬
‫املقدس‪ ،‬وكان الدور يف الركوب للغالم ومر عمر عىل َو ْحل‬
‫يف طريقه‪ ،‬فقال أسلم‪ :‬أنزل وتركب أنت يا أمري املؤمنني‪.‬‬

‫إال أن عمر رفض هذا وأرص عىل أن يركب الغالم‪ ،‬ودخل‬


‫عمر إىل بيت املقدس فرآه الرهبان قد ش�مر مالبس�ه‪ ،‬وأمسك‬

‫(‪ )1‬بركة فيها ماء وطني‪.‬‬


‫‪n‬‬ ‫‪45‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫بحب�ل دابت�ه يقودها‪ ،‬فقال�وا‪ :‬هذا هو عمر ب�ن اخلطاب الذي‬


‫أصاب الوحل قدمه‪.‬‬

‫فقال املس�لمون‪ :‬وكيف عرفتموه؟ قالوا‪ :‬إننا رأينا وصفه‬


‫يف كتبنا أمري شديد ‪..‬قرن من حديد‪.‬‬

‫ه�ذا هو عمر ب�ن اخلطاب الع�ادل الذي مل ت�ر الدنيا مثله‬


‫يف عدل�ه بني رعيته‪ ،‬لعلنا اآلن ننظ�ر إليه وقد جلس مع امرأته‬
‫«عاتكة» وأمامه مس�ك قد جاء من اليمن‪ ،‬فقال عمر‪ :‬من يزن‬
‫يل هذا ألوزعه بني املسلمني؟ قالت زوجته عاتكة‪ :‬أنا يا عمر‪،‬‬
‫قال‪ :‬أما أنت فال‪.‬‬
‫قال�ت‪ :‬ملاذا ي�ا عمر؟ قال‪ :‬أخش�ى أن َت ِ‬
‫�زين يل‪ ،‬فيبقي يف‬
‫يديك بعض املسك فتمسحي خدك به‪ ،‬فيكون نصيبنا أكثر من‬
‫املس�لمني‪ ،‬ه�ذا هو العدل ال�ذي ال يعرفه إال عم�ر‪ ،‬ومل يعرفه‬
‫الناس إال من عمر ‪.I‬‬

‫ش�ديدا ع�ادلاً فقط‪،‬‬


‫ً‬ ‫اعتق�د كثري م�ن الناس أن عمر كان‬
‫ولك�ن احلقيق�ة تتحدث بلس�اهنا لتق�ول‪ :‬إن عم�ر كان رحيماً‬
‫‪46‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫بالضعف�اء‪ ،‬يبح�ث عنهم يف كل مكان ليطعم اجلائع‪ ،‬ويس�قي‬


‫الظمآن(((‪ ،‬ويكس�و العاري‪ ،‬وإن قلبه أرق من النس�يم‪ ،‬تدمع‬
‫عينا ُه من أجل املساكني‪ ،‬ويرق قلبه هلم‪.‬‬

‫فيمر بالليل‬
‫ها هو عمر خيرج مرة ليتفقد أحوال املس�لمني ُّ‬
‫نارا من بعي�د‪ ،‬فذهب ناحية النار‪ ،‬فوج�د امرأة وحوهلا‬
‫فيرى ً‬
‫ق�در منصوب�ة فيه�ا حجر وم�اء‪ ،‬وقد‬
‫صبياهن�ا‪ ،‬وف�وق الن�ار ٌ‬
‫أمس�كت املرأة ً‬
‫بعصا تقلب هذه احلج�ارة يف القدر‪ ،‬وصبياهنا‬
‫جياع‪.‬‬

‫فقال عمر‪ :‬السالم عليكم يا أهل الضوء‪.‬‬

‫فقال�ت امل�رأة‪ :‬وعلي�ك السلام‪ ،‬فق�ال‪ :‬أأدن؟ أي‬


‫«أقرتب»‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬ا ُدن بخري‪ ،‬فقال عمر‪ :‬ما بالكم؟‪.‬‬
‫قالت‪ :‬ال دار لنا نحتمي فيها من الليل والربد‪.‬‬
‫فقال‪ :‬وما بال هؤالء الصبية يبكون؟ قالت‪ :‬إهنم جياع‪.‬‬
‫(‪ )1‬العطشان‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪47‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬
‫فق�ال‪ :‬وأي يشء يف هذه القدر؟ قالت‪ :‬حجارة ُأس ِ‬
‫�ك ُتهم‬ ‫ْ‬
‫هب�ا حت�ى ينام�وا‪ ،‬اهلل بيننا وبني عم�ر‪ .‬وكانت امل�رأة ال تعرف‬
‫عم�ر‪ ،‬فقال هلا‪ :‬وما يدري عمر بكم؟‪ ،‬فقالت‪ :‬يتوىل أمرنا‪ ،‬ثم‬
‫يغفل عنا؟!!‪.‬‬
‫ورسي ًعا ذهب عمر إىل بيت املال وأخرج ِ‬
‫جوالاً من دقيق‪،‬‬
‫عيل‪.‬‬
‫وكبة من شحم‪ ،‬وقال لغالمه‪ :‬امحل ّ‬
‫فقال الغالم‪ :‬بل أنا أمحل لك يا أمري املؤمنني‪.‬‬

‫فق�ال‪ :‬وهل حتمل عني ذنبي ي�وم القيامة؟‪ ،‬ووصل عمر‬


‫وهو حيمل الدقيق إىل مكان املرأة‪ ،‬فألقي الدقيق‪.‬‬

‫ث�م قال هلا‪ :‬صبي عيل الدقيق وأنا أقلب الدقيق يف القدر‪،‬‬
‫وراح عمر ينفخ والدخان خيرج من حليته العظيمة‪ ،‬وطبخ عمر‬
‫للم�رأة وأوالدها ثم جعل يضع الطعام يف طبق يربده لألطفال‬
‫ويطعمهم بنفسه حتى سكن بكاؤهم وناموا‪.‬‬

‫خريا‪،‬‬
‫فقال�ت امل�رأة لعمر وه�ي ال تعرفه‪ :‬ج�زاك اهلل عنا ً‬
‫كنت أوىل من عمر هبذا األمر‪.‬‬
‫‪48‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫وتركه�ا عمروه�و يق�ول لغالم�ه «أس�لم»‪ :‬إن اجل�وع‬


‫أس�هرهم‪ ،‬فأحبب�ت أال أنصرف حتى أراهم قد ش�بعوا‪ ،‬كان‬
‫عمر يسمع بكاء الطفل الصغري فيقطع صالته‪ ،‬وال ينام إال إذا‬
‫عرف س�بب بكاء الطفل‪ ،‬فياهلا م�ن رمحة يف قلب عمر العادل‬
‫‪.I‬‬
‫عدل عمر ‪I‬‬

‫عهدا يتصف‬
‫كان العه�د الذي حكم في�ه عمر املس�لمني ً‬
‫بالعدل واإلنصاف والرمحة‪ ،‬فال ظامل يظلم الناس‪ ،‬وال ضعيف‬
‫يضيع حقه بني األقوياء‪ ،‬وال فقري يأكل الغني حقه‪ ،‬بل اجلميع‬
‫يعيش حتت سامء العدل التي أظلهم عمر هبا‪.‬‬

‫وأحس عم�ر بعد ثالثة عرش عا ًما من حكمه للمس�لمني‬


‫بأن سنه قد كربت‪ ،‬وأن عدد رعيته قد زاد‪ ،‬فقام يدعو اهلل تعاىل‬
‫قائًل�اً ‪ :‬اللهم كربت س�ني‪ ،‬وضعفت ق�ويت‪ ،‬وانتثرت رعيتي‪،‬‬
‫فاقبضن�ي إليك غري مضيع وال مفرط‪ ،‬اللهم ارزقني الش�هادة‬
‫يف سبيلك‪ ،‬واجعل مويت يف بلد نبيك‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪49‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫وذات ي�وم قام عمر من نومه لريوي للمس�لمني عن رؤيا‬


‫رآها يف نومه‪ ،‬فلقد رأى يف نومه كأن ديكًا نقره نقرتني‪ ،‬والديك‬
‫عن�د الع�رب هو األجنب�ي‪ ،‬فقال عم�ر‪ :‬يرزقني اهلل الش�هادة‪،‬‬
‫ويقتلني أعجمي(((‪.‬‬

‫استشهاد عمر‬

‫ومرت األيام واملس�لمون يرتقبون حتقق هذه الرؤيا‪ ،‬وهم‬


‫يعلمون أن عمر صادق يف كل ما يقول‪ ،‬لكنهم متنوا أن يمد اهلل‬
‫يف عمره‪ ،‬ولوأخذ من أعامرهم‪ ،‬ولكن س�يف القدر أرسع من‬
‫درع احلذر‪.‬‬

‫كان يف املدين�ة رجل يس�مى «فريوز»‪ ،‬وه�و من األعاجم‬


‫‪-‬أي ليس من العرب ‪ -‬بل كان فارس ًيا‪ ،‬وكان قد اشتكى لعمر‬
‫من كثرة الرضائب‪.‬‬
‫فسأله عمر‪ :‬ما عملك؟ قال‪ :‬نجار‪ ،‬حداد‪ ،‬نقاش‪.‬‬
‫قال عمر‪ :‬فام رضيبتك؟ قال‪ :‬درهم واحد‪.‬‬

‫(‪ )1‬األعجمي‪ :‬هو من كان من غري العرب‪.‬‬


‫‪50‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫فقال عمر‪:‬أعاملك كثرية ورضيبتك قليلة‪.‬‬

‫فقال عمر‪ :‬س�معت أنك تصن�ع رحى تدور بالرياح قال‪:‬‬


‫نع�م س�أصنع لك رح�ى يتحدث هبا م�ن باملشرق واملغرب‪،‬‬
‫فق�ال عمر‪ :‬ه�ددين العبد‪ ،‬وكان يف نية عم�ر أن خيفف رضيبة‬
‫الرجل‪.‬‬

‫وخ�رج عم�ر يو ًم�ا لصلاة الصب�ح‪ ،‬وس�وى صف�وف‬


‫املس�لمني‪ ،‬ودخ�ل يف الصلاة‪ ،‬فخ�رج ه�ذا الكاف�ر الفاريس‬
‫فطع�ن عم�ر ثالث طعن�ات‪ ،‬كان�ت طعنة منهن حت�ت الرسة‪،‬‬
‫ومل يستطع عمر أن يكمل الصالة‪.‬‬

‫فصىل باملس�لمني عبد الرمحن بن عوف ‪ ،I‬فلام أفاق‬


‫عمر قال‪ :‬هل صىل املسلمون؟‪.‬‬

‫قال�وا‪ :‬نع�م‪ ،‬ومل�ا عل�م أن قاتل�ه لي�س م�ن الع�رب وال‬


‫م�ن املس�لمني ق�ال‪ :‬احلم�د هلل ال�ذي مل جيع�ل قاتلي يس�جد‬
‫سجدة هلل‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪51‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫ث�م توج�ه إىل اهلل تعاىل يدعوه قائًل�اً ‪ :‬اللهم أتعبت نفيس‪،‬‬
‫عيل‪،‬‬
‫وحرم�ت أهيل‪ ،‬وإين أرج�و أن أخرج من الدنيا ال يل وال ّ‬
‫ال أجر يل‪ ،‬وال وزر عيل‪.‬‬

‫واش�تدت س�كرات امل�وت على الف�اروق‪ ،‬فبع�ث ولده‬


‫يس�تأذن م�ن أم املؤمنني عائش�ة ك�ي يدفن بجوار رس�ول اهلل‬
‫وأيب بكر الصديق ‪ L‬فأذنت له‪.‬‬

‫وفاض�ت نفس الف�اروق‪ ،‬وصعدت روح�ه إىل اهلل تعاىل‬


‫ومحل�ه املس�لمون إىل قبره‪ ،‬فدفن بج�وار صاحبيه رس�ول اهلل‬
‫‪ 0‬وأيب بكر‪ ،‬فلق�د مجعهام املوت بعد أن فرقهام‪ ،‬وبقي‬
‫قول النبي ‪« :0‬إن اإلس�ل�ام ليبكي على موت عمر بن‬
‫اخلطاب»‪.‬‬

‫‪sss‬‬

‫‪52‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫عثمان بن عفان ‪I‬‬

‫عثم���ان بن عف���ان‪ :‬هو عثامن بن عفان ب�ن أيب العاص بن‬


‫أمية بن عبد شمس األموي‪.‬‬

‫أم���ه‪ :‬أروي بنت كريز بن ربيعة أس�لمت م�ع ابنها عثامن‬


‫‪.I‬‬

‫زوج�ه رس�ول اهلل ‪ 0‬أم كلث�وم بع�د وف�اة رقي�ة‬


‫وقال‪« :‬لو كانت عندي ثالثة لزوجتها عثامن»‪.‬‬

‫وس�مى ذا النوري�ن؛ ألن�ه ت�زوج بنت�ي رس�ول اهلل‬


‫‪.0‬‬

‫إسالم عثمان ‪I‬‬

‫مل يك�ن عثامن ب�ن عفان يعل�م أن اهلل قد بعث رس�ول اهلل‬
‫‪ 0‬إىل الن�اس مجي ًع�ا‪ ،‬وكان قليل م�ن الناس هم الذين‬
‫عرفوا ببعثته ورسالته ومنهم أبو بكر الصديق‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪53‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫أم�ا عثمان بن عفان فقد دخ�ل يو ًما بيت�ه حزينًا حني علم‬
‫بزواج رقية بنت رسول اهلل بعتبة بن أيب هلب‪ ،‬وكانت رقية ذات‬
‫مجال‪ ،‬فجاءت خالة لعثامن اسمها «سعدي بنت كريز» وكانت‬
‫كاهنة‪ ،‬فبرشته بأنه س�يتزوج منها‪ ،‬وأنه سيكون من أتباع النبي‬
‫الذي يدعو إىل توحيد اهلل وترك عبادة األصنام‪.‬‬

‫وملا عاد عثامن من رحلة الش�ام فكّر فيام سمعه من خالته‪،‬‬


‫وم�ا س�معه من الصوت ال�ذي ن�اداه يف رحلت�ه‪ ،‬ومتنى عثامن‬
‫لو قابل هذا النبي اجلديد‪ ،‬ولكن من يدله عليه؟‪.‬‬

‫وإذا باهلل تعاىل جيعل من أيب بكر الصديق طري ًقا لعثامن كي‬
‫يصل إىل رسول اهلل‪ ،‬فدله عليه فذهب إىل بيت رسول اهلل فقال‬
‫ل�ه النبي‪ :‬أجب يا عثمان داعي اهلل‪ ،‬فأجاب عثمان داعي اهلل‪،‬‬
‫وأسلم ليكون هو اخلامس أو السادس بني من أسلموا‪.‬‬

‫كان عثمان بن عفان هو فتى قريش األول‪ ،‬فلقد كان غن ًيا‬


‫يف ماله‪ ،‬كريم األخالق يف نفسه‪ ،‬رشيف النسب يف قومه‪ ،‬حتى‬
‫أن املرأة يف قريش حني كانت تداعب طفلها تقول له‪:‬‬

‫‪54‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬
‫ح������ب ق�����ري�����ش ع���ث���م���ان‬ ‫أح��������ب��������ك وال��������رمح��������ن‬
‫فلام علموا بإسلامه حتول احلب إىل كراهية ش�ديدة‪ ،‬ألن‬
‫رجلاً يف وزن عثامن وغناه ورشفه سيتس�بب إسالمه يف إسالم‬
‫عدد كبري من شباب مكة الذين حيبون عثامن ويتشبهون به‪.‬‬

‫وكما أوذي كثري من الصحابة قام «احلكم بن أيب العاص»‬


‫ع�م عثمان بن عف�ان‪ ،‬ف�كان يربط عثمان باحلب�ال ويمنع عنه‬
‫الطعام‪ ،‬ويقول له‪ :‬ارجع إىل دين آبائك‪ ،‬فواهلل ال أتركك حتى‬
‫ترتك دين حممد‪.‬‬

‫وعثمان صاب�ر حمتس�ب‪ ،‬يتحم�ل األذى يف س�بيل اهلل‪،‬‬


‫ومل جيد احلكم وسيلة أخرى لتعذيب عثامن غري وسيلة شيطانية‪،‬‬
‫فق�د كان يلف عثمان يف احلصري‪ ،‬ثم يوقد الن�ار حتته‪ ،‬فيخرج‬
‫الدخان يكاد عثامن أن خيتنق منه ويموت‪ ،‬ولكن يرتفع صوت‬
‫عثمان‪ :‬ال واهلل ال أت�رك دين�ي‪ ،‬ال واهلل ال أف�ارق نبيي‪ ،‬وكلام‬
‫ازداد تعذي�ب احلكم لعثامن‪ ،‬ازداد متس�ك عثمان بدينه‪ ،‬حتى‬
‫يئس عمه منه فرتكه يفعل ما يشاء‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪55‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫زواج عثمان من رقية بنت رسول اهلل‬

‫كان أب�و هلب أش�د الناس ع�داوة للنب�ي وزوجته خدجية‬


‫بنت خويلد‪ ،‬وكانت زوجته «أم مجيل بنت حرب» امرأة س�يئة‬
‫اخللق‪ ،‬سامها القرآن «محالة احلطب»؛ ألهنا كانت تكيد لرسول‬
‫اهلل وحتاربه وتكرهه‪.‬‬

‫وأراد أب�و هل�ب وزوجت�ه أن يؤذيا رس�ول اهلل ‪0‬‬

‫فأمرا ولدهيام عتبة وعتيبة أن يطلقا رقية وأم كلثوم ابنتي رسول‬
‫اهلل‪ ،‬وكا ن عثامن يريد الزواج برقية‪.‬‬

‫فلما طلق�ت ذه�ب إىل رس�ول اهلل ‪ 0‬فخطبه�ا‬


‫من�ه‪ ،‬فزوجها إياه‪ ،‬وكان عثامن ش�ا ًبا مجيل الوجه هبي الطلعة‪،‬‬
‫وكذلك كانت رقية حسنة الوجه‪ ،‬هبية الطلعة‪ ،‬وكيف ال وهي‬
‫بن�ت رس�ول اهلل ‪ ،0‬وبن�ت خدجي�ة ‪ ،J‬ف�كان‬
‫عرسا رائ ًعا حتى غنت جواري مكة‪:‬‬
‫ُعرس عثامن ورقية ً‬
‫رق���ي���ة وزوج����ه����ا عثمان‬ ‫أمجل زوجني رآهما إنسان‬

‫‪56‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫وازدادت كراهي�ة قريش لعثامن بعد زواجه من رقية‪ ،‬فقد‬


‫علموا حب عثامن لرسول اهلل‪ ،‬وحب رسول اهلل لعثامن‪ ،‬فاشتد‬
‫األذى لعثامن وزوجته‪ ،‬فحاربته قريش يف جتارته‪ ،‬حتى ضاقت‬
‫مكة بعثامن ورقية‪ ،‬فهاجر عثامن إىل احلبشة ومعه رقية‪.‬‬

‫وهن�ا نظر النبي ‪ 0‬إىل عثامن ورقية ومها مهاجران‬


‫فقال‪« :‬صحب اهلل عثامن ورقية‪ ،‬إن عثامن ألول من هاجر بأهله‬
‫بعد نبي اهلل لوط»‪.‬‬

‫عج�ل بعودة عثمان إليها من‬


‫ولكن ش�وق رقي�ة إىل مكة َّ‬
‫احلبش�ة‪ ،‬فلما عادا وجدا أم املؤمنني خدجي�ة قد ماتت فحزنت‬
‫رقيةعلى أمها‪ ،‬وتأثر عثامن لوف�اة خدجية‪ ،‬وعوضهام اهلل بطفل‬
‫صغري سامه رسول اهلل‪« :‬عبد اهلل»‪.‬‬

‫وهاج�ر عثمان بع�د ذل�ك إىل املدينة م�ع بقية املس�لمني‪،‬‬


‫ون�ادى منادي اجله�اد‪ :‬يا خي�ل اهلل اركبي‪ .‬ولك�ن عثامن كان‬
‫شديدا بعد وفاة ولدها‬
‫ً‬ ‫مرضا‬
‫بجوار زوجته رقية التي مرضت ً‬
‫«عبد اهلل»‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪57‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫فاس�تأذن عثامن من النب�ي ‪ 0‬ليظل بجوار زوجته‬


‫املريضة فأذن له‪ ،‬ولذلك ختلف عثامن عن غزوة «بدر»‪ ،‬غري أن‬
‫النب�ي ‪ 0‬أعط�اه من غنائ�م هذه الغزوة فيما بعد فكان‬
‫كمن حرض هذه الغزوة‪.‬‬

‫وع�اد املس�لمون م�ن ب�در منترصي�ن‪ ،‬واختلطت بس�مة‬


‫االنتصار بدموع احلزن‪ ،‬فقد ماتت رقية بنت رس�ول اهلل وظل‬
‫صهرا للنبي ‪ ،S‬أما اآلن فقد‬
‫عثامن بال زوجة‪ ،‬فقد كا ن ً‬
‫انقطع النسب مع رسول اهلل ‪.0‬‬

‫وأراد عمر أن ي�زوج عثامن من ابنته حفصة‪ ،‬ولكن عثامن‬


‫مل يقب�ل بذلك‪ ،‬فاش�تكى عمر للنبي ‪ ،0‬فقال رس�ول‬
‫اهلل لعمر‪ :‬يتزوج حفصة من هو خري من عثامن‪ ،‬ويتزوج عثامن‬
‫من هي خري من حفصة‪ ،‬وتزوج رسول اهلل بحفصة‪.‬‬

‫أما عثمان فقد زوجه النبي ‪ 0‬م�ن أم كلثوم التي‬


‫ظل�ت بلا زوج منذ طلقه�ا ابن أيب هل�ب‪ ،‬فكأنما ادخرها اهلل‬
‫لعثامن كي تكون زوجة له‪.‬‬

‫‪58‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫وي�وم أن تزوج عثمان بأم كلث�وم صار ه�و «ذا النورين»‬


‫لزواج�ه بابنت�ي رس�ول اهلل‪ ،‬ومل يت�زوج بنت�ي نبي غير عثامن‬
‫‪ ،I‬وظل�ت أم كلث�وم زوجة لعثامن حت�ى ماتت يف العام‬
‫التاس�ع للهج�رة‪ ،‬فلما مات�ت «أم كلث�وم» ح�زن عثمان حز ًنا‬
‫ش�ديدا؛ لعلمه أن رس�ول اهلل ليس عنده بن�ت يتزوجها‪ ،‬فقال‬
‫ً‬
‫رسول اهلل لعثامن‪ :‬لو كان عندي ثالثة لزوجتها عثامن‪.‬‬

‫حياء عثمان وإنفاقه في سبيل اهلل‬

‫ارتبطت بعض األسماء ببعض األعامل والصفات‪ ،‬فعمر‬


‫ابن اخلطاب مثلاً ارتبط اس�مه بالعدل‪ ،‬وأبو بكر ارتبط اس�مه‬
‫باللني والرمحة‪.‬‬

‫أما عثمان فإن امسه قد ارتبط بشيئني مهمني وهما‪:‬‬


‫إنفاق املال يف سبيل اهلل‪ ،‬واحلياء‪ .‬فأما اإلنفاق يف سبيل اهلل‬
‫فعثمان واحد من رواد ه�ذا املجال‪ ،‬فقد كانت أموال عثامن يف‬
‫خدمة املسلمني واإلسلام منذ اللحظة التي فارق فيها الكفر‪،‬‬
‫وأعلن فيها اإلسالم‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪59‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫كان�ت بئر «رومة» هي البئر التي يرشب منها أهل املدينة‪،‬‬


‫وكان يملكها هيودي يتحكم يف املسلمني‪.‬‬

‫فق�ال النب�ي‪« :0‬م���ن يش�ت�ري لن���ا «بئ���ر رومة»‬


‫ويكون دلوه مع املسلمني ال يزيد عنهم يف شيء؟»‪.‬‬

‫وخ�رج عثامن من بني الصفوف‪ ،‬فذهب إىل هذا اليهودي‬


‫يطل�ب منه رشاء ه�ذه البئر‪ ،‬فأبى اليه�ودي إال أن يبيع نصفها‬
‫لعثمان باثن�ي عرش ألف دره�م‪ ،‬وهو مبلغ يصل�ح ألن يكون‬
‫رأس م�ال خلمس�ة جتار يف ذل�ك الوقت‪ ،‬فواف�ق عثامن‪ ،‬ودفع‬
‫املال رشيطة أن يكون البئر يو ًما لعثامن‪ ،‬ويو ًما آخر لليهودي‪.‬‬

‫ويف ي�وم عثمان كان املس�لمون يرشبون‪ ،‬ويدخ�رون املاء‬


‫لي�وم آخر‪ ،‬فلام رأى اليهودي أنه ال يبي�ع املاء‪ ،‬ذهب إىل عثامن‬
‫وباع�ه النص�ف الباق�ي بثامني�ة آالف دره�م‪ .‬ويو ًما م�ا نادى‬
‫رس�ول اهلل‪« :0‬من يوس���ع لنا مس���جدنا هذا ويكون‬
‫له بيت يف اجلنة؟»‪.‬‬

‫‪60‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫ومل يك�ن إال م�ا ل عثمان هو الذي يدفع ليتس�ع املس�جد‬


‫النب�وي م�ن أجل املس�لمني حتى ريض رس�ول اهلل ‪0‬‬

‫عن عثامن ‪ ،I‬أما غزوة تبوك فكانت هي «غزوة ال ُعرسة»‬


‫الت�ي مل يك�ن رس�ول اهلل يمل�ك فيه�ا أم�والاً جيهر هبا جيش�ه‬
‫للذه�اب حل�رب ال�روم أكبر دول األرض يف ذل�ك الوقت‪،‬‬
‫وج�اء عمر بنص�ف ماله‪ ،‬وجاء أب�و بكر بامله كل�ه‪ ،‬ودفع كل‬
‫املس�لمني ما يقدرون عليه‪ ،‬ولك�ن مل تكف هذه األموال‪ ،‬فقام‬
‫النبي ‪ 0‬خيطب يف املس�لمني حيثهم عىل الصدقة‪ ،‬فقال‬
‫عيل مائة بعري بكل ما يلزمها‪.‬‬
‫عثامن‪ :‬يا رسول اهلل ّ‬
‫ث�م ق�ام رس�ول اهلل ‪ 0‬خطي ًب�ا م�رة أخ�رى‪ ،‬فقام‬
‫عيل مائة أخرى‪.‬‬
‫عثامن يقول‪ :‬يا رسول اهلل ّ‬
‫عيل مائة أخرى‪.‬‬
‫ويف الثالثة قام عثامن يقول‪ :‬يا رسول اهلل ّ‬
‫وعاد رس�ول اهلل ‪ 0‬إىل بيته فوج�د عثامن ينتظره‪،‬‬
‫ليصب ألف درهم أخرى يف حجر رسول اهلل ‪.0‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪61‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫خيرا من أن يظل‬
‫وأمام هذا مل جيد رس�ول اهلل ‪ً 0‬‬
‫ُ‬
‫رضيت عنه‬ ‫طيل�ة اللي�ل يدعو لعثمان قائًل�اً ‪« :‬اللهم عثم���ان‬
‫ف���ارض عنه» حتى طل�ع الفجر‪ ،‬وعلم رس�ول اهلل ‪0‬‬

‫أن ربه قد استجاب له‪.‬‬

‫وبع�د وفاة النب�ي‪ ،0‬ويف عام الرم�ادة صحا أهل‬


‫املدين�ة يف ج�وف الليل عىل ص�وت قافلة جتاري�ة‪ ،‬وصلت إىل‬
‫املدين�ة‪ ،‬وكانت مليئة بكل أصناف األطعمة ‪ ،‬وقام التجار ٌ‬
‫كل‬
‫وفريا منها‪.‬‬
‫يريدها لنفسه لكي حيقق مكس ًبا ً‬
‫وكان صاح�ب القافل�ة ه�و عثامن ‪ ،I‬فق�ال التجار‬
‫لعثامن‪ :‬ندفع لك ضعف القافلة؟ قال‪ :‬ال‪.‬‬

‫قالوا‪ :‬ثالثة أضعافها‪ .‬قال‪ :‬ال أقبل؛ فهناك من س�يدفع يل‬


‫زيادة‪.‬‬

‫قال�وا‪ :‬كيف‪ ،‬ونحن أول من ج�اء إليك‪ ،‬وليس يف املدينة‬


‫تاجرا س�يعطيني الدرهم بعرشة دراهم‬
‫جتار غرين�ا؟ فقال‪ :‬إن ً‬
‫قد اشرتاها مني‪.‬‬

‫‪62‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫وتعج�ب اجلمي�ع من يك�ون ه�ذا التاجر؟‪ ،‬فنظ�ر عثامن‬


‫وق�ال‪ :‬إنه اهلل يعطي باحلس�نة عرش أمثاهل�ا‪ ،‬لقد تصدقت هبذه‬
‫القافلة عىل املسلمني‪.‬‬

‫والشيء الث�اين الذي ارتب�ط بعثامن ‪ I‬ه�و «احلياء»‬


‫واحلياء هو خلق اإلسالم األول‪.‬‬

‫ولق�د كان عثمان ‪ I‬حي ًيا م�ن اهلل تع�اىل‪ ،‬حتى قال‬
‫عنه احلسن البرصي‪ :‬كان عثامن يف بيته ليس معه أحد‪ ،‬والباب‬
‫علي�ه مغلق‪ ،‬ومل يكن يضع ثوبه ليفيض عليه املاء‪ ،‬فكان احلياء‬
‫يمنعه من ذلك‪.‬‬

‫جالسا‬
‫ً‬ ‫وتروي أم املؤمنني عائش�ة أن النبي ‪ 0‬كان‬
‫كاش ًفا عن فخذه فاستأذن أبو بكر‪ ،‬فأذن له وهو عىل حاله‪.‬‬

‫ثم استأذن عمر فأذن له وهو عىل حاله‪ ،‬ثم استأذن عثامن‪،‬‬
‫فشد رسول اهلل ثيابه‪ ،‬فسألته أم املؤمنني عائشة عن سبب شده‬
‫ثياب�ه ملا دخل عثامن‪ ،‬فقال رس�ول اهلل ‪« :0‬يا عائش���ة‬
‫أال أستحيي من رجل واهلل إن املالئكة لتستحيي منه»‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪63‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫واحلي�اء ال يكون إال من رجل مؤمن‪ ،‬كان اإليامن قو ًيا يف‬


‫قلبه‪ ،‬وعثامن ‪ I‬قوي اإليامن بال شك‪.‬‬

‫كثيرا من الن�اس ال يعرف أن عثمان ‪ I‬كان‬


‫ً‬ ‫ولع�ل‬
‫حيفظ القرآن الكريم كاملاً ‪ ،‬بل وكان كات ًبا للوحي ً‬
‫أيضا‪ ،‬فكان‬
‫شديدا‪.‬‬
‫ً‬ ‫عثامن حيب القرآن ح ًّبا‬

‫وه�و الذي قال للناس‪ :‬لو طهرتم قلوبكم ما ش�بعتم من‬


‫كالم ربكم‪.‬‬

‫ش�اهدا لعثمان إىل يوم‬


‫ً‬ ‫ولك�ن العمل األعظم الذي يظل‬
‫القيام�ة ه�و مجعه الق�رآن يف مصحف واح�د الزال حتى اآلن‬
‫يعرف باسمه وهو «املصحف العثامين»‪.‬‬

‫فلقد نظر عثامن إىل املسلمني فوجد عددهم يزداد يو ًما عن‬
‫اآلخر‪ ،‬وغري العرب حني ينطقون القرآن‪ ،‬كانوا ينطقونه بطريقة‬
‫خاطئة‪ ،‬فخاف عثامن عىل القرآن من التغيري والتحريف‪.‬‬

‫فأمر «زيد بن ثابت» ‪ I‬أن جيمع القرآن من املصحف‬


‫ال�ذي مجع�ه أيام أيب بكر وعم�ر‪ ،‬ويكتب ه�ذا املصحف لكل‬
‫‪64‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫البالد اإلسلامية‪ ،‬وحيرق املصاحف األخرى ففعل‪ ،‬وال زال‬


‫ه�ذا املصح�ف هو الذي نق�رأ فيه حت�ى يومنا هذا‪ ،‬وس�يقرأه‬
‫الناس إىل يوم القيامة‪.‬‬

‫ولق�د كان الصحابة مجي ًعا يوافق�ون عثامن يف هذه اخلطوة‬


‫ومنهم عيل بن أيب طالب‪ ،‬وحذيفة بن اليامن‪.‬‬

‫وكي�ف ال يوافقونه وهم يعرف�ون أن عثامن حمب للقرآن‪،‬‬


‫وإن عثامن نفسه آية من آيات القرآن‪.‬‬

‫فه�و الذي أنزل اهلل تعاىل فيه قوله‪[ :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬


‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ] [‪.]9 :E‬‬

‫ف�كان الصحاب�ة يقول�ون‪ :‬ه�ذا ه�و عثمان ب�ن عف�اف‬


‫‪.I‬‬
‫خالفة عثمان ‪I‬‬

‫توىل عثمان اخلالفة بعد موت عم�ر بن اخلطاب‪،I‬‬


‫فكان خري املس�لمني وأفضلهم بعد أيب بكر وعمر‪ ،‬ويف خالفة‬
‫عثامن زادت مس�احة البالد اإلسالمية‪ ،‬وفتح اهلل عىل املسلمني‬
‫‪n‬‬ ‫‪65‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫بال ًدا كثرية منها جزيرة «قربص» وبالد «خراسان» و«أرمينية»‬


‫وبالد املغرب العريب‪.‬‬

‫وزادت األم�وال الت�ي كان�ت ت�أيت للمس�لمني م�ن كل‬


‫مكان‪.‬‬

‫أما عثامن فكان ‪ I‬ال يريد من الدنيا شي ًئا فرغم غناه‬


‫قبل اإلسالم وبعده‪ ،‬إال أنه حينام توىل اخلالفة‪ ،‬كان يعيش حياة‬
‫البسطاء‪ ،‬فكان يطعم طعام اإلمارة ويأكل اخلل والزيت‪.‬‬

‫وكان يدخل إىل املس�جد ينام عىل احلصير وقد جعل يده‬
‫وس�ادة له‪ ،‬وأثر احلصير يف جنبه‪ ،‬واملس�لمون ينظ�رون إليه‪،‬‬
‫فيقولون‪:‬‬

‫هذا أمير املؤمنني‪ ،‬وكان إذا جاء الرجل يطلب منه ش�ي ًئا‬
‫يقوم معه فال يرده إال وقد قضيت حاجته‪.‬‬

‫ويف اللي�ل كان عثامن يقوم ليصيل ويتهجد هلل تعاىل‪ ،‬فكان‬
‫ال يوق�ظ خدم�ه وه�و الش�يخ الكبير ال�ذي حيت�اج إىل م�ن‬
‫يساعده‪.‬‬
‫‪66‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫فقال له بعض الناس‪ :‬أيقظ اخلدم ليساعدوك‪.‬‬

‫فيقول عثامن‪ :‬إننا نستخدمهم بالنهار‪ ،‬والليل هلم فدعوهم‬


‫ليناموا‪.‬‬

‫ومل يك�ن عثمان يف حزم�ه وش�دته أقل من عم�ر‪ ،‬بل كان‬


‫ش�ديدا قو ًي�ا م�ع املخطئين يف عمله�م‪ ،‬ويف عه�ده انتشرت‬
‫ً‬
‫عادات س�يئة كثرية مثل صيد احلمام‪ ،‬فكان يعني من يقبض له‬
‫عىل الش�باب الذي يلهو ويصي�د احلامم أو يرشب اخلمر‪ ،‬حتى‬
‫عاد الناس مرة أخرى إىل الصواب‪.‬‬

‫وعاش املس�لمون أفض�ل عصورهم‪ ،‬واغتن�وا أيام عثامن‬


‫كبريا‪ ،‬فكان عثامن ينادي يف الناس‪ ،‬هيا ألُ ْعطِ َياتِكُم ‪ -‬أي‬
‫غني ً‬
‫م�ا تأخ�ذون من بيت امل�ال ‪ -‬فيذهبون إليه ليأخ�ذوا املال‪ .‬ثم‬
‫ينادي‪ :‬هيا إىل السمن والعسل‪ ،‬فيذهبون إليه ليأخذوا السمن‬
‫والعس�ل‪ .‬والقماش‪ ،‬واملس�ك والزبي�ب‪ ،‬وق�د امتلأت ديار‬
‫املسلمني باخلريات‪ ...‬ولكن‪...‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪67‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫استشهاد عثمان ‪I‬‬

‫كان رس�ول اهلل ‪ 0‬يو ًم�ا يف حديق�ة م�ن حدائ�ق‬


‫املدينة ومعه أبو موسى األشعري‪ ،‬فطرق رجل الباب‪.‬‬

‫فقال رسول اهلل ‪ 0‬أليب موسى‪ :‬افتح الباب وبرشه‬


‫باجلن�ة‪ ،‬فوجده أبا بكر فبرشه باجلنة‪ ،‬ثم كان الطارق الثاين هو‬
‫عم�ر ‪ I‬فبشره باجلنة‪ ،‬وطرق رجل ثال�ث الباب‪ ،‬فقال‬
‫النبي ‪ 0‬أليب موس�ى‪ :‬افتح له وبرشه باجلنة عىل بلوى‬
‫تصيبه‪ ،‬فكان هو عثامن ‪ ،I‬فلام سمع عثامن هذا قال‪ :‬اهلل‬
‫املستعان‪.‬‬

‫فعل�م عثامن أن اهلل س�يبتليه يو ًما من األيام ف�إذا صرب فله‬


‫اجلنة‪ ،‬فكان يصرب عىل كل من يؤذيه حتى جاء وعد اهلل ورسوله‬
‫لعثامن‪.‬‬

‫فقام�ت الفتن�ة يف عه�د عثمان‪ ،‬حي�ث كان س�ببها رجل‬


‫مبغضا لإلسلام واملس�لمني‬
‫ظاهرا‪ ،‬ولكنه كان ً‬
‫ً‬ ‫هيودي أس�لم‬
‫وهو «عبد اهلل بن سبأ»‪.‬‬

‫‪68‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫فأش�اع هذا الرج�ل كذ ًبا أن عثامن قد غير يف رشيعة اهلل‪،‬‬


‫وأن�ه ظامل حي�ايب أقرباءه‪ ،‬ويع�زل الوالة الذي�ن عينهم عمر بن‬
‫اخلطاب‪.‬‬

‫وفتح املس�لمون أذهنم هلذا اليه�ودي‪ ،‬فكانت فتنة عمياء‬


‫صماء‪ ،‬وج�اء الثوار من املس�لمني اجلدد الذي�ن مل يعرفوا قدر‬
‫عثامن ‪ ،I‬وسبقه لإلسالم‪.‬‬

‫جاءوا فحارصوا دار عثامن ومنعوا عنه الطعام وهو الذي‬


‫أطعم من قبل بامله املس�لمني‪ ،‬ومنعوا عنه الرشاب وهو الذي‬
‫اشترى بئر رومة للمس�لمني‪ ،‬وحارصوا بيته وهو الذي وسع‬
‫املسجد من ماله من ذي قبل‪.‬‬

‫وظ�ل حصارهم لعثامن أربعني يو ًما وهو صابر حمتس�ب‪،‬‬


‫حتى جاءه رسول اهلل وأبو بكر وعمر يف نومه‬

‫فقالوا له‪ :‬إنك تفطر عندنا الليلة‪.‬‬

‫وص�ام عثمان هذا الي�وم‪ ،‬وجع�ل املصحف ال�ذي مجعه‬


‫أمامه يق�رأ فيه‪ ،‬حتى دخل هؤالء الثوار عليه وهو يتلو القرآن‬
‫‪n‬‬ ‫‪69‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫فلم يلتفت إليهم حتى رضب أحدهم املصحف بقدمه‪ ،‬ولطم‬


‫عثامن بيده‪ ،‬فوقع عثامن وبني يديه املصحف‪ ،‬ثم طعنوه فقتلوه‬
‫شهيدا مظلو ًما‪ ،‬قد سالت دماؤه عىل كتاب اهلل ‪.D‬‬
‫ً‬

‫وس ّ�ل سيف الفتنة‪،‬‬


‫ومنذ ذلك اليوم الذي قتل فيه عثامن‪ُ ،‬‬
‫مل ختم�د ن�ار الفتنة‪ ،‬ومل يغمد س�يفها‪ ،‬فال زال�ت األمة حتارب‬
‫بعضها البعض‪.‬‬

‫وهناك يف السامء حيث العدل اإلهلي‪ ،‬يقف عثامن أمام ربه‬


‫يش�كوه ما فعله املسلمون به‪ ،‬ويقول‪ :‬يار ب انظر ماذا فعل يب‬
‫عبادك املؤمنون!!!‪.‬‬

‫‪sss‬‬

‫‪70‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫علي بن أبي طالب ‪I‬‬

‫علي بن أبي طالب‪ :‬هو عيل بن أيب طالب بن عبد املطلب‬


‫ابن هاشم اهلاشمي‪ ،‬ابن عم رسول اهلل‪ ،0‬وزوج ابنته‬
‫فاطمة الزهراء‪ ،‬وأحد العرشة املبرشين باجلنة‪ ،‬وأول من أسلم‬
‫من الصبيان‪.‬‬

‫مل�ا ت�ويف أبو طال�ب عاد رس�ول اهلل ‪0‬م�ن عنده‬


‫ومع�ه أفضل وخير أبنائ�ه وأكرمهم وأصغره�م وهو عىل بن‬
‫أيب طالب‪.‬‬

‫إىل بيته الكري�م‪ ،‬لريعاه يف‬ ‫ع�اد به رس�ول اهلل ‪0‬‬

‫بيته‪ ،‬و ُيربيه عىل عينه‪.‬‬

‫علي في رعاية رسول اهلل ‪0‬‬

‫ع�اش علي ب�ن أيب طال�ب يف رعاي�ة النب�ي‪،0‬‬


‫فلم يسجد لصنم يف اجلاهلية‪ ،‬ومل َي ْل ُه كبقية الصبيان‪ ،‬ولكنه كان‬
‫ينظ�ر إىل ابن عمه حممد ‪0‬فرياه خري الناس وأفضلهم‪،‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪71‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫فراح يتعلم من�ه األخالق القويمة‪ ،‬واألفع�ال الكريمة‪ ،‬فكان‬


‫صورة ثانية منه‪.0‬‬

‫ووس�ط ظلامت مك�ة احلالك�ة‪ ،‬يبزغ ن�ور النب�وة‪ ،‬وينزل‬


‫جربي�ل ‪ ،S‬يف غ�ار ح�راء برس�الة اإلسلام‪ ،‬ليتلو أول‬
‫كلمة من كلامت القرآن [ﭻ]‪.‬‬

‫ويصب�ح حمم�د ‪0‬رس�ولاً للن�اس مجي ًع�ا‪ ،‬ويعود‬


‫رس�ول اهلل إىل داره لتؤم�ن خدجي�ة ب�ه‪ ،‬ث�م يتبعه�ا علي ب�ن‬
‫أيب طال�ب الذي مل يكن عمره وقتها قد جاوز السادس�ة‪ ،‬وهو‬
‫أمر عجيب ح ًقا‪.‬‬

‫ولي�س العج�ب يف إسلام عيل ب�ن أيب طال�ب؛ ألنه تريب‬


‫صغيرا يف حجر النبي‪ ،0‬بل العجب هو الطريقة التي‬
‫ً‬
‫أس�لم هب�ا‪ ،‬لق�د ع�رض رس�ول اهلل ‪ 0‬اإلسلام عليه‬
‫فورا‪.‬‬
‫فوافق ً‬
‫ولكن النبي أمره أن يستأذن أباه يف ذلك‪.‬‬

‫فقال عيل‪ :‬وهل استأذن اهلل أيب يوم خلقني؟‪.‬‬


‫‪72‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫ومنذ هذه اللحظة كان عيل يتبع رس�ول اهلل ‪ 0‬يف‬


‫كل خطوات�ه وحركات�ه‪ ،‬ويصيل خلفه‪ ،‬ويبك�ي من أجله‪ ،‬كان‬
‫يتبع�ه كام يتبع اجلم�ل الصغري أمه ال ينفص�ل عنها‪ ،‬ثم يرصخ‬
‫قائًل�اً حين ي�رى املرشكني ي�ؤذون رس�ول اهلل ‪ :0‬أنا‬
‫أنرصك عليهم يا رسول اهلل‪.‬‬

‫كان رس�ول اهلل يرى يف عيل املؤمن الصغري الس�ن‪ ،‬الكبري‬


‫القلب والعقل‪ ،‬حتى صار بحق «فتى اإليامن»‪ ،‬وكان عيل يرى‬
‫يف رس�ول اهلل ‪ 0‬القدوة احلس�نة‪ ،‬واألسوة‪ ،‬ويرى فيه‬
‫أمورا كثيرة‪ ،‬فبينام كان صبيان‬
‫العلم‪ ،‬واألدب‪ ،‬فاكتس�ب منه ً‬
‫مك�ة يلعب�ون ويله�ون‪ ،‬كان عيل خلف رس�ول اهلل ‪0‬‬

‫يتعل�م علمه‪ ،‬ويتخلق بخلق�ه‪ ،‬وبكل ما يقوله‪ ،‬حتى صار عيل‬


‫أسد اهلل يف غابة الكفر‪.‬‬

‫فدى علي رسول اهلل ‪0‬بنفسه‬

‫خرج رس�ول اهلل‪ 0‬ومع�ه عيل بن أيب طالب حتى‬


‫وصال إىل الكعبة‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪73‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫وهن�اك قال النبي ‪ 0‬لعلي‪ :‬اجلس‪ ،‬فجلس عيل‪،‬‬


‫ِ‬
‫فصعد رسول اهلل عىل كَت َف ْي ٍّ‬
‫عيل‪.‬‬

‫فق�ام علي لك�ي ينه�ض برس�ول اهلل ‪ ،0‬ولكن�ه‬


‫كان ضعي ًف�ا فلم يس�تطع أن ينهض به‪ ،‬فق�ال النبي ‪0‬‬

‫لِ َعِل�يِ ّ ‪ :‬اصع�د أن�ت على كتف�ي‪ ،‬وصع�د علي ف�وق كتف�ي‬
‫رس�ول اهلل ‪ ،0‬فنه�ض ب�ه النب�ي ‪ ،0‬حت�ى‬
‫تصور عيل أنه لو أراد أن يمس�ك نجوم السماء ألمس�كها‪ ،‬ثم‬
‫صعد علي الكعبة‪ ،‬وكان عليها متثال م�ن نحاس‪ ،‬فجعل هيزه‬
‫يمينًا وشاملاً حتى سقط فانكرس كام يتكرس الزجاج‪.‬‬

‫ث�م انطل�ق عيل ورس�ول اهلل ‪ 0‬بعد ذل�ك جيريان‬


‫حت�ى ال يرامها أح�د‪ ،‬ومها خيتبئان يف البيوت خش�ية أن يرامها‬
‫الناس‪.‬‬

‫ويف مهم�ة ه�ي األصع�ب يف حي�اة علي ‪ I‬يأم�ره‬


‫رس�ول اهلل ‪ 0‬أن ين�ام يف رسي�ره ليل�ة اهلج�رة ليصبح‬
‫عيل أول فدائي يف اإلسلام‪ ،‬ولكن تعالوا لنرى كيف س�ارت‬

‫‪74‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫األم�ور يف ه�ذه الليل�ة؟ إن النب�ي ‪0‬خ�رج م�ن بيته‪،‬‬


‫والكفار حوله قد جاءوا لقتله والتخلص منه‪.‬‬

‫ولك�ن اهلل تع�اىل أرس�ل الن�وم عليهم فخرج رس�ول اهلل‬


‫‪ 0‬وه�م نائم�ون فل�م ي�روه وه�و يض�ع التراب عىل‬
‫رؤوس�هم‪ ،‬ووصل النب�ي ‪ 0‬إىل دار عيل وق�ال له‪ :‬نم‬
‫على فرايش‪ ،‬وتس�ج((( ببردي((( األخرض‪ ،‬فنم في�ه‪ ،‬فإنه لن‬
‫خيل�ص إلي�ك يشء تكرهه منهم‪ ،‬وكان رس�ول اهلل ‪0‬‬

‫إذا نام تغطى هبذا الربد‪.‬‬

‫ودخل عيل ‪ I‬ليتغطى بغطاء رس�ول اهلل ‪0‬‬

‫الذي طاملا نزل فيه الوحي‪.‬‬

‫ون�ال بذلك رش ًفا عظيماً ‪ ،‬لقد نام دون أن خيش�ى الواقفني‬


‫عىل باب رس�ول اهلل ‪ 0‬بس�يوفهم‪ ،‬يري�دون قتله‪ ،‬فلم‬
‫يك�ن هياب أبا جهل ورفاقه؛ ألن رس�ول اهلل ‪ 0‬طمأنه‬
‫أنه لن يصاب باألذى‪.‬‬

‫(‪ )2‬غطائي‪.‬‬ ‫(‪ )1‬تغطى‪.‬‬


‫‪n‬‬ ‫‪75‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫ودخ�ل املرشكون عليه‪ ،‬فلام كش�فوا الغط�اء وجدوه عل ًيا‬


‫ال رس�ول اهلل‪ ،‬فقالوا‪ :‬أين حمم�د؟ فقال يف ثبات وثقة‪ :‬ال علم‬
‫يل به‪.‬‬

‫إهنا الش�جاعة التي تعلمها عيل من رسول اهلل ‪،0‬‬


‫ث�م هي الثقة يف وع�د اهلل لنبيه أنه لن يصاب ب�أي أذى‪ ،‬وهذه‬
‫هي صفات املؤمنني الصادقني‪.‬‬

‫ورح�ل النب�ي ‪ 0‬إىل املدين�ة‪ ،‬وبق�ي علي يف مكة‬


‫ليؤدي مهمة أخرى‪ ،‬وهي رد الودائع واألمانات ألهلها والتي‬
‫تركوه�ا لرس�ول اهلل ‪ ،0‬فرده�ا عيل إليه�م‪ ،‬فكان هو‬
‫القوي األمني‪.‬‬

‫فتح علي لخيبر‬

‫ب�دأ النب�ي ‪0‬حيات�ه يف املدين�ة ب�أن آخ�ي بين‬


‫املهاجرين واألنصار‪ ،‬ف�كان الرجل من األنصار يأخذ الرجل‬
‫م�ن املهاجرين إىل داره ليقيم هبا ويقاس�مه ماله وداره‪ ،‬وذهب‬

‫‪76‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫الناس ومل يبق إال عيل‪ I‬مل ُي َؤاخِ رسول اهلل ‪ 0‬بينه‬
‫وبني أحد‪.‬‬

‫فقال عيل‪ :‬يا رسول اهلل آخيت بني الناس مجي ًعا وتركتني‪.‬‬
‫فق�ال النب�ي‪« :0‬ي���ا عل���ي أن���ت أخ���ي يف الدني���ا‬
‫واآلخرة»‪.‬‬

‫عز اإلسلام‪ ،‬وكان�ت املعارك قديًم�اً تبدأ‬


‫ويف غ�زوة بدر َّ‬
‫أولاً باملب�ارزة بين بع�ض اجلنود‪ ،‬ثم تنش�ب املعرك�ة ويلتحم‬
‫اجليشان‪.‬‬

‫ويوم بدر خرج رؤوس الكفر عتبة بن ربيعة وأخوه َشيبة‪،‬‬


‫وول�ده الولي�د ب�ن عتب�ة‪ ،‬فقالوا‪ :‬هل م�ن مب�ارز؟ فخرج من‬
‫املس�لمني معاذ ومع�وذ ابنا عفراء‪ ،‬وعبد اهلل ب�ن رواحة‪ ،‬وهم‬
‫من األنصار‪ ،‬فقال املرشكون‪ :‬إنام نريد أوالد عمنا ‪ -‬يقصدون‬
‫املهاجرين‪.‬‬

‫فنادى رس�ول اهلل ‪ :0‬قم يا محزة بن عبد املطلب‪،‬‬


‫قم يا عبيدة بن احلارث‪ ،‬قم يا عيل بن أيب طالب‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪77‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫فق�ام الثالثة من آل بيت رس�ول اهلل ‪0‬فقتل محزة‬


‫ش�يبة‪ ،‬وبارز علي الوليد بن عتبة فتى مكة وفارس�ها‪ ،‬فرصعه‬
‫وقتل�ه‪ ،‬وأصاب عتبة ب�ن ربيعة عبيدة بن احل�ارث‪ ،‬فقام محزة‬
‫وعلي فقتلا عتب�ة‪ ،‬وع�اد علي إىل صف�وف املس�لمني حيم�ل‬
‫أس�دا‬
‫ً‬ ‫الراي�ة لرس�ول اهلل ‪ ،0‬ويرى املس�لمون يف عيل‬
‫هصورا(((‪ ،‬وبطلاً قو ًيا يرصع املرشكني بسيفه ورحمه‪.‬‬
‫ً‬
‫ويف غزوة خيرب‪ ،‬أعطى رس�ول اهلل ‪ 0‬اللواء لعمر‬
‫ابن اخلطاب ليفتح حصون خيرب ولكنه مل يقدر فعاد‪.‬‬

‫فأعط�ى رس�ول اهلل ‪ 0‬الل�واء للمق�داد بن عمرو‬


‫فعاد ومل يستطع أن يفتح حصون خيرب هو اآلخر‪.‬‬

‫فقال النب�ي ‪« :0‬ألعطني الراية غدًا رجلاً حيب‬


‫اهلل ورس���وله‪ ،‬وحيب���ه اهلل ورس���وله»‪ ،‬فق�ام الصحاب�ة مجي ًعا يف‬
‫الي�وم الت�ايل ٌ‬
‫كل يريد أن يأخذ الراية‪ ،‬ولكن من هلا س�وى عيل‬
‫‪.I‬‬

‫مغوارا‪.‬‬
‫ً‬ ‫(‪ )1‬شجا ًعا‬
‫‪78‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫فقال رسول اهلل ‪« :0‬أين عيل بن أيب طالب»؟‪.‬‬


‫فقال�وا‪ :‬إن�ه مري�ض يش�تكي عين�ه؟‪ ،‬ولكن رس�ول اهلل‬
‫‪ 0‬قال‪« :‬أرس���لوا إليه»‪ ،‬فجاء عيل‪ ،‬فبصق رس�ول اهلل‬
‫‪ 0‬يف عيني�ه ودعا له فش�فاه اهلل كأن مل يك�ن يف عينه أمل‬
‫وال وجع‪ ،‬ثم أعطى رسول اهلل ‪ 0‬الراية عل ًيا‪.‬‬
‫ً‬
‫واحدا خري لك مما‬ ‫وق�ال له‪« :‬ألن يهدي اهلل ب���ك رجلاً‬
‫طلعت عليه الشمس وغربت»‪.‬‬
‫وذه�ب عىل ليق�ف عىل ب�اب حصن من حص�ون خيرب‪،‬‬
‫وحاول الصحابة أن خيلعوا هذا الباب‪ ،‬فلم يستطع أحد منهم‬
‫أن يرفعه‪ ،‬فقام إليه عيل فرفعه بيد واحدة‪ ،‬فسألوه عن رس قوته‬
‫فقال‪ :‬هذا عون اهلل ومدده‪.‬‬
‫وص�اح عيل يف هي�ود خبري ففزع�وا وخاف�وا‪ ،‬وتفرقوا يف‬
‫البالد‪ ،‬وفتح اهلل خيرب عىل يديه‪.‬‬
‫ويف غ�زوة اخلندق قام فارس من املرشكني اس�مه «عمرو‬
‫اب�ن ود»‪ ،‬وكان أش�هر ف�ارس يف اجلزي�رة العربي�ة حتى قدره‬
‫أعداؤه بألف رجل‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪79‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫وأراد هذا الكافر رجلاً من املس�لمني يبارزه‪ ،‬فقام األس�د‬


‫من خمبئه‪ ،‬ليقول‪ :‬أنا لك يا عمرو بن ود‪.‬‬

‫ومل يكن هذا األس�د س�وى عيل ‪ I‬الذي كان صغري‬


‫الس�ن وقته�ا‪ ،‬فق�ال عم�رو ب�ن ود‪ :‬إن أب�اك كان يل صدي ًق�ا‬
‫وال أريد أن أقتلك‪.‬‬

‫فقال عيل‪ :‬ولكني أريد أن أقتلك‪ ،‬وبارز عيل عمرو بن ود‬


‫حتى رصعه‪ ،‬وطرحه عىل األرض ثم قطع رأس�ه وجاء هبا إىل‬
‫فرحا بنرص اهلل لعيل بن‬
‫رس�ول اهلل ‪ ،0‬فكرب املسلمون ً‬
‫أيب طالب فتى اإليامن‪ ،‬ورجل اإلسالم‪.‬‬

‫حب رسول اهلل ‪ 0‬لعلي‬

‫ش�ديدا‪ ،‬حت�ى‬
‫ً‬ ‫أح�ب رس�ول اهلل ‪ 0‬عل ًي�ا ح ًب�ا‬
‫أن بع�ض املس�لمني جاءوا يش�تكون من عيل فقام رس�ول اهلل‬
‫‪ 0‬خطي ًبا يف املسلمني عىل منربه ويف مسجده‪.‬‬

‫ث�م قال‪« :‬أيها الناس ال تش���كوا عل ًي���ا‪ ،‬فواهلل إنه جليش‬


‫يف ذات اهلل»‪.‬‬
‫‪80‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫وكان�ت آخ�ر غ�زوة غزاه�ا النب�ي ‪ 0‬ه�ي غزوة‬


‫تبوك‪ ،‬ويومها ترك رس�ول اهلل ‪ 0‬عل ًيا يف املدينة ليدافع‬
‫عنها ضد أي عدوان وليكون عىل النساء واألطفال‪.‬‬

‫ولكن عل ًيا بكى شو ًقا إىل اجلهاد يف سبيل اهلل ليقاتل أعداء‬
‫اهلل‪.‬‬

‫فن�زل رس�ول اهلل ‪ 0‬إلي�ه وق�ال ل�ه‪« :‬يا علي أما‬


‫ت�رىض أن تكون مني بمنزلة هارون من موس�ى إال أنه ال نبي‬
‫بعدي»‪.‬‬

‫وهذه مكانة عظيمة‪ ،‬فلقد كان هارون ‪ S‬نب ًيا ً‬


‫وزيرا‬
‫ألخيه موسى كليم اهلل‪ ،‬وهكذا كان عيل ‪ I‬لكنه ليس نب ًّيا‬
‫كهارون ‪.S‬‬

‫وكان رس�ول اهلل ‪0‬يقول عن علي‪« :‬ال حيبه إال‬


‫مؤمن وال ُي ْب ِغ ُضه إال منافق»‪.‬‬

‫وقال عنه يف مرة أخرى‪« :‬من كنت مواله فعيل مواله»‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪81‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫ومن ش�دة حب رس�ول اهلل ‪ 0‬لعيل زوج�ه بابنته‬


‫الطاهرة املطهرة السيدة فاطمة الزهراء‪ ،‬وقال هلا يف ليلة الزفاف‪:‬‬
‫«لقد تركت�ك وديعة((( عند أقوى الناس إيام ًنا‪ ،‬وأكثرهم علماً ‪،‬‬
‫وأفضلهم أخال ًقا‪ ،‬وأشجعهم ً‬
‫نفسا»‪.‬‬

‫وكان عيل هو الذي يداوي رسول اهلل ‪ 0‬يف مرضه‪،‬‬


‫وكان رسول اهلل يستند عليه حني ينتقل من دار إىل أخرى وهو‬
‫مريض‪ ،‬فلام تويف النبي ‪ 0‬مل يغسله إال عيل‪.‬‬

‫وكان هو الوحيد الذي نزل مع رس�ول اهلل ‪ 0‬إىل‬


‫شديدا‪.‬‬
‫ً‬ ‫قربه‪ ،‬فدفنه بعد أن بكاه وحزن عليه حز ًنا‬

‫عدل وتقوي علي‬

‫كان عبد اهلل بن عباس ‪ L‬يسمى «حرب األمة» لكثرة‬


‫علم�ه‪ ،‬وه�و ال�ذي دعا له رس�ول اهلل بأن يفقه�ه اهلل يف الدين‬
‫وب�أن يعلمه التأويل‪ ،‬وكان الصحاب�ة مجي ًعا يتعجبون من كثرة‬

‫(‪ )1‬أمانة‪.‬‬
‫‪82‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫علمه‪ ،‬وسئل ابن عباس ذات مرة‪ :‬أين علمك من علم عيل بن‬
‫أيب طالب؟ فقال‪ :‬كقطرة مطر إىل البحر العظيم‪.‬‬

‫وح ًقا كا ن عيل ‪ I‬عا ًملا يعرف خبايا القرآن وأرساره‪،‬‬


‫ويعرف أس�باب نزوله‪ ،‬وحيفظه ع�ن ظهر قلب حتى قال‪ :‬لقد‬
‫آتاين اهلل قل ًبا عقولاً ‪ ،‬ولسا ًنا سؤولاً ‪.‬‬

‫فكان يعقل بقلبه ما يس�معه من النبي‪ ،0‬ويس�أله‬


‫بحرا عظيًم�اً من العل�م‪ ،‬ومن الذين‬
‫ع�ن كل يشء حتى ص�ار ً‬
‫عرف�وا لإلمام عيل حقه وق�دره كان عمر بن اخلطاب ‪I‬‬
‫الذي قال‪ :‬ال أبقاين اهلل يف أرض ليس فيها عيل بن أيب طالب‪.‬‬

‫ولعل الناس مجي ًعا يعرفون من هو عمر؟ إنه العادل العامل‬


‫صاحب الش�دة يف دي�ن اهلل‪ ،‬وذو الرأي الس�ديد‪ ،‬هذا الرجل‬
‫يقول عن عيل بن أيب طالب‪ :‬لو ال عيل هللك عمر‪.‬‬

‫وهك�ذا أصبح عيل ‪ I‬حام ًيا لدولة عمر من الضياع‬


‫والسقوط باعرتاف عمر نفسه‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪83‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫يف ذات مرة اختصم عيل مع أحد اليهود يف درع ادعى عىل‬
‫أهنا له‪ ،‬وادعى اليهودي أهنا له‪ ،‬فاحتكام إىل عمر بن اخلطاب‪.‬‬
‫فلما دخال علي�ه‪ ،‬قال عم�ر لليه�ودي‪ :‬اجلس ي�ا فالن‪،‬‬
‫ون�اداه باس�مه‪ ،‬ث�م توج�ه إىل علي ‪ I‬وق�ال له‪:‬اجلس‬
‫يا أبا احلسن‪.‬‬
‫وكان العريب إذا أراد تكريم صاحبه ناداه يا أبا فالن‪.‬‬
‫ثم قال عمر لعيل‪ :‬هل لديك دليل عىل أن هذه الدرع لك؟‬
‫فقال‪ :‬ال‪.‬‬
‫فقال عمر لليهودي‪ :‬تقسم باهلل أن هذه درعك؟‪.‬‬
‫ق�ال اليه�ودي‪ :‬نعم‪ ،‬ثم أقس�م ب�اهلل فحكم عم�ر بالدرع‬
‫لليهودي‪ ،‬ثم انرصف اليهودي‪ ،‬وبقي عيل بن أيب طالب‪ ،‬وقد‬
‫ظه�رت عىل وجهه عالم�ات الغضب‪ ،‬فقال عم�ر‪ :‬أظنك قد‬
‫غضبت ألين أعطيت الدرع لليهودي‪.‬‬
‫فقال عيل‪ :I‬ال يا أمري املؤمنني‪ ،‬ولكنك حينام دخلنا‬
‫علي�ك قلت ل�ه‪ :‬اجلس يا فلان وناديته باس�مه‪ ،‬ث�م ناديتني‬
‫«يا أبا احلسن»‪.‬‬
‫‪84‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫وإن من العدل أن ُت َّس�وي بيننا حتى يف النداء‪ ،‬وفرح عمر‬


‫ابن اخلطاب بعيل بن أيب طالب الذي حفظ له دولته‪ ،‬وكان عو ًنا‬
‫له عىل إقامة العدل‪ ،‬ومل ال وهو ابن عم رسول اهلل‪ ،‬والذي تريب‬
‫يف حجر النبي‪.0‬‬

‫ولق�د قالوا عنه‪ :‬كان عيل س�هماً صائ ًبا من س�هام اهلل عىل‬
‫ع�دوه‪ ،‬ورب�اين هذه األمة‪ .‬وكان عيل يدع�و ربه فيقول‪ :‬كفاين‬
‫فخرا أن أكون لك ً‬
‫عبدا‪ ،‬أنت يل‬ ‫عزا أن تكون يل ر ًبا‪ ،‬وكفى يب ً‬
‫ً‬
‫كام أحب‪ ،‬فوفقني ملا حتب‪.‬‬

‫م�ات عمر بن اخلط�اب‪ ،‬ثم توىل اخلالفة عثمان بن عفان‬


‫‪ ،I‬وحارصه الثوار يف داره ومنعوا عنه الطعام والرشاب‪،‬‬
‫فأرسع عيل بن أيب طالب ‪ I‬ينصحهم ويقول هلم‪:‬‬

‫اسمعوا قويل‪ ،‬فإن فارس والروم تأرس أعداءها فتطعمهم‬


‫وتسقيهم‪ ،‬وإن عثامن بريء مل يفعل لكم شي ًئا فأطعموه واسقوه‪،‬‬
‫ولكن الثوار مل يستمعوا له‪ ،‬فخلع عاممته‪ ،‬وألقاها يف دار عثامن‬
‫ليعلم أنه قد حرض ومل يستطع أن يفعل مع الثوار شي ًئا‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪85‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫وبع�ث باحلس�ن واحلسين يدافعان ع�ن عثامن ‪.I‬‬


‫ولكن سيف الفتنة قطع رأس عثامن ‪.I‬‬

‫ويف ظروف س�يئة توىل علي ‪ I‬اخلالفة ليصبح رابع‬


‫اخللفاء الراشدين‪.‬‬

‫وكان ق�د رفض اخلالفة حتى أرغم�ه الناس عليها‪ ،‬فاختذ‬


‫الكوفة عاصمة للخالفة‪ ،‬ودارت حروب بينه وبني معاوية بن‬
‫أيب سفيان ‪ I‬يف معركة اجلمل‪ ،‬ومعركة صفني‪.‬‬

‫وكان علي وه�و خليفة للمس�لمني حيمل طع�ام أهله من‬


‫السوق ال يسمح ألحد أن حيمله عنه‪ ،‬ويقول‪ :‬صاحب العيال‬
‫أوىل بحمل طعامه‪.‬‬

‫وج�اع هو وأهل�ه ذات مرة ولي�س معه مال وه�و خليفة‬


‫للمسلمني‪ ،‬فحمل س�يفه وذهب إىل السوق ونادى قائلاً ‪ :‬من‬
‫يشتري هذا الس�يف مني؟ فواهلل لقد دافعت به عن رسول اهلل‬
‫‪ ،0‬وكان يلبس ثو ًبا مرق ًعا يسري به بني املسلمني‪.‬‬

‫‪86‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫وجاءه س�من وعسل ليوزعه عىل املس�لمني فجاءت ابنته‬


‫أم كلثوم فأخذت منه‪ ،‬فبعث إىل الوزانني((( فقدروا ما أخذته‬
‫أم كلثوم بخمسة دراهم‪.‬‬

‫فبع�ث إليه�ا قائًل�اً ‪ :‬ابعث�ي إىل بخمس�ة دراه�م‪ ،‬ورفض‬


‫‪ I‬أن يأكل هو وآل بيته من مال املسلمني‪.‬‬

‫ويف معرك�ة «صفين» انقس�م جيش علي ‪ ،I‬حتى‬


‫ظهرت فرقة «اخلوارج» الذين رأوا أن يقتلوا عل ًيا ‪.I‬‬

‫وقبل موته بيوم أو يومني‪ ،‬رأى عيل عبد الرمحن بن ملجم‬


‫وهو الذي قتله‪.‬‬

‫فقال عيل له‪ :‬ما الذي يمنعك يا أش�قى الناس من بيعتي‪،‬‬


‫واهلل ليسيلن الدم من رأيس أو حليتي‪.‬‬

‫وتعج�ب القاتل كيف عرف عيل أنه س�يقتله‪ ،‬ومل يكن قد‬
‫أحدا هبذا‪.‬‬
‫أبلغ ً‬
‫وقال له بعض الناس‪ :‬اتق اهلل يا عيل فإنك ميت‪.‬‬
‫(‪ )1‬الذين يزنون األشياء بدقة‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪87‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫فقال هلم‪ :‬بل مقتول إن شاء اهلل‪.‬‬

‫وم�ا هي إال أيام قالئل حت�ى خرج عيل إىل الصالة فطعنه‬
‫ش�هيدا‪ ،‬ويفقد اإلسالم رجلاً من‬
‫ً‬ ‫عبد الرمحن بن ملجم فقتله‬
‫العشرة املبرشي�ن باجلن�ة‪ ،‬وصع�دت روح علي إىل اهلل ‪D‬‬
‫لتلح�ق بأخي�ه واب�ن عمه ورس�وله ‪ 0‬بع�د أن جاهد‬
‫جهاد األبطال‪ ،‬ومات موت الشهداء ‪.I‬‬

‫‪sss‬‬

‫‪88‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫الزبير بن العوام ‪I‬‬

‫الزب�ي�ر ب���ن الع���وام‪ :‬ه�و الزبري ب�ن العوام ب�ن خويلد بن‬
‫عب�د العزى بن قىص ب�ن كالب‪ .‬أمه‪ :‬صفية بنت عبد املطلب‪،‬‬
‫عمة رس�ول اهلل ‪ .0‬كان أول س�يف ُسل يف سبيل اهلل‪،‬‬
‫وأول جندي من جنود اإلسالم‪.‬‬

‫إسالم الزبير بن العوام‬

‫مبكرا يف مكة وكان عمره وقتها ثامنى سنوات‬


‫أسلم الزبري ً‬
‫فق�ط‪ ،‬لكن اإليمان ال ُيفرق بين صغري وكبري‪ ،‬ب�ل ال يعرتف‬
‫اإليامن إال بالقلب الطاهر النقي‪.‬‬

‫وكالعادة فمن كان يؤمن باهلل ورسوله يف مكة يذوق ألوا ًنا‬
‫م�ن الع�ذاب واألذى‪ ،‬ووقع الزبري بن العوام كبقية املس�لمني‬
‫حتت أصناف األذى والعذاب‪.‬‬

‫لقد علم عمه بإسلامه‪ ،‬فلفه يف حصري من ورق الشجر‪،‬‬


‫ثم يش�عل النار حتته‪ ،‬فيصعد الدخ�ان كثي ًفا يكاد الزبري يموت‬
‫‪n‬‬ ‫‪89‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫خمتن ًق�ا منه‪ ،‬ولكن�ه لن يعود إىل نار الكفر بع�د أن رعى يف جنة‬
‫اإليمان‪ ،‬فكان�ت نيران عمه كظل ظلي�ل يتمتع في�ه‪ ،‬فقد نور‬
‫اإليمان قلبه‪ ،‬فلم هيتم بما يالقيه من األذى والعنت يف س�بيل‬
‫اهلل‪ ،‬وعال صوت الزبري يرد عىل عمه‪:‬‬

‫أبدا»‪.‬‬
‫«ال واهلل ال أعود للكفر ً‬

‫وثب�ت الزبري على إسلامه‪ ،‬وزاد اضطه�اد املرشكني له‪،‬‬


‫وملا هاجر املس�لمون إىل احلبش�ة هاجر الزبري معهم يف املرتني‪،‬‬
‫إال أن�ه مل يتحم�ل االبتعاد عن رس�ول اهلل‪ ،0‬فاس�تبد‬
‫به الش�وق‪ ،‬وعاد إىل مكة ليش�ارك رسول اهلل ‪ 0‬آالمه‬
‫وحمنته يف مكة‪.‬‬

‫وهاجر الزبري مع املسلمني إىل املدينة ليبدأ جهاده يف سبيل‬


‫اهلل ضد معسكر الرشك والكفر‪.‬‬

‫شجاعة الزبير في غزوة بدر‬

‫خ�رج ثالثامئة رجل وس�بعة عرش إىل بدر ملالقاة املرشكني‬


‫يف أعظ�م غزوة يف اإلسلام‪ ،‬وكان عدد املرشكين يومها ألف‬
‫‪90‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫رجل أي أن كل مقاتل من ا ملسلمني أمامه ثالثة رجال يقاتلهم‬


‫وح�ده‪ ،‬ولك�ن الرجل من املس�لمني وقتها كان يس�اوي ألف‬
‫فارس وحده‪.‬‬

‫وكان الزبير ‪ I‬ق�د لب�س عب�اءة صف�راء‪ ،‬وجعل�ه‬


‫رس�ول اهلل ‪0‬عىل ميمنة اجليش لعلمه بش�جاعة الزبري‬
‫وقوته‪ ،‬وأبيل الزبري يوم بدر بال ًء حسنًا‪.‬‬

‫ورأى النبي ‪0‬الزبري فقال له‪ :‬قاتل يا زبري‪.‬‬

‫فقال‪ :‬لست الزبري‪.‬‬

‫فعل�م رس�ول اهلل ‪0‬أنه ملك م�ن املالئكة قد نزل‬


‫على ص�ورة الزبير ‪ ،I‬وكان الزبري يوم أح�د من الذين‬
‫ثبت�وا ح�ول رس�ول اهلل‪ ،0‬وداف�ع عن�ه يومه�ا ض�د‬
‫املرشكين ثم انطل�ق وراء جيش املرشكني بعد غ�زوة أحد مع‬
‫أيب بك�ر ‪ I‬يطارداهنم‪ ،‬فخيش املرشكون وعادوا رسي ًعا‪،‬‬
‫ملا رأوا الزبري فارس مكة وجندي اإلسالم‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪91‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫أما يف يوم اخلندق فقد كان الوضع سي ًئا بالنسسبة للمسلمني‬


‫حت�ى أن الرج�ل منهم مل يكن يس�تطع أن يدخل إىل اخلالء من‬
‫ش�دة احلصار خش�ية أن يقتل‪ ،‬وزاد األمر س�و ًءا حينام أخلف‬
‫بن�و قريظ�ة من اليه�ود عهدهم م�ع النب�ي ‪ 0‬وفتحوا‬
‫الطري�ق للمرشكين للدخ�ول إىل املدين�ة‪ .‬فن�ادى رس�ول اهلل‬
‫‪ 0‬يف املسلمني‪ :‬من يذهب إىل بني قريظة ليقاتلهم؟‪.‬‬

‫ووس�ط ه�ذه األج�واء املليئ�ة باخل�وف مل يش�أ أح�د من‬


‫املسلمني أن خيرج حلرب هؤالء‪.‬‬

‫فقام الزبري قائلاً أنا يا رسول اهلل أخرج‪.‬‬

‫وكررها رسول اهلل ‪ 0‬فلم خيرج سوى الزبري‪ ،‬فقال‬


‫حواريا(((‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫ل�ه النبي‪« :0‬فداك أبي وأمي‪ ،‬إن لكل نيب‬
‫وحواريي الزبري»‪ .‬ومن يومها صار الزبري «حواري رسول اهلل‬
‫‪.»0‬‬

‫(‪ )1‬احلواري‪ :‬الصاحب املؤمن‪ ،‬الشديد الصداقة لصاحبه‪.‬‬


‫‪92‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫وخرج الزبري لقتال بني قريظة‪ ،‬فوجد أمه صفية قد قتلت‬


‫هيود ًيا كان يتجس�س عىل نس�اء املس�لمني‪ ،‬وهك�ذا كان االبن‬
‫وأمه يف خدمة دين اهلل‪.D‬‬

‫حياة الزبير في خالفة أبي بكر الصديق‬

‫وم�ات رس�ول اهلل‪ ، 0‬وويل اخلالف�ة أب�و بك�ر‬


‫‪ ،I‬وبعده عمر بن اخلطاب ‪.I‬‬

‫وكان الزبير ‪ I‬أحد جنود اإلسلام األقوياء الذين‬


‫يقف�ون يف مقدمة اجليوش الغازية لتفت�ح بالد الرشك طم ًعا يف‬
‫دخول أهلها يف اإلسالم‪ ،‬وإنقاذهم من نار الكفر‪.‬‬

‫وانطل�ق الزبير بس�يفه حيص�د رق�اب املرشكين‪ ،‬ويفتح‬


‫أفواجا‪.‬‬
‫ً‬ ‫البلدان فيدخل أهلها يف دين اهلل‬

‫ه�ا هو يتذكر يوم بني قريظة حين رصخ قائلاً ‪ :‬يوم كيوم‬
‫محزة‪ ،‬وصعد إىل احلصن ومعه عيل بن أيب طالب ففتحا حصون‬
‫اليهود‪ ،‬وظل مش�هد مقتل محزة بن عبد املطلب عم رسول اهلل‬
‫‪ 0‬وأس�د اهلل ورس�وله‪ ،‬وخ�ال الزبير يف عين الزبري‬
‫‪n‬‬ ‫‪93‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫باق ًي�ا حتى م�ات‪ ،‬فكان إذا دخل إىل معرك�ة تذكره وهو يقاتل‬
‫املرشكني قتال الليوث املهتاجة(((‪.‬‬

‫ه�ا ه�و يوم «الريم�وك» يف فتوح الش�ام تس�اوي رصخته‬


‫جيش�ا كاملاً فينهزم أعداء اهلل أمام�ه‪ ،‬ويفرون كام تفر‬
‫وحدها ً‬
‫الفئران املذعورة‪.‬‬

‫ومن حس�ن الطال�ع أن الزبير ‪ I‬كان ضمن جيش‬


‫عم�رو بن الع�اص الذي ج�اء ليفتح مرص‪ ،‬ويدخل اإلسلام‬
‫فيها‪.‬‬

‫وأم�ام حص�ن بابلي�ون وق�ف املس�لمون وق�د حتطم�ت‬


‫جهودهم عىل صخرة هذا احلصن املنيع فلم يقدروا عىل فتحه‪،‬‬
‫هب الزبري يف عمل بطويل رائع‪.‬‬
‫شهورا‪ ،‬حتى ّ‬
‫ً‬ ‫وطال احلصار‬

‫فق�ال يف ثبات املؤمنين‪ :‬إين أهب((( نفسي هلل‪ ،‬أرجو أن‬


‫يفتح اهلل بذلك عىل املسلمني‪.‬‬

‫(‪ )1‬األسود القوية‪.‬‬


‫(‪ )2‬أعطى وأمنح‪.‬‬
‫‪94‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫ووض�ع الزبري س�لماً على ج�دار احلصن ثم صع�د وقال‬


‫ألصحابه‪ :‬إذا سمعتم تكبريي فكربوا‪.‬‬
‫وصع�د الزبير عىل س�لم احلص�ن‪ ،‬وتبعه املس�لمون‪ ،‬ثم‬
‫(((‬
‫ودب الرعب يف قلوب‬
‫كبر الزبري‪ ،‬وكرب املس�لمون وراءه‪ّ ،‬‬
‫ال�روم فرتكوا احلصن‪ ،‬ففتح�ه الزبري ‪ I‬وحده‪ ،‬وفتحت‬
‫مرص كلها بعد ذلك مدينة تلو األخرى‪.‬‬
‫ولقد عرف املس�لمون تضحيات الزبري وجهاده حتى قال‬
‫أح�د املس�لمني‪ :‬لقد نظ�رت إىل صدر الزبير‪ ،‬ويف صدره مثل‬
‫عيون املاء(((من رضب السيوف‪ ،‬وطعن الرماح‪.‬‬
‫كان الزبري ‪ I‬يتمنى الش�هادة واملوت يف س�بيل اهلل‪،‬‬
‫وكثريا ما دخل املعارك وهو حيمل روحه عىل كفه‪ ،‬ولكن طيلة‬
‫ً‬
‫معارك اإلسالم مل يقتل الزبري ‪.I‬‬
‫ومن ش�دة حبه للش�هادة س�مى أوالده بأسماء الشهداء‪،‬‬
‫فسمى ولده عبد اهلل عىل اسم عبد اهلل بن جحش أول من سمي‬
‫أمري املؤمنني‪ ،‬وهو الشهيد املجدع الذي استشهد يوم أحد‪.‬‬
‫(‪ )2‬اآلبار‪.‬‬ ‫(‪ )1‬قال‪ :‬اهلل أكرب‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪95‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫س�مي «مصعب بن عمري» شهيد‬


‫ّ‬ ‫أما ولده «مصعب» فهو‬
‫أحد وأول س�فري يف اإلسلام‪« ،‬ومحزة» هو الس�مي ألسد اهلل‬
‫ورسوله محزة بن عبد املطلب‪.‬‬
‫وهكذا كان أوالده مجي ًعا‪.‬‬
‫ولق�د كان الزبير مث�ل طلحة ب�ن عبي�د اهلل ‪ I‬غن ًيا‬
‫بامله‪ ،‬كريماً يف عطائه‪ ،‬كثري الصدقة‪ ،‬يوزع عىل الفقراء ماله كله‬
‫ال يبقي لنفسه شي ًئا‪ ،‬بل نفسه وماله يف سبيل اهلل‪.‬‬

‫وع�اش طلح�ة والزبير أخ�وان يف اهلل حت�ى ق�ال النب�ي‬


‫‪« :0‬طلحة والزبري جاراي يف اجلنة»‪.‬‬

‫وبعد موت عثامن ‪ I‬حارب الزبري وطلحة ضد عيل‬


‫اب�ن أيب طالب ‪ I‬يف معركة اجلمل‪ ،‬فخرج عيل إىل الزبري‬
‫وقال له‪ :‬يا زبري‪ ،‬أمل تس�مع قول رس�ول اهلل لك‪ :‬إنك ستقاتل‬
‫عل ًيا وأنت له ظامل‪.‬‬

‫فلما س�مع الزبري ذل�ك تذكر ق�ول النبي‪ ،‬وانس�حب من‬


‫املعركة هو وطلحة بن عبيد اهلل‪.‬‬

‫‪96‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫ولك�ن أهل الفتنة أب�وا((( إال قتل الزبير‪ ،‬وطلحة‪ ،‬فقتل‬


‫طلحة أولاً ‪.‬‬

‫وبينما الزبير يصلي إذ رماه رجل يس�مى «اب�ن جرموز»‬


‫بسهم فقتله‪.‬‬

‫فع�اد «اب�ن جرم�وز» إىل علي ب�ن أيب طال�ب يس�تأذن يف‬
‫الدخول عليه‪ ،‬فقال عيل‪ :‬لقد س�معت رس�ول اهلل يقول‪ :‬برش‬
‫قاتل ابن صفية ‪ -‬يعني الزبري ‪ -‬بالنار‪.‬‬

‫وذه�ب علي ‪ I‬ليرى الزبير ق�د أرضج يف دمائ�ه‬


‫شهيدا‪ ،‬فانكب عليه يقبله وهو يبكي ويقول‪ :‬سيف واهلل طاملا‬
‫ً‬
‫دافع عن رسول اهلل‪.0‬‬

‫وبجوار جث�ة طلحة‪ ،‬كانت جثة الزبري‪ ،‬ليرتافقا يف قربهيام‬


‫كما كان�ا يف الدني�ا أخوي�ن‪ ،‬وبقي ق�ول رس�ول اهلل‪« :‬طلحة‬
‫والزبري جاراي يف اجلنة»‪.‬‬

‫(‪ )1‬رفضوا‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪97‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫أيض�ا يف الع�ام الس�ادس والثالثني‬


‫وكان مقتل�ه ‪ً I‬‬
‫للهجرة‪.‬‬

‫‪sss‬‬

‫‪98‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫طلحة بن عبيد اهلل ‪I‬‬

‫طلح���ة بن عبيد اهلل‪ :‬هو طلحة بن عبيد اهلل بن عثامن بن‬


‫عمرو بن كعب‪ ،‬أحد العرشة املبرشين باجلنة‪.‬‬

‫أم���ه‪ :‬الصعب�ة بن�ت احلرضمى‪ ،‬أخ�ت العالء‪ ،‬أس�لمت‬


‫قديًم�اً ‪ ،‬كان أبو بكر الصديق ‪ I‬إذا ذكر يوم أحد ‪ -‬غزوة‬
‫أحد‪ -‬قال‪ :‬ذاك كله يوم طلحة‪.‬‬

‫إسالم طلحة ‪I‬‬

‫مل يكن طلحة بن عبيد اهلل يعرف أن رسول اهلل ‪0‬قد‬


‫بعث�ه اهلل‪ ،‬فلم يكن قد مىض عىل بعثت�ه إال وقت قصري‪ ،‬ولكن‬
‫األقدار الس�عيدة كانت ختفي وراءها اخلري لطلحة‪ ،‬فطلحة من‬
‫بن�ي تيم‪ ،‬وهو ج�ار أليب بكر الصديق الذي أس�لم وآمن باهلل‬
‫ورس�وله‪ ،‬ووص�ل طلحة إىل مكة يس�أل عام ح�دث فيها بعد‬
‫خروجه منها‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪99‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫فق�ال قومه‪ :‬لقد خرج حمم�د بن عبد اهلل فينا يزعم أنه نبي‬
‫آخر الزمان‪ ،‬وقد تبعه أبو بكر‪.‬‬

‫وتذك�ر طلح�ة قول الراهب ل�ه‪ ،‬ثم فكر قليًل�اً ‪ :‬حممد بن‬
‫عب�د اهلل‪ ،‬إنه الصادق األمني ال�ذي مل جيرب الناس عليه كذ ًبا‪،‬‬
‫وأب�و بكر ذلك الرجل الذي كانت قريش مجيعها تعرف أمانته‬
‫وحسن أخالقه‪.‬‬

‫وانطل�ق طلحة إىل دار أيب بكر يس�أله عن أم�ر هذا الدين‬
‫اجلدي�د‪ ،‬والنبي األخري‪ ،‬واس�تقبله الصديق يف حف�اوة بالغة‪،‬‬
‫وراح حيدثه عن اإلسلام يف رقة وعذوبة‪ ،‬وهو يس�تمع منص ًتا‬
‫إىل أيب بكر وقد أعجبه اإلسلام‪ ،‬ومل جيد طلحة فر ًقا بني كالم‬
‫الراهب وكالم أيب بكر‪.‬‬

‫وأحس الصديق بأن اإليامن قد غزا قلب طلحة فأخذه إىل‬


‫رس�ول اهلل‪ ،0‬ويف دار النب�ي ‪0‬جل�س طلحة‬
‫أمام�ه وهو يتلو عليه آيات اهلل من الق�رآن‪ ،‬ورأى طلحة النور‬
‫يغشاه‪ ،‬والطمأنينة تسكن قلبه‪.‬‬

‫‪100‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫فس�الت الدموع عىل خديه وهو يعلن‪ :‬أشهد أن ال إله إال‬


‫حممدا رسول اهلل‪.‬‬
‫اهلل وأن ً‬

‫ومل يسبق أحد طلحة إىل اإلسالم إال ثالثة فقط‪ ،‬وحتققت‬
‫نبوءة الراهب البرصي‪.‬‬

‫وخ�رج طلحة من عند رس�ول اهلل ‪ 0‬قد أرشقت‬


‫ش�مس اإليمان يف قلبه‪ ،‬وس�طع نور احل�ق يف نفس�ه‪ ،‬فأصبح‬
‫خيرا له م�ن الدني�ا وما عليه�ا‪ ،‬وأصبح رس�ول اهلل‬
‫اإلسلام ً‬
‫‪0‬أحب الناس إىل قلبه‪.‬‬

‫ولكن ً‬
‫قريش�ا علمت بإسلام طلحة بن عبيد اهلل التيمي‪،‬‬
‫س�يدا‬
‫ً‬ ‫عبدا ممل�وكًا كبالل وخباب ولكنه كان‬
‫ومل يك�ن طلحة ً‬
‫رشي ًفا‪ ،‬فأثر ذلك يف نفوس�هم‪ ،‬فدعوه بالرف�ق أولاً ليعود عن‬
‫اإلسلام إىل دين قومه‪ ،‬لكنه كان ق�د ذاق حالوة اإليامن فأبى‬
‫إال أن يظل عىل اإلسالم ولو كلفه ذلك حياته‪.‬‬

‫ومل تس�كت قري�ش عن�ه‪ ،‬فق�د أمروا أس�د قري�ش‪ ،‬وهو‬


‫«نوفل ب�ن خويلد» ليعذب طلحة ومعه أبا بكر الصديق‪ ،‬فقام‬
‫‪n‬‬ ‫‪101‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫«نوفل» وهو القوي الشديد فربط أبا بكر وطلحة يف حبل واحد‬
‫وتركهام للغلامن والس�فهاء يرضبوهنام باحلج�ارة‪ ،‬ويعذبوهنام‪،‬‬
‫ولكن خرجت كلامت اإليامن منهام‪.‬‬

‫ال إله إال اهلل حممد رسول اهلل‪.‬‬

‫وملا يئست قريش منهام تركومها وقد زادمها التعذيب إيام ًنا‬
‫وقوة وصالبة‪ ،‬وسمي الرجالن‪ :‬بـ «القرينني»؛ فقد مجع بينهام‬
‫اإليامن والتضحية يف سبيل اهلل‪.‬‬

‫جهاد طلحة بن عبيد اهلل‬

‫ثالثة عرش عا ًما هي عمر اإلسلام يف مكة ذاق املس�لمون‬


‫فيه�ا صن�وف العذاب واإلي�ذاء‪ ،‬لكنهم صربوا على ما أوذوا‬
‫حتى أتاهم نرص اهلل تعاىل‪.‬‬

‫وكلام اش�تدت ن�ار الع�ذاب يف مكة‪ ،‬اش�تعلت يف القلب‬


‫حرارة اإليامن وتوهجت‪ ،‬ووسط ظلامت مكة كان النور يرشق‬
‫يف قلوب بعض الناس ليدخلوا يف دين اهلل‪.‬‬

‫‪102‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫لك�ن العذاب ي�زداد يو ًما بعد يوم‪ ،‬ولذل�ك أمر اهلل تعاىل‬
‫نبيه باهلجرة من مكة إىل املدينة‪.‬‬

‫ونظ�ر أبو طلحة إىل املدينة ليجدها هي تلك األرض التي‬


‫فيه�ا «نخيل وم�اء»‪ ،‬وتذكر كلامت راهب برصي‪ ،‬واس�تبرش‬
‫بنرص اهلل تعاىل للمسلمني‪.‬‬

‫جماهدا يف سبيل‬
‫ً‬ ‫ونادى منادي اجلهاد‪ ،‬فركب طلحة فرسه‬
‫اهلل؛ ليك�ون يف مقدمة جيش املس�لمني املقات�ل ضد املرشكني‪،‬‬
‫وقب�ل غ�زو ب�در أرس�له النب�ي م�ع س�عيد ب�ن زي�د يف مهمة‬
‫اس�تطالعية‪ ،‬وذل�ك ليعرفا ع�دد املرشكني وم�كان جتمعهم‪،‬‬
‫وعادا إىل املدينة ليجدا نرص اهلل قد تنزل عىل املسلمني‪ ،‬فأعطامها‬
‫النبي ‪0‬من الغنائم‪ ،‬ف�كان طلحة هو احلارض الغائب‬
‫يوم بدر‪.‬‬

‫وكان ي�وم «أحد» هو يوم طلحة بح�ق‪ ،‬وكان أبو بكر إذا‬
‫ذك�ر أمامه م�ا حدث يف ُأحد ق�ال‪« :‬ذاك يوم طلح�ة»‪ ،‬يف يوم‬
‫أحد كان النرص حلي ًفا للمسلمني يف بداية األمر‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪103‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫ولكن املس�لمني من الرم�اة عصوا أمر رس�وهلم‪ ،‬وتركوا‬


‫أماكنهم‪ ،‬فانكشف املسلمون‪.‬‬

‫كافرا وقتها ‪ -‬فهجم هجو ًما‬


‫وجاء خالد بن الوليد ‪ -‬وكان ً‬
‫ش�ديدا عىل مؤخرة جيش املس�لمني فارتب�ك اجليش ووقع يف‬
‫ً‬
‫صفوفه اخلوف‪ ،‬وانقلب النرص إىل هزيمة‪.‬‬

‫وكان غ�رض املرشكين قت�ل رس�ول اهلل ‪،0‬‬


‫فأح�اط املرشكون بالنبي ‪0‬يريدون قتله‪ ،‬ورأى طلحة‬
‫رس�ول اهلل ق�د أحاط ب�ه املرشكون من كل جان�ب‪ ،‬وهذه هي‬
‫دم�اء النب�ي قد س�الت عىل وجهه‪ ،‬ف�إن املرشكني ق�د أصابوه‬
‫وأوشكوا عىل قتله‪.‬‬

‫فانبرى طلح�ة يش�ق الصف�وف حت�ى وص�ل إىل النب�ي‬


‫‪ ،0‬وراح طلح�ة هيج�م بس�يفه على املرشكين فكان‬
‫ً‬
‫جيش�ا وحده واملرشكون يرتاجعون أم�ام صيحاته‪ ،‬ورضباته‪،‬‬
‫وطعناته‪ ،‬وأرسع أبو بكر وأبو عبيدة بن اجلراح إىل رس�ول اهلل‬
‫‪ ،0‬ليمسحا الدم عن وجهه ورأسه‪.‬‬

‫‪104‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫فقال هلام‪« :‬عليكم بصاحبكام فقد أوجب»‪.‬‬

‫أي أن طلح�ة ق�د اس�تحق اجلنة‪ ،‬فامحاله‪ ،‬ومح�ل أبو بكر‬


‫طلح�ة وكان قد وقع عىل األرض ويف جس�ده س�تون طعنة أو‬
‫يزيد‪.‬‬

‫ونظ�ر أب�و عبيدة إىل طلح�ة فوجده بال كف يف ي�ده‪ ،‬فإذا‬


‫بعيدا عنه‪ ،‬فقد قطع املرشكون كف‬
‫بكفه قد وقع بجواره ليس ً‬
‫طلح�ة ‪ ،I‬وكان قد محل رس�ول اهلل ‪0‬عىل كتفه‬
‫بعيدا عنهم‪.‬‬
‫ً‬

‫وي�ا للروع�ة فإن�ه ش�هيد يميش على األرض‪ ،‬حت�ى قال‬


‫رس�ول اهلل‪« :0‬من س���ره أن ينظر إىل ش���هيد ميشي‬
‫على األرض فلينظر إىل طلحة بن عبيد اهلل»‪.‬‬

‫ومن يومها سمي طلحة «الشهيد احلي»‪.‬‬

‫مواقف إيمانية لطلحة بن عبيد اهلل‬

‫كان لطلحة ‪ I‬مواقف إيامنية كثرية‪ ،‬فقد كان ‪I‬‬


‫يسمي أبناءه بأسامء األنبياء‪ ،‬وأمهاهتم‪ ،‬فكان من أوالده‪:‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪105‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫حمم�د‪ ،‬وعم�ران‪ ،‬وموس�ى‪ ،‬ويعق�وب‪ ،‬وإسماعيل‪،‬‬


‫وإسحاق‪ ،‬وزكريا‪ ،‬ويوسف ‪ ،‬وحييى‪ ،‬وعيسى‪.‬‬

‫ومن بناته كانت‪ :‬مريم‪ ،‬وعائشة‪ ،‬وأم إسحاق‪.‬‬

‫أيض�ا أ ن�ه كان كثير الصدق�ة‬


‫وم���ن مواقف���ه اإلمياني���ة ً‬
‫واإلنفاق يف س�بيل اهلل حتى سامه النبي ‪0‬طلحة اخلري‪،‬‬
‫وطلحة اجلود(((‪ ،‬وطلحة الفياض(((‪ .‬فقد كان غن ًيا كثري املال‬
‫يتصدق به كله يف سبيل اهلل‪ ،‬يوزعه عىل الفقراء واملساكني‪.‬‬

‫وحتكي زوجته عنه أنه تصدق يو ًما بامئة ألف درهم‪.‬‬

‫وحتك�ي أن�ه ذات ليل�ة ظ�ل مس�تيق ًظا مل ين�م‪ ،‬فقالت له‪:‬‬
‫م�اذا بك يا أبا حممد؟ فقال‪:‬كيف ينام من يف بيته س�بعامئة ألف‬
‫درهم؟‪.‬‬

‫فقالت‪ :‬أين أنت من املحتاجني والفقراء من املسلمني؟‪.‬‬

‫(‪ )1‬الكرم‪.‬‬
‫(‪ )2‬الفياض‪ :‬هو الذي يفيض باملال‪ ،‬كام يفيض النهر باملاء‪.‬‬
‫‪106‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫فقام طلحة ومعه بع�ض أصحابه‪ ،‬قد وضع املال يف رصة‬


‫ليوزعه عىل فقراء املس�لمني‪ ،‬حتى مل يبق درهم واحد يف داره‪،‬‬
‫كثريا‪.‬‬
‫وتكرر هذا املوقف ً‬
‫ولك�ن مل هتنأ احلياة للمس�لمني بعد وف�اة النبي‪0‬‬

‫وصاحبيه أيب بكر وعمر فاش�تعلت نار الفتنة‪ ،‬حتى قتل عثامن‬
‫ش�هيدا مظلو ًما‪ ،‬وتبعه كثري من املس�لمني‬
‫ً‬ ‫اب�ن عف�ان ‪I‬‬
‫الصاحلين م�ن أصح�اب رس�ول اهلل ‪ 0‬بع�د أن ُس�ل‬
‫سيف الفتنة‪.‬‬

‫ويف هذه الفتنة استشهد طلحة ريض اهلل وبكاه املسلمون‪،‬‬


‫وتذكر عيل ‪ I‬قول النبي‪« :0‬طلحة والزبري ابن‬
‫العوام جاراي يف اجلنة»‪.‬‬

‫ووق�ف أح�د املس�لمني يق�ول‪[ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬


‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ]‬
‫[‪]23 :2‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪107‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫ث�م دخ�ل طلح�ة وعلي�ه ثوب�ان أخضران فق�ال‬


‫رس�ول اهلل‪ :0‬ه�ذا منه�م وأش�ار إىل طلح�ة‪ .‬وحل�ق‬
‫طلح�ة باملؤمنني الذي�ن صدقوا ما عاه�دوا اهلل عليه ليمرح يف‬
‫جن�ات النعيم‪ ،‬وكانت وفاته ‪ I‬عام (‪36‬هـ) بعد معركة‬
‫اجلمل‪.‬‬

‫‪sss‬‬

‫‪108‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫عبد الرحمن بن عوف ‪I‬‬

‫عبد الرمحن بن عوف‪ :‬هو عبد الرمحن بن عوف بن عبد‬


‫ابن احلارث بن زهرة القرش�ى الزهري‪ ،‬أحد العرشة املبرشين‬
‫باجلنة‪ ،‬هاجر إىل أرض احلبشة وحرض املعارك والغزوات كلها‬
‫مع رسول اهلل ‪.0‬‬

‫أمه‪ :‬الشفاء بنت عوف‪ ،‬أسلمت مع األوائل وهاجرت‪.‬‬

‫إسالم عبد الرحمن بن عوف‬

‫واحدا ممن هاجروا إىل احلبش�ة‬


‫ً‬ ‫كان عبد الرمحن بن عوف‬
‫فرارا بدينهم‪ ،‬وبح ًثا عن العدل يف مملكة النجايش‪.‬‬
‫ً‬
‫لك�ن كي�ف لقلب عب�د الرمح�ن أن يتحم�ل االبتعاد عن‬
‫رس�ول اهلل ‪0‬فعاد رسي ًعا يس�تقبل آي�ات اهلل ُتتىل عليه‬
‫فيحفظها بقلبه ولسانه‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪109‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫مهاج�را ولكن ه�ذه املرة‬


‫ً‬ ‫وع�اد عب�د الرمحن م�رة أخرى‬
‫إىل املدين�ة‪ ،‬حيث أقام رس�ول اهلل ‪0‬هن�اك دولته التي‬
‫أسسها عىل القرآن والسنة‪.‬‬

‫وآخ�ي رس�ول اهلل ‪ 0‬بين عبد الرمح�ن بن عوف‬


‫وبني سعد بن الربيع أحد األنصار الذين آمنوا باهلل ورسوله‪.‬‬

‫وانطلق س�عد بن الربيع بعب�د الرمحن إىل داره‪ ،‬وكأنام عاد‬


‫بمكس�ب وربح وخير ألهله‪ ،‬فق�د كان األنصار أه�ل الكرم‬
‫واإليث�ار((( ‪ ،‬وجاء س�عد بامله ووضعه بني ي�دي عبد الرمحن‬
‫وقال له‪:‬‬

‫هذا مايل اقس�مه نصفني‪ ،‬واخرت نص ًفا تأخذه لنفسك‪ .‬ثم‬


‫ج�اء بزوجتني وقال‪ :‬وهاتان زوجت�اي اخرت إحدامها فأطلقها‬
‫لك فتتزوجها‪.‬‬

‫ث�م قال‪ :‬وهذه داري م�ن طابقني‪ ،‬اخرت الطابق الذي حتبه‬
‫واسكن فيه‪.‬‬

‫(‪ )1‬تفضيل الغري عىل النفس‪.‬‬


‫‪110‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫وأمام هنر العطاء املتدفق‪ ،‬تبسم عبد الرمحن بن عوف‪.‬‬

‫وقال لس�عد ب�ن الربيع‪ :‬ي�ا أخي بارك اهلل ل�ك يف مالك‪،‬‬
‫وزوجتيك‪ ،‬ودارك‪ ،‬ولكن ُد ّلني عىل السوق‪.‬‬

‫وخرج عبد الرمحن بن عوف ليحمل عىل كتفه حط ًبا يبيعه‬


‫للن�اس‪ ،‬ويبدأ حياة الكد واجله�اد‪ ،‬ومعها تبدأ حياة اإليامن يف‬
‫مدينة رسول اهلل‪.0‬‬

‫إنفاق عبد الرحمن بن عوف‬

‫مضى قليل م�ن الوقت عىل عب�د الرمحن وه�و يف املدينة‪،‬‬


‫وإذا برس�ول اهلل ‪ 0‬يعل�م أن عب�د الرمح�ن ب�ن عوف‬
‫سيتزوج‪.‬‬

‫ومل يكن الزواج وقتها باألمر اليسري؛ ألنه حيتاج إىل ما يدفعه‬
‫مهرا لزوجته اجلديدة‪ ،‬وما يدفعه ثمنًا للدار التي سيسكنها‪.‬‬
‫ً‬
‫فجاء رسول اهلل ‪ 0‬مهن ًئا لعبد الرمحن بن عوف‪.‬‬
‫فقال ل�ه‪ :‬تزوجت يا عبد الرمحن بن عوف! وكأنه يس�أله‬
‫عن صحة هذا اخلرب‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪111‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫فقال عبد الرمحن‪ :‬نعم يا رسول اهلل تزوجت‪.‬‬

‫مه�را لزوجتك‪،‬‬
‫فق�ال رس�ول اهلل ‪ :0‬وما دفعت ً‬
‫قال وزن نواة من ذهب يا رسول اهلل‪.‬‬

‫فق�ال النبي له‪ :‬اذبح ولو ش�اة للمس�لمني‪ ،‬ب�ارك اهلل لك‬
‫يف مال�ك‪ .‬وذب�ح عب�د الرمحن هذه الش�اة‪ ،‬واس�تجيبت دعوة‬
‫واحدا‬
‫ً‬ ‫النب�ي‪ ،0‬وب�ارك اهلل يف مال عبد الرمح�ن فصار‬
‫من أغنى أغنياء املدينة ‪.I‬‬

‫ليجم�ع عب�د الرمحن بين العل�م‪ ،‬واجله�اد‪ ،‬والغني وهو‬


‫ما مل جيتمع إال لقليل من الصحابة وقتها‪.‬‬

‫جماهدا يف‬
‫ً‬ ‫وي�وم بدر خرج عب�د الرمحن يف جيش اإليمان‬
‫س�بيل اهلل يرجو إما النرص أو الش�هادة‪ ،‬وجتل�ت بطولته‪ ،‬وهو‬
‫يقطع رق�اب املرشكني بس�يفه‪ ،‬حتى ص�دق اهلل وعده‪ ،‬ونرص‬
‫املسلمني من جنده‪.‬‬

‫‪112‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫وبج�وار طلح�ة والزبري يوم ُأح�د كان عب�د الرمحن أحد‬


‫املدافعني عن رسول اهلل ‪.0‬‬

‫وأح�د الذي�ن ثبتوا يف ه�ذه املعركة التي أوش�ك رس�ول‬


‫اهلل فيه�ا أن يقتل�ه املرشكون‪ ،‬حتى وجدوا يف جس�ده أكثر من‬
‫عرشين طعنة رمح‪ ،‬أو رضبة سيف‪ ،‬حتى أصابه عرج يف قدمه‬
‫‪.I‬‬

‫وش�هد عب�د الرمح�ن الغ�زوات واملع�ارك كله�ا م�ع‬


‫رس�ول اهلل‪ ،0‬فل�م يش�غله مال�ه‪ ،‬ومل تله�ه جتارته عن‬
‫اجلهاد‪ ،‬أو العلم‪ ،‬بل كان املال عو ًنا له عىل الطاعة‪ ،‬واجلهاد‪.‬‬

‫وإذا كان عثمان ‪ I‬ق�د تبرع بمال وفير حت�ى قال‬


‫رسول اهلل‪ :0‬اللهم عثامن رضيت عنه فارض عنه‪.‬‬

‫فق�د دفع عب�د الرمحن نصف ماله لرس�ول اهلل ‪0‬‬

‫لكي جيهز به ً‬
‫جيشا خرج لقتال املرشكني‪.‬‬

‫فدع�ا ل�ه رس�ول اهلل ‪ 0‬قائًل�اً ‪ :‬ب�ارك اهلل لك فيام‬


‫أعطيت‪ ،‬وبارك لك فيام أمسكت‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪113‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫ويظ�ل ي�وم «تب�وك» ه�و األش�هر واألفض�ل يف أي�ام‬


‫عبد الرمحن بن عوف ‪.I‬‬

‫ففي ذلك اليوم أمر اهلل نبيه باخلروج إىل تبوك لغزو الروم‬
‫يف بالدهم‪.‬‬

‫ومل تكن الثامر قد نضجت بعد عىل الشجر ليبيعها املسلمون‬


‫ويتربعوا بثمنها‪ ،‬وكان اجلميع يشتكي الفقر وقتها‪ ،‬ولكن أمر‬
‫اهلل تعاىل جيب أن يطاع‪.‬‬

‫فج�اء أبو بكر بامل�ه كله‪ ،‬وجاء عمر بنص�ف ماله‪ ،‬وأنفق‬
‫عثامن ما استطاع من ماله‪.‬‬

‫ولكن هذا كله مل يكف لتجهيز جيش العرسة الذي سيقاتل‬


‫الروم‪.‬‬

‫فج�اء عبد الرمحن بن ع�وف حيمل يف رصة له مائتي أوقية‬


‫م�ن ذه�ب‪ ،‬ووضعه�ا يف حج�ر رس�ول اهلل‪ ،0‬حتى‬
‫تعجب الصحابة مجي ًعا‪ ،‬وظن عمر بن اخلطاب أن عبد الرمحن‬
‫قد أذنب ذن ًبا ويريد التوبة منه فدفع هذا املال‪.‬‬
‫‪114‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫ولكن اهلل تعاىل يظهر براءة عبد الرمحن‪ ،‬ونقاء قلبه فيقول‬
‫ل�ه ‪« :0‬م���اذا أبقيت ألهلك يا عب���د الرمحن؟» قال‪:‬‬
‫كثريا يا رسول اهلل‪ ،‬أكثر مما أنفقت‪ ،‬فقال النبي‪« :‬وكم أبقيت‬
‫ً‬
‫هلم»‪ ،‬فقال‪ :‬أبقيت هلم اهلل ورسوله‪.‬‬

‫ومضى جي�ش املس�لمني إىل تب�وك‪ ،‬وأقيم�ت الصلاة‪،‬‬


‫ورسول اهلل وقتها غائب‪.‬‬

‫فق�د كان يتطه�ر‪ ،‬فتق�دم عب�د الرمح�ن بن ع�وف ليصيل‬


‫باملس�لمني‪ ،‬وج�اء رس�ول اهلل ‪ ،0‬فصلى خل�ف عبد‬
‫الرمحن‪ ،‬وبعد أن انتهى من صالته قال‪ :‬أحسنتم‪ ،‬وما توىف اهلل‬
‫نب ًيا حتى يصيل وراء رجل صالح من أمته‪.‬‬

‫فنع�م الرج�ل الصال�ح عب�د الرمحن بن ع�وف ‪،I‬‬


‫يتص�دق بامل�ه‪ ،‬وجياه�د بس�يفه‪ ،‬ويصلي خلف�ه رس�ول اهلل‬
‫‪ 0‬الذي جعله اهلل إما ًما للعاملني‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪115‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫زهده وورعه‬

‫ت�ويف النب�ي ‪ 0‬وبقي�ت دعوت�ه لعب�د الرمح�ن‪:‬‬


‫بارك اهلل لك يف مالك‪.‬‬

‫فال ي�زال عبد الرمحن يربح الربح الوفير يف جتارته‪ ،‬حتى‬


‫ص�ار م�ا يف بيته من ا ملال أكثر مما يف بيت مال املس�لمني مجي ًعا‪،‬‬
‫ولكن�ه مال الرج�ل الصالح ال�ذي يتصدق به عىل املس�لمني‪،‬‬
‫ويتقرب به إىل اهلل تعاىل‪.‬‬

‫قال رس�ول اهلل لزوجاته أمهات املؤمنين قبل موته‪« :‬لن‬


‫حينو عليكن بعدي إال الصاحلون» فكان من هؤالء الصاحلني‬
‫«عبد الرمحن بن عوف»‪.‬‬

‫أرضا له ثمنها أربعون ألف دينار‪.‬‬


‫فقد باع ً‬
‫فقسم املال يف بني زهرة ‪ -‬وهم قومه ‪ -‬ثم بعث إىل أمهات‬
‫املؤمنين بمال وفير‪ ،‬وف�ا ًء لرس�ول اهلل ‪ ،0‬فدعت له‬
‫أم املؤمنين عائش�ة فقالت‪ :‬س�قى اهلل ابن عوف من سلس�بيل‬
‫اجلنة‪.‬‬
‫‪116‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫مل يكن مال عبد الرمحن مريا ًثا من أحد‪ ،‬لكنه كان يكس�به‬
‫واحدا دائماً ‪ :‬املال ُيكتسب‬
‫ً‬ ‫بعرقه وكده يف التجارة‪ ،‬وكان هدفه‬
‫من أجل أن ينفق يف سبيل اهلل‪.‬‬

‫ويو ًما من األيام قامت املدينة كلها عىل صوت قوي‪ ،‬فظن‬
‫اجلمي�ع أن األع�داء قد أغاروا على املدينة‪ ،‬ولك�ن احلقيقة أن‬
‫قافل�ة جتارية لعبد الرمحن بن عوف قوامها س�بعامئة بعري حمملة‬
‫بكل يشء من اخلريات فاهتزت املدينة لذلك‪.‬‬

‫وهن�ا قال�ت عائش�ة ‪ :J‬س�معت رس�ول اهلل‬


‫‪0‬يق�ول‪« :‬ق���د رأيت عب���د الرمحن بن ع���وف يدخل‬
‫اجلنة حب ًوا»(((‪.‬‬

‫وألن عائش�ة هي الصادقة الت�ي ال تكذب‪ ،‬وكانت أحب‬


‫الن�اس إىل رس�ول اهلل ‪ ،0‬فق�د س�ارع عب�د الرمح�ن‬
‫ليتصدق هبذه القافلة وهو يقول‪:‬‬

‫(‪ )1‬زح ًفا‪.‬‬


‫‪n‬‬ ‫‪117‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫إين أش�هدك أن هذه القافلة بأمحاهلا وأقتاهبا وأحالسها يف‬


‫سبيل اهلل‪.D‬‬

‫على قدر ه�ذا الث�راء مل يكن عب�د الرمحن بن ع�وف هيتم‬


‫بالدنيا‪ ،‬وزينتها‪ ،‬بل كل ماله هلل ‪ D‬ال يبقي منه شي ًئا لنفسه‪،‬‬
‫ونال بذلك احرتام الصحابة مجي ًعا كأيب بكر‪ ،‬وعمر الذي جعله‬
‫أحد املرشحني للخالفة بعد موته‪.‬‬

‫زاهدا يف اخلالفة فخلع نفسه منها‪،‬‬


‫ولكن عبد الرمحن كان ً‬
‫ثم كان هو القائم بمش�ورة املسلمني حتى صار عثامن بن عفان‬
‫خليفة للمسلمني‪.‬‬

‫وذات يوم كان عبد الرمحن صائماً ‪ ،‬فجاءوا له بالطعام وفيه‬


‫خبز وحلم‪ ،‬فنظر إىل الطعام وهو يقول‪:‬‬

‫م�ات رس�ول اهلل ‪ 0‬ومل يش�بع هو وأه�ل بيته من‬


‫خبز الش�عري‪ ،‬وقتل مصعب بن عمري وهو خري مني‪ ،‬فكفن يف‬
‫بردة((( إن غطي رأسه بدت((( رجاله‪ ،‬وإن غطي رجاله بدت‬
‫(‪ )2‬ظهرت‪.‬‬ ‫(‪ )1‬غطاء‪.‬‬
‫‪118‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫رأس�ه‪ ،‬وقتل محزة وهو خري مني فلم يوجد له ما يكفن فيه إال‬
‫بردة‪ ،‬وإين أخشى أن يكون اهلل قد عجل لنا بحسناتنا‪.‬‬
‫ث�م بكى عب�د الرمحن‪ ،‬وت�رك الطع�ام‪ ،‬ومل يأكل�ه بعد أن‬
‫أخذه الش�وق للقاء اهلل‪ ،‬ورس�وله‪ ،‬وأصحابه الذين سبقوه إىل‬
‫الفردوس األعىل‪.‬‬
‫ومل يطل الشوق به إىل اهلل ورسوله‪.‬‬
‫فف�ي ي�وم م�ن أيام الع�ام الث�اين والثالثين للهج�رة رقد‬
‫عبد الرمحن يف فراشه ينتظر قدوم رسل اهلل ليتو َّفو ُه‪ ،‬حتى يدفن‬
‫بجوار أصحابه الذين سبقوه إىل اجلنة‪ ،‬وأحس عبد الرمحن بأن‬
‫اجلنة قد تزينت له‪.‬‬
‫وسمع بشارة مالئكة الرمحن له برضوان اهلل تعاىل‪ ،‬فأسلم‬
‫الروح هلل‪ ،‬فج�اء الصحابة حيملونه إىل قربه‪ ،‬ويودعونه بدموع‬
‫عيوهنم‪ ،‬وحزن قلوهبم‪.‬‬

‫وأراح اهلل عب�د الرمح�ن م�ن الفتن�ة فلم يش�هدها‪ ،‬فأدرك‬


‫صفو الدنيا‪ ،‬وحلق بركب الصاحلني يف اآلخرة‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪119‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫سعد بن أبي وقاص ‪I‬‬

‫س���عد بن أبي وقاص‪ :‬هو مال�ك بن وهيب بن عبد مناف‬


‫اب�ن زهرة ب�ن كالب الزهرى‪ ،‬أح�د العرشة املبرشي�ن باجلنة‪،‬‬
‫وأول من رمى بس�هم يف س�بيل اهلل‪ ،‬ش�هد الغ�زوات كلها مع‬
‫رسول اهلل ‪.0‬‬

‫إسالم سعد بن أبي وقاص‬

‫عاش سعد بن أيب وقاص بن وهيب بن عبد مناف يف بني‬


‫زهرة أخوال رسول اهلل‪.0‬‬

‫وكان وهي�ب ج�د س�عد‪ ،‬ه�و ع�م آمن�ة بنت وه�ب‪ ،‬أم‬
‫س�عدا بأنه خال‬
‫ً‬ ‫النب�ي ‪ ،O‬ف�كان الن�اس يعرفون‬
‫رس�ول اهلل ‪ ،0‬وحينما رآه رس�ول اهلل‪0‬فخ�ر‬
‫ب�ه لش�جاعته‪ ،‬وقوته‪ ،‬وص�دق إيامنه‪ ،‬فقال‪ :‬ه�ذا خايل فلريين‬
‫امرؤ خاله‪.‬‬

‫‪120‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫مبك�را‪ ،‬فقد كان يعرف النبي‪0‬‬


‫ً‬ ‫وقد كان إسلامه‬
‫جيدا‪ ،‬ويعرف صدقه وأمانته‪.‬‬
‫ً‬

‫وكثيرا ما التقاه قبل البعث�ة‪ ،‬وعرف عنه النبي حبه للقتال‬


‫ً‬
‫وشجاعته‪.‬‬

‫وكان سعد مغر ًما بالرماية‪ ،‬فكان يدرب نفسه عىل الرماية‬
‫يسيرا‬
‫ً‬ ‫بالس�هام‪ ،‬ف�كان إسلام «س�عد بن أيب وقاص» س�هلاً‬
‫ومل يكن صع ًبا‪ ،‬بل إنه أرسع لإلسالم فكان ثالث ثالثة أسلموا‪،‬‬
‫وكان يقول‪:‬‬

‫لقد مكثت سبعة أيام وإين لثلث اإلسالم‪.‬‬

‫كثريا مع سعد‪ ،‬فحينام علمت أمه «محنة»‬


‫ومل ختتلف احلال ً‬
‫شديدا‪.‬‬
‫ً‬ ‫بإسالمه غضبت غض ًبا‬

‫وقالت له‪ :‬يا س�عد‪ ،‬أترتك دين�ك ودين آبائك‪ ،‬وتتبع دينًا‬
‫جدي�دا؟ واهلل ال أذوق طعا ًم�ا وال رشا ًب�ا حتى تع�ود عن هذا‬
‫ً‬
‫الدين‪ .‬فقال سعد‪ :‬واهلل ال أدع ديني وال أفارقه‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪121‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫س�عدا حيبها وأنه‬


‫ً‬ ‫وصمم�ت األم على موقفها‪ ،‬وه�ي أن‬
‫سيرق قلبه إذا رآها ضعيفة اجلس�د معتلة الصحة‪ ،‬ومضت يف‬
‫طريقها‪.‬‬

‫أحب اهلل ورسوله فقال ألمه‪:‬‬


‫سعدا ّ‬
‫ولكن ً‬

‫نفس�ا وراء‬
‫نفس�ا خرجت ً‬
‫واهلل ي�ا أماه لو أن لك س�بعني ً‬
‫أبدا‪ ،‬وأيقنت األم بأن ولدها قد تغري ولن‬
‫نفس ما تركت ديني ً‬
‫أبدا‪ ،‬فأكلت حزينة غاضبة‪.‬‬
‫يعود لسابق عهده ً‬

‫س�عدا آية من آيات القرآن فأنزل سبحانه‬


‫ً‬ ‫وجيعل اهلل تعاىل‬
‫قوله تع�اىل‪[ :‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ] [‪.]15 :x‬‬
‫وأم�ا أن�ه أول م�ن رم�ى بس�هم يف س�بيل اهلل‪ ،‬فق�د كان‬
‫(((‬
‫رسا‪ ،‬فرآهم بعض‬
‫املسلمون يف مكة يصلون يف شعاب مكة ًّ‬
‫املرشكني فقاتلوهم‪ ،‬فقام س�عد ب�ن أيب وقاص فقاتلهم ورمى‬
‫أحدهم فسال دمه‪ ،‬فكان أول دم أريق يف اإلسالم‪.‬‬
‫(‪ )1‬شعاب‪ :‬مجع شعب‪ ،‬وهو الطريق الضيق الذي يمكن لإلنسان َ‬
‫االختباء‬
‫فيه‪.‬‬
‫‪122‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫ودخل سعد مع رسول اهلل ‪ 0‬يف شعب أيب طالب‬


‫ليتحمل اجلوع معه ثالثة أعوام كاملة‪.‬‬

‫فأكل ورق الش�جر حتى أذن اهلل هلذه املحنة أن تنجيل‪ ،‬ثم‬
‫هاجر سعد ‪ I‬إىل املدينة مع من هاجر يف سبيل اهلل‪.‬‬

‫جهاد سعد بن أبي وقاص‬

‫هاج�ر «عمير بن أيب وق�اص» مع أخيه س�عد إىل املدينة‪،‬‬


‫ودعا داعي اجلهاد‪ :‬حي عىل اجلهاد‪.‬‬

‫فخ�رج س�عد حاملاً س�يفه ورحم�ه وكان س�عد وقتها قد‬


‫تعدى العرشين من عمره‪.‬‬

‫صغريا مل يتجاوز الثالث�ة أو الرابعة عرشة‬


‫ً‬ ‫أما عمير فكان‬
‫م�ن عمره‪ ،‬وم�ن عادة رس�ول اهلل ‪ 0‬أن يرى جيش�ه‪،‬‬
‫فريد الصغار الذين ال طاقة هلم عىل القتال وال قوة‪.‬‬

‫عميرا وه�و يتخف�ى حت�ى‬


‫ً‬ ‫ورأى رس�ول اهلل ‪0‬‬

‫ال يرده النبي‪ ،‬وال يقاتل مع املسلمني‪ ،‬ولكن النبي ‪0‬رآه‬

‫‪n‬‬ ‫‪123‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫ف�رده‪ ،‬فبكى عمري حتى رق النبي ل�ه وأخرجه مع جيش بدر‪،‬‬


‫وبجوار سعد وقف عمري جياهد يف سبيل اهلل‪.‬‬

‫ش�هيدا من املس�لمني‪ ،‬كان‬


‫ً‬ ‫وانجىل الغبار عن أربعة عرش‬
‫أصغرهم عمري بن أيب وقاص‪.‬‬

‫وع�اد س�عد حيمل النرص يف ي�د‪ ،‬والبكاء على أخيه يف يد‬


‫أخرى‪.‬‬

‫ومضت حياة اجلهاد رسيعة تن ُق ُل املس�لمني من معركة إىل‬


‫أخرى‪.‬‬

‫فجاءت «أح�د» وعىص رماة نبينا ‪ 0‬قوله وتركوا‬


‫أماكنه�م‪ ،‬وهجم املرشكون عىل جيش املس�لمني حتى وصلوا‬
‫إىل رس�ول اهلل الذي مل يثبت بج�واره إال نفر قليل من أصحابه‬
‫منهم سعد بن أيب وقاص ‪ ،I‬ورآه النبي ‪ 0‬فقال‬
‫له‪ :‬ارددهم‪ ،‬أي‪ :‬صد املرشكني‪.‬‬

‫‪124‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫فقال س�عد‪ :‬وكي�ف أفعل ذلك وحدي؟ ثم أخرج س�هماً‬


‫م�ن كنانته(((‪ ،‬ورمى ب�ه رجلاً من املرشكني فقتله‪ ،‬فأخذ نفس‬
‫السهم فقتل به آخر من املرشكني‪.‬‬

‫كبريا م�ن املرشكني‪ ،‬فأخذ‬


‫وهك�ذا قتل هذا الس�هم عد ًدا ً‬
‫سعد هذا السهم‪.‬‬

‫وقال‪ :‬هذا سهم مبارك‪ ،‬وكان ال خيوض معركة إال ومعه‬


‫هذا السهم حتى مات ‪. I‬‬

‫ويف هذا اليوم احلزين جاءت «أم أيمن» تسقي اجلرحى يف‬
‫ساحة املعركة‪ ،‬فرضهبا كافر بسهم فوقعت وتكشفت عورهتا‪،‬‬
‫فضحك منها الكافر‪ ،‬فأخذ رس�ول اهلل ‪ 0‬س�هماً وقال‬
‫لسعد‪ :‬ارم فداك أيب وأمي‪.‬‬

‫وهك�ذا مجع رس�ول اهلل ‪ 0‬لس�عد بني أبي�ه وأمه‪،‬‬


‫ومل يكن هذا ألحد س�وى س�عد ‪ ،I‬فلام رمى س�عد هذا‬

‫(‪ )1‬الكنانة‪ :‬جعبة السهام‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪125‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫الس�هم أصاب به الكاف�ر يف رقبته فامت‪ ،‬فضحك رس�ول اهلل‬


‫‪.0‬‬

‫وقال‪ :‬استقاد((( هلا سعد‪ ،‬أجاب اهلل دعوته‪.‬‬

‫وصار سالح سعد يف كل معاركه «سهم مبارك»‪« ،‬ودعاء‬


‫متقبل»‪ ،‬والزال سعد يذكر قول الرسول ‪0‬له‪« :‬أطب‬
‫مطعمك يا سعد تكن جماب الدعوة»‪.‬‬

‫ويذك�ر تلك الدع�وة األخرى‪ :‬اللهم س�دد رميته وأجب‬


‫دعوت�ه‪ .‬واس�تجاب اهلل لدع�اء نبي�ه ‪ 0‬فص�ار س�عد‬
‫‪ I‬صاحب رمية سديدة‪ ،‬ودعاء مقبول‪.‬‬

‫سعد ومعركة القادسية‬

‫واضحا يف‬
‫ً‬ ‫أما الرمية السديدة‪ ،‬والسهم الصائب فقد ظهر‬
‫قائدا‬
‫معارك اإلسالم التي خاضها سعد ضد جحافل املرشكني ً‬
‫للمسلمني يف فتوحات فارس ينرش اإلسالم يف ربوعها‪.‬‬

‫(‪ )1‬اقتص وأخذ بالثأر‪.‬‬


‫‪126‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫قبل املعركة الشهرية يف بالد فارس وهي «القادسية»‪ ،‬كان‬


‫الفرس قد مجعوا للمسلمني مجو ًعا كثرية‪.‬‬

‫وأراد عم�ر ب�ن اخلط�اب أمير املؤمنين يف ذل�ك الوقت‬


‫اخلروج بنفس�ه للق�اء الفرس‪ ،‬وقيادة جيش املس�لمني‪ ،‬ولكن‬
‫عيل بن أيب طالب ‪ I‬أقنعه بالعدول عن هذه الفكرة‪.‬‬

‫ومل يك�ن ملثل هذه املهمة الصعب�ة إال رجل قوي يف إيامنه‪،‬‬
‫وجسده‪ ،‬وهنا قال عبد الرمحن بن عوف لعمر‪ :‬إليك األسد يف‬
‫براثنه(((‪ .‬سعد بن أيب وقاص‪.‬‬
‫س�عدا هو األس�د الذي ت�وكل إليه هذه‬
‫ً‬ ‫ونظر عمر فرأى‬
‫املهمة الشاقة‪ ،‬فعينه عىل جيشه وقال له‪ :‬يا سعد ال يغرنك من‬
‫اهلل أن قيل‪ :‬خال رس�ول اهلل ‪ ،0‬وصاحب رسول اهلل‪،‬‬
‫ف�إن اهلل ‪ D‬ال يمح�و الَس�يَ ِء بالسيَّ ِ ء‪ ،‬ولكنه يمحو الس�يئة‬
‫باحلس�نة‪ ،‬ي�ا س�عد‪ ...‬إن اهلل لي�س بين�ه وبين أحد نس�ب إال‬
‫الطاعة‪...‬‬
‫(‪ )1‬براثن‪ :‬مجع برثن وهي املخالب‪ ،‬واملقصود أن لسعد خمالب ينترص هبا‬
‫كام ينترص األسد بمخالبه‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪127‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫أسدا هلل ورسوله يقود املسلمني‬


‫وخرج سعد بن أيب وقاص ً‬
‫يف معركة فاصلة يف القادسية‪.‬‬

‫وهناك أطفأ اهلل بس�عد نار املج�وس‪ ،‬وطهر أرض فارس‬


‫مساجد ُيعبد فيها اهلل ‪،D‬‬
‫َ‬ ‫من النَّجس‪ ،‬واختذ من معابد النار‬
‫وس�قطت «املدائن» عاصمة الفرس يف يد املس�لمني‪ ،‬وأعز اهلل‬
‫جنده‪.‬‬

‫س�عدا كان يعاين م�ن اآلالم وقتها إال أنه حتامل‬


‫ً‬ ‫ورغم أن‬
‫عىل نفس�ه‪ ،‬وقاد املسلمني إىل نرص اهلل املوعود‪ ،‬وهم يرددون‪:‬‬
‫حسبنا اهلل ونعم الوكيل‪.‬‬

‫وس�ار س�عد واملس�لمون عىل مي�اه ِد ْج َلة حت�ى عربوا إىل‬


‫املرشكني‪ ،‬وقضوا عىل الفرس متا ًما‪ ،‬وقائدهم صاحب الس�هم‬
‫الصائب والرمية السديدة‪.‬‬

‫سعد و دعاوه المستجاب‬

‫سالحا ثان ًيا يستخدمه سعد‬


‫ً‬ ‫أما الدعاء املس�تجاب‪ ،‬فكان‬
‫ضد أعداء اهلل‪.‬‬
‫‪128‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫فقد كانت أبواب السماء مفتوحة لدعاء س�عد‪ ،‬يستجيب‬


‫اهلل له متى دعاه ورجاه‪.‬‬

‫كبيرا‪ ،‬إذ تأخر‬


‫ً‬ ‫لق�د كان لس�عد صبي�ة صغار وكان س�نه‬
‫إنجابه للولد فرتة من الوقت‪ ،‬ومرض سعد‪ ،‬حتى أوشك عىل‬
‫الوفاة ولكنه دعا اهلل‪.‬‬

‫صغارا‪ ،‬فأخ�ر عني املوت حتى‬


‫ً‬ ‫فق�ال‪ :‬ي�ا رب إن يل بنني‬
‫س�عدا عرشين عا ًما أخ�رى حتى كرب‬
‫ً‬ ‫يبلغ�وا‪ ،‬فأخ�ر اهلل تعاىل‬
‫أوالده‪.‬‬

‫ويو ًم�ا من األيام خ�اض((( أحد الن�اس يف عيل‪،I‬‬


‫وطلحة والزبري‪ ،‬فنهاه س�عد عن ذلك‪ ،‬فلم ينته الرجل‪ ،‬وكرر‬
‫ما قال‪.‬‬

‫ساخرا‪:‬‬
‫ً‬ ‫فقام س�عد‪ :‬انته وإال دعوت عليك‪ .‬فقال الرجل‬
‫كأنك نبي ستستجاب دعوتك؟‪.‬‬

‫(‪ )1‬قال قولاً سي ًئا‪.‬‬


‫‪n‬‬ ‫‪129‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫فقال سعد‪ ،I‬فتوضأ‪ ،‬وصىل ركعتني‪ ،‬ودعا عىل هذا‬


‫الرجل‪ ،‬وما هي إال حلظات حتى كان الرجل عربة وآية تش�هد‬
‫لس�عد بأن اهلل قد قب�ل دعوته‪ ،‬لقد خرجت ناقة قوية‪ ،‬ش�اردة‬
‫كأهنا تبحث عن الرجل الذي دعا عليه س�عد‪ ،‬فلام رأته رضبته‬
‫أرضا‪ ،‬وال زالت ترضبه حتى مات غري‬
‫بأقدامها حتى أسقطته ً‬
‫مأسوف عليه‪.‬‬
‫زهد وورع سعد‬

‫ومل يب�ق من خري الدنيا كثري بعد وفاة الرس�ول ‪0‬‬

‫وأيب بك�ر‪ ،‬وعم�ر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وعلي فبق�ي املس�لمون يقاتلون‬


‫بعضهم البعض‪.‬‬
‫(((‬
‫واعتزل سعد الفتنة فلم يقاتل مع عيل أو معاوية‪ ،‬وآثر‬
‫بعيدا عن هذه الفتنة‪ ،‬وبقي وال ًيا عليها‪.‬‬
‫البقاء يف املدينة ً‬

‫فضل‪.‬‬
‫(‪ّ )1‬‬
‫‪130‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬
‫(((‬
‫وجاء يوم�ه الذي مات فيه‪ ،‬فق�ال ألوالده‪ :‬إن يل ُج َّبة‬
‫م�ن صوف‪ ،‬لقيت هبا املرشكني يف ب�در‪ ،‬وإين أريد أن ألقى اهلل‬
‫فيها ‪ ،‬فكفنوين هبا إذا مت‪.‬‬

‫ويف صبيحة يوم من أيام العام اخلامس واخلمسني للهجرة‪،‬‬


‫س�عدا‪ ،‬ودفنوه يف قربه بالبقي�ع بجوار صحابة‬
‫ً‬ ‫نعى املس�لمون‬
‫النب�ي‪ ،0‬فصلت علي�ه أمهات املؤمنين‪ ،‬وبكينه بكا ًء‬
‫شديدا‪ ،‬فامت صاحب الرمية السديدة‪ ،‬والدعوة املجابة‪.‬‬
‫ً‬

‫ف�إىل جن�ات اهلل‪ ،‬ورضوان�ه‪ ،‬ومغفرت�ه‪ ،‬وبقي�ت كلم�ة‬


‫رسول اهلل‪« :0‬ارم سعد فداك أبي وأمي»‪.‬‬

‫‪sss‬‬

‫(‪ )1‬ثوب من صوف‪.‬‬


‫‪n‬‬ ‫‪131‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫سعيد بن زيد ‪I‬‬

‫ه���و‪ :‬س�عيد ب�ن زيد ب�ن عمرو ب�ن ُنفي�ل الع�دوي‪ ،‬أحد‬
‫العشرة املبرشين باجلن�ة‪ ،‬حرض الغزوات كلها مع رس�ول اهلل‬
‫‪0‬إال غزوة بدر‪.‬‬

‫أمه‪ :‬فاطمة بنت بعجة بن أمية‪.‬‬

‫إسالم سعيد بن زيد‬

‫ومبك�را قب�ل دخ�ول‬


‫ً‬ ‫كان إسلام س�عيد ب�ن زي�د قديًم�اً‬
‫رسول اهلل‪ 0‬دار األرقم بن أيب األرقم‪.‬‬

‫وظل س�عيد خيفي إيامنه وهو صابر على أذى قومه‪ ،‬حتى‬
‫ال يطرد من مكة كام ُطرد أبوه من ذي قبل‪ ،‬وعلم عمر بإسالمه‬
‫فأراد أن يقتله‪ ،‬ورضبه حتى أدمى وجهه‪.‬‬

‫ولكن كان صرب س�عيد عىل عمر من أس�باب إسالم عمر‬


‫‪ I‬كام ذكرناه يف قصة إسالم عمر‪.‬‬

‫‪132‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫جهاد سعيد بن زيد‬

‫وهاج�ر س�عيد إىل املدين�ة مع زوجت�ه فاطم�ة‪ ،‬وقبل بدر‬


‫اخت�اره رس�ول اهلل ‪ 0‬ليذهب مع طلحة ب�ن عبيد اهلل‬
‫ليعرف عدد املرشكني‪ ،‬ويس�تطلع حتركاهتم‪ ،‬فغاب س�عيد عن‬
‫«ب�در» ولكن رس�ول اهلل ‪ 0‬أعطاه م�ن غنائمها فكان‬
‫كمن حرضها وشهدها‪.‬‬

‫ثم شهد سعيد املشاهد كلها مع رسول اهلل ‪0‬يقاتل‬


‫بسيفه‪ ،‬ويؤمن بقلبه حتى كان مع رسول اهلل ذات يوم عىل جبل‬
‫حراء ومعه بعض املسلمني من الصحابة‪ ،‬فاهتز جبل حراء‪.‬‬

‫فق�ال النب�ي‪ :0‬اثبت ح�راء ‪ -‬أي اس�كن ‪ -‬فإنه‬


‫ليس عليك إال نبي أو صديق أو شهيد‪.‬‬

‫س�عيدا م�ن كان مع�ك قال‪ :‬أب�و بكر‪،‬‬


‫ً‬ ‫ومل�ا س�أل الناس‬
‫وعم�ر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وعلي‪ ،‬والزبير‪ ،‬وطلحة‪ ،‬وعب�د الرمحن بن‬
‫عوف‪ ،‬وس�عد بن مالك‪ ،‬وقال عنه النبي‪ :0‬سعيد بن‬
‫زيد يف اجلنة‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪133‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫واحدا من العشرة املبرشين باجلنة ‪،I‬‬


‫ً‬ ‫فكان س�عيد‬
‫وظ�ل عىل عهده مع رس�ول اهلل ‪ 0‬يقات�ل املرشكني يف‬
‫بالد «ف�ارس» حتى أطفأ اهلل به وبأصحابه نار املجوس‪ ،‬وآمن‬
‫أهل فارس باهلل تعاىل‪.‬‬

‫ومل�ا انتهت الفت�وح يف بالد فارس‪ ،‬مل هيدأ س�عيد بل محل‬


‫سيفه ومتاعه إىل ناحية أخرى من البالد التي غزاها املسلمون‪،‬‬
‫وكانت هذه املرة هي بالد الشام‪ ،‬حيث كانت املعركة الفاصلة‬
‫بني املسلمني والروم‪ ،‬وهي معركة «الريموك»‪.‬‬

‫جدا منهم لكثرة‬


‫وكان انتص�ار الروم يف هذه املعركة قري ًبا ً‬
‫عددهم وعدهتم‪ ،‬وقلة عدد املسلمني‪.‬‬

‫أما هزيمة الروم فكات تعني سقوط الشام كاملة يف أيدي‬


‫جيدا هلذه املعركة‪.‬‬
‫املسلمني‪ ،‬فاستعد الفريقان ً‬

‫وج�اء جيش ال�روم تع�داده مائة وعشرون أل ًف�ا‪ ،‬وعدد‬


‫املسلمني أربعة وعرشون أل ًفا‪ ،‬وتراءى اجليشان‪.‬‬

‫‪134‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫وج�اء الرهب�ان والقساوس�ة حيمل�ون صلباهن�م ويعلون‬


‫أصواهتم بالصلوات‪ ،‬فدب الرعب يف قلوب املس�لمني‪ ،‬حينام‬
‫ردد جيش الروم هذه الصلوات‪.‬‬

‫فكان صوهتم كاجلبال حني تتحرك من مكاهنا‪ ،‬وقام قائد‬


‫املسلمني أبو عبيدة بن اجلراح خيطب يف املسلمني‪.‬‬

‫ي���ا عب���اد اهلل‪ :‬انصروا اهلل ينرصك�م ويثب�ت أقدامك�م‪،‬‬


‫اصربوا فإن الصرب منجاة من الكفر‪ ،‬ومرضاة للرب‪ ..‬والزموا‬
‫الصم�ت حت�ى آمركم ‪ ،‬واذك�روا اهلل‪ ،D‬ومن بني صفوف‬
‫املسلمني خرج رجل فقال أليب عبيدة‪:‬‬

‫‪ ‬ي�ا أب�ا عبيدة إين ذاهب للش�هادة اآلن‪ ،‬وخ�ارج ملقاتلة‬


‫هؤالء‪ ،‬فهل لك من رسالة تبعثها إىل رسول اهلل‪0‬؟‪.‬‬

‫فقال أبو عبيدة‪ ،‬نعم‪ ،‬أقرئه منا السالم‪ ،‬وقل له‪ :‬إنا وجدنا‬
‫ما وعدنا ربنا ح ًقا‪.‬‬

‫وهنا يقول س�عيد بن زي�د‪ :I‬فلام رأيت هذا الرجل‬


‫قد ركب جواده‪ ،‬وس�ل س�يفه‪ ،‬ومىض إىل أعداء اهلل يقاتلهم‪،‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪135‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫حت�ى أس�ندت ركبتي إىل األرض‪ ،‬ورمي�ت بِ ُرمحْ ِ ي أول فارس‬


‫م�ن ال�روم‪ ،‬ثم ن�زع اهلل ما يف قلب�ي من اخل�وف‪ ،‬ودخلت بني‬
‫صفوف األعداء‪ ،‬أقاتلهم حتى نرصنا اهلل تعاىل‪.‬‬
‫جيدا صدق إيامن سعيد‪.‬‬
‫وكان أبو عبيدة يعلم ً‬
‫فأس�ند إليه فتح «دمش�ق» ث�م جعله وال ًي�ا عليها‪ ،‬ومىض‬
‫اجلميع إىل اهلل‪ ،‬وبقي سعيد بن زيد حتى عرص بني أمية‪.‬‬

‫تقواه وزهده وورعه‬


‫يف عهد الدولة األموية عاش س�عيد بن زيد يبكي صحابة‬
‫رس�ول اهلل ‪ 0‬الذين ماتوا قبله‪ ،‬وبقي هو يش�هد الفتنة‬
‫ودخ�ول الدنيا بزينتها عىل املس�لمني‪ ،‬ففضل العودة إىل املدينة‬
‫واإلقام�ة هبا‪ ،‬وكان واليها يف ذلك الوقت مروان بن احلكم بن‬
‫العاص‪.‬‬
‫وخرجت امرأة تسمى «أروى بنت أويس»‪.‬‬
‫س�عيدا رسق م�ن أريض‪ ،‬وأدخلها يف أرضه‪،‬‬
‫ً‬ ‫فقالت‪ :‬إن‬
‫وشق ذلك عىل سعيد بن زيد صحايب رسول اهلل وأحد العرشة‬
‫املبرشين باجلنة‪.‬‬
‫‪136‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫فق�ال‪ :‬اللهم إن كانت كاذب�ة‪ ،‬فأذهب برصها‪ ،‬واقتلها يف‬


‫أرضها‪.‬‬

‫ون�زل املطر من السماء حتى بني احلد ال�ذي زعمت املرأة‬


‫س�عيدا قد جاوزه‪ ،‬ثم عمي برصه�ا‪ ،‬وما هي إال أيام حتى‬
‫ً‬ ‫أن‬
‫وقعت يف حفرة من أرضها فامتت فيها‪.‬‬

‫واستجاب اهلل لسعيد بن زيد املظلوم‪ ،‬واملدعي عليه كذ ًبا‬


‫وهبتا ًنا‪.‬‬

‫وذات صب�اح‪ ،‬ف�زع أهل املدينة عىل ص�وت الناعي ينعي‬


‫«س�عيد ب�ن زي�د» ‪ ،I‬وكان ذل�ك يف خالف�ة معاوية بن‬
‫أيب سفيان يف العام اخلمسني للهجرة‪.‬‬

‫ودفن�ه س�عد بن أيب وقاص‪ ،‬وعب�د اهلل بن عمر ‪،L‬‬


‫فسالم عليه يف اآلخرين‪.‬‬

‫‪sss‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪137‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫أبي عبيدة عامر بن عبد اهلل بن الجراح ‪I‬‬

‫ه���و‪ :‬عام�ر ب�ن عب�د اهلل ب�ن اجل�راح الق�ريش الفه�ري‪،‬‬


‫أب�و ُعبيدة بن اجلراح‪ ،‬هاجر إىل احلبش�ة اهلج�رة الثانية‪ ،‬حرض‬
‫الغ�زوات كله�ا مع رس�ول اهلل ‪ ،0‬وهو أح�د العرشة‬
‫املبرشين باجلنة‪ ،‬وهو أمني هذه األمة‪.‬‬

‫إسالم أبي ُعبيدة‬

‫أس�لم أبو عبي�دة يف اليوم التايل إلسلام أيب بكر الصديق‬


‫‪.I‬‬

‫واح�دا ممن هداهم اهلل إىل اإلسلام عىل يد أيب بكر‬


‫ً‬ ‫ف�كان‬
‫‪.I‬‬

‫وكبقية إخوانه ممن أسلموا حتمل أبو عبيدة العذاب يف مكة‬


‫صاب�را راض ًيا ال يصده األذى عن دين اهلل‪ ،‬بل يزيده التعذيب‬
‫ً‬
‫إيام ًنا باهلل‪ ،‬واتبا ًعا لرسول اهلل ‪.0‬‬

‫‪138‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫وكان أحد املهاجرين إىل احلبش�ة يف اهلجرة الثانية‪ ،‬ولكنه‬


‫مل جي�د هن�اك ما يرج�وه‪ ،‬فلئن عاش آمنً�ا بدين�ه‪ ،‬إال أنه عاش‬
‫حمرو ًم�ا من رؤية نبي�ه‪ ،0‬فلملم متاعه القليل وعاد إىل‬
‫مكة يقاس�م إخوانه أيام العذاب يف مك�ة‪ ،‬وكأن العذاب صار‬
‫بر ًدا وسال ًما عليهم مجي ًعا‪.‬‬

‫آم�را نبي�ه باهلجرة م�ن مك�ة إىل املدينة‪،‬‬


‫ون�زل وح�ي اهلل ً‬
‫ففارق أبو عبيدة وطنه ودياره‪ ،‬وفر بدينه‪ ،‬ليلحق بفئة املؤمنني‬
‫يف املدينة ويسكن اإليامن املدينة‪ ،‬ويسكن املؤمنون املدينة حتى‬
‫كانت املدينة دار اإليامن واملؤمنني سو ًيا‪.‬‬

‫شجاعة أبي عبيدة ووالؤه لإلسالم‬


‫كان سيف أيب عبيدة بن اجلراح نعم السيف للرجل املؤمن‬
‫الذي ال يرفعه إال يف وجه الكفار حني يأبون إال الكفر والفسوق‬
‫والعصيان‪ ،‬ولكن سيف أيب عبيدة من طراز خاص‪.‬‬

‫فقد كان اجلميع يف شبه اجلزيرة العربية خيشون بطش هذا‬


‫الس�يف وقوته‪ ،‬فكانوا يبتعدون عنه خش�ية املوت حتت حده‪،‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪139‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫ومل يتص�ور أح�د من الن�اس يو ًما أن س�يف أيب عبيدة س�وف‬


‫حيصد رقبة أبيه‪ ،‬نعم لقد قتل أبو عبيدة والده ولكن كيف؟‪.‬‬

‫كثريا‬
‫كافرا‪ً ،‬‬
‫ً‬ ‫كان عب�د اهلل بن اجلراح والد أيب عبيدة رجلاً‬
‫ما عذب املس�لمني وآذاهم‪ ،‬حتى هاجر أبو عبيدة واملس�لمون‬
‫إىل املدينة‪.‬‬

‫وجاءت مكة برجاهلا تريد حرب اإلسلام فكان اللقاء يف‬


‫«بدر»‪ ،‬ويف معسكر املسلمني وقف أبو عبيدة بن اجلراح خلف‬
‫راية «ال إله إال اهلل»‪.‬‬

‫أما عبد اهلل فقد وقف يف معسكر الرشك حتت راية األصنام‬
‫والكف�ر‪ ،‬وهاج�م عب�د اهلل جي�ش املس�لمني بضراوة‪ ،‬وكان‬
‫أبو عبيدة يرى أباه‪ ،‬فيختبىء منه ويتوارى‪ ،‬ولكن يعود الرجل‬
‫للهج�وم مرة أخرى‪ ،‬وكلام حاول أبو عبي�دة أن يبتعد عن أبيه‬
‫تعرض له والده‪ ،‬وأراد قتله‪ ،‬وقتل رجالاً من املسلمني‪.‬‬

‫وهن�ا تداخلت األفكار يف قلب أيب عبيدة‪ ،‬من ينرص؟ اهلل‬


‫أم أبوه؟‪.‬‬

‫‪140‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫وجاء اجلواب س���ري ًعا‪ :‬اهلل‪ ،‬فرضب أبو عبيدة والده فقتله‬
‫وهو الكافر املرشك الذي انتهى نسبه بولده يوم أن اختار ولده‬
‫اإليامن ورفضه هو‪.‬‬
‫ويظل أبو عبيدة حزينًا حتى أنزل اهلل تعاىل‪[ :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔﭕﭖﭗ ﭘﭙ ﭚﭛﭜﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ] [‪.]22:q‬‬
‫ويف « ُأح�د» كان املرشك�ون ق�د أحاط�وا برس�ول اهلل‬
‫‪ 0‬يري�دون قتله واخللاص منه‪ ،‬وأصيب رس�ول اهلل‬
‫‪ 0‬بعد انكش�اف املس�لمني وتفرقهم‪ ،‬وكرست رباعية‬
‫رسول اهلل‪ ،‬وشجت رأسه‪.‬‬
‫واقترب أح�د املرشكين واس�مه «اب�ن قمئ�ة» فضرب‬
‫رس�ول اهلل ‪ 0‬بس�يفه‪ ،‬ودخل�ت حلقت�ان م�ن درع‬
‫الرسول يف وجنتيه‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪141‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫واقترب أب�و بكر‪ ،‬وأب�و عبي�دة‪ ،‬وأراد أبو بك�ر أن ينتزع‬


‫احللقتين م�ن وجنتي رس�ول اهلل ‪ ،0‬ولك�ن أبا عبيدة‬
‫أراد أن تكون له مكرمة مع رسول اهلل فقال‪:‬‬
‫‪ ‬أقسم باهلل عليك أن ترتك هذا األمر يل‪.‬‬
‫وبثنيتي�ه‪ ،‬انتزع أبو عبيدة احللقتني من وجنتي رس�ول اهلل‬
‫‪ ،0‬فوقعت ثنيت�اه فأصابه اهلتم حتى صار كام قال عنه‬
‫أبو بكر‪ :I‬كان أبو عبيدة أحسن الناس هتماً ‪.‬‬

‫أبو ُعبيدة أمين هذه األمة‬

‫شديدا حتى‬
‫ً‬ ‫كان رس�ول اهلل ‪0‬يحُ ب أبا عبيدة ح ًبا‬
‫قال‪« :‬إن لكل أمة أمي ًنا وإن أميننا أيتها األمة أبو عبيدة بن‬
‫اجلراح»‪.‬‬
‫وجاء وفد من اليمن‪ ،‬فس�ألوا رسول اهلل ‪0‬رجلاً‬
‫يك�ون معه�م يعلمهم القرآن والس�نة فبعث معه�م أبا عبيدة‪،‬‬
‫وأخذ بيده وهو يقول‪ :‬هذا أمني هذه األمة‪.‬‬
‫ويف واحدة من روائع القصص عن أيب عبيدة‪.‬‬

‫‪142‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫روي أن رس�ول اهلل ‪ 0‬بعث�ه قب�ل صل�ح احلديبية‬


‫ُ‬
‫ليعرتض عِي�رِ ً ا((( لقريش وكان أمري املس�لمني أبا عبيدة ومعه‬
‫ثالثامئة من الصحابة‪.‬‬

‫وأثناء الغزوة أصاهبم جوع ش�ديد‪ ،‬حتى أكلوا((( اخلبط‪،‬‬


‫فسمي اجليش‪ :‬جيش اخلبط‪ ،‬ومل يبق للجيش سوى التمر الذي‬
‫كان معهم يأكلونه‪ ،‬ف�كان أبو عبيدة يعطي الرجل مترة واحدة‬
‫كل يوم يمصها الرجل ثم يرشب بعدها املاء فتكفيه إىل الليل‪.‬‬

‫ويم�ن اهلل عىل املس�لمني‪ ،‬وإذا هم يف س�اعة جوع ش�ديد‬


‫يق�ذف البح�ر عليه�م حيوا ًنا اس�مه «العنبر» وهو م�ن أنواع‬
‫احليتان‪ ،‬يستخرج منه العنرب‪.‬‬

‫فأخ�ذه املس�لمون وانتفع�وا بلحم�ه‪ ،‬ودهنوا أجس�امهم‬


‫بزيت�ه‪ ،‬فطعموا وش�بعوا بعد اجلوع‪ ،‬وملا عادوا إىل رس�ول اهلل‬
‫‪ 0‬ذكروا له قصة هذا العنرب‪.‬‬

‫(‪ )1‬قافلة‪.‬‬
‫(‪ )2‬اخلبط‪ :‬هو ورق الشجر الذي يسقط حينام هيز اإلنسان الشجرة‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪143‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫فق�ال هلم‪ :‬هو رزق أخرج�ه اهلل لكم فهل معكم من حلمه‬
‫يشء؟‪.‬‬

‫فأخرج أبو عبيدة حلم العنرب وأطعم رسول اهلل ‪0‬‬

‫وصحابت�ه‪ ،‬فأكلوا من�ه‪ ،‬وهكذا أطعم اجلوع�ى من أصحاب‬


‫رسية «اخلبط» أهل املدينة من رزق اهلل‪.D‬‬

‫جهاد أبي عبيدة ووفاته‬

‫وبعد وفاة النبي ‪0‬كان س�يف أيب عبيدة يف خدمة‬


‫قائدا جليش املس�لمني يف فتوحات الش�ام‪ ،‬بل‬
‫اإلسلام‪ ،‬فكان ً‬
‫كان هو قائد جيش «الريموك» الذي قىض عىل وجود الروم يف‬
‫الش�ام ورد بيت املقدس إىل ُملك املس�لمني‪،‬وواله عمر حكم‬
‫الشام فكان وال ًيا عليها‪.‬‬

‫وأراد عمر أن خيترب واليه أمني األمة وصحايب رسول اهلل‪،‬‬


‫فذه�ب عمر إىل الش�ام‪ ،‬وخرج اجلميع يتلق�اه‪ ،‬ومل يكن معهم‬
‫أبو عبيدة بن اجلراح‪.‬‬

‫‪144‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫فقال عمر‪ :‬أين أخي؟ فقالوا‪ :‬من أخوك يا أمري املؤمنني؟‪.‬‬


‫قال‪ :‬أبو عبيدة بن اجلراح‪ .‬فقالوا‪ :‬يأتيك اآلن‪.‬‬

‫وجاء أبوعبيدة فتعان�ق مع عمر‪ ،I‬وذهب عمر إىل‬


‫دار أيب عبي�دة فنظ�ر فيه�ا‪ ،‬فلم جيد س�وى الس�يف‪ ،‬والرتس‪،‬‬
‫ورسج الدابة‪.‬‬

‫فقال عمر‪ :‬أال اختذت ما اختذ أصحابك؟ يقصد بذلك أن‬


‫جيهز بيته باملتاع‪.‬‬

‫فقال أبو عبيدة‪ :‬هذا يبلغني املقيل‪.‬‬

‫فعلم عمر صدق أخيه أيب عبيدة‪ ،‬أنه جماهد ال حيتاج إال إىل‬
‫الس�يف يرضب به العدو‪ ،‬والترس يصد به‪ ،‬والفرس يركبها‪،‬‬
‫وال يشء آخر ألنه يريد الشهادة‪.‬‬

‫وكان أب�و عبي�دة يق�ول للن�اس‪ :‬ما م�ن الناس م�ن أمحر‬
‫وال أسود‪ ،‬وال حر وال عبد‪ ،‬عجمي وال عريب‪ ،‬أعلم أنه أفضل‬
‫مني بتقوى إال أحببت أن أكون معه‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪145‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫فهو يسير على ق�ول احل�ق ‪[ :D‬ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬


‫ﮅ] [‪.]13 :Y‬‬

‫ويف الش�ام كان�ت حي�اة أيب عبي�دة م�ن ي�وم فتحها حتى‬
‫مات‪ ،‬ويف أواخر حياة أيب عبيدة نزل باملس�لمني طاعون شهري‬
‫حصد أرواح عدد من الصحابة الكرام‪ ،‬وهو طاعون ُس�مي بـ‬
‫«طاعون عمواس»‪.‬‬

‫وملا وق�ع هذا الطاعون‪ ،‬حتدث الن�اس أنه غضب من اهلل‬


‫عىل املسمني‪ ،‬فقام أبو عبيدة خطي ًبا يف املسلمني فقال‪:‬‬

‫أهي�ا الن�اس إن ه�ذا الوجع رمح� ُة ربكم‪ ،‬ودع�وة نبيكم‪،‬‬


‫وموت الصاحلني من قبلكم‪ ،‬وإن أبا عبيدة يس�أل اهلل أن يقسم‬
‫له منه حظه‪.‬‬

‫واس�تجاب اهلل لدع�اء أمني األمة فام لب�ث إال قليلاً حتى‬
‫توف�اه رب�ه ‪ D‬يف العام الثامن عرش للهج�رة يف خالفة عمر‬
‫ابن اخلطاب‪.‬‬

‫‪146‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫وحينما حضرت الوف�اة عم�ر ق�ال مل�ن حول�ه‪ :‬ل�و كان‬


‫أبو عبيدة بن اجلراح ح ًيا ال ستخلفته‪.‬‬

‫‪sss‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪147‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫معاذ بن جبل ‪I‬‬

‫ه���و‪ :‬مع�اذ ب�ن جب�ل ب�ن عم�رو ب�ن أوس‪ ،‬كان‬


‫كثيرا وكان حيمل�ه خلف�ه على‬
‫ً‬ ‫رس�ول اهلل ‪0‬حيب�ه‬
‫دابت�ه يف بعض األحي�ان‪ ،‬وحرض املعارك والغ�زوات كلها مع‬
‫رسول اهلل‪.0‬‬

‫إسالم معاذ بن جبل‬

‫أس�لم مع�اذ بن جب�ل وهو ابن ثماين عرشة س�نة‪ ،‬ملا رأى‬
‫رس�ول اهلل ‪0‬وس�كن اإليامن والنور يف قلبه حني جاء‬
‫إىل رؤية رسول اهلل‪ 0‬يف املدينة‪.‬‬

‫أعلم األمة بالحالل والحرام‬


‫معاذ بن جبل‬

‫لق�د كانت حياة مع�اذ قصرية للغاي�ة‪ ،‬فلقد توىف ‪I‬‬


‫وعم�ره ثامني�ة وثالثون عا ًم�ا فقط‪ ،‬وإذا أردن�ا أن نحدد عمره‬

‫‪148‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫اإليامين لوجدن�اه عرشين عا ًما فقط‪ ،‬ورغم ذلك فإننا لو أردنا‬


‫َّ‬
‫أن نمأل كت ًبا عن معاذ لفعلنا‪.‬‬

‫مل يك�ن مع�اذ ليضيع حلظة واحدة من حيات�ه بجوار النبي‬


‫‪ ،0‬فالتزم�ه حيضر جلس�اته يف املس�جد النبوي‪ ،‬حتى‬
‫اس�تطاع أن حيف�ظ القرآن على عهد النب�ي ‪0‬يف وقت‬
‫مل يكن حفظة القرآن إال قليلاً من قليل‪.‬‬

‫وكان معاذ إذا س�مع ش�ي ًئا من رسول اهلل ‪ 0‬وعاه‬


‫وحفظ�ه حتى قال عنه النبي ‪« :0‬أعلم أميت باحلالل‬
‫واحلرام معاذ بن جبل»‪.‬‬

‫ويف م�رة ق�ال ل�ه النب�ي ‪« :0‬ي���ا مع���اذ واهلل إني‬


‫أحب���ك فال تن���س أن تقول دُبر كل ص�ل�اة‪ :‬اللهم أعين على‬
‫ذكرك وشكرك وحسن عبادتك»‪.‬‬

‫وأي فخر ووسام أعظم من أن يقول النبي ألحد صحابته‪:‬‬


‫إين أحب�ك واهلل‪ ،‬لقد كان رس�ول اهلل ‪ 0‬يعلم اخلري يف‬

‫‪n‬‬ ‫‪149‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫جيدا أنه أراد اهلل ورسوله‪ ،‬ولذا أحبه وقدره بني‬


‫معاذ‪ ،‬ويدرك ً‬
‫صحابته وفيهم من هو أكرب منه سنًا وأسبق منه إسال ًما‪ ،‬ولكنه‬
‫اإليامن يرفع الصغار ليضعهم بني الكبار‪.‬‬

‫وي�وم أن بعث�ه رس�ول اهلل ‪0‬إىل اليم�ن‪ ،‬خ�رج‬


‫رسول اهلل ‪0‬يويص معا ًذا‪.‬‬

‫ب�ل إن معا ًذا كان راك ًبا عىل دابته‪ ،‬ورس�ول اهلل ‪0‬‬

‫يمشي‪ ،‬وهو رشف عظيم ملع�اذ‪ ،‬مل يتحقق ألحد من بعده‪ ،‬من‬
‫أجل هذا كان صحابة النبي ‪ S‬إذا تكلم معاذ نظروا إليه‬
‫تعظيماً وإجاللاً لعلمه‪.‬‬

‫وكثيرا ما قرب رس�ول اهلل ‪ 0‬مع�ا ًذا إىل جواره‪،‬‬


‫ً‬
‫وقدم�ه عىل غريه من األصحاب الك�رام ولكن احلياة ال تدوم‬
‫ّ‬
‫ألحد‪.‬‬

‫ف�إن رس�ول اهلل ‪0‬مل�ا ودع معا ًذا وه�و ذاهب إىل‬
‫اليمن ليعلم أهلها اإلسالم قال‪ :‬يا معاذ إنك عسى أن ال تلقاين‬

‫‪150‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫بعد عامي هذا‪ ،‬ولعلك متر بمسجدي هذا وقربي‪ ،‬فبكى معاذ‬
‫‪ I‬لفراق رسول اهلل ‪.0‬‬

‫ث�م التف�ت ينظر إىل املدين�ة بوجهه‪ ،‬فام أن رآه رس�ول اهلل‬
‫‪ 0‬حت�ى قال‪ :‬إن أوىل الناس يب املتقون من كانوا وأين‬
‫كانوا؟‪.‬‬

‫وحتقق ما أحس به رسول اهلل ‪ 0‬فقد فارق الدنيا‪،‬‬


‫وكان مع�اذ غائ ًب�ا عن املدين�ة‪ ،‬وملا وصل اخلرب إلي�ه بكى بكاء‬
‫األم على ولده�ا‪ ،‬وب�كاء اليتيم عىل أمه‪ ،‬فقد مات رس�ول اهلل‬
‫‪ ،0‬ومضت احلياة بعد ذلك‪.‬‬

‫زهده وورعه وتقواه‬

‫ذات مرة بعث عمر غالمه بأربعامئة دينار إىل أيب عبيدة بن‬
‫اجل�راح‪ ،‬وقال له‪ :‬اذهب هبذا امل�ال إىل بيت أيب عبيدة‪ ،‬وانتظر‬
‫ماذا سيفعل هبذا املال؟‪.‬‬
‫وذهب الغالم باملال‪ ،‬فأخذه أبو عبيدة ونادي جاريته قائلاً‬
‫هلا‪ :‬اذهبي هبذه السبعة الدنانري إىل فالن‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪151‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫وهبذه اخلمس�ة إىل فالن‪ ،‬حتى انتهت الدنانري ومل يبق منها‬
‫يشء‪ ،‬وعاد الغالم إىل عمر خيربه بام كان‪ ،‬فوجد الغالم عمر قد‬
‫جهز له أربعامئة دينار أخرى وقال له‪ :‬اذهب إىل معاذ بن جبل‪،‬‬
‫وانتظر ماذا سيفعل هبذا املال؟‪.‬‬

‫وأخ�ذ معاذ الدنانري من الغالم ون�ادي جاريته فأمرها أن‬


‫توزع هذا املال‪ ،‬حتى مل يبق إال ديناران‪.‬‬

‫فقال�ت زوجته‪ :‬نحن واهلل فقراء ي�ا معاذ فأعطنا‪ .‬فأعطى‬


‫هلا الدينارين‪.‬‬

‫ورج�ع الغالم إىل عم�ر خيربه بام كان‪ ،‬فتبس�م عمر قائلاً ‪:‬‬
‫إهنم إخوة بعضهم من بعض‪.‬‬

‫كان مع�اذ كبقية الصحابة‪ ،‬ينظ�ر إىل املال أنه مال اهلل وإنام‬
‫أعطاه له لكي ينفقه يف اخلري دائماً ‪ ،‬حتى أنه كان عىل عهد رسول‬
‫اهلل يعط�ي الن�اس من ماله‪ ،‬حتى مل يبق له مال يف داره ينفق منه‬
‫بعد ذلك‪.‬‬

‫‪152‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫قال أحد التابعني واسمه أبو بحرية‪ :‬دخلت مسجد محص‬


‫‪ -‬بالشام ‪.-‬‬

‫فإذا أنا بفتى حوله الناس جعد((( قطط((( فإذا تكلم كأنام‬
‫خيرج من فيه((( نور ولؤلؤ‪.‬‬

‫فقل�ت‪ :‬م�ن هذا؟ قالوا‪ :‬مع�اذ بن جبل‪ ،‬لق�د كانوا مجي ًعا‬
‫يعرف�ون الفض�ل ملع�اذ ‪ I‬يف علم�ه ال�ذي اس�تقاه م�ن‬
‫رس�ول اهلل‪ ،0‬حتى قال عمر بن اخلطاب‪ :‬من أراد أن‬
‫يسأل عن الفقه فليسأل معاذ بن جبل‪.‬‬

‫ومل�ا حرضت الوفاة عم�ر بن اخلطاب قال‪ :‬ل�و كان معاذ‬


‫ح ًيا الستخلفته‪ .‬فإذا سألني ريب ‪ D‬ملاذا استخلفته؟‪.‬‬

‫قلت‪ :‬إن رس�ول اهلل قال‪ :‬إن العلامء إذا حرضوا رهبم يوم‬
‫القيامة كان معاذ أمامهم يسبقهم بمقدار رمية حجر‪.‬‬

‫(‪ )1‬أجعد الشعر‪.‬‬


‫(‪ )2‬الشديد اجلعودة‪.‬‬
‫(‪ )3‬فمه‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪153‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫أم�ا الصح�ايب اجلليل عبد اهلل بن مس�عود فإن�ه يقول‪ :‬إن‬


‫معاذ بن جبل كان أمة قان ًتا هلل حني ًفا‪ ،‬فقال أحد جلس�ائه‪ ،‬هذا‬
‫إبراهيم يا صحايب رسول اهلل‪.‬‬

‫فق�ال عب�د اهلل ب�ن مس�عود‪ :‬ه�ل ت�دري م�ا األم�ة؟‬


‫وما القانت؟‪.‬‬

‫فق�ال الرج�ل‪ :‬اهلل أعلم‪ ،‬فقال عبد اهلل بن مس�عود‪ :‬األمة‬


‫هو الذي يعلم اخلري‪.‬‬

‫والقانت‪ :‬هو املطيع هلل‪ .D‬وكان معاذ بن جبل ‪I‬‬


‫يعلم الناس اخلري‪ ،‬وكان مطي ًعا هلل‪ D‬ورسوله‪.‬‬

‫حياة ُمعاذ في خالفة عمر‬

‫كان عم�ر ب�ن اخلط�اب ‪ I‬قد من�ع كب�ار الصحابة‬


‫اخل�روج م�ن املدين�ة إال بإذنه‪ ،‬وذل�ك حلاجته الش�ديدة إليهم‬
‫يس�أهلم فيام خيص أمور املس�لمني‪ ،‬ويستشريهم فيام حيدث من‬

‫‪154‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫أم�ور جدي�دة‪ ،‬وكان معاذ ب�ن جبل أحد املفضلين لدى عمر‬
‫‪.I‬‬

‫ولكن املسلمني يزدادون يو ًما بعد يوم‪ ،‬فأرسل عمر بمعاذ‬


‫إىل الشام لكي يعلمهم دينهم ويفقههم فيه‪.‬‬

‫متتلئ‬
‫ويف «مح�ص» كان�ت حلق�ة معاذ بن جب�ل ‪ُ I‬‬
‫بالوافدي�ن م�ن أنح�اء الش�ام ليأخ�ذوا العلم من أعل�م األمة‬
‫باحلالل واحلرام‪ ،‬وأحبه أهل الشام ح ًبا بال ًغا‪.‬‬

‫إال أن أي�ام الده�ر الس�عيدة قليل�ة‪ ،‬فق�د هج�م طاع�ون‬


‫«عمواس» عىل املسلمني‪.‬‬

‫وم�ات أب�و عبيدة ب�ن اجل�راح وايل الش�ام وأمريها ذلك‬


‫الوق�ت‪ ،‬ثم جعل «معاذ بن جب�ل» وال ًيا حتى يبعث عمر ٍ‬
‫بوال‬
‫آخر‪ ،‬فقام معاذ خطي ًبا يف املسلمني حيثهم عىل الصرب‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪155‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫فق�ال‪ :‬أهي�ا الناس إن ه�ذا الطاعون رمحة ربك�م‪ ،‬ودعوة‬


‫نبيك�م‪ ،‬وقبض الصاحلني قبلكم‪ ،‬الله�م آت آل معاذ النصيب‬
‫األوفر من هذه الرمحة‪.‬‬

‫وفاة ُمعاذ ‪I‬‬

‫ويعود معاذ إىل داره فوجد ولده عبد الرمحن أحب أوالده‬
‫إليه قد ُطعن(((‪.‬‬

‫فق�ال معاذ له‪ :‬ي�ا عبد الرمحن كيف أنت؟ ق�ال‪ :‬يا أيب إنه‬
‫احلق من ربك فال تكونن من املمرتين‪.‬‬

‫فقال معاذ‪ :‬ستجدين إن شاء اهلل من الصابرين‪.‬‬

‫وم�ات عبد الرمحن ‪ ،‬ثم مات أخوه اآلخر‪ ،‬وبعدها ماتت‬


‫�ي ُمع�اذ‪ ،‬وبق�ي ه�و ‪ I‬حت�ى أصاب�ه الطاع�ون‪،‬‬
‫َز ْو َج َت ْ‬
‫فلم يقدر عىل القيام‪ ،‬ورقد يف فراشه‪ ،‬فكان ُي ْغ َمى عليه ويفيق‪،‬‬
‫فإذا أفاق قال‪ :‬رب اقبضني إليك فإنك تعلم أن قلبي يحُ بك‪.‬‬

‫(‪ )1‬أصابه الطاعون‪.‬‬


‫‪156‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫ث�م قال ملن حول�ه‪ :‬هل أصبحنا(((؟ فقال�و‪ :‬نعم أصبحنا‬


‫يا معاذ‪ .‬فقال‪ :‬أعوذ باهلل من ليلة صباحها النار‪ ،‬مرح ًبا باملوت‬
‫مرح ًب�ا‪ ،‬زائر قد غاب عنا‪ ،‬وحبيب جاء عىل فاقة(((‪ ،‬اللهم إين‬
‫قد كنت أخافك‪.‬‬

‫وأن�ا الي�وم أرجوك‪ ،‬إنك لتعلم أين مل أح�ب الدنيا وطول‬


‫البقاء فيها لكري((( األهنار‪ ،‬وال لغرس األشجار‪ ،‬ولكن لظمأ‬
‫اهلواجر(((‪ ،‬ومكابدة الس�اعات(((‪ ،‬ومزامح�ة العلامء بالركب‬
‫عند حلق الذكر‪.‬‬

‫ثم أس�لم مع�اذ روحه مل�واله بعد حي�اة قصرية الس�نني‪،‬‬


‫طويلة مليئة باملواقف الرائعة‪ ،‬وبالعلم الغزير‪.‬‬

‫(‪ )1‬هل طلع الصبح؟‪.‬‬


‫(‪ )2‬فقر وشوق وحاجة‪.‬‬
‫(‪ )3‬حفر اآلبار‪.‬‬
‫(‪ )4‬الصيام يف احلر الشديد حتى العطش‪.‬‬
‫(‪ )5‬الصرب عىل الطاعة‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪157‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫وكان�ت وفات�ه يف العام الثام�ن عرش للهج�رة‪ .‬وعند قرب‬


‫مع�اذ البد أنك ستس�مع دع�اءه وه�و يرتنم يف ظلمات الليل‬
‫داع ًي�ا مواله‪ ،‬اللهم قد نام�ت العيون‪ ،‬وغارت النجوم‪ ،‬وأنت‬
‫حي قيوم‪ ،‬اللهم طلبى للجنة بطيء‪ ،‬وهربى من النار ضعيف‪،‬‬
‫الله�م اجعل يل عندك هدى ترده إىل يوم القيامة إنك ال تخُ لف‬
‫امليعاد‪.‬‬

‫‪sss‬‬

‫‪158‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪M‬‬

‫‪u‬‬
‫مقدمة ‪5....................................................‬‬

‫قصة أيب بكر الصديق ‪8............................. I‬‬

‫قصة عمر بن اخلطاب ‪29........................... I‬‬

‫قصة عثامن بن عفان ‪53.............................I‬‬

‫قصة عيل بن أيب طالب ‪71.......................... I‬‬

‫قصة الزبري بن العوام ‪89............................I‬‬

‫قصة طلحة بن عبيد اهلل ‪99......................... I‬‬

‫قصة عبد الرمحن بن عوف ‪109.................... I‬‬

‫قصة سعد بن أيب وقاص ‪120...................... I‬‬

‫قصة سعيد بن زيد ‪132............................ I‬‬

‫قصة أيب عبيدة عامر بن عبد اهلل بن اجلراح ‪138..... I‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪159‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
www.alukah.net

148............................ I ‫قصة معاذ بن جبل‬

159.............................................. ‫الفهرس‬

160 n


You might also like